خضر خضّور يناقش التطوّرات الأخيرة على طول الحدود السورية اللبنانية

مايكل يونغ
تحديث 17 شباط 2025
مايكل يونغ: كيف أثّر سقوط نظام الأسد في سورية على الأوضاع على الحدود السورية اللبنانية؟
خضر خضّور: خلال الأشهر التي سبقت سقوط نظام الأسد، كثّف الطيران الإسرائيلي غاراته على الحدود، مُستهدفًا مواقع عدّة، من بينها معابر حدودية رسمية، ما أدّى إلى إضعاف قدرات حزب الله. ثم فرض انهيار النظام في سورية واقعًا أمنيًا جديدًا، إذ سيطرت الجماعات المنضوية تحت لواء هيئة تحرير الشام على المعابر الحدودية الرسمية، وانتشر مقاتلوها في جميع المناطق الحدودية وحلّوا محل مقاتلي حزب الله وعناصر الجيش السوري السابق والأجهزة الأمنية. وخلّف ذلك وضعًا أمنيًا هشًّا للغاية على جانبَي الحدود. فقبضة الدولة اللبنانية لطالما كانت ضعيفة في هذه المناطق، ناهيك عن أن الجماعات التي سيطرت على الجانب السوري من الحدود تتمتّع ببنية ميليشاوية.
يونغ: ما سبب الاشتباكات التي اندلعت مؤخرًا في المناطق الحدودية؟
خضّور: لقد تركّزت الجولة الأخيرة من المعارك في مدينتَي القصير السورية، والهرمل الواقعة شمال شرق لبنان. يبرز العامل الديموغرافي باعتباره الأهم في هذه المعادلة، إذ ثمّة مزيجٌ من القرى الشيعية والسّنية في هذه المناطق. لقد دخل حزب الله إلى سورية عبر القصير في العام 2013، بيد أن التركيز اليوم ليس على المدينة في حدّ ذاتها، بل على المنطقة الواقعة غرب نهر العاصي بشكل أساسي. تضمّ هذه المنطقة قرى ذات غالبية شيعية يقطنها لبنانيون يملكون أراضي على الجانب السوري من الحدود منذ عقود. كانت هذه المنطقة بمثابة بوابةٍ للدخول إلى سورية خلال الصراع السوري، وباتت راهنًا ساحةً للمواجهات المسلّحة بين عناصر هيئة تحرير الشام وعشائر شيعية من آل جعفر وآل زعيتر. تعبّر هذه الاشتباكات عن التوتّرات الطائفية السائدة منذ اندلاع الحرب السورية في العام 2012.
يونغ: لطالما كان التهريب مشكلةً على طول الحدود، والتقارير الأخيرة تشير إلى أنه لا يزال مستمرًّا. ما هي تداعيات ذلك على الحكومة السورية الجديدة؟ وهل هي في وضعٍ يسمح لها بإنهاء هذه الأنشطة؟
خضّور: كان التهريب مشكلةً أساسيةً منذ إنشاء الحدود بين سورية ولبنان، وثمّة نوعان منه. النوع الأول تهريب السلع الأساسية، وهو لم يتوقّف قطّ، ويرتبط بفوارق الأسعار بين الأسواق في البلدَين. حاليًا، وفي خضمّ الوضع الأمنيّ المتوتّر، تتولّى شبكات التهريب نقل السلع مثل المازوت والدواجن من لبنان إلى سورية. تعتمد مئات الأُسَر على جانبَي الحدود على هذه التجارة لكسب لقمة العيش. أما النوع الثاني من التهريب فسياسيٌّ بطبيعته، ويشمل الأسلحة والمخدّرات والبشر. توقّف هذا النوع من التهريب بالكامل في الشهرَين الماضيَين نظرًا إلى إسقاط نظام الأسد، وعجز حزب الله عن الانخراط في أنشطةٍ عبر الحدود.
يونغ: كيف هو وضع حزب الله في المنطقة الحدودية، نظرًا إلى أنه اضطلع في وقتٍ من الأوقات بدورٍ كبيرٍ في السيطرة على جانبَي الحدود؟ هل شهدنا تراجعًا لحزب الله على هذا الصعيد؟
خضّور: إن حزب الله محاصرٌ في الوقت الراهن، مع وجود الجيش اللبناني على جانبٍ من الحدود، وعناصر هيئة تحرير الشام والجماعات التابعة لها على الجانب الآخر. مع ذلك، يحتفظ الحزب بنفوذٍ كبير في منطقة البقاع وفي جميع القرى الشيعية الواقعة على طول الحدود. تعتمد أنشطة الحزب في المنطقة الحدودية على عاملَين رئيسَين: موقعه ضمن الإطار السياسي الجديد للدولة اللبنانية؛ والتوتّرات الأمنية والطائفية على طول الحدود، التي قد ترسي أرضيةً ملائمةً لاستئناف الحزب نشاطه. وثمّة عامل مهمّ آخر وهو الهجمات الإسرائيلية المتواصلة ضدّ أنشطة حزب الله وأصوله. فالضربات ضدّ العشائر المرتبطة بالحزب ستُضعِف حضوره في المنطقة الحدودية، وتُقوّي هيئة تحرير الشام على الجانب السوري.
يونغ: من الأمور التي تثير المخاوف في لبنان أن القيادة الجديدة في دمشق ذات جذور جهادية سلفية، وأن تأثير ذلك قد يمتدّ إلى لبنان. هل ترى هذا السيناريو واقعيًا، وما هي المخاطر المحتملة برأيك؟
خضّور: أعتقد أن هذه المسألة ستُعيد تشكيل العلاقة بين لبنان وسورية بصورة جذرية. ثمّة ثلاث نقاط رئيسة يجب الإشارة إليها هنا: الإيديولوجيا الجديدة لسورية؛ وهزيمة ما يُعرَف بمحور المقاومة في المنطقة، والفراغ الأمني الذي أعقبه؛ وإمكانية اندلاع صراع طائفي في لبنان. إن إيديولوجيا القوى على الأرض في سورية اليوم تحدّد نفسها أساسًا من خلال “الآخر”، أي أن الإيديولوجيا السنّية لهيئة تحرير الشام هي ردّ فعلٍ على الإيديولوجيا السياسية الشيعية التي هيمنت في العراق وسورية ولبنان منذ الغزو الأميركي للعراق في العام 2003. فاليوم، يعمل حكّام دمشق على تشكيل هوية سورية جديدة قائمة على أُسُس إيديولوجية، تعبّر عن نفسها من خلال عبارات كتلك التي تصف سورية بـ”دولة الأمويين”، أو عبارات يجري تداولها على مواقع التواصل الاجتماعي مثل “يا إيران جنّي جنّي بدّو يحكمنا سنّي!”. وحتى أحمد الشرع، رئيس سلطة الأمر الواقع لسورية، دخل على الخطّ متحدّثًا عن “سورية الطبيعية” في إشارة إلى سورية السنّية مقارنةً بسورية الشيعية.
لقد ترك محور المقاومة فراغًا أمنيًا كبيرًا في سورية بعد هزيمته على يد إسرائيل بعد أكثر من عامٍ على هجوم حماس في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023. وملأت هذا الفراغ جماعات جهادية محلية قد تشكّل مصدر إلهام للشبكات السلفية المنتشرة داخل لبنان، وتُمكّنها من التعبير عن نفسها من طرابلس إلى عكار والبقاع. تشعر الحركة السلفية في لبنان باستعادة حيويّتها بفضل التطوّرات في سورية، ويُرجَّح أن تتعزّز علاقتها بنظيرتها في سورية مع مرور الوقت. من شأن هذا التطوّر أن يولّد توتّرات طائفية في لبنان، حيث قد تقوّض الصراعات المحلية السلم الأهلي والاستقرار. فعلى سبيل المثال، في قضاء زحلة بلدتان، تعلبايا، التي تضمّ سكّانًا شيعة، وسعدنايل السنّية. واتّسمت الاحتفالات بسقوط الأسد في سعدنايل بالشماتة والنكاية الموجّهة ضدّ شيعة تعلبايا. يُضاف إلى ذلك أن ملصقات أحمد الشرع على نوافذ السيارات والأناشيد الجهادية تملأ الشوارع بين الفينة والأخرى. هذه الممارسات قد تتفاقم لتتحوّل إلى اشتباكات مسلحة في مختلف المناطق اللبنانية.
بصورةٍ أعمّ، لا يحرّك الدينُ السياسة وما يحدث على الأرض. ولكن الهوية المحلية مُسيَّسة أصلًا، وما دام الوضع في سورية غير مستقرّ، فالمزاج العام في لبنان سيكون مشحونًا وعرضةً للتعبئة بناءً على تصوّرات الذات والآخر. وهذا ما علينا تداركه.
مايكل يونغ
محرّر مدوّنة ‘ديوان’, مدير تحرير في مركز مالكوم كير– كارنيغي للشرق الأوسط
تقدّم مدوّنة “ديوان” الصادرة عن مركز مالكوم كير– كارنيغي للشرق الأوسط وبرنامج الشرق الأوسط في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي تحليلات معمّقة حول منطقة الشرق الأوسط، تسندها إلى تجارب كوكبةٍ من خبراء كارنيغي في بيروت وواشنطن. وسوف تنقل المدوّنة أيضاً ردود فعل الخبراء تجاه الأخبار العاجلة والأحداث الآنيّة، وتشكّل منبراً لبثّ مقابلات تُجرى مع شخصيّات عامّة وسياسية، كما ستسمح بمواكبة الأبحاث الصادرة عن كارنيغي.
للمزيد من المعلومات
خضر خضّور باحث غير مقيم في مركز مالكوم كير–كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت، تشمل أبحاثه العلاقات المدنية العسكرية والهويات المحليّة في منطقة المشرق، مع تركيز خاص على سورية. شارك مع أرميناك توكماجيان مؤخّرًا في تأليف دراسة مهمّة حول المناطق الحدودية السورية، تحمل عنوان Borders Without a Nation: Syria, Outside Powers, and Open-Ended Instability (حدود بلا دولة: سورية والقوى الخارجية وانعدام الاستقرار المستمر). أجرت “ديوان” مقابلة معه في أوائل شباط/فبراير للاطّلاع على وجهة نظره حول الأوضاع على الحدود السورية اللبنانية، التي شهدت مواجهات خلال الأسابيع الماضية.
لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.
مركز مالكوم كير– كارنيغي للشرق الأوسط