أبحاثسقوط بشار الأسد، الرئيس الفار والمخلوع

عن التدخل الاسرائيلي السافر في سورية الجديدة، ملف تناول “شهية إسرائيلية لتفتيت سوريا” -ملف متجدد يوميا-

تحديث 28 شباط 2025

—————————

تقسيم سوريا.. واقع وشيك أم خرافة؟/ سلمان عز الدين

28 فبراير 2025

مع كل أزمة تشهدها المنطقة، تظهر خريطة جديدة. خريطة متقنة الرسم، ملونة، ومفصلة، مع هوامش وشروحات وتوضيحات. والقاسم المشترك بين كل الخرائط هو أنها جميعًا تقدم مقترحًا ما لتقسيم آخر، لحدود مختلفة.

إثر احتلال الولايات المتحدة للعراق، ازدهر موسم الخرائط. خريطة تقسم العراق إلى ثلاث دول، وأخرى تقسم السعودية أربعة، وثالثة تشقلب دول بلاد الشام وتلخبط حدودها لتقدمها في شكل “مبتكر” لا يخلو من لمسة خيال. بل إن مصر نفسها، مصر ذات الحدود شبه الخالدة، قد نالت نصيبها من الخرائط، فصارت سيناء دولة مستقلة في خريطة، ونال الأقباط دولة غرائبية في أخرى.

وعلى اختلاف هذه الخرائط، وعلى تناقضها حتى، فقد نُسبت جميعها إلى رؤية المحافظين الجدد لـ “الشرق الأوسط الجديد”.

ومع انطلاق الثورة السورية، عام 2011، انتعش سوق الخرائط مجددًا، ولكن هذه المرة مع قدر أقل من “الإبداع” ومن التنويع، إذ رُسم بعضها وفق معيار سياسي (كان قائمًا وقتذاك)، فقُسمت البلاد إلى دولة للنظام ودول لأطياف المعارضة. فيما البعض الآخر ذهب إلى المعيار الطائفي ـ الإثني، فصار لكل من السنة والعلويين والدروز والأكراد دولهم المستقلة.

منذ “سايكس بيكو” والخرائط، خرائط التقسيم التي تتناسل إلى ما لا نهاية، تشكل هواجس دائمة الحضور في الحياة السياسية العربية (المشرق العربي تحديدًا)، وإذ يحسب البعض رهاب الخرائط هذا على “نظرية المؤامرة”، فإن آخرين يردون وفق منطق يرونه محكمًا وإن بدا بسيطًا: فإذا حدث هذا (التقسيم) مرة فلم لا يحدث مرات؟ وإذا كانت القوى الكبرى استطاعت رسم الخرائط على هواها، يومذاك، فهي لا تزال قادرة الآن. أما المنطقة العربية فهي على حالها منذ مئة عام: لقمة سائغة، عجينة تطيع أي تشكيل.

تعيش سوريا اليوم هواجس التقسيم أكثر من أي وقت مضى.

على وقع التهديدات والأعمال العدائية الإسرائيلية، وإثر تصريحات نتنياهو ومسؤولي حكومته التي تفصح عن شهية مفتوحة لتغيير الواقع السياسي في المنطقة برمتها، وخاصة في سوريا، ينهمر كلام غزير عن التقسيم، عن خريطة ـ خرائط جديدة للبلاد الخارجة للتو من محنة الاستبداد الأسدي الطويل.

ولكن أي قدر من الواقعية ينطوي عليه هذا الكلام؟ ما نصيب القراءة السياسة المدققة فيه، قياسًا بالتهويل الذي تمليه مخاوف موروثة مبالغ بها؟.

يستبعد الباحث في مركز حرمون للدراسات المعاصرة، د. طلال مصطفى، سيناريو التقسيم من حيث المبدأ، ولكنه، مع ذلك، يحاول شرح المسوغات التي دعت البعض إلى ترجيحه. فهناك أولًا “الوجود الأجنبي على الأراضي السورية: أميركا، تركيا، روسيا، إسرائيل. وإذا كان هذا الوجود لن يفضي إلى تقسيم البلاد إلى دول، فعلى الأقل يقسمها إلى مناطق نفوذ. وكذلك هناك عامل يتصل بتعثر الحل السياسي إلى الآن، واستمرار الوضع الراهن دون التمكن من تحقيق انتقال سياسي مقبول من السوريين، سوف يزيد منسوب القلق”.

ويضيف: “وهناك بالطبع التصريحات الإسرائيلية التي ربما كانت العامل الأول في شيوع الحديث عن سيناريو التقسيم، ويضاف إلى ذلك العامل الاقتصادي، فالأزمات المعيشية وانهيار البنية التحتية في البلاد تعزز النزعات الانفصالية”.

وبالمقابل يقدم مصطفى العوامل التي تجعل التقسيم مستبعدًا: “العامل الدولي، فأميركا وروسيا والاتحاد الأوروبي ما زالوا يدعمون وحدة الأراضي السورية. والعامل الداخلي حيث لا توجد حدود واضحة تفصل بين المكونات السكانية في سوريا ما يجعل التقسيم صعبًا إن لم يكن مستحيلًا”. ويتساءل: “كيف يمكن قيام دولة درزية مثلًا، والدروز موجودون في أماكن مختلفة ومتباعدة في الأرض السورية: إدلب، السويداء، ريف دمشق؟”.

ويشير مصطفى إلى أهمية موقف نظام الحكم الجديد في سوريا والرافض، بطبيعة الحال، لأي كلام عن التقسيم، وأيضًا “فالقوى والتشكيلات المسيطرة في درعا والسويداء لا تملك مشروعًا سياسيًا واضحًا للانفصال”. أما عن الأكراد السوريين فثمة سابقة ذات دلالة في هذا الشأن، ذلك أن “أكراد العراق الذين يمتلكون عوامل ومقومات مؤهلة لم يستطيعوا الحصول على اعتراف بدولة مستقلة، فما بالكم بالأكراد السوريين الذين لا يمتلكون مثل هذه المقومات؟”.

ويتفق الكاتب السياسي، سليمان الشمر، مع مصطفى في التقليل من واقعية سيناريو التقسيم، بل يذهب إلى استبعاده تمامًا، معتبرًا أنه من المفهوم “في ظل هذه المرحلة الانتقالية وضعف الاستقرار الذي تعيشه سوريا، أن تمارس إسراىيل أقصى درجات الضغط على السلطة الجديدة، لا سيما وأنها متخوفة من شكل النظام الجديد في دمشق، إلا أن التصريحات الإسرائيلية لن تتجاوز حدود الضغط الأقصى، فمن الواضح أن لاتغيير في خرائط المنطقة”، ويتابع: “ثم ليست إسرائيل هي المقرر في هذه الحيثية، خاصة وأن الدول الفاعلة قد تفاهمت على إغلاق ملف الصراع السوري، الذي بقي مفتوحا أربعة عشر عاما بكلفة بشرية ومادية باهظة”.

الشمر يذكر بتجربة العراق بعد الغزو الأميركي حيث “شاعت أحاديث كثيرة عن التقسيم. التقسيم الذي لم يحدث ولن يحدث، إذ لم يكن من ضمن الاستراتيجية الأميركية، وكان سيتسبب بمفاعيل سلبية وتداعيات خطيرة على دول المنطقة، وما يؤكد ذلك أنه عندما غامر مسعود برزاني بالاستفتاء عام 2019 كلفه هذا الاستفتاء عزله سياسيًا وخسارة محافظة كركوك الأثيرة على قلب أكراد الأقليم”.

ولكن ألم تتغير معطيات المنطقة بعد طوفان الأقصى؟ ألا نقف اليوم أمام واقع جديد وبالتالي توجهات جديدة؟ يجيب الشمر: “مع ذلك فلا نية للعب بالخرائط القائمة. في مناطق قسد، مثلا، لم يصدر عن الإدارة الأميركية، منذ العام 2014 (عام التحالف بين قوات قسد والجيش الأميركي لطرد داعش من سوريا) وحتى الآن، أية وعود بدعم استقلال الأكراد، أو حتى منحهم إدارة ذاتية، وذلك لصعوبة تلك المناطق واقعيًا وديموغرافيًا”. وبالنسبة لبقية المناطق السورية التي يعتبرها البعض مرشحة لنوع من الانفصال، يقول الشمر: “في الساحل والسويداء هناك أصوات تتحدث عن نوع من الاستقلال، ولكن ذلك لا يأتي كخيار أول، بل كخيار أخير. احتمال قائم في حال ساءت الأمور في سوريا بالنسبة لهم”.

منطقة عازلة كبيرة؟

وكانت إسرائيل قد جددت، يوم الثلاثاء الماضي، استهدافها لمواقع داخل الأراضي السورية، إذ شنت طائراتها غارات على أماكن متفرقة في محافظات ريف دمشق والقنيطرة ودرعا.

وحسب مراقبين، فإن الأعمال العدائية هذه قد حملت جديدًا. أولًا، من حيث كثافة الضربات وتحليق الطائرات، وثانيًا من حيث الأهداف المنتقاة، والأهم أن هذه الضربات بدت وكأنها ترجمة سريعة لكلام رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الذي كان قد أعلن عدم السماح بدخول الجيش السوري الجديد إلى المناطق جنوب دمشق، والمقصود محافظات القنيطرة ودرعا والسويداء. الأمر الذي دفع محللين إلى الحديث عن نية إسرائيلية بخلق منطقة عازلة جديدة، أكبر بكثير من تلك التي نص عليها اتفاق فض الاشتباك عام 1974، ذلك أن المنطقة الجديدة تشمل محافظات سوريا الجنوبية الثلاثة بمساحة تصل إلى 11 ألف كيلو متر مربع. وقد برز سؤال في هذا السياق عما إذا كانت إسرائيل قد بدأت في رسم حدود هذه المنطقة العازلة بالنار؟

يرى الباحث طلال مصطفى أن إسرائيل “إذا لم تسع إلى تقسيم فهي قد تسعى لتحقيق بيئة أمنية واستراتيجية تخدم مصالحها.. قد تعمل على فرض منطقة آمنة على نمط الجنوب البناني في الثمانينات”، مضيفًا: “هاجس إسرائيل هو منع دولة سورية قوية. وعندما كانت هذه الدولة قوية نسبيًا في عهد الأسدين فلم تكن تخيفها. كانت مطمئنة لنظام الأسد، وهي اليوم غير مطمئنة للنظام الجديد، حتى مع عدم امتلاكه أسلحة استراتيجية، واقتصاره على أسلحة تكاد تكون شُرَطية”.

ويقول مصطفى: “ربما تلجأ إسرائيل إلى دعم صيغة حكم ذاتي كردي ولكن هذا يحتاج موافقة أميركية، ومن جهة ثانية قد تلعب روسيا دورًا ما، إذ من الممكن أن تحدث تفاهمات بينها وبين إسرائيل وبين بعض فصائل الجنوب لضمان الأمن الإسرائيلي. كل هذا ربما يكون واردًا، دون أن يصل أي من هذه الاحتمالات إلى حد التقسيم”.

ويتوقف سليمان الشمر عند مواقف بقية دول الإقليم، الأردن والسعودية وتركيا. فإذا كانت هذه الدول “تريد من النظام الجديد في دمشق الالتزام بمطالب ضبط الحدود ومنع عودة إيران إلى سوريا، كما تريد اعتماد نظام تشاركي وضمان استقرار وسلم أهلي، ما يجعلها غير منزعجة من أي ضغوط خارجية تمارس على هذا النظام، فإنها بالمقابل وبالقطع ليست مع التقسيم او أي إضعاف لسيطرة الدولة السورية على أراضيها، لما يسبب ذلك من تداعيات خطيرة على المنطقة كلها”.

حكومة دمشق: أي دور؟ أي موقف؟

يأخذ كثير من السوريين على حكومتهم صمتها إزاء الاستفزازات الإسرائيلية، ويتهكم بعضهم بالتساؤل: “وهل سيحتفظ هذا النظام أيضًا بحق الرد؟!”.

يشير الشمر إلى أن البيان الختامي لمؤتمر الحوار الوطني قد تضمن تنديدًا بتصريحات نتنياهو وتأكيدًا على العمل من أجل الحفاظ على وحدة  الاراضي السورية، “لكن واقعيًا الدولة السورية خرجت من الصراع دولة منهكة ولا طاقة لها بالتصدي عسكريًا. وعدم اللجوء للخيار العسكري هو خيار واقعي”.

لكن بالمقابل ــ يضيف الشمر ــ بإمكان السلطة الجديدة “الاستناد الى مشاركة ودعم الشعب السوري، وكذلك الاستناد إلى موقف عربي داعم ورافض للتصرفات العدوانية الإسرائيلية”.

ويؤيد مصطفى، من جهته، عدم وجود إمكانية للإقدام على خطوة عسكرية، “فالأولوية الآن لاستتباب الأمن الداخلي وبناء مؤسسات الدولة”. مؤكدًا أنه “من البدهيات الوطنية أن ترفض الحكومة السورية رفضًا قاطعًا أي حديث عن تقسيم أو منطقة عازلة، ويمكن لها أن تستخدم خطابًا وطنيًا سياسيًا شديد اللهجة، على الصعيدين المحلي والدولي، كما يمكنها أن تتواصل مع روسيا التي لها دور إيجابي في تطمين إسرائيل ومنعها من أي عدوان”.

ولا يقل أهمية عن ذلك هو أن “تقوم الحكومة بردم الفجوات بينها وبين الفصائل في الجنوب، وبكسب ثقة القوى والشخصيات الأهلية الفاعلة، وخاصة وقد لاحظنا ردود فعل الجنوب الرافضة لحديث الانفصال ولتصريحات نتنياهو. هذا الرفض الشعبي الذي امتد إلى مدن سورية عديدة مثل دمشق وحمص، ووصل إلى بلدات ومدن صغيرة مثل مصياف والسلمية”.

ويؤكد الشمر على هذه النقطة في ختام حديثه “فليس بإمكان السلطة الجديدة تطويق الآثار السلبية للمواقف الإسرائيلية الأخيرة، إلا عبر التوافق السياسي، ولا سيما فيما يتصل بفصائل الجنوب الرافضة لتسليم سلاحها”.

الترا سوريا

———————————–

دروز سوريا بين إسرائيل و”هيئة تحرير الشام”/ وليد فارس

التطور الذي يغير الوضع الجيوستراتيجي بات معارضة مناطق الدروز لحكومة أحمد الشرع

الجمعة 28 فبراير 2025

بحسب التقدير الاستراتيجي لم يبقَ سوى خيط واحد قد يكون له دور في تسوية سورية- سورية، من المحتمل أن تكون مبادرة سعودية لمؤتمر يجمع الهيئة والسنة العرب في سوريا مع الأكراد والدروز وربما العلويين وبمشاركة المسيحيين أيضاً، فإما أن تقبل كل هذه الفئات بمبادرة من هذا النوع تحت إشراف الرياض أو أن يتجذر الأمر الواقع، أي أن يبقى الدروز على أرضهم بحماية إسرائيلية، وربما أميركية، حتى حلول مرحلة جيوسياسية جديدة.

التطورات في الهلال الخصيب تتسارع بوتيرة عالية تفوق سرعة انهيار السلطنة العثمانية وتوقيع “اتفاقية سايكس- بيكو” في العشرينيات من القرن الماضي. وأهم تلك التطورات هي الحاصلة الآن في سوريا، أكان في شمالها بين الأكراد من ناحية والميليشيات الإسلامية من ناحية ثانية أو جنوبها بين الدروز والميليشيات نفسها المسيطرة على دمشق.

إلا أن الضربات الجوية الإسرائيلية الأخيرة والمكثفة على مواقع “هيئة تحرير الشام” وحلفائها وتصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي الصادمة خلطت الأوراق مجدداً منذ إسقاط نظام بشار الأسد والأوراق لا تزال تختلط، لذلك وقبل اشتعال محتمل فلنستعرض ما تطور حتى الآن وإلى أي وضع يمكن أن يبلغه.

مع وصول قوات المجلس العسكري التابع لـ”هيئة تحرير الشام” إلى العاصمة وانتشارها في المدن الكبرى وإعلانها الذاتي أنها باتت هي “الدولة الانتقالية” حتى تشكيل الدولة السورية بصورتها النهائية ودستورها الجديد ووعدت بمشاركة كل القوميات والطوائف والمكونات، سارع عدد من الدول إلى الاعتراف بالسلطة الجديدة وزارت وفود العاصمة السورية للحوار مع حكومة “الجولاني” كسلطة انتقالية رسمية، إلا أن منطقتين عارضتا تسليم سلاحهما إلى “الهيئة”، الشمال الشرقي حيث “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) و”المجلس العسكري لمحافظة السويداء”.

وموقف “قسد” معروف وقديم وصراعها مع الميليشيات الإسلامية الإخوانية والتكفيرية عمره أعوام، لا سيما منذ معارك كوباني وسقوط بلداتها على الحدود مع تركيا وعفرين. إلا أن الحماية الأميركية أمنت الحد الأدنى وأمنت استمرار “روجافا” (كما يسمونها) وفيها أكراد وعرب ومسيحيون، لكن التطور الذي يغير الوضع الجيوستراتيجي في البلاد بات معارضة مناطق الدروز، بخاصة في محافظة السويداء، “لحكومة أحمد الشرع” لأسباب متعددة، أهمها عدم إشراك الأقليات في آلية صياغة الدستور الجديد للبلاد وعدم الموافقة على تسليم السلاح قبل التفاهم حول دستور جديد وإطلاق حكومة تعددية وتأليف جيش مركزي جديد.

لكن موقف القيادة الروحية والسياسية لدروز سوريا الذي خرج من السويداء كان مختلفاً في الشكل والمضمون عن واقع “قوات سوريا الديمقراطية” في الشمال، فدروز السويداء شاركوا في الثورة ضد النظام السابق وكانوا لاعباً مهماً في تحرك المجتمع المدني السوري ككل، وهم من أنصار الدولة المدنية الوطنية وتعرضوا لاضطهاد سياسي وأمني، ولكن أقسى ما تعرضت له السويداء خلال الثورة والحرب أعمال إرهابية من قبل تنظيم “داعش” والميليشيات الإسلامية، وتطورت الاعتداءات الميليشياوية من كل الاتجاهات، أكانت من النظام أو ما يسمى (في الغرب) “جماعات جهادية” إلى مجازر ضد المدنيين في المحافظة.

وشكلت تلك التجربة قناعة راسخة لدى دروز سوريا بأن يحافظوا على سلاحهم حتى تأمين سلامتهم وأمنهم الجماعي وحريتهم، إذ إنهم عانوا الأمرّين خلال حكم الأسد والجماعات الإسلامية المقاتلة، ومن هنا يُقرأ موقفهم من أي حكم جديد، فليس للدروز مشروع هوية قومية خاصة بهم غير الهوية العربية إثنياً، لكنهم فقدوا الثقة بالذين حكموهم كالبعث والخمينيين والجماعات التكفيرية التي هددتهم، لذا سياستهم هي تشكيل حماية ذاتية حتى إشعار آخر.

ماذا حدث مع “الهيئة”؟ قيادات السويداء كان لهم نضال مشترك مع الإسلاميين غير “داعش” ضد النظام البائد وكانوا يتطلعون إلى حكومة مركزية متعددة الأطراف تمثل المناطق الأساس حتى لو ترأسها قائد من طرف “الهيئة”، وكانوا يرغبون في أن تستضيفهم السعودية خلال مؤتمر حوار مع القوى العربية السنية والأكراد والأقليات الأخرى. إلا أن مسارعة “هيئة تحرير الشام” ومجلسها العسكري إلى إجبار المكونات الأخرى من أكراد وعلويين ودروز على حل قواتهم الدفاعية والاستسلام لميليشيات الهيئة قلبت الموقف. فبعد رفض السلطة المركزية في دمشق خيار التعددية والفيدرالية وإرسالها قوات أمنية للسيطرة على السويداء والجنوب بالقوة، وضع المجلس العسكري الجنوبي خطاً أحمر وشكل قوته الخاصة ورفض سلطة “الهيئة” حتى “تغيير المسار”.

أما تجاه إسرائيل، فلدروز الجنوب السوري والأقليات الأخرى تطور في الموقف، إذ إن تاريخ هذه الطوائف قبل الثورة يدل على وقوفها إلى جانب الدولة السورية حتى اندلاع الثورة عام 2011 عندما قمعت التظاهرات الشعبية، فالتحقت بالانتفاضة. إلا أن اعتداءات “داعش” ومجموعات إرهابية أخرى دفعت الأهالي إلى التواصل مع طائفتهم في الجولان. وكان ذلك خطراً كبيراً عليهم مما أقنعهم بأن أحداً لن يحميهم إلا سلاحهم وأبناء بني معروف في أي بلد كانوا.

وقام دروز إسرائيل بدور أساس في نمو تيار داخل إسرائيل لحماية الدروز في جنوب سوريا كامتداد لدروز إسرائيل، إلا أن أهل السويداء لم يتحالفوا مع إسرائيل على رغم الأخطار ضدهم، ولكن تهديد “هيئة تحرير الشام” باجتياح المحافظة ونزع سلاحها ونشر مواقف معادية للدروز من قبل أنصار “الهيئة” قطعت شعر معاوية بين الإسلاميين والمجلس الجنوبي، فطلب دروز إسرائيل من حكومتهم أن تحمي أبناء جلدتهم داخل سوريا، فقررت تل أبيب أن تمد حمايتها العسكرية إلى شمال السويداء محذرة “الهيئة” بأن أي تقدم لقوات السلطة في دمشق باتجاه الجنوب ستضربه إسرائيل.

هكذا انهار الوضع بين الجنوب السوري و”هيئة تحرير الشام” وبات دروز محافظة السويداء وشركاؤهم تحت المظلة الإسرائيلية في مواجهة الميليشيات الإسلامية التي تدعمها تركيا. وبحسب التقدير الاستراتيجي لم يبقَ سوى خيط واحد قد يكون له دور في تسوية سورية- سورية، من المحتمل أن تكون مبادرة سعودية لمؤتمر يجمع “الهيئة” والسنة العرب في سوريا مع الأكراد والدروز وربما العلويين وبمشاركة المسيحيين أيضاً، فإما أن تقبل كل هذه الفئات بمبادرة من هذا النوع تحت إشراف الرياض أو أن يتجذر الأمر الواقع، أي أن يبقى الدروز على أرضهم بحماية إسرائيلية، وربما أميركية، حتى حلول مرحلة جيوسياسية جديدة.

——————————–

التصعيد الإسرائيلي في جنوب سورية/ سالي علي

27 فبراير 2025

تصاعدت التوترات في جنوب سورية بعد الغارات الجوية الإسرائيلية الأخيرة، التي استهدفت مواقع عسكرية في مناطق قريبة من دمشق ودرعا. وجاء هذا التصعيد في أعقابِ تصريحات الرئيس السوري أحمد الشرع خلال مؤتمر الحوار الوطني السوري، والتي شدّد فيها على سيادة سورية ووحدتها، مع رفض أي تدخلات خارجية. فهل كانت هذه التصريحات سببًا مباشرًا في التصعيد الإسرائيلي، أم أنّ الأمر يتجاوز مجرّد الكلمات إلى حساباتٍ سياسية وأمنية أوسع؟

شهدت سورية تحولاتٍ كبيرة خلال الأشهر الماضية، خاصة بعد سقوط نظام بشار الأسد وسيطرة فصائل معارضة بقيادة “هيئة تحرير الشام” على دمشق، قبل أن تتوصّل القوى السورية إلى تسوية سياسية أفضت إلى تشكيل حكومة جديدة برئاسة أحمد الشرع. هذه التغيرات أعادت رسمَ خريطة التوازنات الإقليمية، وأثارت مخاوف عدة أطراف، أبرزها إسرائيل، التي تسعى إلى ضمان عدم تمركز قوات معادية على حدودها الشمالية.

إسرائيل، التي لطالما اعتبرت النفوذ الإيراني والمليشيات المتحالفة معه في سورية تهديدًا وجوديًا، وجدت نفسها أمامَ مشهد جديد يتمثل في حكومة سورية تحاولُ فرض سلطتها وإعادة بناء جيشها، وهو ما قد يفسر الهجمات الأخيرة التي استهدفت مواقعَ عسكرية في الجنوب.

تصريحات الشرع وتأثيرها على التصعيد

خلال مؤتمر الحوار الوطني السوري، أكد الرئيس أحمد الشرع أن “سورية لا تقبل القسمة”، وأن “وحدة السلاح بيد الدولة ضرورة لا يمكن التنازل عنها”؛ كما ندّد بالمحاولات الخارجية لإثارة الانقسامات الداخلية، في إشارةٍ واضحة إلى الضغوط الإسرائيلية والغربية. هذه التصريحات جاءت ردًا على مطالبات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بجعلِ جنوب سورية منطقة منزوعة السلاح، وهو ما رفضته الحكومة السورية الجديدة بشدة.

إسرائيل رأت في هذه التصريحات إشارة إلى أن الحكومة السورية الجديدة لن تكون أكثر مرونة من النظام السابق في ما يخص الوضع العسكري في الجنوب، مما دفعها إلى تنفيذ عملياتها العسكرية لتعزيز موقفها وفرض شروطها الأمنية على الأرض.

لا يمكن النظر إلى هذا التصعيد بمعزل عن المشهد الإقليمي والدولي. فالتغيرات التي شهدتها سورية جاءت في ظل تنافسٍ إقليمي حاد، حيث تحاولُ كلّ من روسيا وإيران وتركيا والدول العربية إيجاد موطئ قدم لها في سورية ما بعد الأسد. من جهة أخرى، تسعى إسرائيل إلى استغلال هذه المرحلة الانتقالية لإعادة رسم قواعد الاشتباك بما يضمنُ أمنها على المدى الطويل.

إضافة إلى ذلك، فإنّ الولايات المتحدة والمجتمع الدولي لم يبديا موقفًا واضحًا من التطورات الأخيرة، وهو ما قد يمنحُ إسرائيل مساحة أكبر للمضي في استراتيجيتها العسكرية دون ضغوط دبلوماسية حقيقية.

