أبحاثسقوط بشار الأسد، الرئيس الفار والمخلوع

عن التدخل الاسرائيلي السافر في سورية الجديدة، ملف تناول “شهية إسرائيلية لتفتيت سوريا”

بعد تهديد نتنياهو لدمشق.. “يديعوت أحرونوت” تكشف تفاصيل المخطط الإسرائيلي

2025.02.25

كشفت صحيفة “يديعوت أحرونوت” عن استراتيجية عسكرية جديدة لإسرائيل تهدف إلى إنشاء نظام دفاعي بري ثلاثي الطبقات لحماية حدودها مع كل من سوريا وقطاع غزة وجنوب لبنان.

تتزامن الخطة الجديدة مع تهديدات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لدمشق بإخلاء منطقة الجنوب السوري من قوات “هيئة تحرير الشام” والجيش السوري الجديد، ونزع السلاح فيها.

ونشرت الصحيفة

، أمس الإثنين، تقريراً مفصلاً عن الاستراتيجية الجديدة، والتي تتضمن إنشاء منظومة دفاعية من ثلاث مستويات، اثنان منها خلف الحدود، تكون “داخل أرض العدو” على حد وصفها، وتتضمن إنشاء قواعد عسكرية وفرض نزع السلاح.

تفاصيل الخطة يعرضها، رون بن يشاي، أبرز خبراء الشؤون الأمنية في “يديعوت أحرونوت”، وهو معروف بصلاته الوثيقة بهيئة أركان الجيش الإسرائيلي.

وأشارت الصحيفة إلى أن إسرائيل شرعت بالفعل في تطبيقها جزئياً، واحتمال اعتمادها في ظل “الفرصة الممكنة” نظراً لعودة دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، وما يعلنه من مشاريع “مثيرة للجدل” لصالح التوسع الإسرائيلي في المنطقة.

ويأتي الحديث عن الخطة في ظل رفض إسرائيل الانسحاب الكامل من قطاع غزة ومن جنوب لبنان، على الرغم من سريان اتفاقي وقف إطلاق النار “هشين” مع بيروت وحماس، وتهديدات نتنياهو الأخيرة ومطالبته بأن تكون المحافظات السورية الجنوبية الثلاث القنيطرة ودرعا والسويداء “منطقة منزوعة السلاح”.

وفقاً للصحيفة، تعد الخطة إحدى الدروس المهمة التي استخلصتها المؤسسة العسكرية الإسرائيلية من هجوم السابع من أكتوبر2023، وتم بلورتها قبل نحو ثلاثة أشهر بالتزامن مع التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار في جنوب لبنان.

وتتضمن الخطة الإسرائيلية الجديدة لحماية الحدود مع سوريا ثلاثة مستويات دفاعية. تبدأ بإنشاء منطقة حدودية عازلة داخل الأراضي الإسرائيلية، تضم مواقع عسكرية وحواجز دفاعية متطورة، تشمل سياجا وجدرانا وأجهزة استشعار، مدعومة بقوات احتياطية ومدفعية ودفاع جوي لحماية المستوطنات القريبة. يلي ذلك نظام دفاع أمامي داخل الأراضي السورية، عبر إقامة نقاط عسكرية ومراقبة في المنطقة العازلة شرق الجولان، بهدف تنفيذ عمليات استباقية ضد أي تهديدات، مع الاعتماد على طائرات مسيّرة ووحدات استطلاع.

أما المستوى الثالث، فهو فرض نزع السلاح في جنوب سوريا، من خلال إخلاء هيئة تحرير الشام والجيش السوري الجديد، ومنع أي وجود للأسلحة الثقيلة والصواريخ، مع السماح فقط بالأسلحة الخفيفة ضمن ترتيبات أمنية محددة.

وتسعى إسرائيل إلى دعم أميركي، خاصة من إدارة ترمب، مع إمكانية التنسيق غير المباشر مع تركيا، واستغلال ملف الدروز في السويداء كذريعة للتدخل. لكن الخطة تواجه عقبات، أبرزها معارضة المجتمع الدولي.

ويترجم موقع “تلفزيون سوريا”التقرير كاملاً، والذي يوضح التغييرات العميقة في العقيدة العسكرية الإسرائيلية بعد السابع من أكتوبر، ومدى تأثيرها على المعادلات الأمنية في المنطقة.

من دروس 7 أكتوبر.. لدى إسرائيل استراتيجية جديدة لحماية الحدود تتكون من ثلاث طبقات

إن فشل السابع من أكتوبر أدى إلى اعتماد استراتيجية جديدة، حتى ضد الدول التي عقدت معها إسرائيل اتفاقيات سلام. وتتضمن الخطة 3 أنظمة دفاعية على حدود قطاع غزة ولبنان وسوريا، مكونة من 3 طبقات: إنشاء مواقع وعوائق عسكرية في الأراضي الإسرائيلية، بهدف السيطرة والمراقبة على الحدود، و”نظام دفاع أمامي” في أراضي العدو، والمطالبة بنزع السلاح من المناطق التي تحمل تهديدات محتملة، وتعتزم إسرائيل إقامة هذه المنظومة على أمل أن تدعمها إدارة ترمب، لكن من غير الواضح كيف سيكون رد فعل الدول الأوروبية، وعلى أي حال، فإن هذه الخطة تتطلب آلاف المقاتلين وميزانيات ضخمة. (مقدمة تلخيصية لصحيفة “يديعوت أحرونوت).

كشف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو فعلياً عن استراتيجية الدفاع الحدودية الجديدة لإسرائيل، عندما قال، في حفل تخريج دورة ضباط، يوم الأحد، بأنه طالب “بإخلاء جنوب سوريا بالكامل من قوات النظام الجديد”.

وتبلورت هذه الاستراتيجية، بشكل فعلي، نهاية العام الماضي، بعد التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار مع لبنان، ولكن نتنياهو أضاف، في خطابه يوم الأحد، القطعة الناقصة إلى لوحة البازل عندما أعلن أنه سيطالب بأن تكون جنوب غرب سوريا، من دمشق جنوبا، منطقة منزوعة السلاح.

وتشكلت هذه الاستراتيجية، بالدرجة الأولى، نتيجة لاستخلاص الدروس المستفادة من إخفاقات ما حدث في السابع من تشرين الأول/أكتوبر، وكان الهدف منها في المقام الأول توفير الأمن لسكان المستوطنات الحدودية في الجنوب، وفي الشمال، وعلى الحدود السورية.

وتميز الاستراتيجية بين الحدود مع الدول التي لدينا سلام معها، أي مصر والأردن، وبين الحدود التي تشكل خطراً مباشراً وتهديداً نشطاً لمواطني دولة إسرائيل، في المستوطنات الحدودية وتلك التي لا تبعد سوى بضعة كيلو مترات عن الحدود.

الاستراتيجية على الحدود التي تشكل خطراً: نظام دفاع بري ثلاثي الطبقات

منطقة حدودية عازلة

على الحدود التي لا تزال تشهد حرباً نشطة أو شبه نشطة، أي على حدود قطاع غزة، وعلى الحدود مع لبنان، وعلى مرتفعات الجولان، سيكون هناك منظومة دفاع برية ثلاثية الطبقات. وستكون أولى طبقات هذه المنظمة الدفاعية داخل الأراضي الإسرائيلية، إنشاء منطقة عزل حدودي تتكون من مواقع عسكرية ثابتة مع حواجز وعوائق برية بما في ذلك سياج و/أو جدار، وأجهزة استشعار مختلفة لمراقبة الحدود، فضلاً عن إنشاء شبكة من طرق إمداد سريعة، وتضم قوات الاحتياط، ومعدات من الدفاع الجوي والمدفعية. ومن المفترض أن تكون هذه الطبقة من النقاط والحواجز العسكرية بمثابة منطقة عازلة بين المستوطنات الحدودية والقرى الشيعية ومراكز التجنيد المحتملة لحزب الله في جنوب لبنان.

وفي قطاع غزة، ستكون هناك منظومة ذات خصائص مشابهة، تكون حاجزاً بين أراضي القطاع ومستوطنات غلاف غزة، ولكن سيتم استبدال معسكرات القوات على الحدود بمواقع عسكرية حصينة قادرة على حماية محيطها والتصدي لمحاولات الاقتحام، وتمتع بجاهزية حتى من دون أي تحذير استخباراتي.

أما على الحدود مع سوريا، هناك بالفعل منطقة عازلة مكونة من مواقع ومعوقات عسكرية مع مرتفعات الجولان السورية، وهناك مواقع دفاعية مأهولة تقع داخل الأراضي الإسرائيلية.

إنشاء مواقع عسكرية خلف الحدود

في حين، ستكون الطبقة الثانية من المنظومة الدفاعية داخل أرض العدو، في كل المناطق الحدودية الثلاث، وستكون جزءا من “الدفاع الأمامي أو المتقدم” بهدف التصدي للتهديدات قبل حدوثها، تشبه تلك التي كانت قائمة في المنطقة الأمنية في جنوب لبنان، منذ عام 1984 حتى انسحاب الجيش الإسرائيلي وجيش لبنان الجنوبي (جيش لحد) في أيار/مايو 2000.

في قطاع غزة هذا يعني أن وجوداً للجيش الإسرائيلي، بطريقة أو بأخرى، في المنطقة الأمنية الحدودية ​​(الشريط الأمني) الذي يقع داخل أراضي القطاع. ولكن لا يزال من غير الواضح مدى عمق هذه المنطقة العازلة وحجم انتشار الجيش فيها، والتي تهدف إلى منع الفلسطينيين من الاقتراب من السياج. هذا أمر متروك لمفاوضات المرحلة الثانية من صفقة تبادل الأسرى الحالية، والتي ستناقش بشكل أساسي الترتيبات الأمنية في المنطقة الأمنية، والتي تعد منطقة دفاع أمامية. وكانت إسرائيل قد أوضحت بالفعل أنها ستطالب بحقها في العمل ضمن هذه المنطقة الأمنية، سواء كان ذلك عبر وجود دائم، أو من خلال الدوريات البرية، والطلعات الجوية، وما شابه ذلك.

في لبنان، تطبق إسرائيل عملياً الآن نظام دفاعي أمامي داخل الأراضي اللبنانية من خلال 5 نقاط متقدمة على طول الحدود تقع في مناطق خاضعة لسيطرتها. وفيها قوى فصائلية، وتقول إسرائيل إنها ستنسحب من هذه المواقع مع زوال خطر التهديدات الأمنية من جنوبي لبنان إلى الأراضي الإسرائيلية.

وفي مرتفعات الجولان، قوات الجيش الإسرائيلي التي دخلت المنطقة العازلة واستعدت للبقاء فيها بشكل مؤقت تواصل توفير مهمة الخط الدفاعي الأمامي لمستوطنات مرتفعات الجولان ولسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان. والجدير بالذكر تقع المنطقة العازلة شرقي الحدود مع إسرائيل، وهي مصممة لتكون خالية من أي وجود عسكري، إسرائيلي أو سوري، وتشكل حاجزاً جغرافياً برياً بين السوريين وبيننا، لن يتجاوزه إلا من كانت لديه نوايا هجومية.

أنشئت هذه المنطقة العازلة في اتفاقيات وقف إطلاق النار مع سوريا عام 1974، والآن، بعد الإطاحة بنظام بشار الأسد على يد منظمة هيئة تحرير الشام الجهادية “HTC”، سارعت إسرائيل إلى دخول المنطقة العازلة والاستيلاء عليها بهدف إنشاء نظام دفاع أمامي لحماية المستوطنات في مرتفعات الجولان لم يكن موجوداً من قبل.

إن هذه الطبقة (الثانية)، كما هو الحال في لبنان، تتكون في المقام الأول من نقاط مراقبة في مواقع خاضعة للسيطرة الإسرائيلية وتقع في نطاق عمل الدوريات العسكرية، ولكن على عكس جنوبي لبنان، فإن الجيش الإسرائيلي في هذه المنطقة لديه اتصالات مع السكان، كما أن الوجود على قمة جبل الشيخ السوري له قيمة استخباراتية وعملياتية مهمة.

الجديد.. نزع السلاح

أما الطبقة الثالثة، هي الابتكار الحقيقي، وتتمثل بالعمل على نزع السلاح من المناطق التي تشكل تهديداً لإسرائيل.

ففي قطاع غزة، أعلن رئيس الوزراء نتنياهو أن أي تسوية لإنهاء الحرب يجب أن تشمل ليس فقط إعادة الرهائن الإسرائيليين والقضاء على الحكم المدني والعسكري لحماس، بل يجب أيضاً نزع السلاح من القطاع.

“نزع السلاح” هو مصطلح عام، ويختلف من منطقة إلى أخرى حسب الترتيبات الأمنية لنزع السلاح، إما أنه لن يكون هناك أي أسلحة على الإطلاق أو السماح بالأسلحة الخفيفة مثل الأسلحة الشخصية وبنادق الكلاشينكوف والمسدسات، وربما حتى الرشاشات التي تستخدمها الشرطة لتطبيق القانون، ولكن الأسلحة الهجومية مثل القذائف والصواريخ أرض – أرض وقذائف الهاون والصواريخ المضادة للدبابات وقاذفات آر بي جي، وبالطبع المركبات القتالية المدرعة مثل الدبابات وناقلات الجنود المدرعة أو السفن الحربية والقوارب والطائرات من دون طيار، وما إلى ذلك، ستكون محظورة كل الأسلحة التي يمكن إطلاقها فعلياً إلى الأراضي الإسرائيلية وتسبب لنا إصابات.

في إطار اتفاقيات السلام مع مصر، واتفاقية “فض الاشتباك” مع سوريا في 1974، تم تقييد انتشار القوات والسلاح في المناطق التي خضعت للترتيبات الأمنية وقتها، أي أنه مسموح بوجود الدبابات حتى عدد معين، ويحظر تحليق الطائرات المقاتلة، ويحظر وجود المدافع وقذائف الهاون فوق عيار معين، وهكذا. وبالتالي فإن قضية نزع السلاح قضية قابلة للتفاوض ومعقدة، وعندما نتحدث عن نزع السلاح فإن الشيطان يكمن في التفاصيل.

وتنطبق القاعدة نفسها أيضاً على جنوبي لبنان. في واقع الأمر، تطالب إسرائيل بأن تكون منطقة جنوبي لبنان، من الليطاني جنوباً وشرقاً، خالية من الصواريخ والقذائف من كل الأنواع: الصواريخ المضادة للدبابات، وطائرات من دون طيار، وقذائف هاون، وطائرات من دون طيار كبيرة الحجم. وبطبيعة الحال، تطالب إسرائيل أيضاً بعدم السماح لعناصر حزب الله بالتجول مسلحين في المنطقة الواقعة جنوبي الليطاني، حتى ولو بأسلحة خفيفة. ومن المفترض أن يقوم الجيش اللبناني بتنفيذ هذا الأمر، وفي حال فشل في مهمته سيتكفل الجيش الإسرائيلي بتنفيذها. ولكن في لبنان يعمل الجيش الإسرائيلي على مسافات بعيدة عن الحدود داخل العمق اللبناني، تصل لأكثر من 100 كيلومتر، بحيث يصبح لبنان منزوع السلاح من الصواريخ والقذائف الثقيلة والدقيقة بشكل خاص، والتي يمكن أن تلحق أضراراً كبيرة في العمق الإسرائيلي.

وفي سوريا، قال رئيس الوزراء صراحة أنه يطالب بنزع السلاح في هضبة الجولان السورية من الحدود مع الأردن جنوباً إلى منطقة السويداء شرقاً، المعروفة لدينا بجبل الدروز. في هذه المنطقة، يطالب نتنياهو بإخلائها من قوات المنظمة الجهادية التي تسيطر على سوريا في الوقت الراهن، والتي هي في الأساس نموذج أكثر حداثة من تنظيم القاعدة، وإخلاء ما يسمى “الجيش السوري الجديد”، والذي هو في الأساس أعضاء في نفس التحالف من المنظمات الإسلامية المسلحة التي انضمت إلى هيئة تحرير الشام وزعيمها أحمد الشرع “الجولاني”.

وتحاول هيئة تحرير الشام الآن إقناع العالم بأنها، على الرغم من كونها منظمة إسلامية، تسعى إلى السلام وإقامة علاقات جيدة مع دول الجوار والعالم بشكل عام. والشرع الذي استبدل ملابسه العسكرية المموهة ببدلة وربطة عنق، يحاول الآن إقناع العالم بأن كل اهتمامه منصب على إعادة بناء سوريا من أنقاض الحرب الأهلية، والقضاء على إرث الحكم الاستبدادي لعائلة الأسد والأقلية العلوية. ويؤكد صراحة أنه يريد علاقات جوار خالية من العنف مع إسرائيل، لكنه لا يتحدث عن السلام (التطبيع).

الخوف من النزعة الجهادية

تهيمن تركيا على خلفية الأحداث في سوريا، فالأتراك هم الداعمون الرئيسيون للجولاني وجماعته، ولكنهم لا يسيطرون عليهم. وتخشى إسرائيل من ظهور متلازمة “القط ذو الحذاء” في سوريا، وهذا يعني أنه لن يكون بعيداً اليوم الذي يعود فيه الجهاديون، الذين ارتدوا البدلات وتحدثوا باسم دولة محبة للسلام، إلى كونهم قوة جهادية إسلامية تحت ستار “الجيش السوري الجديد” على حدودنا.

علاوة على ذلك، هم يهددون أبناء الطائفة الدرزية الذين يقطنون في منطقة السويداء، ويشعر إخوانهم في إسرائيل بالقلق مما سيحدث في المستقبل. في الوقت الحالي يحاول أحمد الشرع تهدئة الدروز وضمهم إلى نظامه، ولكن بما أنهم أقلية تختلف عن التنظيمات السلفية التي تشكل هيئة تحرير الشام، فإن الدروز مهددون، ولإسرائيل مصلحة في حمايتهم. ولذلك، أوضح نتنياهو في كلمته في حفل تخريج دورة ضباط أن إسرائيل تطالب بإجلاء المنطقة في جنوبي دمشق، والتي تضم القنيطرة ودرعا الحدوديتين مع إسرائيل والسويداء التي تقع شرقهما وفيها يعيش الدروز، من عناصر هيئة تحرير الشام أو الجيش السوري الجديد، فهي سيدة جهادية بلباس حديث.

عندما سألتُ عن معنى الحظر المفروض على دخول الجيش السوري الحر وأعضاء هيئة تحرير الشام إلى المنطقة الواقعة جنوب دمشق، أوضح لي مسؤول أمني كبير أن إسرائيل تريد في الواقع نزع السلاح من هذه المنطقة، ولكن ليس فقط من وجود الأسلحة الثقيلة والصواريخ والقذائف والطائرات من دون طيار، ولكن بشكل أساسي من وجود الإسلاميين، الذين قد يحاولون تنفيذ هجوم على الحدود السورية على غرار هجوم 7 أكتوبر المميت.

في الواقع، يهدف مفهوم الدفاع ثلاثي الطبقات هذا إلى حماية إسرائيل من الإسلام المتطرف في قطاع غزة وجنوبي لبنان، وكذلك في سوريا. والتهديد المحتمل لإسرائيل في كل هذه المناطق هم الجهاديون الشيعة والسنة، وتعتقد إسرائيل أنهم سيظلون يشكلون خطراً حتى بعد تسويات “اليوم التالي” في سوريا ولبنان وقطاع غزة. ستواصل إيران الشيعية دعم الميليشيات التي قد تأتي إلينا بسرعة من الأراضي العراقية، وقد تدعم تركيا الميليشيات الجهادية لهيئة تحرير الشام. التي ستأتي إلينا من وسط سوريا وشمالها، ولا داعي للحديث عن حماس في غزة.

ومن المفترض أن توفر هذه الطبقات الثلاث من الدفاع لسكان شمالي وجنوبي وشرقي إسرائيل الحماية من شكلين من الهجوم: الهجوم البري أو التسلل إلى داخل الأراضي الإسرائيلية، والقصف المباشر، كما كانت الحال في الجبهة الشمالية وإلى حد ما في منطقة غلاف غزة.

ولكن عملياً، يعتمد مفهوم حماية الحدود على طبقة رابعة، وهي القدرات الاستخباراتية والجوية لدولة إسرائيل. ومن أبرز دروس السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 جاهزية القوات الجوية ويجب أن تكون حاضرة في الميدان، وأن تكون جزءا لا يتجزأ من الدفاع الحدودي الجديد.

ما فرص تنفيذ هذه الاستراتيجية؟

من المؤكد أن هذه الاستراتيجية تتمتع بمزايا أمنية وعسكرية واضحة، ولكن السؤال المهم هل سيتم تنفيذها، ومتى؟

في سوريا، على سبيل المثال، أوضحت إسرائيل للأتراك والحكام الجدد في دمشق، عبر وسطاء، أنها لا تنوي البقاء بشكل دائم في المنطقة العازلة والحفاظ على دفاع أمامي هناك إذا كانت هناك ترتيبات أمنية دائمة، والتي قد تضمنها تركيا أيضاً.

وفي لبنان، في الواقع، من المفترض ألا يكون النظام الدفاعي الحالي موجوداً، وتقول إسرائيل إنها ستزيل مراكز السيطرة والمراقبة، إذا تبين أن الجيش اللبناني سيطر بالفعل بشكل فعال ومستمر وكامل على المنطقة الواقعة جنوبي الليطاني.

مطلب إسرائيل الأساسي هو تفكيك حزب الله ونزع سلاحه بشكل كامل، على الأقل جنوبي الليطاني، ولكنها ترغب قي تطبيق استراتيجية حماية الحدود، وهي تملك الفرصة لتحقيق ذلك، ولكن عقدة الحل لدى إدارة ترمب.

على خلاف عهد إدارة بايدن أو أوباما، لم يكن لدى إسرائيل أي احتمال لعرض هذه الرؤية العسكرية على الإدارة الأميركية، ولكن في عهد ترمب، فإن الفرصة ممكنة.

“حدود السلام”.. الرؤية الدفاعية على الحدود مع مصر والأردن

لن تكتمل صورة مفهوم حماية الحدود من دون توضيح ما سيحدث على الحدود مع مصر والأردن، على الرغم من وجود اتفاقيات سلام مع القاهرة وعمان، فإن لدى إسرائيل نية في زيادة نشر أنظمة دفاعية مادية مع “حدود السلام” أيضاً، تشمل إنشاء مواقع عسكرية وحواجز “سياج أو جدار فولاذي”، ووسائل المراقبة وجمع المعلومات الاستخبارية من جميع الأنواع. الدفاع عن هذه الحدود سيتم داخل أراضينا، وعلى الحدود الشرقية، أي مع الأردن بالأساس، سيتم إنشاء فرقة “جلعاد”. وسيكون دورها الرئيسي في الوقت الحاضر منع التهريب من الحدود الأردنية، التي أصبحت تشكل الصداع الرئيسي في الضفة الغربية، لكن هذه الفرقة ستكون مستعدة أيضاً لاحتمال التهديدات البرية من الشرق.

وحتى على الحدود المصرية، التي هي أقصر من الحدود الأردنية، ستكون هناك حماية مختلفة لنفس الأهداف بالضبط، رغم أن شبه جزيرة سيناء على الحدود المصرية توفر تحذيراً وعمقاً استراتيجياً أفضل من الحدود الأردنية، المعرضة للتسلل من محور المقاومة الشيعية من الشرق.

التكاليف

إن منظومة الدفاع الحدودية الجديدة، إذا نجحت إسرائيل في إنشائها بدعم من الحكومة الأميركية في الجبهات الثلاث، سوف توفر حماية جيدة للمستوطنات الحدودية وتلك القريبة من الحدود، ولكنها ستكون باهظة الثمن. وسوف يتطلب هذا التشكيل ما لا يقل عن 7 أو 9 ألوية مشاة ومدرعات تكون متمركزة بشكل دائم على الحدود، وكمية هائلة من الوسائل التكنولوجية وأجهزة الاستشعار وبطاريات الاعتراض والطائرات من دون طيار، فضلاً عن قوة جوية مجهزة خصيصاً لمهام الدفاع عن الحدود، ومنع التسلل، والتعامل بسرعة مع الهجمات غير المتوقعة على الأراضي الإسرائيلية أو الاقتراب منها.

وتتطلب ما لا يقل عن 10 آلاف مقاتل ومقاتلة، فضلاً عن ميزانية مالية كبيرة للغاية. ويجب أن نأخذ في عين الاعتبار أيضاً أن نظام حماية الحدود هذا لن يحظى بشكل تلقائي على الشرعية الدولية من العالم أجمع، وحتى لو دعم ترمب إنشائه، ومن غير المؤكد أن تمنح الدول الأوروبية والصين وروسيا وتركيا الشرعية لإسرائيل لنشر هذا النظام.

وأخيرا، فإن منظومة الدفاع الأمامي سوف تنكشف وستصبح بعد فترة زمنية معينة هدفا لهجمات من قبل حزب الله أو المسلحين من قطاع غزة، سواء كانوا من حماس أو مجموعات مسلحة أخرى، وسوف يحدث الشيء نفسه في مرتفعات الجولان. إن نقاط المراقبة والسيطرة في لبنان، والشريط الأمني ​​في قطاع غزة، وربما قد نواجه في هضبة الجولان السورية أيضاً حرب عصابات ومجموعات إرهابية، على غرار ما حدث في الشريط الأمني ​​في جنوبي لبنان. ولذلك، يتعين على إسرائيل أن تستكمل أنظمة دفاعها البرية مع الاحتفاظ بجاهزية قدراتها الجوية، إلى حين التوصل إلى اتفاقيات وترتيبات نهائية.

——————————-

حين تتدخل إسرائيل في تحديد مستقبل سوريا/ بكر صدقي

تحديث 27 شباط 2025

كان لافتاً تزامن الاعتداءات الإسرائيلية الأحدث على جنوب سوريا، وصولاً إلى نقاط قريبة من العاصمة دمشق، مع انعقاد مؤتمر الحوار الوطني في قصر الشعب، وهو المؤتمر الذي من المفترض أن يساهم في تحديد مستقبل الكيان السوري. وكأن حكومة نتانياهو المتطرفة تعلن بذلك نيتها في الحصول على حصة لها في تركة نظام الأسد.

فمن المعروف أن نظام الأسد قد لعب دور الحراسة لأمن الحدود الإسرائيلية منذ اتفاقية فض الاشتباك في العام 1974، وحين فقد هذا الدور بعد استجلابه للميليشيات الإيرانية، أثناء قمعه للثورة السورية، فقد حصانته أمام الطيران الإسرائيلي الذي لم يتوقف عن استهداف الأراضي السورية منذ العام 2012، وارتفعت وتيرة تلك الاستهدافات منذ عملية طوفان الأقصى في 7/10/2023. أما بعد فرار بشار الأسد في 8/12/2024 فقد توغلت القوات الإسرائيلية داخل المنطقة منزوعة السلاح وضربت كل ما بقي من قدرات تسليحية لسوريا. وبلغت الوقاحة بنتانياهو أنه طلب إخلاء كل منطقة الجنوب السوري من القوات العسكرية، في سابقة خطيرة من التدخل في أمن دولة ذات سيادة. وفي ذلك محاولة لإذلال السوريين وإدارتهم الجديدة التي سيطرت على السلطة بعد سقوط نظام الأسد.

يحدث هذا في الوقت الذي تواجه فيه سوريا تحديات هائلة لا تقل عن إعادة تشكيل الكيان السوري دولةً ومجتمعاً واقتصاداً وسياسة وعلى جميع الأصعدة بلا استثناء، وإعادة تعريف سوريا بمعنى جديد يتجاوز به معنى «سوريا الأسد» بكل حمولته الفظيعة كنظام سلالي إجرامي استعماري و«أبدي» حبس السوريين في حاضر بلا مستقبل.

وكان أمل قطاعات واسعة من السوريين أن يشكل «مؤتمر الحوار الوطني» نوعاً من مؤتمر وطني تأسيسي يضع دستوراً عصرياً لسوريا يكون من شأنه تحديد العلاقة بين السلطة والمجتمع، وبين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية المتمايزة والمستقلة، وشكل الدولة، ونظاماً لتداول السلطة كما يليق بجمهورية، وتنبثق منه قوانين لتنظيم الحياة السياسية، ويكرس الحريات العامة والفردية إلى آخر ما هنالك من أعمدة الدولة الديمقراطية الحديثة. غير أن الطريقة التي تم بها تشكيل المؤتمر واللجنة التحضيرية التي دعت إليه كانت مخيبة للآمال، سواء بسبب الاستعجال أو عدم وضوح معايير المدعوين أو الفترة القصيرة جداً التي استغرقتها «أعمال» المؤتمر، وقبل كل ذلك إقصاء المكون الكردي ومقاطعة المكون الدرزي عبر تعبيراتهما السياسية المعروفة.

صحيح أن المؤتمر ليس السياق المناسب لتمثيل «المكونات» الاثنية أو الطائفية أو الجهوية، بيد أن هذه معطيات واقعية لا يمكن تجاوزها بدعوى التركيز على المواطنة المتساوية التي تحتاج سوريا إلى زمن يطول أو يقصر لتكريسها. فبهذا الإقصاء إنما يتعمق فقدان الثقة بدلاً من العمل على تعزيزها في الطريق نحو مفهوم المواطنة التي هي حلم لجميع السوريين ينبغي العمل على تحقيقه.

تزداد أهمية النقطة الأخيرة بالنظر إلى الشق الثاني من التصريحات الإسرائيلية التي رافقت قصفها لجنوب دمشق، عنيت به زعمها حماية الدروز في سوريا، وحديث وزير خارجية إسرائيل عن وجوب إقامة نظام فيدرالي يتضمن مناطق حكم ذاتي! كان رد السوريين على هذه التصريحات الوقحة بتنظيم مظاهرات شعبية في مختلف المدن والبلدات رفضاً لها ولتوغل إسرائيل في الجنوب. على أهمية هذه المظاهرات لتعبيرها عن إرادة السوريين فهي غير كافية وحدها، بل يكون الرد الحاسم على وقاحة إسرائيل من خلال دولة تحتضن كل مواطنيها، لا تستبعد أحداً بصرف النظر عن انتماءاته الصغرى، دولة تعترف بتعددية المجتمع القومية والدينية والمذهبية والثقافية وتكون على مسافة واحدة منها جميعاً.

والحال أن موضوع المكون الكردي أكثر تعقيداً من مجرد التمثيل أو الإقصاء من مؤتمر الحوار الوطني، إذ تتقاطع فيه مشكلات وجود فصيل مسلح (قسد) يسيطر على نحو ربع الأراضي السورية بما فيها من ثروات نفط وزراعة، وتداخل إقليمي مع تركيا، وأحزاب سياسية كردية من خارج قسد. وثمة مفاوضات بين قسد والإدارة في دمشق لتفكيك هذه العقدة بالطرق السلمية، لم تصل إلى نتائج نهائية بعد لارتباطها بمشكلة تركيا الكردية التي من المفترض أن هناك مسعى لحلها سياسياً يتقدم ببطء، إضافة إلى وجود فاعلَين دوليين هما واشنطن وباريس. ولم تحدد إدارة ترامب إلى الآن سياسة واضحة تجاه سوريا من شأنها أن تؤثر على التفاعلات الإقليمية والمحلية.

بصورة معاكسة على طول الخط لسوريا في ظل النظام المخلوع، حفلت الأسابيع الماضية بانفتاح دبلوماسي على الإدارة الجديدة عربياً وإقليمياً ودولياً، وكأن كل التحفظات على الماضي الجهادي للفريق الحاكم قد انهارت. الآن يبدو أن هذا الزخم سيبدأ بالانحسار وكأنه لم يتجاوز جانبه الإعلامي. ذلك أن كل النوايا الطيبة التي عبرت عنها الدول التي دخلت في علاقة تماس مع الإدارة الجديدة لم تترجم بعد إلى وقائع، وكأنها جميعاً بانتظار تحول «الأقوال إلى أفعال» أي مضي السلطة في عملية سياسية تتسق مع مطالب تلك الدول. وهذا ما بدأت السلطة به، بطريقتها، من خلال عقد المؤتمر المذكور، ومن المتوقع أن يليه تشكيل حكومة انتقالية تكون بـ«تمثيل شامل» في الأول من شهر آذار/مارس. عسى أن يتم تلافي الصورة المنقوصة التي ظهر فيها المؤتمر.

كاتب سوري

القدس العربي

——————————

سياسة الضعفاء: سوريا الجديدة وإسرائيل الاستعمارية القديمة/ ياسين الحاج صالح

تحديث 27 شباط 2025

في تصريح استعماري نموذجي، قال بنيامين نتنياهو إن إسرائيل «لن تسمح بانتشار قوات هيئة تحرير الشام أو الجيش السوري الجديد جنوب دمشق» المنطقة التي تشمل محافظات درعا والسويداء والقنيطرة التي قال كذلك إنه يريدها أن تكون منزوعة السلاح. رئيس الوزراء الإسرائيلي أضاف إن إسرائيل لن تتسامح مع أي تهديد لمجتمع الدروز في جنوب سوريا». الإدارة الجديدة تركت التعليق على هذه البلطجة للسيدة هدى الأتاسي، واحدة من سبعة أعضاء في اللجنة التحضيرية لمؤتمر الحوار الوطني في سورية. فكان أن أدرج في البيان الختامي لمؤتمر الحوار الوطني السوري بند حول تصريح نتنياهو، لا هو مما يحتمله سياق البيان، ولا هو ينم عن تقدير خطورة مضمون ذلك التصريح. ولعل في ذلك ما يشير إلى قلة الحيلة، أكثر مما يشير إلى قلة الوسيلة، أو ببساطة إلى غفلة عن الواقع وسوء تقدير، أكثر مما يشير إلى الضعف العسكري السوري المعلوم.

الضعيف عسكرياً لا يمكن أن يكون قويا سياسياً، هذا مفهوم، وهو مفهوم أكثر إن كان كذلك ضعيفاً على كل مستوى آخر، تثقل كاهله تركة باهظة. لكن الضعيف يمكن أن يلجأ إلى سياسة الضعفاء التي تعمل على كسب الصراعات أو عدم خسارتها بالاستناد إلى وسائل القانون الدولي، ومحاولة كسب الرأي العام في الإقليم والعالم، و«القوة الناعمة» الفكرية والسياسية والأخلاقية، وقبل كل شيء بتحويل ملكية البلد من الحكم الأسدي إلى الضعفاء من عموم السوريين، على نحو يوسع قاعدة المسؤولية عن المصير الوطني. ليس المطلوب بحال تصريحات عنترية من الفريق الحاكم الجديد، ولا التهديد الطقسي بالرد في الزمان والمكان المناسبين، ولا «التكويع» نحو خطاب الممانعة الذي كان ذريعة مشرعة لتدمير البلد من قبل الحكم الأسدي وحماته. المطلوب والممكن بالأحرى التزام سياسية الضعفاء بصورة متسقة، على نحو يتوافق مع وضع سورية الفعلي، ويقطع مع سياسة قوة لا سند لها.

وأول أركان سياسية الضعفاء عدم الانجرار إلى مواجهة مسلحة، هي مما لا يحتاج الحكم الجديد في سورية إلى نصيحة بشأنها على كل حال. من الآن ولسنوات طويلة قادمة سورية لا تستطيع الدفاع عن نفسها عسكرياً في مواجهة أي جيران أقوياء. لا ينبغي التكتم على ذلك، فهو معلوم للجميع، الأعداء قبل الأصدقاء. ولكن الضعيف الذي لا يستطيع الدفاع عن نفسه، يستطيع إدانة الاعتداء عليه، وتسميته باسمه: عدوان غير مبرر وغير مسبوق باستفزاز. بل هو أسوأ: تلاعب استعماري ببنية المجتمع السوري من قِبَل قوة قومية إثنية ارتكبت للتو جريمة الجينوسايد في غزة.

في المقام الثاني محاولة الاستفادة مما يتيحه القانون الدولي والمؤسسات الدولية من حماية. القانون الدولي يعتبر مرتفعات الجولان أرضا سورية محتلة، ومن باب أولى التوسعات الإسرائيلية الأخيرة، وإن لم تُبلّغ الأمم المتحدة بشأنها فيما يبدو. يشعر المرء بالحرج والسخف وهو يدعو إلى تقديم شكوى موثقة إلى الأمم المتحدة حول اعتداءات إسرائيل على المجتمع السوري والتراب السوري منذ اليوم الأول لسقوط الحكم الأسدي، إذ أن ذلك لا يحتاج إلى نباهة خاصة، ولا يصعب القيام به. ربما يقال إن اللجوء للأمم المتحدة ليس بالشأن المهم، فهناك قرارات من الأمم المتحدة ومن مجلس الأمن حول فلسطين والصراع العربي الإسرائيلي، لم تجد سبيلها إلى التنفيذ. هذا صحيح فقط إن كان ينتظر من الأمم أن تعيد لنا الحقوق وتردع المعتدي، لكنه خاطئ إن فهم اللجوء إلى الأمم المتحدة كمسعى رديف يلتمس حماية القانون الدولي لبلد ضعيف، خرج لتوه من حرب طويلة ولا يكاد يقف على رجليه. ومن المساعي الرديفة كذلك مخاطبة الجامعة العربية وربما دعوة مجلسها إلى اجتماع عاجل، وذلك التماساً للدعم الدبلوماسي والإعلامي من الدول العربية، وربما مساعدات اقتصادية هي بالغة الأهمية اليوم.

أما المسعى الأكثر إلحاحاً فيتجه نحو الجنوب السوري، نحو ترتيب العلاقة مع المحافظات المعنية على أسس تضمن التمثيل العادل والشراكة الوطنية، واحترام الخصوصيات المحتملة. ليس مواطنو السويداء ودرعا والقنيطرة هم من يتعين أن يردوا على نتنياهو، بل الفريق الحاكم الحالي. وسيكون أمراً طيباً أن يبادر مواطنو الجنوب السوري إلى الاحتجاج على البلطجة الإسرائيلية، لكن يجب أن يكون ظهرهم مسنوداً من قبل شاغلي موقع السيادة في بلدهم. ما تقوم به إسرائيل هو اعتداء على السيادة السورية، ومن يشغل موقع السيادة هو الفريق الحاكم الجديد، وهو من يتعين عليه الرد.

ويبقى أن الأساس في سياسة الضعفاء هو أن يساعد الضعفاء أنفسهم، أن يعتنوا بتعافي مجتمعهم وتوفير بيئة أنسب لتطوره السياسي والاقتصادي والاجتماعي، والتعليمي، والحقوقي والأمني. في هذا الشأن يبدو مؤتمر الحوار الوطني الذي انتهى يوماه قبل نشر هذه المقالة بيومين بمثابة فرصة ضائعة، محاولة لتلفيق شرعية مؤسسية دون أدنى تفويض للسلطة إلى المشاركين في الحوار، أو حتى لجنة السبعة التي وقع عليها أن «تُلهْوِج» جلساته التمهيدية كيفما اتفق. هنا تعجل غير مفهوم من قبل من يتكلمون على مرحلة انتقالية تدوم ثلاث سنوات أو أربع أو خمس. وهو في فوقيته وانعدام شفافيته نقيض سياسة الضعفاء التي يفترض أن تعمل على تقوية المجتمع السوري لا على تركه مبلبلاً في الظلام لا يعرف ماذا يجري. بنود البيان التي قرأتها السيدة الأتاسي تبدو مسبقة الإعداد ولا تتضمن تعهدات ملزمة، أقرب إلى تعبيرات من السلطة عن نياتها الحسنة منها إلى تعبيرات من ممثلي المجتمع عما يتطلعون إليه.

سورية الجديدة في حاجة إلى أن تظهر وعيها بوضعها وتطلب من العالم، من القريب والبعيد، المساعدة في التعافي. كان يمكن قول أشياء مهمة عما عاناه السوريون وعما عاشوه طوال 54 عاماً، كان يمكن إيراد عناصر أساسية في وصف الحال اليوم، من نصف مليون من الضحايا على الأقل، إلى سبع ملايين مهجر خارج البلد (نحو 30 في المئة من السوريين) إلى 113 ألفاً من مجهولي المصير… إلى ثلاث ساعات فقط من الكهرباء في اليوم في العاصمة، وطلب العون من العالم والحماية من القانون الدولي، بخاصة في وجه دولة شبيحة، وضعت نفسها في استمرار مع الحكم الأسدي، فاحتلت أراض سورية جديدة ودمرت مقدرات عسكرية سورية في اللحظة التي لم يعد بشار الأسد قادراً على فعل ذلك. لم يحدث للأسف.

ما يريده نتنياهو هو دفع البلد نحو حرب أهلية دائمة وإبقاء سورية منقسمة ضعيفة. كان بشار الأسد جيداً لإسرائيل لأنه كان إداري حرب أهلية لا تنتهي، ترك سورية منقسمة ضعيفة، بل كان إداري إبادة، تماماً مثل نتنياهو ودولته حيال فلسطين وشعبها. وما يقطع الطريق على نتنياهو وعلى الحرب الأهلية معاً هو سياسة ضعفاء بصيرة وجسورة. سياسة الضعفاء ليست سياسة ضعيفة، مستكينة أو خانعة، بل يمكنها أن تكون سياسة نشطة وديناميكية، تخاطب دوائر أوسع من جمهور عالمي مستاء من التشبيح الإسرائيلي والأمريكي، وتوسع من دائرة الشركاء والحلفاء، لكنها قبل كل شيء تخاطب السوريين كمالكين لبلدهم ودولتهم، يحترمونها ويدافعون عنها. سياسة الضعفاء ليست مطلوبة في مواجهة الأقوياء الخارجيين حصراً، فمحتواها الإيجابي هو الاستثمار في الحقوق والحريات والطاقات الاجتماعية، طاقات ملايين السوريين من النساء والرجال للنهوض بحياتهم المشتركة وببلدهم. سياسة الضعفاء هي السياسة التي تتمحور حول ضعف السوريين الفعلي، لكنها تعمل على تقويتهم.

كاتب سوري

القدس العربي

——————————-

شهية إسرائيلية لتفتيت سوريا: “ممر داوود” ومواجهة تركيا/ منير الربيع

الخميس 2025/02/27

تضع إسرائيل عينها على دمشق. يتناقل بالتواتر كلام منسوب لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يقول فيه: “نتلاقى في دمشق”. من غير المعروف إذا ما كان يقصد الكلام بحرفيته، بمعنى أن التوغل الإسرائيلي في الجنوب السوري سيصل إلى العاصمة وحدودها، أم أنه يقصد النتيجة السياسية للتوغل العسكري الإسرائيلي في جنوب سوريا. يتقدم نتنياهو إلى مشروعه مدعوماً من الولايات المتحدة الأميركية، ولا يجد أي طرف في مواجهته. هو عملياً نجح حتى الآن في كسر كل موازين القوى على مستوى المنطقة، وينطلق من خلفية أن إسرائيل ذات مساحة صغيرة لا بد من توسيعها، وهي الكلمة المفتاحية التي قالها الرئيس الأميركي دونالد ترامب. هذه الـ”إسرائيل الصغيرة”، والتي تتركز المساعي الاميركية لتكبيرها، ليس لها إلا طريقان، إما توسيع مساحتها الجغرافية من خلال تهجير الفلسطينيين من غزة والضفة، والتوغل أكثر في سوريا ولبنان وضم مساحات. وإما أن تُصبح الدول المجاورة لها كيانات صغيرة، فتصبح إسرائيل هي الدول الأكبر فيما بينها.

مشروع التوسع

تعبّر إسرائيل بوضوح عن نواياها ومشروعها، من كلام نتنياهو في السرّ والعلن، إلى كلام غيره من المسؤولين الإسرائيليين الذين يتحدثون عن الفيدرالية في سوريا، أو عن إقامة دويلات أو تكريس مناطق ذات حكم ذاتي. وهي تُقرن القول بالفعل، من خلال العمليات العسكرية التي تشنّها إما جوياً أو برياً أو عبر زيادة منسوب التوغل في الأراضي السورية. أما سياسياً، فهي تستكمل المشروع من خلال تزكية كل أشكال الصراع أو الفرقة أو الانقسام والتشرذم داخل المجتمع السوري، فتلعب لعبة تضارب المصالح والاتجاهات لدى المكونات المختلفة، ولا سيما الأكراد، الدروز، والعلويين. هذا مشروع يُفترض أن يضع إسرائيل في مواجهة استراتيجية مع دول عديدة في المنطقة، وخصوصاً مع الدول العربية، ومع تركيا، بعد إقدام إسرائيل على توجيه ضربة للمشروع الإيراني.

تبرز ملامح المشروع الإسرائيلي في الجنوب السوري، انطلاقاً من العمليات المكثفة التي تجري، ربطاً بالمواقف التي تصدر في عدم تحويل جنوب سوريا إلى منطقة مشابهة لجنوب لبنان، أي أن لا تكون منطلقاً لتنفيذ عمليات عسكرية ضد إسرائيل. في الموازاة، تأتي المواقف الإسرائيلية التي تتحدث عن حماية الدروز أو الأكراد، بشكل يسهم في ضرب أي “وحدة وطنية سورية”. وهو ما تسعى إليه تل أبيب من خلال استخدام القوة العسكرية، والإغراءات السياسية أو المالية. فسياسياً، أصبح واضحاً أن تل أبيب تسعى إلى دعم مشاريع “الإدارة الذاتية” في المناطق المختلفة، ولا سيما لدى الدروز والأكراد، ولاحقاً قد يتوسع طموحها باتجاه الساحل السوري.

“ممر داوود”

تعمل إسرائيل على تقديم إغراءات مالية هائلة لقاء استقدام سوريين للعمل في مناطق خاضعة لسيطرتها، كما تعمل على شق واستحداث الكثير من الطرقات في الجنوب السوري وبين بعض القرى الدرزية والمناطق التي احتلّتها. ومن الجنوب السوري، هناك من يبدي تخوفاً من إقدام تل أبيب على خلق خطّ “عسكري” نحو شرق سوريا، فتصبح هي الحاضرة في جنوب لبنان، وجنوب سوريا، وتحيط بالأردن من الجهة الشمالية وليس من الجهة الغربية فقط، وتتمدد باتجاه الحدود مع العراق، بالإرتكاز إلى استحضار توراتي جديد لإنشاء خط “ممر داوود”، في محاولة منها لربط المناطق التي تسيطر عليها، بالجنوب السوري وانطلاقاً منه باتجاه شرق سوريا، فيكون لها صلة جغرافية وخط مباشر باتجاه المناطق الكردية، وتصبح هي على حدود العراق، وقد تطرح نفسها بديلاً للوجود العسكري الأميركي في التنف مثلاً، طالما أن نغمة دونالد ترامب حول الانسحاب العسكري من سوريا تتزايد، فتكون إسرائيل هي البديل عنه.

مواجهة تركيا

تركز إسرائيل على تكريس منطق “الإدارات الذاتية”، ولا سيما لدى الأكراد، بالإضافة إلى وضعية “الدروز”. وهذا يفترض أن يضعها في مواجهة مباشرة مع تركيا. هنا ستكون الإدارة السورية الجديدة أمام تحدٍ استراتيجي في ظل الصراع على سوريا، لا سيما أن الرئيس السوري أحمد الشرع كان يركز على ضرورة الوصول إلى تفاهم وحلّ بالحوار مع التنظيمات الكردية ولا سيما تنظيم قسد. بينما تركيا تدفع باتجاه الصراع العسكري. وأي صراع عسكري ستستغله إسرائيل للعب أكثر على الساحة السورية، وليتحول الصراع إسرائيلياً- تركياً على أرض سوريا وبأياد سورية.

في محاولة من الشرع لتسوية العلاقة مع الأكراد، أقدم على الاتفاق معهم حول شراء النفط. لكن هذا القرار يمثل خطأً. إذ سيبدو وكأنه تكريس للاعتراف بهذه السلطة الذاتية هناك، علماً أن الدولة هي التي يفترض أن تكون صاحبة السيادة على كامل الأراضي السورية. وهذا ما ستسعى إسرائيل إلى استغلاله لاحقاً، خصوصاً أن شرق سوريا ومنطقة الجزيرة مليئة بالخيرات النفطية والزراعية والمائية. أما في الجنوب السوري حيث لا وجود لمثل هذه الخيرات، فيعمل الإسرائيليون على ضخ الأموال في المنطقة الجنوبية، لتكريس المشروع الذي يسعون إليه، وهو خلق إدارة ذاتية. ما يجعل سوريا دولة متشظية أو ذات كيانات صغيرة مقسمة على أسس دينية أو قومية أو عرقية.

أي نجاح لهذا المشروع الإسرائيلي لن ينحصر تأثيره داخل سوريا، بل سيطال دولاً عديدة، خصوصاً أن الموضوع الكردي يشكل تحدياً استراتيجياً لتركيا، التي سارعت قبل سنوات للدخول إلى شمال سوريا وقطع أي اتصال بين المناطق الكردية لمنع إقامة كيان كردي. وهي تسعى دوماً للانتقال إلى الضفة الشرقية للفرات أيضاً لمنع قيام أي مقومات لإقامة هذا الكيان. هنا تسارع إسرائيل إلى التدخل، بالإضافة إلى تكثيف الضغط العسكري في جنوب سوريا وباتجاه دمشق.. العاصمة التي تعتبر على علاقة قوية بتركيا. وكأن تل أبيب تقول لأنقرة إن المواجهة ضد الأكراد في شرق الفرات، ستقابلها مواجهة ضد الحكم في دمشق.

المدن

————————-

العدوان الإسرائيلي على سورية: اتساع الرفض الشعبي وخيارات سياسية أمام دمشق/ محمد أمين

27 فبراير 2025

يتمادى الاحتلال الإسرائيلي في عدوانه على سورية، وجنوبها تحديداً، مدعياً أنه يدافع عن مواطنيه، ولن يسمح لهذا الجنوب بأن “يصبح جنوب لبنان”، مستفيداً من عدم قدرة الإدارة السورية الجديدة على مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية عسكرياً، فهي لم تنته بعد من بناء الجيش الجديد، والذي سيحتاج لوقت غير قليل، وذلك بعدما عمد الاحتلال إلى تدمير السلاح الثقيل ومنظومات الدفاع الجوي التي كان يملكها الجيش السوري فور سقوط نظام بشار الأسد في 8 ديسمبر/كانون الأول الماضي. ورغم أن دمشق تستند في الوقت الراهن إلى موقف شعبي طاغٍ رافض لأي محاولات للعبث بالهوية والوحدة والسيادة السورية من جهات خارجية أو داخلية مرتبطة بها، والذي يتجلى بالتظاهرات المنددة بممارسات إسرائيل والتي باتت تخرج بشكل شبه يومي ويتسع نطاقها في المدن السورية، تبدو الخيارات محدودة ومعقّدة أمام الإدارة السورية في التعامل مع العدوان الإسرائيلي، والذي لا يقتصر على التوغل البري والضربات الجوية، بل تحاول تل أبيب العبث في الجنوب السوري (بمحافظاته الثلاث درعا، السويداء، القنيطرة)، من خلال إيجاد مشاريع غايتها الدفع باتجاه إنشاء كيانات على أساس مذهبي تحديداً في محافظة السويداء، خصوصاً في ظل ظهور تشكيلات وكيانات عسكرية تذهب إلى المطالبة بوضع خاص للجنوب. ويضاف إلى ذلك عدم اتضاح مصير قضية اندماج فصائل في الجنوب ضمن الجيش السوري الجديد.

توّغلات واعتداءات إسرائيلية جديدة على سورية

وفي جديد العدوان الإسرائيلي على الجنوب السوري، توغّلت نحو 50 عربة وآلية إسرائيلية في مناطق بريفي درعا والقنيطرة، وصلت إلى قرية البكار في ريف درعا الغربي وبلدة عين البيضا في ريف القنيطرة، قبل أن تنسحب صباح أمس الأربعاء. كما شن الطيران الإسرائيلي في ساعة متأخرة من مساء الثلاثاء غارة على بلدة الكسوة، على بعد حوالي 20 كيلومتراً جنوبي دمشق، وأخرى على هدف في ريف درعا الجنوبي. وذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان أن الضربات الجوية الإسرائيلية على ريفي دمشق ودرعا أسفرت عن مقتل أربعة أشخاص. وذكر المرصد أنه منذ مطلع العام 2025، قامت إسرائيل باستهداف الأراضي السورية 16 مرة، 14 منها جوية ومرتين عبر البر، وأسفرت تلك الضربات عن إصابة وتدمير نحو 21 هدفاً بين مستودعات للأسلحة والذخائر ومقرات ومراكز وآليات. وتسببت تلك الضربات بمقتل عسكريين اثنين وستة مجهولي الهوية، بالإضافة لإصابة شخص، بحسب المرصد.

وأعلن الجيش الإسرائيلي أنه قصف “أهدافاً عسكرية في جنوب سورية، بما في ذلك مراكز قيادة ومواقع عديدة تحتوي على أسلحة”، من دون أن يذكر مكانها بالتحديد. وحذّر الجيش في بيانه من أنّ “وجود قوات ومعدّات عسكرية في الجزء الجنوبي من سورية يشكل تهديداً لمواطني إسرائيل”، لافتاً إلى أنّه “سيواصل العمل لإزالة أيّ تهديد لمواطني دولة إسرائيل”. من جهته، هدد وزير الأمن الإسرائيلي يسرائيل كاتس بأن “أي محاولة من قوات النظام السوري للتمركز في المنطقة الأمنية جنوب سورية سيتم الرد عليها بالنيران”. وقال كاتس في بيان لمكتبه: “الآن يقوم سلاح الجو بمهاجمة جنوب سورية بقوة كجزء من السياسة الجديدة التي حددناها لإخلاء جنوب سورية من السلاح – والرسالة واضحة: لن نسمح لجنوب سورية بأن يصبح جنوب لبنان”. وتابع: “لن نعرّض أمن مواطنينا للخطر” و”أي محاولة من قوات النظام السوري والمنظمات الإرهابية في البلاد للتمركز في المنطقة الأمنية جنوب سورية سيتم الرد عليها بالنيران”. وكان رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو قد طالب الأحد الماضي بجعل “جنوب سورية منزوع السلاح بالكامل”، وقال: “لن نسمح لقوات تنظيم هيئة تحرير الشام أو للجيش السوري الجديد بدخول المنطقة الواقعة جنوب دمشق”.

إدانات وتظاهرات رافضة

ودان العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني، خلال لقائه الرئيس السوري أحمد الشرع في عمّان أمس الأربعاء، الاعتداءات الإسرائيلية على الأراضي السورية، مؤكداً دعم المملكة لسيادة سورية ووحدتها وسلامة أراضيها. كما شدد على وقوف الأردن إلى جانب السوريين في إعادة بناء بلدهم عبر عملية تشارك فيها مختلف مكونات الشعب، بما يضمن وحدة سورية وأمنها واستقرارها. وبحسب الموقع الرسمي للديوان الملكي، بحث اللقاء فرص تطوير التعاون والوصول إلى صيغ مشتركة في زيادة واستدامة التنسيق على مختلف الصعد، بما يحقق المصالح المشتركة ويعزز وحدة الصف العربي. وأشاد ملك الأردن بمخرجات مؤتمر الحوار الوطني السوري، مؤكداً أنه خطوة مهمة نحو إعادة بناء سورية بما يحقق تطلعات الشعب السوري. وأكد ضرورة التنسيق الوثيق بين البلدين في مواجهة مختلف التحديات المتعلقة بأمن الحدود والحد من تهريب الأسلحة والمخدرات، مشددا على أهمية عودة سورية إلى دورها الفاعل في محيطها العربي. وبيّن العاهل الأردني ضرورة تهيئة الظروف المناسبة للعودة الطوعية والآمنة للاجئين السوريين إلى بلدهم. بدوره، أعرب الرئيس السوري عن تقديره لموقف الأردن، بقيادة العاهل الأردني، الداعم لجهود إعادة بناء سورية والحفاظ على وحدتها وأمنها واستقرارها.

كما دان الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، الغارات والاعتداءات الإسرائيلية على الأراضي السورية، واعتبرها “استفزازاً وتصعيداً ينتهزان فرصة التحول السياسي في سورية لتثبيت واقع غير قانوني وغير شرعي”. وأكد في بيان أمس أن “الاحتلال الإسرائيلي لأي أراضٍ سورية ينتهك القانون الدولي، وأن المجتمع الدولي مطالب باتخاذ مواقف واضحة لإدانة هذا العدوان غير المبرر والذي يستهدف إشعال فتيل التوتر في المنطقة، ووضع العراقيل في طريق الانتقال السياسي في سورية”.

وخرجت تظاهرات ليل الثلاثاء ـ الأربعاء في مدينة دمشق عقب الغارات الجوية الإسرائيلية على الجنوب السوري، وندد العشرات من الشبان بالعدوان، وجابت التظاهرات المزة وصولاً إلى ساحة الأمويين وسط العاصمة. كما خرجت تظاهرة في السكن الجامعي في حمص تنديداً بالعدوان على الجنوب السوري. كما أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان بخروج تظاهرات في بلدتي صيدا الجولان وغدير البستان في ريف القنيطرة الجنوبي أمس، تنديداً بالاعتداءات الإسرائيلية.

وكانت تل أبيب قد خرقت بعد سقوط نظام الأسد اتفاقية “فك الاشتباك” المبرمة مع سورية في عام 1974، واحتلت المنطقة العازلة ومواقع أخرى منها قمة جبل الشيخ، ووصلت في توغلها إلى مدينة القنيطرة وريف درعا الغربي. وفي حين دان مؤتمر الحوار الوطني السوري، الذي عُقد أمس الأول الثلاثاء، “التوغل الإسرائيلي في الأراضي السورية، مطالباً بانسحابه الفوري، لم تُظهر الإدارة السورية الجديدة أي ردة فعل عسكرية معلنة على التغول والتوغل الإسرائيليين في الجنوب السوري واللذين يتزامنان مع ظهور تشكيلات خاصة بمحافظة السويداء ذات الغالبية الدرزية والتي تطالب بمنح المحافظة حكماً ذاتياً. وكان نتنياهو قد قال الأحد الماضي: “لن نتسامح مع أي تهديد للطائفة الدرزية جنوب سورية”، في محاولة واضحة لاستمالة سكان السويداء الذين أعلنوا رفضهم التدخل الإسرائيلي في الشأن السوري من خلال تظاهرات حاشدة شهدتها المحافظة.

خيارات ضيقة أمام الإدارة السورية

ولا تبدو الإدارة السورية الجديدة في وضع يسمح لها بمواجهة التهديد الإسرائيلي عسكرياً، إذ لم تنته بعد من بناء الجيش الجديد، والذي سيحتاج الكثير من الوقت خصوصاً لناحيتي التدريب والتسليح، فقد دمّرت تل أبيب جلّ القدرات العسكرية السورية بعد أيام قليلة من سقوط الأسد الذي حافظ على هدوء الجبهة مع إسرائيل ولم يكن يشكل أي تهديد لها. وليس أمام الإدارة الجديدة سوى الخيار السياسي لمقاربة ملف الجنوب سواء لجهة التهديد الإسرائيلي المتكرر أو لجهة مشروعات التقسيم التي ظهرت أخيراً في أكثر من منطقة سورية. وتستند دمشق في الوقت الراهن إلى موقف شعبي طاغٍ رافض لأي محاولات للعبث بالهوية والوحدة والسيادة السورية من جهات خارجية أو داخلية مرتبطة بها، والذي يتجلى بشكل شبه يومي وخصوصاً في محافظة السويداء. كما يدفع هذا الموقف فصائل عسكرية في محافظة درعا المجاورة لنسج خيوط تفاهم نهائي مع الإدارة الجديدة في دمشق وإنهاء الأوضاع الشاذة في المحافظة والتي تشجّع محافظات سورية لديها هواجس من السلطة الجديدة للمطالبة بالانفصال أو بالحكم اللامركزي وهو ما يؤسس لتقسيم البلاد.

وتعليقاً على التصعيد الإسرائيلي ودعوات تقسيم سورية، رأى الباحث السياسي محمد صبرا، في حديث مع “العربي الجديد”، أن “سورية اليوم دولة منهكة ولا يوجد لدينا جيش قوي وسلاح ثقيل ومنظومات دفاع جوي”، مضيفاً: “فكرة المواجهة العسكرية مع إسرائيل مستبعدة، ولكن يجب ألا نستسلم لإرادة الاحتلال، لذا يجب العمل على تفعيل علاقات سورية مع دول العالم لوضع حد للعربدة الإسرائيلية”. وأشار إلى أنه يجب القيام بعمل سياسي في الداخل، مضيفاً: “مواجهة أي تهديد خارجي تتطلب استقراراً أمنياً وسياسياً. على الإدارة الجديدة إشاعة مناخ سياسي أكثر راحة، وأن تعزز حضورها في البلاد”. وبيّن أن “إسرائيل لا تزال عدوة لسورية، فهي تحتل أراضي سورية وحالة الحرب مستمرة على المستوى القانوني، من ثم فإن أي تعامل مع إسرائيل يحكمه قانون العقوبات السوري وهو واضح في منع أي تواصل مع الكيان الصهيوني”. وطالب وزارة العدل السورية بتفعيل دور النيابة العامة وتحريك الدعاوى العامة بحق كل من يدعو إلى تقسيم سورية أو إلحاق أجزاء منها بدولة الاحتلال، وكل من يتعامل مع إسرائيل.

وفي السياق، من المتوقع أن تلجأ السلطات السورية إلى العمق العربي من أجل الضغط على تل أبيب لوضع حد لتدخلها في الشأن السوري وعدم محاولة اللعب على مخاوف غير مبررة حتى اللحظة من الأقليات في سورية. وتبدو تل أبيب داعمة لكل مشروعات التقسيم التي تُطرح من جانب تشكيلات عسكرية أو سياسية خصوصاً في الجنوب السوري وفي الشمال الشرقي من البلاد، في محاولة لتفتيت سورية إلى دويلات متناحرة تضمن بقاء تل أبيب في مأمن من أي تهديد.

ورأى المحلل السياسي عرابي عرابي، في حديث مع “العربي الجديد”، أن على الحكومة السورية “قراءة المشهدين الإقليمي والدولي للتعامل مع التهديد الإسرائيلي بهدف الضغط الدبلوماسي”. وتابع: “نتنياهو في مأزق له علاقة بالحرب الذي شنها على قطاع غزة، والملف الأوكراني، ومن عادته الهروب إلى الأمام وخلق بؤر صراع وخلق مساحة اصطدام”. ورأى عرابي أن دعوات تقسيم البلاد التي تظهر بين وقت وآخر لا حل لها سوى “العصا الغليظة”، مضيفاً: “تجب على الحكومة مواجهة محاولات تهديد وحدة البلاد بالقوة”.

من جهته، رأى الخبير العسكري ضياء قدور، في حديث مع “العربي الجديد”، أن “سورية الجديدة تتبنى في مواجهة التصعيد الإسرائيلي سياسة حذرة تضع الكرامة والسيادة الوطنية في طليعة الأولويات”، مضيفاً: “أعتقد أن هناك رغبة لدى الحكومة السورية في الابتعاد عن أي تصعيد عسكري غير مجدٍ والتركيز على استقرار البلاد وإعادة الإعمار بعيداً عن التحولات الإقليمية المتسارعة”. وتابع: “دمشق حريصة على عدم الانجرار إلى صراع عسكري مفتوح مع إسرائيل أو معركة مفتوحة قد تضر باستقرارها الداخلي وتؤثر سلباً على فرص إعادة الإعمار”. وأعرب عن اعتقاده بأن الحكومة السورية “ستسعى إلى توجيه رسائل حازمة لإسرائيل عبر القنوات الدولية مع تأكيد حقها في الدفاع عن سيادتها”، مضيفاً: “هذا قد يشمل تعزيز الحوار والتعاون مع القوى الكبرى والإقليمية والعمل على استعادة الثقة الإقليمية التي قد تساهم في تخفيف الضغوط العسكرية والسياسية”. كما اعتبر أن “استقرار حكومة دمشق له تأثير كبير على الأمن والاستقرار في المنطقة بشكل عام، وهو يعد مصلحة إقليمية كبرى”، مضيفاً: “انهيار الحكومة أو عدم قدرتها على أداء مهامها يمكن أن يؤدي إلى تفاقم الأزمات الإنسانية والأمنية، ويزيد من احتمالات انتشار الفوضى والتطرف”.

العربي الجديد

———————————–

«المنع الاستباقي»: سوريا في العقيدة الأمنية الجديدة لإسرائيل/ خليل كوثراني

الخميس 27 شباط 2025

وضعت حملة بنيامين نتنياهو على سوريا، وما تخلّلها من خطاب عدواني تُرجم من فوره استفزازاً بالنار من طرف واحد، الحُكمَ الجديد هناك على مفترق طرق يصعب الالتفاف عليه. ولعلّ مكمن المأزق السوري الجديد، هو في قصور الاستراتيجية التي وضعها هذا الفريق للسياسة الخارجية السورية، عن الاستجابة لتحولات العقيدة الأمنية الإسرائيلية بعد حربَيْ غزة ولبنان، بما تفاقمه الأخيرة من مركزية إسرائيل في واقع الإقليم، وتعزيز تأثيرها على الشأن الداخلي السوري تحديداً.

يرى رئيس المرحلة الانتقالية أحمد الشرع، ومعه وزير خارجيته أسعد الشيباني، أنه لا مناص من مهادنة الولايات المتحدة وإسرائيل لسنوات، وتجاهل عدوانهما على البلاد، وغضّ الطرف عن أطماعهما فيها، ريثما تُرفع العقوبات عن سوريا كشرط لازم للتمكين من إقامة سلطة فعّالة. هذه، باختصار، السياسة الخارجية الجديدة لدمشق، وقد ارتسمت معالمها جليّة في الأسابيع المتصرّمة، مسندةً من أنصارها بحجج «الواقعية» وانعدام الخيارات، في منحى مفارق لنموذجَيْ أفغانستان واليمن.

في الغضون، ثمّة انزياح في إسرائيل إلى تطوير عقيدة الأمن القومي، ومن ثم قلب هرمها ليكون في رأسه «المنع الاستباقي» بدلاً من «الردع»، فيضاف «المنع» كركيزة خامسة إلى الركائز الأربع (الردع والإنذار والحسم والدفاع)، ويرث مركزية «الردع» في العقيدة. و«المنع» يختلف عن «المعركة بين الحروب» من حيث إنه بلا أسقف ولو اشترك معها في «الاستباقية». وعرّف البعض «المنع» بأنه القضاء على التهديد قبل أن يستحيل خطراً ماثلاً (أي ما يمكن تسميته «وأد المخاطر»).

وركيزة «المنع» اضطرت إسرائيلَ إليها عمليةُ السابع من أكتوبر، وتبلورت آلياتها التطبيقية مع وقف إطلاق النار في لبنان فغزة. وهذا ما يكمن وراء مجمل الأقوال والأفعال التصعيدية – ما بعد وقف إطلاق النار شمالاً وجنوباً – تُجاه غزة والضفة ولبنان وسوريا. بتعبير آخر، تسعى إسرائيل إلى متابعة الحرب، بغير وسائل، وعلى الساحات جميعها، تطبيقاً للعقيدة الجديدة، وفحصاً لفاعليتها وإمكانية استدامتها.

ويتلخّص ذلك المسار بجملة تكتيكات سردها رون بن يشاي، أمس، في صحيفة «يديعوت أحرونوت»، وهي التالية: إقامة منظومة دفاعية من ثلاثة مستويات، اثنان منها «داخل أرض العدو» وقوامها قواعد عسكرية ومناطق منزوعة السلاح، و«استحكامات وعوائق داخل إسرائيل».

وهو ما سيُعمل به عند المنطقة العازلة في غزة، وجنوب الليطاني انطلاقاً من النقاط الحدودية الخمس في لبنان، وعلى كامل الجنوب السوري.

ومن هنا، خرج تعقيب وزير الأمن، يسرائيل كاتس، على الضربات الجوية الأخيرة، بالقول: «لن نسمح يأن يتحوّل جنوب سوريا إلى جنوب لبنان». وهذا تصريحٌ، معطوفاً على تصريح وزير الخارجية، جدعون ساعر، عن أن «حكومة سوريا الجديدة هي جماعة إرهابية إسلامية من إدلب استولت على دمشق بالقوة»، لا يشي بأقل من إغلاق الأفق في وجه صفقة متوهّمة، يمنّي البعض النفس بها، حتى وإن فرّطت دمشق بالحقوق، مقدّمةً كل تنازل. كما أن توفّر فرصة استثنائية لتل أبيب في البيت الأبيض، عنوانها دونالد ترامب، الضارب عرض الجدار بأي وزن لثبات الجغرافيا السياسية في النظام الدولي، يزيد الإسرائيليين تشبّثاً بالعدوانية الشاملة إلى أقصى مدى من سياسات الاحتلال والتهجير والتوسّع والضم والتدخّل وضرب السيادة والتلاعب بالوحدة عبر الفتن والانقسامات.

وإزاء تلك الحملة العدوانية الصلفة واحتلال مئات الكيلومترات والتهديدات الصريحة لوحدة سوريا، لا بوادر لفرصة لسياسة المهادنة مع كل التعقيدات الماثلة، ولا مؤشرات إلى ثقة ستنعقد بين الأطراف، برغم أنه، وفق بن يشاي، ثمة نافذة تركها نتنياهو، عبر رسالة بعث بها إلى كل من دمشق وأنقرة، مفادها أن إسرائيل لا تنوي البقاء في الجنوب السوري إذا ما ضمنت ترتيبات أمنية مناسبة، والقصد منها تجريد المنطقة (المحافظات الثلاث: القنيطرة ودرعا والسويداء)، من السلاح ومنع وجود «جماعات جهادية» أو مطلق قوات عسكرية في هذا النطاق.

وأتت رسالة نتنياهو، والتي رافقها ضغط ناري عدواني، عشية زيارة الشرع إلى الأردن، في مسعى لإخضاع الحكم الانتقالي على ما يبدو، علماً أن الأخير، وبرغم حراجة وضعه وضعف إمكاناته، ليس لديه ما يضمن الاستقرار المنشود، ولا استمالة واشنطن من البوابة الإسرائيلية إذا ما قدّم الجنوب السوري كحاجز آمن للاحتلال.

وكاتس نفسه كان صريحاً في أن إسرائيل لن ترضى بأيّ قيامةٍ سورية – ولو قصر الوعيد على الجنوب السوري- حين قال: «كل محاولة للجيش السوري الجديد لبناء قدرات عسكرية في الجنوب ستقابل بالنار. لن يسمح الجيش الإسرائيلي لقوات معادية بالتمركز والوجود في المنطقة الأمنية جنوب سوريا، من هنا وحتى دمشق، وسنعمل ضد أي تهديد».

هكذا، يبدو رهان الحكم الجديد في دمشق على تفاهمات تركية – إسرائيلية أو «وساطة» أردنية مفترضة مع تل أبيب، كالمستجير بالرمضاء من النار؛ فإسرائيل عزمت أمرها على عدوان واسع يصل مداه إلى اللعب بوحدة البلاد والسيطرة على السكان ودعم حكم أمني ومدني محلي وإعاقة بناء قوة مركزية سياسية وعسكرية. وجميع هذه الأطماع والمخاطر على مستقبل سوريا، تتعدّى مخاوف أمنية حدودية للعدو من مساع لـ«حماس» و«الجهاد الإسلامي» لفتح جبهة ضد إسرائيل من سوريا، كما قال كاتس بالأمس، إلى محاولة تبديد الكيان السوري برمّته.

الاخبار

—————————————-

تفاصيل توغلات الاحتلال الإسرائيلي في الجنوب السوري/ رأفت أبازيد

27/2/2025

الجنوب السوري- توغلت قوات الاحتلال الإسرائيلي، مساء أمس الأربعاء، داخل الأراضي السورية بالتزامن مع استهداف عدة مواقع بالطائرات الحربية.

وصلت القوات الإسرائيلية برا عبر عشرات الآليات العسكرية إلى بلدة البكار في ريف درعا الغربي، ودخلت إلى ثكنة عسكرية تابعة للجيش السوري السابق، تُعرف بثكنة المجاحيد، حيث تم تفجير الأبنية الموجودة فيها.

وفي الوقت نفسه، توغلت مدرعات في بلدة جبا في الريف الأوسط لمحافظة القنيطرة، كما وصلت إلى بلدة عين البيضة شمال المحافظة، حيث قامت بتجريف الأشجار في محيطها قبل الانسحاب منها باتجاه الجولان المحتل.

اجتياح مستبعد

توغلت قوات الاحتلال الإسرائيلي منذ سقوط نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد في الجنوب السوري، ووصلت إلى عدة نقاط بارزة، منها جبل الشيخ وحرش جباثا الخشب والتلول الحمر في محافظة القنيطرة، بالإضافة إلى كتيبة الهاون بالقرب من بلدة عابدين في ريف درعا الغربي، حيث أقام الاحتلال نقاطا عسكرية ولا يزال متمركزا فيها حتى الآن.

كما شهدت مناطق متقدمة توغلات لقوات الاحتلال لساعات ثم انسحبت منها، مثل منطقة حوض اليرموك غربي درعا، حيث وصلت القوات إلى بلدات كويا وجملة ومعرية وعابدين.

تعليقا على ذلك، قال أحمد أبازيد الكاتب والمحلل السياسي للجزيرة نت إن هذا التوغل الأخير ليس بجديد، حيث كانت قوات الاحتلال تقوم سابقا بعمليات توغل في مناطق قريبة من الحدود مع الجولان المحتل وتنسحب منها بعد ساعات، ومع ذلك هناك نقاط تم التموضع بها عبر نقاط عسكرية لا تزال قائمة حتى الآن.

وأضاف أنه لا يرى أن الاحتلال لديه مشروع جدي لاجتياح بري للجنوب السوري لأنه سيواجه تجمعات سكنية كبيرة، حيث تتركز التوغلات حتى الآن غالبا في قرى ذات تعداد سكاني قليل جدا. وأشار إلى أن الاحتلال سيواجه معضلة إذا فكر في الوصول إلى مناطق ريف درعا التي تشهد كثافة سكانية، لذلك لا يعتقد بوجود أي خطة للتقدم البري.

تأثيرات سلبية

وحسب المحلل أبازيد، هناك تهديدات إسرائيلية بقصف مواقع وتجمعات عسكرية تابعة للدولة السورية، وفقا لتصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. وأكد أن القصف الجوي الذي شهدته المنطقة قبل يومين هو بمثابة رسالة بأن التهديد جدي، وليس لتنفيذ عملية اجتياح واسعة في الجنوب السوري.

وربط هذا القصف بالتزامن مع زيارة الرئيس السوري أحمد الشرع إلى عمّان، كنوع من الضغط على الجانبين، “لأن الأردن أيضا يواجه ضغوطا من الإدارة الأميركية للقبول بتهجير أهالي قطاع غزة إلى أراضيه”. واعتبر أن إسرائيل تسعى للحصول على ضمانات من دول إقليمية ذات علاقات جيدة معها.

وكان لهذه التوغلات تأثيرات سلبية كبيرة على المنطقة، ومن أبرزها السيطرة على مناطق زراعية تعود ملكيتها للأهالي في منطقة حوض اليرموك غربي درعا.

كما منعت قوات الاحتلال المزارعين من الوصول إلى أراضيهم في الوادي القريب من بلدة عابدين وكويا في ريف درعا الغربي لزراعتها، وهي مصدر رزقهم الوحيد. وبدأ كثير من سكان المنطقة بالتفكير في الخروج منها باتجاه مدينة درعا أو ريف دمشق خوفا من أي تطورات مفاجئة قد تشهدها المنطقة.

وتحدث معاوية الزعبي، وهو ناشط إعلامي وسياسي في درعا، للجزيرة نت عن أن القصف الإسرائيلي للأراضي السورية ليس بجديد، حيث شهدت السنوات الأخيرة عمليات قصف متكررة، وشهد الساحل السوري إنزالا جويا إسرائيليا قبل سقوط النظام المخلوع وتدمير نقطة عسكرية.

قلق إسرائيل

وبرأي المتحدث الزعبي، فإن التغيير السياسي الحاصل في سوريا أثار حفيظة إسرائيل، وأنها تحاول الاستفادة من الوضع الراهن، وقال إن “الوقت الحالي يحتاج إلى موقف واضح من الدولة السورية الجديدة واختيار حلفائها بشكل جيد، وخاصة العرب، لأنها في مرحلة تأسيس وتحتاج إلى دعم خارجي وداخلي لمواجهة أي محاولة تدخل بشأنها الداخلي”.

وأكد الزعبي “ضرورة العمل على تشكيل حكومة ذات خبرات ولديها وعي سياسي، وتعمل على التواصل مع الأطراف العربية الإقليمية لوقف تمادي إسرائيل داخل الأراضي السورية”. وتوقع أن تعود سوريا قريبا إلى دورها المحوري في المنطقة، وحذر من أن “تقسيمها سيكون له عواقب لا يحمد عقباها على دول أخرى وقد يؤدي إلى تدميرها”.

هذا وشهد الجنوب السوري، الاثنين الماضي، مظاهرات “لإيصال الصوت بأن الشعب السوري واحد، ويقف خلف القيادة الجديدة، ولن يسمح لأي دولة بالتدخل في شؤونها”، احتجاجا على تصريحات نتنياهو التي طالب فيها بنزع السلاح في المنطقة ومنع انتشار الجيش السوري الجديد فيها.

ورفع المتظاهرون لافتات وصفوا من خلالها تصريحات نتنياهو بـ”الفتنة ومحاولة خلق خلافات بين مكونات الشعب السوري”، كما أكدوا أنهم “على وعي كامل بأن الشعب السوري محب لبعضه، ولن يستطيع أحد التفريق بينهم، في الوقت الذي يتطلعون فيه إلى دولة سورية جديدة تحترم حقوقهم بعد سنوات من الذل والقمع في ظل حكم عائلة الأسد”.

المصدر : الجزيرة

——————————–

مشروع حماية الدروز”: حرب نتنياهو على الدولة السورية الجديدة/ شادي علاء الدين

2025.02.27

تسعى إسرائيل تحت قيادة بنيامين نتنياهو وفي خضم التحولات السياسية والعسكرية التي تشهدها سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد، إلى إعادة صياغة معادلات السطوة في الجنوب السوري عبر مشروع “حماية الدروز”، الذي يشكل في جوهره محاولة ممنهجة لإنشاء حزام أمني جديد داخل الأراضي السورية، على غرار ما حاولت إسرائيل فرضه في جنوبي لبنان خلال فترة الاحتلال عبر “جيش أنطوان لحد”.

تمتد المناطق التي يشملها مشروع نتنياهو من الجولان المحتل إلى محافظة القنيطرة، ثم درعا والسويداء، وصولاً إلى جنوبي دمشق وريفها. هذه الرقعة الجغرافية تمثل أهمية استراتيجية لإسرائيل لعدة أسباب، أولها أنها تشكل حاجزاً طبيعياً أمام أي امتداد عسكري سوري اتجاه الحدود، وثانيها أنها ترتبط مع شبكة طرق حيوية تربط سوريا بالأردن، مما يمنح إسرائيل قدرة على السيطرة على أهم المنافذ التجارية الأساسية لسوريا الجديدة، وثالثها أن هذه المناطق، بحكم طبيعتها الديمغرافية، تمكنها من اللعب على المخاوف الطائفية والمناطقية.

تمتلك إسرائيل خبرة واسعة في توظيف الأقليات الدينية والطائفية لمصلحتها، ولا تكتفي بتوظيف هذا المشروع في سوريا، بل تحاول تعميم نموذج “الحزام الأمني” على أكثر من جبهة.

ويستند المشروع الإسرائيلي في سوريا على فكرة الحماية الظاهرية للدروز، لكنه يهدف في عمقه إلى فرض واقع جديد.

تل أبيب تدرك أن نجاحها في إقامة حزام أمني في جنوبي سوريا سيوفر لها ثلاث فوائد أساسية: الأولى هي ضرب سلطة الدولة السورية الجديدة، عبر منعها من بسط سيادتها على كامل أراضيها، والثانية هي تأمين حدودها مع سوريا بأقل كلفة عسكرية ممكنة، من خلال الاعتماد على قوات محلية بديلة، والثالثة هي تعزيز نفوذها الإقليمي عبر فرض معادلات ميدانية تفرض لاحقاً على المجتمع الدولي التعامل معها كأمر واقع.

الرفض الشعبي لهذا المشروع في الجنوب السوري كان واضحاً منذ اللحظة الأولى. الدروز، الذين عانوا من تهميش كبير من قبل النظام السوري الأسدي لا يرون في إسرائيل خياراً يمكن الوثوق به. معظم القوى الدرزية، رغم خلافاتها الداخلية، تدرك أن الانخراط في المشروع الإسرائيلي سيضعها في مواجهة مباشرة مع باقي المكونات السورية، وسيفتح الباب أمام صراعات دموية.

الرفض الشعبي لا يعني أن إسرائيل ستتراجع عن مشروعها بسهولة. حكومة نتنياهو تراهن على أمرين: الأول هو الضغط الاقتصادي، حيث تعيش مناطق الجنوب السوري أوضاعاً صعبة والثاني هو التحركات السياسية، حيث قد تحاول فرض واقع مستجد من خلال دعم شخصيات درزية موالية لها، والسعي إلى تقديمها كبديل عن القيادة التقليدية للدروز.

الدولة السورية الجديدة بقيادة أحمد الشرع التي تحاول إنشاء بنية مؤسساتية محكمة كانت الحرب قد دمرتها، تدرك أن إبداء أي تساهل مع المشروع الإسرائيلي سيفقدها السيطرة على الجنوب نهائياً، لكن في الوقت ذاته، فإن قدرتها على المواجهة العسكرية المباشرة محدودة، نظراً للضغوط الاقتصادية والدولية التي تواجهها. السيناريو الأكثر ترجيحاً هو أن تعمل دمشق على تعزيز وجودها غير المباشر في الجنوب، عبر استقطاب الفصائل المحلية، ومحاولة بناء تحالفات مع القوى البارزة الرافضة للمشروع الإسرائيلي والضغط من خلال المسارات الدولية والإقليمية.

ولا يتوقع أن تنظر الولايات المتحدة تحت ظل إدارة ترمب بعين الرضا الكاملة إلى مثل هذا المشروع، لأنها تسعى إلى الإنهاء السريع للصراعات المندلعة في المنطقة للتفرغ للعناوين الأكثر أهمية بالنسبة لها، والمتعلقة بفرض سطوة تكنولوجية اقتصادية على العالم. وتاليا فإن المشروع الإسرائيلي بما يتوقع أن يستجره من توترات وصراعات مفتوحة ومستمرة لا ينسجم في آفاقه المتوقعة مع المسار الأميركي، لذا قد تجد حكومة نتنياهو صعوبة في إقناع الحكم الأميركي الجديد بدعمه.

إسرائيل، وفي حال السير بخطوات تنفيذية، ستخوض هذه المغامرة بمفردها في مواجهات تكتلات من المصالح الدولية والإقليمية والمحلية التي تتعارض معها بدرجات متفاوتة من الشدة.

وتتصدر روسيا قائمة الدول المتضررة من طموحات إسرائيل في الجنوب السوري وهي دولة لا تزال تمتلك نفوذا كبيرا وفاعلا في سوريا، ويرجح أن يزداد مع حسم الحرب الأوكرانية لصالحها عبر مفاوضات لا يمتلك فيها الطرف الأوكراني عناصر قوة في ظل انكفاء الدعم الأميركي.

إيران من جهتها قد تجد في هذا المشروع فرصة لإعادة تعزيز نفوذها المتهالك، عبر تفعيل عنوان مواجهة المخططات الإسرائيلية، مما قد يفتح الباب أمام صراع جديد بالوكالة بين طهران التي تسعى للدفاع عن حضورها في سوريا، وإسرائيل التي تبذل جهودا كبيرة في محاولات تصفية الوجود الإيراني في دمشق ومحاولات تهريب السلاح إلى حزب الله في لبنان.

وكذلك فإن فكرة فرض المشروع بالقوة العسكرية دونه محاذير كثيرة فالواقع السوري الجديد لا يتطابق مع الظروف الفلسطينية واللبنانية لناحية فرض واقع جديد عبر النار، لأن نتنياهو لن يجد نفسه في مواجهة سلطة محلية وحسب، ولكنه سيدخل في مواجهة مع شبكات مصالح كبرى ترعاها دول وازنة.

من هنا فإن مشروع “حماية الدروز” الذي يروج له نتنياهو يهدف إلى فرض واقع إسرائيلي جديد في سوريا، و في لبنان أيضاً، عبر إنشاء أحزمة أمنية تخدم مصالح إسرائيل على المدى الطويل. لكن هذه الاستراتيجية، تحمل في طياتها مخاطر كبيرة إذ إنها قد تؤدي إلى تقسيم المنطقة وتفتيتها وتعطيل مشاريع السلام كما ستعطي حجة متينة لنشوء أنواع جديدة من الاعتراض المسلح على الوجود الإسرائيلي يرجح أن تكون أكثر راديكالية وتشددا.

كل ذلك من شأنه أن يخلق واقعاً متفجرا تصعب السيطرة عليه وإدارته في مواجهة معادلات سلطة سورية جديدة تطرح عنوان وحدة الأراضي السورية كعنوان عام لشرعيتها، ومشاريع عربية تطرح الحلول العادلة للقضية الفلسطينية وضبط الأوضاع في لبنان والمنطقة عموما كشروط أساسية للسير في عملية السلام.

تلفزيون سوريا

—————————

خيارات دمشق للتعامل مع الخطط الإسرائيلية؟/ عدنان علي

2025.02.26

تكشف تصريحات رئيس وزراء دولة الاحتلال نتنياهو ووزير دفاعه كاتس بأن إسرائيل ستحتفظ بوجودها العسكري في المناطق التي احتلتها داخل سوريا، وستمنع دخول الجيش السوري الجديد إلى محافظات القنيطرة ودرعا والسويداء، بعض ملامح المخطط الإسرائيلي حيال سوريا.

والواقع أن العقيدة الإسرائيلية، وهي قديمة لكنها تبلورت بعد حرب غزة، تقوم على العمل الوقائي الاستراتيجي، بمعنى التعامل مع الأخطار التي تهدد إسرائيل حتى بعد عقود، والتأسيس لوقائع جديدة تجهض هذه المخاطر.

وترجمة ذلك على الأرض، أن على إسرائيل احتلال مناطق من دول الجوار بذريعة حماية أمنها على المدى الطويل، سواء في سوريا أم لبنان أم غزة وغيرها، حالما تتاح لها فرصة. وترى إسرائيل إن الفرصة مواتية اليوم في سوريا لتطبيق هذه الخطط، بسبب المرحلة الانتقالية التي تمر بها، وضعف الحكومة في دمشق.

تقسيم سوريا

وطبعاً تحت هذه الذرائع الأمنية، ستعمل إسرائيل في مراحل لاحقة على دعم انفصال هذه المناطق عن سوريا، ووضعها تحت الحماية الإسرائيلية، وصولاً إلى اقتناص اللحظة المناسبة لضمها لإسرائيل.

ووفق مصادر عدة، فإن إسرائيل تعول على بعض القوى ذات النفس الانفصالي في جنوب البلاد وشمالها الشرقي، حيث جرى مؤخرا الإعلان عما سمي “المجلس العسكري” الذي ينشط في بعض مناطق ريف السويداء الجنوبي، ويقوده المدعو طارق الشوفي، وهو ضابط منشق عن قوات الأسد، عمل مع تجمعات سياسية تطالب بنظام حكم لا مركزي في سوريا، ولديه تنسيق مع قوات “قسد” في شمال شرقي البلاد. ويبدو أن تصريح نتنياهو “لن نسمح لأي تهديد على الطائفة الدرزية في جنوب سوريا”، كان يستهدف تقديم رسالة دعم لمثل هذه القوى، على خلفية امتداد الطائفة داخل الأراضي المحتلة. كما تحاول قوات الاحتلال أيضاً منذ فترة مد جسور مع الأهالي في المناطق الحدودية خلال توغلاتها المتكررة عن طريق عرض تقديم مساعدات، وهو ما لاقى رفضاً شعبياً كبيراً.

العلاقة بين إسرائيل وقسد

وبالنسبة لقوات “قسد”، تشير صحف إسرائيلية إلى أن مسؤولين كباراً في “قسد” طلبوا المساعدة من إسرائيل بسبب شعورهم بتهديد مستقبل حكمهم بعد الإطاحة بنظام الأسد. وترى قسد أن العلاقة مع إسرائيل فرصة استراتيجية تُتيح لها الحصول على دعم سياسي وربما عسكري من دولة فاعلة في المنطقة، ولها علاقات خاصة مع حليفها الأميركي، في مواجهة الضغوط المستمرة من تركيا والفصائل السورية. وفي المقابل، تحاول إسرائيل أن يكون له موطئ قدم في سوريا عبر الذرائع الأمنية وتحت حجة حماية الأقليات، بينما هدفها الحقيقي تقسيم سوريا عرقياً وإثنياً، مع حرمانها من الموارد النفطية والغازية، إضافة إلى العمل ضد المصالح التركية خاصة في ظل التوترات المستمرة بين الجانبين.

غير أن تطور العلاقة بين الطرفين، وخروجها للعلن، محفوف بالمخاطر بالنسبة لقسد لأن من شأن ذلك أن يثير عليها نقمة شعبية محلية عربية وحتى كردية، إضافة الى استفزاز تركيا التي قد تصعد استهدافها لقسد، وهو ما قد يدفع واشنطن إلى فرملة العلاقة بين الجانبين، أو على الأقل عدم ظهورها للعلن.

الخيارات المتاحة

فضلا عن التوغلات شبه اليومية، وعمليات القصف، تشير صور أقمار صناعية إلى إنشاء جيش الاحتلال سبع قواعد عسكرية داخل المنطقة العازلة في سوريا، عند الحدود مع الجولان المحتل، إضافة الى منطقتين على سفوح جبل حرمون.

ويرى البعض، أن الإدارة الجديدة في دمشق لم تتعامل بالجدية الكافية مع هذه المخاطر الإسرائيلية، واستكانت لوهم أن إبداء النية الحسنة تجاه إسرائيل يكفي لاتقاء شرها، في حين أن إسرائيل تعمل وفق حساباتها الخاصة على المدى البعيد، ولا تلتفت لأية مبادرات ودية قادمة من دمشق.

ومن هنا، يصح القول أن على الإدارة في دمشق تصعيد اهتمامها بما يجري على الحدود مع فلسطين المحتلة سياسياً وأمنياً وديمغرافياً من خلال حشد الموقف الإقليمي (التركي خصوصاً) والدولي، ومن خلال إرسال تعزيزات الى تلك المناطق، ودعم صمود السكان المحليين وتبديد إحساسهم بأنهم متروكون وحدهم في مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية. كما يجب على القوى الوطنية في محافظتي السويداء ودرعا، وهم الغالبية، الانخراط الفوري في الجيش السوري الوليد، وفي الدولة السورية، وتأكيد استعدادهم لقتال أي جيش محتل مع بقية إخوتهم في الوطن.

 أما الإدارة في دمشق، فيمكن تفهم موقفها المتمثل في محاولة عدم التصادم مع جيش الاحتلال في ظل الاختلال بموازين القوى، وفي وقت تنهمك فيه بترتيب الوضع الداخلي الصعب في البلاد، لكن البعض يرى أن الإدارة لا تقوم بكل ما يمكنها القيام به بعيداً عن المواجهة العسكرية، مثل تعزيز وجودها الأمني والإداري والخدمي في كل مناطق محافظة القنيطرة، والمساندة المادية والمعنوية والسياسية للسكان المحليين، بغية تصعيب الوضع أمام التوغلات الإسرائيلية التي تتم اليوم بكل سهولة وفي الوقت الذي تريده إسرائيل.

الخلل الديمغرافي في القنيطرة

وخلال جلسات الحوار الوطني الأخيرة، طالب بعض أهالي القنيطرة النازحين خارج محافظتهم ببناء مساكن لهم على أرض المحافظة بغية تعزيز الوجود السكاني فيها، بما يقطع الطريق على الأطماع الإسرائيلية في تلك المناطق التي تنظر للقنيطرة بوصفها منطقة شبه فارغة نظراً لقلة سكانها الحاليين، حيث لا يتجاوز عددهم اليوم 100 ألف نسمة.

والواقع أن حكم آل الأسد أسهم في جعل محافظة القنيطرة هشة ديمغرافياً من خلال تركها خالية تقريباً من السكان خلال العقود الخمسة الماضية، مع وجود أكثر من نصف مليون نازح من الجولان المحتل يعيشون في ظروف مزرية في محافظات دمشق وريفها ودرعا، بينما كان الأجدر إعادة إسكانهم بما هو محرر من محافظتهم، وهذا ما يجب أن تعمل عليه الحكومة الجديدة.

وكان تعداد سكان القنيطرة قبل احتلال إسرائيل أجزاء منها عام 1967 نحو 350 ألف نسمة، نحو 154 ألفاً منهم كانوا يقيمون في منطقة الجولان التي خضعت للاحتلال بالكامل، وجرى تهجير معظم سكانها، وقسم من سكان القنيطرة، وبقي في الجولان نحو 7 آلاف شخص في القرى “الدرزية” الخمس، وارتفع عددهم اليوم إلى نحو 20 ألفاً، في حين وصل عدد النازحين من الجولان والقنيطرة إلى نحو 600 ألف شخص، موزعين اليوم على محافظات درعا وريف دمشق والقنيطرة، وما زال بعضهم يعيش في مخيمات. وقد استعادت سوريا مساحة 60 كيلومتراً مربعاً تضم مدينة القنيطرة وجوارها وقرية الرفيد في إطار اتفاقية “فض الاشتباك” عام 1974، وعاد إلى هذا الجزء بعض سكانه، باستثناء مدينة القنيطرة التي ما زالت مدمرة.

ورغم أن سياسات المواجهة مع إسرائيل، ترتبط في الوعي الشعبي السوري بسياسات النظام السابق، وتحالفاته مع إيران، وليس لها تالياً رصيد شعبي كبير، غير أنه ينبغي التمييز بين متاجرة نظام الأسد بشعارات المقاومة، والخطر الإسرائيلي الذي هو حقيقة ماثلة، لا ينفع معها دفن الرأس في الرمال، بل لا بد من بلورة سياسة أمنية وعسكرية وسياسية وخدمية متكاملة للتعامل الفعال مع هذه التهديدات.

تلفزيون سوريا

—————————-

ترتيبات أمنية.. من أوكرانيا إلى الشرق الأوسط/ صهيب جوهر

2025.02.27

لم يستطع حزب الله رغم كل الاستعراضات الجماهيرية في الشارع يوم تشييع أمينه العام حسن نصر الله، في توجيه أية رسالة مهمة من خلال الحشود الشعبية الكبيرة التي حضرت، والتي أرادها الحزب استفتاء شعبياً لفرضها كوقائع سياسية في الداخل في ظل الانكسارات التي تعرض لها خلال الأشهر الماضية على المستويين العسكري والأمني، لكن ثمة رسائل أخرى تحمل أبعاداً أكبر ظهرت في التشييع. وأبرز تلك الرسائل جاءت من خلال التواجد الإيراني الرفيع، والتي سرعان ما رد عليها الإسرائيلي بخرقه الأجواء فوق الحشود.

فيما تابعت القوى الإقليمية المتعددة الحضور الإيراني رسالة إيرانية مفادها أن الحرب الإسرائيلية وسقوط النظام السوري لم تنجحا في إخراج إيران من اللعبة اللبنانية، وأن الحضور الإيراني متجذر في لبنان بانتظار تطورات جديدة تسمح له بإعادة ترميم القوة ومراكمتها من جديد، فيما كل التطورات الجنوبية تعطي مؤشرات لموقف إسرائيلي مفاده أنه لا عودة عسكرية لما قبل 17 أيلول 2023.

فرئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، وعلى الرغم من وقف إطلاق النار إن في لبنان أو حتى في قطاع غزة، لا يزال يرسل الإشارات إلى أن المشروع الذي يحمله للمنطقة، لا يزال مستمراً، خصوصاً أن عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض أعطت دفعاً قوياً لطموحات الرجل، خصوصاً بعدما ظهرت التوافقات بين الرجلين خلال الزيارة الأخيرة لنتنياهو إلى الولايات المتحدة.

وإذا كانت حرب غزة قد فتحت الباب أمام حرب لبنان وسقوط نظام بشار الأسد والاندفاع في اتجاه تغيير المعادلة والتوازن في المنطقة، فإن حرب أوكرانيا فتحت بدورها شهية ترامب لإنجاز تغييرات كبرى ستطول العلاقة مع روسيا والركائز التي قامت عليها العلاقة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة الأميركية ودول الاتحاد الأوروبي.

فيما أفصح ترامب ونائبه عن الأهداف التي يسعى إليها البيت الأبيض. فخلال مؤتمر ميونخ للأمن، وجه نائب الرئيس الأميركي جي دي فانس انتقادات لاذعة وقاسية للقادة الأوروبيين بسبب سياستهم حول الهجرة والرقابة القائمة على المعارضة السياسية، والمقصود هنا التضييق القائم على أحزاب اليمين المتطرف، مؤكداً أن واشنطن ستعيد تقييم وجودها العسكري في ألمانيا، وبالتالي تعديل الالتزامات الدفاعية الأميركية، وألمانيا التي تستضيف نحو 35 ألف جندي أميركي ضمن ما يُعرف بالتزامات أمنية أميركية بدأ العمل بها منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية في إطار استراتيجية الردع لمواجهة روسيا، ستضع ألمانيا أمام تحديات وجودية.

وكلام فانس يؤشر إلى أن حقيقة الخلاف مع دول أوروبا الغربية ليس اقتصادياً واجتماعياً كما يظهر، بل سياسي. ويبدو أن التغيير السياسي في الدول الأوروبية بدأت بوادره بالظهور. فأولى مؤشرات الاندفاعة الأميركية مع ترامب أظهرت تقدماً واضحاً لليمين المتطرف في الانتخابات البرلمانية، وهو ما يعني خطورة سياسية ليس فقط في ألمانيا، بل لكل النظام السياسي القائم في دول الاتحاد الأوروبي.

وأهمية الحاصل هو أنه يأتي عقب اتفاق مبهم تم بين ترامب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين لإغلاق الحرب في أوكرانيا. والأهم أن كل المؤشرات توحي أن بوتين يسعى لتعديل الواقع الجيوسياسي لدول أوروبا، عبر تمتين علاقاته مع كل القوى والأحزاب والتيارات اليمينية في أوروبا، وبدا ترامب وكأنه يميل إلى نسف القواعد القائمة على المستوى الدولي، واستبدالها بتحولات استراتيجية جديدة تقوم على تطرف في الليبرالية الاجتماعية، وهو يعتقد أن روسيا بقيادة بوتين قادرة على أن تساعد في مشروع إعادة تشكيل أوروبا والشرق الأوسط والتنسيق معاً لاحتواء التمدد الصيني.

وزار وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف طهران. وتأتي هذه الزيارة في خضم التقارب الحاصل بين واشنطن وموسكو، ما يدفع الإيرانيون للتوجس، في ظل الخشية من أن يؤدي هذا التقارب الأميركي ـ الروسي إلى انعكاسات سلبية على التعاون الاستراتيجي بين روسيا وإيران في الملفات العالقة، ولا بد أن تكون القيادة الإيرانية التي تستعد لمواجهة حملة الضغوط القصوى لترامب، قد ربطت بين وضع إدارة ترامب الأولوية لإنهاء حرب أوكرانيا وإنجاز التفاهمات مع بوتين وترك الملف الإيراني للمرحلة الثانية. ما يعني أن المنطقة ستكون إحدى ركائز التفاهمات الروسية – الأميركية في المرحلة التالية.

لذا كل ما يجري بات يؤشر إلى وجود تفاهمات كبيرة ستطول كل المنطقة، والتي تساهم فيها موسكو في إطار تفاهمات دولية أكبر، لذا لا بد للنظام الإيراني المتخلخل من قراءة المشهد كله بترو، على الرغم من أن المؤشرات الصادرة عن إدارة ترامب تحرص على عدم المس بالنظام القائم في إيران، لكن المتفق عليه هو إنهاء النفوذ الإيراني في المنطقة وإبعاد حزب الله وحلفائه عن الحوض الشرقي للبحر المتوسط وعن مياه الخليج والممرات المائية للتجارة العالمية.

من هنا يمكن تحليل الأداء الإيراني الناعم مع التطورات، وخاصة بعد توقف الحوثيين عن استهداف الممرات البحرية خلال الأسابيع الماضية، وفي لبنان عمد حزب الله إلى إعطاء حكومة نواف سلام الثقة، وهذا ما يفسر عدم حصول تداعيات سياسية بعد أزمة الطائرات الإيرانية، والأهم كانت كلمة الأمين العام للحزب نعيم قاسم، الذي أعلن تمسك الحزب إياه بسقف الدولة واتفاق الطائف والانتقال للمقاومة في السياسة والإعمار.

والأهم هي مرحلة ما بعد الثقة، والمتعلقة بزيارات سيجريها رئيس الجمهورية جوزيف عون إلى السعودية وقطر وسوريا، وعلى الرغم من أن حسابات سياسية لا تزال مفتوحة. فالسعودية لم ترسل بعد أي إشارات توحي بأنها ستدعم مشروع إعادة الإعمار أو أي مشروع آخر متعلق بانتظام الوضع السياسي اللبناني، والتلويح عبر مصادرها المستمرة أنها تحتاج إلى سلوك حكومي جديد يحاكي المطلب المرفوع والقاضي بخروج النفوذ الإيراني من لبنان، وخاصة بعد انهيار حكم الأسد في سوريا.

والحكومة الجديدة والتي لم تبد أي إيجابية بالتعاطي مع دول إقليمية وعربية أخرى، تراقب الضغوط الحاصلة لإتمام الانسحاب الإسرائيلي من التلال الخمسة المشرفة على كل الجنوب، فيما تربط الإدارة الأميركية هذا الوجود بقيام الجيش اللبناني بتفكيك كل البنية العسكرية لحزب الله على امتداد شمال وجنوب الليطاني، لإعطاء جو أمني يدفع المستوطنين للعودة بفترة قليلة.

تلفزيون سوريا

—————————

=================

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى