سوريا حرة إلى الأبد: مقالات وتحليلات 15 شباط 2025

حرية إلى الأبد: كل المقالات والتحليلات والحوارات التي تناولت انتصار الثورة السورية اعتبارا من 08 كانون الأول 2024، ملاحقة يومية دون توقف تجدها في الرابط التالي:
سقوط بشار الأسد، الرئيس الفار والمخلوع
———————————–
بغداد – دمشق والقمّة العربية/ بشير البكر
15 فبراير 2025
تشكّل القمة العربية التي ستنعقد في بغداد في مايو/ أيار المقبل، أول امتحان فعلي للعلاقات بين السلطة السورية الجديدة والحكومة العراقية. ويعود السبب في ذلك إلى موقف حكومة بغداد المتردّد تجاه مشاركة الرئيس السوري أحمد الشرع في أعمالها. وقد صدرت تصريحات عن مسؤولين عراقيين وآخرين في جامعة الدول العربية، تلمّح إلى أن هناك حرجاً، بسبب ردود الفعل غير الودّية للأحزاب والفصائل العسكرية العراقية الحليفة لإيران. وإن حصل ذلك، فإنما يعبّر عن عدم التزام بميثاق الجامعة وبروتوكولات القمم العربية، حيث يعود تحديد مستوى التمثيل السوري لدمشق، وليس للدولة المستضيفة للقمّة، ومجرّد أن يطرح الأمر للنقاش، وترتفع أصوات عراقية تعارض أو تتحفظ على مشاركة الرئيس السوري، وتمثيله بوزير الخارجية أسعد الشيباني، فذلك يعني أن الأمر يتخطى الناحية الإجرائية، ما يفرض على الحكومة العراقية موقفاً أكثر صراحة وحسماً، وخاصة أن أغلبية الدول العربية رحّبت بالتحول السوري، وزارت وفود منها دمشق للتهنئة والتعرّف إلى الإدارة الجديدة وتوجهاتها، بما في ذلك العراق، الذي أرسل وفدا أمنيا برئاسة رئيس جهاز المخابرات العراقي، اجتمع بالرئيس السوري في ديسمبر/ كانون الأول الماضي.
يشكّل انعقاد القمة العربية في بغداد مناسبة مهمّة لفتح ملف العلاقات السورية العراقية التي تحتاج إعادة تأسيس من الصفر، بهدف تصفية تركة الماضي البعيد الثقيلة، وتجاوز آثار حكم البعثين الشقيقين اللدودين للبلدين، وخصومات كل من الرئيسين الأسبقين حافظ الأسد وصدّام حسين. وهذا يتطلب شجاعة كبيرة في التعامل مع الأمر الواقع والبناء عليه، كون الإيجابيات المشتركة أكثر بكثير من السلبيات، وما يجمع البلدين في التاريخ والجغرافيا أقوى مما يفرّقهما. والخطوة الأولى على هذا الطريق إعادة بناء الثقة المفقودة وتبديد المخاوف المتبادلة، وهذه ليست مسؤولية طرف وحده، بل هي قضية مشتركة، تتطلب من حكّام البلدين ومؤسّسات المجتمع المدني والهيئات الثقافية والإعلامية، أن يعملوا معاً وفق روحية تطوير المشتركات بين البلدين والشعبين.
مؤكّدٌ أن هناك أطرافا إقليمية ودولية لن يسعدها تصحيح العلاقات السورية العراقية، وحصول تقارب سوري عراقي حتى في حدوده الدنيا، وسوف تعمل من أجل إبقاء الشكوك والتوترات، وتخريب كل مسعى وفاقي، لأن تعميق الخلافات بينهما يُبقي على هذين البلدين المهمين في العالم العربي أسيرين لسطوة الهيمنة الخارجية، ولن توفّر هذه الأطراف وسيلة لمنع التقائهما، الذي سوف يترجم نفسه على نحو فوري إلى تغيير لموازين القوى السياسية والعسكرية والاقتصادية، وتشكيل نواة تجمع عربي كبير جغرافياً واقتصادياً وبشرياً. ومن دون وعي أصحاب القرار في بغداد ودمشق هذه الحقائق، والعمل على التعامل معها بمرونةٍ شديدة وأساليب عمل جديدة تقطع مع أساليب الماضي، سوف تزداد الخلافات ويمكن أن تتطوّر إلى ما هو أسوأ، على نحو يستنزف قسطاً مهماً من طاقات البلدين.
اللقاء بين دمشق وبغداد في منتصف الطريق أفضل من رفع كل طرف سقف شروطه، ووضع طلبات تعجيزية على الطاولة، ويمكن لبعض الأشقاء العرب الذين يهمّهم إحياء التضامن العربي، أن يلعبوا دورا في تقريب وجهات النظر من خلال تفعيل المؤسسات العربية، وفي مقدّمتها جامعة الدول العربية، التي عليها أن تغادر حالة الشلل التي تعيشها منذ عدة عقود، وهذا يتطلب رؤية وعزيمة وتكاتف الجهود بين الدول العربية كافة لمواجهة التهديدات من اتجاهات مختلفة، والتي تتمثل في بعض المشاريع الخارجية الهادفة إلى إعادة صياغة المنطقة وفق مصالحها، ومن ذلك مشروع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للشرق الأوسط، الذي يبدأ بتهجير الشعب الفلسطيني من أرضه، وتوسيع مدى التطبيع العربي مع إسرائيل، والتحكّم باقتصاد العالم العربي وثرواته.
العربي الجديد
———————————
شهر عسل أخير أمام الحكومة السورية؟/ عمر قدور
السبت 2025/02/15
لا توجد تقاليد سياسية في سوريا، ووجودها المأمول سيكون حصيلة تراكم مديد لخبرات الحكم والمعارضة وتداول السلطة. مثلاً، في بلد مثل الولايات المتحدة تُعَد المئة يوم الأولى من عمر الإدارة الأميركية رقماً معيارياً يتم التوقف عنده، فيُقيَّم أداء الإدارة خلال هذه المدة، وتُسأل عمّا أنجرته من وعود لها، أو عمّا شرعت فعلاً في إنجازه. في جانب منها تعكس جردة الحساب، بعد انقضاء مئة يوم، أن شهر العسل قد انتهى، وأن الإدارة حظيت خلال المدة الفائتة بالأعذار والتبريرات التي يجب أن تُمنح لكل وافد جديد إلى السلطة.
مع ذكرى الثورة السورية في الشهر المقبل، تكون السلطة الجديدة قد أتمت مئة يوم في الحكم، إذ يقع الرقم مئة بين يومي 15 و18 آذار، وهما اليومان اللذان ينقسم سوريو الثورة حول اعتماد واحد منهما كتأريخ لبدئها. ولذكرى الثورة طعم مختلف هذه السنة، إذ يُتوقع أن تشهد احتفالات واسعة على خلفية إسقاط الأسد قبل ثلاثة شهور ونيّف. ومن المتوقّع أن تبادر الحكومة قبيل الذكرى وعشيتها إلى إعلان العديد من القرارات والإجراءات، وبعضها معلنٌ عنه بعمومية مع وقف التنفيذ، من دون ذكر المزيد من التفاصيل.
الأمثلة عديدة فيما يتعلق بالمنتظر خلال شهر، فهناك “مؤتمر الحوار الوطني” الذي أُعلن مؤخراً عن تشكيل لجنته التحضيرية، ولا يُستبعد أن تُوجَّه الدعوات إلى المختارين ليكونوا أعضاء في المؤتمر، خصوصاً مع تسريب أخبار عن أن العمل في أروقة التحضير يسبق ما هو معلن. ينافس أخبار مؤتمر الحوار ما تم تأكيده على أعلى المستويات لجهة تشكيل حكومة انتقالية في الشهر المقبل، مع الإشارة إلى أنها ستكون مفاجئة “إيجاباً”، ومن المتوقع أن يُعلن عنها عشية ذكرى الثورة، أو في وقت قريب جداً منه.
الخبر المنتظَر، والذي لا يقل أهمية بالنسبة لسوريين كثر، ظهرت تباشيره قبل ثلاثة أيام بالأنباء عن وصول طائرة شحن روسية تحمل كمية ضخمة من العملة السورية المطبوعة في روسيا. وكانت الأسابيع الأخيرة قد شهدت صعوداً في سعر صرف الليرة قياساً إلى الدولار، يعود قسم منه إلى الشحّ في المعروض من الليرة بسبب تأخر الحكومة عن تسديد رواتب موظفين لديها. بموجب الأخبار الأخيرة، قد تتوفر السيولة لا لدفع الرواتب المستحقة فقط، وإنما أيضاً للإعلان عن زيادة فيها، مع التذكير بأن العهد الجديد كان قد وعد بزيادة تبلغ 400%.
نذكّر بأن العهد الجديد نال ترحيباً خارجياً قلّ أن تناله سلطة جديدة، وإيران هي الاستثناء الوحيد المعروف ضمن الإجماع على مساندته. في المقابل، قدّم الرئيس الشرع ووزير خارجيته خطاباً مطمئناً للخارج، ويجوز وصف ما جرى حتى الآن بأنه إعلان نوايا طيبة متبادل بين الجانبين. إعلان الحكومة الجديدة سيكون بمثابة اختبار خارجي، فوق دلالاته الداخلية، لأن الحكومة المقبلة ستكون تحت الأضواء من خلال ملفات كثيرة تتعلق بالتعافي المبكّر. أي أن التعاطي مع الخارج لن يكون مقتصراً على الرئيس ووزير الخارجية، فهناك مساعدات تتعلق بالصحة والمواصلات والمدارس والطاقة…إلخ، والترتيبات الخاصة بها ستكون من خلال الوزراء المعنيين بكل قطاع.
بالطبع، ستكون الحكومة الانتقالية المقبلة تحت مجهر الداخل، وكذلك هو حال ما يتفرّع عنها من تعيينات في الوظائف العليا، أو من إعادة هيكلة إدارية واقتصادية. فالحكومة الحالية لم تُطرح كجسم تمثيلي، وقيل إنها حكومة لون واحد بسبب لحظة التغيير التي تتطلب أشخاصاً سبق لهم العمل كفريق، لذا صار مفهوماً أن الحكومة المقبلة سيكون لها جسم تمثيلي. الأهم سيكون هو الأداء الحكومي، فالأداء الجيد سيبرر النواقص (المتوقعة أو الحتمية) على الصعيد التمثيلي، والمطلوب من الفريق الجديد نتائج ملموسة على الصعيد الخدمي والمعيشي للجميع، وفي المقدمة الفئات الأضعف.
تطول القائمة إذا شئنا تعداد ما هو منتظر، أو مطلوب، من العهد الجديد بعد انقضاء مئة يوم على وجوده. وستبدو عديمة الرحمة مطالبته بإيجاد حلول لأزماتٍ عمرُ بعضها عشرات السنين، ومسؤولو العهد أنفسهم لم يرأفوا بأحوالهم وبإمكانياتهم وهم يطلقون تصريحات شديدة التفاؤل. جدير بالملاحظة أن الاهتمام بتصريحاتهم تراجع في الآونة الأخيرة، وهي لم تعد تحمل جديداً بسبب عدم وجود وقائع جديدة.
في كل الأحوال، بعد أسابيع قليلة سينصب الاهتمام أكثر فأكثر على الأفعال ونتائجها، وهذا هو المعتاد في كافة البلدان، إذا لم يؤخذ في الحسبان إرثٌ من تشكك السوريين إزاء الأقوال. الكثير من المواقف تجاه العهد الجديد هي اليوم نتاج الحقبة السابقة، أما المواقف السياسية الحقيقية فستتكوّن بناء على الوقائع المستجدة، وهذا أيضاً من طبائع السياسة؛ يعزز من هذا السلوك السياسي المعهود تزايدُ الاطمئنان إلى أن العهد القديم لن تكون له فرصة العودة.
ستكون هناك مطالبات أكبر من الإمكانيات المتاحة، إن لم تكن المطالبات علناً فستكون ضمناً، ومن خلال تجربة العقود الماضية يجوز الجزم بأن صمت السوريين لا يعني الرضا. في مواجهة ذلك لن يكفي التذكير طوال الوقت بالتركة الثقيلة التي ورثها العهد الجديد، بما أن المسؤولين ارتضوا لأنفسهم مواقعهم. والقول أن على السوريين التخلّص من ثقافة الاعتماد على الدولة يتطلب تخلي السلطة عن موقع المسؤولية الحصري، لتكون المشاركة في المستويات العليا إنقاذاً للسلطة نفسها من تحمّل ما يفوق طاقتها، قبل أي اعتبار آخر. ويبقى الأهم، على المدى الأبعد، هو التخفف من المركزية المفرطة، لأن توزيع السلطة من رأس الهرم في اتجاه قاعدته يورّط في المسؤولية عدداً أكبر من القوى المجتمعية.
والكلام عن شهر عسل أخير لا يعني انقلاباً دراماتيكياً في نهايته، بل هو تأكيد على المسار الطبيعي الذي لا بد من الخوض فيه. ففي السبعين يوماً الماضية تغلّبت الأجواء الاحتفالية بسقوط الأسد، وهذا مفهوم عطفاً على فرحة الخلاص من حكم استمر لأكثر من نصف قرن، وقبل شهور قليلة شاع اليأس مما يحدث خارجياً على صعيد إعادة تدويره. ومن المنطقي أن تبلغ الاحتفالات ذروتها في ذكرى الثورة، ثم تنتهي ليبدأ موسم الجد وأسئلته.
لعل الصعوبات السابقة تتفاقم مع عدم وجود معطيات واضحة حتى الآن فيما يخص سيطرة المركز على كافة الأراضي السورية، فالسيطرة غائبة كلياً عن مناطق الإدارة الذاتية “مسد”، وغائبة جزئياً عن الجنوب. بقاء الوضع على ما هو عليه سيكون بمثابة تحدٍّ يُضعف الحكومة المقبلة، وسيُفهم كإشارة سلبية من الخارج، ويُضعف مشروع المؤتمر الذي قيل أولاً إنه وطني ثم قيل إنه مؤتمر للحوار بتوصيات غير ملزمة. أما محاولة الإجابة عن السؤال الأساسي الخاص بتوحيد البلاد فتذهب بنا إلى التساؤل عن أولويات الرئيس ترامب في المئة يوم الأولى من عهده!
المدني
—————————-
“هيئة تحرير الشام” بعيون المخابرات السوريّة: “التوك توك” الذي تحوّل إلى حوّامة!/ عمّار المأمون – فراس دالاتي
15.02.2025
التنوع في التقارير و”المصادر” الاستخباراتيّة يكشف أن أعداء النظام السوري كثر، ماسونيون، إرهابيون، شتّامو الأسد، لكن نظرياً أبرز “الأعداء” هم ” هيئة تحرير الشام” ، التي أحاطت بها من وجهة نظر المخابرات الكثير من الفرضيات التي يصل بعضها إلى مستوى نظريات المؤامرة !
لا يخلو البحث في وثائق مخابرات النظام السوري من مفارقات تتجاوز المخيّلة أحياناً، وكأن كتاب التقارير الأمنية ومذكرات الاطلاع يشحذون مخيّلتهم إما اعتماداً على أهوائهم الشخصيّة أو على ما يظهر أمامهم في مواقع الإنترنت أو تبنّي أكاذيب روّج النظام نفسه لها.
مفارقات كثيرة تنتمي إلى عالم المؤامرات كأن نقرأ في “مذكرة إطلاع” موجهة لمدير المخابرات العامة (330) عام 2016 عن “آل سعود والأردوغانية صنوان لا ينفصلان عن الماسونيّة!”، وبعضها يستهدف شخصاً بعينه، كمذكرة تعود لعام 2024 مصنفة “سريّ للغاية”، عن أحدهم الذي اعترف بأنه خلال وجوده في الإمارات “كان يتلفظ بعبارات مسيئة لشخص القائد المؤسس حافظ الأسد وشخص السيد الرئيس بشار الأسد والسيدة الأولى أسماء الأسد”، هذه التهمة منفصلة عن تهم النصب التي تلاحقه.
يكشف هذا التنوع في التقارير و”المصادر” أن أعداء النظام السوري كثر، ماسونيون، إرهابيون، شتّامو الأسد، لكن نظرياً أبرز “الأعداء” هم ” هيئة تحرير الشام” التي تليها دوماً كلمة “الإرهابيّة”، وأحياناً يطلق عليها اسم “جبهة النصرة”، الاسم الذي لم تعد تتبناه الهيئة منذ عام 2016، حين أعلنت فك الارتباط مع “القاعدة”، مع ذلك، بقيت التسمية متداولة في بعض التقارير، ربما للتأكيد على الولاء وصفة “الإرهاب”.
اهتراء تدريجي أم سوء استخدام للمصادر!
نلاحظ مع مرور السنوات تراجع قدرات الاستخبارات السوريّة، إذ يتضح مثلاً أنهم في عام 2016 (حسب أحد الوثائق) لم يمتلكوا معلومات عن “زهران علوش” مثلاً، وفي وثيقة موجّهة لرئيس فرع المهام الخاصة في إدارة المخابرات الجوية في 1/3/2016، رداً على طلب معلومات عن “أبو مالك التلي” بتاريخ 27/02/2016، كانت الإجابة: ” لا تتوافر لدينا أي معلومات حول الإرهابي أبو مالك التلي”، لكن اسمه الحقيقي يظهر لاحقاً في تقرير آخر بعد شهرين!
المفارقة أن جريدة الأخبار اللبنانية، المقرّبة من حزب الله، تغطي أخبار أبو مالك التلي منذ عام 2014، وغياب معلومات عنه شأن مثير للحيرة، ربما السبب عدم التنسيق بين الأفرع، لكن هل الفصام بين هذه الفروع وصل حد العجز عن معرفة واحد من أبرز الأسماء آنذاك!
الاقتباس من جريدة أو موقع إلكتروني حين مناقشة وثيقة استخباراتيّة، قد يبدو استخفافاً بالجهد المخابراتي لنظام الأسد بل وبالجهد الصحافي الذي يبذل عادةً للتحقق من المعلومات ورصد “منطقيّة” الوثيقة ، لكن حين يُرفق مقال من موقع “الجمل بما حمل” بمنشور عام 2007، تحت عنوان “الماسونية العالمية: 22937 محفلاً تضم 176388 عضواً”، يتضح أن استخدام “الإنترنت” للتدقيق جهد مزدوج بيننا وبين رجال الاستخبارات السابقين أنفسهم، وهذا ما سيتضح لاحقاً.
اللافت أيضاً هو تمسك مخابرات النظام بأكاذيبهم نفسها، والتعامل معها كـ”معلومات” حقيقية، ففي مذكرة إطلاع لرئيس فرع المخابرات العامة في تاريخ 6/2/2020، نقرأ ما ورد من أحد المصادر ما مفاده: “نية منظمة الخوذ البيضاء تنفيذ سيناريو لضربة عسكرية كيميائية في مدينة أريحا بالتنسيق مع منظمات أخرى”، والهدف ممارسة ضغط دولي بسبب “تقدم الجيش العربي السوري على جبهات ريف إدلب”.
اتهامات كهذه معروفة حول النظام السوري، ففي عام 2018 اتهمت وكالة الأنباء الروسية الخوذ البيضاء بالأمر ذاته، كذلك اتهمها إعلام النظام باستخدام السلاح الكيماويّ، الاتهام الذي تحول إلى موضوع للتندّر والسخرية في أحد المسلسلات السورية باسم “كونتاك” عام 2019، إنتاج “إيمار الشام للإنتاج الفني والتوزيع”، واحدة من شركات سامر فوز، إحدى أبرز واجهات النظام السوري والمعاقب أوروبياً وأميركياً.
اللافت أيضاً أننا نقرأ في الوثيقة ذاته تفاصيل العمليّة: “ستنفذ العملية في وضح النهار من قبل حوالى 16 إرهابياً يتبعون لمنظمات دولية متخصصة بهذا النوع من العمليات، وصلوا مؤخراً إلى مدينة أريحا وبالتنسيق مع عناصر إرهابية مدرّبة في الداخل عبر عملية دقيقة ومتزامنة مع إقلاع الطائرات الروسية من مطار حميميم باتجاه محافظة إدلب للإيحاء بأن القوات الروسية هي من يقف خلف العملية”.
تتفاوت قيمة وجديّة بل ودقة التقارير التي تتناول “هيئة تحرير الشام” مثلاً، إذ تشير وثيقة موجّهة لمدير المخابرات العامة “الفرع 341” عام 2021، إلى رصد مكاتب تحويل الأموال والحوالات، هناك قائمة بأكثر من 25 شركة مع أسماء أصحابها والتهم التي تلاحقهم، والتي تُختزل بكلمة واحدة “إرهابي” و”تمويل أجنبي”، لكن في الوقت ذاته تظهر وثائق أخرى أقرب الى الاتهامات التي تردد على قناة الدنيا!
عالم المؤامرات الاستخباراتيّة: “المواهب الأجنبيّة!
الواضح أنه منذ العام 2022 دخلت المخابرات السوريّة، أو على الأقل “مصادر” أمن الدولة ضمن عوالم نظريات المؤامرة، خصوصاً في ما يتعلق بـ”هيئة تحرير الشام” ومحاولة ربطها بـ”الجهاد العالمي”، خصوصاً أثناء “سقوط” كابول بيد طالبان مرة ثانية عام 2021، إذ نقرأ في “مذكرة اطلاع” تعود إلى العام ذاته، بصورة أدق في 31/10/2021، حول “وصول شخص من حركة طالبان يدعى أمير مرادي ويلقب بأبي الجراح إلى إدلب”.
يوصف هذا الأبو الجراح بـ”أخطر القادة الخبراء في مجال تفخيخ الأطفال عن طريق الألعاب”، وأرسل إلى إدلب بهدف “تنفيذ عمليات تفجير عن طريق المفخخات وتصويرها واتهام الجيش العربي السوري بقتل الأطفال في حال اندلعت معركة في محافظة إدلب” .
النظام مصرّ على أن المسلحين في إدلب ومنظمات المجتمع المدني يسعون الى التضحية بالسوريين لممارسة الضغط الدولي، إلى حد إلصاق الهيئة بـ”الإرهاب العالمي”، وهذا شأن من الصعب إنكاره بسبب تاريخ الكثير من قيادات الهيئة، ومن ضمنهم أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني)، لكنْ هناك تفصيل يضاف الى فرضية المخابرات، إذ أكد المصدر أن “سهيل شاهين المتحدث باسم حركة طالبان هو خال أمير مرادي، وهو من اختاره لتنفيذ هذه المهمة”.
المفارقة أن هذا الخبير وصل إلى إدلب بعد شهرين فقط من سقوط كابل، ولم نتمكن من معرفة مصدر الصورة التي أرفقت مع التقرير، ناهيك بأن “المهمة” التي أوكلت لأمير، لا تبدو غاية في التعقيد، خصوصاً أن الهيئة تحوي أفراداً وعناصر عملوا في العراق في “الاختصاص” ذاته، ولا تبرير لوضع اسم سهيل شاهين، مدير المكتب السياسي لحركة طالبان.
لا أخبار عن تقاطع التنظيمين، على الأقل حسبما بحثنا، لكن في العام ذاته وبصورة أدقّ في 15 أيلول/ سبتمبر، قدّم عبد الرحيم عطون -الشرعي العام لهيئة تحرير الشام، جبهة النصرة سابقاً، محاضرة بعنوان ” الجهاد والمقاومة في العالم الإسلامي: طالبان نموذجاً”.
محاضرة نظمتها حكومة الإنقاذ المدعومة من هيئة تحرير الشام بمدينة إدلب، والتي تبرز الاختلاف الفكري بين التنظيمين، وتحولت إلى محط جدل هائل إلى حد صدور كتاب عن “معهد واشنطن لأبحاث الشرق الأوسط”، يناقش المحاضرة ويستخدم الصورة التي انتشرت لعبد الرحيم عطوان.
أصداء سيطرة طالبان في مناطق سيطرة هيئة تحرير الشام لا تخفى على أحد أيضاً، إذ أشار تلفزيون سوريا (قطر) إلى “الاحتفالات والمباركات”، الأمر ذاته مع صحيفة الإندبندنت (السعودية)، لكن “التنسيق المتبادل” أشارت إليه صحيفة الوطن، المقرّبة من النظام السوري، عن صحيفة العرب (الإمارات) ودائماً ما ترد “مصادر روسية” في جسم المقال.
لكن المثير هو فقرة ظهرت في صحيفة العرب وتم تناقلها لاحقاً مفادها: “كشف أبو محمد الدمشقي، وهو قيادي شرعي في هيئة تحرير الشام، عن سفر وفد من الهيئة إلى أفغانستان عبر مطار هاتاي التركي مؤخراً، حيث اجتمع مع قيادات في طالبان وطرح خططاً شاملة لتطوير العلاقات بين الكيانين، بخاصة في المجالين العسكري والاقتصادي، فضلًا عن تفعيل التنسيق في الكثير من الملفات المتعلقة بحركة المقاتلين من أفغانستان إلى سوريا -والعكس بالعكس- وكيفية ضبطها بما يحقق مصالح الطرفين”.
أما مَن هو أبو محمد الدمشقي، فلا نعلم، وسألنا مطلعين على شأن الجماعات الجهادية، فلم يتعرف عليه أحد!
يؤكد أحمد الدالاتي، نائب القائد العام لحركة أحرار الشام والقيادي في إدارة العمليات العسكرية، في إجابة عن سؤال: هل ساعدتكم أوكرانيا: “ما حدا ساعدنا، لا أوكرانيا ولا غيرها”، في إشارة إلى أن مسيرات “الشاهين” محلية الصنع، لكن للمخابرات السورية وجهة نظر أخرى. ففي مذكرة موجهة إلى رئيس الفرع 279 نقرأ عن اجتماع عدد من الضباط الأوكرانيين والأتراك بخصوص المسيرات في 29/04/2024، جمع عدداً من زعماء حركة أحرار الشام” و”الحزب التركستاني”.
تضيف الوثيقة أنه حضر من الحزب التركستاني من يحملون الجنسية الأوكرانية، ومنهم “موسى مصطافينوف” و”آدم توخاشيف” و”عمران أكومييفا” وأحمد علي دنجاييف، لـ”تجهيز هذه الفصائل بالمسيرات لضرب قاعدة حميميم”!
البحث عبر الإنترنت لم يقدنا سوى إلى اسم أحمد علي دنجاييف الموضوع على قائمة الإرهاب في روسيا منذ 2008، وجاء في تقرير لرويترز يعود إلى عام 2016، أن دنجاييف وغيره تم تسهيل مغادرتهم من روسيا قبل أولومبياد سوتشي الشتويّ عام 2014، الشأن الذي تنكره روسيا، في حين يشير التقرير إلى تقديم جوازات سفر مزوّرة لهؤلاء “المتشددين” القادمين من إقليم داغستان، والذين قاتلوا إلى جانب تنظيم داعش.
بصورة أخرى، هؤلاء، (أو على الأقل دنجاييف) ليسوا أوكرانيين، بل هم سلفيون يحملون الجنسية الروسية، سهلت روسيا خروجهم من البلاد نحو سوريا!
كذلك هناك مذكرة تعود إلى عام 2022، تعلم مدير إدارة المخابرات العامة باقتراب وصول حاخام إسرائيليّ إلى إدلب، اسمه “الحاخام أبو قتادة” للقاء أبو محمد الجولاني. في تتمة المذكّرة، لا معلومات عن هذا الحاخام، ولم نجد له “ذكراً أيضاً في “الإنترنت!
اللافت أن المخابرات السوريّة ترى أن الهيئة تستعين بخبرات خارجيّة قد تكون متناقضة، كمهندسين من طالبان، وحاخامات من إسرائيل و مقاتلين متشددين روس يحملون الجنسية الأوكرانية! وكأن كل “الأعداء” يرسلون “خبرات” إلى إدلب في مؤامرة عالمية ضد النظام السوري، لكن محاولة النظام إثبات هذه “المؤامرة” استخباراتياً، تبدو هشة وهزيلة، وكأنها مصممة لإقناع النظام نفسه لا “العالم” أو السوريين.
عالم المؤامرات الاستخباراتيّة: صواريخ سارين وشرائح متفجّرة!
تفتّحت قريحة “المصادر” الاستخباراتيّة مع مرور الزمن، ففي 2022 وردت مذكرة “سرية للغاية” لمدير إدارة المخابرات العامة، مفادها تسّلم “جبهة النصرة” (علما أنه كان يستخدم سابقاً مصطلح هيئة تحرير الشام) “7 صواريخ تحمل رؤوساً مجهزة بمواد شديدة السميّة مكونة من مادتي الكلور والسارين”، أدخلها أحد التجار عبر “جرار زراعي يجر مقطورة محمّلة بمواد علفية”.
العملية كانت بإشراف “أبو ماريا القحطاني” وتم تخبئة الصواريخ في قبو، المفارقة أن التقرير يصف القحطاني بأنها من “درعا”، علماً أن قناة العالم نفسها أشارت عام 2017 الى أن القحطاني من العراق!، أما بخصوص الرؤوس الصاروخية التي تحوي الكلور والسارين، فتعود هذه الأخبار إلى قناة المنار عام 2018، لكن النقل حينها تم عبر برادات، ثم سرقت لاحقاً حسب قناة “العالم”، بعد مقتل أحد المسؤولين عن نقلها التابع للخوذ البيضاء! واتهمت الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون تُركيا بتوفيرها حينها! والأهم أن لا خبر عام 2022 عن شحنة صواريخ كهذه على “الإنترنت”.
الأبرز، والمصنّف “سرّي للغاية”، هو كتاب مرسل عام 2022 لإدارة المخابرات العامة حول تسلم “جبهة النصرة” حرفياً التالي “شرائك إلكترونية حجمها 5 سم من كافة الألوان، مصنوعة بتقنية عالية تناسب جميع ألوان السيارات وغلافها الخارجي مصنوع من مادة التوليك، التي تدخل في صناعة دهان السيارات”. ويضيف المصدر: “هذه الشرائح مصنوعة في شركة “غرافيتي البريطانيّة” لصاحبها “ريتشارد براونينغ، الذي صنع البدلة النفاثة الطائرة منذ فترة”.
فعلاً اخترع براونينغ بذلة طائرة وشركته علنيّة، لكن لم نجد بين منتجات الشركة أي شيء يتجاوز البذلات الطائرة، لكن يبدو أن هذا التعاون بين الهيئة والمخترع البريطاني هدفه هذه الشرائح التي سيتم “توزيعها على الخلايا النائمة في المحافظات السورية (دمشق-حلب-اللاذقية-حماة-حمص) من أجل لصقها على سيارات القادة الأمنيين والعسكريين السوريين وكوادر (حزب الله والأصدفاء الإيرانيين والروس)”.
اللافت أيضاً هو شرح آلية عمل هذه الشرائح، إذ “يقوم الإرهابي بلصق الشريحة على السيارة المستهدفة التي تبث للقمر الصناعي الإسرائيلي (عاموس) من أجل تتبع السيارة وتحديد موقعها واستهدافها بالطائرت المسيرة أو الصواريخ”.
هذه الحكاية بالذات هناك ملاحظة بخط اليد في نهايتها، هذه الملاحظة هي ما دفعتنا الى استخدام “الإنترنت” للبحث ومقاطعة المعلومات، إذ جاء فيها “التنسيق مع القسم 43 في حال وجود هذا الخبر على الإنترنت، وفي حال عدم وجوده مذكرة باطلاع السيد اللواء…تدقيق بشكل جيد”.
بصورة ما، هل يمكن القول إن عدم وجود خبر على الإنترنت يعني أن ما جاء في التقرير صحيح؟
التوك توك الذي تحوّل إلى حوّامة
في مذكرة تعود الى 20/08/2024، أي قبل 4 أشهر من سقوط النظام، ورد في مذكرة أن حكومة الإنقاذ “تقوم بصنع طائرة لنقل الجرحى خلال المعارك للمشافي الميدانيّة”، و”تخريج دورة أمن جنائي ومرور ومهام خاصة”، هذه المذكرة وُصفت بـ”هام وغير عاجل” ودرجة مصداقيتها (7/10)، الملاحظة نادرة التكرار في المذكرات الأمنيّة.
اختراع كهذا محليّ أرفقت صورة له، يظهر فيها طفل يجر عربة غريبة من نوعها، أشبه بتوك توك أعلاه شفرات تشبه شفرات المروحيّة، بعد بحث في المصادر المفتوحة، لم نتمكن من تحديد مصدر الصورة بسبب دقتها المنخفضة، لكن ما يمكن تأكيده، أن “اختراع” كهذا لا يستخدم لنقل الجرحى فقط، بل حتى الطيران، ولتأكيد ذلك استخدمنا أدنى درجات المنطق وقوانين الفيزياء!
كذلك أرفقت صورة لمقاتل، ربما هو واحد من خريجي المهام الخاصة! تبين معنا أنها نُشرت مرة في أيار/ مايو 2024 على حساب أحدهم على إنستغرام، ثم تلقفها موقع ريديت تحت وصف أوكرانيا تزود المعارضة السوريّة بقناصات. البحث العشوائي قادنا الى أنها منشورة أيضاً منذ عام 2022، والبحث بين صور المنتديات الحربية يتحرك بين نتيجتين، إما أنها لمقاتل من هيئة تحرير الشام “علماً ألا علامة على زيّه تشير الى ذلك أو الى مقاتل أوكرانيّ، إذ يشير نوع السلاح الى أنه مستخدم في أوكرانيا، وبالتأكيد لا تعود الصورة الى 2024، لكن لم نستطع تحديد مكان التقاطها أو هوية صاحبها.
حاشية
آلاف الوثائق انتشرت بعد سقوط النظام السوري، وما لا بد أخذه في الاعتبار في التعامل معها هو أولاً المنطق، وثانياً، الاتهامات الزائفة التي تلصقها أجهزة المخابرات السورية بـ”الأعداء” و”الإرهابيين”، اتهامات تجاوز المنطق في بعض الأحيان، لكن، وهذا المرعب، تأخذها المؤسسة الأمنية على محمل الجدّ، الواضح أنه في السنوات السابقة على سقوط النظام استنزفت، وبدأت تعتمد، وهنا المفارقة، على المعلومات العشوائية المنتشرة في “الإنترنت”، لا عبر مصادر موجودة على الأرض أو عملاء، بل تأمل الشاشة باختيار ما يراه “المصدر” أو “كاتب التقرير” مثيراً للاهتمام، إما لنيل الحظوة لدى المرؤوسين أو الحذلقة أو ربما، هناك “كوتا” معينة من التقارير على كل “مصدر” أن يحققها حتى يحصل على “مكافآته”، حتى لو عنى ذلك، نسخ صور من “Reddit” وإرسالها إلى المخابرات العامة !.
درج
——————————————
صعود أحمد الشرع.. من النشأة والجهاد إلى قصر الشعب | حسام جزماتي | هامش جاد
في الحلقة الجديدة من بودكاست هامش جاد، يقدم الكاتب السوري المتخصص في الحركات الإسلامية، حسام جزماتي، قراءة لمسيرة الرئيس السوري أحمد الشرع، بدءًا من نشأته وعلاقته بوالده مرورًا بفترة شبابه وبداية تشكّل وعيه السياسي وصولًا إلى قتاله في العراق وتجربة السجن التي أسست بدايات عمله التنظيمي في سوريا بعد اندلاع الثورة.
تتناول الحلقة جذور علاقة الشرع بتنظيم الدولة، وبدايات العمل المسلح في سوريا على رأس جبهة النصرة، ثم التحولات الكبرى والنزعات الانفصالية التي قادته لفك الارتباط عن تنظيم القاعدة لتأسيس “هيئة تحرير الشام”.
يُسلّط الباحث الضوء على ملامح حكم الهيئة في إدلب وعلاقاتها الخارجية، إلى جانب التحديات الداخلية بين الاتهامات بالعمالة والاحتجاجات، وصولًا إلى المطالبة بإسقاط حكم “”الجولاني”” قبل أشهر من معركة ردع العدوان، والتي انتهت بسقوط نظام الأسد.
تناقش الحلقة أيضًا تجربة أحمد الشرع مع نموذج “حكومة الإنقاذ” في إدلب، وانعكاسها على رؤيته في إدارة سوريا الجديدة.
00:00 – من هو أحمد الشرع؟ الخلفية العائلية وعلاقته بوالده حسين الشرع
21:33 – بداية تشكل وعي أحمد الشرع السياسي
29:40 – أحمد الشرع وتجربة السجن في العراق
35:06 – أحمد الشرع وبداية العمل التنظيمي
43:08 – عودة أحمد الشرع إلى العراق – تنظيم سرايا المجاهدين
47:26 – أحمد الشرع وزعماء تنظيم الدولة في العراق
59:02 – بدايات العمل المسلح
1:15:52 – الخلاف مع تنظيم الدولة ومبايعة الظواهري
1:29:51 – التحولات في جبهة النصرة وصولًا إلى “هيئة تحرير الشام”
1:43:06 – ملامح حكم “هيئة تحرير الشام” في إدلب
1:59:20 – العلاقات الخارجية لهيئة تحرير الشام والدور التركي
2:02:20 – اتهامات العمالة والاحتجاجات ضد “هيئة تحرير الشام”
2:17:22 – التغيرات في خطاب الهيئة بين الفتاوى والقرارات
2:30:06 – براغماتية أحمد الشرع
2:40:59 – تعيينات أحمد الشرع في الجيش والحكومة السورية المؤقتة
————————————-
أن تحلم بأعين مفتوحة: كيف صُنع «الأسد»؟/ علي نعناع
تحديث 15 شباط 2025
هل كان بشار الأسد مجنونا؟ ان لم يكن كذلك، فأي رجل عاقل يمكن له أن يبرر لنفسه حجم الإجرام الوحشي الذي قام به نظامه؟ ما المنطق الذي اقتضى تدمير ملايين من الحيوات السورية، وإعادة سوريا تقريبا للعصر الحجري؟
عندما سُئل نائب الرئيس السوري السابق عبد الحليم خدام عن الفرق بين بشار ووالده حافظ الأسد، جاوب بأن الأب عنده عقل لكن بشار «فاقد للعقل». تكررت سردية مشابهة على لسان الابن جمال خدام، تفيد بأن بشار الأسد كان حقيقة يعاني من اضطراب نفسي، وقد ذهب إلى بريطانيا في سبيل تلقي العلاج.
على النمط نفسه، تتكرر قصص عن معاناة بشار، منذ الصغر، من اضطراب في الشخصية مشابه في كثير من أعراضه بما يسميه الأطباء «اضطراب الشخصية النرجسية»، أو «الحدّية»، ولا علاقة له بالصورة الشعبية لما يسمى بالنرجسية. فبينما تستعمل الأخيرة بالجملة للإشارة لأي تصرف قد نعتبره أنانياً أو شخصية قد أساءت لنا بطريقة ما، يشكّل الاضطراب النرجسي مرضا جدّيا ويكون المصابون به في غالب الأحيان شديدي الخطورة على من هم حولهم. يتم استخدام تشخيص الاضطراب النرجسي (أو الشخصية الحدّية) غالبا في حالات المجرمين الخطرين كالقتلة المتسلسلين أو زعماء العصابات. ويمكن تلخيص هذا المرض في ثلاثة أعراض:
ـ الهذيان بصورة متضخمة جدا عن الذات، بحيث يتخيل المرء نفسه كلّي القدرة، عظيم الشأن، فائق الجمال، ذا عقل وحكمة فوق بشرية، إلخ. قد تصل مرحلة الهذيان إلى تخيل المرء نفسه إما إلهاً يمشي على الأرض، أو مبتعثا من جهة إلهية لغرض عظيم جدا، وأن الكون والتاريخ كله يتمحور حوله، حتى مع تخيل هلوسات سمعية وبصرية تثبت هذه الادعاءات. هذا الجانب الأساسي في المرض، حيث يفتتن المرء بذاته دون حدود.
ـ على الضد من تخيل ذات فوق- طبيعية وتمحور كل مشاعر وأحاسيس النرجسي حول الذات تلك، لا يقدر النرجسي أن يتخيل أي شخص آخر على أنه كائن واقعي، إنسان له شخصية ومشاعر وآمال. فلا وجود للغير عند النرجسي. هم إما غير حقيقيين، كالدمى وشخصيات الألعاب الافتراضية، أو انعكاسات لصورته المتعظمة عن ذاته (كما كانت «ايخو» انعكاس لصوت «نرسيس»، والبحيرة انعكاس لصورته التي وقع في حبها). فيرحب النرجسي بشخصيات يختارها لكي تكون انعكاسات لعظمته وقوته. غالبا ما يكون أولئك نوعا من «التابعين» المخلصين أو المطبلين لكل ما يصدر من حضرة النرجسي.
ـ البارانويا أو جنون الارتياب: وهذا أخطر جانب عند الشخصية النرجسية. رغم إيمانه التام بعظمته وقدرته الإلهية، وأن الكل يوافق على هذه الرؤية، فهو دائما يتخيل أن هناك مؤامرات تحاك ضده، ما يجعله عرضة لنوبات الغضب وما يلحقها من تدمير وإبادة لمن يتخيلهم خصوما. يساعده على ذلك أنه لا يرى أي شخص آخر على أنه بشر مثله (هو يرى نفسه فوق- بشري أساسا)، بل هم أشبه بالحشرات، فلا ضرر من القضاء عليهم ولا حراج ولا تردد. فلا توجب الرحمة على من هم أدنى من البشر.
في حين يمكننا أن نطابق بين هذه الأعراض، وما نعرفه عن بشار وأفعاله بحيث نثبت عليه صفة المرض السريري، الحقيقة أنه لا داعي لكونه كان «في الأصل» يعاني من مرض عضوي أو نفسي، ما يجعل أفعاله وسيرة حكمه مجرد انعكاس لاضطراباته الذهانية. ليس هناك ضرورة لوجود مرض باطني يتحكم في المرء لتبرير تحوله إلى طاغية مجنون. لا حاجة حتى لأن يكون لبشار أي صفة نفسية أو بيولوجية مميزة قد حددت مسار حياته ليصير الجزار الذي نعرفه. يخبرنا سبينوزا في «رسالة في السياسة» عن نوع محدد من الهذيان يسمّيه «الزّهو» (superbia)، حيث «يحلم المرء وعيناه مفتوحتان، أنه يقدر على كل ما يدركه بخياله فقط، ومن ثم فهو ينظر اليه على أنه شيء واقعي ويعجب بقدرته تلك». تكمن أسباب «الزهوّ» في الطبيعة المشتركة لدى البشر كلها: السعي نحو القوة (ما يسميه بالميل، أو الكوناتس)، من حيث نحن كائنات تسعى لتزيد قوتها واستمراريتها في الوجود، فإننا دائما نجرب قوتنا أو قدرتنا على الفعل. لكننا لا نملك من تلقاء نفسنا ما يحدّ قوّتنا فيحددها ويعلّمنا قدرها في الحقيقة. لا نعرف ما نحن قادرين عليه إلا عندما تصدم قدرتنا بما لا تقدر عليه فتقف عند ذلك الحدّ. لذا، فإن العوامل الخارجية التي نصادفها في تجاربنا وتحدّ من قدرتنا على الفعل هي سبيلنا الوحيد لتقدير قوتنا بواقعية ما.
لا يمكن لنا أن نعلم ـ من نفسنا ـ كم كيلومتراً يمكننا أن نركض، أو كم يوما يمكن لنا أن نبقى بلا طعام، أو إن كان باستطاعتنا أن نطير، إلخ. تلك تقديرات لا يمكن أن تحدد إلا تجريبيا. يقضي الأطفال معظم وقتهم في التجريب والتعلم، أي باستكشاف ما هم قادرون على فعله. تلك التجارب تكون دائما مؤلمة وقد تترك آثارا يصعب محوها. لكن الحد من القدرة على الفعل (أي الطريق لمعرفة ما أنا قادر عليه) ما هو إلا مرادف للتعاسة والاصطدام بما يفوق قدرتنا على التعامل معه. الإحباط والتعثر التعيس هو العلامة الوحيدة على أني وصلت إلى حدي، وهو الطريق الوحيد لتقدير قوتي وبالتالي معرفة ذاتي. ما الذي قد يحصل حين يخيل لي أن كل العوائق قد سحبت من أمامي، وأن كل ما ألتقيه في حياتي اليومية انما ينحني أمام قدرتي ويؤكدها، ولا ألتقي ما يوقفني عند حدي؟ تلك هي الحال عندما يتسلم السياسي سلطة ما. إن إضفاء السيادة على شخص سياسي يعني بالضرورة إعطاءه بشكل رمزي أو مؤسساتي (الدولة) قوة وقدرة هو لا يملكها من ذاته. بالتالي، هي سلطة متخيلة، لا يحدها شيء تجريبي عملي. لذا، ينوّه سبينوزا بأنه بينما كلنا عرضة للوقوع في «الزهو» حين نتذوق شيئا من القوة والمكانة، فإن السياسيين أصحاب السلطة هم بالذات من يتميز بهذا الجنون الهذياني. فسرعان ما يستسيغ صاحب السيادة طعم القوة ويتنبه إلى أنه لا يوجد من أو ما يحد من سلطته، على العكس تماماً. نرى ذلك عند من يتم انتخابهم لدورة واحدة، فما بالكم عند من توارثت عائلته السيادة لأجيال، ولأسباب قد نسيت وأصبحت بحكم المجهولة.
لا يقتصر الأمر على غياب كيانات تحد قدرة المرء الذي وقع في الهذيان، بل هناك جانب جوهري آخر يتعلق بتحقيق العكس، أي تأكيد وإثبات هلوسات القدرة الإلهية عند صاحب السيادة. الأمر أشبه في ما لو كان الطفل محاطا بشكل تام بأهل أو حاشية، تؤكد له كل هلاوسه حول قدرته على الطيران، أو تحطيم الأشجار بيديه، أي تغذي كل محاولاته الفاشلة على الفعل عوضا عن تحجيمها. لا بد عندها أن يصدق الطفل أنه حقا كلي القدرة، وأن كل ما هو قادر على تخيله هو أيضا قادر على فعله، وأنه الأفضل والأجمل والأذكى، إلخ. لذا نقول إن السبب الواقعي لهيستيريا أو هذيان (سمه ما شئت) التسلّط لا يقتصر على غياب النقد والتمحيص والمساءلة، بل إن وقود الهذيان وسبيل حياته هو جمع العبيد التي تحيط بالسلطان المجنون وتتغنى بأقواله وأفعاله وتطرب لصوته وتفتتن بصورته كما يفتتن هو بنفسه. ونحن لا نقصد فقط الحاشية المباشرة للحاكم المستفيدة من سطوته، بل «العامة» التي هي فعلاً تتصرف كما يتخيلها عقله المريض، إنها جموع مسلوبة بلا عقل، لا ترى ولا تفهم سوى منطق القوة، فتميل مع الأقوى وتسجد لأكثر الموجودات غطرسة وعنفا. هناك علاقة تجاذب غريبة بين الطاغوت والعبيد، فكما يبتهج الطاغوت حين يتأمل صورته البهية ذات العظمة والقدرة المطلقة، كذلك يتخذ العبد من صورة الطاغوت شديد القوة صنما يستمد منه نوعا من السعادة والبهجة، فيمتلئ باللذة لمجرد استذكار، أو إعادة سرد بطولات وفتوحات وبطش السلطان، ويستلذ طعم التذلل أمام عظمة وأبهة سلطانه. هؤلاء العبيد هم من يفرش أرض خيالات السلطة المريضة وهم دعامة بنيانها الدموي. إن سر انجذاب العبيد نحو الطغاة العتاة، كما تنجذب اليراعات نحو اللهب له علاقة بالعجز والضعف، كما يستمتع المحروم جنسيا بمشاهدة مقطع إباحي فينتشي لنشوة البطل. هي مرحلة متقدمة من الضعف والهوان، حيث لا يقدر المرء حتى أن يتخيل نفسه بموقع قوة، بل يستعمل خياله ليلحق ذاته بشكل كامل بالذات الميثولوجية، التي يتوسل بها قوة خارقة للطبيعة. ربما يفسر هذا سبب الهوس بالـ»هاردكور» من العنف إلى الجنس، فلا بد للفعل المتخيل أن يكون مستفحلا، فوق العادة، وكل ما زاد تطرف البطل الذهاني وأمعن في هذيانه، زادت هيستيريا العبيد وبهجتهم المتخمة بالرهبة.
ما الداعي للسؤال عن المنطق الذي دفع بشار (أو قد يدفع غيره) للبطش والهذيان؟ يقول لنا سبينوزا، إن السرية والتكتم وإخفاء «منطق» السلطة يقع في صلب الجنون التسلطي: كل هذيان «نرجس» وأشباهه مبني على مقولة أن للحاكم (أو الكاتب الفذ، أو الفنان العبقري..) طبيعة متسامية أرقى وأكثر تعقيدا من طبيعة «العامة» البلهاء، لذا فإنه لا فائدة من شرح ما يفعله صاحب السيادة لأولئك المتخلفين البسطاء، فهم، بحكم طبيعتهم الدنيئة، لا يمكنهم أن يفهموا أحوال ومنطق وحتى لغة صاحب السيادة. بذلك يصبح التستر والإخفاء والسرية عقيدة دولة الهذيان. وبما أنها كذلك، فإن تفكيكها يكون تماما بمحاولة فهمها وإزاحة ستارة الغموض عن منطقها وآليات فعلها، وإنزاله من منزلة التعالي التي يدعيها، إلى مستوى العامّة ومصالحهم وعلاقاتهم. في النهاية، العامة هم ذاتهم من يصنع الطغاة بعبوديتهم وانجذابهم لمن يذلّهم.
القدس العربي
————————-
نداء/ هيثم خليل مالح
إخوتي السوريين وإخواتي واخواني من غير السوريين
حتى يعرف من لا يعرف ، أسكن منذ عام ١٩٨٩ بعد خروجي من سجن المرجوم حافظ الأسد اسكن منطقة تسمى ( قرى الاسد) وقد اطلقت عليها حين سكنت ( قرى الجحش) ،
فقد وجدت نفسي مرغما على بيع منزلي في المزة الغربية لأسدد ديوني التي كانت علي في فترة السجن ، واشتريت في هذه الضاحية التي ترتفع عن سطح البحر ألف متر تقريبا وهي منطقة جرداء باردة .
ثم شاءت الاقدار إن أعتقل ثانية من المجرم الولد الذي حكم البلد بتدبير من مجموعة عصابة الاسد ونفاق المنافقين ، وذلك مع أواخر عام ٢٠٠٩ ، وتم احالتي الى محكمة الجنايات العسكرية ، دون مستند قانوني إو غيره ، وحكمتني المحكمة الغير دستورية ، حكمتني بثلاث سنين سجنا ، وخرجت مع اندلاع الثورة السورية العظيمة لشعبنا السوري.
وجدت نفسي مضطرا لمغادرة بلدي دمشق الشام التي تغلغل حبها في شراييني ، بعد أن أهدرت السلطة دمي وحاصرت منزلي الساعة الخامسة صباحا تمهيدا لاقتحامه وتصفيتي .
غبت عن بلدي منذ العاشر من تموز ٢٠١١ ، حتى عدت إليه مع تحرير دمشق العاصمة العالمية بأيد المجاهدين السوريين لأجد :
مكتبي في الحلبوني هباء يبابا يشغله ما شاهدته مجموعة ممن يعملون في الصناعات الجلديةً وقد فرغ من جميع محتواته من كتب وملفات ومستندات وما تحويه مكاتب أمثالي من المحامين .
منزلي فيما أطلق عليه ( قرى الحرية) بعد تبديل الاسم كما بينته في مطلع هذه الكلمه وجدت هذا المنزل في منظر لا يوصف وقد شاهده بعض الاخوة ، فماذا أعمل ، وأين أسكن ؟!
تبرع أخوة لا أعرفهم وفيهم شباب شهم أن أقيم في فندق ريثما يتم اصلاح منزلي ليكون صالحا للسكن ، وتبرع أحد الإخوة بان استقبلني في منزله اسبوعا .
عهدت لشاب من خيرة الشباب كان من ضحايا عهد الأسد الأب ، ولديه ورشة لاصلاح ما دمر من منزلي ، إلا أن المشكلة إنني لا أملكً المال اللازم للانفاق ، وتطوع سوريون فقدموا العمل المجاني وتقدم آخرون فقدموا مالا واستمر العمل في اصلاح المسكن إكثر من شهر وإنا أقيم في فندق المدينه خلف البريد الرئيسي ، ومنذ نحو عشرة أيام عدت إلى منزلي الذي لم يكن فيه من وسائل الحياة شيء ، مثل الثلاجه والغاز والغساله وما إلى ذلك ، وقام ابن الزميل المرحوم نزار عرابي ، السيد سعدي ، فقدم مبلغا من المال مساهمة منه في الاصلاح ، وكان لحركته ثمرة بإن زود أخ لا أعرفه ، زود داري بخمسة من الإجهزة الكهربائية اللازمة للحياة العصرية .
واليوم تم تركيب شاشة التلفاز ، وتم تشغيلها بعد إن قضيت سنوات التشرد خارج وطني بلا تلفاز ، وإنا الآن اشكر جميع من قدم لي مساعدة شخصية أو مالية لأستطيع العودة إلى مسكني والانتقال من الفندق ، برغم أن الاصلاح لم يكتمل بعد وبرغم عدم وجود المال الكافي لاملاء خزان التدفئة بالوقود اللازم .
وإود إن أشير هنا إلى مسألة هامة ، فقد أصدرت محاكم الارهاب حكمين بإعدامي أثناء غيابي ، والحجز على إموالي المنقولة وغير المنقولةً ، ومنذ شهرين تقريبا تقدمت ببيان عن الحجز وطلبت من وزير العدل رفع الحجز عن أموالي لاستطيع أن أتصرف بالقليل الذي إملكه في المصرف ، فإنا رجل ليس لي دخل لأعيش ، وحتى الان لم يتم رفع الحجز ، وطلب مني منذ أيام مسؤول في النيابة العامة تقديم طلب آخر لرفع الحجز عني ورفع منع السفر ، وقد استغربت إن يعترف النظام الذي حل محل النظام البائد والساقط أن يعترف بقرارات سقطت مع من قررها ، وقلت لمن يتولى مسؤولية في هذا البلد ، لماذا لا تنفذون حكم الاعدام بحقي اسوة بقرار الحجز ، وبذلك ترتاحون مني وتريحوني من معاناة مراجعة لمن ليس بيده أمر هذه الأمة .
اأقول أخيرا ،، لمن يعي ،، إن الظلم ظلمات يوم القيامة ، وما آمن بي من بات شبعان وجاره إلى جنبه جائع وهو يعلم ،، ليس معي قيمة وقود ليقيني قسوة البرد القارص ،، فهل من يعي نتائج ذلك ؟! ولا أدري هل السيد الشرع يدرك كم أخطإ بحق رجل لم يكن هو وأسرته موجودا حين كان يتكلم ، ثم يمنع على الاعلام الصورة التي جمعتني به في زيارتي له في قصره ، ولعله يمزقها فهو إفضل .
الفيس بوك
———————————
ملاحظات/ غسان المفلح
حركة ديبلوماسية لافتة من الشيباني تثير إعجاب السوريين
مساء أمس، دخل الشيباني صالة الاجتماع للقاء ومناقشة سوريين وسوريات في باريس، ولما جلس وراء طاولته لمح من بين الحضور برهان غليون وجورج صبرا، فما كان منه إلا أن توجه نحوهما قائلاً: “من طول عمري أحب سماع حديثكما، لو سمحتما تفضلا واجلسا على الطاولة”.
لم يكتف الشيباني بجلوسهما بجانبه، بل أشركهما الحديث طيلة الاجتماع!
أهم تصريحات الشيباني خلال المناقشة:
– إطلاق مفاوضات أولية مع روسيا بشأن مصير بشار الأسد، وأكد أن العقود مع روسيا لن تُجدد، وأن سوريا لن تكون تابعة لأي محور إقليمي.
– صرح بتشكيل حكومة جديدة في 1 آذار وأنها ستكون “مفاجأة” للسوريين.
– سيتم تشغيل التلفزيون الرسمي وتعيين ناطق رسمي باسم الرئاسة.
– ستعزل بعض البعثات الدبلوماسية الخارجية مع بدء إقالات مسؤولين محسوبين على النظام في السفارات والقنصليات اعتباراً من آذار/مارس.
-العدالة الانتقالية تحتاج إلى وقت، أما صياغة الدستور فلن تستغرق وقتاً طويلاً.
-تحدث عن اتفاقيات مع الأردن وتركيا بشأن الطاقة، وأشار إلى تحسن وضع الكهرباء خلال عام لتصل إلى 8 ساعات يوميًا.
– أشار إلى أن السجون ستتحول إلى متاحف.
لم يكن واضحًا بشأن انضمام الفصائل المسلحة للجيش، ما يعكس استمرار التحديات في هذا الملف.
المفاوضات مع “قسد” جارية مع ضغوط أوروبية.
-بدا الوزير حريصًا على تقديم صورة منفتحة، مؤكدًا أنه لا مشكلة لديهم مع الديمقراطية، وأن مصطلح “الشورى” لن يكون بديلًا عنها في سوريا.
الفيس بوك
—————————-
إلى أصدقائي الأكراد
Khalaf Ali Alkhalaf
ما ينتج عن تحريض الأخوة الكرد ضد الإدارة القائمة التي قبل بها معظم السوريين، بعيوبها، ليس سياسة، إنهم يخسرون حلفاءهم العرب.
ونقول قبل بهذه الإدارة معظم السوريين، على عيوبها، لأن المجرمين وفلول الطغمة البائدة لا يرضيهم أي وضع إلا بقائهم يمارسون الإجرام وينتفعون منه.
وبغض النظر عن الإشكالات والانتهاكات الأمنية في مناطق العلويين فإني أؤكد دون إحصاءات أو استطلاعات رأي أن الأغلبية الساحقة من العلويين تفضل الوضع الجديد بعيوبه، على أمل تحسينه وتحسنه على بقاء الطغمة المجرمة.
وأؤكد دون إحصاءات أن الغالبية الساحقة من الدروز يؤيدون الإدارة الجديدة.
أما الاسماعيلين فقد كانوا منذ البداية من أكثر السوريين حماسا لإسقاط طغمة الإجرام وظلوا على ذلك.
قسد، هي في الواقع دون رتوش أقلية كردية أجنبية تحكم إقليما سوريا، قبل بها العرب والسريان بعيوبها خوفا من الطغمة الساقطة والفصائل العسكرية الأخرى المنفلتة من أي قانون. هذا لم يعد قائما.
قسد أمامها أياما معدودات طالت أم قصرت سلما أم حربا. هذه حقيقة واضحة مثل الشمس. لم يعد لديها ما تقدمه لأحد أكثر مما يمكن أن تقدمه الإدارة الحالية.
لا شأن لنا بعدائكم لتركيا، هذا أمر لا يخصنا ولا نشترك فيه. ولا شأن لنا بحلم كردستان الكبرى الذي أعتبره مثل أحلام الأخ العقيد الراحل القذافي بتوحيد الوطن العربي الكبير. إذا كانت أوهام القومية العربية صارت محط سخريتنا فكيف لنا أن نصفق لأوهام مشابهة!
أرجوكم، وعلى وجه الخصوص أصدقائي الجزراويين نحن معا، وسنبقى معا إلى أن تفنى الأرض، وسندافع عن حق الكرد أكثر من دفاعنا عن حقوق عرب الجزيرة وسريانها، لكن دعونا معا ننخرط في السياسة الواقعية بعيدا عن الأوهام والتخيلات التي لن تأت بشيء لا لكم ولا لسوريا.
دعونا نغلق دفاتر العارات وننخرط في الوضع الجديد الذي قبل به كل العالم ومعظم السوريين. لا تكونوا خارج السياسة. ندعو لدمج قوات قسد السورية، عربها وكردها في الجيش الذي يتشكل وندعو إلى حقوق إضافية للكرد وبقية المكونات التي لديها لغة وثقافة خاصة.
وفي هذه المرحلة المصيرية من تاريخ سوريا أنتم أحوج ما تكونون لحلفائكم العرب لا كسب عداوتهم.
أقول قولي هذا وأدعو المولى أن لا يضع السوريون، الكرد جميعا تحت مظلة خطابكم التحريضي والعدواني.
الفيس بوك
———————————-
أين نهر بردى؟/ معن البياري
15 فبراير 2025
أول نهرٍ أراه في حياتي، في أول مدينةٍ خارج الأردن أزورها، في أول بلدٍ أسافرُ إليه. كنتُ في الحادية عشرة (وشهور)، في صيف 1977، لمّا جئنا، والدي وأنا، إلى سورية، برّاً من عمّان، وشاهدتُ في دمشق نهر بردى، يضجّ بامتدادٍ لا أرى بدايةً له ولا نهاية، وبمياهٍ تطلع من جوفِه إلى فوق وتنزل، وبعضٌ منها يرقُص ويتراقص، ويتلوّن من أضواء لا أعرفُ كيف صارت له وعليه، في مشهدٍ سرق عقل الصبي الذي كنتُه، والناسُ بلا عددٍ في جنبات معرض دمشق الدولي. يا لسحر تلك الساعات هناك، يا للدهشة التي ما زلتُ عليها وأنا أخطو إلى السّتين، يا لذلك الفرح الغزير الذي لم يغادرْني، وكنتُ امتلأتُ به وأنا أرى النهر الذي حدّثنا عنه معلم العربية في المدرسة، وهو يشرحُ لنا مطلع قصيدة أحمد شوقي، “سلامٌ من صبا بردى أرقُّ/ ودمعٌ لا يُكفكف يا دمشق”. له، النهر الذي أحدّق فيه وأتملّى في جريانه، متمهّلاً وسريعاً، صوتٌ لا كما صوتُ أي مياه، صوتُ شاعرٍ صامت، كما قرأتُ لمحمّد الماغوط بعد عقود، هو الذي صوتُ فيروز منه، كما سمعتُ في أغنيةٍ لها فيما بعد، “أنا صوتي منك يا بردى/ مثلما نبعُك من سُحُبِ”، على ما كتب المتيّم بالشام، سعيد عقل. وفي ذلك المشوار المقيم في حشاياي، منذ ذلك الصيف، كان صوت فيروز تغنّي يرافق جريان النهر، ويُصاحب جموعاً من الناس في المعرض، ويؤالِف مع مشهد بردى البديع إيقاعاً لا أجملَ ولا أحلى ولا أرقّ.
في زيارةٍ تاليةٍ إلى دمشق، للتسجيل في الجامعة للدراسة، إن أمكن (وهو ما لم يحدُث)، في صيف 1982، لا أتذكّر أنني زرتُ بردى، أو أنني رأيتُه، ربما لمشاغل عاجلةٍ كنتُ عليها، أو لمزاج غير مرتاح، أو لسببٍ آخر لا أتذكّره. وفي زيارة ثالثة، في 1995، مع صديقٍ، سمعتُ أن مزاج النهر نفسه لم يعُد هو الذي كان، فلم نمرّ عليه، وكأني وددتُ ألّا أخدش صحبة ذلك الصبي معه، كأني أردتُ لتلك البهجة الثاوية فيَّ أن تُصان، كأني أردتُ أن أكتفي بالذي كان عليه الشاعر جورج صيدح لمّا استهلّ قصيدة يتغزّل فيها بدمشق “كأني حلمتُ أنني قريبٌ منك يا بردى/ أبلّ قلبي كما بلَّ الهشيمَ ندى”. أما الزيارة الرابعة، الشهر الماضي، (محض مصادفة غير مقصودة أنني لم أزُر دمشق في سنوات بشّار الأسد)، فغاب عني السؤال عمن خلعتُ عليه صديقَ يفاعتي الأولى، نهر بردى، ربما لأن الفرح العظيم بتحرير سورية من آل الأسد شغَلنا، ولأن أحداً لم يُحدّثنا عنه، ولم ينصحنا بمقهى أو مطعم أو ركنٍ عند أيٍّ من جنباته. ثم بعد شهر، أجدُني في دمشق، وأسأل أصدقاء سوريين عنه، أُخبرهم أن اثنيْنا نعرف بعضنا منذ نحو خمسة عقود، فيُسهبون عن حاله المؤسف، عن جفافه، وتلوّثه، عنه ساقيةً تُرمى فيه النفايات والمخلّفات، مجرى مياه منسيّة، ذات رائحة كريهة غالباً، بعد أن دمّرته مياه الصرف الصحي. يقولون لي عن انعدام الجاذبية فيه. والأكثر إدهاشاً أن مقطعاً منه على مقربة أمتارٍ معدودةٍ من حيث أنا في الفندق. وأحدّثهم أنني لا بدّ أزوره، لا لأن هواه كالسيف يسكنني، كما حال نزار قباني الذي عدّه “أبا النهور”، إنما لشيءٍ في نفسي.
يا للهوْل، يا للسؤال: أين بردى؟ من الذين سرقوه، ثم أماتوه؟ من الذي اقترف هذه الجريمة بنهرٍ في أقدم مدن الأرض؟ وقد قال الشاعر القديم، جرير، “لا ورد للقوم إذا لم يعرفوا بردى”. يا لسؤالٍ آخر: ماذا نصنع، إذن، بقصائد نزار قباني وسعيد عقل ومحمد مهدي الجواهري وأحمد شوقي وجورج صيدح وعنقودٍ من الشعراء والمغنّين والملحنين (محمد عبد الوهاب ومحمد عبد المطلب والرحابنة…)؟. يؤرّخ من أرّخوا أن بردى في فيضاناته كان يُغرق دمشق في القرنين السادس عشر والسابع عشر، ويقول سبعينيون وثمانينيون إن فيضانه في الخمسينيات كان يغلق بعض الطرقات. أما أهل الاختصاص، فيُخبروننا بأن الأنهر تنقّيها نباتاتٌ فيها، غير أن بردى لم يعد قادراً على تنظيف نفسه، فالتلوّث فاق طاقته. … يحدّثني من يحدّثني عن نداءاتٍ رسميةٍ وأهليةٍ تداعت إلى “إنقاذ” النهر الحزين لم تلق أصداء لها. وأحدّثُ نفسي بأنه الحكمُ الذي خرّب البلاد كان عدوّاً للجمال والوداعة.
