سقوط بشار الأسد، الرئيس الفار والمخلوعسياسة

عن نداء الله “الكردي” “عبدلله أوجلان” بإلقاء السلاح -مقالات وتحليلات-

بين الفدرالية والحوار مع دمشق.. هل تغيّر دعوة أوجلان مسار الكُرد السوريين؟

2025.02.28

رحب الكُرد السوريون بالدعوة التي أطلقها عبدالله أوجلان، زعيم حزب العمال الكردستاني، لحل الحزب والتخلي عن العمل المسلح، مؤكدين في الوقت ذاته ضرورة اتخاذ خطوات جدية من قبل كل من تركيا وحزب العمال الكردستاني لضمان نجاح عملية السلام بين الجانبين.

ويأمل الكُرد أن تسهم هذه الدعوة في خفض حدة التوتر بين قوات سوريا الديمقراطية وتركيا داخل الأراضي السورية، وتهيئة الأجواء لبدء عملية مفاوضات “دون عوائق” مع الحكومة السورية، بما يفتح المجال أمام حل سياسي أكثر استقرارا.

وقال سليمان أوسو، عضو الهيئة الرئاسية في المجلس الوطني الكردي، (كبرى الأطر السياسية الكردية في سوريا) لموقع تلفزيون سوريا إن دعوة أوجلان تعد مبادرة جريئة وفرصة حقيقية لإنهاء العنف، وفتح الباب أمام إيجاد حل سلمي للمسألة الكردية في تركيا.

انعكاسات الدعوة على الكُرد في سوريا

وفيما يتعلق بتأثير هذه الدعوة على الأوضاع في مناطق سيطرة “الإدارة الذاتية”، عبّر أوسو عن أمله في أن يستجيب حزب العمال الكردستاني لنداء زعيمه، داعياً تركية إلى التعاطي مع هذا النداء بإيجابية، عبر إطلاق حوار جاد يسهم في ترسيخ مبادئ الديمقراطية والمواطنة المتساوية.

وأشار أوسو إلى أن دعوة أوجلان بنزع سلاح حزب العمال الكردستاني وحله سيكون له انعكاسات إيجابية على الوضع الكردي في سوريا، حيث إن تطبيقه سيسري على جميع مقاتلي الحزب في مختلف المناطق.

وأوضح أن انسحاب مقاتلي العمال الكردستاني من سوريا سيؤدي إلى طمأنة تركيا، مما سيسهم في تهدئة الأوضاع الأمنية وخلق مناخ أكثر استقرارا.

وأضاف أن هذه المستجدات قد تتيح فرصة للحوار بين الحركة السياسية الكردية في سوريا والسلطات الجديدة في دمشق، بهدف إيجاد حل سياسي سلمي للقضية الكردية في البلاد. على حد قوله.

وقال أوجلان في كلمته الموجه لحزب وأنصاره إن ” الحلول القائمة على النزعات القومية المتطرفة، مثل إنشاء دولة قومية منفصلة، أو الفيدرالية، أو الحكم الذاتي، أو الحلول الثقافوية، فهي لا تلبي متطلبات الحقوق الاجتماعية التاريخية للمجتمع”.

وعلق أوسو على موقف أوجلان من المطالبة بالفدرالية أو الحكم الذاتي، بأن “جوهر دعوة أوجلان يتمثل في نبذ العنف واعتماد الوسائل السلمية في حل المسألة الكردية في تركيا، مشددا على أن وضع الكُرد في سوريا يتمتع بخصوصية تختلف عن أوضاعهم في تركيا، العراق، أو إيران”.

وأوضح أن الكرد في سوريا يسعون إلى الاعتراف الدستوري بهم كشعب أصيل في البلاد، وتأمين حقوقهم القومية والديمقراطية في إطار دولة سورية اتحادية، معتبرا أن نظام الحكم المركزي أثبت فشله منذ الاستقلال وحتى اليوم.

وأكد زعيم قوات سوريا الديمقراطية (قسد) مظلوم عبدي في تصريح لوكالة رويترز أمس الخميس أن إعلان عبد الله أوجلان لإلقاء السلاح وحل الحزب يخص العمال الكردستاني فقط، ولا علاقة له بقواته في سوريا، مشدداً على أن الأوضاع الراهنة في شمال شرقي سوريا تتطلب مقاربة مختلفة.

من جهته أشار أوسو إلى أن “النظام الفيدرالي هو النموذج الأمثل لدولة مثل سوريا، التي تضم قوميات وأديان وثقافات متعددة، معتبرا أنه يمثل الحل الأكثر عدالة لضمان حقوق جميع مكونات الشعب السوري”.

واختتم أوسو حديثه بالتأكيد على أن الحل السياسي السلمي هو الخيار الأفضل لضمان حقوق الكُرد في سوريا، بعيدا عن العنف والصراعات المسلحة، لافتا إلى أن التوجه نحو الحوار والتفاهم يمكن أن يفتح آفاقا جديدة لمستقبل أكثر استقرارا وعدالة للأكراد في سوريا والمنطقة عموما.

دعوة أوجلان خطوة لإنهاء هيمنة العمال الكردستاني على أكراد سوريا

قال الناشط السياسي جوان شيخو، من الحسكة، لموقع تلفزيون سوريا إن الكُرد في سوريا يعتبرون دعوة عبدالله أوجلان لحل حزب العمال الكردستاني والتخلي عن السلاح خطوة إيجابية، ليس فقط لأنها تساهم في إنهاء العنف، بل أيضا لأنها تمثل فرصة لإنهاء تدخل الحزب وهيمنته على شؤون الكرُد السوريين.

وأضاف: “لقد عانى الكُرد في سوريا كثيرا من تبعات سياسات حزب العمال، التي زجّتنا في صراعات لا علاقة لنا بها، ووضعتنا في مواجهة مباشرة مع تركيا، مما أثّر سلبا على قضيتنا وحقوقنا المشروعة داخل سوريا”.

“فدرلة سوريا” مطلب كردي مشترك

وشدد شيخو على أن الكُرد السوريين يرفضون أي إملاءات أو توجيهات، سواء من أوجلان أو أي جهة أخرى، فيما يتعلق بشكل مطالبهم السياسية، موضحا أن للأكراد في سوريا خصوصيتهم السياسية والتاريخية، التي تختلف عن واقع الكرُد في الدول المجاورة.

وقال: “نحن لا نرى أن التخلي عن فكرة الحكم الذاتي أمر مقبول، بل على العكس، نعتبره ضرورة ملحّة لضمان عدم تكرار مآسي الماضي مع الحكومات المركزية، التي مارست القمع والتهميش بحقنا لعقود طويلة”.

وأوضح أن المطلب الأساسي للأكراد في سوريا هو الاعتراف الدستوري بحقوقهم كشعب أصيل في البلاد، وتأمين حقوقهم القومية والديمقراطية ضمن إطار حكم ذاتي أو نظام فيدرالي يضمن الشراكة الحقيقية في إدارة الدولة.

وكشف شيخو إن ” المعلومات الحالية تشير إلى توافق بين الأطراف السياسية الكردية في سوريا على التوجه إلى دمشق برؤية سياسية موحدة، تركز على إقامة نظام لا مركزي يمنح الكُرد خصوصية لإدارة مناطقهم بصلاحيات واسعة، بمعزل عن الحكومة المركزية”.

وأشار الناشط السياسي إلى أن نظام الحكم المركزي أثبت فشله تماما في استيعاب التنوع القومي والديني في سوريا، محذرا من أن غياب الحلول السياسية العادلة سيؤدي إلى استمرار الأزمات والتوترات في البلاد.

وختم حديثه بالقول: “نأمل أن تكون دعوة أوجلان بداية لمرحلة جديدة، تُنهي التدخل الخارجي في قضيتنا، وتمكننا من تقرير مصيرنا عبر الحوار والتفاهم مع شركائنا في الوطن”.

وقد حظيت دعوة عبد الله أوجلان لنزع سلاح حزب العمال الكردستاني وحلّه بترحيب واسع في الأوساط الكردية، خاصة في سوريا والعراق. ومع ذلك، لم يصدر حتى الآن أي تعليق رسمي من الحكومة التركية وقادة الحزب، ما يترك التساؤلات مفتوحة حول مدى استجابة العمال الكردستاني لنداء زعيمه وتداعياته المحتملة على المشهد السياسي والأمني في المنطقة.

تلفزيون سوريا

————————

زعيم حزب العمال الكردستاني يعلن إلقاء السلاح!

تحديث 28 شباط 2025

أطلق مؤسس حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان، أمس الخميس، نداء دعا فيه حزبه إلى إلقاء السلاح وحلّ نفسه.، مؤكدا أنه يتحمل المسؤولية التاريخية لهذه الدعوة.

قدّم «آبو» (كما يسميه أنصاره) أسبابا لدعوته رابطا إياها بانهيار «الاشتراكية الواقعية» في العالم، و«تراجع سياسة إنكار الهوية في البلاد» والتطورات التي شهدتها حرية التعبير، و«بذلك فقد الحزب أهميته» و«استكمل دوره مثل نظرائه وأصبح حلّه ضرورة».

يقول أوجلان أن الأتراك والأكراد سعوا «للحفاظ على وجودهم والصمود في وجه القوى المهيمنة، مما جعل التحالف القائم على الطوعية ضرورة دائمة» معتبرا أن هدف «الحداثة الرأسمالية» الأساسي هو «تفكيك هذا التحالف» و«مع التفسيرات الأحادية للجمهورية تسارع هذا المسار» مما أوجب «إعادة تنظيم هذه العلاقة التاريخية التي أصبحت هشة للغاية» وذلك «بروح الأخوة مع مراعاة المعتقدات» ليصل إلى نتيجة حاسمة وهي أنه «لا يوجد طريق آخر غير الديمقراطية».

يعتبر أوجلان في ندائه أن اتجاه حزب العمال إلى العنف كان «نتيجة إغلاق قنوات السياسة الديمقراطية» ويرفض دعوات الانفصال القومي، والحكم الذاتي والفدرالية باعتبارها «حلولا ثقافوية لا تلبي متطلبات الحقوق الاجتماعية التاريخية للمجتمع» ويخلص إلى «ضرورة اتحاد» الأكراد والأتراك، في «مجتمع ديمقراطي» يقوم على «احترام الهوية، وحرية التعبير، والتنظيم الديمقراطي، وبناء الهياكل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية لكل فئة وفقا لأسسها الخاصة».

على المستوى الجغرافي، واضح أن أوجلان يخصّ الأكراد في تركيا بحديثه، فيربط رسالته بدعوة دولت بهتشلي، الزعيم التركي الذي طالبه بإلقاء خطاب في البرلمان التركي، وبـ»الإرادة التي أظهرها السيد رئيس الجمهورية» رجب طيب اردوغان، وبـ»المواقف الإيجابية للأحزاب السياسية الأخرى».

كان لحزب المساواة والديمقراطية الشعبية، وهو الحزب الثالث حجما في البرلمان التركي، أثر في المفاوضات التي أدت إلى هذا التطوّر المهم، ويسعى هذا الحزب إلى تعزيز الديمقراطية وحقوق الكرد في تركيا، وهو ما يقتضي إنهاء الحقبة الطويلة للكفاح المسلّح التي ابتدأها حزب العمال في تركيا وإيران بعد 6 سنوات من تأسيسه (عام 1978) والواضح أن «المساواة والديمقراطية» نجح في إقناع أوجلان بضرورة توحيد الجهود الكردية في تركيا في هذا الاتجاه.

من الصعب ألا يكون للنداء، رغم أنه يتوجه بالخصوص إلى الأكراد في تركيا، تأثير على باقي الساحات التي يتواجد فيها حزب العمال، وعلى الخصوص في سوريا، التي يسيطر فيها على ثلاث محافظات شرق نهر الفرات، ويتمتّع فيها بحماية من «قوات التحالف» التي تقودها أمريكا، كما أن أوجلان نفسه، عاش فيها 19 سنة، تحالف حزبه خلالها مع نظام حافظ الأسد، قبل اضطراره للخروج منها واعتقاله في كينيا عام 1999.

كان متوقعا، والحال كذلك، أن يعتمد مظلوم عبدي، قائد «قوات سوريا الديمقراطية» (المرتبطة بحزب العمال) تخصيص أوجلان للأكراد في تركيا بندائه للتملّص من انطباق هذا القرار على «فروع» حزب العمال المنتشرة في سوريا والعراق وإيران، بقوله إن النداء يدعو لبدء «عملية سياسية سلمية داخل تركيا» و«لا علاقة له بنا في سوريا» خالصا إلى أنه «إذا تحقق السلام في تركيا» فهذا يعني أنه لا مبرر للسلطات التركية لمواصلة الهجمات على الحزب في سوريا، وهو عكس ما حصل لدى رئاسة كردستان العراق (التي ينازعها حزب العمال على بعض مناطق نفوذها في جبل قنديل وسنجار) التي أعلنت ترحيبها بالنداء مطالبة الحزب الالتزام بتنفيذ هذه الرسالة، مع التأكيد على استعداد إقليم كردستان العراق «لدعم عملية السلام بشكل كامل».

تحوّل أوجلان («المنتقم» حسب ترجمة اسمه) من المؤسس شبه المعبود من حزب العمال الذي أسسه قبل 47 عاما إلى داعية ديمقراطية وسلام، وهو ما يمكن أن يفتح الباب لتسوية تاريخية طال انتظارها وحصدت عشرات آلاف القتلى والجرحى والتداعيات الهائلة على تركيا وجوارها، لكن الواضح أن قيادات حزب العمال في سوريا والعراق لديهم رأي آخر في هذه المسألة.

القدس العربي

———————–

لحظة كردية جديدة: أوجلان وقسد والإدارة السورية/ صبا مدور

الجمعة 2025/02/28

حزب العمال الكردستاني عند مفترق طرق، وربما إحداها هي الفصل الأخير في تاريخه مع مؤسسه عبد الله أوجلان، الزعيم الانفصالي السجين في تركيا منذ ربع قرن. فقد دعا أوجلان تنظيمه بعد عقود من العمل المسلح لإلقاء سلاحه نهائياً وحلّ نفسه. وبالرغم من حمولة هذه الدعوة إلا أنها في الواقع جاءت في توقيت ليس استثنائيًا، ولكنه مهم، وربما تشكل منعطفاً فاصلاً وحاسماً في نهج التعاطي مع المسألة الكردية، بالإضافة لترتيبات مختلفة في صفوف حركاتها.

وبقدر ما تحمله الدعوة من أهمية لدى القواعد الشعبية المؤيدة لحزب العمال، نظراً لرمزية عبد الله أوجلان ودوره في نضال الحركة، إلا أن تأثيرها داخل صفوف التنظيم قد يكون محدوداً، بفعل تعقيدات بنيته الداخلية والمعطيات الإقليمية الراهنة. كما أن توقيتها يتزامن مع توتر غير مسبوق بين أنقرة وحزب العمال، تراكم فيها الكثير من العمليات القتالية، لتصل إلى أسوأ مراحل العلاقة بين الطرفين. ما يثير تساؤلات جدية حول مدى فعالية الدعوة في إحداث تغيير حقيقي على الأرض.

سبق لأوجلان أن دعا إلى الهدنة مرتين، الأولى في عام 2006، والثانية في عام 2013، حين طالب في كلتيهما بوقف العمل المسلح وفتح قنوات للحوار مع الحكومة التركية. ورغم أن تلك المبادرات كانت تملك مقومات الانفراج، فإنها فشلت بسبب بروز لحظات مفصلية كردية، أعادت الطموح الكردي، أبرزها صعود وحدات حماية الشعب في سوريا، ما دفع التنظيم لاستئناف القتال، وما زاد بتكريس قناعات صعوبة المسار السلمي.

وبمقتضى الحال، كانت الأحزاب الكردية اليوم على علم مسبق بمضامين الخطاب، حيث بدأت دلالات الرفض من قبل التنظيم بعد الإعلان عن المبادرة مباشرة في أكتوبر الماضي من قبل دولت بهتشلي، زعيم حزب الحركة القومية وحليف الرئيس رجب طيب أردوغان، حينما شهدت العاصمة التركية أنقرة هجوماً إرهابياً استهدف مقر شركة الصناعات الجوية والفضائية التركية (توساش)، والتي أعلن حزب العمال الكردستاني مسؤوليته عن هذا الهجوم، مما أعطى رسائل واضحة عن إحجام الأجنحة الانفصالية عن هذه المبادرة ومحاولة إجهاضها في مهدها. ومعطوف عليه أنه خلال الشهور الأربعة الماضية التي شهدت تحولات مفصلية في المشهد الإقليمي أبرزها هزيمة نظام الأسد وإيران في سوريا، ووصول المعارضة السورية للحكم، لم تبد هذه الأحزاب أي مؤشرات أو نوايا فعلية على الأرض تعكس استعدادها للتكيف مع مرحلة جديدة بمسار سلمي، مما يعزز الشكوك حول مدى جدّية المبادرة وإمكانية ترجمتها لتحول تاريخي.

وفي سطور رسالة أوجلان، فإنها حملت مراجعات فكرية هائلة وعميقة لنهج الحزب، جاءت نتيجة سنوات طويلة من السجن، أعادت تشكيل وعي أوجلان السياسي وإدراكه لحجم التكلفة الباهظة للطموح الكردي المسلح. أحد أهداف هذه الدعوة هو الإقرار بانتفاء مقومات استمرار التنظيم بسبب التحولات الجذرية الداخلية والإقليمية. لكن بالحقيقة لم يعد لـPKK وجود فعلي، سواء على المستوى الشعبي أو العسكري في تركيا. لذلك فإن الرسالة الحقيقية في البيان كانت تستهدف قادة قنديل، ووحدات حماية الشعب الكردية في سوريا على وجه الخصوص.

لذلك سارع مظلوم عبدي، قائد ما يُعرف بقوات سوريا الديمقراطية قسد، إلى محاولة فصل المسارات عبر التأكيد على أن دعوة أوجلان تخص حزب العمال الكردستاني في تركيا فقط، وليست مرتبطة بقواته في سوريا. ولكن بالواقع فإن ارتدادات هذه الدعوة لا يمكن احتواؤها بمجرد النأي بالنفس. إذ توفر دعوة أوجلان هامشاً أوسع للحكومة التركية، وكذلك للإدارة السورية في المفاوضات الراهنة مع قسد، التي وجدت نفسها تلقائياً في موقف أضعف بفعل تصريحات أوجلان، مما يضيق مساحة المناورة أمامها.

هذا لا يعني أن قسد ستتخلى عن سلاحها، لكنها ستراهن على عامل الوقت، على أمل أن تطرأ تغييرات إقليمية أو تفاهمات دولية قد تصب في مصلحتها، مما يمنحها فرصة أكبر لفرض نفسها كطرف سياسي وعسكري فاعل مستقل. غير أن هذا الرهان، في الوقت ذاته، يشكل عاملاً سلبياً ضدها. فكلما طال الوقت، تكتسب الإدارة السورية زخماً داخلياً ودعماً خارجياً، بينما تفقد قسد تدريجياً مشروعيتها. إلى جانب ذلك، أن الدعم الأميركي غير مضمون، نظراً لعدم شهية إدارة ترامب للانخراط والبقاء في سوريا من خلال التحالف مع قسد، بمقابل مصالح أكبر تربطها بتركيا، التي تمثل شريكًا استراتيجيًا أكبر، فضلاً عن إمكانية القضاء على خلايا داعش المتبقية من دون الحاجة إلى قسد.

وأمام هذا الواقع الجديد، ستتربص الأحزاب الكردية بكلمة مفتاحية بأن خريطة الطريق غير واضحة، حول كيفية حل الحزب نفسه والمضي قدمًا في حوار مع الحكومة التركية في الوقت نفسه، وما إذا كان تسليم السلاح شرطاً مسبقاً للمفاوضات أم نتيجة لها. وهذا ما تجلى في أول تصريح لصالح مسلم زعيم حزب الاتحاد الديمقراطي PYD الجناح السوري لحزب العمال الكردستاني، بتأكيده أنهم مستعدون لترك العمل المسلح إذا سُمح لهم بالعمل السياسي. ما يعني فعليا إلقاء الكرة في ملعب أنقرة وجعلها الطرف الذي يتحمل مسؤولية الخطوة التالية.

تواجه دعوة عبد الله أوجلان عدة معضلات تتعلق بآليات تنفيذها وضماناتها. فحزب العمال الكردستاني يعاني من انقسامات داخل أجنحته. كما ترى بعض الفصائل الانفصالية في الظروف الإقليمية الحالية فرصة لتحقيق تطلعاتها الانفصالية بدعم إسرائيلي، خصوصاً في ظل هشاشة الوضع الأمني والسياسي في سوريا. بالإضافة إلى أن طول سنوات الصراع أفرزت قيادات راديكالية جديدة داخل التنظيم، مثل مراد قره يلان وجميل بايك، الذين لهم حساباتهم الخاصة، ما يجعل احتمال جنوحهم للسلام ضئيلاً، إلى جانب ما قد تواجهه الدعوة من معارضة في بعض الأوساط التركية لأي تفاوض مع قواعد التنظيم.

وكذلك الواقع الجيوسياسي، لا يمكن التغافل عن أن مصالح هذه الفصائل تتداخل مع مصالح أطراف إقليمية أخرى، مثل إيران وإسرائيل، من خلال الدعم، فلا تدع مجالاً لقادة التنظيم في جبال قنديل باتخاذ قرار مستقل. فإيران وإسرائيل توظفان استمرار حالة الصراع للضغط على أنقرة ودمشق لابتزازهما في تسويات مقابلة. وإيران، تملك تاريخًا طويلًا من التدخل في الشأن الكردي، وما قدمته من دعم لتنظيم الـ”بي. كي. كي” قد يتجاوز الدعم الأميركي المقدم لقسد، لاسيما من خلال رعاية الميليشيات التابعة لإيران، ليتمتع التنظيم بمستقر شبه آمن في سنجار بشمال العراق، منطلق عملياته ضد تركيا، رغم الرفض المعلن لوجوده من جانب الحكومة العراقية.

أما إسرائيل، فتهدف من تدخلها في الأحزاب الكردية لدفع أنقرة إلى الحياد في القضية الفلسطينية وتقديم تنازلات سياسية في ملفات أخرى، سعياً لتحسين العلاقات الثنائية الإسرائيلية-التركية. ويتضح هذا التوجه من خلال التصريحات التي أدلى بها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ووزير الخارجية الأسبق أحمد داود أوغلو، حين طرح الأخير فكرة ربط قطاع غزة بتركيا كمنطقة ذات حكم ذاتي، وهو ما تعتبره إسرائيل تهديدًا لمعادلات السيطرة في المنطقة.

في كل الأحوال، حتى في ضوء هذه التعقيدات وحضور الحل العسكري بين الخيارات، فلا تزال هناك فرصة حقيقية للحل السلمي، قد تدفع لإنهاء الإشكالية الكردية التي طالما شكلت عامل اضطراب في الإقليم، وأثرت على علاقاته لعقود. ومآلات التعاطي مع دعوة أوجلان ستكشف جزءاً مهماً من ملامح السياسة الأميركية في المنطقة، وإن لم تكن مرتبطة بها بشكل مباشر. فبالنسبة للأكراد، تحقق لهم هذه الدعوة الحفاظ على هويتهم وحقوقهم وضمان اندماجهم من خلال حقوق المواطنة، من دون دفع المزيد في فاتورة الدم، وكذلك لتركيا، بما يتماشى مع ترتيباتها الأمنية، إضافة إلى تحقيق توافق داخلي يُساعد حزب العدالة والتنمية في تمرير تعديل دستوري جوهري.

سورياً، حيث تتجذر المعضلة ويتحدد مسار الحل، فإن الدعوة تتيح أيضًا فرصة استراتيجية للإدارة السورية لحسم ملف الفيدراليات، وإغلاق الباب أمام الطروحات الانفصالية. إذ إن التوصل إلى حسم في الشمال سيؤدي بالضرورة إلى إنهاء الإشكالات العالقة في الجنوب.

المدن

———————–

عبدالله أوجلان: وداعاً أيها السلاح/ محمد حجيري

الجمعة 2025/02/28

بعد دعوته إلى حلّ حزب العمال الكردستاني وإلقاء السلاح بما يذكر برواية إرنست همنغواي  “وداعاً أيها السلاح”، تتجه الأنظار إلى الزعيم الكردي عبد الله أوجلان، الذي من المتوقع أن يتوصل إلى صفقة أو تسوية مع الدولة التركية تؤدي في النهاية إلى الإفراج عنه. فقد عاد  أوجلان، الذي سُجن قبل 26 عاماً، إلى دائرة الضوء في تركيا بعد حديث عن إنهاء الصراع الذي بدأه قبل 45 عاماً ضد الدولة التركية.

أوجلان أو “أبو” (وتعني “العم” بالكردية)، الذي لم يكن زعيمًا عاديًا بل كان معبودًا لأعضاء حزب العمال الكردستاني ومؤيديه، ثمة من يقول إن إسمه بالتركية يعني “المنتقم” أو “طالب الانتقام”، وهو يكتب أنه منذ نعومةِ أظافره كانوا يلقبونه بـ”Dînê çolê”، أي “مجنون البراري والجبال”.

وُلد أوجلان، في بلدة ولاية شانلي أورفا، جنوب غربي تركيا، لأمّ تركيّة وأبٍ كرديّ. وتذكر بعض التقارير أنه ولد العام 1948 وربما 1949. وتتضمن سيرته الكثير من التشعبات والتحولات في خضم الحرب الباردة والصراعات العالمية والشرق أوسطية، وهو من الشخصيات المثيرة التي كانت “بندقية للإيجار”(تسمية باتريك سيل للفلسطيني”أبو نضال”).

تنقل الصحافية مروة شبنم أوروج (في مقال مترجم في مجلة “قلمون”) أنه من المثير للاهتمام أن أوجلان كان يحلمُ بأن يكون جنديًا في طفولته، لكنه عندما لم يتمكن من اجتياز امتحانات الثانوية العسكرية، التحق بثانوية الأناضول المهنية للسجل العقاري. واللافت أن زعيم المنظمة الماركسية اللينينية الستالينية، كان في السابق محافِظًا (يمينيًا إسلاميًا). وبحسب كتاب “الملفّ الكردي” للصحافي أوغور مومجو، كان أوجلان يصلّي في مساجد أنقرة أحيانًا، ويشارك في الأنشطة المناهضة للشيوعية. وهو أمام هذه المعطيات، كان سباقاً في التكويع الإيديولوجي، وربما لا يختلف عن بعض الشخصيات اللبنانية من أصحاب “المسارات المتعاكسة” الذين انتقلوا من اليسار إلى الطوائف، واليوم يكوّع إلى مسار جديد سيأخذ الكثير من الجدل والنقاش، والأرجح أتى التكويع بعد مجموعة من التفاهمات.

“المنتقم” بدأ من أنقرة

مع إيجابية الموقف التاريخي ووداع السلاح والتكويع الجديد، لا بد من قراءة سيرة “أبو” الذي وظف القضية الكردية ضمن لعبة حروب الآخرين، أو في خدمة حروب الآخرين. كان أوجلان يمارس عمله كموظف في ديار بكر العام 1969، والتحق بكلية الحقوق، وفي العام ذاته نقل تعليمه إلى كلية العلوم السياسية في جامعة أنقرة حيث بدأ نشاطه السياسي، وخلال سنوات دراسته الجامعية، أصبح مهتمًا بالآراء الشيوعية. بدأ أوجلان عمله السياسي كعضو شعبة في “جمعية ثوار الثقافة الشرقية” في إسطنبول العام 1970. واعتُقل للمرة الأولى في 7 نيسان 1973، عندما كان يوزع منشورات، ليقضي سبعة أشهر في السجن. بدأ يحلم بدولة كردستانية اشتراكية في ظل المنظومة الشيوعية وتمدّد الاتحاد السوفياتي، ليحشد المؤيدين لمشروعه العام 1973. بعد عام، تحولت تلك الاجتماعات إلى منظمة سمّيت “جمعية أنقرة الديموقراطية للتعليم العالي”.

شرع أوجلان في تأسيس “حزب العمال الكردستاني” في العام 1978 في تركيا، بهدف تأسيس دولة للكرد في المنطقة الواقعة بين العراق وسوريا وتركيا وإيران، وأعلن الحزب توسيع نطاق نشاطه، وخاض ما يسمى بـ”العنف الثوري” وحرب المدن التي استمرت ثلاث سنوات وتوقفت بسبب انقلاب 12 أيلول 1980 وحكم المجلس العسكري. دخل اوجلان إلى سوريا العام 1980 في عهد الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، الذي سمح له بإقامة معسكرات تدريب لأعضائه في سهل البقاع داخل الأراضي اللبنانية أيام الاحتلال السوري للبنان. وعلى شاكلة نظام الملالي ذي “الحرس الثوري” في إيران، كانت للنظام الأسدي الأبدي(زمن الأب) مجموعة من الأذرع الماكرة، بدءاً من الفلسطينيين أبو موسى وأحمد جبريل وزهير محسن، وصولاً إلى عشرات الشخصيات اللبنانية والعراقية والموريتانية والأردنية والمصرية. كان نظام الأسد يهدف إلى الإستيلاء على قرار القضية الفلسطينية، كما استولى على قرار السيادة اللبنانية بعد حروب طاحنة ومتنقلة واغتيالات ومساومات ودعم أميركي.

ولم ينحصر المشروع الأسدي آنذاك في “خاصرة سوريا الرخوة” (لبنان)، أو جنوب سوريا (أي فلسطين)، بل امتد إلى دعم منظمات عديدة مثل (الجيش الأرميني السري لتحرير أرمينيا) و”DEV-SOL” (اليسار الثوري)، وحزب البعث الأريتري، ومن بين الأذرع الأكثر نفوذاً كان حزب العمال الكردستاني الأوجلاني. وفقًا للبعض، سمح حافظ الأسد لأوجلان بإنشاء معسكرات في ضيافة منظمات فلسطينية، مقابل “السيطرة على أكراد سوريا”، وساهم النظام السوري في تلميع صورة أوجلان من خلال بعض الصحافيين والكتّاب والكتب الحوارية، حيث يبدو أن الأسد كان يرمي القضية الكردية على تركيا، وأوجلان يجاريه في مشروعه.

وتنقل مروة شبنم أوروج، أن أوجلان قرّر في العام 1984، بدء حرب طويلة الأمد، في إطار المفهوم الذي طرحه الزعيم الصيني ماو تسي تونغ وثورته الثقافية وحروبه. شن التنظيم هجوماً كبيراً في 15 شباط/فبراير1984. ولا ضرورة الآن لسرد يوميات الحرب الأوجلانية، معروفة التفاصيل والنتائج. في أيلول/سبتمبر1998، تحدث الجنرال أتيلا أتيش، قائد القوات البرية في الجيش التركي، من هاتاي، مشيراً إلى إمكانية إعلان حرب على سوريا: “لقد نفد صبرنا. إن لم يتخذوا الإجراءات، فإن علينا -الأمة التركية- اتخاذ جميع التدابير اللازمة”.

دخل الرئيس المصري الأسبق، حسني مبارك، على خط الوساطة بين حافظ الأسد والرئيس التركي سليمان ديمريل. كانت تركيا حازمة. أنهت استعداداتها للحرب، وأمهلت دمشقَ 45 يومًا. فاضطر حافظ الأسد إلى التراجع، وإخراج زعيم أوجلان من أراضيه الذي يقال أنه كان يقطن المبنى حيث يسكن الملحق العسكري التركي في دمشق. بعد ذلك، وقّع البلدان “اتفاق أضنة” في 20 تشرين الأول 1998.

في تلك الفترة، كان الزعيم الكردي ملاحقاً من قبل الاستخبارات المركزية الأميركية، و”الموساد” الإسرائيلي، والمخابرات التركية، والمخابرات اليونانية. وانتقل من سوريا إلى روسيا ثمّ إيطاليا. وبعد إخراجه منها أيضاً من قبل الحكومة الإيطالية، اختبأ في السفارة اليونانية في كينيا. حاول الحصول على لجوء سياسي، لكنه لم ينجح في مسعاه، وبعد إخراجه من السفارة اليونانية، ألقت وحدات أمن كينية القبض عليه، وسلّمته في 15 شباط/فبراير1999 لمسؤولي الأمن التركي. نُقل بطائرة خاصة إلى تركيا، وصدر بحقه حكم بالإعدام، قبل أن يتحول إلى حكم السجن مدى الحياة، بعدما ألغت أنقرة عقوبة الإعدام العام 2002. تكشفت قضية أوجلان تباعاً، في مقابلةٍ أجراها مع إحدى القنوات الإعلامية التركية العام 2011، بالتزامن مع ازدياد قمع التظاهرات.

دَور جميل الأسد

ويروي عبد الحليم خدام، الذي كان نائب الرئيس السوري حينذاك، واصفا مجيء أوجلان إلى دمشق: “لعب شقيق حافظ الأسد، جميل الأسد، الذي توفي في كانون الأول/ديسمبر2004، دوراً مهماً في تثبيت إقامة عبد الله أوجلان في سوريا. أظن أن جميل الأسد جلب أوجلان ليستخدمه ضد تركيا، وكان جميل الأسد مقرّبًا من أوجلان، ولم يكن حافظ الأسد يلتقي بأوجلان بشكل مباشر، لكنه كان يتلقى المعلومات التي تخص أوجلان من شقيقه جميل بشكل دوري”. وهنا صور تجمع أوجلان وجميل الأسد ومعراج اورال.

كتب الباحث وضاح شرارة في جريدة “الحياة” المحتجبة، بعد توقيف أوجلان، أنه “قد يكون من أكثر الأمور ضرراً على الحركة الوطنية والإستقلالية الكردية، وهي غير الحركة الإنفصالية والإرهابية الغالبة والظاهرة اليوم، الإرث الذي خلفه عبدالله أوجَلان وترعاه قيادة حزب العمال الكردستاني وقواعده المقاتلة. وهذا من مراوغة التاريخ وحِيَله. فالرجل الذي يتعرَّفُه أكراد كثيرون وجهاً بارزاً، وربما الوجه الأبرز، لنازعهم القوي إلى الاستقلال بهوية تاريخية وثقافية قد لا تستقل بهوية سياسية ناجزة في وقت منظور، هذا الرجل هو نفسه من حمل السياسة الكردية اليوم، وفي مناسبة خطفه واعتقاله، على ركوب أغلاط وهفوات أودت به، وقد تودي بحركة الشعب الكردي الوطنية”.

أما أوجلان فكتب: “المعادلةُ التي كانت سائدةً أثناء المرحلة التي أدت إلى خروجي من سوريا، أكثرُ لفتاً للأنظار. فالرؤية التي أخرجَتني من سوريا، ترتكز مجدداً في مضمونها إلى تضارُبِ الأهميةِ الفائقةِ التي أَعَرتُها دوماً لعلاقاتِ الصداقةِ مع سياسةِ إسرائيل تجاه الكرد. فإسرائيلُ التي عَوَّلَت على رُبُوبِيَّتِها وزعامتها للقضية الكردية، وخصوصاً بعد الحرب العالمية الثانية، كانت قد أضحَت بالغةَ الحساسية تجاهها، لدرجةٍ لن تحتملَ معها طرازاً ثانياً من الحلِّ في ما يتعلقُ بالقضيةِ الكرديةِ التي بدأَ وقْعُ صداها يتسعُ طردياً متمثلاً في شخصي. ذلك أن طرازي في الحل لَم يَكنْ يتناسبُ إطلاقاً مع حساباتِهم. عليَّ ألاّ أنكرَ دورَ الاستخبارات الإسرائيلية (الموساد) التي دَعَتني بشكلٍ غيرِ مباشر إلى طريقتها في الحل. لكني لم أكن مستعداً أو منفتحاً لذلك، أخلاقياً كان أم سياسياً. لم تَرغَب الإدارةُ السورية العربية تجاوزَ شكلِ العلاقات التي يغلب عليها الطابع التكتيكي مع قيادة PKK، علماً أن رئاسة حافظ الأسد تحققت اعتماداً على صراع الهيمنةِ بين الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفياتي”. ويضيف: “لَم يَكن حافظ الأسد قادراً على الحفاظ على أية علاقةٍ تكتيكية، في ظلِّ الأجواءِ الحَرِجةِ البارزةِ مع انهيار الاتحادِ السوفياتيّ”.

أوجلان لبشار الأسد: “أعطونا حكماً ذاتياً وسندعمكم”

في العام 2013، عندما غيّرت الولايات المتحدة الاميركية سياساتها تجاه سوريا، وقدّمت الدعم بالأسلحة لـ(PYD)، الذراع السوري لـ(PKK)، تحت مسمى “مكافحة إرهاب داعش”، ثم في 2014، كان هناك خبر جديد يشغل الإعلام التركي. ووفقًا لهذا الخبر، أن عبد الله أوجلان كتب رسالةً إلى بشار الأسد في 22 نيسان/أبريل 2011، قال فيها: “أعطونا حكمًا ذاتيًا، وسندعمكم”. وفي العام 2013، أطلقت الجمهورية التركية عملية تاريخية، وهي “حلّ المسألة الكردية”، مع بدء سيطرة (PYD) على أجزاء من شمال سوريا، بإذن من النظام السوري.

في العام 2014 أيضاً، وجّه أوجلان رسالة إلى الحكومة التركية والأطراف الكردية، شدّد فيها على ضرورة التمسك بالسلام، وحذّر من داخل سجنه، من مخططات إفشال مسيرة السلام. كما دعا أنصاره، في نهاية شباط/فبراير2015، إلى السعي لإنهاء الصراع المسلح مع تركيا، معتبراً أن الحاجة ماسة إلى قرار وصفه بـ”التاريخي”، للتوصل إلى “حل ديموقراطي”.

وبعد حوالى عقد من الزمن، عادت قضية أوجلان إلى الواجهة بعدما وجّه رئيس حزب “الحركة القومية” دولت بهشتلي، المنضوي في الائتلاف الحاكم في تشرين الأول/أكتوبر2023، دعوةً للزعيم الكردي للحضور إلى البرلمان وإعلان حلّ حزبه، مقابل إطلاق سراحه. وبعد مفاوضات، وبعد 26 عاماً من السجن، تُوجّت هذه المفاوضات بـ”إعلان تاريخي” لأوجلان، دعا فيه إلى إلقاء السلاح وحل “حزب العمال الكردستاني”.

وبغض النظر عن سيرة أوجلان، فإن الأسئلة بعد موقفه الأخير تبقى ملحّة: هل ينال الأكراد حقوقهم في تركيا بعد عقود مديدة من القمع الثقافي والإثني؟ وهل ستتحقق ديموقراطية حقيقية تقوم على الشراكة، وليس على الإقصاء؟ وهل سيتجاوب حزب العمال في سوريا مع موقفه؟

المدن

———————–

قراءة عراقية في دعوة أوجلان حزبه إلى إلقاء السلاح/ عثمان المختار

28 فبراير 2025

غطّى بيان مؤسس حزب العمال الكردستاني التركي عبد الله أوجلان التي دعا فيه، أمس الخميس، إلى حل الحزب وإلقاء السلاح، على مجمل المشهد في مناطق إقليم كردستان، شمالي العراق وغربي محافظة نينوى الحدودية مع الحسكة السورية، ضمن بلدة سنجار الواقعة تحت نفوذ مسلحي هذا الحزب الذي يعود تاريخ وجوده في العراق إلى مطلع تسعينيات القرن الماضي، ويُخضِع مناطق واسعة، تُقدر بأكثر من سبعة آلاف كيلومتر مربع، لسيطرته، وأبرزها مناطق قنديل وسيدكان وسوران والزاب وزاخو، شمالي دهوك وشرقي أربيل على الحدود مع الأراضي التركية.

مواقف رسمية من بغداد وأربيل والسليمانية

 بغداد التي أدرجت قبل عدة أشهر الحزب “منظمةً محظورةً” ضمن إجراءات التفاهم مع تركيا، للتضيق على وجوده بالعراق، رحّبت رسمياً بدعوة أوجلان حزبه لإلقاء السلاح، وقالت الخارجية العراقية، في بيان، إنها “خطوة بالغة الأهمية نحو تعزيز الأمن، ليس في العراق فقط، بل في المنطقة بأسرها”.

بينما رحبت رئاسة إقليم كردستان بالإعلان، وقال بيان لرئيس الإقليم نيجيرفان البارزاني: “نرحب بحرارة برسالة السيد أوجلان ودعوته لإلقاء السلاح وحل حزب العمال”، ودعا الحزب إلى “الالتزام بهذه الرسالة وتنفيذها”. كما أعلن فيه عن استعداده لدعم عملية السلام في هذا الصدد.

أوجلان يدعو إلى حلّ العمال الكردستاني وإلقاء السلاح

إلا أن الموقف اللافت هو ما صدر عن رئيس الاتحاد الوطني الكردستاني بافل طالباني، نجل الزعيم الكردي جلال الطالباني وأبرز المقربين لحزب العمال الكردستاني وكذلك قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في سورية، إذ قال إنها “رسالة مسؤولة ومطلوبة في المرحلة الحالية”، معتبراً أن الإعلان يأتي “بهدف توحيد صفوف الكرد والبحث عن حل سلمي للمشكلات، وفق مبدأ الشراكة لبناء مستقبل مشرق وآمن لشعب كردستان”.

الواقع على الجغرافيّة العراقية أكثر تعقيداً

 يمتلك حزب العمال الكردستاني التركي المعارض، منذ عام 1994، العشرات من القواعد والمقار التابعة له في عموم مناطق الشمال العراقي الحدودي مع تركيا ضمن إقليم كردستان، وهي عبارة عن مقار وثكنات عسكرية تتوزع عليها قواته الذين يُقدر عددهم بأكثر من ستة آلاف مسلح داخل العراق فقط، غالبيتهم من الجنسية التركية.

مناطق سلسلة جبال قنديل، وهي المثلث الحدودي العراقي مع إيران وتركيا، المعقل الأصعب والأهم لحزب العمال، إلى جانب مناطق سوران وسيدكان والزاب وضواحي العمادية وزاخو، ومتين وكاره وكاني ماسي، شمالي أربيل وشرقي دهوك، كانت مسرح العمليات العسكرية التركية طوال السنوات الماضية.

لكن توسع الحزب خلال السنوات العشر الأخيرة داخل العراق، عقب اجتياح تنظيم “داعش”، وما تلاه من معارك استعادة السيطرة، حيث وجد نفوذاً كبيراً له في مناطق سنجار وسنوني وفيشخابور غربي محافظة نينوى، وأسس حزب العمال الكردستاني فصائل مُسلحة من الإيزيديين الأكراد العراقيين في تلك المناطق، أبرزها مليشيا “وحدات حماية سنجار” ومليشيا “لالش” الإيزيدية، وتنشط في سنجار وضواحيها وترفع شعارات وصور حزب العمال الكردستاني.

وتأسست عدة أحزاب سياسية إيزيدية كردية قائمة على فكر ونهج حزب العمال، أبرزها حزب “الحرية والديمقراطية الإيزيدية” وحزب “جبهة النضال الإيزيدي” وحزب “حرية مجتمع كردستان”، إلى جانب حركات أخرى ذات طابع سياسي مسلح، مثل فوج “الحماية والدفاع الإيزيدي” الذي انطلق من “مخيم مخمور” حيث تقيم عائلات أفراد الحزب هناك.

وأنشأت تركيا أكثر من 40 موقعاً عسكرياً لها داخل العراق ضمن الشريط الحدودي مع تركيا، ضمن مساعي المنطقة الآمنة أو العازلة لمواجهة العمليات التي ينفذها الحزب داخل تركيا انطلاقاً من العراق. وأسست فصائل ومليشيات عراقية مدعومة من طهران علاقات مهمة مع أذرع حزب العمال الكردستاني بالفترة الأخيرة، وبدت متناغمة في المواقف خاصة في ما يتعلق بتركيا وسورية بإدارتها الجديدة، كما أن جزءاً كبيراً من مليشيا “وحدات حماية سنجار”، الذراع المحلية لحزب العمال، باتت ضمن “الحشد الشعبي”، وتتسلم رواتب ومساعدات حكومية منذ عام 2018 إبان حكومة عادل عبد المهدي.

مسؤول عراقي بارز في مستشارية الأمن القومي ببغداد قال لـ”العربي الجديد” إن الإعلان لا تُتوقع منه معالجة سريعة لورقة حزب العمال خاصة بالعراق، وقد لا يكون له تأثير مباشر إلا على نطاق تركيا فقط”. ووفقا للمسؤول نفسه الذي تحدث عبر الهاتف من بغداد اليوم الجمعة، فإنه “للمرة الأولى تتفق بغداد وأربيل والسليمانية على حسم مسألة حزب العمال بوصفها جماعة أجنبية داخل الأراضي العراقية، وهذه نقطة مهمة قد لا تقل أهمية عن إعلان أوجلان نفسه”.

وحول ما إذا كانت دعوة أوجلان ستلاقي فعلاً قبولاً من قيادة الحزب الحالية الموجودة أساساً في العراق، قال المسؤول نفسه إنه “لا يتوقع ذلك، وفي حال حصولها، فقد يكون هذا جزئياً، وقد يسبب انقساماً داخلياً في صفوف الحزب نسمع عنه قريباً، ونأمل من تركيا أن تستغل الظرف، وتمنح عفواً عاماً عن المقاتلين الموجودين بالعراق ليعودوا إلى تركيا، فهذا سيساعد كثيراً”.

وأضاف، طالباً عدم الكشف عن هويته، أن الحكومة العراقية تتجه إلى “عقد ورش أمنية متخصصة في الأيام المقبلة لبحث كيفية التحرك على الأرض لتفكيك مراكز القوة عند حزب العمال الكردستاني، وخاصة ملف العراقيين الذين تطوعوا مع الحزب، وهم من العراقيين الكرد والإيزيديين، واحتوائهم ضمن برنامج محدد”، واصفاً وجود الحزب بأنه “عائق أمام مشاريع التنمية، والأهم تهديد لاستقرار مناطق شمال العراق بالكامل”.

وفي يوليو/ تموز الماضي، قررت الحكومة العراقية تصنيف الحزب المعارض لأنقرة “منظمةً محظورةً”، بعد مخاطبة مؤسسات الدولة والوزارات بالتعامل مع الحزب باعتباره منظمة محظورة ضمن القوانين العراقية النافذة، كما طالبت جهات سياسية وشخصيات بحذف الأحزاب التابعة للعمال من سجلات دائرة الأحزاب العراقية، بالإضافة إلى فك ارتباط أي عناصر متورطين بالانتماء لحزب العمال ومنعهم من مزاولة الوظائف الحكومية في البلاد.

خسائر الحزب المتصاعدة في العراق

الضابط السابق في قوات البشمركة الكردية والخبير العسكري شوان عقراوي اعتبر أن دعوة أوجلان “فرصة سلام لن تتكرر في الأجزاء الكردية الأربعة”، في إشارة إلى مناطق الوجود الكردي في تركيا والعراق وسورية وإيران. وأضاف عقراوي أن الحزب يتكبد خسائر كبيرة منذ عدة أشهر، بعد تحقيق الاستخبارات التركية اختراقات كبيرة أتت على عدد كبير من قيادات الصف الأول في الحزب داخل العراق وسورية، معتبراً أن العام الفائت (2024) كان الأكثر صعوبة على الحزب، ليس على المستوى العسكري فحسب، بل سياسياً، إذ نجحت أنقرة في التضييق على قنوات تمويل الحزب من خلال منظمات وحركات في فرنسا والسويد وألمانيا، ما جعله يخسر الكثير من مصادر تمويله المالية.

وبشأن الفصائل العراقية الكردية والإيزيدية المرتبطة تنظيمياً وعقائدياً بالحزب، قال عقراوي إنها “مرتبطة بقرار قيادة قنديل (يعني قيادة حزب العمال الموجودة في منطقة قنديل)، إذ إن قراراهم سيسري على كل من له صلة بالحزب”.

ومثّل ملف مسلحي “العمال الكردستاني”، الذي ينشط داخل العراق ويتخذه منطلقاً لشن اعتداءات متكررة داخل تركيا، العقدة الأبرز في العلاقات التركية العراقية طوال العقدين الماضيين، لكن تقدماً واضحاً تحقق هذا العام بعد اعتبار العراق “العمال الكردستاني” منظمةً محظورةً، والتعهد بالعمل مع تركيا في هذا الإطار.

تفاؤل ضئيل إزاء دعوة أوجلان

وحتى الآن، لم يصدر عن حزب العمال الكردستاني شيء، لكن موقعه الإخباري الرسمي الناطق بعدة لغات (ANF) تعاطى مع دعوة أوجلان باهتمام كبير تحت وصف “القائد التاريخي”، كما نقل مظاهر اهتمام مواطنين أكراد بالخطاب قبل بثه عصر أمس الخميس.

الخبير بالشأن السياسي العراقي والأستاذ في جامعة الموصل فراس إلياس قال إن “خطاب أوجلان يمثل تحولاً مهماً في سياق العلاقات الكردية التركية، التي أطرتها سنوات من الحرب والسلام”، لكنه أكد أنه “رغم دعوة أوجلان الحزب لحل نفسه وإلقاء السلاح، إلاّ إن السنوات التي قضاها أوجلان في السجن أنتجت قيادة جيدة للحزب، وتحديداً في قنديل، فضلاً عن جماعات محلية في سورية والعراق، وبالتالي ليس من المتوقع أن تلتزم هذه الجماعات بخطاب أوجلان، على أقل تقدير من دون ضمانات حقيقية من أنقرة، والرئيس أردوغان شخصياً”.

وتابع إلياس، في حديث مع “العربي الجديد”، أن “المتتبع تاريخَ حزب العمال الكردستاني، وتحديداً منذ عام 1999، يدرك تماماً أن الحزب لم يعد يهتم بشكل أساسي بالصراع مع أنقرة، بقدر ما بدأ يطرح نفسه في سياق إقليمي عام، وأنتج علاقات وثيقة مع إيران، وبدأ يفرض الوصاية السياسية على العديد من الجماعات الكردية المسلحة في العراق وسورية، وبالتالي، فإن قيادة الحزب الحالية، أو التي جاءت بعد اعتقال أوجلان، قد لا تجد نفسها معنية بالالتزام بخطابه الأخير، أو على أقل تقدير التفاعل معه”.

ووفقا للدكتور فراس إلياس، فإن “المشكلة عراقياً أكبر من المتصور، سواء بطريقة تعامل الحكومة العراقية مع عناصر حزب العمال الكردستاني الموجودين في قنديل أو مقتربات سنجار، والأهم كيفية التعامل مع المنخرطين ضمن فصيل وحدات مقاومة سنجار، فهي تطرح نفسها ذراعاً عراقيةً لحزب العمال الكردستاني، كما أنها تشكل جزءاً كبيراً من الفوج 80 في الحشد الشعبي، وبالتالي، هل ستكون هناك إجراءات عراقية موازية للإجراءات التركية، أم سيكون هناك موقف رافض من قبل الوحدات؟”.

————————————–

دعوة أوجلان لنزع سلاح حزب “العمال الكردستاني” وحلّه.. ترحيب حذر ودعم مشروط

2025.02.28

أثارت دعوة الزعيم الكردي، عبد الله أوجلان، لنزع سلاح حزب “العمال الكردستاني” وحل نفسه تفاعلات سياسية واسعة على المستويات السورية والإقليمية والدولية، وسط تساؤلات عن مدى انعكاسات ذلك على المشهد في شمال شرقي سوريا، في وقت تتزايد فيه الضغوط لاندماج “قوات سوريا الديمقراطية”، التي تعتبر امتداداً لـ “العمال الكردستاني” في سوريا، ضمن الجيش السوري الجديد.

وفي حين رحّب بعضهم بخطوة أوجلان، معتبرين أنها فرصة لفتح الباب أمام تسويات سياسية، في تركيا وسوريا، حذّر آخرون من أنها قد تكون “إعلاناً سياسياً” من دون أي تأثير فعلي على الأرض، حيث تثير الدعوة تساؤلات فيما إذا كانت ستلقى آذاناً مصغية لدى مقاتلي حزب “العمال الكردستاني” وتنهي عقوداً من الصراع.

ودعا أوجلان (75 عاماً)، المسجون في جزيرة إمرالي قبالة إسطنبول التركية منذ العام 1999 بتهمة “الخيانة”، جماعته المسلحة إلى إلقاء السلاح وحل نفسها، كجزء من محاولة جديدة لإنهاء صراع مستمر منذ أربعة عقود مع الحكومة التركية، أودى بحياة عشرات الآلاف من الأكراد.

وفي رسالة قرأها سياسيون أتراك من حزب “الديمقراطية ومساواة الشعوب”، قال أوجلان “اعقدوا مؤتمركم واتخذوا قراراً. يجب على جميع المجموعات إلقاء أسلحتها، ويجب على حزب العمال الكردستاني حل نفسه”.

مظلوم عبدي: لا علاقة لنا

حتى لحظة إعداد هذا التقرير، لم تصدر الحكومة السورية أي تعليق رسمي على دعوة أوجلان لنزع سلاح “العمال الكردستاني” وحلّه، في حين رحّبت بعض الأوساط السياسية بالدعوة، معتبرة أنها قد تشكل خطوة نحو تحجيم نفوذ “العمال الكردستاني” العسكري في المنطقة، مما يسهّل المفاوضات بين الحكومة السورية و”قسد”.

وتعليقاً على ذلك، أكد قائد “قوات سوريا الديمقراطية”، مظلوم عبدي، أن إعلان أوجلان “يخص حزب العمال الكردستاني فقط، ولا علاقة له بقواته في سوريا”، مشدداً على أن “الأوضاع الراهنة في شمال شرقي سوريا تتطلب مقاربة مختلفة”.

وقال عبدي إن “الإعلان يتعلق بحزب العمال الكردستاني فقط، ولا علاقة له بنا في سوريا”، لكنه وصف إعلان أوجلان بأنه “إيجابي”، لأنه “يدعو لإنهاء الحرب والبدء بعملية سياسية سلمية داخل تركيا”.

وأكد قائد “قسد” أن أوجلان أرسل إليهم رسالة بخصوص الإعلان، لافتاً إلى أنها “حملت مضموناً إيجابياً حول تحقيق الاستقرار في المنطقة، وتؤكد على السلام والأمن في المنطقة”.

وأضاف أن الهجمات التركية المستمرة في شمالي سوريا “لها تداعيات مباشرة على الوضع السياسي والعسكري في المنطقة، وتؤثر على مفاوضاتنا الحالية مع دمشق والحملة على تنظيم الدولة الإسلامية”، مشيراً إلى أنه “إذا تحقق السلام في تركيا فهذا يعني أنه لا مبرر لمواصلة الهجمات علينا هنا في سوريا”.

صالح مسلم: سنترك السلاح إذا سُمح لنا بالعمل السياسي

من جانبه، أكد صالح مسلم، زعيم “حزب الاتحاد الديمقراطي”، الجناح السوري لحزب “العمال الكردستاني”، أنهم “مستعدون لترك العمل المسلح إذا سُمح لهم بالعمل السياسي”، موضحاً أنه “لن تكون هناك حاجة للسلاح إذا سُمح لنا بالعمل السياسي والديمقراطي، وإذا اختفت أسباب حمل السلاح فسوف نتخلى عنه”.

وقال مسلم إن “هذه الدعوة لم تخرج عن الإطار المتوقع مسبوقاً، وهو أن الظروف التاريخية لبدء الكفاح المسلح وحمل السلاح كان في إطار الدفاع المشروع عن الذات، وإذا توفرت الحماية للمجتمع وأفسح المجال أمام الحزب لتنظيم نفسه فلن يبقى هناك حاجة للسلاح”.

واعتبر زعيم حزب “الاتحاد الديمقراطي” أن أوجلان “لديه قناعة في أن العمل السياسي هو الأفضل، ونحن ننضم إلى هذه الدعوة لأننا في إقليم شمال شرقي سوريا حملنا السلاح دفاعاً عن النفس، وإذا توقفت الهجمات علينا سنضع السلاح لأننا لسنا من عشاق السلاح”.

ترحيب واسع في تركيا

وفي تركيا، لاقت دعوة أوجلان ترحيباً واسعاً بين القوى السياسية، في حين أكد بعضهم على أن الدعوة التي أطلقها زعيم “العمال الكردستاني” يجب أن ترتبط بخطوات عملية على الأرض.

ورحّب حزب “العدالة والتنمية” الحاكم في تركيا بدعوة أوجلان، معرباً عن أمله في أن تستجيب لها قيادات حزب “العمال الكردستاني”.

وقال رئيس حزب “الشعب الجمهوري” المعارض في تركيا، أوزغور أوزيل، إن حزبه “يحافظ على موقفه بأن القضية الكردية يجب أن تتم معالجتها وحلها بشفافية، تحت سقف الجمعية الوطنية الكبرى التركية، من خلال إشراك جميع شرائح المجتمع”، مضيفاً أن “الدعوة الموجهة إلى المنظمة الإرهابية لإلقاء سلاحها وحل نفسها مهمة، ونأمل أن تتحرك وفقاً لمتطلبات هذه الدعوة”.

بغداد وأربيل: دعوة أوجلان خطوة نحو الاستقرار

عربياً، رحبت وزارة الخارجية العراقية بإعلان عبد الله أوجلان، معتبرة أنها “خطوة إيجابية ومهمة في تحقيق الاستقرار في المنطقة”.

وفي بيان لها، قالت الخارجية العراقية إن “هذه المبادرة خطوة بالغة الأهمية نحو تعزيز الأمن، ليس فقط في العراق، حيث تتواجد عناصر مسلحة للحزب المذكور في مناطق مختلفة في كردستان العراق وبعض القصبات والمدن الأخرى، بل في المنطقة بأسرها”.

كما رحّب رئيس إقليم كردستان العراق، نيجيرفان بارزاني، بدعوة أوجلان، مبدياً “ترحيباً حاراً برسالة السيد أوجلان، ودعوته لنزع السلاح ووقف النضال المسلح لحزب العمال الكردستاني”، مؤكداً “نحن في إقليم كردستان ندعم عملية السلام بشكل كامل، ومستعدون للعب دور تسهيلي وتقديم أي مساعدة ضرورية لدفع العملية إلى الأمام”.

من جهته، قال رئيس الحزب “الديمقراطي الكردستاني”، مسعود بارزاني، إن “السلام هو السبيل الصحيح الوحيد لحل الخلافات”، معرباً عن أمله بأن تكون رسالة أوجلان “بداية لوضع عملية السلام في مسارها والتوصل إلى نتيجة تصب في مصلحة جميع الأطراف”.

“بصيص أمل” و”تطور مهم”.. ترحيب أممي ودولي

دولياً، رحّب الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، بدعوة زعيم حزب “العمال الكردستاني”، لنزع السلاح وحل الحزب نفسه.

وفي المؤتمر الصحفي اليومي، قال المتحدث باسم الأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، إن الأمين العام “يرحب بهذا التطور المهم”، مضيفاً أنه “يمثل بصيص أمل يمكن أن يؤدي إلى حل صراع طويل الأمد”.

وفي الولايات المتحدة الأميركية، رحب البيت الأبيض بدعوة أوجلان، مؤكداً أن هذه الخطوة “ستساعد في إحلال السلام في هذه المنطقة المضطربة”.

وقال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي التابع للبيت الأبيض، بريان هيوز، إن دعوة أوجلان “تطور مهم، ونأمل أن يساعد في تطمين حلفائنا الأتراك بشأن شركاء الولايات المتحدة في مكافحة تنظيم داعش بشمال شرقي سوريا”.

كما رحبت المملكة المتحدة بما وصفته “التقدم المحرز نحو السلام والأمن لشعب تركيا، الحليف الوثيق لحلف شمال الأطلسي، والشريك القديم في مكافحة الإرهاب”، داعية جميع الأطراف إلى “الانخراط في عملية سلمية وبناءة تضمن الأمن والاستقرار واحترام سيادة القانون”.

وقال متحدث باسم وزارة الخارجية والكومنولث والتنمية البريطانية إن المملكة المتحدة “ملتزمة بدعم الجهود الرامية إلى الحد من الصراع وتعزيز الاستقرار في تركيا وفي مختلف أرجاء المنطقة على نطاق أوسع”.

وفي ألمانيا، قال متحدث باسم الحكومة الألمانية إن المستشار الألماني، أولاف شولتز، رحب بدعوة أوجلان لإلقاء السلاح وحل حزب “العمال الكردستاني”، مضيفاً أن الدعوة “تقدم فرصة أخيرة للتغلب على هذا الصراع العنيف والتوصل إلى تطور سلمي دائم في القضية الكردية”.

وفي تصريح آخر، قال متحدث باسم وزارة الخارجية الألمانية إن “إنهاء العنف يشكل خطوة أولى مهمة، ولكن هناك حاجة إلى خطوات أخرى للوصول إلى حل مستدام للشعب في تركيا. وهذا يشمل احترام ودعم الحقوق الثقافية والديمقراطية للأكراد”.

نقطة تحول

وعلى الرغم من قضائه حكماً مؤبداً بالسجن، لا يزال عبد الله أوجلان يمارس نفوذاً كبيراً على حزب “العمال الكردستاني”، ومن المتوقع أن تستجيب قيادة الحزب لأي دعوة يوجهها، رغم أن بعض التيارات داخل الحزب قد تعارض ذلك.

وتشكل دعوة أوجلان، التي وصفتها وسائل إعلام تركية بأنها “تاريخية”، جزءاً من جهد جديد من أجل السلام بين حزب “العمال الكردستاني” والدولة التركية، والذي بدأ في تشرين الأول الماضي، على يد شريك الائتلاف الحاكم في تركيا، رئيس حزب “الحركة القومية”، دولت بهتشلي، الذي اقترح أن يُمنح أوجلان الإفراج المشروط إذا نبذت جماعته العنف وحلت نفسها.

ورغم أن تداعيات دعوة أوجلان غير واضحة حتى الآن، فإنها من المؤكد ستشكل نقطة تحول في مسار الأزمة الكردية في سوريا والمنطقة، في ظل التوازنات السياسية والعسكرية المعقدة التي تحكم المشهد الإقليمي، وفق ما ذكرت وكالة “رويترز”.

ووفق محللين، فإن دعوة أوجلان ستؤثر بشكل مباشر على مستقبل “قسد” في شمال شرقي سوريا، وقد تدفعها نحو تسريع المفاوضات مع الحكومة السورية للاندماج في الجيش السوري، أو قد تؤدي إلى انقسامات داخلية بين مؤيد ومعارض لهذه الخطوة، في حين يبقى الموقف التركي عاملاً رئيسياً في تحديد مدى نجاح أو فشل هذه المبادرة.

حزب “العمال الكردستاني”

وتأسس حزب “العمال الكردستاني” في العام 1978، من قبل طلاب في جامعة أنقرة، للدفاع عن مطلب إقامة دولة كردية مستقلة في جنوب شرقي تركيا من خلال الكفاح المسلح، واختار هؤلاء عبد الله أوجلان، الذي كان طالباً في قسم العلوم السياسية، رئيساً له.

في العام 1980، أجبر انقلاب عسكري تركي كوادر حزب “العمال الكردستاني”، بمن فيهم أوجلان، على الفرار، وتوزعوا بين سوريا ولبنان، وفي أثناء وجود هذه الكوادر بدأت بالعمل على استراتيجية الكفاح المسلح.

وشن الحزب هجمات دامية ضد مواقع وقوافل عسكرية تركية، ما قوبل بحملات أمنية من السلطات في تركيا، والتي تسببت بعد ذلك بموجات من العنف، خصوصاً في جنوب شرقي البلاد ذي الأغلبية الكردية، وخلف هذا الصراع أكثر من 40 ألف قتيل منذ العام 1984.

تنقل أوجلان بين العديد من الدول الأوروبية، واستقر في سوريا، إلا أن أزمة اندلعت، في العام 1999، بعد أن هددت الحكومة التركية نظام حافظ الأسد بالرد عسكرياً إذا واصلت إيواءه، ليغادر دمشق إلى روسيا ثم إيطاليا ثم اليونان، ليلقى القبض عليه بعد ذلك في العاصمة الكينية نيروبي.

وسبق أن أطلق عبد الله أوجلان دعوتين سابقتين إلى الهدنة، الأولى في أيلول 2006، حينئذ طلب من حزبه عدم استخدام السلاح إلا في الدفاع عن النفس، والثانية في آذار 2013، دعا فيها مقاتلي حزبه إلى وقف إطلاق النار ضد الحكومة التركية وسحب المقاتلين من تركيا إلى شمالي العراق.

———————————–

ملاحظات

“يعرفُ مظلوم أن ماتقدمُّه سوريا الجديدة له.. ولكورد سوريا هو أقصى مايُمكن أن يقدمه طرفٌ آخر، في ظل التحولات الراهنة والقادمة

يعرف مظلوم أن هذا العرض هو أكثر كرامةً، وأدعى لتحقيق معاني الاستقلال والازدهار والأمن، للجميع، من البدائل الأخرى التي يُصرُّ عليها كثيرون منذ زمن

يعرف مظلوم أن “ضمانات ماكرون” لم تعد تساوي حِبرَها، خاصةً وهو يرى مصير الضمانات الأكثر شمولاً وقوةً وأهميةً استراتيجية، والتي قدمها هو والقادة الأوربيين لأوكرانيا

 يعرف مظلوم أن ترامب هو آخر إنسانٍ في الدنيا تحكمهُ آراء بعض المستشارين من الساسة والعسكر، وحتى لو كانوا أحياناً من المقربين له

يعرف مظلوم معنى تصريحات لافروف السلبية، أمام أمير قطر، حول “بعض أجزاء سوريا [التي] تُظهر رغبةً في فصل نفسها عن السلطات المركزية في البلاد”

يعرف مظلوم موقع ودور بوتين وأردوغان، ومعهم قادة العرب، من ترامب وسياساته في صورة الترتيبات القادمة

يعرف مظلوم أن ماسمعه من الرئيس نيجيرفان مبنيٌ على تجربةِ وخبرةٍ ومعرفة، يندرُ وجودها بين الكورد في المنطقة

يعرف مظلوم أن ألاعيب الأعرجي ومناوراته، وأن رسائل إيران وعروضها ووعودها.. هي تحت الرقابة الدولية الصارمة

يعرف مظلوم المعنى الاستراتيجي، بعيد المدى، خلف رسالة “آبو”.. وإطارَها الاستراتيجي.. وكم استغرق العمل عليها.. وماهو حجم وتأثير الأطراف التي كانت تنتظرها للسير في الترتيبات القادمة

يعرف مظلوم مكمن المصلحة الحقيقية للكورد في سوريا.. ويعرف حجم المقامرة التي يقوم بها، عندما ينكر كل مايعرفه أعلاه

قد يتجاهل مظلوم حُكم التاريخ.. قد يتجاهل خطر الحسابات والقرارات السياسية وفق الأوهام والرغبات.. لكن مالن يستطيع تجاهلهُ هو حُكم الكورد، سوريين وغير سوريين، عليه في مستقبل الأيام

“يجتهد الإنسان في خداع نفسه كي لا يفسد وهمهُ الدافئ”!   – دوستويفسكي”.

Wael Merza

——————————

ماذا تعني دعوة الزعيم الكردي المسجون لنزع السلاح بالنسبة للشرق الأوسط؟

تحديث 28 شباط 2025

بي بي سي

لم يدع عبدالله أوجلان أعضاء حزب العمال الكردستاني إلى إلقاء أسلحتهم فقطـ، بل إلى حل المنظمة التي أسسها عام 1978 بالكامل.

وقد تؤثر هذه الرسالة التاريخية على عشرات الآلاف من المقاتلين الأكراد الذين يتبعونه في تركيا والعراق وإيران وسوريا.

وحث زعيم الجماعة الكردية المحظورة القادة العسكريين لحزب العمال الكردستاني في جبال قنديل في إقليم كردستان العراق على عقد مؤتمر والنظر في دعوته لنزع السلاح.

وفي الأيام التي سبقت البيان المتوقع، قالت قيادة حزب العمال الكردستاني في إقليم كردستان العراق لبي بي سي، إنهم سيدعمون رسالة أوجلان، ولكن يجب أن يكون قادرا على قيادة التحول من منظمة مسلحة إلى حركة سياسية في تركيا بشكل حر وشخصي.

ومن غير المعروف ما هي التنازلات التي قدمتها الحكومة التركية لإقناع أوجلان بالدعوة إلى حل حزب العمال الكردستاني.

تخطى قصص مقترحة وواصل القراءة

عندما تأسس حزب العمال الكردستاني، كان التحدث باللغة الكردية جريمة، لكن الكثير تغير في تركيا منذ ذلك الحين.

وأصبح للأكراد الآن حقوق لم يكن من الممكن تصورها في زمن تأسيس حزب العمال الكردستاني.

    7 معلومات عن الأكراد

وفي رسالته، أكد أوجلان أنه يعتقد أن تركيا لديها القدرة على معالجة العداء العميق مع الأكراد في البلاد من خلال عملية ديمقراطية.

ولسنوات عديدة، أشار العديد من الأكراد إلى أوجلان باعتباره “مانديلا كردستان”.

وكما هو الحال مع مانديلا، صُنف “إرهابياً”، وسُجن لمدة 26 عاماً، وواصل قيادة الحركة من خلف القضبان.

وينظر كثيرون لأوجلان باعتباره زعيم جماعة مسلحة أدى صراعها مع الدولة التركية إلى مقتل عشرات الآلاف من الأشخاص.

وتضغط تركيا على رئيس المرحلة الانتقالية في سوريا أحمد الشرع لتفكيك المنطقة المتمتعة بالحكم الذاتي الكردي ونزع سلاح قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد في شمال وشمال شرق سوريا.

وترى تركيا أن جزءاً كبيراً من “قوات سوريا الديمقراطية” ينتمي إلى حزب العمال الكردستاني، ولا شك أن أي عملية سلام في تركيا ستؤثر على سوريا، لكن أوجلان لم يذكر سوريا في هذه الرسالة.

ويتبع المقاتلون الأكراد في سوريا (قوات سوريا الديمقراطية) وإيران (حزب الحياة الحرة الكردستاني) فلسفة أوجلان الداعية إلى مجتمع ديمقراطي، تلعب فيه النساء دوراً متساوياً مع الرجل.

    ما هي قوات سوريا الديموقراطية وما الذي تفعله في سوريا؟

وتعمل كل هذه الأحزاب الكردية تحت نظام قيادة مشترك، يكون فيه قائد واحد من الذكور وآخر من الإناث.

تأسس حزب العمال الكردستاني في عام 1978 وأطلق حملته المسلحة من أجل إقامة دولة كردية في عام 1984، لكن أوجلان تخلى في وقت لاحق عن فكرة الاستقلال ودعا إلى إقامة مجتمع ديمقراطي.

في عام 1999، وبعد أن وعدته حكومة مانديلا باللجوء، تعرض أوجلان للاختطاف في كينيا أثناء توجهه إلى جنوب أفريقيا وسُلم إلى تركيا حيث أدين وحكم عليه بالسجن مدى الحياة.

وعلى مدى معظم الأعوام الستة والعشرين الماضية، ظل السجين الوحيد في جزيرة إمرالي في تركيا.

وعلى الرغم من سجنه، فإنه لا يزال زعيم حزب العمال الكردستاني والزعيم الأكثر نفوذاً في الحركة الكردية في تركيا.

وتراقب حكومات إيران والعراق وسوريا هذه التطورات عن كثب.

————————–

 صالح مسلم: سنترك السلاح إذا سُمح لنا بالعمل السياسي في سوريا

2025.02.27

أكد صالح مسلم، زعيم “حزب الاتحاد الديمقراطي/PYD” الجناح السوري لـ “حزب العمال الكردستاني/PKK”، أنهم مستعدون لترك العمل المسلح إذا سُمح لهم بالعمل السياسي.

جاء ذلك تعليقاً على دعوة زعيم “حزب العمال الكردستاني” عبد الله أوجلان، اليوم الخميس، إلى حل حزبه وإنهاء العمل المسلح.

وقال مسلم في تصريحات لقناة “العربية” اليوم الخميس: “هذه الدعوة لم تخرج عن الإطار المتوقع مسبوقاً، وهو أن الظروف التاريخية لبدء الكفاح المسلح وحمل السلاح كان في إطار الدفاع المشروع عن الذات، وإذا توفرت الحماية للمجتمع وأفسح المجال أمام الحزب لتنظيم نفسه فلن يبقى هناك حاجة للسلاح”.

    الاتحاد الديمقراطي للعربية:

    * ننتظر ما يقرره مؤتمر العمال الكردستاني

    * لن تكون هناك حاجة لسلاح إذا سمح لنا بالعمل السياسي

    * إذا زالت أسباب حمل السلاح سنلقيه #قناة_العربية

pic.twitter.com/V3QhkZzQWk — العربية (@AlArabiya)

February 27, 2025

وأضاف مسلم أن أوجلان لديه قناعة في أن العمل السياسي هو الأفضل “ونحن ننضم إلى هذه الدعوة لأننا في إقليم شمال شرقي سوريا حملنا السلاح دفاعاً عن النفس وإذا توقفت الهجمات علينا سنضع السلاح لأننا لسنا من عشاق السلاح”.

وأردف: “لن تكون هناك حاجة للسلاح إذا سُمح لنا بالعمل السياسي والديمقراطي. وإذا اختفت أسباب حمل السلاح فسوف نتخلى عنه”.

—————————-

عبد الله أوجلان.. تعرف إلى مسيرة زعيم حزب العمال الكردستاني

برز اسم عبد الله أوجلان مؤسس حزب العمال الكردستاني على الساحة السياسية من جديد بعد دعوته حزبه، الخميس، إلى إلقاء السلاح وحل نفسه، وهي خطوة إذا أخذ بها مقاتلوه ستنهي تمردهم المسلح الذي استمر 40 عاما وستكون لها تداعيات على نطاق تركيا.

من هو عبد الله أوجلان؟

عبد الله أوجلان، شخصية كردية أثرت بشكل كبير في مسار الصراع الكردي-التركي عبر العقود الأخيرة. ترأس حزب العمال الكردستاني (PKK) المحظور في أنقرة، وأسس تنظيما مسلحا سعى فيه للانفصال وإقامة وطن مستقل للأكراد.

ولد عبد الله أوجلان يوم 4 إبريل/نيسان 1948 في قرية عمرلي الواقعة بمنطقة أورفه جنوب شرق تركيا، على مقربة من الحدود السورية، لعائلة فلاحية فقيرة. في شبابه، عمل في حقول القطن بمدينة أضنة، قبل أن يلتحق بدائرة تسجيل العقارات في ديار بكر ثم إسطنبول.

دراسيًا، بدأ أوجلان مساره الجامعي في كلية الحقوق بجامعة إسطنبول، لكنه سرعان ما انتقل لدراسة العلوم السياسية في جامعة أنقرة، حيث انخرط في الأنشطة السياسية.

كيف بدأت مسيرة أوجلان السياسية؟

في عام 1978، أسّس أوجلان حزب العمال الكردستاني، وأطلق تمردا مسلحا ضد أنقرة عام 1984 لإقامة دولة كردية. اتخذ الحزب سوريا وسهل البقاع اللبناني مقرًا لتدريب مقاتليه، لكن الضغوط التركية دفعت دمشق لإغلاق تلك المعسكرات عام 1998. غادر أوجلان سوريا، ليبدأ تنقلاته بين دول مثل روسيا وإيطاليا واليونان.

خلال قيادته لحزب العمال الكردستاني، اتُهم الحزب بتنفيذ هجمات اعتبرتها أنقرة وحلفاؤها الغربيون “إرهابية”. خلّف هذا الصراع الذي انطلق بعد تأسيس حزب العمال الكردستاني الذي امتد لأربعة عقود أكثر من 40 ألف قتيل، وألحق دمارًا واسعًا بالمدن والبلدات جنوب شرقي تركيا.

تعتبر دول عديدة حزب العمال الكردستاني الذي أسسه أوجلان، تنظيما “إرهابيا”، من بينها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وتركيا وأستراليا وإيران وسوريا.

اعتقال أوجلان ومحاكمته

في 15 فبراير/شباط 1999، تمكنت المخابرات التركية بمساعدة دولية من القبض على أوجلان في العاصمة الكينية نيروبي. نُقل إلى تركيا بطائرة خاصة.

حكمت محكمة تركية عليه بالإعدام، لكن الحكم خُفف لاحقًا إلى السجن المؤبد بعد إلغاء أنقرة لعقوبة الإعدام عام 2002. منذ ذلك الحين، يقبع أوجلان في عزلة بسجن جزيرة إمرالي في بحر مرمرة.

ورغم وجوده خلف القضبان، استمر أوجلان في لعب دور أساس في المشهد السياسي الكردي، وخلال مفاوضات السلام التي انطلقت بين حزبه والدولة التركية خلال الفترة 2013-2015، دعا أوجلان في رسالة شهيرة آنذاك إلى إنهاء الصراع المسلح واعتماد الحلول الديمقراطية.

والخميس، دعا أوجلان المجموعات المسلحة جميعها إلى إلقاء السلاح، وضرورة اتخاذ حزب العمال الكردستاني قرارًا بحل نفسه.

وقال أوجلان في بيان من محبسه ألقاه مسؤولون بحزب “الديمقراطية ومساواة الشعوب” التركي نيابة عنه، وكانوا قد زاروه في سجنه: “أوجه الدعوة لإلقاء السلاح وأتحمل المسؤولية التاريخية لهذه الدعوة”.

وطالب أوجلان حزب العمال الكردستاني بعقد مؤتمر عام لاتخاذ خطوة حل التنظيم بشكل نهائي.

وأكد أنه “لا سبيل سوى الديمقراطية والحوار الديمقراطي، ولا بقاء للجمهورية إلا بالديمقراطية الأخوية”، حسب تعبير البيان.

المصدر : الجزيرة مباشر

————————-

صفحة جديدة في النزاع الكردي التركي

“إعلان تاريخي” نحو السلام: أوجلان يدعو لحل حزب العمال الكردستاني

تحديث 28 شباط 2025

أنصار حزب المساواة والديمقراطية المؤيد للأكراد يرفعون أعلاماً عليها صورة زعيم حزب العمال الكردستاني المسجون عبد الله أوجلان، في إسطنبول. – Reuters

أنصار حزب المساواة والديمقراطية المؤيد للأكراد يرفعون أعلاماً عليها صورة زعيم حزب العمال الكردستاني المسجون عبد الله أوجلان، في إسطنبول. – Reuters

+A-A

دعا عبدالله أوجلان، مؤسس حزب العمال الكردستاني، إلى إلقاء السلاح وحل الحزب لنفسه، الخميس، في دعوة وصفتها أوساط سياسية بأنها “إعلان تاريخي” صدر في اسطنبول، ويفتح صفحة جديدة في النزاع الكردي التركي.

وقال في الإعلان الذي أعده من زنزانته الانفرادية في سجنه في جزيرة إمرالي حيث يقضي عقوبته منذ توقيفه عام 1999، إن “على جميع المجموعات المسلحة إلقاء السلاح وعلى حزب العمال الكردستاني حل نفسه”.

تأتي هذه الدعوة بعد أربعة أشهر من عرض أنقرة السلام على أوجلان البالغ 75 عاماً.

وتلا الإعلان وفد من نواب حزب المساواة وديموقراطية الشعوب المؤيد للأكراد الذي زاره في سجنه في وقت سابق من اليوم.

وأضاف أوجلان “أدعو إلى إلقاء السلاح، وأتحمل المسؤولية التاريخية لهذه الدعوة”.

ومنذ سجنه، نشطت العديد من المحاولات لوقف النزاع المستمر منذ عام 1984 والذي خلف أكثر من 40 ألف قتيل، فيما انهارت الجولة الأخيرة من المحادثات وسط أعمال عنف اندلعت عام 2015.

وتوقفت الاتصالات إثر ذلك حتى تشرين الأول/أكتوبر عندما عرض زعيم حزب الحركة القومية المتشدد دولت بهجلي على عبد الله أوجلان بادرة سلام مفاجئة، طالباً منه نبذ العنف، وهي خطوة أيدها الرئيس رجب طيب إردوغان.

وقال إفكان علاء، نائب رئيس حزب العدالة والتنمية الحاكم، الخميس، إن تركيا ستتحرر من قيودها إذا ألقى حزب العمال الكردستاني سلاحه وحل نفسه وذلك بعد أن دعا زعيمه أوجلان الحزب إلى حل نفسه.

وفي أول رد من حزب الرئيس رجب طيب أردوغان الحاكم قال علاء إن الحكومة تتوقع أن يمتثل حزب العمال الكردستاني لدعوة أوجلان.

وفي السياق، رحبت رئاسة إقليم كردستان العراق بدعوة أوجلان، داعيةً حزب العمال إلى “تنفيذها” بشكل عملي.

وقال رئيس الإقليم نيجرفان بارزاني في منشور على منصة إكس: “نرحب بحرارة برسالة السيد أوجلان ودعوته لنزع السلاح وحل حزب العمال الكردستاني ونطلب من الحزب (…) الالتزام بهذه الرسالة وتنفيذها”، مؤكداً استعداد الإقليم “لدعم عملية السلام بشكل كامل”.

وفي وقت سابق من اليوم، زار وفد من حزب المساواة وديموقراطية الشعوب جزيرة إمرالي في بحر مرمرة حيث يُعتقل أوجلان، للمرة الثالثة منذ نهاية ديسمبر/كانون الأول الماضي.

وخلال الزيارات السابقة، أعرب أوجلان عن “تصميمه” على طي صفحة النزاع، بحسب معلومات نقلتها وكالة الأنباء الفرنسية، التي نقلت عن أحد زائريه قوله: “إذا أُتيحت الظروف، فإنّ لدي القوة النظرية والعملية لنقل النزاع من ساحة العنف إلى الساحة القانونية والسياسية”.

وقال نائب تونجر بكرهان، رئيس حزب المساواة وديمقراطية الشعوب، القوة الثالثة في البرمان التركي، إنّ الزعيم الكردي “يعدّ الطريق من أجل السلام”.

وأضاف مؤخراً أن أوجلان “لا يريد أن يكون الأكراد أحراراً في التحدّث بلغتهم فحسب، بل يريد أيضاً أن يكون أي تعبير ديمقراطي ممكناً” في البلاد.

وكانت الحكومة التركية التي بادرت إلى هذه العملية عبر حليفها زعيم “حزب الحركة القومية التركية” دولت بهجلي، قد اقترحت إخراج أوجلان من عزلته بعد 27 عاماً في السجن.

وأدّى تمرّد حزب العمال الكردستاني الذي تصنفه أنقرة وحلفاؤها الغربيون “منظمة إرهابية”، إلى مقتل أكثر من 40 ألف شخص منذ العام 1984، بحسب ما تذكر مصادر رسمية تركية.

“المطلوب هو واقع مختلف”

يقول الدكتور مهند حافظ أوغلو، الأكاديمي والباحث السياسي التركي، إن دعوة عبد الله أوجلان مؤسس حزب العمال الكردستاني إلى حل الحزب وإلقاء السلاح تعكس تطورات سياسية داخلية وإقليمية هامة.

ويوضح أوغلو في حديثه مع بي بي سي أن هناك سببين رئيسيين وراء هذه الدعوة، الأول “يتعلق بالحراك الداخلي التركي، حيث أن هناك مسعى لتغيير الدستور التركي، وهذا لا يمكن أن يتم دون مشاركة كافة الأحزاب السياسية، وهو ما يقتضي ضمان الأمن القومي التركي، وخاصة بعد أكثر من نصف قرن من الصراع مع حزب العمال الكردستاني”.

أما الثاني بحسب أوغلو فهو مرتبط بما وصفها المتغيرات الإقليمية، “بدءاً من أحداث غزة وصولاً إلى تطورات الوضع في سوريا، الأمر الذي جعل الدول جميعها تدرك ضرورة حصر السلاح بيد الدولة، بما يشمل الجماعات العابرة للحدود مثل حماس وحزب الله وحزب العمال الكردستاني وقسد في سوريا”.

وفيما يخص دلالات هذا الإعلان على مستقبل الصراع الكردي-التركي، يشير أوغلو إلى أن الأمر يعتمد على صدى هذه الدعوة داخل الحزب نفسه. ويضيف: “الحزب مقسوم إلى قسمين، الأول يتبع إيران والثاني يتبع ألمانيا. وإذا توافقا على هذه الدعوة، فإننا نكون قد وصلنا إلى بداية صحيحة ومنطقية. أما إذا استمرت “التحركات الإرهابية”، فالوضع سيبقى على ما هو”.

وحول ما إذا تعرض أوجلان لضغوط لإصدار هذه الدعوة، يستبعد أوغلو ذلك، ويقول إن هناك تفاهمات كردية على مستوى المنطقة، لا سيما في تركيا والعراق، جعلته يدرك ضرورة وجود حل.

ويقول: “الدولة التركية لا يمكن أن تخضع لأي جماعات مسلحة مهما كانت قوتها أو حلفائها. تركيا ستبقى، حتى لو استمر الحزب 47 عاماً أخرى”، ويضيف: لو أرادت تركيا الضغط على أوجلان لكانت أغلقت هذا الملف منذ سنوات.

ويعلّق أوغلو على رد الفعل المتوقع من الحكومة التركية على دعوة أوجلان، بالقول إن الحكومة التركية لن تتحرك إلا إذا كان هناك تحرك عملي من الحزب.

ويضيف: “المطلوب هو واقع مختلف، ويُحسب لعبد الله أوجلان ما قام به لأنه رجح مصلحة المكون الكردي والدولة التركية رغم كل الأخطاء التي قام بها، وهذا يعني أن الكثير قد تغير”.

من هو القائد الكردي عبدالله أوجلان؟

وُلد أوجلان عام 1949 في شانلي أورفا، جنوب شرق تركيا، وأصبح عضواً مؤسساً لحزب العمال الكردستاني في أوائل الثلاثينيات من عمره.

درس عبدالله أوجلان الملقب بـ”أبو” (وتعني “العم” بالكردية) العلوم السياسية في جامعة أنقرة حيث تبنى الماركسية وبدأ بتشكيل الحركات الطلابية. في عام 1973، شارك في اجتماع أسس حزب العمال الكردستاني، حيث بدأ التخطيط لتأسيس دولة كردية مستقلة.

قاد الحزب إلى صراع مسلح بعد ذلك بفترة قصيرة، وأطلق تمرداً انفصالياً في عام 1984، بهدف إقامة دولة كردية في جنوب شرق تركيا.

بعد سنوات من قيادته للحزب من المنفى في سوريا، اضطر أوجلان للهرب إلى كينيا، وأُلقي القبض عليه عام 1999، وتم ترحيله إلى تركيا حيث واجه محاكمة بتهم الإرهاب، وأدين بالخيانة وحكم عليه بالإعدام.

في اليوم الذي صدر فيه حكم الإعدام، نظمت الجالية الكردية في تركيا ودول أوروبية عدة مظاهرات، تحولت بعضها إلى أعمال شغب.

وفي عام 2002، خُفف حكمه إلى السجن المؤبد نتيجة إلغاء عقوبة الإعدام في تركيا، التي كانت تسعى للتوافق مع قوانين الاتحاد الأوروبي، ويقضي أوجلان عقوبته في جزيرة إيمرالي في بحر مرمرة منذ عام 1999.

كيف تأسس حزب العمال الكردستاني؟

تأسس حزب العمال الكردستاني عام 1978 بعد أن ساعد عبدالله أوجلان في كتابة بيان بعنوان “الطريق الوطني للثورة الكردية” الذي أصبح لاحقاً المخطط الأساسي للحزب.

في العام التالي، تأسس الحزب رسمياً في مدينة ديار بكر التي كانت تعد مركزاً مهماً للأكراد في جنوب شرق تركيا، وانتخب أوجلان زعيماً له.

في السنوات الأولى، كان الحزب متورطاً في عمليات اغتيالات ضد شخصيات بارزة وصراعات مسلحة مع جماعات متمردة أخرى داخل تركيا.

مع تفاقم الاضطرابات الاجتماعية في أواخر السبعينات، انتقل أوجلان وبعض رفاقه إلى سوريا، حيث بدأوا تدريب المقاتلين الذين شكلوا نواة الحزب.

في 15 أغسطس/آب 1984، أطلق حزب العمال الكردستاني حملته المسلحة في تركيا، حيث شن هجمات على قوات الأمن في مناطق سييرت وهاكاري في جنوب شرق البلاد.

ورغم وصف رئيس الوزراء التركي في ذلك الوقت للمجموعة بأنها “بضع عصابات”، فإن الصراع المسلح الذي قاده الحزب أسفر عن مقتل أكثر من 40 ألف شخص في تركيا، حسب الإحصاءات الرسمية.

في عام 1993، خلال ذروة الصراع، اختطف الحزب عشرات الجنود الأتراك غير المسلحين على الطريق السريع بين ألازيغ وبينغول، وقتل 33 منهم في حادثة أثارت ضجة إعلامية واسعة. وفي نفس العام، أسفر هجوم آخر عن مقتل 33 شخصاً في إحدى القرى في محافظة إرزينجان.

خلال التسعينات، أصبح أوجلان العدو العام رقم واحد في غرب تركيا، حيث كانت وسائل الإعلام الرئيسية تصفه بـ “قاتل الأطفال”، وتحولت جنازات قوات الأمن إلى احتجاجات غاضبة ضد حزب العمال الكردستاني.

في الوقت نفسه، في شرق وجنوب تركيا، كان يُعتبر أوجلان “زعيماً” من قبل العديد من الأكراد، وكانت جنازات مقاتلي الحزب تتحول إلى مظاهرات مؤيدة له.

من هم الأكراد؟ وأين يتمركزون؟

الأكراد هم من الشعوب الأصلية للجبال والسهول في بلاد ما بين النهرين، التي تمتد عبر جنوب شرق تركيا، وشمال شرق سوريا، وشمال العراق، وشمال غرب إيران، وجنوب غرب أرمينيا.

يُقدّر عدد الأكراد في هذه المنطقة بين 25 إلى 35 مليون نسمة. وهم يشكلون رابع أكبر مجموعة عرقية في الشرق الأوسط (بعد العرب، والفارسيين، والترك)، ولكنهم لا يمتلكون دولة قومية خاصة بهم.

لعقود من الزمن، عاش الأكراد تحت حكم الإمبراطورية العثمانية. وعندما انهارت الإمبراطورية العثمانية في نهاية الحرب العالمية الأولى، بدأ العديد من الأكراد في التفكير في إنشاء وطن خاص بهم، يُشار إليه غالباً باسم “كردستان”. وقال الحلفاء الغربيون المنتصرون إنه يمكن أن يحدث ذلك في معاهدة سيفر عام 1920.

ومع ذلك، تم استبدال هذه المعاهدة في عام 1923 بمعاهدة لوزان، التي حددت حدود تركيا الحديثة ولم تتضمن أي نص بشأن إنشاء دولة كردية.

تم ترك الأكراد أقلية في جميع البلدان التي يعيشون فيها. وعلى مدار الـ 80 عاماً التالية، تم قمع جميع المحاولات التي بذلها الأكراد لإنشاء دولة مستقلة.

ايلاف

—————————-

العراق عن موقف أوجلان الأخير: خطوة مهمة للاستقرار في المنطقة

28 فبراير 2025

رحّبت الخارجية العراقية بدعوة الزعيم الكردي عبدالله أوجلان حزب العمال الكردستاني إلى إلقاء السلاح وحلّ نفسه، معتبرة إياها “خطوة إيجابية ومهمة في تحقيق الاستقرار في المنطقة”.

وفي وقت متأخر الخميس، أفادت الوزارة في بيان أنها “تعتبر هذه الخطوة إيجابية ومهمة في تحقيق الاستقرار في المنطقة (…) وخطوة بالغة الأهمية نحو تعزيز الأمن، ليس فقط في العراق (…) بل في المنطقة بأسرها”.

وشدّدت على أن “الحلول السياسية والحوار هما السبيل الأمثل لمعالجة الخلافات وإنهاء النزاعات”.

ودعا أوجلان الخميس حزب العمال الكردستاني الذي أسّسه إلى إلقاء السلاح وحلّ نفسه، في إعلان تاريخي صدر بعد أربعة عقود من النزاع المسلح الذي يخوضه الحزب مع أنقرة.

العراق يرحب بموقف أوجلان

ولتركيا التي تُصنّف مع حلفائها الغربيين، الحزب، منظمة “إرهابية”، منذ 25 عامًا قواعد عسكرية في شمال العراق لمواجهة مقاتلي الحزب المنتشرين في مواقع ومعسكرات في إقليم كردستان.

وأعربت الخارجية العراقية عن أملها “في أن تُترجم هذه الدعوة إلى خطوات عملية وسريعة لإلقاء قوات الحزب سلاحها”.

وفي الأشهر الأخيرة، شدّدت الحكومة العراقية المركزية لهجتها ضد حزب العمال الكردستاني، واعتبرته في مارس/ آذار 2024 “منظمة محظورة”.

وحثت تركيا بغداد على بذل جهود أكبر في هذه القضية. وفي منتصف أغسطس/ آب، وقّع البلدان اتفاق تعاون عسكري يتعلق بإنشاء مراكز قيادة وتدريب مشتركة كجزء من الحرب ضد حزب العمال الكردستاني.

وأكّدت الخارجية العراقية في بيانها الخميس التزام الحكومة الاتحادية “بالعلاقات القوية مع الجارة تركيا”.

وقُتل أكثر من 40 ألف شخص منذ أن رفع الحزب السلاح في 1984 بهدف إقامة وطن للأكراد. وابتعد الحزب بعد ذلك عن أهدافه الانفصالية وسعى بدلًا من ذلك إلى الحصول على مزيد من الحكم الذاتي في جنوب شرق تركيا ومزيد من الحقوق للأكراد.

وفي أكتوبر/ تشرين الأول، اقترح دولت بهجلي، زعيم حزب الحركة القومية والحليف السياسي للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أن يأمر أوجلان مقاتليه بإنهاء نضالهم المسلح بعد عقد من انهيار عملية السلام السابقة بين تركيا وحزب العمال الكردستاني، في مقابل إطلاق الزعيم الكردي.

وقال أوجلان في رسالته إن الكفاح المسلح “انتهى”، وحث تركيا على إظهار الاحترام للأقليات العرقية وحرية التعبير والحق في التنظيم الذاتي الديمقراطي.

——————–

الكرد في سوريا الجديدة: بين المقاومة والاندماج!

سانتياغو مونتاغ سولير- صحافي تشيلي

لا يزال مصير الإدارة الذاتية لشمال سوريا وشرقها غير واضح، بخاصة بعدما قررت الإدارة الأميركية الجديدة بقيادة دونالد ترامب التخلّي عن حلفائها العسكريين السابقين، ما أدّى إلى كسر التحالف الذي هزم “داعش”، والذي لا يزال ضرورياً لمنع عودته. حتى الآن، المفاوضات متعثّرة بينما تزداد الأزمة الاقتصادية والإنسانية سوءاً بالنسبة الى الكرد.

“كانت هناك جثث في كل مكان حولي، كان كابوساً لا يمكنني نسيانه”، تروي هناء (45 عاماً)، وهي جالسة في خيمتها في مدينة الطبقة، والدموع تملأ عينيها: “في تلك الليلة، أثناء هروبنا من منبج، كان أول ما فكرت فيه أننا يجب أن ننجو لنروي قصتنا”، قصة الكرد الذين يُهجَّرون مراراً وتكراراً، من مأوى إلى آخر.

مرّ ما يقارب الشهرين منذ سقوط نظام الأسد وحزب “البعث” في سوريا. ركّزت الأخبار الدولية على كيفية شروع الحكومة المركزية الجديدة، بقيادة “هيئة تحرير الشام”، في عملية تطبيع بطيئة ولكن ثابتة مع المجتمع الدولي، إلى جانب إعادة إعمار البلاد التي دمرتها 14 عاماً من الحرب الأهلية.

لكن في المناطق الصحراوية الشمالية، يبدو المشهد مختلفاً، إذ بدأت فصول جديدة من الحرب، وبينما يحاول الحكّام الجدد بسط سيطرتهم وتوحيد القوّات المسلحة، تواجه الإدارة الذاتية في شمال سوريا وشرقها (AANES)، وهي السلطة المتعددة الإثنيات التي تحكم المنطقة بقيادة الكرد، واحدة من أعمق أزماتها منذ 12 عاماً على وجودها.

التقدّم التركي الجديد

في الأيام الأخيرة من شهر تشرين الثاني/ نوفمبر، وقبل سقوط النظام البعثي، سقطت المناطق القليلة الخاضعة لحكم الإدارة الذاتية لشمال سوريا وشرقها، في عفرين، والشهباء، وتل رفعت، إثر عملية عسكرية قادها “الجيش الوطني السوري/ SNA”، واستغلّت الفصائل المتحالفة مع تركيا الفراغ الذي خلّفه رحيل الأسد، لشنّ موجة جديدة من الهجمات المدمرة ضد المقاومة الكردية والسكان المدنيين، أسفرت عن نزوح فوضوي لنحو 150 ألف شخص إلى الضفة الشرقية لنهر الفرات.

مصير الكرد والمجتمعات التي تتقاسم معهم هذا الفضاء الجغرافي، يعتمد على نتيجة الصراع المستمر بين “قوّات سوريا الديمقراطية/ SDF” و”الجيش الوطني السوري” المدعوم من تركيا. المعارك أضافت مئات القتلى إلى “مقابر الشهداء”، بينهم الكثير من المدنيين، وأفراد من التنظيمات السياسية، وفي الوقت نفسه، أدّى انقطاع المياه والكهرباء إلى تعميق الأزمة الإنسانية في المنطقة.

“الوضع الأمني حرج”، يقول المتحدث باسم “قوّات سوريا الديمقراطية” سيامند علي من داخل ثكنته، ويضيف: “سقطت الشهباء أولاً، ففرّ الكثيرون إلى منبج، بينما لجأ آخرون إلى حي الشيخ مقصود في حلب”، ويتابع الضابط وهو يعدّل نظارتيه: “لكن لم يكن هناك وقت للراحة، إذ أُجبر السكان على إخلاء المدينة، وهي الآن في أيدي حلفاء أردوغان”. تحاول “قوّات سوريا الديمقراطية” الصمود عند سد تشرين الاستراتيجي، الذي يقع على بُعد بضعة كيلومترات فقط من منبج.

بينما تواصل الطائرات التركية والمسيّرات قصف المنطقة، تسافر مجموعات من الناشطين لتقديم الدعم المعنوي لـ”قوّات سوريا الديمقراطية” بالقرب من السد. “لا يمكننا التوقّف عن الدفاع عن السد، إنه آخر خط دفاع لدينا”، تقول هدى حماد (42 عاماً)، وهي عضوة في منظّمة نسائية، وتضيف: “برغم أننا مدنيون، لا تفرق القنابل بيننا”، مؤكّدة أنها جزء من اعتصام دائم، احتجاجاً على الهجمات، وأنه منذ 8 كانون الأول/ ديسمبر الماضي، قُتل 24 مدنياً وأُصيب 200 في محيط السد.

“سد تشرين لا يزوّد شمال سوريا بالكهرباء فقط، بل له دور مهم أيضاً في الزراعة”، تشرح سوسن خليل من إدارة المياه في كوباني. وبعبارة أخرى، يضمن سد تشرين الأمن الغذائي والمائي إلى جانب الكهرباء. “بنية السد معلّقة بخيط رفيع، فهو يتعرّض لهجمات مستمرّة، وأي خرق قد يؤدّي إلى كارثة”، يحذّر مصدر آخر في الإدارة، رفض الكشف عن هويته، “هناك فريق تقني داخل السد، لكن عندما يشتد القصف، يخشى الفريق الخروج”.

أصبحت المعركة من أجل المياه أكثر احتداماً منذ ذلك الحين. في محطة استخراج مياه صغيرة على الحدود التركية، تعرّض العمال للهجوم ما لا يقل عن خمس مرات. يقول رحمن محمد (50 عاماً)، وهو عامل في السد: “منسوب الفرات يتناقص لأن تركيا تحوِّل تدفّقه عبر سد أتاتورك في الشمال”، ثم يواصل حديثه من داخل غرفة المحركات الصاخبة: “نأتي إلى العمل ونحن خائفون، فقد أُصيب ثلاثة من زملائنا في انفجار سيارة، وأُصيب آخر برصاصة”، يقول العامل الذي يتقاضى راتباً زهيداً.

تخدم هذه المعارك هدفاً استراتيجياً لتركيا؛ فهي مفتاح توسيع نفوذها في سوريا. وبينما تتعثّر جولات المفاوضات بين الإدارة الذاتية لشمال سوريا وشرقها والإدارة الجديدة، يكسب “الجيش الوطني السوري” وتركيا الوقت لمواصلة عمليات الاستنزاف ضد “قوّات سوريا الديمقراطية”.

لطالما اعتبرت تركيا “قوّات سوريا الديمقراطية” كياناً معادياً، لكنها حتى الآن كانت مقيّدة بسبب الوجود العسكري الأميركي في المنطقة، الذي يسعى إلى استبدال “قسد” بحلفاء أكثر توافقاً مع مصالحه، لكن الظروف تغيّرت بشكل كبير بعد وصول “هيئة تحرير الشام” إلى السلطة وتحالفها مع “الجيش الوطني السوري” وجماعات مسلّحة أخرى.

فقدت “قوّات سوريا الديمقراطية” آلافاً من عناصرها في القتال ضد تنظيم “داعش” والفصائل المسلّحة المدعومة من تركيا، وتعتبر أنقرة أن “قسد” امتداد لحزب “العمال الكردستاني/ PKK”، وهو تنظيم كردي مسلّح تصنّفه كمنظّمة إرهابية. لهذا السبب، ترى تركيا في مشروع الإدارة الذاتية لشمال سوريا وشرقها، مشكلة استراتيجية منذ تأسيسه بعد الانتفاضة الشعبية في عام 2011 ضد نظام الأسد وبداية الحرب الأهلية.

إحدى هذه الإشكاليات كانت عندما أنشأت التنظيمات السياسية الكردية، وعلى رأسها “وحدات حماية الشعب/ YPG”، مشروعاً سياسياً مستقلاً بحكم الواقع، مستنداً إلى اتفاقيات مع زعماء العشائر العربية والمجتمعات متعددة الإثنيات والأديان. وقد حققت هذه السلطة مستويات عالية من الحكم الذاتي من خلال إدارة الشؤون اليومية للمنطقة، التي يسمّيها كثر من الكرد “روج آفا – كردستان الغربية”.

دور العشائر

أدّت سياسات التغيير الديموغرافي منذ العام 1970 التي انتهجها آل الأسد، وفي السنوات الأخيرة تركيا، إلى تعقيد ميزان القوى، ما جعل الكرد أقلية في الأراضي التي يطالبون بها تاريخياً، وكان هذا هو أساس التفوّق الميداني لأنقرة في منبج، كما يُوضح المتحدث باسم “قوّات سوريا الديمقراطية” سيامند علي وهو يرتدي سترته الرسمية: “جزء من العشائر هناك كان دائماً معادياً للإدارة، لكن هذا ليس حال جميع المناطق”.

في مكتبه، يوضح الشيخ بندر، أحد زعماء قبيلة شُمّر القوّية بالقرب من العراق، قائلاً: “بعض العشائر قاتلت إلى جانب داعش، بينما انضم رجالنا إلى وحدتنا التي تضم 4,000 مقاتل، وتُعرف بالصناديد’”، ويتابع الشيخ، الذي يرتدي بدلة ويضع شالاً أبيض على رأسه: “قاتلنا من أجل تحرير المنطقة منذ العام 2014، وعندما قررنا أن نكون جزءاً من قوّات سوريا الديمقراطية، منذ ذلك الحين نحن مسؤولون عن أمن هذه المنطقة”.

هذا التحالف يشكّل ركيزة أساسية لاستدامة الإدارة الذاتية لشمال سوريا وشرقها، حيث بُني على سنوات من الدفاع عن المجتمعات ضد “داعش”، الذي ارتكب عشرات المجازر بحق العشائر العربية. بالنسبة الى الشيخ بندر فإن “داعش لم يحترم البنية القبلية، بينما فعلت الإدارة الذاتية ذلك”، ما جعل الكرد، رغم كونهم أقلية، يعتمدون في نظامهم على احترام الهياكل العشائرية، على عكس ما فعله تنظيم “داعش”. هذه العلاقة محورية لفهم أي تحوّل محتمل في التحالفات المستقبلية.

جالساً على فرش تقليدية بجوار مدفأة منزله، يُوضح الشيخ فارس حوران في الرقّة موقفه قائلًا: “رغم أننا لا نُعفي الإدارة من النقد ونرغب في سوريا موحّدة، فإن علاقتنا مع حكّامنا قائمة على الاحترام، ولا ندعم أي عمل عسكري. على العكس، نريد حلولاً سياسية سلمية”.

شنّت تركيا أربع عمليات عسكرية ضد هذه الكيانات منذ العام 2016، مثل عملية “درع الفرات” و”غصن الزيتون”، وسيطرت على مساحات واسعة على طول حدودها، ما أدّى إلى نزوح مئات الآلاف من الأشخاص في محاولة لتقويض أي مشروع سياسي بديل. يشير القصف المستمر للمناطق المدنية إلى أن هذه الهجمات لن تتوقّف حتى بعد سقوط الأسد.

أزمة إنسانية جديدة

“ها نحن هنا، انتهى بنا المطاف في ملعب كرة القدم البلدي في الطبقة، ننام ونعيش في ظروف غير إنسانية، من دون مأوى آمن لفصل الشتاء”، تقول أرين سليمان (32 عاماً)، وهي أم لأربعة أطفال، أحدهم يعاني من اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD). بالنسبة إلى كثيرين، هذه هي المرة الثالثة التي يُجبرون فيها على النزوح منذ العام 2018.

مصطفى رشيد رئيس مخيم النازحين داخلياً، يراجع الأرقام: “هناك حوالي 150,000 نازح في الطبقة، مع ما يقارب 1,300 عائلة هنا، بينما ينتشر أكثر من 2,000 آخرين في أماكن مثل المدارس والمساجد، في حين يوجد قرابة 200 شخص بلا مأوى”، يقول الرجل ذو اللحية الرمادية (55 عاماً)، و”الخيام مكتظّة، لا يوجد أي خصوصية، وهناك مشاكل خطيرة في الصرف الصحي”، يضيف رشيد. أما باقي النازحين، فهم منتشرون في مناطق أخرى مثل قامشلي وكوباني، ويعيشون في ظروف مماثلة.

جالسة بجواره، تشرح نسرين فهيمة أن “الفصول الدراسية توقّفت بسبب هذا الوضع، ما تسبب في مشكلات تعليمية خطيرة”، تقول ذلك بينما تأخذ رشفة من الشاي. “هناك مشكلات صحية من جميع الأنواع بسبب البكتيريا في المياه، ليس لدينا أطباء، وقد تُوفي بالفعل طفلان دون السنة من عمريهما بسبب البرد”، تتابع المرأة ذات الشعر الطويل (42 عاماً). “كما تُوفيت امرأة مسنة بسبب نقص الرعاية”، تضيف بأسى.

“لا توجد أدوية أيضاً، وهناك أشخاص يعانون من أمراض مزمنة خطيرة مثل السرطان أو يحتاجون إلى غسيل كلى، ناهيك بالصدمة النفسية الهائلة التي مررنا بها”، تشرح فهيمة بوجه قلق، جالسة بجوار المدفأة.

المنظّمات غير الحكومية مثل الهلال الأحمر الكردي و”اليونيسف” أرسلت مساعدات، لكنها غير كافية، بخاصة مع نقص المعدات الطبية المتقدمة. “أصبح النقص جزءاً من حياتنا اليومية”، وباختصار، “الوضع الإنساني كارثي”، تختم حديثها.

مشكلة الاندماج

ببطء ولكن بثبات، فتح قادة الإدارة الذاتية لشمال سوريا وشرقها، قنوات تفاوض مع السلطات الجديدة في دمشق، بشأن مستقبل الكرد، الذين يشكّلون 10 في المئة من سكان سوريا قبل الحرب، وهم لا يسعون إلى حكم ذاتي كامل بحكومة وبرلمان مستقلّين، بل يريدون ببساطة اللامركزية الإدارية، أي مساحة لإدارة شؤونهم اليومية.

لكن السلطات الجديدة متحالفة مع الجماعات المسلّحة المدعومة من تركيا، التي شنّت هجوماً على الكرد في كانون الأول/ ديسمبر، مستغلّة الفوضى التي أعقبت سقوط الأسد. بمعنى آخر، فيما تحاول قيادة “هيئة تحرير الشام” إبداء ضبط النفس، وتسعى إلى دمج المجتمعات المختلفة، فإنها تعتمد بشكل كبير على جهات خارجية مثل أنقرة والرياض والدوحة.

للصراع المستمر تداعيات كبيرة على مستقبل سوريا، حيث تحاول الحكومة الجديدة، بقيادة الجماعة الإسلامية المتمرّدة السابقة “هيئة تحرير الشام”، ترسيخ سلطتها والشروع في إعادة الإعمار بعد قرابة 14 عاماً من الحرب الأهلية، بينما تسعى الآن إلى تحقيق قدر من الاستقلال الذاتي.

في اجتماع مغلق بين أحمد الشرع (المعروف سابقاً باسم محمد الجولاني) والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أُبرم تحالفهما بشكل صريح. أعلن الشرع أن سوريا تسعى إلى “علاقة استراتيجية عميقة في جميع المجالات” تخدم مصالح البلدين. كما شدد على ضرورة وضع “استراتيجية مشتركة لمواجهة التهديدات الأمنية في المنطقة”، مشيراً بشكل خاص إلى شمال شرقي سوريا، الخاضع لسيطرة ميليشيا يقودها الكرد ولا تخضع لسلطة “هيئة تحرير الشام”.

رغم أن الشرع لم يشارك بعد بشكل مباشر في الصراع، فإنه أبدى استعداده للتعاون في مواجهة ما وصفه بـ”الإرهاب في الشمال”.

لا يزال مصير الإدارة الذاتية لشمال سوريا وشرقها غير واضح، بخاصة بعدما قررت الإدارة الأميركية الجديدة بقيادة دونالد ترامب التخلّي عن حلفائها العسكريين السابقين، ما أدّى إلى كسر التحالف الذي هزم “داعش”، والذي لا يزال ضرورياً لمنع عودته. حتى الآن، المفاوضات متعثّرة بينما تزداد الأزمة الاقتصادية والإنسانية سوءاً بالنسبة الى الكرد.

درج

——————————-

كيف تلقى أكراد سوريا دعوة أوجلان لإلقاء السلاح؟

دمشق: كمال شيخو

28 فبراير 2025 م

شكَّلت استدارة الزعيم الكردي، عبد الله أوجلان، ودعوته لحل جميع المجموعات التابعة لـ«حزب العمال الكردستاني» وإلقاء سلاحها، مساراً جديداً لأكراد سوريا وتهيّئة مناخات سياسية للدخول في حوارات مع الإدارة السورية الانتقالية بمعطيات جديدة، والبحث على غطاءين دولي وإقليمي للوصول إلى تفاهمات بعيداً عن لغة الحرب والتدخلات الخارجية.

وسعى مظلوم عبدي، قائد «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) التي يقودها الكرد، في أول تعليق رسمي على دعوة أوجلان، إلى تمييز قواته عن «حزب العمال» التركي، مؤكداً أن الدعوة تتعلق بمقاتلي الحزب وليس بقواته، ولا علاقة لأكراد سوريا بها.

ضغوط على «قسد»

تواجه «قسد»، تحديات إضافية بعد انهيار نظام بشار الأسد، مع استمرار التهديدات التركية، والضربات الجوية على محاور سد تشرين بريف محافظة حلب الشرقي، إلى جانب ضغوط حكومة دمشق لحل نفسها والانضمام كأفراد إلى الجيش السوري الجديد، وحل مؤسسات الإدارة الذاتية لصالح مؤسسات الدولة. في وقت أشارت إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، إلى خطط لسحب نحو 900 جندي أميركي من سوريا قبل انقضاء السنة الحالية.

بالمقابل، حرصت «قسد» على تقديم رسائل إيجابية لدمشق ومطالبتها بأرضية مناسبة للتفاوض مع الإدارة الجديدة، وأن جميع النقاط التي ما زالت عالقة قيد النقاش، وتوافقها مع مطالب دمشق بإخراج المقاتلين غير السوريين من صفوف «قسد»، واستعدادها لمناقشة ملف سجناء تنظيم «داعش»، وبحث مصير عائلاته القاطنين في مخيمي الهول وروج بريف الحسكة.

وكشف مصدر كردي عن أن لقاءً جديداً سيُعقد بين أحمد الشرع، رئيس المرحلة الانتقالية، ومظلوم عبدي، قائد «قسد»، في دمشق خلال الأيام القليلة المقبلة، مشيراً إلى أن اللقاء الأول الذي عُقد في قصر الشعب نهاية العام الماضي بالعاصمة دمشق، لم يكن بالمستوى المطلوب ومخيباً للتوقعات الكردية.

وتعليقاً على دعوة أوجلان إلى سلام كردي مع تركيا وتداعياتها على الساحة السورية، يقول الكاتب خورشيد دلي، المحلل المتخصص في الشؤون الكردية، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، إن الدعوة إذا وجدت طريقها للتنفيذ، «لن تبقي حجة تركية لمزيد من الهجمات واستهداف المناطق الواقعة تحت سيطرة (قسد)؛ فتركيا كانت تربط هذه المنطقة بحزب العمال الكردستاني، وبالتالي ستنتفي في مسار السلام الحجج التركية».

ويرى دلي أن دعوة أوجلان في هذا التوقيت ستشكل مدخلاً جديداً للحوارات بين قوات «قسد» والسلطة الانتقالية في دمشق؛ إذ «ستخفف الضغط العسكري التركي على (قسد)، وحتى ستخفف الضغط السياسي على الشرع، كما ستكون مدخلاً قوياً لخيارات سياسية بين السوريين، وربما ستحظى هذه الدعوة بدعم دولي وإقليمي وعربي».

«قسد» غير معنية

يرى الكاتب براء صبري، وهو باحث مساهم في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، أن ظلال دعوة الزعيم أوجلان لن تنعكس على المنطقة التي تديرها قوات «قسد» بسوريا،

وقال صبري في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «لا يبدو أن (قسد) معنية بهذه الدعوة، وهي كررت مراراً عدم ارتباطها بحزب العمال وأعلنت مراراً أنها منفصلة، ووجدت هذا الإعلان وسيلة لوقف ذرائع تركيا في عدائها لها».

وتتهم تركيا الولايات المتحدة والتحالف الدولي بتقديم الدعم العسكري للوحدات الكردية العماد العسكرية لقوات «قسد»، بدعوى حربها على «داعش» الإرهابي، وتعدها جناحاً سورياً لـ«حزب العمال الكردستاني» التركي وتهديداَ لأمنها القومي، وطالبت واشنطن برفع الغطاء عن «قسد».

وقال صبري إن «قسد» تدرك مدى تأثير أنقرة على توجهات دمشق الحالية وتعدّ التحركات الداخلية في تركيا؛ وتابع حديثه ليقول: «(قسد) تصر على أنها قوة مستقلة غير مرتبطة بحزب العمال، وسيكون الوسيط الأميركي العامل الحاسم في الحل لبناء علاقة تركية مع مناطق شرق الفرات تتسم بحسن الجوار، وبناء حل دستوري مع دمشق يضمن حقوق الأكراد».

الشرق الأوسط

————————–

أوجلان… قاتل أم بطل وداعية سلام؟

إردوغان يراه مفتاحاً لإنهاء الإرهاب… ويصر على سجنه

سعيد عبد الرازق

28 فبراير 2025 م

خرج مئات الآلاف من الأكراد في شوارع مدن جنوب تركيا فضلاً عن الآلاف في شمال شرقي سوريا، ابتهاجاً بالدعوة التي أطلقها زعيم «حزب العمال الكردستاني»، السجين عبد الله أوجلان، لحل الحزب، ومطالبة جميع المجموعات التابعة له بإلقاء أسلحتها، ليؤكد من جديد أنه مفتاح حل المشكلة الكردية في تركيا والمنطقة.

ورغم بقاء أوجلان (75 عاماً) في محبسه الانفرادي في سجن منعزل بجزيرة إيمرالي التابعة لولاية بورصة، على بُعد 51 كيلومتراً من إسطنبول في جنوب بحر مرمرة غرب تركيا، لمدة 26 عاماً، فلا يزال يعد «الرجل الضرورة» عند الحديث عن حل المشكلة الكردية في تركيا، الذي لا يتردد في إطلاق «نداءات السلام» و«الحل» كلما طُلب منه ذلك.

أسس أوجلان، الذي يعدّه الأكراد «بطلاً» ويلقبونه «آبو»، أي (العم)، «حزب العمال الكردستاني» في منطقة ليجه في ديار بكر 28 نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1978، بعد انشقاقه عن اليسار التركي ليؤسس «العمال الكردستاني»، متعهداً بالقتال من أجل إقامة دولة كردستان المستقلة بعد تركه كلية العلوم السياسية في جامعة أنقرة.

تمرد وملاحقة

وقاد منذ 1984، من سوريا، تمرداً أودى بحياة عشرات آلاف الأشخاص (اختلفت التقديرات بالنسبة لعدد الضحايا ما بين 15 و40 ألف شخص) في ظل سعيه إلى نيل الحكم الذاتي للأكراد في جنوب شرقي تركيا، وصنفت تركيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي حزبه منظمة إرهابية.

وجرى القبض عليه في العاصمة الكينية نيروبي في 15 فبراير (شباط) عام 1999، بعد طرده من سوريا عام 1989. وكان قد نقل جوّاً إلى أنقرة تحت حراسة قوات تركية خاصة، وحُكِم عليه بالإعدام في 29 يونيو (حزيران) 1999 بعد إدانته بتهمة تأسيس وقيادة منظمة إرهابية.

لكن الحكم لم ينفذ عندما ألغت تركيا عقوبة الإعدام عام 2004، في إطار مفاوضاتها للانضمام إلى عضوية الاتحاد الأوروبي، وخُفف إلى السجن مدى الحياة، مع عدم إمكانية الإفراج المشروط، ليقبع منفرداً في زنزانة في سجن إيمرالي في بحر مرمرة جنوب إسطنبول.

ولم يطوِ النسيان صفحة أوجلان رغم سجنه، فنظراً لتأثيره الشديد على الأكراد في تركيا والمنطقة المحيطة بها، ظل دائماً هو مفتاح الحل كلما تأزمت القضية الكردية وتداعياتها في تركيا.

ورغم تكرار الرئيس رجب طيب إردوغان وصفه لأوجلان بـ«قاتل الأطفال»، وتأكيده أنه لا يمكن العفو أو الإفراج عنه نهائياً، فإنه يرى فيه مفتاح الحل وكلمة السر في أي جهود تستهدف إنهاء مشكلة الإرهاب في تركيا.

مفتاح الحل

وجرى اللجوء للحوار مع أوجلان عام 2012، لإطلاق «عملية الحل» أو السلام الداخلي في تركيا، التي كانت تستهدف حل المشكلة الكردية، ووقف نشاط «حزب العمال الكردستاني» ونزع أسلحته، وأصدر نداءً بذلك في احتفالات عيد «نوروز» في 21 مارس (آذار) 2014.

وكانت «عملية الحل» هي واحدة من أكثر المحاولات الملموسة لإنهاء الصراعات بين الدولة التركية و«العمال الكردستاني»، قبل أن يسحب إردوغان اعترافه بها في 2015.

الآن، عاد الرجل نفسه، أوجلان، ليطلق نداءً جديداً للسلام وحل «حزب العمال الكردستاني» ونزع أسلحة جميع مجموعاته، في ظل ظروف إقليمية عصيبة، آملاً في تحقيق التآخي بين الأكراد والأتراك وإحلال السلام في المجتمع، لكن لا أحد يعلم ما إذا كانت دعوته ستثمر حلّاً دائماً في تركيا والمنطقة، أم تضيع في دهاليز السياسة وتكتيكات الانتخابات!

————————–

أوجلان يوجّه بإلقاء السلاح.. لماذا الآن؟/ د. سعيد الحاج

كاتب وباحث فلسطيني

28/2/2025|

في حدث تاريخيّ، وجّه زعيم حزب العمال الكردستاني عبدالله أوجلان نداء لحل الحزب الانفصالي، ووقف عملياته ضد تركيا. يختلف هذا النداء عن آخرَيْن سبقاه في العقد الماضي، من حيث السياق المحلي والإقليمي والدولي، بما يبشّر بمآلات مختلفة هذه المرة.

نداء أوجلان

في السابع والعشرين من فبراير/ شباط، وفي رسالة نقلها عنه وفد حزب ديمقراطية ومساواة الشعوب الذي زاره في سجنه، وجّه زعيم المنظمة الانفصالية المعتقل منذ 1999 نداءً تاريخيًا لحلّ الحزب.

عنوَن أوجلان رسالته بـ “دعوة للسلام والمجتمع الديمقراطي”، وتحدث فيها عن “العلاقات التركية – الكردية التي تمتد لأكثر من ألف عام”، حيث تحالف الأكراد والأتراك دائمًا من أجل البقاء ومواجهة القوى المهيمنة.

وقال إن “الحداثة الرأسمالية استهدفت خلال القرنين الماضيين تفتيت هذا التحالف”، مؤكدًا على أنّ الواجب الرئيس اليوم هو “إعادة صياغة هذه العلاقة التاريخية الهشّة بروح الأخوّة”، ما يجعل “المجتمع الديمقراطي حاجة لا فكاك عنها”، على حد تعبيره.

ودعا أوجلان صراحة حزب العمال الكردستاني لإلقاء السلاح، وحل نفسه، وانتهاج العمل السياسي “متحمّلًا المسؤولية التاريخية عن ذلك”، حيث دعا قيادات الحزب لدعوة مؤتمره العام وإعلان حلّ الحزب و”إلقاء كل المجموعات السلاح”، للتكامل مع الدولة والمجتمع.

ووضع الزعيم التاريخي للكردستاني مشروعية تأسيس حزبه في سياق ظروف الحرب الباردة، و”إنكار الحقيقة الكردية”، وانسداد مسارات العمل السياسي، والحظر على الحريات.

وهي العوامل التي يرى أوجلان أنها انتهت و/أو تغيرت، ما تسبب بـ “فقدان العمال الكردستاني للمعنى، ودفعه للتكرار المتشدد”، ولذلك فقد “استنفد عمره، وبات حله ضروريًا”.

واللافت أن أوجلان فند في رسالته التاريخية بعض المطالب التقليدية لحزبه، مؤكدًا على أن الحلول من قبيل الدولة القومية المنفصلة، الفدرالية، والإدارات الذاتية، أو الحلول الثقافوية “لن تجد استجابة من الشعب” وفق سيرورة الاجتماع السياسي التاريخية، ما يجعل الديمقراطية والعمل السياسي حلًا وحيدًا ولازمًا على ما جاء في الرسالة.

لماذا الآن؟

بدأت الدولة التركية سابقًا مسار تسوية سياسية مع العمال الكردستاني ابتداءً من 2009، بعد سلسلة إصلاحات ديمقراطية وسياسية خاصة بالطيف الكردي، ووصلت معه لشبه اتفاق يقضي بإقرار حقوق سياسية – ثقافية إضافية للأكراد مقابل إلقاء السلاح وخروج عناصر الحزب من تركيا.

وقد وجّه أوجلان نداءً بهذا الشأن عام 2013، وكرّره عام 2015، لكن المسار توقّف وفشل، وكان الدافع الرئيس في ذلك الوقت تطورات الثورة السورية وتبعاتها، حيث أعلن حزب الاتحاد الديمقراطي (الامتداد السوري للكردستاني) إدارات ذاتية في ثلاثة كانتونات في الشمال السوري.

إذ أعادت هذه التطورات السورية والإقليمية للكردستاني حلم الدولة الكردية، فاستأنف عملياته داخل تركيا، وأعلن عن إدارات ذاتية في مناطق الأغلبية الكردية، وخاض حرب مدن وشوارع، كما شنّت تركيا عدة عمليات ضد امتداداته السورية، وطوّرت عملياتها ضد معاقله في شمال العراق.

اليوم، ومرة أخرى، يدفع السياق الإقليمي والدولي لتطورات عميقة ومهمة في المسألة الكردية، ولكن بالاتجاه المعاكس. فقد قوّى سقوط النظام السوري أوراق تركيا في مواجهة المشاريع الانفصالية في الشمال السوري، لا سيما وهي تتفق مع القيادة السورية الجديدة على وحدة الأراضي والمؤسسات السورية، ووضعت قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في موقف دفاعي صعب، بل وعززت من أوراق التفاوض التركية مع الإدارة الأميركية الداعم الأبرز لقسد.

كما أن انتخاب ترامب مجددًا أعاد للأذهان أفكاره القديمة المتعلقة بضرورة سحب قوات بلاده من سوريا، وهو ما يضع قسد في مهب الريح، سوريًا أولًا، وفي البعد الإقليمي ثانيًا.

كما لا ينبغي إغفال العوامل المحلية، وفي مقدمتها نجاح عمليات المكافحة والحرب الاستباقية التركية على مدى سنوات في منع هجمات الكردستاني وتقويض إمكاناته وتقليل الانتساب له.

كما أن نداء دولت بهتشلي، الزعيم القومي وحليف الرئيس أردوغان، في شهر أكتوبر/ تشرين الأول الفائت، بخصوص حلّ المسألة الكردية، فتح آفاقًا رحبة للمسألة، خصوصًا أنه تقليديًا من أشد المعارضين لذلك.

من جهة ثانية، ينبغي الإشارة إلى أن أوجلان، الزعيم التاريخي والمنظّر للكردستاني، صاحب مراجعات فكرية وسياسية، وقد نشرت له سابقًا عدة مراجعات بخصوص أفكار الحزب ومنهجيته.

ولعل الرسالة الأخيرة التي أشارت لانتفاء أهم العوامل التي شكلت السياق الذي تأسس به الحزب، ثم تفنيده أي مطالب خارج الإطار السياسي الداخلي التركي، تحمل مؤشرات على مراجعات فكرية وتنظير جديد وفق قراءة لمجمل التطورات المحلية والإقليمية والدولية، فضلًا عن التغيرات الجذرية في فكر الحزب وواقعه و”معناه”، وليس مجرد مناورة سياسية ظرفية.

الفرص والتحديات

يتميز نداء أوجلان الأخير عن سابقيه من حيث المضمون والسياق، حيث لم يكتفِ أوجلان بالدعوة لوقف العمليات ضد تركيا، كما حصل سابقًا، وإنما دعا لحل التنظيم وإلقاء السلاح نهائيًا، وانتهاج العمل السياسي، معللًا ذلك بتغير السياق وانتفاء المعنى وتراجع المشروعيَّة وانعدام الفائدة لما انتهجه الكردستاني على مدى أربعة عقود.

يجعل كل ذلك النداء تاريخيًا فعلًا، ويضع تركيا على بداية مسار يمكن أن يخلصها من الملفّ الأكثر حساسية في مشهدها الداخلي، والذي كلّفها عشرات آلاف الضحايا، ومئات مليارات الدولارات، ونسيجًا مجتمعيًا ضعيفًا، وثغرات للتدخل الخارجي.

بيد أن التجارب التاريخية تؤكد صعوبة القضاء على ظواهر من هذا النوع، لا سيما حين تحظى بدعم خارجي. فما فرص النجاح هذه المرة؟

ثمة عوامل داخلية وخارجية مهمة تساهم في رفع سقف التوقعات من المسار الجديد، في مقدمتها ما سلف تفصيله من سياق إقليمي ودولي يضيّق المساحات على العمال الكردستاني وامتداداته في المنطقة، ولا سيما ما يتعلّق بالدعم الأميركي المباشر لهذا المشروع، وخصوصًا في سوريا.

كما أن تصريحات رئيس إقليم كردستان العراق نجيرفان البارزاني ورئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود البارزاني الداعمة لنداء أوجلان، وتثمين قيادات قسد له، تشير إلى مناخ إقليمي داعم.

وهناك رضا الدولة التركية، بالحد الأدنى، عن الخطوات التي تمت حتى اللحظة. يتبدى ذلك بدعوة دولت بهتشلي، ودعم أردوغان لها، وترتيب زيارات لعبدالله أوجلان من حزب ديمقراطية ومساواة الشعوب، ولقاء الوفد الزائر مع عدد من الأحزاب السياسية (منها العدالة والتنمية والحركة القومية) ورئاسة البرلمان، والسماح بنقل رسالته في الإعلام.

كما أن نائب رئيس حزب العدالة والتنمية أفقان آلا، وفي أول تعليق رسمي، رحب بالدعوة التي “جوهرها إلقاء السلاح وحل التنظيم الإرهابي”، مشيرًا إلى أن “تركيا ستتحرر من قيودها” إذا ما تحقق ذلك.

كما أن أوجلان ورغم سِنِيْ سجنه التي تربو على ربع قرن، ما زال يحظى برمزية كبيرة وينظر له حتى اللحظة كزعيم تاريخي وحالي للكردستاني، ما يمنح كلماته مشروعية وتأثيرًا على أتباع الحزب.

ومن المهم الإشارة إلى أن رسالة أوجلان كانت واضحة ومباشرة لا تترك مجالًا للمناورة أو عدة تفسيرات.

كما أن بعض قيادات العمال الكردستاني غيّرت موقفها مؤخرًا من التقليل مما يصدر عن أوجلان بعدِّه “أسيرًا لا يملك قراره”، إلى التأكيد على زعامته وتثمين كلامه.

في المقابل ثمة تحديات عديدة أمام المسار الذي يهدف لحل مشكلة معقدة ومتداخلة داخليًا وخارجيًا وعالقة منذ عقود.

في مقدمة ذلك أن المسار غير واضح المعالم حتى اللحظة، أو بكلام أدق لم يعلن حتى اللحظة ما المطلوب أو المرغوب أو المعروض من الحكومة التركية، مقابل هذا النداء التاريخي. وبالتالي، من الصعب الحكم على آفاق نجاحه.

التحدي الآخر يتمثل بالحالة الصحية لدولت بهتشلي، اللاعب المهم وصمام الأمان ومطلق المسار الحالي، حيث يُتداول أن صحته متدهورة إضافة لتقدمه في السن، ما يجعل فكرة غيابه عن المشهد السياسي حاضرة وأسئلة تأثير ذلك على المسار قائمة.

وهناك بالتأكيد التحدي الأكبر المرتبط بمدى استجابة قيادات الكردستاني، ولا سيما في جبال قنديل، للنداء واستحقاقاته.

فرغم بعض التصريحات الإيجابية، فإن توقع الانصياع الكامل سيكون تسرعًا في غير محله، في قضية تمتزج فيها الأيديولوجيا مع السلاح والمال مع النفوذ والقناعات مع الرهان على الخارج، فضلًا عن أن التجارب السابقة تدعو للتفاؤل الحذر بكل الأحوال.

كما أن ارتباط المسار بالتطورات الخارجية، ولا سيما سوريا والعلاقات مع واشنطن، يترك دائمًا هامشًا للمناورة والتغير في حال حصلت تطورات ذات بال متعلقة بها.

ختامًا، رغم أهمية نداء أوجلان كإعلان تاريخي يفتح مرحلة جديدة في المسألة الكردية في تركيا والمنطقة، فإننا ما زلنا في بدايات المسار المرتقب. ومن الأهمية بمكان الإشارة إلى أنه مسار طويل وليس مجرد محطات محددة يمكن أن تنهي الملف بتصريح هنا أو رغبة هناك.

ورغم ذلك، يضع النداء العمال الكردستاني أمام مفترق طرق، فإما أن يلقي السلاح وينتهج العمل السياسي، أو يندفع لصراعات داخلية بين أنصار أوجلان ورافضي دعوته، وإما أن يفقد الكثير من مشروعيته وتأثيره على الطيف الكردي.

وفي كل ذلك، يبدو موقف أنقرة اليوم أقوى بكثير من أي وقت مضى، ومجالات المناورة أمامها أرحب بكثير من السابق، وفرص نجاحها هذه المرة أعلى بمراحل من التجارب السابقة.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

 كاتب وباحث فلسطيني

الجزيرة

————————-

تركيا تدخل مرحلة فاصلة بعد بيان أوجلان/ د. ياسين أقطاي

28/2/2025

شهدت القضية الكردية في تركيا تطورًا جديدًا بعد دعوة زعيم حزب الحركة القومية، دولت بهتشلي، في 22 أكتوبر/ تشرين الأول 2024، إلى التواصل مع عبدالله أوجلان، مؤسس حزب العمال الكردستاني. وقد أسفرت هذه الدعوة عن تصريح مفاجئ من أوجلان، دعا فيه التنظيم إلى التخلي عن السلاح وحلّ نفسه، وهو ما يشير إلى دخولنا مرحلة غير مسبوقة في تاريخ هذه القضية.

على مدى 41 عامًا، كلفت أنشطة حزب العمال الكردستاني الإرهابية تركيا ثمنًا باهظًا، ولم يكن من المتصور، حتى قبل أشهر قليلة، أن يصدر مثل هذا النداء عن مؤسس التنظيم نفسه. وقد نقل أوجلان رسالته هذه عبر وفد من حزب الشعوب الديمقراطي (DEM)، الذي زاره مرارًا في سجنه.

لمتابعة هذه الرسالة، أقام فرعا حزب الشعوب الديمقراطي في ديار بكر وفان، شاشات عملاقة لبثها أمام الجمهور. ففي فان، تم عرض الرسالة في ساحة المدينة، بينما نُقل البث في ديار بكر في ميدان داغكابي. كما تمت مشاهدتها مباشرة في ملعب 12 مارس بمدينة القامشلي السورية، التي تقع تحت سيطرة وحدات حماية الشعب الكردية (YPG).

في كلمته، استعرض أوجلان الظروف التاريخية التي أدت إلى ظهور حزب العمال الكردستاني، وهي الظروف المرتبطة، كما هو معلوم، بإنكار الهوية واللغة والوجود الكردي نتيجة سياسات الدولة القومية.

وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد أقرّ بهذه الحقيقة سابقًا، حيث اعتبر أن غياب المساحة السياسية للتعبير عن الهوية الكردية، هو ما أدى إلى نشوء التنظيم.

بيدَ أن أوجلان أكد أن هذه الظروف لم تعد قائمة اليوم، ما يعني أن استمرار حزب العمال الكردستاني في نضاله المسلح لم يعد له مبرر. فقد شدد على أن “لا مكسب ولا حق يمكن تحقيقه بعد الآن من خلال السلاح”، وهو تصريح جوهري يقوّض الأساس الذي قام عليه التنظيم، خاصة أنه صادر عن زعيمه ومؤسسه.

قبل وصول أردوغان وحزب العدالة والتنمية إلى الحكم، لم تكن الدولة التركية تعترف بالهوية الكردية، مما وفّر لحزب العمال الكردستاني ذريعة للاستمرار، وإن لم يكن ذلك مبررًا لشرعيته. لكن أردوغان، انطلاقًا من قناعاته الإسلامية التي ترفض إنكار أي قومية أو حظر لغتها، اعتبر أن الحل يكمن في ترسيخ الأخوّة بين الأتراك والأكراد والعرب.

وفي 12 أغسطس/ آب 2005، أعلن أردوغان في خطاب تاريخي بمدينة ديار بكر أنه يعترف بوجود “المشكلة الكردية”، متعهدًا بحلها، على عكس السياسيين السابقين الذين تجنبوا اتخاذ خطوات جدية في هذا الاتجاه. وقد عمل أردوغان على تفكيك عناصر هذه المشكلة بجرأة لم يسبق لها مثيل، متناولًا مختلف أبعادها:

    قضية اللغة الكردية.

    مسألة الهوية.

    الحق في التنظيم والتعليم.

    رفع حالة الطوارئ.

    معالجة التفاوت التنموي في المناطق الكردية.

لم يكتفِ أردوغان بالإصلاحات القانونية، بل أطلق عملية “الانفتاح” ثم “عملية الحل”، رغم إدراكه المخاطر السياسية التي قد تترتب على ذلك.

وكان جوهر عملية الحل يقوم على الاعتراف بالوجود الكردي وهويته ولغته وثقافته مقابل تخلي حزب العمال الكردستاني عن السلاح. ولأن التنظيم هو الطرف المسلح، فقد كان لا بد من التعامل معه لتحقيق هذا الهدف.

كيف انهارت عملية الحل؟

خلال عملية الحل، توقف إطلاق النار، ولم تشنّ الدولة أي عمليات عسكرية ضد حزب العمال الكردستاني، منتظرةً منه تنفيذ تعهده بالتخلي عن السلاح وسحب مقاتليه من تركيا.

لكن التطورات في سوريا غيرت مسار الأمور. فقد حصل حزب العمال الكردستاني على دعم أميركي تحت ذريعة محاربة تنظيم الدولة، ما أغراه بالبقاء في المشهد المسلح.

وهنا ظهر جليًا أن القوى الدولية، وعلى رأسها الولايات المتحدة وأوروبا والنظام السوري، لم تكن معنية بحلّ القضية الكردية في تركيا، بل كانت تستخدم حزب العمال الكردستاني كورقة ضغط ضد أنقرة.

استغل الحزب توقف العمليات العسكرية ضده ليعزز انتشاره في الجبال التركية، واستفاد من البلديات التي كان يسيطر عليها حزب الشعوب الديمقراطي؛ لتجنيد المزيد من الشباب وحتى الأطفال، ما أدى في النهاية إلى انهيار عملية الحل.

مع انتهاء عملية الحل، شنت الدولة التركية حملة غير مسبوقة ضد الإرهاب، وتمكنت من القضاء على وجود حزب العمال الكردستاني داخل الأراضي التركية بشكل شبه كامل. وهكذا، لم يعد الإرهاب مشكلة داخلية بقدر ما بات مصدر قلق خارجي؛ بسبب استمرار وجود الحزب في سوريا، حيث تدعمه الولايات المتحدة وإسرائيل؛ لاستخدامه كورقة ضد تركيا.

من خلال هذه العملية السياسية الجديدة، التي يقودها أردوغان وبهتشلي، ومع إعلان أوجلان الأخير، تم حسم البُعد الكردي من القضية. ومن الآن فصاعدًا، فإن أي جهة تتعاون مع الولايات المتحدة تحت اسم حزب العمال الكردستاني لن تكون ممثلة للأكراد، بل ستكون مجرد كيان يسعى إلى البقاء لأجل مصلحته الخاصة.

وقد أكد أردوغان مرارًا أن حزب العمال الكردستاني ليس ممثلًا للأكراد، وأنه لا بد من التعامل مع الشعب الكردي نفسه عند الحديث عن حقوقه. وتجدر الإشارة إلى أن عدد النواب الأكراد داخل حزب العدالة والتنمية يفوق عددهم في حزب الشعوب الديمقراطي، كما أن معظم الإصلاحات المتعلقة بالقضية الكردية جاءت على يد أردوغان وحزبه.

لم يقتصر إعلان أوجلان على الدعوة إلى التخلي عن السلاح، بل شمل أيضًا رفض المطالب المتعلقة بالحكم الذاتي أو الفدرالية، مؤكدًا أنها لا تحقق أي فائدة للأكراد.

ورغم أن الاستجابة الفورية لدعوته كانت موضع شك، فإن لقاءات حزب الشعوب الديمقراطي مع قيادات حزب العمال الكردستاني في قنديل وإمرالي تشير إلى أن هناك تجاوبًا إيجابيًا. ولم يكن أوجلان ليطلق هذا النداء دون أن يكون على يقين من وجود استعداد لدى الحزب للاستجابة له.

يتزامن هذا التحول مع التغيرات في سوريا، خاصة بعد تراجع موقف النظام السوري. ولطالما كان بشار الأسد من أكبر داعمي حزب العمال الكردستاني، ما ساعده على البقاء، خاصة من خلال التعاون مع الولايات المتحدة. ومع تغير المعادلات الإقليمية، ربما وجد الحزب نفسه في مأزق، ما دفع أوجلان إلى تقديم هذه الدعوة كحل يتيح له الخروج من الأزمة.

بفضل هذه الخطوة، تدخل المنطقة مرحلة جديدة، وتثبت تركيا مرة أخرى أنها لاعب رئيسي قادر على إعادة تشكيل المعادلات السياسية في المنطقة بما يخدم مصالحها.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

أكاديمي وسياسي وكاتب تركي

الجزيرة

——————————–

تحول أوجلان إزاء جوهر القضية.. ماذا عن أكراد العراق وسوريا؟/ بدرخان حسن – أربيل, دلشاد حسين – أربيل

28 فبراير 2025

لم يكتفِ مؤسس حزب العمال الكردستاني، عبدالله أوجلان، بدعوة حل الحزب وإلقاء السلاح فحسب، بل شهد خطابه إزاء القضية الكردية تحولًا لافتًا، حين تخلى حتى عن مشروع إقامة حكم ذاتي.

وفي رسالته التي وجهها من سجنه في تركيا، اعتبر أن “الحلول القائمة على النزعة القومية المتطرفة” أصبحت “لا تلبي متطلبات الحقوق الاجتماعية التاريخية للمجتمع”.

وهذه الحلول، التي لم تعد ملائمة وفق رسالة أوجلان التي جاءت وسط تحولات جيوسياسية في المنطقة، هي “إنشاء دولة قومية منفصلة، الفيدرالية أو الحكم الذاتي”.

ومن شأن هذا التحول في موقف أوجلان إزاء رؤيته لحل القضية الكردية في تركيا إثارة مخاوف الأكراد في إيران وسوريا، الذين لا يزالون يخوضون صراعًا لنيل حقوقهم.

ومن سوريا.. جاء الرد

في سوريا، جاء الرد سريعًا من قائد قوات سوريا الديمقراطية، مظلوم عبدي، الذي قال إن إعلان أوجلان “يتعلق بحزب العمال الكردستاني فقط، ولا علاقة له بنا في سوريا”.

وأضاف عبدي، في مؤتمر صحفي أعقب رسالة أوجلان: “إذا تحقق السلام في تركيا، فهذا يعني أنه لا مبرر لمواصلة الهجمات علينا هنا في سوريا”.

ويخوض حزب “العمال الكردستاني”، الذي أسسه أوجلان عام 1978، منذ عقود تمردًا مسلحًا ضد الدولة التركية. ودخل هذا التمرد في عدة محطات تصعيدية ودامية، أشدها خلال التسعينيات.

في عام 1999، ألقت الاستخبارات التركية القبض على مؤسس الحزب المصنف جماعة إرهابية في أنقرة وواشنطن وعواصم أوروبية، وذلك في كينيا.

وأُدين أوجلان بعد تلك الفترة بالخيانة والتحريض على الإرهاب، وحُكم عليه بالسجن المؤبد داخل سجن “إمرالي” ببحر مرمرة.

ورغم أن النداء الحالي موجه لحزب العمال الكردستاني وللأكراد في تركيا، فإن الأكراد في سوريا قد يكونون ثاني أكثر المستفيدين من السلام بين حزب العمال الكردستاني وأنقرة، اللذين يملكان نفوذًا في سوريا.

وتسيطر أنقرة، عبر علاقاتها مع الإدارة السورية الجديدة، على المشهد السوري، وتعتبر الإدارة الذاتية وقسد الأقرب إلى حزب العمال الكردستاني.

وتشكل وحدات حماية الشعب المكون الأكبر من قسد، وتتهمها أنقرة بأنها ذراع لحزب العمال الكردستاني في سوريا.

ويعتبر الباحث والمحلل السياسي المقرب من “قسد”، زانا عمر، أن موقف مظلوم عبدي من نداء أوجلان واضح، ويأتي ضمن ما أكدته “قسد” مرارًا، وهو أنها “لا ترتبط بأي ارتباط تنظيمي بحزب العمال الكردستاني”.

وقال عمر، لموقع “الحرة”، إن “تواجد مقاتلي العمال الكردستاني الأجانب في سوريا يعود إلى عام 2014 بهدف مساندة القوات الكردية في الحرب ضد داعش والدفاع عن مدينة كوباني، وقد أعلن عبدي أن هؤلاء مستعدون لمغادرة سوريا متى ما تهيأت الظروف، وتوفرت ممرات آمنة لخروجهم”.

ويرى عمر أن نداء أوجلان لحل حزب العمال وإلقاء السلاح سيؤثر على من تبقى من مقاتلي العمال الكردستاني في سوريا.

وأضاف: “خلال فترة بناء الثقة بين العمال الكردستاني وأنقرة، ستكون هناك مرحلة انتقالية يبدأ فيها حزب العمال بمناقشة آليات حل الحزب وإلقاء السلاح، وبالتأكيد سيؤثر هذا على الأوضاع في شمال شرق سوريا وعلى مقاتلي الحزب”.

ويلفت عمر إلى أن بناء مشروع سلام بين الأكراد وأنقرة سيكون له تداعيات وتأثيرات إيجابية، ليس على الأكراد في سوريا فحسب، بل حتى على أكراد العراق وإيران.

وقال: “في حال نجاح عملية السلام، سيساهم ذلك في تغيير موقف أنقرة تجاه قسد، لأن تركيا كانت تتذرع بالعمال الكردستاني في هجماتها على شمال وشرق سوريا، أما الآن، فإن العمال، في حال قرروا إلقاء السلاح وحل الحزب، إذن لم تعد هناك حجة”.

ويرى عمر أن الوقت لا يزال مبكرًا للحديث عن نشوء تحالف بين تركيا وقسد، لكن سيكون هناك تعاون وتنسيق.

كما لفت إلى أن الموقف التركي كان عائقًا أمام التعاون بين دمشق وقسد، والانتهاء من هذا الضغط سيكون له تأثير إيجابي كبير على العلاقة بين دمشق والإدارة الذاتية.

ولم يصدر حتى إعداد هذا التقرير أي موقف من قادة حزب العمال الكردستاني على نداء زعيم ومؤسس الحزب.

أوجلان معتقل منذ تسعينيات القرن الماضي في سجنٍ بداخل جزيرة إمرالي في بحر مرمرة (AFP)

لكن عضو المجلس الرئاسي لحزب الاتحاد الديمقراطي، صالح مسلم، الذي يتزعم حزبه أحزاب الوحدة الوطنية المنضوية في الإدارة الذاتية، كان له بيان في هذا الخصوص.

وقال مسلم، الجمعة، تعليقًا على نداء أوجلان: “على تركيا اتخاذ خطوات ملموسة من أجل عقد حزب العمال الكردستاني لمؤتمره..”.

الكرة في ملعب تركيا

وأضاف أن “حزب العمال الكردستاني أكد سابقًا أنه لن يعقد مؤتمره ما لم تتحقق الحرية الجسدية لأوجلان”، مشيرًا إلى أن أوجلان وجه دعوة تاريخية، والآن الكرة في ملعب تركيا.

ودعا مسلم، الذي يرتبط حزبه بعلاقات وثيقة مع العمال الكردستاني، أنقرة إلى إعلان وقف إطلاق النار كمرحلة أولى بعد نداء أوجلان.

وأوضح: “إذا نُفذ وقف إطلاق النار، فسيكون هذا سببًا ليأخذ العمال الكردستاني أيضًا خطوات”.

من جانبه، يرى الباحث والمحلل السياسي المقرب من الإدارة الجديدة في دمشق، عباس شريفة، أن مظلوم عبدي لم يستطع نفي بيان أوجلان ولم يستطع الادعاء بأن البيان صدر تحت الإكراه.

لذلك، “لم تعتبر قوات سوريا الديمقراطية نفسها معنية بالبيان، تماشيًا مع الرواية التي يتمسك بها عبدي، وهي انفكاك العلاقة التنظيمية بين العمال الكردستاني وقسد”، وفق ما قال شريفة لموقع “الحرة”.

وأردف قائلًا: “في حال رفضت قيادة العمال الكردستاني في قنديل نداء أوجلان، سيظهر حينها أن رفض عبدي للنداء متعلق برفض قنديل، وهو ما سيثبت العلاقة مع حزب العمال بدلًا من نفيها”.

وأعرب شريفة عن اعتقاده بأن نداء أوجلان ربما يتسبب بأزمة داخلية بين الجناح المحلي من قسد، الراغب بفك العلاقة مع قنديل، والجناح الآخر الراغب في جعل القضية الكردية مجرد رافعة لمشروع العمال الكردستاني.

وأشار إلى أنه في حال استجابت قسد لنداء أوجلان، فسيؤدي ذلك إلى تحقيق السلام وإنهاء النزاع مع “فصائل الجيش الوطني (الموالي لتركيا) إلى الأبد”.

واستدرك قائلًا: “ربما نشهد تحالفًا بينهما في الكثير من القضايا، خصوصًا في الحرب على الإرهاب وحماية الحدود السورية-العراقية”.

كما أكد شريفة أن “المفاوضات بين قسد والإدارة في دمشق غير مرتبطة أساسًا بهذا النداء، بقدر ما هي مرتبطة بالتفاهمات بين تركيا والولايات المتحدة الأميركية”.

ماذا عن أكراد العراق

ويبدو أن قسد نأت بنفسها عن رؤية أوجلان بشأن الدولة القومية أو على الأقل حل الحكم الذاتي، ولكن ماذا عن أكراد العراق الذين نجحوا منذ عقود في الحصول على حكم ذاتي، وما موقفهم من هذا التحول في موقف أحد رموز القضية الكردية؟

قوبل نداء أوجلان بترحيب من قادة إقليم كردستان العراق، الذين اعتبروا دعوته خطوة إيجابية نحو تعزيز السلام والاستقرار في المنطقة.

فمسعود بارزاني، زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني، كان قد أكد دعمه التام لأي جهود تسهم في تعزيز السلام وتسوية النزاعات.

كما شدد رئيس الإقليم، نيجيرفان بارزاني، على أهمية الالتزام بمبادئ السلام، معتبرًا أن النضال السلمي والمدني هو السبيل الوحيد لتحقيق حقوق الأكراد.

أما زعيم الاتحاد الوطني الكردستاني، بافل طالباني، فقد وصف رسالة أوجلان بأنها “مسؤولة ومهمة”، مؤكدًا دعم حزبه لأي مبادرة تسهم في تحقيق السلام الشامل.

بدوره أكد رئيس حكومة الإقليم، مسرور بارزاني، أن إقليم كردستان لطالما كان عامل استقرار في المنطقة، مشددًا على استعداد حكومته لدعم أي مبادرة سلمية تسهم في إنهاء النزاع.

ورغم ترحيبهم بالدعوة إلى إلقاء السلاح، لم يتطرق قادة الإقليم إلى الرؤية القومية لأوجلان حول الحلول السياسية أو طبيعة النظام السياسي الذي يجب اتباعه لتحقيق حقوق الأكراد.

الاختلافات بين تجارب الأكراد

إلا أن تصريحات لرئيس إقليم كردستان، نيجيرفان بارزاني، عشية رسالة أوجلان، ربما تحمل إشارات عن رؤية تيار فاعل في أربيل بشأن النزاع الكردي في دول الجوار.

فخلال مشاركته في منتدى أربيل السنوي الأربعاء 26 فبراير 2025، قال بارزاني إن تجربة إقليم كردستان لا يمكن استنساخها في سوريا.

وشرح قائلاً: “ما فعلناه في إقليم كردستان لا يمكن تطبيقه كما هو في سوريا، لكن يمكن بدء عملية تؤدي في النهاية إلى إشراك جميع المكونات السورية في العملية السياسية.”

وتعليقًا على ما جاء برسالة أوجلان، قال العضو القيادي في الاتحاد الوطني الكردستاني، غياث سورجي، إن أجزاء كردستان الأربعة تختلف من الناحية الجغرافية والسياسية.

وأضاف أن لكل جزء خصوصياته التي تنعكس على نظام الحكم المعمول به في الدول التي يتواجد فيها الأكراد، سواء في تركيا أو إيران أو سوريا.

وبين أن تجربة إقليم كردستان في العراق تختلف عن تجارب الأكراد في الأجزاء الأخرى من “كردستان التاريخية”.

وبدأت حركة نضال الأكراد في العراق منذ وقت طويل، إذ يمكن القول إن تاريخ نضال الأكراد في العراق أقدم من نظيره في تركيا، وفق سورجي.

كما أن النظام الذي يعيشه الأكراد في العراق اليوم هو نظام فدرالي، وهو منصوص عليه في الدستور العراقي، ما يمنحهم مستوى من الاستقلالية الإدارية والسياسية.

وأضاف سورجي أنه في الوقت الحالي أي تقدم في تحقيق حقوق الأكراد في تركيا، سواء على الصعيد السياسي أو الثقافي، يُعد إنجازًا كبيرًا لهم، خاصة إذا تحقق ذلك في إطار من السلام والاستقرار.

واعتبر أن العيش في ظل السلام أفضل بكثير من الانخراط في صراعات وحروب تؤثر على حياتهم ومستقبلهم.

وتعليقًا على دعوة أوجلان، قال الكاتب الصحفي الكردي، سامان نوح، لـ”موقع الحرة”، إن رؤية أوجلان ورسائله موجهة إلى أكراد تركيا تحديدًا.

وأضاف أنها لا تنطبق على الوضع في إقليم كردستان، حيث يمتلك الإقليم تجربة سياسية خاصة.

وأردف أن رؤية أوجلان لا تحظى بالقبول لدى الأكراد فيما يتعلق بتطلعاتهم لإنشاء دولة قومية، لاسيما في العراق.

أما فيما يخص تركيا، فقد أشار نوح إلى أن ما طرحه أوجلان يتطلب قبل كل شيء وجود إرادة تركية حقيقية لبناء مجتمع ديمقراطي.

وأكد أنه في حال توفرت هذه الإرادة لدى شعوب المنطقة وأنظمتها، وأُقيم مجتمع ديمقراطي فعلي، فلن تكون هناك حاجة لإنشاء دول قومية أو فيدرالية أو إدارات ذاتية، إذ ستتحقق هذه الأهداف تلقائيًا من خلال مفهوم المجتمع الديمقراطي.

الاعتراف بحقوق الأكراد

وكان غفور مخموري، السكرتير العام للاتحاد القومي الديمقراطي الكردستاني، قال، في بيان، إن الأكراد كانوا دائمًا في حالة مقاومة من أجل حماية حقوقهم والبقاء على أرضهم.

وأضاف أن هذا النضال كان من أجل إنهاء الحروب وتحقيق السلام.

وتطرق مخموري إلى سياسة الدول، تركيا وإيران والعراق وسوريا، التي مارست على مدار المائة عام الماضية سياسة العنف ضد الأكراد.

وأكد أن هذه الدول رفضت جميع الجهود السلمية التي قدمها الأكراد، وكان ردهم دائمًا القوة العسكرية، مشيرًا إلى أن هذه السياسة لا تزال مستمرة حتى اليوم وفقًا لمصالحهم.

كما شدد على ضرورة أن تكون أي جهود لتحقيق السلام مع هذه الدول مبنية على احترام نضال الأكراد وحقوقهم.

وأكد أن السلام يجب أن يكون مبنيًا على الاعتراف بحقوق الأكراد وتثبيتها في دساتير تلك الدول، معتبرا أن بقاء الأكراد وقوتهم يكمن في سلاحهم، حيث يستمدون قوتهم من تاريخ نضالهم وكفاحهم.

ودعا مخموري إلى احترام خصوصية كل جزء من كردستان وحق كل جزء في تقرير مصيره وفقًا للواقع السياسي المحلي، سواء كان هذا الحكم فيدراليًا أو ذاتيًا أو لا مركزيًا.

وأكد أن الحل النهائي لقضية الأكراد هو الحرية والاستقلال، وأن تأسيس دولة كردستان هو الهدف الذي يسعى إليه شعب كردستان.

بدرخان حسن

———————–

رسالة أوجلان” تقابل بحذر تركي وترقب كردي… الصفقة لم تنته بعد/ عمر اونهون

هل تلق “قسد” السلاح إذا ألقاه “العمال الكردستاني”؟

 28 فبراير 2025

زار وفد من “حزب الديمقراطية والمساواة بين الشعوب” المؤيد للكرد في تركيا زعيم “حزب العمال الكردستاني” (PKK) عبد الله أوجلان يوم 27 فبراير/شباط، في زنزانته بسجن جزيرة إمرالي، حيث يقضي أوجلان عقوبة بالسجن مدى الحياة منذ فبراير 1999، بعد أن اعتقلته قوات الأمن التركية في كينيا، وتم تسليمه إلى تركيا. وكانت الزيارة، وهي الرابعة على التوالي، جزءا من عملية قائمة منذ أسابيع، تهدف إلى إقناع “حزب العمال الكردستاني” بإلقاء السلاح وإنهاء الإرهاب.

وعقب لقائه بأوجلان مباشرة، توجه وفد “حزب الديمقراطية والمساواة بين الشعوب” إلى إسطنبول، حيث قرأوا في أحد فنادق ساحة تقسيم، بحضور عدد كبير من وسائل الإعلام، رسالته المكونة من ثلاث صفحات، والتي حملت عنوان: “نداء من أجل السلام والمجتمع الديمقراطي” باللغتين التركية والكردية.

وأوضح أوجلان أن “حزب العمال الكردستاني” ظهر إلى الوجود بسبب الطريقة التي عومل بها الأكراد في تركيا، ولكنه استدرك قائلا: “إن الحزب قد تجاوز الآن هدفه، ودعا جميع الجماعات إلى إلقاء السلاح، وطلب من الحزب حلّ نفسه”.

واللافت في رسالة أوجلان أنه يرى أن “حزب العمال الكردستاني” قد فقد مبرر وجوده، حيث لم تعد تركيا تنكر الهوية الكردية، وشهدت حرية التعبير تحسناً ملموساً. وهو بذلك يعترف ويشيد بالإنجازات (التي حققتها الحكومة) في هذا المجال.

ودعا أوجلان “حزب العمال الكردستاني” إلى عقد مؤتمره، واتخاذ القرارات بشكل رسمي وفقا لتوجيهاته. وقد لاقت دعوة عبد الله أوجلان صدىً واسعًا في تركيا وفي جميع أنحاء العالم.

وقيّم “حزب العدالة والتنمية” الذي يتزعمه الرئيس رجب طيب أردوغان، دعوة أوجلان تقييما إيجابيا، ولكنه أضاف أن علينا أن ننتظر لنرى النتيجة.

أما “حزب الشعب الجمهوري” (CHP)، الحزب المعارض الرئيس، فقد تبنى موقفًا أكثر تحفظًا، حيث حافظ على مسافة من التطورات دون أن يرفضها تماما.

في المقابل، رفض كل من “حزب الخير القومي” و”حزب النصر” نداء أوجلان بشكل قاطع، مؤكدَين أنه لا يمكن أن ينتج أي شيء إيجابي منه، أو من “حزب العمال الكردستاني” (PKK).

وحتى اللحظة، لم يصدر “حزب الحركة القومية”، الذي كان صاحب المبادرة في إطلاق هذا المسار، أي تعليق. وكان دولت بهجلي، زعيم “حزب الحركة القومية” البالغ من العمر 77 عاما، قد خضع لعملية جراحية قبل ثلاثة أسابيع. ولم يسمع أحد عنه منذ ذلك الحين، وعلى الرغم من تصريحات الحزب بأنه بخير ويتعافى، فإن التكهنات تتردد بأنه يرقد في العناية المركزة.

وتمثل هذه العملية فرصة حقيقية لإنهاء إرهاب “حزب العمال الكردستاني”، الذي أرهق تركيا لأكثر من أربعة عقود. بيد أن افتقار العملية للشفافية، يجعل الرأي العام غير متأكد مما يجري بالفعل، وما إذا كان ينبغي التعامل معه بتفاؤل أم بحذر.

والحال أن هذه المفاوضات لا تزال قائمة منذ أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ولكن تفاصيلها لا تزال غامضة. وكما هو الحال في أي مفاوضات، فإن المبدأ الأساسي هو الأخذ والعطاء، مما يثير التساؤل: ما الذي يتوقعه أوجلان في المقابل؟ وهل يمكن أن يمهد هذا البيان الطريق لإطلاق سراحه أو تخفيف شروط سجنه؟

في الأصل، كان أوجلان محكوما عليه بالإعدام، ولكن الحكم خُفِّف إلى السجن مدى الحياة، بعد إلغاء عقوبة الإعدام في البلاد.

ولا تزال كثير من الأمور غير واضحة. فمصير مقاتلي “حزب العمال الكردستاني” الذين من المتوقع أن يلقوا أسلحتهم لا يزال مجهولًا. فهل سيتمكن هؤلاء الذين يتخلون عن القتال من العودة إلى منازلهم دون الخوف من الاعتقال؟ وهل ستلغى مذكرات التوقيف الصادرة بحقهم؟

من المتوقع أن يكون لبيان أوجلان تداعيات سياسية واجتماعية، لكن نطاق تأثيره لا يزال غير معروف. ولا يزال من غير المعروف، على سبيل المثال، ما إذا كان الدستور الجديد، الذي يُشاع أن “حزب العدالة والتنمية” يعمل على صياغته، سيتضمن منح الأكراد حقوقًا خاصة أو يعترف باللغة الكردية كلغة رسمية. كما يطرح تساؤل حول ما إذا كان سيجري إقرار الحق في التعلم باللغة الأم، وما إذا كانت تركيا ستشهد تغييرا في نظامها الإداري لصالح شكل من أشكال الحكم المحلي.

في هذه الأثناء، لا يزال قادة “حزب العمال الكردستاني”، والمعروفون بـ”قادة قنديل”، والذين يقيمون حاليا في العراق، صامتين إزاء نداء أوجلان، ولم يصدر عنهم أي رد حتى الآن.

ويرى الموالون لأوجلان، أن أوجلان يتحدث باسم المنظمة بأكملها، وأنه لا يمكن لأحد أن ينقض ما يقوله، وأن “حزب العمال الكردستاني” سيتبع تعليمات أوجلان. بيد أن بعض مراقبي “حزب العمال الكردستاني” يرون أنه على الرغم من أن الكوادر في قنديل يعترفون بأوجلان كقائد لهم، فإنهم يعتقدون أنه ليس في وضع يسمح له بممارسة إرادته الحرة بسبب سجنه، وأنه بعيد عن واقع الميدان، وبالتالي لا يستطيع التعبير عن رأي سليم. وفي هذه الحالة، من المحتمل أن لا يستجيب قادة الحزب لنداء أوجلان، مما قد يؤدي إلى حدوث انشقاقات داخل صفوفه.

وعلى صعيد آخر، سيكون لهذا البيان تداعيات في سوريا، لأن تركيا تعتقد أن “وحدات حماية الشعب في سوريا” هي امتداد لـ”حزب العمال الكردستاني” وهي تقاتل ضدها منذ سنوات.

وفيما يرى البعض أنه إذا نزع “حزب العمال الكردستاني” سلاحه، فإن “وحدات حماية الشعب” ستحذو حذوه، فإن ثمة من يعتقد أن “وحدات حماية الشعب” لن تلقي سلاحها، وستستمر في الوجود كما هي ضمن ديناميكيات سوريا. ونُقل عن قائد “وحدات حماية الشعب” مظلوم عبدي قوله: “إن تصريح أوجلان لا يشمل وحدات حماية الشعب”.

ومع ذلك، فالمرجح أن يكون لدعوة أوجلان تأثير على المفاوضات بين حكومة دمشق بقيادة الرئيس أحمد الشرع و”وحدات حماية الشعب” بقيادة مظلوم عبدي، حول وضع الأكراد في سوريا الجديدة.

وهناك أيضا أبعاد أخرى للقضية عابرة للحدود. فثمة إسرائيل التي تريد استخدام “وحدات حماية الشعب”، و”حزب العمال الكردستاني” كورقة ضغط على تركيا. لذلك يمكن اعتبار مبادرة بيان أوجلان خطوة من جانب تركيا ضد طموحات إسرائيل لتأليب الأكراد على الأتراك.

لقد كانت دعوة بهجلي الخطوة الأولى في العملية، وكان بيان أوجلان الخطوة الثانية. وستكون الخطوة الثالثة هي أن يجتمع مؤتمر “حزب العمال الكردستاني” ويقرر حل نفسه تماشيا مع دعوة أوجلان.

ويقول مسؤولون ومحللون مقربون من الحكومة، لم يرغبوا في الكشف عن أسمائهم، إنه بمجرد الانتهاء من هذه الخطوات بطريقة مرضية، ستبدأ مناقشة جميع القضايا الأخرى. وإذا ما نجحت هذه العملية، فستكون مكسبا كبيرا للرئيس أردوغان، الذي يواجه مشاكل خطيرة في الاقتصاد، ويشير إليه الكثيرون باعتباره زعيما مستبدا.

ولم يتبق على الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في تركيا سوى ثلاث سنوات، ووفقا للدستور، لا يمكن لأردوغان الترشح مرة أخرى، ما لم يتم تغيير الدستور. ولكي يتمكن من القيام بذلك، فإنه سيحتاج إلى دعم “حزب الاتحاد الديمقراطي” والأكراد، ويعتقد الكثيرون أن هذا كان دافعا رئيسا لأردوغان لإشراك أوجلان. ولكن لا ينبغي أن نستبق الأحداث، فحتى اللحظة ليس لدينا صفقة منتهية، وهذه ليست المرة الأولى التي تحدث فيها مثل هذه العملية. ففي سبتمبر/أيلول 1999، أعلن “حزب العمال الكردستاني” أيضا وقف إطلاق النار، ولكنه تراجع عن ذلك في عام 2004 واستؤنفت الاشتباكات.

وفي مارس/آذار 2013، بعد أشهر من المحادثات مع الحكومة، تُليت رسالة من عبد الله أوجلان باللغتين التركية والكردية، خلال عيد النيروز في ديار بكر. وأعلن أوجلان حينها أيضا انسحاب القوات المسلحة لـ”حزب العمال الكردستاني” من الأراضي التركية، وإنهاء الكفاح المسلح. وقال “حزب العمال الكردستاني” وقتها إنه سيطيع أوامر أوجلان وسينسحب من تركيا.

وفي أعقاب ذلك، أصدرت الحكومة “قانون إنهاء الإرهاب وتعزيز الاندماج الاجتماعي”، الذي حدد تدابير لمعالجة القضايا السياسية والقانونية والاجتماعية والاقتصادية والنفسية والثقافية، وحقوق الإنسان والأمن ونزع السلاح. بيد أن هذا المسار سرعان ما انهار في أكتوبر/تشرين الأول 2014 في أعقاب هجوم تنظيم “داعش” على كوباني في سوريا، وما تبعه من ردود فعل عنيفة بين الأكراد في تركيا، مما أسفر عن تجدد الاشتباكات بين قوات الأمن التركية و”حزب العمال الكردستاني”. أما اليوم، فالقادة الأتراك يتوخون حذرا شديدا، وفي نيتهم أن لا يقعوا ضحية للخداع أو الإحراج السياسي مرة أخرى.

المجلة

————————–

قصة صراع دام 40 عامًا.. كل ما تريد معرفته عن دعوة أوجلان لأتباعه إلى ترك السلاح والاندماج في الدولة التركية، وكيف كان صداها؟

عربي بوست

عماد أبو الروس

2025/02/28

وجّه زعيم حزب العمال الكردستاني المعتقل عبد الله أوجلان، “دعوة تاريخية” إلى منظمته التي تتهمها تركيا بـ”الإرهاب”، بالاستسلام وإلقاء السلاح، وذلك بعد عقود من المواجهة تخللها تصدع كبير بين الأكراد والدولة التركية.

وحملت الرسالة التي وجهها أوجلان باللغتين التركية والكردية، عنوان “دعوة للسلام والمجتمع الديمقراطي”، وجاء فيها أن “الأتراك والأكراد، طوال تاريخهم الممتد لأكثر من ألف عام، رأوا دائماً أنه من الضروري البقاء في تحالف، من أجل الحفاظ على وجودهم والوقوف ضد القوى المهيمنة”، مشيراً إلى أن “الحداثة الرأسمالية” عملت خلال المئتي عام الأخيرة على تفكيك هذا التحالف.

وشدّد على أن “المهمة الرئيسية هي إعادة تنظيم العلاقة التاريخية، التي أصبحت هشة للغاية اليوم، بروح الأخوة، دون تجاهل المعتقدات”.

وقال موجهاً كلامه إلى منظمته التي يتزعمها: “اعقدوا مؤتمركم واتخذوا القرارات اللازمة للاندماج مع الدولة والمجتمع؛ يجب على جميع المجموعات إلقاء سلاحها، ويجب على التنظيم حل نفسه”.

كما توجّه أوجلان في رسالته بالشكر إلى رئيس حزب الحركة القومية دولت بهتشلي والرئيس التركي رجب طيب أردوغان وكافة الأحزاب السياسية في البلاد لمقاربتهم الإيجابية فيما يتعلق بدعوته.

ما هي خلفية دعوة أوجلان التاريخية؟

وفي خطوة غير متوقعة في أكتوبر/تشرين الأول 2024، فاجأ زعيم حزب الحركة القومية دولت بهتشلي، الجميع بمصافحته نواب حزب المساواة والديمقراطية الكردي “DEM”، موجهاً دعوة إلى أوجلان بالحضور إلى البرلمان ودعوة منظمة العمال الكردستاني بإلقاء السلاح، مقابل الاستفادة من “حق الأمل” أي العفو عنه.

وفي الوقت الذي سقطت هذه الدعوة مثل “القنبلة” على الأجندة السياسية التركية، لاسيما من زعيم تركي عارض دائماً وبشدة التفاوض مع المنظمة الكردية، بدأت المفاوضات مع حزب “DEM” بدعم من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي علّق قائلاً: “لا مكان للإرهاب وجانبه المظلم في مستقبل تركيا، نريد أن نبني تركيا خالية من الإرهاب والعنف معاً، ولا ينبغي التضحية بنافذة الفرصة التاريخية من أجل بعض الحسابات”.

وفي 23 أكتوبر/تشرين الأول 2024، وبعد الدعوة التي وجهها بهتشلي مباشرة، أعلن ابن شقيق أوجلان، وهو عضو البرلمان عن ولاية شانلي أورفا عمر أوجلان، أنه التقى بعمه لأول مرة منذ 43 شهراً من عزلته.

ونقل عمر أوجلان رسالة من عمه، أنه “إذا أتيحت الظروف، فإن لدي القدرة النظرية والعملية لنقل النزاع من ساحة العنف إلى المجال السياسي والقانوني”.

وفي 28 ديسمبر/كانون الأول 2024، حدث أول لقاء بين وفد من حزب المساواة والديمقراطية الكردي، وأوجلان في سجنه بجزيرة إمرالي في بحر مرمرة، تلا ذلك اجتماع الوفد مع رئيس البرلمان التركي نعمان كورتولمش، ورؤساء الأحزاب التركية بما فيهم دولت بهتشلي.

الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مع زعيم الحركة القومية دولت بهتشلي/ رويترز

الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مع زعيم الحركة القومية دولت بهتشلي/ رويترز

وفي 11 و12 يناير/كانون الثاني 2025، التقى الوفد الكردي بزعماء حزب الشعوب الديمقراطي المعتقلين فيغين يوكسيكداغ، وصلاح الدين ديمرتاش، وليلى غوفين وسلجوق مزراكلي.

وحدث اللقاء الثاني مع أوجلان في 22 يناير/كانون الثاني 2025، لينتقل بعدها الوفد الكردي إلى إربيل والسليمانية بالعراق في 15 و18 فبراير/شباط 2025، للقاء قادة إقليم كردستان العراق، حاملين معهم رسائل من أوجلان. كما نقل الوفد رسائل من أوجلان، إلى قيادات حزب العمال الكردستاني في جبل قنديل شمال العراق، وقوات سوريا الديمقراطية “قسد” في شمالي شرق سوريا، وكذلك فعالياته في أوروبا.

وخلال مؤتمره العام في 12 فبراير/شباط 2025، أعلن حزب المساواة والديمقراطية، أربعة عناوين تتعلق بحل القضية الكردية، وهي:

    إنهاء سياسة العزل ورفع العزلة عن عبد الله أوجلان.

    عقد اجتماعي جديد ديمقراطي والاعتراف بحقوق الكرد.

    العيش المشترك على أساس المساواة دون تمييز.

    التخلي عن سياسات الحرب واعتماد لغة الحوار في منطقة الشرق الأوسط.

وفي 27 فبراير/شباط 2025، عقد اللقاء الثالث بين الوفد التركي وأوجلان، ليتم الإعلان لاحقاً من إسطنبول عن دعوته التاريخية.

كيف تلقت الأحزاب السياسية دعوة أوجلان التاريخية؟

لاقت دعوة أوجلان التاريخية، ترحيباً من مختلف الأحزاب السياسية في تركيا، لاسيما في التحالف الحاكم، لكن أحزاب قومية مثل حزبي الجيد والنصر، هاجما العملية السياسية.

وقال حزب العدالة والتنمية، على لسان نائب رئيس الحزب أفكان ألا، إن “جوهر النداء هو إلقاء السلاح وحل التنظيم الإرهابي لنفسه، نحن ننظر إلى النتيجة، وبالطبع سنرى في تركيا ما إذا كانت هذه النتيجة ستتحقق”، موضحاً أن “الإرادة القوية التي أبداها رئيسنا منذ البداية، وتصريحات بهتشلي، وضعت أمام شعبنا هدف ‘تركيا خالية من الإرهاب'”.

فيما نشر عضو مجلس حزب الحركة القومية نيفزات أونلوترك، صورة لأردوغان وبهتشلي مع تعليق: “تركيا بدون إرهاب لن تعد حلماً”.

من جهته، قال زعيم حزب “ديفا” علي باباجان، فقد أعرب عن ترحيبه بدعوة أوجلان التاريخية، وقال: “سيكون تطوراً تاريخياً إذا ألقت المنظمة الإرهابية سلاحها وأنهت وجودها”.

أما زعيم حزب المستقبل أحمد داود أوغلو فقال: “في ظل الظروف التي يهتز فيها النظام الدولي وتتعرض فيه منطقتنا لحلقة من النار، فإن كل دعوة تطلق وكل خطوة تتخذ من أجل تعزيز بنيتنا الداخلية وتطهير بلادنا بالكامل من الإرهاب هي إيجابية، وينبغي استخلاص الدروس من التجارب السابقة ووضع خارطة طريق ملموسة تركز على النتائج، تحت سقف البرلمان، وبمشاركة كافة المكونات السياسية”.

ورغم ترحيبه بدعوة أوجلان، حذّر زعيم حزب الشعب الجمهوري أوغور أوزال، من ما وصفه “باستغلال مطالب المجتمع بالسلام والديمقراطية من قبل أي سلطة أو جهة لتحقيق أهدافها السياسية الخاصة”.

وقال أوزال: “الدعوة لإلقاء السلاح وحل التنظيم الإرهابي خطوة مهمة، ونأمل أن يفي المخاطبون بهذه الدعوة بالمتطلبات وأن ينتهي إلى الأبد الإرهاب الذي أودى بحياة عشرات الآلاف، وتسبب بأضرار اقتصادية واجتماعية جسيمة”.

وأضاف أوزال: “نحن نتمسك بموقفنا بأن القضية الكردية يجب أن يتم حلها بشفافية، تحت قبة البرلمان، وبإشراك كافة شرائح المجتمع”، مضيفاً: “تماشياً مع مبدأ ‘السلام في الوطن والعالم’ لمؤسس جمهوريتنا، فإننا نقف دائماً إلى جانب الجهود المبذولة من أجل السلام والديمقراطية”.

أما حزب الجيد، فاعتبر زعيمه مساوات درويش أوغلو، أن ما جرى هدفه بقاء حزب العدالة والتنمية في الحكم، زاعماً أن “هذه العملية هي مساومة على البقاء في الرئاسة مدى الحياة مع التلاعب بمصطلح الشعب بغض النظر عن التسميات والحجج التي تقوم عليها”.

من جهته، فقد أعلن حزب النصر الذي يقوده أوميت أوزداغ، أنه سيعمل على تقويض العملية.

ما هي ردود الفعل الدولية على دعوة أوجلان التاريخية؟

رحبت كل من الولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا وإقليم كردستان في شمال العراق بنداء زعيم تنظيم “بي كي كي” الإرهابي عبد الله أوجلان لإلقاء التنظيم السلاح وحل نفسه.

ووصف متحدث مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض بريان هيوز في بيان، الخميس، دعوة أوجلان بأنها “تطور مهم”.

وقال: “نأمل أن يساعد ذلك في طمأنة حلفائنا الأتراك بخصوص شركاء الولايات المتحدة الأمريكية ضد داعش في شمال شرقي سوريا”.

في سياق متصل، نقل بيان لمتحدث الحكومة الألمانية ستيفن هيبستريت عن المستشار أولاف شولتس ترحيبه بدعوة أوجلان.

وأشار البيان إلى أن عمليات “بي كي كي” الإرهابي تسببت في سقوط العديد من الضحايا، مؤكدًا أن دعوة أوجلان تقدم فرصة من أجل تجاوز العنف.

بدوره، أعرب رئيس إقليم كردستان في شمال العراق نيجيرفان بارزاني في بيان صادر عن رئاسة الإقليم، عن ترحيبه بالنداء، مؤكداً استعدادهم للعب أي دور لإنجاح هذه العملية.

وقال: “بهذه الطريقة فقط (الديمقراطية) يمكن تحقيق نتائج ونجاحات أفضل، وليس بالسلاح والعنف”.

أما قائد قوات سوريا الديمقراطية “قسد” مظلوم عبدي، فقد اعتبر دعوة أوجلان التاريخية بأنها تتعلق بحزب العمال الكردستاني فقط، “ولا علاقة له بنا”.

لكنه قال إن “أوجلان أرسل لنا رسالة بشأن هذا الإعلان وكانت إيجابية للغاية، وتؤكد على السلام والأمن في المنطقة”، معرباً في الوقت ذاته عن استعداد قواته لأن تكون جزءاً من الجيش السوري الجديد.

من هو عبد الله أوجلان؟

ولد عبد الله أوجلان يوم 4 أبريل/نيسان 1948 في قرية أمرلي بمنطقة أورفه جنوب شرق تركيا.

التحق بكلية الحقوق في جامعة إسطنبول، لكنه تحول لدراسة العلوم السياسية في جامعة أنقرة، وأصبح مهتماً بالآراء الشيوعية.

اعتقل لأول مرة في 7 أبريل/نيسان 1972 بحجة المشاركة في نشاط محظور، لمدة 7 أشهر، وبعد خروجه من السجن بدأ بعقد اجتماعات سياسية في منزل استأجره بأنقرة، وأسس جمعية طلابية مع جميل بايك ودوران كالكان، ومصطفى كاراسو، وانضم إليهم باكي كراير وكمال بير، وجميعهم كانوا نواة تأسيس حزب العمال الكردستاني بهدف إنشاء ما يسمى بـ”الدولة الكردية المستقلة”.

    أسس أوجلان حزب العمال الكردستاني عام 1978، وغادر تركيا عام 1980 ليعمل من المنفى في سوريا.

    أقام معسكرات تدريب في سهل البقاع اللبناني، لكن سرعان ما تم إغلاقها إثر ضغوط تركية.

    بدأ حزب العمال الكردستاني عام 1984 بشن هجمات عسكرية في تركيا والعراق وإيران.

    أشرف على عمليات دامية في تركيا خلال حقبة التسعينيات، وفي العام 1993 قتل حزبه 33 جندياً تركياً اختطفهم على الطريق السريع بين إيلازيغ وبينغول، وفي العام نفسه قتل 33 شخصاً في هجوم مسلح على قرية في ولاية أرزينجان.

    استخدمت وسائل الإعلام التركية في ذلك الوقت بشكل متكرر مصطلح “قاتل الأطفال” للإشارة إلى أوجلان، فيما تحولت جنازات الجنود ورجالات الشرطة إلى مظاهرات تعكس الغضب تجاه حزب العمال الكردستاني وأوجلان.

    في العام 1998 صعدت تركيا من ضغوطها على حكومة دمشق لترحيل أوجلان، حيث اتهمت أنقرة دمشق بدعم حزب العمال الكردستاني، ما أدى لتدهور العلاقات بين البلدين.

    في 9 أكتوبر/تشرين الأول 1998، تم ترحيل أوجلان من سوريا، وتنقل بين دول مثل اليونان وروسيا وإيطاليا وطاجيكستان، وكانت جهود اللجوء في بلدان مختلفة غير ناجحة.

    نجحت المخابرات التركية في اعتقاله يوم 15 شباط/فبراير 1999 في العاصمة الكينية نيروبي، حيث نقل بطائرة خاصة إلى تركيا.

    وفي 31 مايو/أيار 1999 بدأت إجراءات محاكمة أوجلان في جزيرة إمرالي، وبعد تسع جلسات قررت المحكمة بالإجماع إعدامه بتهمة “تأسيس وقيادة منظمة إرهابية مسلحة”.

    في عام 2002، حكم على أوجلان بالسجن مدى الحياة بسبب إلغاء عقوبة الإعدام في تركيا في إطار قوانين التناغم مع الاتحاد الأوروبي.

ماذا حدث بعد اعتقال أوجلان ومحاكمته؟

خلال جلسة محاكمته الأولى، قدّم أوجلان اعتذاره، وقال إنه “مستعد للعمل من أجل حل المشكلة الكردية إذا أتيحت له الفرصة”.

وشهدت منظمة العمال الكردستاني أزمات في داخلها عقب اعتقال أوجلان، لكن لم يقودها ذلك إلى التفكك.

خلال فترة التسعينيات ابتعد أوجلان أيديولوجياً عن الماركسية اللينينية، وأزال المطرقة والمنجل على علم حزب العمال الكردستاني، وبدأ ينتقد فكرة الدولة القومية ووضعها فيها في إطار مفاهيمي جديد بعد عام 1999.

وفي كتاباته استعان بمصادر مختلفة من مدرسة فرانكفورت إلى الفيلسوف الأمريكي موراي بوكتشين، وفي النهاية توصل إلى وجهة نظر دافع فيها عن “الحداثة الديمقراطية” بمواجهة “الحداثة الرأسمالية”، واعتبر مناصروه بأنه نموذج حديث.

وتلا ذلك، تبني حزب العمال الكردستاني، فكرة العمل ضمن حدود الدول القومية في الشرق الأوسط، وفي المؤتمر الذي عقد في يناير/كانون الثاني 2000، تبنى البرنامج الجديد مقولة مفادها “إقامة دولة منفصلة ليس ضرورياً ولا واقعياً في عالم القرن الحادي والعشرين”، وتسبب ذلك بانشقاقات داخلية نجم عنها مغادرة المئات من صفوفه.

وفي أبريل/نيسان 2004، قرر الاتحاد الأوروبي إدراج حزب العمال الكردستاني ضمن قائمة المنظمات الإرهابية، تلا ذلك قراراً مماثلاً من الولايات المتحدة، ليعلن الحزب في يونيو/حزيران من العام ذاته إنهاء وقف إطلاق النار الذي التزم به منذ عام 1999، حيث توغلت أعداد كبيرة من المقاتلين عبر الحدود إلى الداخل التركي، ما دفع بأنقرة لتكثيف عملياتها لملاحقة المسلحين على الحدود.

وفي العام 2005، تم التأكيد على أن حزب العمال الكردستاني بحاجة إلى إعادة هيكلته وتأسيسه في إطار حل المشاكل في الشرق الأوسط، وتبنى أوجلان من سجنه فكرة “الكونفدرالية الديمقراطية”.

بحسب مجلة “كريتر” التركية، فإن أردوغان خلال فترة ولايته كرئيس وزراء تبنى القضية الكردية في خطابه الذي ألقاه في 12 أغسطس/آب 2005، ما أثار ذلك تفاعلاً داخل القاعدة الاجتماعية الكردية.

وفي صيف 2009، أطلق أردوغان عملية الانفتاح الديمقراطي، وفتح قنوات حوار مع الكيانات الكردية ضمن مشروع “الوحدة الوطنية والأخوة”، ومع بداية العام 2010 تم وضع قواعد قانونية تهدف إلى إيجاد حل لـ”القضية الكردية” ضمن حدود دولة القانون والديمقراطية، واتخذ حزب العدالة والتنمية خطوات قانونية مهمة للقضاء على التمييز ضد المواطنين الأكراد.

وتم إزالة العقبات المتعلقة باستخدام اللغة الكردية والحقوق الثقافية، ورفع الحظر المفروض على تسمية الأبناء الأكراد بأسماء كردية، وتم إلغاء اللائحة القديمة التي كانت تمنع محطات الإذاعة والتلفزيون الخاصة من البث بلغات ولهجات غير اللغة التركية.

وفي صيف 2012، اتخذ الصراع بين تركيا وحزب العمال الكردستاني بعداً مختلفاً عندما سيطر الأكراد على شمال سوريا، واتهمت أنقرة النظام السوري السابق بدعم حزب الاتحاد الديمقراطي/وحدات حماية الشعب الفرع السوري لمنظمة العمال الكردستاني، وفي سبتمبر/أيلول من العام ذاته حاول حزب العمال الكردستاني الاستيلاء على بلدة شمدينلي في ولاية هكاري التركية.

وفي 28 ديسمبر/كانون الأول 2012، أعلن أردوغان أن الحكومة التركية أجرت محادثات مع أوجلان، وتم استخدام مصطلح “عملية الحل” لأول مرة.

وبعد مفاوضات استمرت أشهر تم قراءة رسالة من أوجلان في 31 مارس/آذار 2013، دعا فيها إلى وقف إطلاق النار وسحب قوات حزبه من الأراضي التركية إلى شمال العراق.

ولكن الأزمة السورية تسببت في تصاعد التوترات بين تركيا وحزب العمال الكردستاني، حيث استولت “قسد” على مناطق واسعة قرب الحدود التركية، ما أثار قلق أنقرة.

وفي أكتوبر/تشرين الأول 2014، تسببت احتجاجات كوباني في اندلاع أعمال عنف واسعة بين أنصار حزب “هدى بار”، وحركة الشباب الثوري الوطني التابعة لحزب العمال الكردستاني، وبعد محادثات مع أوجلان والجناح الكردي، انخفضت التوترات.

وانهار وقف إطلاق النار الذي كان ساري المفعول منذ عام 2013، في 22 يوليو/تموز 2015، بعد أن قتل حزب العمال الكردستاني اثنين من ضباط الشرطة في منزليهما في أعقاب تفجير مدينة سروج الذي نُسب إلى “تنظيم الدولة”.

ومع انهيار المحادثات وعقب محاولة الانقلاب في تركيا في 15 يوليو/تموز 2015، قامت الطائرات الحربية التركية بضرب أهداف تابعة لمنظمة العمال الكردستاني التي شنت هجمات أيضاً على الشرطة والجنود في جنوب شرق وشرق الأناضول.

ومنذ أغسطس/آب 2015، وقعت العديد من الاشتباكات في مناطق محافظة شرناق في تركيا، وتم حفر الخنادق من أعضاء الحزب، حيث فرضت الحكومة التركية حظر التجول في عدة أحياء.

وأطلقت تركيا في عام 2018 عملية “غصن الزيتون” ضد وحدات حماية الشعب الكردية في مدينة عفرين، وفي أكتوبر/تشرين الأول 2019، نفذت عملية “نبع السلام” في شمال شرق سوريا، ما أدى إلى تغيير موازين القوى في المنطقة.

ومنذ ذلك الوقت هددت تركيا بشن عمليات جديدة ضد الوحدات الكردية المسلحة في شمال شرق سوريا، وشنت هجمات ضد معاقل منظمة العمال الكردستاني في شمال العراق.

ماذا تحمل دعوة أوجلان وهل تنجح؟

في رسالته، شدد أوجلان على أنه لا مفر من الحاجة إلى مجتمع ديمقراطي، وذكر أن “احترام الهويات، وحرية التعبير عن الذات وتنظيم الذات ديمقراطياً، وإعادة الهيكلة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي تستند إليها كل شريحة، لا يمكن أن يتحقق إلا بوجود مجتمع ديمقراطي وفسحة سياسية”.

كما دعت رسالته إلى تطوير لغة حقبة السلام والمجتمع الديمقراطي بما يتوافق مع الواقع.

وكان لافتاً في رسالته، قوله إنه “لا يمكن للدول القومية المنفصلة، والاتحادات الفيدرالية، والحكم الذاتي الإداري، والحلول الثقافية، أن تكون إجابة على علم الاجتماع التاريخي للمجتمع”.

ولم تكن هذه العناوين مدرجة في دعوة أوجلان للسلام في رسائله التي نشرها بين عامي 2013 و2015، وتقول أرزو يلماز، الأستاذ المساعد بجامعة كردستان هولير الكردية في أربيل بالعراق، لشبكة “بي بي سي” التركية، إن دعوته لا تستبعد الفيدرالية أو الحكم الذاتي فحسب، بل أيضاً “الحكم الذاتي الإداري من كونه نموذجاً بديلاً”.

فيما قالت الكاتبة التركية هاندا فرات في مقال على صحيفة “حرييت”، إن دعوة أوجلان موجهة إلى منظمة العمال الكردستاني وهياكلها التي تشكلت منها، بما في ذلك فعالياتها الأوروبية.

ورأت أن أهمية هذه دعوة أوجلان أنها تأتي من الرئيس المؤسس الذي رأى أن المنظمة لم تعد قادرة على تحقيق أهدافها بالسلاح، ويشير إلى تحول جذري.

وتوقعت الكاتبة فرات، أن اتحاد مجتمعات كردستان “KCK” سيعقد مؤتمره، ويتخذ قرار حل نفسه وإلقاء السلاح، وقد تستغرق هذه العملية من شهرين إلى ثلاثة أشهر.

ورأت أن هذه الخطوة تأتي في الوقت الذي كانت في تركيا في أقوى حالاتها ميدانياً فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب.

وأضافت أن المنظمة والهياكل التابعة لها إذا استجابت بشكل سلبي لدعوة أوجلان، أو حاولت عرقلتها وطلبت المساعدة من الآخرين، فسيصبح من الواضح أنها لم تعد تلك التي أسسها أوجلان، وسوف يظهر أنه لم يعد لديه أي سلطة عليها.

أما إذا اتخذت المنظمة الانصياع إلى دعوة أوجلان، فإن ذلك يعني أن الميدان العراقي سيصبح خالياً من الإرهاب، وستنتهي ظاهرة شراء الأسلحة بالأموال التي يتم جمعها بشكل غير قانوني في أوروبا، وسيتم تجفيف الموارد البشرية بوسائل غير قانونية، بحسب الكاتبة.

كما أنه إذا استجابت وحدات حماية الشعب لدعوة أوجلان، فإن خطط الإدارة السورية الجديدة جاهزة أيضاً، ما يمهد لأن يتحقق التكامل داخل سوريا.

هل عملية الحل الجديدة تختلف عن 2009 و2015؟

ومن الطبيعي أن تثير العملية الجديدة مخاوف اجتماعية بسبب فشل الحل في العملية التي جرت بين عامي 2009 و2015.

وتقول صحيفة “ستار” إن الميزة الأولى لعملية الحل الآن، أنها تأتي دون تراجع الدولة التركية أي خطوة إلى الوراء عن سياستها تجاه الإرهاب، كما أنها تأتي دون قيود عملياتية ضد المنظمة كما السابق.

وأشارت إلى الميزة الثانية بأنها تأتي أيضاً مع التغير السريع في الجغرافيا السياسية الإقليمية، من انهيار لنظام الأسد، وانسحاب إيران وروسيا من سوريا، وخلق وضع جديد يمهد لانسحاب الولايات المتحدة أيضاً.

وبذلك فقدت منظمة العمال الكردستاني ثلاثة من الأطراف الأربعة التي أبقتها على قيد الحياة وساهمت في نموها السياسي والعسكري ونفوذها الإقليمي.

أما الميزة الثالثة، فإنها تأتي دون إشراك الكادر القيادي النشط لمنظمة العمال في العملية الحالية كطرف فاعل، وتتم مع المعتقل أوجلان الذي يهيمن على أيديولوجية المنظمة وبيتها السياسية والاجتماعية، والذي يرى أيضاً أن البرنامج المسلح للمنظمة قد عفا عليه الزمن.

———————–

بما فيهم “قسد”.. أنقرة تدعو “المسلحين الأكراد” في سوريا والعراق إلى إلقاء السلاح

2025.02.28

أكد حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا، اليوم الجمعة، أن جميع “المسلحين الأكراد” في العراق وسوريا، بمن فيهم “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، يجب أن يلقوا أسلحتهم.

وجاء تأكيد العدالة والتنمية بعد دعوة زعيم “حزب العمال الكردستاني”، عبد الله أوجلان، من داخل سجنه إلى وقف القتال.

دعوة أوجلان وتأثيرها المحتمل

وفي حديثه للصحفيين في إسطنبول، صرح عمر جليك، المتحدث باسم حزب العدالة والتنمية، بأن الدعوة التي وجهها أوجلان من شأنها تعزيز رؤية الحكومة لتحقيق “تركيا خالية من الإرهاب” إذا تم تنفيذها.

اقرأ أيضاً

كراد سوريون يلوحون بأعلام تحمل صور مؤسس حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان، أثناء تجمعهم في مدينة القامشلي ذات الأغلبية الكردية في شمال شرق سوريا للاستماع إلى رسالة

بين الفدرالية والحوار مع دمشق.. هل تغيّر دعوة أوجلان مسار الكُرد السوريين؟

وشدد في الوقت ذاته على أن أنقرة لن تدخل في أي مفاوضات أو مساومات مع حزب العمال الكردستاني، وفقاً لما نقلته وكالة “رويترز”.

وأضاف جليك: “بغض النظر عن الاسم الذي يستخدمه، يجب على التنظيم الإرهابي أن يلقي سلاحه ويفكك نفسه، وكذلك جميع فروعه في العراق وسوريا”.

وكان أوجلان قد دعا أمس الخميس إلى تفكيك التنظيم وإلقاء السلاح، وهي خطوة قد تفتح المجال لإنهاء صراع مستمر منذ 40 عاماً، مع ما قد يترتب على ذلك من تداعيات سياسية وأمنية واسعة النطاق في المنطقة.

ورغم هذه الدعوة، لم يصدر حتى الآن أي رد رسمي من حزب العمال الكردستاني، في حين رفضت “وحدات حماية الشعب الكردية” (YPG)، التي تعد العمود الفقري لـ”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) المدعومة من الولايات المتحدة في سوريا، تطبيق هذه الدعوة عليها، مؤكدة أنها لا تشملها.

وحظيت دعوة أوجلان إلى إلقاء السلاح بترحيب واسع من الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، وحلفاء غربيين آخرين، بالإضافة إلى دول الجوار مثل العراق وإيران.

———————–

 رئيس البرلمان التركي الأسبق: سعيد بدعوة أوجلان لكنني قلق من جذور الخلاف

أعرب بولنت أرينج، نائب رئيس الوزراء والرئيس الأسبق للبرلمان التركي، عن ترحيبه الحذر بدعوة أوجلان، مشدداً على أهمية ترقب نتائجها، ومؤكداً في الوقت ذاته استقرار العلاقات بين أنقرة وأربيل.

فيما يتعلق بسوريا، أكد بولنت أرينج، خلال مشاركته في منتدى أربيل السنوي الثالث، اليوم الجمعة (28 شباط 2025)، الحاجة إلى نظام ديمقراطي بعد الأسد يشمل جميع المكونات، بمن فيهم “العلويون والدروز والكورد”.

إعلان أوجلان

أثار إعلان عبد الله أوجلان، مؤسس حزب العمال الكوردستاني، ردود فعل سياسية واسعة، وأكد بولنت أرينج أن الإعلان يشكل رداً مباشراً على مبادرة دولت بهتشلي، قائلاً: “صُدمنا من مبادرة بهتشلي، ولكن إعلان أوجلان جاء ليكون جواباً عليها. علينا أن ننتظر ونرى تداعيات ذلك”.

وأضاف: “ما كنا ننتظره من أوجلان قد حدث، فهو المؤسس لحزب العمال الكوردستاني، وهذه الدعوة هي الشيء الوحيد الذي كان يمكنه فعله منذ عام 1999، وقد فعله بالفعل”.

أرينج أكد أن العلاقات بين أنقرة وأربيل تمتد لسنوات طويلة وهي مستقرة، مشدداً على توافق وجهات النظر بين الجانبين حول ملف الإرهاب.

وقال في هذا السياق: “وجهة نظر أربيل حول الإرهاب تتفق مع وجهة نظرنا، وهذه نقطة مشتركة. ونعلم أن ما يقوم به حزب العمال الكوردستاني يثير قلق إقليم كوردستان أيضاً”.

“متعطش لمعرفة موقف إيران”

دعا أرينج إلى متابعة موقف المجتمع الدولي من إعلان أوجلان، معتبراً أن الدول القريبة مثل إيران لها تأثير أكبر من الجهات الدولية الأخرى، معبراً عن ترقبه لموقف طهران بالقول: “الأمم المتحدة طرف مهم في هذا الموضوع، ولكن هناك دول قريبة، والدول الأقرب أكثر أهمية من الدول البعيدة. أنا متعطش لمعرفة موقف إيران”.

مستقبل سوريا بعد الأسد

فيما يتعلق بسوريا، شدد أرينج على ضرورة تشكيل نظام ديمقراطي بعد رحيل الأسد، يضمن مشاركة جميع المكونات، بمن فيهم العلويون والدروز والكورد، قائلاً: “النظام في سوريا بعد الأسد يجب أن يكون ديمقراطياً، ويُشمل الجميع في الدستور، من علويين ودروز وكورد، وأن يكونوا مكوناً أساسياً في سوريا”.

كما تحدث عن الدور المحتمل لأحمد الشرع في قيادة البلاد رغم خلفيته الجهادية، قائلاً: “لدى أحمد الشرع النية ويريد تشكيل حكومة شاملة.. شخص وفق خلفيته الجهادية قد يكون أكثر ملاءمة للمحاكم، لكن عندما يصبح سياسياً، ويذهب إلى دمشق مرتدياً ربطة العنق والبدلة الرسمية، فإنه يبدو شخصاً جيداً”.

وأضاف: “لا أرى كذباً في وجه أحمد الشرع، أرى ماضيه، وقد استغربت وصُدمت، لكن ما أراه الآن هو شخص جيد”. وأردف الرئيس الأسبق للبرلمان التركي، معتبراً أن ما قام به أحمد الشرع “حتى الآن جيد”.

وأكد أرينج أن تركيا كانت على تواصل مستمر مع الأسد في عام 2011، حيث حثته على عدم استخدام العنف ضد شعبه، موضحاً: “في 2011، عندما كان عبد الله غل رئيساً وأردوغان رئيساً للوزراء، كان الأسد يتصل بنا يومياً، وكنا نقول له: لا تؤذِ شعبك”، مذكّراً بأنهم قالوا لأردوغان: “الأسد لا يقبل الكورد، ولا يقبل الإنسان كإنسان”.

دعوة أوجلان المصوّرة

رداً على سؤال في ختام اللقاء بشأن ما إذا كان جميع عناصر حزب العمال الكوردستاني سيستجيبون لدعوة أوجلان، قال أرينج: “كنت أفضل أن تكون رسالة أوجلان عبر تسجيل مصوّر”.

———————

المجلس الوطني الكوردي: نجاح مبادرة أوجلان مرهون باستجابة الحزب ومقاتليه

المجلس الوطني الكوردي في سوريا عن ترحيبه بالدعوة التي وجهها زعيم حزب العمال الكوردستاني، عبد الله أوجلان، للحزب بالتخلي عن السلاح والانخراط في النضال السلمي.

جاء ذلك في بيان صادر عن المجلس، اليوم الجمعة (28 شباط 2025)، أكد فيه أن نجاح هذه المبادرة يعتمد على “استجابة الحزب ومقاتليه لهذه الدعوة”، مشدداً على أهمية هذه الخطوة لإنهاء العنف وتبني الحلول السلمية.

ودعا المجلس في بيانه الحكومة التركية إلى “التعاطي مع هذا النداء بإيجابية، عبر إطلاق حوار جاد يسهم في إيجاد حل عادل للقضية الكوردية، وفي ترسيخ مبادئ الديمقراطية والمواطنة المتساوية، بما يحقق الأمن والاستقرار في تركيا والمنطقة.”

نص بيان المجلس الوطني الكوردي:

“يرحب المجلس الوطني الكُردي في سوريا بالنداء الذي وجهه زعيم حزب العمال الكوردستاني، السيد عبد الله أوجلان، في 27 شباط 2025، والذي دعا فيه الحزب إلى التخلي عن العمل المسلح، وحل نفسه والانخراط في النضال السلمي الديمقراطي.”

“يرى المجلس أن نجاح هذه المبادرة يعتمد على استجابة الحزب ومقاتليه لهذه الدعوة، حيث تمثل هذه الخطوة فرصة حقيقية لإنهاء العنف، واعتماد النضال السياسي والحلول السلمية لحل القضية الكوردية في تركيا.”

“كما يدعو المجلس الحكومة التركية إلى التعاطي مع هذا النداء بإيجابية، عبر إطلاق حوار جاد يسهم في إيجاد حل عادل للقضية الكوردية وفي ترسيخ مبادئ الديمقراطية والمواطنة المتساوية، بما يحقق الأمن والاستقرار في تركيا والمنطقة.”

——————–

 المستشار الألماني: دعوة أوجلان فرصة للتوصل إلى تطور سلمي دائم للقضية الكوردية.

رحب مستشار ألمانيا بدعوة عبد الله أوجلان، زعيم حزب العمال الكوردستاني المسجون في تركيا، التي يطالب فيها حزبه بإلقاء السلاح.

واليوم الخميس (27 شباط 2025)، قال شتيفان زايبرت، المتحدث باسم الحكومة الألمانية نيابة عن المستشار الألماني: “المستشار الألماني أولاف شولتز يرحب بدعوة عبد الله أوجلان، رئيس حزب العمال الكوردستاني، اليوم لإلقاء السلاح وحل حزب العمال الكوردستاني.”

ويضيف المتحدث باسم الحكومة الألمانية: “حزب العمال الكوردستاني منظمة إرهابية محظورة في ألمانيا وقد أسفر القتال عن سقوط العديد من الضحايا. دعوة أوجلان تتيح الآن أخيراً فرصة للتغلب على هذا النضال العنيف والتوصل إلى تطور سلمي دائم في القضية الكوردية”.

في وقت سابق من اليوم، أعلن وفد حزب الشعوب الديمقراطي (دام بارتي) في إسطنبول دعوة السلام من أوجلان، وقد وقرأ أحمد تورك النداء الذي جاء بعد زيارة الوفد المكون من سبعة أشخاص لجزيرة إمرالي اليوم.

في رسالته، يعلن أوجلان: “في الأجواء الحالية، التي أوجدتها دعوة السيد دولت بهجلي والإرادة التي أظهرها السيد الرئيس، والمواقف الإيجابية للأحزاب السياسية الأخرى تجاه هذه الدعوة، أدعو إلى إلقاء السلاح وأتحمل المسؤولية التاريخية لهذه الدعوة”.

ألمانيا مستعدة لدعم عملية السلام

سابقاً، صرحت وزارة الخارجية الألمانية في هذا الصدد، أن الدعوة تمثل “فرصة تاريخية” لإنهاء الحرب التي استمرت عدة عقود بين تركيا وحزب العمال الكوردستاني.

وقال متحدث باسم الوزارة في بيان: “إنهاء العنف خطوة أولى مهمة، لكنها تتطلب خطوات إضافية. من بينها وفوق كل شيء، احترام وضمان الحقوق الثقافية والديمقراطية للكورد في تركيا”.

وذكر المتحدث باسم وزارة الخارجية الألمانية: “بصفتنا الحكومة الفيدرالية، نحن مستعدون لدعم عملية من هذا النوع، وسنفعل ما بوسعنا”.

——————————

رئاسة كردستان العراق ترحّب بدعوة أوجلان وتحض حزب العمال على “تنفيذها”

رحّبت رئاسة إقليم كردستان العراق الخميس بدعوة الزعيم الكردي عبدالله أوجلان حزب العمال الكردستاني إلى إلقاء السلاح وحلّ نفسه، داعية المقاتلين الأكراد إلى “تنفيذها” ومؤكدة عزمها دعم عملية السلام.

وقال رئيس الإقليم نيجرفان بارزاني في منشور على منصة “إكس”: “نرحب بحرارة برسالة السيد أوجلان ودعوته لنزع السلاح وحل حزب العمال الكردستاني ونطلب من الحزب (…) الالتزام بهذه الرسالة وتنفيذها”، مؤكدا استعداد الإقليم “لدعم عملية السلام بشكل كامل”.

من جهته، قال نائب رئيس حزب “العدالة والتنمية” التركي الحاكم افكان آلا اليوم إن تركيا “ستتحرر من القيود” إذا ألقى حزب العمال الكردستاني السلاح وحل نفسه.

وفي أول رد من حزب الرئيس رجب طيب أردوغان، قال آلا إن الحكومة تتوقع أن يمتثل حزب العمال الكردستاني لدعوة أوجلان.

ودعا أوجلان اليوم حزب العمال الكردستاني الذي أسسه إلى إلقاء السلاح وحل نفسه، في إعلان تاريخي صدر في اسطنبول بعد أربعة عقود من النزاع.

وقال في الإعلان الذي تلاه وفد من نواب “حزب المساواة وديموقراطية الشعوب” (ديم) المؤيد للأكراد الذي زاره في سجنه في جزيرة إيمرالي في وقت سابق اليوم إن “على جميع المجموعات المسلحة إلقاء السلاح وعلى حزب العمال الكردستاني حل نفسه”.

وأكد الزعيم الكردي أنه “يتحمل المسؤولية التاريخية عن هذه الدعوة”.

وقُرئت رسالته المنتظرة منذ أسابيع، باللغة الكردية ثم بالتركية بحضور حشد من الصحافيين في فندق وسط إسطنبول، أمام صورة كبيرة تظهر الزعيم التاريخي لحزب العمال الكردستاني، ممسكا بورقة بيضاء.

والتقى وفد من “حزب المساواة وديموقراطية الشعوب” لمدة ثلاث ساعات صباح الخميس، أوجلان المسجون منذ 26 عاما.

وتجمع مئات الأشخاص في عدة مدن في جنوب شرق تركيا ذي الغالبية الكردية بينها دياربكر، لسماع رسالة أوجلان.

كذلك نصبت شاشات في شمال سوريا والعراق حيث تقيم أقلية كردية.

وهذه المرة الثالثة منذ نهاية كانون الأول/ديسمبر التي يُسمح فيها لممثلين عن “حزب المساواة وديموقراطية الشعوب”، القوة الثالثة في البرلمان التركي، بلقاء أوجلان (75 عاما) الذي صدر بحقه حكم بالسجن مدى الحياة.

وخلال الزيارتين السابقتين، أعرب أوجلان عن “تصميمه” على طي صفحة النزاع المسلح.

وقال لأحد زائريه: “إذا أُتيحت الظروف، فإنّ لدي القوة النظرية والعملية لنقل النزاع من ساحة العنف إلى الساحة القانونية والسياسية”.

وأطلق أوجلان دعوتين سابقتين إلى الهدنة في بداية القرن الحالي ثمّ في العام 2013 باءتا بالفشل، ما أفسح المجال أمام تجدد أعمال العنف.

النهار

———————

ليقُلها وهو خارج السجن”… أكراد يشككون وآخرون يرحّبون بدعوة أوجلان، فهل حان عهد السلام؟/ عبد الغني دياب

الجمعة 28 فبراير 2025

أحدثت الدعوة التي أطلقها السياسي الكردي، عبد الله أوجلان، مؤسس حزب العمال الكردستاني، أمس الخميس 27 شباط/ فبراير 2025، صدى واسعاً في الأوساط السياسية الإقليمية والدولية، خاصةً أنّ الدعوة تحمل في طياتها ملامح لإنهاء صراع دموي استمرّ إلى ما يزيد عن أربعة عقود، شنّت خلالها القوات التركية حرباً قاسيةً على المكونات الكردية في كلّ من تركيا وسوريا والعراق، وفي المقابل ردّ المقاتلون الأكراد بهجمات مماثلة.

كانت آخر هذه المواجهات، ما عاشته مدينة دهوك العراقية، التي شهدت اشتباكات بين قوات حزب العمال الكردستاني والجيش التركي، عقب ساعات من الدعوة التي أطلقها أوجلان، من سجنه في جزيرة إمرالي التركية، والذي يقضي فيه حكماً بالسجن مدى الحياة، لتضاف إلى مواجهات سابقة تسببت في سقوط ما يقرب من 40 ألف قتيل، 7،152 منهم سقطوا منذ انهيار وقف إطلاق النار في عام 2015، وفقاً لما ذكرته مجموعة الأزمات الدولية، في إحصاء رصد المواجهات حتى 20 كانون الثاني/ يناير 2025.

ونُقلت رسالة أوجلان، عبر وفد كردي زاره في السجن. وبعد لقائهم به، عقد أعضاء الوفد مؤتمراً صحافياً في إسطنبول، لعرض الرسالة على الملأ​. وتولّى أعضاء حزب الشعوب من أجل المساواة والديمقراطية (DEM)، وهو حزب مؤيد للأكراد، قراءة نصّ الرسالة باللغتين الكردية والتركية أمام وسائل الإعلام​.

وظهرت خلال المؤتمر صورة حديثة لأوجلان، مع الوفد داخل السجن، عُرضت على شاشة كبيرة خلف المتحدثين للتأكيد على مصداقية الرسالة​.

وضمّ الوفد شخصيات قياديةً بارزةً في الحركة السياسية الكردية، ما أعطى ثقلاً إضافياً للإعلان التاريخي وضمانةً بأنه يمثّل موقف أوجلان شخصياً.

كان لافتاً غياب الحكومة التركية أو من يمثّلها عن المؤتمر، وكان لافتاً أيضاً أنّها -أي الرسالة- خصّت بالذكر حزب العمال الكردستاني، حصراً، دون أي ذكرٍ لأكراد سوريا، أو العراق. وجاء فيها: “أدعو حزب العمال الكردستاني لإلقاء السلاح وأتحمّل المسؤولية التاريخية عن هذه الدعوة”، و”يجب أن نصنع حياتنا السياسية من جديد، والفترة التي تأسس فيها حزب العمال الكردستاني كان فيها إنكار لوجود الأكراد”.

وكان التصريح التركي الأوّل، قد خرج على لسان نائب رئيس حزب العدالة والتنمية، الحاكم، بالقول: “نتوقع أن يلقي حزب العمال الكردستاني سلاحه، ويلتزم بدعوة رئيسه المسجون”. وأضاف أنه في حال لبّى الحزب الدعوة، فإنّ تركيا “سوف تتحرر من أغلالها”.

تشكيك واحتفالات في الأوساط الكردية

كما هو متوقّع، أحدثت الرسالة رجّةً في الأوساط الكردية، وأثارت مزيجاً من الآمال والشكوك. فعلى الصعيد الشعبي، عمّت احتفالات وترحيب حذر في العديد من المناطق ذات الأغلبية الكردية في تركيا. وكان الآلاف قد تجمّعوا في ديار بكر (أكبر المدن ذات الغالبية الكردية جنوب شرقي تركيا)، لمتابعة بث الرسالة على شاشات ضخمة، رافعين الأعلام بألوانها القومية الحمراء والصفراء والخضراء، مردّدين شعارات تدعو للسلام​. كما اعتبرت شخصيات كردية، أنّ الرسالة موجهة إلى كل شعوب المنطقة، وليس إلى الأكراد والأتراك فحسب، بوصفها دعوةً لطي صفحة الصراع​.

في المقابل، برزت مواقف مشككة في الأوساط الكردية نفسها، وبين كوادر الحزب المسلّح. لم يصدر ردّ فوري من قيادة الـPKK المتمركزة في جبال قنديل شمالي العراق، حول نية الامتثال لتوجيهات أوجلان​، ما أثار تساؤلات حول مدى استعداد الجناح العسكري للتخلّي عن السلاح، مع إشارات إلى تجارب وقف إطلاق نار سابقة انتهت بعودة القتال.

كذلك تساءل آخرون، عمّا إذا كانت الرسالة تعبّر حقاً عن إرادة أوجلان الحرّة أو أنها جاءت تحت تأثير ضغوط أو صفقات سياسية مع أنقرة، في ظلّ العزل المشدد المفروض عليه منذ سنوات.

تفاؤل حذر… وتشاؤم جريء

ويرى محللون سياسيون أنّ مصداقية نوايا الحكومة التركية هي محل اختبار أيضاً؛ إذ يقول ولفانجو بيكولي، مدير مؤسسة “تينيو” لاستشارات المخاطر السياسية لـ”إندبندنت عربية”: “وجّه أوجلان دعوة سلام تاريخية، لكن من غير الواضح ما إذا كانت أنقرة تسعى حقاً إلى اتفاق سلام أو أنها مجرد مناورة سياسية لخدمة مصالحها”.

وعلى الرغم من ذلك، رحّبت مكونات كردية في الداخل التركي أو حتى في كل من سوريا والعراق، بالدعوة التي أطلقها أوجلان، حيث أعلنت وحدات حماية الشعب الكردية السورية، على لسان سياميند إيلي، مسؤول الاتصال الصحافي فيها، “أنهم سوف يتحركون لحلّ الأزمة من خلال الديمقراطية والسلام والحوار”.

وأيّد عدد من مسؤولي الأكراد في العراق، دعوة أوجلان، حيث عدّها رئيس حكومة إقليم كردستان العراق نيجيرفان بارزاني، دعوةً تاريخيةً، قائلاً في بيان نشره: “نرحّب بحرارة برسالة السيد أوجلان ودعواته”، بينما أعلن رئيس الاتحاد الوطني الكردستاني بافيل طالباني، قبوله الدعوة، قائلاً: “يجب أن نقبل هذه الدعوة معاً، وأن نتّخذ خطوات عمليةً بسرعة للوصول إلى السلام”.

قسد: “دعوة إيجابية لكنها لا تخصّنا”

وفي سوريا، حيث يقود الأكراد هناك قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وصفت القيادة الكردية الرسالة بأنها “إيجابية”، لكنها شددت على أنها “لا تخصّهم”، بشكل مباشر​.

ورحّبت ممثلة مجلس سوريا الديمقراطية في مصر، الدكتورة ليلى موسى، بالدعوة، قائلةً: “إنّ رسالة أوجلان كانت واضحةً، وهي موجهة إلى حزب العمال الكردستاني، ولا تخصّ قوات سوريا الديمقراطية، إذ إن كلا منهما لديه خصوصيته”.

وتستدرك السياسية السورية في تصريحات لرصيف22، قائلةً إنه بالرغم من هذه الخصوصية، إلا أنه إذا ما تمّ حل القضية الكردية بالسبل السياسية في الداخل التركي، فإنّ ذلك سيؤثر إيجاباً على العلاقة بين تركيا والإدارة الذاتية في إقليم شرق سوريا.

وتضيف موسى: لطالما تخوفت أنقرة من نقل تجربة الإدارة الذاتية السورية إلى الداخل التركي، مؤكدةً أنّ أكبر القضايا التي تعاني منها تركيا حالياً هي القضية الكردية.

وتشير إلى أنّ الدعوة الأخيرة التي أطلقها أوجلان، ليست الأولى من نوعها، بل سبق أن أطلق دعوات مماثلةً، كانت آخرها في آذار/ مارس 2013، واستمرّت المفاوضات حتى 2015، وجميع هذه العمليات لم تُستكمل، وكان السبب دائماً هو عدم وفاء تركيا بتعهداتها.

وتأمل ممثلة سوريا الديمقراطية في مصر، أن تكون تركيا جادّةً في مساعيها هذه المرة، ولا سيما أنّ هناك متغيرات جديدةً على الساحة الإقليمية والدولية، بالإضافة إلى ما تمرّ به المنطقة من تطورات، ومن المأمول أن يكون لها تأثير إيجابي على الداخل التركي.

وتضيف أنّ أوجلان، خصّ حزب العمال الكردستاني بالدعوة، لأنه هو مؤسس هذا الحزب، كما أنّه لا يزال يتمتع بتأثير واسع بين أعضاء الحزب. فبرغم سنوات غيابه القسري في السجون التركية، إلا أنّ لديه قدرةً على قراءة المشهد، وتقديم حلول سلمية للقضايا التي تمرّ بها المنطقة.

دعوة جامعة لكل الأكراد؟

وفي المقابل، يرى الباحث السوري الكردي محمد أرسلان علي، أنّ الرسالة التي أطلقها أوجلان، حملت الكثير من المعاني والمضامين، لافتاً إلى أنّها تحمل نداءات للأطراف كافة، لا لحزب العمال الكردستاني فحسب، فهي أيضاً موجهة إلى السلطات التركية.

وأضاف في تصريحه لرصيف22، أنّ هذا النداء هو نتيجة لقاءات عديدة أشرفت عليها جهات تركية رفيعة المستوى، بما فيها أجهزة الاستخبارات التركية، بهدف وقف الصراع والتوجه نحو الحلّ السلمي، كما أنه ينهي المواجهات التي تسببت في سقوط عشرات الضحايا.

ويشير إلى أنّ المفاوضات بدأت بعد الدعوة التي أطلقها رئيس حزب الحركة القومية، دولت بهجلي، والتي أيّدها أردوغان، وعلى ضوء ذلك امتدت اللقاءات بين الطرفين، ونظّم حزب “المساواة وديمقراطية الشعوب”، عدداً من اللقاءات على مدار الأشهر الثلاث الماضية، وجاءت الدعوة الأخيرة نتاجاً لها.

في انتظار الخطوات التركية الرسمية

ويضيف أنّ دعوة أوجلان تنطلق من منظور أنّ حلّ القضية الكردية يمكن أن يتم عبر الوسائل السلمية، استناداً إلى التاريخ المشترك بين الطرفين والممتد لأكثر من ألف عام، وعلى هذا الأساس تم النداء من قبل أوجلان للمجموعات الكردية لإلقاء السلاح وتغيير المسار.

هذا المسار لن يتم بين ليلة وضحاها، بل ستكون هناك خطوات متتابعة، خاصةً من قبل الدولة التركية، سواء على المستوى السياسي أو القانوني، وهذا الأمر أكّد عليه أوجلان، في لقاءاته السابقة مع الوفد الذي زاره في محبسه في جزيرة إمرالي، بحسب ما يقول أرسلان.

ويضيف السياسي الكردي، أنه لا بدّ من خلق أرضية قانونية وحقوقية، وأن يُصدر البرلمان التركي قراراً بوقف الهجمات على المقاتلين الأكراد، سواء في تركيا أو في سوريا والعراق، حتى تكون الخطوات التي دعا إليها أوجلان، متبادلةً.

وينبّه أرسلان علي، إلى أنّ الدعوة تشمل حلّ القضية الكردية بشكل عام، ولا تقتصر على حزب العمال الكردستاني، مستدلّاً على ذلك بالرسائل التي وجهها أوجلان خلال الأسابيع الماضية، إلى كلّ من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، والسياسي الكردي مسعود بارزاني، الرئيس السابق لإقليم كردستان العراق، ورئيس حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، بافل طالباني.

ويشدًد على أنه إذ قامت تركيا بالخطوات المتعلقة بالإفراج عن السجناء وفتح المجال السياسي، ووقف الحرب على الأكراد، فإنّه من المتوقع أن تستجيب جميع المكونات الكردية لهذه الدعوة، مؤكداً على ضرورة وجود ضمانات دولية وإقليمية لضمان نجاح المسار.

ويرى أرسلان علي، أنّ التطورات التي شهدتها المنطقة، خاصةً بعد الذي حدث في غزّة وسوريا ولبنان، ستكون له ارتدادات قوية على المنطقة بأسرها، لافتاً إلى أنّ أوجلان كان منتبهاً إلى هذه المخاطر، لذا قدّم دعوته للسلطات التركية، محذّراً من أنّ تركيا قد تتعرض للتقسيم، وربما تكون منحصرةً في منطقة الأناضول فقط، وعليه فإنّ الصراع لن يكون مفيداً لأيّ من الأطراف، والحلول السياسية باتت هي السبيل لتجنيب المنطقة مزيداً من الأزمات.

ويتلاقى هذا الرأي مع ما قاله صالح مسلم عضو المجلس الرئاسي لحزب الاتحاد الديمقراطي، الذي أكد أنّ الأمر يتوقف على الخطوات التي ستتخذها تركيا، وأنهم سيقيمون المكالمة مع الجهات الفاعلة في شمال شرق سوريا، ويرسمون خريطة طريق، وأوضح في تصريحات له أنه “إذا تطورت الحرّيات، يمكننا أيضاً أن نضع أسلحتنا جانباً بالطبع”.

وأكّد أنّ حمل السلاح لم يكن إلا دفاعاً عن النفس، وأنّه إذا زالت الأسباب التي دعت لذلك، فلن تكون هناك حاجة إلى السلاح، لافتاً إلى أنّه حتى الآن لم يحدث ذلك، ولا تزال الاعتداءات اليومية قائمةً كما في كوباني وسدّ تشرين وغيرهما من المواقع، وعندما تتوقف هذه الهجمات، لن تكون هناك حاجة إلى السلاح.

دور سقوط الأسد والانتخابات التركية

عطفاً على ما سبق، يرى الباحث المصري محمد حامد، المتخصص في الشأن التركي، أنّ “قسد”، فرع من حزب العمال الكردستاني، وكذلك قوات حماية الشعب، مشيراً إلى أنّ القرار الذي أعلنه أوجلان، مؤخراً، يصبّ في صالح الأمن القومي التركي سواء في الداخل أو حتى في الخارج، وإلى أنّه بمجرد تسليم قوات “قسد”، سلاحها للجيش السوري الذي يطمح الرئيس السوري أحمد الشرع إلى تأسيسه، ستكون نهاية حلم الدولة الكردية التي لطالما سعى إليها الأكراد.

ويضيف لرصيف22: “سقوط نظام الأسد لعب دوراً في هذا المسار، لأنّ أوجلان، كان موجوداً في دمشق في السابق، وحظي بدعم نظام حافظ الأسد، حتى حدث خلاف تركي سوري كبير، هددت من خلاله أنقرة، باحتلال أجزاء من الأراضي السورية، في حال استمرت دمشق في دعم الأكراد، وتدخّلت على إثر الأزمة بعض القوى الإقليمية، من بينها مصر، لرأب الصدع، وإنهاء الخلاف، وبناءً على ذلك، توقّف الدعم السوري لأوجلان”.

ويصف الباحث المصري، القرار، بأنّه تاريخي ويصبّ في صالح الطرفين، سواء داخلياً أو إقليمياً، ليبقى العداء محصوراً بين الأكراد والنظام الإيراني فقط، لافتاً إلى أنّ الرئيس التركي أردوغان، استطاع بتفاهمات مع إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، العودة إلى المفاوضات السابقة التي رعتها ألمانيا بين أنقرة والأكراد في عام 2012، والتي كانت تتخذ المسار نفسه تقريباً، إلا أنّ أردوغان، انقلب عليها في 2015، حيث قمعت القوات التركية الأكراد وقتها وشنّت حملات عسكريةً عليهم.

ويرى أنّ هذه الخطوة سترفع من أسهم أردوغان، داخلياً وخارجياً، وربما تمكّنه من الدعوة إلى إجراء انتخابات مبكّرة، تضمن له البقاء في الحكم حتى وفاته كما يطمح.

الرأي نفسه تقوله الباحثة جنول تول، الزميلة في معهد الشرق الأوسط، ومؤلفة كتاب “حرب أردوغان: صراع رجل قوي في الداخل وفي سوريا”، إذ تشير في مقطع مصوّر نشره المعهد إلى أنّ “أردوغان يهدف من هذه الخطوة إلى البقاء في الحكم بعد عام 2028، وإلى أنّه يحتاج إلى تحركات سياسية أو دستورية”.

وتضيف أنّ الرئيس التركي لا يمكنه الترشح للرئاسة من جديد، إلا من خلال خيارين: الأول هو تعديل الدستور بما يضمن له السماح بالترشح، والثاني هو الدعوة إلى إجراء انتخابات رئاسية مبكرة. وفي الحالين، يحتاج إلى دعم الكتلة الكردية لتمرير الأمر.

وتوضّح أنّ نزع السلاح الكردي قد يساعد أردوغان على تعبئة الأكراد في صفّه، ويسمح له بالبقاء في الحكم بعد 2028، كما أنّه يخدم توجهاته في السياسة الخارجية، كون الحزب قريباً من الإدارة الأمريكية، وشريكاً لها في الحرب على تنظيم داعش الإرهابي في شمال شرق سوريا.

وتشير الباحثة إلى أنّ نجاح هذا المسار قد يخدم تطلعات أنقرة الاقتصادية أيضاً، حيث يطمح أردوغان إلى إطلاق مشروعات طاقة كبرى في المنطقة، قد تصل إلى مدّ خط سكة حديد من جنوب العراق حتى تركيا، وهذا لن يتم طالما ظلّت المشكلة قائمةً مع المكونات الكردية، سواء في داخل تركيا أو خارجها.

وتبدي تخوفها من عدم التزام السلطات التركية بتعهداتها، مؤكدةً أنّ أكبر تحدٍ يواجه هذا المسار، هو عدم معالجة المطالب الديمقراطية المتعلقة بالأكراد. وتضيف أنه على الرغم من إعلان أوجلان، إلا أنّ الجانب التركي لم يقدّم شيئاً حتى الآن، وهو ما يعنى أنّ أردوغان، لا يسعى إلى الإصلاح، ولكن إلى البقاء في السلطة لمزيد من السنوات.

رصيف 22

—————————

=================

=====================

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى