كتاب “الأسد أو نحرق البلد”.. أي رعب كان يحكمنا!/ عقبة زيدان

تحديث 20 شباط 2025
صمتَ الغرب الأوروبي، وأعطت الولايات المتحدة أوامرها للعالم لكي يقاطع نظام الأسد. وهكذا، فقد بارك هذا الصمت وتلك العقوبات التي طالت الشعب فقط، القتل الأسدي الوحشي. وحتى تهديد الرئيس الأمريكي باراك أوباما كان موضع سخرية، كما يقول سام داغر: “لقد سخِر أتباع نظام الأسد من دعوات أوباما لبشار للتخلي عن السلطة وتحذيراته بشأن استخدام الأسلحة الكيميائية، لأنهم اعتقدوا – وقد تبين أنهم كانوا محقين في ذلك – أن هذه مجرد كلمات”.
رخصة القتل الغربية هذه، مع تولي الصين وروسيا نظام حماية المجرم من أي معاقبة، قادت الأسد إلى تطوير آلة القتل الوحشية؛ الوحشية بالنسبة إلى الشعب، ولكنها كانت نوعًا من المتعة المَرَضية بالنسبة إلى الأسد وعائلته. ورأى في الموقف الدولي مساندة لمتعته في ارتكاب ما يمكن ارتكابه كي يبقى على كرسي الحكم.
يسرد سام داغر في كتابه “الأسد أو نحرق البلد: كيف دمرت شهوة عائلة واحدة للسلطة سوريا”، تلك الشهوة الفظيعة للدم عند عائلة الأسد منذ توليها السلطة، وليس في مرحلة الثورة السورية عام 2011 وما بعد. فالأسد الأب – حسب داغر- قال في عام 1995: “لا توجد طريقة أخرى لحكم مجتمعنا إلا بالحذاء فوق رؤوس الناس”. وهذا الاقتباس يؤكد كيف تنظر هذه العائلة إلى السوريين، كل السوريين.
يعود سام داغر إلى دراسة شخصية بشار الأسد قبل أن يتسلم السلطة من والده، ويصوره منفصلًا عاطفيًا، حيث لم يُظهر أي انفعال في جنازة أخيه الأكبر باسل عام 1994، ولا في جنازة والده عام 2000. وبعد وفاة أخيه، تم إعداده ليكون رئيسًا لسوريا بعد والده؛ فقد سعى بشار، وهو شخصية خجولة وانطوائية، إلى إيجاد طرق لإثبات رجولته لنفسه. كانت إحدى هذه الطرق هي إقامة علاقات غرامية لا حصر لها، ليس من أجل المتعة بل من أجل الاستعداد ليكون الرجل الذي شعر أنه يجب أن يكونه كي يصبح رئيسًا. وحتى بعد زواجه من أسماء الأخرس في عام 2000، شعر الأسد بضرورة التباهي بعلاقاته الغرامية خارج إطار الزواج أمام الدبلوماسيين الأجانب. هذه ليست مجرد تفاهات؛ إنها تخبرنا الكثير عن الأمراض النفسية للرجل الذي كان يتربع على قمة هرم النظام السوري.
الشعار الأكثر شهرة
أصبح شعار “الأسد أو نحرق البلد” الأكثر شهرة المرتبط بنظام الأسد ومؤيديه في سوريا. وقد تم ترويجه بقوة من قبل الجنود والميليشيات، وترافق ترويجه مع تفاقم العنف ضد المتظاهرين، وحتى ضد الناس السلميين في بيوتهم، باعتبارهم حاضنة شعبية للثوار. ولم يخجل أي من المؤيدين من التضحية بالوطن في سبيل أن يبقى الأسد على هرم السلطة، بل تحولوا بفعل العنف المستمر إلى وحوش تلتهم كل من تصادفه.
لم يختر سام داغر هذا العنوان عبثًا، فقد كان في دمشق بين عامي 2012 و2014 مراسلًا لصحيفة غربية كبرى، وعايش الأحداث، وشاهد هذا الشعار مكتوبًا في كل مكان.
العنوان الفرعي لكتاب داغر “كيف دمرت شهوة عائلة واحدة للسلطة سوريا”، ينبئ بالآثار المدمرة لهذه العائلة على الوطن والجوار. ربما أكثر من معظم الأنظمة الأخرى، فإن نظام الأسد هو النظام الذي تعلّم كيف يخلق حقائق جديدة على الأرض من خلال الإبادة. إن قصة سوريا هي قصة الدمار غير المحدود، والقمع الوحشي الذي لا يمكن أن تحتمله دولة واحدة. وإن صمود نظام الأسد، لم يكن ممكنًا من دون داعميه الرئيسيين – روسيا وإيران ووكلاء إيران، وأبرزهم حزب الله اللبناني – ومن دون الصمت الدولي.
تحالف مع داعش
يذكر داغر أن تنظيم داعش تلقى مساعدة كبيرة من النظام. وفي الواقع أن العديد من أهدافه كانت هي نفسها أهداف بشار. حتى إنهما تعاونا استخباراتيًا في بعض الأحيان عندما كانت هناك منفعة متبادلة. فقد اعتبر الأسد أن المتمردين الذين كانوا علمانيين يشكلون تهديدًا أكبر من داعش، لأنه من المحتمل أن يكونوا أكثر شعبية. كان كل من داعش والأسد ينظران إلى قيادتيهما من منظور مماثل من حيث الحق في الحكم وفعل ما يريدون، وأي شيء يقدم خيارًا فعليًا للشعب كان يعتبر تهديدًا.
ويذهب داغر إلى أبعد من ذلك ليبين كيف أن الثورة في سوريا كانت سلمية وتم استقطابها تدريجيًا من قبل هذه العناصر الأكثر تطرفًا. وفي حين أن بشار ربما لم يكن يريد أن يسيطر تنظيم داعش على مساحات شاسعة من البلاد، إلا أن التنظيم في بعض النواحي كان العدو المثالي لبشار، لأنه كان بإمكانه أن يثبت نفسه أمام العالم كبطل يحارب الإرهابيين.
مظهر علماني
ما يلفت النظر تمامًا هو دور الدعاية في القصة. فقد استطاع الأسد أن يجذب العالم الغربي بمظهره العلماني، وبحقيقة أن لديه زوجة بريطانية، وفي مرحلة ما كان يتودد إليه المشاهير والقادة الغربيون. في الانتخابات السورية، كان الأسد المرشح الوحيد الذي سُمح له بالترشح، وقد أظهرت نتائج الانتخابات فوزه المضمون لعدم وجود منافس، ومع ذلك ظل يُنظر إليه على أنه عصري إلى حد ما ومؤيد للإصلاح حتى فوات الأوان. هذا يشبه ما فعله تنظيم داعش في استخدامه للدعاية، وإنتاج مجلات جيدة وتجنيد الغربيين لتعزيز جاذبيته.
شهادات
طرح المؤلف قصصًا لكثيرين تمت مقابلتهم، ورغم أن القصص كانت رائعة، إلا أنها كانت كئيبة ومؤلمة جدًا. وتناولت عمليات التعذيب وأساليب الإعدام. ومع ذلك، يجب على الناس أن يقرأوا عنها، لأنهم بحاجة إلى معرفة مدى تعطش النظام للدماء. كان الناس يتعرضون للتعذيب والاعتداءات الجنسية والقتل لأتفه الأسباب، وأحيانًا عندما قيل لهم إنه سيتم إطلاق سراحهم أو ظنوا أنهم ذاهبون لمقابلة مسؤول ما، اختفوا ولم يعلم أحد أين أخذوهم.
حتى الأطفال كانوا يتعرضون للتعذيب حتى الموت، ويتم تشويه أجسادهم وإعادتهم إلى أهاليهم. كانت الحالة الأكثر شهرة في عام 2011 هي حالة حمزة الخطيب، وهو صبي من درعا يبلغ من العمر 13 عامًا. فقد اختطفته قوات النظام وقتلته بوحشية ثم قامت بالتمثيل بجثته قبل إعادتها إلى عائلته. وقد ساعدت الصور ومقاطع الفيديو التي انتشرت على نطاق واسع لجثته، في صب الزيت على نيران الثورة. وكالعادة، رد نظام الأسد بالتضليل: فقد صدرت تعليمات لوسائل الإعلام الموالية للنظام بأن حمزة إما أنه تعرض للتعذيب على يد الإرهابيين أو أنه لم يتعرض للتعذيب على الإطلاق؛ وقد أخبر فواز الأخرس، والد أسماء، المقيم في لندن، صهره أن يرفض فيديو جثة حمزة باعتباره دعاية بريطانية.
سوريا خلال أربعة عشر عامًا، أصبحت أكبر مقبرة جماعية في العالم. وإذا نظرنا إلى شخصية بشار المهزوزة والمتغطرسة في الوقت نفسه، سنرى أن ما قام به، هو فعل يؤكد على طبيعته، وعلى أنه التزم بمبادئ هذه العائلة المريضة، وربما فاق تصوراتهم في التدمير والإبادة، لذلك فقد استحق في نظرهم أن يترأس نادي القتلة الأسديين بجدارة.
الترا سوريا