الناسسقوط بشار الأسد، الرئيس الفار والمخلوع

أشياء لا يريد السوريون مشاهدتها في سوريا الجديدة.. ما هي؟/ عبد الناصر القادري

2025.02.17

في غضون أيام من انطلاق معركة ردع العدوان، سقط النظام وهرب بشار الأسد، بعد سنوات طوال من تضحيات الشعب السوري وبذل الغالي والنفيس لأجل الحرية.

عاش الشعب السوري أكثر من خمسة عقود تحت حكم نظام بوليسي استبدادي منع الشعب من التنفس وسرق معظم موارد البلاد وكمّم الأفواه، حيث طغت المحسوبيات والفساد والرشوة، إلى أن فجّر السوريون ثورتهم وخرجوا بمظاهرات سلمية ضد النظام، الذي ردّ عليهم بالاعتقال والرصاص الحي وصولاً إلى القصف وتدمير المدن على رؤوسهم والتهجير والتغيير الديموغرافي الممنهج والقتل تحت التعذيب في حرب معلنة ضد الشعب، لا ينسى السوريون أيامها الكارثية عليهم وعلى عائلاتهم.

وفي جولات لـ موقع تلفزيون سوريا في دمشق وريفها، والتي سألنا خلالها السوريون عن الأشياء التي لا يريدون رؤيتها في سوريا بعد اليوم، كانت إجاباتهم متنوعة وتحمل كثيرا من الغصة والتفاؤل في الوقت نفسه.

يقيس التقرير آراء عدد من السوريين بخصوص التغيّرات المتوقعة بعد إسقاط النظام وكيف يمكن أن تتحسن أو تتغير الممارسات التي كانت سائدة في فترة حكمه وما الذي سيختفي كلياً في سوريا الجديدة.

تباينت الآراء والأفكار بين من سألناهم، ولكن تركّزت الإجابات عن أهمية اختفاء الخوف إلى الأبد، وانتهاء مرحلة الجيش الإلزامي (ولو بشكل مؤقت)، وعدم وجود اعتقالات وسجون لأسباب كيدية وسياسية وتعسفية، وكسر جميع أصنام وتماثيل حافظ وبشار الأسد، نزع صور الحكم المخلوع وأعلامه ورموزه وإشاراته ومقولاته، توقف الحرب بالمعنى التقليدي التي كانت تزج بالسوريين في معارك غير منتهية، اختفاء الوساطات والرشى وغير ذلك.

وحاول التقرير أن يستوفي التنوّع الموجود في العاصمة دمشق وريفها، حيث التقينا بأشخاص من جميع المحافظات السوريّة وبمختلف الفئات العمرية ومن الجنسين.

ومع أن الناس يعيشون في أوضاع صعبة، إلا أنهم يعيشون سعادة النصر حتى بعد مرور أكثر من شهرين على هزيمة النظام وانقلاب حياة مختلف فئات الشعب إلى شكل لم يتخيلوه قبل يوم 27 تشرين الثاني 2024.

ويتجسّد ما ركز عليه السوريون الذين قابلهم موقع تلفزيون سوريا، بين الأشياء التي لا يريدون أن يروها في سوريا الجديدة بأي شكل من الأشكال:

    “لا نريد معتقلات

يؤكد مَن استطلعنا آراءهم أنهم لا يريدون أن يكون في سوريا الجديدة معتقلات للرأي ولا فروعا أمنية تحصي أنفاس السوريين وتكمّم أفواههم، خصوصاً بعد صور قيصر لعشرات آلاف السوريين الذين قتلوا تحت التعذيب وخارج نطاق القانون بعد اعتقالهم بشكل تعسفي وزجهم في سجون تحت الأرض غير آدمية ولا تليق بالبشر.

وشدّدوا على أن هذه المعتقلات، كانت مسارح جرائم ارتكبت بها قوات نظام الأسد أسوأ انتهاكات حقوق الإنسان ومورس فيها كل أنواع التعذيب والاغتصاب والقتل الجماعي مع حرمان كامل لكل الحقوق المدنية، مع إشارتهم تحديداً إلى سجن تدمر وسجن صيدنايا وفرع فلسطين وفرع المنطقة.

    لا نريد أن نخاف من الدولة

سبق أن زرع نظام المخلوع، الرعب والخوف في قلوب السوريين، فأصحبوا يخشون من الدولة ويخافون منها أكثر من أي عدو يتربّص بهم.

وكان حافظ الأسد ومن بعده بشار الأسد، قد حوّلا الدولة إلى “وحش” يلاحق أنفاس السوريين عبر سلسلة غير منتهية من كتبة التقارير الذين تحصي حركات السوريين وسكناتهم وصلواتهم وأعمالهم وأرزاقهم وسفراتهم وأفكارهم ومعتقداتهم، مشيرين إلى السجلات الأمنية التي وُجدت في فروع المخابرات بعد وصول المقاتلين إلى دمشق.

    “لا نريد جيشاً يقتلنا

يقول أحد الذين استطلعنا آراءهم، إنه يمر على الحواجز ويشعر بالسعادة الآن، كان الجيش السابق جيشاً طائفياً فاسداً، أما الآن لدينا جيش محترم، نخاف عليه ونشفق على تعبه، لا يسرق منا قوت أولادنا على الحواجز، ولا ينهبون سيارتنا عند تفتيشها، ولا يطلبون رشوة أو مالاً ويعاملوننا بكل احترام.

وتابع: “جيش نخاف عليه لا نخاف منه، يحمينا ولا يقتلنا، جيش لا يقصفنا بالطائرات والسلاح الكيماوي، جيش لا يقتحم البيوت الآمنة من دون إذن قضائي أو سبب قاهر، جيش ندفع له من أموالنا لأننا لن تسرق”.

وأكّد آخرون أن إلزامية الجيش يقررها مَن سيعد الدستور الجديد للبلاد، المهم هو أن يكون جيش لحماية الشعب والدولة وليس لحماية الرئيس والحكومة، جيش احترافي يدافع عن البلد وشعبه وحدوده وثرواته ومقدراته، موجود في الثكنات وليس في الشوارع والطرقات.

    “لا نريد تهديدا بالأهل والأقارب

من الأشياء التي تطرق إليها المستطلعون، هو أنهم لا يريدون ملاحقة أحد بجريرة أحد، كما كان يفعل نظام المخلوع، فإن لم يجد الشخص المطلوب اعتقل أو لاحق الأب والأم والإخوة وأبناء العمومة والأخوال والجد والجدة في حالة نادرة الحدوث في العالم.

ولفت البعض إلى أن القانون لا يحاسب سوى مرتكب الجرم لكن في عهد النظام المخلوع كان الجار يحاسب أحياناً لأن جاره متهم سياسي، وهو ما حصل في الثمانينيات في حماة، وفي عموم المحافظات السورية إثر اندلاع الثورة إذ كان النظام يلاحق جميع أفراد العائلة من أجل معاقبة فرد واحد.

    “لا نريد تماثيل وصور الرئيس في كل مكان

مع خروج المتظاهرين في الثورة السورية بدؤوا بإزالة صور حافظ وبشار الأسد وكسروا تماثيله وزادوا في شتمه ولعنه لأنهم كانوا على يقين بأنه كان يأمر بقتلهم، وإن كان الرئيس مجرد موظف حكومي عندهم لم يتمكنوا من اختياره أو انتخابه.

ومع ذلك بعد استعادة النظام سيطرته على المدن المدمرة بدعم روسي إيراني لم يعمر أي شيء بل سرق حديد كل المباني والبيوت وأعاد بناء تماثيل حافظ وبشار الأسد.

ومع بدء عملية ردع العدوان كان المقاتلون بمشاركة الشعب يُسقطون تماثيل كل عائلة الأسد ويهدمونها للمرة الأخيرة حتى إنهم لم يبقوا ولا واحداً من عشرات التماثيل التي أخذت من مال الشعب.

كذلك، علّقوا أنهم لا يريدون رؤية صور الرئيس بكل مكان خارج الدوائر الحكومية، إن كان ذلك يتوافق مع الدستور الجديد والقوانين الناظمة في البلد، وأن يبقى اسم سوريا بلا كنية فهي لم تكن “سوريا الأسد” بل سوريا الحرة.

    “لا نريد دفع رشاوي

في عهد النظام المخلوع، عام 2024، كانت سوريا في مؤخرة مؤشر الفساد العالمي، حيث سجّلت 13 درجة من أصل 100، لتحتل مع الصومال المركزين الأخيرين، وفقاً لتقرير “منظمة الشفافية الدولية”.

وتُظهر البيانات أن الأنظمة الاستبدادية تؤدي إلى تعزيز الفساد والإفلات من العقاب، وكان الفساد ينخر في جميع مؤسسات الدولة ووزارتها ومديرياتها ومحافظاتها وبلدياتها وصولاً إلى المخاتير وعمال النظافة.

بعد أكثر من شهرين على سقوط النظام، بدأ الناس يشعرون بالفرق حيث لم يعد أحد يدفع رشوة على حاجز عسكري أو لشرطي مرور أو في دائرة حكومية.

وانطلاقاً من ذلك، أكّد مَن استطلعنا آراءهم أنهم لا يريدون أن يكون هناك دفع رشاوى ضمن أي مؤسسة في سوريا الجديدة، وأن تكون جميع المعاملات والأوراق خاضعة للقانون والرسوم النظامية المعلن عنها.

    “لا نريد محسوبيات

تعد مسألة التوظيف في سوريا من الأمور الشائكة التي كانت مثار شكوى بين السوريين، حيث يوظف أبناء المسؤولين وأقاربهم ومعارفهم في مؤسسات الدولة ويعينون بناء على أسمائهم وكناهم وطوائفهم أيضاً من دون النظر إلى كفاءتهم ونظافة أيديهم، فتحرم البلد من الكفاءات والمتعلمين فيهاجرون من سوريا أو يعملون بالأعمال الحرة بعيداً عن تخصصاتهم.

في سوريا الجديدة يطالب سوريون أن تكون الوظائف والتعيينات بناء على الكفاءة والخبرة من دون وجود محسوبيات ووساطات، وذلك وفق أنظمة ولوائح وقوانين تساوي بين جميع المواطنين السوريين.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى