البحث عن المفقودين في سوريا بعد سقوط الأسد: العِبَرُ المستمدّة من التحقيق في مطار المزة العسكري

27 فبراير 2025
الملخص التنفيذي
المـــقـــدمـــة
المـــنـــهـــجـــيـــة
١. الطرق إلى المزة
٢. الاعتقال في المزة
٣. من السجن إلى القبر
الخاتمة: آفاق التحقيقات المستق…
تـــوصـــيات
الملحقات:
الملخص التنفيذي
كان الاعتقالُ التعسفي والاختفاءُ القسري من السمات المميزة للنزاع السوري، ولطالما اعتلى أولوياتِ السوريين بحثُهم عن أحبائهم المفقودين. وأثار سقوطُ حكومة الأسد المفاجئُ آمالا في أن تتمكن العائلات أخيرا من نبش مصير أكثر من ١٠٠ ألف سوري يُقدّر أنهم اختفوا في غياهب مراكز الاعتقال والمقابر الجماعية خلال النزاع. ويقدّم هذا التحقيق الذي أجراه المركز السوري للعدالة والمساءلة ورابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا حول الاعتقال في مطار المزة العسكري معلومات معمقة حول كيفية عمل المنشأة، والجرائم التي ارتكبت فيها، والمرقد الأخير الذي توفي فيه المعتقلون الذين ماتوا أثناء اعتقالهم أو أُعدموا في المنشأة. ويُعدّ التحقيقُ دراسة حالة لنوع العمل الاستقصائي الذي يجب فعله على نطاق واسع في سوريا للبدء في تحديد مصير الذين لا يزالون مفقودين وتحرّي أماكن وجودهم.
النتائج الرئيسية
أصبح مطار المزة العسكري جزءا لا يتجزأ من منظومة الإخفاء القسري التي وسعتها حكومة الأسد بعد عام ٢٠١١، إذ يُرجَّح أن أكثر من ٢٨ ألف رجل وامرأة وطفل اعتُقلوا في المطار خلال النزاع.
كانت وفاة المعتقلين في سجن المزة أمرا معتادا، إذ ورد أنّ ما لا يقل عن ١٠٠٠ معتقل ماتوا بسبب التعذيب وظروف المعيشة السيئة في الاعتقال، ويُرجَّح أنّ المئات إن لم يكن الآلاف قد أُعدموا في المطار.
يُحتمل أنّ لسبعة مقابر على الأقل صلةٌ بمطار المزة العسكري، إذ حدد المركز السوري للعدالة والمساءلة الفترات الزمنية التي يرجح أنّ ثلاثة منها استُخدمت لدفن المعتقلين في المزة.
بعد أن خرّت حكومة الأسد، تمكّن المركز السوري للعدالة والمساءلة من الوصول إلى وثائق وبيانات لم تكن متاحة سابقا في المزة وفي منشآت أخرى أدارتها المخابراتُ الجوية وكياناتُ حكومة الأسد التي شاركت في نقل المعتقلين والرفات البشري. توفر هذه البياناتُ إمكانية جديدة لتحديد أنماط الاختفاء، ويمكنكم الإطلاع على صور لعدة وثائق كهذه في ملحق هذا التقرير أو بالنقر هنا .
المـــقـــدمـــة
لم ينصبّ تركيزُ كثيرٍ من السوريين في الأيام الأولى التي أعقبت سقوط حكومة بشار الأسد على مصيره شخصيا أو شكل الحكومة الانتقالية، وهو ما قد يكون مفاجئا لبعض المتابعين في الخارج، بل تسابقوا إلى تلك السجون الشائنة التي أخفت فيها حكومةُ الأسد عشرات آلاف السوريين منذ عام ٢٠١١ وأخضعتهم فيها بصورة منهجية لإساءة المعاملة والتعذيب والقتل. وعندما لم يُفرج إلّا عن جزء بسيط من المعتقلين المقدّر عددهم، بدأ أملُ كثيرٍ من السوريين في لمّ شملهم فورا بأحبائهم المفقودين يتلاشى ويخبو، فتحول انتباههم سريعا إلى المقابر الجماعية التي وثقتها منظماتُ المجتمع المدني ومنظماتُ حقوق الإنسان في كافة أرجاء البلاد في الأعوام السابقة. ويعتقد كثيرون أنّ هذه المقابر تحوي جثث معتقلين مفقودين توفوا أثناء الاعتقال أو أُعدموا بعد محاكمات شكلية. ولهذا، لا تزال آلام عائلات المعتقلين والمختفين في سوريا مستمرة في غمرة تهلّلٍ باندثار حكومة الأسد، كما لا يزال السعي وراء الحقيقة والعدالة للمفقودين قائما.
سيتطلب تحديد هوية آلاف المجهولين الذين اختفوا في مقابر الأسد برنامجا شاملا للأشخاص المفقودين. وينبغي أن يشمل هذا البرنامج توثيقا وتعاونا مكثفَين مع عائلات المفقودين، وتحقيقات مستفيضة حول آلية عمل نظام الاعتقال الذي مارسته الحكومة، واستخراج الرفات بقيادة خبراء وتحليله بالطب الشرعي وصولا إلى تحديد هويته بالحمض النووي وإعادته إلى العائلات. وعلى مدى الأعوام الخمسة الماضية، ظلّ المركز السوري للعدالة والمساءلة يطور عملية كهذه في شمال شرق سوريا، إذ عمل مع فريق شؤون المفقودين والطب الشرعي السوري في الرقة للتحقيق في مصير ومكان نحو ١٠ آلاف سوري فُقدوا في الأراضي التي كانت تحت سيطرة تنظيم داعش. ولزيادة فرص تحديد هوية الرفات البشري بنجاح، طوّر المركز السوري للعدالة والمساءلة منهجية تحقيق، ترتكز كثيرا إلى التقنيات التي يستخدمها الفريق الأرجنتيني لأنثروبولوجيا الطب الشرعي، لبناء فرضيات حول مصير أشخاص مفقودين. ولفعل ذلك، أجرى الفريق تحقيقات سياقية متعمقة حول مواقع الاعتقال والمقابر، لمعرفة مَن يُحتمل أنه نُقل من المعتقلين وإلى أي سجون، ومعرفة أين يمكن أن يكون قد دُفن المعتقلون الذين قُتلوا في تلك المواقع. ١ وهكذا، يمكن أن يبني الفريق فرضيات حول هوية الرفات في مقابر معينة، ليتابع إجراء اختبارات الحمض النووي بتحديد أكثر ويزيد احتمال نجاح عمليات تحديد الهوية.
في أوائل عام ٢٠٢٤، تعاون المركز السوري للعدالة والمساءلة مع رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا لتطبيق منهجية التحقيق هذه لأول مرة في المناطق الخاضعة لسيطرة حكومة الأسد. ويمثل هذا التقرير تتويجا لجهودهما في توثيق مركز اعتقال محدد: مطار المزة العسكري، حيث اعتقلت المخابرات الجوية عشرات آلاف السوريين بعد عام ٢٠١١. وتثبت النتائج أنّ منهجيات التحقيق الحالية ملائمة، وأنّ تحديد هوية ضحايا الأسد قد يكون في متناول اليد، إن توفر ما يكفي من الوقت والموارد.
عندما بدأ هذا التحقيق، كان السجناء لا يزالون محتجزين في مرافق السجن في المطار في الأطراف الجنوبية الغربية لدمشق، وهو من أكبر مراكز الاعتقال خلال النزاع السوري (الصورة ١). وعندما اكتمل التحقيق في نهاية العام وبدأت حكومة الأسد في الانهيار، لم يُفرج وقتها إلّا عن عدة مئات من المعتقلين من بين آلاف يُعتقد أنهم كانوا معتقلين في الموقع. ولهذا، أضحى الآن لتحقيق المركز والرابطة أهميةٌ أكثر من أي وقت مضى، إذ بدأ البحث جدّيّا عن أولئك الذين لم يُعثر عليهم بعد. ٢ يعتمد هذا التقرير على شهادات الناجين، ومنهم شهودٌ مطلعون، وعلى وثائق من المخابرات الجوية انتشلها فريق المركز السوري للعدالة والمساءلة من منشأة المزة في الأيام التي تلت سقوط الأسد، وبيانات موثقة عن المخابرات الجوية سُرّبت عبر الإنترنت.
تمكن المركز والرابطة عن طريق جمع وتحليل هذه الوثائق من تأكيد استخدام المزة منشأةً للاعتقال الجماعي، حيث احتُجز المعتقلون تعسّفا في ظروف قاسية، وعُذّبوا مرارا، وقُتلوا أثناء اعتقالهم في كثير من الحالات. وتحدد الوثائق بأنّ عناصر إدارة المخابرات الجوية كانوا الجناة الرئيسيين في الاعتقال الجماعي والتعذيب وقتل المعتقلين في المطار، ولكنها تشير كذلك إلى أنّ فروعا أخرى تابعة للحكومة والجيش السوريَين كانت تملك في المطار مراكزها الخاصة للاعتقال. وحدد المحققون أيضا العلاقة المباشرة بين أربع مقابر جماعية في منطقة دمشق وبين التخلص من جثث المعتقلين الذين توفوا أو قُتلوا في المزة.
يتجلى التقرير في ثلاثة أقسام بعد وصف موجز لمنهجيته. أولا، يعيّن التقرير تنامي مجمع المزة في سياق الهيكلية الأوسع للمخابرات الجوية. ويناقش التقرير ملف المعتقلين في المزة بعد عام ٢٠١١ وأنماط اعتقالهم ونقلهم في البداية. وفي القسم الثاني، يكشف التقرير عن مختلف مرافق الاعتقال التي كانت داخل مجمع المطار، ويصف معاملة المعتقلين والإجراءات القضائية التي خضعوا لها. وأخيرا، يتحرى التقرير ملابسات وفاة المعتقلين في الموقع، ويختتم التقرير بمناقشة آفاق مواصلة العمل على ملف المزة ويقدّم توصيات للسلطات السورية لدعم تحقيقات الطب الشرعي في البحث عن المفقودين. ويتضمن الملحق عيّنات لبعض الوثائق والملفات من المخابرات الجوية التي استُخدمت في هذا التقرير.
المـــنـــهـــجـــيـــة
يرتكز هذا التقرير في المقام الأول على عدة أشكال من التوثيقات التي يُبدي كلٌّ منها جوانب مختلفة من الاعتقال والاختفاء في مطار المزة العسكري. ففي صلب التقرير مقابلاتٌ نوعيةٌ معمقةٌ أجرتها رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا مع أربعة عناصر سابقين في المخابرات الجوية، وفيهم مَن عمل في أكثر المكاتب حساسية في المزة ولديهم معرفة بوفيات المعتقلين وكيفية التخلص من جثثهم في المقابر. وبالمثل، تقدّم المقابلاتُ المعمقةُ التي أجراها المركز السوري للعدالة والمساءلة مع ٤٤ ناجيا من الاعتقال في المزة تفاصيلَ عن معاملة المعتقلين، بينما استُمدّت الأنماط العامة للاعتقال في المزة من مقابلات على شكل استبيانات أجرتها الرابطة مع ١١٢ ناجيا اعتُقلوا في المطار بعد عام ٢٠١١ و١٨٦ عائلة تعتقد أنّ أحباءها المفقودين كانوا معتقلين فيه. ويعتمد هذا التقرير كذلك على توثيقات من مصادر مفتوحة، من بينها شهاداتٌ من قاعات المحاكم والتي وثّقها المركز السوري للعدالة والمساءلة أثناء مراقبة محاكمات مسؤولين في حكومة الأسد، إضافة إلى صور أقمار صناعية للمقابر الجماعية التي يُحتمل أنها استخدمت لدفن جثث المعتقلين الذين توفوا في المزة. ٣
كانت اللمسات الأخيرة توضع على هذا التقرير حينما انهارت حكومة الأسد، فأُتيح بذلك الوصول إلى مطار المزة العسكري والعديد من أفرع المخابرات الأخرى للتوثيق. منذ ٨ كانون الأول / ديسمبر ٢٠٢٤، وبعد أن حظي المركز السوري للعدالة والمساءلة بوصول حصري إلى أكثر المناطق حساسية في المطار، نسخ أكثر من ١٥ ألف وثيقة تشمل قوائمَ معتقلين وأوامرَ اعتقال وتنقلاتٍ بين المحاكم الميدانية بين عامي ٢٠١١ و٢٠٢٠. وجمع المركز ملفات رقمية يُزعم أنها أُخذت من منشأة المزة وسُرّبت على الإنترنت في الأيام التي أعقبت سقوط حكومة الأسد. وتحقّق المركز من مصداقية هذه الملفات الرقمية المسربة التي شملت أساسا الفترة بين عامي ٢٠١١ و٢٠١٧. وتطابقت المعلومات التي تحتويها مع الوثائق المطبوعة التي جمعها فريقُ المركزِ الميدانيُّ في المزة، ومع شهادات الشهود المطلعين التي كنَزها خلال التحقيق المركزُ السوري للعدالة والمساءلة ورابطةُ معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا، ومع المعلومات التي حُصدت بصورة مستقلة من مصادر مفتوحة. وتجدر الإشارة إلى أنّ مراجعة المركز لهذه الوثائق والبيانات وتدقيقها هو جزئي وتمهيدي؛ إذ سيستغرق التحليل المنهجي والشامل بهدف البحث عن المفقودين أعواما. وقد يستدعي ظهورُ مواد جديدة من المخابرات الجوية وغيرها من أجهزة المخابرات والأمن مراجعةَ بعض النتائج الواردة هنا. إلّا أنّ التحليل حتى الآن يؤكد كثيرا من النتائج التي توصل إليها المركزُ السوري للعدالة والمساءلة ورابطةُ معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا، ويقترح توجهات جديدة للتحقيق في شأن الذين اعتُقلوا وأُخفوا في المزة.
١. الطرق إلى المزة
تطوّر مجمّع المزة وهيكلية المخابرات الجوية
لم يكن مطار المزة العسكري دائما مكانا للاعتقال التعسفي والإخفاء القسري على نطاق واسع. فخلافا للسجون الرسمية شائنة الصيت كصيدنايا وتدمر، لم يصبح مطار المزة جزءا لا يتجزأ من آلية الإخفاء القسري لحكومة الأسد إلّا بعد عام ٢٠١١. وهذا لا يعني التقليل من أهمية الموقع لأجهزة الأمن والمخابرات التابعة لحكومة الأسد: فعلى مدى أعوام قبل عام ٢٠١١، آوى المزة أفرادا وعتادا تابعين لقوات الدفاع الجوي السورية، والفرقة الرابعة في الجيش العربي السوري، ومركز الدراسات والبحوث العلمية السوري (المسؤول عن التعامل مع ملف الأسلحة البيولوجية والكيميائية في حكومة الأسد)؛ إذ كان لكثير من هذه الوحدات دورٌ في العمليات الأمنية والعسكرية التي بدأت حكومة الأسد شنّها في منطقة دمشق الكبرى، لا سيما منذ عام ٢٠١٢ فصاعدا.
لكن الأهم من ذلك هو أنّ المزة كانت الموقع الفعلي لفرعَي المهمات الخاصة والتحقيق التابعَين للمخابرات الجوية، واللذين كانا مهمَّين في العمليات الاستخباراتية للمخابرات الجوية، كما هو موضح أدناه، وبعد عام ٢٠١١ أصبحا من صلب ممارسة الاعتقال والاختفاء الآخذة في التوسّع في المزة. وفي الفترة التي يركّز عليها التحقيق، ترأّس فرعَ المهمات الخاصة العميدان غسان إسماعيل وحسن عبدو واللواء قحطان خليل، وكان للعميد صقر منون نفوذٌ كبيرٌ أيضا. ومن الأهمية بمكان أنّ هذا الفرع كان يضم اللواء ٧٣٩ جو الذي نفذ مداهمات استهدفت منطقة دمشق، ونقل المعتقلين من أفرع المخابرات الجوية الإقليمية إلى المزة. وفي الفترة التي يتقصاها التحقيق، ترأّس فرعَ التحقيق العميدُ عبد السلام محمود، رغم أنّ العميد سهيل الزمام كان له دور مهم في إدارة مرافق الاعتقال التابعة للفرع في المزة. ٤ احتفظت الفروع الإقليمية للمخابرات الجوية بمكاتب محلية توازي الفرعين الرئيسيَين في المزة (على سبيل المثال، قسم الدوريات الإقليمي والمركزي)، ولكنها قامت كذلك بعمليات تحقيق ومراقبة خاصة بها.
تعود أولى حالات الاعتقال في المزة التي وثقها المركز السوري للعدالة والمساءلة ورابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا إلى منتصف عام ٢٠١١. ففي ٦ حزيران / يونيو ٢٠١١، طلب رئيس فرع التحقيق عبد السلام محمود موافقةً من المدعي العام لمحافظة ريف دمشق لاعتقال واستجواب ١٩ شخصا يُزعم أنهم شاركوا في مظاهرات مناوئة للحكومة (انظر الملحق أ). وفي الأشهر والسنوات اللاحقة، ارتفع عدد المعتقلين في سوريا بصورة كبيرة، وسرعان ما بلغت مرافق السجون الرسمية طاقتَها الاستيعابية. وكما سنرى، أدّت المخابرات الجوية دورا بارزا في حملة الاعتقالات والخطف المبكرة. وفي هذا السياق، أصبح فرعا المهمات الخاصة والتحقيق شيئا فشيئا وحداتٍ مسؤولةً عن اعتقال المدنيين والعسكريين لأمد طويل وعلى نطاق واسع. وبحلول عام ٢٠٢٠، حوّل الفرعان أكثر من عشرة حظائر طائرات ومهاجع ومكاتب في المزة إلى مرافق اعتقال (الصورة ٢).
تشير وثائق وملفات المخابرات الجوية إلى المدى الإجمالي للاعتقال في المزة وكيف تذبذب على مدار فترة النزاع السوري. إذ مرّ ما لا يقل عن ٢٨,٨٠٩ معتقلين عبر المزة بين عام ٢٠١١ وأوائل عام ٢٠١٧. ووصل نحو ٥ آلاف معتقل كل عام خلال هذه الفترة، وتبيّن الصورة ٣ ذروة الاعتقال كانت في عامي ٢٠١٣ و٢٠١٦ (عندما شاركت المخابرات الجوية في عمليات الاعتقال والخطف خلال أحداث داريا وحلب على التوالي). ٥ ويبدو أنّ معدل الاعتقال قد انخفض في السنوات القليلة اللاحقة. وتشير سجلات فرع المهمات الخاصة، الذي كان يجلب المعتقلين إلى المزة، إلى أنّ عدد المعتقلين الذين نُقلوا إلى المطار في عام ٢٠١٨ بلغ نحو ١٨٠٠ شخص. ٦ ويبدو أنّ مطار المزة العسكري كان يحتجز بين ١٥٠٠ وألفي معتقل، أيّا كانت مرحلة النزاع في سوريا.
الصورة ٣: الاعتقال في المزة لسنوات حصل فيها المركز السوري للعدالة والمساءلة على بيانات شاملة نسبيا. ويُرجح أنّ ذروتي الاعتقال عامي ٢٠١٣ و٢٠١٦ توازيان حملات الاعتقال والخطف في داريا وحلب على التوالي.
قبل مناقشة آليات حركة المعتقلين إلى المزة، والتي تأثرت كثيرا بوجود المخابرات الجوية في المطار، سيكون حريّا بنا أن نصف بإيجاز كيف كان يعمل هذا الكيان في فترة حكومة الأسد. كانت المخابرات الجوية إحدى أربعة كيانات استخباراتية لدى حكومة الأسد. وانسلخت في الأصل من القوات الجوية السورية، أي أنها احتلت موقعا ذا أهمية خاصة في الجهاز الأمني لحكومة الأسد بسبب روابط عائلة الأسد الشخصية بالقوات الجوية. إلا أنه بحلول الثمانينيات، استحالت كيانا مستقلا انخرط في مراقبة حياة المدنيين وقمع المعارضة السياسية. وبعدما تحولت ثورة عام ٢٠١١ إلى نزاع مسلح، بدأت المخابرات الجوية تشارك في العمليات العسكرية المحلية. وفي الفترة التي يتقصاها هذا التقرير، تراوح عدد العاملين في المخابرات الجوية بين ٨ آلاف و١٠ آلاف عنصر في عهد القيادات المتعاقبة لجميل حسن وغسان إسماعيل وقحطان خليل. ٧
عملت المخابرات الجوية عن طريق مزيج من المركزية الشديدة في اتخاذ القرار من الأعلى إلى الأسفل، واستقلالية الوحدات المحلية. ولهذا وكما سنرى، يبدو أنّ الكثير من الاعتقالات تمت بأوامر مباشرة من مدير إدارة المخابرات الجوية من مقرها الرئيسي في حي القصاع بدمشق. ومرّرت هذه الأوامرَ الأفرعُ المركزية للمخابرات الجوية في المزة، كفرع المهمات الخاصة، إلى أفرع وأقسام تابعة لها ومنتشرة جغرافيا في جميع أنحاء المحافظات. ٨ من ناحية أخرى، مارست الأفرع الإقليمية لإدارة المخابرات الجوية ومفارزُها في المطارات السورية نفوذَها في مناطقها باستقلالية، على سبيل المثال عن طريق كثير من الحواجز التي أقامتها طيلة النزاع. وعادة ما أبقَوا السلطات المركزية للمخابرات الجوية في منطقة دمشق على علم بعمليات المراقبة والاعتقال المحلية.
أيّا كان الهيكل الإداري الرسمي للمخابرات الجوية، إلا أنّ وثائق المركز السوري للعدالة والمساءلة ورابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا توضح أنّ مطار المزة العسكري صار نواة عمليات الاعتقال والاختفاء التي مارسها هذا الجهاز بعد عام ٢٠١١. وكما يوضح القسم التالي، كانت أقسامُ المخابراتِ الجويةِ الإقليميةُ والمحليةُ تنقل المعتقلين بصورة منهجية إلى المزة بعد اعتقالهم أو اختطافهم.
عمليات الاعتقال والنقل إلى المزة
جاء السوريون الذين اعتقلتهم أو احتجزتهم المخابرات الجوية قبل اقتيادهم إلى المزة من خلفيات جغرافية واجتماعية وعرقية وطائفية متعددة. ووجدت توثيقات مستقلة سابقة أنّ الرجال والنساء وحتى الأطفال اقتيدوا إلى المزة من أماكن بعيدة مثل حلب والقامشلي. ٩ واحتجزت المزة العديد من العسكريين المنشقين والمعارضين السياسيين والناشطين الإعلاميين، وكثيرا ما وصفت وثائق وبيانات المخابرات الجوية هؤلاء الأشخاص بأنهم «أعضاء في منظمة إرهابية». ويبدو أنّ اعتقالات فرع المهمات الخاصة التي استهدفت هؤلاء الأشخاص كانت تحدث في أغلب الأحيان «بناء على أوامر شفهية» من مدير المخابرات الجوية. وكما يوضح الملحق (ب)، اعتقل فرع المهمات الخاصة الأشخاص مرارا بصورة جماعية، وغالبا ما كان يحتجز نحو ستة أشخاص في كل مرة. من ناحية أخرى، لاحظ عناصر سابقون في المخابرات الجوية أنّ الكثير من المدنيين الذين لا تربطهم صلة واضحة بالمظاهرات قد اقتيدوا إلى مجمع المطار بعد اعتقالات بدت عشوائية عند الحواجز. وتؤكد وثائق وبيانات المخابرات الجوية هذه الملاحظات، إذ وُصفت كثيرٌ من الاعتقالات بأنها اعتقالات لأشخاص «ينتمون إلى منظمة إرهابية».
في عينة الناجين الذين شملتهم الدراسة الاستقصائية لهذا التقرير، تظهر بعض الأنماط الواضحة التي تتضح من الرسوم البيانية في الصورة ٤. فمن بين العينة المكونة من ١١٢ ناجيا، كان الشباب العرب السنّة من منطقة دمشق الكبرى هم أكثر مَن تعرض للاحتجاز في المزة بعد اعتقالهم عند الحواجز أو من العمل أو في الشارع. ورغم ضرورة وجود عينة تمثّل السكان بصورة أكبر للتوصل إلى استنتاجات حول هذا النمط، إلا أنها تتوافق مع وثائق وبيانات المخابرات الجوية التي تشير إلى أنّ غالبية المعتقلين في المزة كانوا من المناطق المحيطة بحلب ودمشق. ١٠ وفي الوقت نفسه، تدلّل وثائق وبيانات المخابرات الجوية على أنّ مئات النساء والأطفال كانوا محتجزين أيضا في المزة. وخُصّص مرفق اعتقال بأَسره لاحتجاز النساء (فرع التحقيق «المبنى الجديد»)، ويبدو أنّ المخابرات الجوية أبقت كثيرا منهن لاستغلالهن في المفاوضات مع فصائل المعارضة المسلحة. واحتُجز أكثر من ١٥٠ منهن في المزة، بعضهن لم تبلغ عاما من العمر، وكثيرٌ منهن نُقل إلى مبادرات الرعاية الاجتماعية التابعة لأسماء الأسد. ١١
لم يتلقّ أي من هؤلاء إخطارا رسميا باعتقالهم أو سببا لاحتجازهم. وتعكس شهاداتُ الناجين الذين أجرى معهم المركز السوري للعدالة والمساءلة مقابلات نوعية ومعمقة هذه النتائج. وتذكر إحدى الناجيات التي اعتُقلت عندما كانت طالبة جامعية:
بلا ريب، لم تتفرّد المخابرات الجوية بمثل هذه الاعتقالات التعسفية والسرية للسوريين. إذ كان حرمان المعتقلين وعائلاتهم من معرفة شيء عن الاعتقال أو الاحتجاز ممارسةً عتيقةً زاولتها أجهزة المخابرات في عهد حكومة الأسد، ووطّدت تلك الممارسةُ الاختفاءَ القسري على نطاق واسع، وعملت على غرس الخوف في الناس وقمع المعارضين منهم. ١٣
تلقي شهاداتُ الشهود المطلعين ووثائقُ المخابرات الجوية مزيدا من الضوء على كيفية نقل السوريين إلى المزة فورَ اعتقالهم. ووفقا لعناصر سابقين في المخابرات الجوية السورية، بعدما اعتقال المعتقلين في منطقة دمشق في بداية المظاهرات عام ٢٠١١، كانوا يُجلبون فرادى إلى المزة في سيارات وشاحنات وحافلات. ولكن بحلول عام ٢٠١٢، ومع ازدياد عدد المعتقلين السوريين، صاروا يُجلبون في مجموعات كبيرة. ١٤ أمّا المناطق البعيدة عن دمشق، فقد نُقل المعتقلون منها إلى المزة بالمروحيات وأحيانا بالطائرات. وأمّا مفارزُ المخابراتِ الجويةِ الموجودةُ في مطارات أخرى في سوريا أو قربها، ومنها مطار حماة العسكري ومطار الطبقة العسكري ومطار دير الزور، فكانت تجمع المعتقلين الذين قُبض عليهم أثناء مداهمات في المدن والبلدات المجاورة ثم تنقلهم معا جوا. ١٥ ولم يكن المعتقلون يُحتجزون عادةً في المطار الأول إلّا لفترة وجيزة قبل أن ينقلهم فرع المهمات الخاصة إلى المزة. وتُبيّن نظرةٌ سريعةٌ على إحدى وثائق المخابرات الجوية من المزة كيفيةَ حدوث هذه العملية (الملحق ج). ففي ٨ كانون الأول / ديسمبر ٢٠١٢، وبناءً على أمر من مدير المخابرات الجوية جميل حسن، اعتقلت وحدةُ استخبارات تابعة للفرقة الثالثة في الجيش العربي السوري أحدَ المعارضين المطلوبين بتهمة تقديم الدعم للمسلحين في بلدة حوش عرب. ثم سُلّم المعتقلُ إلى مفرزة المخابرات الجوية في بلدة الناصرية المجاورة، قبل أن ينقله فرعُ المهمات الخاصة إلى المزة في نفس اليوم.
استهدفت وحدات المخابرات الجوية المتمركزة في المزة مناطق جغرافية معينة بوجه خاص. فعلى سبيل المثال، كانت داريا هدفا رئيسيا للعديد من المداهمات والهجمات التي شُنّت من المطار. وبين عامي ٢٠١٢ و٢٠١٤ تحديدا، تعاون عناصر المخابرات الجوية في المزة بصورة وثيقة مع الفرقة الرابعة التابعة للجيش العربي السوري على اعتقال المتظاهرين والمدنيين من داريا خلال المظاهرات والمداهمات الليلية وحملات الاعتقال المتكررة. ووقعت واحدةٌ من أشنع موجات الاعتقال في آب / أغسطس ٢٠١٢، عندما قُتل مئات المدنيين أو أُخفوا في منشآت المخابرات الجوية ومن بينها مطارُ المزة. ١٦ وبعد هذه المجزرة، تغيرت القوى المحلية المحركة للنزاع، إذ سيطرت فصائل المعارضة المحلية على داريا وحاصر الجيش السوري المدينة حتى استسلام فصائل المعارضة المحلية عام ٢٠١٦. إلّا أنه نظرا لقربها من داريا، كان للمزة ووحدات مخابراتها الجوية دورٌ محوري في الهجمات على المدينة وضواحي دمشق الأخرى.
ينبغي الإشارة إلى أنه لم يُنقل إلى المزة جميعُ المعتقلين الذين كانوا محتجزين بدايةً في الفروع الإقليمية للمخابرات الجوية. إذ أُفرج عن العديد منهم بعد استجوابهم، ويُرجّح أنّ بعضهم توفي أثناء اعتقالهم في هذه المرافق المحلية. وفي حالة أولئك المعتقلين الذين لم يستهدفهم صراحةً فرعُ المهمات الخاصة، لا يُعرف بوضوح إلى الآن ما الذي حدّد بقاءَهم في المرافق المحلية للمخابرات الجوية المحلية أو نقلَهم إلى المزة. وتشير سجلات فرع المهمات الخاصة إلى أنّ عمليات النقل هذه حدثت غالبا لأنه بعد استجواب المعتقل الأوليّ في فرع مخابرات آخر أو استجوابه أمنيا عند حاجز، اتضح أنه كان مطلوبا سابقا لفرع المخابرات الجوية (انظر الملحق د). وقد تتجلى أنماطٌ محتملةٌ أخرى في هذا السياق بدراسة وثائق المخابرات الجوية وبياناتها أكثر فأكثر.
٢. الاعتقال في المزة
التحقيقُ مع المعتقلين ومعاملتُهم
كانت هناك عدة مراحل للاستجواب يمر بها المعتقلون بعد وصولهم إلى المزة وأثناء نقلهم بين المرافق المختلفة في المطار. فبعد أن يجلب عناصرُ فرع المهمات الخاصة المعتقلين إلى المزة، كانوا يحتجزونهم في أحد مرافق الفرع عدةَ أيام ويُجرون معهم تحقيقا أوّليا. ثم ينقل فرعُ المهمات الخاصة المعتقلين إلى عهدة فرع التحقيق، حيث يحقق الضباطُ أكثر مع المعتقلين ويحتجزونهم في زنزانات جماعية عدةَ أسابيع (الصورتان ٦ و٧). وبعد انتهاء التحقيق، قد يُعاد بعض المعتقلين إلى منشأة يديرها فرعُ المهمات الخاصة، ولكن يبدو أنّ كثيرا منهم ظلّوا في مرافق فرع التحقيق في انتظار نقلهم إما إلى المحاكم القضائية أو إلى مرافق اعتقال تديرها جهات استخباراتية أو أمنية أخرى. وحدثت بالفعل عمليات نقل إلى منشآت خارجية مثل الفرع ٢٤٨ (المخابرات العسكرية) أو الفرع ٢٥١ (أمن الدولة)، إلّا أنها كانت نادرة واستلزمت عادةً موافقةَ مدير المخابرات الجوية. ١٧ ولكن كما سنرى، شاعت كثيرا «عملياتُ النقل» إلى المحاكم القضائية التي أخذت هيئة محاكم ميدانية عسكرية، ومنها تلك الموجودةُ في المزة نفسها.
كان الاعتقال في سجن المزة طويل الأمد كثيرا من الأحيان. فرغم أنّ نحو نصف الناجين الذين شملتهم الدراسة الاستقصائية في هذا التقرير قد أُخلي سبيلهم في غضون عام، إلّا أنّ نحو ٢٠٪ منهم ظلّوا معتقلين خمسةَ أعوام أو أكثر (الصورة ٥). وتتوافق هذه النتيجة مع بيانات المخابرات الجوية التي تشير إلى أنّه لم يُنقل معظمُ المعتقلين إلى محكمة أو سجن آخر أو يُخلى سبيلُ جميعهم فحسب، بل أنّ ذلك حدث عادةً في غضون عام أو اثنين من وصولهم إلى المزة. ١٨
طغى الرعب وإساءة المعاملة والحرمان على الفترة التي قضاها المعتقلون في المزة. فالظروفُ القاسية واللاإنسانية في مراكز الاعتقال التابعة لحكومة الأسد موثقةٌ جيدا، وتؤكد شهادةُ الناجين من المخابرات الجوية أنّ هذه الظروف تُوصّفُ مطارَ المزة العسكري أيضا. إذ أخضع عناصرُ المخابرات الجوية المعتقلين لظروف معيشية قاسية وعذّبوهم أثناء اعتقالهم في المزة، بصرف النظر عن الفرع الذي كانوا محتجزين فيه في المطار. ولم تُبلَّغ عائلات المعتقلين بأماكن أقاربهم داخل السجن، وحُرموا من زيارتهم. ١٩ واحتُجز المعتقلون في زنازين جماعية تجاوزت سعتَها بكثير ومنفردات حَوَت أكثر من شخص (الصورة ٧). واستحضر عنصرٌ سابقٌ في المخابرات الجوية كان هو نفسُه معتقلا في سجن المزة اكتظاظَ الزنازين الجماعية في تموز / يوليو عام ٢٠١١، حينما جُلبت مجموعات كبيرة من المعتقلين معا:
«بعدما كان الحارس يغلق الباب، كان الناس يتهاوون بعضُهم فوق بعض من الاختناق والجلبة. لم يكن هناك تهوية، إذ لم تكن هناك فتحات تهوية، لذلك كنت تجد كثيرا من المسنّين مسحوقين تحت الآخرين، يموتون بين أيدينا. حملنا كثيرا من الناس أمواتا بأيدينا وتوفوا بين أيدينا… كنت أرى جثثا أمامي، وأناسا مُرتمين فوقها. كانت تمر أحيانا الليالي قبل أن يأتوا لإخراجها، وكادت الرائحة أن تقتلنا. فقدت حاسة شمي منذ أن كنت في السجن. ولم أعد أتعرف على أي شيء مطلقا.٢٠»
تعرض جميع الناجين الذين شملتهم هذه الدراسة الاستقصائية وأُجريت معهم مقابلاتٌ من أجل هذا التقرير إلى التعذيب الجسدي أثناء اعتقالهم في المزة. واستُخدم التعذيب سعيا إلى انتزاع المعلومات من المعتقلين أثناء التحقيق معهم، وعقابا لهم عموما. وتضمّن التعذيبُ الجسدي الضربَ والصعقَ بالكهرباء والخنق. وفي بعض الحالات، كانت قريبات المعتقلين تُجلبن وتجرّدهن من ملابسهن أمامهم. ٢١
أفاد عدد من المعتقلين السابقين بأن عناصر المخابرات الجوية عذّبوهم نفسيا وجنسيا. وتضمّن ذلك تهديداتٍ بالإعدام والاغتصاب، وتهديدَهم باعتقال أفراد أسرهم، وإجبارَهم على مشاهدة معتقلين آخرين يُعذَّبون، وحرمانَهم من النوم، وضربَ أعضائهم التناسلية. وخلّفت الظروفُ المعيشية البائسة والتعذيبُ ندوبا جسدية ونفسية في المعتقلين. فمن بين ١١٢ ناجيا شملتهم الدراسة الاستقصائية في هذا التقرير، أفاد ٢٤ أنهم يعانون من أضرار جسدية على مستويات مختلفة أثّرت على حياتهم الطبيعية بعد الاعتقال، وأفاد ٢٧ بأن هناك أضرارا نفسية باقية. وتكشف بيانات المخابرات الجوية كيف أفضى التعذيبُ والظروفُ الفظيعة إلى دخول مئات المعتقلين إلى المشفى، إذ عانوا من أمراض مثل السل والتهاب النسيج الخلوي والدبيلة وأمراضٍ نفسيةٍ أوّلها عناصر المخابرات الجوية إجمالا بأنها «انهيارات نفسية». ٢٢
الإجراءات القضائية
ظلّ كثيرٌ من المعتقلين في مطار المزة العسكري أو توفوا فيه أو أُخلي سبيلهم منه دون أن يشهدوا أي إجراءات قضائية أو يُتّهموا بأي تهمة. إلّا أنّ أولئك الذين خضعوا للمحاكمة مَثَلوا عادةً ما أمام محكمة مكافحة الإرهاب أو محكمة عسكرية ميدانية، وحوكموا بتهم تتمحور حول الانتماء إلى منظمة إرهابية.
تشير شهاداتُ الناجين وبياناتُ المخابرات الجوية إلى أنّ المحاكمات في محكمة عسكرية ميدانية كانت الشكل الأشيع للإجراءات القضائية للمعتقلين في المزة. ويشير التحليل الأولي إلى أنّ ما يفوق ٥ آلاف معتقل في المزة – وقد يصل العدد إلى ٢٠-٣٠٪ من إجمالي عدد المعتقلين في المطار أثناء النزاع – مَثَلوا أمام محكمة عسكرية ميدانية. وأُرسل آخرون إلى محاكم مكافحة الإرهاب التي كانت خارج مجمع المزة. وقبل عام ٢٠١٣، جرت إجراءات المحاكم الميدانية العسكرية خارج المزة كذلك، إذ أفادت التقارير أنّ كثيرا من المعتقلين أُرسلوا إلى سجن صيدنايا لهذا الغرض.
بين عامي ٢٠١٣و٢٠١٤، حوّلت المخابرات الجوية حظيرة مروحيات في الضواحي الجنوبية الغربية للمزة إلى مكان لعقد جلسات المحكمة الميدانية (الصورة ٨). ٢٣ ويعود قرار فتح المحكمة الميدانية جزئيا إلى تزايد أعداد المعتقلين وصعوبة نقلهم خارج المزة. وبحلول أواخر عام ٢٠١٤، كان هناك أكثر من ٧٠٠ معتقل ينتظرون إحالتهم إلى المحكمة الميدانية، وكان بعضهم قد اعتُقل قبل عامين تقريبا. ٢٤ عجز صيدنايا وقتها عن استيعاب مزيد من المعتقلين، فبدأت محكمةٌ ميدانيةٌ العملَ في المزة، وأُنشأت في المقام الأول بأمر من مدير المخابرات الجوية آنذاك، جميل حسن. ٢٥ ومن الملاحظ أنّ بيانات المخابرات الجوية تشير إلى أنّ معتقلين في مراكز اعتقال أخرى، من بينها سجن صيدنايا، كانوا يُنقلون أحيانا إلى المحكمة الميدانية العسكرية في المزة. ٢٦ ويزعم شهود مطلعون أنّ المحكمة الميدانية في المزة علّقت جلساتها فترةً من الزمن عام ٢٠١٥، ويُرجح أنّ ذلك حدث في غمرة الهجوم الذي شنته فصائل الثوار على المطار في آب / أغسطس من ذلك العام لفك الحصار عن داريا. ٢٧ وليس واضحا ما إذا استمرت المحاكمات الميدانية في المطار في موقع آخر في المطار أو توقفت تماما في المزة، بعد أن عُلّقت الجلسات. ٢٨
وفقا لما أفاده شهود، عقدت المحكمة الميدانية في المزة محاكمات مرتين أسبوعيا. ٢٩ واشتملت هذه المحاكمات على كيانات أخرى غير عناصر المخابرات الجوية في المزة، مثل المدعي العام العسكري، ومندوبين من شعبة المخابرات العسكرية، وضابطا من قيادة المنطقة الجنوبية التابعة للمخابرات الجوية في حرستا. واستُنبط أنّ جلسات المحاكم الميدانية كانت أقسى من الإجراءات القضائية خارج المزة، لأن المعتقلين لم يُمنحوا أي تمثيل قانوني. ٣٠
أصدرت المحاكم الميدانية في المزة عدة الأحكام على المعتقلين، واعتمدت شدة العقوبة عادةً على ما إذا كان بإمكان المعتقلين أن يَرْشوا لجان المحكمة. وكانت العقوبة الأكثر شيوعا التي صدرت على المعتقلين هي السجن سنتين أو ثلاثا. وغالبا ما بقي المعتقلون الذين صدرت عليهم هذه العقوبة في سجن المزة حتى إخلاء سبيلهم، ونادرا ما نُقلوا إلى منشآت أخرى تابعة للمخابرات العسكرية. ٣١ تدل بيانات المخابرات الجوية على أنه تم نقل أكثر من ١٨،٠٠٠ معتقلا من المزة إلى مراكز اعتقال أخرى خلال فترة ما بين عام ٢٠١١ وأوائل ٢٠١٧ بينما تم إخلاء سبيل أكثر من ٨،٠٠٠ معتقلا خلال نفس الفترة. 32 وحُكم على معتقلين آخرين بالسجن المؤبد وأُرسلوا إلى سجن صيدنايا. وفي بعض الحالات، تمكّن المحكوم عليهم بالسجن المؤبد من الانتقال إلى سجن عدرا المدني إذا استطاعوا دفع رشوة. وكانت أشدّ الأحكام التي أصدرتها المحاكم الميدانية هي أحكام الإعدام التي نُفّذت بعد ذلك في المزة. وهناك غموض يخيّم على مدى سرعة تنفيذ الإعدام بعد صدور حكمه على المعتقل، إذ ذكر أحد الشهود أنّ الذين كانوا ينتظرون الإعدام كانوا يُنقلون أحيانا إلى أجنحة خاصة بالمخابرات الجوية في سجن صيدنايا أو عدرا. 33
٣. من السجن إلى القبر
موت المعتقلين
يُرجّح أنّ ما لا يقل عن ألف معتقل ماتوا في سجن المزة بعد عام ٢٠١١، ويُحتمل أنّ المئات إن لم يكن الآلاف لاقوا نفس المصير. وحدثت هذه الوفيات «أثناء الاعتقال»، أي نتيجة للتعذيب وظروف المعيشة السيئة، وأعقبت صدورَ أحكام الإعدام وتنفيذَها. وتشير صور قيصر وحدها إلى أنّ ٣٥٢ معتقلا احتجزتهم المخابراتُ الجوية – وعلى الأرجح في المزة نفسها – يُعتقد أنهم ماتوا أثناء الاعتقال بين تشرين الأول / أكتوبر ٢٠١١ وأواخر عام ٢٠١٣-. 34 ووفقا لحزمة من بيانات المخابرات الجوية في المزة، توفي ٥٣٢ معتقلا أثناء الاعتقال بين آذار / مارس ٢٠١١ وآب / أغسطس ٢٠١٣، بعد فترات اعتقال قصيرة في المطار (غالبا ما كانت بضعة أسابيع فحسب). يبدو أنّ هناك فرقا بين المصطلحات التي استخدمها عناصر المخابرات الجوية للإشارة إلى هذه الحالات – والتي أُشير إليها عموما «بالوفاة / فطس» – وبين المصطلحات المرتبطة بوفيات الإعدام، وهذا جانبٌ من الأسباب التي جعلت المركز السوري للعدالة والمساءلة يؤوّل هذه الأرقام على أنها وفياتٌ أثناء الاعتقال لا إعداماتٌ أعقبت أحكاما من المحاكم العسكرية الميدانية. وتفيد التقارير أنّ ما لا يقل عن ٢٠٪ من هذه الوفيات وقعت في أحد مراكز الاعتقال التي يديرها فرع المهمات الخاصة، رغم الزعم بأنّ نحو مائة معتقل توفوا أيضا «في المشفى» – الذي يكاد يكون من شبه المؤكد أنه أحد المشافي العسكرية القريبة). 35 وتشير بيانات أخرى من المخابرات الجوية إلى أنه بين عام ٢٠١٢ وأوائل عام ٢٠١٧، توفي ما لا يقل عن ٦٢٢ معتقلا نتيجة التعذيب أو سوء ظروف المعيشة في المزة. 36 وقع كثيرٌ من هذه الوفيات الواردة في غضون أيام قليلة من وصول المعتقلين إلى المزة وفي أزمنة متقاربة، إذ ورد أنّ الكثير من المعتقلين توفوا في نفس اليوم؛ وقد يشير هذا إلى أنّ التعذيب كان السبب الرئيسي للوفاة في المزة، وليس تدهور الظروف الصحية.
لم يتحقّق المركز السوري للعدالة والمساءلة بَعْدُ من الوفيات التي سجّلها عناصر المخابرات الجوية، ولكن البيانات تتوافق إجمالا مع شهادات الشهود. فوفقا لأحد الشهود المطلعين الذي كان معتقلا في المزة، ربما تواترت الوفيات أثناء الاعتقال كثيرا في أشهر الصيف، إذ قاسى الناجون درجات حرارة مرتفعة فاقمت من ظروف الاكتظاظ في مرافق المزة وأدّت إلى اختناق كثير من المعتقلين. 37 وقدّر الشاهد أنّ٣٠-٣٥ معتقلا كانوا يموتون شهريا نتيجة للتعذيب وظروف المعيشة السيئة في المطار عام ٢٠١٢، . 38 وعند حساب المتوسط على مدار العام، يتوافق هذا التقدير مع بيانات المخابرات الجوية عن الوفيات أثناء الاعتقال خلال ٢٠١١-٢٠١٦.
هناك صعوبة أكبر في تحديد حجم الوفيات التي أعقبت أحكام الإعدام وتنفيذه. إذ يزعم شهود مطلعون من داخل المخابرات الجوية أنّ الإعدامات بدأت تجري في المطار نفسه، بعد إنشاء المحكمة الميدانية فيه بين منتصف عام ٢٠١٢ وأوائل عام ٢٠١٣. وجرت الإعدامات إما أسبوعيا أو كل أسبوعين، وكان يُعدم غالبا بين ١٥ إلى ٤٠ شخصا معا في وقت واحد في نفس حظيرة الطائرات التي كانت بها المحكمة الميدانية. 39 وأُعدم الضباطُ والجنودُ المتهمون بالانتماء إلى المعارضة السياسية رميًا بالرصاص، بينما أُعدم المدنيون شنقا في العادة. 40
لموت المعتقلين أثناء الاعتقال أو بإعدامهم وَقعٌ على طُرق التوثيق والتخلص من الجثث. فبالنسبة لأولئك الذين توفوا أثناء الاعتقال بين عامي ٢٠١١ و٢٠١٤ على الأقل، كان أفراد من المخابرات الجوية يجمعون جثثهم في الساحة المجاورة لمبنى فرع المهمات الخاصة. 41 ترأّس العميد محمد سليمان مكتبا طبيا تابعا للمخابرات الجوية لفّق منهجيّا تقارير تشير إلى أنّ المعتقلين توفوا بسبب سكتة قلبية أو فشل تنفسيّ – بصرف النظر عن سبب الوفاة الحقيقي؛ وقد توجد نسخ لبعض هذه التقارير لدى إدارة الخدمات الطبية، وهي كيان مستقل تماما عن المخابرات الجوية، أو في مشافٍ خاصة (يرجى النظر أدناه). 42 في المقابل، اكتنف عمليةَ توثيق وفيات المعتقلين الذين أُعدموا سريةٌ أكثر. إذ احتفظت لجنةُ المحاكم الميدانية العسكرية وإدارةُ فرع المهمات الخاصة بالتقارير التي أعدها المكتبُ الطبي نفسُه التابعُ للمخابرات الجوية في عهد محمد سليمان. 43 ولا تحتوي بياناتُ المخابراتِ الجويةِ المتاحةُ للعامة على معلومات حول أحكام من المحاكم الميدانية أو أوامر إعدام محددة. ولهذا، قد تكون للوثائق التي اطلع عليها المركز السوري للعدالة والمساءلة من فرع المهمات الخاصة في المزة أهميةٌ خاصةٌ لتسليط الضوء على مصير الآلاف الذين أُرسلوا إلى المحكمة الميدانية.
دُفن المعتقلون الذين أُعدموا في المزة بمعزل عن الذين ماتوا بسبب التعذيب أو سوء أوضاع المعيشة. ويتوافق هذا مع شهادات علنية سابقة أشارت إلى أنّ المخابرات الجوية تخلصت من جثث ضحايا الإعدام بطريقة مختلفة عن الذين ماتوا أثناء الاعتقال. 44 ووفقا لشهود، دفنت جرافاتٌ جثثَ الذين حُكم عليهم بالإعدام ثم أعدموا في حظيرة الطائرات التي استحالت محكمةً ميدانيةً بالقرب منها خلال المراحل الأولى من عمل المحاكم الميدانية داخل المزة.
في عامي ٢٠١٣ و٢٠١٤، نُقلت على الأقل بعضُ الجثث التي مات أصحابُها أثناء الاعتقال في المزة – لا إعداما – إلى مشفى ٦٠١ العسكري المجاور (مشفى المزة العسكري) الذي رُكمت فيه تلك الجثثُ مع جثث المعتقلين التي جُلبت من عدّة مراكز اعتقال أخرى في محيط منطقة دمشق. وكما كشفت وثائق مستقلة سابقة، رقّم الجثثَ موظفون في مشفى ٦٠١ العسكري – لا يلزم أنهم من المخابرات الجوية – ووضعوها في أكياس لدفنها في أحد المقابر المذكورة أدناه. وقد تكون هذه الأرقام هي «أرقام الفحص» التي حدّدها أطباء شرعيون في عدة مشافٍ عسكرية. 45 وليس واضحا ما إذا كانت هذه الأرقام تقابل أرقام المعتقلين في معتقلهم. وتشير بعض وثائق المخابرات الجوية التي اطلع عليها المركز السوري للعدالة والمساءلة، ومنها مذكرةٌ صادرة في آذار / مارس ٢٠١٣ من رئيس فرع المهمات الخاصة غسان إسماعيل إلى مدير المخابرات الجوية جميل حسن، إلى أنّ هذه الأرقام كانت مختلفة. ووفقا للمذكرة، نُقل معتقل توفي أثناء الاعتقال في المزة إلى مشفى ٦٠١ العسكري، حيث رُقّمت الجثة برقم يختلف عن رقم المعتقل (الملحق هـ). وقد تتبيّن أماكنُ الرفات بالبحث عن هذا الرقم في سجلات أجهزة المخابرات والأمن الأخرى التابعة لحكومة الأسد، وخاصة إيصالات الشرطة العسكرية التي كانت مسؤولة عن التعامل مع جثث كثير من المعتقلين الذين ماتوا في المعتقل.
تجدر الإشارة إلى أنه في المذكرة المذكورة أعلاه، زعم رئيس فرع المهمات الخاصة غسان إسماعيل أنّ المعتقل المعنيّ توفي «نتيجة تدهور حالته الصحية». ولكن كما ترسّخ، انتهجت حكومةُ الأسد تزوير تقاريرَ طبية تزعم أنّ المعتقلين الذين يكاد يتيقّن موتُهم أثناء الاعتقال نتيجةَ التعذيب قد ماتوا نتيجة مشاكل طبية. وخلال زيارة إلى مشفى ٦٠١ العسكري في تشرين الثاني / نوفمبر ٢٠١٣، لاحظ شاهدٌ مطّلعٌ أنّه كان واضحا على الجثث آثارٌ لتهتّكات واختناق يُرجّح أنّ سببها التعذيب. 46 وفي هذا السياق، تجدر الإشارة إلى أنّ بعض الجثث على الأقل في مشفى ٦٠١ العسكري تعود لمعتقلين ورد أنهم كانوا محتجزين في مطار المزة العسكري في الأشهر التي سبقت وفاتَهم أثناء الاعتقال. وفي بعض هذه الحالات، انقضت حوالي خمسة أشهر بعد اعتقال المخابرات الجوية للمعتقلين أوّل مرة إلى أن وُثّقت وفاتُهم. 47
أمّا المعتقلون الذين أُعدموا في المزة، فتمّ التخلّص بعملية مختلفة. فوفقا لضابط سابق في الشرطة العسكرية، أشرفت عادةً مفرزةُ إدارة الخدمات الطبية في المزة على دفن الجثث التي خلّفتها الإعدامات. إلّا أنه بعد عام ٢٠١١ ومع ازدياد حالات الإعدام الجماعي، بدأ عناصر المخابرات الجوية أيضا بالمشاركة في دفن الجثث، وغالبا ما فعلوا ذلك دون الرجوع إلى إدارة الخدمات الطبية بتاتا. 48
ينبغي ملاحظة أنّ المزة استقبلت كذلك في عام ٢٠١٢ جثث الذين قُتلوا في المداهمات والاشتباكات في المناطق المجاورة مثل معضمية الشام وداريا. ولاحظ شهودٌ مطّلعون أنّ عناصر المخابرات الجوية رمَوا جثث هؤلاء المعتقلين في الأماكن العامة ترهيبا للسكان المحليين أو أخذوها لدفنها في مقابر جماعية خارج المطار دون توثيق هويات أصحابها (يرجى النظر أدناه). 49 وفي حالة منتصف عام ٢٠١٢، رأى شاهدٌ مطّلع خمس سيارات مليئة بالجثث التي جُلبت إلى المزة لدفنها خارج المطار. 50 وتشير وثائقٌ للمخابرات الجوية من المزة إلى أنّ الأحداث المتعلّقة بداريا كانت مهمة جدا لوفيات المعتقلين في المطار: فمن بين ٥٣٢ حالة وفاة لمعتقلين سُجّلت بين آذار / مارس ٢٠١١ وآب / أغسطس ٢٠١٣، يُزعم أنّ ٢٠ منها وقعت في آب / أغسطس ٢٠١٢ خلال ذروة الهجمات على داريا. 51
الـــمـــقابـــر
تمكّن المركزُ السوري للعدالة والمساءلة ورابطةُ معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا عن طريق إجراء مقابلات مع شهود مطلعين من تحديد سبعة مواقع يُرجّح أنّ المعتقلين الذين ماتوا في المزة دُفنوا فيها (الصورة ٩). غير أنّ معظم شهادات الشهود حتى الآن ركّزت على ثلاثة من هذه المواقع، فكانت بؤرةَ هذا القسم من التقرير. وتشمل هذه المواقع مقابرَ في جديدة الفضل، وفي قصر المؤتمرات في نجها، وداخل مجمع مطار المزة نفسه. واعتمد جزئيا قرارُ إرسال جثث المعتقلين إلى هذه المقابر أو تلك على طبيعة وفيات المعتقلين والعوامل الطارئة على الأرض مثل سلامة طرق المواصلات من المزة. ويتوافق التحليل الأوليّ لصور الأقمار الصناعية مع شهادات الشهود.
جديدة الفضل
تقع مقبرة جديدة الفضل جنوب غرب المزة على أطراف بلدة جديدة عرطوز وقرب قاعدة الفرقة العاشرة للجيش السوري، وأفادت تقارير بأنها استُخدمت لدفن المعتقلين الذين توفوا أثناء الاعتقال بين منتصف عام ٢٠١١ وأواخر عام ٢٠١٣ على الأقل. ووفقا لشاهد عمل في فرع المهمات الخاصة وكان معتقلا في المزة في فترات معينة بين أوائل عام ٢٠١١ ومنتصف عام ٢٠١٢، تولّى عناصر المخابرات الجوية من المزة مهمة الدفن في هذا الموقع تحديدا، وبعد التعامل مع الجثث في مشفى ٦٠١ العسكري أحيانا. رقّم عناصر المخابرات الجوية جثثَ المعتقلين بأرقام مكانَ هوياتهم، ثم دُفنت الجثث معا في المقبرة الجماعية. 52 وفي تلك الفترة، كانوا يغادرون المطار بمركبات محمّلة بجثث المعتقلين وجثث الذين قُتلوا خلال المداهمات في الأحياء المجاورة. 53 ورغم احتمال أنّ مقبرة جديدة الفضل استخدمها عناصر المخابرات الجوية في وقت مبكر من آب / أغسطس ٢٠١١، إلّا أنّ استخدامها كان أكثر من غيره عام ٢٠١٢ في سياق المداهمات في داريا. ولعدة أشهر في ذلك العام، شاهد عنصر سابق في المخابرات الجوية آنذاك نحو ١٠ إلى ١٥ جثة تُنقل بالسيارات إلى المقبرة. ورغم أنّ كثيرا من هؤلاء الضحايا ماتوا على الأرجح أثناء الاعتقال، إلّا أنّ آخرين منهم قُتلوا قبل جلبهم إلى المزة لنقلهم إلى جديدة الفضل. 54 وليس واضحا ما إذا توقفت المخابرات الجوية عن استخدام هذا الموقع ومتى حدث ذلك. فمن ناحية، شهد أحد الشهود في جديدة الفضل عمليات حفر في المواقع وسمع تقارير عن إنشاء مقبرة جماعية في نيسان / أبريل ٢٠١٣. 55 وحدث ذلك في سياق مجزرة جديدة الفضل التي شاركت فيها مفارز قريبة للفرقة الرابعة في الجيش العربي السوري (الموجودة أيضا في مجمع المزة) في قتل مئات من السكان المحليين. ومن ناحية أخرى، وبحلول عام ٢٠١٣، أفادت تقارير أنّ المخابرات الجوية كانت تستخدم مواقع أخرى لدفن جثث المعتقلين الذين ماتوا أثناء اعتقالهم في المزة.
بعد زيارة منطقة جديدة الفضل في شهر شباط عام ٢٠٢٥ قد وثق المركز السوري للعدالة المساءلة ورابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا وجود ما يشبه قبور فردية في محيط مقبرة يزعم السكان المحليين أنهم أنشأوها في أعقاب مجزرة جديدة الفضل أواخر عام ٢٠١٣. قد أدعى أيضا هؤلاء السكان أنه هناك مقابر جماعية في المنطقة – وربما توجد في محيط الفوج 100 المدفعي الذي يطل على المقبرة – ويقصد المركز السوري للعدالة والمساءلة التحقق من هذه الادعاءات لكي يتاكد إذا كانت هذه المقابر المفترضة نفس المقبرة التي أشار إليها شهود المخابرات الجوية.
مقبرة قصر المؤتمرات
أمّا المقبرة الثانية التي قرنها المركزُ السوري للعدالة والمساءلة ورابطةُ معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا بمطار المزة العسكري فكانت مقبرةَ قصر المؤتمرات في نجها في الضواحي الجنوبية لدمشق. ويبدو أنّ هذا الموقع استُخدم خصيصا لدفن المعتقلين الذين ماتوا أثناء اعتقالهم في المزة، ويرجع ذلك جزئيا إلى وجود مفرزة تابعة للمخابرات الجوية في هذا الموقع. وطبقا لشاهد عمل سابقا في المخابرات الجوية، رافق عناصر المخابرات الجوية عامَي ٢٠١٣ و٢٠١٤ الشاحنات إلى قصر المؤتمرات مرارا، ونَدَر دخولُهم إلى محيط مجمع القصر نفسه. ولكن هذا الشاهد استطاع مرةً دخول المجمع وشاهد بنفسه شاحنات تلقي الجثث في حفر كانت تقع مباشرةً غرب مبنى قصر المؤتمرات، وبدا أنها حُفرت سابقا باستخدام آلات ثقيلة. وبعد إلقاء الجثث في الحفر، ردمت الشاحنات القبور. 56 وتُظهر صور الأقمار الصناعية أنّ التغيرات في التربة تتوافق مع حفر القبور الذي حدث في الموقع وذكره الشاهد، أولا في أواخر عام ٢٠١٢ ثم مرة أخرى في النصف الثاني من عام ٢٠١٣. (الصورتان ١١ و١٢). ووفقا لشاهد آخر، اعتمد عادةً قرارُ نقل جثث المعتقلين إلى المقابر في نجها، ومنها التي عند قصر المؤتمرات، على مدى أمان الطرق من المشافي العسكرية؛ فإن لَم يكن الطريق آمنا بسبب الاشتباكات، كانت تُنقل الجثثُ إلى مواقع أخرى في منطقة دمشق (كمقبرة جديدة الفضل). 57 وفي زيارة إلى موقع قصر المؤتمرات في كانون الأول / ديسمبر ٢٠٢٤، وجدت رابطةُ معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا أنّ ثَمّة مقابر جماعية يُزعم أنها حُفرت في مواقع أخرى في الجوار. ولا يزال غامضا وقتُ حفر هذه المقابر الأخرى المزعومة وكم أخلّت بهذه المواقع أعمالُ البناء عند قصر المؤتمرات منذ عام ٢٠١٧.
مطار المزة العسكري
تقع المقبرة الثالثة المحتملة التي وثقها المركزُ السوري للعدالة والمساءلة ورابطةُ معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا في مطار المزة نفسه. ووفقا لعدة عناصر سابقين في المخابرات الجوية، هناك مقبرتان جماعيتان على الأقل يُرجّح أنّ جثث المعتقلين الذين توفوا في المطار عامَي ٢٠١٣ و٢٠١٤ طُمرت فيهما. تقع أولاهما قرب حظيرة الطائرات التي قُلبت محكمةً ميدانيةً على الطرف الجنوبي الغربي من مجمع المطار، حيث حُفرت خنادقُ بآلات ثقيلة في نفس الوقت الذي بدأت فيه المحكمة الميدانية العمل عامَ ٢٠١٣، كما ادعى عنصر سابق في المخابرات الجوية. ويعتقد الشاهد نفسه أنّ هذه الخنادق استُخدمت موقعا للدفن في ذلك العام تحديدا، ولكنها لم تعد تُستخدم بحلول عام ٢٠١٥ نتيجة لنفس الاشتباكات التي أوقفت استخدام حظيرة الطائرات محكمةً ميدانية. 58 وأشار عنصر سابق آخر من المخابرات الجوية إلى إلى أنّ نفس الموقع كان مقبرة جماعية، غير أنه لا يعرف متى حُفرت. 59 وأكدت زيارة المركز السوري للمساءلة والعدالة والمساءلة للموقع في كانون الأول / ديسمبر ٢٠٢٤ وجودَ تلال ترابية يبدو أنها كانت خنادق (الصورة ١٢). وقد تكون هذه هي المقبرة الجماعية التي أشارت إليها سابقا شهاداتٌ عامةٌ حول المزة. 60
تقع المقبرة الجماعية الثانية المحتملة التي وثقها المركز السوري للعدالة والمساءلة في حديقة قرب مبنى فرع التحقيق. ووفقا لشاهد مطلع عمل في المزة، أمره رؤساؤه في مرحلة ما خلال فترة عمله في المطار وعناصرَ آخرين من المخابرات الجوية بقطع نحو ثلث أشجار الزيتون في هذه الحديقة. وحفروا عددا من الخنادق بطول ١٥ مترا وعرض مترين إلى ٣ أمتار تقريبا قبل أن يُمنحوا إجازة مدفوعة الأجر لأسبوع؛ وبعد عودتهم إلى العمل، وجدوا الخنادق مردومة. 61 وتكشف صور الأقمار الصناعية عن حدوث اختلافات في التربة في هذا الموقع بين كانون الثاني / يناير ونيسان / أبريل ٢٠١٤، على نحوٍ يتّسق مع حفر القبور (الصورة ١٣). وعندما زار المركز السوري للعدالة والمساءلة مطارَ المزة العسكري في كانون الأول / ديسمبر ٢٠٢٤، وثّق المركزُ ست تلال ترابية طويلة في حديقة فرع التحقيق تتماشى تماما مع شهادة الشاهد (الصورة ١٤).
لا يزال مبهما مَن هم المعتقلون الذين دُفنوا في مقابر مطار المزة العسكري، رغم أنّ التحليل الأوليّ يشير إلى أنهم كانوا ضحايا الإعدامات التي أعقبت إصدار أحكام بها في محاكمات المحاكم الميدانية. ففي نهاية المطاف، جاورت هذه المقابرُ موقعَ المحكمة الميدانية وحظائر الطائرات التي اتُّخذت مقرّا للإعدام. وكما رأينا، أُرسل عادةً المعتقلون الذين توفوا أثناء الاعتقال في المزة إلى مشفى عسكري ثم إلى نجها أو جديدة الفضل أو مقابر جماعية أخرى. وقد تتبيّن هذه المسألةُ أكثر بعد إجراء مزيد من المقابلات مع الشهود وتحليل أكثر لوثائق المخابرات الجوية وبياناتها.
الخاتمة: آفاق التحقيقات المستقبلية
يُتوِّج هذا التقريرُ تحقيقا بدأ قبل أن تَخِرّ حكومة الأسد، مع ومضة أمل في إمكانية أن يُعمل بنتائجه حالا في البحث عن المفقودين. وكان الهدف الأصلي منه تبيانُ كيف يمكن افتراضيا أن تُطبَّق منهجيةُ البحث التي طوّرها المركز السوري للعدالة والمساءلة في سياق ما بعد داعش في شمال شرق سوريا عند العمل في سياق الاختفاء القسري على يد حكومة الأسد. وقد أظهر هذا التقرير فعلا كيف يمكن لجهود التوثيق التي تتمحور حول العائلات وللتحقيقات المتعمقة في مرافقِ اعتقالٍ ومقابرَ معينةٍ أن تكشف عن مصير المفقودين وأماكن وجودهم، فضلا عن تسهيل اختبارات الحمض النووي المحددة اللازمة لتحديد هوية الرفات الذي سيُستخرج من المقابر الجماعية يوما ما. وبذلك يكون التقرير قد سلط ضوءا أيضا على أحد أكبر مرافق الاعتقال في سوريا وأقلِّها دراسة في حقبة الأسد.
بَيْدَ أنّ التغيير المفاجئ في المشهد السياسي السوري أتاح وضع خطط فورية يمكن أن تعملَ وفق نتائج هذا التحقيق وتدعمَ بحثا أوسع وأشمل عن المعتقلين والمختفين. وفي الأشهر المقبلة، سيواصل المركز السوري للعدالة والمساءلة توثيق وحفظ الأدلة من مراكز الاعتقال التابعة للمخابرات الجوية والمقابر التي تحّراها بالتعاون مع رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا. وفي هذا السياق، سيُجري المركز مقابلات أخرى مع الشهود والناجين الذين يمكنهم أن يؤكدوا النتائج الأولية ويوفروا سياقا عن وثائق المخابرات الجوية وبياناتها. وفي الوقت نفسه، بدأ المركز السوري للعدالة والمساءلة في فهرسة الوثائق التي جمعها من مرافق المخابرات الجوية وتحليلها بصورة منهجية. ويمكن تكييف نفس النهج ليتواءم مع مواقع أخرى للاختفاء القسري، مثل سجن صيدنايا أو سجون ومراكز اعتقال محلية أخرى على مستوى المحافظات. وستكون المشاركة الفاعلة لهذه العائلات والثقة التي يمنحونها أمرا حاسما في كافة هذه الجهود، كما كان الحال في عمل المركز السوري للعدالة والمساءلة في توثيق حالات الاختفاء في المناطق التي كان يسيطر عليها تنظيم داعش فيما مضى.
في الأشهر المقبلة، هناك تدابير يمكن أن تتخذها السلطات السورية خصوصا لدعم تحقيقات الطب الشرعي في مصير المفقودين – سواء في مطار المزة العسكري أو في غيره من مراكز الاعتقال السابقة والمقابر في سوريا – على غرار ما قدمه هنا المركزُ السوري للعدالة والمساءلة ورابطةُ معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا.
تـــوصـــيات
أمّنوا مراكز الاعتقال والأفرع العسكرية والأمنية المعنية. إذ ستكون الوثائقُ الفعلية في هذه المواقع جوهريةً للتحقيقات المستقبلية ويجب الحفاظ عليها لتحليلها. وينبغي أن تُصان هذه المواقع من التغييرات المادية (كطلاء جدرانها) إلى أن يتم التحقيق فيها بصورة شاملة مستفيضة. فقد تحوي بعض المواقع أدلةً كأسماء السجناء المحفورة على الجدران.
صونوا المقابر الجماعية للتحقيق فيها مستقبلا بحراسة المواقع المعروفة عموما والمعرضة لخطر العبث أو الإخلال بها. وينبغي أن تُنبّأ السلطاتُ المجتمعاتِ المحليةَ بوضوح بأهمية الحفاظ على أدلة المقابر. إذ إنّ العبث بالمقابر أو استخراج الرفات لغرض ما دون تحضير مناسب أو خبرة في الطب الشرعي سيُضِرّ بالأدلة ويقلل من احتمال التعرف على الرفات مستقبلا.
اجتمعوا مع عائلات المفقودين والناجين من الاعتقال. فإن لم يكن لدى العائلات ثقة في قدرة الحكومة الجديدة أو عزمها على البحث عن أحبائها، فلن تنجح عملية تحديد الهوية أبدا.
امنحوا المؤسّسة المستقلّة المعنيّة بالمفقودين في الجمهورية العربية السورية (IIMP) التابعة للأمم المتحدة إذنا بالسفر بحرية، والوصول إلى المرافق، تأسيس حضور دائم في البلاد. فرغم أنّ العملية يجب أن تكون بقيادة سورية في نهاية المطاف، إلّا أنّ الحكومة الجديدة ستحتاج إلى موارد دولية مديدة وخبرات متخصصة في الطب الشرعي لتحقيق النجاح، ويمكن أن يكون لهذه المؤسسة دورٌ في تأمين هذا كله. استمرّوا في الاجتماع مع منظمات المجتمع المدني السورية المعنية وعائلات المفقودين لمناقشة تشكيل عمليات تخص المفقودين.
عيّنوا في وزارة العدل مسؤولا عن جهود البحث عن المفقودين خلال الفترة الانتقالية. وقبل بدء التحقيقات الرسمية، يمكن لهذا المسؤول أن يبدأ في بناء جسور مع العائلات لفهم احتياجاتهم وأولوياتهم، وكذلك مع مختلف المنظمات الدولية ومنظمات المجتمع المدني التي قد تشارك في تحقيقات مستقبلية.
الملحقات:
وثائق من المخابرات الجوية صوّرها المركزُ السوري للعدالة والمساءلة في مطار المزة العسكري، ١٩-٢٦ كانون الأول / ديسمبر ٢٠٢٤
الملحق أ: طلبٌ من رئيس فرع التحقيق عبد السلام محمود إلى المدعي العام في ريف دمشق للموافقة على اعتقال ١٩ شخصا بتهمة الترويج لمظاهرات مناهضة للحكومة؛ الخطاب مؤرخ في ٦ حزيران / يونيو ٢٠١١ وحُجبت بعض معلوماته.
الملحق ب: مذكرة من رئيس فرع المهمات الخاصة غسان إسماعيل إلى رئيس فرع التحقيق عبد السلام محمود، يبلغه فيها باعتقال خمسة أشخاص بحجة مشاركتهم في المظاهرات؛ المذكرة مؤرخة في ٩ تموز / يوليو ٢٠١١ وحُجبت بعض معلوماتها.
الملحق ج: مذكرة من رئيس فرع المهمات الخاصة غسان إسماعيل يؤكد فيها اعتقال شخص بأوامر مباشرة من مدير المخابرات الجوية جميل حسن؛ المذكرة مؤرخة في ١٠ كانون الأول / ديسمبر ٢٠١٢ وحُجبت بعض معلوماتها.
الملحق د: مذكرة من فرع المهمات الخاصة إلى فرع التحقيق، يخطره فيها بنقل ثلاثة معتقلين، اعتُقل اثنان منهما أولا عند حاجز قبل أن يتبيّن أنهما مطلوبان سابقا للمخابرات الجوية؛ المذكرة مؤرخة في ٢١ آذار / مارس ٢٠١٨.
الملحق هـ: مذكرة من رئيس فرع المهمات الخاصة غسان إسماعيل يبلّغ فيها عن وفاة معتقل في معتقله، وكان اعتقالُه بطلب من مدير المخابرات الجوية جميل حسن؛ المذكرة مؤرخة في ٣ آذار / مارس ٢٠١٣.
[1] المركز السوري للعدالة والمساءلة، «إحياء الأمل: البحث عن ضحايا داعش من المفقودين» (واشنطن العاصمة: المركز السوري للعدالة والمساءلة، ٢٠٢٢)؛ المركز السوري للعدالة والمساءلة، «سجن سد المنصورة التابع لتنظيم داعش سابقا: التحقيق في مصير المعتقلين» (واشنطن العاصمة: المركز السوري للعدالة والمساءلة، ٢٠٢٤).
[2] رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا، «تُجري رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا مسحا ميدانيا مكثفا لسجون المخابرات الجوية في دمشق»، https://www.admsp.org/en/contact-us-2-2/
[3] الشهادة المعنية وردت خلال محاكمة أنور رسلان التي راقبها المركز السوري للعدالة والمساءلة ضمن برنامجه لمراقبة المحاكمات. للاطلاع على ملخصات لشهادات الشهود في هذه المحاكمة وغيرها التي راقبها المركز، يرجى زيارة هذا الرابط https://ar.syriaaccountability.org/trial-monitoring
[4] المقابلة التي أجرتها رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا مع الشاهد ا.ر، ٣٠ أيلول/سبتمبر ٢٠٢٤؛ المقابلة التي أجرتها الرابطة مع الشاهد ا.ه، ٤ أيار/مايو ٢٠٢٤؛ المقابلة التي أجرتها الرابطة مع الشاهد ه.ت، ٧ أيار/مايو ٢٠٢٤. في تشرين الثاني/نوفمبر ٢٠٢٤، فرضت الحكومة الأمريكية عقوبات على عبد السلام محمود. يرجى زيارة الرابط https://www.state.gov/marking-one-year-since-icj-provisional-measures-against-syria-with-designation-of-syrian-official-due-to-involvement-in-gross-violations-of-human-rights/
[5] توصّل المركز السوري للعدالة والمساءلة إلى هذه الأرقام بجمع الأرقام الإجمالية لقوائم المعتقلين في ١٠ أوراق ضمن ملف للمخابرات الجوية بعنوان «سجون فرع التحقيق» وقائمة المعتقلين في ملف للمخابرات الجوية بعنوان «وفيات». واختيرت هاتان القائمتان لأنه لا يبدو فيهما أسماء مكررة. ويجدر بالذكر في هذا السياق أنه لا يشمل الرقم الأسماء المندرجة في ورقة بعنوان “اخلاء سبيل” لأنها قد تحتوي على بعض الأسماء المشار إليها في الأوراق الأخرى (لو تم الاحصاء بناء على بيانات هذه الورقة لبلغ العدد الكلي ٣٧،٠٧٩).
[6] يرجى الاطلاع على قوائم المعتقلين في فرع المهام الخاصة، في ملف للمخابرات الجوية بعنوان «مواقيف السجن ٣/١٠/ ٢٠١٨».
[7] تواصل رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا مع الشاهد ا.ر، ٢٤ تشرين الأول/أكتوبر ٢٠٢٤.
[8] تضمنت الفروع الإقليمية للمخابرات الجوية فرعَ حلب الذي يقع في منطقة حلب الجديدة؛ والفرع الجنوبي الذي يقع في حرستا وشمل محافظات السويداء ودرعا والقنيطرة وريف دمشق؛ والفرع الأوسط الذي يقع في مدينة حمص وشمل محافظتي حمص وحماة بالإضافة إلى مدينتي طرطوس واللاذقية؛ والفرع الشرقي الذي يقع في مدينة دير الزور وشمل مناطق من محافظات دير الزور والرقة والحسكة.
[9] منظمة العفو الدولية، «إنه يحطِّم إنسانيتك: التعذيب والمرض والموت في سجون سوريا» (لندن: منظمة العفو الدولية، ٢٠١٦)، ٣٩، ٥٠.
[10] تحتوي قوائم معتقلي المخابرات الجوية على معلومات عن أماكن ميلادهم وعناوينهم الدائمة وقت الاعتقال. ومن الضروري إجراء تحليل نوعي ومنهجي أكثر لهذه المعلومات.
[11] يرجى الاطلاع على ورقة «الإحالة» في ملف المخابرات الجوية بعنوان «سجون فرع التحقيق». وحول «قرى الأطفال» التابعة لمنظمة SOS، يرجى الاطلاع على «قرى SOS الخاضعة لسيطرة أسماء الأسد متورطة في اختفاء أطفال المعتقلين»، العربي الجديد، ٦ كانون الثاني/يناير ٢٠٢٥، https://www.newarab.com/video/asma-al-assads-sos-villages-linked-disappeared-children
[12] المقابلة التي أجراها المركز السوري للعدالة والمساءلة مع الشاهد ا.ا، ١٠ تشرين الأول/أكتوبر ٢٠٢٣
[13] توثيق حالات الاختفاء القسري في ظل حكومة الأسد شاسع. ويمكن الاطلاع على إحدى الدراسات بمراجعة إحداها من منظمة العفو الدولية، «إنه يحطِّم إنسانيتك».
[14] المقابلة التي أجرتها رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا مع الشاهد ا.ر، ٢٤ تشرين الأول/أكتوبر ٢٠٢٤.
[15] المقابلة التي أجرتها رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا مع الشاهد ج.ل، ٢٣ تموز/يوليو ٢٠٢٤؛ والمقابلة التي أجرتها رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا مع الشاهد ا.ج، ١٢ آب/أغسطس ٢٠٢٤.
[16] المجلس السوري البريطاني، «داريا بعد عقد من الزمن» (لندن، المجلس السوري البريطاني، ٢٠١٢)، ٢٣ – ٢٤، https://www.syrianbritish.org/_files/ugd/3f0228_9692027311a44c9faa8ebe28afea906a.pdf
[17] المقابلة التي أجرتها رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا مع الشاهد ا.ه، ٤ أيار/مايو ٢٠٢٤. ويرجى الاطلاع أيضا على ورقة «إحالات الأفرع وتحت التصرف» في ملف المخابرات الجوية بعنوان «سجون فرع التحقيق».
[18] يرجى الاطلاع أيضا على ورقتي «الإحالة» و«إخلاء السبيل» في ملف المخابرات الجوية بعنوان «سجون فرع التحقيق».
[19] المقابلة التي أجرتها رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا مع الشاهد ا.ر، ٢٣ أيلول/سبتمبر ٢٠٢٤.
[20] المقابلة التي أجرتها رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا مع الشاهد ا.ه، ٤ أيار/مايو ٢٠٢٤.
[21] المقابلة التي أجرتها رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا مع الشاهد ا.ر، ٤ تشرين الأول/أكتوبر ٢٠٢٤.
[22] يرجى الاطلاع على ورقة «المشفى» في ملف المخابرات الجوية بعنوان «سجون فرع التحقيق».
[23] المقابلة التي أجرتها رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا مع الشاهد ا.ر، ٣٠ أيلول/سبتمبر ٢٠٢٤.
[24] وثيقة من المخابرات الجوية بعنوان «أسماء موقوفين قيد الإحالة إلى محكمة ميدانية عسكرية».
[25] المقابلة التي أجرتها رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا مع الشاهد B0، ١١ أيار/مايو ٢٠٢٤.
[26] يرجى الاطلاع على ورقة «الإحالة» في ملف المخابرات الجوية بعنوان «سجون فرع التحقيق». يبدو أنّ معظم هذه الحالات تعود إلى آذار/مارس ٢٠١٤.
[27] عن هجوم الثوار على المزة، يرجى مراجعة: سوريا على طول، «نشرة الأخبار ٨- ٦- ١٥» (٦ آب/أغسطس ٢٠١٥)، https://syriadirect.org/syria-direct-news-update-8-6-15/
[28] المقابلة التي أجرتها رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا مع الشاهد ا.ر، ٣٠ أيلول/سبتمبر ٢٠٢٤؛ والمقابلة التي أجرتها الرابطة مع الشاهد ا.ر، ٢١ تشرين الأول/أكتوبر ٢٠٢٤.
[29] المقابلة التي أجرتها رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا مع الشاهد ا.ر، ٣٠ أيلول/سبتمبر ٢٠٢٤.
[30] المقابلة التي أجرتها رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا مع الشاهد B0، ١١ أيار/مايو ٢٠٢٤.
[31] لمقابلة التي أجرتها رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا مع الشاهد B0، ١١ أيار/مايو ٢٠٢٤.
[32] وتحديدا ١٨،٣٣١ حالة إحالة و٨،٢٧٠ حالة إخلاء سبيل؛ أنظر، على التوالي، الورقتين بعنوانين ”الإحالة” و”إخلاء سبيل” ضمن ملف المخابرات الجوية بعنوان ”سجون فرع التحقيق.” لم يتأكد المركز السوري للعدالة والمساءلة بعد إذا كانت نفس الأسماء تتكرر بين اللائحتين المختلفتين.
[33] المقابلة التي أجرتها رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا مع الشاهد B0، ١١ أيار/مايو ٢٠٢٤.
[34] وفقا لمنظمة هيومن رايتس ووتش، كان على ٣٥٢ جثة ظهرت في صور قيصر علامة (حرف الجيم) تحدد بوضوح أنّ المعتقلين احتُجزوا في المخابرات الجوية. يرجى الاطلاع على هيومن رايتس ووتش، «لو تكلم الموتى: الوفيات الجماعية والتعذيب في المعتقلات السورية» (نيويورك: هيومن رايتس ووتش، ٢٠١٥)، ٤، ٣٣. لمّحت هيومن رايتس ووتش ضمنا أنّ العلامة كانت تشير إلى مرفق اعتقال محدد وليس إلى المخابرات الجوية بصفتها كيانا إداريا بحد ذاته. ورغم أنه يُحتمل انخراط منشآت أخرى للمخابرات العسكرية مثل فرع حرستا، إلّا أنّ شهادات الشهود ووثائق المخابرات الجوية وبياناتها تشير بقوة إلى أنّ هذه الجثث الـ ٣٥٢ تعود لمعتقلين في مطار المزة العسكري تحديدا.
[35] وثيقة من المخابرات الجوية بعنوان «لائحات الوفيات من تاريخ ١٥-٣-٢٠١١ حتى ٣١- ٨- ٢٠١١».
[36] يرجى الاطلاع على ورقة «الوفاة»، و«المواقيف المحالين»، و«الإحالة» في ملف المخابرات الجوية بعنوان «سجون فرع التحقيق».
[37] هيومن رايتس ووتش، «لو تكلم الموتى»، ٢١.
[38] المقابلة التي أجرتها رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا مع الشاهد ا.ر، ٢١ تشرين الأول/أكتوبر ٢٠٢٤.
[39] المقابلة التي أجرتها رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا مع الشاهد B0، ١١ أيار/مايو ٢٠٢٤.
[40] المقابلة التي أجرتها رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا مع الشاهد ا.ر، ٣٠ أيلول/سبتمبر ٢٠٢٤.
[41] المقابلة التي أجرتها رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا مع الشاهد ا.ه، ٤ أيار/مايو ٢٠٢٤.
[42] المقابلة التي أجرتها رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا مع الشاهد ا.ر، ٢٣ تشرين الأول/أكتوبر ٢٠٢٤.
[43] المقابلة التي أجرتها رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا مع الشاهد B0، ١١ أيار/مايو ٢٠٢٤.
[44] المركز السوري للعدالة والمساءلة، «محاكمة أنور رسلان وإياد الغريب: تقارير المحاكمة ١- ٥٨، ٢٣ نيسان/أبريل ٢٠٢٠ – ١٣ كانون الثاني/يناير ٢٠٢٢» (واشنطن العاصمة: المركز السوري للعدالة والمساءلة، ٢٠٢٣)، ٢٥٥.
[45] هيومن رايتس ووتش، «لو تكلم الموتى»، ٧.
[46] المقابلة التي أجرتها رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا مع الشاهد ا.ر، ٢١ تشرين الأول/أكتوبر ٢٠٢٤.
[47] هيومن رايتس ووتش، «لو تكلم الموتى»، ٤٢، ٧٧.
[48] المقابلة التي أجرتها رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا مع الشاهد B0، ١١ أيار/مايو ٢٠٢٤.
[49] المقابلة التي أجرتها رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا مع الشاهد ا.ه، ٤ أيار/مايو ٢٠٢٤.
[50] المقابلة التي أجرتها رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا مع الشاهد ا.ه، ٤ أيار/مايو ٢٠٢٤.
[51] وثيقة من المخابرات الجوية بعنوان «لائحات الوفيات من تاريخ ١٥-٣-٢٠١١ حتى ٣١- ٨- ٢٠١١».
[52] المقابلة التي أجرتها رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا مع الشاهد ا.ه، ٤ أيار/مايو ٢٠٢٤.
[53] المقابلة التي أجرتها رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا مع الشاهد ا.ه، ٤ أيار/مايو ٢٠٢٤؛ والمقابلة التي أجرتها الرابطة مع الشاهد ا.ر، ٣٠ أيلول/سبتمبر ٢٠٢٤.
[54] المقابلة التي أجرتها رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا مع الشاهد ه.ت، ٧ أيار/مايو ٢٠٢٤.
[55] المقابلة التي أجرتها رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا مع الشاهد س.ا، ٥ أيار/مايو ٢٠٢٤.
[56] المقابلة التي أجرتها رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا مع الشاهد ا.ر، ٢١ تشرين الأول/أكتوبر ٢٠٢٤.
[57] المقابلة التي أجرتها رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا مع الشاهد B0، ١١ أيار/مايو ٢٠٢٤.
[58] المقابلة التي أجرتها رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا مع الشاهد ا.ر، ٣٠ أيلول/سبتمبر ٢٠٢٤؛ والمقابلة التي أجرتها الرابطة مع الشاهد ا.ر، ٢٣ تشرين الأول/أكتوبر ٢٠٢٤.
[59] تواصل المركز السوري للعدالة والمساءلة مع الشاهد و.س، ١٩ كانون الأول/ديسمبر ٢٠٢٤.
[60] في محاكمة أنور رسلان وإياد الغريب، نقل الشاهد P14 رواية عن أحدهم حول كيفية دفن عناصر المخابرات الجوية معتقلين «تحت المدرج» في المطار؛ يرجى الاطلاع على: المركز السوري للعدالة والمساءلة، «محاكمة أنور رسلان»، ٢٥٩.
[61] تواصل المركز السوري للعدالة والمساءلة مع الشاهد ا.ج، ١٩ كانون الأول/ديسمبر ٢٠٢٤.
المركز السوري للعدالة والمساءلة