ثمّة شحوبٌ بادٍ في دمشق المتعبة، أراه بيُسر، وأرى موت بردى عنوان زمنٍ ظُلمت فيه سورية كثيراً. … تُراه يأتي زمنٌ آخر، يُسعف سورية، فيسمع من يقيم في فندقٍ مجاورٍ للنهر صوت مياه عذبةٍ ترقصُ وتتماوج؟
العربي الجديد
————————————
دساتير أكلتها الحمير/ د. فيصل القاسم
تحديث 15 شباط 2025
ليس هناك أدنى شك بأن الدستور يُعد واحداً من أهم الاختراعات البشرية، فهو لا يقل قيمة وأهمية عن اختراع الدولة ذاتها، لأنه بمثابة عقد اجتماعي وسياسي وحقوقي ينظم حياة الدول وعلاقاتها بالشعوب ويضبط حركتها وحركة المجتمعات والأفراد ويحدد حقوق الجميع، وإلا لكانت قد تحولت إلى غابات تحكمها شريعة الغاب، لهذا تتفاخر الدول بدساتيرها وتعمل دائماً على تحديثها لتتواءم مع التطورات البشرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، لكن ما قيمة الدساتير عند العرب يا ترى؟ نسأل هذا السؤال ونحن نرى اليوم هذا الهيجان المتصاعد في سوريا حول ضرورة وضع دستور جديد للبلاد البارحة قبل اليوم، وكأن سوريا كانت تعيش منذ تأسيسها بموجب الدستور ومواده وقوانينه، وأنها أصبحت اليوم تائهة ضائعة بلا دستور.
أرجو هنا ألا يظن أحد أننا نقلل من أهمية وضع دستور جديد للبلاد بعد سقوط النظام وتحرير سوريا، لا أبداً، بل نشد على أيدي كل من يعمل على التفكير بدستور جديد يرسم معالم مستقبل سوريا الجديدة بعد أكثر من اثنين وستين عاماً من حكم الديكتاتورية العسكرية والأمنية الفاشي، لكن السؤال المؤلم: متى عملت الأنظمة العربية على مدى تاريخها بالدساتير التي تضعها؟ ألا تُعد الدساتير بالنسبة للعرب مجرد ترف سياسي لتزيين الحياة السياسية لا أكثر ولا أقل؟
معظم الدول العربية لديها دساتير جميلة جداً على الورق، وهي تنافس حتى جمهورية أفلاطون بعدلها وإنسانيتها ووطنيتها وتحضرها ودقتها وسموها، لكن لو نظرنا إلى مواد الدساتير وقارناها بالحياة على أرض الواقع لوجدنا الدساتير العربية في واد والحياة السياسية والاجتماعية في واد آخر تماماً، فقلما تجد حاكماً أو نظاماً عربياً يعير الدستور أي اهتمام، فهو مجرد لازمة من لوازم المسرح السياسي العربي للبهرجة الإعلامية فقط، لأنه قلما يجد طريقه إلى التطبيق، وقد رأينا على مدى عقود من حكم الجنرالات والقومجيين العرب أنهم يضعون دساتير تبدو روائع أدبية على الورق، بينما كانوا يدوسون عليها ليل نهار في الحياة السياسية والحقوقية. كم يطبق العرب يا ترى من مواد دساتيرهم؟
هل عدلوها يوماً لخدمة الشعوب مثلاً، أم لا يلجؤون إلى الدساتير إلا عندما يريد هذا الطاغية أو ذاك تعديل هذه المادة أو ذاك القانون خدمة لنفسه حصرياً؟ ونحن السوريين مثلاً لم نسمع بالدستور ولا بالحقوق الدستورية يوماً على مدى أكثر من نصف قرن إلا عندما اجتمع مجلس الشعب البائد ليعدل المادة التي تحدد عمر الرئيس، لأن الرئيس السوري الساقط بشار الأسد كان وقتها تحت السن القانونية، أي أنه كان ولداً قاصراً، فعدلوا له المادة الدستورية كي يصبح رئيساً، لكنه ظل قاصراً حتى بعد أن بلغ من العمر عتياً، فسقط سقوطاً تاريخياً مدوياً. وقلما يلجأ الحكام العرب إلى الدستور إلا ليعدلوا المواد المتعلقة بفترة بقائهم في السلطة، فيغيروها كي يجثموا مزيداً من السنوات على صدور الشعوب التي لم تستفد من الدساتير والحقوق التي تنص عليها شيئاً على مدى عقود وعقود، لا بل إنها لا تعرف محتوى الدساتير، لكن ليس لأنها لا تريد العمل بها، بل لأنها تعلم علم اليقين أن الطواغيت والجنرالات الذين يحكمونها لم يلتزموا يوماً بالدستور، وكانوا يجمدون العمل به بموجب قوانين الطوارئ، كما فعل النظام السوري البائد، الذي عطل الدستور لعقود كي يحكم البلاد كما يحلو له.
لا عجب إذاً أن الأديب السوري الراحل الشهير محمد الماغوط قال في إحدى مسرحياته عندما سُئل عن الدستور «إن الدستور أكله الحمار». ولو نظرنا إلى العديد من الدول العربية اليوم سنجد فعلاً أن دساتيرها أكلتها الحمير، لهذا مثلاً لو سألت الشعوب العربية اليوم عن قوانين دساتيرها ستجد أن الغالبية العظمى لا تعرف شيئاً عنها. اسأل الشعوب: هل قرأتم الدستور قبل أن تصوتوا عليه، فسيكون الجواب بالتأكيد لا. كم عدد العرب الذين قرأوا دساتير بلادهم؟ أكاد أجزم أن الغالبية العظمى لم تقرأ الدستور المفترض أنه أهم وثيقة قانونية تحكم العلاقة بين الشعب والدولة، فلا قيمة للقوانين والدساتير في حياتنا العربية حتى الآن، لأننا مازلنا حتى اليوم مجرد قطعان يسوقها هذا الطاغية أو ذاك خدمة لمصلحة نظامه ومصالح مشغليه في الخارج. ليست العبرة أبداً بوضع الدساتير، بل بتطبيقها، فما فائدة تلك اللوائح الحقوقية الجميلة إذا ستكون عرضة للتعطيل أو الانتهاك المنظم كما نشهد في العالم العربي البائس منذ عقود وعقود؟ لا تنسوا أن بريطانيا مثلاً ليس لديها دستور، لكنها من أعظم نماذج الحكم في التاريخ البشري.
كاتب واعلامي سوري
القدس العربي
———————-
لماذا لا يزال مطار رفيق الحريري محاصراً من الخميني وحافظ الأسد؟/ حسام فران
15.02.2025
يشكل مطار بيروت اليوم بالنسبة إلى الحزب ما تبقى من صورته المهشّمة، يحاول أن يبقيه ورقة للابتزاز الداخلي، بعدما استسلم تماماً للخارج، وبَصَمَ بالعشرة على الصفقة التي أوقفت الحرب وفرضت عليه وعلى لبنان شروطاً مذلّة لصالح إسرائيل.
ليس ما حدث على طريق مطار بيروت من شغب وقطع طرقات وحرق مركبة تابعة لــ”اليونيفيل” جديداً على “حزب الله”. فالحزب صاغ على مدار تاريخه سيرته السياسية والأمنية بروابط اتصلت دائماً بالطريق المؤدية من المطار وإليه.
لطالما رسم حزب الله “عضلاته” العسكرية والأيديولوجية على لوحات الإعلانات الممتدة على الطريقين الوحيدين المؤديين إلى المطار. وعلى إسفلت الطريق القديمة، المسماة “جادة الإمام الخميني”، سال دم كثير في سبيل ولاية الفقيه.
كان متوقعاً أن يلجأ الحزب إلى قطع طريق المطار، وقد هدّد القيادي وفيق صفا بذلك في مؤتمر صحافي قبل أسابيع، ملمّحاً إلى أنه يعقد المؤتمر على بعد أمتار من المطار، في إشارة إلى أن الحزب لا يزال، رغم الهزيمة المذلّة التي ألمّت به، قادراً على الانتصار على الداخل، كما دائماً.
ومشهد إقفال المطار يريده حزب الله تذكيراً بالسابع من أيار/ مايو 2008، عندما نفذ الحزب ما يشبه حرباً أهلية مصغرة بسبب قرارات حكومية تتعلق بالمطار وبشبكة الاتصالات الخاصة به.
في ذلك اليوم، وبعد قرار الحكومة اللبنانية تفكيك شبكة اتصالات “حزب الله” وإقالة رئيس أمن المطار المقرّب منه، ردّ الحزب بعملية عسكرية داخل بيروت، حيث انتشر مسلحوه في الشوارع وأغلقوا طريق المطار بالكامل، وأذلّوا المسافرين وأرعبوهم، في رسالة واضحة بأن المطار ومحيطه خاضعان تماماً لسلطته، وأن أي محاولة للمساس بهذا النفوذ ستُقابل بالقوة. لم يكن الأمر مجرد استعراض، بل كان تأكيداً على أن مطار بيروت ليس مجرد بوابة جوّية، بل هو معبر استراتيجي يتحكم به الحزب لخدمة أجندته الإقليمية.
حاول الحزب في الأمس أن يذكّر اللبنانيين بمشهد السابع من أيار، لكن بدا حضوره الأمني والشعبي كاريكاتورياً، وصبّ الحزب جام غضبه على سيارة تحمل مسؤولاً من اليونيفيل وأحرقها، وكأنه بذلك يحاول إحراق القرار الأممي 1701 الذي لن يستطيع الحزب هذه المرة أن يهرب من تطبيقه، لأن موازين القوى تبدلت، ولأن الحزب فقد سطوة أمنية وعسكرية كما فقد ثقة شعبية (شيعية في الدرجة الأولى) كانت تلتفّ حوله بوصفه الحامي والرادع، ليتبين أنه كان في صدد أكبر صفقة لبيع الوهم في تاريخ الصراع العربي – الإسرائيلي.
يشكل مطار بيروت اليوم بالنسبة إلى الحزب ما تبقى من صورته المهشّمة، يحاول أن يبقيه ورقة للابتزاز الداخلي، بعدما استسلم تماماً للخارج، وبَصَمَ بالعشرة على الصفقة التي أوقفت الحرب وفرضت عليه وعلى لبنان شروطاً مذلّة لصالح إسرائيل.
يعتبر مطار بيروت الدولي منفذاً أساسياً لحزب الله، سواء لنقل الأفراد أو البضائع أو حتى الأموال التي تُستخدم في تمويل نشاطاته. وقد أثيرت في السنوات الأخيرة شبهات حول استخدام المطار لتمرير أسلحة وأموال إيرانية إلى الحزب، وهو ما يبدو أنه لا يزال مستمراً إلى اليوم، بل زادت أهميته مع قطع الطريق البرية على التمويل والتسليح الإيراني للحزب بعد سقوط بشار الأسد. لكن المظلة الدولية، وخصوصاً الأميركية، فوق لبنان، تعيق حركة الدعم الإيرانية للحزب، وتزيد من عزلته على المستوى العسكري والمالي.
والمفارقة أن المطار الذي يقاتل الحزب لإبقاء شيء من السيطرة عليه، يحمل اسم رفيق الحريري، رئيس الوزراء الذي اغتيل قبل عشرين عاماً في الرابع عشر من شباط/ فبراير 2005 في تفجير دموي، وقد اتهمت المحكمة الدولية الخاصة بلبنان عناصر من “حزب الله” بتنفيذه، وأصدرت أحكاماً غيابية بحق خمسة متهمين ثبُتت عليهم تهمة الاغتيال.
وفيما قد يكون الحريري نال بعض العدالة في مقتل جزء من المتهمين في الحروب الإقليمية التي يخوضها الحزب لصالح إيران، لا يزال المطار الذي يحمل اسمه محاصراً تماماً من جهتين: فكل من يصل إلى مطار بيروت ويغادره ليدخل إلى العاصمة، عليه إما أن يسلك الطريق القديمة المسماة “جادة الإمام الخميني”، حيث تنتشر صور المرشد الإيراني الحالي والسابق والشعارات التي توحي للواصل إلى بيروت كأنه في طهران وليس في عاصمة لبنان، أو أن يأخذ الطريق الأخرى (الجديدة) والتي يطلق عليها إلى اليوم “أوتوستراد حافظ الأسد”، نسبة إلى الرئيس السوري الراحل الذي كان حليفاً رئيسياً لإيران وحزب الله في لبنان، والذي سقط نظامه بسقوط ابنه بشار في سوريا.
وبذلك يحاصر كل من الخميني وحافظ الأسد مطار رفيق الحريري، في مفارقة إسمية وفعلية تقول الكثير الكثير عن مدى الاستفزاز والعنجهية التي مارسها محور الممانعة على باقي اللبنانيين، طوال سنوات، بقوة الأيديولوجيا والصواريخ و”غضب الأهالي”، ودائماً باسم فلسطين!
درج
——————————
“#الجولاني_سفاح_سوريا”: من يقف خلف الوسم الأعلى تداولاً على “إكس”؟/ شريف مراد
15.02.2025
بالتزامن مع زيارة الرئيس الانتقالي السوري، أحمد الشرع، إلى المملكة العربية السعودية والتوترات على الحدود السورية – اللبنانية، عاد النشاط مجدداً على وسم “#الجولاني_سفاح_سوريا”، مدفوعاً بحسابات مرتبطة بإيران وأخرى تقول إنها مرتبطة بالطائفة العلوية في سوريا.
عاد وسم “#الجولاني_سفاح_سوريا” إلى الواجهة مجدداً بالتزامن مع زيارة الرئيس الانتقالي السوري، أحمد الشرع، إلى المملكة العربية السعودية، في الثاني من شباط/ فبراير 2025، وتصاعد الاشتباكات المسلّحة على الحدود السورية – اللبنانية في السابع من الشهر نفسه.
واندلعت اشتباكات بين الأمن العام السوري ومسلحين من عشائر لبنانية في بلدة حاويك السورية المتاخمة للحدود اللبنانية، ما أسفر عن سقوط قتيلين لبنانيين على الأقل، ووقوع عمليات خطف متبادلة بين الطرفين.
ويعد وسم “#الجولاني_سفاح_سوريا” الأكثر تكراراً منذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وفي كل حملة يتصدر قائمة الأعلى تداولاً على منصة “إكس” في عدد من الدول العربية؛ على رأسها سوريا والعراق.
تحليل بيانات الوسم تشير إلى وقوف حسابات تدعي أنها تمثل العلويين في سوريا وأخرى مقرّبة من إيران تستهدف النظام السوري الجديد، خلف إطلاق الوسم ودفعه إلى الواجهة مراراً، بخاصة عند زيارته إلى السعودية.
يكشف “مجتمع التحقق العربي” أن هذه الحملة لم تكن مجرد موجة عفوية من التفاعل، بل اتبعت ديناميكيات تضخيم مصطنعة عبر شبكات منظمة من الحسابات الرقمية، التي لعبت دوراً أساسياً في إعادة نشر المحتوى، وتعزيز انتشار الوسم على نطاق واسع خلال فترة قصيرة.
انطلاق ثم انتشار سريع
أظهرت البيانات أن وسم “#الجولاني سفاح سوريا” حقق معدلات تفاعل مرتفعة خلال الساعات الأولى من إطلاقه في الثاني من شباط/ فبراير، إذ تصدر قائمة الوسوم الأكثر تداولاً في عدد من الدول العربية؛ أبرزها السعودية والعراق وسوريا.
وفقاً للتحليل الرقمي، كانت هناك زيادة مفاجئة في معدلات النشر في اليوم، وإعادة النشر خلال الساعتين الأولتين، ما يشير إلى دفع منسق لتعزيز انتشاره في وقت قياسي، ما أوصل الوسم إلى ذروة انتشاره في اليوم الرابع من الشهر نفسه، واستمرّ الزخم عليه حتى الثامن من شباط/ فبراير.
وحقق الوسم في آخر شهر إجمالي تفاعل بلغ نحو 37 ألف بزيادة قدرها 589 في المئة عن الشهر السابق.
وتمركز التفاعل على الوسم في عدد محدود من الدول؛ إذ كانت أعلى نسب التفاعل مسجلة في السعودية والعراق وسوريا ولبنان.
وتشير البيانات إلى أن ما يقرب من 23,426 منشوراً ضمن الحملة كانت يحمل طابعاً سلبياً بشكل صريح، وهو ما يشكل أكثر من ضعف عدد المنشورات ذات الطابع المحايد (11,366 منشوراً)، وأكثر بكثير من المحتوى الإيجابي (1,988 منشوراً فقط).
كما يكشف التحليل الإحصائي لأكثر من 25,000 كلمة مفتاحية داخل الحملة، أن الغالبية العظمى جاءت ضمن التصنيف السلبي، مع تكرار ممنهج لمصطلحات مثل: “الإرهاب” (521 مرة)، “نظام الجهاديين” (520 مرة)، “الإبادة الجماعية” (441 مرة)، و”العقاب الجماعي” (436 مرة).
وبلغ عدد الردود (Replies) داخل الحملة 18,399 منشوراً، وهو رقم مرتفع للغاية يعكس استراتيجية الإغراق بالمحتوى المتكرر، إذ استُخدمت الردود بشكل مكثف لإعادة توجيه النقاش نحو محتوى سلبي محدد. تُعد هذه التقنية شائعة في الحملات الرقمية المنسقة، إذ تهدف إلى خلق انطباع زائف بوجود إجماع واسع حول قضية معينة، حتى وإن كان هذا التفاعل مدفوعاً وليس ناتجاً من نقاش حقيقي بين المستخدمين.
إلى جانب ذلك، بلغت إعادة النشر 15,818 منشوراً، ما يكشف عن دور الشبكات المغلقة في تضخيم الحملة. فبدلاً من إنتاج محتوى جديد، اعتمدت الحملة بشكل أساسي على إعادة نشر المواد نفسها.
في المقابل، كان عدد المنشورات الأصلية محدوداً، إذ بلغ 1,025 منشوراً فقط، وهو ما يعكس افتقار الحملة إلى تفاعل حقيقي قائم على إنشاء محتوى جديد.
تضخيم مصطنع وشبكات تنسيق مغلقة
تحليل النمط الزمني للنشر أظهر أن الوسم لم يمر بمراحل تصاعدية طبيعية كما هو معتاد في الوسوم البشرية، وفي فترة قصيرة، كان هناك تزايد كبير في عدد المنشورات القادمة من حسابات محددة لعبت دوراً رئيسياً في تعزيز الوسم، ما يشير إلى استخدام تكتيكات نشر مكثفة لرفع الوسم إلى قوائم الأكثر تداولًا بسرعة غير طبيعية.
تشير البيانات إلى أن أول منشور على الوسم صدر من حساب @hilina_an عند الساعة 05:18 صباحاً بتوقيت سوريا. خلال الساعات الست الأولى، برزت مجموعة من الحسابات التي كانت من أوائل المستخدمين للوسم وساهمت في تضخيمه؛ وكان من بينها حسابات: “سوريا العلمانية”، و”العراقي الجنوبي”، و@ali_abbass_h01، و@nisology1919، إذ أعادت هذه الحسابات نشر المحتوى ذاته مرات عدة مع فترات زمنية قصيرة بين كل موجة نشر.
التتبع الزمني للوسم أظهر أن الحساب @hilina_an لم يكتفِ فقط بإطلاق الوسم، بل كان أيضاً الأكثر مساهمةً في انتشاره خلال الساعات الأولى، إذ نشر سبعة منشورات حصلت على 68 إعادة نشر، وهو ما يعكس تأثيره الكبير في عملية التضخيم. في المرتبة الثانية، جاء حساب “سوريا العلمانية” الذي نشر ثلاثة منشورات حصدت 42 إعادة نشر؛ وهو رقم مرتفع إذا ما قورن بعدد المنشورات المحدود، أما حساب “العراقي الجنوبي” فقد نشر منشورين فقط، لكنه تمكّن من حصد 12 إعادة نشر.
ولوحظ أن بعض الحسابات نشرت المحتوى نفسه أو أعادت نشر منشورات أخرى خلال فترات زمنية قصيرة. على سبيل المثال، في الساعة 03:20 صباحاً يوم 5 شباط/ فبراير 2025، شهد التفاعل على الوسم قفزة مفاجئة في عدد المنشورات، إذ نشرت الحسابات الرئيسية محتوى متشابهاً في التوقيت نفسه.
وبرز نمط واضح لتكرار المحتوى، إذ نشرت الحسابات “D_79797979797″ و”Maya Haddad” تدويناتهما الوحيدة بفواصل زمنية متقاربة لم تتعدَّ بضع دقائق. كما أظهرت الحسابات “Lora Pacific 4846″ و”Yuiolh” سلوكاً مشابهاً تمثل في النشر المتزامن وإعادة النشر المكثفة للمحتوى ذاته، ما يعكس ممارسات منظمة تهدف إلى تضخيم الرسائل السلبية للحملة.
إضافةً إلى أنماط التضخيم التي كشفتها أنماط النشر الزمني، استخدمنا منهجية التحليل الشبكي للكشف عن الهيكلية الداخلية للتفاعل على وسم “#الجولاني_سفاح_سوريا”، وفهم طبيعة العلاقات بين الحسابات المتفاعلة معه. يعتمد هذا التحليل على دراسة الروابط بين الحسابات من خلال إعادة النشر، والإشارات المباشرة (Mentions)، وأنماط التفاعل المتكرر، ما يتيح التعرف على الحسابات الأكثر تأثيراً داخل الشبكة. كما يساعد في تحديد ما إذا كان الانتشار عفوياً أم منسقاً عبر شبكة مغلقة تعمل على تضخيم الرسائل المستهدفة.
أظهر التحليل الشبكي أن الانتشار لم يكن موزعاً بشكل طبيعي بين المستخدمين، بل كان متمركزاً حول عدد محدود من الحسابات التي لعبت دوراً محورياً في نشر المحتوى وتضخيمه.
يعد الحساب “سوريا العلمانية” الأكثر تأثيراً داخل الشبكة، إذ أظهر التحليل أنه كان محوراً رئيسياً للتفاعل، فحاز عدداً مرتفعاً من الإشارات المباشرة (Mentions) وإعادة النشر. وبالمثل، حصلت حسابات؛ مثل: “hilina_an”، و “News_News”، و “yuiolh” على مستويات تفاعل مرتفعة على رغم أن نشاطها لم يكن واسع النطاق خارج إطار هذه الحملة.
وحصد الحساب “سوريا العلمانية” على 3814 إعادة نشر، وهو رقم مرتفع مقارنة بعدد منشوراته البالغ 139 فقط. كما أظهر الحساب “Syrian Knight” نمطاً مشابهاً، إذ سجل 32 إعادة نشر على عدد محدود من المنشورات، ما يشير إلى استخدامه في تعزيز انتشار الوسم داخل الدائرة المغلقة للحملة.
من يقف وراء الهجوم ضد أحمد الشرع؟
يوضح تحليل بيانات التفاعل أن معظم المشاركات جاءت من خمس دول رئيسية؛ وهي: المملكة العربية السعودية، والعراق، وسوريا، ولبنان، ومصر. هذه الدول وحدها ساهمت في أكثر من 60 في المئة من إجمالي التفاعل مع الوسم.
بتحليل الحساب الذي أطلق الحملة الأخيرة على الوسم “hilina_an”، وجدنا أنه يدعي الارتباط بخلفية علوية، ويتسم خطاب هذا الحساب بطابع طائفي واضح، إذ ينظر إلى أحمد الشرع على أنه تهديد مباشر للطائفة العلوية في سوريا.
في إحدى تغريداته، يتساءل الحساب بشكل مباشر إن كان العلويون يدركون أنهم يتعرضون لـ”حملة إبادة جماعية”؛ وهو خطاب يهدف إلى إثارة الخوف والتعبئة داخل الطائفة العلوية.
كما أظهرت الحسابات العراقية المشاركة في الحملة تقارباً واضحاً مع خطاب الإعلام الإيراني، إذ صوّرت سقوط الأسد على أنه مؤامرة غربية – تركية تهدف إلى إسقاط محور المقاومة. واعتمدت حسابات عدة على صور رمزية لقادة إيرانيين ومن حزب الله، مثل قاسم سليماني وحسن نصرالله، في إشارة إلى ولائها للخطاب السياسي ذاته.
لم تقتصر هذه الحسابات على مهاجمة الشرع، بل سعت أيضاً إلى تصوير النظام السوري الجديد على أنه أداة أميركية – إسرائيلية لإعادة رسم خريطة الشرق الأوسط. كما روّجت لفكرة أن إيران تعرضت للخيانة من الأسد نفسه قبل سقوطه، ما أدى إلى فقدان سوريا حليفاً استراتيجياً في مواجهة إسرائيل والغرب.
درج
——————————————
يا مال الشام!/ محمد الرميحي
تحديث 15 شباط 2025
العنوان هو مطلع أغنية من القدود الحلبية الجميلة، ألّفها الفنان خليل القباني، دمشقي الهوى والمنبت، بعد أن اضطر إلى اللجوء إلى مصر، معبراً فيها عن حنينه إلى الشام ورياضها، والبعض يرى أن الشام هي دمشق، والمقصود في هذا المقال هو الشام الكبرى، خاصة سوريا ولبنان. غنَّى الأغنية أكثر من مطرب في كل من سوريا ولبنان، وبقيت إلى اليوم مصدر طرب للعرب، وأيضاً مصدر حنين لأهل الشام.
سوريا ولبنان يعودان من جديد إلى التجديد، وكلا الشعبين، اللبناني والسوري، له قدرة على الابتكار والإنجاز والنجاح، إلا أن الإنجاز والنجاح يحتاجان إلى عاملين مهمين؛ الأول الاستقرار السياسي، والثاني الأمن الاجتماعي. في أي مكان يشعر فيه السوري أو اللبناني بالاستقرار والأمن، يبدع فيما قرر أن يقوم به من أعمال. أبدع الاثنان في دول الخليج خلال نصف القرن الماضي ببراعة، وأبدعا في أوروبا والولايات المتحدة وأستراليا، وفي غيرها من مدن المعمورة؛ حيث توفَّر هذان العاملان: الاستقرار والأمن، اللذان تم فقدهما في البلدين؛ حيث صُحر البلدان من هذين العاملين جرَّاء الاستبداد السياسي.
في الوقت الصعب للشعبين، افتقد أفرادهما الإبداع والمبادرة تحت حكم عصابة عائلية في سوريا تبنَّت شعارات زاعقة، أفقرَت السوريين، وطردت المبدعين، وقتلت الشباب في الزنازين المظلمة، فانتشر الفقر والفساد والتشبيح، وزاد الكذب والتدليس، فأصبحت البلاد التي كرمها الله بكثير من مصادر الثروة أرضاً يباباً، ودارهم خراباً، ونفوساً هجرتها كل قيم الحب والرحمة.
وفي لبنان، سُلِّط على شعبه حزب آيديولوجي، حامل للسلاح. أرهب الناس، فتدهور الاقتصاد، واضطر الناس للعيش على الفتات، وتهيأت له، بسبب الفقر والفاقة، فرص تجنيد الشباب لأخذهم إلى حروب في الداخل والجوار والبلدان البعيدة. فتراجعت الحرية، وتصاعدت الانتهازية السياسية، وأجَّرت دول إقليمية هذا الحزب لتحقيق مآربها، على قاعدة أنه كلما أفقر اللبنانيون، تصاعدت القدرة على تجنيد أبناء الفقراء لتنفيذ أجندة معينة.
في نهاية المطاف، أفلس المشروعان في البلدين، فوجدنا إسرائيل تحتل شريطاً حدودياً واسعاً في جنوب لبنان، ولم يعد زعماء الحزب قادرين على الصلاة في مدن وقرى الجنوب، فضلاً عن أن يصلوا في القدس، ووجدنا أن من كان يحكم سوريا لا أكثر من عصابة في شكل عائلة، مال الدولة هو مالها، والناس يحل قتلهم في أي وقت، وعندما اشتد الخطب هرب الجميع إلى أصقاع الدنيا. وتبيَّن للجميع تدريجياً كم من المال سرق، وكم من الأرواح زهقت.
وقد حدث التحول، وجاء الخلاص بسبب عدد من العوامل، على رأسها ذلك الخراب الذي حدث في المجتمع والنفوس، وعادت كلمات القباني تقول: «طال المطال يا حلوة تعالي!».
فهل تأتي الحلوة؟ الحلوة لن تأتي إلا بعمل جاد وحقيقي من رجال ونساء مخلصين لوطنهم، يفارقون الماضي بكل مفرداته وسردياته؛ حيث إن الخاسرين لن يستسلموا بسهولة. الأطماع الإقليمية لن تصرف النظر عن المناكفة، وسوف تحاول تخريب كل ما يُحاول أن يُبنى في كل من دمشق وبيروت، فضلاً عن تأصل ثقافة «الزعيق السياسي» و«المزايدة» لفترة طويلة، حتى كادت تكون الأصل بدلاً من الاستثناء.
إنها فترة انتقال صعبة وخطيرة في الشام الكبرى (سوريا ولبنان)، وسوف توضع العراقيل، ويُزيف الوعي للعودة إلى ماضي الأيام الخوالي، التي كانت تخرب الأوطان، وتدر على البعض الأموال.
الإمساك بمقود التغيير من خلال أجندة واضحة المعالم وشجاعة، تقوم بها القيادات الجديدة هو المأمول، على قاعدة القطع مع الماضي مهما كلّف من تضحيات، وبناء مستقبل جديد، يكون على رأسه أخلاقياته المصارحة لا المجاملة.
لقد ملَّ الشعب اللبناني وشقيقه السوري من عصر الآيديولوجيا الفارغة، والشعارات الجوفاء. فبناء وعي جديد هو مهمة القيادات الجديدة، وفي المكانين، بيروت ودمشق، قيادات واعية راهن عليها الجمهور الأوسع، وراهن عليها الجوار العربي من أجل أمن وسلامة الوطنين اللبناني والسوري، والانسجام مع محيطهما العربي، و«هجرة الزعرنة»، والتجارة بكل من المخدرات والشعارات، كلاهما مخدر للشعوب.
آخر الكلام: المرحلة الحالية في كل من لبنان وسوريا هي مرحلة «ترويض الوحش»، ويعتمد نجاحها على شطارة المروّض. فإن كان ضعيفاً، فإن الوحش قد تعود على أكل البشر!
الشرق الأوسط
————————-
اللاجئون السوريون بعد سقوط نظام الأسد: بين العودة والترقب؟/ أحمد عيشة
2025.02.15
أثار سقوط نظام الأسد في سوريا سؤالاً مهماً: هل يمكن لملايين السوريين الذين تركوا بيوتهم نتيجة لقصف النظام والخوف من الاعتقال والتعذيب الذي تكشّف بعضاً من أساليبه، وانتشروا في جميع بقاع الأرض تحت مسميات مختلفة (ضيوف وطالبي لجوء ولاجئين) أن يعودوا الآن إلى ديارهم بعد أربعة عشر عاماً، ناهيك عن المهجرين في الداخل المنتشرين على طول المناطق الحدودية مع تركيا، حيث تنتشر المخيمات؟ بالطبع، لا تتوقف العودة على رغبة المهجرين واللاجئين، وهي موجودة، لكن ثمة عوامل عديدة تتداخل في قرارهم، أولها حالة بيوتهم نتيجة للدمار الهائل الذي لحق بها، وحالة القلق السائدة نتيجة لغياب البنى التحتية الخدمية وانعدام فرص العمل وغيرها، ومقارنتها بالأحوال التي يعيشونها في بلدان اللجوء من دون إهمال خيارات اللاجئين الفردية، والأهم قضية الطلبة والتعليم، ومن جهة أخرى مواقف الدول التي استقبلتهم، إذ بدأت بمناقشة الآثار المترتبة على عودة اللاجئين، وهل ستكون طوعية أم قسرية؟
مع أن المشهد السياسي قد تغير بشكل جذري، هذا التغير الذي أثلج صدور السوريين عامة، إلا أننا لم نشهد بالمقابل خلال الشهرين سوى عودة نسبة قليلة من المهجرين (125 -150) ألفا من العدد الكلي (6 -7) ملايين في الخارج بنسبة (2) في المئة. ويعود السبب في ذلك إلى أسباب عديدة، أهمها الظروف التي تعيشها سوريا من حيث نسبة الدمار التي أصابت بيوتهم (ثلث المنازل تقريبا)، وعدم قدرتهم على تحمل إعادة إعمارها، ناهيك عن الدمار الهائل الذي لحق بالبنية التحتية الخدمية (شبكات المياه والصرف الصحي والكهرباء) التي تحتاج إلى أموال كثيرة لإعادة إعمارها أو تأهيلها، إضافة إلى الوقت اللازم لذلك، وبالتالي لن يكون لدى العديد من اللاجئين السوريين أي منزل أو وظيفة للعودة إليها. فالبنية التحتية في سوريا متدهورة لدرجة أن الخدمات الأساسية غير كافية أو شبه غائبة.
تبقى حالة عدم اليقين والغموض، مع أنهما أمور تلازم عمليات التغيير الكبرى كما حدث في سوريا، أحد أهم العوامل التي لا تدفع كثيرين إلى التفكير بالعودة، فالإطاحة بنظام بشار الأسد لا يعني أن سوريا ستعيش في سلام، فغير الظروف الداخلية المرهقة جداً، يأتي استمرار عمليات القصف الإسرائيلية وما تشكله من ضغط على السلطات الجديدة، إذ تظهرها بموقع الجهة الضعيفة غير القادرة على الدفاع عن حدودها كأحد الأسباب التي تعوق عمليات الاستقرار والبناء، داخلياً، لا تزال بعض المناطق خارجة عن السيطرة، وخاصة الجزيرة السورية التي تضم أهم الثروات السورية والتي يمكن أن تساعد على بناء البلاد، حيث تحتلها ميليشيا الاتحاد الديمقراطي تحت مسمى قوات سوريا الديمقراطية، بما تمتلكه من قدرات عسكرية ودعم أميركيين بحجة محاربة داعش، وهو ما يشكل مصدر توتر وتهديد لاستقرار البلاد، حيث خيارها السياسي على طريقة نظام الأسد وحزب الله: إما …، أو… من جهة، ومن جهة أخرى تحريض الغير على اتباع النموذج القسدي: المواطنة المتميزة.
تختلف الظروف في البلدان المضيفة بشكل كبير. فقد أصبح البعض يعتمد على القوى العاملة السورية، حيث يشغل اللاجئون السوريون وظائف في صناعات رئيسية كما في تركيا وألمانيا ومصر، ومن شأن الرحيل المفاجئ للعمال السوريين أن يؤدي إلى تفاقم النقص الحالي في العمالة في قطاعات عديدة. وحتى اليوم، لا تتبنى عموم هذه الدول سياسة الإعادة القسرية، أي أنها لن تعيد اللاجئين رغماً عنهم إلى منطقة لم يتم تصنيفها حتى الآن كمنطقة استقرار وربما تشجع على العودة الطوعية من خلال تقديم تسهيلات مالية وقانونية. وبغض النظر عن الخطاب الشعبوي، فإن الدول المضيفة وخاصة أوروبا، لن ترحل اللاجئين السوريين لأن ذلك يشكل انتهاكاً للقانون الدولي، فلجأت منذ سقوط الأسد إلى تجميد ملفات اللجوء لمدة ستة أشهر بانتظار التقييم السياسي للحكم الجديد، وتبقى حالات العودة منحصرة في طلبات العودة الطوعية التي تلقى بعض التشجيع.
تؤثر العوامل الفردية مثل العمر والجنس والوضع الاجتماعي والاقتصادي على قرارات العودة. فكثير من اللاجئين السوريين لا يرغبون بالعودة إلى بلد يفتقد للحدود الدنيا للحياة، إلى بلد يذكرهم بالفظائع، خاصة بعد تكشف الوقائع بعد سقوط الأسد، حيث المسالخ والمقابر الجماعية، فحوالي نصف المهجرين هم من الشباب الذين ربما قضوا معظم حياتهم خارج بلدهم، وتعلموا أو عملوا في بلدان اللجوء، حيث الحريات الشخصية والخدمات متاحة ووسائل الراحة حتى، هذه الخدمات التي سيفتقدونها عند عودتهم إلى سوريا، ناهيك عن ظروف التعليم ومحدودية فرص العمل إن توفرت، وبالتالي ما لم يرَ هؤلاء الشباب البلد بحالة من الاستقرار يوفر لهم فرص الحياة، ستكون عودتهم محدودة جداً.
القضية المهمة جداً، وهي مسألة التعليم، إذ إن مئات آلاف الطلبة الذين تلقوا تعليمهم بلغات البلد المضيف، أو بلد اللجوء، فهناك جيل كامل من الطلاب قد تلقوا تعليماً وفق مناهج مختلفة، وبالتالي صار من الصعب عليهم متابعة تعليمهم أو استكماله باللغة العربية التي تحولت لديهم إلى لغة محكية، أما الكتابة والقراءة فقد صارت بحاجة إلى جهد كبير لمعرفتهما، أما الطلبة الجامعيين، إضافة لما سبق من مشكلات، حتى اليوم، لم تصدر أي تعليمات من الجهات المختصة بخصوصهم، بما يتعلق بتعديل شهاداتهم، أو موادهم، وغيرها، فضلاً عن أنهم درسوا في بعض الفروع غير الموجودة في الجامعات السورية، وكذلك مسألة المتابعة باللغة العربية، وهي مشكلات حقيقية تضع الطلبة وأهاليهم بحالة من عدم اليقين بخصوص مستقبلهم، أما عن فرص العمل للخريجين فهي في الوقت الحالي نادرة جداً، ومرهونة بتحسن الوضع الخدمي والاقتصادي المرتبط مباشرة برفع العقوبات والموقف الدولي.
ما خلفه نظام الأسد يجعل من مستقبل سوريا لحظات قاتمة وخطرة، فالعقبات التي تعترض إعادة إعمار البلاد من بناء وتأسيس للدولة وحل للمشكلات الناتجة عنها هائلة. ومن أهمها قضية اللاجئين الذين أجبروا على الخروج من البلاد نتيجة للفظائع التي ارتكبها نظام الأسد، فقد تشكل عودتهم اليوم عبئاً كبيراً على إدارة البلاد في ظل استمرار تردد المجتمع الدولي ومراقبته للوضع في سوريا واشتراطاته على إدارتها، فالنسبة التي عادت قليلة (2) في المئة، وربما عاد بعض منهم بدافع الاطمئنان على ممتلكاتهم التي تركوها، أو الهروب من ظروف المعيشة والتمييز ضدهم في البلدان المضيفة، حيث جعلت المصاعب الاقتصادية وتكاليف المعيشة المرتفعة والفرص المحدودة الحياة غير محتملة بشكل متزايد، أو لرؤية عائلاتهم. وجدوا بلدهم يختلف اختلافًا عميقًا عن البلد الذي غادروه. فقد أدى تدمير المنازل والبنية التحتية الأساسية، وفقدان أحبائهم، وانتشار الفقر على نطاق واسع، وحالة الغموض التي تحيط بمستقبل البلد ورؤية القيادة الجديدة إلى جعل الحياة لا تطاق بالنسبة للملايين الذين لا يزالون في سوريا، ومن شأن عودة اللاجئين الآخرين أن يخاطروا بتفاقم الوضع المتردي أساسًا، بعد أن كانوا مصدر عون لأهاليهم في الداخل!
يعتمد مستقبل سوريا على قرار تاريخي، يشارك فيه المجتمع الدولي والمنظمات غير الحكومية، قرار يسهل عودة اللاجئين السوريين إلى ديارهم من خلال السعي لتلبية احتياجات السوريين، وأولى استحقاقات ذلك القرار، رفع العقوبات وتقديم الدعم اللازم لإعادة إعمار البلاد، ومن طرف الإدارة الجديدة، السعي لإصدار قوانين لحل مشكلات الملكية (البيوت والأراضي)، وتوفير فرص العمل وحل مشكلات التعليم الناتجة عن الفروق بين المناهج واللغات، إن سوء إدارة العودة الجماعية ستؤدي إلى استنزاف الموارد المحدودة أصلاً في البلاد، مما يسبب ضغطًا هائلًا على الإدارة الانتقالية ووكالات الأمم المتحدة والمجتمع المدني السوري للاستجابة لاحتياجات مواطني البلاد بطريقة تعزز الاستقرار وتوفر سبل العودة الكريمة، ورمي كل ذلك العبء على كاهل الحكومة الانتقالية يهدد بإثارة التوترات وتقويض الاستقرار الهش في أعقاب سقوط الأسد.
سيترتب على الفشل في تنسيق عودة اللاجئين السوريين عواقب وخيمة على سوريا وعلى البلدان المضيفة، خاصة المجاورة منها، وعلى اللاجئين السوريين أنفسهم. ويتوقف استقرار سوريا على التعافي الوطني الذي يعتمد على رفع العقوبات المفروضة وانتهاج سياسة تشاركية تفسح المجال لجميع الخبرات والسعي لتحقيق العدالة وخاصة تجاه المهمشين، فمستقبل سوريا مرهون بقرار دولي ومحلي يسعى من جملة أمور إلى تحقيق العودة الآمنة والكريمة للاجئين الذين سيساعدون في إعادة بناء دولة دمرها نظام الأسد، وإلا فإنها قد تؤدي إلى إرباك الحكومة الجديدة والبلاد بمشكلات كبيرة، وبالتالي تفتح الباب لأن تنزلق سوريا من جديد إلى حالة من الفوضى وعدم الاستقرار، وهي كلفة كبيرة على البلاد وعلى اللاجئين يجب ألا نجربها مرة ثانية.
تلفزيون سوريا
————————————-
عندما يتقرّر حلّ الجيوش: إيجابيات وسلبيات في الحالة السورية/ حسين عبد العزيز
14 فبراير 2025
ما إن أعلنت السلطات الحاكمة في سورية، برئاسة أحمد الشرع، حلّ مجلس الشعب، وتشكيل لجنة تحضيرية مهمّتها اختيار أعضاء المجلس الجديد، وحلّ الأجهزة الأمنية والجيش، حتى توالت ردّات فعل حدّية، بين مؤيّد مُطلَق لهذه القرارات ومعارض مُطلَق لها. وبين هذين الحدّين المتعارضين في الرأي، غُيّبت معطيات الواقع القائم وخصوصية التجربة عند كلا الطرفَين؛ عمد الرأي الأول المُثقَل بآلام العقود الماضية، والمسكون بهواجس ما قبل وطنية إلى قبول الواقع القائم والمصادقة عليه، على حساب الطرائق الأمثل (ما ينبغي أن يكون)، فيما عمد الرأي الثاني إلى التركيز على ما ينبغي أن يكون وفق تراتبية منطقية زمنياً، متجاهلاً طبيعة التجربة والواقع.
تتناول هذه المطالعة، باختصار، مسألة حلّ الجيش السوري، مستعيناً بخصوصية التجربة وبتجارب عالمية سابقة، مع تأكيد نقطة في غاية الأهمية، أنه ما زال مبكّراً إطلاق أحكام جاهزة على أداء الحكام الجدد، فقد تكون النهايات مختلفةً تماماً عن البدايات التي تظلّ غامضة في أهدافها.
تجارب توحيد الجيوش
بالاستناد إلى التجارب التاريخية السابقة، التي حدّدها زولتان باراني، جرت عملية إعادة بناء الجيوش في ثلاث حالات محدّدة، بعد حرب، خارجية (ألمانيا النازية، اليابان)، أو داخلية، حرب أهلية (رواندا، جنوب أفريقيا، كوسوفو، ليبيرا… إلخ)، بعد انهيار النظام، شيوعياً كان أم عسكرياً، وبعد حدوث تحوّل عميق في الدولة، ناتجاً من نهاية الاستعمار (الهند، دول أفريقية)، أو نتاجاً لعملية توحيد (ألمانيا، اليمن، جنوب أفريقيا). وفي غالبية التجارب التاريخية خلال القرن العشرين، لم تجرِ عملية حلّ الجيوش، إلا في حالات استثنائية، فقد عمدت غالبية الدول إلى الاحتفاظ بجيوش الأنظمة السابقة والبناء عليها، بسبب المخاطر التي قد تترتب من حلّ الجيوش.
في الاتحاد السوفييتي، بعد الثورة الشيوعية عام 1917، لم تحل السلطات الجديدة الجيش القيصري الروسي، بل أعادت تأهيله عسكرياً وأيديولوجياً، مع تسريح جزء من الجيش لاعتبارات سياسية لا عسكرية. وفي الهند، بعد الحقبة الاستعمارية ومرحلة الاستقلال عام 1947، جرى الاحتفاظ بالجيوش التي كانت قائمة إبّان الاستعمار البريطاني، وقد فضل جواهر لال نهرو، أول رئيس وزراء للهند المستقلّة، الاحتفاظ بأفراد جيش الهند البريطانية بدلاً من الاعتماد على الجيش الهندي الوطني فقط، الذي كان يقاتل البريطانيين. وفي باكستان، كانت نواةُ الجيش الوليد مع الدولة الوليدة ضبّاطاً وجنوداً كانوا في عملهم في الجيش الهندي قبل الاستقلال، فلم يتم إنشاء جيش جديد من جنود وضباط جدد. وفي هنغاريا بعد الحرب العالمية الثانية، وهيمنة الاتحاد السوفييتي على البلاد، طُرِد آلاف الضبّاط والجنود من الجيش، من دون أن يُحلّ بالكامل، ولكن في عام 1948 اضطرّت السلطات إلى إعادة الآلاف إلى الجيش بسبب الحاجة إلى تقوية الجيش بعد يوغسلافيا من حلف وارسو. وفي تنزانيا الأفريقية، أجرى الرئيس جوليوس نيريري بعد تمرّد عام 1964، تغييراً كبيراً في الجيش، لكنه لم يصل إلى حدود حلّ الجيش، وإنما بتسريح عدد كبير من الضباط والجنود. وفي إيران الخمينية، لم يُحلّ الجيش بعد الثورة على نظام الشاه عام 1979، بل جرت إعادة بناء الجيش، على الرغم من التنافر السياسي والأيديولوجي بين النظامين، الجديد والقديم. وفي جنوب أفريقيا ما بعد الأبارتهيد، لم تجر عملية حلّ الجيش، الذي كان الأداة القوية في تطبيق نظام الفصل العنصري، بل جرت عملية إدخال المقاتلين السود في الجيش الأبيض.
وفي اليمن بعد الوحدة عام 1990، لم تجر أيضاً عملية حلّ الجيشَين، الجنوبي والشمالي، ولا حلّ الجيش الضعيف (الجيش الجنوبي)، وإبقاء الآخر الأكثر عدداً وقوة (الجيش الشمالي)، بل جرت عملية توحيد للجيشين، وإن ضمن عملية غير احترافية. أمّا في رواندا بعد الحرب الأهلية بين عامي 1991 ـ 1994، فقد أُعيدَت هيكلة السلطات العسكرية، لا بحلّ الجيش، وإنما بعملية شملت تسريح بعض التشكيلات والشخوص في القوات المسلحة، وإعادة تأهيل وتدريب آخرين، وإدخال مقاتلين سابقين ضمن عملية دمج عسكري في جيش احترافي.
تجارب في حل الجيوش
ثمّة أربع حالات تاريخية جرى فيها حلّ الجيوش بالكامل، ثلاث حالات مبرّرة، وكانت نتائجها إيجابية لخصوصية التجربة (اليابان بعد الحرب العالمية الثانية، ألمانيا النازية، ألمانيا الوحدة)، أمّا الرابعة فكانت نتائجها كارثية (العراق).
في ألمانيا النازية واليابان بعد الحرب العالمية الثانية، حلّ الجيشان بالكامل، بسبب الهزيمة العسكرية الساحقة التي حلّت بهما، وبسبب استياء شعبي ألماني وياباني من عقيدة الجيش القتالية التي ألحقت الدمار في بلديهما. لكن، بسبب وجود بنى اقتصادية متطوّرة، ومجتمع متطوّر، ومؤسّسات دولة متطورة، وهيمنة مباشرة لدولة ديمقراطية ذات مستوى عسكري احترافي عال (الولايات المتحدة) بعد الحرب، لم يؤدِّ حلّ الجيشين إلى نتائج سلبية، فقد حقّقت التجربتان، الألمانية أولاً واليابانية لاحقاً، أهدافهما في بناء جيوش احترافية، وفي هيمنة المستوى المدني على المستوى العسكري. كانت عملية حلّ الجيشَين الألماني والياباني، ثم إعادة بنائهما، عمليةً سهلةً، لأنها بدأت من الصفر بعد تدمير الدولتَين والمؤسّستَين العسكريتَين.
وبعد 45 عاماً، وإثر انهيار الاتحاد السوفييتي وسقوط جدار برلين، كانت ألمانيا على موعد تاريخي تمثّل في توحيد شطريها الشرقي والغربي عام 1990. بسبب الهوة المؤسّساتية والديمقراطية والعسكرية بين الشطرَين، كان طبيعياً أن تكون عملية التوحيد عبارة عن إلحاق الشطر الشرقي بالشطر الغربي. في حالة التوحيد الألمانية، لم تكن عملية دمج جيش ألمانيا الشرقية بالغربية واردة، لسببَين رئيسَين، الأول هو أن نمط الجيش الشرقي يختلف في تكوينه العسكري اختلافا حادّاً عن نظيره الغربي الديمقراطي على مستوى الاحترافية. والسبب الثاني، أن الجيش الألماني الشرقي كان جيشاً عقائدياً، تقوم مهمته على محاربة أيّ تمرّد داخلي، إلى جانب محاربة الخارج، الذي تشكّل فيه ألمانيا الغربية عدواً رئيساً. ومع ذلك، أدخل جيش ألمانيا الغربية في عديده آلاف الجنود في ألمانيا الشرقية، بعد إعادة تدريبهم وتأهيلهم عسكرياً وسياسياً.
تعتبر حالة العراق حالةً استثنائية في العصر الحديث، فعملية حلّ الجيش عام 2003، لم تكن مبنيةً على أسس عملياتية احترافية، ولم تكن ثمّةَ أسباب عسكرية أو أيديولوجية تستدعي هذا الحلّ، بقدر ما كان القرار نابعاً من ارتجال أميركي تنقصه الخبرة الكافية بطبيعة الجيش العراقي، وواقع البلد، بُعيد إسقاط نظام صدّام حسين. اعتمد الأميركيون في العراق على تجربتهم السابقة قبل نحو 60 عاماً في ألمانيا النازية واليابان ما بعد الحرب العالمية الثانية، من دون وعي باختلاف الحالة العراقية، عن الحالتين السابقتين؛ في ألمانيا واليابان، وُجدت مؤسّسات دولة قوية (كما ذكرنا سابقاً) بخلاف العراق، حيث مؤسّسات الدولة استُغرِقت في النظام البعثي. وفي ألمانيا واليابان، كان المجتمعان متطوّرَين محكومَين بعلاقات أفقية لا عمودية ما قبل وطنية، هو كما الحال في العراق. وفي ألمانيا واليابان، كان ثمّة توافق على مستوى النخب والشعب بضرورة إنهاء العقيدة القتالية للجيشَين، وهو وضع لم يكن موجوداً في العراق، الذي كانت المطالب فيه تنحصر بالقضاء على نظام صدّام حسين، لا القضاء على مؤسّسات الدولة، خاصّة المؤسّسة العسكرية.
نتج من القرار الأميركي في حلّ الجيش العراقي سنوات من الاقتتال الدامي، بين المقاومة العراقية والجيش الأميركي المحتل من جهة، وبين المكوّن السُنّي والشيعي من جهة أخرى، دُمِّرت فيه البلد، ونُهِبت فيه الثروات، وتعزَّزت الانقسامات الطائفية والإثنية ما قبل الوطنية. لم يكن الأميركيون قادرين في العراق على التمييز والفصل بين الضبّاط والجنود التابعين مباشرة للنظام، وبين الضبّاط والجنود مجرّد عاملين في المؤسّسة العسكرية، فقد كانوا مقتنعين أن حلّ الجيش سيُتبع بعملية سريعة لإعادة بناء جيش آخر تشارك فيه جميع مكوّنات الشعب العراقي الكارهة لنظام صدّام حسين.
الحالة السورية
تختلف الحالة السورية عن مجمل الحالات السابقة من ناحيتَين رئيستَين، الأولى أن النظام السابق لم يعد موجوداً نظامَ حكمٍ ومؤسّساتٍ (كما في حالتي ألمانيا واليابان ما بعد الحرب العالمية الثانية)، ومن ثم لا وجود لتهديد أو لقوة عسكرية أمنية سياسية قادرة على الضغط والحشد الشعبي لفرض وجودها، أو الحصول على امتيازات، أو مناكفة السلطة الجديدة. الناحية الثانية، أن الجيش لم يعد موجوداً أصلاً عناصرَ، في حين أن مراكزه وقواعده ومؤسّساته المادية ما تزال موجودة.
في ظلّ غياب النظام السابق، وهروب الضبّاط والجنود (كلّ لأسبابه)، سرعان ما ملأت السلطة الجديدة الفراغ السياسي والعسكري والأمني إلى حدّ ما، تدعمها مؤسّسات دولة مدنية ما زالت قائمة على الرغم من ترهّلها، لكن وضعها الحالي يسمح بالبناء عليها، إذ ما تزال قادرة على القيام بمهامها وفق الإمكانات المتاحة. في هذا الواقع، كان قرار حلّ الجيش مسألة إجرائية ليس إلا، لعدم وجود الجيش عملياً بعدما تحلّل تلقائياً عقب هروب الأسد وأركان نظامه، وهذا يختلف عن تجارب جنوب أفريقيا، ودول ما بعد الشيوعية، ودول في أميركا اللاتينية، وأفريقيا، وجنوب شرقي آسيا، حيث المؤسّسة العسكرية ظلّت قائمةً.
وعليه، تتمايز التجربة السورية من الحالات السابقة. فالتشابه على سبيل المثال بين الحالة السورية وبين ألمانيا واليابان ما بعد الحرب العالمية الثانية، لجهة سقوط النظامين بالكامل مع مؤسّستهما العسكرية، لا يلغي التباين الجذري معهما، ففي الحالة الأولى، كان ثمّة مؤسّسة عسكرية احترافية ديمقراطية تقوم بإعادة بناء الجيشَين الألماني والياباني (الولايات المتحدة).
أيضاً، لم يكن في ألمانيا واليابان انقسام مجتمعي حادّ على مستوى ما يجب أن يكون عليه الجيش مستقبلاً، ولا خلاف على الجهة الموكلة بإعادة البناء (الولايات المتحدة). أمّا في سورية، فثمة انقسام مجتمعي عميق عزّزته عسكرة النظام للثورة، وما نتج منه من حرب دموية لسنوات، انقسام بدأ يظهر أخيراً لجهة قرار حلّ الجيش السوري، وما يعنيه ذلك لدى بعضهم أن ثمّة قراراً بعدم الاعتماد على ضبّاط الجيش السابق وجنوده. أيضاً، لا يوجد في سورية قوة خارجية محترفة وديمقراطية تعمل على إعادة بناء جيش احترافي وخالٍ من التسييس، يكون أداةَ صهرٍ اجتماعي، من خلال مشاركة مكوّنات الشعب السوري كافّة فيه، وفقاً لأعلى المعايير الدولية في بناء الجيوش.
في البلدان التي انتهت من حرب أهلية، وفيها انقسامات عمودية (طائفية في الحالة السورية)، تجري عملية بناء الجيش بحذر شديد، ويكون قوامها العصبية والولاء السياسي والأيديولوجي، وهو ما يحدث الآن في سورية، إذ تعمل السلطة الجديدة لتشكيل جيش جديد يكون قوامه من العناصر السُنّية لمنع تكرار ما جرى، وهذا هو السبب أيضاً في رفضها انضمام التشكيلات العسكرية الأخرى فصائلَ قائمة بذاتها، ضمن إطار ما يسمّى بالمحاصصة العسكرية. في بعض الدول جرى فعلاً تشكيل كتائب منفصلة على أساس العرق والدين والإثنية ضمن جيش واحد، خصوصاً في مرحلة الانتقال بعد حروب أهلية ذات صبغة عرقية ودينية، لكن هذه الخطوة كانت تكتيكاً آنياً هدفه الضمان الأمني للتشكيلات السكّانية العرقية والدينية.
لا تصحّ هذه الحالة في سورية، فلا وجود لاقتتال طائفي أو إثني أو ديني حادّ، ولا سيّما بعيد سقوط نظام الأسد، وإذا كانت الإدارة السورية الجديدة حريصة على الإسراع في توحيد فصائل الثورة العسكرية، وإدخال جنود سُنّة جدد إلى الجيش المقرّر إنشاؤه، فهو من باب قطع الطريق على عدم تكرار التجربة السابقة، حين هيمنت الأقلّية العلوية على قرار الجيش.
كما أن إصرار الإدارة السورية على دخول جميع التنظيمات العسكرية إلى الجيش، أفراداً لا تنظيماتٍ، خطوة في غاية الإيجابية لجهة نتائجها المستقبلية، بغض النظر عن الأهداف الحقيقية للإدارة الجديدة: هل هي فعلاً من أجل إنشاء جيش وطني يكون بوتقة صهر اجتماعية، ويكون محايداً اجتماعياً؟ أم هي لدواعي مخاوف السُنّة من الأقلّيات؟… بغضّ النظر عن حقيقة الأهداف التي تندرج في إطار النِّيات، تُعتبر عملية بناء عسكري جديد يكون المكوّن السُنّي نواته الرئيسة أمراً مقبولاً في هذه المرحلة الحسّاسة من تاريخ سورية، بشرط أن يكون ذلك مجرّد تكتيك زمني محكوم بالظرف التاريخي الخاص، على أن يجري لاحقاً توسيع الجيش ليشمل جميع مكوّنات الشعب السوري، وتكون فيه المؤسّسة العسكرية مؤسّسة وطنية تعلو على الانقسامات، وتكون هي المؤسّسة الأولى في عملية الدمج والبناء المؤسّساتي والاجتماعي.
وكما في الحالة الأميركية في العراق، يجب على السلطة السورية الجديدة عدمُ الخلط بين أزلام النظام السابق وأدواته في القتل، وبين جنود وضبّاط مجرّد عاملين في الجيش والقوات المسلّحة. وهذا فارق هام، يُحتّم على الحكام الجدد إعادة النظر قريباً بكل عناصر الجيش وضبّاطه، لتسريح من يستحقّ ذلك، وإعادة ما بقي منهم إلى الجيش، بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية والطائفية والإثنية، بمن فيهم الضبّاط المنشقون منذ بداية الثورة.
باختصار، للحالة السورية في إعلان حلّ الجيش إيجابيات تتمثّل في البناء من الصفر في ظلّ غياب تامّ للنظام السابق، وفي ظلّ بقاء الجانب المادّي من المؤسّسة العسكرية، أمّا السلبيات المُتخوَّف منها، فهي أن البناء من الصفر قد يتحول بناء جيش من لون طائفي واحد مهيمن، وليس المقصود هنا الناحية العددية، فمن الطبيعي أن يشكل السُنّة الغالبية بحكم أكثريتهم السكّانية، ولكن المقصود هنا بالهيمنة هو أن يكون بناء الجيش وعمله محكوماً برؤية سُنّية فقط، لا تتيح مكاناً لباقي المكوّنات في المشاركة في بناء الجيش الجديد، بحيث يصبحون (كما كان السُنّة في ظلّ نظام الأسدَين) مُجرّد شخوص غير قادرة على إحداث الفرق، ولا المشاركة في البناء وصنع القرار العسكري (سياسة المؤسّسة العسكرية).
العربي الجديد
—————————–
اسرائيل “الشرهة” تدفع بترامب إلى السعودية.. وتستهدف تشييع نصرالله؟/ منير الربيع
الجمعة 2025/02/14
تأتي الشهية دوماً مع الطعام. هذا المثل الفرنسي أكثر ما ينطبق على إسرائيل، التي اتسعت شهيتها ومطامعها على جغرافيات كثيرة وبمساحات كبيرة. وما سنح للوحشية الإسرائيلية الشرهة أن تستفحل، كان عدم القدرة على حماية غزّة في بداية الحرب عليها. فعلى مدى أشهر لم يشهد العالم تحركاً جدياً لوقف آلة الحرب والقتل الإسرائيلية. خرج المسؤولون الإسرائيليون للتعبير عن مشروعهم لتغيير وجه الشرق الأوسط، وهو ما انقسمت الدول العربية حوله، بين من نظر إليه بحذر واستشعار الخطر، وبين من أيده بصمت على قاعدة مواجهة المشروع الإيراني. ذلك ما أتاح لتل أبيب بأن توسع من مشروعها وطموحاتها بالانقضاض على دول أخرى، وصولاً إلى التعبير الصريح والواضح عن تهجير الفلسطينيين، ومشروع ضم الضفة الغربية. فشل أي محاولة لوضع حدّ لآلة القتل الإسرائيلية، هو ما عزز اندفاعة إسرائيل باتجاه شنّ الحرب على لبنان، ولاحقاً على سوريا.
وصلت مطامع المشروع في التعبير الصريح، بالتكافل والتضامن مع إدارة دونالد ترامب، إلى تهديد كل الدول العربية وإجهاض أي مشروع عربي بإمكانه أن يشكل حاضنة للفلسطينيين وقضيتهم، وتثبيت بقائهم في أرضهم وحقهم بإنشاء دولتهم.
الرد العربي
لم تكن حرب إسرائيل ضد إيران أو مشروعها أو محورها حصراً، فالهدف الإسرائيلي في التوسع، والقضاء على القضية الفلسطينية، له طريق واحد هو من خلال الحرب السياسية، الاقتصادية، والأمنية والعسكرية إن اقتضت الحاجة ضد الدول العربية. وهذا ما أشعل الصراع مجدداً، بعد مواقف دونالد ترامب وبنيامين نتنياهو. ما دفع بالرئيس المصري إلى إلغاء زيارته إلى الولايات المتحدة الأميركية، والإعلان عن الإعداد لمشروع وخطة عربية حول إدارة قطاع غزة وإعادة إعماره بما يحفظ بقاء الفلسطينيين في أرضهم بدلاً من تهجيرهم. وهو ما يستدعي التحضير لعقد قمة عربية خماسية في السعودية، قبل القمة العربية التي ستعقد في 27 شباط. في موازاة معلومات عن تحضير الرئيس الأميركي دونالد ترامب لزيارة إلى المنطقة، ولا سيما إلى السعودية، في الفترة نفسها، ليبدو ذلك وكأنه مشابه للزيارة التي أجراها الرئيس الأميركي جو بايدن إلى إسرائيل، وقبلها زيارة وزير الخارجية الأميركي في حينها أنتوني بلينكن إلى تل أبيب وبعض الدول العربية. وهي الزيارة التي أجهضت اجتماعاً عربياً أميركياً لوقف الحرب على غزة. قد تكون زيارة ترامب ذات هدف ضاغط لإفشال القمة العربية من تحقيق هدف موحد، بالوقوف في مواجهة المشروع الإسرائيلي الذي يلقى دعماً أميركياً.
البقاء في لبنان
عدم القدرة على حماية غزّة في مواجهة الحرب الإسرائيلية، هو الذي وسّع المطامع الاسرائيلية، باتجاه لبنان وسوريا، وبتهديد الأمن القومي الأردني والمصري، ومواجهة كل الطروحات العربية. ولا يبدو على الرغم من كل المعارضات العربية أو الإقليمية أو الدولية أن هناك نية إسرائيلية أو أميركية في التراجع عن المشروع، إلا في حال حصول استثناء على مستوى المواقف العربية بالتكامل مع قوى إقليمية ودولية أخرى.
كل هذه الوقائع، تدفع إسرائيل إلى التمسك بالبقاء في لبنان، وعدم الاستعداد للانسحاب، على الرغم من كل المواقف الأميركية التي تشير إلى رفض تمديد بقاء الجيش الإسرائيلي على الأراضي اللبنانية، مع الإشارة إلى السماح في انتشار الإسرائيليين على بضع نقاط استراتيجية هي عبارة عن تلال مرتفعة كاشفة لكل مناطق الجنوب، وقادرة على الإسقاط الناري لأي حركة فيه.
حزب الله وقلب الطاولة
تقدم إسرائيل الكثير من الذرائع للجنة مراقبة تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار، لتبرير بقائها واحتفاظها بهذه النقاط، التي بدأت بتشييد إنشاءات عسكرية فيها. ما يوحي بالبقاء لفترة طويلة الأمد. ذلك أيضاً لا ينفصل عن مواقف الكثير من المسؤولين الإسرائيليين الذين يعبّرون بصراحة عن أن الاتفاق مع لبنان ينص على نزع سلاح حزب الله. ومن بين الذرائع التي يرفعها الإسرائيليون للجنة المراقبة، هي أن حزب الله لا يلتزم ببنود الاتفاق، ولا يزال يعمل على إدخال أسلحة أو أموال، كما يرفض تسليم الكثير من المواقع، ولا يسمح للجيش اللبناني بالدخول إلى مواقع أساسية واستراتيجية. كل هذه الضغوط الإسرائيلية، ستتيح لحزب الله السعي إلى إعادة قلب الطاولة، ولو بالمعنيين السياسي والاجتماعي، من خلال العمل على تحرير الأرض ورفض النقاش في أي حل يتعلق بمعالجة وضع السلاح، والإصرار على استعادة شرعية المقاومة لتحرير الأرض، طالما أن هناك مناطق محتلة، وطالما أن عملية تثبيت ترسيم الحدود البرية لم تنته، وفي ظل بقاء مسألة مزارع شبعا معلّقة بلا حسم.
تثبيت إسرائيل لنقاط مواقع في لبنان وتشييد إنشاءات عسكرية في سوريا، يشير بوضوح إلى النوايا الإسرائيلية في تكريس أمر واقع عسكري وجغرافي، يحاكي ما فرضته إسرائيل على الدول العربية بعد حرب العام 1967 وحرب العام 1973، والتي تعود إليها مشكلة مزارع شبعا والصراع حول هويتها.
إلى جانب كل هذه العوامل العسكرية والجغرافية التي يسعى الإسرائيليون إلى تكريسها خارج حدود فلسطين، ثمة جانب آخر من الحرب النفسية والمعنوية لا يزال مستمراً، من استئناف عمليات خرق جدار الصوت في سماء العاصمة بيروت، إلى الاتهامات التي وجهها الجيش الإسرائيلي لحزب الله باستخدام المطار لنقل الأموال. وهو مسار جديد يفتتحه الإسرائيليون قبل أيام من موعد تشييع حزب الله لأمينه العام السيد حسن نصرالله، والذي يريد الحزب له أن يكون حاشداً جداً، في مسعى لتجديد معموديته السياسية والشعبية، خصوصاً أن هناك وفوداً كثيرة ستأتي من خارج لبنان، بينما الهدف الإسرائيلي يتركز على إفشال هذا المهرجان الشعبي والجماهيري، من خلال بعض الضغوط أو الألاعيب الأمنية والإعلامية والنفسية.
المدن
——————————–
عن قمع الأطباء في ظلّ النظام البائد/ غدير برهوم
“الماء والخلاء في إبريق واحد” وصور الرئيس أهم من المراجع الطبية
15 شباط 2025
كانت غضبة ضابط الأمن شديدة، فقط لأنّ الطبيب قرّر إجراء صورة طبقي محوري لمريضٍ برضٍّ على الرأس، ليتحقّق من وجود نزفٍ دماغيّ لديه. على إثرها أقدم الضابط على قتل المريض المعتقل داخل قسم الإسعاف بضربةٍ ثانية قاصمة على الرأس”.
“قتلوا المريض والطبيب، لأنّ الأخير طلب صورة طبقي لمريض”. المريض لأنه معتقل، والطبيب لأنه كتب في تقريره الطبي: “سبب الوفاة: رضّ على الرأس” كما يملي عليه القسم الطبيّ، أنّ من واجب الطبيب معالجة أيّ مريض، بغضّ النظر عن انتماءاته وتوجّهاته.
ولم تتوقف المعاناة على الكادر الطبي الذي قد يتواجد في أماكن الاعتقال أو المشافي التي يصل إليها المعتقلون من الأفرع الأمنية، بل وصل الأمر إلى التضييق على كل ما لا يوافق سياساتهم. مثالٌ صغير: قال أمين الجامعة للدكتور حسين حيدر، بعد أن وضع كأس الشاي على قرار اعتماد دراسته كمرجعٍ طبي في مشفى الأطفال الجامعي بدمشق: “ما عنا وراق نطبع نوطات للجامعة، حتى نطبعلك المرجع تبعك يا دكتور”.
وبحسب تقرير للشبكة السورية لحقوق الإنسان، لقي 87 من أصل 857 من أعضاء الطاقم الطبي حتفهم بسبب التعذيب على يد أطراف النزاع في سوريا منذ مارس/ أذار 2011 وحتى 2020. من بين هؤلاء، قتلت قوات النظام السوري 652 شخصًا، بينهم 84 نتيجة التعذيب، وثلاثة منهم وردت صورهم ضمن مجموعة صور قيصر. كما سجل النظام 9 منهم في السجل المدني كمتوفين، بينما قتلت القوات الروسية 69، وتنظيم “داعش” 36، والمعارضة المسلحة 29، بينهم اثنان قضوا تحت التعذيب.
وسجل التقرير توزيع حصيلة الضحايا من الكوادر الطبية على مرّ السنوات، حيث كان عام 2012 الأكثر تضرّراً، إذ بلغ عدد الضحايا فيه 158. وجاء عام 2014 (وهو عام اعتقال الدكتور سمير صمادي الذي تحكي عنه هذه المادة بعد قليل) في المرتبة الثانية، مسجّلاً 147 ضحية.
عن معتقل صيدنايا ووثائقنا .. هل كان بالإمكان تفادي الوضع الكارثي بُعَيدَ سقوط النظام؟
يقول الطبيب محمد ماجد الشايب، اختصاصيّ في الجراحة العامة، لسوريا ما انحكت أنه أتاه ذات يوم مريض “مصاب بطلق ناري في الصدر، استقرت الرصاصة داخله، وأدت إلى ريحٍ صدرية ونزيفٍ داخليّ. عالجتُه بوضع أنبوب صدر واستقر وضعه. نصحت أهله بإخراجه بعد صلاة العشاء بأيّة طريقة، أرشدتهم إلى طريق أشبه ما يكون بالأفلام البوليسية، كي لا يتم اعتقاله وترحيله مثل الآخرين إلى جهةٍ طبية أخرى، غالباً ما كانت مستشفى (مسلخ) ٦٠١ العسكري، وغالباً ما يلقى هناك نهايته، وعلمتهم كيف تتم العناية بجهاز نزح الصدر، وطمأنني أحدهم أن هناك ممرضاً يمكنه أن يتابع الموضوع في المنزل، وتم ذلك له ولم أعرف عنه شيئاً بعدها”.
بعدها ألحّ والده عليه كي يسافر “برضاي عليك سافر”، وظلّ الدكتور متمسّكاً برأيه، أنّ النظام ساقطٌ لا محالة. لكنّ الأب تابع إلحاحه: “كثرت الأقاويل عن علاجك المتظاهرين، واليوم كان آخرها حيث استوقفني كلامٌ قاله شخص في محل الخضار، وهو لا يعرف أني والدك، أتى على ذكر أفعالك من دون الاسم، ولا يبدو عليه أنه يعرفه. قال “الله يجزيه الخير هاد الدكتور الجراح الإدلبي أبو سكسوكه شايبه، أنقذ أخي من الموت وأجرى له عملية في المشفى الوطني بداريا، وساعدنا في الخروج به من المشفى” وبما أنّه قال هذا الكلام أمام العامة وفي مكان عام، فلتعلم يا بنيّ أنّ الدولة قد عرفت بذلك حتماً وأكيد “حطوك ببالهم'”.
وقد كانت مخاوف والد الطبيب في محلّها، إذ ورد في تقرير منظمة أطباء من أجل حقوق الإنسان، أنّ احتمالات إطلاق سراح العاملين في القطاع الصحي، المحتجزين بسبب تقديم الرعاية الطبية للمتظاهرين المصابين، أقل بنسبة 91% مقارنة باحتمالات إطلاق سراح المعتقلين بسبب نشاط سياسي. وكانت احتمالات وفاتهم خلال الاعتقال أعلى بنسبة 400%، في حين كانت احتمالات الاختفاء القسري أعلى بنسبة 550%.
الماء والخلاء في إبريق واحد
في حين نجا الدكتور الشايب من الاعتقال، يحكي الطبيب الاختصاصيّ في أمراض العيون وجراحتها، خالد عرنوس، لسوريا ما انحكت، بعض معاناته في صيف ٢٠١٤ “القصيرة زمناً، الطويلة غمّاً وحزناً، داخل زنزانة رقم ٤ الموجودة في الفيديو القصير الذي وصلني بعد تحرير مطار المزة.. ورغم فترة الاعتقال القصيرة خسرت ١٢ كيلوغراماً في شهر، وعانيت من الحرب بعد الخروج”.
وأضاف “بتهمة نقل رسائل من معتقلين لدى النظام إلى أهاليهم، تمّ وضعي بعدها في الزنزانة رقم ٥ لمدّة عشرة أيام منفرداً حتى انتهاء التحقيق، وأعتقد أني كنت من المدللين حينها لأسباب علمتها فيما بعد، إذ أتت بي عدّة توصيات من ضباط على معرفة باللواء جميل حسن، رئيس فرع المخابرات الجوية حينها”.
ومن الجدير بالذّكر، أنّ جميل الحسن، الملقب بـ عرّاب البراميل المتفجرة، صدرت بحقه مذكرة توقيف (بعد سقوط الأسد) من الإنتربول تتهمه بالتورط في “جرائم حرب وتعذيب وإبادة جماعية”.
وعن زنزانة الاعتقال، يقول عرنوس “كانت مساحتها (مترx متر ونصف)، فيها إبريق بلاستيكي واحد فقط، يستخدم لشرب الماء والخلاء ولتعبئة الشاي، وكان عيداً حين حظيت بكأس بلاستيك لأشرب الشاي المعكر فيها دون ‘زنبوعة’ الابريق”.
وعن طعامه “أضربتُ عن الطعام لعدة أيام بسبب ما رأيته من القذارة، وكان يُسمح لنا بدخول الخلاء وتعبئة الإبريق من صنبور الحمامات القذرة مرتين يومياً، وسُمح لي مرة واحدة بالاستحمام لمدة ثلاث دقائق، والتنفس مرّة واحدة لعدّة دقائق خارج الزنزانة”.
ولم تنتهِ معاناة الطبيب بعد الإفراج عنه بالملابس ذاتها التي دخل بها “بقيت عدة أشهر أصحو على كابوس يومي، يوقظني فيه صوت فتح وإغلاق باب الزنزانة الحديدي مع صوت السجان الأجش ‘قوم ولاك عر…’، وأصوات التعذيب اليومي للمعتقلين الآخرين -منهم نساء- وصراخهم/ن من ألم التعذيب بأدوات مختلفة(دولاب وجلد)”.
كما كانت لطبيب التخدير محمد سالم عتال (٦٤ عاماً)، من مدينة حماة، ذكرياتٌ سيئة مع الاعتقال، يقول: “أخذتني قوات الأمن من كلية الطب البشري بجامعة دمشق في عام ١٩٨٤حين كنت طالباً فيها، كان التعذيب على أشده في سجن تدمر الصحراوي المرعب، وحين رفضتُ الاعتراف أني ‘منظّم’ لأني لم أكن كذلك، وضعوا سلكين في أذنيّ، ووصلوا الكهرباء فيهما، كان شعوراً لا يمكن وصفة، رأسي يهتز بعنف في جميع الاتجاهات مع كل صعقة، شعرت وكأنّ فكي خرج من مكانه، لشدة ما كانت أسناني تصطك، لم أعد أملك شيئاً من السيطرة على فمي وفكي ورأسي، والدم يسيل من فمي على رقبتي وصدري، إلى أن سمعتُ صوت المحقق ‘جروه لهالكلب، حاجتو اليوم'”.
قتل طبيب بسبب صورة طبقي محوري لمعتقل
بعد الشايب الذي كان يخاطر بحياته لإنقاذ مريضه، وعرنوس الذي خاطر بحياته من أجل إيصال رسالةٍ من معتقل يطمئن بها أهله، ودفع ثمن ذلك، يوجد أطباء آخرون لم يسعفهم القدر في رواية تجاربهم المريرة، وهنا يتكلّم أمجد مطاوي، طبيب جراحة عصبية مقيم في ألمانيا، عن صديقه الدكتور سمير صمادي، الذي اعتُقل من منزله عام 2014، في حديثه لسوريا ما انحكت: “كان سمير صمادي طبيب جراحة عصبية يعمل في مشفى ابن النفيس. خلال مناوبته فيه تلقّى اتصالاً بخصوص حالة إسعافية، لمريضٍ برضٍّ على الرأس؛ وهو مُعتقل في فرع الأمن السياسي المعروف باسم ‘فرع الفيحاء'”.
بعد أخذ القصة السريرية للمريض المعتقل ومعاينته، قرّر الدكتور سمير أنّ الحالة تقتضي إجراء صورة طبقي محوري لأنّ قصة الرض على الرأس ربما تتسبب في مشاكل، بداية نزفٍ دماغيّ مثلاً، ولم تتضح أعراضها بعد”. يستدرك مطاوي “لكن ذلك أثار انزعاج ضابط الأمن المسؤول حدّ الغضب، ليقدم على إثرها على قتل المريض المعتقل داخل قسم الإسعاف بضربةٍ ثانية قاصمة على الرأس، وعلى مرأى الدكتور سمير، ليكتب الأخير بعدها على تقرير الوفاة ما يمليه عليه قسمه الطبي والأخلاقي ‘سبب الوفاة: “رضّ على الرأس”.
وبعدها بساعة “يتلقى الدكتور سمير اتصالاً من الدكتور المجرم ن.ز بوجود الممرضة المجرمة ه.و وبحضور فرع الأمن السياسي، جرى توجيه مختلف أنواع الإهانات للدكتور سمير واتهامه بالإرهاب والانتماء إلى داعش، ثم أجبروه على تغيير ما كتبه في التقرير”.
وبعد بضعة أيام يعتقله الأمن السوري، استناداً إلى تقرير مدير المشفى ن.ج والممرضة ذاتها، ليرثيه مطاوي شارحاً “كان سمير أباً لطفل عمره سنتان على ما أذكر، وبعد استشهاد سمير بعدة أيام اعتقلوا أخاه لأنه ذهب للاستفسار عن أخيه الطبيب… وكم من سميرٍ في المعتقلات”.
ويعتبر فرع الفيحاء الذي اعتُقل فيه الدكتور الصمادي أحد أبرز إدارات الأمن السياسي في دمشق، وسمي كذلك لأنه يحتل ركناً يقابل مدينة الفيحاء الرياضية في دمشق، أمام السفارة الروسية.
لا أوراق للمراجع الطبية
هذا ولم تقتصر السياسات القمعية لنظام الأسد ضدّ الأطباء على الاعتقال والتعذيب والقتل، بل تخطّتها إلى الجوانب العلمية والطبية والأكاديمية، إذ يقول الدكتور حسين نديم حيدر، ماجستير في طب الأطفال وحديثي الولادة، لسوريا ما نحكت “عام 1985، قدّمتُ رسالة الماجستير في نهاية اختصاص طب الأطفال وحديثي الولادة، وكانت رسالتي موسّعةً ودقيقة، وتوفر للدارسين في المشفى ما يواكب التطورات في هذا المجال. حاول رئيس الجلسة التشكيك في معلومات البحث، لكنني كنت حاضراً ورددتُ بالحجة العلمية الموثقة”.
بعدها أعطت اللجنة حيدر علامة جيدة، وصدر قرارٌ رسمي باعتبار الرسالة أوّل مرجع طبي عربي في مجال يرقان الوليد، وأن يُطبع على نفقة جامعة دمشق.
تخرّج الدكتور حيدر، وبدأ رحلاته المكوكية لمتابعة القرار، ليكون الجواب “ما إجاني شي من مجلس الجامعة”. قرّر التوجّه بنفسه إلى مجلس الجامعة “خصصتُ يوماً لأنزل باكراً من بلدتي إلى دمشق. بعد الاستئذان، قابلتُ أمين الجامعة، وضعتُ القرار أمامه على الطاولة وهو يتكلم على الهاتف، ثم دخل موظف البوفيه يحمل صينية عليها كأسان، وضع كأس الماء على الطاولة، أما كأس الشاي فوضعه على ورقة قراري، وانطبع ‘سفلها’ عليها مثل الختم، فتشاءمت”.
وأكمل واصفاً الاستهزاء بالعلم والطب “بعد أن أنهى الأمين مكالمته حمل كأس الشاي ورشف منها رشفة ثم نظر إليّ بطرف عينه، وسحب الورقة، وقرأها ثم نظر إلي ثانيةً وقال ‘دكتور إذا ما عندنا ورق لنطبع نوطات الجامعة كيف بدنا نطبع رسالتك!’ فقلت له شكرا لأنك أرحتني من المراجعات يعطيك العافية..
من المسؤول؟
وفي سؤال: من المسؤول عن حماية الأطباء، ربما يكون الجواب البديهيّ أنّ كل نقابةٍ مسؤولةٌ عن حماية حقوق منتسبيها. وللتوضيح أكثر حول خصوصيات نقابة الأطباء في سوريا، تحدث الدكتور يحيى عبد الحميد أبو يحيى، اختصاصيّ في طبّ الأطفال وحديثي الولادة، يشرح لسوريا ما انحكت: “تأسست أول نقابةٍ في سوريا عام 1943، ثم أُقرّ قانون مزاولة المهنة الطبية سنة ١٩٥٢، وتمّ إحداث نقاباتٍ مستقلة في دمشق وحلب وحمص واللاذقية، من بعدها صدر القانون رقم ٣٢ بتاريخ ٢٢/ ٧ /١٩٧٤ الخاص بالتنظيم النقابيّ للأطباء البشريين، الذي نصّ على تأسيس نقابة واحدة وتوحيد خزانات التقاعد الأربع في واحدة”.
أما التاريخ الأكثر كارثية، بحسب أبو يحيى، فقد كان في تاريخ ١٦ /٨ /١٩٨٠ “حين أصدر نظام حافظ الأسد القانون ٣١ الذي يقضي بحلّ جميع النقابات بما فيها نقابة الأطباء، إذ تم تأسيس هيكلياتٍ جديدة للسيطرة على العمل النقابي، عبر إضافة بنود إلى أنظمتها الداخلية، عزّزت قبضة حزب البعث وجهازه المخابراتي على العمل النقابي، ليصبح هو الراسم لسياسة النقابة بغض النظر عن مصلحة منتسبيها”.
وفي سياق متصل، أكد الدكتور محمد حمزة، طبيب أسنان مختص وخبير في قضايا العمل الإنساني، لسوريا ما انحكت “أظهر العاملون والعاملات في القطاع الصحي في سوريا، من أطباء وممرضين وكوادر صحية، شجاعةً فائقة رغم كافة الاستهدافات التي تعرضوا لها بشكل أساسيٍ من قبل النظام السابق وحلفائه، وتفانى العديد منهم في عمله واستمر رغم الخطر المحدق، مدفوعين بالتزامٍ ديني وأخلاقي ووطني عميق تجاه مرضاهم ومريضاتهم ومجتمعهم، أحياناً على حساب صحتهم النفسية والجسدية. كما حاولنا إظهاره في دراسةٍ علمية صدرت حديثاً، توضح حجم الضغوطات الهائلة التي تعرّض لها العاملون الصحيون طيلة السنوات السابقة”.
أما عن تخوفاته في الوضع الراهن، “بعد إطلاق سراح عددٍ محدود فقط من إجمالي المغيّبين قسرياً في المعتقلات بعد التحرير؛ لدي تخوّفٌ حالي من أنّ احتمالات العثور على الكثير من زملائنا وزميلاتنا على قيد الحياة قد تضاءلت، ما يُرجّح أن الحصيلة النهائية لشهداء الكوادر الصحية قد تكون أعلى من الرقم المتداول سابقاً، والمقدر ب ٩٤٨ عاملًا صحياً، كما وثقت منظمة “أطباء من أجل حقوق الإنسان”. وفي تقديري ربما يتجاوز الضعفين وصولًا حتى أربعة أضعاف في أسوأ السيناريوهات، وذلك قياساً على ما وثّقته الشبكة السورية لحقوق الإنسان من تعرض ما يقارب ٣٣٦٤ من الكوادر الصحية للاعتقال أو الإخفاء القسري، ٩٨% منهم على يد النظام السوري السابق”.
واليوم بعد سقوط النظام، يأمل الأطباء أن تُطوى صفحةٌ سوادء من تاريخ البلاد التي تتطلع إلى “سوريا جديدة تستهلك الأوراق بالعلم لا بصور السيد الرئيس”، كما يقول الطبيب حسين حيدر.
طبيب وكاتب صحفي
حكاية ما انحكت
—————————
مروان حمادة: حافظ الأسد قال لنا انسوا بشير الجميل واغتيل بعد 4 أيام
«الشرق الأوسط» سألت عن تجارب لبنانية شائكة مع نظام الأسدين (1)
بيروت: غسان شربل
14 فبراير 2025 م
على مدى نصف قرن، عاش لبنان في ظل حكم الأسدين الطويل في سوريا. أمسكت دمشق بالمصير اللبناني وساهم عهدها الطويل بلبنان في إنتاج رؤساء وزعماء كما ساهم في شطب رؤساء وزعماء. النائب والوزير السابق مروان حمادة يروي هنا تجربته مع العهدين.
في 22 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، زار وفد درزي لبناني برئاسة وليد جنبلاط «سوريا الجديدة». كان مروان حمادة في عداد الوفد. استوقفه المشهد. يجلس الرئيس أحمد الشرع على الكرسي الذي كان يجلس عليه حافظ الأسد وابنه بشار من بعده في «قصر الشعب» الذي ساهمت شركة رفيق الحريري في بنائه.
إبان الرحلة تذكر حمادة مصير رجال عاندوا أسداً أو اثنين وبينهم كمال جنبلاط وبشير الجميل ورينيه معوض ورفيق الحريري وسائر أعضاء القافلة. ضاعف من الذكريات أن حمادة نفسه نجا بأعجوبة في الأول من أكتوبر (تشرين الأول) 2004 من محاولة اغتيال أدمته وقتلت حارسه وجرحت سائقه. وساد يومها انطباع أن المحاولة كانت رسالة موجهة في الوقت نفسه إلى وليد جنبلاط ورفيق الحريري الذي يحيي أنصاره ذكرى اغتياله في 14 فبراير (شباط) 2005.
زارت «الشرق الأوسط» مروان حمادة المقيم منذ منتصف الثمانينات في مكتبه بصحيفة «النهار»، وسألته عن محطات لبنانية شائكة مع الأسدين. تذكر حمادة قول حافظ الأسد أمامه: «انسوا بشير» الجميل، واغتيال الرئيس المنتخب بعد 4 أيام من هذا الموقف، علماً أن منفذ الاغتيال يدعى حبيب الشرتوني الذي ينتمي إلى الحزب القومي السوري القريب من نظام الحكم في دمشق. لم يبرئ حمادة النظام السوري من اغتيال الرئيس رينيه معوض وقبله إخفاء الإمام موسى الصدر وصولاً إلى اغتيال الحريري.
سألته إن كان توقع فرار بشار الأسد وسقوط نظامه، فأجاب: «كنت ربما أتوقع أن يجري انقلاب معين. أي أن تتمرد وحدة من وحدات الجيش السوري كالفرقة الرابعة وتخرج على سلطة قائدها شقيقه ماهر الأسد. وقلت ربما يحركها الحرص على الدولة السورية الخاضعة للنفوذ الإيراني. لم أكن أتوقع هذا الانهيار الكامل الذي بدت بوادره في عدم الرد على إسرائيل على مدى أكثر من سنة. لم يصدر بيان عن غزة ولا قبل ذلك. غارات يومية على سوريا ولا رد».
تشعر أن هناك شيئاً أفرغ من الداخل. ما هو؟ لا أعرف. كنت أعرف بشار الأسد. آخر مرة رأيته كانت قبل محاولته هو وغيره اغتيالي بشهر. كنت وزير اقتصاد وحضرت افتتاح معرض دمشق الدولي. كنت على يمينه والعلاقات طبيعية بين لبنان وسوريا. إلا أن الصراع على التمديد لإميل لحود كان قد بدأ، وهو أصر على فرض هذا التمديد على رفيق الحريري ووليد جنبلاط، وحتى – استطراداً في مكان ما – على نبيه بري.
والحقيقة أن المشكلة لم تبدأ مع الأسد الابن. كان النظام السوري مهتماً دائماً بالسيطرة على قرارين حتى لا نقول جغرافيتين: القرار اللبناني المستقل والقرار الفلسطيني المستقل، وهذا هو سر العداء المستمر لقيام دولة متماسكة في لبنان. طبعاً أن يكون لبنان مقاطعة أو محافظة غربية لسوريا، هو حلم سبق الأسدين، ولم يكن هذا في ذهن حزب «البعث» فقط.
كنا نشعر من الأنظمة السورية بأن شيئاً ما لم يتم هضمه في سوريا هو اقتطاع هذه الأقضية سنة 1920 من قبل فرنسا لإعلان جمهورية لبنان الكبير. وهذا الأمر كنا نشعر به ليس فقط عند العلوي. وربما العلوي، على العكس، كان يمكن أن يكون جزءاً من عملية التقسيم، أي أعطوا هذا القسم للدروز، وهذا القسم لغيرهم. ولكن في العمق السوري هناك شيء. حتى لدى الذين يعتبرون دائماً أن دمشق هي قلب العروبة النابض وأن سوريا هي العروبة المتجسدة على تخوم الإمبراطورية العربية و(يصفون أنفسهم بأنهم) حماة الثغور، كنت تشعر أيضاً بهذا الشيء. وكنت أشعر بهذا الشيء بالتفصيل. مثلاً، عندما نفتح موضوع اتفاق الطائف. وقبل هذا الاتفاق، «الاتفاق الثلاثي» الذي كنت أحد الذين اشتغلوا عليه.
طبخت هذا الاتفاق مع ألد أعدائي آنذاك: إيلي حبيقة الذي كان يمثّل «القوات اللبنانية»، مع ميشال سماحة الذي اشتهر لاحقاً بقصة القنابل الآتية من عند المسؤول الأمني السوري علي مملوك، وأسعد شفتري رئيس المخابرات في «القوات اللبنانية» مع حبيقة، ومحمد عبد الحميد بيضون الذي كان ممثلاً للرئيس نبيه بري وحركة «أمل» وكان نافذاً آنذاك، علماً بأنه يساري قديم والتحق بالحركة. ما حصل معه أتى في إطار النزوح التدريجي الذي شهدناه من اليسار ومن القوى التي كانت دائماً مع «فتح» والفلسطينيين نحو «أمل»، ثم «حزب الله».
جاء «الاتفاق الثلاثي» نتيجة فشل مؤتمري جنيف ولوزان للحوار الوطني وقد نجحا فقط في إسقاط اتفاق 17 مايو (أيار) اللبناني – الإسرائيلي الذي كان حافظ الأسد يسميه «اتفاق الإذعان». وقد أدى الاتفاق إلى الهجوم المضاد على النظام اللبناني وعلى (الرئيس) أمين الجميل وعلى القوة المتعددة الجنسيات، بدعم من الاتحاد السوفياتي بقيادة يوري أندروبوف.
جاء نتيجةَ رفض المؤسسة اللبنانية، خصوصاً المارونية، التخلي عن صلاحيات رئاسة الجمهورية وتوزيعها بين السلطة التشريعية والسلطة الإجرائية أي مجلس الوزراء. بعد ذلك، كان التركيز على هذا الأمر إلى أن وصلنا إلى «الاتفاق الثلاثي» الذي كان أول مبادرة مشتركة بين الرئيس رفيق الحريري الذي لم يكن تولى آنذاك رئاسة الحكومة – وكان وسيطاً سعودياً – وبين السيد عبد الحليم خدام نائب رئيس الجمهورية السورية. كان الهدف من الاتفاق الوصول إلى اتفاق بين الميليشيات بدل الاتفاق بين النواب، ولذلك سُمّي «الاتفاق الثلاثي». كان عملياً الإتيان بنوع من كونفدرالية فيها وزراء دولة من الطوائف الست، وفيها حقائب وزارية، وطبعاً يكون الحكم مداورة على غرار الكونفدرالية السويسرية. وهذا يعني عملياً وجود إدارة سورية دائمة وإلا فإن كل هذه الفسيفساء يمكن أن تنفرط.
إيلي حبيقة كان قد أخذ الخيار السوري. قيل في تلك الفترة إنه كان فتح (خطاً) على مخابرات دولتين: إسرائيل وسوريا، وهذا ربما ما يفسّر التساهل في اغتيال بشير الجميل ثم الانقلاب كلّياً إلى حضن المخابرات السورية. في النتيجة صارت هناك لعبة استخبارات نقلت إيلي حبيقة وجعلته في صفنا، في صف ما كان يُعرف بـ«القوى الوطنية» وحركة «أمل» وهذا التحالف الواسع الذي عاد في نهاية المطاف واصطدم ببعضه. في ظل هذا الاحتدام، نما «حزب الله» على حساب حركة «أمل»، وبطريقة ما على الجثث المتهاوية للقوى الحزبية الأخرى و«المقاومة الوطنية» التي حلت محلها ما سميت بـ«المقاومة الإسلامية».
من قاوم الأسدين؟
سألت مروان حمادة عمن قاوموا الأسد الأول أو الثاني، فقال إن «الشعب اللبناني قاوم الأسدين وعلى فترات متفاوتة وعلى حصص متفاوتة حسب مكونات الطوائف في المناطق. ولكن ليست هناك منطقة في النتيجة نجت من الأسدين الأول والثاني، وليست هناك طائفة وفّرت على نفسها غضب وتنكيل الأسدين، حتى الشيعة في مراحل معينة. قضية الإمام موسى الصدر يجب أن نعود إليها. نعود إلى الدور السوري مع بوادر الثورة الإسلامية في إيران. وأنا عندي شعور ومعلومات بأنهم شاركوا في إقصائه وفي إخفائه.
الليبيون يمكن أنهم كانوا ساحة وأداة. القرار لم يكن من عندهم. ليسوا هم من قرر. يمكن أن التنفيذ كان جزئياً منهم. لست أبرّئ الليبيين لأن (خطف الصدر) حدث عندهم وأكيد بموافقتهم. لكنني كنت (وقتها) رئيس تحرير (صحيفة) «لوريون لوجور» وذهبت إلى دمشق في اليوم التالي لاختفاء الإمام الصدر. سألت وزير الإعلام أحمد إسكندر أحمد الذي كان أحد أقرب الناس لحافظ الأسد، كان علوياً ومن ضمن العائلة. كنت أسأله وقتها إذ كانت هناك علاقة طيبة مهنياً، فقال لي: «لا تسأل يا مروان. فهذا (الصدر) عظامه صارت مكاحل»، أي أنه كان متأكداً من مقتله. حصل هذا في اليوم التالي لاختفائه. كنت عضواً في لجان البحث عن الإمام. المجلس الشيعي الأعلى ضمني إلى هذه اللجان. لم أستطع أن أحذف من ذهني أنه كان هناك دور سوري في إخفائه.
ربما السبب هو خوف النظام السوري من زعامة شيعية مستقلة تكون أكثر لبنانية وأقرب إلى العرب ومتمردة على الفلسطينيين عموماً وعلى تيار الرفض القريب من سوريا خصوصاً. ما أريد قوله هو إنه ليس هناك أحد نجا من الأسدين الأول أو الثاني. نبدأ بكمال جنبلاط الذي نعتبره المعلم والذي سحرنا بأفكاره الاجتماعية والاشتراكية ونزعته إلى القرار الوطني (اللبناني المستقل) والقرار الفلسطيني الوطني المستقل. وفي الحقيقة عوقب كمال جنبلاط على مساره هذا وعلى قوله للأسد في لقائهما الشهير والأخير: «لن أُدخل لبنان معكم في السجن العربي الكبير».
انفرط اللقاء. حاول بعض الأصدقاء، ومنهم الأستاذ محسن دلول واللواء العماد حكمت الشهابي (رئيس أركان الجيش السوري)، أن يقنعوا كمال جنبلاط بألا يعود إلى بيروت ويترك مجالاً للقاء ثانٍ في اليوم التالي، لكن كمال جنبلاط رفض. بعدها بدأ المسار الطويل. شعر كمال جنبلاط بأنه تُرك عربياً وسوفياتياً وحتى (من) الفلسطينيين.
أسرّ أحد المسؤولين الفلسطينيين القريبين من ياسر عرفات بأن حافظ الأسد أعطى لياسر عرفات لائحة بأسماء عدد من اللبنانيين المطلوب قتلهم وإزالتهم ومن بينهم طبعاً على رأس اللائحة كان كمال جنبلاط. ولكن لا يمكن أن ننسى لاحقاً موضوع بشير الجميل.
حين قال حافظ: «انسوا بشير الجميّل»
العداوة كانت معروفة، لكننا حضرنا بعد حصار بيروت وخروج أبو عمار ورفاقه إلى تونس… كانت إسرائيل تحاصر بيروت وكنا محاصرين في داخلها. كانت (المدينة المحاصرة) تحصل على القليل من الماء والقليل من الأغذية والقليل من الكهرباء نتيجة تدخلات المملكة العربية السعودية مع (الرئيس الأميركي رونالد) ريغان، ووقتها لعب رفيق الحريري أول أدواره كوسيط أو مبعوث. قلنا للأميركيين إنه إذا دخلت إسرائيل إلى بيروت فستقضي علينا؛ إذ كانت تعتبرنا وتصفنا بأعوان المخربين وأصدقاء المقاومة الفلسطينية. فالأميركيون، عبر فيليب حبيب مبعوثهم إلى لبنان، أمّنوا لنا خروجاً من بيروت إلى (بلدة) صوفر ومنها إلى دمشق عبر سيّارات للسفارة الأميركية والشعبة السادسة اللبنانية. كان هناك الأميركي رايان كروكر وجوني عبده مدير المخابرات في الجيش اللبناني.
في اليوم التالي، في 10 سبتمبر (أيلول) 1982، التقينا بالرئيس حافظ الأسد. كانت الساعة 9 صباحاً. وليد جنبلاط وأنا وكنت وقتها ما زلت وزيراً في حكومة إلياس سركيس، ومحسن دلول وعبد الله الأمين وحكمت العيد. في سياق حديث الأسد عن صداقاته مع أندروبوف وأنه سيقوم بهجوم مضاد ضد أميركا والقوة المتعددة الجنسيات و(قوله لنا) سأزودكم بالطبع بالسلاح أيضاً كي تدافعوا عن الجبل. كان الحديث في هذا الإطار لكنني أتذكر ملاحظة للأستاذ وليد جنبلاط الذي قال إن في لبنان نظاماً سياسياً وقد تم انتخاب رئيس للجمهورية (بشير الجميل)، فيجب أن نتعاطى مع هذا الواقع الجديد، كما يحصل في كل مرة. فسأل حافظ الأسد أمامنا: «عمن تتحدثون؟ عن بشير الجميل؟» قلنا: «طبعاً فقد انتخب». فقال (ملوحاً بيده): «انسوا بشير الجميّل، انسوه». حصل هذا في 10 سبتمبر 1982 وكان بشير منتخباً رئيساً للجمهورية قبل أيام وما زال يحتفل بانتخابه. بعد 4 أيام من كلام الأسد اغتيل بشير، وكنا لا نزال في دمشق بينما انتقل وليد إلى عمّان لزيارة عائلته. هكذا عرفنا باغتيال بشير.
استهدفت موجة الاغتيالات لاحقاً الشيخ حسن خالد مفتي الجمهورية اللبنانية. كما تم استهداف قيادات فلسطينية. طبعاً إسرائيل كانت لها المسؤولية الكبرى في اغتيال الفلسطينيين ولاحقتهم حتى تونس، لكن النظام السوري لم يقصر في طرابلس وغيرها. حصلت (الاغتيالات) مع آخرين. مع محمد شقير مستشار الرئيس أمين الجميل، والشيخ صبحي الصالح، والنائب ناظم القادري الذي أُطلقت عليه النيران وهو عند الحلاق. حصلت لاحقاً مع الرئيس رينيه معوض.
سوريا واغتيال رينيه معوض
سألته: «هل أفهم أنك تتهم النظام السوري باغتيال معوض؟» فأجاب: لا أبرئه أبداً من قتل رينيه معوض. قد يكون آخرون شاركوا النظام السوري (في الاغتيال). ففي كل مرة يكون هناك عمل مشترك (جوينت فنتشر) في الاغتيالات. هذا ما حصل مع الرئيس الشهيد رفيق الحريري. ولكن بالنسبة لرينيه معوض، في يوم من الأيام، استُدعينا كـ«حركة وطنية» إلى دمشق وكانت القيادة السورية موجودة وعلى تواصل مع الرئيس حافظ الأسد بالهاتف. كان موجوداً خدام والشهابي وعلي دوبا رئيس المخابرات وهو من القتلة.
كان ذلك بعد الانتهاء من اتفاق الطائف، والنواب اللبنانيون كانوا يقومون بزيارات للمملكة العربية السعودية والجزائر والمغرب لشكر الدول التي شاركت في اللجنة الثلاثية العربية التي رعت الاتفاق. طُرح السؤال: «من تريدون رئيساً للجمهورية؟» وكان الاسم المطروح رينيه معوض. بالإجماع، من جورج حاوي الشيوعي إلى أعوان سوريا مثل عاصم قانصوه ومحسن دلول وغيرهم، وإلى نبيه بري ووليد جنبلاط وأنا ومحمد بيضون. كلنا قلنا: «نريد رينيه معوض». فهو بمثابة «حفر وتنزيل» وأفضل تعبير عن اتفاق الطائف وخير من سيطبقه. فالاتفاق فيه كثير من الأمور التي تحتاج إلى دقة ودبلوماسية ومعرفة بالتركيبة اللبنانية. لكن لم يكن أحد منهم، من المسؤولين السوريين الثلاثة، يريد رينيه معوض. كانوا يعودون خلال الاجتماع إلى حافظ الأسد ثم يقدمون أسماء أخرى منها اسم الرئيس (إلياس) الهراوي.
عندما رجعنا إلى بيروت في الليلة نفسها عبر الخط العسكري – نعم كان هناك خط عسكري نرجع فيه من سوريا غير الخط المفتوح الذي استخدمناه في زيارتنا الأخيرة لدمشق (للقاء الرئيس أحمد الشرع) – جاء اتصال هاتفي من باريس أخبروني به بالتفصيل بما جرى. كانوا (أي المسؤولين السوريين) يحرضون النواب ضد خيارنا وبالتالي ضد رينيه. كانوا من الشام يتصلون بالنواب اللبنانيين الموجودين في باريس ويحرضون ضد انتخاب رينيه معوض. من هؤلاء نواب موارنة مستقلون كانوا زملاء رينيه ومنافسيه. بعد 15 يوماً ونحن نهنئ رينيه بعيد الاستقلال، لنذهب إلى بيته كي نتناول الغداء، تصل منه خرقة متبقية من بزته مبللة بالدم. فقد اغتيل.
طبعاً هناك آخرون اصطدموا بسوريا. ميشال عون كان في البداية متفقاً معهم (مع السوريين). كان متفقاً معهم على أساس أن يترك البلد في الوضع الذي يعيش به، وضع يلبي من جهة طموحاته بأن يكون رئيساً في بعبدا ولو على مزبلة صغيرة ومن جهة ثانية يتباهى بأنه قاوم سوريا برغم أن المازوت كان يأتي من سوريا والسلاح يأتي من العراق. كانت خلطة عجيبة.
جعجع و«فخ» تفجير الكنيسة
سمير جعجع في البداية طمأنوه بعدما مشى والبطريرك الماروني (نصر الله صفير) في اتفاق الطائف، ما يعني أن هذا الجناح المسيحي قد تم تأمينه (في مقابل الجناح الرافض لاتفاق الطائف بقيادة ميشال عون). ولكن بعد ذلك بدأ إعداد الحفرة له. أتوا به إلى الحكومة، فاعتذر. كان سليمان فرنجية مطروحاً ولم يكونا قادرين على الجلوس مع بعضهما. جاءوا لجعجع بقصة تفجير الكنيسة.
لا علاقة لجعجع أبداً بتفجير الكنيسة. كنت وزير صحة وذهبت مع الرئيس رفيق الحريري، رئيس مجلس الوزراء. كنا أول من وصل إلى الكنيسة. بدا أن كل شيء كان مدبراً لتفجير الكنيسة، ثم محاولة إغلاق جسر نهر الكلب ونفقه، بهدف لصق الاتهام بأن هناك عملية إرهابية وبأن هناك محاولة تقسيمية، ولحقتها أيضاً محاولة ضد زميلنا في الحكومة نائب رئيس مجلس الوزراء ميشال المر وأُلصقت بسمير جعجع. كثيرون نبهوا جعجع ومنهم إلياس الهراوي أن الأفضل له أن يخرج من لبنان، لكن سمير جعجع رفض الخروج. التفجير دُبّر من المخابرات السورية واللبنانية آنذاك، والرئيس الحريري على علم بذلك. تبيّن ذلك معنا. لذلك أُسديت النصيحة لسمير جعجع بأن يطلع (من لبنان) لأنهم ينوون عليه. لم يقبل أن يغادر فجلس 11 سنة في السجن.
علاقة وليد جنبلاط مع دمشق لم تكن سهلة أبداً. قاوم الأسد الأول مراراً. قاومه منذ لحظة توقيع «الاتفاق الثلاثي». قال إن هذا الاتفاق يُطبق في أيام تيمور ويقصد نجله الذي كان طفلاً وعمره سنتان. قاومه بعمليات عدة قام بها في الشوف، وبعدم مجاراة أمين الجميل عندما كان الأسد يريد صفقة مع الرئيس الجميل. قاومه مراراً. أذكر الهجوم على إقليم الخروب الذي كان حافظ الأسد قد أعطى ضمانات لأمين الجميل بأنه لن يحصل هجوم على المنطقة، وجاء ذلك بعدما تبين (لجنبلاط) أنه إذا لم يحصل الهجوم على إقليم الخروب فإن الجنوب ليس فقط لن يتحرّر، بل إن الشوف وعالية قد يسقطان مجدداً في يد إسرائيل وأعوانها في لبنان.
كنا نذهب إلى الشام للدفاع عن وليد. أنا قمت بعدة مهمات للدفاع عنه. وعندما حصل الخلاف الكبير بين «أمل» و«الاشتراكي» ببيروت (في ثمانينات القرن الماضي) كانت هناك نية سورية للتخلص من نبيه بري ووليد جنبلاط معاً. كانوا (أي السوريين) قد أمّنوا البديل لبري عبر «حزب الله»، بينما وليد جنبلاط كانوا يحرضون ضده. حاولوا تحريض أصدقائه ضده. طبعاً رفضنا ذلك وبقينا صامدين بجانب وليد ولم يجدوا عن الدروز سوى بعض الناس أي النتوءات التي ظهرت لاحقاً وقفزت من مكان إلى آخر عند المخابرات السورية.
وهناك اغتيال إيلي حبيقة. ماذا كان دورهم (أي السوريين) في قتل إيلي حبيقة؟ هل حبيقة اغتيل فلسطينياً لأنه كان له يد في جرائم صبرا وشاتيلا؟ هل اغتيل إسرائيلياً لأنه كان سيذهب للشهادة أمام المحكمة في بروكسل (ضد إسرائيل)؟ هل اغتيل لأن السوريين اعتبروا أنه صار كنز أسرار ويجب أن نتخلص منه؟ تبخّر حبيقة. وفي هذه الأثناء ذهب كثير من الناس. خطفوا أو قتلوا، من «الكتائب» ومن «القوات»، ومنهم أشخاص ما زال يتم البحث عنهم مثل بطرس خوند الذي ما زالت القوى المسيحية تطالب بالكشف عنه. اليوم هناك الرئيس أحمد الشرع ويقولون له إن خوند كان في السجون السورية ويسألون عما حصل له.
أختصر عهد الأسدين بالقول إنه كان هناك أسدان مجرمان. أسد مجرم ولكن عنده رؤية للحكم ولديه القليل من الثقافة العربية اختزنها من «البعث» ومن أيام الوحدة السورية – المصرية (الجمهورية العربية المتحدة) وغيرها، وهناك أسد مجرم ولكن بلا رؤية وهو بشار. جاءا بعد بعضهما. كان من الطبيعي أن الأسد الثاني بلا رؤية وبنفس الإجرام سيقضي على التركيبة الكبرى التي أخذت هذه العائلة 50 سنة كي تقيمها، مع أولاد عمومتهم وأولاد عشيرتهم ولكن ليس كلهم.
اليوم مثلاً تُلقى الملامة على كل العلويين، وهذا خطأ. هناك عائلات علوية دفعت ثمناً غالياً جداً، منها عائلة جديد، صلاح وغسان، البعثي والقومي السوري. ومنها عائلة عمران، وهي عائلة كبيرة بين العلويين. محمد عمران اغتيل في طرابلس. لحقوا به إلى هناك وقتلوه. ومنها عائلة الشيخ. حتى بعض رفاقه دفعوا ثمناً. علي دوبا أُبعد. بقي فقط المصون لكن المبعد وهو رفعت الأسد. تركوه يذهب وأخذ معه كنزه من الأسرار والخيانات.
كنز من الأسرار والخيانات؟ الخيانات لمن؟
– خيانات لكل الناس ولأخيه (حافظ) أيضاً. ألم يجرب عام 1983 (الاستيلاء على السلطة)؟ استفاد من مرض حافظ الأسد واضطراره إلى أن يدخل للمستشفى فنزل بالدبابات و«الفهود الحمر». كانت لديه فرقة على غرار الفرق الطائفية والحزبية الضيقة من قماشة الجيوش الموازية.
الشرق الأوسط»
——————————–
===================