سوريا حرة إلى الأبد: مقالات وتحليلات 28 شباط 2025

حرية إلى الأبد: كل المقالات والتحليلات والحوارات التي تناولت انتصار الثورة السورية اعتبارا من 08 كانون الأول 2024، ملاحقة يومية دون توقف تجدها في الرابط التالي:
سقوط بشار الأسد، الرئيس الفار والمخلوع
————————-
الحوار الوطني السوري: محتوى إيجابي وشكل متعثر/ صبحي حديدي
تحديث 28 شباط 2025
حقل الاختصاص، في اللائحة الاسمية للمدعوات والمدعوين إلى مؤتمر الحوار الوطني السوري، الذي انعقد مؤخراً في دمشق (وهي ليست وثيقة رسمية، لأنّ هذه السطور تعتمد ما نُشر في موقع «زمان الوصل») يتضمن تنويعات مهنية شتى، تبدأ من الطبيب والجراح والمهندس والأستاذ الجامعي، ولا تنتهي عند منشد ثوري» و«راهب دكتور في العلوم الكتابية» و«شيخ قبيلة وتاجر». ثمة، في المقابل، اختصاصات طريفة، مثل «إصلاح البناء والدستور» أو «حضور العشاء والمؤتمر» أو «نائب اتحاد العام للفلاحين» حرفياً، أو «عضو في الائتلاف الوطني سابقاُّ»…
هذا تفصيل شكلي بالطبع، يخصّ بعض القصور الإداري، ولا يمسّ الجوهر، لكنه لا يصحّ أن يُعزل، أو يُستبعد تماماً، عن أنساق تقصير أخرى يتوجب ألا تُصنّف في خانة الشكليات، أو الأخطاء الثانوية. هذه اللائحة المعتمدة هنا، أوّلاً، لأنها لم تقترن بأيّ مقدار من الشفافية حول معايير دعوة هذه المواطنة أو ذاك المواطن، ولأنّ المعيار «المجتمعي» المعلَن لم يكن غائماً وفضفاضاً ومضللاً، فحسب، بل أسفر، عملياً، عن تكريس درجات ضارّة ومعيبة من الانتقائية المسبقة.
صحيح في المقابل، ومن باب إنصاف عمل اللجنة التحضيرية، أنّ تنوّع الاختصاصات كان واسعاً وشاملاً، إلى درجة تمييع صفة التخصص الفعلية في بعض الأمثلة (كأن يختصّ أحد بـ«المجتمع المدني» وأخرى بـ«دعوة لحضور المؤتمر العام») وكان هذا العنصر كفيلاً بإضفاء روحية التنويع والتعدد على النقاشات في المحاور الستة الشاملة، بالفعل، للقسط الأعظم من مشكلات المرحلة الانتقالية ومقتضياتها: العدالة الانتقالية، البناء الدستوري، الإصلاح المؤسسي، الحريات العامة والحياة السياسية، المبادئ الاقتصادية العامة، دور منظمات المجتمع المدني في تأسيس وبناء الدولة السورية. هنا، أيضاً، لم تتوفر الحدود الدنيا من الشفافية حول المعايير التي اعتمدتها اللجنة التحضيرية لتوزيع المشاركين على قاعات مناقشة المحاور، الأمر الذي كان سيصادق على، أو يطعن في، جدارة هذا أو ذاك للخوض في ملفات شائكة ينطوي عليها كلّ محور.
مرجّح استطراداً/ وحتى تتكشف جملة كافية من الحقائق، أنّ اللجان المتفرعة وُضعت أمام مسودات أوراق معدّة مسبقاً، لم تُمنع المناقشة حولها (كما شهد عدد من المشاركين) ولكن في الآن ذاته لم تُمنح الفرصة للتدخل الواسع في الصياغات النهائية، إنْ لم يكن بقرار تنظيمي مسبق حتّم هذه الصيغة المتعجلة من الإقرار، فعلى الأقلّ لأنّ الزمن المتاح كان قصيراً، على نحو قياسي لم يتجاوز ساعات معدودة. في عبارة أخرى، يصحّ الافتراض بأنّ البنود الـ18 التي انتهى إليها المؤتمر وأعلنتها اللجنة التحضيرية، بحضور الرئيس المؤقت وإليه أحيلت، ليست نتاج مداولات المؤتمر تماماً أو فعلياً أو بدرجة عالية، بل هي خلاصات قُدّمت إلى المشاركين، فقبلوا بها، وكَفوا أنفسهم (وسلطات الشرع الحاكمة، واللجنة التحضيرية، وغالبية مواطنيهم في أربع رياح سوريا…) شرّ القتال والسجال والجدال!
ولعلّ عنصر التنوّع الهائل في مهن واختصاصات المشاركين يخفف الانتقاد الأبرز لعمل اللجنة التحضيرية، أي الفترة الزمنية القصيرة التي فصلت بين توجيه الدعوات وموعد انعقاد المؤتمر، وكانت نتيجتها اضطرار عدد من المدعوين المتواجدين خارج سوريا إلى التغيّب أو الاعتذار لأسباب تتصل بترتيب أوضاعهم وتدبّر حجوزات السفر. لكنّ العنصر ذاته، إذْ يدقق المرء في لوائح محافظات دير الزور والرقة والحسكة حيث تبسط «قسد» سيطرتها، لا يبرر البتة ضعف التمثيل الكردي والمسيحي (الآشوري والأرمني تحديداً) حتى بذريعة أنّ «قسد» أو «المجلس الوطني الكردي» غير ممثّلَين لأنّ التمثيل في المؤتمر «مجتمعي» وليس سياسياً أو حزبياً. فالذريعة هنا واهية، إذا أحصى المرء عدد المشاركين ممّن حملوا صفات الأنشطة السياسية المختلفة.
وبمعزل عن أيّ ركون إلى نظريات المؤامرة والتأويلات الافتراضية، قد يظلّ مشروعاً الترجيح بأنّ عقد هذا المؤتمر الوطني بدأ استحقاقاً مبكراً مطلوباً من أغلبية غير ضئيلة في الشارع الشعبي، وغامت وظائفه سماته ومكوناته وسط هرج ومرج وسائل التواصل الاجتماعي، وحوّلته جهات حكومية أوروبية ودولية إلى شرط ابتدائي للحكم على مصداقية السلطات الجديدة المنتصرة. كذلك انقلب الاستحقاق، المشروع في نهاية المطاف والمطلوب مبدئياً، إلى خطوة أولى لا مناص من قطعها كي تبرهن «هيئة تحرير الشام» والفصائل المتحالفة معها أنها تنتقل بالفعل من عقلية «الثورة» إلى عقلية «الدولة» حسب تعبير الشرع، القائد الجهادي المُحَوّل إلى رجل دولة مكلّف بمهامّ رئاسة الجمهورية.
هذه العثرات، وسواها، اكتنفت الشكل، ولم تكن منعدمة التأثير على المحتوى كما ينبغي لعلاقة جدلية بين هذَين العنصرين في أيّ بنية، لكنها، على سبيل إنصاف الحصيلة الختامية لهذا الحدث الهامّ، لم تُضعف القسط الأعظم من قيمة المخرجات الـ18 التي انتهى إليها المؤتمر، وخلّفت، في آن معاً، عدداً من المفاهيم ذات الدلالات المبهمة أو المعلّقة أو حمّالة تأويلات متضاربة وغير حاسمة. ليس كافياً، في البند الأوّل، التنويه إلى «الجمهورية العربية السورية» في سياق وحدتها و«سيادتها على كامل أراضيها ورفض أي شكل من أشكال التجزئة والتقسيم أو التنازل..».، كي يُفهم أنّ مفردة «العربية» ثابتة، ولا مجال لبدائل مطروحة تحت تسميات «الجهورية السورية» أو «جمهورية سوريا» أو «سوريا» ببساطة (وهل، في الحالة الأخيرة، يبقى حرف الألف أو التاء المربوطة).
هذه حيثيات دستورية، قد يساجل البعض محقّاً من حيث المبدأ، إلا إذا كان البند 4 يطلب «الإسراع بإعلان دستوري مؤقت يتناسب مع متطلبات المرحلة الانتقالية، ويضمن سد الفراغ الدستوري، بما يسرّع عمل أجهزة الدولة السورية» بمعزل، كما يُفهم، عن انتخاب جمعية تأسيسية تتولى صياغة دستور دائم، أو حتى هذا «الإعلان» ذاته، ما دام الشرع قد ألمح إلى 4 أو 5 سنوات قبل إقرار دستور جديد دائم. خاصة، استطراداً، في ضوء البند 5 الذي يطلب «ضرورة الإسراع بتشكيل المجلس التشريعي المؤقت الذي سيضطلع بمهامّ السلطة التشريعية وفق معايير الكفاءة والتمثيل العادل» ويوحي ضمناً بأنّ هذا المجلس سوف يُشكّل، أي يُعيّن، ولا يُنتخب في اقتراع عام. البند 6، في المقابل، يدفع الإبهام أكثر حين يشير إلى «تشكيل لجنة دستورية لإعداد مسودة دستور دائم للبلاد» على نحو يحجب وظيفة المجلس التشريعي لصالح لجنة دستورية مشكّلة، ولا يخفّض ضبابية الدلالة القانونية، إذا لم يُدخلها في تضليل إشكالي.
البنود 7 و8 و9 تتناول «تعزيز الحرية كقيمة عليا في المجتمع» و«ضمان حرية الرأي والتعبير» و«احترام حقوق الإنسان» و« ترسيخ مبدأ المواطنة» و«نبذ كافة أشكال التمييز على أساس العرق أو الدين أو المذهب» و«تحقيق مبدأ تكافؤ الفرص بعيداً عن المحاصصة العرقية والدينية»… وغنيّ عن القول إنّ هذه العناصر تدخل في صلب أيّ منظومة حكم ديمقراطية، لكنّ مخرجات مؤتمر الحوار لا تستخدم مفردة «الديمقراطية» بتاتاً، اتباعاً للنهج الذي تسير عليه الفصائل الإسلامية عموماً، و«هيئة تحرير الشام» خصوصاً، والرئيس المؤقت على نحو أخص وأكثر فداحة في الواقع. مفردة «الشورى» بديل «الديمقراطية» لدى الفصائل، غائبة أيضاً، رغم أنّ الإلحاح على النظام الديمقراطي مطلب شرائح واسعة في المجتمع السوري، صاحب التجارب العريقة في الممارسة الديمقراطية قبل سنة 1963 وهيمنة حزب البعث.
يبقى أنّ اختلال التوازن بين إيجابيات المحتوى وعثرات الشكل لا يطمس خلاصة مركزية حول القيمة الاستثنائية لمداولات السوريات والسوريين بصدد آفاق المستقبل، في مكان كان، قبل 8 كانون الأّول (ديسمبر) 2024، قصر استبدادٍ وفساد وتدمير بلد وتخريب معمار وطني واجتلاب احتلالات وارتهان مصير.
كاتب وباحث سوري يقيم في باريس
القدس العربي
————————-
توصيات غير ملزمة… هل تتشكّل حكومة سورية وطنية؟/ عمار ديوب
28 فبراير 2025
أنهت الإدارة الجديدة في سورية التحضير لمؤتمر الحوار الوطني خلال 15 يوماً، قبل أن يُعقد في دمشق وينتهي في 25 فبراير/ شباط الحالي، وضمّ نحو ثمانمائة شخصية، واختتم ببيانٍ من 18 بنداً. وجاءت المخرجات/ التوصيات، بعبارات “استجدائية” من الإدارة، للمسارعة في إصدار إعلان دستوري وتشكيل مجلس تشريعي ولجنة دستورية وقضايا أخرى. أرادت الإدارة من الحوارات كافّة الحصول على شرعية شعبية تستعين بها لتتحكّم بالمرحلة الانتقالية، وتروّج أنها تخطّت الشرعية الثورية غير الدستورية، وأن على العالم أن يعترف بها، ويرفع عنها العقوبات، وألا يبتزّها باشتراطات قديمة وجديدة، وأن تُسقَط تهمة “الإرهاب” عن هيئة تحرير الشام، باعتبار أن الإدارة قد حلّتها.
ليس هناك في الأفق أيّ إسقاط للعقوبات بشكل كامل، ولا لشطب هيئة تحرير الشام من قائمة الإرهاب. ما زالت أميركا والاتحاد الأوروبي يتعاملان مع الإدارة الجديدة ضمن هذا الإطار، وسيستمرّان بابتزازها ريثما يحقّقا مصالح الدولة الصهيونية في سورية، وأن ترضخ حكومة دمشق للأمر، ويحاولان إجبار الحكومة على السير باتجاه نظام سياسي، وحكومة جديدة، تنطلق من “المكوّنات” الطائفية والعرقية، وبما يتوافق مع سياسة الحكومة الصهيونية لمستقبل سورية، وهو ما رفضته حكومة دمشق، ولكنّ سياساتها تتجّه بسورية نحو حكم مكوّناتي كان كارثياً في العراق ولبنان، وهكذا سيكون مصير سورية إن اعتُمِد.
سياسات الإدارة الجديدة أضعف من أن تواجه التحدّيات التي تعترضها، فهي تجاهلت الدعوات كافّة لتشكيل جيش وطني، ووضعت قيادات أجنبية في مقدمة بعض فِرقه، وتجاهلت وجود أكثر من سبعة آلاف ضابط منشقّ، وآلاف أخرى في جيش النظام لم يكونوا من القتلة والمجرمين، وأعلنت سياسات خاطئة تخصّ الاقتصاد وخصخصته والعمّال، وقد طردت قرابة 400 ألف منهم، وما زالت الخلافات قائمةً مع قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وأحمد العودة في درعا، وبعض فصائل السويداء، وهناك تذمّر لدى العلويين والمسيحيين وأهالي المدن من السُنّة. كان يجب مراعاة ذلك كلّه بخطابٍ وطنيٍّ، وبالسير بالعدالة الانتقالية في حمص واللاذقية وطرطوس، وفي المدن السورية كافّة. تجاهلت الإدارة ذلك كلّه، وعقدت حوارات سياسية في مختلف المدن السورية، ولكنّها لم تُناقِش شؤون المدن وأهلها، ولا سيّما المدمّرة منها، ولا كيفية النهوض من الوضع الكارثي. كانت الحوارات شكليّة بالكامل، والبيان الختامي ذاته كان مُعدَّاً من اللجنة التحضيرية، فكيف ستُناقِش 800 شخصية مسودّة البيان خلال ساعات قليلة؟… هذا مستحيل.
تستدعي التحدّيات الكُبرى (الداخلية والخارجية)، التي تواجه الإدارة الجديدة خطّةً للمرحلة الانتقالية غير التي سارت فيها منذ وصولها إلى دمشق، بدءاً بإعلانٍ دستوريٍّ مؤقّت لم تُعلنْه، وستُعلِنه اليوم وفقاً للمخرجات، إلى جانب مجلس تشريعي مؤقّت. ماذا يعني هذا؟ ولماذا تأخّرت بالأمر، مع أن الفصائل حينما أعلنت أحمد الشرع رئيساً أعطته الحقّ بتشكيل مجلس تشريعي مؤقّت؟ … تنطلق سياسة الإدارة الحالية من أنها حازت شرعيةً شعبيةً عبر مؤتمر الحوار. وبالتالي، أصبحت حرّةً في قراراتها التي تنتهجها، وستتحكّم ببنود الإعلان الدستوري وتشكيلة المجلس التشريعي، محدّدةً أدواراً تتحكم بها لصالح مختلف الفعّاليات الاقتصادية والسياسية والثقافية، فتقرّب بعضها، وتبعد سواها، وفقاً لما يخدم سياسة الإدارة في التحكّم والاستئثار بالسلطة والدولة والجيش، وبمؤسّسات الدولة كلّها.
في كلمة رئيس الجمهورية أحمد الشرع، قبل البيان الختامي، وردت فِكَرٌ إشكالية، فتحدّث عن عدم استيراد أنظمة سياسية لا “تتلاءم مع وضع البلاد”، لكنّ السوريين خرجوا (منذ 2011) من أجل نظام ديمقراطي بالتحديد، وللتخلّص من الاستبداد بشكل نهائي، وتتضمّن عبارة الشرع (أعلاه) قولاً بنظامٍ سياسيٍّ منضبط إلى حدوده القصوى، ومُتحكّم فيه، وليس فيه تمثيل حقيقي للشعب. يكون التمثيل الحقيقي عبر إرساء نظامٍ ديمقراطيٍّ وفصلٍ للسلطات، وأيضاً لم يتضمّن البيان عبارةَ فصل السلطات، بل التوزان في ما بينها، والفصل يعني الاستقلالية والتكامل، وأمّا التوازن فيعني تحكّم الإدارة والسلطة التنفيذية بالقضائية والتشريعية، وبالإعلام كذلك. أيضاً، دعا الشرع الشعب للصبر، وأن هناك قرارات مؤلمة وصادمة، أي أنّه يقول من جديد بأن من يُحرِّر يُقرِّر، وثقوا بنا، ودعونا نكمل التحرير. يريد الشعب الأمن، وهي وظيفة الدولة في المرحلة الانتقالية بشكلٍ خاص، ويريد فصل السلطات، ويريد خطّةً وطنيةً للنهوض، وتأمين الكهرباء والعمل والطبابة والتعليم وسواها. إن إعلان الإدارة ضرورة الصبر مؤشّر سلبي إلى أوضاع “مؤلمة وصادمة”، بينما يريد الشعب مشاركة الإدارة في إرساء الحكم الجديد والنهوض بالدولة وبالاقتصاد وبالتعليم وبالجيش، على أسس وطنية، وبعيداً من الاستئثار الذي تسعى إليه الإدارة الجديدة.
سورية، وليست الإدارة فقط، أمام تحدّيات كبرى، وإذا توافقت الأغلبية السورية مع الإدارة على ضرورة تحقيق الأمن، فإنها تختلف مع الإدارة في طريقة السير في المرحلة الانتقالية، وفي تغييب حقوق السوريين ومطالبهم منذ 2011، والآن هناك مطالب جديدة لفئات جديدة، أوضح الكاتب بعضها أعلاه. هناك فرصة أخيرة قبل أن تزداد التأثيرات السالبة للعقوبات على سورية، أو يتأجل حذفها كاملةً، وهي تشكيل الحكومة في بداية مارس/ آذار. هي فرصة أخيرة، لأن آلية الوصول إلى المخرجات، واللجان التي ستتشكّل منها، ستعمل وفقاً لما تريده الإدارة، وليس انطلاقاً من توافقات وطنية مع القوى الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية كافّة، التي كانت تتطلّب مؤتمراً وطنياً عاماً، ونقاشات وحوارات لأكثر من عام، وأن تكون مهمّة الإدارة ضبط الأمن وتأمين الاحتياجات الأساسية للشعب، والدخول في الحوارات، بغية الوصول إلى قرارات ملزمة للإدارة، وتطبيقها، والبدء بتشكيل دولة للسوريين كافّة. الفرصة الجديدة أن تكون الشخصيات التي ستتشكّل منها الحكومة الانتقالية وطنيةً وممثّلةً للسوريين جميعهم. هناك تذمّر شعبي واسع من خطّة الحكومة، ومن مؤتمر الحوار الوطني، ويقال عن الأخير إنّه “ضحك على اللحى”. وبالتالي، ولتفادي هذه الأخطاء، والضغوط الدولية التي ما تنفك تؤكّد روحية القرار الدولي 2254، لا بدّ من التمثيل الواسع للسوريين في الحكومة المقبلة.
قبل الفرصة الأخيرة هناك فرصة أخرى، أن تسعى الإدارة إلى عدم احتكار التمثيل في الإعلان الدستوري، أو المجلس التشريعي أو لجنة الدستور، وسواها، فهل ستتجاوز عقلية الاستئثار والتفرّد والتحكّم بكل صغيرة وكبيرة، وتُشرِك مختلف الفعّاليات الوطنية بهذه التشكيلات؟ … يبتغي السوريون السير نحو دولة حديثة، ديمقراطية بالفعل، فيها فصل للسلطات، وتداول للسلطة، والاعتراف بالتعدّدية السياسية والحزبية والحرّيات العامّة والخاصّة، واقتصاد وطني. يريد السوريون البدء بمشروعٍ وطني، تكون الفكرة الوطنية أساس في ما سينشأ منه كلّه؛ الإعلان الدستوري والمجلس التشريعي والجيش…، والحكومة القادمة كذلك.
العربي الجديد
————————————–
حرصاً على التجربة في سورية/ حسام كنفاني
28 فبراير 2025
منذ اليوم الأول لسقوط نظام بشّار الأسد في سورية، ظهرت تساؤلاتٌ عديدة بشأن المسار الذي ستمضي فيه البلاد في ظل الحكام الجدد. ورغم أن هذه التساؤلات كانت، ولا تزال، مشروعة، كان التفاؤل طاغياً على ما دونه، على قاعدة أنه بغض النظر عما سيحمله المستقبل، لن يكون أسوأ من الماضي الذي عاشه السوريون تحت حكم نظام الأسدين.
لكن هذا التفاؤل، والذي كان قد بدأ، في الأسابيع الأولى، بالتضاؤل مع مرور الوقت، خصوصاً أن لا تغييرات ملموسة على أرض الواقع، رغم محاولات الإدارة الجديدة في الانفتاح على الدول العربية والغربية لتخفيف العقوبات التي كانت مفروضة على النظام السابق، والتي انعكست تردّياً في حياة المواطنين السوريين.
غير أن التعاطي مع هذا الانفتاح لم يُترجم فعلياً، رغم كل الوعود التي ساقها المسؤولون العرب والغربيون، إذ لا يزال الانتظار سيد الموقف. انتظار أساسه كيفية إدارة الرئيس السوري أحمد الشرع ومعه الحكومة للمرحلة الانتقالية والحوار الوطني، وكيف سيكون شكل اللجنة التشريعية والإعلان الدستوري، ومن ثم استبيان على أي درب ستسير “سورية الجديدة”.
كانت تجربة الحوار الوطني الذي انعقد قبل أيام الاختبار الأول. وللأسف لم تكن نتائج هذا الاختبار على المستوى المأمول. فرغم العناوين الكبيرة، والجيدة، التي خرجت في البيان الختامي للحوار، آلية التنظيم والطريقة التي عقد فيها واستبعاد وجوه بارزة في الحياة السياسية والثقافية السورية يوحيان بأن هناك تعمّداً في احتكار شكل سورية الجديدة، ربما على قاعدة “من يحرّر يقرّر” التي تداولها كثيرون من أنصار هيئة تحرير الشام، رغم أن الشرع رفضها. حتى إن الدعوات التي أرسلت إلى بعض المثقفين السوريين في الخارج جاءت قبل 24 ساعة من انعقاد المؤتمر، ما يوحي بأنها كانت من باب “رفع العتب”. ورغم ذلك لم تصل هذه الدعوات أيضاً إلى كثيرين من السياسيين وأصحاب التجربة في فترة الثورة.
إضافة إلى ذلك، يمكن التوقف كذلك عند كيفية إدارة هذا الحوار الوطني، والذي لم يستمر أكثر من 24 ساعة، وحتى أقل من ذلك. فكيف يمكن لنحو 600 شخص التعارف والتداول في قضايا مصيرية خلال هذه الفترة؟ وكيف يمكن لبلاد عاش أهلها حرباً خلال 14 عاماً، وجزء منها كانت أهلية، أن تطوي صفحة الماضي من دون حوار حقيقي بين أبنائها، وهو ما لم يحصل في ما شهدنا في الأيام الماضية.
جاءت صورة الحوار الوطني التي أرادت السلطات الجديدة تقديمها للسوريين والغرب بنتائج عكسية، وزادت من القلق على الوضع العام في سورية، ورفعت من حدّة الانتقادات التي توجه إلى الرئيس والحكومة، حتى من أناس كانوا حتى الأمس القريب من مؤيّدي القرارات التي اتخذتها الهيئة، وهو ما بدأنا نشاهده ونقرأه على وسائل التواصل الاجتماعي.
من المفترض أن تكون هذه الصورة، والامتعاض من آلية تنظيم الحوار ومخرجاته، قد وصلت إلى السلطات الجديدة، وأن تسعى إلى إدراكها في الاختبار الثاني القريب، ففترة الحكومة الانتقالية من المرتقب أن تنتهي في الأيام القليلة المقبلة، ومن المتوقع أن تحلّ حكومة جديدة تمثل كل أطياف الشعب السوري، بحسب ما وعد الشرع في المقابلات التي ظهر فيها. الجميع الآن في انتظار إعلان هذه الحكومة وتشكيلتها، والتي سيحدّد الكثير على أساسها، سيما في ما يخص الدول العربية والغربية وطريقة تعاطيها في المستقبل مع النظام الجديد في سورية.
أمام الشرع وحكومته فرصة تاريخية لإنجاح تجربة حكمهم سورية ووضعها على المسار السياسي الصحيح، خصوصاً مع ما تتعرّض له من اعتداءات إسرائيلية وفوضى أمنية تحمل مخاطر أمنية على السلم الأهلي.
العربي الجديد
—————————-
سوريو الخارج والداخل… من الأحقّ بالمناصب؟/ شا عمران
28 فبراير 2025
ثمّة حالة استعلاء متبادلة ظهرت بعد سقوط نظام بشّار الأسد، بين سوريّي الخارج وسوريّي الداخل. والمقصود بالخارج كلّ من خرج من سورية هرباً من النظام، بمن فيهم من عاش في إدلب، وفي البلدان الأخرى. أمّا سوريو الداخل، فهم كلّ من بقوا في المناطق التي لم تخرج من سيطرة الأسد، أو التي استعادها لاحقاً بصفقات متنوّعة. لا يمكن الاستخفاف بهذا الاستعلاء، ذلك أنه واحد من الانقسامات بالغة الأهمية في سلسلة الانقسامات السورية المتعدّدة، التي تحتاج حلولاً جذرية، إن كنا نريد للمجتمع السوري النهوض الحقيقي المساند لبناء دولة حديثة، فهو لا يقلّ أهميةً عن الانقسام الطائفي الذي يجعل من السلم الأهلي عمليةً بالغة الهشاشة، بسبب عدم التعامل بجدّية (حتى اللحظة) مع ملفّ العدالة الانتقالية من الحكومة. كما أنه لا يقلّ أهميةً عن الانقسام الطبقي، الذي تعزّزت جذورُه بعد الثورة وسنوات الحرب، بسبب ما أنتجت من أثرياء حربٍ جددٍ، سواء في جانب النظام وبطانته أو لدى قادة الكتائب العسكرية المُعارِضة، التي سيطرت على معابرَ في مناطق خرجت عن سيطرة الأسد، واحتكرت ما فيها.
الانقسام بين الداخل والخارج يكمن في إحساس من خرجوا من سورية بأن خروجهم كان بسبب معارضتهم النظام، وملاحقته لهم، فهم أصحاب الثورة الحقيقيون، الذين دفعوا ثمناً كبيراً، فحُرِموا من العودة إلى بلادهم، وحُرموا من رؤية من تبقّى من عائلاتهم، ومن وداع من فارقوا الحياة منهم، وكثيرون منهم صودِرت أملاكهم من النظام، وحُرموا من حقوقهم المدنية. يشعر هؤلاء بأنهم أصحاب الثورة، وأصحاب الانتصار في الوقت ذاته، لذلك يصبحون شديدي الحساسية تجاه أيّ خبر عن تعيينٍ ما لشخصية من الشخصيات التي لم تغادر سورية في منصب، وهو ما ظهر واضحاً في ما يخصّ مؤتمر الحوار الوطني أخيراً. يعتقد هؤلاء أن كلّ من بقي في سورية من الكوادر كان مرضيّاً عنه من النظام، ولم يدفع أيَّ ثمن، وبعد الانتصار يجب الاعتماد على كوادر الثورة، أصحاب الحقّ في ذلك.
في المقابل، يرى كثيرون ممّن لم يغادروا سورية، أن بقاءهم وحدَه هو ما منع التغيير الديموغرافي الذي سعى إليه النظام وحلفاؤه الإيرانيون والروس، وأن ما قاسوه وعانوه من الظلم والقمع والفقر، والعيش في شروط حياةٍ غير آدمية، وتعرّضهم اليومي للقذائف، وإجبار أبنائهم على خوض الحرب وموت هؤلاء، هي أيضاً أثمانٌ باهظة لم يدفعها من خرج من سورية، وعاش في بلاد آمنة تتمتّع بالحرّيات، وبالحقوق الإنسانية الكاملة. يرى هؤلاء أيضاً أن النصر لهم، وهم الأحقّ ببناء سورية الجديدة وبتعييناتها، خصوصاً أن من قدموا إلى سورية (بعد التحرير) قدموا بوصفهم زوّاراً يدفعهم الشوق والحنين، لكن ليس الرغبة في البقاء الدائم في بلد يعاني ما يعانيه من انهيار كامل في المعيشة والخدمات والأمان.
والحال، في منطق الطرفَين من الاستعلاء ما يجب التخلّص منه جذرياً، ذلك أن سورية اليوم تقف على حافّة هاوية، وعلى جميع السوريين الإسراع في ردمها قبل أن تسحب إليها سورية والسوريين معها. الثورة الأولى التي طالبت بإسقاط النظام انتهت، لكن ثورةً جديدةً يجب أن تبدأ معها، وأن يشارك فيها جميعُ السوريين، رغم الانقسامات كلّها التي بينهم. هذه الثورة يجب أن تكون شاملةً، ويجب أن تبدأ بالقضاء على فكرة الإقصاء والمحسوبيات، التي هي جذر الفساد بأنواعه كلّها. واختصاراً لذلك كله، ينبغي الإقرار بأن ما من سلطة إلا وتُحبّ الاستفراد بالحكم، وتقريب من يبصُمون على قراراتها من دون اعتراض، ما يجعلها تلقائياً تقصي كلّ من يخالف ذلك. لكم أن تتخيلوا نتائج الإقصاء، التهميش والتفقير وإلإهمال والنسيان. ولكم أن تتخيلوا بعدها حالة الغضب التي ستنتج منه في بلدٍ خارجٍ من أكبر كارثة إنسانية في العصر الحديث. فهل نتّعظ نحن السوريين، ونبدأ في ردم الحفر والفِخاخ كلّها، التي تركها نظام الأسد البائد؟
العربي الجديد
—————————-
تقسيم سوريا.. واقع وشيك أم خرافة؟/ سلمان عز الدين
28 فبراير 2025
مع كل أزمة تشهدها المنطقة، تظهر خريطة جديدة. خريطة متقنة الرسم، ملونة، ومفصلة، مع هوامش وشروحات وتوضيحات. والقاسم المشترك بين كل الخرائط هو أنها جميعًا تقدم مقترحًا ما لتقسيم آخر، لحدود مختلفة.
إثر احتلال الولايات المتحدة للعراق، ازدهر موسم الخرائط. خريطة تقسم العراق إلى ثلاث دول، وأخرى تقسم السعودية أربعة، وثالثة تشقلب دول بلاد الشام وتلخبط حدودها لتقدمها في شكل “مبتكر” لا يخلو من لمسة خيال. بل إن مصر نفسها، مصر ذات الحدود شبه الخالدة، قد نالت نصيبها من الخرائط، فصارت سيناء دولة مستقلة في خريطة، ونال الأقباط دولة غرائبية في أخرى.
وعلى اختلاف هذه الخرائط، وعلى تناقضها حتى، فقد نُسبت جميعها إلى رؤية المحافظين الجدد لـ “الشرق الأوسط الجديد”.
ومع انطلاق الثورة السورية، عام 2011، انتعش سوق الخرائط مجددًا، ولكن هذه المرة مع قدر أقل من “الإبداع” ومن التنويع، إذ رُسم بعضها وفق معيار سياسي (كان قائمًا وقتذاك)، فقُسمت البلاد إلى دولة للنظام ودول لأطياف المعارضة. فيما البعض الآخر ذهب إلى المعيار الطائفي ـ الإثني، فصار لكل من السنة والعلويين والدروز والأكراد دولهم المستقلة.
منذ “سايكس بيكو” والخرائط، خرائط التقسيم التي تتناسل إلى ما لا نهاية، تشكل هواجس دائمة الحضور في الحياة السياسية العربية (المشرق العربي تحديدًا)، وإذ يحسب البعض رهاب الخرائط هذا على “نظرية المؤامرة”، فإن آخرين يردون وفق منطق يرونه محكمًا وإن بدا بسيطًا: فإذا حدث هذا (التقسيم) مرة فلم لا يحدث مرات؟ وإذا كانت القوى الكبرى استطاعت رسم الخرائط على هواها، يومذاك، فهي لا تزال قادرة الآن. أما المنطقة العربية فهي على حالها منذ مئة عام: لقمة سائغة، عجينة تطيع أي تشكيل.
تعيش سوريا اليوم هواجس التقسيم أكثر من أي وقت مضى.
على وقع التهديدات والأعمال العدائية الإسرائيلية، وإثر تصريحات نتنياهو ومسؤولي حكومته التي تفصح عن شهية مفتوحة لتغيير الواقع السياسي في المنطقة برمتها، وخاصة في سوريا، ينهمر كلام غزير عن التقسيم، عن خريطة ـ خرائط جديدة للبلاد الخارجة للتو من محنة الاستبداد الأسدي الطويل.
ولكن أي قدر من الواقعية ينطوي عليه هذا الكلام؟ ما نصيب القراءة السياسة المدققة فيه، قياسًا بالتهويل الذي تمليه مخاوف موروثة مبالغ بها؟.
يستبعد الباحث في مركز حرمون للدراسات المعاصرة، د. طلال مصطفى، سيناريو التقسيم من حيث المبدأ، ولكنه، مع ذلك، يحاول شرح المسوغات التي دعت البعض إلى ترجيحه. فهناك أولًا “الوجود الأجنبي على الأراضي السورية: أميركا، تركيا، روسيا، إسرائيل. وإذا كان هذا الوجود لن يفضي إلى تقسيم البلاد إلى دول، فعلى الأقل يقسمها إلى مناطق نفوذ. وكذلك هناك عامل يتصل بتعثر الحل السياسي إلى الآن، واستمرار الوضع الراهن دون التمكن من تحقيق انتقال سياسي مقبول من السوريين، سوف يزيد منسوب القلق”.
ويضيف: “وهناك بالطبع التصريحات الإسرائيلية التي ربما كانت العامل الأول في شيوع الحديث عن سيناريو التقسيم، ويضاف إلى ذلك العامل الاقتصادي، فالأزمات المعيشية وانهيار البنية التحتية في البلاد تعزز النزعات الانفصالية”.
وبالمقابل يقدم مصطفى العوامل التي تجعل التقسيم مستبعدًا: “العامل الدولي، فأميركا وروسيا والاتحاد الأوروبي ما زالوا يدعمون وحدة الأراضي السورية. والعامل الداخلي حيث لا توجد حدود واضحة تفصل بين المكونات السكانية في سوريا ما يجعل التقسيم صعبًا إن لم يكن مستحيلًا”. ويتساءل: “كيف يمكن قيام دولة درزية مثلًا، والدروز موجودون في أماكن مختلفة ومتباعدة في الأرض السورية: إدلب، السويداء، ريف دمشق؟”.
ويشير مصطفى إلى أهمية موقف نظام الحكم الجديد في سوريا والرافض، بطبيعة الحال، لأي كلام عن التقسيم، وأيضًا “فالقوى والتشكيلات المسيطرة في درعا والسويداء لا تملك مشروعًا سياسيًا واضحًا للانفصال”. أما عن الأكراد السوريين فثمة سابقة ذات دلالة في هذا الشأن، ذلك أن “أكراد العراق الذين يمتلكون عوامل ومقومات مؤهلة لم يستطيعوا الحصول على اعتراف بدولة مستقلة، فما بالكم بالأكراد السوريين الذين لا يمتلكون مثل هذه المقومات؟”.
ويتفق الكاتب السياسي، سليمان الشمر، مع مصطفى في التقليل من واقعية سيناريو التقسيم، بل يذهب إلى استبعاده تمامًا، معتبرًا أنه من المفهوم “في ظل هذه المرحلة الانتقالية وضعف الاستقرار الذي تعيشه سوريا، أن تمارس إسراىيل أقصى درجات الضغط على السلطة الجديدة، لا سيما وأنها متخوفة من شكل النظام الجديد في دمشق، إلا أن التصريحات الإسرائيلية لن تتجاوز حدود الضغط الأقصى، فمن الواضح أن لاتغيير في خرائط المنطقة”، ويتابع: “ثم ليست إسرائيل هي المقرر في هذه الحيثية، خاصة وأن الدول الفاعلة قد تفاهمت على إغلاق ملف الصراع السوري، الذي بقي مفتوحا أربعة عشر عاما بكلفة بشرية ومادية باهظة”.
الشمر يذكر بتجربة العراق بعد الغزو الأميركي حيث “شاعت أحاديث كثيرة عن التقسيم. التقسيم الذي لم يحدث ولن يحدث، إذ لم يكن من ضمن الاستراتيجية الأميركية، وكان سيتسبب بمفاعيل سلبية وتداعيات خطيرة على دول المنطقة، وما يؤكد ذلك أنه عندما غامر مسعود برزاني بالاستفتاء عام 2019 كلفه هذا الاستفتاء عزله سياسيًا وخسارة محافظة كركوك الأثيرة على قلب أكراد الأقليم”.
ولكن ألم تتغير معطيات المنطقة بعد طوفان الأقصى؟ ألا نقف اليوم أمام واقع جديد وبالتالي توجهات جديدة؟ يجيب الشمر: “مع ذلك فلا نية للعب بالخرائط القائمة. في مناطق قسد، مثلا، لم يصدر عن الإدارة الأميركية، منذ العام 2014 (عام التحالف بين قوات قسد والجيش الأميركي لطرد داعش من سوريا) وحتى الآن، أية وعود بدعم استقلال الأكراد، أو حتى منحهم إدارة ذاتية، وذلك لصعوبة تلك المناطق واقعيًا وديموغرافيًا”. وبالنسبة لبقية المناطق السورية التي يعتبرها البعض مرشحة لنوع من الانفصال، يقول الشمر: “في الساحل والسويداء هناك أصوات تتحدث عن نوع من الاستقلال، ولكن ذلك لا يأتي كخيار أول، بل كخيار أخير. احتمال قائم في حال ساءت الأمور في سوريا بالنسبة لهم”.
منطقة عازلة كبيرة؟
وكانت إسرائيل قد جددت، يوم الثلاثاء الماضي، استهدافها لمواقع داخل الأراضي السورية، إذ شنت طائراتها غارات على أماكن متفرقة في محافظات ريف دمشق والقنيطرة ودرعا.
وحسب مراقبين، فإن الأعمال العدائية هذه قد حملت جديدًا. أولًا، من حيث كثافة الضربات وتحليق الطائرات، وثانيًا من حيث الأهداف المنتقاة، والأهم أن هذه الضربات بدت وكأنها ترجمة سريعة لكلام رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الذي كان قد أعلن عدم السماح بدخول الجيش السوري الجديد إلى المناطق جنوب دمشق، والمقصود محافظات القنيطرة ودرعا والسويداء. الأمر الذي دفع محللين إلى الحديث عن نية إسرائيلية بخلق منطقة عازلة جديدة، أكبر بكثير من تلك التي نص عليها اتفاق فض الاشتباك عام 1974، ذلك أن المنطقة الجديدة تشمل محافظات سوريا الجنوبية الثلاثة بمساحة تصل إلى 11 ألف كيلو متر مربع. وقد برز سؤال في هذا السياق عما إذا كانت إسرائيل قد بدأت في رسم حدود هذه المنطقة العازلة بالنار؟
يرى الباحث طلال مصطفى أن إسرائيل “إذا لم تسع إلى تقسيم فهي قد تسعى لتحقيق بيئة أمنية واستراتيجية تخدم مصالحها.. قد تعمل على فرض منطقة آمنة على نمط الجنوب البناني في الثمانينات”، مضيفًا: “هاجس إسرائيل هو منع دولة سورية قوية. وعندما كانت هذه الدولة قوية نسبيًا في عهد الأسدين فلم تكن تخيفها. كانت مطمئنة لنظام الأسد، وهي اليوم غير مطمئنة للنظام الجديد، حتى مع عدم امتلاكه أسلحة استراتيجية، واقتصاره على أسلحة تكاد تكون شُرَطية”.
ويقول مصطفى: “ربما تلجأ إسرائيل إلى دعم صيغة حكم ذاتي كردي ولكن هذا يحتاج موافقة أميركية، ومن جهة ثانية قد تلعب روسيا دورًا ما، إذ من الممكن أن تحدث تفاهمات بينها وبين إسرائيل وبين بعض فصائل الجنوب لضمان الأمن الإسرائيلي. كل هذا ربما يكون واردًا، دون أن يصل أي من هذه الاحتمالات إلى حد التقسيم”.
ويتوقف سليمان الشمر عند مواقف بقية دول الإقليم، الأردن والسعودية وتركيا. فإذا كانت هذه الدول “تريد من النظام الجديد في دمشق الالتزام بمطالب ضبط الحدود ومنع عودة إيران إلى سوريا، كما تريد اعتماد نظام تشاركي وضمان استقرار وسلم أهلي، ما يجعلها غير منزعجة من أي ضغوط خارجية تمارس على هذا النظام، فإنها بالمقابل وبالقطع ليست مع التقسيم او أي إضعاف لسيطرة الدولة السورية على أراضيها، لما يسبب ذلك من تداعيات خطيرة على المنطقة كلها”.
حكومة دمشق: أي دور؟ أي موقف؟
يأخذ كثير من السوريين على حكومتهم صمتها إزاء الاستفزازات الإسرائيلية، ويتهكم بعضهم بالتساؤل: “وهل سيحتفظ هذا النظام أيضًا بحق الرد؟!”.
يشير الشمر إلى أن البيان الختامي لمؤتمر الحوار الوطني قد تضمن تنديدًا بتصريحات نتنياهو وتأكيدًا على العمل من أجل الحفاظ على وحدة الاراضي السورية، “لكن واقعيًا الدولة السورية خرجت من الصراع دولة منهكة ولا طاقة لها بالتصدي عسكريًا. وعدم اللجوء للخيار العسكري هو خيار واقعي”.
لكن بالمقابل ــ يضيف الشمر ــ بإمكان السلطة الجديدة “الاستناد الى مشاركة ودعم الشعب السوري، وكذلك الاستناد إلى موقف عربي داعم ورافض للتصرفات العدوانية الإسرائيلية”.
ويؤيد مصطفى، من جهته، عدم وجود إمكانية للإقدام على خطوة عسكرية، “فالأولوية الآن لاستتباب الأمن الداخلي وبناء مؤسسات الدولة”. مؤكدًا أنه “من البدهيات الوطنية أن ترفض الحكومة السورية رفضًا قاطعًا أي حديث عن تقسيم أو منطقة عازلة، ويمكن لها أن تستخدم خطابًا وطنيًا سياسيًا شديد اللهجة، على الصعيدين المحلي والدولي، كما يمكنها أن تتواصل مع روسيا التي لها دور إيجابي في تطمين إسرائيل ومنعها من أي عدوان”.
ولا يقل أهمية عن ذلك هو أن “تقوم الحكومة بردم الفجوات بينها وبين الفصائل في الجنوب، وبكسب ثقة القوى والشخصيات الأهلية الفاعلة، وخاصة وقد لاحظنا ردود فعل الجنوب الرافضة لحديث الانفصال ولتصريحات نتنياهو. هذا الرفض الشعبي الذي امتد إلى مدن سورية عديدة مثل دمشق وحمص، ووصل إلى بلدات ومدن صغيرة مثل مصياف والسلمية”.
ويؤكد الشمر على هذه النقطة في ختام حديثه “فليس بإمكان السلطة الجديدة تطويق الآثار السلبية للمواقف الإسرائيلية الأخيرة، إلا عبر التوافق السياسي، ولا سيما فيما يتصل بفصائل الجنوب الرافضة لتسليم سلاحها”.
الترا سوريا
———————————–
دروز سوريا بين إسرائيل و”هيئة تحرير الشام”/ وليد فارس
التطور الذي يغير الوضع الجيوستراتيجي بات معارضة مناطق الدروز لحكومة أحمد الشرع
الجمعة 28 فبراير 2025
بحسب التقدير الاستراتيجي لم يبقَ سوى خيط واحد قد يكون له دور في تسوية سورية- سورية، من المحتمل أن تكون مبادرة سعودية لمؤتمر يجمع الهيئة والسنة العرب في سوريا مع الأكراد والدروز وربما العلويين وبمشاركة المسيحيين أيضاً، فإما أن تقبل كل هذه الفئات بمبادرة من هذا النوع تحت إشراف الرياض أو أن يتجذر الأمر الواقع، أي أن يبقى الدروز على أرضهم بحماية إسرائيلية، وربما أميركية، حتى حلول مرحلة جيوسياسية جديدة.
التطورات في الهلال الخصيب تتسارع بوتيرة عالية تفوق سرعة انهيار السلطنة العثمانية وتوقيع “اتفاقية سايكس- بيكو” في العشرينيات من القرن الماضي. وأهم تلك التطورات هي الحاصلة الآن في سوريا، أكان في شمالها بين الأكراد من ناحية والميليشيات الإسلامية من ناحية ثانية أو جنوبها بين الدروز والميليشيات نفسها المسيطرة على دمشق.
إلا أن الضربات الجوية الإسرائيلية الأخيرة والمكثفة على مواقع “هيئة تحرير الشام” وحلفائها وتصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي الصادمة خلطت الأوراق مجدداً منذ إسقاط نظام بشار الأسد والأوراق لا تزال تختلط، لذلك وقبل اشتعال محتمل فلنستعرض ما تطور حتى الآن وإلى أي وضع يمكن أن يبلغه.
مع وصول قوات المجلس العسكري التابع لـ”هيئة تحرير الشام” إلى العاصمة وانتشارها في المدن الكبرى وإعلانها الذاتي أنها باتت هي “الدولة الانتقالية” حتى تشكيل الدولة السورية بصورتها النهائية ودستورها الجديد ووعدت بمشاركة كل القوميات والطوائف والمكونات، سارع عدد من الدول إلى الاعتراف بالسلطة الجديدة وزارت وفود العاصمة السورية للحوار مع حكومة “الجولاني” كسلطة انتقالية رسمية، إلا أن منطقتين عارضتا تسليم سلاحهما إلى “الهيئة”، الشمال الشرقي حيث “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) و”المجلس العسكري لمحافظة السويداء”.
وموقف “قسد” معروف وقديم وصراعها مع الميليشيات الإسلامية الإخوانية والتكفيرية عمره أعوام، لا سيما منذ معارك كوباني وسقوط بلداتها على الحدود مع تركيا وعفرين. إلا أن الحماية الأميركية أمنت الحد الأدنى وأمنت استمرار “روجافا” (كما يسمونها) وفيها أكراد وعرب ومسيحيون، لكن التطور الذي يغير الوضع الجيوستراتيجي في البلاد بات معارضة مناطق الدروز، بخاصة في محافظة السويداء، “لحكومة أحمد الشرع” لأسباب متعددة، أهمها عدم إشراك الأقليات في آلية صياغة الدستور الجديد للبلاد وعدم الموافقة على تسليم السلاح قبل التفاهم حول دستور جديد وإطلاق حكومة تعددية وتأليف جيش مركزي جديد.
لكن موقف القيادة الروحية والسياسية لدروز سوريا الذي خرج من السويداء كان مختلفاً في الشكل والمضمون عن واقع “قوات سوريا الديمقراطية” في الشمال، فدروز السويداء شاركوا في الثورة ضد النظام السابق وكانوا لاعباً مهماً في تحرك المجتمع المدني السوري ككل، وهم من أنصار الدولة المدنية الوطنية وتعرضوا لاضطهاد سياسي وأمني، ولكن أقسى ما تعرضت له السويداء خلال الثورة والحرب أعمال إرهابية من قبل تنظيم “داعش” والميليشيات الإسلامية، وتطورت الاعتداءات الميليشياوية من كل الاتجاهات، أكانت من النظام أو ما يسمى (في الغرب) “جماعات جهادية” إلى مجازر ضد المدنيين في المحافظة.
وشكلت تلك التجربة قناعة راسخة لدى دروز سوريا بأن يحافظوا على سلاحهم حتى تأمين سلامتهم وأمنهم الجماعي وحريتهم، إذ إنهم عانوا الأمرّين خلال حكم الأسد والجماعات الإسلامية المقاتلة، ومن هنا يُقرأ موقفهم من أي حكم جديد، فليس للدروز مشروع هوية قومية خاصة بهم غير الهوية العربية إثنياً، لكنهم فقدوا الثقة بالذين حكموهم كالبعث والخمينيين والجماعات التكفيرية التي هددتهم، لذا سياستهم هي تشكيل حماية ذاتية حتى إشعار آخر.
ماذا حدث مع “الهيئة”؟ قيادات السويداء كان لهم نضال مشترك مع الإسلاميين غير “داعش” ضد النظام البائد وكانوا يتطلعون إلى حكومة مركزية متعددة الأطراف تمثل المناطق الأساس حتى لو ترأسها قائد من طرف “الهيئة”، وكانوا يرغبون في أن تستضيفهم السعودية خلال مؤتمر حوار مع القوى العربية السنية والأكراد والأقليات الأخرى. إلا أن مسارعة “هيئة تحرير الشام” ومجلسها العسكري إلى إجبار المكونات الأخرى من أكراد وعلويين ودروز على حل قواتهم الدفاعية والاستسلام لميليشيات الهيئة قلبت الموقف. فبعد رفض السلطة المركزية في دمشق خيار التعددية والفيدرالية وإرسالها قوات أمنية للسيطرة على السويداء والجنوب بالقوة، وضع المجلس العسكري الجنوبي خطاً أحمر وشكل قوته الخاصة ورفض سلطة “الهيئة” حتى “تغيير المسار”.
أما تجاه إسرائيل، فلدروز الجنوب السوري والأقليات الأخرى تطور في الموقف، إذ إن تاريخ هذه الطوائف قبل الثورة يدل على وقوفها إلى جانب الدولة السورية حتى اندلاع الثورة عام 2011 عندما قمعت التظاهرات الشعبية، فالتحقت بالانتفاضة. إلا أن اعتداءات “داعش” ومجموعات إرهابية أخرى دفعت الأهالي إلى التواصل مع طائفتهم في الجولان. وكان ذلك خطراً كبيراً عليهم مما أقنعهم بأن أحداً لن يحميهم إلا سلاحهم وأبناء بني معروف في أي بلد كانوا.
وقام دروز إسرائيل بدور أساس في نمو تيار داخل إسرائيل لحماية الدروز في جنوب سوريا كامتداد لدروز إسرائيل، إلا أن أهل السويداء لم يتحالفوا مع إسرائيل على رغم الأخطار ضدهم، ولكن تهديد “هيئة تحرير الشام” باجتياح المحافظة ونزع سلاحها ونشر مواقف معادية للدروز من قبل أنصار “الهيئة” قطعت شعر معاوية بين الإسلاميين والمجلس الجنوبي، فطلب دروز إسرائيل من حكومتهم أن تحمي أبناء جلدتهم داخل سوريا، فقررت تل أبيب أن تمد حمايتها العسكرية إلى شمال السويداء محذرة “الهيئة” بأن أي تقدم لقوات السلطة في دمشق باتجاه الجنوب ستضربه إسرائيل.
هكذا انهار الوضع بين الجنوب السوري و”هيئة تحرير الشام” وبات دروز محافظة السويداء وشركاؤهم تحت المظلة الإسرائيلية في مواجهة الميليشيات الإسلامية التي تدعمها تركيا. وبحسب التقدير الاستراتيجي لم يبقَ سوى خيط واحد قد يكون له دور في تسوية سورية- سورية، من المحتمل أن تكون مبادرة سعودية لمؤتمر يجمع “الهيئة” والسنة العرب في سوريا مع الأكراد والدروز وربما العلويين وبمشاركة المسيحيين أيضاً، فإما أن تقبل كل هذه الفئات بمبادرة من هذا النوع تحت إشراف الرياض أو أن يتجذر الأمر الواقع، أي أن يبقى الدروز على أرضهم بحماية إسرائيلية، وربما أميركية، حتى حلول مرحلة جيوسياسية جديدة.
——————————–
التصعيد الإسرائيلي في جنوب سورية/ سالي علي
27 فبراير 2025
تصاعدت التوترات في جنوب سورية بعد الغارات الجوية الإسرائيلية الأخيرة، التي استهدفت مواقع عسكرية في مناطق قريبة من دمشق ودرعا. وجاء هذا التصعيد في أعقابِ تصريحات الرئيس السوري أحمد الشرع خلال مؤتمر الحوار الوطني السوري، والتي شدّد فيها على سيادة سورية ووحدتها، مع رفض أي تدخلات خارجية. فهل كانت هذه التصريحات سببًا مباشرًا في التصعيد الإسرائيلي، أم أنّ الأمر يتجاوز مجرّد الكلمات إلى حساباتٍ سياسية وأمنية أوسع؟
شهدت سورية تحولاتٍ كبيرة خلال الأشهر الماضية، خاصة بعد سقوط نظام بشار الأسد وسيطرة فصائل معارضة بقيادة “هيئة تحرير الشام” على دمشق، قبل أن تتوصّل القوى السورية إلى تسوية سياسية أفضت إلى تشكيل حكومة جديدة برئاسة أحمد الشرع. هذه التغيرات أعادت رسمَ خريطة التوازنات الإقليمية، وأثارت مخاوف عدة أطراف، أبرزها إسرائيل، التي تسعى إلى ضمان عدم تمركز قوات معادية على حدودها الشمالية.
إسرائيل، التي لطالما اعتبرت النفوذ الإيراني والمليشيات المتحالفة معه في سورية تهديدًا وجوديًا، وجدت نفسها أمامَ مشهد جديد يتمثل في حكومة سورية تحاولُ فرض سلطتها وإعادة بناء جيشها، وهو ما قد يفسر الهجمات الأخيرة التي استهدفت مواقعَ عسكرية في الجنوب.
تصريحات الشرع وتأثيرها على التصعيد
خلال مؤتمر الحوار الوطني السوري، أكد الرئيس أحمد الشرع أن “سورية لا تقبل القسمة”، وأن “وحدة السلاح بيد الدولة ضرورة لا يمكن التنازل عنها”؛ كما ندّد بالمحاولات الخارجية لإثارة الانقسامات الداخلية، في إشارةٍ واضحة إلى الضغوط الإسرائيلية والغربية. هذه التصريحات جاءت ردًا على مطالبات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بجعلِ جنوب سورية منطقة منزوعة السلاح، وهو ما رفضته الحكومة السورية الجديدة بشدة.
إسرائيل رأت في هذه التصريحات إشارة إلى أن الحكومة السورية الجديدة لن تكون أكثر مرونة من النظام السابق في ما يخص الوضع العسكري في الجنوب، مما دفعها إلى تنفيذ عملياتها العسكرية لتعزيز موقفها وفرض شروطها الأمنية على الأرض.
لا يمكن النظر إلى هذا التصعيد بمعزل عن المشهد الإقليمي والدولي. فالتغيرات التي شهدتها سورية جاءت في ظل تنافسٍ إقليمي حاد، حيث تحاولُ كلّ من روسيا وإيران وتركيا والدول العربية إيجاد موطئ قدم لها في سورية ما بعد الأسد. من جهة أخرى، تسعى إسرائيل إلى استغلال هذه المرحلة الانتقالية لإعادة رسم قواعد الاشتباك بما يضمنُ أمنها على المدى الطويل.
إضافة إلى ذلك، فإنّ الولايات المتحدة والمجتمع الدولي لم يبديا موقفًا واضحًا من التطورات الأخيرة، وهو ما قد يمنحُ إسرائيل مساحة أكبر للمضي في استراتيجيتها العسكرية دون ضغوط دبلوماسية حقيقية.
نحو مواجهة مفتوحة أم تسوية؟
التصعيد الإسرائيلي في جنوب سورية قد يكون رسالة تحذيرية أكثر من أنّه بداية لحملة عسكرية واسعة، لكن استمرار التوترات من دون وجود قنوات للحوار قد يؤدي إلى تصعيد أكبر. الحكومة السورية الجديدة تجدُ نفسها أمام تحدٍ مزدوج: من جهة، عليها إثباتُ قدرتها على فرض سيادتها وحماية أراضيها، ومن جهة أخرى يجب أن تتعامل بحذرٍ مع التحركات الإسرائيلية لتجنبِ الانزلاق لمواجهة مباشرة.
في ظل هذا المشهد المعقد، يبدو أن الحل الأمثل يكمن في التفاوض عبر وسطاء دوليين، خاصة روسيا والدول العربية، لاحتواء التصعيد ومنع انزلاق المنطقة إلى صراع جديد لا تخدم نتائجه أي طرف. ومع ذلك، يبقى السؤال مفتوحًا: هل ستتجه الأمور نحو التهدئة، أم أن جنوب سورية سيكون ساحة لصراع جديد في الشرق الأوسط؟
العربي الجديد
——————————-
هل ستترك إسرائيل الشرع يصول ويجول في سوريا كما فعلت مع حماس و”حزب الله”؟
تحديث 28 شباط 2025
في صيف 2006 اتُخذ قرار مجلس الأمن 1701، الذي وضع الحد لحرب لبنان الثانية؛ لأن حزب الله عاد وتمركز عسكرياً في جنوب لبنان خلافاً للاتفاق؛ وتزود بالصواريخ وسلاح متطور آخر، وحفر الأنفاق الهجومية، وأقام أبراجاً راقب من خلالها ما يحدث في الغرف المغلقة لسكان الشمال. وإيهود أولمرت، الذي كان يتعرض لضربات في الداخل والخارج، أغمض عينيه.
في انتخابات 2009 عاد نتنياهو إلى الحكم، وكعادته منذ ذلك الحين، اكتفى بتحذيرات ضعيفة وغير موثوقة، أكدت قول حسن نصر الله بأن “قوة الدولة الصهيونية كخيوط العنكبوت”. هكذا ولد مفهوم “الاحتواء” – الذي جلب علينا جولات قتال فاشلة في الجنوب والعجز، (“ضبط النفس يعتبر قوة”)، إزاء منظومة الصواريخ والأنفاق الهجومية في الجنوب والشمال.
وفي نهاية المطاف الكارثة الأكبر.
في خطابه الذي ألقاه في نهاية دورة ضباط في بداية هذا الأسبوع، تنصل نتنياهو (لفظياً على الأقل) من عقيدة الاحتواء التي قادها في سنوات حكمه الكثيرة، ووضع خطاً ثابتاً وواضحاً للنظام السوري الجديد: “نطالب بنزع كامل للسلاح في جنوب سوريا… ولن نتحمل أي تهديد للطائفة الدرزية”، وأضاف: “سيبقى الجيش الإسرائيلي في المنطقة العازلة لفترة غير محدودة… وسنحتفظ أيضاً بمناطق في لبنان إلى أن يفي لبنان بتعهداته في الاتفاق”.
ولتجسيد جدية هذه الأقوال، قصفت طائرات سلاح الجو بنى تحتية عسكرية في جنوب دمشق، المتبقية من النظام السابق. في المنطقة نفسها، حسب مصادر مختلفة، تراقب قوات برية إسرائيلية ألا تدق أي قوة أو مليشيا أو النظام الجديد وتداً في جنوب دمشق. تداعيات هذه العقيدة الجديدة، إذا لم يتراجع عنها نتنياهو، ستكون ثورية. لأن العقيدة السابقة التي اتبعها سمحت بوجود حزب الله على طول الحدود ولم تمنع حدوث الاقتحام من جنوب الحدود (تذكرون الخيمة؟)، وشجعت حزب الله وحماس على شن حرب تدميرية، التي نواجه نتائجها المؤلمة بدون نجاح زائد من سنة ونصف.
الزعيم السوري الجديد أحمد الشرع احتج على مضمون الخطاب، لكنه سلم بمعناه العملياتي. فقد استدعى رؤساء الطائفة الدرزية، ونقل إليهم (خاصة لإسرائيل) رسائل بعيدة المدى: “نريد السلام… نريد بناء دولة، وتقديم الخدمات… لا نية لنا لشن حرب على أحد… نظام الحكم في سوريا يعمل على مصادرة السلاح الذي يُرسل إلى حزب الله عن طريق سوريا”. هذه أقوال ثورية، شريطة أن يتمكن من تطبيقها بإرادته وبنيته.
ماذا بشأن نتنياهو؟ يكشف فجأة أن التمسك – المدعوم بالأفعال – بطلبات إسرائيل الأمنية يستجاب لها (حتى لو كان ذلك مع صك الأسنان). والنغمة التي تخرج من البقاع في لبنان آخذة في التغير. أذننا تسمع.
لو اتبع مثل هذه السياسة، التي طلب كثير من الأشخاص الطيبين اتباعها، لبقيت حماس قوة هامشية لا تملك ما تشكل به خطراً على إسرائيل، وما كان يمكنها تنفيذ 7 أكتوبر، وربما بقي حزب الله منظمة دينية متعصبة، لكن بدون قوة فتاكة، مثل القوة التي حاربت ضدنا في المعركة الأخيرة.
يسرائيل هرئيل
هآرتس 28/2/2025
القدس العربي
———————-
سورية: الاحتلال الإسرائيلي يتوغل في الرفيد جنوني القنيطرة ويجري مسحاً للسكان/ ضياء الصحناوي
28 فبراير 2025
اقتحمت قوات الاحتلال الإسرائيلي بلدة الرفيد جنوبي محافظة القنيطرة جنوبي سورية، صباح اليوم الجمعة، وأجرت مسحاً سكانياً تخللته مداهمة بعض المنازل وإجراء استبيانات حول أعداد السكان والوضع المادي والمعيشي والعمل والوظائف والإنتاج، قبل الانسحاب من البلدة بعد شجار مع الأهالي.
واضطر العديد من الأهالي للإجابة عن هذه الأسئلة نتيجة الخوف من ردود أفعال جيش الاحتلال. وقال سعيد المحمد؛ أحد أبناء البلدة، لـ”العربي الجديد”، إن قوات الاحتلال تحاول فرض نفسها في جميع القرى الحدودية والواقعة على الحدود الإدارية بين محافظتي درعا والقنيطرة، كسلطة أمر واقع، في ظل غياب الدولة السورية.
وأضاف أنّ “قوات الاحتلال الإسرائيلي، وبعدما نزعت معظم السلاح الموجود في هذه البلدات ودمرت جميع الوحدات والمواقع العسكرية في المنطقة، لجأت إلى سياسة التعامل بطريقة التقرّب من الأهالي ومدّ خيوط للتواصل، تحت ذريعة المساعدات الإغاثية والوعود بتأهيل الخدمات الرئيسية كالماء والكهرباء والصحة والتعليم، وهي احتياجات شبه مفقودة منذ عقود”.
وبحسب المحمد، فإن أسئلة جنود الاحتلال تطرقت لطرق تدفئة الأطفال والحاجة للوقود والإنارة والكهرباء والعلاج، وعمل رب الأسرة وقيمة الإنتاج اليومي وتغطيته لمتطلبات العيش، إضافة إلى أخذ رأي العديد من السكان حول الرغبة بالعمل اليومي داخل إسرائيل.
وأفادت ذات المصدر بأنّ القوة العسكرية الإسرائيلية التي توغلت في بلدة الرفيد جنوبي القنيطرة خرجت بعد ساعات من دخولها إثر شجار حصل مع بعض أهالي البلدة، حيث تجمع فيه عدد من الأهالي حول عدد من عناصر الاحتلال، مما اضطر أحدهم لإطلاق أعيرة نارية في الهواء ومن ثم المغادرة.
وكانت قوات الاحتلال قد دخلت، صباح أمس الخميس، إلى تل مسحرة الواقع في الجنوب الشرقي لريف القنيطرة، ثم انسحبت بعد حوالي الساعتين من دخولها، إذ شاهد الأهالي عربات مصفحة وسمعوا أصوات أعيرة نارية في المنطقة، في الوقت الذي كان فيه الطيران الحربي والمسيرات الإسرائيلية يحلقان في سماء محافظتي درعا والقنيطرة.
وقال الناشط المدني محمد البكر وأحد سكان محافظة القنيطرة، لـ”العربي الجديد”، “لقد أصبح هناك رأي غير معلن لدى معظم أهالي المنطقة، بأنهم يعيشون ضمن منطقة محتلة من قبل إسرائيل”. وأضاف “نتيجة لإهمال هذه المناطق زمن حكم الأسد والفقر والجوع وتردي الخدمات الصحية والطاقة، إضافة إلى سوء تعامل عناصر النظام البائد مع أهالي المنطقة على مر السنين، باتت هناك حالة مقارنة بين الاحتلالين، وخاصة لدى جيل الشباب الذي لم يشهد من حكم الأسد سوى الاضطهاد والذل، وهذه المقارنة خلقت حواراً ونزاعات محلية يُخشى أن تؤدي لاختيارات وتوجهات ليست بالحسبان، قد يكون أهمها قبول أعداد من الشباب العمل في إسرائيل، وتقبل الأهالي المساعدات الإغاثية والصحية والخدمية من إسرائيل”، على حد قوله.
——————————-
عندما يتواطأ الجميع يصبح الوهم حقيقة/ بسام يوسف
2025.02.28
في الفترة القصيرة التي لا تتجاوز ثلاثة أشهر على سقوط سلطة عائلة الأسد، كان من المفترض أن يكون السلم الأهلي الأولوية الأهم في اهتمام السلطة الجديدة، ورغم أنه لم يكن مغفلاً، وتم الاهتمام به، إلا أن هذا الاهتمام لم يكن بمستوى خطورة الأمر، ومستوى تداعياته الكارثية على العهد الجديد في سوريا فيما لو استمر التعامل معه بهذه الطريقة.
في حقل قابل للاشتعال لا يكفي أن تزيل القسم الأكبر من مسببات الحرائق، يجب أن تعمل على إزالة كل ما يمكن أن يشعل هذا الحقل، وإذا لم تتمكن فإنه من الضروري جداً أن توفر الأدوات التي تساعدك على محاصرة ما تبقى من المسببات، وإخماد النار التي قد تشتعل فجأة، فالقضية ليست قضية تبرئة من المسؤولية، وليست قضية اتهام طرف وتبرئة آخر، إنها بوضوح شديد قضية وطن قد يحترق بكامله، ولا يهم بعد أن يحترق إن كنت بريئاً أم لم تكن.
المسؤول الأكبر عن ما يجري اليوم من تفشي مخيف لخطاب الكراهية، وزيادة الاحتقان الطائفي، وتعثر إدارة الدولة والمجتمع، ليست أخطاء الإدارة الجديدة فقط، وليسوا أصحاب المصلحة من بقايا النظام المخلوع، أو من أطراف خارجية فقط، المسؤولية الكبرى في الكارثة التي قد تنجم عن انهيار السلم الأهلي، وعن رهن سوريا لمصالح أطراف خارجية، إنما يتحملها على نحو أكبر مثقفو سوريا الذين لم يثبتوا بمعظمهم، ولو للحظة واحدة طوال نصف قرن من الكارثة السورية، أنهم جديرون بحمل صفة المثقف، ولم يكونوا (بمعظمهم أيضاً) سوى أدوات رخيصة تتزلف وتتملق السلطة أو رأس المال.
اليوم تحتاج سوريا لمثقفين ومفكرين وسياسيين حقيقيين، يتحملون مسؤولية إنقاذ سوريا في أخطر لحظة في تاريخها، ومن المفترض أن يكون المثقفون والمفكرون هم الأقدر على تحمل هذه المسؤولية، وهم الأعلى صوتاً في التنبيه لضرورة تجنب المنزلقات الخطيرة المتعددة التي أوصل النظام السابق سوريا إليها.
إذا كانت السلطة الجديدة محكومة بتركيبتها، وبطريقة وصولها إلى السلطة، وبانشغالها بتثبيت موقعها، وهذا ما قد يفرض عليها تجاهل متعمد، أو غير متعمد، لمصادر الخطر الأكبر التي تهدد الوطن السوري، فما الذي يشفع للمثقفين والمفكرين انسياقهم الأعمى وراء مظاهر هامشية وعدم التنبيه بقوة لهذه المصادر التي قد تطيح بسوريا ومستقبلها، وإذا كان الجبن سابقا هو ما يمنعهم من القيام بدورهم فما الذي يمنعهم الآن؟!
لا أظن أن سورياً مهتما بالشأن العام السوري لا يدرك خطورة تداعيات الجرائم التي ارتكبها النظام السابق على المجتمع السوري اليوم، ولا يدرك خطورة الانقسام الطائفي الحاد في المجتمع السوري، وأيضاً خطورة الانقسام القومي، وكذلك تداعيات تردي الأوضاع المعيشية إلى حدود الجوع، هذه الصدوع المتعددة المهددة لبقاء سوريا إن لم يتم التعامل بها بالمستوى المطلوب فقد تنفجر، فما الذي فعله مثقفو سوريا ومفكروها وسياسيوها المخلصين للتنبيه والتحذير من احتمالاتها الكارثية؟!
كان من الضروري، ولايزال، وقبل فوات الأوان، أن يعلو صوت المثقفين بضرورة تجريم الطائفية السياسية، وتجريم خطاب التحريض الطائفي، واعتبارهما بمنزلة الخيانة الوطنية، فاللحظة السورية الراهنة لا تحتمل تجاهل هذا السعار المجنون الذي يفتك بالمجتمع السوري، وكذلك الأمر بما يخص الخطاب العنصري القومي، وأيضا ما يتعلق بتوليد مظلوميات جديدة في مجتمع متخم بالمظلوميات.
كان من الضروري التصدي بقوة لخطاب سائد يذهب إلى تحميل جرائم النظام السابق على مكون سوري، فهو خطاب عدا عن كونه غير صحيح، وظالم، هو اتهام يؤسس لكارثة وطنية مؤكدة، سيما وأن أطرافاً كثيرة لها مصلحة حقيقية في تفتيت الهوية السورية الجامعة، وإعادة السوريين إلى هوياتهم الصغرى، ولم يكن الأمر صعباً كما يدعي بعضهم بأن الوقت غير كاف، إذ كان يكفي أن تظهر لوائح اتهام حقيقية، والإسراع بمحاكمات علنية وشفافة، وبالتأكيد فإن إجراءات كهذه كانت كفيلة بنقل المحاسبة العادلة والضرورية من حقل التجاذب الطائفي، إلى حقلها الطبيعي وهو الحقل الوطني المرتكز على القانون، فالمحاسبة والعدالة هي حاجة الوطن السوري كله، وليست حاجة مكون ما فقط.
كذلك فإن حل السلطة الجديدة لجيش النظام، واتهام كل أفراده كان خطأ، وكان بالإمكان معالجة هذه القضية من منظور وطني وليس من منظور انتقامي أو اتهامي مسبق، وكان من شأن هذا أن يفضي إلى نتائج وطنية حقيقية أولاً، وأن يجنب سوريا نتائج دفع مئات الآلاف من السوريين إلى حيز الحرمان من العمل والاتهام ثانياً.
الفاجع أن ما تصدى له المثقفون والسياسيون السوريون كان في جوانب متعددة منه نظرياً، ويتم اجتراره منذ زمن طويل، وفي جوانب أخرى سطحيا، وبلغ الأمر حد التفاهة في بعض الجوانب، فقد تناسى معظمهم مكامن الخطر الأساسية، وتجاهلوا تعقيدات المنطقة ومصالح الأطراف الفاعلة فيها، ومدى حاجتنا كسوريين إلى الوحدة في هذه اللحظة التي يعاد فيها رسم مصائرنا، وراحوا يتحدثون بمنتهى الخفة في كتابات ومقاربات نظرية ليس لها حاجة في هذه اللحظة، أو أنهم ذهبوا إلى حيث يذهب الناس العاديون المنشغلون بما هو يومي، في الحديث عن مظاهر ليس لها أي أهمية أو تأثير في مستقبل سوريا.
في الوقت الذي كانت إسرائيل تقصف وتتوغل وتفجر مواقع عسكرية سورية، وكان “نتنياهو” يصرّح بصلف وقح حول مصير الشعب السوري، وكان عضو مهم في الكونغرس الأميركي يتحدث عن تقسيم سوريا، وكانت وسائل تواصل اجتماعي متخمة بتحشيد طائفي، وحوادث قتل وخطف وتصعيد طائفي، وهناك محاولات حثيثة لإشعال حرب أهلية سواء من أطراف داخلية أو خارجية، كان مثقفون سوريون كثر يتحدثون عن أهمية تجول المشاركين في مؤتمر الحوار الوطني داخل قصر الشعب، ومعنى أن تختفي مظاهر التصفيق والتطبيل للرئيس!
المؤسف أنه في الوقت الذي يجب أن ينخرط مثقفو ومفكرو سوريا في إنتاج مشروع إنقاذ وطني، نجدهم يتسابقون لحجز مواقع لهم في كعكة السلطة القادمة، فيتملقون، وينتهزون، متجاهلين دورهم الحقيقي في أن يكونوا في مقدمة المنبهين إلى خطورة ما يحاك لسوريا، وإلى خطورة التصعيد المتعمد لمخاطر الانزلاق إلى حرب أهلية تكون مقدمة لتقسيم سوريا.
في مرحلة النظام السابق كانت صرخة الكاتب التركي الشهير “عزيز نسين”: (آه منّا نحن المثقفون الجبناء) صحيحة وبليغة، لكنها اليوم لم تعد كافية، وربما لو كان حياً لعدلها قائلا: “آه منا نحن المثقفون المرتزقة”.
تلفزيون سوريا
————————-
بين الضرورة والجدل.. هل تنجح الخصخصة في سوريا بإنقاذ القطاع العام؟/ عبد العظيم المغربل
2025.02.28
تشهد سوريا، في ظل التحديات الاقتصادية بعد سقوط نظام الأسد البائد، تحولاً في توجهاتها نحو تطبيق سياسات إصلاحية تهدف إلى إعادة هيكلة الاقتصاد الوطني، ومن أبرز هذه السياسات الخصخصة، إذ باتت، في ظل ضغوط تراجع الإنتاجية وفراغ خزائن الدولة من الأموال والعقوبات الاقتصادية المفروضة على البلاد، سياسةً استراتيجيةً تتبناها الحكومة الجديدة في سوريا بهدف المساهمة في تحسين الأداء الاقتصادي وزيادة الكفاءة التشغيلية للمؤسسات العامة، ويعتمد هذا التحول على نقل إدارة بعض الأصول التي تملكها الدولة إلى القطاع الخاص، في خطوة يمكن أن تُحدث نقلة نوعية في الاقتصاد السوري، إذا تم تطبيقها بشكل صحيح.
مفهوم الخصخصة وأهدافها
تُعرّف الخصخصة بأنها عملية تحويل ملكية أو إدارة الأصول التي تمتلكها الدولة في القطاع العام – مثل الشركات الحكومية والموانئ والمرافق الحيوية – إلى القطاع الخاص، وتقوم الفكرة الأساسية على تحسين الكفاءة التشغيلية عبر الاستفادة من مرونة وإدارة القطاع الخاص، الذي غالباً ما يكون أكثر قدرة على تطبيق أساليب الإدارة الحديثة وتقنيات الإنتاج المتطورة.
ويهدف هذا التحول إلى تخفيف العبء المالي عن الدولة عبر تقليل الدعم الحكومي وتوفير السيولة اللازمة لاستثمارها في قطاعات أخرى ذات أولوية. كما يُسهم في جذب الاستثمارات الأجنبية التي يمكن أن تُحدث طفرة في مستوى التكنولوجيا والخبرات الفنية داخل الأصول المستثمَر بها.
ترتكز أهداف الخصخصة على عدة محاور، من بينها: تحسين كفاءة إدارة المؤسسات التي كانت تعاني من البيروقراطية الزائدة، والإدارات التقليدية، والفساد المستشري، والبطالة المقنعة، بالإضافة إلى تحسين جودة الخدمات وتقليل التكاليف، مما يعود بالنفع على الاقتصاد الوطني. كما يُنظر إلى الخصخصة على أنها وسيلة لتخفيف العجز المالي عبر بيع بعض الأصول غير الأساسية أو التي تعمل بخسائر متراكمة، مما يتيح للدولة إعادة توجيه مواردها نحو الخدمات الأساسية مثل الصحة والتعليم والبنية التحتية.
كيف يتم تطبيق الخصخصة؟
تتطلب عملية الخصخصة إعداداً متكاملاً يضمن تحقيق الأهداف المرجوة من دون الإضرار بالمصلحة العامة أو التأثير سلباً على الاستقرار الاجتماعي. تبدأ هذه العملية بدراسة شاملة لتحديد الأصول أو القطاعات التي يمكن خصخصتها من دون المساس بالخدمات الحيوية، ويتضمن ذلك تقييم الجدوى الاقتصادية والمالية لكل كيان، وتحليل إمكانيات تحسين الأداء في ظل إدارتها من قبل القطاع الخاص.
يلي ذلك إعداد إطار قانوني وتنظيمي يضمن الشفافية، حيث تُعد السياسات والتشريعات المناسبة بمنزلة العمود الفقري للعملية. وفي هذا السياق، تُعتبر آليات التقييم المالي للأصول خطوة مهمة لتحديد القيمة السوقية الحقيقية، مما يمنع حالات المبالغة أو التقليل في التقييم، وهي أمور قد تؤدي إلى نتائج عكسية إذا لم تؤخذ بعين الاعتبار.
بعد مرحلة الإعداد، تأتي مرحلة التنفيذ، حيث يتم فتح باب المناقصات ودعوة المستثمرين للمشاركة في عملية الشراء أو الشراكة التشغيلية. وفي هذه المرحلة، يلعب النموذج المتبع – سواء كان البيع المباشر أو الشراكة أو طرح الأسهم في البورصة – دوراً حيوياً في تحديد مدى نجاح العملية وتأثيرها على الاقتصاد. وأخيراً، يجب أن تُرافق عملية التنفيذ آليات متابعة ورقابة تضمن التزام كافة الأطراف بالشروط المتفق عليها، وتحقق الأهداف الاقتصادية والاجتماعية المنشودة.
وفي هذا الإطار، قال وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية في الحكومة السورية، باسل عبد الحنان، في تصريح سابق لوسائل الإعلام: “إن الحكومة تعمل على خطوات حاسمة في إعادة هيكلة المؤسسات الحكومية في سوريا، وأنه سيتم الانتهاء من الهيكلة الأولية لتقييم الشركات الحكومية بحلول الأول من مارس المقبل”.
وأضاف الوزير عبد الحنان: “إن طرح الشركات الحكومية للخصخصة سيكون مفتوحاً للجميع، سواء للشركات المحلية أو الأجنبية، على أن يتم التركيز في البداية على قطاعات الصناعات الغذائية، والصناعات الكيماوية، والإسمنت، والصناعات الثقيلة”.
ما هي الفوائد الاقتصادية والاجتماعية للخصخصة في سوريا؟
يُعتبر أحد أهم الدوافع نحو الخصخصة في سوريا تحسين الكفاءة التشغيلية للمؤسسات التي تعاني من الأداء المتردي منذ عقود. إذ إن الانتقال إلى إدارة القطاع الخاص، لا سيما من قبل شركات دولية، يُتيح فرصةً لتطبيق أساليب إدارية حديثة وتكنولوجيات متطورة، مما يؤدي إلى رفع مستويات الإنتاجية والجودة في تقديم الخدمات.
وفي هذا السياق، يمكن اعتبار الخصخصة محفزاً لجذب الاستثمارات المحلية والأجنبية التي تسهم في تنشيط الاقتصاد الوطني وتعزيز ميزان المدفوعات السوري.
تسهم الخصخصة أيضاً في تخفيف العبء المالي عن الدولة؛ إذ إن بيع الأصول أو إقامة شراكات استثمارية مع القطاع الخاص يوفر موارد مالية يمكن إعادة استثمارها في القطاعات الأساسية مثل التعليم والصحة والبنية التحتية. وقد أثبتت التجارب الدولية أن إدخال القطاع الخاص في إدارة بعض القطاعات يؤدي إلى تحسين مستوى الخدمات وتقليل الفاقد في الموارد. كما أن بيئة الاستثمار التي يتم إنشاؤها من خلال تطبيق سياسات الخصخصة تُعتبر عامل جذب رئيسياً للمستثمرين الذين يبحثون عن فرص لتحقيق أرباح، مع إمكانية نقل التكنولوجيا وتطوير الخبرات الوطنية.
يُذكر أن وزير الخارجية أسعد الشيباني، أشار في تصريحاته لصحيفة فايننشال تايمز، إلى أن “الحكومة تخطط لخصخصة الموانئ والمصانع المملوكة للدولة كخطوة استراتيجية لجذب الاستثمارات الأجنبية، رغم التحديات المالية التي تتمثل في ديون تصل إلى 30 مليار دولار”، مما يعكس إيمان المسؤولين بأهمية الخصخصة كأداة لإحداث نقلة نوعية في الأداء الاقتصادي.
ما هي التحديات والمخاطر التي تواجه تطبيق الخصخصة في سوريا؟
رغم الفوائد العديدة التي قد تحققها الخصخصة والمذكورة سابقاً، فإن العملية لا تخلو من المخاطر والتحديات، خاصة في السياق السوري الذي يشهد حالة من عدم الاستقرار الأمني والاقتصادي؛ إذ يُشكل الوضع الأمني الراهن عاملاً مهماً يؤثر على جاذبية سوريا للمستثمرين، حيث تزيد المخاوف الأمنية والاضطرابات الاقتصادية من حدة التردد في ضخ رؤوس الأموال الأجنبية.
تواجه الخصخصة أيضاً تحديات تتعلق بمستوى الشفافية ومكافحة الفساد؛ فعدم وجود آليات رقابية صارمة قد يؤدي إلى استغلال العملية لتحقيق مكاسب شخصية على حساب المصلحة العامة. وقد أظهرت التجارب الدولية في دول مثل روسيا ومصر أن سوء إدارة الخصخصة يمكن أن يؤدي إلى تداعيات اقتصادية واجتماعية سلبية، منها انخفاض جودة الخدمات وزيادة معدلات البطالة.
إضافة إلى ذلك، تشكل حماية الفئات الاجتماعية الضعيفة تحدياً أساسياً؛ إذ قد تؤدي عملية الخصخصة إلى تسريح جماعي للعمال في المؤسسات التي تنتقل إدارتها إلى القطاع الخاص، مما يزيد من معدلات البطالة ويؤدي إلى تفاقم المشكلات الاجتماعية. هنا تبرز أهمية دمج الاعتبارات الاجتماعية ضمن سياسات الخصخصة، بحيث تُراعى حقوق العمال وتُوفر لهم برامج تدريبية وإعادة تأهيل لضمان استمرارهم في سوق العمل.
دور عقود البناء والتشغيل (BOT) في التنمية كآلية بديلة عن الخصخصة التقليدية
في ظل الحاجة الماسة إلى تطوير البنية التحتية دون تحميل الدولة أعباء مالية مباشرة، تُعتبر عقود البناء والتشغيل ونقل الملكية (BOT) بديلاً فعالاً للنموذج التقليدي للخصخصة. تعتمد هذه العقود على منح القطاع الخاص امتيازاً لتصميم وبناء وتشغيل مشاريع حيوية لفترة زمنية محددة، يستعيد خلالها المستثمر تكاليف إنشاء المشروع ويحقق أرباحه من خلال عائدات التشغيل. وبعد انتهاء فترة الامتياز، تنتقل ملكية المشروع إلى الدولة وفقاً لشروط متفق عليها مسبقاً.
تُعد عقود BOT وسيلة لتخفيف العبء المالي على الدولة، إذ يتحمل المستثمر تكاليف إنشاء وتشغيل المشروع من دون الحاجة إلى الاعتماد الكامل على الأموال العامة. كما تتيح هذه العقود نقل التكنولوجيا وتطوير الكفاءات المحلية من خلال التدريب والخبرات التي يقدمها المستثمرون الأجانب والمحليون، مما يُسهم في رفع مستوى البنية التحتية وجودة الخدمات المقدمة.
إلا أن هذه الآلية ليست خالية من التحديات؛ فهي تنطوي على مخاطر مالية للمستثمر نتيجة لتقلبات السوق والتغيرات الاقتصادية، إضافة إلى احتمال ارتفاع تكاليف التشغيل على المستخدمين إذا سعى المستثمر لتحقيق أرباح مرتفعة.
تعد عقود BOT نموذجاً مثالياً عندما يكون الهدف تطوير مشاريع بنية تحتية حيوية من دون التخلي عن ملكية الأصول للدولة، مما يمنح الحكومة السيطرة النهائية على المشروع بعد انتهاء فترة التشغيل الخاصة بالقطاع الخاص.
هل تتوافق الخصخصة مع الاقتصاد الإسلامي؟
من الأمور الهامة التي تُثار في سياق الخصخصة في سوريا هو مدى توافق هذه العملية مع مبادئ الاقتصاد الإسلامي؛ إذ يوضح الخبير الاقتصادي الدكتور مخلص الناظر في منشور له على فيسبوك أن “تطبيق الخصخصة ضمن إطار يتماشى مع الشريعة الإسلامية ليس مستحيلاً، بل إن الاقتصاد الإسلامي يشجع على تحسين الكفاءة الاقتصادية وتحقيق العدالة الاجتماعية، إذا ما تم ذلك وفقاً لمبادئ واضحة تحمي مصالح المجتمع وتمنع الاحتكار”.
ويضيف الناظر: “يمكن أن يتحقق هذا التوافق عبر استخدام أدوات التمويل الإسلامي مثل الصكوك والشراكات التي تعتمد على نظام المضاربة والمشاركة، بالإضافة إلى استخدام آليات الإجارة التي تسمح بتأجير الأصول لفترات طويلة مع بقاء ملكيتها للدولة”.
هذا النهج يضمن تحقيق التوازن بين الحصول على أرباح من تشغيل الأصول وبين حماية حقوق المواطنين من ارتفاع التكاليف أو تركيز الثروة في أيدي قلة من المستثمرين. وفي هذا السياق، قد يكون هناك خيارات لإنشاء “هيئات شرعية” تُشرف على عملية الخصخصة لضمان توافقها مع أحكام الشريعة وتحقيق العدالة الاجتماعية.
دروس التجارب الدولية وأثرها على نموذج الخصخصة السوري
على الصعيد الدولي، تبرز عدة تجارب في تطبيق الخصخصة يمكن أن تُشكل دروساً قيمة لسوريا. ففي دول مثل تشيلي، أدت عملية خصخصة قطاعات مثل الاتصالات إلى تحسين جودة الخدمات وزيادة الإنتاجية بفضل التخطيط الدقيق والإدارة الشفافة. من جهة أخرى، تُظهر التجربة الروسية في تسعينيات القرن الماضي أن تطبيق الخصخصة بشكل عشوائي ومن دون رقابة قد يؤدي إلى فساد واسع النطاق وتركيز الثروة في أيدي مجموعة ضيقة من المستثمرين، مما ترك آثاراً سلبية على الاقتصاد.
كما أن التجارب المصرية والبريطانية في الماضي تعطي إشارات مهمة؛ ففي مصر، أدت عمليات الخصخصة التي شابها انخفاض في قيمة الأصول إلى انكماش اقتصادي، في حين شهدت بريطانيا انخفاضاً في مستوى الخدمات في بعض المناطق الريفية نتيجة لتركيز المستثمرين على القطاعات المربحة من دون مراعاة الأبعاد الاجتماعية.
تؤكد هذه التجارب أن نجاح عملية الخصخصة لا يعتمد فقط على بيع الأصول، بل يتطلب اتباع نهج متوازن يجمع بين كفاءة الإدارة وحماية المصلحة العامة. وهذا مهم لتتبنى سوريا نموذجاً يستند إلى الشفافية والحوكمة الرشيدة، مع دراسة متأنية للأصول المراد خصخصتها، والتأكيد على أن عملية البيع أو الشراكة لا تتم على حساب حقوق المواطنين أو استقرار الخدمات الأساسية.
معايير النجاح والتوصيات المستقبلية
إن نجاح عملية الخصخصة في سوريا يعتمد على مجموعة من المعايير التي يجب أن تُراعى لضمان تحقيق الأهداف المرجوة دون التأثير سلباً على الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.
أولاً، يتعين إنشاء إطار قانوني وتنظيمي متين يضمن الشفافية والمنافسة العادلة بين المستثمرين، بالإضافة إلى وضع آليات رقابية صارمة. كما يُعدّ التقييم المالي الدقيق للأصول من الأساسيات التي تُساعد في تحقيق سعر عادل يُرضي جميع الأطراف.
ومن جهة أخرى، يجب العمل على حماية الفئات الاجتماعية الضعيفة والعمال الذين قد يتعرضون لتسريحات نتيجة لإعادة هيكلة الشركات، من خلال تبني سياسات اجتماعية شاملة تتضمن برامج تدريبية وإعادة تأهيل، إلى جانب تأمين حقوقهم الأساسية. كما ينبغي للدولة أن تُعيد النظر في القطاعات التي يجب خصخصتها مقابل تلك التي لا غنى عنها لضمان استمرار تقديم الخدمات الأساسية مثل الصحة والتعليم وغيرها من دون أي تراجع.
علاوة على ذلك، يوصى بدمج أدوات التمويل الإسلامي في عمليات الخصخصة، مما يعزز من توافقها مع مبادئ العدالة الاجتماعية والشريعة الإسلامية. يمكن تحقيق ذلك عبر استخدام الصكوك الإسلامية، ونماذج الشراكة القائمة على المضاربة والمشاركة، إضافة إلى نظام الإجارة الذي يتيح تشغيل الأصول من دون التخلي عنها بشكل كامل.
تستلزم التوصيات المستقبلية أيضاً تبني نموذج شراكة استثماري يتيح للدولة الحفاظ على السيطرة على الأصول الحيوية مع الاستفادة من خبرات القطاع الخاص في تحسين الأداء وإدخال التقنيات الحديثة؛ إذ إن اتخاذ مثل هذا المسار سيمكّن سوريا من تحقيق توازن بين الاستفادة من الكفاءات الخاصة وبين حماية حقوق المواطنين. كما أنه سيسهم في خلق بيئة اقتصادية أكثر استقراراً وجاذبية للاستثمارات على المدى الطويل.
بشكل عام، تُعتبر الخصخصة في سوريا موضوعاً معقداً يتطلب دراسة معمقة وتحليلاً دقيقاً لكل معطيات الاقتصاد الوطني والسياق السياسي والاجتماعي المحيط. ويمكن تحويل هذه العملية إلى محرك رئيسي للنمو الاقتصادي والإصلاح الهيكلي الذي تنشده البلاد من خلال تبني أسلوب تنفيذي مدروس وشامل. فمستقبل الاقتصاد السوري يعتمد على القدرة على تحقيق توازن بين الاستفادة من خبرات القطاع الخاص وبين الحفاظ على مصالح الشعب والوطن، وهو ما يتطلب رؤية واضحة، وإرادة سياسية، وإطاراً تشريعياً قوياً يدعم هذه التحولات.
————————–
هل يحق للجمهور أن يعترض على فنّانيه؟/ فارس الذهبي
2025.02.28
في عام 1996، اشتعلت الصحافة الأرجنتينية وهي ترصد ردود فعل الشارع الأرجنتيني واللاتينيّ على وجه العموم، الرافضة بإصرار اختيار النجمة الأميركية المتمرّدة مادونا لأداء دور إيفا بيرون الرئيسة الأرجنتينية من عام 1948 حتى 1952، وزوجة الرئيس السابق خوان بيرون.
على امتداد مسيرتها، مثّلت مادونا الصخب الهوليوودي بوصفها أيقونةً فنية كسّرت القيود، ولم تعترف بالأصول الفنية المتعارف عليها، وبوصفها واحدةً من أشهر نجوم البوب في تاريخ الموسيقى المعاصرة، مساهمة برفقة برنيس ومايكل جاكسون وغيرهم في نقل الموسيقى الحديثة إلى مستويات غير مسبوقة إيقاعياً وسرعة، مع الحفاظ على جمالية خاصة ميزت أغانيها التي لا تزال حاضرة إلى اليوم. ترافق كل ذلك مع تكريسها صورة المرأة المتمرّدة على منطق الجنس الذكوري، المنحازة إلى الإباحية في اختيار الأزياء والإشارات أثناء الرقص، المثيرة في طريقة تموضعها أمام كاميرات المصورين الثابتة. كانت مادونا جاهزة في كل وقت لكي تقول إنني أتيت إلى هذا الميدان كي أنقلب على الأعراف وأرفع راية التحدي ممثلةً صورة الفتاة الأميركية المنفلتة من كل عقال في زمن الرأسمالية المعاصرة التي تقبل كل شيء، المنقلبة على قيم الماضي رائية فيه إرثاً ثقيلاً يجب التخلّص منه والقفز فوقه بأسرع وقت ممكن. مادونا في هذا السياق مثّلت داخل وجدان الشابات والشباب أيقونة مغايرة وحقّق الاستماع إلى أغانيها أرقاماً قياسية غير مسبوقة، كما سجّلت حفلاتها كمطربة أنثى أعلى حضور عالمي في التاريخ. حضورها الجدليّ والصاخب في كل حفلة كان مثار جدل بين ساخط أو معجب، كبار السن والمحافظون تعاملوا معها، حتماً، بالرفض الغاضب، في حين احتفى بها الشباب والثوريون وأيدوا ما تقوم به، لا بل قلّدوها في الخفاء والعَلَن، فإذا بها نمطٌ عالميٌّ ينتشر في أربع جهات الأرض؛ قصات شعرها، لونه، شكله، ثيابها، طريقة حديثها، رقصها، تصريحاتها المتمرّدة على السياسيين ورجال الدين وعلى الرجال جميعهم.
في المقلب الآخر كانت إيفا بيرون نموذجاً للمرأة المثالية في أعين محبيها في بوينس آيريس، وأنموذجاً لنضال المرأة في سبيل تحصيل حقوق نساء المجتمع، حيث وعلى مدار خدمتها السياسية كزوجة رئيس أولاً، ومن ثم كرئيسة، عملت على تحقيق المساواة بين الرجل والمرأة والتصديق في العام 1947، على قانون حق المرأة في الاقتراع، وحق الأبوين كل على حِدة في حضانة الأطفال، إضافة لتأسيسها الحزب البيروني النسائي، وجمعية إيفا للأعمال الخيرية، والكثير من الملاجئ والمشافي والمدارس في المدن والأرياف.
وكان لوفاتها المبكرة في سن الثالثة والثلاثين وهي في سدة الرئاسة أثراً كبيراً في تحويلها إلى أيقونة لاتينية حقيقية، حزن الشعب عليها بشدة وتحولت قصة نجاحها وصعودها وصمودها أمام المرض إلى أسطورة تُلهِم نساء العالم. وهكذا تعاظمت أسطورتها حتى آن الأوان لتخليد سيرتها في عمل من إنتاجات هوليوود الضخمة تصدى له المخرج العملاق آلان باركر، الذي قرر أن يبني عمله التكريمي الضخم على مسرحية “إيفيتا” الاستعراضية التي حصدت نجاحاً كبيراً في سبعينات القرن الماضي. اللافت أن خيارات المخرج كانت تشمل طيفاً واسعاً من نجمات تلك الفترة من ميريل ستريب إلى باربرا سترايسند وراكيل والش وغلين كلوز وماريا كاري وغيرهن، لكن باركر أصر على إعطاء الدور إلى الشخصية الأكثر إشكالية في ذلك العام وهي مادونا المغنية صاحبة الحضور المختلَف عليه الذي يمثّل نقيضاً كاملاً لما تمثله إيفا بيرون. وإثر تمسّك باركر بخياره الفني وافقت الشركة المنتجة، لكن الشعب الأرجنتيني رفض هذا الخيار بشكل كامل، بل إن مظاهرات غاضبة نزلت إلى الشوارع كي تعترض طريق فرق التصوير في العاصمة الأرجنتينية، وشنّت الصحف هناك حملات طالت مادونا بشكل حاد وقاس، وسط تحشيد لمقاطعة الفيلم والسعي لمنعه في البلاد إن تعذّر إيقاف تصويره. وبالفعل حصلت عدة إشكالات أثناء التصوير مما جعل المخرج ينقل مسرح التصوير إلى بودابست القديمة التي تشبه بوينس آيريس في تلك الفترة معمارياً. استمر الرفض واستمر التصوير، لكن الشعب قال كلمته، لن نقبل أن تقوم مادونا بأداء دور القديسة إيفيتا، حتى أن الرئيس كارلوس منعم صرح: “لا أستطيع أن أتصوّر أن مادونا تلعب دور إيفا. ولا أعتقد أن الشعب الأرجنتيني الذي يعتبر إيفا شهيدة حقيقية، سيتقبّل هذا الأمر”. اضطرب التصوير وتوقف طويلاً ولكنه عاد وظهر الفيلم الذي رفضه الأرجنتينيون ثم سرعان ما قبلوه بعد تصريحات مادونا التي أشادت بإيفيتا ودورها النسائي في العالم وتأثيرها الشخصي عليها. وعند سؤال المخرج عن سبب هذه الأزمة التي أصر عليها، كان رده “أن مادونا تمثل سياقاً مشابهاً لمسيرة إيفيتا، ولكن سيرتها الشخصية متناقضة مع سيرة إيفا بيرون، مما سيساهم في بلورة الشخصية أكثر”!
في موضع آخر وبعد إعلان شبكة نتفلكس عن مسلسلها الجديد الذي يجسد شخصية كليوباترا، احتجت الصحف المصرية وهيئة الآثار على خيارات المسلسل في تقديم كليوباترا ببشرة سمراء تعكس أصولها الإفريقية، وهي نظرية قدمتها منظمة (أفروسانتريك) بينما يعتبر الآثاريون أن كليوباترا حنطية أو بيضاء البشرة من أصول يونانية.
بغض النظر عمّا جرى ويجري وعن ظهور الأعمال الفنية إلى النور، لكن احتجاج الجمهور أمر صحي بالكامل، ويعكس ديمقراطية العملية الفنية التي تُبنى بين طرفين: المتلقي والمرسل. المتلقي أي الجمهور الذي من أجله يُصنع الفن، وبالتالي يجب احترامه واحترام خياراته، والمرسل هو الفنان (ممثل، كاتب، مخرج، منتج) الذي يجب عليه أن يتابع عن كثب رأي المتلقي بما يصنع ويسعى بكل جهده كي يحوز على أعلى رضاً من الناس أو المتفرجين، لا أن يفعل ما تمليه عليه آليات الإنتاج ومؤسسات الدولة الأمنية كما جرت العادة في بلد مثل سوريا، حيث يتم فرض المنتَج الفني على الجمهور فرضاً بغض النظر عن رأي هذا الجمهور بهذا المنتج، سواء أكان كذباً أم تلفيقاً أم رياءً، وهل يمثّل حقاً ما يريده المشاهد وكيفية حياته وصراعه مع قوى المجتمع بكل صلفها وقسوتها. في سوريا الماضي لا رأي للجمهور البتّة، بل إن تفضيلات الأخير لا تكاد تذكر في زحام أولويات الإنتاج التلفزيوني، فالموضة الرائجة أولاً، وحضور النجم يليه، ثم تكلفة الإنتاج وقبول المحطات العربية، بينما تقبع رغبات الجمهور السوري في ذيل القائمة إن ذكرت. وعليه فإن احتقار نجوم سوريين لجمهورهم والسخرية منهم ومن شكل حياتهم، وازدراء المنتجين لقضايا هذا الجمهور باتت تفوق الحد. وليس اختيار ممثلين سوريين موالين لسلطة الرئيس الفار، لتأدية أدوار تعكس ثورة الشعب السوري، إلا استهتاراً برأي هذا الجمهور وكرامته. فإن كنا نعيش على مبدأ “مات الملك، عاش الملك” التي تعني أن لا شيء سيتغير في سياق المجتمع سوى تبديل رأس الدولة، فإن هذه البدايات ستقودنا حتماً إلى دراما مشابهة لدراما النظام السوري السابق، بمختلف تفاصيلها وتشوهاتها (مع استثناء نسبة ضئيلة من أعمال مقبولة). إن دور الجمهور الحقيقي إن أراد تغييراً في الدراما التلفزيونية يبدأ من مقاطعة هذه الأعمال ورفضها، كي يحقق خسارة لشركات الإنتاج التي تعتاش على أعمال تصر على غسل مواقف وسمعة شركاء المقتلة، ليعاد إنتاجهم من جديد بصورة تناسب المرحلة.
تلفزيون سوريا
————————————-
من مفارقات اللحظة السياسية السورية وأحوالها/ مصطفى علوش
2025.02.28
منذ أيام عدتُ لمشاهدة مقطع كوميدي قديم للممثل دريد لحام، وفيه “يذهب غوار الطوشة للمشاركة في برنامج مواهب الشباب، وحين يسأله المذيع أين تعلمتَ الغناء فيجيبه: في الحمّام، ويؤكد بعد نظرة استهجان من قبل المذيع، مؤكداً أن معظم المطربين الكبار اكتشفوا مواهبهم الغنائية من خلال الغناء في الحمام.
طوشة الفيس بوك وحمّامه
دعونا نسقط النكتة السابقة على واقعنا السوري الحالي، ونستبدل حمّام غوار الطوشة بعالم التواصل الاجتماعي، وخاصة الفيس بوك، حيث نجد أنّ عدداً كبيراً قد اكتشفوا مواهبهم التحليلية خلال الأزمة السورية، فقد شاهدتُ شخصياً حتى اللحظة أكثر من عشرة فيديوهات عن اللحظات الأخيرة قبل سقوط نظام بشار الأسد، وحوالي 22 مقالاً صحفياً ونيف. وحين ظهر منذ أيام ابن بشار حافظ عبر فيديو قصير ليثبت لنا أنه يملك حساباً على منصة إكس وانتشر الخبر مثل النار في الهشيم، انتشرت موجة فيسبوكية من السباب والشتائم له. مع أنّي لا أرى أي خطر سياسي من هذا الشاب ولا من أخواته، فالخطر الكبير زال مع هروب والدهم.
مصطلح التكويع السياسي
اختص عدة آلاف من السوريين خلال الأشهر الثلاثة الماضية من السخرية من جماعة المكوعين، واتهموهم بالتكويع، ومن لا يعرف معنى هذا المصطلح الشعبي السوري، فهو يدلّ على جماعة “الله يطفيها بنوره” الذين وجدوا أنفسهم بلحظة من دون بشار الأسد ونظامه. وكما اكتشف ذلك العالم قانون الجاذبية عبر سقوط التفاحة من الشجرة، اكتشف هؤلاء الكوع السياسي الذي يوصلهم للأمان، فبدؤوا ينشرون عبر حمّام الفيس بوك ماهبّ ودبّ من شتائم وهجائيات ضد الأسد الهارب وجماعته المختبئة في الجبال وفي مغارات الرعب.
هل تذكرون عندما كنا نسخر من عبارة ذلك الشبيح الأسدي وهو يعفس على رأس مواطن معارض قائلاً بأعلى الصوت: نحن الدولة ولاك. هذه الأيام وبعد هروب الأسد ظهرت شريحة فيسبوكية تعيد ذات معنى العبارة ولكن بمفردات أخرى قائلة: من يحرّر يقرّر.
لا أخفيكم أنا جداً زعلان على اللواء المترجم، سجين الرأي السابق، الذي شغلنا طويلاً وهو يمجّد حذاء مؤسسة الجيش الأسدي، وكتب مئات التقارير، عفواً البوستات، ضدّ كل من يعارض بشار الأسد، وبلحظة وجد نفسه من دون سقف الحماية الأسدي، فاضطر إلى التكويع الوطني السريع واستلم أول طريق نحو الوعظ والحنان والتآلف، مع أنّ ما نشره خلال سنوات كان وحده كافياً لإشعال حرب أهلية.
على أحد تسجيلات الإعلامي نضال معلوف علّق أحدهم، بعد اكتشافه الظريف بأنّ: “معلوف هو ابن خالة بشار الأسد وأن معلوف يقوم بتهريب الآثار” فهل هناك أظرف من تعليق كهذا؟!!
بعيداً عن المزاح والطرافة، للأسف مازلنا نعيش في أوهام متنوعة، ومازلنا بعيدين عن العيش كمواطنين متساوين في الحقوق والواجبات. فكل سوري يعتقد أنه صاحب حق أكثر من غيره، لأنه ينتمي لطائفة معينة.
ما أنا متأكد منه، أنّ هناك شريحة ليست قليلة العدد من مؤيدي الأسد مازالوا لا يصدقون أن الأسد انتهى سياسياً كنظام، ومنهم فعلاً من يصحّ وصفهم بالفلول، خاصة أنّ بعضهم بدأ برفع نبرة التحدي والانتقاد ضد العهد السوري الحالي، لأسباب تتعلق بأوضاعهم وامتيازاتهم السابقة التي كانوا يعيشون بها.
أطرف شريحة هي جماعة الحنين الدائم لسوريا، وسوالفها وأغانيها، وأغلبية هؤلاء يعيشون في أوروبا، ولاحظتُ أنّ أغلبيتهم لم تسافر لسوريا بعد سقوط الأسد ولا تفكر بالأمر إلا كبوست فيسبوكي يمكن أن يجلب لايكات.
كيف ننسى شعارات البعث وأغاني الطلائع؟
أكثر ما يثير قريحة الفكاهة هو قرار حلّ حزب البعث العربي الاشتراكي وبقية أحزاب الجبهة الوطنية التقدمية. شخصياً أنا أنتمي لجيل عاش خمسة عقود في ظل حكم حزب البعث وقانون طوارئه الشهير، وهنا أتساءل: كيف يمكن أن أنسى أهداف البعث في الوحدة والحرية والاشتراكية، وأننا أمة عربية واحدة، وكيف لي أن أنسى خطب وكلمات حافظ الأسد وابنه بشار وهو يربط النضال القومي بالاشتراكي؟ وكيف يمكن أن أنسى صغار الكسبة والكادحين، وكنت أعتقد أن صغار الكسبة هم القصيرون في أطوالهم؟
ماذا أفعل بصور بشار التي احتلت أذهاننا، وأقواله التي كانت صحف النظام تنشرها في أعلى صفحاتها؟
وكيف يمكن لي نسيان أغاني الطلائع التمجيدية ومنها: “حافظ أسد يا عيوني، لابس طقم الليموني، ولمّا بينزل عالجبهة بيقتل ألف صهيوني” وطبعاً تمّ اختيار لون الطقم الليموني لأنه الأسهل حفظاً من ناحية القافية والسجع؟
وماذا نفعل بشعار يا عمال العالم اتحدوا والمنجل والمطرقة التي شغلتنا بها أحزاب بكداش التاريخية ومقولات الصراع الطبقي والدفاع عن الكادحين، وصغار الكسبة، واستحواذ عائلة بكداش على أمانة الحزب طوال ما يقارب القرن الكامل؟
ماذا نفعل بدفاتر التموين الخاصة بالسكر المدعوم والرز وشعارات المرحلة التاريخية الخطيرة، وأنه لايجوز الاهتزاز لأن المنعطف التاريخي لايسمح بذلك؟ ماذا نفعل بقوالب القمع اللغوي البعثي التي كانت جاهزة لرجم أي اعتراض من عيار: ولماذا في هذا الوقت بالذات؟
أعترف بأننا عشنا حياة متعبة ومرهقة وينقصنا كل شيء، وأنّ استخبارات النظام السابق قد أدخلت الرعب إلى قلب كل سوري عاش في عهدها، وبأن الفكاهة خاصة السياسية، كانت إحدى أساليب مقاومة الطغيان.
أرجوكم، أحد ما في هذا العالم يحصي عدد العقلاء بيننا! بالقياس لعدد المجانين! وأيّ كفة ترجح؟
تلفزيون سوريا
———————
كل هذه الوجوه السورية/ معن البياري
28 فبراير 2025
ليس من التزيّد في شيءٍ أن ينكَتب هنا إن واحدةً من لطائف إنهاء نظام آل الأسد في سورية برنامج “حوارات دمشق”، اليومي، على شاشة تلفزيون العربي. وقد يستغرب قرّاء هذه الكلمات من صاحبها قوله إن الحرَج الذي يُحدِثه هذا البرنامج فينا، نحن الذين في ضفّة السوريين وثورتهم وأشواقهم بعد تحرّر بلدهم، هو الفائدة الأهم التي نُحرزها منه. والمعنى أنه الحرَج الذي يغشانا من عدم معرفتنا بكل هذه الوجوه السورية، طوال كل سنوات الألم العظيم، أساتذة جامعيين ونقابيين ونشطاء ومثقفين ومهنيين وكتّاب وأصحاب رأي وعسكريين وإعلاميين، ومن الجنسين، وغيرهم من قطاعاتٍ متنوّعةٍ في المجتمع السوري (الملوّن وليس بألوانه بحسب انتباهة حاذقة من صديقنا راتب شعبو). بقيت تلك الوجوه في بلدها، ولم تُغادره في سنوات حرب النظام على الدولة والشعب ونهبِه لهما. تحمَّلت وطأة الحضور القاسي والعنيف للسلطة البوليسية للنظام في الفضاء المدني والاجتماعي السوري، وتعايشت مع هوامش شديدة الضيق، وحافظت على مقادير من الاستقلالية، واعتنَقت، بكفاءة، أهمية حماية الدولة (ما أمكن) من افتراس النظام لها. وفي تقديرٍ صحيح، ربما، نجَحت هذه النخب، ومعها روافع المجتمع المحلي، الأهلية، في مختلف المحافظات السورية، في هذا إلى حدٍّ كبير. ولقائلٍ أن يقول هنا إن سورية أكثر حظّاً، ربما، من العراق عند سقوط (إسقاط على الأصح) نظام صدّام حسين. وبالتأكيد أكثر حظاً من ليبيا عند الخلاص من معمّر القذافي، أقلّه لأن الجماهيرية العظمى في أربعة عقود لم يستوفِ فيها مفهوما النظام والدولة شروطَهما التقليدية.
يساهم التواصل الذي صِرنا عليه، وأصبح أنشط وأكثف، ومتخفّفاً من التحسّب من العسس واعتبارات الأمن والأمان، مع كفاءاتٍ وقدراتٍ سورية، شابّة ومخضرمة، في بلدها، في تعريفنا بسورية التي لم نكن نعرفها تماماً، وإنْ كنّا على يقينٍ بوجودها. ويُساهم البرنامج التلفزيوني الذي يُصوّر على بعد أمتارٍ من ساحة الأمويين في دمشق في تظهير وجوهٍ سوريةٍ لم يكن من الميسور أن تطلّ على الشاشات وفي وسائط الإعلام ومنابره وفضاءاته. وزائر دمشق إذا ما تيسّر له اللقاء بأفرادٍ منها، كما حظي بهذا صاحب هذه الكلمات في إطلالتيْن على دمشق بعد فرار بشّار الأسد، ينضاف إلى شعورِه بالحرج من فرط جهله بأسماء عديدة، كانت لها مواقفُها، وأمسكت بمعادلة العنب من دون مقاتلة الناطور، شعورٌ بالغبطة بمستقبلٍ آخر للسوريين، إذا ما مضى في سكّته المأمولةِ التمرينُ الشاقّ الذي يعبُرون فيه نحو بلدٍ معافى، ناهض، حرّ.
ولئن صار مسموعاً إلى حدٍّ ملحوظ، وقد استشعرَه كاتب هذه المقالة من غير صديقٍ وزميلٍ هناك، ذلك الحديث عن سوريي الداخل والخارج، فإن المرجوّ أن لا يذهب أي حديثٍ عن هذه القسمة إلى مفاضلاتٍ وأفضليّات، وإلى مزاحماتٍ في هذا التفصيل وغيره، وإنما إلى التداول في كل ممكنات استفادة سورية من كل خبرات مواطنيها وتجاربهم. وليس الشعب السوري، العظيم حقاً، في حاجةٍ إلى مواعظ في هذا الخصوص من معلّقٍّ يرتجل مقالة، غير أن هذا لا يعني، في الوقت نفسه، غضّ النظر عن مناوشات النقاش السوري العام، والعريض والموزّع في مساحاتٍ بلا عدد (السوشيال ميديا ليست الوحيدة في المناسبة)، وهي مناوشاتٌ في الوُسع تفهّمها، وتحمّل انفعالات المُنفعلين في غضونها. والأجدى، في كل هذه الأثناء، أن تُتاح كل المساحات الميسورة لكل السوريات والسوريين ممن تعايشوا طويلاً مع الاختناق الثقيل في غضون احتلال إعلام الأسد ودواليبه الفضاء الثقافي في البلاد، ليصير في المقدور أن يُشاركوا في عمليات البناء الصعبة، وفي صياغة العقد الاجتماعي الذي تتطلّع سورية إلى إقامته، ويتظلّل في أفيائه كل مواطنيها.
دلّت السجالات التي خيضت في سورية بشأن مؤتمر الحوار الوطني، وبيانه الختامي وأجوائه والتمهيد له وكيفيات توجيه الدعوات إلى المشاركين فيه ومدّته، دلّت على أن الكلام الكثير، والصحيح في وجوهٍ له ليست قليلة، عن “تصحّرٍ” سياسي أعمَله حافظ الأسد وابنُه في البلاد، لا يصلُح تماماً في تفسير الشد والجذب في هذه السجالات، بل دلّ، أكثر، على قدرة السوريين، البديهيّة والمؤكّدة في أي حال، على أن يختلفوا ويسمعوا بعضَهم وينتقدوا السلطة ويؤاخذوها، ويمتدحوها ويوالوها، فالمزاج العام يستقبل هذا كله، وإنْ ظهرت في مواضع هنا وهناك ركاكاتٌ ورداءات… وفي العموم، نفرح بمعرفتنا السوريين بمنظارٍ أوسع، وبرؤيةٍ أعرض، وهذا، قطعاً، منجزٌ كبير.
العربي الجديد
————————–
التعددية الثقافية المشرقية: كم شعباً يوجد على «أرضنا»؟/ محمد سامي الكيال
تحديث 28 شباط 2025
يثير الحديث عن «التعددية الثقافية» كثيراً من الجدل، في كل أنحاء العالم. وقد باتت لها نظرياتها، وممارساتها المؤسساتية في بعض الدول، وكذلك تواجه نقداً شرساً، من اليمين واليسار، ما يجعلها أمراً واقعاً، وسؤالاً أساسياً لدى كل التيارات السياسية، سواء الليبرالية، المحافظة، الجمهورية والشعبوية. ولكننا لسنا أبناء كندا أو فرنسا، إنما نتحدّر من دول ناطقة بالعربية، يمكن لنخبها، المحلّية والمهاجرة، أن تكتب وتترجم كثيراً عن «التعددية الثقافية في الغرب»، دون أن تقدّم إسهامات جديّة عنها في بلدانها، رغم تنوّعها الشديد، المؤلم والقاتل أحياناً، خاصة في المشرق.
يصعب في الثقافة السياسية العربية رصد طروحات في الموضوع أبعد من استنكار «الطائفية»؛ والأحاديث عن أفضل طرق الوصول لـ»الوحدة الوطنية»، و»التماسك الوطني»، لتجاوز أزمة ما. هنالك بالطبع بعض المتمردين، الذين يؤكدون أن الانقسام المذهبي والإثني والقومي، أمرٌ لا يمكن تجاوزه، ويقدّمون على أساس ذلك مطالب، تتراوح بين الفيدرالية، وحتى الانفصال أو الانضمام إلى دول أخرى، وهي أمور ما تزال تُعتبر مستنكرة، أو حتى نوعاً من الهرطقة، لدى جمهور عريض من المهتمين بالشأن العام. ووسط كل هذا يغيب السؤال عن «التعددية» نفسها: بغض النظر عن أصل الشعوب والطوائف والقوميات، وسواءً اعتبرناها مترسّخة في التاريخ؛ أو تكوينات سياسية حديثة، جاءت مع الاستعمار، أو نموذج الدولة القومية، أو الدولة الطائفية؛ أو نتيجةً لفشل التحديث والتنمية، والتبعية للنظام الإمبريالي؛ أو أي طرح آخر، فكيف يمكن التعامل معها؟ هل إذا قلنا لها إنها شعب واحد، وأخرسنا المهرطقين، فسنقتنع بذلك، ونصل إلى «الوحدة الوطنية»؟ وبالمقابل، إذا أكدنا لها أنها أقرب لإثنيات مكتملة العناصر، ما يؤهلها للمطالبة بأوضاع وترتيبات سياسية ودستورية خاصة، فهل سيكسبها ذلك الذات السياسية المستقلة، التي تجعلها تتصرّف بطريقة أشبه بشعوب، تطالب بالاعتراف أو المساواة أو تقرير المصير؟
سؤال «كم شعباً على أرضنا؟» معقّد جداً. بالتأكيد ليس شعباً واحداً، ولكن لا يبدو أن هناك شعوباً كثيرة. توجد تعددية بالطبع، ولكنها ليست تعدديةً واعيةً بذاتها، وقادرة على التعبير السياسي والثقافي. ولذلك، فربما كان الأصح، قبل أن نقوم بعَدِّ وإحصاء «الشعوب»، أي الإثنيات والطوائف، القابلة نظرياً لأن ترفع هويتها الجماعية إلى المستوى السياسي، أن نسأل عن السبب الذي يمنع نشوء ذوات سياسية أقرب للاستقلالية، والقدرة على التمثيل والتنظيم. لماذا يرفض كثير من «الأقليات» أن تُصلّب نفسها، بوصفها جماعات تطالب بالاعتراف؛ ورغم رفضها لا تندمج تماماً في «الشعب الواحد»؟ لماذا يمكن أن تندلع حروب أهلية، تشهد مجازر تطهير طائفي وعرقي، وينكر كثير من المتحاربين، في الوقت نفسه، اتهامهم بالطائفية أو الانفصالية؟ هل التورّط بجرائم ضد الإنسانية أهون من التعبير السياسي الصريح عن الذات، إن وجدت؟ لماذا لا نقول ببساطة: نحن طائفيون وإثنيون. ونتصرّف على هذا الأساس، علّنا نجد حلاً، وصيغة مشتركة للعيش؟ وإذا لم نكن كذلك، وقررنا تدمير الطائفيين والانفصاليين، بوصفهم جسماً غريباً عن أرضنا، ألا يتطلّب هذا بدوره حروباً طائفية وإثنية؟ هذه الأسئلة ليست أسئلة نظرية مجرّدة، بل حاسمة في كل المجالات، وربما كان عدم طرحها بشكل صريح السؤال الأساسي عن طبيعة مجتمعاتنا وثقافتنا السياسية المعاصرة.
الإثنية الخرساء
يمكن لراسمي الخرائط، من دارسي ما يسمى عادةً، على المستوى الأكاديمي، «التوزّع الإثني في المشرق»، أن يضعوا ألواناً كثيرة، ضمن الحدود السياسية لأي بلد من بلدان المنطقة، تمثّل طوائف أو عرقيات معيّنة، ويقارنوا انتشارها بمناطق سيطرة الميليشيات والقوى السياسية المتصارعة، أو الدول الأجنبية المتدخّلة عسكرياً في حروب المنطقة. وبغض النظر عن دقّة تلك الخرائط، فهي بالتأكيد عمل بحثي مفيد، يساهم في توضيح الصورة العامة للصراعات، إلا أنه لا يُعنى بأسئلة أساسية، على رأسها: هل هذا توزّع إثني فعلاً؟ بمعنى هل أبناء هذه «الإثنية» أو تلك، يفهمون أنفسهم بصفتهم الإثنية؟ إذا تجاوزنا النظريات الإثنولوجية العرقيّة، التي لم تعد مقبولة في عموم المجتمع الأكاديمي الغربي، وعدنا إلى الأصل اليوناني لمفردة «إثنية»، فسنجد أنها تشير إلى ترسيم حدود جماعة بشرية، وتمييزها عن غيرها، بناء على تحديد ذاتي، من داخل الجماعة نفسها؛ أو خارجي يفرضه آخرون. عالم الاجتماع الألماني ماكس فيبر، ذهب أكثر باتجاه التحديد الذاتي، وقدّم واحداً من أهم التعريفات غير العرقيّة للإثنية، وقد بات تعريفه أساسياً في الإثنولوجيا المعاصرة: إنها «الاعتقاد الذاتي بوجود جماعة من أصل مشترك، وهو اعتقاد مهم للترويج لبناء الجماعات»، على أساس «تشابهات في المظاهر الخارجية، أو العادات والأخلاقيات، أو كليهما، أو ذكريات الاستعمار والهجرة». الاعتقاد الذاتي حاسم إذن في تعريف الإثنية، ورسم حدودها، حتى لو كان غير عقلاني، أو لا يستند إلى جذور تاريخية صحيحة. كما أن الإثنية تُبنى، بمعنى أن الاعتقاد بإثنية معيّنة يدفع إلى إعادة صياغة عادات وسمات ورموز مشتركة لها، وقد يوصلها إلى المرحلة السياسية، أي بناء تنظيمات وقوى، تطرح، في الحيز العام، وعلى أجهزة الدولة، مطالب واضحة، تتعلّق بالاعتراف بالإثنية، أو مراعاة خصوصيتها، ومصالحها.
بهذا المعنى، فالصفة الإثنية لا تقتصر على مجموعات عرقية ولغوية متمايزة في المنطقة، مثل الآشوريين والتركمان، بل قد يكون كثير من طوائف المشرق الدينية إثنيات، خاصةً الطوائف غير التبشيرية، والأصح، من منظور إثنولوجي، تسميتها «جماعات إثنو- دينية». مع ذلك، ورغم وجود «الاعتقاد الذاتي» في أوساطها، فإنه لا يصل إلى المرحلة السياسية، بل كثيراً لا يصل حتى إلى مرحلة التدوين، وبالتالي النشر للعموم، إذ نادراً ما نجد أدبيات جديّة، تتحدث عن تلك المجموعات الإثنو- دينية، وثقافتها، وفهمها الداخلي لنفسها. يبدو هذا تناقضاً صعب الحل: الإثنية هنا، تعي نفسها، بل يخوض عدد من أفرادها معارك على أسس هوياتية، وفي الوقت نفسه لا تتكلّم، بل حتى عندما يتكلّم عدد ممن يفترض أنهم ممثلوها، من رجال دين ووجوه مجتمعات محليّة، فإنهم ينطقون بلغة مُلغّزة، تُبطن أكثر مما تُظهر، وتصرّ على مقولة «الشعب الواحد»، و»الوحدة الوطنية». ربما لا يؤكد هذا على هيمنة الأيديولوجيا الوطنية على المتحدثين الإثنيين، بقدر ما يشير إلى أن «الوطنية» مفرغة أساساً من أي معنى قابل للإمساك والفهم. إنها مجرّد عبارات إنشائية لملء فراغات الخطاب، وإبراز المسكوت عنه. ما قد يعني أننا كي نكون طائفيين فعلاً، يجب أن نزايد قدر الإمكان في تكرار صيغة «الشعب الواحد».
إلا أن طريقة التعبير الإثنية/الطائفية هذه، التي تتجنّب التصريح عن الذاتية السياسية، تتركنا أمام مشكلة أعقد: تلك المجموعات عاجزة عن تمثيل نفسها بالمعنى السياسي، أو لا تريد ذلك، فلا يبقى أثر لحضورها الفعلي إلا عبر المسلحين غير أو شبه النظاميين. وهذا يجعل الميليشياوية الطريقة الوحيدة لما يشبه التمثيل الإثنو- ديني في المشرق، فالمجموعة التي لا تمتلك ميليشياتها الخاصة، لا حضور فعلياً لها. ولهذا يقارن راسمو الخرائط بين الحضور الإثني وخطوط السيطرة الميليشياوية.
لا يعرقل كل هذا إمكانيات بناء حياة سياسية، وحيز عام ديمقراطي فحسب، بل يدمّر المجتمعات الإثنية والإثنو- دينية نفسها، فالميليشيات تقمع مجتمعاتها أولاً، وتمنع تشكّلها الذاتي المستقل، سياسياً واجتماعياً. هل الوصول إلى الوطنية المُفرغة من المعنى يتطلّب إذن أجهزة قمع ضارٍ، انحدرت إلى ميليشيات إثنية/طائفية، بعد اضمحلال وانهيار الدول القومية؟
الإجابة غالباً «نعم». ولكن هل هذا يعني أن من الأفضل السعي باتجاه تجاوز «الوطنية» من هذا الطراز، نحو تشجيع الجماعات الإثنية، والإثنو- دينية، على تأسيس ذاتها سياسياً، بدلاً من الاكتفاء بمسلحيها غير النظاميين؟
البحث عن شعوب
لم يكن بالإمكان دراسة الطائفية المشرقية، بعيداً عمّا يسمى «الدولة الطائفية»، أي نموذج الدولة الحديثة، الاستعمارية وبعد الاستعمارية، التي أنتجت وأعادت إنتاج الطوائف بنيوياً، عبر آليات كثيرة، منها السياسة، الداخلية والخارجية؛ والأيديولوجيا؛ والقانون؛ وتوزيع الموارد والريوع؛ والمحاصصة، المعلنة أو الصامتة. الدولة الطائفية مركزية بالضرورة، ولا يمكن للطوائف أن توجد باستقلال عنها. وحضورها المركزي القوي، هو ما يسمح لها بإدارة عمليات التطييف، أي الانطلاق من الوقائع الإثنوغرافية للمجتمعات، وإعادة صياغتها سياسياً، للوصول إلى البنية الطائفية القائمة، وعلاقات السيطرة والهيمنة ضمنها.
لقد اضمحل نموذج الدولة ما بعد الاستعمارية، سواء كانت دولة طائفية تامة، مثل لبنان والعراق؛ أو عصبوية أدنى من طائفية، مثل سوريا، ونحن الآن في حالة من الفوضى، التي تصل إلى درجة انهيار كل ما تبقّى من أنظمة التحضّر، حتى لو كانت أنظمة طائفية. وعلى هذا الأساس، فربما من الصعب مطالبة الجماعات الإثنية، والإثنو- دينية، بتطوير وعيها الذاتي، وبناء نفسها سياسياً، فهي عاجزة غالباً عن ذلك، بغياب دولة تقوم بعملية تطييف (تحويل إلى طائفة) أو أثننة (تحويل إلى إثنية)، وعلى الأغلب ستبقى في حدود الميليشيات والعصابات، تحت السياسية. قد يكون الأجدى الخروج من ثنائية «شعب واحد» في مقابل «طائفية»، أي تجاوز المراهنة على أحد الخيارين، وإدانة كل التعبيرات التي قد تُحسب على الخيار الآخر. توجد لدينا مجموعات إثنية تمتلك ذاتاً سياسية واضحة؛ وأخرى عاجزة عن تأسيس وتمثيل نفسها؛ وميليشيات وعصابات متحاربة؛ وفئات وأفراد يرفضون حصر أنفسهم في الحدود الإثنو- دينية؛ وما يشبه أحزاباً سياسية و»قوى مدنية»؛ فضلاً عن فاعلين إقليميين أقوياء، قادرين على إعادة رسم الخرائط، والتأثير على كل المعادلات الداخلية. ربما كانت تلك هي «تعدديتنا الثقافية»، وعلينا الاعتراف بها، ومحاولة تنظيمها قدر الإمكان. ولكن كيف؟
قلنا إن الطوائف لا يمكن أن توجد دون دولة طائفية مركزية، وقياساً على هذا فربما لا يمكننا الاعتراف بتعدديتنا، دون المطالبة بدولة تدير هذا الاعتراف، وما يترتب عليه من إجراءات سياسية واقتصادية وثقافية. قد يكون المقترح الأفضل هو التوافق على دولة غير مركزية، بدستور علماني، لا يحدد ديناً أو قومية للدولة، ويؤمّن قانوناً مدنياً، يعترف بالتقليد الديني والإثني، ولكن لا يجبر الناس عليه، ويتيح لهم بدائل عنه، ما قد يساهم بفتح مجال لكي تتعرّف «الشعوب» في المنطقة على نفسها، وعلى الآخر؛ وتُسَيّر شؤونها الحياتية والسياسية، وتتداولها، وصولاً إلى بناء مشتركات وطنية ما. أما احتمالية الوصول إلى مثل دولة كهذه فمتروك للزمن وتطوّر الأحداث. قد نصل إليها بأنفسنا، بعد أن جرّبنا طويلاً الدول الطائفية والدينية المركزية؛ وقد تجبرنا عليها قوى إقليمية؛ وقد لا يحدث شيء من هذا، وتستمر حالة الفوضى والانحدار إلى الهمجية، إلى أن يستجدّ شيء ما، لا يمكن توقّعه الآن.
كاتب سوري
القدس العربي
———————————
مطالبات بإنهاء الحالة الفصائلية بالجنوب السوري لإفشال مخططات إسرائيل/ محمد أمين
28 فبراير 2025
لم تنقطع التظاهرات الشعبية في جنوب سورية خلال الأيام الماضية، رفضاً لأي تدخل خارجي بالشأن الداخلي السوري، وخصوصاً من الاحتلال الإسرائيلي الذي يتمادى في عدوانه داخل الأراضي السورية، إلى جانب مساعيه لاستمالة بعض الأقليات في سورية، وتحديداً الطائفة الدرزية، وتأليبها على الإدارة الجديدة التي تسلمت مقاليد الأمور في الثامن من ديسمبر/كانون الأول الماضي.
ويشهد جنوبي سورية، منذ سقوط نظام الأسد، اعتداءات وتوغلات إسرائيلية متلاحقة، في درعا والقنيطرة والسويداء، مع احتلال إسرائيلي لجبل الشيخ الاستراتيجي من منظور عسكري واقتصادي لدولة الاحتلال، وتنفيذ إسرائيل غارات شبه يومية تطاول مناطق قرب دمشق، فيما تريد إسرائيل فرض منطقة عازلة جنوبي سورية، ومنع الإدارة الجديدة من بسط سيطرتها هناك. وأمس الخميس، ذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان، أن طائرات حربية إسرائيلية حلّقت في أجواء محافظة درعا، مصحوبة بدوي عالٍ ناجم عن اختراق جدار الصوت، مذكّراً بتظاهرات شعبية خرجت أول من أمس، في القنيطرة والسويداء، تأكيداً على وحدة سورية.
ويكاد يُجمع سكّان الجنوب السوري بمحافظاته الثلاث (القنيطرة، درعا، السويداء) على رفض أي محاولة لتقسيم البلاد تحت أي ذريعة، وهو ما ينسف تماماً الخطط الإسرائيلي لتجزئة سورية على أسس طائفية أو عرقية سواء في الجنوب أو في الغرب أو في الشمال الشرقي.
جنوب سورية يواجه كمّاشة الاحتلال
وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قال يوم الثلاثاء الماضي، إن كيانه “لن يتسامح”، مع “أي تهديد للطائفة الدرزية في جنوب سورية”، في محاولة لفرض واقع مختلف في جنوب سورية يخدم مخططات تل أبيب الهادفة إلى منع الإدارة الجديدة من ممارسة السيادة الكاملة على الأراضي السورية. ويبدو أن حكومة الاحتلال تحاول استغلال التردد الذي تبديه فصائل عسكرية في محافظتي درعا والسويداء في التفاهم مع السلطة الجديدة في دمشق وتسليم السلاح والانخراط في الجيش السوري الجديد. وقال نتنياهو، بكلمة عبر الفيديو أمام مؤتمر في واشنطن تعقده مجموعة الضغط الأميركية “أيباك” المؤيدة لسياسات إسرائيل، إنه “في سورية، ستظل قوات الجيش الإسرائيلي متمركزة على قمة جبل حرمون”، في إشارة إلى جبل الشيخ، مضيفاً أنه “في المنطقة العازلة المجاورة، سنظل هناك في المستقبل المنظور، ولن نسمح بوجود تنظيم هيئة تحرير الشام أو أي جيش سوري جديد في المنطقة الواقعة جنوب دمشق”. وتابع: “سيكون جنوب سورية منطقة منزوعة السلاح”.
اللجنة التحضيرية لمؤتمر الحوار الوطني في السويداء، 19 فبراير 2025 (العربي الجديد)
وأمس الخميس، قال وزير الأمن الإسرائيلي يسرائيل كاتس إن إسرائيل لا تثق بالقيادة الجديدة في سورية، مضيفاً أن “الحاكم الجديد استبدل البدلات الرسمية مكان الجلباب ويتحدث بأسلوب دبلوماسي، لكننا لن نغير سياستنا”، مؤكداً أن قوات الاحتلال “ستبقى في قمة جبل الشيخ والمواقع الاستراتيجية لفترة غير محدودة”. وأضاف أن جنوبي سورية يجب أن يكون منطقة منزوعة السلاح، لافتاً إلى أن النظام السوري الجديد حاول قبل أيام “أخذ مواقع عسكرية تتمركز فيها قواته لكن سلاح الجو (الإسرائيلي) ضرب بقوة. لن نسمح بانتهاك نزع السلاح من جنوبي سورية ولن نسمح بإنشاء تهديد”، واضعاً ذلك في إطار استراتيجية “دفاع عن الحدود” جديدة لجيش الاحتلال في سورية ولبنان وغزة أيضاً. وجدّد كاتس محاولة استمالة المجتمع الدرزي في سورية بالقول: “نحن بالتأكيد نهدف إلى الحفاظ على الاتصال معهم، ونفكر حالياً في السماح لأولئك بالقدوم والعمل يومياً في مرتفعات الجولان ونحن على استعداد لتقديم المساعدة لهم”.
وفي سياق الرفض لأي تهديد أو تدخل في الشأن السوري، أكد حسن الأطرش وهو من الزعامات المحلية في محافظة السويداء، في حديث له في ساحة التظاهر بمدينة السويداء أول من أمس، رفض أي مشاريع للتقسيم، مطالباً الحكومة في دمشق باتخاذ موقف حيال التدخل الإسرائيلي في الشأن السوري.
من جهته، قال الناشط الإعلامي هاني عزام في حديث مع “العربي الجديد”، إن أهالي محافظة السويداء “لا يرفعون السلاح في وجه أي سوري”، مضيفاً أن “السلاح الموجود لدى الفصائل بكل انتماءاتها هو للتصدي لأي اعتداء خارجي”. وأكد عزام أنه “لم يثبت حتى اللحظة تعامل أي فصيل في الجنوب السوري وفي السويداء تحديداً مع إسرائيل”.
الوضع المعيشي الضاغط
ورأت مصادر محلية في مدينة السويداء، في حديث مع “العربي الجديد”، أن “عدم تعامل الإدارة الجديدة بجدّية مع الاستفزاز الإسرائيلي في جنوب سورية يدفع الجميع للتفكير بخيار الاحتفاظ بالسلاح”. وبيّنت أن “الأوضاع المعيشية الصعبة وعدم قدرة الحكومة الحالية على تحسين هذه الأوضاع، خلقا أزمة ثقة بين سكّان السويداء والإدارة الجديدة”، مضيفة: “باعتقادي الاهتمام بالحالة المعيشية للناس يحول دون التفكير بأي شيء ربما يهدد وحدة البلاد. الوضع الاقتصادي أكثر الأشياء الضاغطة على المواطنين في سورية عموماً، وهو ما تحاول جهات داخلية وخارجية استغلاله وتريد ضرب الاستقرار”، معرباً من وجهة نظره عن اعتقاده بأن “المشكلة اقتصادية أكثر من كونها سياسية أو عسكرية”.
وتضم محافظة السويداء عشرات الفصائل التي كما يبدو تتباين آراؤها حيال الأوضاع الجديدة ما بين مرحب بالتفاهم مع دمشق والساعي إلى بناء الدولة، وبين المتحفظ والذي يدفع باتجاه حصول هذه المحافظة على فيدرالية إدارية. واستقبل الرئيس السوري أحمد الشرع، يوم الثلاثاء الماضي، في دمشق، شخصيات درزية بارزة عدة، من بينها ليث البلعوس، نجل الشيخ وحيد البلعوس، مؤسس حركة “رجال الكرامة” أهم فصائل السويداء.
وفي محافظة درعا المجاورة والتي طاولت الاعتداءات الإسرائيلية ريفها الغربي خلال الأيام القليلة الماضية، يجمع سكّانها على رفض أي محاولات لزعزعة الاستقرار، وخلق أجواء عدم ثقة بالإدارة الجديدة في دمشق لتبرير عدم تسليم السلاح لهذه الإدارة.
وفي هذا الصدد، قال الناشط الإعلامي مروان قاسم، وهو من سكّان ريف درعا، لـ”العربي الجديد”، إن “ملف الجنوب السوري معقد وشائك”، مضيفاً أن “حالة الفصائلية تخدم بالتأكيد مصالح الكيان الصهيوني، فهذا الكيان يستغل حالة التشرذم للتغلغل في جنوب سورية واحتلال المزيد من الأراضي”. وبيّن أن الضغط الشعبي الكبير “دفع كل فصائل درعا، بما فيها فصيل أحمد العودة في بصرى الشام، للاندماج في الجيش السوري الجديد”، مضيفاً أن “الأمور بخواتيمها”. علماً أن “اللواء الثامن” الذي يقوده العودة أجرى مفاوضات مع القيادة الجديدة، وأكد قبل أسبوعين أن الاتصالات مستمرة ونفى الاتهامات المتعلقة بالانفصال ورفض الانضمام لوزارة الدفاع التابعة للحكومة المؤقتة، وذلك في معرض رد على وزير الدفاع السوري مرهف أبو قصرة حينها لصحيفة واشنطن بوست الأميركية، عن رفض الفصيل الانضمام. وأضاف يومها أن “اللواء الثامن مستعد للانخراط في وزارة الدفاع ولكن بشرط أن يكون ضمن قواعد عسكرية منضبطة، دون إقصاء الضباط المنشقين والثوار”.
إلى ذلك، أكد قاسم في حديثه لـ”العربي الجديد”، أن سكان محافظة درعا “لن يسمحوا ببقاء أي حالة شاذة في محافظتهم”، مضيفاً أنهم “يمنحون الفصائل فرصة للتفاهم مع دمشق، ولكن إذا طال الأمر أكثر، فسينفجر الشارع في وجه هذه الفصائل التي لم نكن نتوقع منها هذا التردد في الانخراط في العهد الجديد الذي انتظرناه منذ عام 2011”.
خدمات للمخطط
من جهته، رأى الصحافي السوري علي عيد، في حديث لـ”العربي الجديد”، أنه بعد تصريحات نتنياهو وكاتس، وبعد الإفصاح عن استراتيجية إسرائيل في سورية، من الواضح أن حكومة الاحتلال تعمل على خطة لمنع الإدارة في دمشق من بسط سيطرتها على المحافظات السورية الثلاث في جنوب سورية، وتمنع بعض الفصائل (عن الاندماج) وبعض القوى الروحية المتمثلة بالزعيم الروحي للطائفة الدرزية في السويداء، الشيخ حكمت الهجري، عن الدعوة لتسليم سلاح الفصائل بالمحافظة، يثير قلقاً من أن ذلك يخدم المخطط الإسرائيلي”، وفق رأيه.
وأضاف عيد: “ليس هناك يقين بوجود تنسيق بين أطراف سورية، خصوصاً في الجنوب، مع إسرائيل، لكن المؤكد أن هناك مساعي اسرائيلية في هذا الاتجاه. وسواء كان هناك تنسيق حاصل، أم مجرد جهل وعدم إدراك لخطورة الأمر، فكلتا الحالتين تعطيان الأثر نفسه”. وأضاف: “لا شك أن ما يجري في جنوب سورية له علاقة بما يجري في شمال شرق البلاد”، في إشارة إلى المناطق الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد) ذات الأغلبية الكردية.
واعتبر علي أن من الدلالات التي تجدر ملاحظتها أن دعوات التقسيم صادرة عن ذات الأطراف التي ترفض الاندماج وتسليم السلاح للدولة السورية، مع ملاحظة أن المؤتمر الذي عقد في الرقة برعاية “قسد”، حضرته شخصيات من السويداء، ضمن تنسيق بين هذه الأطراف على فكرة الفدرلة، دون الأخذ في الاعتبار وجود قوى وازنة في هذه المناطق ترفض مثل هذه الطروحات. وعقد مركز روج آفا للدراسات، المقرب من “الإدارة الذاتية” الكردية، أمس الخميس، مؤتمر حوار موازياً للمؤتمر الوطني الذي نظمته الإدارة السورية الجديدة في دمشق على مدى يومين، الثلاثاء والأربعاء، تحت عنوان “منتدى الحوار الوطني في الرقة”، والذي حمل شعار “نحو بناء سورية تعددية ديمقراطية”.
وتوقع إبراهيم البحري، وهو أحد سكان ريف حلب الشمالي الشرقي، أن ينفجر الشارع في شمال شرق سورية، والذي يشكل العرب غالبية سكانه، في حال عدم التوصل لاتفاق في المدى المنظور. وقال لـ”العربي الجديد”، إن “تعنت قسد سوف يفضي إلى توتر وتصعيد ويخلق فجوة بين السكّان من عرب وأكراد”، لافتاً إلى أن “عموم السكّان يريدون الاستقرار والأمن وعودة الحياة إلى طبيعتها، ونزع فتيل أي توتر”. وأشار إلى أن التفاهم مع دمشق “يبدد الوعيد التركي بشنّ عملية عسكرية تقوّض قسد”، ومحذراً من أن “المنطقة لا تحتمل أي حرب أخرى فالحالة الاقتصادية والمعيشية في مستوياتها الدنيا”. وأكد أن “تسريع انضمام كل المحافظات لمشروع الدولة الجديدة المطروح في دمشق، من شأنه تقوية الموقف الداخلي في البلاد في مواجهة التحديات الخارجية، وخصوصاً التي تلوح من قبل إسرائيل”.
يذكر أن دولاً عربية دانت خلال اليومين الماضيين الاعتداءات الإسرائيلية على سورية. ودانت دولة قطر أمس، بشدة قصف قوات الاحتلال الإسرائيلي مناطق سورية عدة، وعدّته اعتداء صارخاً على سيادة ووحدة سورية، وانتهاكاً سافراً للقانون الدولي. وشددت وزارة الخارجية القطرية، في بيان نشرته وكالة الأنباء القطرية قنا، على ضرورة اضطلاع المجتمع الدولي بمسؤولياته القانونية والأخلاقية لإلزام الاحتلال الإسرائيلي بالامتثال لقرارات الشرعية الدولية، ووقف الاعتداءات المتكررة على الأراضي السورية، بما يحول دون المزيد من التصعيد والتوتر في المنطقة.
كما دانت السعودية ومصر والكويت، الأربعاء الماضي، القصف الإسرائيلي على سورية، بينما رحبت الإمارات بانعقاد مؤتمر الحوار الوطني السوري، مؤكدة دعمها استقلال سورية وسيادتها على كامل أراضيها. بدوره، أعرب المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دوجاريك، أول من أمس، عن القلق البالغ إزاء الانتهاك الإسرائيلي المستمر لسيادة سورية وسلامة أراضيها.
العربي الجديد
—————————
سورية بعد سقوط النظام: هل تنجح في استعادة عافيتها؟/ مناف قومان
28 فبراير 2025
انتهت الحرب في سورية أخيراً، وتنفّس السوريون هواء الحرية بعد قرابة 14 عاماً من القتل والتدمير و60 عاماً من القهر والكبت والذل من حكم عائلة الأسد واحتكار حزب البعث للسلطة. ما إن وضعت الحرب أوزارها حتى بدأت معركة في إطار وسياق مختلف، معركة التعافي وإعادة الإعمار، فهل يمكن لسورية أن تستعيد عافيتها الاقتصادية والاجتماعية، أم أن التعافي سيظل مجرد شعار يُرفع وحسب؟
لا يقصد بالتعافي المبكر إصلاح الطرقات وترميم المباني وبناء أبراج زجاجية فقط، بل هو لحظة فاصلة بين ماضٍ مليء بالعنف والفساد وانعدام الاستقرار والعدالة، ومستقبل يفترض أن يكون أكثر استدامة من كل الجوانب. التعافي ليس إعادة بناء ما تهدّم، بل إعادة تعريف علاقة الدولة بالمجتمع وعلاقة مكونات المجتمع بعضها مع بعض، وضمان ألا يعود الاقتصاد إلى الدائرة المفرغة التي أنتجت الحرب والعنف، فأسمى أهداف التعافي هي القضاء على الأسباب الجذرية التي تسببت بالنزاع والحرب والتفكك المجتمعي.
سورية: على مفترق طرق
أسفرت الحرب المدمّرة وسلوكيات النظام خلال السنوات الماضية عن تدمير البنية التحتية، وأصابت عمق المجتمع والاقتصاد؛ فقد تشظّت البلاد بين مناطق نفوذ، وتفككت المؤسسات، وتوقف الإنتاج، وظهرت أنماط اقتصادية بديلة قائمة على التهريب والفساد والمخدرات والاقتصاد الموازي، ووجدت شريحة واسعة من الشباب نفسها بلا عمل أو دخل مستقر، فآثرت الهجرة من سورية بحثاً عن الأمان والاستقرار، فيما نشأت طبقة جديدة من المستفيدين من اقتصاد الحرب.
يشكل كل ذلك تشوهات وتحديات أمام أي محاولة للتعافي، لذا على المجتمع السوري أن يتخلص من كافة الترسبات والتشوهات التي علقت به على مدار السنوات الماضية على مستوى الاقتصاد والمجتمع، ولا يمكن الحديث عن تعافٍ اقتصادي دون معالجة تلك التشوهات الاقتصادية والاجتماعية على حدٍ سواء.
وهنا تبرز قدرة الحكومة على تصميم برنامج متكامل يتضمن رؤية وأهدافاً ووقتاً محدداً قادراً على رأب الصدع وإعادة بناء الثقة بين مكونات المجتمع، وبين الدولة والمجتمع، وإعادة تشغيل عجلة الإنتاج وخلق بيئة اقتصادية قادرة على استيعاب الشباب والعاطلين من العمل.
تحتاج المجتمعات الخارجة من النزاع إلى ما هو أكثر من إعادة إعمار المباني المدمرة، تحتاج إلى إعادة تشكيل العقد الاجتماعي وطي صفحة الماضي، وخلق فرص جديدة لمن كانوا ضحايا الحرب. تحتاج إلى المصالحة المجتمعية، وإن بدت قضية غير اقتصادية، إلا أنها ركن أساسي في أي خطة تعافٍ، لأن أي اقتصاد لا يمكن أن يزدهر في ظل مجتمع منقسم ومتوتر، وعليه فإن أولى خطوات التعافي استعادة الاستقرار الاجتماعي.
على المستوى المؤسسي، لا يمكن الحديث عن اقتصاد مستقر دون إصلاح مؤسسات الدولة، حيث قوّض النظام هذه المؤسسات ووظفها في خدمة الآلة العسكرية ونهجه المدمّر للمجتمع والاقتصاد، حتى باتت تلك المؤسسات عاجزة عن تقديم أبسط الخدمات الأساسية، وأصبحت في بعض الأحيان جزءاً من المشكلة بدلاً من أن تكون جزءاً من الحل من خلال تحويلها إلى أدوات للقمع وكبت الحريات والإجرام. وعليه يشكل إصلاح هذه المؤسسات، من المركزية المطلقة والبيروقراطية الثقيلة والفساد، أولوية، والعمل نحو التحول إلى مؤسسات أكثر كفاءة ومرونة استعداداً لخدمة المواطنين خلال المرحلة القادمة.
أما على الصعيد الاقتصادي، تُعد إعادة تشغيل القطاعات الإنتاجية مفتاح التعافي الحقيقي، إذ لا يمكن لسورية أن تعتمد إلى الأبد على المساعدات الإنسانية أو المشاريع قصيرة الأمد، بل ينبغي أن تعيد بناء أمنها الغذائي من خلال إعادة إنعاش القطاع الزراعي، وإعادة ألق الصناعة السورية وضخ المنتج السوري إلى الأسواق الإقليمية والدولية، وإحياء قطاع الخدمات والسياحة. ويشكل دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وتوفير فرص عمل للشباب، وتحفيز الاستثمار، خطوات ضرورية للخروج من الأزمة على المديين القصير والمتوسط.
التحديات التي تواجه التعافي
لا شك أن التحديات التي تواجه سورية في هذه المرحلة كثيرة، حيث لا تزال التوترات الاجتماعية قائمة في بعض المناطق، كما في جنوب سورية وشمال شرقها، ومناطق الساحل، ولا تزال البنية التحتية بحاجة إلى سنوات من العمل والبناء، وتعاني المؤسسات المحلية من ضعف وهشاشة، والموارد المالية شحيحة، إضافة إلى الفقر وانعدام الأمن الغذائي لدى فئة كبيرة من السكان، كما أن استمرار التهديدات الأمنية يعني أن كثيراً من المستثمرين ورجال الأعمال سيترددون في العودة والمشاركة في إعادة الإعمار والاستثمار. وتكمن العقبة الكبرى في إنعاش الاقتصاد في ظل العقوبات الدولية.
من جهة أخرى، خلق اقتصاد الحرب شبكة مصالح معقدة، هناك من يستفيدون من استمرار الفوضى والاقتصاد الموازي، وهؤلاء لن يكونوا متحمسين بالضرورة لعودة الاستقرار الاقتصادي. ستعني إعادة هيكلة الاقتصاد بالنسبة للبعض خسارة الامتيازات التي حصلوا عليها خلال سنوات النزاع وسيحاولون ما بوسعهم التشويش على أي قرارات تتعارض مع مصالحهم.
وعلى الرغم من كل هذه الصعوبات، يبقى المجتمع السوري هو العنصر الحاسم في أي عملية تعافٍ، ووعيه المسبق بهذه التحديات يشكل ركيزة أساسية في الانخراط بالمستقبل وإيجاد الأرضية المناسبة لابتداع الحلول والتغلب على تلك الصعوبات.
تؤكد التجارب الدولية أن المجتمعات التي تخرج من النزاعات يمكن أن تتعافى إذا تم تمكين الفئات الأكثر تضرراً، وتحويل أفرادها من ضحايا إلى فاعلين اقتصاديين. في رواندا، على سبيل المثال، استطاعت البلاد تجاوز آثار الإبادة الجماعية من خلال التركيز على المصالحة الوطنية، وتمكين المرأة، ودعم الزراعة المستدامة. في كولومبيا، ساهمت برامج التدريب والتأهيل المهني في دمج الشباب الذين كانوا جزءاً من النزاع في الاقتصاد الرسمي.
من بين الفئات التي باتت ضحية العنف والحرب الأطفال الذين أجبروا على ترك مدارسهم والانخراط في سوق العمل، والشباب الذين هاجروا أو انخرطوا في القتال، والنساء اللواتي تحمّلن أعباء الحرب. ينبغي أن يتم العمل على إعادة الأطفال إلى مقاعد الدراسة، وأن يجد الشباب فرصاً جديدة للعمل، وأن يكون للنساء دور محوري في الاقتصاد والمجتمع.
سورية اليوم ليست استثناءً عن الصراعات والنزاعات التي حصلت في العالم، يكمن الأمل في التعافي، في إعادة إشراك الفئات التي تضررت بالحرب في بناء اقتصاد جديد أكثر عدالة واستدامة. وفي ظل ندرة الموارد والتحديات الاقتصادية، يمكن أن تكون التكنولوجيا والابتكار فرصة لتعويض بعض الخسائر. من بين الأدوات التي يمكن التعويل عليها في هذه الفترة الزراعة الذكية، والتجارة الإلكترونية، والطاقات المتجددة، والتمويل الجماعي، والتدريب المهني عبر الإنترنت، والصحة الرقمية، للمساعدة في تسريع التعافي، خاصة في المناطق التي تعاني من نقص في البنية التحتية.
على سبيل المثال، استخدام الطاقة الشمسية في القرى والمدن يمكن أن يخفف أزمة الكهرباء، وتطوير تطبيقات زراعية يمكن أن يساعد المزارعين على تحسين الإنتاجية، ومنصات العمل الحر قد توفر فرصاً للشباب دون الحاجة إلى مغادرة البلاد.
تعافي سورية ليس مستحيلاً، لكنه ليس مضموناً أيضاً كما نتخيل. يعتمد النجاح على إصلاح المؤسسات، وإعادة تشغيل الاقتصاد، وتحقيق المصالحة المجتمعية والعدالة الانتقالية، مع ضمان إشراك الجميع في هذه العملية. وتنبع حساسية هذه الفترة من أن التعثر فيها قد يعيد البلاد إلى أوضاع أكثر تعقيداً. لذا، من الضروري التعامل معها بحذر ووعي، مع منحها الوقت الكافي لوضع أسس جديدة تعالج جذور الأزمة، وتستجيب للهواجس الاجتماعية والأمنية والاقتصادية، حتى لا تصبح مجرد حلقة جديدة في سلسلة الأزمات المتكررة.
العربي الجديد
—————————–
كيف تنقذ المبادرات المجتمعية السوريين؟/ سميرة المسالمة
27 فبراير 2025
عادة ما تتجدد قيم التضامن والتكافل الاجتماعي في المجتمعات الإسلامية خلال شهر رمضان، وهي لطالما كانت جزءًا أصيلًا من الثقافة السورية وفي ظل الواقع الصعب الذي يعيشه السوريون بعد 14 عامًا من حرب همجية شنها نظام بشار الأسد عليه. لم تعد المبادرات المجتمعية في سورية خيارًا تكميليًا، بل أضحت ضرورة حتمية لمواجهة الأزمة الإنسانية العميقة والمتفاقمة.
لقد دمرت الحرب الطويلة التي شنها النظام الأسدي كل مقومات الحياة في سورية، مما جعل البلاد أقرب إلى مريض في العناية المشددة، فبات أمام خيارات متساوية بين الموت والحياة، مما يضعنا أمام تساؤل حول أدوار الجمعيات الإغاثية التي كانت موزعة بين المجتمعين المعارض والموالي، وكيفية التنسيق بينهما بعد تحرير البلاد وتوحيد المجتمع بعيدًا عن التصنيف السياسي، وما هي نوافذ العمل المفتوحة بينها وبين وفود رجال الأعمال السوريين، الذين فتحت لهم أبواب القصر الجمهوري في دمشق لتقديم رؤاهم إلى الحكومة الجديدة، وليكونوا شركاء في عملية الإنعاش التي يتطلبها الواقع المدمر، وصولًا إلى تشكيل الأرضية اللازمة لما تتطلبه البيئة الجاذبة لاستثماراتهم وتطويرها؟ فالتعويل الأساسي في الوقت الراهن يقع على المجتمع نفسه، عبر مبادرات أبنائه، التي يمكن أن تشكل طوق نجاة للسوريين حتى يتمكنوا من تجاوز هذه المحنة.
من ناحية أخرى، يعد الاستثمار في الزيارات الكثيرة التي جرت ولا تزال من صناع المحتوى في وسائل التواصل الاجتماعي – بلوغر وتكتوكر وغيرهما-، فرصة مهمة لتسويق وتنظيم مبادرات مجتمعية، تهدف إلى مساعدة الفقراء وتحسين أوضاعهم المعيشية. فمن خلال التأثير الواسع الذي يمتلكه هؤلاء، أصحاب الشهرة والمتابعات، يمكنهم تسليط الضوء على القضايا الإنسانية وجذب الدعم والتبرعات من جمهورهم. ومع ذلك، يجب أن يكون هناك وعي بأهمية حماية المحتاجين من الاستغلال، حيث قد يلجأ بعض صناع المحتوى إلى استخدام صور الفقراء ومآسيهم فقط لجمع المتابعين وتحقيق الشهرة. لذلك، من الضروري أن تدار هذه المبادرات بشفافية وأخلاقية، مع احترام كرامة المستفيدين والتأكد من أن المساعدات تصل إليهم بطرق تحفظ حقوقهم وتصون إنسانيتهم.
من المعلوم أن البرامج الترفيهية هي ما تشغل المجتمعات العربية في السنوات الأخيرة، خاصة خلال شهر رمضان، إلا أنه في سورية، ومع اشتداد الأزمات خلال السنوات الأخيرة، وتدمير البنية التحتية الممنهج الذي مارسه نظام الأسد، فإن أولويات السوريين تتمثل في كيفية أداء فرض الصيام، وتجاوز محنة الفقر المدقع، وهذا ما يجعل الأمل بالمبادرات المجتمعية هذا العام يفوق ما كان عليه في الأعوام السابقة، لا سيما في ظل التطوّرات الأخيرة التي استطاعت الحكومة إنجازها، والتي ساهمت في رفع العقوبات ولو جزئيًا، عن سورية وانفتاح حركة النقل مع بعض البلدان العربية وغيرها قريبًا، وانسياب المساعدات القطرية والسعودية والخليجية إلى سورية، مع الحاجة الماسة إلى تنظيمها بما يضمن توزيعها العادل والشفاف على المحتاجين كافة.
فالمبادرات المجتمعية المنظمة تلعب دورًا هامًا في التخفيف من المآسي، وذلك من خلال الإغاثة المباشرة، مثل توفير الغذاء والدواء والمأوى للنازحين والمحتاجين. بالإضافة إلى ذلك، فإن المطلوب منها أيضًا الدعم التعليمي، والصحي والعمراني، ودعم الأسر المنتجة، وتمويل المشاريع الصغيرة، ما يسهم في خلق فرص عمل مستدامة، تتجاوز فكرة إنعاش حالة، بل علاجها الكامل والمستدام. ومن المفيد التذكير أن سورية ليست الدولة الأولى التي تواجه دمارًا شاملًا نتيجة الحرب، إلا أن خصوصيتها تنبع من أن من دمرها هو نظام الأسد الذي حكمها لما يزيد عن خمسة عقود.
“إن نجاح السوريين في تجاوز هذه المحنة لن يتحقق عبر انتظار حلول تأتي من الخارج، على أساس التبعيات أو الاصطفافات، بل عبر الاعتماد على أنفسهم أولًا واستعادة روح التضامن والتكافل”
كثيرة هي التجارب التي يمكن الاستفادة منها لمجتمعات استطاعت أن تنهض مجددًا عبر التكافل الاجتماعي، فعلى سبيل المثال، تمكن اللبنانيون، بعد الحرب الأهلية، من إعادة بناء مدنهم وشبكاتهم الاقتصادية، من خلال المبادرات المجتمعية، بالرغم من غياب الدولة الفاعلة لفترات طويلة. أما في البوسنة، فقد اعتمد المجتمع على الجمعيات المحلية لإعادة الإعمار، وتوفير الخدمات الأساسية بعد الحرب. وكذلك في ألمانيا، بعد الحرب العالمية الثانية، حيث كان المجتمع يعتمد على العمل الجماعي، والمبادرات المحلية، لإعادة الحياة إلى المدن المدمرة، وهذا ما نحتاجه اليوم في سورية، بعيدًا عن المساومات السياسية والمحاصصات الطائفية.
إن نجاح السوريين في تجاوز هذه المحنة لن يتحقق عبر انتظار حلول تأتي من الخارج، على أساس التبعيات أو الاصطفافات، بل عبر الاعتماد على أنفسهم أولًا واستعادة روح التضامن والتكافل، التي لطالما ميّزتهم، وكما قال غاندي: “أنت التغيير الذي تود رؤيته في العالم”، فإن التغيير الحقيقي يبدأ من المجتمع ذاته، بأفراده ومبادراته، قبل أن يمتد إلى السياسات الاقتصادية والاستثمارات المستقبلية. فهل فكرت أي دور يمكن أن يلعبه كل فرد فينا أمام هول هذه الكارثة الإنسانية التي خلفها النظام المخلوع؟ تلك هي قضيتنا وهذا هو دورنا.
*كاتبة سورية.
ضفة ثالثة
———————–
سلاف فواخرجي شريكة نظام الأسد…إلى الأبد/ مصطفى الدباس
الجمعة 2025/02/28
لم تكن مقابلة الممثلة السورية سلاف فواخرجي الأخيرة التي تحدثت فيها عن ليلة هروبها من سوريا، سوى استعراض فج لمزيج من الكذب والتضليل والدعاية لنظام الأسد الذي سقط في 8 كانون الأول/ديسمبر الماضي. فبدت كالعادة، نعومة مصطنعة تعيش في فقاعة منفصلة عن الواقع، مكررة الأكاذيب والنفاق السياسي نفسه منذ العام 2011، متجاهلة آلاف القتلى والمعتقلين والمفقودين الذين ذهبوا ضحية إجرام النظام، فيما هي تواصل دعمه حتى بعد سقوطه وهروب العائلة الحاكمة وأموال السوريين المنهوبة إلى موسكو.
ولم يكن حديث فواخرجي مجرد موقف سياسي، بل هو تواطؤ مباشر مع الجلاد وتبرير لجرائم الحرب، وإعادة صياغة للوقائع وفق رواية النظام السوري، متجاوزة بذلك حدود الجهل إلى الشراكة في الجريمة. وفي استعراضها، أنكرت فواخرجي الثورة السورية ووصفتها بـ”الأحداث التخريبية”، وهو المصطلح الذي استخدمه النظام منذ بداية الانتفاضة لتبرير القمع الوحشي للمتظاهرين السلميين.
وهذا الإنكار ليس سوى امتداد لنهج إعلامي مارس التزييف لعقدٍ من الزمن، مارسته سلاف في كل ظهوراتها الإعلامية منذ بداية الثورة السورية العام 2011، لكنه بات أكثر إثارة للسخرية بعد سقوط النظام وفرار رموزه، وبات يمكن تسميته خيانة عظمى للدم السوري وأرواح الضحايا وصورهم التي ملأت الفضاء الاجتماعي وأروقة منظمات حقوق الإنسان.
وفواخرجي، التي تزعم أنها محبة لوطنها وتكرر الشعارات القومية الخالية من المعنى، لم تجد في نفسها الشجاعة لتسمية الأمور بمسمياتها، وتجاهلت عمداً الجرائم التي ارتكبها الأسد بحق شعبه، كما لم تكتفِ بإنكار الثورة، بل تجاوزت ذلك إلى إنكار مجازر النظام السوري، وعلى رأسها مجزرة الكيماوي التي ارتكبها نظام الأسد المجرم في الغوطة العام 2013، وراح ضحيتها أطفال ونساء وشباب وشيوخ، معتبرة أنها مجرد “تهويل إعلامي”، بشكل يعكس انعدام الإنسانية بشكل تام، ويتماشى مع الخطاب الروسي والإيراني الذي سعى دائماً لتبرئة النظام من أي مسؤولية عن استخدام الأسلحة المحرمة دولياً.
بالطبع لا يحتاج المرء إلى فواخرجي من أجل تأكيد أو نفي المجزرة، لأن التقارير الدولية وشهادات الناجين تؤكد أن النظام استخدم غاز السارين ضد المدنيين، في واحدة من أبشع المجازر التي هزّت الضمير العالمي. وإنكار فواخرجي لن يقدم أو يؤخر في حقيقة وقوعها، لكنه يكشف تواطؤها فقط في التغطية عليها اليوم وفي الماضي، ويضعها في خانة مروجي الأكاذيب الذين يمكن مقاضاتهم بتهمة التستر على جرائم حرب.
والأسوأ من ذلك هو أن هذه الدعاية المضللة لم تأتِ في فراغ، بل تمت عبر منبر إعلامي منحها مساحة واسعة لنشر الأكاذيب والتستر على الجرائم، ومنحها سبع ساعات من الكذب والتشويه بأسلوب النعومة المصطنعة، ونفخ الذات، والتشدق بحب الأديان ونبذ العنف، لأنها تكرس ثقافة الإفلات من العقاب وتشجع على طمس الحقيقة.
وكشفت فواخرجي خلال المقابلة عن علاقتها المباشرة بماهر الأسد، شقيق رأس النظام وقائد الفرقة الرابعة، الذي يُعتبر من أكبر مجرمي الحرب في سوريا، فقالت أنها لجأت إليه فقط العام 2013 لحل “مشكلة في الوسط الفني”، من دون أن تفصح عن طبيعة هذه المشكلة. مثيرة بذلك كثيراً من علامات التعجب حول حاجة ممثلة إلى قائد عسكري مُدان بجرائم حرب لحل مشكلة شخصية؟ وما نوع النفوذ الذي كانت تملكه داخل أروقة النظام ليعطيها المجال لعرض مشكلاتها الشخصية على عائلة الأسد؟
وتفضح هذه العلاقة مدى تورط فواخرجي في المنظومة الأمنية، وتجعل منها شخصية مشبوهة، كانت على صلة مباشرة بالجلادين والمجرمين، وهو ما يضعها تحت طائلة القانون بتهمة التواطؤ مع نظام إجرامي، علماً أنها ظهرت مراراً وتكراراً مع الأسد وزوجته أسماء في لقاءات إعلامية وسياسية وشخصية على مدار السنوات.
ولم تتردد فواخرجي في مهاجمة زملائها الفنانين الذين وقفوا مع الثورة، فنفت بكل برودة أعصاب أن تكون الممثلة يارا صبري تعرضت لمنع من دخول سوريا لدفن والدتها الممثلة ثناء دبسي، رغم أن الجميع يعلم الضغوط التي تعرض لها الفنانون المعارضون، ومنهم من تم تهديده علناً بالاعتقال، أو صدرت بطاقات بحث وتقص وأوامر مباشرة باعتقاله، مثل مكسيم خليل وعبد الحيكم قطيفان، علماً أن فنانة مثل فواخرجي لا يجب أن تمتلك تلك النوعية من المعلومات الأمنية أصلأً كي تتحدث بها وتكشفها وكأنها سرّ فني أو سبق صحافي.
وحتى الممثلين الأموات لم يسلموا منها، فادعت بكل صفاقة أن الفنانة الراحلة مي سكاف، هي من طلبت بنفسها وطواعية أن يتم اعتقالها العالم 2011 من أمام القصر العدلي، وهو تصريح مليء بالحقد والتشفي تجاه فنانة رحلت عن هذه الدنيا وهي تدافع عن الحرية في المنافي، وبالطبع لم تشر إلى حالات فنانين اعتقلوا أو قتلوا تحت التعذيب أو اختفوا ولم يعرف مصيرهم، مثل سمر كوكش وزكي كورديللو وعدنان الزراعي.
وتكشف هذه التصريحات حجم الحقد الذي تحمله فواخرجي تجاه أي شخص خرج عن طاعة النظام، كما تبرز عقليتها القمعية، فلا ترى في السوريين سوى خدَم لدى نظام الأسد الذي، بحسبها، بنى سوريا الحديثة وجلب الحضارة للشعب المتخلف، وهي تصريحات لطالما تكررت في نقد الأسديين للثورة السورية بوصفها مشروعاً “جاحداً وناكراً للجميل”، بشكل يظهر نظرة هؤلاء المشوهة لمفهوم الدولة والمواطنة، وإعجابهم الحقيقي بالديكتاتورية بوصفها تحضراً، ليس فقط في سوريا بل في كثير من دول العالم، ولا تشكل مشكلة بحد ذاتها، ما يجعل الديموقراطية مثلاً كذبة ضمن المؤامرة الغربية.
ولم يقتصر نفاق فواخرجي على تمجيد الأسد، بل امتد ليشمل الدفاع عن إيران و”حزب الله”، فوصفت التدخل الإيراني في سوريا بأنه كان “لمحاربة الإرهاب”، في تكرار لرواية النظام الذي برر إدخال هذه الميليشيات الطائفية إلى سوريا تحت ذريعة “مكافحة الإرهاب”، بينما يعلم الجميع أن الميليشيات الإيرانية مارست القتل والتنكيل بحق السوريين، وكانت أداة طائفية لإبقء الأسد على كرسيه وضمان الخط المفتوح عبر سوريا لإلى العراق وإيران، إضافة إلى تغيير ديموغرافية المدن السورية بحسب تقارير حقوقية وإعلامية موثقة. ويعكس ذلك مدى السقوط الأخلاقي الذي وصلت إليه فواخرجي، حيث لم تتورع عن الدفاع عن قوى احتلال مارست القتل والنهب والتعذيب بحق شعبها.
وفي حديثها عن الدين، كشفت فواخرجي تناقضاً صارخاً، فهي تدعي أنها نشأت في بيت لم يُعلّمها دينها حتى الصف الثالث، وكانت تردد أنها “تنتمي إلى كل الأديان”. ورغم ذلك، لم تتردد في مهاجمة المشاهد التي يظهر فيها الناس وهم يصلون في الشوارع، معتبرة أن ذلك مؤذ بصرياً، متناسية أن الميليشيات الإيرانية التي تدافع عنها جاءت إلى سوريا تحت راية الطائفية الدينية تحديداً. هذا النفاق يعكس حقيقة موقفها، فهي لا ترفض التدين بحد ذاته، بل ترفض أي تعبير ديني لا يخدم أجندة النظام.
وفيما تدّعي فواخرجي أنها “محبة للناس”، كانت تواصل تلميع صورة النظام الذي اعتقل عشرات الفنانين السوريين في أقبية السجون أو أجبرهم على المنفى، أو حتى قتلهم تحت التعذيب. هذه الفنانة، التي لم تصل إلى أي مكان في مسيرتها الفنية إلا عبر منظومة المحسوبيات والفساد، بدءاً من علاقات والديها بمخرجين وفنانين أدخلوها عنوه الوسط الفني، كانت صامتة تماماً أمام الظلم الذي تعرض له زملاؤها ولم يكونوا جزءاً من منظومة التملق والولاء الأعمى.
على عكس هؤلاء الفنانين الذين عانوا القمع، لم يكن لفواخرجي أن تحظى بأي مكانة في الوسط الفني لولا النظام الذي استفادت منه، وحصلت على امتيازات جعلتها في مقدمة الفنانين الموالين، رغم أنها لا تملك أي موهبة استثنائية تبرر نجاحها، وكانت تتلقى رواتبها من إحدى المؤسسات الحكومية كموظفة “شبح”، أي أنها مسجلة كموظفة لكنها لا تعمل، وهو الأسلوب التقليدي الذي تستخدمه الأنظمة الفاسدة لإرضاء الموالين.
وتعتبر فواخرجي نموذجاً للفنانة التي صعدت على أكتاف المافيا الحاكمة، لتصبح مجرد أداة دعاية رخيصة في يد النظام، ولو فعلت ما فعله كثر من زملائها، مثل مي سكاف أو فدوى سليمان أو يارا صبري، ربما كانت ستجد نفسها اليوم في السجن أو في المنفى، لكنها فضلت الولاء للديكتاتور بدلاً من الولاء للحقيقة. ولهذا، لا يمكن اعتبارها ممثلة، بل متحدثة باسم الجلاد، وأداة أخرى من أدوات النظام الذي دمر سوريا وشرد شعبها.
ولطالما استخدم النظام السوري الفنانين كأدوات دعاية، يدفعهم لتمجيد الأسد وتكرار أكاذيبه، لكن فواخرجي تفوقت على الجميع في الولاء الأعمى، وأصبحت من القلائل ممن لم يعتذروا ومازالوا على موقفهم من نظام الأسد حتى بعد سقوطه، إلى جانب زملائها باسم ياخور ومصطفى الخاني على سبيل المثال. وفي حين تخلى العديد من الفنانين عن تأييد النظام أو انسحبوا بصمت، بقيت فواخرجي تقاتل لفظياً من أجل تبرير جرائم حرب، متجاهلة تماماً التحولات السياسية والعسكرية التي أطاحت الأسد. ويُظهر استمرارها في أداء هذا الدور، حتى بعد سقوط النظام، أنها مقتنعة تماماً بكل ما كانت تقوم به، بعكس آخرين برروا دعايتهم للنظام بالإجبار، ما يظهر أنها ليست مجرد بيدق في يد الأسد، بل شريكة فعلية في الترويج لمنظومة القمع، ما دفعها إلى الهروب في ليلة هروب الأسد نفسه، لأنها أدركت حجم الضرر الذي تسببت فيه طوال أعوام الثورة والحرب التي عمت البلاد.
ولا يمكن لهذه التصريحات الوقحة أن تمر مرور الكرام، بل يجب أن تكون دليلاً إضافياً على أن هناك شريحة من الموالين الذين يجب أن يحاكموا على تواطئهم مع القتلة، فإنكار المجازر الجماعية والتستر على مجرمي الحرب ليس مجرد موقف سياسي أو رأي شخصي، بل هو تواطؤ مباشر يمكن أن يؤدي إلى الملاحقة القانونية بحسب القوانين الدولية. فوفقاً لاتفاقية روما الخاصة بالمحكمة الجنائية الدولية، فإن أي شخص يشارك في التحريض على جرائم الحرب، أو يسهم في نشر الأكاذيب لتبرير جرائم ضد الإنسانية، يمكن أن يحاسب قانونياً بصفته متواطئاً ويلاحق في المحاكم الأوروبية.
والتاريخ مليء بالأمثلة على كيفية محاكمة أولئك الذين دافعوا عن المجرمين أو حاولوا تبرئة ساحتهم بعد سقوط أنظمتهم. بعد الحرب العالمية الثانية، تمّت محاكمة العديد من الصحافيين والدعاة الذين عملوا لصالح النظام النازي في محاكم نورنبرغ بتهمة التحريض على الكراهية والتستر على الجرائم. وفي البوسنة، تمتم إدانة شخصيات دعمت جرائم رادوفان كاراديتش وراتكو ملاديتش، حتى لو لم تكن لهم مشاركة مباشرة في المجازر، لكن دورهم في تبرير الإبادة الجماعية لم يعفِهم من المسؤولية. أما في رواندا، فقد حوكم إعلاميون دعموا نظام “الهوتو” وساهموا في التحريض على الإبادة الجماعية العام 1994. من بينهم مسؤولون في راديو “RTLM”، الذي بث خطاب الكراهية ضد أقلية التوتسي وساعد في تنظيم عمليات القتل الجماعي.
بالمقارنة مع هذه الحالات، فإن فواخرجي، التي استمرت في تبرير جرائم الأسد حتى بعد سقوطه، تُصنّف ضمن الأشخاص الذين يمكن أن تطاولهم المحاكم الدولية بوصفها متواطئة مع نظام ارتكب جرائم بحق الإنسانية وجرائم حرب موثقة، وسط حملات في وسائل التواصل تطالب بفصلها من نقابة الفنانين ورفع مذكرة بحث بحقها لدعم الإجرام وإنكار مجازر الأسد.
المدن
——————————-
لبنان وسوريا: فك الحصار والعقوبات مشروط بـ”تسوية” مع إسرائيل/ منير الربيع
الجمعة 2025/02/28
يتشابه دفتر الشروط الأميركي المفروض على لبنان مع ذاك المفروض على سوريا. على الرغم من دخول البلدين في مرحلة سياسية جديدة، ووسط الاحتضان الكبير الذي ظهر عربياً ودولياً للسلطتين الجديدتين. إلا أن المجتمع الدولي يتعاطى معهما بأنهما في حالة اختبار دائمة، وستبقى الامتحانات قائمة ومستمرة. ومع أي نوع من المساعدات يفترض أن تحصل عليه إحدى الدولتين، لا بد له أن يكون مقروناً بشروط قاسية، إما سياسياً، أو مالياً، أو عسكرياً، أو على مستوى السياسة الخارجية. الهدف الأميركي الأساسي والمعلن للوضع في المنطقة هو “السلام”، أي تكريس السلام مع إسرائيل وإنهاء الصراع، وهو ما يقتضيه “الإجهاز” على القضية الفلسطينية، ومنع قيام دولة مستقلة للشعب الفلسطيني. فمشروع ترامب لريفييرا الشرق الأوسط انطلاقاً من غزة، والفيديو الهزلي الذي نشر لترامب ونتنياهو على شواطئها، يشير بوضوح وجدية إلى النوايا الإسرائيلية الأميركية، في جعل القطاع خالياً من السكان. ذلك يُضاف إلى الإصرار الإسرائيلي على إفراغ مخيمات الضفة الغربية من السكان تمهيداً لضم الضفة بشكل كامل.
تغييرات ديموغرافية
تواصل إسرائيل سعيها وراء تحقيق مشروعها بالإرتكاز على الضغط العسكري الكبير أو الضغط السياسي، بالإضافة إلى مشاريع التهجير التي أطلقتها من قطاع غزة، وتسعى إلى إحداث بعض التغييرات الديمغرافية. حتى الآن اصطدمت تل أبيب برفض مصري وأردني لأي عملية تهجير للفلسطينيين، لكنها لم تتخل عن هذا الخيار وإن اقتضى ذلك تهجير الفلسطينيين إلى دول أخرى. في الموازة تتواصل الضغوط العسكرية على سوريا ولبنان معاً. وتعتبر إسرائيل أنها نجحت في توجيه ضربات قاسية واستراتيجية لكل حركات المقاومة أو للجهات التي تصر على مواصلة الحرب معها وضدها وترفض أي اتفاقات سلام. تعتبر إسرائيل أنها حققت ربحاً صافياً على إيران ومحورها، من خلال ضرب حلفائها عسكرياً وإضعافهم، بالإضافة إلى استمرار التلويح بإمكانية ضرب إيران نفسها، إن لم تقدم الأخيرة تنازلات كبيرة جداً لتجنّب تلك الضربة. ذلك أسهم في إبعاد إيران عن التأثير أو التحكم في الساحتين السورية واللبنانية.
تطور المسار بين إسرائيل وإيران، وبين الولايات المتحدة الأميركية وإيران هو أحد المسارات المتحكمة بمسار فرض السلام على دول المنطقة. فيما المسار الآخر هو تبلور موقف عربي أو إقليمي جامع يرفض المنهجية المشتركة الأميركية الإسرائيلية.
الضغوط والعقوبات
الضغوط التي تُمارسها واشنطن على طهران، من خلال اعتماد استراتيجية الضغوط القصوى عبر العقوبات، هي نفسها تعتمدها مع لبنان وسوريا. فعلى الرغم من الانفتاح السياسي والاحتضان الواضح للسلطتين الجديدتين، إلا أن ذلك لا يزال غير مكنوز بحجم المساعدات المطلوبة والاحتياجات الضرورية لإحداث نهضة في البلدين.
بعض المعلومات الواردة من الولايات المتحدة الأميركية تفيد بأن واشنطن غير جاهزة حتى الآن لرفع العقوبات عن سوريا، وهي لا تزال تمارس ضغوطاً على القيادة الجديدة وعلى الرئيس أحمد الشرع، وذلك يوضح أن مسار رفع العقوبات سيكون مرتبطاً بمدى الاستجابة السورية للشروط المفروضة أميركياً أو حتى إسرائيلياً على طريق فرض مسار “السلام”. ومن غير المستبعد أن تكون هناك فكرة إسرائيلية تقتضي بتهجير الفلسطينيين من غزة أو من الضفة إلى الأراضي السورية، في حال استمرت مصر والأردن على رفضهما لمشروع التهجير. وليس كلام المسؤولين الإسرائيليين عن انعدام ثقتهم بالإدارة الجديدة في سوريا إلا أسلوب جديد من أساليب الضغط للحصول على المزيد من التنازلات أو الالتزامات من قبل القيادة السورية.
لبنان أيضاً أمامه دفتر شروط واضح للحصول على المساعدات المطلوبة أو التي يحتاجها. وبما يتعلق بتقوية الجيش اللبناني وتعزيز وضعيته ليصبح قادراً على السيطرة على كامل الجغرافيا اللبنانية، فهذا يجب أن يحصل مقابل إضعاف حزب الله، ومقابل سلوك مسار سياسي جديد في السياستين الداخلية والخارجية، بالإضافة إلى فتح مسار تفاوضي مع إسرائيل يؤدي في النهاية للوصول إلى اتفاق سلام أو ما يشبهه، ربطاً بتوطين اللاجئين الفلسطينيين في لبنان وهو مشروع كان قد طُرح قبل سنوات مديدة، وكانت آخرها في العام 2017 عندما نقل هذا المقترح أحد الوزراء البريطانيين إلى السلطات اللبنانية.
كذلك لن يتمكن لبنان من تحصيل المساعدات المطلوبة إلا من خلال إحداث تغيير يتجاوز سياسته الخارجية، ليشمل كل البنية الداخلية في مؤسساته الأمنية والعسكرية، أو مؤسسات الدولة الإدارية والمدنية، بالإضافة إلى إعادة هيكلة كل وضعيته المصرفية والمالية بما يتلاءم مع الشروط الدولية ولا سيما الأميركية، فيصبح البلد خاضعاً لضوابط مفاتيح التحكم بها في الخارج وليست في الداخل.
المدن
——————————-
جنوب سوريا: مؤامرة قديمة تستفيد من أخطاء جديدة/ ناصر زيدان
الجمعة 2025/02/28
لا يمكن تبرير أي تجاوب مع الدعوات الإسرائيلية المشبوهة لفرض وضعية انفصالية خاصة في جنوب سوريا، خصوصاً في محافظة السويداء التي يقطنها أغلبية من الموحدين المسلمين الدروز. وكلام رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو الأخير لقي ردود فعل رافضة من مختلف مكونات الشعب السوري، لا سيما في السويداء، حيث خرج الآلاف من أبنائها إلى الساحات مُنددين بمواقفه، وداعين إلى لجهاد ضد إسرائيل في سبيل الحفاظ على الأرض العربية وعلى الكرامة المعروفية المتأصلة.
طموحات صهيونية
الطموحات الصهيونية في تفتيت المنطقة وتشتيت المواقف في الدول المحيطة بالكيان الغاصب؛ قديمة، وسبق أن عُرض على البدون وعلى الدروز وعلى سكان شرق النهر وعلى عرب سيناء إقامة كانتونات خاصة بهم، تفصلهم عن جذورهم العربية، ولكنها في الوقت ذاته تُنتج لهم مشكلات مع المحيط، لا يمكن التنبؤ كيف تنتهي، وحينها تتنعَّم إسرائيل بالأمن الذي يتوافر بواسطة هذا المشروع التفتيتي، لأن الآلة العسكرية وثقافة القتل؛ لا يمكن أن تحميان دولة الاحتلال المُهددة بحتمية التاريخ وبإحقاق الحق مهما طال الزمن.
سبق وأن خططت الحركة الصهيونية لفرض مشروع إقامة دولة درزية في نهاية ستينات القرن الماضي، وتمَّ التصدي للمخطط بالتعاون بين الزعيم الراحل كمال جنبلاط والرئيس المصري الأسبق جمال عبد الناصر، وسبق ذلك أيضاً رفض مشروع تهجير الدروز من فلسطين إلى جنوب سوريا إبان محنة العام 1948، وكان لموقف قائد الثورة السورية الكبرى سلطان الأطرش دوراً محورياً في إجهاض المؤامرة. والمحاولات تكررت بعد الغزو الإسرائيلي للبنان في العام 1982، وكان لوليد جنبلاط قرار حاسم في هذا السياق، واتخذ موقفاً صارماً في الانحياز مع سوريا ومع العمق العربي مهما كانت التباينات، وعدم الإنجرار وراء المشاريع الصهيونية التفتيتية المُدمرة.
قومية مستقلة
لكن التصدي للمؤامرة الصهيونية يحتاج إلى مقومات، ولا يمكن مقارعة العدوان بالخطابات الرنانة فقط، ذلك أن إسرائيل تُجنِّد مجموعات عديدة للتشويش وللدفاع عن رؤاها الواهية، وهي نجحت في إقناع بعض الدروز في كونهم “قومية مستقلة” وأصدرت قانوناً يفرض التعامل معهم وفق هذا المعيار، ولم تربأ للحقائق الدامغة التي تؤكد عروبة الدروز، بما في ذلك كونهم شريحة إسلامية توحيدية انحازت إلى العقل والحِكمة، حتى أن لغتهم العربية فصحى إلى حدود متقدمة، ومتمسكون بلفظ حروفها وفق أصولها، ولم يتأثروا بأي تحريف أو حداثة في هذا السياق.
بعض الأخطاء المقصودة أو التي تحصل عن غير قصد تخدم المؤامرة، فشرائح واسعة من الدروز أو غيرهم -خصوصاً في جنوب سوريا- تُركوا من دون أي معونة أو إسناد، وهم ذاقوا ويلات العوَز والضائقة المعيشية إبان فترة حكم بشار الأسد الذي ظلمهم وحاصرهم لأنهم لم يُطيعوه في قتال أبناء وطنهم، وتمردوا عليه. وقد تأملوا خيراً بنجاح الثورة -وهم أكثر مَن ساهم فيها- وتطلعوا إلى ملاقاة الفرج والبحبوحة، فإذا بهم يحصدون الخيبة من خلال خطوات غريبة عجيبة، وتكاد تكون تجويعية، حيث لا عمل ولا إنتاج ولا معونة، حتى أن رواتب الموظفين والمتقاعدين المُتدنية للغاية التي بالكاد تكفي لشراء الخبز، قُطعت عنهم، ولم تدفع الحكومة الجديدة المستحقات لمن ليس لهم أي ذنب في أداء العهد البائد. وصرفت الموظفين من دون أي معايير، بما يتعارض مع أبسط حقوق الإنسان، فالحق بالحياة وبالطعام مكفول حتى لدى المحكومين او السجناء.
تغلغل إسرائيلي
هذه الأخطاء، إضافة الى التهويلات والدعايات التي رافقت انتصار الثورة في سوريا، ومنها بعض المشاهد والممارسات التي أوحت بأن النظام القادم سيعتمد على مقاربات “إسلامية مُتشددة” على عكس ما أعلن الرئيس أحمد الشرع؛ سمحت للعدو بالتغلغُل في بيئات سورية مختلفة، ومنهم الدروز. وإسرائيل أعلنت أنها ستحمي مَن يتعاون معها، وهي ستقدِّم فرص عمل في المناطق المُحتلة، تصل الى حد دفع 100 دولار عن أجر اليوم الواحد للعامل، بينما لا يتقاضى الموظف مثل هذا المبلغ في شهرٍ كامل داخل سوريا. ويكمن إدراج قول الأديب جبران خليل جبران في هذا السياق كمثال ولو بعيد الشبَه، حيث ذكر في كتاب النبي “إذا أنت غنيتَ للجائع فهو يسمعك في معدته”.
الحراك المعارض للانخراط في مسيرة الدولة الجديدة في السويداء وفي غيرها، يتسلَّح بالخوف من نظام مُتشدَّد وأُحادي يُشبه ما كان قائماً، ومنهم من يتلقى معونات مالية وإغراءات وازنة، بينما الحكومة الجديدة لم تقُم بالتطمينات اللازمة في هذا السياق، لا من حيث توفير وسائل العيش الكريم، ولا من حيث تأكيد وحدة المواطنة لكل السوريين وبالمساواة، وقد استغلَّ بعض المتربصين – ومنهم رموز من حقبة النظام السابق – هذه الوضعيات للترويج للأفكار الهدامة، ومنها تخويف ما يسمى “الأقليات” من استبداد الأكثرية، وهي ثقافة ممجوجة، سبق وأن استخدمتها إسرائيل للتفريق بين مكونات الأمة.
مهما كانت ظروف الحكومة الجديدة في سوريا صعبة، وقاسية، وتحدياتها كبيرة وواسعة، لكنها مطالبة بإعادة النظر ببعض الإجراءات، وخصوصاً موضوع توقيف رواتب المتقاعدين، وإشهار احترامها للتنوع وللحريات العامة أكثر مما هو قائم. والدول العربية والصديقة مطالبة بالوقوف الى جانب سوريا الجديدة، ومساعدتها في الخروج من الضائقة المالية والمعيشية، وتحصينها دولياً بما يردع عنها العدوان الإسرائيلي المتمادي.
المدن
———————————
عن تصريحات نتنياهو العدائية تجاه سوريا الجديدة/ ماجد عزام
الجمعة 2025/02/28
أطلق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مساء الأحد، تصريحات أقرب إلى التهديدات تجاه سوريا الجديدة، حيث طالب بنزع السلاح، وعدم انتشار قوات الجيش في منطقة الجنوب السوري كلها، أي محافظات القنيطرة، درعا، والسويداء، من الحدود حتى العاصمة دمشق مع تدخل فظّ بالشؤون الداخلية، مشيراً إلى استمرار تواجد جيش الاحتلال في المنطقة العازلة وجبل الشيخ إلى أجل غير مسمى، وضمان أمن الدروز ورفض أي تهديدات لهم.
التقسيم
التصريحات الفظّة كما دائماً هدفت إلى مخاطبة الرأي العام الداخلي، وبقاء العصب المشدود في حروب إسرائيل الأبدية، ولا يقل عن ذلك خطورة وأهمية السعي لفرض إسرائيل كلاعب مؤثّر في سوريا الجديدة، وابتزاز السلطة الحاكمة بقيادة الرئيس أحمد الشرع وفريقه، وبثّ الفتنة بين مكونات الشعب السوري وصولاً إلى دعم الفدرالية والحكم الذاتي وحتى التقسيم الذي لم يعد هدفاً خافياً للسياسة الإسرائيلية ولو بشكل غير رسمي.
بداية، لا شك أن التهديدات غير شرعية وغير قانونية وفق المواثيق والمعاهدات الدولية وتستند على شريعة الغاب والقوة القهرية وتتعارض مع قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة وتحديداً اتفاقية فكّ الاشتباك بين سوريا والدولة العبرية. كما أن وجود القوات الدولية “يوندوف” في المنطقة العازلة، التي فرط فيها نظام آل الأسد، كان يجب أن يمتد على جانبي الحدود لا الجانب السوري المحرر فقط مع انتشار رسمي محدود فيها.
شد العصب الداخلي
وفيما يخص التهديدات، فقد كانت المناسبة لافتة أيضاً وتتمثل بحفل تخريج ضباط بالكلية الحربية مع تقمص نتنياهو ثوب الجنرال لشد العصب الداخلي على طريق الحروب الأبدية، وتكرار مزاعم تحقيق انتصارات وهمية، بما في ذلك إسقاط نظام بشار الأسد مع التذكير بحقيقة إن الشعب السوري العظيم وتضحياته الهائلة وغير المسبوقة (مليون شهيد ومئات آلاف الجرحى والمفقودين، وعشرات ملايين النازحين) هو من أسقط بشار الأسد بعد فشل الآلة القمعية الوحشية للنظام وإيران وميليشياتها في حمايته، ثم بقائه بفضل الاحتلال الروسي الذي تآكل تدريجياً إثر التورط والاستنزاف الروسي بالمستنقع الأوكراني، وبالتالي لا يحق لنتنياهو الادعاء بإسقاط الأسد، ولا تستحق تل أبيب أبداً زهوراً من دمشق الحرة كونها معتدية ولا تزال تحتل أراضي سورية (الجولان ومزارع شبعا) وفلسطينية أيضاً.
منع نهضة سوريا
إلى ذلك يسعى نتنياهو بفظاظة إلى فرض إسرائيل لاعباً في سوريا الجديدة والتأثير على المشهد والمستقبل فيها، وابتزاز القيادة الجديدة لفتح حوار وقنوات اتصال مع الحكومة الإسرائيلية.
ومن جهة أخرى تسعي تل أبيب بوضوح إلى منع سيرورة النهوض، وبناء المؤسسات بما فيها الأمنية والعسكرية، والنيل من هيبة العهد الجديد وإبقاء سوريا الجديدة ضعيفة عاجزة أسيرة الوقائع المفروضة إسرائيلياً.
بالسياق، تسعى تل أبيب كذلك إلى ابتزاز الدول العربية وتركيا وحتى الاتحاد الأوروبي والجهات المنخرطة بالمشهد السوري لفتح قنوات اتصال مع تل أبيب وتوفير ضمانة لها بعدم خلق تهديدات سورية أو فلسطينية سورية لها في تعبير عن الهوس الأمني وعدم الشعور بالأمان رغم ترسانتها الحربية الهائلة التقليدية وغير التقليدية.
حماية الدروز!
خفايا مماثلة تقريباً، نراها في مزاعم نتنياهو عن حماية الدروز، ورفض أي تهديدات لهم، حيث لا وجود لها أصلاً، سعياً لشق قنوات مفتوحة معهم كما الدول العربية –الأردن تحديداً -التي تسعي للقيام بمسؤولياتها في مساعدة أهل جبل العرب وسوريا بشكل عام.
الدعوات الإسرائيلية الخبيثة تسعي كذلك إلى بث الفتنة والتحريض وإضعاف سوريا الجديدة ومنع نهضتها، وترويج خطاب الفدرالية والحكم الذاتي وحتى التقسيم، علماً أن وزير الخارجية جدعون ساعر كان تبنى خطاب كهذا تجاه الأكراد بتقسيم أدوار مع زميله وزير الأمن يسرائيل كاتس.
ردود أفعال
في ردود الأفعال، شهدنا تظاهرات وفعاليات شعبية رافضة-للتصريحات والاعتداءات الجوية والبرية- في المحافظات الثلاث المعنية كما محافظات سوريا عموماً والتأكيد على وحدة البلاد ورفض أي تدخل خارجي تحديداً من قبل الاحتلال الإسرائيلي.
بالمقابل، ولمواجهة وإفشال الخطط والأهداف الإسرائيلية المعلنة، والتي لم تعد خافية يحتاج الأمر بالضرورة إلى عمل كبير من القيادة السورية الجديدة والرئيس الشرع وفريقه، بالتنسيق مع الدول العربية والإقليمية والمجتمع الدولي الداعم لسوريا الجديدة، وإطلاق حملة دبلوماسية -رغم الأعباء الجسام بعدما ترك النظام الأسد الدولة في حالة خراب ودمار كامل داخلياً وخارجياً -وعلى كافة المستويات للتحذير من تداعيات الممارسات الإسرائيلية على استقرار سوريا والمنطقة ككل، والتوجه إلى الأمم المتحدة بإصرار على التمسك باتفاقية فك الاشتباك على علاّتها بعدما فرط نظام الأسد الأب بالحقوق والممتلكات والثروات السورية، وبالسياق وجود القوات الدولية بالمنطقة العازلة ضمن القرارات الدولية ذات الصلة، للتأكيد على سورية الجولان ومزارع شبعا، حيث يتم حل الخلاف والترسيم مع لبنان بشكل ثنائي مباشر لا دخل للاحتلال فيها، مع تكريس قاعدة إن لا اتصالات مباشرة مع تل أبيب سوى عبر الأمم المتحدة وقوات يوندوف، ولا تطبيع كذلك -يتناقض مع ذهنية التوسع والمناطق العازلة للاحتلال بكل الاتجاهات، ضمن الالتزام بالإجماع العربي تجاه العلاقات مع الدولة العبرية المرتبطة بانسحابها من كافة الأراضي العربية المحتلة.
لا يقل عما سبق أهمية ضرورة القيام بعمل داخلي كبير أيضاً رغم التركة الثقيلة للنظام خاصة في السياق التنموي وفى المنطقة الجنوبية المحرومة تحديداً بظل قنوات مفتوحة مع رموزها، وكان لقاء الرئيس الشرع مع وجهاء وفعاليات درزية صباح اليوم التالي لتهديدات نتنياهو لافتاً، مع التأكيد على حضور الدولة السورية بكافة مؤسساتها وتحضير خطط تنموية للمنطقة بما في ذلك مناقشة فتح معبر مباشر بين جبل العرب والأردن، وطبعاً كل هذا على قاعدة العمل الدؤوب لقيام الدولة الديموقراطية القوية المؤسساتية الراسخة لكل مواطنيها.
أخيراً، كانت سوريا التاريخية العظيمة دوماً، وستبقي حاضرة للتصدي للغزاة، وعدم التخلي عن مسؤولياتها القومية لكن بعد إعادة البناء والتعافي، مع عدم تحميلها أكثر مما تحتمل بعدما دمرها الأسد بذرائع ولافتات مختلفة ويجب الانتباه كذلك إلى العقل الجمعي للدروز، الأكثري والوحدوي وهم لم يكونوا يوماً جزءاً من حلف الأقليات الذي اخترعته أصلاً “إسرائيل دافيد بن غوريون” قبل أن يستغله بانتهازية نظام الأسد “الأب والابن” الساقط في سوريا ولبنان والمنطقة.
المدن
—————————-
سوريا الجديدة: المعتقلون في الشارع والمؤثّرون في القصر!/ مصطفى الدباس
28.02.2025
من خلال الظهور إلى جانب شخصيات مؤثرة قريبة من الجمهور، سعى الشرع إلى تقديم نفسه كقائد متواضع ومنفتح، في محاولة لكسر الصورة العسكرية الصارمة المرتبطة بماضيه كمقاتل سابق في القاعدة، ولتخفيف المخاوف من توجهاته الإسلامية المتشددة، ووفر له مساحة أكثر أمانًا للتحكم في الخطاب الإعلامي، بعيداً عن الأسئلة الحرجة التي قد يطرحها الصحافيون التقليديون.
في كانون الأول/ ديسمبر 2024، وبعد أسبوعين فقط من سقوط نظام الأسد، استضاف القائد العام للإدارة السورية الجديدة، أحمد الشرع، مجموعة من الإعلاميين وصنّاع المحتوى، كان من بينهم الأردنيان قاسم حتو، المعروف بـ”ابن حتوتة”، وجهاد حطاب، المعروف بـ”جو حطاب”، بالإضافة إلى آخرين منهم الناشط الإعلامي المقرب من السلطات الجديدة جميل الحسن وعدد من الإعلاميين ممن عرفوا بدعمهم للإدارة الجديدة.
ووفقاً لوسائل إعلام مقربة من الشرع آنذاك، تناول اللقاء المخاوف والتطلعات المستقبلية لسوريا، ونشر “ابن حتوتة” الذي ينشر محتوى عن السفر، عبر حساباته في مواقع التواصل الاجتماعي صورة تجمعه بالشرع، معلقاً: “أول ما وصلت دمشق، تفاجأت بدعوة من فريق السيد أحمد الشرع مشكورين لحضور لقاء ودي مع مجموعة من الإعلاميين. شاركنا حواراً حول المخاوف والتطلعات المستقبلية، فرصة طيبة وأحاديث فيها أمل بمستقبل مشرق لسوريا العظيمة”.
وبغض النظر عن طبيعة المحتوى الذي يقدمه هؤلاء المؤثرون، أثارت دعوة الشرع لهم، بعد أسابيع قليلة من سقوط النظام، انتقادات واسعة. فبينما كانت المشاهد المروعة لتحرير المعتقلين تبث يومياً، والمقابر الجماعية تكتشف تباعاً، تساءل كثيرون عن الهدف الحقيقي من اللقاء، وما إذا كان هؤلاء المؤثرون قادرين على تقديم أي قيمة مضافة لسوريا في هذه المرحلة الحساسة، لا لدعم المعتقلين المحررين نفسياً، ولا لإعادة الكهرباء، أو رفع العقوبات، أو حتى توثيق فظائع الأسد، لأن العالم كله شهد تلك الفظائع، عبر تغطية إعلامية استمرت لحظة بلحظة، وعلى مدى سنوات من التقارير التي لم تغفل أي تفصيل.
وانتقد اللقاء أيضاً، إعلاميون محليون وعائلات المعتقلين المحررين، الذين خرج كثيرون منهم إلى مصير مجهول وسط تجاهل تام من وسائل الإعلام المحلية، فيما لم يسلط أي من صناع المحتوى الضوء على أوضاع هؤلاء المحررين النفسية، أو احتياجاتهم الأساسية، علماً أن كثيرين منهم خرجوا ليجدوا ألا أهل لديهم ولا منزل يعودون إليه.
دعوة صانعي المحتوى… عفوية أم استراتيجيّة؟
ربما يكون اختيار الشرع للقاء المؤثرين قبل الإعلاميين جزءاً من استراتيجية إعلامية مدروسة تهدف إلى إعادة تشكيل صورة السلطة الجديدة في سوريا بعد سقوط الأسد. فمن خلال الظهور إلى جانب شخصيات مؤثرة قريبة من الجمهور، سعى الشرع إلى تقديم نفسه كقائد متواضع ومنفتح، في محاولة لكسر الصورة العسكرية الصارمة المرتبطة بماضيه كمقاتل سابق في القاعدة، ولتخفيف المخاوف من توجهاته الإسلامية المتشددة، ووفر له مساحة أكثر أمانًا للتحكم في الخطاب الإعلامي، بعيداً عن الأسئلة الحرجة التي قد يطرحها الصحافيون التقليديون.
ويظهر ذلك ربما لمحة عن كيفية رؤية السلطات في سوريا للإعلام المستقل، عبر تهميشه. ولا يختلف ذلك كثيراً عما كان يقوم به نظام الأسد المخلوع، إذ أحاط الرئيس بشار الأسد نفسه بالفنانين والممثلين، لا بغرض تقديم نفسه كشخصية منفتحة على الفن، بل لعدم وجود صحافة أصلاً في البلاد، وبالتالي كان الفنانون هم الطبقة التي تُقدَّم من خلالها الدعاية الناعمة للتواصل مع الشعب السوري، ولهذا السبب تم اللجوء إليهم عام 2011 في شهور الثورة الأولى لتشكيل وفود منهم أرسلت الى المناطق التي شهدت تظاهرات سلمية حينها لإقناعهم بالتوقف عن ذلك، وهي شهادة قدمها الممثل السوري المعروف سامر المصري في تصريحات صحافية متكررة.
واليوم يتم استبدال الفنانين بالمؤثرين وصانعي المحتوى ذوي الانتشار الواسع لدى السوريين المعارضين لنظام الأسد ممن نبذوا الدراما المحلية في السنوات الأخيرة.
من جهة أخرى، قد يكون القرار ناتجاً من افتقار الشرع الى الخبرة السياسية وعدم إلمامه بالبروتوكولات الرسمية، ما أدى إلى ترتيب اللقاءات وفق أولويات غير تقليدية، بخاصة أنه لم يكن رئيساً حينها، ويبدو أن الشرع عموماً لم يدرك أهمية البدء بالتواصل مع الإعلام الرسمي في سياق بناء سلطة جديدة، أو أنه لم يكن محاطاً بمستشارين إعلاميين قادرين على توجيهه في كيفية إدارة المشهد الإعلامي.
كما قد يكون قد استوحى هذه الخطوة من زعماء شعبويين يعتمدون على التواصل المباشر مع الجماهير عبر المنصات الرقمية، متجاهلين دور الصحافة التقليدية في تشكيل الرأي العام على المدى الطويل، بدليل تركيز الرئيس الأميركي دونالد ترامب مثلاً على مقدمي البودكاست بدل قنوات التلفزيون في حملته الانتخابية الأخيرة.
ربما تكون هنالك أهداف سياسية أعمق وراء اللقاء، مثل إرسال رسالة داخلية وخارجية مفادها أن الحكومة الجديدة تتبنى نهجاً منفتحاً تجاه صانعي المحتوى والمدونين، وليس فقط الإعلام التقليدي الذي كان مرتبطاً بالأنظمة السابقة. وربما يسعى الشرع أيضاً إلى بناء علاقة مع جيل الشباب، مستغلاً شعبية المؤثرين للوصول إلى هذه الفئة المهمة أو قد يكون هدفه الترويج لصورة أكثر استقراراً لسوريا في مرحلة ما بعد الأسد، عبر الإيحاء بأن البلاد بدأت تتعافى، وأن مناخ الحرية والانفتاح الجديد قد يجذب الدعم والاستثمارات في المستقبل.
مكتب حكومي لإدارة المؤثرين: دعم أم رقابة؟
بعد فترة وجيزة من تشكيل الحكومة المؤقتة برئاسة محمد البشير، أعلنت وزارة الإعلام عن إنشاء مكتب حكومي لإدارة صناع المحتوى. هذا القرار يحمل وجهين متناقضين؛ فمن جهة، ربما ينظم العلاقة بين المؤثرين والدولة، لكنه قد يتحول إلى أداة رقابية تحد من حرية الإبداع وتفرض خطاباً رسمياً عليهم، بشكل يتناقض مع طبيعة صناعة المحتوى بوصفها تعبيراً عن الذات الفردية قبل أي شيء آخر.
ويعتمد مدى حرية صناع المحتوى في ظل هذا المكتب على أهدافه وآلية عمله. فإذا كان يهدف إلى تقديم دعم قانوني، وتوفير فرص تدريب وتمويل، ربما يكون خطوة إيجابية لتعزيز صناعة المحتوى كوسيلة للتعبير عن الرأي. أما إذا كان دوره الأساسي هو ضبط الرسائل الإعلامية وفق توجه حكومي، فذلك يهدد استقلالية المؤثرين ويجعلهم أدوات دعائية.
وتدرك الحكومة الانتقالية أهمية المؤثرين في الوصول إلى الجمهور، خصوصاً الشباب، في ظل تراجع تأثير الإعلام التقليدي، الذي أفسده النظام السابق بتحويله إلى أداة دعائية تهمل قضايا المواطنين. لذلك، ربما يستخدم صناع المحتوى لتحسين صورة الحكومة ونقل رسائلها بأسلوب غير رسمي وأكثر قرباً من الناس. لكن هذا يطرح تساؤلات حول مدى حريتهم في اختيار مواضيعهم وانتقاد الحكومة من دون قيود. فإذا فُرضت خطوط حمراء على المحتوى، ربما تصبح مشاركتهم شكلية، أكثر من كونها تعبيراً عن آراء مستقلّة.
على غرار ما بدأه أحمد الشرع، دعا محافظو دمشق، اللاذقية، وحلب، مجموعة من صناع المحتوى للقاءات رسمية، في خطوة تبدو جزءاً من استراتيجية إعلامية متكاملة تهدف إلى إعادة تشكيل الخطاب العام في سوريا بعد سقوط الأسد. هذه اللقاءات لا تبدو مبادرات فردية عشوائية، بل هي امتداد لنهج بدأه الشرع نفسه، ما يعكس نية واضحة لاستخدام صانعي المحتوى والـ”بلوغرز” كأداة لبناء شرعية النظام الجديد والتأثير في الرأي العام المحلي والدولي.
أثارت نوعية صانعي المحتوى المدعوين تساؤلات واسعة، تحديداً دعوة محافظ دمشق لشادي قاسو، المعروف بمحتواه الكوميدي السطحي وعلاقاته السابقة بوسائل إعلام النظام، والذي اختصر طريق الشهرة عبر صورة جمعته بحافظ الأسد الابن. هذه الخطوة قوبلت بانتقادات حادة، خصوصاً أن قاسو لم يعرف بتقديم محتوى جاد أو سياسي.
من جانب آخر، كانت دعوة مايا نجار، صاحبة ماركة للرموش الاصطناعية في دمشق، إلى اللجنة التحضيرية لمؤتمر الحوار الوطني محلّ استهجان، لأنها تقدم محتوى باذخاً وبعيداً عن واقع السوريين الذين يعيش أكثر من 90 في المئة، منهم تحت خط الفقر بحسب تقديرات الأمم المتحدة، ما جعل دعوتها تبدو منفصلة عن الواقع، وكانت النجار التقت أيضاً مع محافظ دمشق في دعوة وجهها إلى صانعي المحتوى.
وينطبق الأمر ذاته على رغد عدرة، التي كانت من أشد الموالين للنظام السابق، إذ نشرت قبل سقوطه بفترة قصيرة منشورات تحرض على إبادة إدلب، ووصفت أحمد الشرع بـ”الإرهابي”. ورغم ذلك، دعاها محافظ اللاذقية لمناقشة “قضايا مهمة”، لتظهر لاحقاً معتذرة، مدعية أنها كانت مجبرة على تأييد النظام السابق.
وأثارت دعوتها تساؤلات حول معايير اختيار الشخصيات العامة، ومدى جدية السلطة الجديدة في تجاوز خطاب الكراهية وتحقيق المصالحة الوطنية، أو ما إذا كانت هذه الخطوات مجرد إعادة تدوير لوجوه محسوبة على النظام السابق في المشهد الجديد.
والحال أن صناعة المحتوى تبقى مصطلحاً فضفاضاً يشمل المدونين لحياتهم اليومية والناشطين السياسيين والمنتقدين الاجتماعيين والساعين الى الشهرة والعاملين في الترفيه أو الذين يعبرون فقط عن ذاتهم باللباس والماكياج والرقص وغيرها… والتمييز بين تلك الفئات قد يكون محيراً لكنه ضروري في بلد مثل سوريا الأسد حيث قُمعت الحريات السياسية ومنع الأفراد من الانتقاد حتى تجاه حياتهم اليومية في ملفات كالكهرباء والخدمات.
في المقابل، كان النشاط السياسي محصوراً بالناشطين المعارضين الذين كانوا يعيشون خارج مناطق سيطرة النظام، واليوم بات هنالك واقع جديد مع إمكانية لبروز ناشطين سياسيين جدد من الداخل السوري أو حتى للتعبير عن الذات بطرق مختلفة عما كرَّسها المؤثرون الأكثر ثراء ممن كانوا يشكلون طبقة محيطة بالنظام السوري ايضاً، ما قد يعيد الى التدوين روحه الأصلية.
من بين هؤلاء في إدلب مثلاً، برز كثير من الناشطين، الذين غطوا معارك الحرب، والقصف والدمار، وقدموا قصصاً إنسانية من المخيمات والقرى المدمرة، ومن بينهم جميل الحسن الذي تحول من ناشط إنساني يوثق معاناة المدنيين في إدلب إلى شخصية إعلامية مقربة من السلطة الجديدة في سوريا، إذ بات يرافق الجيش، ويشارك في الفعاليات الرسمية، ما أثار تساؤلات حول استقلاليته. وزادت زيارته إلى قطر التكهنات حول دوره في استراتيجية إعلامية أوسع. إلى جانب ذلك، وُجهت الى الحسن اتهامات بالعنصرية والطائفية ومهاجمة الأقليات بسبب تصريحات سابقة اعتبرت تحريضية، وسط اتهامات بتبنيه خطاباً إقصائياً بدلاً من الدفع نحو المصالحة. في ظل هذا الجدل، يبقى مستقبله الإعلامي مرهوناً بمدى قدرته على الحفاظ على مصداقيته، وتقديم محتوى مستقل بعيداً عن الترويج الرسمي والخطابات المثيرة للانقسام.
صناعة المحتوى بين الحرية والرقابة
وتتبع الدول حول العالم سياسات متباينة في تعاملها مع صناع المحتوى، تراوحت بين التنظيم الصارم في الدول التي تميل للشمولية وترك مساحة من الحرية في الدول التي تفسح المجال للحريات الفردية. في الإمارات، يلزم المؤثرون بالحصول على رخصة رسمية، ما يمنح الحكومة تحكماً غير مباشر بالمحتوى. أما في الصين، فالتسجيل والتصاريح شرط أساسي للنشر، مع حظر أي خطاب يتعارض مع توجهات الدولة، وفي روسيا، تعامل القوانين المؤثرين ككيانات إعلامية رسمية، ما يقلص مساحة الحرية المتاحة لهم. في المقابل، تتبنى بعض الدول الأوروبية، مثل فرنسا وألمانيا، نموذجاً أكثر مرونة، حيث تبنى العلاقة على شراكات إعلامية غير إلزامية، ما يتيح لصناع المحتوى حرية العمل مع تشجيعهم على تناول قضايا ذات منفعة عامة.
وفي الدول التي تمر بمراحل انتقالية، يشكل التعامل مع الأصوات المعارضة اختباراً لمدى جدية السلطة في تبني نهج ديموقراطي. في سوريا الجديدة، ربما تسعى الحكومة إلى احتواء المؤثرين المخالفين عبر وسائل متعددة، مثل الإغراءات المالية، أو الضغط غير المباشر، أو فرض سياسات تقييدية من خلال مكاتب تنظيم المحتوى. إذا فُرضت قيود صارمة على المحتوى المصنف على أنه “غير ملائم سياسياً”، فربما ينشأ إعلام موجّه لا يعكس الواقع الحقيقي على الأرض.
وعلى رغم الخطاب الرسمي الداعي إلى الانفتاح، تظل المخاوف قائمة من ملاحقة المؤثرين الذين يخرجون عن الخط الرسمي. في الكثير من الدول التي شهدت تحولات سياسية، استخدمت الحكومات أساليب مختلفة لتكميم الأفواه، بدءاً من التضييق القانوني والتشهير، وصولاً إلى التهديد المباشر. وإذا تبنّت سوريا الجديدة ممارسات مماثلة، فذلك سيقوض أي محاولة حقيقية لخلق بيئة إعلامية حرة ومستقلة، ما قد يجعل الانفتاح المعلن مجرد واجهة تخفي ربما رقابة صارمة على المحتوى.
– صحافي سوري مقيم في برلين
درج
—————————–
يديعوت أحرونوت: هل يؤدي سقوط الأسد لتحسين العلاقات بين إسرائيل وسوريا؟
نعرض لكم في جولة الصحافة ليوم الخميس السابع والعشري من فبراير، مقالات تتحدث عن فرصة لـ “علاقات أفضل” بين إسرائيل وسوريا بعد سقوط حكم الرئيس السوري السابق، بشار الأسد. وعن سعي الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، إلى تشكيل علاقات جديدة بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي، إضافة إلى مقترح ترامب بامتلاك غزة وتحويلها إلى منتجع.
وفي مقالهما في صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية، بعنوان “جبل واحد لشعبين: سقوط الأسد فرصة لتحسين العلاقات بين إسرائيل وسوريا”، رأى الكاتبان شادي مارتيني، ونير بومز، أن تقديم رئيس المرحلة الانتقالية في سوريا، أحمد الشرع، وجهاً أكثر ودية للعالم “ربما يشكل فرصة لخلق نوع من العلاقات الثنائية التي يمكن أن تعيد تشكيل الشرق الأوسط”.
وقال الكاتبان، إن سوريا شاركت في كل الحروب الرئيسية ضد إسرائيل، و”ربطت مصيرها مع إيران وحزب الله واستمرت في ممارسة عدوانها ضد إسرائيل عبر لبنان، وخدمت كقاعدة متقدمة لوكلاء طهران لسنوات”.
لكن “مع بزوغ فصل جديد في سوريا، ربما حان الوقت لكتابة صفحة جديد في علاقاتها مع إسرائيل أيضاً”، يقول كاتبا المقال.
وبحسبهما فإن إسرائيل قدمت في عام 2015، خلال الحرب الأهلية في سوريا التي اندلعت عقب احتجاجات ضد نظام بشار الأسد، “مساعدات إنسانية” للمناطق السورية القريبة من حدودها، التي كانت تسيطر عليها قوات معارضة مختلفة بما فيها هيئة تحرير الشام التي يتزعمها الشرع، على حد قولهما.
وأضاف المقال أن القادة الجدد في سوريا، الذين أطاحوا بالأسد في نحو 11 يوماً، “أرسلوا رسائل إيجابية إلى المنطقة وإلى إسرائيل… وأنهما توقفا عن الإشارة إلى إسرائيل باعتبارها الكيان الصهيوني، أو فلسطين المحتلة”.
وشرحا أن القادة الجدد “على الرغم من انتقادهم لإسرائيل بسبب عملياتها العسكرية (على سوريا) إلا أنهم أشاروا لها بالاسم”.
ويعتقد الكاتبان أن “العديد من السوريين يرون أن عدوهم الحقيقي هو الأسد وحزب الله وإيران”، وأن “ظهور سوريا الجديدة من شأنه أن يعزز العلاقات مع إسرائيل على أساس شيء آخر غير العداء العسكري”، على الرغم من شن إسرائيل غارات جوية على سوريا، وسط حديث عن توغل بري لقواتها.
وقال الكاتبان إن إسرائيل تريد إيصال رسالة مفادها أن سوريا ما تزال “عدوة” بصرف النظر عن قيادتها ونواياها، لكنهما قالا “ربما هناك مساحة لرسائل أخرى”.
ولفتا إلى أن “العلاقة الإسرائيلية السورية التي تطورت بهدوء على مدى الأعوام الخمسة عشرة الماضية، أظهرت أن التعاون ممكن”، بحسب ما كتبا.
“تهور ترامب”
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مرتدياً بدلة رسمية كحلية اللون وخلفه العلم الأمريكي
EPA
وفي صحيفة الغارديان البريطانية، كتب، مارتن كيتل، مقالاً بعنوان “ترامب قد لا يعلم لكنه يعمل على صياغة علاقة جديدة بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي”.
وقال الكاتب إنه “من السخف الادعاء أننا نرى بصيص أمل خلف كل غيمة لدونالد ترامب. فهذه الغيوم كثيرة ومظلمة وخطيرة”، لكن “إذا نظرنا إليها من منظور سياسي محلي، فهناك جانب إيجابي ناشئ واضح في بريطانيا لجهود ترامب الرامية إلى تحطيم نظام ما بعد الحرب الباردة”.
وأضاف أنه عندما أصبح كير ستارمر رئيساً للوزراء في منتصف العام الماضي، “كان حزب العمال في موقف دفاعي صارم بشأن أوروبا”، حيث اعتُبِر خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي “قضية غير مستقرة انتخابياً بالنسبة لحزب كانت أولويته إعادة التواصل مع الناخبين المؤيدين للخروج”، لذلك “هُمش كل شيء يتعلق بأوروبا أثناء الانتخابات” على حد قول الكاتب.
لكن وبحسب المقال “واصل حزب العمال في الحكومة التحرك بحذر. كانت حسن النية لستارمر تجاه أوروبا واضحة في الاجتماعات الدولية، وخاصة الثنائية. لكنه ظل حذراً وقلقاً بشأن إعادة الانخراط في تفاصيل السياسة، وخاصة مع الاتحاد الأوروبي”.
ربما كانت السياسة في العلاقة بين المملكة المتحدة وأوروبا ستظل مجمدة بهدوء على مدى العامين أو الثلاثة أعوام المقبلة على الرغم من عودة ترامب، لكن حدثت أشياء كثيرة بسرعة في واشنطن منذ تنصيب الرئيس الأمريكي، يقول الكاتب.
وكان تركيز المملكة المتحدة على محاولة احتضان ترامب قدر الإمكان والابتعاد عن حرب الرسوم الجمركية بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، على ما ذكر الكاتب.
غير أن “تحول موقف” ترامب بشأن الحرب بين روسيا وأوكرانيا، كشف عن “الحجم الحقيقي للتهديد الأمني الذي قد تتعرض له أوكرانيا وأوروبا نتيجة لاتفاقه مع فلاديمير بوتين”، يضيف الكاتب.
وقال أيضاً إن ترامب “دفع بريطانيا وأوروبا إلى التقارب بشكل أسرع كثيراً مما كان ليحدث لو أصبحت كامالا هاريس رئيسة للولايات المتحدة”.
ويشير الكاتب في مقاله إلى أن “هذا التغيير هو نتاج الضرورة الناجمة عن تهور ترامب، إلا أن له جانباً إيجابياً، يجبر ستارمر على الانخراط بشكل أكثر فعالية مع أوروبا في مجال الدفاع والأمن”.
وفي صحيفة الشرق الأوسط، كتب جبريل العبيدي، مقالاً بعنوان “إعمار غزة بوجود أهلها”. قال فيه إنه “مما لا شك فيه أن إعمار غزة لن يكون نافعاً إلا بوجود أهلها مشاركين في البناء والإعمار”.
يستند الكاتب في مقاله إلى مقترح لرئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، في ملف الحديث عن إعمار غزة وهي خالية من أهلها.
وينقل الكاتب أن “الرئيس الأمريكي دونالد ترمب قال إن الفلسطينيين سيعيشون بأمان في مكان آخر غير غزة، لهذا يعتبر ترمب منتجع (مار إيه لاغو) الكبير مكاناً بديلاً لاستضافة سكان غزة. ووفق تصريحات بوريس جونسون رئيس وزراء بريطانيا الأسبق، حيث إن المكان ملك ترمب، بالتالي يمكن مبادلته مع غزة لحين استكمال الإعمار. وبالتالي هو ضمانة لاسترداد الأرض وضمان عودة الفلسطينيين لغزة مرة ثانية. هذا إذا كان ترمب صادقاً في استضافة سكان غزة ويؤلمه وجودهم بلا منازل بعد الدمار الشامل الذي قام به صديقه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو”.
ورأى الكاتب أن “إعمار غزة لن يكون نافعاً إلا بوجود أهلها مشاركين في البناء والإعمار، فاليابان عندما دمرتها الحرب والقنابل الذرية بنيت بوجود أهلها وتم الإعمار في وجودهم في بلادهم وليس خارجها”.
وقال إن “إعادة إعمار غزة يتطلب ضمان بقاء الفلسطينيين في أرضهم، فإعادة إعمار القطاع بأيدي الفلسطينيين ستوفر فرص عمل كبيرة للفلسطينيين دون الحاجة لتهجيرهم خارج فلسطين، فيمكن إعمار الشمال وإجلاء الفلسطينيين للجنوب، والعكس صحيح”.
ويشرح الكاتب أن إعمار غزة بوجود أهلها ليس بالأمر الصعب ولا المستحيل كما يصوره ترمب، “الذي يحاول معالجة إعمار غزة بعقلية تجارة العقارات من دون النظر في التبعات الجيوسياسية والديمغرافية السكانية وللبيوغرافيا المجتمعية، فقط نظر ترمب إلى سواحل ريفييرا الشرق التي تختزل الأمر في شواطئ سياحية على حساب السكان الأصليين لغزة”.
واعتبر الكاتب مقترح ترامب “تهجيراً قسرياً لسكان من أرضهم بعد أن حولتها قوة الاحتلال الإسرائيلي إلى ركام وخراب وأفسدت الأرض والماء فيها”.
وأشار الكاتب إلى “التجربة اليابانية” في عملية نقل الركام إذ “استخدمت الركام في ردم مساحات من البحر، وبذلك قد تتحصل غزة على مزيد من المساحات التي هي في حاجة كبيرة وماسة لها، وقد لا تستغرق عمليات نقل الركام بضعة أشهر وفق خبراء”.
ايلاف
——————–
تنظيم “حراس الدين” في سوريا… من البداية إلى النهاية/ عباس شريفة
انهيار البنية التنظيمية تماما في سوريا
27 فبراير 2025
نفذت قوات القيادة المركزية الأميركية غارة جوية في الشمال السوري أدت إلى مقتل المسؤول عن الأمن الداخلي في تنظيم “حراس الدين” وسيم تحسين بيرقدار في الشمال السوري يوم 21 فبراير/شباط 2025، ويأتي هذا الاستهداف بعد إعلان قيادة تنظيم “القاعدة” يوم 28 يناير/كانون الثاني 2025 عن حل فرعه في سوريا في بيان أشار إلى أن سبب الحل هو انتصار الثورة السورية. ويعد هذا الاستهداف هو الثالث من نوعه بعد إعلان التنظيم حل نفسه، ففي يوم 15 فبراير 2025 نفذت قوات القيادة المركزية الأميركية ضربة جوية في شمال غربي سوريا، استهدفت وقتلت مسؤولا بارزا في الشؤون المالية واللوجستية في تنظيم “حراس الدين”. وذكرت بعض المصادر أن من تم استهدافهم هم أبو بكر مورك، وأبو عبد الرحمن الليبي، وفضل الليبي. ونفذت الولايات المتحدة غارة جوية يوم 30 يناير 2025 أدت إلى مقتل القيادي خالد الجزراوي، المعروف بخلاد الجوفي، وليس محمد صلاح الزبير الذي أعلنت القيادة المركزية الأميركية تحييده.
في هذا المقال سنتحدث عن ظروف النشأة والتأسيس لتنظيم “حراس الدين” والبنية العسكرية، والتنظيمية وأسباب الضعف والاضمحلال.
أولا: ظروف النشأة والتأسيس
لم يكن إعلان “جبهة النصرة” لفك ارتباطها عن تنظيم “القاعدة” والتحول إلى فصيل محلي في عام 2016 وإعلان اسمها الجديد “فتح الشام” دون دفع كلفة هذا التحول الأهم في تاريخها، فقد تعرضت “فتح الشام” إلى انشقاقات داخلية لاسيما من العناصر التي لا تزال تدين بالولاء لتنظيم “القاعدة” ويرون في فك الارتباط خطوة غير شرعية أقدمت عليها قيادة “تحرير الشام”.
ففي نوفمبر/تشرين الثاني 2017 وبعد تشكل “هيئة تحرير الشام” بالتحالف مع بعض الفصائل المحلية، بدأت العناصر الموالية لـ”القاعدة” بتعليق عملها والاستعداد لإعلان تشكيل فرع “القاعدة” الجدد على أثر رسائل غاضبة من أيمن الظواهري وجهها إلى قيادة “تحرير الشام” ينفي فيها موافقته على فك الارتباط واعتبار هذه الخطوة نكث بالعهد.
وقد أدى هذا التصعيد من قيادة “القاعدة” إلى تحرك “تحرير الشام” استباقيا بحملة اعتقالات طالت كلا من سامي العريدي، وأبو جليبيب الأردني، وأبو همام الشامي، وخالد العاروري المعروف بقسام الأردني، والشرعي أبو عبد الكريم المصري، لإجهاض أية محاولة من هؤلاء المنشقين عن “تحرير الشام” لإعادة تشكيل فرع لـ”القاعدة” لكن تحت حملة الضغط الإعلامية التي تعرضت لها “تحرير الشام” من داخلها أجبرت على إطلاق سراحهم، لكن هذه المجموعة تعرضت في هذه الآونة لخسارة كبيرة على مستوى القيادة العسكرية، فقد قتل أسامة نمورة المعروف بأبو عمر بنش القائد العسكري السابق لـ”جيش الفتح” في غارة من التحالف الدولي كما قتل أبو الخير المصري مندوب تنظيم “خرسان” إلى سوريا بغارة للتحالف الدولي.
وبعد إطلاق سراح المعارضين لفك الارتباط عن تنظيم “القاعدة”، كان الإعلان رسميا عن تأسيس تنظيم “حراس الدين” في 27 فبراير 2018، كفرع لتنظيم “القاعدة” في سوريا، والذي وصف نفسه على معرفاته الرسمية بأنه ”تنظيم إسلامي من رحم الثورة السورية المباركة تسعى لنصرة المظلومين وبسط العدل بين المسلمين، والإسلام هو مصدر التشريع”.
وهنا لا بد من ذكر عدد من العوامل التي أدت لنشوب الخلاف بين “تحرير الشام” و”حراس الدين”، منها:
فك الارتباط بتنظيم “القاعدة”.
عدم اعتبار تنظيم “القاعدة” مرجعا لـ”تحرير الشام”.
رغبة “تحرير الشام” في التوحد مع فصائل “الجيش الحر”.
رفض جماعة “الحراس” إدخال الجيش التركي إلى إدلب ضمن تفاهمات آستانه.
رفض “الحراس” الالتزام بوقف إطلاق النار ووقف العمليات العسكرية، والقيام بعمليات عسكرية دون تنسيق مع باقي الفصائل.
البنية التنظيمية والعسكرية
كان تنظيم “حراس الدين” يقاد من مجلس شورى يضم ضمن أعضائه سمير حجازي (لقبه أبو همام الشامي أو فاروق السوري)، وسامي العريدي (لقبه أبو محمود الشامي) وبلال خريسات (لقبه أبو خديجة الأردني) الذي قتل في غارة للتحالف الدولي، وفرج أحمد النعنع، وأبو عبد الكريم المصري، وهناك معلومات أن سيف العدل القيادي في تنظيم “القاعدة” هو عضو مجلس شورى والذي أصبح في شهر يوليو/تموز 2022 زعيما لتنظيم “القاعدة” بعد مقتل الظواهري.
ويتولى منصب القائد العام للتنظيم سمير حجازي الملقب بأبو همام الشامي الذي كان يشغل منصب القائد العسكري العام لتنظيم “جبهة النصرة” وقد أُعلن أكثر من مرة خبر مقتله لصرف الأنظار عنه، بينما تولى القيادة العسكرية للتنظيم أبو همام الأردني.
كما يضم التنظيم الكثير من “الشخصيات الجهادية” مثل أبو بصير البريطاني وأبو أنس السعودي وحسين الكردي وأسماء أخرى كلها معروفة بولائها لتنظيم “القاعدة” الأم.
لكن التنظيم خسر الكثير من قياداته التي استهدفتها غارات التحالف الدولي كان من أبرزها إياد الطوباسي (أبو جليبيب الأردني) وخالد العاروري (قسام الأردني) وأبو ذر المصري وبلال خريسات (أبو خديجة الأردني) كما قتل أبو عبد الرحمن المكي في شهر أغسطس/آب 2024 بعد خروجه من سجون الهيئة بعامين.
كان تنظيم “حراس الدين” قبل الحملة الأمنية المستمرة من “تحرير الشام” لتفكيكه يتراوح عدد عناصره بين 800–1000 نصفهم تقريبا من المهاجرين الأجانب مع امتلاكه للسلاح المتوسط والخفيف وسيارات الدفع الرباعي والمضادات ومدافع الهاون ويتوزعون في مناطق غرب إدلب في عرب سعيد وريف جسر الشغور في الجانودية والحمامة واليعقوبية، وفي جبهات الساحل ومحور أبو دالي. ورغم ذلك كان تنظيم “حراس الدين” لا يشغل أكثر من خمس نقاط رباط ويشارك بشكل متواضع في المعارك خشية الاستنزاف ويعمل على إعادة بناء نفسه وتقوية إمكانياته وحشد العناصر إليه. أما الآن فإن البنية التنظيمية انتهت تماما ولم يعد هناك أي نشاط للتنظيم، حيث كانت آخر عملية قام بها كانت ضد قاعدة روسيا في تل السمن في شهر يناير 2021 ولم يعد يرصد له أي نشاط عسكري بعدها.
الواقع الحالي للتنظيم
ساعدت مجموعة من العوامل في ضعف التنظيم وتشظي بنيته الداخلية وجفاف موارده الاقتصادية، وتلاشي تأثيره العسكري وتحوله إلى مجموعة من الخلايا المتخفية والأفراد المنعزلة والقيادة الغائبة تماما بعد سلسلة من البيانات الشكلية التي كان ينشرها سامي العريدي لإشعار العناصر بوجود القيادة.
من هذه العوامل:
– استهداف مزدوج من “تحرير الشام” والتحالف الدولي
إضافة للحملة الأمنية التي تشنها “تحرير الشام” من خلال حواجزها ومداهمة مقرات تنظيم “حراس الدين”، فقد لعب التحالف الدولي دورا كبيرا في تقويض قوة تنظيم “حراس الدين” خلال عامي 2019 و2020، سواء عبر استهداف قياداته، أو رصد أموال طائلة لمن يدلي بمعلومات عنهم، فقد أعلن عنها برنامج مكافآت من أجل العدالة التابع لوزارة الخارجية الأميركية، كما نقلت صحيفة “نيويورك تايمز” في شهر سبتمبر/أيلول 2020 عن مسؤول أميركي أن الولايات المتحدة الأميركية تعتزم بدء حملة سرية لـ”تصفية بعض القيادات المصنفين على لوائح الإرهاب” في محافظة إدلب شمال غربي سوريا وهي العملية التي خسر التنظيم فيها معظم قياداته من الصف الأول، وحاليا يعاني التنظيم من حالة التشظي الداخلي وغياب شبه كامل لقيادات الصف الأول ونقص كبير في الموارد البشرية وشح الموارد المالية مع ضعف التسليح وتخلي أغلب العناصر عن التنظيم وعدم الثقة فيه.
– تغيب القيادة وفقد السيطرة المركزية
خلال الحملة الدولية لاستهداف قيادة “حراس الدين” تكبد التنظيم خسائر فادحة حيث تم تحييد عدد من قيادات التنظيم المهمة مثل بلال خريسات (أبو خديجة الأردني)، وخالد العاروري الملقب بـ”قسام الأردني”، وبلال الصنعاني، وأبو ذر المصري. وانحسر في مواقع انتشاره ومقراته، وتوارت قيادته من الصف الأول عن الأنظار، وعلى رأسهم فاروق الشامي (أبو همام) قائد التنظيم، وسامي العريدي شرعي التنظيم، الذين لم يعرف مكان وجودهم وتدور الشكوك حول خروجهم من سوريا أصلا.
كما قامت الحملة الأمنية لـ”تحرير الشام” باستهداف مقرات وسلاح وقيادات التنظيم واعتقال عدد من قياداتهم مثل أبو عبد الرحمن المكي الذي قتل في غارة للتحالف الدولي، وأبو يحيى الجزائري الذي لا يزال في سجون “تحرير الشام”، وأبو عبد الرحمن الأردني الذي قتل في شهر سبتمبر 2024 في غارة للتحالف بعد خروجه من السجن، وخلاد الجوفي الذي قتل نهاية يناير 2025 بعد إعلان التنظيم عن حل نفسه مما دفع بقيادات التنظيم المتبقية إلى التغيب والتواري عن الأنظار والملاحقة، مثل أبو همام الشامي، وسامي العريدي.
– هزائم مستمرة تتسبب في حالة من التشظي داخلي
كان التنظيم قبل حل نفسه يعاني من عدة انقسامات داخلية أثرت بشكل كبير على تماسكه وقوته، كان سببها الاختلاف على الاستراتيجية المناسبة في مواجهة حملات “تحرير الشام” ضدهم فانقسموا بناء عليه إلى ثلاث اتجاهات رئيسة:
التيار الأول: تيار الشرعي العام للتنظيم سامي العريدي، وهو التيار الذي يمشي برؤيته القائد العام نفسه أبو همام الشامي والذي يرى أن “هيئة تحرير الشام” ترتكب الخيانة لكن لا يوجد إمكانية لقتالها في الوقت الحالي بسبب حالة الاستضعاف التي يعاني منها التنظيم.
التيار الثاني: (تيار الجزراوية) يؤمن هذا التيار بأنهم لا يستطيعون مواجهة “هيئة “تحرير الشام” لعدة اعتبارات ولكنهم يتبنون فكرة القيام بأعمال أمنية ضد قياداتها.
التيار الثالث المفاصلة: يؤمن أصحاب هذا الفكر بقدرتهم على مواجهة “هيئة تحرير الشام” وتقويمها إن لم يمكن استئصالها مثل أبو عمر منهج، أو أبو يحيى الجزائري، اللذين اعتقلتهم “هيئة تحرير الشام” بعد توقيع اتفاقية وقف القتال بين الفصيلين.
بناء على بذور هذه الاختلافات تشظت بنية التنظيم إلى شرائح متعددة:
شريحة من المعتزلين للعمل العسكري الذين التزموا بيوتهم ولم ينضموا لأي تشكيل آخر.
وهناك فئة قليلة التحقت بـ”داعش” وأغلبهم من شريحة “أنصار التوحيد” (جند الأقصى سابقا) ولا يعلم إن كان الالتحاق هو انضمام وبيعة أم مجرد انتقال لساحة عمل مشتركة ضد أعداء مشتركين في شرق الفرات والبادية السورية.
وهناك شريحة المتخفين خصوصا من قيادات الصف الأول والقيادات الأمنية الملاحقة من “تحرير الشام” والمستهدفة من التحالف الدولي لكن هذه الفئة لم تقم بصناعة خلايا نائمة ولم يكن لها أي نشاط عسكري.
ومجموعات “احتطاب” التي تقوم بالسطو على سلاح الفصائل، لإعادة بث الروح في التنظيم المتداعي.
وهناك أفراد غالبهم من السوريين دخلوا في تفاهمات مع “تحرير الشام” وأعلنوا مفارقتهم تماما لـ”الحراس”.
– انكشاف أمني وغربة عن الحاضنة الشعبية
كانت مشكلة “حراس الدين” إضافة لصغر حجمه كفصيل أن نصف جنوده من المقاتلين الأجانب من الذين لا يحتكون بالحاضنة الشعبية وليس لديهم جذور اجتماعية يحتمون بها، وهو ما أفقدهم القدرة على التخفي بين الناس والإيواء للحواضر السكانية هروبا من الحملات الأمنية لـ”تحرير الشام”، وعرضهم لحالة من الانكشاف الأمني أمام “تحرير الشام”، وهو ما صعب عليهم القدرة على ترميم الخسائر المادية والبشرية التي تعرضوا لها، إضافة لعدم جاذبية العمليات العسكرية حاليا للحاضنة التي ربما تتسبب لهم بمزيد من القصف الروسي والمعاناة دون أي نتائج ملموسة لهذه العمليات التي صار الناس ينظرون إليها كنوع من الفعل العبثي ولم تعد بذات الجاذبية الإعلامية للمزاج العام.
– شح الموارد المادية
لقد خسر تنظيم “حراس الدين” الكثير من سلاحه الثقيل والمتوسط الذي صادرته “تحرير الشام” أثناء القتال مع التنظيم السنة الماضية ومع حملتها الأمنية التي طالت معسكرات ومقرات ومستودعات التنظيم، إضافة لفقد التنظيم للتمويل المالي بعد أن تمت ملاحقة خلايا “الاحتطاب” التابعة لتنظيم “حراس الدين” ومنع “تحرير الشام” للتنظيم من جباية الزكاة من الناس بعد أن حاول التنظيم “طلب الزكاة” لإيجاد موارد للتمويل، كما أن الحوالات المصرفية التي قد تأتي من الخارج كلها تحت مراقبة “تحرير الشام” التي تضبط عمل محلات الصرافة بشكل دقيق جدا.
عندما أعلن قائد “تحرير الشام” أحمد الشرع بيعته لـ”القاعدة” في أبريل/نيسان 2013 كان تنظيم “القاعدة” يشكل جاذبية قوية لاستقطاب العناصر الجهادية من المقاتلين الأجانب على وجه الخصوص لكن مع بروز تنظيم الدولة الإسلامية كتنظيم جهادي أكثر عنفا من “القاعدة” ومع ضعف القيادة المركزية لـ”القاعدة”. وإضافة للحرب الدولية التي طالت معظم قياداتهم في سوريا لم يعد لتنظيم “القاعدة” تلك الجاذبية التي كان يتمتع بها وصار معظم المقاتلين المحليين على وجه الخصوص ينظرون إليه على أنه مجرد عبء وسبب لمحاصرة الثورة وخلق ذرائع للاستهداف الدولي في الوقت الذي تحتاج فيه الثورة إلى العون الدولي في مواجهة النظام.
إن إعلان “حراس الدين” عن حل فصيلهم هو تأكيد للواقع المؤكد، فالتنظيم أساسا بحكم المنحل تماما منذ عام 2020. لكن رغم ذلك من المتوقع أن تستمر الولايات المتحدة والتحالف الدولي بتعقب واستهداف قيادات التنظيم في المرحلة القادمة مما سيدفع التنظيم إلى مغادرة سوريا خصوصا مع قرار حل التنظيم والإعلان عن وقف العمل تماما في سوريا.
المجلة
—————————
ماذا جرى بين عبد الله الثاني وأحمد الشرع؟/ مالك العثامنة
فرصة لدفن الماضي بين عمان ودمشق
28 فبراير 2025
ربما كانت الزيارة الثالثة له كـ”رئيس دولة” إلى خارج سوريا، والثانية له عربيا، لكنها الأولى التي تم استقباله فيها بمراسم كاملة لرئيس دولة. هذا كان وصف أحد المصادر الرسمية في العاصمة الأردنية عمّان، تعليقا على زيارة “البضع ساعات” التي قام بها الرئيس السوري أحمد الشرع إلى الأردن الأربعاء الماضي.
فعليا، كانت الزيارة السريعة جدا “وربما المتأخرة قليلا” والمبرمجة بطلب سوري قبل أيام قليلة سبقتها، مثيرة للجدل والاستغراب والدهشة، لكنها بلا شك كانت خبرا “مريحا” لعمان ودمشق على حد سواء.
الجدل الأكبر، كان في ذلك الاستقبال الاحتفالي، الذي حظي به الرئيس أحمد الشرع، لحظة وصوله مطار ماركا، وقد كان في استقباله الملك عبدالله الثاني، الذي قاد سيارته بنفسه مصطحبا ضيفه السوري، محفوفا بموكب يعرفه الأردنيون بالموكب الأحمر، وهو الموكب الاحتفالي الأكثر رفعة، ويستخدم في المناسبات الخاصة بحضور الملك، أو في استقبال كبار الشخصيات من ضيوف الدولة. الموكب الاحتفالي للرئيس السوري، توجه إلى قصر بسمان، حيث انضم إلى الاستقبال ولي العهد الأردني الأمير حسين بلباسه العسكري.
ما شاهده الجميع على الشاشات، كان اجتماعا ترأسه الملك، وولي عهده ومستشاره “ابن عمه” الأمير غازي بن محمد، ورئيس الوزراء ووزير الخارجية، ومدير مكتب الملك، ومدير الإدارة السياسية في الديوان الملكي، مقابل وفد سوري أقل حجما، ترأسه الرئيس الشرع، وإلى جانبه وزير خارجيته أسعد الشيباني.
مصدر مطلع في عمان، أفاد بأن القمة كانت على قسمين، قسم مطول ومغلق وثنائي بين الملك عبدالله الثاني والرئيس أحمد الشرع، لم يتسن لأحد الاطلاع على مجرياته، وقسم ثان كان هو المعروض على الإعلام، وفيه تم فتح ملفات الطاقة والتجارة (خصوصا السلة الغذائية) وملف المياه، بالإضافة إلى ملف الحدود بين البلدين.
ومن اللافت لأي متابع، أن زيارة الرئيس الشرع التي بدأت وانتهت يوم الأربعاء، سبقها بيوم واحد زيارة لولي العهد الأردني الأمير حسين إلى أنقرة، حيث التقى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ووصف الأمير– على حساب “إنستغرام” الرسمي له- الزيارة بأنها كانت مثمرة، وهو ما دفعني لسؤال مصدر قريب من صناعة القرار، عن الرابط بين الحدثين، ليجيب أن زيارة ولي العهد مبرمجة مسبقا منذ زمن مع تركيا، وجدول الأعمال فيها كان عن الضفة الغربية وغزة والقدس، والشأن السوري وتحولات الإقليم، بينما زيارة الشرع تمت بطلب سوري قبل وقت قصير جدا من الزيارة.
نقاط التقاطع بين البلدين كثيرة، لعل أهمها وأكثرها حيوية، هو الجغرافيا السياسية التي لا تقتصر على حدود طويلة، كانت على مدار حكم نظام عائلة الأسد حدودا متوترة، خاضعة للعلاقات المتوترة، ثم ملتهبة في الأعوام الأخيرة من المقتلة السورية، والانفلات الأمني الذي سمح لتلك الحدود أن تكون ساحة حرب معلنة على ميليشيات إيران، وأذرعها التي تهرب المخدرات والسلاح والبشر. لكن، ومع سقوط نظام الأسد، يبدو أن التقاربات بين دمشق وعمان أصبحت أكثر تناغما بعد القمة الأخيرة، وإن بدت حذرة من طرف عمان في بدايات الحكم الجديد.
الرئيس السوري الذي بدأ يتميز بأناقة هندامة مؤخرا، لا تزال صوره الأرشيفية حديثة العهد، وهو في زي أبومحمد الجولاني، الزعيم السلفي الذي كان حليفا لـ”القاعدة”، والحركات السلفية المتطرفة، قبل أن ينشق عنها، ويختفي لفترة ثم يظهر فجأة من طرف الحدود التركية في ديسمبر/كانون الأول الماضي ليجتاح مع قواته المجهزة تجهيزا جيدا، الشمال السوري ثم جنوبه، ليحاصر دمشق، ويسقط النظام في أيام قليلة، ويستلم السلطة معززا بخطابات مختلفة ومحسوبة بعناية، حملت منذ أول أيامه برقيات تسوية مع كل جواره الإقليمي، على كل تناقضات الإقليم، وكانت أولى برقياته الذكية بامتياز موجهة للرياض، مدركا حجم السعودية الإقليمي، كواسط عقد المشرق العربي كله، وإليها كانت أولى زياراته الخارجية، وهو ما يفتح له طرقا أكثر للبوابات الدولية والإقليمية.
ويبدو– حسب المستخلص من خطابات الشرع نفسه- أنه يدرك بأن خياره الوحيد للبقاء هو بالقبول الأميركي، الذي لا تكتمل شروطه دون خطابات تطمين لإسرائيل، وهو ما يجعل العلاقة بين دمشق وعمان على الأقل، بعيدة عن توترات “الخطاب المتشنج” الذي اعتادت دمشق في عهد الأسد المخلوع أن تشاكس فيه الجوار الإقليمي، وتقدم فيه أوراق اعتمادها وكيلا عن طهران في المشرق العربي.
لا يزال الرئيس الشرع “رغم شرعيته الداخلية” يستند على شرعية ثورية مأزومة، ومختنقة أحيانا بتاريخه الشخصي، وهو ما أثار الجدل في عمّان حول تلك الحفاوة بالاستقبال كرئيس دولة بكامل أهليته الرئاسية، وهي ربما برقية استدراك أردنية موجهة لدمشق بحكمها الجديد لطي صفحات قديمة، ودعوة لفتح صفحة جديدة ومطلوبة وحيوية في إقليم متسارع التغييرات.
الزيارة– حسب مصادر- لن تجترح المعجزات في إيجاد حلول سريعة للمشاكل العالقة بين البلدين منذ عقود، لكنها وضعتحجر أساس حقيقيا لمشروع عمل، وخارطة طريق، تتولاها لجان تنفيذية وفنية، وهذه المرة بإرادة سياسية في دمشق، تراها عمان جدية في العمل والسعي لدفن الماضي.
المجبة
———————————
لماذا لم يتظاهر طلاب الجامعات الغربية تضامناً مع السوريين؟/ فادي الداهوك
سؤال نتنياهو واليمين الفرنسي بعد احتجاجات ساينس بو
28-02-2025
تساءل بنيامين نتنياهو خلال مقابلة أجرتها معه قناة إل سي إي الفرنسية في أيار(مايو) الماضي، بعد تظاهرات عارمة شهدتها جامعات عديدة في الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا: أين كان كل هؤلاء الذين يتظاهرون اليوم ضد إسرائيل عندما كان نظام بشار الأسد يقتل المدنيين في سوريا؟
فكرة المقارنة بين سوريا وغزة تحولت خلال العدوان الإسرائيلي على القطاع إلى سلاح قوي للرواية الإسرائيلية حول العالم، لكن هذه المقارنة أخذت صخباً أكثر في فرنسا بسبب أصالة الحركة الطلابية وارتباطها الوثيق بالقضايا السياسية والاجتماعية الكبرى، فضلاً عن أن تركة «فرنسا الاشتراكية» ما تزال واضحة في الجامعات، إذ كثيراً ما يكون للطلاب تحركاتهم الخاصة النابعة من حساسية بالغة لقضايا العدالة الاجتماعية والحروب التي يكون لفرنسا دور ما فيها. فليلة بث مقابلة نتنياهو، قاد الطلاب تحركاً احتجاجياً جمع آلافاً من المتظاهرين أمام مبنى شبكة التلفزيون الفرنسي الذي تتبع له قناة إل سي أي، وكان من التحركات النادرة التي تحصل أمام وسيلة إعلام في فرنسا.
هذه المقارنة تُطرح باستمرار على القنوات الفرنسية الإخبارية، حتى أنها تحولت إلى استراتيجية دفاعية يسوّقها دبلوماسيون إسرائيليون مثل دولفين غامبورغ المستشارة الوزارية لشؤون العلاقات العامة في السفارة الإسرائيلية في باريس، لتدارك الصورة المتقهقرة في الغرب لما تُوصف بـ«الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط». غامبورغ، من بين دبلوماسيين كثر ينشطون لتسويق هذه المقارنة، حيث حرصت باستمرار على المقارنة بين غزة وسوريا. وكان ذلك أشبه بخطة لتحويل التركيز عن الجرائم الإسرائيلية المرتكبة في غزة عندما يتم الحديث عنها في البرامج التلفزيونية أو الإذاعية الفرنسية. وبالإضافة إلى غامبورغ، يبرز اسم المتحدث باسم الجيش الإٍسرائيلي للإعلام الفرنسي أوليفيه رافوفيتش، الذي سوّق لهذه المقارنة خلال حضوره المتواتر على وسائل الإعلام الفرنسي، وخصوصاً قناة بي إف إم، وهي استراتيجية لمخاطبة الجمهور الفرنسي تلعب بها زوجته روكسان-رواس رافوفيتش دوراً في غاية الأهمية، خصوصاً وأنها مؤسِّسة لمجموعة ستوديو فاكت التي تنتج أبرز برامج القنوات الفرنسية، ومن بينها وثائقي حماس، الدم والسلاح الذي بثته قناة فرانس 2 بعد أسبوعين فقط من عملية السابع من أكتوبر.
هذه الأسماء نجحت في إقحام المقارنة بين سوريا وغزة في النقاش العام في فرنسا، واللافت أن ذلك تزامن مع التحركات الاحتجاجية التي شهدها معهد العلوم السياسية في باريس (سيانس بو).
معهد العلوم السياسية في باريس وجامعة كولومبيا
خلال التحركات الاحتجاجية التي اجتاحت معهد العلوم السياسية في باريس، اعتبر البعض أن الطلاب «تأثّروا» بالنموذج الأميركي للاحتجاج على ما يحصل في غزة، وخصوصاً العصيان الذي شهدته جامعة كولومبيا الأميركية في نيسان (أبريل) من العام الماضي. لكن في الواقع، ما حصل هو العكس، إذ إن التحركات الاحتجاجية الطلابية امتدت من باريس إلى جامعة كولومبيا، وتحديداً من سيانس بو باريس، لأنّ أول تحرك احتجاجي شهده المعهد الباريسي المرموق كان في الثاني عشر من آذار (مارس) 2024، عندما احتل عشرات الطلاب أحد مباني المعهد، قبل أن يتحول العصيان إلى تظاهراتٍ عارمة ستمتد إلى عددٍ كبيرٍ من الجامعات والمعاهد الفرنسية، بالإضافة إلى المدارس الثانوية.
صورة العلم الفلسطيني داخل سيانس بو كانت مُحرجةً جداً للحكومة الفرنسية، فالمعهد هو المصنع الذي يخرّج أشهر الشخصيات في فرنسا أو «حُكّام البلاد»، مثل الرؤساء السابقين جاك شيراك، وجورج بومبيدو، وفرانسوا هولاند، والرئيس الحالي إيمانويل ماكرون. ومن هنا كان ردُّ الحكومة قاسياً وتطلّب ردود فعلٍ مُندّدة جاءت على لسان ماكرون ورئيس وزرائه السابق غابريال أتال، فضلاً عن وزراء وإعلاميين آخرين كانوا من خريجي المعهد، الذين تبنّوا موقف الحكومة الفرنسية في «الدعم غير المشروط لإسرائيل في الدفاع عن نفسها» بعد عملية السابع من أكتوبر.
بعد الحركة الاحتجاجية التي نفذها طلاب المعهد، أصبحت ميزانيته قضية نقاش عام في فرنسا مع إعلان رئيسة منطقة إيل دو فرانس (باريس وضواحيها) ڤاليري بيكريس تعليقَ تمويل المعهد.
تساهم منطقة إيل دو فرانس بدفع مليون يورو سنوياً في ميزانية سيانس بو، فيما تساهم الدولة بحوالي 70 مليون يورو من إجمالي الميزانية البالغة نحو 200 مليون يورو، والتي تغطي الرسومُ الدراسية النسبةَ الأكبر منها بحسب أرقام المعهد.
ويضمُّ المعهد عدداً كبيراً من الطلاب الدوليين، وخصوصاً من الولايات المتحدة الأميركية، حيث كان لهؤلاء دورٌ بارزٌ في تنظيم التحركات الاحتجاجية وتنسيقها مع جامعة كولومبيا، التي تجتمع مع معهد العلوم السياسية في باريس ببرنامج شهادة مشتركة وتبادل للطلاب.
في الباحة أمام المعهد، كان عدد الطلاب اليهود المشاركين في الاحتجاجات ملفتاً. جودي، واحدة من بين هؤلاء. تضع قلادةً فيها نجمة داوود وتحمل لافتةً كتبت عليها: «أنا يهودية، ولن أسمح أن يُمارس العنف الذي حصل ضد أجدادي خلال المحرقة على الشعب الفلسطيني».
تقول جودي لللجمهورية.نت: «إن مواضيع القانون الدولي الإنساني هي في صلب المواد التي ندرسها هنا في سيانس بو، لذلك أرى أن دولة إسرائيل تنتهك هذه القوانين اليوم، وبالتالي أعتقد أنه من المهم أن نطبّق هذه المواد التي ندرسها وما تعلمته على ما يحدث اليوم في غزة». وأضافت: «علاوةً على ذلك، بصفتي يهودية من نسل عائلةٍ ناجيةٍ من المحرقة، أشعر بحرقةٍ كبيرةٍ إزاء العنف والدمار الذي يحدث في غزة الآن، وفي جميع أنحاء إسرائيل منذ القرن الماضي وليس فقط بعد السابع من أكتوبر، وأعتقد أنه من المهم حشد الجهود لدعم الشعب الفلسطيني حتى لا يواجه العنف ذاته الذي واجهه أجدادي، ولا يلاقون مصيرهم إبان المحرقة».
مشهد مشاركة طلاب يهود كسرَ حالة الهجوم على المعهد واتهام سياسيين للطلاب بأنهم من أنصار «معاداة السامية» أو «اليسار الإسلامي»، وهو وصفٌ يطلقه أنصار اليمين واليمين المتطرف على المتظاهرين ضد سياسات الحكومة الفرنسية بشكلٍ عام. دفع ما سبق ذكره وزيرةَ التعليم العالي سيلڤي روتايو إلى حسم جدل تعليق الدعم عن المعهد، معلنةً أن ذلك لن يحصل بأي حالٍ من الأحوال، رافضةً كذلك رواية الطلاب عن «تواطؤ المعهد مع مؤسسات تعليمية إسرائيلية تدعم الحرب في غزة»، ومعلنةً أن قطع التعاون مع هذه المؤسسات لن يحصل.
لماذا لم يتظاهر هؤلاء عندما كان المتظاهرون يُقتلون في سوريا؟
بالعودة إلى تساؤل نتنياهو خلال المقابلة مع القناة الفرنسية، ينطلق رئيس الوزراء الإسرائيلي من حقيقة أن حجم الدمار الذي خلّفه النظام السوري وعدد القتلى والمهجرين مهول بقدر درجة الدمار الذي خلفته إسرائيل وعدد القتلى والمهجرين في غزة. وهذا إن بدا اعترافاً بأن اسرائيل ترتكب المجازر في غزة، لكنه اعترافٌ مشروطٌ بأن النظام السوري ارتكب جرائم أكثر.
هذه المقارنة التي راقت لعددٍ كبيرٍ من المتابعين على وسائل التواصل الاجتماعي كانت ملحوظة بشكل كبير مع بداية تحركات الطلاب وتصاعد الاحتجاجات الشعبية في فرنسا، لكن الفارق بين حالتي سوريا وغزة جوهري وكبير جداً.
يحتج الطلاب في فرنسا على تواطؤ حكوماتهم وجامعاتهم مع إسرائيل، وهو ما لم يكن موجوداً في الحالة السورية. فقبل أن تبلغ الثورة السورية عامها الأول قدّمت فرنسا دعماً لفصائل الجيش الحر في خطوةٍ كانت الأولى من نوعها من قبل قوة غربية عظمى؛ وبالتالي لم يكن موقفها متواطئاً مع النظام السوري، وهنا يغيب دافع الاحتجاج الرئيسي في حالة سوريا ويحضر في حالة غزة.
في الجانب الأميركي، يقف طلاب جامعة كولومبيا ضد الدعم العسكري الهائل الذي تقدمه الولايات المتحدة إلى إسرائيل، وهو دعمٌ يفوق ما حصلت عليه أي دولة أخرى منذ الحرب العالمية الثانية. ففي كانون الأول (ديسمبر) من العام الماضي، وافقت الإدارة الأميركية على دعم إسرائيل بما يقرب من 14 ألف خرطوشة ومعدات ذخيرة دبابات بقيمة 106.5 مليون دولار، وقذائف مدفعية 155 ملم ومعدات ذات صلة بقيمة 147.5 مليون دولار أميركي. تلك الأسلحة وصلت إلى إسرائيل بعدما تجاوز البيت الأبيض موافقة الكونغرس على الدفعتين. وفي 24 نيسان (أبريل) الماضي شملت حزمة مساعدات خارجية أقرّها الكونغرس 26.4 مليار دولار من الدعم العسكري لإسرائيل. هذا هو الحال أيضاً بالنسبة للطلاب الفرنسيين. فمن جانب باريس، يبدو الوصول إلى الأرقام الكاملة لما تحصل عليه إسرائيل صعباً جداً بسبب اختلاف آلية الدعم التي تقدمها فرنسا، فهي ليست علنية مثل نظيرتها الأميركية، إذ تورّد فرنسا الأسلحة لإسرائيل عبر طرف ثالث، وتتوقف الأرقام المعلنة للصفقات المباشرة بحسب وزارة الدفاع الفرنسية عند عتبة 20 مليون يورو سنوياً، لكن الصادرات الفرنسية التي تتم عبر طرف ثالث تتجاوز أرقامها ما تعلنه وزارة الدفاع بكثير، فبحسب موقع ديسكلوز الاستقصائي الفرنسي، منحت الحكومة الفرنسية قرابة 70 إذن تصدير سلاح إلى إسرائيل عام 2022 بقيمة 358 مليون يورو، وخلال الحرب الأخيرة في غزة سلّمت فرنسا إسرائيل 100 ألف خرطوشة للسلاح الرشاش على الأقل، فضلاً عن أن شركات السلاح الفرنسية تُطوّر أنظمة تجسس ومراقبة ومسيّرات (الزنانات) تعمل بالذكاء الاصطناعي لأهداف استخباراتية، وهو ما أكده وزير الدفاع الفرنسي سيباستيان لوكورنو في مقابلة صحفية.
ماذا عن الدعم الأكاديمي وما علاقته بالاحتجاجات؟
منذ تأسيس دولة إسرائيل، كانت الأوساط الأكاديمية الإسرائيلية متورطة في المشروع الاستيطاني بشكلٍ كامل. تم تأسيس ثلاث جامعات هدفها الأول خدمة الحركة الصهيونية في فلسطين التاريخية: الجامعة العبرية العامة على قمة جبل المشارف كجامعة شاملة ومركز لتشكيل هوية وأمة يهودية-صهيونية جماعية جديدة، ومعهد التخنيون للتكنولوجيا والعلوم في حيفا، ومعهد وايزمان للتطوير العلمي والتكنولوجي في مستوطنة رحوفوت. من هذه المؤسسات الثلاث، أنشأت ميليشيا الهاغاناه الصهيونية فيلقاً علمياً، كانت مهمته تحسين القدرات العسكرية للمليشيا، وخلال حرب عام 1948 كان الطلاب وأعضاء الهيئة التدريسية مفتاحاً أساسياً في تطوير السلاح واستراتيجيات التغيير الديموغرافي لطرد الفلسطينيين.
في بحثٍ مطول نُشر في شباط (فبراير) من العام الماضي للدكتورة مايا ويند، عضو الهيئة التدريسية في جامعة بريتش كولومبيا، وتحت عنوان: الجامعات الإسرائيلية جزء أساسي من نظام الفصل العنصري، تقول إن الجامعات الإسرائيلية صمَّمَت – ولا تزال تدير – برامج أكاديمية مُخصّصة لتدريب الجنود وقوات الأمن على تنفيذ عملهم وتعزيز عملياتهم. لقد ارتبط تطور التعليم العالي الإسرائيلي بظهور الصناعات العسكرية الإسرائيلية، ولا تزال الجامعات الإسرائيلية تدعمها. شركتا رافائيل وصناعات الطيران الإسرائيليَّتين، وهما من أكبر منتجي الأسلحة في إسرائيل، طورتا من البنية التحتية التي وضعها معهدا وايزمان والتخنيون. واليوم، تطور الجامعات الإسرائيلية مع شركات الأسلحة التكنولوجيا التي يستخدمها الجيش الإسرائيلي. هذه التكنولوجيا يتم بيعها لاحقاً في الخارج باعتبارها تكنولوجيا تم اختبارها ميدانياً أو «ثبتت فعاليتها في المعركة»، وعادة ما تكون ساحة المعركة هي غزة أو الأراضي المحتلة في الضفة الغربية.
بسبب الاحتجاجات العارمة والتحرك الطلابي الكبير ضد إسرائيل في الجامعات الفرنسية، قرّرت باريس أن تمنع هذه الشركات الإسرائيلية من حضور معرض يورو ساتوري، أحد أضخم معارض الأسلحة الدفاعية في العالم، في حزيران (يونيو) الماضي، بالإضافة إلى معرض آخر يقام في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي.
كيف تدعم الجامعات الإسرائيلية الحرب الحالية في غزة؟
أنشأت إسرائيل برامج تعليمية في عدد من الجامعات، تديرها وزارة الدفاع بشكل مباشر، لكن أبرز برنامجين هما تلبيوت Talpiot، وبساغوت Psagot.
بحسب المعلومات التي توفّرها وزارة الدفاع الإسرائيلية، فإن برنامج تلبيوت مُوجّه لوحدة النخبة التكنولوجية العسكرية الأكاديمية في إسرائيل. تأسس عام 1979، وتقوم الوزارة «بتوظيف 50 طالباً موهوباً يظهرون مهارات استثنائية في الرياضيات والعلوم، والذين يظهرون أيضا صفات قيادية».
أما برنامج بساغوت، فهو البرنامج الرئيسي للخدمات الأكاديمية العسكرية. يتم تجنيد خريجي المدارس الثانوية ذوي المواهب المتميزة في مناصب بحثية وتطويرية مهمة في قلب الأنشطة التكنولوجية للجيش الإسرائيلي، من خلال إخضاعهم لبرنامج دراسات مُكثّف في المجالات الصعبة، بما في ذلك الإلكترونيات والفيزياء وأنظمة الكمبيوتر. ويخضع المشاركون أيضاً لتدريب أكاديمي في الفيزياء الكهربائية أو هندسة البرمجيات، ويتم توزيع الخريجين في مجموعة تمتلك أدواراً متنوعة في البحث والتطوير الدفاعي.
هذان البرنامجان كانا في صلب الاحتجاجات التي شهدتها الجامعات الأميركية والفرنسية، فجامعة كولومبيا ومعهد ماساتشوستس، على سبيل المثال، يرتبطان ببرنامج قديم لتبادل الطلاب مع معهد التخنيون الإسرائيلي للتكنولوجيا، وحذت فرنسا حذو الولايات المتحدة في شهر حزيران (يونيو) عام 2020 من خلال إطلاق «تخنيون فرنسا»، وهو ثمرة تعاون بين المعهد المذكور وعدد من أعرق المؤسسات التعليمية في فرنسا مثل جامعة السوربون ومعهد العلوم السياسية سيانس بو ومدرسة البوليتكنيك وجامعة باريس دوفين… ومؤسسات تعليمية أخرى بحسب ما يوضح بيان صحفي نشر على الموقع الرسمي لـ تخنيون فرانس. كل ذلك قاد الفرنسيين، وخصوصاً الطلاب الذين يشكلون النسبة الأكبر في التظاهرات، إلى الاعتراض على أن تتورّط مؤسساتهم التعليمية في الحرب الإسرائيلية على غزة. وهذا دفع إسرائيل للاستنفار في فرنسا من أجل ضرب صدقيّة هذه الاحتجاجات من خلال تكثيف حضور الرواية الإسرائيلية في وسائل الإعلام الفرنسية، والتركيز على المقارنة بين حالتَي غزة وسوريا، حيث أجرى نتنياهو مقابلَتين حتى الآن مع قناتين فرنسيتين؛ إل سي إي في أيار (مايو) 2024، وسي نيوز في تشرين الأول (أكتوبر) من العام الماضي. وهناك اتهامات كثيرة تُوجه لمديرة مجموعة ستوديو فاكت للإنتاج التلفزيوني، وزوجها أوليفيه رافوفيتش المتحدث العسكري باسم الجيش الإسرائيلي، في بثِّ الدعاية الإسرائيلية للجمهوري الفرنسي، التي راح ضحيتها مذيع الأخبار في قناة TV5 Monde محمد قاسي، حيث «تبرّأت» القناة في بيان صحفي من مذيعها بعدما حاول عكس المقارنة خلال حوار مع رافوفيتش عندما سأله الأول: «ألا تعتقد أن الجيش الإسرائيلي يتصرف مثلما فعلت حماس في السابع من أكتوبر؟».
كل ذلك يشير إلى أن إسرائيل تولي اهتماماً بالغاً في مراقبة ومواجهة التحركات الاحتجاجية الطلابية في فرنسا على وجه الخصوص، بالرغم من أن تحركات شعبية جمعت أعداداً أكبر من تلك التي جمعتها تحركات الطلاب لم تحظَ بالاهتمام الإسرائيلي نفسه. لكن بالنظر إلى الشراكات الواسعة للجامعات الفرنسية، وخصوصاً بين معهد العلوم السياسية وجامعة كولومبيا في الولايات المتحدة حيث تدرس برامج مشتركة بين المؤسستين التعليميتين، تصبح إسرائيل في موقف صعب للغاية، فالمحتجون في الولايات المتحدة وباريس على اتصال وثيق ويومي ويُنظر إليهم على أنهم الجيل التالي الذي سيتسلّم مناصب حكومية أو مراكز مهمة في البلدين، وهؤلاء نجحوا حتى الآن في كسب الكثير من الجولات ضد إسرائيل داخل مؤسساتهم الأكاديمية؛ فمعهد العلوم السياسية في جامعة ستراسبورغ شرق فرنسا أعلن تعليق التعاون مع جامعة رايخمان، وحصل ذلك على الرغم من التجييش الإسرائيلي واستنفار اللوبي الأكبر لها في فرنسا ومقابلة نادرة مع نتنياهو على الإعلام الفرنسي الرسمي للحد من ضرر تحركات الطلاب من دون أن ينجح ذلك، بل امتد ليشمل جامعات أخرى مثل جامعة بروكسل الحرة حيث أعلنت في أواخر أيار (مايو) العام الماضي تعليق اتفاقيات التعاون مع كافة الجامعات الإسرائيلية، وكذلك جامعة ميلانو الإيطالية، التي علّقت تعاونها مع رايخمان في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي.
موقع الجمهورية
————————–
الدين للجميع والوَطن للشعب/ مضر رياض الدبس
2025.02.28
نبدأ بناءَ فكرة هذا النص من السؤال الآتي: هل الفرد، الذي لا يعتقد بصحة عَلمانية دولة يعيش فيها، “عَلماني”، أم “غير عَلماني”؟ بطريقة أوضح: أليس المُتديِّن الذي يعيش في فرنسا مثلًا، ويحمل جنسيتها، وتنطبق عليه قوانينها، هو شخصٌ علماني، حتى وإن كانت قناعاته ضد عَلمانية فرنسا، وضد العَلمانية بالمجمل؟ هل نقول إنه علماني، وغير علماني، في الوقت نفسه؟! يبدو هذا حديثٌ طويلٌ بحق، ولكن يسعى هذا التقديم إلى إثارة هذا التساؤل من أجل التفكير فيه: هل كلمة “عَلماني” صفة صالحة لتوصيف أفراد؟ وإن كانت صالحة، ألا تحيل على الدولة التي يعيش فيها الموصوف؟ وقد نميل مبدئيًا إلى القول إن الصفة منطقيًا يجب أن تلائم الموصوف، فلا نقول “إنسانٌ ماطرٌ”، أو سديمي، أو مُغبر، إلا على سبيل المجاز، لأن هذه صفات تلائم الجو، وليس البشر. والمنطق نفسه ينطبق على العلمانية؛ فهي صفة تلائم الدول، ولا تلائم الأفراد، إلا إذا صح القول بأن الإنسان ماطرٌ، والجو متقدمٌ في السن. كذلك صفات التدين، والإلحاد؛ فهي صفات تلائم الأفراد وليس الدول، فالدول لا تكون متدينةً أو ملحدةً إلا مجازًا. هذا إضافةً إلى أن “العَلمانية” مفهومٌ مؤصلٌ مسيحيًا، ونحن لا نعرف كيف يكون عَلمانيًا من لا كنيسة له، ولا نمتلك سياقًا تاريخيًا لهذه الكيفية مثل السياق الذي تقترحه السردية الغربية المسيحية؛ فكيف يكون عَلمانيًا من لم يمتلك “مارسيليو بادوفاني” خاص به، أو “مارتن لوثر” خاصًا به، ومن لم يُطوِّر بروتستانتية خاصة به؟ إلى ما هنالك.
نغادر هذه الفكرة مع أنها مهمة، ونطرح سؤالًا تقديميًا آخر: هل أنواع “الحُكم الزماني” كلها عَلمانية؟ يعني هل الحكم غير الديني، الذي يفصل الدين عن السياسة، يكون بالضرورة عَلمانيًا؟ بتقديرنا ليس دائمًا، وثمة على ذلك أمثلة كثيرة، فالدول الأيديولوجية كلها دولٌ غير علمانية لأنها لا تفصل الأيديولوجيا عن الدولة: “دولة” البعث، و”دولة” عبد الناصر، مثالان.
أحيانًا، يشعر المرء بأن الحديثَ في منطقتنا عن هذا الأمر الآن أشبه بشيءٍ طريفٍ ومضحك. الطريف أننا لم ننهِ بناء الدولة بوجهٍ ناجزٍ، وليس لدينا دولة من النوع الذي يقول المرء “إنها دولة” وهو مرتاح العقل والضمير؛ ومع ذلك نجد “علمانيين متصلبين” يريدون فصل الدين عن الدولة (التي نكاد لا نراها ولا نشعر بوجودها)، وهم مثلنا لم يصيروا مواطنين بعد، أي لا يزالوا ينتمون إلى جَمعٍ كَبيرٍ، وليس إلى “شعب”. لتصير المنطقة أمام ظاهرة نادرة وغريبة: “عَلمانيين” من دون دول!
لكي نختبر طريقة التفكير من دون دولة، ننظر في حالة باكستان مثلًا، وفيها جيشٌ قويٌ نَووي، ودولةٌ مترهلة، وفوق ذلك، فيها أيديولوجيات إسلاموية متفشية، وكمٌ كبيرٌ من الفقراء مستعدُّون ليفنوا حياتهم في أي مكانٍ من العالم بتفجيرٍ هنا، وقتلٍ هناك، لـ “إعلاء كلمة الله”، أو لـ “كي لا تسبى زينب مرتين”. يرى هؤلاء جميعهم، أن العَلمانية كفرٌ وزندقة، وليس كل “عَلماني” ملحدٌ فحسب، بل إنه طريقُ قاتله إلى الجنة! ويبدو أن هذا منهجُ الذين يفكِّرون سياسيًا من دون دولةٍ تقبع في الواقع، أو في الأفق، وهذه نوعية النتائج التي يصلون إليها، وهي للمفارقة نوعية النتائج نفسها التي وصل إليها كثيرُ العلمانيين الذين يفكرون سياسيًا من دون أفق الدولة، ولكن نتائجهم كانت بالاتجاه المعاكس أي إنهم طوَّروا كرهًا للإسلام كله، وازدراء.
في المحصلة التفكيرُ سياسيًا من دون دولةٍ في الواقع، أو في أفق العقل السياسي في أقل التقديرات، استعراضٌ عقائديٌ من نوع العَلمانية عندنا، و”الإسلاميين الجهاديين” عند الباكستانيين والأفغان: يعني أيديولوجيا العَلمانية، وأيديولوجيا الإسلام. وكلُّ ما هو أيديولوجي لا يحقق شرط التنوير الأهم، وهو التخلي عن القصور، وأن يشعر المرء بأنه غايةٌ بذاته، وليس وسيلةً لغايات الآخرين. وهكذا فإن فصل الأيديولوجيا عن الفكر السياسي، وعن السياسة، وعن الدولة، يصب في تعبير ماكس فيبر المهم: “نزع السحر عن العالم” (Disenchantment of the world). وقد نقارب هذا الصراع التقليدي الإقصائي بين “إسلامي” و”علماني” (من دون دولة)، بأنه صراعٌ من صراعات السحر بعضه مع بعض، لا يبطله إلا تثبيط عمل الأيديولوجيا.
ونصل إلى عنوان هذا النص الرئيس الآن؛ فثمة خطابٌ آخر يدخل إلى هذا النقاش من بوابة عبارة يبدو وقعها جميلًا، وصارت مع الزمن شعارًا متداولًا بوفرة وبداهةً وتسليم، وهي أن “الدين لله والوطن للجميع”. وكأن هذه العبارة صارت مُسلَّمة وصحتَها مُثبَته. ونطرح أن هذا الشعار يحتاج إلى نقدٍ وتفكير، لأن مضمونه وُلِد وتعزز في غياب مفهوم الدولة. لنفكر في المسألة كالآتي: الدين للعِباد وليس لله، والله، عند المسلمين مثلًا، غني عن العباد، لا ينفعه إيمانُهم، ولا يضرُّه إلحادُهم، بل إن الخلقَ هم المستفيدون الفائزون، أو الخاسرون، من إيمانهم أو إلحادهم؛ فالدين من الله، ولكنَّه للعباد، وليس لله. إذًا، ما الذي يمنع، أن يكون “الدين للعباد”، ولكن يظل “الوطن للجميع”، وما دخل هذه بتلك أصلًا؟ ما نطرحه هو أن الذي يمنع من ذلك هو أن الجميع لا يصنعون وطنًا، بل يصنعون جمعًا كبيرًا، وعندما نقول إن “الوطن للجميع”، نحن نضع الوطن والدين في منافسة على مفهوم “الجميع”، الأمر الذي يؤدي إلى تهيئة الأرضية لإمكان تعيين عبارة سيد قطب في كتابه “معالم في الطريق”: “جنسية المؤمن عقيدته”. إذًا هذا أدخلنا في أدلجة الدين، أو أدلجة الوطن، أو الأمران معًا كما حدث عندنا. الأيديولوجيا في هذا الموضع بديلٌ لجأ إليه حامله لعجزه عمَّا هو أفضل، هي مثل قضم الأظافر، وإدمان الكحول؛ إنها المتنفس الرمزي للاضطراب العاطفي الذي ينشأ من غياب التوازن الاجتماعي، الناتج من غياب الدولة.
إذًا، الآن، بعد هذا النقاش يمكن أن نبني مقاربة أدق فنقول إن الدين (أي دين) أفقٌ روحي للإنسانية كلها؛ فالدين هو الذي “للجميع”، ولو أعدنا التفكير في الشعار المُسلَّم بصحته، صغناه من جديدٍ كالآتي: “الدين للجميع، والوطن للمواطنين”، وهذا يساوي “الدين للجميع والوطن للشعب”؛ لأن المواطنين كلهم هم الشعب، و”الجميع” لا يعني شعبًا، بل إن الشعب لا يكون إلا بدلالة دولة متعينة.
يؤدي إقحام مفهوم الوطن مع مفهوم الجميع إلى إضعاف مفهوم الشعب، وإلى تحويل الدين والوطن إلى أيديولوجيات، وإمكان استثمارهما وقودًا لعجلة السلطة، ومن ثم إقحام الدين في مواجهة شاملة مع المجتمع، والعلوم، والثقافة، والفن، وما إلى ذلك، ثم مواجهة مفهوم الوطن نفسه، وصولًا إلى “جنسية المؤمن عقيدته”، وإيران أنموذجٌ واضحٌ لهذا الخلط في المنطقة. هكذا لا يعود الدين للجميع كما ينبغي أن يكون، بل يصير للمحكومين أيديولوجيًا فحسب، والباقي يصير تكفيرهم سهلًا وسلسًا. ولا يعود الوطن للشعب كما ينبغي أن يكون؛ بل للجميع على حساب حضور مفهوم الشعب كله، فـ “الجميع” مصطلحٌ ينافس مفهوم الشعب ويعارضه إذا سُمح له بالاستمرار في العمل في المجال السياسي، لأن الجميع مصطلحٌ يحصر التفكير في حيزٍ يغيب فيه الأفق السياسي الذي يصنعه مفهوم الدولة.
تلفزيون سوريا
———————-
من طاولة “الحوار الوطني”.. ما هو “العزل السياسي”/ مجد الويّو
تحديث 28 شباط 2025
تضمنت مخرجات البيان الختامي لمؤتمر “الحوار الوطني السوري”، المنعقد في 25 من شباط، 18 بندًا، كخطوة أساسية في مسيرة بناء الدولة السورية الجديدة، دولة الحرية والعدل والقانون، بحسب ما جاء في البيان.
وورد في البند الـ 12، الذي تضمن الحديث عن التنمية السياسية، مصطلح “العزل السياسي” للأشخاص العاملين في النظام السابق، وفق أسس ومعايير عادلة.
فما هو العزل السياسي؟ وكيف يمكن تطبيقه في الحالة السورية؟ وهل من الممكن أن يحل هذا العزل مكان العقاب أو المحاسبة للأفراد على الخلل السياسي الذي تسببوا فيه؟
وما أهمية هذا الإجراء خلال المرحلة الانتقالية؟ وتحديدًا في مسار تحقيق العدالة.
ما معنى “العزل السياسي”
يبرز مصطلح العزل السياسي في العديد من الأبحاث السياسية، والدراسات القانونية، خاصة في سياقات العدالة الانتقالية والتحولات السياسية وإعادة بناء أنظمة الدول بعد الأزمات والصراعات.
والعزل السياسي هو إجراء قانوني أو سياسي يتم بموجبه استبعاد أفراد أو جماعات من المشاركة في الحياة السياسية، سواء من خلال الترشح للمناصب العامة، أو تولي الوظائف الحكومية، أو ممارسة حقوقهم السياسية، وذلك بسبب تورطهم في جرائم سياسية، أو فساد، أو انتهاكات قانونية، أو ممارسات استبدادية، مرتبطة بالأنظمة السابقة.
كما يرتبط بمحاكمات النظام السابق، ويهدف إلى تطهير المؤسسات من العناصر التي دعمت الاستبداد، وتجريدها من الشرعية، ومنعها من التأثير في العملية السياسية الوطنية.
ويتلخص موضوع العزل السياسي، الذي نوقش في مؤتمر الحوار الوطني السوري، في منع رموز أو شخصيات أيدت نظام الأسد المخلوع علنًا في حربه على السوريين من المشاركة في العمل السياسي أو تولي مناصب في الدولة والحياة العامة، بحسب ما أوضحه الباحث في “مركز عمران للدراسات”، بدر ملا رشيد، الذي حضر الجلسة التي تناولت هذا الموضوع، في حديث إلى عنب بلدي.
وأضاف أن هذا العزل يشمل ممارسة أي نشاط سياسي أو الانخراط في الحياة السياسية، ولا يعني نزع الحقوق المدنية، مثل حق التملك أو ممارسة الحياة المدنية والأعمال الخاصة.
وفيما يتعلق بالمشاركة في الانتخابات، قال ملا رشيد إنه لا يحق للمعزولين التصويت أو الترشح، ويبقون مشمولين ضمن إجراءات العزل السياسي.
في سوريا
وقال الباحث بدر ملا رشيد إن العزل السياسي في الحالة السورية يمكن تطبيقه على الشخصيات النافذة أو الظاهرة، سواء كانوا إعلاميين، أو أعضاء في مجلس الشعب، أو قادة فروع حزبية، أو حتى محللين سياسيين أسهموا في “شرعنة” النظام سياسيًا وتبرير انتهاكاته بحق السوريين.
ولتحقيق هذا المسار، أشار ملا رشيد إلى ضرورة إعادة تفعيل القضاء، ووضع أطر وطنية، وأرشفة جميع الأشخاص المتورطين في شرعنة النظام سياسيًا على مختلف الأصعدة، سواء الدينية أو الإعلامية أو الحزبية أو المؤسساتية، مع التركيز على الذين كانوا جزءًا من مؤسسات الدولة وأسهموا في تنفيذ سياسات النظام، ولكن ليس في الجوانب البيروقراطية.
وبعد أن يقر القضاء بدورهم في الانخراط مع النظام قبل الثورة السورية وخلالها، يتم إحالتهم إلى إجراءات العزل السياسي.
دور في العدالة الانتقالية
الباحث بدر ملا رشيد قال إن العزل السياسي يعد جزءًا أساسيًا من مسار العدالة الانتقالية في سوريا، وحتى في تجارب دول أخرى مرت بظروف مماثلة.
وفي السياق السوري، يستهدف العزل السياسي الأفراد الذين لعبوا دورًا في “شرعنة” النظام سياسيًا أو إعلاميًا، سواء من خلال التأييد الصريح والمباشر أو عبر الترويج لسياساته وانتهاكاته كشخصية عامة، و يتمثل في منعهم من العودة إلى الشأن العام أو المشاركة في أي عملية سياسية مستقبلية، بحسب ملا رشيد.
ويشير أيضًا، إلى أن هذا الإجراء يهدف، على أقل تقدير، إلى الحد من التوتر المجتمعي ومنع حالة الرعب والقلق التي تصيب ضحايا النظام المخلوع.
كما يسهم في تجنب استفزاز مشاعر أهالي المفقودين والمعتقلين والمهجرين، وكل من عانى من انتهاكات النظام، عبر الحيلولة دون عودة شخصيات كانت تبرر وتدعم ممارساته خلال الثورة.
هل يحل محل المحاسبة؟
لا يمكن للعزل السياسي أن يكون بديلًا عن العقاب أو المحاسبة، بل يتم تطبيقه بشكل أساسي على الأشخاص الذين لم يشاركوا في القتال المباشر أو تنفيذ الأوامر العسكرية، لكن كان لهم دور في الإدارة السياسية للنظام، بحسب الباحث بدر ملا رشيد.
ويشمل الإجراء قادة فروع حزب البعث، والوجوه الإعلامية، والمحرضين الأساسيين، وكتاب الخطابات الرسمية، وأعضاء مجلس الشعب.
وأشار ملا رشيد إلى أن هؤلاء الأفراد سيخضعون للمحاسبة إذا ثبت تورطهم في جرائم أخرى، إلى جانب شملهم بإجراءات العزل السياسي.
ولم يتم بعد تحديد الإطار التنفيذي لهذا العزل وفقًا لاختلاف المناصب، وقال ملا رشيد، “على سبيل المثال، لا يزال النقاش مفتوحًا حول ما إذا كان أعضاء مجلس الشعب سيواجهون عقوبات إضافية مثل السجن أو الغرامات المالية، أم أن الإجراء سيقتصر على منعهم من المشاركة في الحياة السياسية”.
وأشار الباحث، تأكيدًا على ضرورة المحاسبة، إلى أن العزل السياسي لا يعني الإفلات من العقاب، ومن الممكن أن يفرض حتى في غياب أحكام قضائية باعتقال هؤلاء الأشخاص أو محاسبتهم، في الحالات التي لم تشمل تورطهم المباشر في القتل أو التورط العميق في شرعنة النظام.
وعلى الرغم من عدم حلول العزل السياسي محل المحاسبة، يبقى إجراءً ضروريًا لمنع إعادة إنتاج النظام السابق ورموزه الذين لعبوا دورًا في شرعنته، وضمان عدم عودتهم إلى المشهد السياسي مستقبلًا.
تجارب سابقة.. هل نجحت؟
عكست تجارب العزل السياسي في الدول التي شهدت انتفاضات وثورات شعبية، حالات من الجدل حول مدى تحقيقها للعدالة أو تحولها إلى أداة إقصاء سياسي.
وتوضح هذه التجارب أن نجاح العزل يعتمد على معايير واضحة وعادلة، بحيث يميز بين المحاسبة على الانتهاكات الجسيمة وبين ضمان حقوق المشاركة السياسية، بما يسهم في تحقيق المصالحة الوطنية والاستقرار الديمقراطي.
ففي مصر، كان العزل السياسي محور جدل قانوني وسياسي كبير، بعد ثورة 25 كانون الثاني وسقوط نظام حسني مبارك في شباط 2011.
واستهدف القانون في ذلك الوقت، رؤساء الجمهورية ورؤساء الوزراء وقادة الحزب الوطني المنحل، لكن تم الطعن فيه أمام المحكمة الدستورية.
وفي 14 حزيران 2012، قبل الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية، قضت لمحكمة بعدم دستوريته، مما سمح لأحمد شفيق، آخر رئيس وزراء في عهد مبارك، بالبقاء في السباق ضد الرئيس المصري السابق محمد مرسي.
العزل السياسي في مصر لم يكمل في تحقيق أهدافه، بعد إلغاء العمل به، ولم يتم تطبيق العزل السياسي فعليًا، واستمر نفوذ رموز النظام السابق في الحياة السياسية المصرية.
وفي ليبيا، صدر رسميًا قانون العزل السياسي، في 5 من أيار 2013 عن المؤتمر الوطني العام، وكان يهدف إلى منع المسؤولين الذين عملوا مع نظام معمر القذافي من تولي المناصب العامة في الدولة الجديدة.
وشمل القانون عدة فئات من المسؤولين السابقين، مثل الوزراء، السفراء، القادة العسكريين، ورؤساء الأجهزة الأمنية، وحتى بعض الشخصيات العامة الذين دعموا النظام السابق.
وكسابقه في مصر، ألغى مجلس النواب الليبي، القانون في 2 من شباط 2015، مبررًا ذلك بأنه أصبح أداة للإقصاء السياسي واستُخدم ضد بعض الشخصيات لأغراض سياسية.
وفقًا لـ “هيومن رايتس ووتش“، فإن القانون لم يميز بدقة بين المسؤولين السابقين الذين ارتكبوا انتهاكات جسيمة وبين أولئك الذين شغلوا مناصب دون التورط في جرائم، كما شكل القانون أداة سياسية أكثر من كونه وسيلة لتحقيق العدالة الانتقالية، مما دفع السلطات الليبية إلى إلغائه لضمان تحقيق المصالحة الوطنية وإرساء أسس ديمقراطية تحترم حقوق الإنسان.
وفي السودان، أقرت السلطات الانتقالية السودانية، تطبيق العزل السياسي بعد سقوط نظام عمر البشير في نيسان 2019، كجزء من جهود تفكيك النظام السابق ومنع رموزه من العودة إلى السلطة.
وفي تشرين الثاني 2019، أصدرت الحكومة الانتقالية في السودان قانون تفكيك “نظام الإنقاذ”، الذي نص على حل حزب المؤتمر الوطني (الحزب الحاكم سابقًا) ومصادرة أصوله، بالإضافة إلى استبعاد مسؤوليه من المناصب العامة.
———————
بين إعادة الهيكلة وخطط الخصخصة… ما مصير الموظّف السوري؟/ نور السيد
الجمعة 28 فبراير 2025
منذ إسقاط نظام بشار الأسد، في الثامن من كانون الأول/ ديسمبر 2024، توجّهت أنظار السوريون/ ات إلى اهتمامات عدّة، شغل الوضع الاقتصادي حيّزاً مهمّاً منها، حيث يأمِل الكثيرون في زيادات الرواتب علّها تتناسب عكسيّاً مع انخفاض الأسعار الذي بات ملموساً في الأسبوع الثاني لـ”تحرير سوريا”.
مع استلام الإدارة الجديدة زمام الأمور، انتظر عُمّال وموظّفو/ ات القطاع العام، زيادةً في رواتبهم. لكن آمالهم تضاءلت، بل تحوّلت إلى مخاوف بشأن المستقبل مع قرارات الحكومة الجديدة بالاستغناء عن عدد كبير من الموظّفين الحكوميين في القطاعات كافة تقريباً، فيما لم يكن آخرون بقوا في عملهم، أفضل حالاً في ظلّ التأخّر في صرف الرواتب.
تحدّيات اقتصادية وقرارات ضرورية
منذ تولّت الإدارة الجديدة في دمشق زمام الأمور، وجدت نفسها أمام تحدّيات ضخمة من ضمنها الوضع الاقتصادي المأزوم. وبحسب وزير المالية الحالي، محمد أبازيد، فإنه مع “تركة الخزائن الفارغة والديون الضخمة” التي ورثتها الإدارة، لا مفرّ من القول بأنّ الإصلاح الاقتصادي ينبغي أن يبدأ بالحلقة الأضعف، ألا وهي العُمّال والموظّفون، وعليه فإنه وبرغم إعلان الحكومة الجديدة زيادةً في الرواتب بنسبة 400%، إلا أنّها تفاجأت بـ”ترهّل وظيفي” و”قوائم وهميّة”، من العُمّال والموظّفين، ما استدعى تأخير صرف الرواتب إلى حين إجراء “إعادة هيكلة” تشمل مؤسّسات القطاع العام.
وفي هذا السياق، بدأت الحكومة بخفض عدد “الموظّفين الأشباح”، وفق ما تصفهم/ نّ، من خلال فصل البعض منهم ومنح البعض الآخر إجازةً مؤقتةً بأجر. وقال أبازيد، إنهم يعانون في تحديد أعداد موظّفي وعاملي القطاع العام، حيث حصلوا على عدد يقارب مليوناً وربع مليون موظّف وموظّفة من خلال سجلّات النظام السابق، إلا أنّ العدد الفعلي أقلّ من ذلك، وقد وصل إلى 950 ألف موظّف/ ة، كحدّ أقصى.
هذا التفاوت أثار مخاوف الإدارة الجديدة من المحسوبيات التي اشتهر بها النظام الساقط، بحسب أبازيد، الذي صرّح لرويترز، أيضاً، بأنّ هناك 400 ألف موظّف شبح في مفاصل الشركات الحكومية، قائلاً إنّ هذه الإصلاحات من شأنها أن تفتح الباب أمام المستثمرين في سوريا وبسط النظام الضريبي مع العفو عن العقوبات.
في غضون ذلك، أوضح وزير الاقتصاد، باسل عبد الحنان، عبر وكالة رويترز، أنّ تخفيض عدد الموظّفين والعاملين في القطاع الحكومي إلى الثلث، هدفه التخلّص من “الموظّفين الأشباح” الذين كانوا يتقاضون رواتب مقابل لا شيء أو مقابل عملٍ شكليّ.
في حين صرّح وزير التنمية الإدارية، محمد السكاف، بأنّ حاجة الدولة هي إلى أقلّ من نصف العدد الحالي، وفق رويترز. وفي وقت سابق، أعلنت وكالة الأنباء السورية (سانا)، أن صرف رواتب المتقاعدين قد بدأ، بينما أخبر وزير المالية الوكالة الرسمية، أنّ صرف الزيادة المقدّرة بـ400%، تأجّل إلى شهر شباط/ فبراير 2025. لكن موظّفين أخبروا موقع “سناك سوري” المحلي، بأنّهم لم يتسلّموا الزيادة الموعودة ضمن رواتب الشهر الجاري.
ضبابية المعايير
تقول السورية رند عكل (51 عاماً): “تفاجأتُ طبعاً حين قرأت اسمي في قائمة ضمّت 548 موظّفاً وموظّفةً ضمن المؤسسة التي أعمل فيها، ‘دوبايا’ التابعة لهيئة الطاقة الذرّية السورية، ممن منحتهم الإدارة الجديدة إجازةً مدفوعةً لمدّة ثلاثة أشهر، ناهيكِ عن الأسلوب الفظّ المتمثّل في أن أجد اسمي بجانب أسماء من عُرفوا بالفساد والمحسوبية”.
توضّح عكل، لرصيف22، أنّ “غصّتي تتلخصّ في أنني ممّن كنّوا لنظام الأسد الكره والاحتقار، حتّى أنني حين أُجبرت على انتخابه ضمن صندوق الاقتراع في المؤسسة، شطبت اسمه من قائمة المرشحين، وأنا أعلم يقيناً بأنّي أعُرّض نفسي للخطر”.
تضيف إلى ذلك، أنها عانت من مشكلات صحية في جهازها التنفسي بسبب ظروف العمل، وقد أجرت خمس عمليات جراحية، على حد قولها، مبرزةً أنّ الأمر الوحيد المريح بشأن القرار في حقها وحق زملائها، أنه “لم يستند إلى معيار طائفي إذ أنتمي إلى الطائفة السنّية”.
تعمل عكل، منذ أكثر من 25 عاماً، في قسم “الميكروبيولوجيا والمناعيات”، ضمن إحدى مؤسسات الهيئة العامة للطاقة الذرية في دمشق، وعانت مثل زملائها من فساد الإدارة السابقة في زمن الأسد، حيث تم التحقيق معهم لدى فرع الأمن السياسي على خلفية اعتقال أحد زملائها عقب كتابة تقرير أمني فيه يشكك في “ولائه” بسبب “مزحة ألقاها”، وانتهى به المطاف متّهماً بـ”محاولة إضعاف الشعور القومي”.
وعلى حد قولها، فقد مُنعت أيضاً من السفر كمعظم العاملين في الهيئة الذين عدّهم النظام السابق، موظّفين ضمن “مرافق حسّاسة”.
لكن عكل، التي استبشرت خيراً بإسقاط الأسد وبالإدارة الجديدة، تشعر بالإحباط إذ تقول: “توجّهتُ إلى الإدارة الجديدة في الهيئة، وقلتُ لهم: لقد خسرتمونا، فنحن وبعد فرحة إسقاط النظام، مستعدّون للعمل الطوعي لبناء البلد، هل تنظرون إلينا على أننا فاسدون إذ بقينا في وظائفنا ولم نتركها ونتّجه معكم إلى الشمال السوري؟ وحده الله يعلم كم عانينا أيضاً في مستنقع الفساد والظلم الذي كان يحيط بنا من كل جانب”. وتضيف أن المدير أجابها باستخفاف، بأنّه ما من مشكلة في أن يتحمّلوا مرةً أخرى قرار الإجازة.
الجدير بالذكر أنّ زوج عكل، يعمل أيضاً في المؤسسة ذاتها، وقد تم إدراج اسمه على القائمة نفسها، أي أنّ أسرةً كاملةً فقدت مصدر دخلها. “لم أسكت، تقدّمتُ بكتاب مظلومية وأقنعتُ زوجي (وهو فاقد الأمل في ذلك)، بأن يكتب هو أيضاً… عليهم أن يشرحوا لنا على الأقلّ ما هي المعايير التي استندوا إليها للاستغناء”، تردف عكل.
وتتعجّب الموظّفة السورية، من أنه في حال كان المعيار الأمني هو المتّبع، فهناك موالون للنظام السابق، ممن عُرفوا بالفساد، لا يزالون على رأس عملهم.
تواصل رصيف22، مع مدير هيئة الطاقة الذرية، مضر العكلة، الذي لم يردّ على أسئلتنا. كما طلبنا من مدير مركز الهيئة والطاقة الذرية، أحمد خضر، توضيح المعايير المُتّبعة في منح موظّفي/ ات الهيئة إجازةً مدفوعةً ليردّ بأنه “لا داعي الآن للحديث مع الإعلام”.
وفقاً للقرار الذي اطّلع عليه رصيف22، حصل 548 موظّفاً معيّناً ومتعاقداً مع هيئة الطاقة الذرّية السورية، بتاريخ 28 كانون الثاني/ يناير 2025، على “إجازة بتمام الأجر الحالي والتعويضات لمدة ثلاثة أشهر من تاريخه”. قرار آخر وصلت إلى رصيف22، صورةً منه، تضمّن القرار نفسه بحق 15 موظّفاً/ ةً في الهيئة بتاريخ 17 شباط/ فبراير 2025.
لكن الحكومة الحالية، كانت قد صرّحت على لسان وزير المالية، بأنها تسعى إلى تخفيف ضرر تسريح العمال بمنحهم تعويضات نهاية الخدمة، أو بأن تطلب منهم التزام منازلهم إلى حين تقييم احتياجاتهم.
“لا أجرؤ على التقدّم بطلب إجازة”
هذه القرارات لم تؤثّر فقط على من صدرت في حقهم، وإنما كذلك على من استمروا في العمل، حيث بات التسريح التعسّفي هاجساً يلاحق كل موظّف/ ة. في هذا الإطار، تقول ريم (اسم مستعار بناءً على طلبها، 33 عاماً)، وهي موظّفة في قطاع الاتصالات في مدينة صافيتا التابعة إدارياً لمحافظة طرطوس، لرصيف22: “حملي هذه المرة مهدّد بالإجهاض. طبيبتي النسائية تطالبني بأن أريح جسدي تماماً، إلا أنّ القرارات العشوائية جعلتني أكابر على ألمي، ولا أطلب إجازةً حتّى لا يتمّ تسريحي”. تضيف ريم، أنّ الراتب الذي تتقاضاه يعادل 18 دولاراً في الشهر، لذا هي ليست متمسّكةً بالوظيفة في حدّ ذاتها، مردفةً: “يمكنني بعد أن تكبر ابنتي قليلاً، أن أبحث عن عمل مناسب؛ لكن في ظلّ هذه الظروف الاقتصادية الضاغطة حالياً، أفضّل وجود دخل ثابت، خاصةً بعد أن خسر زوجي عمله أخيراً”.
توضح ريم، أنه “جرى فصل 72 موظّفاً من زملائي في الشركة، غالبيتهم من ذوي ضحايا الجيش السوري في ظلّ النظام السابق، وهو السبب الذي ورد في البيان الذي وصل إلى الشركة ويضم قائمة أسماء المفصولين/ ات”. لم يطّلع رصيف22، على القرار، لكن “ريم”، تفيد بأنّ الإدارة استدعتهم لاحقاً وطلبت منهم العودة إلى عملهم حتّى يُبتّ في قرار الفصل بعد التدقيق في طبيعة عمل كلّ واحد/ ة منهم.
وتلفت ريم، إلى أنّ هناك في القسم الذي تعمل فيه عدداً من الموظفين الذين يتقاضون رواتب دون عمل، ولا سيّما منذ عام 2009، والعمل بأتمتة ونقل البيانات من الورق إلى الحاسوب، معربةً عن قناعتها بأنّ “قرارات التسريح ليست بداعي عدم الحاجة”.
ماذا يقول القانون؟
إلى ذلك، يوضّح ممثل منظّمة محامون بلا حدود في الشرق الأوسط، المحامي طارق حاج بكري، أنّه “وفقاً للقانون السوري، لا يجوز فصل أي عامل أو موظّف ما لم يُثبت عليه جرم. وحتّى في هذه الحالة، لا يُفصل بل يجري تحويله إلى المحكمة ويتم وقفه عن العمل ليبتّ القضاء في أمره”.
يضيف حاج بكري، لرصيف22، أنّ القانون السوري أيضاً لا يُجيز لأيّ شخص أن يكون موظّفاً في وظيفتين حكوميتين معاً، وتالياً وقف الموظّفين الذين ثبُت أنهم يعملون في مؤسستين وربما ثلاثة، وحصرهم في وظيفة حكومية واحدة وراتب واحد، تصرّف يتّسق مع القانون السوري، وفقاً للمادة السابعة فقرة (و) والفقرة (و) من المادة 64 من النظام الأساسي للعاملين في الدولة الصادر وفقاً للمرسوم 50 لعام 2004.
لكن حاج بكري، ينبّه إلى أنّ “إعطاء إجازة مدفوعة الأجر لمدّة ثلاثة أشهر، إجراء انطلق من عدم الحاجة إلى هؤلاء الموظّفين/ ات في مكاتبهم/ نّ، وذلك ريثما تتم إحالتهم إلى مكان آخر للاستفادة من عملهم إن أرادوا الاستمرار في العمل”. وعمّا إذا كان القانون السوري يمنح العامل أو الموظّف الحكومي الحق في العودة إلى العمل في حال سُرّح تعسفياً دون جرم، يجيب حاج بكري: “نعم، بإمكانه التقدّم بتظلّم وادّعاء أمام القضاء الإداري”.
الخصخصة هي الحلّ؟
وعمّا إذا كان التوقيت مناسباً لـ”إعادة الهيكلة” التي تقوم بها الإدارة الجديدة في ظلّ غياب استثمارات القطاع الخاص وفرص العمل البديلة، يجيب الخبير الاقتصادي ومستشار أول البنك الدولي، كرم شعّار، رصيف22: “من المبكّر في تصوّري أن نحكم عمّا سيحدث لاحقاً للموظّفين الأشباح ممن مُنحوا إجازةً مدفوعةً. لكن السؤال الأهمّ هو: هل هؤلاء الذي فُصلوا أو مُنحوا إجازةً مدفوعةً فعلاً أشباح؟”.
يلفت شعّار، بذلك النظر إلى الادّعاءات التي توالت وكان مفادها أنّ بعضهم وجوده مهمّ في سياق عمله بالفعل. ويردف: “كانت تجارب دول مثل العراق ونيجيريا وإندونيسيا، ناجعةً في ما يخصّ الموظّف الشبح عبر الرقمنة حيث يتمّ تسجيل دخول الموظّف إلى مكان عمله عبر بصمة العين أو الوجه. كما يُمكن تعقّب حاسوبه ضمن العمل لضمان فعاليته. والتحوّل الرقمي يجنّبنا التشويش الحاصل اليوم، إلا أنه تحوّل لا يتحقّق بين ليلة وضحاها، بل يتطلّب وقتاً كافياً لجرد الموظّفين بشكلٍ كامل”.
وعمّا إذا كانت الخصخصة نهجاً ناجعاً ينأى بالاقتصاد نحو ضفة آمنة، يشرح شعّار، الذي أسّس “مرصد الشبكات السياسية والاقتصادية”: “لنتفق بدايةً على أنّ ما يجري اليوم، إعادة هيكلة فحسب، والخصخصة لم تبدأ عملياً. كل ما سمعناه، مجرد تصريحات، وبالنسبة لي التوقيت إشكالي لطرح مثل هذه القضايا. أيضاً، أجد أنّ آلية التفكير إشكالية، حيث إنّ قراراً كهذا ليس من صلاحيات حكومة تسيير أعمال، إنما هي من صلاحيات حكومة انتقالية تمثيلية”.
ويستطرد: “إجرائياً، الخصخصة حين طُبّقت في دول منهكة بالفساد أنتجت تجربةً سيئةً للغاية، حيث وبسبب الفساد تخدم الخصخصة مستثمرين تجمعهم ارتباطات سياسية مهمة، وهذا ما شهدناه في التجربة السوڤياتية بعد تفكّك الاتحاد، وتحديداً على يد رئيس روسيا الأسبق، بوريس يلتسين. حتّى ضمن دول يسود فيها القانون ومع مستويات فساد منخفضة، أثّرت الخصخصة التي انتهجتها وزيرة الخارجية البريطانية مارغريت تاتشر، على وصول المواطنين إلى الخدمات العامة، وهذا ما حصل في ألمانيا الشرقية عند اتّحادها مع الغربية”.
في هذا الصدد، أثار منشور والد الرئيس الحالي أحمد الشرع، حسين الشرع، تفاعلاً واسعاً، إذ اعتبر عبر حسابه في فيسبوك، أنّ تخصيص القطاع العام غلط كبير حيث أنه ثروة قومية، والخسائر تعود إلى جهل الإدارات بفنون الإدارة. والشرع الأبّ حاصل على بكالوريوس في الاقتصاد، وكاتب متخصّص في الشأن الاقتصادي.
وقفة احتجاجية ضد قرارات التسريح
صورة من وقفة نظّمها “عمّال التغيير الديمقراطي”، المصدر صفحته على فيسبوك.
يُذكر أنّ وزير الاقتصاد، عبد الحنان، أخبر رويترز، بأنّ التوجّه العام للحكومة الحالية في سبيل الخصخصة يركّز على السوق الحرّة التنافسية، فيما شدّد وزير المالية، أبازيد، على أنّ الحكومة الحالية تسعى إلى تجنّب الركود والبطالة التي أعقبت “العلاج بالصدمة”، أي التجربة التي خاضتها أوروبا ما بعد سقوط الاتحاد السوفياتي.
في الأثناء، تستمر الحملة الحكومية الهادفة إلى الحدّ من الفساد والهدر، على حد وصف مسؤوليها، فيما تشهد محافظات سوريّة وقفات احتجاجيةً لموظّفين/ ات فُصلوا من عملهم أو أُجبروا على الإجازة القسرية المدفوعة، علماً بأنّ بعضها لاقى استجابةً من الحكومة على غرار محافظة السويداء التي أعادت عدداً من منتسبي وزارة الداخلية إلى العمل.
لكن بعض الأسماء أثارت لغطاً شعبياً، حيث اعتبرت عودة العميد طلال العيسمي، الذي وصفته وكالة سانا الرسمية، بـ”المكلف بتسيير قيادة الشرطة في السويداء”، “إعادة تدوير لزبانية النظام البائد”. وكان العيسمي، قد اشتهر بالضلوع في مجزرة الجامع العمري في درعا، في بداية الثورة السورية.
وتوالت الاحتجاجات ضد التسريح التعسّفي، وقد أثار أحدها الجدل في طرطوس حيث فُضّ بمناوشات واحتجاج آخر مضاد في 2 شباط/ فبراير الجاري، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان.
وفي الخامس عشر من شباط/ فبراير الجاري، نظّم تجمّع “عمّال التغيير الديمقراطي”، وقفةً احتجاجيةً على القرارات الأخيرة للحكومة الجديدة في ما يخصّ العمال والموظّفين. وتلبيّةً للحدث، احتشد عُمّال وموظّفون من القطاع العام ممن فُصلوا مؤخراً أو مُنحوا إجازةً مدفوعةً مطالبين بإلغاء القرارات كافة الصادرة مؤخراً بحقّهم.
ختاماً، يظلّ السؤال عمّا إذا كان في استطاعة الحكومة الراهنة في سوريا، الحديثة العهد بالحكم، والتي تواجه تركةً ضخمةً من الفساد والدمار، المواءمة بين الحدّ من الهدر والفساد، والحفاظ على “لقمة العيش” للمواطنين المأزومين والمعتمدين كليّاً على راتب هزيل. ربما المستقبل القريب وحده قادر على الإجابة عن هذا السؤال.
رصيف 22
——————–
ملاحظات
Nawwar Jabbour
قاسية مُدننا كُلنا، لكن مدينة اللاذقية مُرعبة، خُلقت بين ماسحي الأحذية، وخُلقت معهم لأنني حينما أتذكر الشارع أتذكرهم فقط، وذلك لسبب جسدي بحت، كان طول جسدي الصغير ملائمًا لأرى رؤوسهم بسهولة لاتأمل من ينتظرون الأحذية التي تُرفع في وجههم. في محلنا كنت أراهم بسهولة لأنهم جالسون على كراسٍ تلائم ارتفاع أقدام الكبار. ماسحو الأحذية الذين خُلقت بينهم أصحاب عائلات، يشربون الكثير من القهوة ويدخنون سجائر اللف ويضعون السجائر في زوايا فمهم فيتوجه الدخان لأعينهم فتُحمر وتنغلق. عمي حسن قد مات، على زاوية هنانو، قصير ومعاق القدم و الحركة، من ذوي الاحتياجات الخاصة، الذين لم يعوضهم القطاع الخاص عن إصابتهم، فذهب للجلوس بمستوى الأطفال من أجل أقدام الكبار. عصام، الذي توفي بمرض الكبد لأنه كان مدمنًا كحوليًا، وحوالي سبعة أسماء أخرى، أحدهم تحول إلى مجرم منظم، وكلما وجدته في الطريق قال لي: أنا صرتُ بحال جيد. أملك مالًا لأعيش. وغيرهم وغيرهم.
في رحلة طويلة إلى محافظة إدلب لعند خالتي غادة، أحضرت لنا أمي ما يُسمى الطنفس، عبارة عن كيس جلدي جميل يُحشى بالقطن لكي يصبح الجلوس عليه طقسًا هائل الجمال. سريعًا ما حولت الطنفس إلى مقعد ماسح أحذية، أفرك أحذية العائلة كلها وينتهي هذا بضربٍ مبرح من أمي أو أبي أو عمتي وداد، أمي الثانية.
كان يسألني الجميع في صغري: ماذا تريد أن تصبح حينما تكبر؟ فكنت أقول: ماسح أحذية. ضحك هستيري لمن يسمعني جعل أمي تضربني كلما عبّرتُ عن حُلمي. ما إن كَبُرَ جسدي حتى أصبحت أمد قدمي لعمي حسن وعصام، يمسحون حذائي جيدًا. حينها كنت أبلها، مجرد شابٍ بالغ يسعى لنظافة حذائه ومظهره قبل الذهاب إلى الكنيسة. مددت قدمي كثيرًا لمن تربيت معهم. هذا عقوق وعبودية تافهة، لكنني أخطئ كأي بشريٍ يمتلك عماءً رقيقًا ومؤقتًا. مللت من مسامحة نفسي على قذارتها. أحيانًا أشعر بألمٍ في القدمين، فأقول إن مرده أنني جعلت رجالًا بعمر أبي يمسحون حذائي.
كان عصام الكحولي مريضًا جدًا بكحوله. أبي الضخم القوي قد صفعه مراتٍ ومرات لكي يترك الكحول، وكان في كل يوم ينسى صندوق البويا المذهب الذي يعمل عليه، فأقوم أنا بوضعه داخل دكاننا. صباحًا، ما إن يصل عصام حتى تسمع الحارة كلها صوت أبي الذي يعنفه لأنه يترك صندوق الأحذية ويخلد للنوم، وسرقة صندوق البويا قد تصبح كارثة، فماذا سيعمل عصام؟ ومن أين له أن يشتري صندوق بويا آخر؟ كانت الحارة كلها تسمع وعود أبي السماوية والأرضية.
وفي إحدى المرات التي صففت فيها شعري بشكل صعب جدًا لملاقاة فتاة أحبها، قام أبي بوضع يده، التي تساوي حجم ريف اللاذقية، على شعري وقال لعصام:
“يا عرصا، إذا ما بتجي اليوم بتخبّي صندوق البويا، بدي كسروا أو أتركوا لينسرق وعمرك ما تشتغل.”
عصام المدمن لم يأتِ، وشعري قد خرب، وحلفان أبي ذهب هباءً منثورًا، لأنني صباحًا وجدت أبي واضعًا صندوق عصام في الداخل. فقلت له: “مو عأساس حلفت براسي إنك بدك تكبّه؟”
فقال لي: “حرام، خراس.”
فرحت، لأن وحشية أبي لا تلبث أن تصبح رحمة طويلة. سُرق صندوق عصام مراتٍ ومرات، وفي وضح النهار، لكن صوتًا قويًا من أبي كان يُعيده. (أبي يملك صوتًا مناسبًا للملاعب وللأفلام الفروسية). كل السارقين ابتعدوا عن سرقات النهار جراء قوته.
في إحدى المرات، شاهدت عصام بعد اختفائه أمام كنيسة مار نقولا زاحفًا يشحذ. بكيت أمام الكنيسة، ولم يسعفني مار نقولا بأي شفاءٍ لعصام، ولا حتى الجامع الذي أمامها. أعطيت عصام كل ما في جعبتي من مال (خمسين ليرة سورية). اقترب من أذني وقال لي: “أنا بحبك.”
عاد عصام للتعافي مرة أخرى بمساعدة الكثير من الأصدقاء، منهم الدكتور عصام سليمان والدكتور علي صالح.
حينما كنت صغيرًا وأملك مقاس طفل، كان عصام يوصلنا إلى المدرسة أنا وأختي. كان بالنسبة لي هذا أجمل الأحلام، إن أفضل ماسحي الأحذية في اللاذقية أوصلوني إلى المدرسة مراتٍ ومرات. لا أنسى رائحة البويا الهائلة الجمال، خفة اليد، صدق التدخين، وبساطة الخلق. كان عصام يغني لي في الطريق إلى المدرسة، كنت أفرك يده لكي أتحسس موهبة البويا الرائعة.
مات عصام بالإدمان الكحولي. في الغالب، أحذيتي متسخة، هو ندمي على مراهقة طويلة كنت أمد فيها قدمي لماسحي الأحذية الذين كنت أحسدهم. أي روحٍ هذه التي تُعمى فينا، التي نحول فيها البشر إلى عبيد؟ قدماي متسختان دومًا وحارتان، ولا أنظف حذائي إلا خائفًا من أن يبقى هذا الاتساخ والألم.
الفيس بوك
———————————–
بيان توضيحي بخصوص منع عقد ورشة عمل في دمشق
يؤسفنا أن نعلن عن إلغاء لقاء ورشة العمل المقرر عقده اليوم 27 شباط، وذلك نتيجة لقرار مفاجئ بمنع انعقاده من دون تقديم أي توضيحات رسمية، رغم استكمال جميع الترتيبات بالتنسيق مع الجهات المعنية.
بتنظيم من المركز السوري للدراسات و الأبحاث القانونية، والأرشيف السوري، و مؤسسة الشارع للإعلام، و ملفات قيصر للعدالة، تقرر عقد ورشة عمل مغلقة تحت عنوان “تطبيق العدالة في سوريا ودور الهيئات والمؤسسات الدولية” اليوم 27 شباط/فبراير 2025، بحضور ومشاركة العديد من المنظمات الحقوقية السورية والدولية بما فيها منظمات دولية غير حكومية وأطراف من حكومات مختلفة، وهيئات الأمم المتحدة المعنية بقضايا العدالة والتوثيق في سوريا، و جهات الإدعاء الأوروبية المنخرطة في محاكمات تتعلق بجرائم مرتكبة في سوريا، بمشاركة وزارة العدل وبتنسيق مع وزارة الخارجية في الحكومة السورية.
على الرغم من استحصالنا على الموافقات الرسمية والتأكيدات غير الرسمية لانعقاد ورشة العمل المغلقة، إلّا أننا أُبلغنا من إدارة فندق الشيراتون في دمشق – مكان انعقاد اللقاء – باستلامهم قرار منع عقد الورشة المقررة من دون توضيح المصدر أو الأسباب الموجبة، وبعد تواصلنا مع وزارة الخارجية السورية، والتأكيد على إلتزاماتنا بالقوانين والإجراءات المرعية، تم إبلاغنا بأنه لا يُمكن عقد هذا النشاط لعدم وجود موافقة رسمية.
وبعد الاعتذار من المشاركين/ات الخبراء والمتخصصين السوريين وغير السوريين، نرغب بتوضيح ما يلي:
لقد طرح فريق المركز السوري للأبحاث والدراسات القانونية وشركائه على وزارة العدل في منتصف شهر كانون الثاني 2025 رغبتهم بعقد ورشة عمل مغلقة في دمشق لدعم المشاركات المرتبطة بالعدالة الانتقالية والتي سبق أن ساهمنا وشاركنا فيها من تنظيم شركاء آخرين، ولاقى هذا الطرح ترحيبًا من وزارة العدل وتلقينا كتاب موقّع من وزير العدل يرحّب ويؤكّد استعداد الوزارة لحضور الورشة المغلقة.
وكما وصلنا، بأنّ كتاب من إدارة المنظمات الدولية والمؤتمرات في وزارة الخارجية يحمل رقم 876 أُرسل إلى وزارة العدل يوصي الوزارة برعاية الورشة وتوجيه دعوات رسمية للجهات الدولية المدعوة وتسهيل دخول القادمين من الخارج، وأكّدت وزارة العدل استلامها للكتاب ودوّن في ديوان الوزارة تحت الرقم 1910 بتاريخ 23 شباط 2025. ولأسباب غير معروفة تم سحب موافقة وزارة العدل من المشاركة يوم أمس الأربعاء 26 كانون الثاني من دون تبيان أي اعتراض على استمرار انعقاد الورشة المقررة. نتيجة لعدم إرسال الدعوات الرسمية من الجهات الحكومية، اعتذرت العديد من المنظمات والجهات الدولية عن الحضور شخصيًا، وأكّدوا موافقتهم على الحضور عبر الانترنت، والذي كان قد تم تنسيقه في قاعة الاجتماعات التي تستقبل المشاركين/ات.
خلال الأسابيع الماضية، قمنا بتنسيق الأمور اللوجستية بشكل كامل، بما فيها الحجوزات ل 35شخص، وتحمّل مسؤوليات عالية لضمان سير انعقاد الورشة المغلقة بشكل احترافي، بما فيه التنسيق الداخلي في سوريا مع الحكومة السورية، حيث أرسلنا دعوات رسمية إلى وزارة الداخلية ووزارة الإعلام، ولم نتلقّ أي رد بخلاف وزارة العدل التي أكّدت حضورها، ثم تراجعت عنه مساء يوم أمس الأربعاء، ونؤكّد أننا لم نرسل أي دعوة لأي جهة سورية أو غير سورية من دون تنسيق مسبق والحصول على الموافقات اللازمة من الجهات المعنية داخل الحكومة..
نحن المنظمات الحقوقية، نؤكّد أننا سنوصل الدفاع عن حقوق الإنسان ودعم مسار العدالة الإنتقالية ولحين تحقيق العدالة، ونرغب بتنويه هام أن الوضوح والشفافية في العلاقة بين مؤسسات الدولة والمجتمع المدني والمحلي يشكّلان حجر الأساس لضمان سيادة القانون واحترام حريات الرأي والتعبير. إن قرار منع عقد اللقاء بشكل مفاجئ، وعبر إبلاغ إدارة مكان انعقاده بدلًا من مخاطبة الجهات المنظمة، يشكل انتهاكًا صارخًا للحقوق الأساسية، ويمثل تقييدًا ممنهجًا لمساحة العمل المدني بمنعه من الحق في التجمع السلمي، وإعاقة متعمدة لمسار العدالة والمساءلة، هذا الإجراء التعسفي يعكس نهجًا يقوّض مبادئ الشفافية والتشاركية، ويهدد فرص تحقيق العدالة والإنصاف لضحايا الانتهاكات، ويذكّرنا بما كنّا نعيشه قبل يوم النصر على تحرير سوريا 8 كانون الأول 2024، ويلزم إصدار بيان رسمي من الحكومة السورية والسلطات المعنية بشكل عاجل، موجّه رسميًا إلى الجهات المنظمة، وإرسال رسائل اعتذار رسمية إلى الجهات التي تمت دعوتها، ومنهم من وصل إلى دمشق صباح اليوم، وشاركونا الخيبة بالمنع المفاجئ.
————————–
ملاحظات/ وائل ميرزا
أحد أهم ملامح الترتيبات الإقليمية الحالية يتمثل في إحكام محاصرة النظام الإيراني وتأثيره في المنطقة. هذا يحصل بهدوء وعلى عدة مستويات تشمل دول الجوار لإيران والكونغرس الأمريكي والمعارضة الإيرانية، وغيرها من الأطراف (الشرح أدناه). يصبُّ هذا قبل كل شيء في مصلحة استقرار سوريا، حيث تؤكد المعلومات الاستخبارية أن التدخلات الإيرانية لاتزال تقف خلف النسبة الأكبر من الأحداث الأمنية التي تشهدها البلاد.
في هذا السياق، حصلت مكالمة (عاصفة) بين وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو ورئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني كان محورها “الحد من نفوذ إيران الخبيث” كما ورد بالحرف في المكالمة حسب الخارجية الأمريكية. أكد روبيو في المكالمة عدم السماح ببقاء الفصائل المسلحة والقيادات السياسية الموالية لإيران، وعلى ضرورة إسراع الحكومة العراقية في إيجاد المقتضيات العملية لهذا الأمر. كما اتفق الجانبان على حاجة العراق إلى أن يصبح مستقلاً في مجال الطاقة، وإعادة فتح خط الأنابيب بين العراق وتركيا بسرعة. كل هذا بغرض تجفيف منابع الاستفادة الإيرانية من ثروة العراق النفطية.
كما تبنى الكونغرس الأمريكي القرار رقم 166، الذي وقّعه أكثر من 150 عضوًا من الحزبين، دعمًا لمطلب الشعب الإيراني بإقامة جمهورية ديمقراطية. وأكد القرار على الاعتراف بحقوق الشعب الإيراني والمتظاهرين والمراكز الثورية للمعارضة الإيرانية في مواجهة الحرس الثوري وقوات القمع. وأعرب أعضاء الكونغرس عن دعمهم لخطة رئيسة المعارضة الإيرانية السيدة مريم رجوي المكونة من عشرة بنود لمستقبل إيران.
لاتسرُّ السوريين، بطبيعة الحال، الضائقة الاقتصادية التي تُصيب الشعب الإيراني، لكن هذا يحصل بتأثير السياسات التوسعية التي تسيطر بهوس على عقلية القيادة الإيرانية الحالية. وملامح الضائقة المذكورة كثيرة لامجال للتفصيل فيها هنا (إضرابات / انقطاع كبير للكهرباء / عدم توفر غاز التدفئة / ارتفاع هائل في أسعار السلع الرئيسية / انهيار العملة / تكاثر فضائح الفساد / انخفاض الإنتاج الصناعي بنسبة 50% / تجاوز نسبة خط الفقر لفوق 40%). تكفي الإشارة إلى سماح البرلمان بطباعة 7 مليار تومان يوميًا دون غطاء مالي لتعويض عجز الموازنة. وتقريرٌ صادر عن مركز الإحصاء التابع للنظام الإيراني نفسه، يصف الوضع الاقتصادي في البلاد بأنه “انهيار اقتصادي”.
الفيس بوك
—————————-
====================
عن نداء “عبدلله أوجلان” الأخير مقالات وتحليلات
————————–
بين الفدرالية والحوار مع دمشق.. هل تغيّر دعوة أوجلان مسار الكُرد السوريين؟
2025.02.28
رحب الكُرد السوريون بالدعوة التي أطلقها عبدالله أوجلان، زعيم حزب العمال الكردستاني، لحل الحزب والتخلي عن العمل المسلح، مؤكدين في الوقت ذاته ضرورة اتخاذ خطوات جدية من قبل كل من تركيا وحزب العمال الكردستاني لضمان نجاح عملية السلام بين الجانبين.
ويأمل الكُرد أن تسهم هذه الدعوة في خفض حدة التوتر بين قوات سوريا الديمقراطية وتركيا داخل الأراضي السورية، وتهيئة الأجواء لبدء عملية مفاوضات “دون عوائق” مع الحكومة السورية، بما يفتح المجال أمام حل سياسي أكثر استقرارا.
وقال سليمان أوسو، عضو الهيئة الرئاسية في المجلس الوطني الكردي، (كبرى الأطر السياسية الكردية في سوريا) لموقع تلفزيون سوريا إن دعوة أوجلان تعد مبادرة جريئة وفرصة حقيقية لإنهاء العنف، وفتح الباب أمام إيجاد حل سلمي للمسألة الكردية في تركيا.
انعكاسات الدعوة على الكُرد في سوريا
وفيما يتعلق بتأثير هذه الدعوة على الأوضاع في مناطق سيطرة “الإدارة الذاتية”، عبّر أوسو عن أمله في أن يستجيب حزب العمال الكردستاني لنداء زعيمه، داعياً تركية إلى التعاطي مع هذا النداء بإيجابية، عبر إطلاق حوار جاد يسهم في ترسيخ مبادئ الديمقراطية والمواطنة المتساوية.
وأشار أوسو إلى أن دعوة أوجلان بنزع سلاح حزب العمال الكردستاني وحله سيكون له انعكاسات إيجابية على الوضع الكردي في سوريا، حيث إن تطبيقه سيسري على جميع مقاتلي الحزب في مختلف المناطق.
وأوضح أن انسحاب مقاتلي العمال الكردستاني من سوريا سيؤدي إلى طمأنة تركيا، مما سيسهم في تهدئة الأوضاع الأمنية وخلق مناخ أكثر استقرارا.
وأضاف أن هذه المستجدات قد تتيح فرصة للحوار بين الحركة السياسية الكردية في سوريا والسلطات الجديدة في دمشق، بهدف إيجاد حل سياسي سلمي للقضية الكردية في البلاد. على حد قوله.
وقال أوجلان في كلمته الموجه لحزب وأنصاره إن ” الحلول القائمة على النزعات القومية المتطرفة، مثل إنشاء دولة قومية منفصلة، أو الفيدرالية، أو الحكم الذاتي، أو الحلول الثقافوية، فهي لا تلبي متطلبات الحقوق الاجتماعية التاريخية للمجتمع”.
وعلق أوسو على موقف أوجلان من المطالبة بالفدرالية أو الحكم الذاتي، بأن “جوهر دعوة أوجلان يتمثل في نبذ العنف واعتماد الوسائل السلمية في حل المسألة الكردية في تركيا، مشددا على أن وضع الكُرد في سوريا يتمتع بخصوصية تختلف عن أوضاعهم في تركيا، العراق، أو إيران”.
وأوضح أن الكرد في سوريا يسعون إلى الاعتراف الدستوري بهم كشعب أصيل في البلاد، وتأمين حقوقهم القومية والديمقراطية في إطار دولة سورية اتحادية، معتبرا أن نظام الحكم المركزي أثبت فشله منذ الاستقلال وحتى اليوم.
وأكد زعيم قوات سوريا الديمقراطية (قسد) مظلوم عبدي في تصريح لوكالة رويترز أمس الخميس أن إعلان عبد الله أوجلان لإلقاء السلاح وحل الحزب يخص العمال الكردستاني فقط، ولا علاقة له بقواته في سوريا، مشدداً على أن الأوضاع الراهنة في شمال شرقي سوريا تتطلب مقاربة مختلفة.
من جهته أشار أوسو إلى أن “النظام الفيدرالي هو النموذج الأمثل لدولة مثل سوريا، التي تضم قوميات وأديان وثقافات متعددة، معتبرا أنه يمثل الحل الأكثر عدالة لضمان حقوق جميع مكونات الشعب السوري”.
واختتم أوسو حديثه بالتأكيد على أن الحل السياسي السلمي هو الخيار الأفضل لضمان حقوق الكُرد في سوريا، بعيدا عن العنف والصراعات المسلحة، لافتا إلى أن التوجه نحو الحوار والتفاهم يمكن أن يفتح آفاقا جديدة لمستقبل أكثر استقرارا وعدالة للأكراد في سوريا والمنطقة عموما.
دعوة أوجلان خطوة لإنهاء هيمنة العمال الكردستاني على أكراد سوريا
قال الناشط السياسي جوان شيخو، من الحسكة، لموقع تلفزيون سوريا إن الكُرد في سوريا يعتبرون دعوة عبدالله أوجلان لحل حزب العمال الكردستاني والتخلي عن السلاح خطوة إيجابية، ليس فقط لأنها تساهم في إنهاء العنف، بل أيضا لأنها تمثل فرصة لإنهاء تدخل الحزب وهيمنته على شؤون الكرُد السوريين.
وأضاف: “لقد عانى الكُرد في سوريا كثيرا من تبعات سياسات حزب العمال، التي زجّتنا في صراعات لا علاقة لنا بها، ووضعتنا في مواجهة مباشرة مع تركيا، مما أثّر سلبا على قضيتنا وحقوقنا المشروعة داخل سوريا”.
“فدرلة سوريا” مطلب كردي مشترك
وشدد شيخو على أن الكُرد السوريين يرفضون أي إملاءات أو توجيهات، سواء من أوجلان أو أي جهة أخرى، فيما يتعلق بشكل مطالبهم السياسية، موضحا أن للأكراد في سوريا خصوصيتهم السياسية والتاريخية، التي تختلف عن واقع الكرُد في الدول المجاورة.
وقال: “نحن لا نرى أن التخلي عن فكرة الحكم الذاتي أمر مقبول، بل على العكس، نعتبره ضرورة ملحّة لضمان عدم تكرار مآسي الماضي مع الحكومات المركزية، التي مارست القمع والتهميش بحقنا لعقود طويلة”.
وأوضح أن المطلب الأساسي للأكراد في سوريا هو الاعتراف الدستوري بحقوقهم كشعب أصيل في البلاد، وتأمين حقوقهم القومية والديمقراطية ضمن إطار حكم ذاتي أو نظام فيدرالي يضمن الشراكة الحقيقية في إدارة الدولة.
وكشف شيخو إن ” المعلومات الحالية تشير إلى توافق بين الأطراف السياسية الكردية في سوريا على التوجه إلى دمشق برؤية سياسية موحدة، تركز على إقامة نظام لا مركزي يمنح الكُرد خصوصية لإدارة مناطقهم بصلاحيات واسعة، بمعزل عن الحكومة المركزية”.
وأشار الناشط السياسي إلى أن نظام الحكم المركزي أثبت فشله تماما في استيعاب التنوع القومي والديني في سوريا، محذرا من أن غياب الحلول السياسية العادلة سيؤدي إلى استمرار الأزمات والتوترات في البلاد.
وختم حديثه بالقول: “نأمل أن تكون دعوة أوجلان بداية لمرحلة جديدة، تُنهي التدخل الخارجي في قضيتنا، وتمكننا من تقرير مصيرنا عبر الحوار والتفاهم مع شركائنا في الوطن”.
وقد حظيت دعوة عبد الله أوجلان لنزع سلاح حزب العمال الكردستاني وحلّه بترحيب واسع في الأوساط الكردية، خاصة في سوريا والعراق. ومع ذلك، لم يصدر حتى الآن أي تعليق رسمي من الحكومة التركية وقادة الحزب، ما يترك التساؤلات مفتوحة حول مدى استجابة العمال الكردستاني لنداء زعيمه وتداعياته المحتملة على المشهد السياسي والأمني في المنطقة.
تلفزيون سوريا
————————
زعيم حزب العمال الكردستاني يعلن إلقاء السلاح!
تحديث 28 شباط 2025
أطلق مؤسس حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان، أمس الخميس، نداء دعا فيه حزبه إلى إلقاء السلاح وحلّ نفسه.، مؤكدا أنه يتحمل المسؤولية التاريخية لهذه الدعوة.
قدّم «آبو» (كما يسميه أنصاره) أسبابا لدعوته رابطا إياها بانهيار «الاشتراكية الواقعية» في العالم، و«تراجع سياسة إنكار الهوية في البلاد» والتطورات التي شهدتها حرية التعبير، و«بذلك فقد الحزب أهميته» و«استكمل دوره مثل نظرائه وأصبح حلّه ضرورة».
يقول أوجلان أن الأتراك والأكراد سعوا «للحفاظ على وجودهم والصمود في وجه القوى المهيمنة، مما جعل التحالف القائم على الطوعية ضرورة دائمة» معتبرا أن هدف «الحداثة الرأسمالية» الأساسي هو «تفكيك هذا التحالف» و«مع التفسيرات الأحادية للجمهورية تسارع هذا المسار» مما أوجب «إعادة تنظيم هذه العلاقة التاريخية التي أصبحت هشة للغاية» وذلك «بروح الأخوة مع مراعاة المعتقدات» ليصل إلى نتيجة حاسمة وهي أنه «لا يوجد طريق آخر غير الديمقراطية».
يعتبر أوجلان في ندائه أن اتجاه حزب العمال إلى العنف كان «نتيجة إغلاق قنوات السياسة الديمقراطية» ويرفض دعوات الانفصال القومي، والحكم الذاتي والفدرالية باعتبارها «حلولا ثقافوية لا تلبي متطلبات الحقوق الاجتماعية التاريخية للمجتمع» ويخلص إلى «ضرورة اتحاد» الأكراد والأتراك، في «مجتمع ديمقراطي» يقوم على «احترام الهوية، وحرية التعبير، والتنظيم الديمقراطي، وبناء الهياكل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية لكل فئة وفقا لأسسها الخاصة».
على المستوى الجغرافي، واضح أن أوجلان يخصّ الأكراد في تركيا بحديثه، فيربط رسالته بدعوة دولت بهتشلي، الزعيم التركي الذي طالبه بإلقاء خطاب في البرلمان التركي، وبـ»الإرادة التي أظهرها السيد رئيس الجمهورية» رجب طيب اردوغان، وبـ»المواقف الإيجابية للأحزاب السياسية الأخرى».
كان لحزب المساواة والديمقراطية الشعبية، وهو الحزب الثالث حجما في البرلمان التركي، أثر في المفاوضات التي أدت إلى هذا التطوّر المهم، ويسعى هذا الحزب إلى تعزيز الديمقراطية وحقوق الكرد في تركيا، وهو ما يقتضي إنهاء الحقبة الطويلة للكفاح المسلّح التي ابتدأها حزب العمال في تركيا وإيران بعد 6 سنوات من تأسيسه (عام 1978) والواضح أن «المساواة والديمقراطية» نجح في إقناع أوجلان بضرورة توحيد الجهود الكردية في تركيا في هذا الاتجاه.
من الصعب ألا يكون للنداء، رغم أنه يتوجه بالخصوص إلى الأكراد في تركيا، تأثير على باقي الساحات التي يتواجد فيها حزب العمال، وعلى الخصوص في سوريا، التي يسيطر فيها على ثلاث محافظات شرق نهر الفرات، ويتمتّع فيها بحماية من «قوات التحالف» التي تقودها أمريكا، كما أن أوجلان نفسه، عاش فيها 19 سنة، تحالف حزبه خلالها مع نظام حافظ الأسد، قبل اضطراره للخروج منها واعتقاله في كينيا عام 1999.
كان متوقعا، والحال كذلك، أن يعتمد مظلوم عبدي، قائد «قوات سوريا الديمقراطية» (المرتبطة بحزب العمال) تخصيص أوجلان للأكراد في تركيا بندائه للتملّص من انطباق هذا القرار على «فروع» حزب العمال المنتشرة في سوريا والعراق وإيران، بقوله إن النداء يدعو لبدء «عملية سياسية سلمية داخل تركيا» و«لا علاقة له بنا في سوريا» خالصا إلى أنه «إذا تحقق السلام في تركيا» فهذا يعني أنه لا مبرر للسلطات التركية لمواصلة الهجمات على الحزب في سوريا، وهو عكس ما حصل لدى رئاسة كردستان العراق (التي ينازعها حزب العمال على بعض مناطق نفوذها في جبل قنديل وسنجار) التي أعلنت ترحيبها بالنداء مطالبة الحزب الالتزام بتنفيذ هذه الرسالة، مع التأكيد على استعداد إقليم كردستان العراق «لدعم عملية السلام بشكل كامل».
تحوّل أوجلان («المنتقم» حسب ترجمة اسمه) من المؤسس شبه المعبود من حزب العمال الذي أسسه قبل 47 عاما إلى داعية ديمقراطية وسلام، وهو ما يمكن أن يفتح الباب لتسوية تاريخية طال انتظارها وحصدت عشرات آلاف القتلى والجرحى والتداعيات الهائلة على تركيا وجوارها، لكن الواضح أن قيادات حزب العمال في سوريا والعراق لديهم رأي آخر في هذه المسألة.
القدس العربي
———————–
لحظة كردية جديدة: أوجلان وقسد والإدارة السورية/ صبا مدور
الجمعة 2025/02/28
حزب العمال الكردستاني عند مفترق طرق، وربما إحداها هي الفصل الأخير في تاريخه مع مؤسسه عبد الله أوجلان، الزعيم الانفصالي السجين في تركيا منذ ربع قرن. فقد دعا أوجلان تنظيمه بعد عقود من العمل المسلح لإلقاء سلاحه نهائياً وحلّ نفسه. وبالرغم من حمولة هذه الدعوة إلا أنها في الواقع جاءت في توقيت ليس استثنائيًا، ولكنه مهم، وربما تشكل منعطفاً فاصلاً وحاسماً في نهج التعاطي مع المسألة الكردية، بالإضافة لترتيبات مختلفة في صفوف حركاتها.
وبقدر ما تحمله الدعوة من أهمية لدى القواعد الشعبية المؤيدة لحزب العمال، نظراً لرمزية عبد الله أوجلان ودوره في نضال الحركة، إلا أن تأثيرها داخل صفوف التنظيم قد يكون محدوداً، بفعل تعقيدات بنيته الداخلية والمعطيات الإقليمية الراهنة. كما أن توقيتها يتزامن مع توتر غير مسبوق بين أنقرة وحزب العمال، تراكم فيها الكثير من العمليات القتالية، لتصل إلى أسوأ مراحل العلاقة بين الطرفين. ما يثير تساؤلات جدية حول مدى فعالية الدعوة في إحداث تغيير حقيقي على الأرض.
سبق لأوجلان أن دعا إلى الهدنة مرتين، الأولى في عام 2006، والثانية في عام 2013، حين طالب في كلتيهما بوقف العمل المسلح وفتح قنوات للحوار مع الحكومة التركية. ورغم أن تلك المبادرات كانت تملك مقومات الانفراج، فإنها فشلت بسبب بروز لحظات مفصلية كردية، أعادت الطموح الكردي، أبرزها صعود وحدات حماية الشعب في سوريا، ما دفع التنظيم لاستئناف القتال، وما زاد بتكريس قناعات صعوبة المسار السلمي.
وبمقتضى الحال، كانت الأحزاب الكردية اليوم على علم مسبق بمضامين الخطاب، حيث بدأت دلالات الرفض من قبل التنظيم بعد الإعلان عن المبادرة مباشرة في أكتوبر الماضي من قبل دولت بهتشلي، زعيم حزب الحركة القومية وحليف الرئيس رجب طيب أردوغان، حينما شهدت العاصمة التركية أنقرة هجوماً إرهابياً استهدف مقر شركة الصناعات الجوية والفضائية التركية (توساش)، والتي أعلن حزب العمال الكردستاني مسؤوليته عن هذا الهجوم، مما أعطى رسائل واضحة عن إحجام الأجنحة الانفصالية عن هذه المبادرة ومحاولة إجهاضها في مهدها. ومعطوف عليه أنه خلال الشهور الأربعة الماضية التي شهدت تحولات مفصلية في المشهد الإقليمي أبرزها هزيمة نظام الأسد وإيران في سوريا، ووصول المعارضة السورية للحكم، لم تبد هذه الأحزاب أي مؤشرات أو نوايا فعلية على الأرض تعكس استعدادها للتكيف مع مرحلة جديدة بمسار سلمي، مما يعزز الشكوك حول مدى جدّية المبادرة وإمكانية ترجمتها لتحول تاريخي.
وفي سطور رسالة أوجلان، فإنها حملت مراجعات فكرية هائلة وعميقة لنهج الحزب، جاءت نتيجة سنوات طويلة من السجن، أعادت تشكيل وعي أوجلان السياسي وإدراكه لحجم التكلفة الباهظة للطموح الكردي المسلح. أحد أهداف هذه الدعوة هو الإقرار بانتفاء مقومات استمرار التنظيم بسبب التحولات الجذرية الداخلية والإقليمية. لكن بالحقيقة لم يعد لـPKK وجود فعلي، سواء على المستوى الشعبي أو العسكري في تركيا. لذلك فإن الرسالة الحقيقية في البيان كانت تستهدف قادة قنديل، ووحدات حماية الشعب الكردية في سوريا على وجه الخصوص.
لذلك سارع مظلوم عبدي، قائد ما يُعرف بقوات سوريا الديمقراطية قسد، إلى محاولة فصل المسارات عبر التأكيد على أن دعوة أوجلان تخص حزب العمال الكردستاني في تركيا فقط، وليست مرتبطة بقواته في سوريا. ولكن بالواقع فإن ارتدادات هذه الدعوة لا يمكن احتواؤها بمجرد النأي بالنفس. إذ توفر دعوة أوجلان هامشاً أوسع للحكومة التركية، وكذلك للإدارة السورية في المفاوضات الراهنة مع قسد، التي وجدت نفسها تلقائياً في موقف أضعف بفعل تصريحات أوجلان، مما يضيق مساحة المناورة أمامها.
هذا لا يعني أن قسد ستتخلى عن سلاحها، لكنها ستراهن على عامل الوقت، على أمل أن تطرأ تغييرات إقليمية أو تفاهمات دولية قد تصب في مصلحتها، مما يمنحها فرصة أكبر لفرض نفسها كطرف سياسي وعسكري فاعل مستقل. غير أن هذا الرهان، في الوقت ذاته، يشكل عاملاً سلبياً ضدها. فكلما طال الوقت، تكتسب الإدارة السورية زخماً داخلياً ودعماً خارجياً، بينما تفقد قسد تدريجياً مشروعيتها. إلى جانب ذلك، أن الدعم الأميركي غير مضمون، نظراً لعدم شهية إدارة ترامب للانخراط والبقاء في سوريا من خلال التحالف مع قسد، بمقابل مصالح أكبر تربطها بتركيا، التي تمثل شريكًا استراتيجيًا أكبر، فضلاً عن إمكانية القضاء على خلايا داعش المتبقية من دون الحاجة إلى قسد.
وأمام هذا الواقع الجديد، ستتربص الأحزاب الكردية بكلمة مفتاحية بأن خريطة الطريق غير واضحة، حول كيفية حل الحزب نفسه والمضي قدمًا في حوار مع الحكومة التركية في الوقت نفسه، وما إذا كان تسليم السلاح شرطاً مسبقاً للمفاوضات أم نتيجة لها. وهذا ما تجلى في أول تصريح لصالح مسلم زعيم حزب الاتحاد الديمقراطي PYD الجناح السوري لحزب العمال الكردستاني، بتأكيده أنهم مستعدون لترك العمل المسلح إذا سُمح لهم بالعمل السياسي. ما يعني فعليا إلقاء الكرة في ملعب أنقرة وجعلها الطرف الذي يتحمل مسؤولية الخطوة التالية.
تواجه دعوة عبد الله أوجلان عدة معضلات تتعلق بآليات تنفيذها وضماناتها. فحزب العمال الكردستاني يعاني من انقسامات داخل أجنحته. كما ترى بعض الفصائل الانفصالية في الظروف الإقليمية الحالية فرصة لتحقيق تطلعاتها الانفصالية بدعم إسرائيلي، خصوصاً في ظل هشاشة الوضع الأمني والسياسي في سوريا. بالإضافة إلى أن طول سنوات الصراع أفرزت قيادات راديكالية جديدة داخل التنظيم، مثل مراد قره يلان وجميل بايك، الذين لهم حساباتهم الخاصة، ما يجعل احتمال جنوحهم للسلام ضئيلاً، إلى جانب ما قد تواجهه الدعوة من معارضة في بعض الأوساط التركية لأي تفاوض مع قواعد التنظيم.
وكذلك الواقع الجيوسياسي، لا يمكن التغافل عن أن مصالح هذه الفصائل تتداخل مع مصالح أطراف إقليمية أخرى، مثل إيران وإسرائيل، من خلال الدعم، فلا تدع مجالاً لقادة التنظيم في جبال قنديل باتخاذ قرار مستقل. فإيران وإسرائيل توظفان استمرار حالة الصراع للضغط على أنقرة ودمشق لابتزازهما في تسويات مقابلة. وإيران، تملك تاريخًا طويلًا من التدخل في الشأن الكردي، وما قدمته من دعم لتنظيم الـ”بي. كي. كي” قد يتجاوز الدعم الأميركي المقدم لقسد، لاسيما من خلال رعاية الميليشيات التابعة لإيران، ليتمتع التنظيم بمستقر شبه آمن في سنجار بشمال العراق، منطلق عملياته ضد تركيا، رغم الرفض المعلن لوجوده من جانب الحكومة العراقية.
أما إسرائيل، فتهدف من تدخلها في الأحزاب الكردية لدفع أنقرة إلى الحياد في القضية الفلسطينية وتقديم تنازلات سياسية في ملفات أخرى، سعياً لتحسين العلاقات الثنائية الإسرائيلية-التركية. ويتضح هذا التوجه من خلال التصريحات التي أدلى بها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ووزير الخارجية الأسبق أحمد داود أوغلو، حين طرح الأخير فكرة ربط قطاع غزة بتركيا كمنطقة ذات حكم ذاتي، وهو ما تعتبره إسرائيل تهديدًا لمعادلات السيطرة في المنطقة.
في كل الأحوال، حتى في ضوء هذه التعقيدات وحضور الحل العسكري بين الخيارات، فلا تزال هناك فرصة حقيقية للحل السلمي، قد تدفع لإنهاء الإشكالية الكردية التي طالما شكلت عامل اضطراب في الإقليم، وأثرت على علاقاته لعقود. ومآلات التعاطي مع دعوة أوجلان ستكشف جزءاً مهماً من ملامح السياسة الأميركية في المنطقة، وإن لم تكن مرتبطة بها بشكل مباشر. فبالنسبة للأكراد، تحقق لهم هذه الدعوة الحفاظ على هويتهم وحقوقهم وضمان اندماجهم من خلال حقوق المواطنة، من دون دفع المزيد في فاتورة الدم، وكذلك لتركيا، بما يتماشى مع ترتيباتها الأمنية، إضافة إلى تحقيق توافق داخلي يُساعد حزب العدالة والتنمية في تمرير تعديل دستوري جوهري.
سورياً، حيث تتجذر المعضلة ويتحدد مسار الحل، فإن الدعوة تتيح أيضًا فرصة استراتيجية للإدارة السورية لحسم ملف الفيدراليات، وإغلاق الباب أمام الطروحات الانفصالية. إذ إن التوصل إلى حسم في الشمال سيؤدي بالضرورة إلى إنهاء الإشكالات العالقة في الجنوب.
المدن
———————–
عبدالله أوجلان: وداعاً أيها السلاح/ محمد حجيري
الجمعة 2025/02/28
بعد دعوته إلى حلّ حزب العمال الكردستاني وإلقاء السلاح بما يذكر برواية إرنست همنغواي “وداعاً أيها السلاح”، تتجه الأنظار إلى الزعيم الكردي عبد الله أوجلان، الذي من المتوقع أن يتوصل إلى صفقة أو تسوية مع الدولة التركية تؤدي في النهاية إلى الإفراج عنه. فقد عاد أوجلان، الذي سُجن قبل 26 عاماً، إلى دائرة الضوء في تركيا بعد حديث عن إنهاء الصراع الذي بدأه قبل 45 عاماً ضد الدولة التركية.
أوجلان أو “أبو” (وتعني “العم” بالكردية)، الذي لم يكن زعيمًا عاديًا بل كان معبودًا لأعضاء حزب العمال الكردستاني ومؤيديه، ثمة من يقول إن إسمه بالتركية يعني “المنتقم” أو “طالب الانتقام”، وهو يكتب أنه منذ نعومةِ أظافره كانوا يلقبونه بـ”Dînê çolê”، أي “مجنون البراري والجبال”.
وُلد أوجلان، في بلدة ولاية شانلي أورفا، جنوب غربي تركيا، لأمّ تركيّة وأبٍ كرديّ. وتذكر بعض التقارير أنه ولد العام 1948 وربما 1949. وتتضمن سيرته الكثير من التشعبات والتحولات في خضم الحرب الباردة والصراعات العالمية والشرق أوسطية، وهو من الشخصيات المثيرة التي كانت “بندقية للإيجار”(تسمية باتريك سيل للفلسطيني”أبو نضال”).
تنقل الصحافية مروة شبنم أوروج (في مقال مترجم في مجلة “قلمون”) أنه من المثير للاهتمام أن أوجلان كان يحلمُ بأن يكون جنديًا في طفولته، لكنه عندما لم يتمكن من اجتياز امتحانات الثانوية العسكرية، التحق بثانوية الأناضول المهنية للسجل العقاري. واللافت أن زعيم المنظمة الماركسية اللينينية الستالينية، كان في السابق محافِظًا (يمينيًا إسلاميًا). وبحسب كتاب “الملفّ الكردي” للصحافي أوغور مومجو، كان أوجلان يصلّي في مساجد أنقرة أحيانًا، ويشارك في الأنشطة المناهضة للشيوعية. وهو أمام هذه المعطيات، كان سباقاً في التكويع الإيديولوجي، وربما لا يختلف عن بعض الشخصيات اللبنانية من أصحاب “المسارات المتعاكسة” الذين انتقلوا من اليسار إلى الطوائف، واليوم يكوّع إلى مسار جديد سيأخذ الكثير من الجدل والنقاش، والأرجح أتى التكويع بعد مجموعة من التفاهمات.
“المنتقم” بدأ من أنقرة
مع إيجابية الموقف التاريخي ووداع السلاح والتكويع الجديد، لا بد من قراءة سيرة “أبو” الذي وظف القضية الكردية ضمن لعبة حروب الآخرين، أو في خدمة حروب الآخرين. كان أوجلان يمارس عمله كموظف في ديار بكر العام 1969، والتحق بكلية الحقوق، وفي العام ذاته نقل تعليمه إلى كلية العلوم السياسية في جامعة أنقرة حيث بدأ نشاطه السياسي، وخلال سنوات دراسته الجامعية، أصبح مهتمًا بالآراء الشيوعية. بدأ أوجلان عمله السياسي كعضو شعبة في “جمعية ثوار الثقافة الشرقية” في إسطنبول العام 1970. واعتُقل للمرة الأولى في 7 نيسان 1973، عندما كان يوزع منشورات، ليقضي سبعة أشهر في السجن. بدأ يحلم بدولة كردستانية اشتراكية في ظل المنظومة الشيوعية وتمدّد الاتحاد السوفياتي، ليحشد المؤيدين لمشروعه العام 1973. بعد عام، تحولت تلك الاجتماعات إلى منظمة سمّيت “جمعية أنقرة الديموقراطية للتعليم العالي”.
شرع أوجلان في تأسيس “حزب العمال الكردستاني” في العام 1978 في تركيا، بهدف تأسيس دولة للكرد في المنطقة الواقعة بين العراق وسوريا وتركيا وإيران، وأعلن الحزب توسيع نطاق نشاطه، وخاض ما يسمى بـ”العنف الثوري” وحرب المدن التي استمرت ثلاث سنوات وتوقفت بسبب انقلاب 12 أيلول 1980 وحكم المجلس العسكري. دخل اوجلان إلى سوريا العام 1980 في عهد الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، الذي سمح له بإقامة معسكرات تدريب لأعضائه في سهل البقاع داخل الأراضي اللبنانية أيام الاحتلال السوري للبنان. وعلى شاكلة نظام الملالي ذي “الحرس الثوري” في إيران، كانت للنظام الأسدي الأبدي(زمن الأب) مجموعة من الأذرع الماكرة، بدءاً من الفلسطينيين أبو موسى وأحمد جبريل وزهير محسن، وصولاً إلى عشرات الشخصيات اللبنانية والعراقية والموريتانية والأردنية والمصرية. كان نظام الأسد يهدف إلى الإستيلاء على قرار القضية الفلسطينية، كما استولى على قرار السيادة اللبنانية بعد حروب طاحنة ومتنقلة واغتيالات ومساومات ودعم أميركي.
ولم ينحصر المشروع الأسدي آنذاك في “خاصرة سوريا الرخوة” (لبنان)، أو جنوب سوريا (أي فلسطين)، بل امتد إلى دعم منظمات عديدة مثل (الجيش الأرميني السري لتحرير أرمينيا) و”DEV-SOL” (اليسار الثوري)، وحزب البعث الأريتري، ومن بين الأذرع الأكثر نفوذاً كان حزب العمال الكردستاني الأوجلاني. وفقًا للبعض، سمح حافظ الأسد لأوجلان بإنشاء معسكرات في ضيافة منظمات فلسطينية، مقابل “السيطرة على أكراد سوريا”، وساهم النظام السوري في تلميع صورة أوجلان من خلال بعض الصحافيين والكتّاب والكتب الحوارية، حيث يبدو أن الأسد كان يرمي القضية الكردية على تركيا، وأوجلان يجاريه في مشروعه.
وتنقل مروة شبنم أوروج، أن أوجلان قرّر في العام 1984، بدء حرب طويلة الأمد، في إطار المفهوم الذي طرحه الزعيم الصيني ماو تسي تونغ وثورته الثقافية وحروبه. شن التنظيم هجوماً كبيراً في 15 شباط/فبراير1984. ولا ضرورة الآن لسرد يوميات الحرب الأوجلانية، معروفة التفاصيل والنتائج. في أيلول/سبتمبر1998، تحدث الجنرال أتيلا أتيش، قائد القوات البرية في الجيش التركي، من هاتاي، مشيراً إلى إمكانية إعلان حرب على سوريا: “لقد نفد صبرنا. إن لم يتخذوا الإجراءات، فإن علينا -الأمة التركية- اتخاذ جميع التدابير اللازمة”.
دخل الرئيس المصري الأسبق، حسني مبارك، على خط الوساطة بين حافظ الأسد والرئيس التركي سليمان ديمريل. كانت تركيا حازمة. أنهت استعداداتها للحرب، وأمهلت دمشقَ 45 يومًا. فاضطر حافظ الأسد إلى التراجع، وإخراج زعيم أوجلان من أراضيه الذي يقال أنه كان يقطن المبنى حيث يسكن الملحق العسكري التركي في دمشق. بعد ذلك، وقّع البلدان “اتفاق أضنة” في 20 تشرين الأول 1998.
في تلك الفترة، كان الزعيم الكردي ملاحقاً من قبل الاستخبارات المركزية الأميركية، و”الموساد” الإسرائيلي، والمخابرات التركية، والمخابرات اليونانية. وانتقل من سوريا إلى روسيا ثمّ إيطاليا. وبعد إخراجه منها أيضاً من قبل الحكومة الإيطالية، اختبأ في السفارة اليونانية في كينيا. حاول الحصول على لجوء سياسي، لكنه لم ينجح في مسعاه، وبعد إخراجه من السفارة اليونانية، ألقت وحدات أمن كينية القبض عليه، وسلّمته في 15 شباط/فبراير1999 لمسؤولي الأمن التركي. نُقل بطائرة خاصة إلى تركيا، وصدر بحقه حكم بالإعدام، قبل أن يتحول إلى حكم السجن مدى الحياة، بعدما ألغت أنقرة عقوبة الإعدام العام 2002. تكشفت قضية أوجلان تباعاً، في مقابلةٍ أجراها مع إحدى القنوات الإعلامية التركية العام 2011، بالتزامن مع ازدياد قمع التظاهرات.
دَور جميل الأسد
ويروي عبد الحليم خدام، الذي كان نائب الرئيس السوري حينذاك، واصفا مجيء أوجلان إلى دمشق: “لعب شقيق حافظ الأسد، جميل الأسد، الذي توفي في كانون الأول/ديسمبر2004، دوراً مهماً في تثبيت إقامة عبد الله أوجلان في سوريا. أظن أن جميل الأسد جلب أوجلان ليستخدمه ضد تركيا، وكان جميل الأسد مقرّبًا من أوجلان، ولم يكن حافظ الأسد يلتقي بأوجلان بشكل مباشر، لكنه كان يتلقى المعلومات التي تخص أوجلان من شقيقه جميل بشكل دوري”. وهنا صور تجمع أوجلان وجميل الأسد ومعراج اورال.
كتب الباحث وضاح شرارة في جريدة “الحياة” المحتجبة، بعد توقيف أوجلان، أنه “قد يكون من أكثر الأمور ضرراً على الحركة الوطنية والإستقلالية الكردية، وهي غير الحركة الإنفصالية والإرهابية الغالبة والظاهرة اليوم، الإرث الذي خلفه عبدالله أوجَلان وترعاه قيادة حزب العمال الكردستاني وقواعده المقاتلة. وهذا من مراوغة التاريخ وحِيَله. فالرجل الذي يتعرَّفُه أكراد كثيرون وجهاً بارزاً، وربما الوجه الأبرز، لنازعهم القوي إلى الاستقلال بهوية تاريخية وثقافية قد لا تستقل بهوية سياسية ناجزة في وقت منظور، هذا الرجل هو نفسه من حمل السياسة الكردية اليوم، وفي مناسبة خطفه واعتقاله، على ركوب أغلاط وهفوات أودت به، وقد تودي بحركة الشعب الكردي الوطنية”.
أما أوجلان فكتب: “المعادلةُ التي كانت سائدةً أثناء المرحلة التي أدت إلى خروجي من سوريا، أكثرُ لفتاً للأنظار. فالرؤية التي أخرجَتني من سوريا، ترتكز مجدداً في مضمونها إلى تضارُبِ الأهميةِ الفائقةِ التي أَعَرتُها دوماً لعلاقاتِ الصداقةِ مع سياسةِ إسرائيل تجاه الكرد. فإسرائيلُ التي عَوَّلَت على رُبُوبِيَّتِها وزعامتها للقضية الكردية، وخصوصاً بعد الحرب العالمية الثانية، كانت قد أضحَت بالغةَ الحساسية تجاهها، لدرجةٍ لن تحتملَ معها طرازاً ثانياً من الحلِّ في ما يتعلقُ بالقضيةِ الكرديةِ التي بدأَ وقْعُ صداها يتسعُ طردياً متمثلاً في شخصي. ذلك أن طرازي في الحل لَم يَكنْ يتناسبُ إطلاقاً مع حساباتِهم. عليَّ ألاّ أنكرَ دورَ الاستخبارات الإسرائيلية (الموساد) التي دَعَتني بشكلٍ غيرِ مباشر إلى طريقتها في الحل. لكني لم أكن مستعداً أو منفتحاً لذلك، أخلاقياً كان أم سياسياً. لم تَرغَب الإدارةُ السورية العربية تجاوزَ شكلِ العلاقات التي يغلب عليها الطابع التكتيكي مع قيادة PKK، علماً أن رئاسة حافظ الأسد تحققت اعتماداً على صراع الهيمنةِ بين الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفياتي”. ويضيف: “لَم يَكن حافظ الأسد قادراً على الحفاظ على أية علاقةٍ تكتيكية، في ظلِّ الأجواءِ الحَرِجةِ البارزةِ مع انهيار الاتحادِ السوفياتيّ”.
أوجلان لبشار الأسد: “أعطونا حكماً ذاتياً وسندعمكم”
في العام 2013، عندما غيّرت الولايات المتحدة الاميركية سياساتها تجاه سوريا، وقدّمت الدعم بالأسلحة لـ(PYD)، الذراع السوري لـ(PKK)، تحت مسمى “مكافحة إرهاب داعش”، ثم في 2014، كان هناك خبر جديد يشغل الإعلام التركي. ووفقًا لهذا الخبر، أن عبد الله أوجلان كتب رسالةً إلى بشار الأسد في 22 نيسان/أبريل 2011، قال فيها: “أعطونا حكمًا ذاتيًا، وسندعمكم”. وفي العام 2013، أطلقت الجمهورية التركية عملية تاريخية، وهي “حلّ المسألة الكردية”، مع بدء سيطرة (PYD) على أجزاء من شمال سوريا، بإذن من النظام السوري.
في العام 2014 أيضاً، وجّه أوجلان رسالة إلى الحكومة التركية والأطراف الكردية، شدّد فيها على ضرورة التمسك بالسلام، وحذّر من داخل سجنه، من مخططات إفشال مسيرة السلام. كما دعا أنصاره، في نهاية شباط/فبراير2015، إلى السعي لإنهاء الصراع المسلح مع تركيا، معتبراً أن الحاجة ماسة إلى قرار وصفه بـ”التاريخي”، للتوصل إلى “حل ديموقراطي”.
وبعد حوالى عقد من الزمن، عادت قضية أوجلان إلى الواجهة بعدما وجّه رئيس حزب “الحركة القومية” دولت بهشتلي، المنضوي في الائتلاف الحاكم في تشرين الأول/أكتوبر2023، دعوةً للزعيم الكردي للحضور إلى البرلمان وإعلان حلّ حزبه، مقابل إطلاق سراحه. وبعد مفاوضات، وبعد 26 عاماً من السجن، تُوجّت هذه المفاوضات بـ”إعلان تاريخي” لأوجلان، دعا فيه إلى إلقاء السلاح وحل “حزب العمال الكردستاني”.
وبغض النظر عن سيرة أوجلان، فإن الأسئلة بعد موقفه الأخير تبقى ملحّة: هل ينال الأكراد حقوقهم في تركيا بعد عقود مديدة من القمع الثقافي والإثني؟ وهل ستتحقق ديموقراطية حقيقية تقوم على الشراكة، وليس على الإقصاء؟ وهل سيتجاوب حزب العمال في سوريا مع موقفه؟
المدن
———————–
قراءة عراقية في دعوة أوجلان حزبه إلى إلقاء السلاح/ عثمان المختار
28 فبراير 2025
غطّى بيان مؤسس حزب العمال الكردستاني التركي عبد الله أوجلان التي دعا فيه، أمس الخميس، إلى حل الحزب وإلقاء السلاح، على مجمل المشهد في مناطق إقليم كردستان، شمالي العراق وغربي محافظة نينوى الحدودية مع الحسكة السورية، ضمن بلدة سنجار الواقعة تحت نفوذ مسلحي هذا الحزب الذي يعود تاريخ وجوده في العراق إلى مطلع تسعينيات القرن الماضي، ويُخضِع مناطق واسعة، تُقدر بأكثر من سبعة آلاف كيلومتر مربع، لسيطرته، وأبرزها مناطق قنديل وسيدكان وسوران والزاب وزاخو، شمالي دهوك وشرقي أربيل على الحدود مع الأراضي التركية.
مواقف رسمية من بغداد وأربيل والسليمانية
بغداد التي أدرجت قبل عدة أشهر الحزب “منظمةً محظورةً” ضمن إجراءات التفاهم مع تركيا، للتضيق على وجوده بالعراق، رحّبت رسمياً بدعوة أوجلان حزبه لإلقاء السلاح، وقالت الخارجية العراقية، في بيان، إنها “خطوة بالغة الأهمية نحو تعزيز الأمن، ليس في العراق فقط، بل في المنطقة بأسرها”.
بينما رحبت رئاسة إقليم كردستان بالإعلان، وقال بيان لرئيس الإقليم نيجيرفان البارزاني: “نرحب بحرارة برسالة السيد أوجلان ودعوته لإلقاء السلاح وحل حزب العمال”، ودعا الحزب إلى “الالتزام بهذه الرسالة وتنفيذها”. كما أعلن فيه عن استعداده لدعم عملية السلام في هذا الصدد.
أوجلان يدعو إلى حلّ العمال الكردستاني وإلقاء السلاح
إلا أن الموقف اللافت هو ما صدر عن رئيس الاتحاد الوطني الكردستاني بافل طالباني، نجل الزعيم الكردي جلال الطالباني وأبرز المقربين لحزب العمال الكردستاني وكذلك قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في سورية، إذ قال إنها “رسالة مسؤولة ومطلوبة في المرحلة الحالية”، معتبراً أن الإعلان يأتي “بهدف توحيد صفوف الكرد والبحث عن حل سلمي للمشكلات، وفق مبدأ الشراكة لبناء مستقبل مشرق وآمن لشعب كردستان”.
الواقع على الجغرافيّة العراقية أكثر تعقيداً
يمتلك حزب العمال الكردستاني التركي المعارض، منذ عام 1994، العشرات من القواعد والمقار التابعة له في عموم مناطق الشمال العراقي الحدودي مع تركيا ضمن إقليم كردستان، وهي عبارة عن مقار وثكنات عسكرية تتوزع عليها قواته الذين يُقدر عددهم بأكثر من ستة آلاف مسلح داخل العراق فقط، غالبيتهم من الجنسية التركية.
مناطق سلسلة جبال قنديل، وهي المثلث الحدودي العراقي مع إيران وتركيا، المعقل الأصعب والأهم لحزب العمال، إلى جانب مناطق سوران وسيدكان والزاب وضواحي العمادية وزاخو، ومتين وكاره وكاني ماسي، شمالي أربيل وشرقي دهوك، كانت مسرح العمليات العسكرية التركية طوال السنوات الماضية.
لكن توسع الحزب خلال السنوات العشر الأخيرة داخل العراق، عقب اجتياح تنظيم “داعش”، وما تلاه من معارك استعادة السيطرة، حيث وجد نفوذاً كبيراً له في مناطق سنجار وسنوني وفيشخابور غربي محافظة نينوى، وأسس حزب العمال الكردستاني فصائل مُسلحة من الإيزيديين الأكراد العراقيين في تلك المناطق، أبرزها مليشيا “وحدات حماية سنجار” ومليشيا “لالش” الإيزيدية، وتنشط في سنجار وضواحيها وترفع شعارات وصور حزب العمال الكردستاني.
وتأسست عدة أحزاب سياسية إيزيدية كردية قائمة على فكر ونهج حزب العمال، أبرزها حزب “الحرية والديمقراطية الإيزيدية” وحزب “جبهة النضال الإيزيدي” وحزب “حرية مجتمع كردستان”، إلى جانب حركات أخرى ذات طابع سياسي مسلح، مثل فوج “الحماية والدفاع الإيزيدي” الذي انطلق من “مخيم مخمور” حيث تقيم عائلات أفراد الحزب هناك.
وأنشأت تركيا أكثر من 40 موقعاً عسكرياً لها داخل العراق ضمن الشريط الحدودي مع تركيا، ضمن مساعي المنطقة الآمنة أو العازلة لمواجهة العمليات التي ينفذها الحزب داخل تركيا انطلاقاً من العراق. وأسست فصائل ومليشيات عراقية مدعومة من طهران علاقات مهمة مع أذرع حزب العمال الكردستاني بالفترة الأخيرة، وبدت متناغمة في المواقف خاصة في ما يتعلق بتركيا وسورية بإدارتها الجديدة، كما أن جزءاً كبيراً من مليشيا “وحدات حماية سنجار”، الذراع المحلية لحزب العمال، باتت ضمن “الحشد الشعبي”، وتتسلم رواتب ومساعدات حكومية منذ عام 2018 إبان حكومة عادل عبد المهدي.
مسؤول عراقي بارز في مستشارية الأمن القومي ببغداد قال لـ”العربي الجديد” إن الإعلان لا تُتوقع منه معالجة سريعة لورقة حزب العمال خاصة بالعراق، وقد لا يكون له تأثير مباشر إلا على نطاق تركيا فقط”. ووفقا للمسؤول نفسه الذي تحدث عبر الهاتف من بغداد اليوم الجمعة، فإنه “للمرة الأولى تتفق بغداد وأربيل والسليمانية على حسم مسألة حزب العمال بوصفها جماعة أجنبية داخل الأراضي العراقية، وهذه نقطة مهمة قد لا تقل أهمية عن إعلان أوجلان نفسه”.
وحول ما إذا كانت دعوة أوجلان ستلاقي فعلاً قبولاً من قيادة الحزب الحالية الموجودة أساساً في العراق، قال المسؤول نفسه إنه “لا يتوقع ذلك، وفي حال حصولها، فقد يكون هذا جزئياً، وقد يسبب انقساماً داخلياً في صفوف الحزب نسمع عنه قريباً، ونأمل من تركيا أن تستغل الظرف، وتمنح عفواً عاماً عن المقاتلين الموجودين بالعراق ليعودوا إلى تركيا، فهذا سيساعد كثيراً”.
وأضاف، طالباً عدم الكشف عن هويته، أن الحكومة العراقية تتجه إلى “عقد ورش أمنية متخصصة في الأيام المقبلة لبحث كيفية التحرك على الأرض لتفكيك مراكز القوة عند حزب العمال الكردستاني، وخاصة ملف العراقيين الذين تطوعوا مع الحزب، وهم من العراقيين الكرد والإيزيديين، واحتوائهم ضمن برنامج محدد”، واصفاً وجود الحزب بأنه “عائق أمام مشاريع التنمية، والأهم تهديد لاستقرار مناطق شمال العراق بالكامل”.
وفي يوليو/ تموز الماضي، قررت الحكومة العراقية تصنيف الحزب المعارض لأنقرة “منظمةً محظورةً”، بعد مخاطبة مؤسسات الدولة والوزارات بالتعامل مع الحزب باعتباره منظمة محظورة ضمن القوانين العراقية النافذة، كما طالبت جهات سياسية وشخصيات بحذف الأحزاب التابعة للعمال من سجلات دائرة الأحزاب العراقية، بالإضافة إلى فك ارتباط أي عناصر متورطين بالانتماء لحزب العمال ومنعهم من مزاولة الوظائف الحكومية في البلاد.
خسائر الحزب المتصاعدة في العراق
الضابط السابق في قوات البشمركة الكردية والخبير العسكري شوان عقراوي اعتبر أن دعوة أوجلان “فرصة سلام لن تتكرر في الأجزاء الكردية الأربعة”، في إشارة إلى مناطق الوجود الكردي في تركيا والعراق وسورية وإيران. وأضاف عقراوي أن الحزب يتكبد خسائر كبيرة منذ عدة أشهر، بعد تحقيق الاستخبارات التركية اختراقات كبيرة أتت على عدد كبير من قيادات الصف الأول في الحزب داخل العراق وسورية، معتبراً أن العام الفائت (2024) كان الأكثر صعوبة على الحزب، ليس على المستوى العسكري فحسب، بل سياسياً، إذ نجحت أنقرة في التضييق على قنوات تمويل الحزب من خلال منظمات وحركات في فرنسا والسويد وألمانيا، ما جعله يخسر الكثير من مصادر تمويله المالية.
وبشأن الفصائل العراقية الكردية والإيزيدية المرتبطة تنظيمياً وعقائدياً بالحزب، قال عقراوي إنها “مرتبطة بقرار قيادة قنديل (يعني قيادة حزب العمال الموجودة في منطقة قنديل)، إذ إن قراراهم سيسري على كل من له صلة بالحزب”.
ومثّل ملف مسلحي “العمال الكردستاني”، الذي ينشط داخل العراق ويتخذه منطلقاً لشن اعتداءات متكررة داخل تركيا، العقدة الأبرز في العلاقات التركية العراقية طوال العقدين الماضيين، لكن تقدماً واضحاً تحقق هذا العام بعد اعتبار العراق “العمال الكردستاني” منظمةً محظورةً، والتعهد بالعمل مع تركيا في هذا الإطار.
تفاؤل ضئيل إزاء دعوة أوجلان
وحتى الآن، لم يصدر عن حزب العمال الكردستاني شيء، لكن موقعه الإخباري الرسمي الناطق بعدة لغات (ANF) تعاطى مع دعوة أوجلان باهتمام كبير تحت وصف “القائد التاريخي”، كما نقل مظاهر اهتمام مواطنين أكراد بالخطاب قبل بثه عصر أمس الخميس.
الخبير بالشأن السياسي العراقي والأستاذ في جامعة الموصل فراس إلياس قال إن “خطاب أوجلان يمثل تحولاً مهماً في سياق العلاقات الكردية التركية، التي أطرتها سنوات من الحرب والسلام”، لكنه أكد أنه “رغم دعوة أوجلان الحزب لحل نفسه وإلقاء السلاح، إلاّ إن السنوات التي قضاها أوجلان في السجن أنتجت قيادة جيدة للحزب، وتحديداً في قنديل، فضلاً عن جماعات محلية في سورية والعراق، وبالتالي ليس من المتوقع أن تلتزم هذه الجماعات بخطاب أوجلان، على أقل تقدير من دون ضمانات حقيقية من أنقرة، والرئيس أردوغان شخصياً”.
وتابع إلياس، في حديث مع “العربي الجديد”، أن “المتتبع تاريخَ حزب العمال الكردستاني، وتحديداً منذ عام 1999، يدرك تماماً أن الحزب لم يعد يهتم بشكل أساسي بالصراع مع أنقرة، بقدر ما بدأ يطرح نفسه في سياق إقليمي عام، وأنتج علاقات وثيقة مع إيران، وبدأ يفرض الوصاية السياسية على العديد من الجماعات الكردية المسلحة في العراق وسورية، وبالتالي، فإن قيادة الحزب الحالية، أو التي جاءت بعد اعتقال أوجلان، قد لا تجد نفسها معنية بالالتزام بخطابه الأخير، أو على أقل تقدير التفاعل معه”.
ووفقا للدكتور فراس إلياس، فإن “المشكلة عراقياً أكبر من المتصور، سواء بطريقة تعامل الحكومة العراقية مع عناصر حزب العمال الكردستاني الموجودين في قنديل أو مقتربات سنجار، والأهم كيفية التعامل مع المنخرطين ضمن فصيل وحدات مقاومة سنجار، فهي تطرح نفسها ذراعاً عراقيةً لحزب العمال الكردستاني، كما أنها تشكل جزءاً كبيراً من الفوج 80 في الحشد الشعبي، وبالتالي، هل ستكون هناك إجراءات عراقية موازية للإجراءات التركية، أم سيكون هناك موقف رافض من قبل الوحدات؟”.
————————————–
دعوة أوجلان لنزع سلاح حزب “العمال الكردستاني” وحلّه.. ترحيب حذر ودعم مشروط
2025.02.28
أثارت دعوة الزعيم الكردي، عبد الله أوجلان، لنزع سلاح حزب “العمال الكردستاني” وحل نفسه تفاعلات سياسية واسعة على المستويات السورية والإقليمية والدولية، وسط تساؤلات عن مدى انعكاسات ذلك على المشهد في شمال شرقي سوريا، في وقت تتزايد فيه الضغوط لاندماج “قوات سوريا الديمقراطية”، التي تعتبر امتداداً لـ “العمال الكردستاني” في سوريا، ضمن الجيش السوري الجديد.
وفي حين رحّب بعضهم بخطوة أوجلان، معتبرين أنها فرصة لفتح الباب أمام تسويات سياسية، في تركيا وسوريا، حذّر آخرون من أنها قد تكون “إعلاناً سياسياً” من دون أي تأثير فعلي على الأرض، حيث تثير الدعوة تساؤلات فيما إذا كانت ستلقى آذاناً مصغية لدى مقاتلي حزب “العمال الكردستاني” وتنهي عقوداً من الصراع.
ودعا أوجلان (75 عاماً)، المسجون في جزيرة إمرالي قبالة إسطنبول التركية منذ العام 1999 بتهمة “الخيانة”، جماعته المسلحة إلى إلقاء السلاح وحل نفسها، كجزء من محاولة جديدة لإنهاء صراع مستمر منذ أربعة عقود مع الحكومة التركية، أودى بحياة عشرات الآلاف من الأكراد.
وفي رسالة قرأها سياسيون أتراك من حزب “الديمقراطية ومساواة الشعوب”، قال أوجلان “اعقدوا مؤتمركم واتخذوا قراراً. يجب على جميع المجموعات إلقاء أسلحتها، ويجب على حزب العمال الكردستاني حل نفسه”.
مظلوم عبدي: لا علاقة لنا
حتى لحظة إعداد هذا التقرير، لم تصدر الحكومة السورية أي تعليق رسمي على دعوة أوجلان لنزع سلاح “العمال الكردستاني” وحلّه، في حين رحّبت بعض الأوساط السياسية بالدعوة، معتبرة أنها قد تشكل خطوة نحو تحجيم نفوذ “العمال الكردستاني” العسكري في المنطقة، مما يسهّل المفاوضات بين الحكومة السورية و”قسد”.
وتعليقاً على ذلك، أكد قائد “قوات سوريا الديمقراطية”، مظلوم عبدي، أن إعلان أوجلان “يخص حزب العمال الكردستاني فقط، ولا علاقة له بقواته في سوريا”، مشدداً على أن “الأوضاع الراهنة في شمال شرقي سوريا تتطلب مقاربة مختلفة”.
وقال عبدي إن “الإعلان يتعلق بحزب العمال الكردستاني فقط، ولا علاقة له بنا في سوريا”، لكنه وصف إعلان أوجلان بأنه “إيجابي”، لأنه “يدعو لإنهاء الحرب والبدء بعملية سياسية سلمية داخل تركيا”.
وأكد قائد “قسد” أن أوجلان أرسل إليهم رسالة بخصوص الإعلان، لافتاً إلى أنها “حملت مضموناً إيجابياً حول تحقيق الاستقرار في المنطقة، وتؤكد على السلام والأمن في المنطقة”.
وأضاف أن الهجمات التركية المستمرة في شمالي سوريا “لها تداعيات مباشرة على الوضع السياسي والعسكري في المنطقة، وتؤثر على مفاوضاتنا الحالية مع دمشق والحملة على تنظيم الدولة الإسلامية”، مشيراً إلى أنه “إذا تحقق السلام في تركيا فهذا يعني أنه لا مبرر لمواصلة الهجمات علينا هنا في سوريا”.
صالح مسلم: سنترك السلاح إذا سُمح لنا بالعمل السياسي
من جانبه، أكد صالح مسلم، زعيم “حزب الاتحاد الديمقراطي”، الجناح السوري لحزب “العمال الكردستاني”، أنهم “مستعدون لترك العمل المسلح إذا سُمح لهم بالعمل السياسي”، موضحاً أنه “لن تكون هناك حاجة للسلاح إذا سُمح لنا بالعمل السياسي والديمقراطي، وإذا اختفت أسباب حمل السلاح فسوف نتخلى عنه”.
وقال مسلم إن “هذه الدعوة لم تخرج عن الإطار المتوقع مسبوقاً، وهو أن الظروف التاريخية لبدء الكفاح المسلح وحمل السلاح كان في إطار الدفاع المشروع عن الذات، وإذا توفرت الحماية للمجتمع وأفسح المجال أمام الحزب لتنظيم نفسه فلن يبقى هناك حاجة للسلاح”.
واعتبر زعيم حزب “الاتحاد الديمقراطي” أن أوجلان “لديه قناعة في أن العمل السياسي هو الأفضل، ونحن ننضم إلى هذه الدعوة لأننا في إقليم شمال شرقي سوريا حملنا السلاح دفاعاً عن النفس، وإذا توقفت الهجمات علينا سنضع السلاح لأننا لسنا من عشاق السلاح”.
ترحيب واسع في تركيا
وفي تركيا، لاقت دعوة أوجلان ترحيباً واسعاً بين القوى السياسية، في حين أكد بعضهم على أن الدعوة التي أطلقها زعيم “العمال الكردستاني” يجب أن ترتبط بخطوات عملية على الأرض.
ورحّب حزب “العدالة والتنمية” الحاكم في تركيا بدعوة أوجلان، معرباً عن أمله في أن تستجيب لها قيادات حزب “العمال الكردستاني”.
وقال رئيس حزب “الشعب الجمهوري” المعارض في تركيا، أوزغور أوزيل، إن حزبه “يحافظ على موقفه بأن القضية الكردية يجب أن تتم معالجتها وحلها بشفافية، تحت سقف الجمعية الوطنية الكبرى التركية، من خلال إشراك جميع شرائح المجتمع”، مضيفاً أن “الدعوة الموجهة إلى المنظمة الإرهابية لإلقاء سلاحها وحل نفسها مهمة، ونأمل أن تتحرك وفقاً لمتطلبات هذه الدعوة”.
بغداد وأربيل: دعوة أوجلان خطوة نحو الاستقرار
عربياً، رحبت وزارة الخارجية العراقية بإعلان عبد الله أوجلان، معتبرة أنها “خطوة إيجابية ومهمة في تحقيق الاستقرار في المنطقة”.
وفي بيان لها، قالت الخارجية العراقية إن “هذه المبادرة خطوة بالغة الأهمية نحو تعزيز الأمن، ليس فقط في العراق، حيث تتواجد عناصر مسلحة للحزب المذكور في مناطق مختلفة في كردستان العراق وبعض القصبات والمدن الأخرى، بل في المنطقة بأسرها”.
كما رحّب رئيس إقليم كردستان العراق، نيجيرفان بارزاني، بدعوة أوجلان، مبدياً “ترحيباً حاراً برسالة السيد أوجلان، ودعوته لنزع السلاح ووقف النضال المسلح لحزب العمال الكردستاني”، مؤكداً “نحن في إقليم كردستان ندعم عملية السلام بشكل كامل، ومستعدون للعب دور تسهيلي وتقديم أي مساعدة ضرورية لدفع العملية إلى الأمام”.
من جهته، قال رئيس الحزب “الديمقراطي الكردستاني”، مسعود بارزاني، إن “السلام هو السبيل الصحيح الوحيد لحل الخلافات”، معرباً عن أمله بأن تكون رسالة أوجلان “بداية لوضع عملية السلام في مسارها والتوصل إلى نتيجة تصب في مصلحة جميع الأطراف”.
“بصيص أمل” و”تطور مهم”.. ترحيب أممي ودولي
دولياً، رحّب الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، بدعوة زعيم حزب “العمال الكردستاني”، لنزع السلاح وحل الحزب نفسه.
وفي المؤتمر الصحفي اليومي، قال المتحدث باسم الأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، إن الأمين العام “يرحب بهذا التطور المهم”، مضيفاً أنه “يمثل بصيص أمل يمكن أن يؤدي إلى حل صراع طويل الأمد”.
وفي الولايات المتحدة الأميركية، رحب البيت الأبيض بدعوة أوجلان، مؤكداً أن هذه الخطوة “ستساعد في إحلال السلام في هذه المنطقة المضطربة”.
وقال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي التابع للبيت الأبيض، بريان هيوز، إن دعوة أوجلان “تطور مهم، ونأمل أن يساعد في تطمين حلفائنا الأتراك بشأن شركاء الولايات المتحدة في مكافحة تنظيم داعش بشمال شرقي سوريا”.
كما رحبت المملكة المتحدة بما وصفته “التقدم المحرز نحو السلام والأمن لشعب تركيا، الحليف الوثيق لحلف شمال الأطلسي، والشريك القديم في مكافحة الإرهاب”، داعية جميع الأطراف إلى “الانخراط في عملية سلمية وبناءة تضمن الأمن والاستقرار واحترام سيادة القانون”.
وقال متحدث باسم وزارة الخارجية والكومنولث والتنمية البريطانية إن المملكة المتحدة “ملتزمة بدعم الجهود الرامية إلى الحد من الصراع وتعزيز الاستقرار في تركيا وفي مختلف أرجاء المنطقة على نطاق أوسع”.
وفي ألمانيا، قال متحدث باسم الحكومة الألمانية إن المستشار الألماني، أولاف شولتز، رحب بدعوة أوجلان لإلقاء السلاح وحل حزب “العمال الكردستاني”، مضيفاً أن الدعوة “تقدم فرصة أخيرة للتغلب على هذا الصراع العنيف والتوصل إلى تطور سلمي دائم في القضية الكردية”.
وفي تصريح آخر، قال متحدث باسم وزارة الخارجية الألمانية إن “إنهاء العنف يشكل خطوة أولى مهمة، ولكن هناك حاجة إلى خطوات أخرى للوصول إلى حل مستدام للشعب في تركيا. وهذا يشمل احترام ودعم الحقوق الثقافية والديمقراطية للأكراد”.
نقطة تحول
وعلى الرغم من قضائه حكماً مؤبداً بالسجن، لا يزال عبد الله أوجلان يمارس نفوذاً كبيراً على حزب “العمال الكردستاني”، ومن المتوقع أن تستجيب قيادة الحزب لأي دعوة يوجهها، رغم أن بعض التيارات داخل الحزب قد تعارض ذلك.
وتشكل دعوة أوجلان، التي وصفتها وسائل إعلام تركية بأنها “تاريخية”، جزءاً من جهد جديد من أجل السلام بين حزب “العمال الكردستاني” والدولة التركية، والذي بدأ في تشرين الأول الماضي، على يد شريك الائتلاف الحاكم في تركيا، رئيس حزب “الحركة القومية”، دولت بهتشلي، الذي اقترح أن يُمنح أوجلان الإفراج المشروط إذا نبذت جماعته العنف وحلت نفسها.
ورغم أن تداعيات دعوة أوجلان غير واضحة حتى الآن، فإنها من المؤكد ستشكل نقطة تحول في مسار الأزمة الكردية في سوريا والمنطقة، في ظل التوازنات السياسية والعسكرية المعقدة التي تحكم المشهد الإقليمي، وفق ما ذكرت وكالة “رويترز”.
ووفق محللين، فإن دعوة أوجلان ستؤثر بشكل مباشر على مستقبل “قسد” في شمال شرقي سوريا، وقد تدفعها نحو تسريع المفاوضات مع الحكومة السورية للاندماج في الجيش السوري، أو قد تؤدي إلى انقسامات داخلية بين مؤيد ومعارض لهذه الخطوة، في حين يبقى الموقف التركي عاملاً رئيسياً في تحديد مدى نجاح أو فشل هذه المبادرة.
حزب “العمال الكردستاني”
وتأسس حزب “العمال الكردستاني” في العام 1978، من قبل طلاب في جامعة أنقرة، للدفاع عن مطلب إقامة دولة كردية مستقلة في جنوب شرقي تركيا من خلال الكفاح المسلح، واختار هؤلاء عبد الله أوجلان، الذي كان طالباً في قسم العلوم السياسية، رئيساً له.
في العام 1980، أجبر انقلاب عسكري تركي كوادر حزب “العمال الكردستاني”، بمن فيهم أوجلان، على الفرار، وتوزعوا بين سوريا ولبنان، وفي أثناء وجود هذه الكوادر بدأت بالعمل على استراتيجية الكفاح المسلح.
وشن الحزب هجمات دامية ضد مواقع وقوافل عسكرية تركية، ما قوبل بحملات أمنية من السلطات في تركيا، والتي تسببت بعد ذلك بموجات من العنف، خصوصاً في جنوب شرقي البلاد ذي الأغلبية الكردية، وخلف هذا الصراع أكثر من 40 ألف قتيل منذ العام 1984.
تنقل أوجلان بين العديد من الدول الأوروبية، واستقر في سوريا، إلا أن أزمة اندلعت، في العام 1999، بعد أن هددت الحكومة التركية نظام حافظ الأسد بالرد عسكرياً إذا واصلت إيواءه، ليغادر دمشق إلى روسيا ثم إيطاليا ثم اليونان، ليلقى القبض عليه بعد ذلك في العاصمة الكينية نيروبي.
وسبق أن أطلق عبد الله أوجلان دعوتين سابقتين إلى الهدنة، الأولى في أيلول 2006، حينئذ طلب من حزبه عدم استخدام السلاح إلا في الدفاع عن النفس، والثانية في آذار 2013، دعا فيها مقاتلي حزبه إلى وقف إطلاق النار ضد الحكومة التركية وسحب المقاتلين من تركيا إلى شمالي العراق.
———————————–
ملاحظات
“يعرفُ مظلوم أن ماتقدمُّه سوريا الجديدة له.. ولكورد سوريا هو أقصى مايُمكن أن يقدمه طرفٌ آخر، في ظل التحولات الراهنة والقادمة
يعرف مظلوم أن هذا العرض هو أكثر كرامةً، وأدعى لتحقيق معاني الاستقلال والازدهار والأمن، للجميع، من البدائل الأخرى التي يُصرُّ عليها كثيرون منذ زمن
يعرف مظلوم أن “ضمانات ماكرون” لم تعد تساوي حِبرَها، خاصةً وهو يرى مصير الضمانات الأكثر شمولاً وقوةً وأهميةً استراتيجية، والتي قدمها هو والقادة الأوربيين لأوكرانيا
يعرف مظلوم أن ترامب هو آخر إنسانٍ في الدنيا تحكمهُ آراء بعض المستشارين من الساسة والعسكر، وحتى لو كانوا أحياناً من المقربين له
يعرف مظلوم معنى تصريحات لافروف السلبية، أمام أمير قطر، حول “بعض أجزاء سوريا [التي] تُظهر رغبةً في فصل نفسها عن السلطات المركزية في البلاد”
يعرف مظلوم موقع ودور بوتين وأردوغان، ومعهم قادة العرب، من ترامب وسياساته في صورة الترتيبات القادمة
يعرف مظلوم أن ماسمعه من الرئيس نيجيرفان مبنيٌ على تجربةِ وخبرةٍ ومعرفة، يندرُ وجودها بين الكورد في المنطقة
يعرف مظلوم أن ألاعيب الأعرجي ومناوراته، وأن رسائل إيران وعروضها ووعودها.. هي تحت الرقابة الدولية الصارمة
يعرف مظلوم المعنى الاستراتيجي، بعيد المدى، خلف رسالة “آبو”.. وإطارَها الاستراتيجي.. وكم استغرق العمل عليها.. وماهو حجم وتأثير الأطراف التي كانت تنتظرها للسير في الترتيبات القادمة
يعرف مظلوم مكمن المصلحة الحقيقية للكورد في سوريا.. ويعرف حجم المقامرة التي يقوم بها، عندما ينكر كل مايعرفه أعلاه
قد يتجاهل مظلوم حُكم التاريخ.. قد يتجاهل خطر الحسابات والقرارات السياسية وفق الأوهام والرغبات.. لكن مالن يستطيع تجاهلهُ هو حُكم الكورد، سوريين وغير سوريين، عليه في مستقبل الأيام
“يجتهد الإنسان في خداع نفسه كي لا يفسد وهمهُ الدافئ”! – دوستويفسكي”.
Wael Merza
——————————
ماذا تعني دعوة الزعيم الكردي المسجون لنزع السلاح بالنسبة للشرق الأوسط؟
تحديث 28 شباط 2025
بي بي سي
لم يدع عبدالله أوجلان أعضاء حزب العمال الكردستاني إلى إلقاء أسلحتهم فقطـ، بل إلى حل المنظمة التي أسسها عام 1978 بالكامل.
وقد تؤثر هذه الرسالة التاريخية على عشرات الآلاف من المقاتلين الأكراد الذين يتبعونه في تركيا والعراق وإيران وسوريا.
وحث زعيم الجماعة الكردية المحظورة القادة العسكريين لحزب العمال الكردستاني في جبال قنديل في إقليم كردستان العراق على عقد مؤتمر والنظر في دعوته لنزع السلاح.
وفي الأيام التي سبقت البيان المتوقع، قالت قيادة حزب العمال الكردستاني في إقليم كردستان العراق لبي بي سي، إنهم سيدعمون رسالة أوجلان، ولكن يجب أن يكون قادرا على قيادة التحول من منظمة مسلحة إلى حركة سياسية في تركيا بشكل حر وشخصي.
ومن غير المعروف ما هي التنازلات التي قدمتها الحكومة التركية لإقناع أوجلان بالدعوة إلى حل حزب العمال الكردستاني.
تخطى قصص مقترحة وواصل القراءة
عندما تأسس حزب العمال الكردستاني، كان التحدث باللغة الكردية جريمة، لكن الكثير تغير في تركيا منذ ذلك الحين.
وأصبح للأكراد الآن حقوق لم يكن من الممكن تصورها في زمن تأسيس حزب العمال الكردستاني.
7 معلومات عن الأكراد
وفي رسالته، أكد أوجلان أنه يعتقد أن تركيا لديها القدرة على معالجة العداء العميق مع الأكراد في البلاد من خلال عملية ديمقراطية.
ولسنوات عديدة، أشار العديد من الأكراد إلى أوجلان باعتباره “مانديلا كردستان”.
وكما هو الحال مع مانديلا، صُنف “إرهابياً”، وسُجن لمدة 26 عاماً، وواصل قيادة الحركة من خلف القضبان.
وينظر كثيرون لأوجلان باعتباره زعيم جماعة مسلحة أدى صراعها مع الدولة التركية إلى مقتل عشرات الآلاف من الأشخاص.
وتضغط تركيا على رئيس المرحلة الانتقالية في سوريا أحمد الشرع لتفكيك المنطقة المتمتعة بالحكم الذاتي الكردي ونزع سلاح قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد في شمال وشمال شرق سوريا.
وترى تركيا أن جزءاً كبيراً من “قوات سوريا الديمقراطية” ينتمي إلى حزب العمال الكردستاني، ولا شك أن أي عملية سلام في تركيا ستؤثر على سوريا، لكن أوجلان لم يذكر سوريا في هذه الرسالة.
ويتبع المقاتلون الأكراد في سوريا (قوات سوريا الديمقراطية) وإيران (حزب الحياة الحرة الكردستاني) فلسفة أوجلان الداعية إلى مجتمع ديمقراطي، تلعب فيه النساء دوراً متساوياً مع الرجل.
ما هي قوات سوريا الديموقراطية وما الذي تفعله في سوريا؟
وتعمل كل هذه الأحزاب الكردية تحت نظام قيادة مشترك، يكون فيه قائد واحد من الذكور وآخر من الإناث.
تأسس حزب العمال الكردستاني في عام 1978 وأطلق حملته المسلحة من أجل إقامة دولة كردية في عام 1984، لكن أوجلان تخلى في وقت لاحق عن فكرة الاستقلال ودعا إلى إقامة مجتمع ديمقراطي.
في عام 1999، وبعد أن وعدته حكومة مانديلا باللجوء، تعرض أوجلان للاختطاف في كينيا أثناء توجهه إلى جنوب أفريقيا وسُلم إلى تركيا حيث أدين وحكم عليه بالسجن مدى الحياة.
وعلى مدى معظم الأعوام الستة والعشرين الماضية، ظل السجين الوحيد في جزيرة إمرالي في تركيا.
وعلى الرغم من سجنه، فإنه لا يزال زعيم حزب العمال الكردستاني والزعيم الأكثر نفوذاً في الحركة الكردية في تركيا.
وتراقب حكومات إيران والعراق وسوريا هذه التطورات عن كثب.
————————–
صالح مسلم: سنترك السلاح إذا سُمح لنا بالعمل السياسي في سوريا
2025.02.27
أكد صالح مسلم، زعيم “حزب الاتحاد الديمقراطي/PYD” الجناح السوري لـ “حزب العمال الكردستاني/PKK”، أنهم مستعدون لترك العمل المسلح إذا سُمح لهم بالعمل السياسي.
جاء ذلك تعليقاً على دعوة زعيم “حزب العمال الكردستاني” عبد الله أوجلان، اليوم الخميس، إلى حل حزبه وإنهاء العمل المسلح.
وقال مسلم في تصريحات لقناة “العربية” اليوم الخميس: “هذه الدعوة لم تخرج عن الإطار المتوقع مسبوقاً، وهو أن الظروف التاريخية لبدء الكفاح المسلح وحمل السلاح كان في إطار الدفاع المشروع عن الذات، وإذا توفرت الحماية للمجتمع وأفسح المجال أمام الحزب لتنظيم نفسه فلن يبقى هناك حاجة للسلاح”.
الاتحاد الديمقراطي للعربية:
* ننتظر ما يقرره مؤتمر العمال الكردستاني
* لن تكون هناك حاجة لسلاح إذا سمح لنا بالعمل السياسي
* إذا زالت أسباب حمل السلاح سنلقيه #قناة_العربية
pic.twitter.com/V3QhkZzQWk — العربية (@AlArabiya)
February 27, 2025
وأضاف مسلم أن أوجلان لديه قناعة في أن العمل السياسي هو الأفضل “ونحن ننضم إلى هذه الدعوة لأننا في إقليم شمال شرقي سوريا حملنا السلاح دفاعاً عن النفس وإذا توقفت الهجمات علينا سنضع السلاح لأننا لسنا من عشاق السلاح”.
وأردف: “لن تكون هناك حاجة للسلاح إذا سُمح لنا بالعمل السياسي والديمقراطي. وإذا اختفت أسباب حمل السلاح فسوف نتخلى عنه”.
—————————-
عبد الله أوجلان.. تعرف إلى مسيرة زعيم حزب العمال الكردستاني
برز اسم عبد الله أوجلان مؤسس حزب العمال الكردستاني على الساحة السياسية من جديد بعد دعوته حزبه، الخميس، إلى إلقاء السلاح وحل نفسه، وهي خطوة إذا أخذ بها مقاتلوه ستنهي تمردهم المسلح الذي استمر 40 عاما وستكون لها تداعيات على نطاق تركيا.
من هو عبد الله أوجلان؟
عبد الله أوجلان، شخصية كردية أثرت بشكل كبير في مسار الصراع الكردي-التركي عبر العقود الأخيرة. ترأس حزب العمال الكردستاني (PKK) المحظور في أنقرة، وأسس تنظيما مسلحا سعى فيه للانفصال وإقامة وطن مستقل للأكراد.
ولد عبد الله أوجلان يوم 4 إبريل/نيسان 1948 في قرية عمرلي الواقعة بمنطقة أورفه جنوب شرق تركيا، على مقربة من الحدود السورية، لعائلة فلاحية فقيرة. في شبابه، عمل في حقول القطن بمدينة أضنة، قبل أن يلتحق بدائرة تسجيل العقارات في ديار بكر ثم إسطنبول.
دراسيًا، بدأ أوجلان مساره الجامعي في كلية الحقوق بجامعة إسطنبول، لكنه سرعان ما انتقل لدراسة العلوم السياسية في جامعة أنقرة، حيث انخرط في الأنشطة السياسية.
كيف بدأت مسيرة أوجلان السياسية؟
في عام 1978، أسّس أوجلان حزب العمال الكردستاني، وأطلق تمردا مسلحا ضد أنقرة عام 1984 لإقامة دولة كردية. اتخذ الحزب سوريا وسهل البقاع اللبناني مقرًا لتدريب مقاتليه، لكن الضغوط التركية دفعت دمشق لإغلاق تلك المعسكرات عام 1998. غادر أوجلان سوريا، ليبدأ تنقلاته بين دول مثل روسيا وإيطاليا واليونان.
خلال قيادته لحزب العمال الكردستاني، اتُهم الحزب بتنفيذ هجمات اعتبرتها أنقرة وحلفاؤها الغربيون “إرهابية”. خلّف هذا الصراع الذي انطلق بعد تأسيس حزب العمال الكردستاني الذي امتد لأربعة عقود أكثر من 40 ألف قتيل، وألحق دمارًا واسعًا بالمدن والبلدات جنوب شرقي تركيا.
تعتبر دول عديدة حزب العمال الكردستاني الذي أسسه أوجلان، تنظيما “إرهابيا”، من بينها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وتركيا وأستراليا وإيران وسوريا.
اعتقال أوجلان ومحاكمته
في 15 فبراير/شباط 1999، تمكنت المخابرات التركية بمساعدة دولية من القبض على أوجلان في العاصمة الكينية نيروبي. نُقل إلى تركيا بطائرة خاصة.
حكمت محكمة تركية عليه بالإعدام، لكن الحكم خُفف لاحقًا إلى السجن المؤبد بعد إلغاء أنقرة لعقوبة الإعدام عام 2002. منذ ذلك الحين، يقبع أوجلان في عزلة بسجن جزيرة إمرالي في بحر مرمرة.
ورغم وجوده خلف القضبان، استمر أوجلان في لعب دور أساس في المشهد السياسي الكردي، وخلال مفاوضات السلام التي انطلقت بين حزبه والدولة التركية خلال الفترة 2013-2015، دعا أوجلان في رسالة شهيرة آنذاك إلى إنهاء الصراع المسلح واعتماد الحلول الديمقراطية.
والخميس، دعا أوجلان المجموعات المسلحة جميعها إلى إلقاء السلاح، وضرورة اتخاذ حزب العمال الكردستاني قرارًا بحل نفسه.
وقال أوجلان في بيان من محبسه ألقاه مسؤولون بحزب “الديمقراطية ومساواة الشعوب” التركي نيابة عنه، وكانوا قد زاروه في سجنه: “أوجه الدعوة لإلقاء السلاح وأتحمل المسؤولية التاريخية لهذه الدعوة”.
وطالب أوجلان حزب العمال الكردستاني بعقد مؤتمر عام لاتخاذ خطوة حل التنظيم بشكل نهائي.
وأكد أنه “لا سبيل سوى الديمقراطية والحوار الديمقراطي، ولا بقاء للجمهورية إلا بالديمقراطية الأخوية”، حسب تعبير البيان.
المصدر : الجزيرة مباشر
————————-
صفحة جديدة في النزاع الكردي التركي
“إعلان تاريخي” نحو السلام: أوجلان يدعو لحل حزب العمال الكردستاني
تحديث 28 شباط 2025
أنصار حزب المساواة والديمقراطية المؤيد للأكراد يرفعون أعلاماً عليها صورة زعيم حزب العمال الكردستاني المسجون عبد الله أوجلان، في إسطنبول. – Reuters
أنصار حزب المساواة والديمقراطية المؤيد للأكراد يرفعون أعلاماً عليها صورة زعيم حزب العمال الكردستاني المسجون عبد الله أوجلان، في إسطنبول. – Reuters
+A-A
دعا عبدالله أوجلان، مؤسس حزب العمال الكردستاني، إلى إلقاء السلاح وحل الحزب لنفسه، الخميس، في دعوة وصفتها أوساط سياسية بأنها “إعلان تاريخي” صدر في اسطنبول، ويفتح صفحة جديدة في النزاع الكردي التركي.
وقال في الإعلان الذي أعده من زنزانته الانفرادية في سجنه في جزيرة إمرالي حيث يقضي عقوبته منذ توقيفه عام 1999، إن “على جميع المجموعات المسلحة إلقاء السلاح وعلى حزب العمال الكردستاني حل نفسه”.
تأتي هذه الدعوة بعد أربعة أشهر من عرض أنقرة السلام على أوجلان البالغ 75 عاماً.
وتلا الإعلان وفد من نواب حزب المساواة وديموقراطية الشعوب المؤيد للأكراد الذي زاره في سجنه في وقت سابق من اليوم.
وأضاف أوجلان “أدعو إلى إلقاء السلاح، وأتحمل المسؤولية التاريخية لهذه الدعوة”.
ومنذ سجنه، نشطت العديد من المحاولات لوقف النزاع المستمر منذ عام 1984 والذي خلف أكثر من 40 ألف قتيل، فيما انهارت الجولة الأخيرة من المحادثات وسط أعمال عنف اندلعت عام 2015.
وتوقفت الاتصالات إثر ذلك حتى تشرين الأول/أكتوبر عندما عرض زعيم حزب الحركة القومية المتشدد دولت بهجلي على عبد الله أوجلان بادرة سلام مفاجئة، طالباً منه نبذ العنف، وهي خطوة أيدها الرئيس رجب طيب إردوغان.
وقال إفكان علاء، نائب رئيس حزب العدالة والتنمية الحاكم، الخميس، إن تركيا ستتحرر من قيودها إذا ألقى حزب العمال الكردستاني سلاحه وحل نفسه وذلك بعد أن دعا زعيمه أوجلان الحزب إلى حل نفسه.
وفي أول رد من حزب الرئيس رجب طيب أردوغان الحاكم قال علاء إن الحكومة تتوقع أن يمتثل حزب العمال الكردستاني لدعوة أوجلان.
وفي السياق، رحبت رئاسة إقليم كردستان العراق بدعوة أوجلان، داعيةً حزب العمال إلى “تنفيذها” بشكل عملي.
وقال رئيس الإقليم نيجرفان بارزاني في منشور على منصة إكس: “نرحب بحرارة برسالة السيد أوجلان ودعوته لنزع السلاح وحل حزب العمال الكردستاني ونطلب من الحزب (…) الالتزام بهذه الرسالة وتنفيذها”، مؤكداً استعداد الإقليم “لدعم عملية السلام بشكل كامل”.
وفي وقت سابق من اليوم، زار وفد من حزب المساواة وديموقراطية الشعوب جزيرة إمرالي في بحر مرمرة حيث يُعتقل أوجلان، للمرة الثالثة منذ نهاية ديسمبر/كانون الأول الماضي.
وخلال الزيارات السابقة، أعرب أوجلان عن “تصميمه” على طي صفحة النزاع، بحسب معلومات نقلتها وكالة الأنباء الفرنسية، التي نقلت عن أحد زائريه قوله: “إذا أُتيحت الظروف، فإنّ لدي القوة النظرية والعملية لنقل النزاع من ساحة العنف إلى الساحة القانونية والسياسية”.
وقال نائب تونجر بكرهان، رئيس حزب المساواة وديمقراطية الشعوب، القوة الثالثة في البرمان التركي، إنّ الزعيم الكردي “يعدّ الطريق من أجل السلام”.
وأضاف مؤخراً أن أوجلان “لا يريد أن يكون الأكراد أحراراً في التحدّث بلغتهم فحسب، بل يريد أيضاً أن يكون أي تعبير ديمقراطي ممكناً” في البلاد.
وكانت الحكومة التركية التي بادرت إلى هذه العملية عبر حليفها زعيم “حزب الحركة القومية التركية” دولت بهجلي، قد اقترحت إخراج أوجلان من عزلته بعد 27 عاماً في السجن.
وأدّى تمرّد حزب العمال الكردستاني الذي تصنفه أنقرة وحلفاؤها الغربيون “منظمة إرهابية”، إلى مقتل أكثر من 40 ألف شخص منذ العام 1984، بحسب ما تذكر مصادر رسمية تركية.
“المطلوب هو واقع مختلف”
يقول الدكتور مهند حافظ أوغلو، الأكاديمي والباحث السياسي التركي، إن دعوة عبد الله أوجلان مؤسس حزب العمال الكردستاني إلى حل الحزب وإلقاء السلاح تعكس تطورات سياسية داخلية وإقليمية هامة.
ويوضح أوغلو في حديثه مع بي بي سي أن هناك سببين رئيسيين وراء هذه الدعوة، الأول “يتعلق بالحراك الداخلي التركي، حيث أن هناك مسعى لتغيير الدستور التركي، وهذا لا يمكن أن يتم دون مشاركة كافة الأحزاب السياسية، وهو ما يقتضي ضمان الأمن القومي التركي، وخاصة بعد أكثر من نصف قرن من الصراع مع حزب العمال الكردستاني”.
أما الثاني بحسب أوغلو فهو مرتبط بما وصفها المتغيرات الإقليمية، “بدءاً من أحداث غزة وصولاً إلى تطورات الوضع في سوريا، الأمر الذي جعل الدول جميعها تدرك ضرورة حصر السلاح بيد الدولة، بما يشمل الجماعات العابرة للحدود مثل حماس وحزب الله وحزب العمال الكردستاني وقسد في سوريا”.
وفيما يخص دلالات هذا الإعلان على مستقبل الصراع الكردي-التركي، يشير أوغلو إلى أن الأمر يعتمد على صدى هذه الدعوة داخل الحزب نفسه. ويضيف: “الحزب مقسوم إلى قسمين، الأول يتبع إيران والثاني يتبع ألمانيا. وإذا توافقا على هذه الدعوة، فإننا نكون قد وصلنا إلى بداية صحيحة ومنطقية. أما إذا استمرت “التحركات الإرهابية”، فالوضع سيبقى على ما هو”.
وحول ما إذا تعرض أوجلان لضغوط لإصدار هذه الدعوة، يستبعد أوغلو ذلك، ويقول إن هناك تفاهمات كردية على مستوى المنطقة، لا سيما في تركيا والعراق، جعلته يدرك ضرورة وجود حل.
ويقول: “الدولة التركية لا يمكن أن تخضع لأي جماعات مسلحة مهما كانت قوتها أو حلفائها. تركيا ستبقى، حتى لو استمر الحزب 47 عاماً أخرى”، ويضيف: لو أرادت تركيا الضغط على أوجلان لكانت أغلقت هذا الملف منذ سنوات.
ويعلّق أوغلو على رد الفعل المتوقع من الحكومة التركية على دعوة أوجلان، بالقول إن الحكومة التركية لن تتحرك إلا إذا كان هناك تحرك عملي من الحزب.
ويضيف: “المطلوب هو واقع مختلف، ويُحسب لعبد الله أوجلان ما قام به لأنه رجح مصلحة المكون الكردي والدولة التركية رغم كل الأخطاء التي قام بها، وهذا يعني أن الكثير قد تغير”.
من هو القائد الكردي عبدالله أوجلان؟
وُلد أوجلان عام 1949 في شانلي أورفا، جنوب شرق تركيا، وأصبح عضواً مؤسساً لحزب العمال الكردستاني في أوائل الثلاثينيات من عمره.
درس عبدالله أوجلان الملقب بـ”أبو” (وتعني “العم” بالكردية) العلوم السياسية في جامعة أنقرة حيث تبنى الماركسية وبدأ بتشكيل الحركات الطلابية. في عام 1973، شارك في اجتماع أسس حزب العمال الكردستاني، حيث بدأ التخطيط لتأسيس دولة كردية مستقلة.
قاد الحزب إلى صراع مسلح بعد ذلك بفترة قصيرة، وأطلق تمرداً انفصالياً في عام 1984، بهدف إقامة دولة كردية في جنوب شرق تركيا.
بعد سنوات من قيادته للحزب من المنفى في سوريا، اضطر أوجلان للهرب إلى كينيا، وأُلقي القبض عليه عام 1999، وتم ترحيله إلى تركيا حيث واجه محاكمة بتهم الإرهاب، وأدين بالخيانة وحكم عليه بالإعدام.
في اليوم الذي صدر فيه حكم الإعدام، نظمت الجالية الكردية في تركيا ودول أوروبية عدة مظاهرات، تحولت بعضها إلى أعمال شغب.
وفي عام 2002، خُفف حكمه إلى السجن المؤبد نتيجة إلغاء عقوبة الإعدام في تركيا، التي كانت تسعى للتوافق مع قوانين الاتحاد الأوروبي، ويقضي أوجلان عقوبته في جزيرة إيمرالي في بحر مرمرة منذ عام 1999.
كيف تأسس حزب العمال الكردستاني؟
تأسس حزب العمال الكردستاني عام 1978 بعد أن ساعد عبدالله أوجلان في كتابة بيان بعنوان “الطريق الوطني للثورة الكردية” الذي أصبح لاحقاً المخطط الأساسي للحزب.
في العام التالي، تأسس الحزب رسمياً في مدينة ديار بكر التي كانت تعد مركزاً مهماً للأكراد في جنوب شرق تركيا، وانتخب أوجلان زعيماً له.
في السنوات الأولى، كان الحزب متورطاً في عمليات اغتيالات ضد شخصيات بارزة وصراعات مسلحة مع جماعات متمردة أخرى داخل تركيا.
مع تفاقم الاضطرابات الاجتماعية في أواخر السبعينات، انتقل أوجلان وبعض رفاقه إلى سوريا، حيث بدأوا تدريب المقاتلين الذين شكلوا نواة الحزب.
في 15 أغسطس/آب 1984، أطلق حزب العمال الكردستاني حملته المسلحة في تركيا، حيث شن هجمات على قوات الأمن في مناطق سييرت وهاكاري في جنوب شرق البلاد.
ورغم وصف رئيس الوزراء التركي في ذلك الوقت للمجموعة بأنها “بضع عصابات”، فإن الصراع المسلح الذي قاده الحزب أسفر عن مقتل أكثر من 40 ألف شخص في تركيا، حسب الإحصاءات الرسمية.
في عام 1993، خلال ذروة الصراع، اختطف الحزب عشرات الجنود الأتراك غير المسلحين على الطريق السريع بين ألازيغ وبينغول، وقتل 33 منهم في حادثة أثارت ضجة إعلامية واسعة. وفي نفس العام، أسفر هجوم آخر عن مقتل 33 شخصاً في إحدى القرى في محافظة إرزينجان.
خلال التسعينات، أصبح أوجلان العدو العام رقم واحد في غرب تركيا، حيث كانت وسائل الإعلام الرئيسية تصفه بـ “قاتل الأطفال”، وتحولت جنازات قوات الأمن إلى احتجاجات غاضبة ضد حزب العمال الكردستاني.
في الوقت نفسه، في شرق وجنوب تركيا، كان يُعتبر أوجلان “زعيماً” من قبل العديد من الأكراد، وكانت جنازات مقاتلي الحزب تتحول إلى مظاهرات مؤيدة له.
من هم الأكراد؟ وأين يتمركزون؟
الأكراد هم من الشعوب الأصلية للجبال والسهول في بلاد ما بين النهرين، التي تمتد عبر جنوب شرق تركيا، وشمال شرق سوريا، وشمال العراق، وشمال غرب إيران، وجنوب غرب أرمينيا.
يُقدّر عدد الأكراد في هذه المنطقة بين 25 إلى 35 مليون نسمة. وهم يشكلون رابع أكبر مجموعة عرقية في الشرق الأوسط (بعد العرب، والفارسيين، والترك)، ولكنهم لا يمتلكون دولة قومية خاصة بهم.
لعقود من الزمن، عاش الأكراد تحت حكم الإمبراطورية العثمانية. وعندما انهارت الإمبراطورية العثمانية في نهاية الحرب العالمية الأولى، بدأ العديد من الأكراد في التفكير في إنشاء وطن خاص بهم، يُشار إليه غالباً باسم “كردستان”. وقال الحلفاء الغربيون المنتصرون إنه يمكن أن يحدث ذلك في معاهدة سيفر عام 1920.
ومع ذلك، تم استبدال هذه المعاهدة في عام 1923 بمعاهدة لوزان، التي حددت حدود تركيا الحديثة ولم تتضمن أي نص بشأن إنشاء دولة كردية.
تم ترك الأكراد أقلية في جميع البلدان التي يعيشون فيها. وعلى مدار الـ 80 عاماً التالية، تم قمع جميع المحاولات التي بذلها الأكراد لإنشاء دولة مستقلة.
ايلاف
—————————-
العراق عن موقف أوجلان الأخير: خطوة مهمة للاستقرار في المنطقة
28 فبراير 2025
رحّبت الخارجية العراقية بدعوة الزعيم الكردي عبدالله أوجلان حزب العمال الكردستاني إلى إلقاء السلاح وحلّ نفسه، معتبرة إياها “خطوة إيجابية ومهمة في تحقيق الاستقرار في المنطقة”.
وفي وقت متأخر الخميس، أفادت الوزارة في بيان أنها “تعتبر هذه الخطوة إيجابية ومهمة في تحقيق الاستقرار في المنطقة (…) وخطوة بالغة الأهمية نحو تعزيز الأمن، ليس فقط في العراق (…) بل في المنطقة بأسرها”.
وشدّدت على أن “الحلول السياسية والحوار هما السبيل الأمثل لمعالجة الخلافات وإنهاء النزاعات”.
ودعا أوجلان الخميس حزب العمال الكردستاني الذي أسّسه إلى إلقاء السلاح وحلّ نفسه، في إعلان تاريخي صدر بعد أربعة عقود من النزاع المسلح الذي يخوضه الحزب مع أنقرة.
العراق يرحب بموقف أوجلان
ولتركيا التي تُصنّف مع حلفائها الغربيين، الحزب، منظمة “إرهابية”، منذ 25 عامًا قواعد عسكرية في شمال العراق لمواجهة مقاتلي الحزب المنتشرين في مواقع ومعسكرات في إقليم كردستان.
وأعربت الخارجية العراقية عن أملها “في أن تُترجم هذه الدعوة إلى خطوات عملية وسريعة لإلقاء قوات الحزب سلاحها”.
وفي الأشهر الأخيرة، شدّدت الحكومة العراقية المركزية لهجتها ضد حزب العمال الكردستاني، واعتبرته في مارس/ آذار 2024 “منظمة محظورة”.
وحثت تركيا بغداد على بذل جهود أكبر في هذه القضية. وفي منتصف أغسطس/ آب، وقّع البلدان اتفاق تعاون عسكري يتعلق بإنشاء مراكز قيادة وتدريب مشتركة كجزء من الحرب ضد حزب العمال الكردستاني.
وأكّدت الخارجية العراقية في بيانها الخميس التزام الحكومة الاتحادية “بالعلاقات القوية مع الجارة تركيا”.
وقُتل أكثر من 40 ألف شخص منذ أن رفع الحزب السلاح في 1984 بهدف إقامة وطن للأكراد. وابتعد الحزب بعد ذلك عن أهدافه الانفصالية وسعى بدلًا من ذلك إلى الحصول على مزيد من الحكم الذاتي في جنوب شرق تركيا ومزيد من الحقوق للأكراد.
وفي أكتوبر/ تشرين الأول، اقترح دولت بهجلي، زعيم حزب الحركة القومية والحليف السياسي للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أن يأمر أوجلان مقاتليه بإنهاء نضالهم المسلح بعد عقد من انهيار عملية السلام السابقة بين تركيا وحزب العمال الكردستاني، في مقابل إطلاق الزعيم الكردي.
وقال أوجلان في رسالته إن الكفاح المسلح “انتهى”، وحث تركيا على إظهار الاحترام للأقليات العرقية وحرية التعبير والحق في التنظيم الذاتي الديمقراطي.
——————–
الكرد في سوريا الجديدة: بين المقاومة والاندماج!
سانتياغو مونتاغ سولير- صحافي تشيلي
لا يزال مصير الإدارة الذاتية لشمال سوريا وشرقها غير واضح، بخاصة بعدما قررت الإدارة الأميركية الجديدة بقيادة دونالد ترامب التخلّي عن حلفائها العسكريين السابقين، ما أدّى إلى كسر التحالف الذي هزم “داعش”، والذي لا يزال ضرورياً لمنع عودته. حتى الآن، المفاوضات متعثّرة بينما تزداد الأزمة الاقتصادية والإنسانية سوءاً بالنسبة الى الكرد.
“كانت هناك جثث في كل مكان حولي، كان كابوساً لا يمكنني نسيانه”، تروي هناء (45 عاماً)، وهي جالسة في خيمتها في مدينة الطبقة، والدموع تملأ عينيها: “في تلك الليلة، أثناء هروبنا من منبج، كان أول ما فكرت فيه أننا يجب أن ننجو لنروي قصتنا”، قصة الكرد الذين يُهجَّرون مراراً وتكراراً، من مأوى إلى آخر.
مرّ ما يقارب الشهرين منذ سقوط نظام الأسد وحزب “البعث” في سوريا. ركّزت الأخبار الدولية على كيفية شروع الحكومة المركزية الجديدة، بقيادة “هيئة تحرير الشام”، في عملية تطبيع بطيئة ولكن ثابتة مع المجتمع الدولي، إلى جانب إعادة إعمار البلاد التي دمرتها 14 عاماً من الحرب الأهلية.
لكن في المناطق الصحراوية الشمالية، يبدو المشهد مختلفاً، إذ بدأت فصول جديدة من الحرب، وبينما يحاول الحكّام الجدد بسط سيطرتهم وتوحيد القوّات المسلحة، تواجه الإدارة الذاتية في شمال سوريا وشرقها (AANES)، وهي السلطة المتعددة الإثنيات التي تحكم المنطقة بقيادة الكرد، واحدة من أعمق أزماتها منذ 12 عاماً على وجودها.
التقدّم التركي الجديد
في الأيام الأخيرة من شهر تشرين الثاني/ نوفمبر، وقبل سقوط النظام البعثي، سقطت المناطق القليلة الخاضعة لحكم الإدارة الذاتية لشمال سوريا وشرقها، في عفرين، والشهباء، وتل رفعت، إثر عملية عسكرية قادها “الجيش الوطني السوري/ SNA”، واستغلّت الفصائل المتحالفة مع تركيا الفراغ الذي خلّفه رحيل الأسد، لشنّ موجة جديدة من الهجمات المدمرة ضد المقاومة الكردية والسكان المدنيين، أسفرت عن نزوح فوضوي لنحو 150 ألف شخص إلى الضفة الشرقية لنهر الفرات.
مصير الكرد والمجتمعات التي تتقاسم معهم هذا الفضاء الجغرافي، يعتمد على نتيجة الصراع المستمر بين “قوّات سوريا الديمقراطية/ SDF” و”الجيش الوطني السوري” المدعوم من تركيا. المعارك أضافت مئات القتلى إلى “مقابر الشهداء”، بينهم الكثير من المدنيين، وأفراد من التنظيمات السياسية، وفي الوقت نفسه، أدّى انقطاع المياه والكهرباء إلى تعميق الأزمة الإنسانية في المنطقة.
“الوضع الأمني حرج”، يقول المتحدث باسم “قوّات سوريا الديمقراطية” سيامند علي من داخل ثكنته، ويضيف: “سقطت الشهباء أولاً، ففرّ الكثيرون إلى منبج، بينما لجأ آخرون إلى حي الشيخ مقصود في حلب”، ويتابع الضابط وهو يعدّل نظارتيه: “لكن لم يكن هناك وقت للراحة، إذ أُجبر السكان على إخلاء المدينة، وهي الآن في أيدي حلفاء أردوغان”. تحاول “قوّات سوريا الديمقراطية” الصمود عند سد تشرين الاستراتيجي، الذي يقع على بُعد بضعة كيلومترات فقط من منبج.
بينما تواصل الطائرات التركية والمسيّرات قصف المنطقة، تسافر مجموعات من الناشطين لتقديم الدعم المعنوي لـ”قوّات سوريا الديمقراطية” بالقرب من السد. “لا يمكننا التوقّف عن الدفاع عن السد، إنه آخر خط دفاع لدينا”، تقول هدى حماد (42 عاماً)، وهي عضوة في منظّمة نسائية، وتضيف: “برغم أننا مدنيون، لا تفرق القنابل بيننا”، مؤكّدة أنها جزء من اعتصام دائم، احتجاجاً على الهجمات، وأنه منذ 8 كانون الأول/ ديسمبر الماضي، قُتل 24 مدنياً وأُصيب 200 في محيط السد.
“سد تشرين لا يزوّد شمال سوريا بالكهرباء فقط، بل له دور مهم أيضاً في الزراعة”، تشرح سوسن خليل من إدارة المياه في كوباني. وبعبارة أخرى، يضمن سد تشرين الأمن الغذائي والمائي إلى جانب الكهرباء. “بنية السد معلّقة بخيط رفيع، فهو يتعرّض لهجمات مستمرّة، وأي خرق قد يؤدّي إلى كارثة”، يحذّر مصدر آخر في الإدارة، رفض الكشف عن هويته، “هناك فريق تقني داخل السد، لكن عندما يشتد القصف، يخشى الفريق الخروج”.
أصبحت المعركة من أجل المياه أكثر احتداماً منذ ذلك الحين. في محطة استخراج مياه صغيرة على الحدود التركية، تعرّض العمال للهجوم ما لا يقل عن خمس مرات. يقول رحمن محمد (50 عاماً)، وهو عامل في السد: “منسوب الفرات يتناقص لأن تركيا تحوِّل تدفّقه عبر سد أتاتورك في الشمال”، ثم يواصل حديثه من داخل غرفة المحركات الصاخبة: “نأتي إلى العمل ونحن خائفون، فقد أُصيب ثلاثة من زملائنا في انفجار سيارة، وأُصيب آخر برصاصة”، يقول العامل الذي يتقاضى راتباً زهيداً.
تخدم هذه المعارك هدفاً استراتيجياً لتركيا؛ فهي مفتاح توسيع نفوذها في سوريا. وبينما تتعثّر جولات المفاوضات بين الإدارة الذاتية لشمال سوريا وشرقها والإدارة الجديدة، يكسب “الجيش الوطني السوري” وتركيا الوقت لمواصلة عمليات الاستنزاف ضد “قوّات سوريا الديمقراطية”.
لطالما اعتبرت تركيا “قوّات سوريا الديمقراطية” كياناً معادياً، لكنها حتى الآن كانت مقيّدة بسبب الوجود العسكري الأميركي في المنطقة، الذي يسعى إلى استبدال “قسد” بحلفاء أكثر توافقاً مع مصالحه، لكن الظروف تغيّرت بشكل كبير بعد وصول “هيئة تحرير الشام” إلى السلطة وتحالفها مع “الجيش الوطني السوري” وجماعات مسلّحة أخرى.
فقدت “قوّات سوريا الديمقراطية” آلافاً من عناصرها في القتال ضد تنظيم “داعش” والفصائل المسلّحة المدعومة من تركيا، وتعتبر أنقرة أن “قسد” امتداد لحزب “العمال الكردستاني/ PKK”، وهو تنظيم كردي مسلّح تصنّفه كمنظّمة إرهابية. لهذا السبب، ترى تركيا في مشروع الإدارة الذاتية لشمال سوريا وشرقها، مشكلة استراتيجية منذ تأسيسه بعد الانتفاضة الشعبية في عام 2011 ضد نظام الأسد وبداية الحرب الأهلية.
إحدى هذه الإشكاليات كانت عندما أنشأت التنظيمات السياسية الكردية، وعلى رأسها “وحدات حماية الشعب/ YPG”، مشروعاً سياسياً مستقلاً بحكم الواقع، مستنداً إلى اتفاقيات مع زعماء العشائر العربية والمجتمعات متعددة الإثنيات والأديان. وقد حققت هذه السلطة مستويات عالية من الحكم الذاتي من خلال إدارة الشؤون اليومية للمنطقة، التي يسمّيها كثر من الكرد “روج آفا – كردستان الغربية”.
دور العشائر
أدّت سياسات التغيير الديموغرافي منذ العام 1970 التي انتهجها آل الأسد، وفي السنوات الأخيرة تركيا، إلى تعقيد ميزان القوى، ما جعل الكرد أقلية في الأراضي التي يطالبون بها تاريخياً، وكان هذا هو أساس التفوّق الميداني لأنقرة في منبج، كما يُوضح المتحدث باسم “قوّات سوريا الديمقراطية” سيامند علي وهو يرتدي سترته الرسمية: “جزء من العشائر هناك كان دائماً معادياً للإدارة، لكن هذا ليس حال جميع المناطق”.
في مكتبه، يوضح الشيخ بندر، أحد زعماء قبيلة شُمّر القوّية بالقرب من العراق، قائلاً: “بعض العشائر قاتلت إلى جانب داعش، بينما انضم رجالنا إلى وحدتنا التي تضم 4,000 مقاتل، وتُعرف بالصناديد’”، ويتابع الشيخ، الذي يرتدي بدلة ويضع شالاً أبيض على رأسه: “قاتلنا من أجل تحرير المنطقة منذ العام 2014، وعندما قررنا أن نكون جزءاً من قوّات سوريا الديمقراطية، منذ ذلك الحين نحن مسؤولون عن أمن هذه المنطقة”.
هذا التحالف يشكّل ركيزة أساسية لاستدامة الإدارة الذاتية لشمال سوريا وشرقها، حيث بُني على سنوات من الدفاع عن المجتمعات ضد “داعش”، الذي ارتكب عشرات المجازر بحق العشائر العربية. بالنسبة الى الشيخ بندر فإن “داعش لم يحترم البنية القبلية، بينما فعلت الإدارة الذاتية ذلك”، ما جعل الكرد، رغم كونهم أقلية، يعتمدون في نظامهم على احترام الهياكل العشائرية، على عكس ما فعله تنظيم “داعش”. هذه العلاقة محورية لفهم أي تحوّل محتمل في التحالفات المستقبلية.
جالساً على فرش تقليدية بجوار مدفأة منزله، يُوضح الشيخ فارس حوران في الرقّة موقفه قائلًا: “رغم أننا لا نُعفي الإدارة من النقد ونرغب في سوريا موحّدة، فإن علاقتنا مع حكّامنا قائمة على الاحترام، ولا ندعم أي عمل عسكري. على العكس، نريد حلولاً سياسية سلمية”.
شنّت تركيا أربع عمليات عسكرية ضد هذه الكيانات منذ العام 2016، مثل عملية “درع الفرات” و”غصن الزيتون”، وسيطرت على مساحات واسعة على طول حدودها، ما أدّى إلى نزوح مئات الآلاف من الأشخاص في محاولة لتقويض أي مشروع سياسي بديل. يشير القصف المستمر للمناطق المدنية إلى أن هذه الهجمات لن تتوقّف حتى بعد سقوط الأسد.
أزمة إنسانية جديدة
“ها نحن هنا، انتهى بنا المطاف في ملعب كرة القدم البلدي في الطبقة، ننام ونعيش في ظروف غير إنسانية، من دون مأوى آمن لفصل الشتاء”، تقول أرين سليمان (32 عاماً)، وهي أم لأربعة أطفال، أحدهم يعاني من اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD). بالنسبة إلى كثيرين، هذه هي المرة الثالثة التي يُجبرون فيها على النزوح منذ العام 2018.
مصطفى رشيد رئيس مخيم النازحين داخلياً، يراجع الأرقام: “هناك حوالي 150,000 نازح في الطبقة، مع ما يقارب 1,300 عائلة هنا، بينما ينتشر أكثر من 2,000 آخرين في أماكن مثل المدارس والمساجد، في حين يوجد قرابة 200 شخص بلا مأوى”، يقول الرجل ذو اللحية الرمادية (55 عاماً)، و”الخيام مكتظّة، لا يوجد أي خصوصية، وهناك مشاكل خطيرة في الصرف الصحي”، يضيف رشيد. أما باقي النازحين، فهم منتشرون في مناطق أخرى مثل قامشلي وكوباني، ويعيشون في ظروف مماثلة.
جالسة بجواره، تشرح نسرين فهيمة أن “الفصول الدراسية توقّفت بسبب هذا الوضع، ما تسبب في مشكلات تعليمية خطيرة”، تقول ذلك بينما تأخذ رشفة من الشاي. “هناك مشكلات صحية من جميع الأنواع بسبب البكتيريا في المياه، ليس لدينا أطباء، وقد تُوفي بالفعل طفلان دون السنة من عمريهما بسبب البرد”، تتابع المرأة ذات الشعر الطويل (42 عاماً). “كما تُوفيت امرأة مسنة بسبب نقص الرعاية”، تضيف بأسى.
“لا توجد أدوية أيضاً، وهناك أشخاص يعانون من أمراض مزمنة خطيرة مثل السرطان أو يحتاجون إلى غسيل كلى، ناهيك بالصدمة النفسية الهائلة التي مررنا بها”، تشرح فهيمة بوجه قلق، جالسة بجوار المدفأة.
المنظّمات غير الحكومية مثل الهلال الأحمر الكردي و”اليونيسف” أرسلت مساعدات، لكنها غير كافية، بخاصة مع نقص المعدات الطبية المتقدمة. “أصبح النقص جزءاً من حياتنا اليومية”، وباختصار، “الوضع الإنساني كارثي”، تختم حديثها.
مشكلة الاندماج
ببطء ولكن بثبات، فتح قادة الإدارة الذاتية لشمال سوريا وشرقها، قنوات تفاوض مع السلطات الجديدة في دمشق، بشأن مستقبل الكرد، الذين يشكّلون 10 في المئة من سكان سوريا قبل الحرب، وهم لا يسعون إلى حكم ذاتي كامل بحكومة وبرلمان مستقلّين، بل يريدون ببساطة اللامركزية الإدارية، أي مساحة لإدارة شؤونهم اليومية.
لكن السلطات الجديدة متحالفة مع الجماعات المسلّحة المدعومة من تركيا، التي شنّت هجوماً على الكرد في كانون الأول/ ديسمبر، مستغلّة الفوضى التي أعقبت سقوط الأسد. بمعنى آخر، فيما تحاول قيادة “هيئة تحرير الشام” إبداء ضبط النفس، وتسعى إلى دمج المجتمعات المختلفة، فإنها تعتمد بشكل كبير على جهات خارجية مثل أنقرة والرياض والدوحة.
للصراع المستمر تداعيات كبيرة على مستقبل سوريا، حيث تحاول الحكومة الجديدة، بقيادة الجماعة الإسلامية المتمرّدة السابقة “هيئة تحرير الشام”، ترسيخ سلطتها والشروع في إعادة الإعمار بعد قرابة 14 عاماً من الحرب الأهلية، بينما تسعى الآن إلى تحقيق قدر من الاستقلال الذاتي.
في اجتماع مغلق بين أحمد الشرع (المعروف سابقاً باسم محمد الجولاني) والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أُبرم تحالفهما بشكل صريح. أعلن الشرع أن سوريا تسعى إلى “علاقة استراتيجية عميقة في جميع المجالات” تخدم مصالح البلدين. كما شدد على ضرورة وضع “استراتيجية مشتركة لمواجهة التهديدات الأمنية في المنطقة”، مشيراً بشكل خاص إلى شمال شرقي سوريا، الخاضع لسيطرة ميليشيا يقودها الكرد ولا تخضع لسلطة “هيئة تحرير الشام”.
رغم أن الشرع لم يشارك بعد بشكل مباشر في الصراع، فإنه أبدى استعداده للتعاون في مواجهة ما وصفه بـ”الإرهاب في الشمال”.
لا يزال مصير الإدارة الذاتية لشمال سوريا وشرقها غير واضح، بخاصة بعدما قررت الإدارة الأميركية الجديدة بقيادة دونالد ترامب التخلّي عن حلفائها العسكريين السابقين، ما أدّى إلى كسر التحالف الذي هزم “داعش”، والذي لا يزال ضرورياً لمنع عودته. حتى الآن، المفاوضات متعثّرة بينما تزداد الأزمة الاقتصادية والإنسانية سوءاً بالنسبة الى الكرد.
درج
——————————-
كيف تلقى أكراد سوريا دعوة أوجلان لإلقاء السلاح؟
دمشق: كمال شيخو
28 فبراير 2025 م
شكَّلت استدارة الزعيم الكردي، عبد الله أوجلان، ودعوته لحل جميع المجموعات التابعة لـ«حزب العمال الكردستاني» وإلقاء سلاحها، مساراً جديداً لأكراد سوريا وتهيّئة مناخات سياسية للدخول في حوارات مع الإدارة السورية الانتقالية بمعطيات جديدة، والبحث على غطاءين دولي وإقليمي للوصول إلى تفاهمات بعيداً عن لغة الحرب والتدخلات الخارجية.
وسعى مظلوم عبدي، قائد «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) التي يقودها الكرد، في أول تعليق رسمي على دعوة أوجلان، إلى تمييز قواته عن «حزب العمال» التركي، مؤكداً أن الدعوة تتعلق بمقاتلي الحزب وليس بقواته، ولا علاقة لأكراد سوريا بها.
ضغوط على «قسد»
تواجه «قسد»، تحديات إضافية بعد انهيار نظام بشار الأسد، مع استمرار التهديدات التركية، والضربات الجوية على محاور سد تشرين بريف محافظة حلب الشرقي، إلى جانب ضغوط حكومة دمشق لحل نفسها والانضمام كأفراد إلى الجيش السوري الجديد، وحل مؤسسات الإدارة الذاتية لصالح مؤسسات الدولة. في وقت أشارت إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، إلى خطط لسحب نحو 900 جندي أميركي من سوريا قبل انقضاء السنة الحالية.
بالمقابل، حرصت «قسد» على تقديم رسائل إيجابية لدمشق ومطالبتها بأرضية مناسبة للتفاوض مع الإدارة الجديدة، وأن جميع النقاط التي ما زالت عالقة قيد النقاش، وتوافقها مع مطالب دمشق بإخراج المقاتلين غير السوريين من صفوف «قسد»، واستعدادها لمناقشة ملف سجناء تنظيم «داعش»، وبحث مصير عائلاته القاطنين في مخيمي الهول وروج بريف الحسكة.
وكشف مصدر كردي عن أن لقاءً جديداً سيُعقد بين أحمد الشرع، رئيس المرحلة الانتقالية، ومظلوم عبدي، قائد «قسد»، في دمشق خلال الأيام القليلة المقبلة، مشيراً إلى أن اللقاء الأول الذي عُقد في قصر الشعب نهاية العام الماضي بالعاصمة دمشق، لم يكن بالمستوى المطلوب ومخيباً للتوقعات الكردية.
وتعليقاً على دعوة أوجلان إلى سلام كردي مع تركيا وتداعياتها على الساحة السورية، يقول الكاتب خورشيد دلي، المحلل المتخصص في الشؤون الكردية، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، إن الدعوة إذا وجدت طريقها للتنفيذ، «لن تبقي حجة تركية لمزيد من الهجمات واستهداف المناطق الواقعة تحت سيطرة (قسد)؛ فتركيا كانت تربط هذه المنطقة بحزب العمال الكردستاني، وبالتالي ستنتفي في مسار السلام الحجج التركية».
ويرى دلي أن دعوة أوجلان في هذا التوقيت ستشكل مدخلاً جديداً للحوارات بين قوات «قسد» والسلطة الانتقالية في دمشق؛ إذ «ستخفف الضغط العسكري التركي على (قسد)، وحتى ستخفف الضغط السياسي على الشرع، كما ستكون مدخلاً قوياً لخيارات سياسية بين السوريين، وربما ستحظى هذه الدعوة بدعم دولي وإقليمي وعربي».
«قسد» غير معنية
يرى الكاتب براء صبري، وهو باحث مساهم في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، أن ظلال دعوة الزعيم أوجلان لن تنعكس على المنطقة التي تديرها قوات «قسد» بسوريا،
وقال صبري في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «لا يبدو أن (قسد) معنية بهذه الدعوة، وهي كررت مراراً عدم ارتباطها بحزب العمال وأعلنت مراراً أنها منفصلة، ووجدت هذا الإعلان وسيلة لوقف ذرائع تركيا في عدائها لها».
وتتهم تركيا الولايات المتحدة والتحالف الدولي بتقديم الدعم العسكري للوحدات الكردية العماد العسكرية لقوات «قسد»، بدعوى حربها على «داعش» الإرهابي، وتعدها جناحاً سورياً لـ«حزب العمال الكردستاني» التركي وتهديداَ لأمنها القومي، وطالبت واشنطن برفع الغطاء عن «قسد».
وقال صبري إن «قسد» تدرك مدى تأثير أنقرة على توجهات دمشق الحالية وتعدّ التحركات الداخلية في تركيا؛ وتابع حديثه ليقول: «(قسد) تصر على أنها قوة مستقلة غير مرتبطة بحزب العمال، وسيكون الوسيط الأميركي العامل الحاسم في الحل لبناء علاقة تركية مع مناطق شرق الفرات تتسم بحسن الجوار، وبناء حل دستوري مع دمشق يضمن حقوق الأكراد».
الشرق الأوسط
————————–
أوجلان… قاتل أم بطل وداعية سلام؟
إردوغان يراه مفتاحاً لإنهاء الإرهاب… ويصر على سجنه
سعيد عبد الرازق
28 فبراير 2025 م
خرج مئات الآلاف من الأكراد في شوارع مدن جنوب تركيا فضلاً عن الآلاف في شمال شرقي سوريا، ابتهاجاً بالدعوة التي أطلقها زعيم «حزب العمال الكردستاني»، السجين عبد الله أوجلان، لحل الحزب، ومطالبة جميع المجموعات التابعة له بإلقاء أسلحتها، ليؤكد من جديد أنه مفتاح حل المشكلة الكردية في تركيا والمنطقة.
ورغم بقاء أوجلان (75 عاماً) في محبسه الانفرادي في سجن منعزل بجزيرة إيمرالي التابعة لولاية بورصة، على بُعد 51 كيلومتراً من إسطنبول في جنوب بحر مرمرة غرب تركيا، لمدة 26 عاماً، فلا يزال يعد «الرجل الضرورة» عند الحديث عن حل المشكلة الكردية في تركيا، الذي لا يتردد في إطلاق «نداءات السلام» و«الحل» كلما طُلب منه ذلك.
أسس أوجلان، الذي يعدّه الأكراد «بطلاً» ويلقبونه «آبو»، أي (العم)، «حزب العمال الكردستاني» في منطقة ليجه في ديار بكر 28 نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1978، بعد انشقاقه عن اليسار التركي ليؤسس «العمال الكردستاني»، متعهداً بالقتال من أجل إقامة دولة كردستان المستقلة بعد تركه كلية العلوم السياسية في جامعة أنقرة.
تمرد وملاحقة
وقاد منذ 1984، من سوريا، تمرداً أودى بحياة عشرات آلاف الأشخاص (اختلفت التقديرات بالنسبة لعدد الضحايا ما بين 15 و40 ألف شخص) في ظل سعيه إلى نيل الحكم الذاتي للأكراد في جنوب شرقي تركيا، وصنفت تركيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي حزبه منظمة إرهابية.
وجرى القبض عليه في العاصمة الكينية نيروبي في 15 فبراير (شباط) عام 1999، بعد طرده من سوريا عام 1989. وكان قد نقل جوّاً إلى أنقرة تحت حراسة قوات تركية خاصة، وحُكِم عليه بالإعدام في 29 يونيو (حزيران) 1999 بعد إدانته بتهمة تأسيس وقيادة منظمة إرهابية.
لكن الحكم لم ينفذ عندما ألغت تركيا عقوبة الإعدام عام 2004، في إطار مفاوضاتها للانضمام إلى عضوية الاتحاد الأوروبي، وخُفف إلى السجن مدى الحياة، مع عدم إمكانية الإفراج المشروط، ليقبع منفرداً في زنزانة في سجن إيمرالي في بحر مرمرة جنوب إسطنبول.
ولم يطوِ النسيان صفحة أوجلان رغم سجنه، فنظراً لتأثيره الشديد على الأكراد في تركيا والمنطقة المحيطة بها، ظل دائماً هو مفتاح الحل كلما تأزمت القضية الكردية وتداعياتها في تركيا.
ورغم تكرار الرئيس رجب طيب إردوغان وصفه لأوجلان بـ«قاتل الأطفال»، وتأكيده أنه لا يمكن العفو أو الإفراج عنه نهائياً، فإنه يرى فيه مفتاح الحل وكلمة السر في أي جهود تستهدف إنهاء مشكلة الإرهاب في تركيا.
مفتاح الحل
وجرى اللجوء للحوار مع أوجلان عام 2012، لإطلاق «عملية الحل» أو السلام الداخلي في تركيا، التي كانت تستهدف حل المشكلة الكردية، ووقف نشاط «حزب العمال الكردستاني» ونزع أسلحته، وأصدر نداءً بذلك في احتفالات عيد «نوروز» في 21 مارس (آذار) 2014.
وكانت «عملية الحل» هي واحدة من أكثر المحاولات الملموسة لإنهاء الصراعات بين الدولة التركية و«العمال الكردستاني»، قبل أن يسحب إردوغان اعترافه بها في 2015.
الآن، عاد الرجل نفسه، أوجلان، ليطلق نداءً جديداً للسلام وحل «حزب العمال الكردستاني» ونزع أسلحة جميع مجموعاته، في ظل ظروف إقليمية عصيبة، آملاً في تحقيق التآخي بين الأكراد والأتراك وإحلال السلام في المجتمع، لكن لا أحد يعلم ما إذا كانت دعوته ستثمر حلّاً دائماً في تركيا والمنطقة، أم تضيع في دهاليز السياسة وتكتيكات الانتخابات!
————————–
أوجلان يوجّه بإلقاء السلاح.. لماذا الآن؟/ د. سعيد الحاج
كاتب وباحث فلسطيني
28/2/2025|
في حدث تاريخيّ، وجّه زعيم حزب العمال الكردستاني عبدالله أوجلان نداء لحل الحزب الانفصالي، ووقف عملياته ضد تركيا. يختلف هذا النداء عن آخرَيْن سبقاه في العقد الماضي، من حيث السياق المحلي والإقليمي والدولي، بما يبشّر بمآلات مختلفة هذه المرة.
نداء أوجلان
في السابع والعشرين من فبراير/ شباط، وفي رسالة نقلها عنه وفد حزب ديمقراطية ومساواة الشعوب الذي زاره في سجنه، وجّه زعيم المنظمة الانفصالية المعتقل منذ 1999 نداءً تاريخيًا لحلّ الحزب.
عنوَن أوجلان رسالته بـ “دعوة للسلام والمجتمع الديمقراطي”، وتحدث فيها عن “العلاقات التركية – الكردية التي تمتد لأكثر من ألف عام”، حيث تحالف الأكراد والأتراك دائمًا من أجل البقاء ومواجهة القوى المهيمنة.
وقال إن “الحداثة الرأسمالية استهدفت خلال القرنين الماضيين تفتيت هذا التحالف”، مؤكدًا على أنّ الواجب الرئيس اليوم هو “إعادة صياغة هذه العلاقة التاريخية الهشّة بروح الأخوّة”، ما يجعل “المجتمع الديمقراطي حاجة لا فكاك عنها”، على حد تعبيره.
ودعا أوجلان صراحة حزب العمال الكردستاني لإلقاء السلاح، وحل نفسه، وانتهاج العمل السياسي “متحمّلًا المسؤولية التاريخية عن ذلك”، حيث دعا قيادات الحزب لدعوة مؤتمره العام وإعلان حلّ الحزب و”إلقاء كل المجموعات السلاح”، للتكامل مع الدولة والمجتمع.
ووضع الزعيم التاريخي للكردستاني مشروعية تأسيس حزبه في سياق ظروف الحرب الباردة، و”إنكار الحقيقة الكردية”، وانسداد مسارات العمل السياسي، والحظر على الحريات.
وهي العوامل التي يرى أوجلان أنها انتهت و/أو تغيرت، ما تسبب بـ “فقدان العمال الكردستاني للمعنى، ودفعه للتكرار المتشدد”، ولذلك فقد “استنفد عمره، وبات حله ضروريًا”.
واللافت أن أوجلان فند في رسالته التاريخية بعض المطالب التقليدية لحزبه، مؤكدًا على أن الحلول من قبيل الدولة القومية المنفصلة، الفدرالية، والإدارات الذاتية، أو الحلول الثقافوية “لن تجد استجابة من الشعب” وفق سيرورة الاجتماع السياسي التاريخية، ما يجعل الديمقراطية والعمل السياسي حلًا وحيدًا ولازمًا على ما جاء في الرسالة.
لماذا الآن؟
بدأت الدولة التركية سابقًا مسار تسوية سياسية مع العمال الكردستاني ابتداءً من 2009، بعد سلسلة إصلاحات ديمقراطية وسياسية خاصة بالطيف الكردي، ووصلت معه لشبه اتفاق يقضي بإقرار حقوق سياسية – ثقافية إضافية للأكراد مقابل إلقاء السلاح وخروج عناصر الحزب من تركيا.
وقد وجّه أوجلان نداءً بهذا الشأن عام 2013، وكرّره عام 2015، لكن المسار توقّف وفشل، وكان الدافع الرئيس في ذلك الوقت تطورات الثورة السورية وتبعاتها، حيث أعلن حزب الاتحاد الديمقراطي (الامتداد السوري للكردستاني) إدارات ذاتية في ثلاثة كانتونات في الشمال السوري.
إذ أعادت هذه التطورات السورية والإقليمية للكردستاني حلم الدولة الكردية، فاستأنف عملياته داخل تركيا، وأعلن عن إدارات ذاتية في مناطق الأغلبية الكردية، وخاض حرب مدن وشوارع، كما شنّت تركيا عدة عمليات ضد امتداداته السورية، وطوّرت عملياتها ضد معاقله في شمال العراق.
اليوم، ومرة أخرى، يدفع السياق الإقليمي والدولي لتطورات عميقة ومهمة في المسألة الكردية، ولكن بالاتجاه المعاكس. فقد قوّى سقوط النظام السوري أوراق تركيا في مواجهة المشاريع الانفصالية في الشمال السوري، لا سيما وهي تتفق مع القيادة السورية الجديدة على وحدة الأراضي والمؤسسات السورية، ووضعت قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في موقف دفاعي صعب، بل وعززت من أوراق التفاوض التركية مع الإدارة الأميركية الداعم الأبرز لقسد.
كما أن انتخاب ترامب مجددًا أعاد للأذهان أفكاره القديمة المتعلقة بضرورة سحب قوات بلاده من سوريا، وهو ما يضع قسد في مهب الريح، سوريًا أولًا، وفي البعد الإقليمي ثانيًا.
كما لا ينبغي إغفال العوامل المحلية، وفي مقدمتها نجاح عمليات المكافحة والحرب الاستباقية التركية على مدى سنوات في منع هجمات الكردستاني وتقويض إمكاناته وتقليل الانتساب له.
كما أن نداء دولت بهتشلي، الزعيم القومي وحليف الرئيس أردوغان، في شهر أكتوبر/ تشرين الأول الفائت، بخصوص حلّ المسألة الكردية، فتح آفاقًا رحبة للمسألة، خصوصًا أنه تقليديًا من أشد المعارضين لذلك.
من جهة ثانية، ينبغي الإشارة إلى أن أوجلان، الزعيم التاريخي والمنظّر للكردستاني، صاحب مراجعات فكرية وسياسية، وقد نشرت له سابقًا عدة مراجعات بخصوص أفكار الحزب ومنهجيته.
ولعل الرسالة الأخيرة التي أشارت لانتفاء أهم العوامل التي شكلت السياق الذي تأسس به الحزب، ثم تفنيده أي مطالب خارج الإطار السياسي الداخلي التركي، تحمل مؤشرات على مراجعات فكرية وتنظير جديد وفق قراءة لمجمل التطورات المحلية والإقليمية والدولية، فضلًا عن التغيرات الجذرية في فكر الحزب وواقعه و”معناه”، وليس مجرد مناورة سياسية ظرفية.
الفرص والتحديات
يتميز نداء أوجلان الأخير عن سابقيه من حيث المضمون والسياق، حيث لم يكتفِ أوجلان بالدعوة لوقف العمليات ضد تركيا، كما حصل سابقًا، وإنما دعا لحل التنظيم وإلقاء السلاح نهائيًا، وانتهاج العمل السياسي، معللًا ذلك بتغير السياق وانتفاء المعنى وتراجع المشروعيَّة وانعدام الفائدة لما انتهجه الكردستاني على مدى أربعة عقود.
يجعل كل ذلك النداء تاريخيًا فعلًا، ويضع تركيا على بداية مسار يمكن أن يخلصها من الملفّ الأكثر حساسية في مشهدها الداخلي، والذي كلّفها عشرات آلاف الضحايا، ومئات مليارات الدولارات، ونسيجًا مجتمعيًا ضعيفًا، وثغرات للتدخل الخارجي.
بيد أن التجارب التاريخية تؤكد صعوبة القضاء على ظواهر من هذا النوع، لا سيما حين تحظى بدعم خارجي. فما فرص النجاح هذه المرة؟
ثمة عوامل داخلية وخارجية مهمة تساهم في رفع سقف التوقعات من المسار الجديد، في مقدمتها ما سلف تفصيله من سياق إقليمي ودولي يضيّق المساحات على العمال الكردستاني وامتداداته في المنطقة، ولا سيما ما يتعلّق بالدعم الأميركي المباشر لهذا المشروع، وخصوصًا في سوريا.
كما أن تصريحات رئيس إقليم كردستان العراق نجيرفان البارزاني ورئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود البارزاني الداعمة لنداء أوجلان، وتثمين قيادات قسد له، تشير إلى مناخ إقليمي داعم.
وهناك رضا الدولة التركية، بالحد الأدنى، عن الخطوات التي تمت حتى اللحظة. يتبدى ذلك بدعوة دولت بهتشلي، ودعم أردوغان لها، وترتيب زيارات لعبدالله أوجلان من حزب ديمقراطية ومساواة الشعوب، ولقاء الوفد الزائر مع عدد من الأحزاب السياسية (منها العدالة والتنمية والحركة القومية) ورئاسة البرلمان، والسماح بنقل رسالته في الإعلام.
كما أن نائب رئيس حزب العدالة والتنمية أفقان آلا، وفي أول تعليق رسمي، رحب بالدعوة التي “جوهرها إلقاء السلاح وحل التنظيم الإرهابي”، مشيرًا إلى أن “تركيا ستتحرر من قيودها” إذا ما تحقق ذلك.
كما أن أوجلان ورغم سِنِيْ سجنه التي تربو على ربع قرن، ما زال يحظى برمزية كبيرة وينظر له حتى اللحظة كزعيم تاريخي وحالي للكردستاني، ما يمنح كلماته مشروعية وتأثيرًا على أتباع الحزب.
ومن المهم الإشارة إلى أن رسالة أوجلان كانت واضحة ومباشرة لا تترك مجالًا للمناورة أو عدة تفسيرات.
كما أن بعض قيادات العمال الكردستاني غيّرت موقفها مؤخرًا من التقليل مما يصدر عن أوجلان بعدِّه “أسيرًا لا يملك قراره”، إلى التأكيد على زعامته وتثمين كلامه.
في المقابل ثمة تحديات عديدة أمام المسار الذي يهدف لحل مشكلة معقدة ومتداخلة داخليًا وخارجيًا وعالقة منذ عقود.
في مقدمة ذلك أن المسار غير واضح المعالم حتى اللحظة، أو بكلام أدق لم يعلن حتى اللحظة ما المطلوب أو المرغوب أو المعروض من الحكومة التركية، مقابل هذا النداء التاريخي. وبالتالي، من الصعب الحكم على آفاق نجاحه.
التحدي الآخر يتمثل بالحالة الصحية لدولت بهتشلي، اللاعب المهم وصمام الأمان ومطلق المسار الحالي، حيث يُتداول أن صحته متدهورة إضافة لتقدمه في السن، ما يجعل فكرة غيابه عن المشهد السياسي حاضرة وأسئلة تأثير ذلك على المسار قائمة.
وهناك بالتأكيد التحدي الأكبر المرتبط بمدى استجابة قيادات الكردستاني، ولا سيما في جبال قنديل، للنداء واستحقاقاته.
فرغم بعض التصريحات الإيجابية، فإن توقع الانصياع الكامل سيكون تسرعًا في غير محله، في قضية تمتزج فيها الأيديولوجيا مع السلاح والمال مع النفوذ والقناعات مع الرهان على الخارج، فضلًا عن أن التجارب السابقة تدعو للتفاؤل الحذر بكل الأحوال.
كما أن ارتباط المسار بالتطورات الخارجية، ولا سيما سوريا والعلاقات مع واشنطن، يترك دائمًا هامشًا للمناورة والتغير في حال حصلت تطورات ذات بال متعلقة بها.
ختامًا، رغم أهمية نداء أوجلان كإعلان تاريخي يفتح مرحلة جديدة في المسألة الكردية في تركيا والمنطقة، فإننا ما زلنا في بدايات المسار المرتقب. ومن الأهمية بمكان الإشارة إلى أنه مسار طويل وليس مجرد محطات محددة يمكن أن تنهي الملف بتصريح هنا أو رغبة هناك.
ورغم ذلك، يضع النداء العمال الكردستاني أمام مفترق طرق، فإما أن يلقي السلاح وينتهج العمل السياسي، أو يندفع لصراعات داخلية بين أنصار أوجلان ورافضي دعوته، وإما أن يفقد الكثير من مشروعيته وتأثيره على الطيف الكردي.
وفي كل ذلك، يبدو موقف أنقرة اليوم أقوى بكثير من أي وقت مضى، ومجالات المناورة أمامها أرحب بكثير من السابق، وفرص نجاحها هذه المرة أعلى بمراحل من التجارب السابقة.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
كاتب وباحث فلسطيني
الجزيرة
————————-
تركيا تدخل مرحلة فاصلة بعد بيان أوجلان/ د. ياسين أقطاي
28/2/2025
شهدت القضية الكردية في تركيا تطورًا جديدًا بعد دعوة زعيم حزب الحركة القومية، دولت بهتشلي، في 22 أكتوبر/ تشرين الأول 2024، إلى التواصل مع عبدالله أوجلان، مؤسس حزب العمال الكردستاني. وقد أسفرت هذه الدعوة عن تصريح مفاجئ من أوجلان، دعا فيه التنظيم إلى التخلي عن السلاح وحلّ نفسه، وهو ما يشير إلى دخولنا مرحلة غير مسبوقة في تاريخ هذه القضية.
على مدى 41 عامًا، كلفت أنشطة حزب العمال الكردستاني الإرهابية تركيا ثمنًا باهظًا، ولم يكن من المتصور، حتى قبل أشهر قليلة، أن يصدر مثل هذا النداء عن مؤسس التنظيم نفسه. وقد نقل أوجلان رسالته هذه عبر وفد من حزب الشعوب الديمقراطي (DEM)، الذي زاره مرارًا في سجنه.
لمتابعة هذه الرسالة، أقام فرعا حزب الشعوب الديمقراطي في ديار بكر وفان، شاشات عملاقة لبثها أمام الجمهور. ففي فان، تم عرض الرسالة في ساحة المدينة، بينما نُقل البث في ديار بكر في ميدان داغكابي. كما تمت مشاهدتها مباشرة في ملعب 12 مارس بمدينة القامشلي السورية، التي تقع تحت سيطرة وحدات حماية الشعب الكردية (YPG).
في كلمته، استعرض أوجلان الظروف التاريخية التي أدت إلى ظهور حزب العمال الكردستاني، وهي الظروف المرتبطة، كما هو معلوم، بإنكار الهوية واللغة والوجود الكردي نتيجة سياسات الدولة القومية.
وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد أقرّ بهذه الحقيقة سابقًا، حيث اعتبر أن غياب المساحة السياسية للتعبير عن الهوية الكردية، هو ما أدى إلى نشوء التنظيم.
بيدَ أن أوجلان أكد أن هذه الظروف لم تعد قائمة اليوم، ما يعني أن استمرار حزب العمال الكردستاني في نضاله المسلح لم يعد له مبرر. فقد شدد على أن “لا مكسب ولا حق يمكن تحقيقه بعد الآن من خلال السلاح”، وهو تصريح جوهري يقوّض الأساس الذي قام عليه التنظيم، خاصة أنه صادر عن زعيمه ومؤسسه.
قبل وصول أردوغان وحزب العدالة والتنمية إلى الحكم، لم تكن الدولة التركية تعترف بالهوية الكردية، مما وفّر لحزب العمال الكردستاني ذريعة للاستمرار، وإن لم يكن ذلك مبررًا لشرعيته. لكن أردوغان، انطلاقًا من قناعاته الإسلامية التي ترفض إنكار أي قومية أو حظر لغتها، اعتبر أن الحل يكمن في ترسيخ الأخوّة بين الأتراك والأكراد والعرب.
وفي 12 أغسطس/ آب 2005، أعلن أردوغان في خطاب تاريخي بمدينة ديار بكر أنه يعترف بوجود “المشكلة الكردية”، متعهدًا بحلها، على عكس السياسيين السابقين الذين تجنبوا اتخاذ خطوات جدية في هذا الاتجاه. وقد عمل أردوغان على تفكيك عناصر هذه المشكلة بجرأة لم يسبق لها مثيل، متناولًا مختلف أبعادها:
قضية اللغة الكردية.
مسألة الهوية.
الحق في التنظيم والتعليم.
رفع حالة الطوارئ.
معالجة التفاوت التنموي في المناطق الكردية.
لم يكتفِ أردوغان بالإصلاحات القانونية، بل أطلق عملية “الانفتاح” ثم “عملية الحل”، رغم إدراكه المخاطر السياسية التي قد تترتب على ذلك.
وكان جوهر عملية الحل يقوم على الاعتراف بالوجود الكردي وهويته ولغته وثقافته مقابل تخلي حزب العمال الكردستاني عن السلاح. ولأن التنظيم هو الطرف المسلح، فقد كان لا بد من التعامل معه لتحقيق هذا الهدف.
كيف انهارت عملية الحل؟
خلال عملية الحل، توقف إطلاق النار، ولم تشنّ الدولة أي عمليات عسكرية ضد حزب العمال الكردستاني، منتظرةً منه تنفيذ تعهده بالتخلي عن السلاح وسحب مقاتليه من تركيا.
لكن التطورات في سوريا غيرت مسار الأمور. فقد حصل حزب العمال الكردستاني على دعم أميركي تحت ذريعة محاربة تنظيم الدولة، ما أغراه بالبقاء في المشهد المسلح.
وهنا ظهر جليًا أن القوى الدولية، وعلى رأسها الولايات المتحدة وأوروبا والنظام السوري، لم تكن معنية بحلّ القضية الكردية في تركيا، بل كانت تستخدم حزب العمال الكردستاني كورقة ضغط ضد أنقرة.
استغل الحزب توقف العمليات العسكرية ضده ليعزز انتشاره في الجبال التركية، واستفاد من البلديات التي كان يسيطر عليها حزب الشعوب الديمقراطي؛ لتجنيد المزيد من الشباب وحتى الأطفال، ما أدى في النهاية إلى انهيار عملية الحل.
مع انتهاء عملية الحل، شنت الدولة التركية حملة غير مسبوقة ضد الإرهاب، وتمكنت من القضاء على وجود حزب العمال الكردستاني داخل الأراضي التركية بشكل شبه كامل. وهكذا، لم يعد الإرهاب مشكلة داخلية بقدر ما بات مصدر قلق خارجي؛ بسبب استمرار وجود الحزب في سوريا، حيث تدعمه الولايات المتحدة وإسرائيل؛ لاستخدامه كورقة ضد تركيا.
من خلال هذه العملية السياسية الجديدة، التي يقودها أردوغان وبهتشلي، ومع إعلان أوجلان الأخير، تم حسم البُعد الكردي من القضية. ومن الآن فصاعدًا، فإن أي جهة تتعاون مع الولايات المتحدة تحت اسم حزب العمال الكردستاني لن تكون ممثلة للأكراد، بل ستكون مجرد كيان يسعى إلى البقاء لأجل مصلحته الخاصة.
وقد أكد أردوغان مرارًا أن حزب العمال الكردستاني ليس ممثلًا للأكراد، وأنه لا بد من التعامل مع الشعب الكردي نفسه عند الحديث عن حقوقه. وتجدر الإشارة إلى أن عدد النواب الأكراد داخل حزب العدالة والتنمية يفوق عددهم في حزب الشعوب الديمقراطي، كما أن معظم الإصلاحات المتعلقة بالقضية الكردية جاءت على يد أردوغان وحزبه.
لم يقتصر إعلان أوجلان على الدعوة إلى التخلي عن السلاح، بل شمل أيضًا رفض المطالب المتعلقة بالحكم الذاتي أو الفدرالية، مؤكدًا أنها لا تحقق أي فائدة للأكراد.
ورغم أن الاستجابة الفورية لدعوته كانت موضع شك، فإن لقاءات حزب الشعوب الديمقراطي مع قيادات حزب العمال الكردستاني في قنديل وإمرالي تشير إلى أن هناك تجاوبًا إيجابيًا. ولم يكن أوجلان ليطلق هذا النداء دون أن يكون على يقين من وجود استعداد لدى الحزب للاستجابة له.
يتزامن هذا التحول مع التغيرات في سوريا، خاصة بعد تراجع موقف النظام السوري. ولطالما كان بشار الأسد من أكبر داعمي حزب العمال الكردستاني، ما ساعده على البقاء، خاصة من خلال التعاون مع الولايات المتحدة. ومع تغير المعادلات الإقليمية، ربما وجد الحزب نفسه في مأزق، ما دفع أوجلان إلى تقديم هذه الدعوة كحل يتيح له الخروج من الأزمة.
بفضل هذه الخطوة، تدخل المنطقة مرحلة جديدة، وتثبت تركيا مرة أخرى أنها لاعب رئيسي قادر على إعادة تشكيل المعادلات السياسية في المنطقة بما يخدم مصالحها.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
أكاديمي وسياسي وكاتب تركي
الجزيرة
——————————–
تحول أوجلان إزاء جوهر القضية.. ماذا عن أكراد العراق وسوريا؟/ بدرخان حسن – أربيل, دلشاد حسين – أربيل
28 فبراير 2025
لم يكتفِ مؤسس حزب العمال الكردستاني، عبدالله أوجلان، بدعوة حل الحزب وإلقاء السلاح فحسب، بل شهد خطابه إزاء القضية الكردية تحولًا لافتًا، حين تخلى حتى عن مشروع إقامة حكم ذاتي.
وفي رسالته التي وجهها من سجنه في تركيا، اعتبر أن “الحلول القائمة على النزعة القومية المتطرفة” أصبحت “لا تلبي متطلبات الحقوق الاجتماعية التاريخية للمجتمع”.
وهذه الحلول، التي لم تعد ملائمة وفق رسالة أوجلان التي جاءت وسط تحولات جيوسياسية في المنطقة، هي “إنشاء دولة قومية منفصلة، الفيدرالية أو الحكم الذاتي”.
ومن شأن هذا التحول في موقف أوجلان إزاء رؤيته لحل القضية الكردية في تركيا إثارة مخاوف الأكراد في إيران وسوريا، الذين لا يزالون يخوضون صراعًا لنيل حقوقهم.
ومن سوريا.. جاء الرد
في سوريا، جاء الرد سريعًا من قائد قوات سوريا الديمقراطية، مظلوم عبدي، الذي قال إن إعلان أوجلان “يتعلق بحزب العمال الكردستاني فقط، ولا علاقة له بنا في سوريا”.
وأضاف عبدي، في مؤتمر صحفي أعقب رسالة أوجلان: “إذا تحقق السلام في تركيا، فهذا يعني أنه لا مبرر لمواصلة الهجمات علينا هنا في سوريا”.
ويخوض حزب “العمال الكردستاني”، الذي أسسه أوجلان عام 1978، منذ عقود تمردًا مسلحًا ضد الدولة التركية. ودخل هذا التمرد في عدة محطات تصعيدية ودامية، أشدها خلال التسعينيات.
في عام 1999، ألقت الاستخبارات التركية القبض على مؤسس الحزب المصنف جماعة إرهابية في أنقرة وواشنطن وعواصم أوروبية، وذلك في كينيا.
وأُدين أوجلان بعد تلك الفترة بالخيانة والتحريض على الإرهاب، وحُكم عليه بالسجن المؤبد داخل سجن “إمرالي” ببحر مرمرة.
ورغم أن النداء الحالي موجه لحزب العمال الكردستاني وللأكراد في تركيا، فإن الأكراد في سوريا قد يكونون ثاني أكثر المستفيدين من السلام بين حزب العمال الكردستاني وأنقرة، اللذين يملكان نفوذًا في سوريا.
وتسيطر أنقرة، عبر علاقاتها مع الإدارة السورية الجديدة، على المشهد السوري، وتعتبر الإدارة الذاتية وقسد الأقرب إلى حزب العمال الكردستاني.
وتشكل وحدات حماية الشعب المكون الأكبر من قسد، وتتهمها أنقرة بأنها ذراع لحزب العمال الكردستاني في سوريا.
ويعتبر الباحث والمحلل السياسي المقرب من “قسد”، زانا عمر، أن موقف مظلوم عبدي من نداء أوجلان واضح، ويأتي ضمن ما أكدته “قسد” مرارًا، وهو أنها “لا ترتبط بأي ارتباط تنظيمي بحزب العمال الكردستاني”.
وقال عمر، لموقع “الحرة”، إن “تواجد مقاتلي العمال الكردستاني الأجانب في سوريا يعود إلى عام 2014 بهدف مساندة القوات الكردية في الحرب ضد داعش والدفاع عن مدينة كوباني، وقد أعلن عبدي أن هؤلاء مستعدون لمغادرة سوريا متى ما تهيأت الظروف، وتوفرت ممرات آمنة لخروجهم”.
ويرى عمر أن نداء أوجلان لحل حزب العمال وإلقاء السلاح سيؤثر على من تبقى من مقاتلي العمال الكردستاني في سوريا.
وأضاف: “خلال فترة بناء الثقة بين العمال الكردستاني وأنقرة، ستكون هناك مرحلة انتقالية يبدأ فيها حزب العمال بمناقشة آليات حل الحزب وإلقاء السلاح، وبالتأكيد سيؤثر هذا على الأوضاع في شمال شرق سوريا وعلى مقاتلي الحزب”.
ويلفت عمر إلى أن بناء مشروع سلام بين الأكراد وأنقرة سيكون له تداعيات وتأثيرات إيجابية، ليس على الأكراد في سوريا فحسب، بل حتى على أكراد العراق وإيران.
وقال: “في حال نجاح عملية السلام، سيساهم ذلك في تغيير موقف أنقرة تجاه قسد، لأن تركيا كانت تتذرع بالعمال الكردستاني في هجماتها على شمال وشرق سوريا، أما الآن، فإن العمال، في حال قرروا إلقاء السلاح وحل الحزب، إذن لم تعد هناك حجة”.
ويرى عمر أن الوقت لا يزال مبكرًا للحديث عن نشوء تحالف بين تركيا وقسد، لكن سيكون هناك تعاون وتنسيق.
كما لفت إلى أن الموقف التركي كان عائقًا أمام التعاون بين دمشق وقسد، والانتهاء من هذا الضغط سيكون له تأثير إيجابي كبير على العلاقة بين دمشق والإدارة الذاتية.
ولم يصدر حتى إعداد هذا التقرير أي موقف من قادة حزب العمال الكردستاني على نداء زعيم ومؤسس الحزب.
أوجلان معتقل منذ تسعينيات القرن الماضي في سجنٍ بداخل جزيرة إمرالي في بحر مرمرة (AFP)
لكن عضو المجلس الرئاسي لحزب الاتحاد الديمقراطي، صالح مسلم، الذي يتزعم حزبه أحزاب الوحدة الوطنية المنضوية في الإدارة الذاتية، كان له بيان في هذا الخصوص.
وقال مسلم، الجمعة، تعليقًا على نداء أوجلان: “على تركيا اتخاذ خطوات ملموسة من أجل عقد حزب العمال الكردستاني لمؤتمره..”.
الكرة في ملعب تركيا
وأضاف أن “حزب العمال الكردستاني أكد سابقًا أنه لن يعقد مؤتمره ما لم تتحقق الحرية الجسدية لأوجلان”، مشيرًا إلى أن أوجلان وجه دعوة تاريخية، والآن الكرة في ملعب تركيا.
ودعا مسلم، الذي يرتبط حزبه بعلاقات وثيقة مع العمال الكردستاني، أنقرة إلى إعلان وقف إطلاق النار كمرحلة أولى بعد نداء أوجلان.
وأوضح: “إذا نُفذ وقف إطلاق النار، فسيكون هذا سببًا ليأخذ العمال الكردستاني أيضًا خطوات”.
من جانبه، يرى الباحث والمحلل السياسي المقرب من الإدارة الجديدة في دمشق، عباس شريفة، أن مظلوم عبدي لم يستطع نفي بيان أوجلان ولم يستطع الادعاء بأن البيان صدر تحت الإكراه.
لذلك، “لم تعتبر قوات سوريا الديمقراطية نفسها معنية بالبيان، تماشيًا مع الرواية التي يتمسك بها عبدي، وهي انفكاك العلاقة التنظيمية بين العمال الكردستاني وقسد”، وفق ما قال شريفة لموقع “الحرة”.
وأردف قائلًا: “في حال رفضت قيادة العمال الكردستاني في قنديل نداء أوجلان، سيظهر حينها أن رفض عبدي للنداء متعلق برفض قنديل، وهو ما سيثبت العلاقة مع حزب العمال بدلًا من نفيها”.
وأعرب شريفة عن اعتقاده بأن نداء أوجلان ربما يتسبب بأزمة داخلية بين الجناح المحلي من قسد، الراغب بفك العلاقة مع قنديل، والجناح الآخر الراغب في جعل القضية الكردية مجرد رافعة لمشروع العمال الكردستاني.
وأشار إلى أنه في حال استجابت قسد لنداء أوجلان، فسيؤدي ذلك إلى تحقيق السلام وإنهاء النزاع مع “فصائل الجيش الوطني (الموالي لتركيا) إلى الأبد”.
واستدرك قائلًا: “ربما نشهد تحالفًا بينهما في الكثير من القضايا، خصوصًا في الحرب على الإرهاب وحماية الحدود السورية-العراقية”.
كما أكد شريفة أن “المفاوضات بين قسد والإدارة في دمشق غير مرتبطة أساسًا بهذا النداء، بقدر ما هي مرتبطة بالتفاهمات بين تركيا والولايات المتحدة الأميركية”.
ماذا عن أكراد العراق
ويبدو أن قسد نأت بنفسها عن رؤية أوجلان بشأن الدولة القومية أو على الأقل حل الحكم الذاتي، ولكن ماذا عن أكراد العراق الذين نجحوا منذ عقود في الحصول على حكم ذاتي، وما موقفهم من هذا التحول في موقف أحد رموز القضية الكردية؟
قوبل نداء أوجلان بترحيب من قادة إقليم كردستان العراق، الذين اعتبروا دعوته خطوة إيجابية نحو تعزيز السلام والاستقرار في المنطقة.
فمسعود بارزاني، زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني، كان قد أكد دعمه التام لأي جهود تسهم في تعزيز السلام وتسوية النزاعات.
كما شدد رئيس الإقليم، نيجيرفان بارزاني، على أهمية الالتزام بمبادئ السلام، معتبرًا أن النضال السلمي والمدني هو السبيل الوحيد لتحقيق حقوق الأكراد.
أما زعيم الاتحاد الوطني الكردستاني، بافل طالباني، فقد وصف رسالة أوجلان بأنها “مسؤولة ومهمة”، مؤكدًا دعم حزبه لأي مبادرة تسهم في تحقيق السلام الشامل.
بدوره أكد رئيس حكومة الإقليم، مسرور بارزاني، أن إقليم كردستان لطالما كان عامل استقرار في المنطقة، مشددًا على استعداد حكومته لدعم أي مبادرة سلمية تسهم في إنهاء النزاع.
ورغم ترحيبهم بالدعوة إلى إلقاء السلاح، لم يتطرق قادة الإقليم إلى الرؤية القومية لأوجلان حول الحلول السياسية أو طبيعة النظام السياسي الذي يجب اتباعه لتحقيق حقوق الأكراد.
الاختلافات بين تجارب الأكراد
إلا أن تصريحات لرئيس إقليم كردستان، نيجيرفان بارزاني، عشية رسالة أوجلان، ربما تحمل إشارات عن رؤية تيار فاعل في أربيل بشأن النزاع الكردي في دول الجوار.
فخلال مشاركته في منتدى أربيل السنوي الأربعاء 26 فبراير 2025، قال بارزاني إن تجربة إقليم كردستان لا يمكن استنساخها في سوريا.
وشرح قائلاً: “ما فعلناه في إقليم كردستان لا يمكن تطبيقه كما هو في سوريا، لكن يمكن بدء عملية تؤدي في النهاية إلى إشراك جميع المكونات السورية في العملية السياسية.”
وتعليقًا على ما جاء برسالة أوجلان، قال العضو القيادي في الاتحاد الوطني الكردستاني، غياث سورجي، إن أجزاء كردستان الأربعة تختلف من الناحية الجغرافية والسياسية.
وأضاف أن لكل جزء خصوصياته التي تنعكس على نظام الحكم المعمول به في الدول التي يتواجد فيها الأكراد، سواء في تركيا أو إيران أو سوريا.
وبين أن تجربة إقليم كردستان في العراق تختلف عن تجارب الأكراد في الأجزاء الأخرى من “كردستان التاريخية”.
وبدأت حركة نضال الأكراد في العراق منذ وقت طويل، إذ يمكن القول إن تاريخ نضال الأكراد في العراق أقدم من نظيره في تركيا، وفق سورجي.
كما أن النظام الذي يعيشه الأكراد في العراق اليوم هو نظام فدرالي، وهو منصوص عليه في الدستور العراقي، ما يمنحهم مستوى من الاستقلالية الإدارية والسياسية.
وأضاف سورجي أنه في الوقت الحالي أي تقدم في تحقيق حقوق الأكراد في تركيا، سواء على الصعيد السياسي أو الثقافي، يُعد إنجازًا كبيرًا لهم، خاصة إذا تحقق ذلك في إطار من السلام والاستقرار.
واعتبر أن العيش في ظل السلام أفضل بكثير من الانخراط في صراعات وحروب تؤثر على حياتهم ومستقبلهم.
وتعليقًا على دعوة أوجلان، قال الكاتب الصحفي الكردي، سامان نوح، لـ”موقع الحرة”، إن رؤية أوجلان ورسائله موجهة إلى أكراد تركيا تحديدًا.
وأضاف أنها لا تنطبق على الوضع في إقليم كردستان، حيث يمتلك الإقليم تجربة سياسية خاصة.
وأردف أن رؤية أوجلان لا تحظى بالقبول لدى الأكراد فيما يتعلق بتطلعاتهم لإنشاء دولة قومية، لاسيما في العراق.
أما فيما يخص تركيا، فقد أشار نوح إلى أن ما طرحه أوجلان يتطلب قبل كل شيء وجود إرادة تركية حقيقية لبناء مجتمع ديمقراطي.
وأكد أنه في حال توفرت هذه الإرادة لدى شعوب المنطقة وأنظمتها، وأُقيم مجتمع ديمقراطي فعلي، فلن تكون هناك حاجة لإنشاء دول قومية أو فيدرالية أو إدارات ذاتية، إذ ستتحقق هذه الأهداف تلقائيًا من خلال مفهوم المجتمع الديمقراطي.
الاعتراف بحقوق الأكراد
وكان غفور مخموري، السكرتير العام للاتحاد القومي الديمقراطي الكردستاني، قال، في بيان، إن الأكراد كانوا دائمًا في حالة مقاومة من أجل حماية حقوقهم والبقاء على أرضهم.
وأضاف أن هذا النضال كان من أجل إنهاء الحروب وتحقيق السلام.
وتطرق مخموري إلى سياسة الدول، تركيا وإيران والعراق وسوريا، التي مارست على مدار المائة عام الماضية سياسة العنف ضد الأكراد.
وأكد أن هذه الدول رفضت جميع الجهود السلمية التي قدمها الأكراد، وكان ردهم دائمًا القوة العسكرية، مشيرًا إلى أن هذه السياسة لا تزال مستمرة حتى اليوم وفقًا لمصالحهم.
كما شدد على ضرورة أن تكون أي جهود لتحقيق السلام مع هذه الدول مبنية على احترام نضال الأكراد وحقوقهم.
وأكد أن السلام يجب أن يكون مبنيًا على الاعتراف بحقوق الأكراد وتثبيتها في دساتير تلك الدول، معتبرا أن بقاء الأكراد وقوتهم يكمن في سلاحهم، حيث يستمدون قوتهم من تاريخ نضالهم وكفاحهم.
ودعا مخموري إلى احترام خصوصية كل جزء من كردستان وحق كل جزء في تقرير مصيره وفقًا للواقع السياسي المحلي، سواء كان هذا الحكم فيدراليًا أو ذاتيًا أو لا مركزيًا.
وأكد أن الحل النهائي لقضية الأكراد هو الحرية والاستقلال، وأن تأسيس دولة كردستان هو الهدف الذي يسعى إليه شعب كردستان.
بدرخان حسن
———————–
“رسالة أوجلان” تقابل بحذر تركي وترقب كردي… الصفقة لم تنته بعد/ عمر اونهون
هل تلق “قسد” السلاح إذا ألقاه “العمال الكردستاني”؟
28 فبراير 2025
زار وفد من “حزب الديمقراطية والمساواة بين الشعوب” المؤيد للكرد في تركيا زعيم “حزب العمال الكردستاني” (PKK) عبد الله أوجلان يوم 27 فبراير/شباط، في زنزانته بسجن جزيرة إمرالي، حيث يقضي أوجلان عقوبة بالسجن مدى الحياة منذ فبراير 1999، بعد أن اعتقلته قوات الأمن التركية في كينيا، وتم تسليمه إلى تركيا. وكانت الزيارة، وهي الرابعة على التوالي، جزءا من عملية قائمة منذ أسابيع، تهدف إلى إقناع “حزب العمال الكردستاني” بإلقاء السلاح وإنهاء الإرهاب.
وعقب لقائه بأوجلان مباشرة، توجه وفد “حزب الديمقراطية والمساواة بين الشعوب” إلى إسطنبول، حيث قرأوا في أحد فنادق ساحة تقسيم، بحضور عدد كبير من وسائل الإعلام، رسالته المكونة من ثلاث صفحات، والتي حملت عنوان: “نداء من أجل السلام والمجتمع الديمقراطي” باللغتين التركية والكردية.
وأوضح أوجلان أن “حزب العمال الكردستاني” ظهر إلى الوجود بسبب الطريقة التي عومل بها الأكراد في تركيا، ولكنه استدرك قائلا: “إن الحزب قد تجاوز الآن هدفه، ودعا جميع الجماعات إلى إلقاء السلاح، وطلب من الحزب حلّ نفسه”.
واللافت في رسالة أوجلان أنه يرى أن “حزب العمال الكردستاني” قد فقد مبرر وجوده، حيث لم تعد تركيا تنكر الهوية الكردية، وشهدت حرية التعبير تحسناً ملموساً. وهو بذلك يعترف ويشيد بالإنجازات (التي حققتها الحكومة) في هذا المجال.
ودعا أوجلان “حزب العمال الكردستاني” إلى عقد مؤتمره، واتخاذ القرارات بشكل رسمي وفقا لتوجيهاته. وقد لاقت دعوة عبد الله أوجلان صدىً واسعًا في تركيا وفي جميع أنحاء العالم.
وقيّم “حزب العدالة والتنمية” الذي يتزعمه الرئيس رجب طيب أردوغان، دعوة أوجلان تقييما إيجابيا، ولكنه أضاف أن علينا أن ننتظر لنرى النتيجة.
أما “حزب الشعب الجمهوري” (CHP)، الحزب المعارض الرئيس، فقد تبنى موقفًا أكثر تحفظًا، حيث حافظ على مسافة من التطورات دون أن يرفضها تماما.
في المقابل، رفض كل من “حزب الخير القومي” و”حزب النصر” نداء أوجلان بشكل قاطع، مؤكدَين أنه لا يمكن أن ينتج أي شيء إيجابي منه، أو من “حزب العمال الكردستاني” (PKK).
وحتى اللحظة، لم يصدر “حزب الحركة القومية”، الذي كان صاحب المبادرة في إطلاق هذا المسار، أي تعليق. وكان دولت بهجلي، زعيم “حزب الحركة القومية” البالغ من العمر 77 عاما، قد خضع لعملية جراحية قبل ثلاثة أسابيع. ولم يسمع أحد عنه منذ ذلك الحين، وعلى الرغم من تصريحات الحزب بأنه بخير ويتعافى، فإن التكهنات تتردد بأنه يرقد في العناية المركزة.
وتمثل هذه العملية فرصة حقيقية لإنهاء إرهاب “حزب العمال الكردستاني”، الذي أرهق تركيا لأكثر من أربعة عقود. بيد أن افتقار العملية للشفافية، يجعل الرأي العام غير متأكد مما يجري بالفعل، وما إذا كان ينبغي التعامل معه بتفاؤل أم بحذر.
والحال أن هذه المفاوضات لا تزال قائمة منذ أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ولكن تفاصيلها لا تزال غامضة. وكما هو الحال في أي مفاوضات، فإن المبدأ الأساسي هو الأخذ والعطاء، مما يثير التساؤل: ما الذي يتوقعه أوجلان في المقابل؟ وهل يمكن أن يمهد هذا البيان الطريق لإطلاق سراحه أو تخفيف شروط سجنه؟
في الأصل، كان أوجلان محكوما عليه بالإعدام، ولكن الحكم خُفِّف إلى السجن مدى الحياة، بعد إلغاء عقوبة الإعدام في البلاد.
ولا تزال كثير من الأمور غير واضحة. فمصير مقاتلي “حزب العمال الكردستاني” الذين من المتوقع أن يلقوا أسلحتهم لا يزال مجهولًا. فهل سيتمكن هؤلاء الذين يتخلون عن القتال من العودة إلى منازلهم دون الخوف من الاعتقال؟ وهل ستلغى مذكرات التوقيف الصادرة بحقهم؟
من المتوقع أن يكون لبيان أوجلان تداعيات سياسية واجتماعية، لكن نطاق تأثيره لا يزال غير معروف. ولا يزال من غير المعروف، على سبيل المثال، ما إذا كان الدستور الجديد، الذي يُشاع أن “حزب العدالة والتنمية” يعمل على صياغته، سيتضمن منح الأكراد حقوقًا خاصة أو يعترف باللغة الكردية كلغة رسمية. كما يطرح تساؤل حول ما إذا كان سيجري إقرار الحق في التعلم باللغة الأم، وما إذا كانت تركيا ستشهد تغييرا في نظامها الإداري لصالح شكل من أشكال الحكم المحلي.
في هذه الأثناء، لا يزال قادة “حزب العمال الكردستاني”، والمعروفون بـ”قادة قنديل”، والذين يقيمون حاليا في العراق، صامتين إزاء نداء أوجلان، ولم يصدر عنهم أي رد حتى الآن.
ويرى الموالون لأوجلان، أن أوجلان يتحدث باسم المنظمة بأكملها، وأنه لا يمكن لأحد أن ينقض ما يقوله، وأن “حزب العمال الكردستاني” سيتبع تعليمات أوجلان. بيد أن بعض مراقبي “حزب العمال الكردستاني” يرون أنه على الرغم من أن الكوادر في قنديل يعترفون بأوجلان كقائد لهم، فإنهم يعتقدون أنه ليس في وضع يسمح له بممارسة إرادته الحرة بسبب سجنه، وأنه بعيد عن واقع الميدان، وبالتالي لا يستطيع التعبير عن رأي سليم. وفي هذه الحالة، من المحتمل أن لا يستجيب قادة الحزب لنداء أوجلان، مما قد يؤدي إلى حدوث انشقاقات داخل صفوفه.
وعلى صعيد آخر، سيكون لهذا البيان تداعيات في سوريا، لأن تركيا تعتقد أن “وحدات حماية الشعب في سوريا” هي امتداد لـ”حزب العمال الكردستاني” وهي تقاتل ضدها منذ سنوات.
وفيما يرى البعض أنه إذا نزع “حزب العمال الكردستاني” سلاحه، فإن “وحدات حماية الشعب” ستحذو حذوه، فإن ثمة من يعتقد أن “وحدات حماية الشعب” لن تلقي سلاحها، وستستمر في الوجود كما هي ضمن ديناميكيات سوريا. ونُقل عن قائد “وحدات حماية الشعب” مظلوم عبدي قوله: “إن تصريح أوجلان لا يشمل وحدات حماية الشعب”.
ومع ذلك، فالمرجح أن يكون لدعوة أوجلان تأثير على المفاوضات بين حكومة دمشق بقيادة الرئيس أحمد الشرع و”وحدات حماية الشعب” بقيادة مظلوم عبدي، حول وضع الأكراد في سوريا الجديدة.
وهناك أيضا أبعاد أخرى للقضية عابرة للحدود. فثمة إسرائيل التي تريد استخدام “وحدات حماية الشعب”، و”حزب العمال الكردستاني” كورقة ضغط على تركيا. لذلك يمكن اعتبار مبادرة بيان أوجلان خطوة من جانب تركيا ضد طموحات إسرائيل لتأليب الأكراد على الأتراك.
لقد كانت دعوة بهجلي الخطوة الأولى في العملية، وكان بيان أوجلان الخطوة الثانية. وستكون الخطوة الثالثة هي أن يجتمع مؤتمر “حزب العمال الكردستاني” ويقرر حل نفسه تماشيا مع دعوة أوجلان.
ويقول مسؤولون ومحللون مقربون من الحكومة، لم يرغبوا في الكشف عن أسمائهم، إنه بمجرد الانتهاء من هذه الخطوات بطريقة مرضية، ستبدأ مناقشة جميع القضايا الأخرى. وإذا ما نجحت هذه العملية، فستكون مكسبا كبيرا للرئيس أردوغان، الذي يواجه مشاكل خطيرة في الاقتصاد، ويشير إليه الكثيرون باعتباره زعيما مستبدا.
ولم يتبق على الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في تركيا سوى ثلاث سنوات، ووفقا للدستور، لا يمكن لأردوغان الترشح مرة أخرى، ما لم يتم تغيير الدستور. ولكي يتمكن من القيام بذلك، فإنه سيحتاج إلى دعم “حزب الاتحاد الديمقراطي” والأكراد، ويعتقد الكثيرون أن هذا كان دافعا رئيسا لأردوغان لإشراك أوجلان. ولكن لا ينبغي أن نستبق الأحداث، فحتى اللحظة ليس لدينا صفقة منتهية، وهذه ليست المرة الأولى التي تحدث فيها مثل هذه العملية. ففي سبتمبر/أيلول 1999، أعلن “حزب العمال الكردستاني” أيضا وقف إطلاق النار، ولكنه تراجع عن ذلك في عام 2004 واستؤنفت الاشتباكات.
وفي مارس/آذار 2013، بعد أشهر من المحادثات مع الحكومة، تُليت رسالة من عبد الله أوجلان باللغتين التركية والكردية، خلال عيد النيروز في ديار بكر. وأعلن أوجلان حينها أيضا انسحاب القوات المسلحة لـ”حزب العمال الكردستاني” من الأراضي التركية، وإنهاء الكفاح المسلح. وقال “حزب العمال الكردستاني” وقتها إنه سيطيع أوامر أوجلان وسينسحب من تركيا.
وفي أعقاب ذلك، أصدرت الحكومة “قانون إنهاء الإرهاب وتعزيز الاندماج الاجتماعي”، الذي حدد تدابير لمعالجة القضايا السياسية والقانونية والاجتماعية والاقتصادية والنفسية والثقافية، وحقوق الإنسان والأمن ونزع السلاح. بيد أن هذا المسار سرعان ما انهار في أكتوبر/تشرين الأول 2014 في أعقاب هجوم تنظيم “داعش” على كوباني في سوريا، وما تبعه من ردود فعل عنيفة بين الأكراد في تركيا، مما أسفر عن تجدد الاشتباكات بين قوات الأمن التركية و”حزب العمال الكردستاني”. أما اليوم، فالقادة الأتراك يتوخون حذرا شديدا، وفي نيتهم أن لا يقعوا ضحية للخداع أو الإحراج السياسي مرة أخرى.
المجلة
————————–
قصة صراع دام 40 عامًا.. كل ما تريد معرفته عن دعوة أوجلان لأتباعه إلى ترك السلاح والاندماج في الدولة التركية، وكيف كان صداها؟
عربي بوست
عماد أبو الروس
2025/02/28
وجّه زعيم حزب العمال الكردستاني المعتقل عبد الله أوجلان، “دعوة تاريخية” إلى منظمته التي تتهمها تركيا بـ”الإرهاب”، بالاستسلام وإلقاء السلاح، وذلك بعد عقود من المواجهة تخللها تصدع كبير بين الأكراد والدولة التركية.
وحملت الرسالة التي وجهها أوجلان باللغتين التركية والكردية، عنوان “دعوة للسلام والمجتمع الديمقراطي”، وجاء فيها أن “الأتراك والأكراد، طوال تاريخهم الممتد لأكثر من ألف عام، رأوا دائماً أنه من الضروري البقاء في تحالف، من أجل الحفاظ على وجودهم والوقوف ضد القوى المهيمنة”، مشيراً إلى أن “الحداثة الرأسمالية” عملت خلال المئتي عام الأخيرة على تفكيك هذا التحالف.
وشدّد على أن “المهمة الرئيسية هي إعادة تنظيم العلاقة التاريخية، التي أصبحت هشة للغاية اليوم، بروح الأخوة، دون تجاهل المعتقدات”.
وقال موجهاً كلامه إلى منظمته التي يتزعمها: “اعقدوا مؤتمركم واتخذوا القرارات اللازمة للاندماج مع الدولة والمجتمع؛ يجب على جميع المجموعات إلقاء سلاحها، ويجب على التنظيم حل نفسه”.
كما توجّه أوجلان في رسالته بالشكر إلى رئيس حزب الحركة القومية دولت بهتشلي والرئيس التركي رجب طيب أردوغان وكافة الأحزاب السياسية في البلاد لمقاربتهم الإيجابية فيما يتعلق بدعوته.
ما هي خلفية دعوة أوجلان التاريخية؟
وفي خطوة غير متوقعة في أكتوبر/تشرين الأول 2024، فاجأ زعيم حزب الحركة القومية دولت بهتشلي، الجميع بمصافحته نواب حزب المساواة والديمقراطية الكردي “DEM”، موجهاً دعوة إلى أوجلان بالحضور إلى البرلمان ودعوة منظمة العمال الكردستاني بإلقاء السلاح، مقابل الاستفادة من “حق الأمل” أي العفو عنه.
وفي الوقت الذي سقطت هذه الدعوة مثل “القنبلة” على الأجندة السياسية التركية، لاسيما من زعيم تركي عارض دائماً وبشدة التفاوض مع المنظمة الكردية، بدأت المفاوضات مع حزب “DEM” بدعم من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي علّق قائلاً: “لا مكان للإرهاب وجانبه المظلم في مستقبل تركيا، نريد أن نبني تركيا خالية من الإرهاب والعنف معاً، ولا ينبغي التضحية بنافذة الفرصة التاريخية من أجل بعض الحسابات”.
وفي 23 أكتوبر/تشرين الأول 2024، وبعد الدعوة التي وجهها بهتشلي مباشرة، أعلن ابن شقيق أوجلان، وهو عضو البرلمان عن ولاية شانلي أورفا عمر أوجلان، أنه التقى بعمه لأول مرة منذ 43 شهراً من عزلته.
ونقل عمر أوجلان رسالة من عمه، أنه “إذا أتيحت الظروف، فإن لدي القدرة النظرية والعملية لنقل النزاع من ساحة العنف إلى المجال السياسي والقانوني”.
وفي 28 ديسمبر/كانون الأول 2024، حدث أول لقاء بين وفد من حزب المساواة والديمقراطية الكردي، وأوجلان في سجنه بجزيرة إمرالي في بحر مرمرة، تلا ذلك اجتماع الوفد مع رئيس البرلمان التركي نعمان كورتولمش، ورؤساء الأحزاب التركية بما فيهم دولت بهتشلي.
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مع زعيم الحركة القومية دولت بهتشلي/ رويترز
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مع زعيم الحركة القومية دولت بهتشلي/ رويترز
وفي 11 و12 يناير/كانون الثاني 2025، التقى الوفد الكردي بزعماء حزب الشعوب الديمقراطي المعتقلين فيغين يوكسيكداغ، وصلاح الدين ديمرتاش، وليلى غوفين وسلجوق مزراكلي.
وحدث اللقاء الثاني مع أوجلان في 22 يناير/كانون الثاني 2025، لينتقل بعدها الوفد الكردي إلى إربيل والسليمانية بالعراق في 15 و18 فبراير/شباط 2025، للقاء قادة إقليم كردستان العراق، حاملين معهم رسائل من أوجلان. كما نقل الوفد رسائل من أوجلان، إلى قيادات حزب العمال الكردستاني في جبل قنديل شمال العراق، وقوات سوريا الديمقراطية “قسد” في شمالي شرق سوريا، وكذلك فعالياته في أوروبا.
وخلال مؤتمره العام في 12 فبراير/شباط 2025، أعلن حزب المساواة والديمقراطية، أربعة عناوين تتعلق بحل القضية الكردية، وهي:
إنهاء سياسة العزل ورفع العزلة عن عبد الله أوجلان.
عقد اجتماعي جديد ديمقراطي والاعتراف بحقوق الكرد.
العيش المشترك على أساس المساواة دون تمييز.
التخلي عن سياسات الحرب واعتماد لغة الحوار في منطقة الشرق الأوسط.
وفي 27 فبراير/شباط 2025، عقد اللقاء الثالث بين الوفد التركي وأوجلان، ليتم الإعلان لاحقاً من إسطنبول عن دعوته التاريخية.
كيف تلقت الأحزاب السياسية دعوة أوجلان التاريخية؟
لاقت دعوة أوجلان التاريخية، ترحيباً من مختلف الأحزاب السياسية في تركيا، لاسيما في التحالف الحاكم، لكن أحزاب قومية مثل حزبي الجيد والنصر، هاجما العملية السياسية.
وقال حزب العدالة والتنمية، على لسان نائب رئيس الحزب أفكان ألا، إن “جوهر النداء هو إلقاء السلاح وحل التنظيم الإرهابي لنفسه، نحن ننظر إلى النتيجة، وبالطبع سنرى في تركيا ما إذا كانت هذه النتيجة ستتحقق”، موضحاً أن “الإرادة القوية التي أبداها رئيسنا منذ البداية، وتصريحات بهتشلي، وضعت أمام شعبنا هدف ‘تركيا خالية من الإرهاب'”.
فيما نشر عضو مجلس حزب الحركة القومية نيفزات أونلوترك، صورة لأردوغان وبهتشلي مع تعليق: “تركيا بدون إرهاب لن تعد حلماً”.
من جهته، قال زعيم حزب “ديفا” علي باباجان، فقد أعرب عن ترحيبه بدعوة أوجلان التاريخية، وقال: “سيكون تطوراً تاريخياً إذا ألقت المنظمة الإرهابية سلاحها وأنهت وجودها”.
أما زعيم حزب المستقبل أحمد داود أوغلو فقال: “في ظل الظروف التي يهتز فيها النظام الدولي وتتعرض فيه منطقتنا لحلقة من النار، فإن كل دعوة تطلق وكل خطوة تتخذ من أجل تعزيز بنيتنا الداخلية وتطهير بلادنا بالكامل من الإرهاب هي إيجابية، وينبغي استخلاص الدروس من التجارب السابقة ووضع خارطة طريق ملموسة تركز على النتائج، تحت سقف البرلمان، وبمشاركة كافة المكونات السياسية”.
ورغم ترحيبه بدعوة أوجلان، حذّر زعيم حزب الشعب الجمهوري أوغور أوزال، من ما وصفه “باستغلال مطالب المجتمع بالسلام والديمقراطية من قبل أي سلطة أو جهة لتحقيق أهدافها السياسية الخاصة”.
وقال أوزال: “الدعوة لإلقاء السلاح وحل التنظيم الإرهابي خطوة مهمة، ونأمل أن يفي المخاطبون بهذه الدعوة بالمتطلبات وأن ينتهي إلى الأبد الإرهاب الذي أودى بحياة عشرات الآلاف، وتسبب بأضرار اقتصادية واجتماعية جسيمة”.
وأضاف أوزال: “نحن نتمسك بموقفنا بأن القضية الكردية يجب أن يتم حلها بشفافية، تحت قبة البرلمان، وبإشراك كافة شرائح المجتمع”، مضيفاً: “تماشياً مع مبدأ ‘السلام في الوطن والعالم’ لمؤسس جمهوريتنا، فإننا نقف دائماً إلى جانب الجهود المبذولة من أجل السلام والديمقراطية”.
أما حزب الجيد، فاعتبر زعيمه مساوات درويش أوغلو، أن ما جرى هدفه بقاء حزب العدالة والتنمية في الحكم، زاعماً أن “هذه العملية هي مساومة على البقاء في الرئاسة مدى الحياة مع التلاعب بمصطلح الشعب بغض النظر عن التسميات والحجج التي تقوم عليها”.
من جهته، فقد أعلن حزب النصر الذي يقوده أوميت أوزداغ، أنه سيعمل على تقويض العملية.
ما هي ردود الفعل الدولية على دعوة أوجلان التاريخية؟
رحبت كل من الولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا وإقليم كردستان في شمال العراق بنداء زعيم تنظيم “بي كي كي” الإرهابي عبد الله أوجلان لإلقاء التنظيم السلاح وحل نفسه.
ووصف متحدث مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض بريان هيوز في بيان، الخميس، دعوة أوجلان بأنها “تطور مهم”.
وقال: “نأمل أن يساعد ذلك في طمأنة حلفائنا الأتراك بخصوص شركاء الولايات المتحدة الأمريكية ضد داعش في شمال شرقي سوريا”.
في سياق متصل، نقل بيان لمتحدث الحكومة الألمانية ستيفن هيبستريت عن المستشار أولاف شولتس ترحيبه بدعوة أوجلان.
وأشار البيان إلى أن عمليات “بي كي كي” الإرهابي تسببت في سقوط العديد من الضحايا، مؤكدًا أن دعوة أوجلان تقدم فرصة من أجل تجاوز العنف.
بدوره، أعرب رئيس إقليم كردستان في شمال العراق نيجيرفان بارزاني في بيان صادر عن رئاسة الإقليم، عن ترحيبه بالنداء، مؤكداً استعدادهم للعب أي دور لإنجاح هذه العملية.
وقال: “بهذه الطريقة فقط (الديمقراطية) يمكن تحقيق نتائج ونجاحات أفضل، وليس بالسلاح والعنف”.
أما قائد قوات سوريا الديمقراطية “قسد” مظلوم عبدي، فقد اعتبر دعوة أوجلان التاريخية بأنها تتعلق بحزب العمال الكردستاني فقط، “ولا علاقة له بنا”.
لكنه قال إن “أوجلان أرسل لنا رسالة بشأن هذا الإعلان وكانت إيجابية للغاية، وتؤكد على السلام والأمن في المنطقة”، معرباً في الوقت ذاته عن استعداد قواته لأن تكون جزءاً من الجيش السوري الجديد.
من هو عبد الله أوجلان؟
ولد عبد الله أوجلان يوم 4 أبريل/نيسان 1948 في قرية أمرلي بمنطقة أورفه جنوب شرق تركيا.
التحق بكلية الحقوق في جامعة إسطنبول، لكنه تحول لدراسة العلوم السياسية في جامعة أنقرة، وأصبح مهتماً بالآراء الشيوعية.
اعتقل لأول مرة في 7 أبريل/نيسان 1972 بحجة المشاركة في نشاط محظور، لمدة 7 أشهر، وبعد خروجه من السجن بدأ بعقد اجتماعات سياسية في منزل استأجره بأنقرة، وأسس جمعية طلابية مع جميل بايك ودوران كالكان، ومصطفى كاراسو، وانضم إليهم باكي كراير وكمال بير، وجميعهم كانوا نواة تأسيس حزب العمال الكردستاني بهدف إنشاء ما يسمى بـ”الدولة الكردية المستقلة”.
أسس أوجلان حزب العمال الكردستاني عام 1978، وغادر تركيا عام 1980 ليعمل من المنفى في سوريا.
أقام معسكرات تدريب في سهل البقاع اللبناني، لكن سرعان ما تم إغلاقها إثر ضغوط تركية.
بدأ حزب العمال الكردستاني عام 1984 بشن هجمات عسكرية في تركيا والعراق وإيران.
أشرف على عمليات دامية في تركيا خلال حقبة التسعينيات، وفي العام 1993 قتل حزبه 33 جندياً تركياً اختطفهم على الطريق السريع بين إيلازيغ وبينغول، وفي العام نفسه قتل 33 شخصاً في هجوم مسلح على قرية في ولاية أرزينجان.
استخدمت وسائل الإعلام التركية في ذلك الوقت بشكل متكرر مصطلح “قاتل الأطفال” للإشارة إلى أوجلان، فيما تحولت جنازات الجنود ورجالات الشرطة إلى مظاهرات تعكس الغضب تجاه حزب العمال الكردستاني وأوجلان.
في العام 1998 صعدت تركيا من ضغوطها على حكومة دمشق لترحيل أوجلان، حيث اتهمت أنقرة دمشق بدعم حزب العمال الكردستاني، ما أدى لتدهور العلاقات بين البلدين.
في 9 أكتوبر/تشرين الأول 1998، تم ترحيل أوجلان من سوريا، وتنقل بين دول مثل اليونان وروسيا وإيطاليا وطاجيكستان، وكانت جهود اللجوء في بلدان مختلفة غير ناجحة.
نجحت المخابرات التركية في اعتقاله يوم 15 شباط/فبراير 1999 في العاصمة الكينية نيروبي، حيث نقل بطائرة خاصة إلى تركيا.
وفي 31 مايو/أيار 1999 بدأت إجراءات محاكمة أوجلان في جزيرة إمرالي، وبعد تسع جلسات قررت المحكمة بالإجماع إعدامه بتهمة “تأسيس وقيادة منظمة إرهابية مسلحة”.
في عام 2002، حكم على أوجلان بالسجن مدى الحياة بسبب إلغاء عقوبة الإعدام في تركيا في إطار قوانين التناغم مع الاتحاد الأوروبي.
ماذا حدث بعد اعتقال أوجلان ومحاكمته؟
خلال جلسة محاكمته الأولى، قدّم أوجلان اعتذاره، وقال إنه “مستعد للعمل من أجل حل المشكلة الكردية إذا أتيحت له الفرصة”.
وشهدت منظمة العمال الكردستاني أزمات في داخلها عقب اعتقال أوجلان، لكن لم يقودها ذلك إلى التفكك.
خلال فترة التسعينيات ابتعد أوجلان أيديولوجياً عن الماركسية اللينينية، وأزال المطرقة والمنجل على علم حزب العمال الكردستاني، وبدأ ينتقد فكرة الدولة القومية ووضعها فيها في إطار مفاهيمي جديد بعد عام 1999.
وفي كتاباته استعان بمصادر مختلفة من مدرسة فرانكفورت إلى الفيلسوف الأمريكي موراي بوكتشين، وفي النهاية توصل إلى وجهة نظر دافع فيها عن “الحداثة الديمقراطية” بمواجهة “الحداثة الرأسمالية”، واعتبر مناصروه بأنه نموذج حديث.
وتلا ذلك، تبني حزب العمال الكردستاني، فكرة العمل ضمن حدود الدول القومية في الشرق الأوسط، وفي المؤتمر الذي عقد في يناير/كانون الثاني 2000، تبنى البرنامج الجديد مقولة مفادها “إقامة دولة منفصلة ليس ضرورياً ولا واقعياً في عالم القرن الحادي والعشرين”، وتسبب ذلك بانشقاقات داخلية نجم عنها مغادرة المئات من صفوفه.
وفي أبريل/نيسان 2004، قرر الاتحاد الأوروبي إدراج حزب العمال الكردستاني ضمن قائمة المنظمات الإرهابية، تلا ذلك قراراً مماثلاً من الولايات المتحدة، ليعلن الحزب في يونيو/حزيران من العام ذاته إنهاء وقف إطلاق النار الذي التزم به منذ عام 1999، حيث توغلت أعداد كبيرة من المقاتلين عبر الحدود إلى الداخل التركي، ما دفع بأنقرة لتكثيف عملياتها لملاحقة المسلحين على الحدود.
وفي العام 2005، تم التأكيد على أن حزب العمال الكردستاني بحاجة إلى إعادة هيكلته وتأسيسه في إطار حل المشاكل في الشرق الأوسط، وتبنى أوجلان من سجنه فكرة “الكونفدرالية الديمقراطية”.
بحسب مجلة “كريتر” التركية، فإن أردوغان خلال فترة ولايته كرئيس وزراء تبنى القضية الكردية في خطابه الذي ألقاه في 12 أغسطس/آب 2005، ما أثار ذلك تفاعلاً داخل القاعدة الاجتماعية الكردية.
وفي صيف 2009، أطلق أردوغان عملية الانفتاح الديمقراطي، وفتح قنوات حوار مع الكيانات الكردية ضمن مشروع “الوحدة الوطنية والأخوة”، ومع بداية العام 2010 تم وضع قواعد قانونية تهدف إلى إيجاد حل لـ”القضية الكردية” ضمن حدود دولة القانون والديمقراطية، واتخذ حزب العدالة والتنمية خطوات قانونية مهمة للقضاء على التمييز ضد المواطنين الأكراد.
وتم إزالة العقبات المتعلقة باستخدام اللغة الكردية والحقوق الثقافية، ورفع الحظر المفروض على تسمية الأبناء الأكراد بأسماء كردية، وتم إلغاء اللائحة القديمة التي كانت تمنع محطات الإذاعة والتلفزيون الخاصة من البث بلغات ولهجات غير اللغة التركية.
وفي صيف 2012، اتخذ الصراع بين تركيا وحزب العمال الكردستاني بعداً مختلفاً عندما سيطر الأكراد على شمال سوريا، واتهمت أنقرة النظام السوري السابق بدعم حزب الاتحاد الديمقراطي/وحدات حماية الشعب الفرع السوري لمنظمة العمال الكردستاني، وفي سبتمبر/أيلول من العام ذاته حاول حزب العمال الكردستاني الاستيلاء على بلدة شمدينلي في ولاية هكاري التركية.
وفي 28 ديسمبر/كانون الأول 2012، أعلن أردوغان أن الحكومة التركية أجرت محادثات مع أوجلان، وتم استخدام مصطلح “عملية الحل” لأول مرة.
وبعد مفاوضات استمرت أشهر تم قراءة رسالة من أوجلان في 31 مارس/آذار 2013، دعا فيها إلى وقف إطلاق النار وسحب قوات حزبه من الأراضي التركية إلى شمال العراق.
ولكن الأزمة السورية تسببت في تصاعد التوترات بين تركيا وحزب العمال الكردستاني، حيث استولت “قسد” على مناطق واسعة قرب الحدود التركية، ما أثار قلق أنقرة.
وفي أكتوبر/تشرين الأول 2014، تسببت احتجاجات كوباني في اندلاع أعمال عنف واسعة بين أنصار حزب “هدى بار”، وحركة الشباب الثوري الوطني التابعة لحزب العمال الكردستاني، وبعد محادثات مع أوجلان والجناح الكردي، انخفضت التوترات.
وانهار وقف إطلاق النار الذي كان ساري المفعول منذ عام 2013، في 22 يوليو/تموز 2015، بعد أن قتل حزب العمال الكردستاني اثنين من ضباط الشرطة في منزليهما في أعقاب تفجير مدينة سروج الذي نُسب إلى “تنظيم الدولة”.
ومع انهيار المحادثات وعقب محاولة الانقلاب في تركيا في 15 يوليو/تموز 2015، قامت الطائرات الحربية التركية بضرب أهداف تابعة لمنظمة العمال الكردستاني التي شنت هجمات أيضاً على الشرطة والجنود في جنوب شرق وشرق الأناضول.
ومنذ أغسطس/آب 2015، وقعت العديد من الاشتباكات في مناطق محافظة شرناق في تركيا، وتم حفر الخنادق من أعضاء الحزب، حيث فرضت الحكومة التركية حظر التجول في عدة أحياء.
وأطلقت تركيا في عام 2018 عملية “غصن الزيتون” ضد وحدات حماية الشعب الكردية في مدينة عفرين، وفي أكتوبر/تشرين الأول 2019، نفذت عملية “نبع السلام” في شمال شرق سوريا، ما أدى إلى تغيير موازين القوى في المنطقة.
ومنذ ذلك الوقت هددت تركيا بشن عمليات جديدة ضد الوحدات الكردية المسلحة في شمال شرق سوريا، وشنت هجمات ضد معاقل منظمة العمال الكردستاني في شمال العراق.
ماذا تحمل دعوة أوجلان وهل تنجح؟
في رسالته، شدد أوجلان على أنه لا مفر من الحاجة إلى مجتمع ديمقراطي، وذكر أن “احترام الهويات، وحرية التعبير عن الذات وتنظيم الذات ديمقراطياً، وإعادة الهيكلة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي تستند إليها كل شريحة، لا يمكن أن يتحقق إلا بوجود مجتمع ديمقراطي وفسحة سياسية”.
كما دعت رسالته إلى تطوير لغة حقبة السلام والمجتمع الديمقراطي بما يتوافق مع الواقع.
وكان لافتاً في رسالته، قوله إنه “لا يمكن للدول القومية المنفصلة، والاتحادات الفيدرالية، والحكم الذاتي الإداري، والحلول الثقافية، أن تكون إجابة على علم الاجتماع التاريخي للمجتمع”.
ولم تكن هذه العناوين مدرجة في دعوة أوجلان للسلام في رسائله التي نشرها بين عامي 2013 و2015، وتقول أرزو يلماز، الأستاذ المساعد بجامعة كردستان هولير الكردية في أربيل بالعراق، لشبكة “بي بي سي” التركية، إن دعوته لا تستبعد الفيدرالية أو الحكم الذاتي فحسب، بل أيضاً “الحكم الذاتي الإداري من كونه نموذجاً بديلاً”.
فيما قالت الكاتبة التركية هاندا فرات في مقال على صحيفة “حرييت”، إن دعوة أوجلان موجهة إلى منظمة العمال الكردستاني وهياكلها التي تشكلت منها، بما في ذلك فعالياتها الأوروبية.
ورأت أن أهمية هذه دعوة أوجلان أنها تأتي من الرئيس المؤسس الذي رأى أن المنظمة لم تعد قادرة على تحقيق أهدافها بالسلاح، ويشير إلى تحول جذري.
وتوقعت الكاتبة فرات، أن اتحاد مجتمعات كردستان “KCK” سيعقد مؤتمره، ويتخذ قرار حل نفسه وإلقاء السلاح، وقد تستغرق هذه العملية من شهرين إلى ثلاثة أشهر.
ورأت أن هذه الخطوة تأتي في الوقت الذي كانت في تركيا في أقوى حالاتها ميدانياً فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب.
وأضافت أن المنظمة والهياكل التابعة لها إذا استجابت بشكل سلبي لدعوة أوجلان، أو حاولت عرقلتها وطلبت المساعدة من الآخرين، فسيصبح من الواضح أنها لم تعد تلك التي أسسها أوجلان، وسوف يظهر أنه لم يعد لديه أي سلطة عليها.
أما إذا اتخذت المنظمة الانصياع إلى دعوة أوجلان، فإن ذلك يعني أن الميدان العراقي سيصبح خالياً من الإرهاب، وستنتهي ظاهرة شراء الأسلحة بالأموال التي يتم جمعها بشكل غير قانوني في أوروبا، وسيتم تجفيف الموارد البشرية بوسائل غير قانونية، بحسب الكاتبة.
كما أنه إذا استجابت وحدات حماية الشعب لدعوة أوجلان، فإن خطط الإدارة السورية الجديدة جاهزة أيضاً، ما يمهد لأن يتحقق التكامل داخل سوريا.
هل عملية الحل الجديدة تختلف عن 2009 و2015؟
ومن الطبيعي أن تثير العملية الجديدة مخاوف اجتماعية بسبب فشل الحل في العملية التي جرت بين عامي 2009 و2015.
وتقول صحيفة “ستار” إن الميزة الأولى لعملية الحل الآن، أنها تأتي دون تراجع الدولة التركية أي خطوة إلى الوراء عن سياستها تجاه الإرهاب، كما أنها تأتي دون قيود عملياتية ضد المنظمة كما السابق.
وأشارت إلى الميزة الثانية بأنها تأتي أيضاً مع التغير السريع في الجغرافيا السياسية الإقليمية، من انهيار لنظام الأسد، وانسحاب إيران وروسيا من سوريا، وخلق وضع جديد يمهد لانسحاب الولايات المتحدة أيضاً.
وبذلك فقدت منظمة العمال الكردستاني ثلاثة من الأطراف الأربعة التي أبقتها على قيد الحياة وساهمت في نموها السياسي والعسكري ونفوذها الإقليمي.
أما الميزة الثالثة، فإنها تأتي دون إشراك الكادر القيادي النشط لمنظمة العمال في العملية الحالية كطرف فاعل، وتتم مع المعتقل أوجلان الذي يهيمن على أيديولوجية المنظمة وبيتها السياسية والاجتماعية، والذي يرى أيضاً أن البرنامج المسلح للمنظمة قد عفا عليه الزمن.
———————–
بما فيهم “قسد”.. أنقرة تدعو “المسلحين الأكراد” في سوريا والعراق إلى إلقاء السلاح
2025.02.28
أكد حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا، اليوم الجمعة، أن جميع “المسلحين الأكراد” في العراق وسوريا، بمن فيهم “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، يجب أن يلقوا أسلحتهم.
وجاء تأكيد العدالة والتنمية بعد دعوة زعيم “حزب العمال الكردستاني”، عبد الله أوجلان، من داخل سجنه إلى وقف القتال.
دعوة أوجلان وتأثيرها المحتمل
وفي حديثه للصحفيين في إسطنبول، صرح عمر جليك، المتحدث باسم حزب العدالة والتنمية، بأن الدعوة التي وجهها أوجلان من شأنها تعزيز رؤية الحكومة لتحقيق “تركيا خالية من الإرهاب” إذا تم تنفيذها.
اقرأ أيضاً
كراد سوريون يلوحون بأعلام تحمل صور مؤسس حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان، أثناء تجمعهم في مدينة القامشلي ذات الأغلبية الكردية في شمال شرق سوريا للاستماع إلى رسالة
بين الفدرالية والحوار مع دمشق.. هل تغيّر دعوة أوجلان مسار الكُرد السوريين؟
وشدد في الوقت ذاته على أن أنقرة لن تدخل في أي مفاوضات أو مساومات مع حزب العمال الكردستاني، وفقاً لما نقلته وكالة “رويترز”.
وأضاف جليك: “بغض النظر عن الاسم الذي يستخدمه، يجب على التنظيم الإرهابي أن يلقي سلاحه ويفكك نفسه، وكذلك جميع فروعه في العراق وسوريا”.
وكان أوجلان قد دعا أمس الخميس إلى تفكيك التنظيم وإلقاء السلاح، وهي خطوة قد تفتح المجال لإنهاء صراع مستمر منذ 40 عاماً، مع ما قد يترتب على ذلك من تداعيات سياسية وأمنية واسعة النطاق في المنطقة.
ورغم هذه الدعوة، لم يصدر حتى الآن أي رد رسمي من حزب العمال الكردستاني، في حين رفضت “وحدات حماية الشعب الكردية” (YPG)، التي تعد العمود الفقري لـ”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) المدعومة من الولايات المتحدة في سوريا، تطبيق هذه الدعوة عليها، مؤكدة أنها لا تشملها.
وحظيت دعوة أوجلان إلى إلقاء السلاح بترحيب واسع من الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، وحلفاء غربيين آخرين، بالإضافة إلى دول الجوار مثل العراق وإيران.
———————–
رئيس البرلمان التركي الأسبق: سعيد بدعوة أوجلان لكنني قلق من جذور الخلاف
أعرب بولنت أرينج، نائب رئيس الوزراء والرئيس الأسبق للبرلمان التركي، عن ترحيبه الحذر بدعوة أوجلان، مشدداً على أهمية ترقب نتائجها، ومؤكداً في الوقت ذاته استقرار العلاقات بين أنقرة وأربيل.
فيما يتعلق بسوريا، أكد بولنت أرينج، خلال مشاركته في منتدى أربيل السنوي الثالث، اليوم الجمعة (28 شباط 2025)، الحاجة إلى نظام ديمقراطي بعد الأسد يشمل جميع المكونات، بمن فيهم “العلويون والدروز والكورد”.
إعلان أوجلان
أثار إعلان عبد الله أوجلان، مؤسس حزب العمال الكوردستاني، ردود فعل سياسية واسعة، وأكد بولنت أرينج أن الإعلان يشكل رداً مباشراً على مبادرة دولت بهتشلي، قائلاً: “صُدمنا من مبادرة بهتشلي، ولكن إعلان أوجلان جاء ليكون جواباً عليها. علينا أن ننتظر ونرى تداعيات ذلك”.
وأضاف: “ما كنا ننتظره من أوجلان قد حدث، فهو المؤسس لحزب العمال الكوردستاني، وهذه الدعوة هي الشيء الوحيد الذي كان يمكنه فعله منذ عام 1999، وقد فعله بالفعل”.
أرينج أكد أن العلاقات بين أنقرة وأربيل تمتد لسنوات طويلة وهي مستقرة، مشدداً على توافق وجهات النظر بين الجانبين حول ملف الإرهاب.
وقال في هذا السياق: “وجهة نظر أربيل حول الإرهاب تتفق مع وجهة نظرنا، وهذه نقطة مشتركة. ونعلم أن ما يقوم به حزب العمال الكوردستاني يثير قلق إقليم كوردستان أيضاً”.
“متعطش لمعرفة موقف إيران”
دعا أرينج إلى متابعة موقف المجتمع الدولي من إعلان أوجلان، معتبراً أن الدول القريبة مثل إيران لها تأثير أكبر من الجهات الدولية الأخرى، معبراً عن ترقبه لموقف طهران بالقول: “الأمم المتحدة طرف مهم في هذا الموضوع، ولكن هناك دول قريبة، والدول الأقرب أكثر أهمية من الدول البعيدة. أنا متعطش لمعرفة موقف إيران”.
مستقبل سوريا بعد الأسد
فيما يتعلق بسوريا، شدد أرينج على ضرورة تشكيل نظام ديمقراطي بعد رحيل الأسد، يضمن مشاركة جميع المكونات، بمن فيهم العلويون والدروز والكورد، قائلاً: “النظام في سوريا بعد الأسد يجب أن يكون ديمقراطياً، ويُشمل الجميع في الدستور، من علويين ودروز وكورد، وأن يكونوا مكوناً أساسياً في سوريا”.
كما تحدث عن الدور المحتمل لأحمد الشرع في قيادة البلاد رغم خلفيته الجهادية، قائلاً: “لدى أحمد الشرع النية ويريد تشكيل حكومة شاملة.. شخص وفق خلفيته الجهادية قد يكون أكثر ملاءمة للمحاكم، لكن عندما يصبح سياسياً، ويذهب إلى دمشق مرتدياً ربطة العنق والبدلة الرسمية، فإنه يبدو شخصاً جيداً”.
وأضاف: “لا أرى كذباً في وجه أحمد الشرع، أرى ماضيه، وقد استغربت وصُدمت، لكن ما أراه الآن هو شخص جيد”. وأردف الرئيس الأسبق للبرلمان التركي، معتبراً أن ما قام به أحمد الشرع “حتى الآن جيد”.
وأكد أرينج أن تركيا كانت على تواصل مستمر مع الأسد في عام 2011، حيث حثته على عدم استخدام العنف ضد شعبه، موضحاً: “في 2011، عندما كان عبد الله غل رئيساً وأردوغان رئيساً للوزراء، كان الأسد يتصل بنا يومياً، وكنا نقول له: لا تؤذِ شعبك”، مذكّراً بأنهم قالوا لأردوغان: “الأسد لا يقبل الكورد، ولا يقبل الإنسان كإنسان”.
دعوة أوجلان المصوّرة
رداً على سؤال في ختام اللقاء بشأن ما إذا كان جميع عناصر حزب العمال الكوردستاني سيستجيبون لدعوة أوجلان، قال أرينج: “كنت أفضل أن تكون رسالة أوجلان عبر تسجيل مصوّر”.
———————
المجلس الوطني الكوردي: نجاح مبادرة أوجلان مرهون باستجابة الحزب ومقاتليه
المجلس الوطني الكوردي في سوريا عن ترحيبه بالدعوة التي وجهها زعيم حزب العمال الكوردستاني، عبد الله أوجلان، للحزب بالتخلي عن السلاح والانخراط في النضال السلمي.
جاء ذلك في بيان صادر عن المجلس، اليوم الجمعة (28 شباط 2025)، أكد فيه أن نجاح هذه المبادرة يعتمد على “استجابة الحزب ومقاتليه لهذه الدعوة”، مشدداً على أهمية هذه الخطوة لإنهاء العنف وتبني الحلول السلمية.
ودعا المجلس في بيانه الحكومة التركية إلى “التعاطي مع هذا النداء بإيجابية، عبر إطلاق حوار جاد يسهم في إيجاد حل عادل للقضية الكوردية، وفي ترسيخ مبادئ الديمقراطية والمواطنة المتساوية، بما يحقق الأمن والاستقرار في تركيا والمنطقة.”
نص بيان المجلس الوطني الكوردي:
“يرحب المجلس الوطني الكُردي في سوريا بالنداء الذي وجهه زعيم حزب العمال الكوردستاني، السيد عبد الله أوجلان، في 27 شباط 2025، والذي دعا فيه الحزب إلى التخلي عن العمل المسلح، وحل نفسه والانخراط في النضال السلمي الديمقراطي.”
“يرى المجلس أن نجاح هذه المبادرة يعتمد على استجابة الحزب ومقاتليه لهذه الدعوة، حيث تمثل هذه الخطوة فرصة حقيقية لإنهاء العنف، واعتماد النضال السياسي والحلول السلمية لحل القضية الكوردية في تركيا.”
“كما يدعو المجلس الحكومة التركية إلى التعاطي مع هذا النداء بإيجابية، عبر إطلاق حوار جاد يسهم في إيجاد حل عادل للقضية الكوردية وفي ترسيخ مبادئ الديمقراطية والمواطنة المتساوية، بما يحقق الأمن والاستقرار في تركيا والمنطقة.”
——————–
المستشار الألماني: دعوة أوجلان فرصة للتوصل إلى تطور سلمي دائم للقضية الكوردية.
رحب مستشار ألمانيا بدعوة عبد الله أوجلان، زعيم حزب العمال الكوردستاني المسجون في تركيا، التي يطالب فيها حزبه بإلقاء السلاح.
واليوم الخميس (27 شباط 2025)، قال شتيفان زايبرت، المتحدث باسم الحكومة الألمانية نيابة عن المستشار الألماني: “المستشار الألماني أولاف شولتز يرحب بدعوة عبد الله أوجلان، رئيس حزب العمال الكوردستاني، اليوم لإلقاء السلاح وحل حزب العمال الكوردستاني.”
ويضيف المتحدث باسم الحكومة الألمانية: “حزب العمال الكوردستاني منظمة إرهابية محظورة في ألمانيا وقد أسفر القتال عن سقوط العديد من الضحايا. دعوة أوجلان تتيح الآن أخيراً فرصة للتغلب على هذا النضال العنيف والتوصل إلى تطور سلمي دائم في القضية الكوردية”.
في وقت سابق من اليوم، أعلن وفد حزب الشعوب الديمقراطي (دام بارتي) في إسطنبول دعوة السلام من أوجلان، وقد وقرأ أحمد تورك النداء الذي جاء بعد زيارة الوفد المكون من سبعة أشخاص لجزيرة إمرالي اليوم.
في رسالته، يعلن أوجلان: “في الأجواء الحالية، التي أوجدتها دعوة السيد دولت بهجلي والإرادة التي أظهرها السيد الرئيس، والمواقف الإيجابية للأحزاب السياسية الأخرى تجاه هذه الدعوة، أدعو إلى إلقاء السلاح وأتحمل المسؤولية التاريخية لهذه الدعوة”.
ألمانيا مستعدة لدعم عملية السلام
سابقاً، صرحت وزارة الخارجية الألمانية في هذا الصدد، أن الدعوة تمثل “فرصة تاريخية” لإنهاء الحرب التي استمرت عدة عقود بين تركيا وحزب العمال الكوردستاني.
وقال متحدث باسم الوزارة في بيان: “إنهاء العنف خطوة أولى مهمة، لكنها تتطلب خطوات إضافية. من بينها وفوق كل شيء، احترام وضمان الحقوق الثقافية والديمقراطية للكورد في تركيا”.
وذكر المتحدث باسم وزارة الخارجية الألمانية: “بصفتنا الحكومة الفيدرالية، نحن مستعدون لدعم عملية من هذا النوع، وسنفعل ما بوسعنا”.
——————————
رئاسة كردستان العراق ترحّب بدعوة أوجلان وتحض حزب العمال على “تنفيذها”
رحّبت رئاسة إقليم كردستان العراق الخميس بدعوة الزعيم الكردي عبدالله أوجلان حزب العمال الكردستاني إلى إلقاء السلاح وحلّ نفسه، داعية المقاتلين الأكراد إلى “تنفيذها” ومؤكدة عزمها دعم عملية السلام.
وقال رئيس الإقليم نيجرفان بارزاني في منشور على منصة “إكس”: “نرحب بحرارة برسالة السيد أوجلان ودعوته لنزع السلاح وحل حزب العمال الكردستاني ونطلب من الحزب (…) الالتزام بهذه الرسالة وتنفيذها”، مؤكدا استعداد الإقليم “لدعم عملية السلام بشكل كامل”.
من جهته، قال نائب رئيس حزب “العدالة والتنمية” التركي الحاكم افكان آلا اليوم إن تركيا “ستتحرر من القيود” إذا ألقى حزب العمال الكردستاني السلاح وحل نفسه.
وفي أول رد من حزب الرئيس رجب طيب أردوغان، قال آلا إن الحكومة تتوقع أن يمتثل حزب العمال الكردستاني لدعوة أوجلان.
ودعا أوجلان اليوم حزب العمال الكردستاني الذي أسسه إلى إلقاء السلاح وحل نفسه، في إعلان تاريخي صدر في اسطنبول بعد أربعة عقود من النزاع.
وقال في الإعلان الذي تلاه وفد من نواب “حزب المساواة وديموقراطية الشعوب” (ديم) المؤيد للأكراد الذي زاره في سجنه في جزيرة إيمرالي في وقت سابق اليوم إن “على جميع المجموعات المسلحة إلقاء السلاح وعلى حزب العمال الكردستاني حل نفسه”.
وأكد الزعيم الكردي أنه “يتحمل المسؤولية التاريخية عن هذه الدعوة”.
وقُرئت رسالته المنتظرة منذ أسابيع، باللغة الكردية ثم بالتركية بحضور حشد من الصحافيين في فندق وسط إسطنبول، أمام صورة كبيرة تظهر الزعيم التاريخي لحزب العمال الكردستاني، ممسكا بورقة بيضاء.
والتقى وفد من “حزب المساواة وديموقراطية الشعوب” لمدة ثلاث ساعات صباح الخميس، أوجلان المسجون منذ 26 عاما.
وتجمع مئات الأشخاص في عدة مدن في جنوب شرق تركيا ذي الغالبية الكردية بينها دياربكر، لسماع رسالة أوجلان.
كذلك نصبت شاشات في شمال سوريا والعراق حيث تقيم أقلية كردية.
وهذه المرة الثالثة منذ نهاية كانون الأول/ديسمبر التي يُسمح فيها لممثلين عن “حزب المساواة وديموقراطية الشعوب”، القوة الثالثة في البرلمان التركي، بلقاء أوجلان (75 عاما) الذي صدر بحقه حكم بالسجن مدى الحياة.
وخلال الزيارتين السابقتين، أعرب أوجلان عن “تصميمه” على طي صفحة النزاع المسلح.
وقال لأحد زائريه: “إذا أُتيحت الظروف، فإنّ لدي القوة النظرية والعملية لنقل النزاع من ساحة العنف إلى الساحة القانونية والسياسية”.
وأطلق أوجلان دعوتين سابقتين إلى الهدنة في بداية القرن الحالي ثمّ في العام 2013 باءتا بالفشل، ما أفسح المجال أمام تجدد أعمال العنف.
النهار
———————
“ليقُلها وهو خارج السجن”… أكراد يشككون وآخرون يرحّبون بدعوة أوجلان، فهل حان عهد السلام؟/ عبد الغني دياب
الجمعة 28 فبراير 2025
أحدثت الدعوة التي أطلقها السياسي الكردي، عبد الله أوجلان، مؤسس حزب العمال الكردستاني، أمس الخميس 27 شباط/ فبراير 2025، صدى واسعاً في الأوساط السياسية الإقليمية والدولية، خاصةً أنّ الدعوة تحمل في طياتها ملامح لإنهاء صراع دموي استمرّ إلى ما يزيد عن أربعة عقود، شنّت خلالها القوات التركية حرباً قاسيةً على المكونات الكردية في كلّ من تركيا وسوريا والعراق، وفي المقابل ردّ المقاتلون الأكراد بهجمات مماثلة.
كانت آخر هذه المواجهات، ما عاشته مدينة دهوك العراقية، التي شهدت اشتباكات بين قوات حزب العمال الكردستاني والجيش التركي، عقب ساعات من الدعوة التي أطلقها أوجلان، من سجنه في جزيرة إمرالي التركية، والذي يقضي فيه حكماً بالسجن مدى الحياة، لتضاف إلى مواجهات سابقة تسببت في سقوط ما يقرب من 40 ألف قتيل، 7،152 منهم سقطوا منذ انهيار وقف إطلاق النار في عام 2015، وفقاً لما ذكرته مجموعة الأزمات الدولية، في إحصاء رصد المواجهات حتى 20 كانون الثاني/ يناير 2025.
ونُقلت رسالة أوجلان، عبر وفد كردي زاره في السجن. وبعد لقائهم به، عقد أعضاء الوفد مؤتمراً صحافياً في إسطنبول، لعرض الرسالة على الملأ. وتولّى أعضاء حزب الشعوب من أجل المساواة والديمقراطية (DEM)، وهو حزب مؤيد للأكراد، قراءة نصّ الرسالة باللغتين الكردية والتركية أمام وسائل الإعلام.
وظهرت خلال المؤتمر صورة حديثة لأوجلان، مع الوفد داخل السجن، عُرضت على شاشة كبيرة خلف المتحدثين للتأكيد على مصداقية الرسالة.
وضمّ الوفد شخصيات قياديةً بارزةً في الحركة السياسية الكردية، ما أعطى ثقلاً إضافياً للإعلان التاريخي وضمانةً بأنه يمثّل موقف أوجلان شخصياً.
كان لافتاً غياب الحكومة التركية أو من يمثّلها عن المؤتمر، وكان لافتاً أيضاً أنّها -أي الرسالة- خصّت بالذكر حزب العمال الكردستاني، حصراً، دون أي ذكرٍ لأكراد سوريا، أو العراق. وجاء فيها: “أدعو حزب العمال الكردستاني لإلقاء السلاح وأتحمّل المسؤولية التاريخية عن هذه الدعوة”، و”يجب أن نصنع حياتنا السياسية من جديد، والفترة التي تأسس فيها حزب العمال الكردستاني كان فيها إنكار لوجود الأكراد”.
وكان التصريح التركي الأوّل، قد خرج على لسان نائب رئيس حزب العدالة والتنمية، الحاكم، بالقول: “نتوقع أن يلقي حزب العمال الكردستاني سلاحه، ويلتزم بدعوة رئيسه المسجون”. وأضاف أنه في حال لبّى الحزب الدعوة، فإنّ تركيا “سوف تتحرر من أغلالها”.
تشكيك واحتفالات في الأوساط الكردية
كما هو متوقّع، أحدثت الرسالة رجّةً في الأوساط الكردية، وأثارت مزيجاً من الآمال والشكوك. فعلى الصعيد الشعبي، عمّت احتفالات وترحيب حذر في العديد من المناطق ذات الأغلبية الكردية في تركيا. وكان الآلاف قد تجمّعوا في ديار بكر (أكبر المدن ذات الغالبية الكردية جنوب شرقي تركيا)، لمتابعة بث الرسالة على شاشات ضخمة، رافعين الأعلام بألوانها القومية الحمراء والصفراء والخضراء، مردّدين شعارات تدعو للسلام. كما اعتبرت شخصيات كردية، أنّ الرسالة موجهة إلى كل شعوب المنطقة، وليس إلى الأكراد والأتراك فحسب، بوصفها دعوةً لطي صفحة الصراع.
في المقابل، برزت مواقف مشككة في الأوساط الكردية نفسها، وبين كوادر الحزب المسلّح. لم يصدر ردّ فوري من قيادة الـPKK المتمركزة في جبال قنديل شمالي العراق، حول نية الامتثال لتوجيهات أوجلان، ما أثار تساؤلات حول مدى استعداد الجناح العسكري للتخلّي عن السلاح، مع إشارات إلى تجارب وقف إطلاق نار سابقة انتهت بعودة القتال.
كذلك تساءل آخرون، عمّا إذا كانت الرسالة تعبّر حقاً عن إرادة أوجلان الحرّة أو أنها جاءت تحت تأثير ضغوط أو صفقات سياسية مع أنقرة، في ظلّ العزل المشدد المفروض عليه منذ سنوات.
تفاؤل حذر… وتشاؤم جريء
ويرى محللون سياسيون أنّ مصداقية نوايا الحكومة التركية هي محل اختبار أيضاً؛ إذ يقول ولفانجو بيكولي، مدير مؤسسة “تينيو” لاستشارات المخاطر السياسية لـ”إندبندنت عربية”: “وجّه أوجلان دعوة سلام تاريخية، لكن من غير الواضح ما إذا كانت أنقرة تسعى حقاً إلى اتفاق سلام أو أنها مجرد مناورة سياسية لخدمة مصالحها”.
وعلى الرغم من ذلك، رحّبت مكونات كردية في الداخل التركي أو حتى في كل من سوريا والعراق، بالدعوة التي أطلقها أوجلان، حيث أعلنت وحدات حماية الشعب الكردية السورية، على لسان سياميند إيلي، مسؤول الاتصال الصحافي فيها، “أنهم سوف يتحركون لحلّ الأزمة من خلال الديمقراطية والسلام والحوار”.
وأيّد عدد من مسؤولي الأكراد في العراق، دعوة أوجلان، حيث عدّها رئيس حكومة إقليم كردستان العراق نيجيرفان بارزاني، دعوةً تاريخيةً، قائلاً في بيان نشره: “نرحّب بحرارة برسالة السيد أوجلان ودعواته”، بينما أعلن رئيس الاتحاد الوطني الكردستاني بافيل طالباني، قبوله الدعوة، قائلاً: “يجب أن نقبل هذه الدعوة معاً، وأن نتّخذ خطوات عمليةً بسرعة للوصول إلى السلام”.
قسد: “دعوة إيجابية لكنها لا تخصّنا”
وفي سوريا، حيث يقود الأكراد هناك قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وصفت القيادة الكردية الرسالة بأنها “إيجابية”، لكنها شددت على أنها “لا تخصّهم”، بشكل مباشر.
ورحّبت ممثلة مجلس سوريا الديمقراطية في مصر، الدكتورة ليلى موسى، بالدعوة، قائلةً: “إنّ رسالة أوجلان كانت واضحةً، وهي موجهة إلى حزب العمال الكردستاني، ولا تخصّ قوات سوريا الديمقراطية، إذ إن كلا منهما لديه خصوصيته”.
وتستدرك السياسية السورية في تصريحات لرصيف22، قائلةً إنه بالرغم من هذه الخصوصية، إلا أنه إذا ما تمّ حل القضية الكردية بالسبل السياسية في الداخل التركي، فإنّ ذلك سيؤثر إيجاباً على العلاقة بين تركيا والإدارة الذاتية في إقليم شرق سوريا.
وتضيف موسى: لطالما تخوفت أنقرة من نقل تجربة الإدارة الذاتية السورية إلى الداخل التركي، مؤكدةً أنّ أكبر القضايا التي تعاني منها تركيا حالياً هي القضية الكردية.
وتشير إلى أنّ الدعوة الأخيرة التي أطلقها أوجلان، ليست الأولى من نوعها، بل سبق أن أطلق دعوات مماثلةً، كانت آخرها في آذار/ مارس 2013، واستمرّت المفاوضات حتى 2015، وجميع هذه العمليات لم تُستكمل، وكان السبب دائماً هو عدم وفاء تركيا بتعهداتها.
وتأمل ممثلة سوريا الديمقراطية في مصر، أن تكون تركيا جادّةً في مساعيها هذه المرة، ولا سيما أنّ هناك متغيرات جديدةً على الساحة الإقليمية والدولية، بالإضافة إلى ما تمرّ به المنطقة من تطورات، ومن المأمول أن يكون لها تأثير إيجابي على الداخل التركي.
وتضيف أنّ أوجلان، خصّ حزب العمال الكردستاني بالدعوة، لأنه هو مؤسس هذا الحزب، كما أنّه لا يزال يتمتع بتأثير واسع بين أعضاء الحزب. فبرغم سنوات غيابه القسري في السجون التركية، إلا أنّ لديه قدرةً على قراءة المشهد، وتقديم حلول سلمية للقضايا التي تمرّ بها المنطقة.
دعوة جامعة لكل الأكراد؟
وفي المقابل، يرى الباحث السوري الكردي محمد أرسلان علي، أنّ الرسالة التي أطلقها أوجلان، حملت الكثير من المعاني والمضامين، لافتاً إلى أنّها تحمل نداءات للأطراف كافة، لا لحزب العمال الكردستاني فحسب، فهي أيضاً موجهة إلى السلطات التركية.
وأضاف في تصريحه لرصيف22، أنّ هذا النداء هو نتيجة لقاءات عديدة أشرفت عليها جهات تركية رفيعة المستوى، بما فيها أجهزة الاستخبارات التركية، بهدف وقف الصراع والتوجه نحو الحلّ السلمي، كما أنه ينهي المواجهات التي تسببت في سقوط عشرات الضحايا.
ويشير إلى أنّ المفاوضات بدأت بعد الدعوة التي أطلقها رئيس حزب الحركة القومية، دولت بهجلي، والتي أيّدها أردوغان، وعلى ضوء ذلك امتدت اللقاءات بين الطرفين، ونظّم حزب “المساواة وديمقراطية الشعوب”، عدداً من اللقاءات على مدار الأشهر الثلاث الماضية، وجاءت الدعوة الأخيرة نتاجاً لها.
في انتظار الخطوات التركية الرسمية
ويضيف أنّ دعوة أوجلان تنطلق من منظور أنّ حلّ القضية الكردية يمكن أن يتم عبر الوسائل السلمية، استناداً إلى التاريخ المشترك بين الطرفين والممتد لأكثر من ألف عام، وعلى هذا الأساس تم النداء من قبل أوجلان للمجموعات الكردية لإلقاء السلاح وتغيير المسار.
هذا المسار لن يتم بين ليلة وضحاها، بل ستكون هناك خطوات متتابعة، خاصةً من قبل الدولة التركية، سواء على المستوى السياسي أو القانوني، وهذا الأمر أكّد عليه أوجلان، في لقاءاته السابقة مع الوفد الذي زاره في محبسه في جزيرة إمرالي، بحسب ما يقول أرسلان.
ويضيف السياسي الكردي، أنه لا بدّ من خلق أرضية قانونية وحقوقية، وأن يُصدر البرلمان التركي قراراً بوقف الهجمات على المقاتلين الأكراد، سواء في تركيا أو في سوريا والعراق، حتى تكون الخطوات التي دعا إليها أوجلان، متبادلةً.
وينبّه أرسلان علي، إلى أنّ الدعوة تشمل حلّ القضية الكردية بشكل عام، ولا تقتصر على حزب العمال الكردستاني، مستدلّاً على ذلك بالرسائل التي وجهها أوجلان خلال الأسابيع الماضية، إلى كلّ من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، والسياسي الكردي مسعود بارزاني، الرئيس السابق لإقليم كردستان العراق، ورئيس حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، بافل طالباني.
ويشدًد على أنه إذ قامت تركيا بالخطوات المتعلقة بالإفراج عن السجناء وفتح المجال السياسي، ووقف الحرب على الأكراد، فإنّه من المتوقع أن تستجيب جميع المكونات الكردية لهذه الدعوة، مؤكداً على ضرورة وجود ضمانات دولية وإقليمية لضمان نجاح المسار.
ويرى أرسلان علي، أنّ التطورات التي شهدتها المنطقة، خاصةً بعد الذي حدث في غزّة وسوريا ولبنان، ستكون له ارتدادات قوية على المنطقة بأسرها، لافتاً إلى أنّ أوجلان كان منتبهاً إلى هذه المخاطر، لذا قدّم دعوته للسلطات التركية، محذّراً من أنّ تركيا قد تتعرض للتقسيم، وربما تكون منحصرةً في منطقة الأناضول فقط، وعليه فإنّ الصراع لن يكون مفيداً لأيّ من الأطراف، والحلول السياسية باتت هي السبيل لتجنيب المنطقة مزيداً من الأزمات.
ويتلاقى هذا الرأي مع ما قاله صالح مسلم عضو المجلس الرئاسي لحزب الاتحاد الديمقراطي، الذي أكد أنّ الأمر يتوقف على الخطوات التي ستتخذها تركيا، وأنهم سيقيمون المكالمة مع الجهات الفاعلة في شمال شرق سوريا، ويرسمون خريطة طريق، وأوضح في تصريحات له أنه “إذا تطورت الحرّيات، يمكننا أيضاً أن نضع أسلحتنا جانباً بالطبع”.
وأكّد أنّ حمل السلاح لم يكن إلا دفاعاً عن النفس، وأنّه إذا زالت الأسباب التي دعت لذلك، فلن تكون هناك حاجة إلى السلاح، لافتاً إلى أنّه حتى الآن لم يحدث ذلك، ولا تزال الاعتداءات اليومية قائمةً كما في كوباني وسدّ تشرين وغيرهما من المواقع، وعندما تتوقف هذه الهجمات، لن تكون هناك حاجة إلى السلاح.
دور سقوط الأسد والانتخابات التركية
عطفاً على ما سبق، يرى الباحث المصري محمد حامد، المتخصص في الشأن التركي، أنّ “قسد”، فرع من حزب العمال الكردستاني، وكذلك قوات حماية الشعب، مشيراً إلى أنّ القرار الذي أعلنه أوجلان، مؤخراً، يصبّ في صالح الأمن القومي التركي سواء في الداخل أو حتى في الخارج، وإلى أنّه بمجرد تسليم قوات “قسد”، سلاحها للجيش السوري الذي يطمح الرئيس السوري أحمد الشرع إلى تأسيسه، ستكون نهاية حلم الدولة الكردية التي لطالما سعى إليها الأكراد.
ويضيف لرصيف22: “سقوط نظام الأسد لعب دوراً في هذا المسار، لأنّ أوجلان، كان موجوداً في دمشق في السابق، وحظي بدعم نظام حافظ الأسد، حتى حدث خلاف تركي سوري كبير، هددت من خلاله أنقرة، باحتلال أجزاء من الأراضي السورية، في حال استمرت دمشق في دعم الأكراد، وتدخّلت على إثر الأزمة بعض القوى الإقليمية، من بينها مصر، لرأب الصدع، وإنهاء الخلاف، وبناءً على ذلك، توقّف الدعم السوري لأوجلان”.
ويصف الباحث المصري، القرار، بأنّه تاريخي ويصبّ في صالح الطرفين، سواء داخلياً أو إقليمياً، ليبقى العداء محصوراً بين الأكراد والنظام الإيراني فقط، لافتاً إلى أنّ الرئيس التركي أردوغان، استطاع بتفاهمات مع إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، العودة إلى المفاوضات السابقة التي رعتها ألمانيا بين أنقرة والأكراد في عام 2012، والتي كانت تتخذ المسار نفسه تقريباً، إلا أنّ أردوغان، انقلب عليها في 2015، حيث قمعت القوات التركية الأكراد وقتها وشنّت حملات عسكريةً عليهم.
ويرى أنّ هذه الخطوة سترفع من أسهم أردوغان، داخلياً وخارجياً، وربما تمكّنه من الدعوة إلى إجراء انتخابات مبكّرة، تضمن له البقاء في الحكم حتى وفاته كما يطمح.
الرأي نفسه تقوله الباحثة جنول تول، الزميلة في معهد الشرق الأوسط، ومؤلفة كتاب “حرب أردوغان: صراع رجل قوي في الداخل وفي سوريا”، إذ تشير في مقطع مصوّر نشره المعهد إلى أنّ “أردوغان يهدف من هذه الخطوة إلى البقاء في الحكم بعد عام 2028، وإلى أنّه يحتاج إلى تحركات سياسية أو دستورية”.
وتضيف أنّ الرئيس التركي لا يمكنه الترشح للرئاسة من جديد، إلا من خلال خيارين: الأول هو تعديل الدستور بما يضمن له السماح بالترشح، والثاني هو الدعوة إلى إجراء انتخابات رئاسية مبكرة. وفي الحالين، يحتاج إلى دعم الكتلة الكردية لتمرير الأمر.
وتوضّح أنّ نزع السلاح الكردي قد يساعد أردوغان على تعبئة الأكراد في صفّه، ويسمح له بالبقاء في الحكم بعد 2028، كما أنّه يخدم توجهاته في السياسة الخارجية، كون الحزب قريباً من الإدارة الأمريكية، وشريكاً لها في الحرب على تنظيم داعش الإرهابي في شمال شرق سوريا.
وتشير الباحثة إلى أنّ نجاح هذا المسار قد يخدم تطلعات أنقرة الاقتصادية أيضاً، حيث يطمح أردوغان إلى إطلاق مشروعات طاقة كبرى في المنطقة، قد تصل إلى مدّ خط سكة حديد من جنوب العراق حتى تركيا، وهذا لن يتم طالما ظلّت المشكلة قائمةً مع المكونات الكردية، سواء في داخل تركيا أو خارجها.
وتبدي تخوفها من عدم التزام السلطات التركية بتعهداتها، مؤكدةً أنّ أكبر تحدٍ يواجه هذا المسار، هو عدم معالجة المطالب الديمقراطية المتعلقة بالأكراد. وتضيف أنه على الرغم من إعلان أوجلان، إلا أنّ الجانب التركي لم يقدّم شيئاً حتى الآن، وهو ما يعنى أنّ أردوغان، لا يسعى إلى الإصلاح، ولكن إلى البقاء في السلطة لمزيد من السنوات.
رصيف 22
—————————
=================
=====================