نحو مواجهة مفتوحة أم تسوية؟

التصعيد الإسرائيلي في جنوب سورية قد يكون رسالة تحذيرية أكثر من أنّه بداية لحملة عسكرية واسعة، لكن استمرار التوترات من دون وجود قنوات للحوار قد يؤدي إلى تصعيد أكبر. الحكومة السورية الجديدة تجدُ نفسها أمام تحدٍ مزدوج: من جهة، عليها إثباتُ قدرتها على فرض سيادتها وحماية أراضيها، ومن جهة أخرى يجب أن تتعامل بحذرٍ مع التحركات الإسرائيلية لتجنبِ الانزلاق لمواجهة مباشرة.

في ظل هذا المشهد المعقد، يبدو أن الحل الأمثل يكمن في التفاوض عبر وسطاء دوليين، خاصة روسيا والدول العربية، لاحتواء التصعيد ومنع انزلاق المنطقة إلى صراع جديد لا تخدم نتائجه أي طرف. ومع ذلك، يبقى السؤال مفتوحًا: هل ستتجه الأمور نحو التهدئة، أم أن جنوب سورية سيكون ساحة لصراع جديد في الشرق الأوسط؟

العربي الجديد

———————————–

لبنان وسوريا: فك الحصار والعقوبات مشروط بـ”تسوية” مع إسرائيل/ منير الربيع

الجمعة 2025/02/28

يتشابه دفتر الشروط الأميركي المفروض على لبنان مع ذاك المفروض على سوريا. على الرغم من دخول البلدين في مرحلة سياسية جديدة، ووسط الاحتضان الكبير الذي ظهر عربياً ودولياً للسلطتين الجديدتين. إلا أن المجتمع الدولي يتعاطى معهما بأنهما في حالة اختبار دائمة، وستبقى الامتحانات قائمة ومستمرة. ومع أي نوع من المساعدات يفترض أن تحصل عليه إحدى الدولتين، لا بد له أن يكون مقروناً بشروط قاسية، إما سياسياً، أو مالياً، أو عسكرياً، أو على مستوى السياسة الخارجية. الهدف الأميركي الأساسي والمعلن للوضع في المنطقة هو “السلام”، أي تكريس السلام مع إسرائيل وإنهاء الصراع، وهو ما يقتضيه “الإجهاز” على القضية الفلسطينية، ومنع قيام دولة مستقلة للشعب الفلسطيني. فمشروع ترامب لريفييرا الشرق الأوسط انطلاقاً من غزة، والفيديو الهزلي الذي نشر لترامب ونتنياهو على شواطئها، يشير بوضوح وجدية إلى النوايا الإسرائيلية الأميركية، في جعل القطاع خالياً من السكان. ذلك يُضاف إلى الإصرار الإسرائيلي على إفراغ مخيمات الضفة الغربية من السكان تمهيداً لضم الضفة بشكل كامل.

تغييرات ديموغرافية

تواصل إسرائيل سعيها وراء تحقيق مشروعها بالإرتكاز على الضغط العسكري الكبير أو الضغط السياسي، بالإضافة إلى مشاريع التهجير التي أطلقتها من قطاع غزة، وتسعى إلى إحداث بعض التغييرات الديمغرافية. حتى الآن اصطدمت تل أبيب برفض مصري وأردني لأي عملية تهجير للفلسطينيين، لكنها لم تتخل عن هذا الخيار وإن اقتضى ذلك تهجير الفلسطينيين إلى دول أخرى. في الموازة تتواصل الضغوط العسكرية على سوريا ولبنان معاً. وتعتبر إسرائيل أنها نجحت في توجيه ضربات قاسية واستراتيجية لكل حركات المقاومة أو للجهات التي تصر على مواصلة الحرب معها وضدها وترفض أي اتفاقات سلام. تعتبر إسرائيل أنها حققت ربحاً صافياً على إيران ومحورها، من خلال ضرب حلفائها عسكرياً وإضعافهم، بالإضافة إلى استمرار التلويح بإمكانية ضرب إيران نفسها، إن لم تقدم الأخيرة تنازلات كبيرة جداً لتجنّب تلك الضربة. ذلك أسهم في إبعاد إيران عن التأثير أو التحكم في الساحتين السورية واللبنانية.

تطور المسار بين إسرائيل وإيران، وبين الولايات المتحدة الأميركية وإيران هو أحد المسارات المتحكمة بمسار فرض السلام على دول المنطقة. فيما المسار الآخر هو تبلور موقف عربي أو إقليمي جامع يرفض المنهجية المشتركة الأميركية الإسرائيلية.

الضغوط والعقوبات

الضغوط التي تُمارسها واشنطن على طهران، من خلال اعتماد استراتيجية الضغوط القصوى عبر العقوبات، هي نفسها تعتمدها مع لبنان وسوريا. فعلى الرغم من الانفتاح السياسي والاحتضان الواضح للسلطتين الجديدتين، إلا أن ذلك لا يزال غير مكنوز بحجم المساعدات المطلوبة والاحتياجات الضرورية لإحداث نهضة في البلدين.

بعض المعلومات الواردة من الولايات المتحدة الأميركية تفيد بأن واشنطن غير جاهزة حتى الآن لرفع العقوبات عن سوريا، وهي لا تزال تمارس ضغوطاً على القيادة الجديدة وعلى الرئيس أحمد الشرع، وذلك يوضح أن مسار رفع العقوبات سيكون مرتبطاً بمدى الاستجابة السورية للشروط المفروضة أميركياً أو حتى إسرائيلياً على طريق فرض مسار “السلام”. ومن غير المستبعد أن تكون هناك فكرة إسرائيلية تقتضي بتهجير الفلسطينيين من غزة أو من الضفة إلى الأراضي السورية، في حال استمرت مصر والأردن على رفضهما لمشروع التهجير. وليس كلام المسؤولين الإسرائيليين عن انعدام ثقتهم بالإدارة الجديدة في سوريا إلا أسلوب جديد من أساليب الضغط للحصول على المزيد من التنازلات أو الالتزامات من قبل القيادة السورية.

لبنان أيضاً أمامه دفتر شروط واضح للحصول على المساعدات المطلوبة أو التي يحتاجها. وبما يتعلق بتقوية الجيش اللبناني وتعزيز وضعيته ليصبح قادراً على السيطرة على كامل الجغرافيا اللبنانية، فهذا يجب أن يحصل مقابل إضعاف حزب الله، ومقابل سلوك مسار سياسي جديد في السياستين الداخلية والخارجية، بالإضافة إلى فتح مسار تفاوضي مع إسرائيل يؤدي في النهاية للوصول إلى اتفاق سلام أو ما يشبهه، ربطاً بتوطين اللاجئين الفلسطينيين في لبنان وهو مشروع كان قد طُرح قبل سنوات مديدة، وكانت آخرها في العام 2017 عندما نقل هذا المقترح أحد الوزراء البريطانيين إلى السلطات اللبنانية.

كذلك لن يتمكن لبنان من تحصيل المساعدات المطلوبة إلا من خلال إحداث تغيير يتجاوز سياسته الخارجية، ليشمل كل البنية الداخلية في مؤسساته الأمنية والعسكرية، أو مؤسسات الدولة الإدارية والمدنية، بالإضافة إلى إعادة هيكلة كل وضعيته المصرفية والمالية بما يتلاءم مع الشروط الدولية ولا سيما الأميركية، فيصبح البلد خاضعاً لضوابط مفاتيح التحكم بها في الخارج وليست في الداخل.

المدن

——————————-

جنوب سوريا: مؤامرة قديمة تستفيد من أخطاء جديدة/ ناصر زيدان

الجمعة 2025/02/28

لا يمكن تبرير أي تجاوب مع الدعوات الإسرائيلية المشبوهة لفرض وضعية انفصالية خاصة في جنوب سوريا، خصوصاً في محافظة السويداء التي يقطنها أغلبية من الموحدين المسلمين الدروز. وكلام رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو الأخير لقي ردود فعل رافضة من مختلف مكونات الشعب السوري، لا سيما في السويداء، حيث خرج الآلاف من أبنائها إلى الساحات مُنددين بمواقفه، وداعين إلى لجهاد ضد إسرائيل في سبيل الحفاظ على الأرض العربية وعلى الكرامة المعروفية المتأصلة.

طموحات صهيونية

الطموحات الصهيونية في تفتيت المنطقة وتشتيت المواقف في الدول المحيطة بالكيان الغاصب؛ قديمة، وسبق أن عُرض على البدون وعلى الدروز وعلى سكان شرق النهر وعلى عرب سيناء إقامة كانتونات خاصة بهم، تفصلهم عن جذورهم العربية، ولكنها في الوقت ذاته تُنتج لهم مشكلات مع المحيط، لا يمكن التنبؤ كيف تنتهي، وحينها تتنعَّم إسرائيل بالأمن الذي يتوافر بواسطة هذا المشروع التفتيتي، لأن الآلة العسكرية وثقافة القتل؛ لا يمكن أن تحميان دولة الاحتلال المُهددة بحتمية التاريخ وبإحقاق الحق مهما طال الزمن.

سبق وأن خططت الحركة الصهيونية لفرض مشروع إقامة دولة درزية في نهاية ستينات القرن الماضي، وتمَّ التصدي للمخطط بالتعاون بين الزعيم الراحل كمال جنبلاط والرئيس المصري الأسبق جمال عبد الناصر، وسبق ذلك أيضاً رفض مشروع تهجير الدروز من فلسطين إلى جنوب سوريا إبان محنة العام 1948، وكان لموقف قائد الثورة السورية الكبرى سلطان الأطرش دوراً محورياً في إجهاض المؤامرة. والمحاولات تكررت بعد الغزو الإسرائيلي للبنان في العام 1982، وكان لوليد جنبلاط قرار حاسم في هذا السياق، واتخذ موقفاً صارماً في الانحياز مع سوريا ومع العمق العربي مهما كانت التباينات، وعدم الإنجرار وراء المشاريع الصهيونية التفتيتية المُدمرة.

قومية مستقلة

لكن التصدي للمؤامرة الصهيونية يحتاج إلى مقومات، ولا يمكن مقارعة العدوان بالخطابات الرنانة فقط، ذلك أن إسرائيل تُجنِّد مجموعات عديدة للتشويش وللدفاع عن رؤاها الواهية، وهي نجحت في إقناع بعض الدروز في كونهم “قومية مستقلة” وأصدرت قانوناً يفرض التعامل معهم وفق هذا المعيار، ولم تربأ للحقائق الدامغة التي تؤكد عروبة الدروز، بما في ذلك كونهم شريحة إسلامية توحيدية انحازت إلى العقل والحِكمة، حتى أن لغتهم العربية فصحى إلى حدود متقدمة، ومتمسكون بلفظ حروفها وفق أصولها، ولم يتأثروا بأي تحريف أو حداثة في هذا السياق.

بعض الأخطاء المقصودة أو التي تحصل عن غير قصد تخدم المؤامرة، فشرائح واسعة من الدروز أو غيرهم -خصوصاً في جنوب سوريا- تُركوا من دون أي معونة أو إسناد، وهم ذاقوا ويلات العوَز والضائقة المعيشية إبان فترة حكم بشار الأسد الذي ظلمهم وحاصرهم لأنهم لم يُطيعوه في قتال أبناء وطنهم، وتمردوا عليه. وقد تأملوا خيراً بنجاح الثورة -وهم أكثر مَن ساهم فيها- وتطلعوا إلى ملاقاة الفرج والبحبوحة، فإذا بهم يحصدون الخيبة من خلال خطوات غريبة عجيبة، وتكاد تكون تجويعية، حيث لا عمل ولا إنتاج ولا معونة، حتى أن رواتب الموظفين والمتقاعدين المُتدنية للغاية التي بالكاد تكفي لشراء الخبز، قُطعت عنهم، ولم تدفع الحكومة الجديدة المستحقات لمن ليس لهم أي ذنب في أداء العهد البائد. وصرفت الموظفين من دون أي معايير، بما يتعارض مع أبسط حقوق الإنسان، فالحق بالحياة وبالطعام مكفول حتى لدى المحكومين او السجناء.

تغلغل إسرائيلي

هذه الأخطاء، إضافة الى التهويلات والدعايات التي رافقت انتصار الثورة في سوريا، ومنها بعض المشاهد والممارسات التي أوحت بأن النظام القادم سيعتمد على مقاربات “إسلامية مُتشددة” على عكس ما أعلن الرئيس أحمد الشرع؛ سمحت للعدو بالتغلغُل في بيئات سورية مختلفة، ومنهم الدروز. وإسرائيل أعلنت أنها ستحمي مَن يتعاون معها، وهي ستقدِّم فرص عمل في المناطق المُحتلة، تصل الى حد دفع 100 دولار عن أجر اليوم الواحد للعامل، بينما لا يتقاضى الموظف مثل هذا المبلغ في شهرٍ كامل داخل سوريا. ويكمن إدراج قول الأديب جبران خليل جبران في هذا السياق كمثال ولو بعيد الشبَه، حيث ذكر في كتاب النبي “إذا أنت غنيتَ للجائع فهو يسمعك في معدته”.

الحراك المعارض للانخراط في مسيرة الدولة الجديدة في السويداء وفي غيرها، يتسلَّح بالخوف من نظام مُتشدَّد وأُحادي يُشبه ما كان قائماً، ومنهم من يتلقى معونات مالية وإغراءات وازنة، بينما الحكومة الجديدة لم تقُم بالتطمينات اللازمة في هذا السياق، لا من حيث توفير وسائل العيش الكريم، ولا من حيث تأكيد وحدة المواطنة لكل السوريين وبالمساواة، وقد استغلَّ بعض المتربصين – ومنهم رموز من حقبة النظام السابق – هذه الوضعيات للترويج للأفكار الهدامة، ومنها تخويف ما يسمى “الأقليات” من استبداد الأكثرية، وهي ثقافة ممجوجة، سبق وأن استخدمتها إسرائيل للتفريق بين مكونات الأمة.

مهما كانت ظروف الحكومة الجديدة في سوريا صعبة، وقاسية، وتحدياتها كبيرة وواسعة، لكنها مطالبة بإعادة النظر ببعض الإجراءات، وخصوصاً موضوع توقيف رواتب المتقاعدين، وإشهار احترامها للتنوع وللحريات العامة أكثر مما هو قائم. والدول العربية والصديقة مطالبة بالوقوف الى جانب سوريا الجديدة، ومساعدتها في الخروج من الضائقة المالية والمعيشية، وتحصينها دولياً بما يردع عنها العدوان الإسرائيلي المتمادي.

المدن

——————————

عن تصريحات نتنياهو العدائية تجاه سوريا الجديدة/ ماجد عزام

الجمعة 2025/02/28

أطلق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مساء الأحد، تصريحات أقرب إلى التهديدات تجاه سوريا الجديدة، حيث طالب بنزع السلاح، وعدم انتشار قوات الجيش في منطقة الجنوب السوري كلها، أي محافظات القنيطرة، درعا، والسويداء، من الحدود حتى العاصمة دمشق مع تدخل فظّ بالشؤون الداخلية، مشيراً إلى استمرار تواجد جيش الاحتلال في المنطقة العازلة وجبل الشيخ إلى أجل غير مسمى، وضمان أمن الدروز ورفض أي تهديدات لهم.

التقسيم

التصريحات الفظّة كما دائماً هدفت إلى مخاطبة الرأي العام الداخلي، وبقاء العصب المشدود في حروب إسرائيل الأبدية، ولا يقل عن ذلك خطورة وأهمية السعي لفرض إسرائيل كلاعب مؤثّر في سوريا الجديدة، وابتزاز السلطة الحاكمة بقيادة الرئيس أحمد الشرع وفريقه، وبثّ الفتنة بين مكونات الشعب السوري وصولاً إلى دعم الفدرالية والحكم الذاتي وحتى التقسيم الذي لم يعد هدفاً خافياً للسياسة الإسرائيلية ولو بشكل غير رسمي.

بداية، لا شك أن التهديدات غير شرعية وغير قانونية وفق المواثيق والمعاهدات الدولية وتستند على شريعة الغاب والقوة القهرية وتتعارض مع قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة وتحديداً اتفاقية فكّ الاشتباك بين سوريا والدولة العبرية. كما أن وجود القوات الدولية “يوندوف” في المنطقة العازلة، التي فرط فيها نظام آل الأسد، كان يجب أن يمتد على جانبي الحدود لا الجانب السوري المحرر فقط مع انتشار رسمي محدود فيها.

شد العصب الداخلي

وفيما يخص التهديدات، فقد كانت المناسبة لافتة أيضاً وتتمثل بحفل تخريج ضباط بالكلية الحربية مع تقمص نتنياهو ثوب الجنرال لشد العصب الداخلي على طريق الحروب الأبدية، وتكرار مزاعم تحقيق انتصارات وهمية، بما في ذلك إسقاط نظام بشار الأسد مع التذكير بحقيقة إن الشعب السوري العظيم وتضحياته الهائلة وغير المسبوقة (مليون شهيد ومئات آلاف الجرحى والمفقودين، وعشرات ملايين النازحين) هو من أسقط بشار الأسد بعد فشل الآلة القمعية الوحشية للنظام وإيران وميليشياتها في حمايته، ثم بقائه بفضل الاحتلال الروسي الذي تآكل تدريجياً إثر التورط والاستنزاف الروسي بالمستنقع الأوكراني، وبالتالي لا يحق لنتنياهو الادعاء بإسقاط الأسد، ولا تستحق تل أبيب أبداً زهوراً من دمشق الحرة كونها معتدية ولا تزال تحتل أراضي سورية (الجولان ومزارع شبعا) وفلسطينية أيضاً.

منع نهضة سوريا

إلى ذلك يسعى نتنياهو بفظاظة إلى فرض إسرائيل لاعباً في سوريا الجديدة والتأثير على المشهد والمستقبل فيها، وابتزاز القيادة الجديدة لفتح حوار وقنوات اتصال مع الحكومة الإسرائيلية.

ومن جهة أخرى تسعي تل أبيب بوضوح إلى منع سيرورة النهوض، وبناء المؤسسات بما فيها الأمنية والعسكرية، والنيل من هيبة العهد الجديد وإبقاء سوريا الجديدة ضعيفة عاجزة أسيرة الوقائع المفروضة إسرائيلياً.

بالسياق، تسعى تل أبيب كذلك إلى ابتزاز الدول العربية وتركيا وحتى الاتحاد الأوروبي والجهات المنخرطة بالمشهد السوري لفتح قنوات اتصال مع تل أبيب وتوفير ضمانة لها بعدم خلق تهديدات سورية أو فلسطينية سورية لها في تعبير عن الهوس الأمني وعدم الشعور بالأمان رغم ترسانتها الحربية الهائلة التقليدية وغير التقليدية.

حماية الدروز!

خفايا مماثلة تقريباً، نراها في مزاعم نتنياهو عن حماية الدروز، ورفض أي تهديدات لهم، حيث لا وجود لها أصلاً، سعياً لشق قنوات مفتوحة معهم كما الدول العربية –الأردن تحديداً -التي تسعي للقيام بمسؤولياتها في مساعدة أهل جبل العرب وسوريا بشكل عام.

الدعوات الإسرائيلية الخبيثة تسعي كذلك إلى بث الفتنة والتحريض وإضعاف سوريا الجديدة ومنع نهضتها، وترويج خطاب الفدرالية والحكم الذاتي وحتى التقسيم، علماً أن وزير الخارجية جدعون ساعر كان تبنى خطاب كهذا تجاه الأكراد بتقسيم أدوار مع زميله وزير الأمن يسرائيل كاتس.

ردود أفعال

في ردود الأفعال، شهدنا تظاهرات وفعاليات شعبية رافضة-للتصريحات والاعتداءات الجوية والبرية- في المحافظات الثلاث المعنية كما محافظات سوريا عموماً والتأكيد على وحدة البلاد ورفض أي تدخل خارجي تحديداً من قبل الاحتلال الإسرائيلي.

بالمقابل، ولمواجهة وإفشال الخطط والأهداف الإسرائيلية المعلنة، والتي لم تعد خافية يحتاج الأمر بالضرورة إلى عمل كبير من القيادة السورية الجديدة والرئيس الشرع وفريقه، بالتنسيق مع الدول العربية والإقليمية والمجتمع الدولي الداعم لسوريا الجديدة، وإطلاق حملة دبلوماسية -رغم الأعباء الجسام بعدما ترك النظام الأسد الدولة في حالة خراب ودمار كامل داخلياً وخارجياً -وعلى كافة المستويات للتحذير من تداعيات الممارسات الإسرائيلية على استقرار سوريا والمنطقة ككل،  والتوجه إلى الأمم المتحدة بإصرار على التمسك باتفاقية فك الاشتباك على علاّتها بعدما فرط نظام الأسد الأب بالحقوق والممتلكات والثروات السورية، وبالسياق وجود القوات الدولية بالمنطقة العازلة ضمن القرارات الدولية ذات الصلة، للتأكيد على سورية الجولان ومزارع شبعا، حيث يتم حل الخلاف والترسيم مع لبنان بشكل ثنائي مباشر لا دخل للاحتلال فيها، مع تكريس قاعدة إن لا اتصالات مباشرة مع تل أبيب سوى عبر الأمم المتحدة وقوات يوندوف، ولا تطبيع كذلك -يتناقض مع ذهنية التوسع والمناطق العازلة  للاحتلال بكل الاتجاهات، ضمن الالتزام بالإجماع العربي تجاه العلاقات مع الدولة العبرية المرتبطة بانسحابها من كافة الأراضي العربية المحتلة.

لا يقل عما سبق أهمية ضرورة القيام بعمل داخلي كبير أيضاً رغم التركة الثقيلة للنظام خاصة في السياق التنموي وفى المنطقة الجنوبية المحرومة تحديداً بظل قنوات مفتوحة مع رموزها، وكان لقاء الرئيس الشرع مع وجهاء وفعاليات درزية صباح اليوم التالي لتهديدات نتنياهو لافتاً، مع التأكيد على حضور الدولة السورية بكافة مؤسساتها وتحضير خطط تنموية للمنطقة بما في ذلك مناقشة فتح معبر مباشر بين جبل العرب والأردن، وطبعاً كل هذا على قاعدة العمل الدؤوب لقيام الدولة الديموقراطية القوية المؤسساتية الراسخة لكل مواطنيها.

أخيراً، كانت سوريا التاريخية العظيمة دوماً، وستبقي حاضرة للتصدي للغزاة، وعدم التخلي عن مسؤولياتها القومية لكن بعد إعادة البناء والتعافي، مع عدم تحميلها أكثر مما تحتمل بعدما دمرها الأسد بذرائع ولافتات مختلفة ويجب الانتباه كذلك إلى العقل الجمعي للدروز، الأكثري والوحدوي وهم لم يكونوا يوماً جزءاً من حلف الأقليات الذي اخترعته أصلاً “إسرائيل دافيد بن غوريون” قبل أن يستغله بانتهازية نظام الأسد “الأب والابن” الساقط في سوريا ولبنان والمنطقة.

المدن

—————————-

عندما يتواطأ الجميع يصبح الوهم حقيقة/ بسام يوسف

2025.02.28

في الفترة القصيرة التي لا تتجاوز ثلاثة أشهر على سقوط سلطة عائلة الأسد، كان من المفترض أن يكون السلم الأهلي الأولوية الأهم في اهتمام السلطة الجديدة، ورغم أنه لم يكن مغفلاً، وتم الاهتمام به، إلا أن هذا الاهتمام لم يكن بمستوى خطورة الأمر، ومستوى تداعياته الكارثية على العهد الجديد في سوريا فيما لو استمر التعامل معه بهذه الطريقة.

في حقل قابل للاشتعال لا يكفي أن تزيل القسم الأكبر من مسببات الحرائق، يجب أن تعمل على إزالة كل ما يمكن أن يشعل هذا الحقل، وإذا لم تتمكن فإنه من الضروري جداً أن توفر الأدوات التي تساعدك على محاصرة ما تبقى من المسببات، وإخماد النار التي قد تشتعل فجأة، فالقضية ليست قضية تبرئة من المسؤولية، وليست قضية اتهام طرف وتبرئة آخر، إنها بوضوح شديد قضية وطن قد يحترق بكامله، ولا يهم بعد أن يحترق إن كنت بريئاً أم لم تكن.

المسؤول الأكبر عن ما يجري اليوم من تفشي مخيف لخطاب الكراهية، وزيادة الاحتقان الطائفي، وتعثر إدارة الدولة والمجتمع، ليست أخطاء الإدارة الجديدة فقط، وليسوا أصحاب المصلحة من بقايا النظام المخلوع، أو من أطراف خارجية فقط، المسؤولية الكبرى في الكارثة التي قد تنجم عن انهيار السلم الأهلي، وعن رهن سوريا لمصالح أطراف خارجية، إنما يتحملها على نحو أكبر مثقفو سوريا الذين لم يثبتوا بمعظمهم، ولو للحظة واحدة طوال نصف قرن من الكارثة السورية، أنهم جديرون بحمل صفة المثقف، ولم يكونوا (بمعظمهم أيضاً) سوى أدوات رخيصة تتزلف وتتملق السلطة أو رأس المال.

اليوم تحتاج سوريا لمثقفين ومفكرين وسياسيين حقيقيين، يتحملون مسؤولية إنقاذ سوريا في أخطر لحظة في تاريخها، ومن المفترض أن يكون المثقفون والمفكرون هم الأقدر على تحمل هذه المسؤولية، وهم الأعلى صوتاً في التنبيه لضرورة تجنب المنزلقات الخطيرة المتعددة التي أوصل النظام السابق سوريا إليها.

إذا كانت السلطة الجديدة محكومة بتركيبتها، وبطريقة وصولها إلى السلطة، وبانشغالها بتثبيت موقعها، وهذا ما قد يفرض عليها تجاهل متعمد، أو غير متعمد، لمصادر الخطر الأكبر التي تهدد الوطن السوري، فما الذي يشفع للمثقفين والمفكرين انسياقهم الأعمى وراء مظاهر هامشية وعدم التنبيه بقوة لهذه المصادر التي قد تطيح بسوريا ومستقبلها، وإذا كان الجبن سابقا هو ما يمنعهم من القيام بدورهم فما الذي يمنعهم الآن؟!

لا أظن أن سورياً مهتما بالشأن العام السوري لا يدرك خطورة تداعيات الجرائم التي ارتكبها النظام السابق على المجتمع السوري اليوم، ولا يدرك خطورة الانقسام الطائفي الحاد في المجتمع السوري، وأيضاً خطورة الانقسام القومي، وكذلك تداعيات تردي الأوضاع المعيشية إلى حدود الجوع، هذه الصدوع المتعددة المهددة لبقاء سوريا إن لم يتم التعامل بها بالمستوى المطلوب فقد تنفجر، فما الذي فعله مثقفو سوريا ومفكروها وسياسيوها المخلصين للتنبيه والتحذير من احتمالاتها الكارثية؟!

كان من الضروري، ولايزال، وقبل فوات الأوان، أن يعلو صوت المثقفين بضرورة تجريم الطائفية السياسية، وتجريم خطاب التحريض الطائفي، واعتبارهما بمنزلة الخيانة الوطنية، فاللحظة السورية الراهنة لا تحتمل تجاهل هذا السعار المجنون الذي يفتك بالمجتمع السوري، وكذلك الأمر بما يخص الخطاب العنصري القومي، وأيضا ما يتعلق بتوليد مظلوميات جديدة في مجتمع متخم بالمظلوميات.

كان من الضروري التصدي بقوة لخطاب سائد يذهب إلى تحميل جرائم النظام السابق على مكون سوري، فهو خطاب عدا عن كونه غير صحيح، وظالم، هو اتهام يؤسس لكارثة وطنية مؤكدة، سيما وأن أطرافاً كثيرة لها مصلحة حقيقية في تفتيت الهوية السورية الجامعة، وإعادة السوريين إلى هوياتهم الصغرى، ولم يكن الأمر صعباً كما يدعي بعضهم بأن الوقت غير كاف، إذ كان يكفي أن تظهر لوائح اتهام حقيقية، والإسراع بمحاكمات علنية وشفافة، وبالتأكيد فإن إجراءات كهذه كانت كفيلة بنقل المحاسبة العادلة والضرورية من حقل التجاذب الطائفي، إلى حقلها الطبيعي وهو الحقل الوطني المرتكز على القانون، فالمحاسبة والعدالة هي حاجة الوطن السوري كله، وليست حاجة مكون ما فقط.

كذلك فإن حل السلطة الجديدة لجيش النظام، واتهام كل أفراده كان خطأ، وكان بالإمكان معالجة هذه القضية من منظور وطني وليس من منظور انتقامي أو اتهامي مسبق، وكان من شأن هذا أن يفضي إلى نتائج وطنية حقيقية أولاً، وأن يجنب سوريا نتائج دفع مئات الآلاف من السوريين إلى حيز الحرمان من العمل والاتهام ثانياً.

الفاجع أن ما تصدى له المثقفون والسياسيون السوريون كان في جوانب متعددة منه نظرياً، ويتم اجتراره منذ زمن طويل، وفي جوانب أخرى سطحيا، وبلغ الأمر حد التفاهة في بعض الجوانب، فقد تناسى معظمهم مكامن الخطر الأساسية، وتجاهلوا تعقيدات المنطقة ومصالح الأطراف الفاعلة فيها، ومدى حاجتنا كسوريين إلى الوحدة في هذه اللحظة التي يعاد فيها رسم مصائرنا، وراحوا يتحدثون بمنتهى الخفة في كتابات ومقاربات نظرية ليس لها حاجة في هذه اللحظة، أو أنهم  ذهبوا إلى حيث يذهب الناس العاديون المنشغلون بما هو يومي، في الحديث عن مظاهر ليس لها أي أهمية أو تأثير في مستقبل سوريا.

في الوقت الذي كانت إسرائيل تقصف وتتوغل وتفجر مواقع عسكرية سورية، وكان “نتنياهو” يصرّح بصلف وقح حول مصير الشعب السوري، وكان عضو مهم في الكونغرس الأميركي يتحدث عن تقسيم سوريا، وكانت وسائل تواصل اجتماعي متخمة بتحشيد طائفي، وحوادث قتل وخطف وتصعيد طائفي، وهناك محاولات حثيثة لإشعال حرب أهلية سواء من أطراف داخلية أو خارجية، كان مثقفون سوريون كثر يتحدثون عن أهمية تجول المشاركين في مؤتمر الحوار الوطني داخل قصر الشعب، ومعنى أن تختفي مظاهر التصفيق والتطبيل للرئيس!

المؤسف أنه في الوقت الذي يجب أن ينخرط مثقفو ومفكرو سوريا في إنتاج مشروع إنقاذ وطني، نجدهم يتسابقون  لحجز مواقع لهم في كعكة السلطة القادمة، فيتملقون، وينتهزون، متجاهلين دورهم الحقيقي في أن يكونوا في مقدمة المنبهين إلى خطورة ما يحاك لسوريا، وإلى خطورة التصعيد المتعمد لمخاطر الانزلاق إلى حرب أهلية تكون مقدمة لتقسيم سوريا.

في مرحلة النظام السابق كانت صرخة الكاتب التركي الشهير “عزيز نسين”: (آه منّا نحن المثقفون الجبناء) صحيحة وبليغة، لكنها اليوم لم تعد كافية، وربما لو كان حياً لعدلها قائلا: “آه منا نحن المثقفون المرتزقة”.

تلفزيون سوريا

————————-

هل ستترك إسرائيل الشرع يصول ويجول في سوريا كما فعلت مع حماس و”حزب الله”؟

تحديث 28 شباط 2025

في صيف 2006 اتُخذ قرار مجلس الأمن 1701، الذي وضع الحد لحرب لبنان الثانية؛ لأن حزب الله عاد وتمركز عسكرياً في جنوب لبنان خلافاً للاتفاق؛ وتزود بالصواريخ وسلاح متطور آخر، وحفر الأنفاق الهجومية، وأقام أبراجاً راقب من خلالها ما يحدث في الغرف المغلقة لسكان الشمال. وإيهود أولمرت، الذي كان يتعرض لضربات في الداخل والخارج، أغمض عينيه.

في انتخابات 2009 عاد نتنياهو إلى الحكم، وكعادته منذ ذلك الحين، اكتفى بتحذيرات ضعيفة وغير موثوقة، أكدت قول حسن نصر الله بأن “قوة الدولة الصهيونية كخيوط العنكبوت”. هكذا ولد مفهوم “الاحتواء” – الذي جلب علينا جولات قتال فاشلة في الجنوب والعجز، (“ضبط النفس يعتبر قوة”)، إزاء منظومة الصواريخ والأنفاق الهجومية في الجنوب والشمال.

وفي نهاية المطاف الكارثة الأكبر.

في خطابه الذي ألقاه في نهاية دورة ضباط في بداية هذا الأسبوع، تنصل نتنياهو (لفظياً على الأقل) من عقيدة الاحتواء التي قادها في سنوات حكمه الكثيرة، ووضع خطاً ثابتاً وواضحاً للنظام السوري الجديد: “نطالب بنزع كامل للسلاح في جنوب سوريا… ولن نتحمل أي تهديد للطائفة الدرزية”، وأضاف: “سيبقى الجيش الإسرائيلي في المنطقة العازلة لفترة غير محدودة… وسنحتفظ أيضاً بمناطق في لبنان إلى أن يفي لبنان بتعهداته في الاتفاق”.

ولتجسيد جدية هذه الأقوال، قصفت طائرات سلاح الجو بنى تحتية عسكرية في جنوب دمشق، المتبقية من النظام السابق. في المنطقة نفسها، حسب مصادر مختلفة، تراقب قوات برية إسرائيلية ألا تدق أي قوة أو مليشيا أو النظام الجديد وتداً في جنوب دمشق. تداعيات هذه العقيدة الجديدة، إذا لم يتراجع عنها نتنياهو، ستكون ثورية. لأن العقيدة السابقة التي اتبعها سمحت بوجود حزب الله على طول الحدود ولم تمنع حدوث الاقتحام من جنوب الحدود (تذكرون الخيمة؟)، وشجعت حزب الله وحماس على شن حرب تدميرية، التي نواجه نتائجها المؤلمة بدون نجاح زائد من سنة ونصف.

الزعيم السوري الجديد أحمد الشرع احتج على مضمون الخطاب، لكنه سلم بمعناه العملياتي. فقد استدعى رؤساء الطائفة الدرزية، ونقل إليهم (خاصة لإسرائيل) رسائل بعيدة المدى: “نريد السلام… نريد بناء دولة، وتقديم الخدمات… لا نية لنا لشن حرب على أحد… نظام الحكم في سوريا يعمل على مصادرة السلاح الذي يُرسل إلى حزب الله عن طريق سوريا”. هذه أقوال ثورية، شريطة أن يتمكن من تطبيقها بإرادته وبنيته.

ماذا بشأن نتنياهو؟ يكشف فجأة أن التمسك – المدعوم بالأفعال – بطلبات إسرائيل الأمنية يستجاب لها (حتى لو كان ذلك مع صك الأسنان). والنغمة التي تخرج من البقاع في لبنان آخذة في التغير. أذننا تسمع.

لو اتبع مثل هذه السياسة، التي طلب كثير من الأشخاص الطيبين اتباعها، لبقيت حماس قوة هامشية لا تملك ما تشكل به خطراً على إسرائيل، وما كان يمكنها تنفيذ 7 أكتوبر، وربما بقي حزب الله منظمة دينية متعصبة، لكن بدون قوة فتاكة، مثل القوة التي حاربت ضدنا في المعركة الأخيرة.

يسرائيل هرئيل

هآرتس 28/2/2025

القدس العربي

———————-

سورية: الاحتلال الإسرائيلي يتوغل في الرفيد جنوني القنيطرة ويجري مسحاً للسكان/ ضياء الصحناوي

28 فبراير 2025

اقتحمت قوات الاحتلال الإسرائيلي بلدة الرفيد جنوبي محافظة القنيطرة جنوبي سورية، صباح اليوم الجمعة، وأجرت مسحاً سكانياً تخللته مداهمة بعض المنازل وإجراء استبيانات حول أعداد السكان والوضع المادي والمعيشي والعمل والوظائف والإنتاج، قبل الانسحاب من البلدة بعد شجار مع الأهالي.

واضطر العديد من الأهالي للإجابة عن هذه الأسئلة نتيجة الخوف من ردود أفعال جيش الاحتلال. وقال سعيد المحمد؛ أحد أبناء البلدة، لـ”العربي الجديد”، إن قوات الاحتلال تحاول فرض نفسها في جميع القرى الحدودية والواقعة على الحدود الإدارية بين محافظتي درعا والقنيطرة، كسلطة أمر واقع، في ظل غياب الدولة السورية.

وأضاف أنّ “قوات الاحتلال الإسرائيلي، وبعدما نزعت معظم السلاح الموجود في هذه البلدات ودمرت جميع الوحدات والمواقع العسكرية في المنطقة، لجأت إلى سياسة التعامل بطريقة التقرّب من الأهالي ومدّ خيوط للتواصل، تحت ذريعة المساعدات الإغاثية والوعود بتأهيل الخدمات الرئيسية كالماء والكهرباء والصحة والتعليم، وهي احتياجات شبه مفقودة منذ عقود”.

وبحسب المحمد، فإن أسئلة جنود الاحتلال تطرقت لطرق تدفئة الأطفال والحاجة للوقود والإنارة والكهرباء والعلاج، وعمل رب الأسرة وقيمة الإنتاج اليومي وتغطيته لمتطلبات العيش، إضافة إلى أخذ رأي العديد من السكان حول الرغبة بالعمل اليومي داخل إسرائيل.

وأفادت ذات المصدر بأنّ القوة العسكرية الإسرائيلية التي توغلت في بلدة الرفيد جنوبي القنيطرة خرجت بعد ساعات من دخولها إثر شجار حصل مع بعض أهالي البلدة، حيث تجمع فيه عدد من الأهالي حول عدد من عناصر الاحتلال، مما اضطر أحدهم لإطلاق أعيرة نارية في الهواء ومن ثم المغادرة.

وكانت قوات الاحتلال قد دخلت، صباح أمس الخميس، إلى تل مسحرة الواقع في الجنوب الشرقي لريف القنيطرة، ثم انسحبت بعد حوالي الساعتين من دخولها، إذ شاهد الأهالي عربات مصفحة وسمعوا أصوات أعيرة نارية في المنطقة، في الوقت الذي كان فيه الطيران الحربي والمسيرات الإسرائيلية يحلقان في سماء محافظتي درعا والقنيطرة.

وقال الناشط المدني محمد البكر وأحد سكان محافظة القنيطرة، لـ”العربي الجديد”، “لقد أصبح هناك رأي غير معلن لدى معظم أهالي المنطقة، بأنهم يعيشون ضمن منطقة محتلة من قبل إسرائيل”. وأضاف “نتيجة لإهمال هذه المناطق زمن حكم الأسد والفقر والجوع وتردي الخدمات الصحية والطاقة، إضافة إلى سوء تعامل عناصر النظام البائد مع أهالي المنطقة على مر السنين، باتت هناك حالة مقارنة بين الاحتلالين، وخاصة لدى جيل الشباب الذي لم يشهد من حكم الأسد سوى الاضطهاد والذل، وهذه المقارنة خلقت حواراً ونزاعات محلية يُخشى أن تؤدي لاختيارات وتوجهات ليست بالحسبان، قد يكون أهمها قبول أعداد من الشباب العمل في إسرائيل، وتقبل الأهالي المساعدات الإغاثية والصحية والخدمية من إسرائيل”، على حد قوله.

———————————-

مطالبات بإنهاء الحالة الفصائلية بالجنوب السوري لإفشال مخططات إسرائيل/ محمد أمين

28 فبراير 2025

لم تنقطع التظاهرات الشعبية في جنوب سورية خلال الأيام الماضية، رفضاً لأي تدخل خارجي بالشأن الداخلي السوري، وخصوصاً من الاحتلال الإسرائيلي الذي يتمادى في عدوانه داخل الأراضي السورية، إلى جانب مساعيه لاستمالة بعض الأقليات في سورية، وتحديداً الطائفة الدرزية، وتأليبها على الإدارة الجديدة التي تسلمت مقاليد الأمور في الثامن من ديسمبر/كانون الأول الماضي.

ويشهد جنوبي سورية، منذ سقوط نظام الأسد، اعتداءات وتوغلات إسرائيلية متلاحقة، في درعا والقنيطرة والسويداء، مع احتلال إسرائيلي لجبل الشيخ الاستراتيجي من منظور عسكري واقتصادي لدولة الاحتلال، وتنفيذ إسرائيل غارات شبه يومية تطاول مناطق قرب دمشق، فيما تريد إسرائيل فرض منطقة عازلة جنوبي سورية، ومنع الإدارة الجديدة من بسط سيطرتها هناك. وأمس الخميس، ذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان، أن طائرات حربية إسرائيلية حلّقت في أجواء محافظة درعا، مصحوبة بدوي عالٍ ناجم عن اختراق جدار الصوت، مذكّراً بتظاهرات شعبية خرجت أول من أمس، في القنيطرة والسويداء، تأكيداً على وحدة سورية.

ويكاد يُجمع سكّان الجنوب السوري بمحافظاته الثلاث (القنيطرة، درعا، السويداء) على رفض أي محاولة لتقسيم البلاد تحت أي ذريعة، وهو ما ينسف تماماً الخطط الإسرائيلي لتجزئة سورية على أسس طائفية أو عرقية سواء في الجنوب أو في الغرب أو في الشمال الشرقي.

جنوب سورية يواجه كمّاشة الاحتلال

وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قال يوم الثلاثاء الماضي، إن كيانه “لن يتسامح”، مع “أي تهديد للطائفة الدرزية في جنوب سورية”، في محاولة لفرض واقع مختلف في جنوب سورية يخدم مخططات تل أبيب الهادفة إلى منع الإدارة الجديدة من ممارسة السيادة الكاملة على الأراضي السورية. ويبدو أن حكومة الاحتلال تحاول استغلال التردد الذي تبديه فصائل عسكرية في محافظتي درعا والسويداء في التفاهم مع السلطة الجديدة في دمشق وتسليم السلاح والانخراط في الجيش السوري الجديد. وقال نتنياهو، بكلمة عبر الفيديو أمام مؤتمر في واشنطن تعقده مجموعة الضغط الأميركية “أيباك” المؤيدة لسياسات إسرائيل، إنه “في سورية، ستظل قوات الجيش الإسرائيلي متمركزة على قمة جبل حرمون”، في إشارة إلى جبل الشيخ، مضيفاً أنه “في المنطقة العازلة المجاورة، سنظل هناك في المستقبل المنظور، ولن نسمح بوجود تنظيم هيئة تحرير الشام أو أي جيش سوري جديد في المنطقة الواقعة جنوب دمشق”. وتابع: “سيكون جنوب سورية منطقة منزوعة السلاح”.

اللجنة التحضيرية لمؤتمر الحوار الوطني في السويداء، 19 فبراير 2025 (العربي الجديد)

وأمس الخميس، قال وزير الأمن الإسرائيلي يسرائيل كاتس إن إسرائيل لا تثق بالقيادة الجديدة في سورية، مضيفاً أن “الحاكم الجديد استبدل البدلات الرسمية مكان الجلباب ويتحدث بأسلوب دبلوماسي، لكننا لن نغير سياستنا”، مؤكداً أن قوات الاحتلال “ستبقى في قمة جبل الشيخ والمواقع الاستراتيجية لفترة غير محدودة”. وأضاف أن جنوبي سورية يجب أن يكون منطقة منزوعة السلاح، لافتاً إلى أن النظام السوري الجديد حاول قبل أيام “أخذ مواقع عسكرية تتمركز فيها قواته لكن سلاح الجو (الإسرائيلي) ضرب بقوة. لن نسمح بانتهاك نزع السلاح من جنوبي سورية ولن نسمح بإنشاء تهديد”، واضعاً ذلك في إطار استراتيجية “دفاع عن الحدود” جديدة لجيش الاحتلال في سورية ولبنان وغزة أيضاً. وجدّد كاتس محاولة استمالة المجتمع الدرزي في سورية بالقول: “نحن بالتأكيد نهدف إلى الحفاظ على الاتصال معهم، ونفكر حالياً في السماح لأولئك بالقدوم والعمل يومياً في مرتفعات الجولان ونحن على استعداد لتقديم المساعدة لهم”.

وفي سياق الرفض لأي تهديد أو تدخل في الشأن السوري، أكد حسن الأطرش وهو من الزعامات المحلية في محافظة السويداء، في حديث له في ساحة التظاهر بمدينة السويداء أول من أمس، رفض أي مشاريع للتقسيم، مطالباً الحكومة في دمشق باتخاذ موقف حيال التدخل الإسرائيلي في الشأن السوري.

من جهته، قال الناشط الإعلامي هاني عزام في حديث مع “العربي الجديد”، إن أهالي محافظة السويداء “لا يرفعون السلاح في وجه أي سوري”، مضيفاً أن “السلاح الموجود لدى الفصائل بكل انتماءاتها هو للتصدي لأي اعتداء خارجي”. وأكد عزام أنه “لم يثبت حتى اللحظة تعامل أي فصيل في الجنوب السوري وفي السويداء تحديداً مع إسرائيل”.

الوضع المعيشي الضاغط

ورأت مصادر محلية في مدينة السويداء، في حديث مع “العربي الجديد”، أن “عدم تعامل الإدارة الجديدة بجدّية مع الاستفزاز الإسرائيلي في جنوب سورية يدفع الجميع للتفكير بخيار الاحتفاظ بالسلاح”. وبيّنت أن “الأوضاع المعيشية الصعبة وعدم قدرة الحكومة الحالية على تحسين هذه الأوضاع، خلقا أزمة ثقة بين سكّان السويداء والإدارة الجديدة”، مضيفة: “باعتقادي الاهتمام بالحالة المعيشية للناس يحول دون التفكير بأي شيء ربما يهدد وحدة البلاد. الوضع الاقتصادي أكثر الأشياء الضاغطة على المواطنين في سورية عموماً، وهو ما تحاول جهات داخلية وخارجية استغلاله وتريد ضرب الاستقرار”، معرباً من وجهة نظره عن اعتقاده بأن “المشكلة اقتصادية أكثر من كونها سياسية أو عسكرية”.

وتضم محافظة السويداء عشرات الفصائل التي كما يبدو تتباين آراؤها حيال الأوضاع الجديدة ما بين مرحب بالتفاهم مع دمشق والساعي إلى بناء الدولة، وبين المتحفظ والذي يدفع باتجاه حصول هذه المحافظة على فيدرالية إدارية. واستقبل الرئيس السوري أحمد الشرع، يوم الثلاثاء الماضي، في دمشق، شخصيات درزية بارزة عدة، من بينها ليث البلعوس، نجل الشيخ وحيد البلعوس، مؤسس حركة “رجال الكرامة” أهم فصائل السويداء.

وفي محافظة درعا المجاورة والتي طاولت الاعتداءات الإسرائيلية ريفها الغربي خلال الأيام القليلة الماضية، يجمع سكّانها على رفض أي محاولات لزعزعة الاستقرار، وخلق أجواء عدم ثقة بالإدارة الجديدة في دمشق لتبرير عدم تسليم السلاح لهذه الإدارة.

وفي هذا الصدد، قال الناشط الإعلامي مروان قاسم، وهو من سكّان ريف درعا، لـ”العربي الجديد”، إن “ملف الجنوب السوري معقد وشائك”، مضيفاً أن “حالة الفصائلية تخدم بالتأكيد مصالح الكيان الصهيوني، فهذا الكيان يستغل حالة التشرذم للتغلغل في جنوب سورية واحتلال المزيد من الأراضي”. وبيّن أن الضغط الشعبي الكبير “دفع كل فصائل درعا، بما فيها فصيل أحمد العودة في بصرى الشام، للاندماج في الجيش السوري الجديد”، مضيفاً أن “الأمور بخواتيمها”. علماً أن “اللواء الثامن” الذي يقوده العودة أجرى مفاوضات مع القيادة الجديدة، وأكد قبل أسبوعين أن الاتصالات مستمرة ونفى الاتهامات المتعلقة بالانفصال ورفض الانضمام لوزارة الدفاع التابعة للحكومة المؤقتة، وذلك في معرض رد على وزير الدفاع السوري مرهف أبو قصرة حينها لصحيفة واشنطن بوست الأميركية، عن رفض الفصيل الانضمام. وأضاف يومها أن “اللواء الثامن مستعد للانخراط في وزارة الدفاع ولكن بشرط أن يكون ضمن قواعد عسكرية منضبطة، دون إقصاء الضباط المنشقين والثوار”.

إلى ذلك، أكد قاسم في حديثه لـ”العربي الجديد”، أن سكان محافظة درعا “لن يسمحوا ببقاء أي حالة شاذة في محافظتهم”، مضيفاً أنهم “يمنحون الفصائل فرصة للتفاهم مع دمشق، ولكن إذا طال الأمر أكثر، فسينفجر الشارع في وجه هذه الفصائل التي لم نكن نتوقع منها هذا التردد في الانخراط في العهد الجديد الذي انتظرناه منذ عام 2011”.

خدمات للمخطط

من جهته، رأى الصحافي السوري علي عيد، في حديث لـ”العربي الجديد”، أنه بعد تصريحات نتنياهو وكاتس، وبعد الإفصاح عن استراتيجية إسرائيل في سورية، من الواضح أن حكومة الاحتلال تعمل على خطة لمنع الإدارة في دمشق من بسط سيطرتها على المحافظات السورية الثلاث في جنوب سورية، وتمنع بعض الفصائل (عن الاندماج) وبعض القوى الروحية المتمثلة بالزعيم الروحي للطائفة الدرزية في السويداء، الشيخ حكمت الهجري، عن الدعوة لتسليم سلاح الفصائل بالمحافظة، يثير قلقاً من أن ذلك يخدم المخطط الإسرائيلي”، وفق رأيه.

وأضاف عيد: “ليس هناك يقين بوجود تنسيق بين أطراف سورية، خصوصاً في الجنوب، مع إسرائيل، لكن المؤكد أن هناك مساعي اسرائيلية في هذا الاتجاه. وسواء كان هناك تنسيق حاصل، أم مجرد جهل وعدم إدراك لخطورة الأمر، فكلتا الحالتين تعطيان الأثر نفسه”. وأضاف: “لا شك أن ما يجري في جنوب سورية له علاقة بما يجري في شمال شرق البلاد”، في إشارة إلى المناطق الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد) ذات الأغلبية الكردية.

واعتبر علي أن من الدلالات التي تجدر ملاحظتها أن دعوات التقسيم صادرة عن ذات الأطراف التي ترفض الاندماج وتسليم السلاح للدولة السورية، مع ملاحظة أن المؤتمر الذي عقد في الرقة برعاية “قسد”، حضرته شخصيات من السويداء، ضمن تنسيق بين هذه الأطراف على فكرة الفدرلة، دون الأخذ في الاعتبار وجود قوى وازنة في هذه المناطق ترفض مثل هذه الطروحات. وعقد مركز روج آفا للدراسات، المقرب من “الإدارة الذاتية” الكردية، أمس الخميس، مؤتمر حوار موازياً للمؤتمر الوطني الذي نظمته الإدارة السورية الجديدة في دمشق على مدى يومين، الثلاثاء والأربعاء، تحت عنوان “منتدى الحوار الوطني في الرقة”، والذي حمل شعار “نحو بناء سورية تعددية ديمقراطية”.

وتوقع إبراهيم البحري، وهو أحد سكان ريف حلب الشمالي الشرقي، أن ينفجر الشارع في شمال شرق سورية، والذي يشكل العرب غالبية سكانه، في حال عدم التوصل لاتفاق في المدى المنظور. وقال لـ”العربي الجديد”، إن “تعنت قسد سوف يفضي إلى توتر وتصعيد ويخلق فجوة بين السكّان من عرب وأكراد”، لافتاً إلى أن “عموم السكّان يريدون الاستقرار والأمن وعودة الحياة إلى طبيعتها، ونزع فتيل أي توتر”. وأشار إلى أن التفاهم مع دمشق “يبدد الوعيد التركي بشنّ عملية عسكرية تقوّض قسد”، ومحذراً من أن “المنطقة لا تحتمل أي حرب أخرى فالحالة الاقتصادية والمعيشية في مستوياتها الدنيا”. وأكد أن “تسريع انضمام كل المحافظات لمشروع الدولة الجديدة المطروح في دمشق، من شأنه تقوية الموقف الداخلي في البلاد في مواجهة التحديات الخارجية، وخصوصاً التي تلوح من قبل إسرائيل”.

يذكر أن دولاً عربية دانت خلال اليومين الماضيين الاعتداءات الإسرائيلية على سورية. ودانت دولة قطر أمس، بشدة قصف قوات الاحتلال الإسرائيلي مناطق سورية عدة، وعدّته اعتداء صارخاً على سيادة ووحدة سورية، وانتهاكاً سافراً للقانون الدولي. وشددت وزارة الخارجية القطرية، في بيان نشرته وكالة الأنباء القطرية قنا، على ضرورة اضطلاع المجتمع الدولي بمسؤولياته القانونية والأخلاقية لإلزام الاحتلال الإسرائيلي بالامتثال لقرارات الشرعية الدولية، ووقف الاعتداءات المتكررة على الأراضي السورية، بما يحول دون المزيد من التصعيد والتوتر في المنطقة.

كما دانت السعودية ومصر والكويت، الأربعاء الماضي، القصف الإسرائيلي على سورية، بينما رحبت الإمارات بانعقاد مؤتمر الحوار الوطني السوري، مؤكدة دعمها استقلال سورية وسيادتها على كامل أراضيها. بدوره، أعرب المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دوجاريك، أول من أمس، عن القلق البالغ إزاء الانتهاك الإسرائيلي المستمر لسيادة سورية وسلامة أراضيها.

العربي الجديد

—————————

يديعوت أحرونوت: هل يؤدي سقوط الأسد لتحسين العلاقات بين إسرائيل وسوريا؟

نعرض لكم في جولة الصحافة ليوم الخميس السابع والعشري من فبراير، مقالات تتحدث عن فرصة لـ “علاقات أفضل” بين إسرائيل وسوريا بعد سقوط حكم الرئيس السوري السابق، بشار الأسد. وعن سعي الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، إلى تشكيل علاقات جديدة بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي، إضافة إلى مقترح ترامب بامتلاك غزة وتحويلها إلى منتجع.

وفي مقالهما في صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية، بعنوان “جبل واحد لشعبين: سقوط الأسد فرصة لتحسين العلاقات بين إسرائيل وسوريا”، رأى الكاتبان شادي مارتيني، ونير بومز، أن تقديم رئيس المرحلة الانتقالية في سوريا، أحمد الشرع، وجهاً أكثر ودية للعالم “ربما يشكل فرصة لخلق نوع من العلاقات الثنائية التي يمكن أن تعيد تشكيل الشرق الأوسط”.

وقال الكاتبان، إن سوريا شاركت في كل الحروب الرئيسية ضد إسرائيل، و”ربطت مصيرها مع إيران وحزب الله واستمرت في ممارسة عدوانها ضد إسرائيل عبر لبنان، وخدمت كقاعدة متقدمة لوكلاء طهران لسنوات”.

لكن “مع بزوغ فصل جديد في سوريا، ربما حان الوقت لكتابة صفحة جديد في علاقاتها مع إسرائيل أيضاً”، يقول كاتبا المقال.

وبحسبهما فإن إسرائيل قدمت في عام 2015، خلال الحرب الأهلية في سوريا التي اندلعت عقب احتجاجات ضد نظام بشار الأسد، “مساعدات إنسانية” للمناطق السورية القريبة من حدودها، التي كانت تسيطر عليها قوات معارضة مختلفة بما فيها هيئة تحرير الشام التي يتزعمها الشرع، على حد قولهما.

وأضاف المقال أن القادة الجدد في سوريا، الذين أطاحوا بالأسد في نحو 11 يوماً، “أرسلوا رسائل إيجابية إلى المنطقة وإلى إسرائيل… وأنهما توقفا عن الإشارة إلى إسرائيل باعتبارها الكيان الصهيوني، أو فلسطين المحتلة”.

وشرحا أن القادة الجدد “على الرغم من انتقادهم لإسرائيل بسبب عملياتها العسكرية (على سوريا) إلا أنهم أشاروا لها بالاسم”.

ويعتقد الكاتبان أن “العديد من السوريين يرون أن عدوهم الحقيقي هو الأسد وحزب الله وإيران”، وأن “ظهور سوريا الجديدة من شأنه أن يعزز العلاقات مع إسرائيل على أساس شيء آخر غير العداء العسكري”، على الرغم من شن إسرائيل غارات جوية على سوريا، وسط حديث عن توغل بري لقواتها.

وقال الكاتبان إن إسرائيل تريد إيصال رسالة مفادها أن سوريا ما تزال “عدوة” بصرف النظر عن قيادتها ونواياها، لكنهما قالا “ربما هناك مساحة لرسائل أخرى”.

ولفتا إلى أن “العلاقة الإسرائيلية السورية التي تطورت بهدوء على مدى الأعوام الخمسة عشرة الماضية، أظهرت أن التعاون ممكن”، بحسب ما كتبا.

“تهور ترامب”

الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مرتدياً بدلة رسمية كحلية اللون وخلفه العلم الأمريكي

EPA

وفي صحيفة الغارديان البريطانية، كتب، مارتن كيتل، مقالاً بعنوان “ترامب قد لا يعلم لكنه يعمل على صياغة علاقة جديدة بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي”.

وقال الكاتب إنه “من السخف الادعاء أننا نرى بصيص أمل خلف كل غيمة لدونالد ترامب. فهذه الغيوم كثيرة ومظلمة وخطيرة”، لكن “إذا نظرنا إليها من منظور سياسي محلي، فهناك جانب إيجابي ناشئ واضح في بريطانيا لجهود ترامب الرامية إلى تحطيم نظام ما بعد الحرب الباردة”.

وأضاف أنه عندما أصبح كير ستارمر رئيساً للوزراء في منتصف العام الماضي، “كان حزب العمال في موقف دفاعي صارم بشأن أوروبا”، حيث اعتُبِر خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي “قضية غير مستقرة انتخابياً بالنسبة لحزب كانت أولويته إعادة التواصل مع الناخبين المؤيدين للخروج”، لذلك “هُمش كل شيء يتعلق بأوروبا أثناء الانتخابات” على حد قول الكاتب.

لكن وبحسب المقال “واصل حزب العمال في الحكومة التحرك بحذر. كانت حسن النية لستارمر تجاه أوروبا واضحة في الاجتماعات الدولية، وخاصة الثنائية. لكنه ظل حذراً وقلقاً بشأن إعادة الانخراط في تفاصيل السياسة، وخاصة مع الاتحاد الأوروبي”.

ربما كانت السياسة في العلاقة بين المملكة المتحدة وأوروبا ستظل مجمدة بهدوء على مدى العامين أو الثلاثة أعوام المقبلة على الرغم من عودة ترامب، لكن حدثت أشياء كثيرة بسرعة في واشنطن منذ تنصيب الرئيس الأمريكي، يقول الكاتب.

وكان تركيز المملكة المتحدة على محاولة احتضان ترامب قدر الإمكان والابتعاد عن حرب الرسوم الجمركية بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، على ما ذكر الكاتب.

غير أن “تحول موقف” ترامب بشأن الحرب بين روسيا وأوكرانيا، كشف عن “الحجم الحقيقي للتهديد الأمني الذي قد تتعرض له أوكرانيا وأوروبا نتيجة لاتفاقه مع فلاديمير بوتين”، يضيف الكاتب.

وقال أيضاً إن ترامب “دفع بريطانيا وأوروبا إلى التقارب بشكل أسرع كثيراً مما كان ليحدث لو أصبحت كامالا هاريس رئيسة للولايات المتحدة”.

ويشير الكاتب في مقاله إلى أن “هذا التغيير هو نتاج الضرورة الناجمة عن تهور ترامب، إلا أن له جانباً إيجابياً، يجبر ستارمر على الانخراط بشكل أكثر فعالية مع أوروبا في مجال الدفاع والأمن”.

وفي صحيفة الشرق الأوسط، كتب جبريل العبيدي، مقالاً بعنوان “إعمار غزة بوجود أهلها”. قال فيه إنه “مما لا شك فيه أن إعمار غزة لن يكون نافعاً إلا بوجود أهلها مشاركين في البناء والإعمار”.

يستند الكاتب في مقاله إلى مقترح لرئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، في ملف الحديث عن إعمار غزة وهي خالية من أهلها.

وينقل الكاتب أن “الرئيس الأمريكي دونالد ترمب قال إن الفلسطينيين سيعيشون بأمان في مكان آخر غير غزة، لهذا يعتبر ترمب منتجع (مار إيه لاغو) الكبير مكاناً بديلاً لاستضافة سكان غزة. ووفق تصريحات بوريس جونسون رئيس وزراء بريطانيا الأسبق، حيث إن المكان ملك ترمب، بالتالي يمكن مبادلته مع غزة لحين استكمال الإعمار. وبالتالي هو ضمانة لاسترداد الأرض وضمان عودة الفلسطينيين لغزة مرة ثانية. هذا إذا كان ترمب صادقاً في استضافة سكان غزة ويؤلمه وجودهم بلا منازل بعد الدمار الشامل الذي قام به صديقه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو”.

ورأى الكاتب أن “إعمار غزة لن يكون نافعاً إلا بوجود أهلها مشاركين في البناء والإعمار، فاليابان عندما دمرتها الحرب والقنابل الذرية بنيت بوجود أهلها وتم الإعمار في وجودهم في بلادهم وليس خارجها”.

وقال إن “إعادة إعمار غزة يتطلب ضمان بقاء الفلسطينيين في أرضهم، فإعادة إعمار القطاع بأيدي الفلسطينيين ستوفر فرص عمل كبيرة للفلسطينيين دون الحاجة لتهجيرهم خارج فلسطين، فيمكن إعمار الشمال وإجلاء الفلسطينيين للجنوب، والعكس صحيح”.

ويشرح الكاتب أن إعمار غزة بوجود أهلها ليس بالأمر الصعب ولا المستحيل كما يصوره ترمب، “الذي يحاول معالجة إعمار غزة بعقلية تجارة العقارات من دون النظر في التبعات الجيوسياسية والديمغرافية السكانية وللبيوغرافيا المجتمعية، فقط نظر ترمب إلى سواحل ريفييرا الشرق التي تختزل الأمر في شواطئ سياحية على حساب السكان الأصليين لغزة”.

واعتبر الكاتب مقترح ترامب “تهجيراً قسرياً لسكان من أرضهم بعد أن حولتها قوة الاحتلال الإسرائيلي إلى ركام وخراب وأفسدت الأرض والماء فيها”.

وأشار الكاتب إلى “التجربة اليابانية” في عملية نقل الركام إذ “استخدمت الركام في ردم مساحات من البحر، وبذلك قد تتحصل غزة على مزيد من المساحات التي هي في حاجة كبيرة وماسة لها، وقد لا تستغرق عمليات نقل الركام بضعة أشهر وفق خبراء”.

ايلاف

—————————–

مصادر: إسرائيل تضغط على أميركا لإبقاء سوريا «ضعيفة»

قالت أربعة مصادر مطلعة إن إسرائيل تضغط على الولايات المتحدة لإبقاء سوريا «ضعيفة وبلا قوة مركزية» من خلال السماح لروسيا بالاحتفاظ بقاعدتيها العسكريتين هناك لمواجهة النفوذ التركي المتزايد في البلاد.

وأضافت المصادر أن العلاقات التركية المتوترة في الغالب مع إسرائيل تعرضت لضغوط شديدة خلال حرب غزة، وأن مسؤولين إسرائيليين أبلغوا واشنطن بأن الحكام الجدد في سوريا، الذين تدعمهم أنقرة، يشكلون تهديداً لحدود إسرائيل.

وتشير هذه الضغوط، وفقاً لوكالة «رويترز»، إلى حملة إسرائيلية منسقة للتأثير على السياسة الأميركية في منعطف حرج بالنسبة لسوريا، حيث يحاول الحكام الجدد في سوريا توطيد الاستقرار وحمل واشنطن على رفع العقوبات.

وذكرت ثلاثة مصادر أميركية وشخص آخر مطلع على الاتصالات، أن إسرائيل نقلت وجهات نظرها إلى كبار المسؤولين الأميركيين خلال اجتماعات في واشنطن في فبراير (شباط)، واجتماعات لاحقة في إسرائيل مع ممثلين في الكونغرس الأميركي.

وتشكل قاعدة طرطوس البحرية وقاعدة حميميم الجوية الروسيتان في سوريا، منشأتين أساسيتين للحفاظ على نفوذ موسكو في الشرق الأوسط وحوض المتوسط وصولاً إلى أفريقيا.

———————————

قرية كويا بريف درعا تواجه الفقر والتصعيد الإسرائيلي/ عبد السلام فايز

28/2/2025

درعا- بات أهالي القرى الحدودية مع الجولان السوري المحتل يعيشون على صفيح ساخن، جرّاء التصعيد الإسرائيلي المتواصل من خلال القصف أو التوغل البري، أو التهديد بنزع السلاح بالقوة.

ومنذ سقوط نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد، عمدت إسرائيل إلى إلغاء “اتفاقية فصل القوات” (فض الاشتباك) الموقعة مع الجانب السوري عام 1974، وتوغلت بالمنطقة العازلة، وشنت غارات جوية مكثفة استهدفت مواقع عسكرية إستراتيجية.

والأحد الماضي، طالب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في مؤتمر صحفي “بجعل المنطقة إلى الجنوب من دمشق منزوعة السلاح”. وأردف “ولن نسمح للجيش السوري الجديد بالانتشار في هذه المنطقة، ولن نقبل بأي تهديد لأبناء الطائفة الدرزية في جنوب سوريا”، على حد زعمه.

قريبا من التوغل

الجزيرة نت زارت قرية كويا في ريف درعا الغربي على حدود الجولان السوري، واستطلعت الواقع من كثب، في ظل التصعيد الإسرائيلي.

وكان نظام الأسد قد نصب حاجزا عسكريا قبل عشرات السنوات على مدخل البلدة، من أجل التدقيق في هويات العابرين، ولم يسمح بالدخول إلا لأهالي البلدة. أما الزائرون فكانوا بحاجة إلى كفالة من أحد الأهالي كي يتسنى لهم الدخول، باعتبارها منطقة حدودية حساسة.

وصلنا إلى وادي اليرموك الفاصل بين الجانبين، وعلى مقربة من نقطة “الجزيرة” التي توغلت إليها قوات إسرائيلية بعد سقوط نظام الأسد وأقامت فيها نقطة تمركز.

تسليم السلاح

يقول مختار القرية عبد الرحمن المفلح، للجزيرة نت، إن الأهالي يشعرون بقلق بالغ جراء التصعيد الإسرائيلي وتزايد الإنذارات في المدة الأخيرة.

ووفق المفلح، فقد أرسل جيش الاحتلال طائرة مسيّرة مرفقة بمكبرات صوت بعد سقوط نظام الأسد تطالب المختار بالتوجه إلى الداخل الإسرائيلي لإبرام تفاهمات ما، إلا أنه رفض ولم يذهب.

لكنه أرسل رجلين اثنين من الأهالي “مشهود لهما بالسمعة الطيبة” ليتكلما باسم القرية، من دون أن يذكر اسميهما، فطلب الاحتلال منهما إبلاغ الأهالي بضرورة تسليم الأسلحة للجانب الإسرائيلي، “إلا أنهما رفضا الطلب قولا واحدا، وقالا إن السلاح لا يُسلم إلا للحكومة السورية الجديدة”، وفق المختار.

وعبّر المفلح عن استعداد أهل البلدة للانخراط بالجيش السوري الجديد وتسليم السلاح له فقط دون أي جهة أخرى. وأضاف أن الرجلين ذهبا إلى مدينة درعا والتقيا مسؤولين في الحكومة السورية وأبلغاها بفحوى الاجتماع مع الجانب الإسرائيلي.

الفقر والتصعيد

وفي مناورة جديدة، عمدت إسرائيل إلى إرسال طائرات مسيّرة إلى قريتي جملة وعابدين المحاذيتين لبلدة كويا، تعرض على الأهالي تقديم مساعدات إغاثية وطبية مقابل إبرام تفاهمات معهم، إلا أنهم رفضوا كل العروض الإسرائيلية رغم الفقر المدقع، على حد قول المفلح.

وأشار المختار إلى أن أهالي البلدة من الطبقة الفقيرة، بل “المسحوقة”، حسب وصفه، جراء تهميشهم من قبل نظام الأسد، وهم يعتمدون على الزراعة التي أصبحت من دون أي مقومات إثر الحرب التي شنها النظام المخلوع على السوريين جميعهم.

وقال إن الأهالي عمدوا إلى حفر بئر بالبلدة على نفقتهم الخاصة للحصول على مياه للشرب، إلا أن البئر حاليا معطلة نتيجة غلاء أسعار المحروقات.

وأعرب المفلح عن استعداد الأهالي للانخراط بالعمل مع الحكومة الجديدة برئاسة أحمد الشرع، مشيدا بالسياسة التي تنتهجها القيادة، والتي تتطلب مزيدا من الصبر والوقت لتدارك المرحلة، وفق قوله.

وعلى طرف الوادي الفاصل، التقت الجزيرة نت مع الأستاذ حمزة الحسين مدير مدرسة كويا البلد الذي قال إن الوضع أصبح صعبا في البلدة لسببين اثنين: الفقر المدقع، والتصعيد الإسرائيلي وتهديدات الاحتلال باجتياح المنطقة.

وأكد الحسين أن إسرائيل تحاول تعكير فرحة سقوط نظام الأسد، من خلال الممارسات الاستفزازية، مشيرا إلى إجماع أهالي البلدة على عدم التعامل مع الاحتلال.

وتحاول إسرائيل إشغال أهالي البلدة بالاستفزازات، على وقع المرحلة الجديدة التي تمر بها البلاد، والتي يتطلع فيها السوريون إلى إعادة إعمار بلدهم، كما يقول الحسين.

جريح برصاص إسرائيلي

الزائر إلى القرية سيلاحظ الواقع المتردي للبنية التحتية، حيث بدت الشوارع هشة، والبيوت بدائية جراء التهميش على مدار عقود.

وأشار الحسين بيده إلى منزل، قائلا إنه يعود لجريح سوري من أهالي البلدة، أصيب برصاص الجيش الإسرائيلي أثناء مشاركته في مظاهرة رافضة للتصعيد بالمنطقة، مؤكدا أنه يرقد حاليا في مستشفى درعا الوطني.

في المستشفى، التقت الجزيرة نت الشاب الجريح ماهر الحسين (20 عاما) المصاب بفخذه الأيسر. وقال إنه أصيب برصاص إسرائيلي أثناء مشاركته بمظاهرة سلمية في 20 ديسمبر/كانون الأول 2024، خضع على إثرها لعمليات جراحية عدة.

قال الشاب إن المظاهرة كانت سلمية وضمن الأراضي السورية، ولم يتم تجاوز الحدود، بل إن الجيش الإسرائيلي عمد إلى إطلاق الرصاص من نقطة “الجزيرة” على المتظاهرين بهدف تفريقهم وإنهاء أي مظاهر احتجاجية بالمنطقة.

ومن على سريره، كشف الحسين عن مكان الإصابة الذي بدا ملتهبا جدا، لدرجة أنه لا يقوى على النهوض، ويسعى الأطباء حاليا لإزالة الالتهاب، تمهيدا لإجراء عملية تركيب الصفائح المعدنية.

وأشار إلى أنه دفع نحو 70 مليون ليرة سورية جراء إصابته بالرصاص الإسرائيلي (ما يعادل 700 دولار أميركي= 14 ضعفا لراتب الموظف السوري)، وهو ما أرهقه على الصعيد المادي.

وأكد أنه ما زال بحاجة إلى مبلغ 30 مليون ليرة لاستكمال العلاج، وهو ما يفوق قدرة العائلة، لا سيما أنه البكر، ومعيل للعائلة إلى جانب والده.

وفجر 8 ديسمبر/كانون الأول 2024، دخلت فصائل المعارضة السورية العاصمة دمشق وسيطرت عليها مع انسحاب قوات النظام المخلوع من المؤسسات العامة والشوارع، لينتهي بذلك عهد دام 61 عاما من حكم نظام حزب البعث و53 سنة من حكم عائلة الأسد.

واستغلت إسرائيل هذه التطورات وشنّت مئات الغارات الجوية دمرت على إثرها طائرات حربية وصواريخ متنوعة وأنظمة دفاع جوي في مواقع عسكرية عديدة بأنحاء سوريا.

وتقرر في اتفاقية 1974 انسحاب إسرائيل من مناطق جبل الشيخ جنوبي سوريا، إضافة إلى مساحة نحو 25 كلم مربعا تشمل محيط مدينة القنيطرة وغيرها من المناطق الصغيرة التي تم احتلالها في حرب 5 يونيو/حزيران 1967.

وفي تلك الحرب، احتلت إسرائيل معظم مساحة هضبة الجولان جنوب غربي سوريا، بما في ذلك أجزاء من سفوح جبل الشيخ، ثم أعلنت ضمها إليها في 1981، وهو ما لا تعترف به الأمم المتحدة.

المصدر : الجزيرة

————————–

 تسعى لإقناع واشنطن بذلك.. لماذا تريد إسرائيل بقاء القواعد الروسية في سوريا؟

2025.02.28

قالت مصادر دبلوماسية إن إسرائيل تمارس ضغوطاً على الولايات المتحدة لإبقاء سوريا ضعيفة ومقسمة، بما في ذلك السماح لروسيا بالحفاظ على قواعدها العسكرية هناك لمواجهة النفوذ المتزايد لتركيا في البلاد.

ونقلت وكالة “رويترز” عن أربعة مصادر مطلعة على هذه الجهود أن العلاقات المتوترة بين تركيا وإسرائيل تفاقمت خلال الحرب في غزة، وأن مسؤولين إسرائيليين أبلغوا واشنطن بأن “الحكام الإسلاميين” الجدد في سوريا، المدعومين من أنقرة، يشكلون تهديداً لحدود إسرائيل.

ووفق المصادر، تشير هذه الجهود إلى حملة إسرائيلية منظمة للتأثير على السياسة الأميركية في لحظة حساسة بالنسبة لسوريا، حيث يسعى الذين أطاحوا ببشار الأسد إلى تحقيق الاستقرار في الدولة المنقسمة وإقناع واشنطن برفع العقوبات المفروضة عليها.

تفاصيل الضغوط

وأوضحت ثلاثة مصادر أميركية وشخص آخر مطلع على الاتصالات أن إسرائيل نقلت وجهات نظرها إلى كبار المسؤولين الأميركيين خلال اجتماعات في واشنطن في شباط، إضافة إلى اجتماعات لاحقة في إسرائيل مع أعضاء من الكونغرس الأميركي.

وأفاد مصدران بأن إسرائيل قدمت أيضاً وثيقة إلى بعض كبار المسؤولين الأميركيين تتضمن النقاط الرئيسية لموقفها.

وقال آرون لوند، الباحث في مركز الأبحاث الأميركي “سنشري إنترناشونال”: “الخوف الأكبر لدى إسرائيل هو أن تتدخل تركيا لحماية هذا النظام الإسلامي السوري الجديد، الذي قد يصبح قاعدة لحماس وجماعات مسلحة أخرى”.

ورفضت وزارة الخارجية الأميركية ومجلس الأمن القومي الأميركي التعليق على الاستفسارات المتعلقة بهذه المعلومات، كما لم يرد مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي ووزارتا الخارجية في سوريا وتركيا على طلبات التعليق فوراً.

وقال الباحث آرون لوند إن إسرائيل لديها فرصة جيدة للتأثير على تفكير الولايات المتحدة، واصفاً الإدارة الأميركية الجديدة بأنها “شديدة الانحياز لإسرائيل”.

وأضاف: “سوريا بالكاد تثير اهتمام ترمب حالياً، فهي ليست أولوية، وهناك فراغ سياسي يمكن ملؤه”.

إسرائيل تسعى لإبقاء القواعد الروسية في سوريا

لمواجهة النفوذ التركي، سعى المسؤولون الإسرائيليون إلى إقناع نظرائهم الأميركيين بضرورة بقاء القاعدة البحرية الروسية في طرطوس وقاعدة حميميم الجوية في اللاذقية، وفقاً للمصادر.

وأوضحت مصادر أميركية أن بعض المشاركين في اجتماع بين المسؤولين الإسرائيليين والأميركيين فوجئوا بأن إسرائيل تدافع عن استمرار الوجود الروسي في سوريا، حيث رأى البعض أن تركيا، العضو في حلف الناتو، ستكون ضامناً أفضل لأمن إسرائيل، لكن المسؤولين الإسرائيليين رفضوا هذا الطرح بشدة، بحسب المصادر.

في الوقت نفسه، تُجري القيادة السورية الجديدة محادثات مع روسيا بشأن مستقبل القواعد العسكرية الروسية في البلاد.

صفقة أميركية لإنهاء الوجود الروسي في سوريا؟

قال مصدران إن إدارة الرئيس الأميركي السابق جو بايدن بحثت في الأسابيع الأخيرة من ولايته عرض تخفيف العقوبات عن القيادة السورية الجديدة، مقابل إغلاق القاعدتين العسكريتين الروسيتين.

لكن فريق بايدن لم يتمكن من إتمام الصفقة قبل تسلم الرئيس دونالد ترمب السلطة في 20 كانون الثاني الماضي.

وتتوقع المصادر أن يكون ترمب أكثر انفتاحاً على استمرار الوجود الروسي في سوريا، خاصة مع تقاربه مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

وتشير الوكالة إلى أن مقاربة إسرائيل لإبقاء سوريا ضعيفة تختلف بشكل كبير عن نهج الدول الحليفة للولايات المتحدة في المنطقة، وخاصة السعودية، التي أعلنت الشهر الماضي أنها تجري محادثات مع واشنطن وبروكسل للمساعدة في رفع العقوبات الغربية عن سوريا.

وفي سياق آخر، قال مصدر في حزب العدالة والتنمية التركي إن أنقرة استضافت وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف يوم الثلاثاء، كإجراء احترازي ضد الغموض المحيط بالسياسة الأميركية الجديدة في سوريا، وأيضاً لموازنة أي تحركات إسرائيلية بالتعاون مع واشنطن قد تهدد المصالح التركية.

———————

=======================

تحديث 27 شباط 2025

بعد تهديد نتنياهو لدمشق.. “يديعوت أحرونوت” تكشف تفاصيل المخطط الإسرائيلي

2025.02.25

كشفت صحيفة “يديعوت أحرونوت” عن استراتيجية عسكرية جديدة لإسرائيل تهدف إلى إنشاء نظام دفاعي بري ثلاثي الطبقات لحماية حدودها مع كل من سوريا وقطاع غزة وجنوب لبنان.

تتزامن الخطة الجديدة مع تهديدات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لدمشق بإخلاء منطقة الجنوب السوري من قوات “هيئة تحرير الشام” والجيش السوري الجديد، ونزع السلاح فيها.

ونشرت الصحيفة

، أمس الإثنين، تقريراً مفصلاً عن الاستراتيجية الجديدة، والتي تتضمن إنشاء منظومة دفاعية من ثلاث مستويات، اثنان منها خلف الحدود، تكون “داخل أرض العدو” على حد وصفها، وتتضمن إنشاء قواعد عسكرية وفرض نزع السلاح.

تفاصيل الخطة يعرضها، رون بن يشاي، أبرز خبراء الشؤون الأمنية في “يديعوت أحرونوت”، وهو معروف بصلاته الوثيقة بهيئة أركان الجيش الإسرائيلي.

وأشارت الصحيفة إلى أن إسرائيل شرعت بالفعل في تطبيقها جزئياً، واحتمال اعتمادها في ظل “الفرصة الممكنة” نظراً لعودة دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، وما يعلنه من مشاريع “مثيرة للجدل” لصالح التوسع الإسرائيلي في المنطقة.

ويأتي الحديث عن الخطة في ظل رفض إسرائيل الانسحاب الكامل من قطاع غزة ومن جنوب لبنان، على الرغم من سريان اتفاقي وقف إطلاق النار “هشين” مع بيروت وحماس، وتهديدات نتنياهو الأخيرة ومطالبته بأن تكون المحافظات السورية الجنوبية الثلاث القنيطرة ودرعا والسويداء “منطقة منزوعة السلاح”.

وفقاً للصحيفة، تعد الخطة إحدى الدروس المهمة التي استخلصتها المؤسسة العسكرية الإسرائيلية من هجوم السابع من أكتوبر2023، وتم بلورتها قبل نحو ثلاثة أشهر بالتزامن مع التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار في جنوب لبنان.

وتتضمن الخطة الإسرائيلية الجديدة لحماية الحدود مع سوريا ثلاثة مستويات دفاعية. تبدأ بإنشاء منطقة حدودية عازلة داخل الأراضي الإسرائيلية، تضم مواقع عسكرية وحواجز دفاعية متطورة، تشمل سياجا وجدرانا وأجهزة استشعار، مدعومة بقوات احتياطية ومدفعية ودفاع جوي لحماية المستوطنات القريبة. يلي ذلك نظام دفاع أمامي داخل الأراضي السورية، عبر إقامة نقاط عسكرية ومراقبة في المنطقة العازلة شرق الجولان، بهدف تنفيذ عمليات استباقية ضد أي تهديدات، مع الاعتماد على طائرات مسيّرة ووحدات استطلاع.

أما المستوى الثالث، فهو فرض نزع السلاح في جنوب سوريا، من خلال إخلاء هيئة تحرير الشام والجيش السوري الجديد، ومنع أي وجود للأسلحة الثقيلة والصواريخ، مع السماح فقط بالأسلحة الخفيفة ضمن ترتيبات أمنية محددة.

وتسعى إسرائيل إلى دعم أميركي، خاصة من إدارة ترمب، مع إمكانية التنسيق غير المباشر مع تركيا، واستغلال ملف الدروز في السويداء كذريعة للتدخل. لكن الخطة تواجه عقبات، أبرزها معارضة المجتمع الدولي.

ويترجم موقع “تلفزيون سوريا”التقرير كاملاً، والذي يوضح التغييرات العميقة في العقيدة العسكرية الإسرائيلية بعد السابع من أكتوبر، ومدى تأثيرها على المعادلات الأمنية في المنطقة.

من دروس 7 أكتوبر.. لدى إسرائيل استراتيجية جديدة لحماية الحدود تتكون من ثلاث طبقات

إن فشل السابع من أكتوبر أدى إلى اعتماد استراتيجية جديدة، حتى ضد الدول التي عقدت معها إسرائيل اتفاقيات سلام. وتتضمن الخطة 3 أنظمة دفاعية على حدود قطاع غزة ولبنان وسوريا، مكونة من 3 طبقات: إنشاء مواقع وعوائق عسكرية في الأراضي الإسرائيلية، بهدف السيطرة والمراقبة على الحدود، و”نظام دفاع أمامي” في أراضي العدو، والمطالبة بنزع السلاح من المناطق التي تحمل تهديدات محتملة، وتعتزم إسرائيل إقامة هذه المنظومة على أمل أن تدعمها إدارة ترمب، لكن من غير الواضح كيف سيكون رد فعل الدول الأوروبية، وعلى أي حال، فإن هذه الخطة تتطلب آلاف المقاتلين وميزانيات ضخمة. (مقدمة تلخيصية لصحيفة “يديعوت أحرونوت).

كشف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو فعلياً عن استراتيجية الدفاع الحدودية الجديدة لإسرائيل، عندما قال، في حفل تخريج دورة ضباط، يوم الأحد، بأنه طالب “بإخلاء جنوب سوريا بالكامل من قوات النظام الجديد”.

وتبلورت هذه الاستراتيجية، بشكل فعلي، نهاية العام الماضي، بعد التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار مع لبنان، ولكن نتنياهو أضاف، في خطابه يوم الأحد، القطعة الناقصة إلى لوحة البازل عندما أعلن أنه سيطالب بأن تكون جنوب غرب سوريا، من دمشق جنوبا، منطقة منزوعة السلاح.

وتشكلت هذه الاستراتيجية، بالدرجة الأولى، نتيجة لاستخلاص الدروس المستفادة من إخفاقات ما حدث في السابع من تشرين الأول/أكتوبر، وكان الهدف منها في المقام الأول توفير الأمن لسكان المستوطنات الحدودية في الجنوب، وفي الشمال، وعلى الحدود السورية.

وتميز الاستراتيجية بين الحدود مع الدول التي لدينا سلام معها، أي مصر والأردن، وبين الحدود التي تشكل خطراً مباشراً وتهديداً نشطاً لمواطني دولة إسرائيل، في المستوطنات الحدودية وتلك التي لا تبعد سوى بضعة كيلو مترات عن الحدود.

الاستراتيجية على الحدود التي تشكل خطراً: نظام دفاع بري ثلاثي الطبقات

منطقة حدودية عازلة

على الحدود التي لا تزال تشهد حرباً نشطة أو شبه نشطة، أي على حدود قطاع غزة، وعلى الحدود مع لبنان، وعلى مرتفعات الجولان، سيكون هناك منظومة دفاع برية ثلاثية الطبقات. وستكون أولى طبقات هذه المنظمة الدفاعية داخل الأراضي الإسرائيلية، إنشاء منطقة عزل حدودي تتكون من مواقع عسكرية ثابتة مع حواجز وعوائق برية بما في ذلك سياج و/أو جدار، وأجهزة استشعار مختلفة لمراقبة الحدود، فضلاً عن إنشاء شبكة من طرق إمداد سريعة، وتضم قوات الاحتياط، ومعدات من الدفاع الجوي والمدفعية. ومن المفترض أن تكون هذه الطبقة من النقاط والحواجز العسكرية بمثابة منطقة عازلة بين المستوطنات الحدودية والقرى الشيعية ومراكز التجنيد المحتملة لحزب الله في جنوب لبنان.

وفي قطاع غزة، ستكون هناك منظومة ذات خصائص مشابهة، تكون حاجزاً بين أراضي القطاع ومستوطنات غلاف غزة، ولكن سيتم استبدال معسكرات القوات على الحدود بمواقع عسكرية حصينة قادرة على حماية محيطها والتصدي لمحاولات الاقتحام، وتمتع بجاهزية حتى من دون أي تحذير استخباراتي.

أما على الحدود مع سوريا، هناك بالفعل منطقة عازلة مكونة من مواقع ومعوقات عسكرية مع مرتفعات الجولان السورية، وهناك مواقع دفاعية مأهولة تقع داخل الأراضي الإسرائيلية.

إنشاء مواقع عسكرية خلف الحدود

في حين، ستكون الطبقة الثانية من المنظومة الدفاعية داخل أرض العدو، في كل المناطق الحدودية الثلاث، وستكون جزءا من “الدفاع الأمامي أو المتقدم” بهدف التصدي للتهديدات قبل حدوثها، تشبه تلك التي كانت قائمة في المنطقة الأمنية في جنوب لبنان، منذ عام 1984 حتى انسحاب الجيش الإسرائيلي وجيش لبنان الجنوبي (جيش لحد) في أيار/مايو 2000.

في قطاع غزة هذا يعني أن وجوداً للجيش الإسرائيلي، بطريقة أو بأخرى، في المنطقة الأمنية الحدودية ​​(الشريط الأمني) الذي يقع داخل أراضي القطاع. ولكن لا يزال من غير الواضح مدى عمق هذه المنطقة العازلة وحجم انتشار الجيش فيها، والتي تهدف إلى منع الفلسطينيين من الاقتراب من السياج. هذا أمر متروك لمفاوضات المرحلة الثانية من صفقة تبادل الأسرى الحالية، والتي ستناقش بشكل أساسي الترتيبات الأمنية في المنطقة الأمنية، والتي تعد منطقة دفاع أمامية. وكانت إسرائيل قد أوضحت بالفعل أنها ستطالب بحقها في العمل ضمن هذه المنطقة الأمنية، سواء كان ذلك عبر وجود دائم، أو من خلال الدوريات البرية، والطلعات الجوية، وما شابه ذلك.

في لبنان، تطبق إسرائيل عملياً الآن نظام دفاعي أمامي داخل الأراضي اللبنانية من خلال 5 نقاط متقدمة على طول الحدود تقع في مناطق خاضعة لسيطرتها. وفيها قوى فصائلية، وتقول إسرائيل إنها ستنسحب من هذه المواقع مع زوال خطر التهديدات الأمنية من جنوبي لبنان إلى الأراضي الإسرائيلية.

وفي مرتفعات الجولان، قوات الجيش الإسرائيلي التي دخلت المنطقة العازلة واستعدت للبقاء فيها بشكل مؤقت تواصل توفير مهمة الخط الدفاعي الأمامي لمستوطنات مرتفعات الجولان ولسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان. والجدير بالذكر تقع المنطقة العازلة شرقي الحدود مع إسرائيل، وهي مصممة لتكون خالية من أي وجود عسكري، إسرائيلي أو سوري، وتشكل حاجزاً جغرافياً برياً بين السوريين وبيننا، لن يتجاوزه إلا من كانت لديه نوايا هجومية.

أنشئت هذه المنطقة العازلة في اتفاقيات وقف إطلاق النار مع سوريا عام 1974، والآن، بعد الإطاحة بنظام بشار الأسد على يد منظمة هيئة تحرير الشام الجهادية “HTC”، سارعت إسرائيل إلى دخول المنطقة العازلة والاستيلاء عليها بهدف إنشاء نظام دفاع أمامي لحماية المستوطنات في مرتفعات الجولان لم يكن موجوداً من قبل.

إن هذه الطبقة (الثانية)، كما هو الحال في لبنان، تتكون في المقام الأول من نقاط مراقبة في مواقع خاضعة للسيطرة الإسرائيلية وتقع في نطاق عمل الدوريات العسكرية، ولكن على عكس جنوبي لبنان، فإن الجيش الإسرائيلي في هذه المنطقة لديه اتصالات مع السكان، كما أن الوجود على قمة جبل الشيخ السوري له قيمة استخباراتية وعملياتية مهمة.

الجديد.. نزع السلاح

أما الطبقة الثالثة، هي الابتكار الحقيقي، وتتمثل بالعمل على نزع السلاح من المناطق التي تشكل تهديداً لإسرائيل.

ففي قطاع غزة، أعلن رئيس الوزراء نتنياهو أن أي تسوية لإنهاء الحرب يجب أن تشمل ليس فقط إعادة الرهائن الإسرائيليين والقضاء على الحكم المدني والعسكري لحماس، بل يجب أيضاً نزع السلاح من القطاع.

“نزع السلاح” هو مصطلح عام، ويختلف من منطقة إلى أخرى حسب الترتيبات الأمنية لنزع السلاح، إما أنه لن يكون هناك أي أسلحة على الإطلاق أو السماح بالأسلحة الخفيفة مثل الأسلحة الشخصية وبنادق الكلاشينكوف والمسدسات، وربما حتى الرشاشات التي تستخدمها الشرطة لتطبيق القانون، ولكن الأسلحة الهجومية مثل القذائف والصواريخ أرض – أرض وقذائف الهاون والصواريخ المضادة للدبابات وقاذفات آر بي جي، وبالطبع المركبات القتالية المدرعة مثل الدبابات وناقلات الجنود المدرعة أو السفن الحربية والقوارب والطائرات من دون طيار، وما إلى ذلك، ستكون محظورة كل الأسلحة التي يمكن إطلاقها فعلياً إلى الأراضي الإسرائيلية وتسبب لنا إصابات.

في إطار اتفاقيات السلام مع مصر، واتفاقية “فض الاشتباك” مع سوريا في 1974، تم تقييد انتشار القوات والسلاح في المناطق التي خضعت للترتيبات الأمنية وقتها، أي أنه مسموح بوجود الدبابات حتى عدد معين، ويحظر تحليق الطائرات المقاتلة، ويحظر وجود المدافع وقذائف الهاون فوق عيار معين، وهكذا. وبالتالي فإن قضية نزع السلاح قضية قابلة للتفاوض ومعقدة، وعندما نتحدث عن نزع السلاح فإن الشيطان يكمن في التفاصيل.

وتنطبق القاعدة نفسها أيضاً على جنوبي لبنان. في واقع الأمر، تطالب إسرائيل بأن تكون منطقة جنوبي لبنان، من الليطاني جنوباً وشرقاً، خالية من الصواريخ والقذائف من كل الأنواع: الصواريخ المضادة للدبابات، وطائرات من دون طيار، وقذائف هاون، وطائرات من دون طيار كبيرة الحجم. وبطبيعة الحال، تطالب إسرائيل أيضاً بعدم السماح لعناصر حزب الله بالتجول مسلحين في المنطقة الواقعة جنوبي الليطاني، حتى ولو بأسلحة خفيفة. ومن المفترض أن يقوم الجيش اللبناني بتنفيذ هذا الأمر، وفي حال فشل في مهمته سيتكفل الجيش الإسرائيلي بتنفيذها. ولكن في لبنان يعمل الجيش الإسرائيلي على مسافات بعيدة عن الحدود داخل العمق اللبناني، تصل لأكثر من 100 كيلومتر، بحيث يصبح لبنان منزوع السلاح من الصواريخ والقذائف الثقيلة والدقيقة بشكل خاص، والتي يمكن أن تلحق أضراراً كبيرة في العمق الإسرائيلي.

وفي سوريا، قال رئيس الوزراء صراحة أنه يطالب بنزع السلاح في هضبة الجولان السورية من الحدود مع الأردن جنوباً إلى منطقة السويداء شرقاً، المعروفة لدينا بجبل الدروز. في هذه المنطقة، يطالب نتنياهو بإخلائها من قوات المنظمة الجهادية التي تسيطر على سوريا في الوقت الراهن، والتي هي في الأساس نموذج أكثر حداثة من تنظيم القاعدة، وإخلاء ما يسمى “الجيش السوري الجديد”، والذي هو في الأساس أعضاء في نفس التحالف من المنظمات الإسلامية المسلحة التي انضمت إلى هيئة تحرير الشام وزعيمها أحمد الشرع “الجولاني”.

وتحاول هيئة تحرير الشام الآن إقناع العالم بأنها، على الرغم من كونها منظمة إسلامية، تسعى إلى السلام وإقامة علاقات جيدة مع دول الجوار والعالم بشكل عام. والشرع الذي استبدل ملابسه العسكرية المموهة ببدلة وربطة عنق، يحاول الآن إقناع العالم بأن كل اهتمامه منصب على إعادة بناء سوريا من أنقاض الحرب الأهلية، والقضاء على إرث الحكم الاستبدادي لعائلة الأسد والأقلية العلوية. ويؤكد صراحة أنه يريد علاقات جوار خالية من العنف مع إسرائيل، لكنه لا يتحدث عن السلام (التطبيع).

الخوف من النزعة الجهادية

تهيمن تركيا على خلفية الأحداث في سوريا، فالأتراك هم الداعمون الرئيسيون للجولاني وجماعته، ولكنهم لا يسيطرون عليهم. وتخشى إسرائيل من ظهور متلازمة “القط ذو الحذاء” في سوريا، وهذا يعني أنه لن يكون بعيداً اليوم الذي يعود فيه الجهاديون، الذين ارتدوا البدلات وتحدثوا باسم دولة محبة للسلام، إلى كونهم قوة جهادية إسلامية تحت ستار “الجيش السوري الجديد” على حدودنا.

علاوة على ذلك، هم يهددون أبناء الطائفة الدرزية الذين يقطنون في منطقة السويداء، ويشعر إخوانهم في إسرائيل بالقلق مما سيحدث في المستقبل. في الوقت الحالي يحاول أحمد الشرع تهدئة الدروز وضمهم إلى نظامه، ولكن بما أنهم أقلية تختلف عن التنظيمات السلفية التي تشكل هيئة تحرير الشام، فإن الدروز مهددون، ولإسرائيل مصلحة في حمايتهم. ولذلك، أوضح نتنياهو في كلمته في حفل تخريج دورة ضباط أن إسرائيل تطالب بإجلاء المنطقة في جنوبي دمشق، والتي تضم القنيطرة ودرعا الحدوديتين مع إسرائيل والسويداء التي تقع شرقهما وفيها يعيش الدروز، من عناصر هيئة تحرير الشام أو الجيش السوري الجديد، فهي سيدة جهادية بلباس حديث.

عندما سألتُ عن معنى الحظر المفروض على دخول الجيش السوري الحر وأعضاء هيئة تحرير الشام إلى المنطقة الواقعة جنوب دمشق، أوضح لي مسؤول أمني كبير أن إسرائيل تريد في الواقع نزع السلاح من هذه المنطقة، ولكن ليس فقط من وجود الأسلحة الثقيلة والصواريخ والقذائف والطائرات من دون طيار، ولكن بشكل أساسي من وجود الإسلاميين، الذين قد يحاولون تنفيذ هجوم على الحدود السورية على غرار هجوم 7 أكتوبر المميت.

في الواقع، يهدف مفهوم الدفاع ثلاثي الطبقات هذا إلى حماية إسرائيل من الإسلام المتطرف في قطاع غزة وجنوبي لبنان، وكذلك في سوريا. والتهديد المحتمل لإسرائيل في كل هذه المناطق هم الجهاديون الشيعة والسنة، وتعتقد إسرائيل أنهم سيظلون يشكلون خطراً حتى بعد تسويات “اليوم التالي” في سوريا ولبنان وقطاع غزة. ستواصل إيران الشيعية دعم الميليشيات التي قد تأتي إلينا بسرعة من الأراضي العراقية، وقد تدعم تركيا الميليشيات الجهادية لهيئة تحرير الشام. التي ستأتي إلينا من وسط سوريا وشمالها، ولا داعي للحديث عن حماس في غزة.

ومن المفترض أن توفر هذه الطبقات الثلاث من الدفاع لسكان شمالي وجنوبي وشرقي إسرائيل الحماية من شكلين من الهجوم: الهجوم البري أو التسلل إلى داخل الأراضي الإسرائيلية، والقصف المباشر، كما كانت الحال في الجبهة الشمالية وإلى حد ما في منطقة غلاف غزة.

ولكن عملياً، يعتمد مفهوم حماية الحدود على طبقة رابعة، وهي القدرات الاستخباراتية والجوية لدولة إسرائيل. ومن أبرز دروس السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 جاهزية القوات الجوية ويجب أن تكون حاضرة في الميدان، وأن تكون جزءا لا يتجزأ من الدفاع الحدودي الجديد.

ما فرص تنفيذ هذه الاستراتيجية؟

من المؤكد أن هذه الاستراتيجية تتمتع بمزايا أمنية وعسكرية واضحة، ولكن السؤال المهم هل سيتم تنفيذها، ومتى؟

في سوريا، على سبيل المثال، أوضحت إسرائيل للأتراك والحكام الجدد في دمشق، عبر وسطاء، أنها لا تنوي البقاء بشكل دائم في المنطقة العازلة والحفاظ على دفاع أمامي هناك إذا كانت هناك ترتيبات أمنية دائمة، والتي قد تضمنها تركيا أيضاً.

وفي لبنان، في الواقع، من المفترض ألا يكون النظام الدفاعي الحالي موجوداً، وتقول إسرائيل إنها ستزيل مراكز السيطرة والمراقبة، إذا تبين أن الجيش اللبناني سيطر بالفعل بشكل فعال ومستمر وكامل على المنطقة الواقعة جنوبي الليطاني.

مطلب إسرائيل الأساسي هو تفكيك حزب الله ونزع سلاحه بشكل كامل، على الأقل جنوبي الليطاني، ولكنها ترغب قي تطبيق استراتيجية حماية الحدود، وهي تملك الفرصة لتحقيق ذلك، ولكن عقدة الحل لدى إدارة ترمب.

على خلاف عهد إدارة بايدن أو أوباما، لم يكن لدى إسرائيل أي احتمال لعرض هذه الرؤية العسكرية على الإدارة الأميركية، ولكن في عهد ترمب، فإن الفرصة ممكنة.

“حدود السلام”.. الرؤية الدفاعية على الحدود مع مصر والأردن

لن تكتمل صورة مفهوم حماية الحدود من دون توضيح ما سيحدث على الحدود مع مصر والأردن، على الرغم من وجود اتفاقيات سلام مع القاهرة وعمان، فإن لدى إسرائيل نية في زيادة نشر أنظمة دفاعية مادية مع “حدود السلام” أيضاً، تشمل إنشاء مواقع عسكرية وحواجز “سياج أو جدار فولاذي”، ووسائل المراقبة وجمع المعلومات الاستخبارية من جميع الأنواع. الدفاع عن هذه الحدود سيتم داخل أراضينا، وعلى الحدود الشرقية، أي مع الأردن بالأساس، سيتم إنشاء فرقة “جلعاد”. وسيكون دورها الرئيسي في الوقت الحاضر منع التهريب من الحدود الأردنية، التي أصبحت تشكل الصداع الرئيسي في الضفة الغربية، لكن هذه الفرقة ستكون مستعدة أيضاً لاحتمال التهديدات البرية من الشرق.

وحتى على الحدود المصرية، التي هي أقصر من الحدود الأردنية، ستكون هناك حماية مختلفة لنفس الأهداف بالضبط، رغم أن شبه جزيرة سيناء على الحدود المصرية توفر تحذيراً وعمقاً استراتيجياً أفضل من الحدود الأردنية، المعرضة للتسلل من محور المقاومة الشيعية من الشرق.

التكاليف

إن منظومة الدفاع الحدودية الجديدة، إذا نجحت إسرائيل في إنشائها بدعم من الحكومة الأميركية في الجبهات الثلاث، سوف توفر حماية جيدة للمستوطنات الحدودية وتلك القريبة من الحدود، ولكنها ستكون باهظة الثمن. وسوف يتطلب هذا التشكيل ما لا يقل عن 7 أو 9 ألوية مشاة ومدرعات تكون متمركزة بشكل دائم على الحدود، وكمية هائلة من الوسائل التكنولوجية وأجهزة الاستشعار وبطاريات الاعتراض والطائرات من دون طيار، فضلاً عن قوة جوية مجهزة خصيصاً لمهام الدفاع عن الحدود، ومنع التسلل، والتعامل بسرعة مع الهجمات غير المتوقعة على الأراضي الإسرائيلية أو الاقتراب منها.

وتتطلب ما لا يقل عن 10 آلاف مقاتل ومقاتلة، فضلاً عن ميزانية مالية كبيرة للغاية. ويجب أن نأخذ في عين الاعتبار أيضاً أن نظام حماية الحدود هذا لن يحظى بشكل تلقائي على الشرعية الدولية من العالم أجمع، وحتى لو دعم ترمب إنشائه، ومن غير المؤكد أن تمنح الدول الأوروبية والصين وروسيا وتركيا الشرعية لإسرائيل لنشر هذا النظام.

وأخيرا، فإن منظومة الدفاع الأمامي سوف تنكشف وستصبح بعد فترة زمنية معينة هدفا لهجمات من قبل حزب الله أو المسلحين من قطاع غزة، سواء كانوا من حماس أو مجموعات مسلحة أخرى، وسوف يحدث الشيء نفسه في مرتفعات الجولان. إن نقاط المراقبة والسيطرة في لبنان، والشريط الأمني ​​في قطاع غزة، وربما قد نواجه في هضبة الجولان السورية أيضاً حرب عصابات ومجموعات إرهابية، على غرار ما حدث في الشريط الأمني ​​في جنوبي لبنان. ولذلك، يتعين على إسرائيل أن تستكمل أنظمة دفاعها البرية مع الاحتفاظ بجاهزية قدراتها الجوية، إلى حين التوصل إلى اتفاقيات وترتيبات نهائية.

——————————-

حين تتدخل إسرائيل في تحديد مستقبل سوريا/ بكر صدقي

تحديث 27 شباط 2025

كان لافتاً تزامن الاعتداءات الإسرائيلية الأحدث على جنوب سوريا، وصولاً إلى نقاط قريبة من العاصمة دمشق، مع انعقاد مؤتمر الحوار الوطني في قصر الشعب، وهو المؤتمر الذي من المفترض أن يساهم في تحديد مستقبل الكيان السوري. وكأن حكومة نتانياهو المتطرفة تعلن بذلك نيتها في الحصول على حصة لها في تركة نظام الأسد.

فمن المعروف أن نظام الأسد قد لعب دور الحراسة لأمن الحدود الإسرائيلية منذ اتفاقية فض الاشتباك في العام 1974، وحين فقد هذا الدور بعد استجلابه للميليشيات الإيرانية، أثناء قمعه للثورة السورية، فقد حصانته أمام الطيران الإسرائيلي الذي لم يتوقف عن استهداف الأراضي السورية منذ العام 2012، وارتفعت وتيرة تلك الاستهدافات منذ عملية طوفان الأقصى في 7/10/2023. أما بعد فرار بشار الأسد في 8/12/2024 فقد توغلت القوات الإسرائيلية داخل المنطقة منزوعة السلاح وضربت كل ما بقي من قدرات تسليحية لسوريا. وبلغت الوقاحة بنتانياهو أنه طلب إخلاء كل منطقة الجنوب السوري من القوات العسكرية، في سابقة خطيرة من التدخل في أمن دولة ذات سيادة. وفي ذلك محاولة لإذلال السوريين وإدارتهم الجديدة التي سيطرت على السلطة بعد سقوط نظام الأسد.

يحدث هذا في الوقت الذي تواجه فيه سوريا تحديات هائلة لا تقل عن إعادة تشكيل الكيان السوري دولةً ومجتمعاً واقتصاداً وسياسة وعلى جميع الأصعدة بلا استثناء، وإعادة تعريف سوريا بمعنى جديد يتجاوز به معنى «سوريا الأسد» بكل حمولته الفظيعة كنظام سلالي إجرامي استعماري و«أبدي» حبس السوريين في حاضر بلا مستقبل.

وكان أمل قطاعات واسعة من السوريين أن يشكل «مؤتمر الحوار الوطني» نوعاً من مؤتمر وطني تأسيسي يضع دستوراً عصرياً لسوريا يكون من شأنه تحديد العلاقة بين السلطة والمجتمع، وبين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية المتمايزة والمستقلة، وشكل الدولة، ونظاماً لتداول السلطة كما يليق بجمهورية، وتنبثق منه قوانين لتنظيم الحياة السياسية، ويكرس الحريات العامة والفردية إلى آخر ما هنالك من أعمدة الدولة الديمقراطية الحديثة. غير أن الطريقة التي تم بها تشكيل المؤتمر واللجنة التحضيرية التي دعت إليه كانت مخيبة للآمال، سواء بسبب الاستعجال أو عدم وضوح معايير المدعوين أو الفترة القصيرة جداً التي استغرقتها «أعمال» المؤتمر، وقبل كل ذلك إقصاء المكون الكردي ومقاطعة المكون الدرزي عبر تعبيراتهما السياسية المعروفة.

صحيح أن المؤتمر ليس السياق المناسب لتمثيل «المكونات» الاثنية أو الطائفية أو الجهوية، بيد أن هذه معطيات واقعية لا يمكن تجاوزها بدعوى التركيز على المواطنة المتساوية التي تحتاج سوريا إلى زمن يطول أو يقصر لتكريسها. فبهذا الإقصاء إنما يتعمق فقدان الثقة بدلاً من العمل على تعزيزها في الطريق نحو مفهوم المواطنة التي هي حلم لجميع السوريين ينبغي العمل على تحقيقه.

تزداد أهمية النقطة الأخيرة بالنظر إلى الشق الثاني من التصريحات الإسرائيلية التي رافقت قصفها لجنوب دمشق، عنيت به زعمها حماية الدروز في سوريا، وحديث وزير خارجية إسرائيل عن وجوب إقامة نظام فيدرالي يتضمن مناطق حكم ذاتي! كان رد السوريين على هذه التصريحات الوقحة بتنظيم مظاهرات شعبية في مختلف المدن والبلدات رفضاً لها ولتوغل إسرائيل في الجنوب. على أهمية هذه المظاهرات لتعبيرها عن إرادة السوريين فهي غير كافية وحدها، بل يكون الرد الحاسم على وقاحة إسرائيل من خلال دولة تحتضن كل مواطنيها، لا تستبعد أحداً بصرف النظر عن انتماءاته الصغرى، دولة تعترف بتعددية المجتمع القومية والدينية والمذهبية والثقافية وتكون على مسافة واحدة منها جميعاً.

والحال أن موضوع المكون الكردي أكثر تعقيداً من مجرد التمثيل أو الإقصاء من مؤتمر الحوار الوطني، إذ تتقاطع فيه مشكلات وجود فصيل مسلح (قسد) يسيطر على نحو ربع الأراضي السورية بما فيها من ثروات نفط وزراعة، وتداخل إقليمي مع تركيا، وأحزاب سياسية كردية من خارج قسد. وثمة مفاوضات بين قسد والإدارة في دمشق لتفكيك هذه العقدة بالطرق السلمية، لم تصل إلى نتائج نهائية بعد لارتباطها بمشكلة تركيا الكردية التي من المفترض أن هناك مسعى لحلها سياسياً يتقدم ببطء، إضافة إلى وجود فاعلَين دوليين هما واشنطن وباريس. ولم تحدد إدارة ترامب إلى الآن سياسة واضحة تجاه سوريا من شأنها أن تؤثر على التفاعلات الإقليمية والمحلية.

بصورة معاكسة على طول الخط لسوريا في ظل النظام المخلوع، حفلت الأسابيع الماضية بانفتاح دبلوماسي على الإدارة الجديدة عربياً وإقليمياً ودولياً، وكأن كل التحفظات على الماضي الجهادي للفريق الحاكم قد انهارت. الآن يبدو أن هذا الزخم سيبدأ بالانحسار وكأنه لم يتجاوز جانبه الإعلامي. ذلك أن كل النوايا الطيبة التي عبرت عنها الدول التي دخلت في علاقة تماس مع الإدارة الجديدة لم تترجم بعد إلى وقائع، وكأنها جميعاً بانتظار تحول «الأقوال إلى أفعال» أي مضي السلطة في عملية سياسية تتسق مع مطالب تلك الدول. وهذا ما بدأت السلطة به، بطريقتها، من خلال عقد المؤتمر المذكور، ومن المتوقع أن يليه تشكيل حكومة انتقالية تكون بـ«تمثيل شامل» في الأول من شهر آذار/مارس. عسى أن يتم تلافي الصورة المنقوصة التي ظهر فيها المؤتمر.

كاتب سوري

القدس العربي

——————————

سياسة الضعفاء: سوريا الجديدة وإسرائيل الاستعمارية القديمة/ ياسين الحاج صالح

تحديث 27 شباط 2025

في تصريح استعماري نموذجي، قال بنيامين نتنياهو إن إسرائيل «لن تسمح بانتشار قوات هيئة تحرير الشام أو الجيش السوري الجديد جنوب دمشق» المنطقة التي تشمل محافظات درعا والسويداء والقنيطرة التي قال كذلك إنه يريدها أن تكون منزوعة السلاح. رئيس الوزراء الإسرائيلي أضاف إن إسرائيل لن تتسامح مع أي تهديد لمجتمع الدروز في جنوب سوريا». الإدارة الجديدة تركت التعليق على هذه البلطجة للسيدة هدى الأتاسي، واحدة من سبعة أعضاء في اللجنة التحضيرية لمؤتمر الحوار الوطني في سورية. فكان أن أدرج في البيان الختامي لمؤتمر الحوار الوطني السوري بند حول تصريح نتنياهو، لا هو مما يحتمله سياق البيان، ولا هو ينم عن تقدير خطورة مضمون ذلك التصريح. ولعل في ذلك ما يشير إلى قلة الحيلة، أكثر مما يشير إلى قلة الوسيلة، أو ببساطة إلى غفلة عن الواقع وسوء تقدير، أكثر مما يشير إلى الضعف العسكري السوري المعلوم.

الضعيف عسكرياً لا يمكن أن يكون قويا سياسياً، هذا مفهوم، وهو مفهوم أكثر إن كان كذلك ضعيفاً على كل مستوى آخر، تثقل كاهله تركة باهظة. لكن الضعيف يمكن أن يلجأ إلى سياسة الضعفاء التي تعمل على كسب الصراعات أو عدم خسارتها بالاستناد إلى وسائل القانون الدولي، ومحاولة كسب الرأي العام في الإقليم والعالم، و«القوة الناعمة» الفكرية والسياسية والأخلاقية، وقبل كل شيء بتحويل ملكية البلد من الحكم الأسدي إلى الضعفاء من عموم السوريين، على نحو يوسع قاعدة المسؤولية عن المصير الوطني. ليس المطلوب بحال تصريحات عنترية من الفريق الحاكم الجديد، ولا التهديد الطقسي بالرد في الزمان والمكان المناسبين، ولا «التكويع» نحو خطاب الممانعة الذي كان ذريعة مشرعة لتدمير البلد من قبل الحكم الأسدي وحماته. المطلوب والممكن بالأحرى التزام سياسية الضعفاء بصورة متسقة، على نحو يتوافق مع وضع سورية الفعلي، ويقطع مع سياسة قوة لا سند لها.

وأول أركان سياسية الضعفاء عدم الانجرار إلى مواجهة مسلحة، هي مما لا يحتاج الحكم الجديد في سورية إلى نصيحة بشأنها على كل حال. من الآن ولسنوات طويلة قادمة سورية لا تستطيع الدفاع عن نفسها عسكرياً في مواجهة أي جيران أقوياء. لا ينبغي التكتم على ذلك، فهو معلوم للجميع، الأعداء قبل الأصدقاء. ولكن الضعيف الذي لا يستطيع الدفاع عن نفسه، يستطيع إدانة الاعتداء عليه، وتسميته باسمه: عدوان غير مبرر وغير مسبوق باستفزاز. بل هو أسوأ: تلاعب استعماري ببنية المجتمع السوري من قِبَل قوة قومية إثنية ارتكبت للتو جريمة الجينوسايد في غزة.

في المقام الثاني محاولة الاستفادة مما يتيحه القانون الدولي والمؤسسات الدولية من حماية. القانون الدولي يعتبر مرتفعات الجولان أرضا سورية محتلة، ومن باب أولى التوسعات الإسرائيلية الأخيرة، وإن لم تُبلّغ الأمم المتحدة بشأنها فيما يبدو. يشعر المرء بالحرج والسخف وهو يدعو إلى تقديم شكوى موثقة إلى الأمم المتحدة حول اعتداءات إسرائيل على المجتمع السوري والتراب السوري منذ اليوم الأول لسقوط الحكم الأسدي، إذ أن ذلك لا يحتاج إلى نباهة خاصة، ولا يصعب القيام به. ربما يقال إن اللجوء للأمم المتحدة ليس بالشأن المهم، فهناك قرارات من الأمم المتحدة ومن مجلس الأمن حول فلسطين والصراع العربي الإسرائيلي، لم تجد سبيلها إلى التنفيذ. هذا صحيح فقط إن كان ينتظر من الأمم أن تعيد لنا الحقوق وتردع المعتدي، لكنه خاطئ إن فهم اللجوء إلى الأمم المتحدة كمسعى رديف يلتمس حماية القانون الدولي لبلد ضعيف، خرج لتوه من حرب طويلة ولا يكاد يقف على رجليه. ومن المساعي الرديفة كذلك مخاطبة الجامعة العربية وربما دعوة مجلسها إلى اجتماع عاجل، وذلك التماساً للدعم الدبلوماسي والإعلامي من الدول العربية، وربما مساعدات اقتصادية هي بالغة الأهمية اليوم.

أما المسعى الأكثر إلحاحاً فيتجه نحو الجنوب السوري، نحو ترتيب العلاقة مع المحافظات المعنية على أسس تضمن التمثيل العادل والشراكة الوطنية، واحترام الخصوصيات المحتملة. ليس مواطنو السويداء ودرعا والقنيطرة هم من يتعين أن يردوا على نتنياهو، بل الفريق الحاكم الحالي. وسيكون أمراً طيباً أن يبادر مواطنو الجنوب السوري إلى الاحتجاج على البلطجة الإسرائيلية، لكن يجب أن يكون ظهرهم مسنوداً من قبل شاغلي موقع السيادة في بلدهم. ما تقوم به إسرائيل هو اعتداء على السيادة السورية، ومن يشغل موقع السيادة هو الفريق الحاكم الجديد، وهو من يتعين عليه الرد.

ويبقى أن الأساس في سياسة الضعفاء هو أن يساعد الضعفاء أنفسهم، أن يعتنوا بتعافي مجتمعهم وتوفير بيئة أنسب لتطوره السياسي والاقتصادي والاجتماعي، والتعليمي، والحقوقي والأمني. في هذا الشأن يبدو مؤتمر الحوار الوطني الذي انتهى يوماه قبل نشر هذه المقالة بيومين بمثابة فرصة ضائعة، محاولة لتلفيق شرعية مؤسسية دون أدنى تفويض للسلطة إلى المشاركين في الحوار، أو حتى لجنة السبعة التي وقع عليها أن «تُلهْوِج» جلساته التمهيدية كيفما اتفق. هنا تعجل غير مفهوم من قبل من يتكلمون على مرحلة انتقالية تدوم ثلاث سنوات أو أربع أو خمس. وهو في فوقيته وانعدام شفافيته نقيض سياسة الضعفاء التي يفترض أن تعمل على تقوية المجتمع السوري لا على تركه مبلبلاً في الظلام لا يعرف ماذا يجري. بنود البيان التي قرأتها السيدة الأتاسي تبدو مسبقة الإعداد ولا تتضمن تعهدات ملزمة، أقرب إلى تعبيرات من السلطة عن نياتها الحسنة منها إلى تعبيرات من ممثلي المجتمع عما يتطلعون إليه.

سورية الجديدة في حاجة إلى أن تظهر وعيها بوضعها وتطلب من العالم، من القريب والبعيد، المساعدة في التعافي. كان يمكن قول أشياء مهمة عما عاناه السوريون وعما عاشوه طوال 54 عاماً، كان يمكن إيراد عناصر أساسية في وصف الحال اليوم، من نصف مليون من الضحايا على الأقل، إلى سبع ملايين مهجر خارج البلد (نحو 30 في المئة من السوريين) إلى 113 ألفاً من مجهولي المصير… إلى ثلاث ساعات فقط من الكهرباء في اليوم في العاصمة، وطلب العون من العالم والحماية من القانون الدولي، بخاصة في وجه دولة شبيحة، وضعت نفسها في استمرار مع الحكم الأسدي، فاحتلت أراض سورية جديدة ودمرت مقدرات عسكرية سورية في اللحظة التي لم يعد بشار الأسد قادراً على فعل ذلك. لم يحدث للأسف.

ما يريده نتنياهو هو دفع البلد نحو حرب أهلية دائمة وإبقاء سورية منقسمة ضعيفة. كان بشار الأسد جيداً لإسرائيل لأنه كان إداري حرب أهلية لا تنتهي، ترك سورية منقسمة ضعيفة، بل كان إداري إبادة، تماماً مثل نتنياهو ودولته حيال فلسطين وشعبها. وما يقطع الطريق على نتنياهو وعلى الحرب الأهلية معاً هو سياسة ضعفاء بصيرة وجسورة. سياسة الضعفاء ليست سياسة ضعيفة، مستكينة أو خانعة، بل يمكنها أن تكون سياسة نشطة وديناميكية، تخاطب دوائر أوسع من جمهور عالمي مستاء من التشبيح الإسرائيلي والأمريكي، وتوسع من دائرة الشركاء والحلفاء، لكنها قبل كل شيء تخاطب السوريين كمالكين لبلدهم ودولتهم، يحترمونها ويدافعون عنها. سياسة الضعفاء ليست مطلوبة في مواجهة الأقوياء الخارجيين حصراً، فمحتواها الإيجابي هو الاستثمار في الحقوق والحريات والطاقات الاجتماعية، طاقات ملايين السوريين من النساء والرجال للنهوض بحياتهم المشتركة وببلدهم. سياسة الضعفاء هي السياسة التي تتمحور حول ضعف السوريين الفعلي، لكنها تعمل على تقويتهم.

كاتب سوري

القدس العربي

——————————-

شهية إسرائيلية لتفتيت سوريا: “ممر داوود” ومواجهة تركيا/ منير الربيع

الخميس 2025/02/27

تضع إسرائيل عينها على دمشق. يتناقل بالتواتر كلام منسوب لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يقول فيه: “نتلاقى في دمشق”. من غير المعروف إذا ما كان يقصد الكلام بحرفيته، بمعنى أن التوغل الإسرائيلي في الجنوب السوري سيصل إلى العاصمة وحدودها، أم أنه يقصد النتيجة السياسية للتوغل العسكري الإسرائيلي في جنوب سوريا. يتقدم نتنياهو إلى مشروعه مدعوماً من الولايات المتحدة الأميركية، ولا يجد أي طرف في مواجهته. هو عملياً نجح حتى الآن في كسر كل موازين القوى على مستوى المنطقة، وينطلق من خلفية أن إسرائيل ذات مساحة صغيرة لا بد من توسيعها، وهي الكلمة المفتاحية التي قالها الرئيس الأميركي دونالد ترامب. هذه الـ”إسرائيل الصغيرة”، والتي تتركز المساعي الاميركية لتكبيرها، ليس لها إلا طريقان، إما توسيع مساحتها الجغرافية من خلال تهجير الفلسطينيين من غزة والضفة، والتوغل أكثر في سوريا ولبنان وضم مساحات. وإما أن تُصبح الدول المجاورة لها كيانات صغيرة، فتصبح إسرائيل هي الدول الأكبر فيما بينها.

مشروع التوسع

تعبّر إسرائيل بوضوح عن نواياها ومشروعها، من كلام نتنياهو في السرّ والعلن، إلى كلام غيره من المسؤولين الإسرائيليين الذين يتحدثون عن الفيدرالية في سوريا، أو عن إقامة دويلات أو تكريس مناطق ذات حكم ذاتي. وهي تُقرن القول بالفعل، من خلال العمليات العسكرية التي تشنّها إما جوياً أو برياً أو عبر زيادة منسوب التوغل في الأراضي السورية. أما سياسياً، فهي تستكمل المشروع من خلال تزكية كل أشكال الصراع أو الفرقة أو الانقسام والتشرذم داخل المجتمع السوري، فتلعب لعبة تضارب المصالح والاتجاهات لدى المكونات المختلفة، ولا سيما الأكراد، الدروز، والعلويين. هذا مشروع يُفترض أن يضع إسرائيل في مواجهة استراتيجية مع دول عديدة في المنطقة، وخصوصاً مع الدول العربية، ومع تركيا، بعد إقدام إسرائيل على توجيه ضربة للمشروع الإيراني.

تبرز ملامح المشروع الإسرائيلي في الجنوب السوري، انطلاقاً من العمليات المكثفة التي تجري، ربطاً بالمواقف التي تصدر في عدم تحويل جنوب سوريا إلى منطقة مشابهة لجنوب لبنان، أي أن لا تكون منطلقاً لتنفيذ عمليات عسكرية ضد إسرائيل. في الموازاة، تأتي المواقف الإسرائيلية التي تتحدث عن حماية الدروز أو الأكراد، بشكل يسهم في ضرب أي “وحدة وطنية سورية”. وهو ما تسعى إليه تل أبيب من خلال استخدام القوة العسكرية، والإغراءات السياسية أو المالية. فسياسياً، أصبح واضحاً أن تل أبيب تسعى إلى دعم مشاريع “الإدارة الذاتية” في المناطق المختلفة، ولا سيما لدى الدروز والأكراد، ولاحقاً قد يتوسع طموحها باتجاه الساحل السوري.

“ممر داوود”

تعمل إسرائيل على تقديم إغراءات مالية هائلة لقاء استقدام سوريين للعمل في مناطق خاضعة لسيطرتها، كما تعمل على شق واستحداث الكثير من الطرقات في الجنوب السوري وبين بعض القرى الدرزية والمناطق التي احتلّتها. ومن الجنوب السوري، هناك من يبدي تخوفاً من إقدام تل أبيب على خلق خطّ “عسكري” نحو شرق سوريا، فتصبح هي الحاضرة في جنوب لبنان، وجنوب سوريا، وتحيط بالأردن من الجهة الشمالية وليس من الجهة الغربية فقط، وتتمدد باتجاه الحدود مع العراق، بالإرتكاز إلى استحضار توراتي جديد لإنشاء خط “ممر داوود”، في محاولة منها لربط المناطق التي تسيطر عليها، بالجنوب السوري وانطلاقاً منه باتجاه شرق سوريا، فيكون لها صلة جغرافية وخط مباشر باتجاه المناطق الكردية، وتصبح هي على حدود العراق، وقد تطرح نفسها بديلاً للوجود العسكري الأميركي في التنف مثلاً، طالما أن نغمة دونالد ترامب حول الانسحاب العسكري من سوريا تتزايد، فتكون إسرائيل هي البديل عنه.

مواجهة تركيا

تركز إسرائيل على تكريس منطق “الإدارات الذاتية”، ولا سيما لدى الأكراد، بالإضافة إلى وضعية “الدروز”. وهذا يفترض أن يضعها في مواجهة مباشرة مع تركيا. هنا ستكون الإدارة السورية الجديدة أمام تحدٍ استراتيجي في ظل الصراع على سوريا، لا سيما أن الرئيس السوري أحمد الشرع كان يركز على ضرورة الوصول إلى تفاهم وحلّ بالحوار مع التنظيمات الكردية ولا سيما تنظيم قسد. بينما تركيا تدفع باتجاه الصراع العسكري. وأي صراع عسكري ستستغله إسرائيل للعب أكثر على الساحة السورية، وليتحول الصراع إسرائيلياً- تركياً على أرض سوريا وبأياد سورية.

في محاولة من الشرع لتسوية العلاقة مع الأكراد، أقدم على الاتفاق معهم حول شراء النفط. لكن هذا القرار يمثل خطأً. إذ سيبدو وكأنه تكريس للاعتراف بهذه السلطة الذاتية هناك، علماً أن الدولة هي التي يفترض أن تكون صاحبة السيادة على كامل الأراضي السورية. وهذا ما ستسعى إسرائيل إلى استغلاله لاحقاً، خصوصاً أن شرق سوريا ومنطقة الجزيرة مليئة بالخيرات النفطية والزراعية والمائية. أما في الجنوب السوري حيث لا وجود لمثل هذه الخيرات، فيعمل الإسرائيليون على ضخ الأموال في المنطقة الجنوبية، لتكريس المشروع الذي يسعون إليه، وهو خلق إدارة ذاتية. ما يجعل سوريا دولة متشظية أو ذات كيانات صغيرة مقسمة على أسس دينية أو قومية أو عرقية.

أي نجاح لهذا المشروع الإسرائيلي لن ينحصر تأثيره داخل سوريا، بل سيطال دولاً عديدة، خصوصاً أن الموضوع الكردي يشكل تحدياً استراتيجياً لتركيا، التي سارعت قبل سنوات للدخول إلى شمال سوريا وقطع أي اتصال بين المناطق الكردية لمنع إقامة كيان كردي. وهي تسعى دوماً للانتقال إلى الضفة الشرقية للفرات أيضاً لمنع قيام أي مقومات لإقامة هذا الكيان. هنا تسارع إسرائيل إلى التدخل، بالإضافة إلى تكثيف الضغط العسكري في جنوب سوريا وباتجاه دمشق.. العاصمة التي تعتبر على علاقة قوية بتركيا. وكأن تل أبيب تقول لأنقرة إن المواجهة ضد الأكراد في شرق الفرات، ستقابلها مواجهة ضد الحكم في دمشق.

المدن

————————-

العدوان الإسرائيلي على سورية: اتساع الرفض الشعبي وخيارات سياسية أمام دمشق/ محمد أمين

27 فبراير 2025

يتمادى الاحتلال الإسرائيلي في عدوانه على سورية، وجنوبها تحديداً، مدعياً أنه يدافع عن مواطنيه، ولن يسمح لهذا الجنوب بأن “يصبح جنوب لبنان”، مستفيداً من عدم قدرة الإدارة السورية الجديدة على مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية عسكرياً، فهي لم تنته بعد من بناء الجيش الجديد، والذي سيحتاج لوقت غير قليل، وذلك بعدما عمد الاحتلال إلى تدمير السلاح الثقيل ومنظومات الدفاع الجوي التي كان يملكها الجيش السوري فور سقوط نظام بشار الأسد في 8 ديسمبر/كانون الأول الماضي. ورغم أن دمشق تستند في الوقت الراهن إلى موقف شعبي طاغٍ رافض لأي محاولات للعبث بالهوية والوحدة والسيادة السورية من جهات خارجية أو داخلية مرتبطة بها، والذي يتجلى بالتظاهرات المنددة بممارسات إسرائيل والتي باتت تخرج بشكل شبه يومي ويتسع نطاقها في المدن السورية، تبدو الخيارات محدودة ومعقّدة أمام الإدارة السورية في التعامل مع العدوان الإسرائيلي، والذي لا يقتصر على التوغل البري والضربات الجوية، بل تحاول تل أبيب العبث في الجنوب السوري (بمحافظاته الثلاث درعا، السويداء، القنيطرة)، من خلال إيجاد مشاريع غايتها الدفع باتجاه إنشاء كيانات على أساس مذهبي تحديداً في محافظة السويداء، خصوصاً في ظل ظهور تشكيلات وكيانات عسكرية تذهب إلى المطالبة بوضع خاص للجنوب. ويضاف إلى ذلك عدم اتضاح مصير قضية اندماج فصائل في الجنوب ضمن الجيش السوري الجديد.

توّغلات واعتداءات إسرائيلية جديدة على سورية

وفي جديد العدوان الإسرائيلي على الجنوب السوري، توغّلت نحو 50 عربة وآلية إسرائيلية في مناطق بريفي درعا والقنيطرة، وصلت إلى قرية البكار في ريف درعا الغربي وبلدة عين البيضا في ريف القنيطرة، قبل أن تنسحب صباح أمس الأربعاء. كما شن الطيران الإسرائيلي في ساعة متأخرة من مساء الثلاثاء غارة على بلدة الكسوة، على بعد حوالي 20 كيلومتراً جنوبي دمشق، وأخرى على هدف في ريف درعا الجنوبي. وذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان أن الضربات الجوية الإسرائيلية على ريفي دمشق ودرعا أسفرت عن مقتل أربعة أشخاص. وذكر المرصد أنه منذ مطلع العام 2025، قامت إسرائيل باستهداف الأراضي السورية 16 مرة، 14 منها جوية ومرتين عبر البر، وأسفرت تلك الضربات عن إصابة وتدمير نحو 21 هدفاً بين مستودعات للأسلحة والذخائر ومقرات ومراكز وآليات. وتسببت تلك الضربات بمقتل عسكريين اثنين وستة مجهولي الهوية، بالإضافة لإصابة شخص، بحسب المرصد.

وأعلن الجيش الإسرائيلي أنه قصف “أهدافاً عسكرية في جنوب سورية، بما في ذلك مراكز قيادة ومواقع عديدة تحتوي على أسلحة”، من دون أن يذكر مكانها بالتحديد. وحذّر الجيش في بيانه من أنّ “وجود قوات ومعدّات عسكرية في الجزء الجنوبي من سورية يشكل تهديداً لمواطني إسرائيل”، لافتاً إلى أنّه “سيواصل العمل لإزالة أيّ تهديد لمواطني دولة إسرائيل”. من جهته، هدد وزير الأمن الإسرائيلي يسرائيل كاتس بأن “أي محاولة من قوات النظام السوري للتمركز في المنطقة الأمنية جنوب سورية سيتم الرد عليها بالنيران”. وقال كاتس في بيان لمكتبه: “الآن يقوم سلاح الجو بمهاجمة جنوب سورية بقوة كجزء من السياسة الجديدة التي حددناها لإخلاء جنوب سورية من السلاح – والرسالة واضحة: لن نسمح لجنوب سورية بأن يصبح جنوب لبنان”. وتابع: “لن نعرّض أمن مواطنينا للخطر” و”أي محاولة من قوات النظام السوري والمنظمات الإرهابية في البلاد للتمركز في المنطقة الأمنية جنوب سورية سيتم الرد عليها بالنيران”. وكان رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو قد طالب الأحد الماضي بجعل “جنوب سورية منزوع السلاح بالكامل”، وقال: “لن نسمح لقوات تنظيم هيئة تحرير الشام أو للجيش السوري الجديد بدخول المنطقة الواقعة جنوب دمشق”.

إدانات وتظاهرات رافضة

ودان العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني، خلال لقائه الرئيس السوري أحمد الشرع في عمّان أمس الأربعاء، الاعتداءات الإسرائيلية على الأراضي السورية، مؤكداً دعم المملكة لسيادة سورية ووحدتها وسلامة أراضيها. كما شدد على وقوف الأردن إلى جانب السوريين في إعادة بناء بلدهم عبر عملية تشارك فيها مختلف مكونات الشعب، بما يضمن وحدة سورية وأمنها واستقرارها. وبحسب الموقع الرسمي للديوان الملكي، بحث اللقاء فرص تطوير التعاون والوصول إلى صيغ مشتركة في زيادة واستدامة التنسيق على مختلف الصعد، بما يحقق المصالح المشتركة ويعزز وحدة الصف العربي. وأشاد ملك الأردن بمخرجات مؤتمر الحوار الوطني السوري، مؤكداً أنه خطوة مهمة نحو إعادة بناء سورية بما يحقق تطلعات الشعب السوري. وأكد ضرورة التنسيق الوثيق بين البلدين في مواجهة مختلف التحديات المتعلقة بأمن الحدود والحد من تهريب الأسلحة والمخدرات، مشددا على أهمية عودة سورية إلى دورها الفاعل في محيطها العربي. وبيّن العاهل الأردني ضرورة تهيئة الظروف المناسبة للعودة الطوعية والآمنة للاجئين السوريين إلى بلدهم. بدوره، أعرب الرئيس السوري عن تقديره لموقف الأردن، بقيادة العاهل الأردني، الداعم لجهود إعادة بناء سورية والحفاظ على وحدتها وأمنها واستقرارها.

كما دان الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، الغارات والاعتداءات الإسرائيلية على الأراضي السورية، واعتبرها “استفزازاً وتصعيداً ينتهزان فرصة التحول السياسي في سورية لتثبيت واقع غير قانوني وغير شرعي”. وأكد في بيان أمس أن “الاحتلال الإسرائيلي لأي أراضٍ سورية ينتهك القانون الدولي، وأن المجتمع الدولي مطالب باتخاذ مواقف واضحة لإدانة هذا العدوان غير المبرر والذي يستهدف إشعال فتيل التوتر في المنطقة، ووضع العراقيل في طريق الانتقال السياسي في سورية”.

وخرجت تظاهرات ليل الثلاثاء ـ الأربعاء في مدينة دمشق عقب الغارات الجوية الإسرائيلية على الجنوب السوري، وندد العشرات من الشبان بالعدوان، وجابت التظاهرات المزة وصولاً إلى ساحة الأمويين وسط العاصمة. كما خرجت تظاهرة في السكن الجامعي في حمص تنديداً بالعدوان على الجنوب السوري. كما أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان بخروج تظاهرات في بلدتي صيدا الجولان وغدير البستان في ريف القنيطرة الجنوبي أمس، تنديداً بالاعتداءات الإسرائيلية.

وكانت تل أبيب قد خرقت بعد سقوط نظام الأسد اتفاقية “فك الاشتباك” المبرمة مع سورية في عام 1974، واحتلت المنطقة العازلة ومواقع أخرى منها قمة جبل الشيخ، ووصلت في توغلها إلى مدينة القنيطرة وريف درعا الغربي. وفي حين دان مؤتمر الحوار الوطني السوري، الذي عُقد أمس الأول الثلاثاء، “التوغل الإسرائيلي في الأراضي السورية، مطالباً بانسحابه الفوري، لم تُظهر الإدارة السورية الجديدة أي ردة فعل عسكرية معلنة على التغول والتوغل الإسرائيليين في الجنوب السوري واللذين يتزامنان مع ظهور تشكيلات خاصة بمحافظة السويداء ذات الغالبية الدرزية والتي تطالب بمنح المحافظة حكماً ذاتياً. وكان نتنياهو قد قال الأحد الماضي: “لن نتسامح مع أي تهديد للطائفة الدرزية جنوب سورية”، في محاولة واضحة لاستمالة سكان السويداء الذين أعلنوا رفضهم التدخل الإسرائيلي في الشأن السوري من خلال تظاهرات حاشدة شهدتها المحافظة.

خيارات ضيقة أمام الإدارة السورية

ولا تبدو الإدارة السورية الجديدة في وضع يسمح لها بمواجهة التهديد الإسرائيلي عسكرياً، إذ لم تنته بعد من بناء الجيش الجديد، والذي سيحتاج الكثير من الوقت خصوصاً لناحيتي التدريب والتسليح، فقد دمّرت تل أبيب جلّ القدرات العسكرية السورية بعد أيام قليلة من سقوط الأسد الذي حافظ على هدوء الجبهة مع إسرائيل ولم يكن يشكل أي تهديد لها. وليس أمام الإدارة الجديدة سوى الخيار السياسي لمقاربة ملف الجنوب سواء لجهة التهديد الإسرائيلي المتكرر أو لجهة مشروعات التقسيم التي ظهرت أخيراً في أكثر من منطقة سورية. وتستند دمشق في الوقت الراهن إلى موقف شعبي طاغٍ رافض لأي محاولات للعبث بالهوية والوحدة والسيادة السورية من جهات خارجية أو داخلية مرتبطة بها، والذي يتجلى بشكل شبه يومي وخصوصاً في محافظة السويداء. كما يدفع هذا الموقف فصائل عسكرية في محافظة درعا المجاورة لنسج خيوط تفاهم نهائي مع الإدارة الجديدة في دمشق وإنهاء الأوضاع الشاذة في المحافظة والتي تشجّع محافظات سورية لديها هواجس من السلطة الجديدة للمطالبة بالانفصال أو بالحكم اللامركزي وهو ما يؤسس لتقسيم البلاد.

وتعليقاً على التصعيد الإسرائيلي ودعوات تقسيم سورية، رأى الباحث السياسي محمد صبرا، في حديث مع “العربي الجديد”، أن “سورية اليوم دولة منهكة ولا يوجد لدينا جيش قوي وسلاح ثقيل ومنظومات دفاع جوي”، مضيفاً: “فكرة المواجهة العسكرية مع إسرائيل مستبعدة، ولكن يجب ألا نستسلم لإرادة الاحتلال، لذا يجب العمل على تفعيل علاقات سورية مع دول العالم لوضع حد للعربدة الإسرائيلية”. وأشار إلى أنه يجب القيام بعمل سياسي في الداخل، مضيفاً: “مواجهة أي تهديد خارجي تتطلب استقراراً أمنياً وسياسياً. على الإدارة الجديدة إشاعة مناخ سياسي أكثر راحة، وأن تعزز حضورها في البلاد”. وبيّن أن “إسرائيل لا تزال عدوة لسورية، فهي تحتل أراضي سورية وحالة الحرب مستمرة على المستوى القانوني، من ثم فإن أي تعامل مع إسرائيل يحكمه قانون العقوبات السوري وهو واضح في منع أي تواصل مع الكيان الصهيوني”. وطالب وزارة العدل السورية بتفعيل دور النيابة العامة وتحريك الدعاوى العامة بحق كل من يدعو إلى تقسيم سورية أو إلحاق أجزاء منها بدولة الاحتلال، وكل من يتعامل مع إسرائيل.

وفي السياق، من المتوقع أن تلجأ السلطات السورية إلى العمق العربي من أجل الضغط على تل أبيب لوضع حد لتدخلها في الشأن السوري وعدم محاولة اللعب على مخاوف غير مبررة حتى اللحظة من الأقليات في سورية. وتبدو تل أبيب داعمة لكل مشروعات التقسيم التي تُطرح من جانب تشكيلات عسكرية أو سياسية خصوصاً في الجنوب السوري وفي الشمال الشرقي من البلاد، في محاولة لتفتيت سورية إلى دويلات متناحرة تضمن بقاء تل أبيب في مأمن من أي تهديد.

ورأى المحلل السياسي عرابي عرابي، في حديث مع “العربي الجديد”، أن على الحكومة السورية “قراءة المشهدين الإقليمي والدولي للتعامل مع التهديد الإسرائيلي بهدف الضغط الدبلوماسي”. وتابع: “نتنياهو في مأزق له علاقة بالحرب الذي شنها على قطاع غزة، والملف الأوكراني، ومن عادته الهروب إلى الأمام وخلق بؤر صراع وخلق مساحة اصطدام”. ورأى عرابي أن دعوات تقسيم البلاد التي تظهر بين وقت وآخر لا حل لها سوى “العصا الغليظة”، مضيفاً: “تجب على الحكومة مواجهة محاولات تهديد وحدة البلاد بالقوة”.

من جهته، رأى الخبير العسكري ضياء قدور، في حديث مع “العربي الجديد”، أن “سورية الجديدة تتبنى في مواجهة التصعيد الإسرائيلي سياسة حذرة تضع الكرامة والسيادة الوطنية في طليعة الأولويات”، مضيفاً: “أعتقد أن هناك رغبة لدى الحكومة السورية في الابتعاد عن أي تصعيد عسكري غير مجدٍ والتركيز على استقرار البلاد وإعادة الإعمار بعيداً عن التحولات الإقليمية المتسارعة”. وتابع: “دمشق حريصة على عدم الانجرار إلى صراع عسكري مفتوح مع إسرائيل أو معركة مفتوحة قد تضر باستقرارها الداخلي وتؤثر سلباً على فرص إعادة الإعمار”. وأعرب عن اعتقاده بأن الحكومة السورية “ستسعى إلى توجيه رسائل حازمة لإسرائيل عبر القنوات الدولية مع تأكيد حقها في الدفاع عن سيادتها”، مضيفاً: “هذا قد يشمل تعزيز الحوار والتعاون مع القوى الكبرى والإقليمية والعمل على استعادة الثقة الإقليمية التي قد تساهم في تخفيف الضغوط العسكرية والسياسية”. كما اعتبر أن “استقرار حكومة دمشق له تأثير كبير على الأمن والاستقرار في المنطقة بشكل عام، وهو يعد مصلحة إقليمية كبرى”، مضيفاً: “انهيار الحكومة أو عدم قدرتها على أداء مهامها يمكن أن يؤدي إلى تفاقم الأزمات الإنسانية والأمنية، ويزيد من احتمالات انتشار الفوضى والتطرف”.

العربي الجديد

———————————–

«المنع الاستباقي»: سوريا في العقيدة الأمنية الجديدة لإسرائيل/ خليل كوثراني

الخميس 27 شباط 2025

وضعت حملة بنيامين نتنياهو على سوريا، وما تخلّلها من خطاب عدواني تُرجم من فوره استفزازاً بالنار من طرف واحد، الحُكمَ الجديد هناك على مفترق طرق يصعب الالتفاف عليه. ولعلّ مكمن المأزق السوري الجديد، هو في قصور الاستراتيجية التي وضعها هذا الفريق للسياسة الخارجية السورية، عن الاستجابة لتحولات العقيدة الأمنية الإسرائيلية بعد حربَيْ غزة ولبنان، بما تفاقمه الأخيرة من مركزية إسرائيل في واقع الإقليم، وتعزيز تأثيرها على الشأن الداخلي السوري تحديداً.

يرى رئيس المرحلة الانتقالية أحمد الشرع، ومعه وزير خارجيته أسعد الشيباني، أنه لا مناص من مهادنة الولايات المتحدة وإسرائيل لسنوات، وتجاهل عدوانهما على البلاد، وغضّ الطرف عن أطماعهما فيها، ريثما تُرفع العقوبات عن سوريا كشرط لازم للتمكين من إقامة سلطة فعّالة. هذه، باختصار، السياسة الخارجية الجديدة لدمشق، وقد ارتسمت معالمها جليّة في الأسابيع المتصرّمة، مسندةً من أنصارها بحجج «الواقعية» وانعدام الخيارات، في منحى مفارق لنموذجَيْ أفغانستان واليمن.

في الغضون، ثمّة انزياح في إسرائيل إلى تطوير عقيدة الأمن القومي، ومن ثم قلب هرمها ليكون في رأسه «المنع الاستباقي» بدلاً من «الردع»، فيضاف «المنع» كركيزة خامسة إلى الركائز الأربع (الردع والإنذار والحسم والدفاع)، ويرث مركزية «الردع» في العقيدة. و«المنع» يختلف عن «المعركة بين الحروب» من حيث إنه بلا أسقف ولو اشترك معها في «الاستباقية». وعرّف البعض «المنع» بأنه القضاء على التهديد قبل أن يستحيل خطراً ماثلاً (أي ما يمكن تسميته «وأد المخاطر»).

وركيزة «المنع» اضطرت إسرائيلَ إليها عمليةُ السابع من أكتوبر، وتبلورت آلياتها التطبيقية مع وقف إطلاق النار في لبنان فغزة. وهذا ما يكمن وراء مجمل الأقوال والأفعال التصعيدية – ما بعد وقف إطلاق النار شمالاً وجنوباً – تُجاه غزة والضفة ولبنان وسوريا. بتعبير آخر، تسعى إسرائيل إلى متابعة الحرب، بغير وسائل، وعلى الساحات جميعها، تطبيقاً للعقيدة الجديدة، وفحصاً لفاعليتها وإمكانية استدامتها.

ويتلخّص ذلك المسار بجملة تكتيكات سردها رون بن يشاي، أمس، في صحيفة «يديعوت أحرونوت»، وهي التالية: إقامة منظومة دفاعية من ثلاثة مستويات، اثنان منها «داخل أرض العدو» وقوامها قواعد عسكرية ومناطق منزوعة السلاح، و«استحكامات وعوائق داخل إسرائيل».

وهو ما سيُعمل به عند المنطقة العازلة في غزة، وجنوب الليطاني انطلاقاً من النقاط الحدودية الخمس في لبنان، وعلى كامل الجنوب السوري.

ومن هنا، خرج تعقيب وزير الأمن، يسرائيل كاتس، على الضربات الجوية الأخيرة، بالقول: «لن نسمح يأن يتحوّل جنوب سوريا إلى جنوب لبنان». وهذا تصريحٌ، معطوفاً على تصريح وزير الخارجية، جدعون ساعر، عن أن «حكومة سوريا الجديدة هي جماعة إرهابية إسلامية من إدلب استولت على دمشق بالقوة»، لا يشي بأقل من إغلاق الأفق في وجه صفقة متوهّمة، يمنّي البعض النفس بها، حتى وإن فرّطت دمشق بالحقوق، مقدّمةً كل تنازل. كما أن توفّر فرصة استثنائية لتل أبيب في البيت الأبيض، عنوانها دونالد ترامب، الضارب عرض الجدار بأي وزن لثبات الجغرافيا السياسية في النظام الدولي، يزيد الإسرائيليين تشبّثاً بالعدوانية الشاملة إلى أقصى مدى من سياسات الاحتلال والتهجير والتوسّع والضم والتدخّل وضرب السيادة والتلاعب بالوحدة عبر الفتن والانقسامات.

وإزاء تلك الحملة العدوانية الصلفة واحتلال مئات الكيلومترات والتهديدات الصريحة لوحدة سوريا، لا بوادر لفرصة لسياسة المهادنة مع كل التعقيدات الماثلة، ولا مؤشرات إلى ثقة ستنعقد بين الأطراف، برغم أنه، وفق بن يشاي، ثمة نافذة تركها نتنياهو، عبر رسالة بعث بها إلى كل من دمشق وأنقرة، مفادها أن إسرائيل لا تنوي البقاء في الجنوب السوري إذا ما ضمنت ترتيبات أمنية مناسبة، والقصد منها تجريد المنطقة (المحافظات الثلاث: القنيطرة ودرعا والسويداء)، من السلاح ومنع وجود «جماعات جهادية» أو مطلق قوات عسكرية في هذا النطاق.

وأتت رسالة نتنياهو، والتي رافقها ضغط ناري عدواني، عشية زيارة الشرع إلى الأردن، في مسعى لإخضاع الحكم الانتقالي على ما يبدو، علماً أن الأخير، وبرغم حراجة وضعه وضعف إمكاناته، ليس لديه ما يضمن الاستقرار المنشود، ولا استمالة واشنطن من البوابة الإسرائيلية إذا ما قدّم الجنوب السوري كحاجز آمن للاحتلال.

وكاتس نفسه كان صريحاً في أن إسرائيل لن ترضى بأيّ قيامةٍ سورية – ولو قصر الوعيد على الجنوب السوري- حين قال: «كل محاولة للجيش السوري الجديد لبناء قدرات عسكرية في الجنوب ستقابل بالنار. لن يسمح الجيش الإسرائيلي لقوات معادية بالتمركز والوجود في المنطقة الأمنية جنوب سوريا، من هنا وحتى دمشق، وسنعمل ضد أي تهديد».

هكذا، يبدو رهان الحكم الجديد في دمشق على تفاهمات تركية – إسرائيلية أو «وساطة» أردنية مفترضة مع تل أبيب، كالمستجير بالرمضاء من النار؛ فإسرائيل عزمت أمرها على عدوان واسع يصل مداه إلى اللعب بوحدة البلاد والسيطرة على السكان ودعم حكم أمني ومدني محلي وإعاقة بناء قوة مركزية سياسية وعسكرية. وجميع هذه الأطماع والمخاطر على مستقبل سوريا، تتعدّى مخاوف أمنية حدودية للعدو من مساع لـ«حماس» و«الجهاد الإسلامي» لفتح جبهة ضد إسرائيل من سوريا، كما قال كاتس بالأمس، إلى محاولة تبديد الكيان السوري برمّته.

الاخبار

—————————————-

تفاصيل توغلات الاحتلال الإسرائيلي في الجنوب السوري/ رأفت أبازيد

27/2/2025

الجنوب السوري- توغلت قوات الاحتلال الإسرائيلي، مساء أمس الأربعاء، داخل الأراضي السورية بالتزامن مع استهداف عدة مواقع بالطائرات الحربية.

وصلت القوات الإسرائيلية برا عبر عشرات الآليات العسكرية إلى بلدة البكار في ريف درعا الغربي، ودخلت إلى ثكنة عسكرية تابعة للجيش السوري السابق، تُعرف بثكنة المجاحيد، حيث تم تفجير الأبنية الموجودة فيها.

وفي الوقت نفسه، توغلت مدرعات في بلدة جبا في الريف الأوسط لمحافظة القنيطرة، كما وصلت إلى بلدة عين البيضة شمال المحافظة، حيث قامت بتجريف الأشجار في محيطها قبل الانسحاب منها باتجاه الجولان المحتل.

اجتياح مستبعد

توغلت قوات الاحتلال الإسرائيلي منذ سقوط نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد في الجنوب السوري، ووصلت إلى عدة نقاط بارزة، منها جبل الشيخ وحرش جباثا الخشب والتلول الحمر في محافظة القنيطرة، بالإضافة إلى كتيبة الهاون بالقرب من بلدة عابدين في ريف درعا الغربي، حيث أقام الاحتلال نقاطا عسكرية ولا يزال متمركزا فيها حتى الآن.

كما شهدت مناطق متقدمة توغلات لقوات الاحتلال لساعات ثم انسحبت منها، مثل منطقة حوض اليرموك غربي درعا، حيث وصلت القوات إلى بلدات كويا وجملة ومعرية وعابدين.

تعليقا على ذلك، قال أحمد أبازيد الكاتب والمحلل السياسي للجزيرة نت إن هذا التوغل الأخير ليس بجديد، حيث كانت قوات الاحتلال تقوم سابقا بعمليات توغل في مناطق قريبة من الحدود مع الجولان المحتل وتنسحب منها بعد ساعات، ومع ذلك هناك نقاط تم التموضع بها عبر نقاط عسكرية لا تزال قائمة حتى الآن.

وأضاف أنه لا يرى أن الاحتلال لديه مشروع جدي لاجتياح بري للجنوب السوري لأنه سيواجه تجمعات سكنية كبيرة، حيث تتركز التوغلات حتى الآن غالبا في قرى ذات تعداد سكاني قليل جدا. وأشار إلى أن الاحتلال سيواجه معضلة إذا فكر في الوصول إلى مناطق ريف درعا التي تشهد كثافة سكانية، لذلك لا يعتقد بوجود أي خطة للتقدم البري.

تأثيرات سلبية

وحسب المحلل أبازيد، هناك تهديدات إسرائيلية بقصف مواقع وتجمعات عسكرية تابعة للدولة السورية، وفقا لتصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. وأكد أن القصف الجوي الذي شهدته المنطقة قبل يومين هو بمثابة رسالة بأن التهديد جدي، وليس لتنفيذ عملية اجتياح واسعة في الجنوب السوري.

وربط هذا القصف بالتزامن مع زيارة الرئيس السوري أحمد الشرع إلى عمّان، كنوع من الضغط على الجانبين، “لأن الأردن أيضا يواجه ضغوطا من الإدارة الأميركية للقبول بتهجير أهالي قطاع غزة إلى أراضيه”. واعتبر أن إسرائيل تسعى للحصول على ضمانات من دول إقليمية ذات علاقات جيدة معها.

وكان لهذه التوغلات تأثيرات سلبية كبيرة على المنطقة، ومن أبرزها السيطرة على مناطق زراعية تعود ملكيتها للأهالي في منطقة حوض اليرموك غربي درعا.

كما منعت قوات الاحتلال المزارعين من الوصول إلى أراضيهم في الوادي القريب من بلدة عابدين وكويا في ريف درعا الغربي لزراعتها، وهي مصدر رزقهم الوحيد. وبدأ كثير من سكان المنطقة بالتفكير في الخروج منها باتجاه مدينة درعا أو ريف دمشق خوفا من أي تطورات مفاجئة قد تشهدها المنطقة.

وتحدث معاوية الزعبي، وهو ناشط إعلامي وسياسي في درعا، للجزيرة نت عن أن القصف الإسرائيلي للأراضي السورية ليس بجديد، حيث شهدت السنوات الأخيرة عمليات قصف متكررة، وشهد الساحل السوري إنزالا جويا إسرائيليا قبل سقوط النظام المخلوع وتدمير نقطة عسكرية.

قلق إسرائيل

وبرأي المتحدث الزعبي، فإن التغيير السياسي الحاصل في سوريا أثار حفيظة إسرائيل، وأنها تحاول الاستفادة من الوضع الراهن، وقال إن “الوقت الحالي يحتاج إلى موقف واضح من الدولة السورية الجديدة واختيار حلفائها بشكل جيد، وخاصة العرب، لأنها في مرحلة تأسيس وتحتاج إلى دعم خارجي وداخلي لمواجهة أي محاولة تدخل بشأنها الداخلي”.

وأكد الزعبي “ضرورة العمل على تشكيل حكومة ذات خبرات ولديها وعي سياسي، وتعمل على التواصل مع الأطراف العربية الإقليمية لوقف تمادي إسرائيل داخل الأراضي السورية”. وتوقع أن تعود سوريا قريبا إلى دورها المحوري في المنطقة، وحذر من أن “تقسيمها سيكون له عواقب لا يحمد عقباها على دول أخرى وقد يؤدي إلى تدميرها”.

هذا وشهد الجنوب السوري، الاثنين الماضي، مظاهرات “لإيصال الصوت بأن الشعب السوري واحد، ويقف خلف القيادة الجديدة، ولن يسمح لأي دولة بالتدخل في شؤونها”، احتجاجا على تصريحات نتنياهو التي طالب فيها بنزع السلاح في المنطقة ومنع انتشار الجيش السوري الجديد فيها.

ورفع المتظاهرون لافتات وصفوا من خلالها تصريحات نتنياهو بـ”الفتنة ومحاولة خلق خلافات بين مكونات الشعب السوري”، كما أكدوا أنهم “على وعي كامل بأن الشعب السوري محب لبعضه، ولن يستطيع أحد التفريق بينهم، في الوقت الذي يتطلعون فيه إلى دولة سورية جديدة تحترم حقوقهم بعد سنوات من الذل والقمع في ظل حكم عائلة الأسد”.

المصدر : الجزيرة

——————————–

مشروع حماية الدروز”: حرب نتنياهو على الدولة السورية الجديدة/ شادي علاء الدين

2025.02.27

تسعى إسرائيل تحت قيادة بنيامين نتنياهو وفي خضم التحولات السياسية والعسكرية التي تشهدها سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد، إلى إعادة صياغة معادلات السطوة في الجنوب السوري عبر مشروع “حماية الدروز”، الذي يشكل في جوهره محاولة ممنهجة لإنشاء حزام أمني جديد داخل الأراضي السورية، على غرار ما حاولت إسرائيل فرضه في جنوبي لبنان خلال فترة الاحتلال عبر “جيش أنطوان لحد”.

تمتد المناطق التي يشملها مشروع نتنياهو من الجولان المحتل إلى محافظة القنيطرة، ثم درعا والسويداء، وصولاً إلى جنوبي دمشق وريفها. هذه الرقعة الجغرافية تمثل أهمية استراتيجية لإسرائيل لعدة أسباب، أولها أنها تشكل حاجزاً طبيعياً أمام أي امتداد عسكري سوري اتجاه الحدود، وثانيها أنها ترتبط مع شبكة طرق حيوية تربط سوريا بالأردن، مما يمنح إسرائيل قدرة على السيطرة على أهم المنافذ التجارية الأساسية لسوريا الجديدة، وثالثها أن هذه المناطق، بحكم طبيعتها الديمغرافية، تمكنها من اللعب على المخاوف الطائفية والمناطقية.

تمتلك إسرائيل خبرة واسعة في توظيف الأقليات الدينية والطائفية لمصلحتها، ولا تكتفي بتوظيف هذا المشروع في سوريا، بل تحاول تعميم نموذج “الحزام الأمني” على أكثر من جبهة.

ويستند المشروع الإسرائيلي في سوريا على فكرة الحماية الظاهرية للدروز، لكنه يهدف في عمقه إلى فرض واقع جديد.

تل أبيب تدرك أن نجاحها في إقامة حزام أمني في جنوبي سوريا سيوفر لها ثلاث فوائد أساسية: الأولى هي ضرب سلطة الدولة السورية الجديدة، عبر منعها من بسط سيادتها على كامل أراضيها، والثانية هي تأمين حدودها مع سوريا بأقل كلفة عسكرية ممكنة، من خلال الاعتماد على قوات محلية بديلة، والثالثة هي تعزيز نفوذها الإقليمي عبر فرض معادلات ميدانية تفرض لاحقاً على المجتمع الدولي التعامل معها كأمر واقع.

الرفض الشعبي لهذا المشروع في الجنوب السوري كان واضحاً منذ اللحظة الأولى. الدروز، الذين عانوا من تهميش كبير من قبل النظام السوري الأسدي لا يرون في إسرائيل خياراً يمكن الوثوق به. معظم القوى الدرزية، رغم خلافاتها الداخلية، تدرك أن الانخراط في المشروع الإسرائيلي سيضعها في مواجهة مباشرة مع باقي المكونات السورية، وسيفتح الباب أمام صراعات دموية.

الرفض الشعبي لا يعني أن إسرائيل ستتراجع عن مشروعها بسهولة. حكومة نتنياهو تراهن على أمرين: الأول هو الضغط الاقتصادي، حيث تعيش مناطق الجنوب السوري أوضاعاً صعبة والثاني هو التحركات السياسية، حيث قد تحاول فرض واقع مستجد من خلال دعم شخصيات درزية موالية لها، والسعي إلى تقديمها كبديل عن القيادة التقليدية للدروز.

الدولة السورية الجديدة بقيادة أحمد الشرع التي تحاول إنشاء بنية مؤسساتية محكمة كانت الحرب قد دمرتها، تدرك أن إبداء أي تساهل مع المشروع الإسرائيلي سيفقدها السيطرة على الجنوب نهائياً، لكن في الوقت ذاته، فإن قدرتها على المواجهة العسكرية المباشرة محدودة، نظراً للضغوط الاقتصادية والدولية التي تواجهها. السيناريو الأكثر ترجيحاً هو أن تعمل دمشق على تعزيز وجودها غير المباشر في الجنوب، عبر استقطاب الفصائل المحلية، ومحاولة بناء تحالفات مع القوى البارزة الرافضة للمشروع الإسرائيلي والضغط من خلال المسارات الدولية والإقليمية.

ولا يتوقع أن تنظر الولايات المتحدة تحت ظل إدارة ترمب بعين الرضا الكاملة إلى مثل هذا المشروع، لأنها تسعى إلى الإنهاء السريع للصراعات المندلعة في المنطقة للتفرغ للعناوين الأكثر أهمية بالنسبة لها، والمتعلقة بفرض سطوة تكنولوجية اقتصادية على العالم. وتاليا فإن المشروع الإسرائيلي بما يتوقع أن يستجره من توترات وصراعات مفتوحة ومستمرة لا ينسجم في آفاقه المتوقعة مع المسار الأميركي، لذا قد تجد حكومة نتنياهو صعوبة في إقناع الحكم الأميركي الجديد بدعمه.

إسرائيل، وفي حال السير بخطوات تنفيذية، ستخوض هذه المغامرة بمفردها في مواجهات تكتلات من المصالح الدولية والإقليمية والمحلية التي تتعارض معها بدرجات متفاوتة من الشدة.

وتتصدر روسيا قائمة الدول المتضررة من طموحات إسرائيل في الجنوب السوري وهي دولة لا تزال تمتلك نفوذا كبيرا وفاعلا في سوريا، ويرجح أن يزداد مع حسم الحرب الأوكرانية لصالحها عبر مفاوضات لا يمتلك فيها الطرف الأوكراني عناصر قوة في ظل انكفاء الدعم الأميركي.

إيران من جهتها قد تجد في هذا المشروع فرصة لإعادة تعزيز نفوذها المتهالك، عبر تفعيل عنوان مواجهة المخططات الإسرائيلية، مما قد يفتح الباب أمام صراع جديد بالوكالة بين طهران التي تسعى للدفاع عن حضورها في سوريا، وإسرائيل التي تبذل جهودا كبيرة في محاولات تصفية الوجود الإيراني في دمشق ومحاولات تهريب السلاح إلى حزب الله في لبنان.

وكذلك فإن فكرة فرض المشروع بالقوة العسكرية دونه محاذير كثيرة فالواقع السوري الجديد لا يتطابق مع الظروف الفلسطينية واللبنانية لناحية فرض واقع جديد عبر النار، لأن نتنياهو لن يجد نفسه في مواجهة سلطة محلية وحسب، ولكنه سيدخل في مواجهة مع شبكات مصالح كبرى ترعاها دول وازنة.

من هنا فإن مشروع “حماية الدروز” الذي يروج له نتنياهو يهدف إلى فرض واقع إسرائيلي جديد في سوريا، و في لبنان أيضاً، عبر إنشاء أحزمة أمنية تخدم مصالح إسرائيل على المدى الطويل. لكن هذه الاستراتيجية، تحمل في طياتها مخاطر كبيرة إذ إنها قد تؤدي إلى تقسيم المنطقة وتفتيتها وتعطيل مشاريع السلام كما ستعطي حجة متينة لنشوء أنواع جديدة من الاعتراض المسلح على الوجود الإسرائيلي يرجح أن تكون أكثر راديكالية وتشددا.

كل ذلك من شأنه أن يخلق واقعاً متفجرا تصعب السيطرة عليه وإدارته في مواجهة معادلات سلطة سورية جديدة تطرح عنوان وحدة الأراضي السورية كعنوان عام لشرعيتها، ومشاريع عربية تطرح الحلول العادلة للقضية الفلسطينية وضبط الأوضاع في لبنان والمنطقة عموما كشروط أساسية للسير في عملية السلام.

تلفزيون سوريا

—————————

خيارات دمشق للتعامل مع الخطط الإسرائيلية؟/ عدنان علي

2025.02.26

تكشف تصريحات رئيس وزراء دولة الاحتلال نتنياهو ووزير دفاعه كاتس بأن إسرائيل ستحتفظ بوجودها العسكري في المناطق التي احتلتها داخل سوريا، وستمنع دخول الجيش السوري الجديد إلى محافظات القنيطرة ودرعا والسويداء، بعض ملامح المخطط الإسرائيلي حيال سوريا.

والواقع أن العقيدة الإسرائيلية، وهي قديمة لكنها تبلورت بعد حرب غزة، تقوم على العمل الوقائي الاستراتيجي، بمعنى التعامل مع الأخطار التي تهدد إسرائيل حتى بعد عقود، والتأسيس لوقائع جديدة تجهض هذه المخاطر.

وترجمة ذلك على الأرض، أن على إسرائيل احتلال مناطق من دول الجوار بذريعة حماية أمنها على المدى الطويل، سواء في سوريا أم لبنان أم غزة وغيرها، حالما تتاح لها فرصة. وترى إسرائيل إن الفرصة مواتية اليوم في سوريا لتطبيق هذه الخطط، بسبب المرحلة الانتقالية التي تمر بها، وضعف الحكومة في دمشق.

تقسيم سوريا

وطبعاً تحت هذه الذرائع الأمنية، ستعمل إسرائيل في مراحل لاحقة على دعم انفصال هذه المناطق عن سوريا، ووضعها تحت الحماية الإسرائيلية، وصولاً إلى اقتناص اللحظة المناسبة لضمها لإسرائيل.

ووفق مصادر عدة، فإن إسرائيل تعول على بعض القوى ذات النفس الانفصالي في جنوب البلاد وشمالها الشرقي، حيث جرى مؤخرا الإعلان عما سمي “المجلس العسكري” الذي ينشط في بعض مناطق ريف السويداء الجنوبي، ويقوده المدعو طارق الشوفي، وهو ضابط منشق عن قوات الأسد، عمل مع تجمعات سياسية تطالب بنظام حكم لا مركزي في سوريا، ولديه تنسيق مع قوات “قسد” في شمال شرقي البلاد. ويبدو أن تصريح نتنياهو “لن نسمح لأي تهديد على الطائفة الدرزية في جنوب سوريا”، كان يستهدف تقديم رسالة دعم لمثل هذه القوى، على خلفية امتداد الطائفة داخل الأراضي المحتلة. كما تحاول قوات الاحتلال أيضاً منذ فترة مد جسور مع الأهالي في المناطق الحدودية خلال توغلاتها المتكررة عن طريق عرض تقديم مساعدات، وهو ما لاقى رفضاً شعبياً كبيراً.

العلاقة بين إسرائيل وقسد

وبالنسبة لقوات “قسد”، تشير صحف إسرائيلية إلى أن مسؤولين كباراً في “قسد” طلبوا المساعدة من إسرائيل بسبب شعورهم بتهديد مستقبل حكمهم بعد الإطاحة بنظام الأسد. وترى قسد أن العلاقة مع إسرائيل فرصة استراتيجية تُتيح لها الحصول على دعم سياسي وربما عسكري من دولة فاعلة في المنطقة، ولها علاقات خاصة مع حليفها الأميركي، في مواجهة الضغوط المستمرة من تركيا والفصائل السورية. وفي المقابل، تحاول إسرائيل أن يكون له موطئ قدم في سوريا عبر الذرائع الأمنية وتحت حجة حماية الأقليات، بينما هدفها الحقيقي تقسيم سوريا عرقياً وإثنياً، مع حرمانها من الموارد النفطية والغازية، إضافة إلى العمل ضد المصالح التركية خاصة في ظل التوترات المستمرة بين الجانبين.

غير أن تطور العلاقة بين الطرفين، وخروجها للعلن، محفوف بالمخاطر بالنسبة لقسد لأن من شأن ذلك أن يثير عليها نقمة شعبية محلية عربية وحتى كردية، إضافة الى استفزاز تركيا التي قد تصعد استهدافها لقسد، وهو ما قد يدفع واشنطن إلى فرملة العلاقة بين الجانبين، أو على الأقل عدم ظهورها للعلن.

الخيارات المتاحة

فضلا عن التوغلات شبه اليومية، وعمليات القصف، تشير صور أقمار صناعية إلى إنشاء جيش الاحتلال سبع قواعد عسكرية داخل المنطقة العازلة في سوريا، عند الحدود مع الجولان المحتل، إضافة الى منطقتين على سفوح جبل حرمون.

ويرى البعض، أن الإدارة الجديدة في دمشق لم تتعامل بالجدية الكافية مع هذه المخاطر الإسرائيلية، واستكانت لوهم أن إبداء النية الحسنة تجاه إسرائيل يكفي لاتقاء شرها، في حين أن إسرائيل تعمل وفق حساباتها الخاصة على المدى البعيد، ولا تلتفت لأية مبادرات ودية قادمة من دمشق.

ومن هنا، يصح القول أن على الإدارة في دمشق تصعيد اهتمامها بما يجري على الحدود مع فلسطين المحتلة سياسياً وأمنياً وديمغرافياً من خلال حشد الموقف الإقليمي (التركي خصوصاً) والدولي، ومن خلال إرسال تعزيزات الى تلك المناطق، ودعم صمود السكان المحليين وتبديد إحساسهم بأنهم متروكون وحدهم في مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية. كما يجب على القوى الوطنية في محافظتي السويداء ودرعا، وهم الغالبية، الانخراط الفوري في الجيش السوري الوليد، وفي الدولة السورية، وتأكيد استعدادهم لقتال أي جيش محتل مع بقية إخوتهم في الوطن.

 أما الإدارة في دمشق، فيمكن تفهم موقفها المتمثل في محاولة عدم التصادم مع جيش الاحتلال في ظل الاختلال بموازين القوى، وفي وقت تنهمك فيه بترتيب الوضع الداخلي الصعب في البلاد، لكن البعض يرى أن الإدارة لا تقوم بكل ما يمكنها القيام به بعيداً عن المواجهة العسكرية، مثل تعزيز وجودها الأمني والإداري والخدمي في كل مناطق محافظة القنيطرة، والمساندة المادية والمعنوية والسياسية للسكان المحليين، بغية تصعيب الوضع أمام التوغلات الإسرائيلية التي تتم اليوم بكل سهولة وفي الوقت الذي تريده إسرائيل.

الخلل الديمغرافي في القنيطرة

وخلال جلسات الحوار الوطني الأخيرة، طالب بعض أهالي القنيطرة النازحين خارج محافظتهم ببناء مساكن لهم على أرض المحافظة بغية تعزيز الوجود السكاني فيها، بما يقطع الطريق على الأطماع الإسرائيلية في تلك المناطق التي تنظر للقنيطرة بوصفها منطقة شبه فارغة نظراً لقلة سكانها الحاليين، حيث لا يتجاوز عددهم اليوم 100 ألف نسمة.

والواقع أن حكم آل الأسد أسهم في جعل محافظة القنيطرة هشة ديمغرافياً من خلال تركها خالية تقريباً من السكان خلال العقود الخمسة الماضية، مع وجود أكثر من نصف مليون نازح من الجولان المحتل يعيشون في ظروف مزرية في محافظات دمشق وريفها ودرعا، بينما كان الأجدر إعادة إسكانهم بما هو محرر من محافظتهم، وهذا ما يجب أن تعمل عليه الحكومة الجديدة.

وكان تعداد سكان القنيطرة قبل احتلال إسرائيل أجزاء منها عام 1967 نحو 350 ألف نسمة، نحو 154 ألفاً منهم كانوا يقيمون في منطقة الجولان التي خضعت للاحتلال بالكامل، وجرى تهجير معظم سكانها، وقسم من سكان القنيطرة، وبقي في الجولان نحو 7 آلاف شخص في القرى “الدرزية” الخمس، وارتفع عددهم اليوم إلى نحو 20 ألفاً، في حين وصل عدد النازحين من الجولان والقنيطرة إلى نحو 600 ألف شخص، موزعين اليوم على محافظات درعا وريف دمشق والقنيطرة، وما زال بعضهم يعيش في مخيمات. وقد استعادت سوريا مساحة 60 كيلومتراً مربعاً تضم مدينة القنيطرة وجوارها وقرية الرفيد في إطار اتفاقية “فض الاشتباك” عام 1974، وعاد إلى هذا الجزء بعض سكانه، باستثناء مدينة القنيطرة التي ما زالت مدمرة.

ورغم أن سياسات المواجهة مع إسرائيل، ترتبط في الوعي الشعبي السوري بسياسات النظام السابق، وتحالفاته مع إيران، وليس لها تالياً رصيد شعبي كبير، غير أنه ينبغي التمييز بين متاجرة نظام الأسد بشعارات المقاومة، والخطر الإسرائيلي الذي هو حقيقة ماثلة، لا ينفع معها دفن الرأس في الرمال، بل لا بد من بلورة سياسة أمنية وعسكرية وسياسية وخدمية متكاملة للتعامل الفعال مع هذه التهديدات.

تلفزيون سوريا

—————————-

ترتيبات أمنية.. من أوكرانيا إلى الشرق الأوسط/ صهيب جوهر

2025.02.27

لم يستطع حزب الله رغم كل الاستعراضات الجماهيرية في الشارع يوم تشييع أمينه العام حسن نصر الله، في توجيه أية رسالة مهمة من خلال الحشود الشعبية الكبيرة التي حضرت، والتي أرادها الحزب استفتاء شعبياً لفرضها كوقائع سياسية في الداخل في ظل الانكسارات التي تعرض لها خلال الأشهر الماضية على المستويين العسكري والأمني، لكن ثمة رسائل أخرى تحمل أبعاداً أكبر ظهرت في التشييع. وأبرز تلك الرسائل جاءت من خلال التواجد الإيراني الرفيع، والتي سرعان ما رد عليها الإسرائيلي بخرقه الأجواء فوق الحشود.

فيما تابعت القوى الإقليمية المتعددة الحضور الإيراني رسالة إيرانية مفادها أن الحرب الإسرائيلية وسقوط النظام السوري لم تنجحا في إخراج إيران من اللعبة اللبنانية، وأن الحضور الإيراني متجذر في لبنان بانتظار تطورات جديدة تسمح له بإعادة ترميم القوة ومراكمتها من جديد، فيما كل التطورات الجنوبية تعطي مؤشرات لموقف إسرائيلي مفاده أنه لا عودة عسكرية لما قبل 17 أيلول 2023.

فرئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، وعلى الرغم من وقف إطلاق النار إن في لبنان أو حتى في قطاع غزة، لا يزال يرسل الإشارات إلى أن المشروع الذي يحمله للمنطقة، لا يزال مستمراً، خصوصاً أن عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض أعطت دفعاً قوياً لطموحات الرجل، خصوصاً بعدما ظهرت التوافقات بين الرجلين خلال الزيارة الأخيرة لنتنياهو إلى الولايات المتحدة.

وإذا كانت حرب غزة قد فتحت الباب أمام حرب لبنان وسقوط نظام بشار الأسد والاندفاع في اتجاه تغيير المعادلة والتوازن في المنطقة، فإن حرب أوكرانيا فتحت بدورها شهية ترامب لإنجاز تغييرات كبرى ستطول العلاقة مع روسيا والركائز التي قامت عليها العلاقة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة الأميركية ودول الاتحاد الأوروبي.

فيما أفصح ترامب ونائبه عن الأهداف التي يسعى إليها البيت الأبيض. فخلال مؤتمر ميونخ للأمن، وجه نائب الرئيس الأميركي جي دي فانس انتقادات لاذعة وقاسية للقادة الأوروبيين بسبب سياستهم حول الهجرة والرقابة القائمة على المعارضة السياسية، والمقصود هنا التضييق القائم على أحزاب اليمين المتطرف، مؤكداً أن واشنطن ستعيد تقييم وجودها العسكري في ألمانيا، وبالتالي تعديل الالتزامات الدفاعية الأميركية، وألمانيا التي تستضيف نحو 35 ألف جندي أميركي ضمن ما يُعرف بالتزامات أمنية أميركية بدأ العمل بها منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية في إطار استراتيجية الردع لمواجهة روسيا، ستضع ألمانيا أمام تحديات وجودية.

وكلام فانس يؤشر إلى أن حقيقة الخلاف مع دول أوروبا الغربية ليس اقتصادياً واجتماعياً كما يظهر، بل سياسي. ويبدو أن التغيير السياسي في الدول الأوروبية بدأت بوادره بالظهور. فأولى مؤشرات الاندفاعة الأميركية مع ترامب أظهرت تقدماً واضحاً لليمين المتطرف في الانتخابات البرلمانية، وهو ما يعني خطورة سياسية ليس فقط في ألمانيا، بل لكل النظام السياسي القائم في دول الاتحاد الأوروبي.

وأهمية الحاصل هو أنه يأتي عقب اتفاق مبهم تم بين ترامب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين لإغلاق الحرب في أوكرانيا. والأهم أن كل المؤشرات توحي أن بوتين يسعى لتعديل الواقع الجيوسياسي لدول أوروبا، عبر تمتين علاقاته مع كل القوى والأحزاب والتيارات اليمينية في أوروبا، وبدا ترامب وكأنه يميل إلى نسف القواعد القائمة على المستوى الدولي، واستبدالها بتحولات استراتيجية جديدة تقوم على تطرف في الليبرالية الاجتماعية، وهو يعتقد أن روسيا بقيادة بوتين قادرة على أن تساعد في مشروع إعادة تشكيل أوروبا والشرق الأوسط والتنسيق معاً لاحتواء التمدد الصيني.

وزار وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف طهران. وتأتي هذه الزيارة في خضم التقارب الحاصل بين واشنطن وموسكو، ما يدفع الإيرانيون للتوجس، في ظل الخشية من أن يؤدي هذا التقارب الأميركي ـ الروسي إلى انعكاسات سلبية على التعاون الاستراتيجي بين روسيا وإيران في الملفات العالقة، ولا بد أن تكون القيادة الإيرانية التي تستعد لمواجهة حملة الضغوط القصوى لترامب، قد ربطت بين وضع إدارة ترامب الأولوية لإنهاء حرب أوكرانيا وإنجاز التفاهمات مع بوتين وترك الملف الإيراني للمرحلة الثانية. ما يعني أن المنطقة ستكون إحدى ركائز التفاهمات الروسية – الأميركية في المرحلة التالية.

لذا كل ما يجري بات يؤشر إلى وجود تفاهمات كبيرة ستطول كل المنطقة، والتي تساهم فيها موسكو في إطار تفاهمات دولية أكبر، لذا لا بد للنظام الإيراني المتخلخل من قراءة المشهد كله بترو، على الرغم من أن المؤشرات الصادرة عن إدارة ترامب تحرص على عدم المس بالنظام القائم في إيران، لكن المتفق عليه هو إنهاء النفوذ الإيراني في المنطقة وإبعاد حزب الله وحلفائه عن الحوض الشرقي للبحر المتوسط وعن مياه الخليج والممرات المائية للتجارة العالمية.

من هنا يمكن تحليل الأداء الإيراني الناعم مع التطورات، وخاصة بعد توقف الحوثيين عن استهداف الممرات البحرية خلال الأسابيع الماضية، وفي لبنان عمد حزب الله إلى إعطاء حكومة نواف سلام الثقة، وهذا ما يفسر عدم حصول تداعيات سياسية بعد أزمة الطائرات الإيرانية، والأهم كانت كلمة الأمين العام للحزب نعيم قاسم، الذي أعلن تمسك الحزب إياه بسقف الدولة واتفاق الطائف والانتقال للمقاومة في السياسة والإعمار.

والأهم هي مرحلة ما بعد الثقة، والمتعلقة بزيارات سيجريها رئيس الجمهورية جوزيف عون إلى السعودية وقطر وسوريا، وعلى الرغم من أن حسابات سياسية لا تزال مفتوحة. فالسعودية لم ترسل بعد أي إشارات توحي بأنها ستدعم مشروع إعادة الإعمار أو أي مشروع آخر متعلق بانتظام الوضع السياسي اللبناني، والتلويح عبر مصادرها المستمرة أنها تحتاج إلى سلوك حكومي جديد يحاكي المطلب المرفوع والقاضي بخروج النفوذ الإيراني من لبنان، وخاصة بعد انهيار حكم الأسد في سوريا.

والحكومة الجديدة والتي لم تبد أي إيجابية بالتعاطي مع دول إقليمية وعربية أخرى، تراقب الضغوط الحاصلة لإتمام الانسحاب الإسرائيلي من التلال الخمسة المشرفة على كل الجنوب، فيما تربط الإدارة الأميركية هذا الوجود بقيام الجيش اللبناني بتفكيك كل البنية العسكرية لحزب الله على امتداد شمال وجنوب الليطاني، لإعطاء جو أمني يدفع المستوطنين للعودة بفترة قليلة.

تلفزيون سوريا

—————————

=================

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى