أبحاثسقوط بشار الأسد، الرئيس الفار والمخلوع

الجنوب السوري… صدمة إملاءات نتنياهوم/ ضياء الصحناوي

25 فبراير 2025

أثارت تصريحات رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، التي دعا فيها لجعل الجنوب السوري منطقة منزوعة السلاح ومحظورة على الجيش السوري، صدمة في الجنوب السوري الذي انتفضت عدد من بلداته رفضاً لذلك، فيما لم تكن دمشق قد أصدرت تحت عصر أمس الاثنين رداً رسمياً عليه، رغم مطالبات عدة لها باتخاذ موقف واضح لقطع الطريق على محاولات نتنياهو استغلال الفراغ لفرض إملاءاته. وفي حين صدرت مواقف شعبية منددة بالتدخل في الشأن السوري من إسرائيل التي استغلت سقوط نظام بشار الأسد في 8 ديسمبر/كانون الأول الماضي للانقلاب على اتفاقية فض الاشتباك، واحتلال مساحات جديدة في المنطقة العازلة بمرتفعات الجولان وجبل الشيخ، وعملت على إنشاء قواعد عسكرية للبقاء فترة طويلة في تلك المنطقة، بعد تدميرها مقدرات الجيش السوري عبر أكبر عملية جوية في تاريخها، فإن المخاوف تكبر من سعي نتنياهو لإثارة الفتنة بين مكونات الشعب السوري، ووقف عجلة الاندماج بين مناطق الجنوب ودخول فصائلها في الجيش السوري الجديد الذي يجري العمل على إنشائه.

وكان نتنياهو قد طالب في كلمة له، مساء الأحد الماضي، بجعل منطقة جنوب سورية “منزوعة السلاح”، مضيفاً “لن نسمح لقوات تنظيم هيئة تحرير الشام أو للجيش السوري الجديد بدخول المنطقة جنوب دمشق، ولن نقبل بأي تهديد لأبناء الطائفة الدرزية في جنوب سورية”. وأعلن أن “قواتنا ستبقى في قمة جبل الشيخ وفي المنطقة العازلة (السورية) إلى أجل غير مسمى”. وجاءت تصريحاته بعد أيام من إشارته إلى أن سقوط نظام الأسد في ديسمبر الماضي “غيّر خريطة الشرق الأوسط”، معتبراً أن إسرائيل “أوقفت محاولات إيران لدعم النظام”.

هذا الموقف قوبل برفض كبير من أبناء المنطقة، إذ خرجت أمس الاثنين تظاهرات في عدة بلدات في الجنوب السوري رفضاً لتصريحات نتنياهو، منها في بلدة خان أرنبة ومدينة القنيطرة، ومدينتي نوى وبصرى الشام في درعا. كما أقام العشرات من أهالي مدينة السويداء وقفة احتجاجية في ساحة الكرامة وسط المدينة، رفضاً لتصريحات نتنياهو، فيما تستمر الدعوات لتظاهرة أكبر اليوم الثلاثاء.

اعتراضات في الجنوب السوري على نتنياهو

ورداً على كلام نتنياهو، أكد الشيخ سليمان عبد الباقي، قائد تجمع أحرار جبل العرب في السويداء، رفضه أي تدخّل خارجي في الشأن السوري، قائلاً لـ”العربي الجديد”: “نرفض تدخّل أي جهة خارجية بالشأن الداخلي السوري… نحن سوريون وهويتنا سورية ونريد بناء الوطن والعيش بسلام”. وأضاف أن “النظام وإيران وحزب الله تسببوا بالحروب والفتن، والآن حان وقت الإعمار والسلام”.

من جهته، حذر الناشط الإعلامي هاني عزام، في حديث لـ”العربي الجديد”، من أن تصريحات نتنياهو تستهدف “إثارة الفتنة بين مكونات الشعب السوري، ومن شأنها أن توقف عجلة الاندماج بين مناطق الجنوب، خصوصاً الفصائل المسلحة بالدولة والجيش والقوى الأمنية السورية، عبر التركيز على خطاب حماية الأقليات، مثل الدروز في الجنوب والأكراد في الشرق والعلويين في الغرب، بما يخدم أجندات انفصالية وتطلعات تلامس مشاعر بعض بقايا النظام البائد، لتلتقي مع أهداف إسرائيل في تقسيم سورية إلى كيانات طائفية متنازعة”. وأعرب عزام عن أسفه من مسارعة بعض السوريين إلى “كيل التهم لأهالي الجنوب عموماً وللدروز في السويداء على وجه التحديد، متناسياً تاريخهم النضالي ضد نظام الأسد، وتحقيق الوحدة الوطنية على كامل الأرض السورية، وبالتالي يساهم بزيادة الفجوة بين مكونات المجتمع السوري”. كما أشار إلى أن “الصمت الذي تتبعه القيادة السورية الحالية تجاه التدخلات الإسرائيلية، يغذي الشكوك حول تواطئها مع المخططات الإسرائيلية”.

من جهة أخرى، وحول عدم الرد الواضح من القيادة السورية على التدخلات الإسرائيلية في الجولان والقنيطرة، والتصريحات المتكررة لقادة إسرائيل، قال أحد أبناء القنيطرة، طلباً عدم الكشف عن اسمه، لـ”العربي الجديد”، إن أهالي محافظة القنيطرة عانوا من التهميش التاريخي الذي مارسه نظام الأسد ضدهم، مردفاً: “لم نشعر يوماً أننا سوريون نمتلك حقوقاً كباقي المحافظات. فقد عمد نظام الأسد سابقاً إلى حصارنا وتهميشنا حتى بات البعض ينشد الأمان تحت أي سلطة”. وأضاف أن رد الحكومة السورية يجب أن يكون عبر “تسريع اندماج مناطق الجنوب، وإعلان موقف واضح ضد التصريحات الإسرائيلية”.

وتعليقاً على المشهد، قال الناشط المدني عدنان أبو العز، لـ”العربي الجديد”، إن السويداء ذات الغالبية الدرزية تدرك جيداً مخاطر الانجرار وراء الخطاب الإسرائيلي الذي يتلاعب بورقة الحماية الطائفية، خصوصاً مع التاريخ النضالي للمحافظة ضد الاحتلال الإسرائيلي في الجولان، كما أن الذاكرة الجماعية لأهالي الجنوب تحمل أمثلة عديدة على محاولات النظام السابق استخدام الانقسامات الطائفية لإضعاف تماسك المجتمع”. وأضاف: “تبقى محافظة السويداء نموذجاً للتعقيدات التي تواجهها سورية في مرحلة ما بعد نظام الأسد، إذ تتصارع الأجندات المحلية والإقليمية والدولية، لكن الإجماع الواضح لشريحة واسعة من أهالي المحافظة من فصائل مسلحة ومرجعيات دينية وناشطين على رفض الانفصال ورفض التصريحات الإسرائيلية، يؤكد أن الهوية السورية لا تزال حاضرة بقوة، على الرغم من محاولات تفكيكها”. وتابع: “في الوقت الذي تواصل فيه إسرائيل توسيع نفوذها في القنيطرة، وتوغل قواتها في مناطق حدودية جنوب سورية، تبدو السويداء ودرعا والقنيطرة أمام اختبار حقيقي لتحويل خطاب الوحدة إلى واقع ملموس، عبر تعزيز الاندماج الوطني ومواجهة المخططات الخارجية بخطاب جامع يعيد إحياء مفهوم سورية للجميع”.

مجلس عسكري للسويداء

وفي ظل الموقف الشعبي والرسمي في الجنوب السوري الرافض أي محاولات تهدف إلى تقسيم سورية أو تقويض وحدة أراضيها، مع إجماع الفصائل المسلحة ومرجعيات دينية وقيادات محلية على رفض تصريحات نتنياهو، برز الإعلان عن مجلس عسكري للسويداء، قوبل برفض من فعاليات في المنطقة اعتبرت أنه “انفصالي”. وأعلن عدد من المسلحين عن تشكيل المجلس العسكري للسويداء، والذي يسعى “إلى تنسيق الجهود بين الفصائل العسكرية المحلية لمواجهة أي تهديدات أمنية محتملة، وتعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة”، وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان. كما أشار المجلس إلى أنه يهدف إلى حماية المدنيين والممتلكات العامة من أعمال العنف والتخريب. وأعلنت مجموعة محلية من بلدة الغارية جنوبي محافظة السويداء انضمامها إليه الأحد عبر مقطع مصور، بثته صفحة المجلس على “فيسبوك”. وظهر في التسجيل أشخاص يرتدون الزي العسكري أمام المركز الخدمي في البلدة، حيث تلا أحدهم بياناً موجزاً أكد فيه استعداد المجموعة “لتنفيذ أي مهمة لحماية الأرض والعرض”.

لكن هذا التشكيل واجه رفضاً قوياً من قبل الفصائل الكبرى في السويداء، مثل “غرفة عمليات الحسم” و”غرفة العمليات المشتركة”، التي وصفته بأنه “غير شرعي”، مؤكدة أن بيانه “لا يمثل إلا أصحابه”. كما انضم إلى هذا الرفض مرجعيات دينية بارزة، أبرزها الشيخ حكمت الهجري، الرئيس الروحي لطائفة الموحدين الدروز، الذي صرح لوسائل إعلام محلية بأن “المجلس العسكري الانفصالي لا يمثل أهالي المحافظة ولا الفصائل العسكرية التابعة لها”.

ورداً على هذه الانتقادات، أصدر “المجلس العسكري في الغارية” بياناً وصف فيه نفسه بأنه “المفوض الوحيد من دول التحالف (دون تحديد أي تحالف) لإعادة الأمن والاستقرار”، معتبراً أن منتقديه يسعون للفوضى والانقسام. وأشارت مصادر لـ”العربي الجديد” إلى أن المجلس العسكري للسويداء، الذي يقوده الضابط المنشق طارق الشوفي، ينشط في ريف السويداء الجنوبي وليس له امتداد واسع في المحافظة، كما أنه يتحدث عن بناء “دولة ديمقراطية علمانية لا مركزية”، من دون تحديد موقف واضح من الحكومة الانتقالية في دمشق.

تشكيل آخر “لحفظ الأمن”

مقابل ذلك، اجتمع عدد من الضباط وممثلي الفصائل في مطار بلدة الكفر أمس الاثنين رافعين شعار “نحن أبناء السويداء… نحن لسورية فداء”، رداً على إنشاء المجلس العسكري في السويداء، مشيرين إلى أن ذلك أقوى رد على تهم الانفصال. وكان عدد من الضباط من المتقاعدين قبل الثورة، ومن المنشقين عن نظام الأسد في السويداء، دعوا إلى هذا الاجتماع مساء الأحد، لإعلان مجلس عسكري يضم نخبة من الضباط الذين عارضوا نظام الأسد المخلوع وفصائل من السويداء.

وحول أهداف الاجتماع، أكد الضابط المتقاعد والمعارض السابق لنظام الأسد، زياد العبدالله، في تصريح لـ”العربي الجديد”، أن هذا الجسم العسكري (الذي صدر عن اجتماع الكفر) ليست غايته أبداً الانفصال عن دمشق، بل على العكس تماماً فإنه على تنسيق مباشر مع وزارة الدفاع، وبعلم الشيخ الهجري. وأشار إلى أن الغاية من هذا التشكيل حفظ الأمن، نافياً أي غاية انفصالية منه. وأوضح أن الهدف تشكيل نواة لقوة عسكرية مرتبطة بالحكومة المركزية في كامل الجنوب السوري، وليس بمعزل عن دمشق، مدللاً على ذلك بأن علم الجمهورية السورية يؤكد انتماء هذا المجلس. وأعرب العبدالله عن تخوفات مجتمعية دفعت هذا الجسم للتشكل، معتبراً أن تعيين قادة أجانب في الجيش السوري واستحواذ فصائل جهادية على مفاصله يخيف فئات سورية كثيرة، مبرراً تشكيل جسم يضمن استقرار هذه المجتمعات التي تبحث عن دولة بقانون مدني.

وعن موقف التشكيل العسكري الجديد في الكفر من تصريحات نتنياهو، قال أحد ضباط التشكيل الجديد، فضّل عدم الكشف عن اسمه في حديث لـ”العربي الجديد”: “إننا نرفض إبداء أي موقف قبل أن نسمع تصريحات رئيس الدولة السورية ووزارة الدفاع السورية، ليس من قبيل قبولنا بهكذا تصريحات، بل لأننا لسنا أصحاب سلطة أو قرار مباشر، ولكن ننتظر أن تخرج تصريحات مضادة بشكل رسمي من القيادة السورية. مردفاً: “بأي صفة رسمية سنرد؟ نحن من الشعب والتصريحات الرسمية يلزمها ردود رسمية”.

في هذه الأثناء، أفادت مصادر خاصة لـ”العربي الجديد”، بأن ممثلي الفصائل المسلحة في محافظة السويداء توجهوا إلى دمشق أول من أمس الأحد للاجتماع مع وزير الدفاع السوري، مرهف أبو قصرة، وذلك استكمالاً لسلسلة اجتماعات سابقة تهدف إلى تنظيم انضمام هذه الفصائل إلى الجيش السوري الجديد. وجاءت هذه الخطوة في إطار مساعٍ حثيثة لتأسيس فرقة عسكرية في السويداء، تكون مكونة من أبناء المحافظة والمنطقة الجنوبية، وفق المصادر. وخلال الأسابيع الماضية، عُقدت لقاءات عدة بين ممثلي الفصائل ومسؤولين في وزارة الدفاع، بينهم العقيد بنيان الحريري من محافظة درعا، الذي عيّنته الوزارة مسؤولاً عسكرياً لملف انضمام فصائل الجنوب للجيش السوري. وركزت المناقشات على تفاصيل الانضمام المحتمل، مثل طبيعة المهام العسكرية، وسلم الرواتب، والعقيدة العسكرية للجيش، إلى جانب أمور تنظيمية أخرى. وأكدت الفصائل خلال الاجتماعات ضرورة أن يكون الجيش “وطنياً لجميع السوريين”، وفق تعبير المصدر.

وأمس، اجتمع الرئيس السوري، أحمد الشرع، بوفد من الطائفة الدرزية في دمشق. وقالت وكالة الأنباء الرسمية “سانا” إن الشرع اجتمع مع وجهاء وأعيان من الطائفة الدرزية كما نشرت صوراً للقاء، فيما لم يظهر الزعيم الروحي للطائفة الدرزية في السويداء، الشيخ حكمت الهجري، في صور اللقاء.

وعرف من المجتمعين من الوفد الدرزي قائد “تجمع أحرار جبل العرب”، سليمان عبد الباقي، وقائد “حركة رجال الكرامة” ليث البلعوس، أبرز الفصائل العسكرية في السويداء.

وقال الناشط المدني جهاد حرب، وهو من أبناء السويداء، إنه “من المنظور العسكري ـ السياسي، تُعتبر جهود الفصائل المسلحة في السويداء للاندماج في الجيش السوري الجديد خطوة استراتيجية لتعزيز وحدة سورية، خصوصاً في ظل التحديات الأمنية التي تواجهها المناطق الجنوبية”. وأضاف لـ”العربي الجديد” أن “التفاوض مع وزارة الدفاع السورية حول تفاصيل مثل سلم الرواتب والعقيدة العسكرية يُظهر رغبة حقيقية من هذه الفصائل في الانتقال من مرحلة المليشيات المحلية إلى مؤسسة عسكرية مهنية تخضع لسلطة الدولة، لكن هذا المسار يجب أن يرافقه ضمانات بعدم تكرار أخطاء النظام السابق، مثل التهميش الطائفي أو الاستقطاب السياسي”. وتابع: “في المقابل، فإن رفض الفصائل الكبرى للمجلس العسكري في السويداء يؤكد رفضها أي كيانات موازية تهدد الوحدة الوطنية، خصوصاً مع تورط بعض قيادات المجلس في أجندات خارجية، مثل التنسيق مع قوات سوريا الديمقراطية (قسد) التي تُوصف بأنها ذراع أميركية. هنا، يصبح دعم دمشق لهذه الفصائل المندمجة ضرورة لقطع الطريق على المشاريع الانفصالية، وتعزيز الثقة بين المركز والأطراف”.

العربي الجديد

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى