الناسسقوط بشار الأسد، الرئيس الفار والمخلوع

“سفاحو محكمة الإرهاب”.. قصص يرويها معتقلون سابقون عن قضاة المحكمة/ حنين عمران

2025.02.14

أصدرت وزارة العدل القرار رقم (204/ ل) القاضي بإحالة 87 قاضياً من محكمة الإرهاب والمحكمة الاقتصادية إلى إدارة التفتيش القضائي للتحقيق معهم حول الأحكام التي أصدروها بحق المعتقلين ونوع هذه الأحكام والأعمال الموكلة إليهم في هذه المحاكم.

تضمن القرار، الذي صدر الأربعاء الماضي، إحالة قضاة التحقيق وقضاة محاكم الجنايات ومحاكم النقض ومحامين في المحاكم المذكورة ومستشارين قضائيين ووكلاء نيابة إلى التحقيق.

“محكمة الإرهاب” تأسست وفق القانون رقم 22 لعام 2012 الصادر عن رأس النظام المخلوع، لتكون غطاءً قانونياً للانتهاكات التي مارسها بحق السوريين خلال سنوات حكمه، ففي الوقت الذي كانت تنفذ فيه أحكام الإعدام (ميداني – عسكري) في المعتقلات، كان بعض المعتقلين يحالون إلى القضاء، وتحديداً إلى محكمة الإرهاب أو القضاء العسكري من أجل محاكمتهم، وبالتالي تٌجمع قضاياهم لتكون وسيلة حماية للنظام المخلوع إذا ما تمت مساءلته؛ بأنَّ هؤلاء تمت محاكمتهم بطريقة قانونية وفق قانون الإرهاب ووفق تسمية إجرامهم ضمن القضاء.

ممَّ تتألف محكمة الإرهاب؟

تتألف محكمة الإرهاب من 5 قضاة تحقيق بينهم وسام زيتون ومحي الدين القادري وهم الأسوأ سمعةً في أوساط المعتقلين، و3 محاكم جنايات داخل محكمة الإرهاب، وكل محكمة من محاكم الجنايات تضم ثلاثة قضاة هم: رئيس المحكمة، المستشار المدني، المستشار العسكري.

وفي الفترة الأخيرة قبل سقوط النظام، ترأست زاهرة بشماني محكمة الجنايات الأولى، في حين ترأس محمد رضوان الحجة محكمة الجنايات الثانية، أما محكمة الجنايات الثالثة في محكمة الإرهاب فقد ترأسها عمر المصري.

وكان محمد رضوان الحجة هو الأكثر وحشية في تعامله مع ملفات المعتقلين، وذلك من خلال طول الفترة الزمنية بين الجلسات ومن ناحية اتخاذ الحكم الأعلى والأقسى بحقهم.

وفي شهادات حصل عليها موقع “تلفزيون سوريا” من معتقلين سابقين، أوضحت “بنان.أ” وهي معتقلة حولت إلى محكمة الإرهاب من فرع الأمن السياسي، أن محمد رضوان الحجة كان يترك بعض المعتقلين من دون حضور جلسة واحدة في المحكمة لسنوات.

تقول المعتقلة السابقة “بنان.أ”: “إضبارة المعتقل تبقى منسية لسنوات قبل أن يقرر رضوان استدعاء المعتقل إلى المحكمة لمقابلته للمرة الأولى، وقد لا يستدعيه للجلسة الثانية إلا بعد مرور أشهر طويلة، وهو يتخذ عادة أحكاماً مشددة بحق المعتقلين ولا سيما من كانت قضاياهم مصنفة تمويل أو ارتكاب أعمال إرهابية”. وتضيف المعتقلة: “رضوان لقمته كبيرة ويُشاع عنه بين جميع المعتقلين وذويهم أنَّ التفاوض معه صعب جداً وهو الكل بالكل في المحكمة من بين بقية القضاة، كما أنه يأخذ سبائك ذهب مقابل تخفيف حكم أحد المعتقلين!”، على حد تعبيرها.

    متورطون في إصدار أحكام تعسفية

    بالإعدام والمؤبد..

    إحالة 87 من قضاة “محكمة الإرهاب” في عهد النظام المخلوع للتحقيق#نيو_ميديا_سوريا

#تلفزيون_سوريا pic.twitter.com/XE3uTuKXDi — تلفزيون سوريا (@syr_television)

February 12, 2025

أما زاهرة بشماني، فقد تسلّمت رئاسة محكمة الجنايات الأولى في عام 2017 بالمرسوم رقم 287 والقرار رقم 1645 بتاريخ 20/8/2017، بدلاً من القاضي غازي الصالح، وهي المرأة الوحيدة التي تسلمت رئاسة محكمة إرهاب في سوريا.

وعلى غرار محمد رضوان الحجة، عُرفت زاهرة بشماني بأحكامها التعسفية بحق المعتقلين، بحسب شهادات حصل عليها موقع “تلفزيون سوريا” لنساء تم اعتقالهن ومحاكمتهن من قبل بشماني.

إحدى هذه الشهادات تقول إن زاهرة بشماني حكمت على المعتقلة “دنيا.ن” بخمس سنوات و8 أشهر فقط لكونها كانت تعيش في مناطق سيطرة قسد، علماً أنَّ دنيا امرأة من أصول كُردية وكانت تعيش هناك بحكم وجود عائلتها في نفس المنطقة، وقد جُرِّمت على إثر “تقرير كيدي” بعد تحويلها من فرع الأمن السياسي إلى محكمة الإرهاب بـ “الانضمام إلى المنظمة الإرهابية”.

ووفقاً لما أوضحته المعتقلات، فإن زاهرة بشماني كانت تنتقم بأحكامها التعسفية على المعتقلين لأخيها الذي كان من قتلى النظام المخلوع، وأنّها كانت تتخذ الحكم الأعلى من حيث عدد السنوات، وأنَّها مسؤولة عن إعدام مئات المعتقلين ولا سيما الذين ينحدرون من إدلب وريف دمشق مثل داريا ودوما وحرستا.

في حديثه لموقع تلفزيون سوريا، أوضح بشار قاسم، معتقل سابق، الذي كانت قضيته عند زاهرة بشماني، أنها أعدمت اثنين من زملائه (في القضية نفسها) وحكمت عليه بـ 15 عاماً، لكنه خرج بعد تقديمه “ربع المدة” بعد قضائه 12 عاماً و9 أشهر.

يقول بشار قاسم: “نطقت زاهرة بالمؤبد لي بجرم التدخل في ارتكاب أعمال إرهابية، وبالإعدام لاثنين من أصدقائي بجرم ارتكاب أعمال إرهابية أدت إلى وفاة شخص، كنت من سكان حرستا حينما تم اعتقالي في تشرين الثاني/نوفمبر عام 2011 وكنت منضماً إلى كتيبة أبي عبيدة الجراح مع أبناء دعوتي، وهي أول كتيبة أسست في ريف دمشق لحماية المظاهرات، وحينما اعتقلونا اتهمونا بقتل أحد أتباع النظام الذين واجهوا المظاهرات بالرصاص وقتل المدنيين، ومنذ اعتقالنا وتحويلنا إلى محكمة الإرهاب لم يصدر حكم بحقنا حتى عام 2019 وبعد حضورنا 64 جلسة في المحكمة، ونفذ حكم الإعدام بأبناء دعوتي: فاروق عمر عفوف، ووائل غلايني في آب/أغسطس 2022، وبقيت أنا مسجوناً حتى أيار/مايو 2024”.

وأشار المعتقل السابق بشار والمحامية الموكلة بقضيته إلى طريقة التعامل التي كانت تتعامل بها القاضية بشماني مع المعتقلين على أساس طائفي ومناطقي.

يذكر بشار أنَّ زاهرة رفضت قبول ربع المدة له في المرة الأولى، وأجلته قرابة السنة و3 أشهر حتى وافقت على إخلاء السبيل بربع المدة، بدورها تذكر محامية بشار أن زاهرة بشماني قالت لها: “معليش! أهل حرستا وسخين”.

 تقول والدة بشار في حديثها لموقع “تلفزيون سوريا”: “وصلت إلى مكتب زاهرة بعد عناء كبير ودفعت آنذاك أرقام خيالية فقط حتى أصل إلى مكتبها وأطلب منها الموافقة على إخلاء سبيل وقد بكيت وأنا في مكتبها، فقالت لي زاهرة عندما رأتني أبكي: عم تبكي؟ ابكي يللا ابكي.. والتفتت إلى عنصر الحراسة الواقف أمام الباب وقالت له مهددة أم بشار: خذها إلى مكان ابنها خليها تتسلى!”.

أما القاضي عمر المصري الذي يترأس محكمة الجنايات الثالثة، فالأحاديث عنه قليلة بعض الشيء، ويُقال إنه الأقل سوءاً مقارنة ببقية القضاة، وعلى لسان والد المعتقلة “ح.ق” في شهادته لموقع تلفزيون سوريا أنَّه حينما حاول استعطاف القاضي المصري للموافقة على إخلاء سبيل ابنته وهي طالبة في كلية الهندسة المعلوماتية، وجُرِّمت بـ “تمويل الأعمال الإرهابية” ويصل حكمها إلى 10 سنوات، قال عمر المصري لوالد الشابة: “نحن مقيّدون بالضبط الأمني ونعلم أننا نحكم الكثير من الأشخاص ظلماً لكننا لا نستطيع تجاوز الضبط الأمني!”. كما قال له قاضي التحقيق محي الدين القادري عن تهمة ابنته بتمويل الإرهاب: “أحيانا تحويل رصيد بـ 200 وحدة على الموبايل نعتبرها تمويل ونحكم المتورط بالسجن لسنوات!”.

قصة المعتقل في محكمة الإرهاب

بعد تحويل المعتقل من الأفرع الأمنية التابعة للنظام المخلوع مثل فرع المخابرات الجوية أو فرع الأمن العسكري أو فرع فلسطين أو فرع الأمن السياسي.. أو غيرها، يتم إيداعه في أحد السجون المدنية مثل سجن عدرا في ريف دمشق، ثم يُحوَّل إلى أحد قضاة التحقيق في محكمة الإرهاب في اليوم التالي مباشرةً ويمنع خلال ذلك من التواصل مع أي أحد أو إجراء اتصالات بعد خروجه مباشرةً من الفرع الأمني.

وبحضور أول جلسة تحقيق، يتم أخذ اعترافاته حول النقاط المذكورة عنه في “الضبط الأمني” الذي كتبه المحققون أو لجنة التحقيق في الفرع الذي استدعاه. وعادةً ما يرمي قاضي التحقيق ثوب القاضي ليؤدي دور المحقق، فيدخل المعتقل بذلك في “حفلة تحقيق” جديدة لا تخلو من الضغط النفسي والإهانة غير المباشرة، ولا سيما أنّه يكون مر بـ “حفلة التعذيب” التي أنهكت جسده في الفرع الأمني وتركت علاماتها على ملامحه.

يرفض قاضي التحقيق في معظم الحالات، وفق شهادات حصل عليها موقع “تلفزيون سوريا”، مشاهدة علامات التعذيب على جسد المعتقل الهزيل، حتى وإن طلب المعتقل من القاضي رؤية هذه العلامات، وذلك حتى لا يقع القاضي تحت وطأة المساءلة حول ما شاهده على جسد المعتقل وحتى لا يكون ذلك طريقاً لتخفيف الحكم عنه أو إعطائه أمر “ترك”.

في حديثها لموقع تلفزيون سوريا، تتحدث إحدى المعتقلات “ح.ق” أنَّ القاضي محي الدين القادري وهو قاضي التحقيق الثاني في محكمة الإرهاب، رفض رفضاً تاماً رؤية علامات التعذيب البادية على جسدها بعد خروجها من فرع المخابرات الجوية – التحقيق في مطار المزة العسكري، وأوضحت أن القادري رفض ما قالته له حول أن الاعترافات انتزعت منها تحت التعذيب، وأصرَّ على تجريمها بتحويلها إلى محكمة الجنايات بدلاً من إعطائها “أمر ترك”، عدا عن أسلوبه الفظ، تقول لموقع تلفزيون سوريا: “ذكرني بالمحقق في الفرع.. نفس الأسلوب لكن بطريقة الإهانة الساخرة”. وقد أدرج اسم القادري ضمن قوائم وزارة العدل في القرار الآنف الذكر.

نعوات يومية تكشف ما خلف القضبان.. ماذا يجري في سجون النظام السوري؟

وبعد تحويل المعتقل إلى إحدى محاكم الجنايات، تبدأ معاناته غير المنتهية والتي يتلاشى فيها أمله تدريجياً بالخروج من السجن؛ فجلسات محكمة الإرهاب هي الأكثر طولاً بين جميع المحاكم وبالمقارنة بالمحاكم المدنية. وليس مستبعداً أن تكون المدة الفاصلة بين الجلسة والثانية سنة أو سنتين.

شهادات من داخل سجن عدرا للنساء، حصل عليها موقع تلفزيون سوريا، أوضحت أنَّ إحدى السجينات التي كان ملّفها عند القاضي محمد رضوان حجة، وهي معتقلة وجهت لها تهمة قتل عسكري في جيش النظام المخلوع وتدعى “زهرة.ح”، وبتهمة “ارتكاب أعمال إرهابية أدت إلى وفاة شخص”، وأمضت زهرة ما يزيد عن  8 سنوات في السجن من دون محاكمة تقضي بعدد سنوات معينة في السجن أو حتى بالإعدام أو أي حكم آخر، وفي حديثها عن داخل السجن، كانت “زهرة.ح” التي عملت في طبابة السجينات في سجن عدرا للنساء، تتحدث عن كونها لا تزال بلا حكم، وأنَّ حكمها أصلاً انتهى، لكن القاضي محمد رضوان حجة يرفض محاكمتها أو إخلاء سبيلها، والحجة هي القاضي المعروف بترك قضايا المعتقلين معلقة من دون حكم لسنوات وأنه إذا ما قرر اتخاذ حكم فإنه يتخذ الأحكام الأشد والأقسى بحقهم.

أمَّا المعتقلة السابقة خضرة فياض، وهي تحمل الجنسية اللبنانية حسب قولها، وبقيت قرابة 13 عاماً في سجن النساء بعد تحويلها من فرع الأمن السياسي في حمص إلى محكمة الإرهاب، فقد نطقت القاضية زاهرة بشماني بالإعدام بحق خضرة، ومن ثم خففت الحكم بعد ذلك إلى المؤبد، قضت منها 13 عاماً في السجن لا تصلها معونة ولا حوالة مالية ولا زيارة.. لقد نسيها الأهل والأقارب في السجن.

وكانت خضرة قد تعرضت لأشد أنواع التعذيب قبل تحويلها إلى محكمة الإرهاب، بما في ذلك “الشبح” و”قلع الأظافر” والضرب بأدوات حادة والتجويع، وكانت محكمة الإرهاب قد جرّمتها بعدّة جرائم حتى يكون حكم الإعدام ومن ثَمَّ المؤبد بحقها مبرراً.

سيف “الضبط الأمني”.. و”البازار بالذهب”

تخضع محكمة الإرهاب لما يتم كتابته في “الضبط الأمني” الذي يحول وفقاً له المعتقل من أحد الأفرع الأمنية إلى القضاء، وتُكتب في الضبط الأمني “سردية” المحقق أو لجنة التحقيق “المُتخيَّلة” عن جريمة المعتقل وتفاصيلها وصولاً إلى شكل المحاكمة المفترض والذي يكون بمنزلة توجيه وأمر للقاضي وفق معطيات الضبط الأمني.

وما أكده المعتقلون لموقع “تلفزيون سوريا”، أن بعض الكلمات داخل الضبط الأمني وبعض المعلومات هي عبارة عن رسائل من الفرع الأمني إلى القضاة؛ كأن يذكر اسم المنطقة التي ينحدر منها المعتقل في مقدمة الضبط الأمني، فمناطق مثل: إدلب، درعا، دوما.. هي مناطق مغضوب عليها وبالتالي يكون الحكم تعسفياً شديداً بحق المعتقلين من هذه المناطق.

أما “بازار” تخفيف الأحكام كما يسميه ذوو المعتقلين، فهو متاهة كانت تُكلف أهالي المعتقلين سبائك ذهب وليرات للقضاة والمحامين وسماسرة المحكمة والأمن الوطني، ولا سيما أنَّ عملية “توزيع اللُّقَم” كانت تبدأ من موظف الديوان في المحكمة مروراً بالقضاة والمستشارين ووصولاً إلى المتنفذين في مكتب الأمن الوطني، وبالطبع “كُّلٌ له لقمته بحسب حجمه ووزنه!”.

وقد وصلت مئات الألوف من الدولارات إلى مكتب الأمن الوطني من أجل إخلاء السبيل أو تخفيف حكم أحد المعتقلين لكن من دون فائدة، إلا فيما يتعلق ببعض الحالات الخفيفة شرط وجود “واسطة” ثقيلة الوزن.

 المعتقلة “س.ق”، التي تمَّ اعتقالها في عام 2015 لمدة 14 يوماً قضت منها 9 أيام في فرع الأمن السياسي بسبب زوجها المصنف لديهم على أنه “إرهابي”، واعتقلوها من فرع الهجرة والجوازات في ركن الدين في أثناء استخراجها جوازات السفر لها ولأبنائها، أوضحت أنَّ عائلتها دفعت ما يزيد على 50 ألف دولار أميركي لمكتب الأمن الوطني حتى يمنحها قاضي التحقيق في محكمة الإرهاب “أمر ترك”.

ويقول المعتقل بشار القاسم: “ليتني كنت عند القاضي محمد مازن خانكان أو غازي الصالح؛ لكونهما يقبلان التفاوض بالمال مقابل تخفيف الحكم وتقليل عدد سنواته.. ومع أنَّ لقمتهما كبيرة ولا يقبلان إلا بألوف الدولارات، لكن أحسن من زاهرة بشماني التي كانت حاقدة لا تقبل إلا بأمر من واسطة كبيرة”.

وقد استطاع موقع “تلفزيون سوريا” الوصول إلى معتقل سابق، اسمه محمد منار شاهر قويدر، والذي تم اعتقاله مع أبيه في عام 2016 عندما كان لا يزال طالباً في الثالث الثانوي، إذ تم اقتياده إلى فرع الـ 215 في كفرسوسة، بعد أن أوقفه حاجز الأمن العسكري في منطقة جمرايا، لتبدأ رحلة التعذيب بالضرب والإهانة بدءاً من الحاجز وطوال 75 يوماً قضاها مع أبيه في زنزانات الـ 215، قبل أن يتم إحالتهم إلى محكمة الإرهاب بتهمة “تمويل أعمال إرهابية”، فقط لكونهم كانوا يحملون بعض المواد الغذائية لبيت عمه في منطقة معربا، وعندما استقبلهم قاضي التحقيق الخامس آنذاك (ميزر عدنان يونس) وفي أول جلسة تحقيق مارس القاضي ميزر مع محمد وأبيه شاهر أسلوب محقق الفرع الأمني نفسه واتهمهم بإدخال السلاح والغذاء إلى “الإرهابيين” ووصف محمد بالمتواطئ والمتستر على أبيه “الإرهابي”.

يقول المعتقل محمد لموقع “تلفزيون سوريا”: “بقينا سنة كاملة في التحقيق قبل أن يتم تحويلنا إلى محكمة الجنايات، ورفض قاضي التحقيق ميزر سماعي على الرغم من أنني قلت له إنني طالب بكلوريا وإنني تعرضت للتعذيب الشديد في الفرع، لكنه قرر إيقافنا في السجن بدلاً من إعطائنا أمر ترك، وحينما تحدثت أمي إليه قالت له إنها ليس لديها معيل غيرنا، لكنه طردها من مكتبه قائلاً: اطلعي برا.. مين قال له يطلع مع أبيه الإرهابي، ابنك عم يغطّي على أبيه!”.

وأوضح محمد أنَّ القاضي ميزر يونس قبض مبلغ 10 آلاف دولار أميركي آنذاك عن طريق سمسار من أجل إعطائهم “إخلاء سبيل تحت محاكمة” لكن من دون فائدة، إذ تم تحويلهم إلى قاضي الجنايات محمد مازن خانكان الذي كان “سفاح بالأحكام مثل زاهرة بشماني” بحسب وصف المعتقل محمد قويدر.

وقد تقاضى خانكان أيضاً ما قيمته 5 آلاف دولار مقابل تعجيل الحكم وتخفيفه، لكن محمد قويدر وأباه حضروا 17 جلسة في محكمة الجنايات الثانية التي كان يترأسها خانكان آنذاك من دون أن يحكمهم، وفي نهاية عام 2019 وبعد تسلّم محمد رضوان الحجة رئاسة محكمة الجنايات الثانية، قام الحجة بحكمهم لمدة 4 سنوات ونصف، ثم طعنت النيابة بالحكم من أجل رفع الحكم بحق محمد وأبيه وزيادة الغرامة، وهنا بدأت حلقة “مبازرة” جديدة من أجل إيقاف طعن النيابة وتثبيت الحكم السابق الذي كان 4 سنوات ونصف وغرامة قدرها 100 ألف ليرة سورية، وقد اضطرت عائلة محمد وشاهر إلى دفع 5 آلاف دولار أميركي داخل المحكمة من أجل ذلك.

يقول محمد قويدر لموقع “تلفزيون سوريا”: “أنا أريد أن أفهم كيف أضاعوا لي كل هذه السنوات وأنا كنت طالباً في المدرسة ووصفوني بالإرهابي..!”.

ويشار إلى أنه لا يوجد ما يُسمى “إخلاء سبيل تحت مُحاكمة” كما هو الحال في بقية المحاكم المدنية، فالمُتهم يبقى سجيناً حتى انتهاء حكمه. كما أنَّ محكمة الإرهاب لم تشملها مراسيم العفو التي أصدرها النظام المخلوع خلال سنوات حكمه، فيما عدا مرسوم العفو رقم 22 لعام 2014، ومرسوم العفو رقم 7 لعام 2022، وهي مراسيم لم تشمل إلا فئة قليلة من المعتقلين الذين لم تتم تصفيتهم بعد، والذين قضوا -بطبيعة الحال- سنوات طويلة في السجن أنهوا خلالها ما يزيد عن مدة حكمهم فيما لو تمت محاكمتهم.

مئات المعتقلين الذين كانوا ينتظرون تنفيذ حكم الإعدام “المفاجئ” بهم، وغيرهم من الذين اعتادوا حياة السجن والزنزانة فصاروا يعدُّون الأيام من دون أمل، كان التحرير بالنسبة إليهم أشبه بالمعجزة التي كتبت ولادتهم الجديدة كما كتبت لسوريا ولادتها الجديدة. ويطالب بشار قاسم وغيره من المعتقلين بمحاكمة القضاة ويقول: “نحتاج من يسمعنا ويسترد لنا حقوقنا من سفاحي القضاء وسفاحي الأفرع الأمنية.. لقد تعبنا من بقاء أصواتنا مكتومة كما كانت أنيناً في الزنزانات، فهل سيلاقون القصاص حقاً؟”.

تلفزيون سوريا

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى