سوريا حرة إلى الأبد: مقالات وتحليلات 01 أذار 2025

حرية إلى الأبد: كل المقالات والتحليلات والحوارات التي تناولت انتصار الثورة السورية اعتبارا من 08 كانون الأول 2024، ملاحقة يومية دون توقف تجدها في الرابط التالي:
سقوط بشار الأسد، الرئيس الفار والمخلوع
——————————–
في معنى تأكيد الشرع على “طرائق النصر”/ عمر قدور
السبت 2025/03/01
في خطابه، أثناء افتتاح مؤتمر الحوار الوطني، تحدث الرئيس أحمد الشرع عن ملاحقة مجرمي العهد البائد وعن العدالة الانتقالية. وفي نص مكتوب لم يكن من المصادفة أن يتبع كلامه ذاك بالقول: “قد سعينا خلال معركة التحرير وبعدها لحقن الدماء، وعدم هدم الحواضر، واستعملنا في ذلك طرائق متعددة. وكل ذلك ليتسنى للسوريين أن يجلسوا مع بعضهم، ويعيدوا بناء بلدهم، ولعل البعض قد ساءه بعض هذه الطرائق. وكما قبلتم منا هذا النصر؛ أرجو متكرّمين أن تقبلوا منا طرائقه”.
وكان بعض الحاضرين قد نقل عنه قوله في لقاء له في طرطوس، أثناء جولة له على بعض المدن السورية، إن النصر تحقق هكذا بناءً على تسويات سياسية. مضيفاً، أن النصر كان حتمياً، لكن بكلفة أكبر لولا التسويات المُشار إليها. أيضاً، كان ذلك بمثابة ردّ على الذين يرون تقصيراً من السلطة في ملاحقة مجرمي الأسد، والذين يطالبون بحجم ونوعية من المحاسبة أكبر وأقسى من الإجراءات المُتخذة.
ضمن الإطار ذاته، كان الشرع (منذ إطلالاته الأولى بعد سقوط الأسد) قد أشار إلى التخلي عن منطق الثورة والتعاطي بمنطق الدولة. وهي إشارة لم تأخذ حقها من الاهتمام والتفكير، رغم ضرورة ذلك. لا لكونها صادرة عن رأس السلطة الجديدة فحسب، بل أيضاً لأنه الأدرى بكواليس النصر الذي تمّ على نحو لم يكن ليتوقعه قبل شهور أشد المتفائلين، أو حتى أكثرهم انفصالاً عن الواقع.
من المفهوم أن نشوة النصر “الذي يكاد لا يُصدَّق” قد غطّت على كل ما عداها، ومن ذلك التمحيص فيما حدث، وبواقعية تتجنب التسييس المسبَّق، ومن ثم كيل الاتهامات. الأكيد، على سبيل المثال لا الحصر، أن القوى الدولية والإقليمية المؤثرة التي منعت من قبل سقوط الأسد قد سمحت بسقوطه، وأن الأخير بقواه الذاتية لم يكن قادراً على المقاومة، وهو بهذا المعنى ساقط منذ سنوات.
الخلاصة التي يجدر الانتباه إليها، والتمعّن جيداً فيها، أن حُكم سوريا ليس شأناً داخلياً محضاً، ومن يحكم (كائناً مَن كان) سيكون تحت ضغط توازنات شتّى. ويزداد بروز العامل الخارجي كلّما كان الداخل أقلّ تماسكاً، وكلما كانت الشرعية الداخلية ضعيفة. وبعد اندلاع الثورة، واعتماد الأسد المتزايد على الحل العسكري، كنا قد شهدنا توجهاً سورياً عاماً إلى توسل الدعم الخارجي، يبدأ من توسل الدعم العسكري ليصل إلى توسل الدعم الإغاثي. الخروج من الوضعية السابقة، على مستوى التفكير والواقع، يحتاج زمناً طويلاً، وجهداً لتحصين الداخل وعدم استعداء الخارج.
واحد من البديهيات التي تدركها السلطة أنها، بحكم موقعها، تقود بلداً بأكمله، فلا تقود أنصارها فقط، ولا يندر أن تتضارب التزاماتها مع رغبات الشريحة الأشد حماسة من مؤيديها. حتى إذا تجاوزنا الأشد حماسة، قد لا تستطيع السلطة في وضع استثنائي الوفاء بالوظائف المعتادة، ومنها تطبيق القانون كما يشتهي كثر يريدون السير نحو العدالة. نذكر مثلاً العديد من البيانات التي وقّع عليها مثقفون وناشطون سوريون خلال السنوات الفائتة، طالبوا بها بمحاكمة كافة المتورطين في الانتهاكات على امتداد الأراضي السورية.
المثال الأخير يعيدنا إلى قول السيد الشرع: “كما قبلتم منا هذا النصر؛ أرجو متكرّمين أن تقبلوا منا طرائقه”. فاليوم يكاد لا يخلو حديث في الشأن السوري من المطالبة بالعدالة، واعتبارها أولوية قصوى. إلا أن التطرق إليها يتحاشى طرح الأسئلة القاسية حقاً، والمركّبة بحيث لا يجيب عنها أي معيار من المعايير التي يُعتقد أنها من بديهيات العدل.
واحد من الأوجه، غير العادلة نظرياً، انصراف الأذهان إلى مجرمي الأسد ما أن يُحكى عن العدالة الانتقالية، وكأنه ذلك أصبح موضع اتفاق من دون أن يُطرح للبحث ويُتفق عليه. لكن ما أن ننتبه قليلاً إلى الجدال العربي-الكردي حتى تطالعنا الاتهامات الموجَّهة من بعض العرب إلى قسد بارتكاب انتهاكات، والاتهامات الموجَّهة من أكراد إلى فصائل “غصن الزيتون” وسواها، وهي فصائل انضوت في السلطة الحالية، وتسلّمَ بعض قادتها مناصب فيها.
أما إذا مضينا أبعد في الزمن، فهناك اتهامات من المدنيين السوريين ضد كافة سلطات الأمر الواقع التي حكمتهم أو تحكّمت بهم خلال المرحلة الماضية. ثمة اتهامات ضد هيئة تحرير الشام وجبهة النصرة من قبل، وضد جيش الإسلام، وسواهما من فصائل صارت اليوم عماد السلطة أو جزءاً منها، ما يبتعد واقعياً بسؤال العدالة عمّا كان يُقال نظرياً قبل سقوط الأسد. لا ندري ما إذا كان هذا وراء قرار السلطات منع انعقاد ورشة عمل مغلقة تحت عنوان: “تطبيق العدالة في سوريا ودور الهيئات والمؤسسات الدولية”. وكان من المقرر انعقادها بتاريخ 27 شباط في فندق شيراتون دمشق، وفوجئت المنظمات الأربع المنظِّمة لها بقرار المنع، والمنظمات هي: المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية، والأرشيف السوري، ومؤسسة الشارع للإعلام، وملفات قيصر للعدالة.
لدينا فجوة يمكن فهمها بين المؤسسات الحقوقية والسلطة، فالثانية تتعاطى بموجب التزامات ترى أن لها أولوية على العدالة، وتطالب بقبول ذلك تحت تسمية “طرائق النصر” التي تحتكر تقديرها حتى الآن. وما حدث واقعياً أنها طاردت بعض مجرمي الأسد، وتساهلت مع البعض الآخر منهم الذي يُنظر إليه على نطاق واسع بوصفه من رؤوس الإجرام، أو مقرّباً منها.
بعبارة أخرى، وبغياب المعايير المعلنة، يبدو تعامل السلطة مع ملف العدالة انتقائياً. إلا أنها انتقائية لا تبتعد عن انتقائية معمَّمة لدى معظم السوريين، حيث هناك فئات ضخمة بينهم تريد كلّ منها ملاحقة متهمين بعينهم، وغض النظر عن متهمين آخرين. والمقصود تماماً هو “غضّ النظر” لا العفو، فالأخير يتطلب اعترافاً بالجُرم أو إدانة قضائية، بينما يتجاوز التجاهلُ ذلك كله، ويطالب أصحابه فقط بمحاكمة الخصم، أي تكون المحاكمة للمجرم، لا على الجريمة.
ثمة استعصاء في ملف العدالة، لا على مستوى الإمكانيات والإجراءات فحسب، بل أيضاً على مستوى التأسيس النظري. وكثرة المطالبات بإحقاق العدالة الانتقالية لا يوازيها حوار عام يؤدي إلى توافقات على مضمون العدالة المنشودة، وعلى الحدود التي تقف عندها العدالة، ليكون ما بعدها متروكاً للمصالحة الوطنية، حيث يُفترض أن تسير الأخيرة جنباً إلى جنب مع العدالة. هناك أيضاً على الصعيد الشخصي ما يُسمّى جبر الضرر، وجزء منه معنوي يتطلب الاعتراف للمتضررين بحقوقهم، وجزء منه مادي يتكيَّف بحسب الحالات ذات الصلة.
التمعّن في “طرائق النصر” يبدو ضرورياً للتفكير في ذلك كله، لكن الفائدة العمومية تتحقق عندما لا يبقى التفكير في الإطار الشخصي، وقائماً على التخمين والغموض. على العكس، قد يضرّ استمرار الغموض بمصداقية السلطة، بقدر ما قد يدفع إلى مطالبتها بأعلى من إمكانياتها الفعلية. لذا تبدو المصارحة، القاسية حقاً، بمثابة ممر إلزامي إلى الحد الممكن من العدالة والمصالحة معاً على مستوى البلد ككل، وهي أيضاً بمثابة استحقاق يزداد إلحاحاً مع الإعلان المنتظر عن الحكومة الجديدة.
المدن
—————————
هل سيكون للمعارضة السورية دور في “حكومة آذار”؟/ باسل المحمد
2025.03.01
منذ اللحظة الأولى لسقوط النظام السوري في الثامن من كانون الأول، أُثيرت كثير من التساؤلات في الشارع السوري حول دور المعارضة السياسية باختلاف هيئاتها ومؤسساتها في عملية التحرير من جهة، وعن إمكانية أن يكون لهذه القوى أي دور في المستقبل السياسي لسوريا من جهة أخرى.
نسبة كبيرة من السوريين فقدوا الثقة في هذه المعارضة نتيجة لتهم بالفساد المالي والانقسامات والصراعات الداخلية، وخضوع أطراف منها لشروط وإملاءات خارجية إقليمية ودولية، ويرى أصحاب هذا الرأي ضرورة حل هذه المكونات نظراً لفشلها بتقديم أي منجز سياسي للثورة، في حين يرى قسم آخر أن هذه المعارضة تظل مكوّنًا أساسيًا في أي عملية انتقالية مستقبلية، قد نجحت رغم كل الظروف بالاستمرار والمحافظة على وجودها ممثلة للشعب السوري في المحافل الدولية.
فالائتلاف الوطني، بصفته أبرز كيان معارض معترف به دوليًا، يمتلك خبرات سياسية ودبلوماسية اكتسبها خلال أكثر من عقد من النضال ضد النظام، كما أن بعض شخصيات المعارضة شاركت سابقًا في مفاوضات دولية، وعملت مع جهات إقليمية ودولية، ما يجعلها مؤهلة لتولي أدواراً مهمة وفاعلة في هذه المرحلة.
ومع اقتراب الإعلان عن تشكيل الحكومة القادمة في الأول من آذار، والحديث عن طبيعتها والشخصيات أو المكونات التي ستسهم في تشكيلها، ومع وجود إصرار دولي وأممي على وجوب مشاركة كافة المكونات والقوى السياسية فيها، يبرز السؤال عن طبيعة الدور الذي ستلعبه المعارضة في هذه الحكومة، وهل سيكون لها تمثيل وزاري أم سيقتصر دورها على تقديم دعم وخبرات استشارية؟
لقاء إيجابي مع الرئيس الشرع
التقى الرئيس أحمد الشرع الثلاثاء 11 شباط الماضي بأعضاء الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة وأعضاء هيئة التفاوض السورية في قصر الشعب بدمشق، وهو اللقاء الثاني عقب سقوط نظام الأسد، والأول الموسع الذي يتم الإعلان عنه رسمياً ويتم نشر صور رسمية للقاء، وقد استمر الاجتماع ما يقارب الساعتين وأربعين دقيقة، وبحسب وصف الائتلاف، فقد كان “إيجابياً وشاملاً لأهم القضايا والتحديات التي تواجه سوريا في هذه المرحلة التاريخية”.
بيان الائتلاف أكد أن المباحثات تطرقت إلى دور المؤسسات والكيانات السياسية والمجتمعية ومنظمات المجتمع المدني التي تشكّلت في أثناء الثورة وما قبلها، ورؤية الشرع حيال هذه المؤسسات خلال المرحلة الانتقالية. ولفت البيان إلى أن وفد الائتلاف قدّم رؤيته بهذا الخصوص، مؤكداً أن الاجتماع لم يتطرق بأي شكل من الأشكال إلى طرح أو بحث أي محاصصات أو مناصب أو قضايا لا تهم عموم الشعب السوري.
وفي هذا السياق قال بيان صادر عن “رئاسة الجمهورية” إنه اتساقًا مع بيان إعلان انتصار الثورة السورية، والذي يتضمن حل جميع المؤسسات التي نشأت في ظل الثورة ودمجها في مؤسسات الدولة، قام الوفدان بتسليم العهدة التي تضم كافة الملفات الخاصة بهيئة التفاوض والائتلاف الوطني والمؤسسات المنبثقة عنهما إلى الدولة السورية، لمتابعة العمل بها بما يخدم مصالح الشعب السوري وبناء الدولة تحت قيادة السيد رئيس الجمهورية.
وتعليقاً على هذا الاجتماع وما دار قال نائب رئيس الائتلاف عبدالمجيد بركات في تصريح خاص لموقع تلفزيون سوريا “انطلاقا من المسؤوليات الوطنية للائتلاف وكذلك السياسية والقانونية قمنا بخطوات إيجابية مبنية على أسس وطنية لدعم الإدارة الجديدة بقيادة الرئيس أحمد الشرع، وكان هذا جليا في الاجتماع الذي جمع الائتلاف مع الشرع”.
وأضاف بركات: “عبرنا خلال الاجتماع بكل وضوح عن دعمنا واستعداد الائتلاف للاندماج بمختلف مؤسساته مع الإدارة الجديدة وأننا نضع كل إمكانياتنا في خدمة هذه الإدارة والاستحقاقات التي تقوم بها، وبهذه الحالة يعتبر الائتلاف أنه قد التزم بتطبيق ماجاء في خطاب النصر للرئيس الشرع بناء على المسؤوليات القانونية والثورية للائتلاف”.
حقائب وزارية للائتلاف
بناء على ما تم الاتفاق عليه في الاجتماع الذي ضم الرئيس الشرع ووفدي المعارضة، من حل لهذه المؤسسات ودمجها ضمن الدولة، يرى العديد المراقبين إلى أن هذا التطور يشير إلى توجه نحو دمج المعارضة السورية في الهيكل الحكومي المتوقع تشكيله في الأول من آذار القادم، وهذا يعكس بحسب المراقبين حرص القيادة الجديدة على توحيد الجهود الوطنية والعمل المشترك لتحقيق الاستقرار والسلام في البلاد من جهة، كما أن مشاركة شخصيات سياسية مختلفة في الحكومة القادمة ينقذ القيادة السورية الجديدة من سياسة اللون الواحد.
مصدر خاص في المعارضة السورية أكد لموقع تلفزيون سوريا بأن هناك حديثا جديا بأنه سيكون للائتلاف الوطني من ثلاثة إلى ست وزارات في حكومة آذار القادمة.
وأوضح المصدر أن هذا الكلام ليس مؤكداً لحد الآن، وإنما كان عبارة عن تفاهمات تعمل تركيا على دعمها من طرف، وتدعمها أكثر من دولة تؤكد على أهمية تواجد الائتلاف في الحكومة وجسم الدولة من جهة أخرى.
بمقابل ذلك أكد عبد المجيد بركات أن الائتلاف لم يفكر بالمحصصات السياسية على مستوى المناصب في أثناء لقائهم بالرئيس الشرع، ويضيف بركات نحن ننطلق من إيماننا ومسؤولياتنا تجاه هذا البلد بالدرجة الأولى، وباتجاه الإدارة الجديدة، لأننا ندرك أن الاستحقاقات الحالية تتطلب منا أن نقف جنباً إلى جنبا وأن ندعم هذه الإدارة بمهماتها واستحقاقاتها الكبيرة.
ويرى بركات أن الحكومة المزمع تشكيلها في آذار يجب أن تكون مبنية على أسس الوطنية والكفاءة بما يخدم الملفات والاستحقاقات الأمنية والسياسية، إضافة إلى ملفات الاقتصاد وإعادة الإعمار، كل هذه الملفات بحسب بركات تحتاج إلى “شخصيات ذات كفاءة وتحتاج إلى دعم من قبلنا جميعا، وليس أن نضع كل العبء على الإدارة الجديدة وعلى رأسها الرئيس الشرع”.
وكان وزير الخارجية أسعد الشيباني أوضح في لقاء حواري في إطار فعاليات القمة العالمية للحكومات في دبي: أن “الحكومة التي ستطلق في الأول من آذار المقبل ستكون ممثلة للشعب السوري قدر الإمكان وتراعي تنوعه، ونريد أن يشعر الشعب السوري بالثقة تجاهها”.
الاستفادة من كوادر المعارضة السورية
أكد الرئيس الشرع خلال اجتماعه مع وفدي المعارضة على أهمية الاستفادة من الكوادر السياسية والإدارية والتقنية في هيئة التفاوض والائتلاف وفق مؤهلاتها، وإدماجها ضمن مؤسسات الدولة وهيكليتها الجديدة، بما يخدم الشعب السوري على المستويين الداخلي والخارج، وذلك بحسب بيان رئاسة الجمهورية.
مصادر خاصة أكدت لموقع تلفزيون سوريا بوجود توجه ليكون للائتلاف دور في بنية الدولة، وليس على مستوى الوزارات، كأن يتم الاستفادة من كوادر الائتلاف التي راكمت خبرة نتيجة للعمل السياسي والدبلوماسي بشكل كبير في ملفات وزارة الخارجية والسفارات.
وأضافت المصادر بأن هناك رغبة حقيقية في الاستفادة من العنصر الشبابي في الائتلاف أكثر من غيرهم وهذا الأمر مطروح بشكل كبير، وبناء على ذلك تقوم الإدارة الجديدة بدراسات أمنية كبيرة لعدد كبير من أعضاء الائتلاف، وهذه الدراسات بعضها يخرج بانطباع إيجابي وبعضها سلبي، وبناء على هذه الدراسات ربما يتم التعاون مع أعضاء الائتلاف إما في الحكومة أو في بنية الدولة.
من ناحيته أوضح بدر جاموس رئيس هيئة التفاوض في حديث لوكالة فرانس برس عن حل مؤسسات المعارضة “نعم سيتم ذلك، ولكن هناك إجراءات قانونية يتم العمل عليها وتحتاج لبعض الوقت”، موضحاً أن أعضاء الهيئة وخبراءها سيكونون “جزءاً من الدولة السورية ويدعمون بناءها”.
يشار إلى أن كثيراً من أعضاء المعارضة السورية لديهم علاقات قوية مع الدول الداعمة للثورة السورية، ومع المنظمات الدولية، لذا قد يضمن وجودهم في الحكومة القادمة الحفاظ على القنوات الدبلوماسية مع هذه الدول، مما يساعد في دعم الحكومة الجديدة سياسياً واقتصادياً.
ما علاقة القرار 2254؟
شدد المبعوث الأممي إلى سوريا غير بيدرسن في أكثر من مناسبة على ضرورة أن تكون العملية الانتقالية شاملة وتستند إلى القرار الأممي 2254، لضمان تحقيق الاستقرار والسلام في البلاد.
إلا أن الباحث والأكاديمي عبد الرحمن الحاج يرى أن هذا القرار أصبح بحكم “الميت” ومنتهي الصلاحية، لأن الطرف الآخر الذي ينص القرار على وجوده أي النظام قد انتهى، وأصبحت الإدارة الحالية والائتلاف يمثلون طرفًا واحدًا وفقا للقرار، هو المعارضة.
ويتابع الحاج حديثه لموقع تلفزيون سوريا بالقول إلا هناك بنداَ لا يزال قابلًا للتطبيق، وهو بند الحكم الانتقالي “ذو مصداقية، ويشمل الجميع، ولا يقوم على الطائفية”، وهذه الشروط تعبير عن تطلعات كل السوريين الذين يعبرون عنها بمصطلحات الحكم التشاركي، أو حكم “تمثيلي” يعكس التنوع السوري، وهو الأمر الذي أكدت عليه الإدارة الجديدة في عدة مناسبات.
وبناء عليه يرى الحاج أنه على الأرجح أن يكون للمعارضة دور ما في تركيب الوزارة القادمة وفي تولي بعض مناصبها؛ لأنهم جزء من المعارضة وتشكلت لديهم خبرات يفترض أن يتم الاستفادة منها، وليس بسبب وجود قرار دولي يفرض هذا الأمر.
تلفزيون سوريا
—————————-
كيف يرى الجهاديون أحمد الشرع؟/ مراد بطل الشيشاني
01 مارس 2025
كُتِب كثير عن تحوّل أبو محمد الجولاني إلى أحمد الشرع. ولعلّ مشاهدة الرئيس السوري للمرحلة الانتقالية مُستقبِلاً (أو ضيفاً على) زعماء ودبلوماسيين وسياسيين تستحضر شريطاً لتحوّل الشرع من زعيم مجموعة جهادية إلى رئيس دولة بشكلها الحداثي، وهو بالتالي يستدعي التفكير في كيف يفكّر رفاقه الجهاديون بتحوّلاته تلك. وقد كتب صاحب هذه السطور في مقاله “هل قرأ الجولاني الفريضة الغائبة؟” (العربي الجديد، 23/ 12/ 2024) أن الشرع لم يتحوّل، بل السلفية الجهادية هي التي تحوّلت.
ينقسم الجهاديون، أو منظّروهم (ولن أسمّيهم بناءً على طلبهم)، بين مؤيّد ومعارض لتحوّلات أالشرع. يرى التيّار المؤيّد أن التحوّلات ولغاية “تجاوز ضغوط القوى الإقليمية والدولية”، جائزة، لا بل ملحّة، لأن عدم التعامل بمنطق السياسة الشرعية قد يُفقد الشرع كلّ شيء. يؤكّد المؤيدون أن الرجل، ومن معه، يستفيدون من سعة الشريعة بتشكيل نمط دولتهم وشكلها الجديد، لكنّهم لن يتنازلوا عن حكم الشريعة (وإن توافقوا على الشرع)، إذ يرى هؤلاء أن تطبيق أحكام الشريعة لا يكون بالضرورة بشكلها الفجّ الذي اتبعه تنظيم ما يعرف بتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) خلال حكمه مناطق في العراق وسورية، لكن هناك أساسيات يجب أن تكون واضحة ومحدّدة. كما يرى هؤلاء أن مشروع الشرع أساسي، لغاية بدء “تحرير الأقصى”، وأحد كبار هذا التيّار قال “إمّا أن يستمرّ ويبدأ المشروع أو يتوقّف باستشهاد الشرع”.
أمّا معارضو الشرع من الجهاديين، فمأخذهم يبدأ بأنه يحابي الغرب، و”الأنظمة الطاغوتية”، وتنكرّه لرفاق السلاح (حرّاس الدين والقاعدة)، وسجنه مجموعات إسلامية أخرى (تحديداً حزب التحرير، ولو اختلفوا معه بشدّة). ومثل هذا التيّار يتهم أحمد الشرع ومجموعته بالتلوّن والخضوع والمحاباة. ويتوقّع هذا التيّار أن الشرع لا يستطيع الاستمرار من دون خروجه تماماً من مظلّة السلفية الجهادية، وهو ما يعني برأيهم “إمعاناً في إرضاء الغرب”.
مواقف الجهاديين مهمّة، بحكم أن شرعية الشرع الحركية اكتسبها من وجوده في تلك المجموعات، وهذا ما سينعكس على المجموعة القريبة منه، أو “القاعدة الصلبة”، التي انتقلت معه من إدلب ورافقته سنوات طويلة في مواجهة نظام بشّار الأسد. وهؤلاء وإن كانوا يلتفّون حول مشروع الشرع السياسي بولاء كبير، إلا أن محكّات أساسية قد تكون عاملاً أساساً في تحديد تلك العلاقة، بدءاً من نوعية الحكم والعلاقة مع إسرائيل ومقتضيات “الولاء والبراء”، حسب أدبيات الجهاديين. ولعلّ العبارات الفضفاضة لنتائج مؤتمر الحوار الوطني، وغياب آلية واضحة لإنشاء المؤسّسات وإدارة الحكم، تعبّر عن حال التأخير والتغييب للأسئلة الأساسية، فهذه من التحدّيات المؤجلّة للشرع. ولا شكّ في أنه يواجه تحدّيات كبيرة، ترتبط بالسؤال الكردي وقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، والتوغّل والتصورات الإسرائيلية لجنوبي البلاد، في وجود مراكز قوى هناك ما زالت ترى أحقيتها، وأنها لم تنل حصّتها من “كعكة الحكم”، وقوى جاهزة لتكون أدوات لقوى إقليمية ودولية. يرتبط التحدّي الآخر بالموقف الدولي، فرغم القبول البادي من أطراف دولية، بات عدم الرضا حديثاً لصالونات الدبلوماسيين، خاصّة الغربيين، بشكل يزيد الضغط على الحكّام الجدد في دمشق، وتحديداً الشرع، ما يتركه أمام خياراتٍ طالما اعتُبرت جيوسياسية لسورية بالابتعاد عن الغرب، والاقتراب من أعداء الأمس، وتحديداً روسيا وإيران، وهما يسعيان إلى تقديم بدائل مختلفة بيد، وتهديداتٍ بأخرى، خاصّة فيما يتعلّق بالساحل، والحالة الاجتماعية السياسية المتشكّلة هناك بعد هروب الأسد بحالة من الشعور بالخذلان والغضب وفقدان السلطة، لا بل والممارسات الانتقامية من بعض المسلّحين، والمحلّيين المنتصرين.
في ظلّ هذه التحدّيات القائمة، التفاف الشرع حول “قاعدته الصلبة” أمر ملحّ، مرحلياً، إذ لا ترتبط رؤى الجهاديين، واختلافهم في منحه الشرعية الحركية، بالشرع نفسه، بل بالمحيطين به، لحاجته لتلك البنى إلى حين تأسيسه قاعدته الاجتماعية السياسية. ولعلّ عدم قدرة قادة سورية العشرين خلال القرن الماضي على بناء تلك القاعدة كانت سبباً في فقدانهم السلطة، فيما عدا حافظ الأسد الذي اعتمد على تمدين قواعد فلّاحية وفق مؤسّسات يسارية (نقابات واتحادات زراعية)، والاعتماد على طائفته العلوية بمنظور أمني قاسٍ، أنتج نظاماً متوحّشاً شاهد العالم نتائجه.
قضية التحوّل (أو تحويل قاعدته) إلى أطر مؤسّسية، وحسم الجانب الأيديولوجي، وتأسيس قواعد مدينية حديثة قد تساهم في ابتعاد الشرع عن الجولاني، خاصّة أن الجهاديين ما زالوا مؤثّرين، إن لم يكن في تفكير الشرع ففي تفكير كثيرين من المحيطين به، وتلك من أكبر التحدّيات التي يواجها الشرع.
العربي الجديد،
—————————-
ملاحظات حول الحوار الوطني السوري/ بشير البكر
01 مارس 2025
الحوار الوطني السوري بين مرحب وناقد. هناك من يرى في الخطوة بداية تستحق التشجيع والثناء والمساندة، وآخر يعتبرها ناقصة ولا تعكس توجهاً جادّاً من السلطة الجديدة إلى المشاركة. وتتركز غالبية الملاحظات على الخلط بين مؤتمر وطني ومؤتمر حوار. وحتى قبل أيام قليلة، لم تكن الصورة واضحة على هذا الصعيد. وهناك من حسب أن المنشود هو الحوار المفتوح، الذي قد يستغرق عدة أشهر، في حين أن السلطة تريد حواراً في عناوين محدّدة، بهدف استكمال تشكيل الهياكل القانونية التي تمكنها من الحكم من دون انتقادات داخلية أو خارجية.
النقطة الثانية التي تردّدت، عدم وجود معايير خاصة بتوجيه دعوات المشاركة في الجلسات الخاصة بالمحافظات والمؤتمر العام على حد سواء. وتحدّث مراقبون عن كثب عن أخطاء تنمّ عن عدم دراية، وسوء تخطيط، وارتجال، وغياب تدقيق، واستشارة، وهذا يعود، في جانب منه، إلى ضعف خبرة اللجنة المكلفة التي وجدت نفسها، بين عشية وضحاها، تنهض بمهمّة ليست من اختصاصها، وعليها إنجازها خلال مهلة قصيرة. ولذلك لم تتمكن من دعوة كفاءاتٍ كثيرة في الداخل والخارج، أو أنها وجهت دعوات في وقت متأخر من دون مراعاة صعوبات الوصول جواً إلى دمشق.
انعكست عملية التسرّع في تنظيم الحوار على النتائج والمقرّرات، التي لم تقدم أجوبة على الأسئلة المطروحة حيال ما يحفل به الوضع السوري من مصاعب وما يعلقه السوريون من آمال على المرحلة الانتقالية، وظهر أن الهدف ليس الوصول إلى مقرّرات يمكن الاعتماد عليها لبناء مؤسّسات الدولة الجديدة بقدر ما هو توجيه رسائل إلى الخارج والداخل بهدف تعزيز شرعية السلطات الجديدة.
بغض النظر عن وجاهة بعض هذه الملاحظات من عدمها، تحمل عملية تنظيم الحوار إيجابيات عديدة. أولها، أنها تشكل مدخلاً إلى مرحلة التحول السوري قبل الشروع في المرحلة الدستورية وتشكيل الحكومة الانتقالية. وهي من دون شك أتاحت للجنة المنظمة إجراء عملية سبر أولية، وتلقي ردود فعل، ويمكن للسلطات أن تستفيد من أخطاء التنظيم من أجل تداركها مستقبلاً، كما أن تفاعل عدد كبير من السوريين مع المؤتمر، إيجاباً أو سلباً، مؤشرٌ مهم إلى اهتمام بالمشاركة ورفض استئثار الأطراف العسكرية، التي أسقطت نظام بشّار الأسد، وهذا أمرٌ، إذا سار على الطريق الصحيح، من شأنه أن يقود سورية في مسار ديمقراطي يحترم الرأي الآخر، الحريص على تصويب المسار والسعي إلى إصلاحه، وليس الاكتفاء بالنقد من وراء البحار.
اهتمام السوريين بانعقاد الحوار، وإقبال أوساط من خلفيات متباينة على المشاركة فيه، مسألة صحية تعكس حرصاً على انطلاق قاطرة سورية الجديدة التي ينتظرها المجتمع السوري بتلهّف شديد، لأن البلد، بكامل محافظاته، يعوّل على نجاح الحكومة المقبلة في إحداث نقلة نوعية على المستوى الاقتصادي قبل البدء بعملية إعادة الإعمار التي تحتاج إلى مشروع يتجاوز إمكانات سورية اليوم وغدا. وهناك نقطة غاية في الأهمية، وهي إدراك كل من زار البلد وعاين الصعوبات الموجودة أن المناكفة السياسية لا تُجدي ولا توصل إلى نتيجة في ظل غياب تام للقوى السياسية المعارضة، كما أن الطريق مفتوح أمام عملية وضع خريطة للمرحلة المقبلة، ولكنها، كي تبلغ هدفها، تحتاج دراسة متأنية، يقوم بها اختصاصيون وخبراء على معرفة بالبلد وتركيبه الاجتماعي والسياسي والثقافي، المتعدّد، الغني بالكفاءات. وهذا يستدعي من الحكام الجدد سعة صدر، وحكمة في الإدارة، وتوسيع مجال المشاركة السياسية والاقتصادية، والانفتاح على المجتمع السوري، ومن دون ذلك سيبقى البلد يدور في حلقة مفرغة، ويمكن أن ينتكس ويرجع إلى الوراء.
العربي الجديد،
————————
بحثًا عن دستور لسورية ما بعد الأسدية/ نبيل سليمان
1 مارس 2025
جاء في المخرج الرابع من البيان الختامي لمؤتمر الحوار الوطني السوري (25/2/2025): “الإسراع بإعلان دستوري مؤقت يتناسب مع متطلبات المرحلة الانتقالية ويضمن سد الفراغ الدستوري بما يسرّع عمل أجهزة الدولة السورية”. ونصَّ المخرج السادس من ذلك البيان على تشكيل لجنة دستورية لإعداد مسودة دستور دائم للبلاد.
لقد كان البحث عن دستور لسورية هاجسًا أكبر بين هواجس كتابتي لرباعية “مدارات الشرق”. وما ذلك إلا لأن وضع الدساتير وتعطيلها وسما تاريخ سورية منذ قيامتها في مطلع القرن العشرين.
في ختام الجزء الثاني من الرباعية، وهو “بنات نعش”، الذي صدر في الطبعة الأولى عام 1990 يُقبِل هشام الساجي (الصحافي) على دستور المملكة السورية التي أعلنها المؤتمر السوري برئاسة الشيخ محمد رشيد رضا في دمشق في 8/3/1920، فصار الثامن من آذار/ مارس من كل عام عيد (المملكة السورية العربية) إلى أن اغتصبه الانقلاب الذي جاء بالبعث إلى الحكم، فصار عيد الثورة. وقد ظل الأردن يحتفل بعيد المملكة السورية حتى عام 1962.
كان هشام الساجي يُعِدّ للباشا شكيم ما ستلاقي به سورية مرحلة ما بعد ثورة 1925. ومن الإعداد كان أن أخذ يبدّل كلمة المملكة حيث جاءت في دستور 1920 بكلمة الجمهورية، وكلمة الملك بكلمة الرئيس. هكذا صارت الصياغة الجديدة للمادة الأولى: إن حكومة الجمهورية السورية العربية حكومة جمهورية مدنية نيابية عاصمتها دمشق الشام ودين رئيسها الإسلام.
لكن هشام سيتجاوز المواد التالية، إذ كيف يمكن أن يورّث الباشا شكيم أو سواه ممن سيكون رئيسًا في المرحلة القادمة ذكرًا من صلبه؟ بالطبع ما كان لمخيلة الكاتب الذي كتب الجزأين الأول والثاني من “مدارات الشرق” بين عامي 1986 – 1990، أن يتخيل أن حافظ الأسد سيورّث عما قريب ذكرًا من صلبه، وأن أصناءه غير الميامين سيسرعون إلى تقليده: حسني مبارك وابنه جمال، صدام حسين وابنه عدي، علي عبد الله صالح وابنه أحمد، وزين العابدين بن علي وزوجته ليلى الطرابلسي. أما هشام الساجي فقد اندفع في مواءمة دستور المملكة لدستور الجمهورية المنشود والمنشودة، وما عاد يدقق فيما ينقل وما يضيف وما يبدل وما يحذف، فيجعل السوريين في المادة العاشرة متساوين في الحقوق والواجبات، ويعلي الحرية الشخصية فوق التعديات والتجاوزات، يحرم في مادة التعذيب والأذية مهما كانت الأسباب، ويشدد على صيانة المعتقدات والديانات والمساكن وأموال الأفراد وأموال الحكومة. ولما شرع يكتب المادة الخاصة بالمطبوعات خُيّل إليه أن جريدته تملأ أرض الغرفة وجدرانها وأيدي الصبيان وواجهات المكتبات. وجاءت تلك المادة كما هي في الدستور الملكي حرفيًا: المطبوعات حرة في ضمن دائرة القانون، ولا يجوز تفتيشها ومعاينتها قبل الطبع.
أعاد قراءة المادة مرارًا وهو يتوقف عند كلمة القانون، ورأى نفسه يعود إلى ما كتب، إذ اشترط ما يحدد القانون الدخول إلى المساكن أو تفتيشها، ولتوقيف الناس أو الإخلال بالأمن العام، فاضطرب وغمض عليه الأمر، ولعله لذلك انتقل إلى ما يخص القضاء، يطمئن المواد التي تصون استقلالية المحاكم، وحق كل إنسان بالدفاع عن نفسه أمامها، وتمنع تأليف محاكم غير المحاكم القانونية أو تأليف لجان تقضي كما المحاكم، إلا لجان التحكيم.
لكن الاضطراب عاوده وهو يقرأ في الدستور القديم: المحاكمات تكون علنية، ما عدا المحاكمات التي يجيز القانون جعلها سرية، وخاف من أن يكون هذا القانون الذي يلح عليه ذريعة أيضًا لسواه، كي يجعل تلك المواد حبرًا على ورق. وتوقف عن الكتابة ذلك النهار، ثم تابع بدون أن تهدأ وساوسه، حتى إذا وصل إلى المادة أربعين رمى بالقلم جانبًا، وكانت المادة تقول: إذا ظهر في أحد أنحاء المملكة – قرأها الجمهورية – ثورة أو دخلت الحكومة في حرب أو أعلنت النفير العام، فللحكومة العامة أن تعلن الأحكام العرفية مؤقتًا بموجب قانونها الخاص – ولم يقرأ: الذي يصدر من المؤتمر – على شرط أن تكون الإدارة العرفية في حال ظهور الثورة مقتصرة على المنطقة التي تظهر فيها.
عندئذ أحس أنه لن يكون قادرًا الآن، ولا وحده، على أن يخرج بما يُرضي، فأزاح الأوراق التي كتب، ومعها أزاح الدستور الملكي جانبًا وهجس أسيان: ما أضرط من الحبر إلا الورق.
بعد عشرين سنة من كتابة “بنات نعش” عاد الهجس بالدستور يسكنني وأنا أتهيأ لكتابة رواية “حجر السرائر” التي صدرت في الطبعة الأولى عام 2010.
هكذا افتتحت الروايةَ شخصيةُ المحامي الشاب رمزي الكهرمان، عضو لجنة وضع أول دستور جمهوري لسورية عام 1929. وتصور الرواية اللحظات الأخيرة من حياة الرجل، في غرفة من مزرعة أخيه عبد الواسع في غوطة دمشق، حيث يرى رمزي عددًا قديمًا من المجلة الحقوقية، ويقرأ في صدرها: “حقوقية بوليسية انتقادية روائية فكاهية تبحث في علم الحقوق والشؤون العدلية والحوادث القضائية”. وهذه المجلة ليست من بنات الخيال، بل من الوثائق التي تمثّلها الرواية.
كان موضوع المذكرة التي يعدها رمزي الكهرمان هو الخصومة السياسية والجريمة السياسية في القانون. وكان أخوه عبد الواسع قد سأله ساخرًا عندما حدثه عن ذلك: “القانون الفرنسي أم القانون السوري؟” فقال رمزي: “ستقرأ ما أكتب. أريد رأيك”. ورد عبد الواسع: “الرأي رأيك ورأيها”. فسأل رمزي: “من هي؟” فأجاب عبد الواسع: “لجنة الدستور يا أبو الدستور”.
في هذا الجواب جاءت الإشارة إلى الشخصية التاريخية التي لولاها ما كانت شخصية رمزي الكهرمان في رواية “حجر السرائر”. إنه ذلك الشاب الذي فاز بعضوية المجلس التأسيسي المنتخب عام 1928 والمكلف بوضع أول دستور جمهوري لسورية. الشاب الذي كان الرئيس الثاني لذلك المجلس، بينما كان هاشم الأتاسي (1875 – 1960) الرئيس الأول.
ذلك الشاب هو فوزي الغزي (1897 – 1929) أحد مؤسسي الكتلة الوطنية، والذي عمل مع فارس الخوري (1877 – 1962) على صياغة أهداف حزب الشعب ونظامه الأساسي عام 1925. كما عمل فوزي الغزي مع عبد الرحمن الشهبندر (1879 – 1940) في الثورة السورية 1925 – 1927 وسُجن في سجن جزيرة أرواد. وقد اشتهر فوزي الغزي بلقب “أبو الدستور” لدوره في إنجاز دستور 1928 خلال أسبوعين، مستلهمًا من الدساتير الأوروبية، بينما يجري الحديث اليوم عن الحاجة إلى سنوات لإعداد الدستور. وفي رئاء فارس الخوري لفوزي الغزي جاء: “يبكيك أحرار سوريا وأنت أخ / ويبكيك دستور سوريا وأنت أبُ”.
تحت عنوان “الثامن من آذار السوري… هل نعود للاحتفال بالاستقلال والدستور” كتب الصديق محمد موفق أرناؤوط. وإذ أضيف الاحتفال بعيد المرأة العالمي إلى الثامن من آذار/ مارس السوري، أصدع وأصدح بالجواب: نعم، سنحتفل، وعسى أن يكون ذلك بعد سنة.
ضفة ثالثة
——————————
الفعل السياسي بين القبيلة والطائفة/ أحمد الشمام
2025.03.01
في حين تعتبر القبيلة أقدم البنى الاجتماعية تواجدا في المجتمع البشري، والأكثر تعرضا للوصم بالتخلف، والتأخر، وتمحورا حول عصبة الدم التي تجمع أبناءها، لا بد من الانتباه إلى ما تم تكريسه في الخطاب الثقافي العربي باعتبارها بنية مفوتة، ومن دون أن نختلف مع هذا التصور رغم عدم الاتفاق الكلي كذلك، لابد من البحث عن دورها في العقود الأخيرة، وفي مرحلة ثورات الربيع العربي – سوريا خصوصا- حيث بعد تتبع دراسات عديدة، وأبحاث حديثة لمراكز دراسات رصينة؛ نجد أنها انحسرت إلى مستوى قيم عليا تتعلق بالتباهي بالأصل، وقيم الكرم والشجاعة، والأعراف التي تضبط خلافات الأفراد والجماعات، عبر التعاهد على ضوابط سميت ب “المضابط القبلية” لضمان أسس سلم أهلي.
بالتوازي مع ذلك ثبت تشظي القبيلة إلى عناصر أصغر؛ رغم بقائها كسلف ورمز يعتد به، ورأسمال رمزي يلعب دورا اعتباريا؛ فقد تشظت إلى عشائر وأفخاذ وبطون بل حتى إلى حَمولات وعوائل وبيوتات؛ بعد تعرضها لضغط خارجي هائل بغرض استثمارها واستعمالها كأطر تحشيد. إن القبيلة ــــ البنية المدفوعة بالخوف على الجماعة والمزروع في مخيالها الجمعي كغريزة؛ ذهبت إلى التوزع على مختلف المشاريع التي داهمتها؛ ما ضيق مساحة وأطر التحشيد، وحصرها إلى مستوى البيوتات والعائلات الصغيرة. فما عادت تظهر ككتلة واحدة متماسكة إلا في حالة خوضها حربا مع قبيلة أخرى، ولم تقف قبيلة برمتها مع الثورة مثلما لم تقف قبيلة برمتها مع النظام، ولعل الثورة التي تركت أثرا في تنوع المواقف لدى أبناء القبائل من شتى مشاريع القوة، وسلطات الأمر الواقع المتعاقبة والمتناقضة؛ توصلنا إلى نتيجة أن هذا التنوع والتعدد في المواقف والتخالف يحمل دلالة ثراء، و إمكان تعدد واختلاف رغم أنها تواجه في سلطات الأمر الواقع أمرا مرتبطا ارتباطا شديدا بخيط الدم الذي يربط أبناءها واحتمال اصطدامهم فيما بينهم. كما يصطدم مع العامل الأساس الذي شكل ضمانة استمرار القبيلة عبر التاريخ وهو الحفاظ على النوع أو على الجماعة. وإذا ذهبنا إلى ما تشترك فيه جملة القبائل في الثقافة القبلية من ذهنية الغنيمة، والنكاية، والتنافس والتصارع على الموارد، أو على مراكز القوة والنفوذ؛ لكن ذلك لم يكن إلا محليا في وسط انتشار القبيلة أو محيطها، وقد استثمرها نظام البعث ضمن نمط أداتي وظيفي؛ فشظاها أكثر ولم يخرجها أو يرفعها إلى مستوى الحلم بالاشتراك بالدولة، وإنجاز ما أنجزته القبيلة في الخليج العربي. قبالة ذلك في الطائفة نجد مقارنة ناجعة بين بنيتين اجتماعيتين كل منهما تمثل كل منهما بنية ما قبل دولتية، ورغم سكن واستقرار الطائفة قريبا من المدن أو ضمنها؛ في حين أن القبائل كانت في الريف البعيد وفي المناطق النائية وبعيدا عن مراكز التعليم، وكانت غالبا ذات نشاط زراعي ورعوي ينهل من أفق البداوة. لم نجد الطائفة أكثر إمكانا ومقدرة على التعلم وعلى التطور والوعي المديني بما يدفع لأن تكون رافدا للدولة، رغم أن قربها من المدينة ومن السياسة كان كفيلا بتحويلها من بنية ما قبل دولتية إلى رافد اجتماعي من الروافد كثيرة التي يمكن أن ترفد الدولة بالخبرة والطموح والوعي والشراكة الوطنية والعفل السياسي.
عند المقارنة بين البيئتين في مرحلة الثورة السورية نجد أن البنية القبلية قد شهدت تشظية أقرب إلى التنوع الذي يتفق والمشاريع الدولتية بشكل ما، في حين أن الطائفة بقيت متماسكة رغم اتسامها بكثرة مثقفيها وناشطيها، وتعدد الطروح الأيديولوجية التي يمكن أن تعتورها، إذ برز دور الطائفة كإطار تحشيد ما قبل دولتي بشكل أكثر حدة وقوة مما يظهر لدى القبيلة؛ فما هي المحددات التي لعبت في شكل هذا الدور والتحشيد. ورغم أن الطوائف في الغالب بنيت أيضا على بنية قبلية أو انبثقت عنها وتعيش بعضا من التناقض أو التزاحم فيما بينها، لكنها تشترك فيما بينها مع الآخر المختلف دينيا أو مذهبيا كطائفة أو كقبيلة واحدة.
وإذا عدنا إلى القبيلة فإن الآخر يعني قبيلة أخرى، وليس غريبا أبدا بأن نرى أن كل قبيلة عاشت بالتشابك أو بالتجاور مع قبائل أخرى ما يعني أن ذهنيتها في التنافس والتزاحم مشتعلة تقتضي تحشيدا دائما، سواء على الأرض العشب، الماء، والكلأ، أو على الوظائف في أطراف المدن ما يعني قوة أطر التحشيد في المستوى النظري أو الافتراضي، لدرجة يجعلها أقل قدرة عن الانغمار في الدولة المؤسسي. قبالة ذلك لا يظهر الآخر لدى الطائفة إلا في مستويات أبعد، وقد لا تقتضي تحشيدا في ظل غياب حرب أو مناكفة أو عنف أو سباق سياسي، ولعل الأسد لتثبيت حكمه أوغل في تجيير الطوائف والأقليات داخليا لجعلها تتخيل الآخر وحشا يمكن أن يلتهمها مع تشجيع لتداول بضع من سردياتها المستولدة و المفوتة والمكذوبة أيضا والملفقة، كما ضمن وجود شعور مضمر لدى الأكثرية بأن الأقليات هي الأخرى انتهازية، وتعيش حالة ندية اتجاهها فوقع الطرفان في القراءة النمطية، والثنائيات المعيارية، لكن تجاوز تلك القراءات اعتمادا على ما شهدناه في التاريخ القريب يوضح لنا أمرا يحتاج إلى بحث وتنقيب؛ فالطائفة حفلت بمواقف وطنية كما حفلت أو شهدت مواقف خارج الإجماع الوطني فما السر في ذلك؟ ألا يمكن قراءة ذلك على أنه تعدد أو انشطار أو تشظ؟ لكن ما يطعن ذلك هو أن مثقف الطائفة يمكن أن يدافع عنها أو يعتبرها مرجعيته ولو كان لا دينيا أو ملحدا أو يساريا، هنا تتحول الطائفة من قبيلة إلى وعاء اجتماعي أو بنية يسند ظهره إليها وشبكة ثقة، ولعل ما بنيت عليه مجتمعاتنا يعطي العذر لهذا أو ذاك أن يبحث عن السند الاجتماعي من خلال بنية، غير أن ذلك يخالف سيرة هذا المثقف أو ذاك بأنه ابن مدينة وتربطه شبكة علاقات بالمجتمع بشكل أوسع من بيئات الريف عموما، مثلما أن أي مجتمع مديني محمل بعلاقات لا تهتم ولا تلقي بالا للمرجعية التي يأتي منها. في كلا البنيتين هناك شيخ ومثقف شكلا متن القوة -السلطة، كما أن الشيخ في كلا البنيتين قد عانى من ضعف في دوره عبر التشظي في القبيلة ، وعبر الثقافة والوعي المديني لدى جماعة الطائفة قبالة ضعف الشيخ في الطرفين نظريا، غير أن مثقف القبيلة خرج من القبيلة ولم يحمل رايتها ولم يبحث عن سند اجتماعي عندما غادرها، في حين أن المثقف لدى الطائفة خرج على الطائفة في فكره وخرج عن دينها في ممارساته، لكنه ما لبث أن عاد إليها بعد قليل من التماحك الذي حك جلده فأظهر طائفية مقيتة؛ لا يمكن أن ننسى ظهور نسبة معتبرة من المثقفين الذين خلعوا الطائفة سواء بسواء مثل مثقف القبيلة، ورغم أن القبيلة تعد التعدد والمرونة ضعفا وخورا وفقا لمفهومها نجد السؤال الأهم: لماذا احتملت القبيلة كل هذا التعدد والمرونة، في حين أن الطائفة بقيت صارمة في قدرتها على مثقفها الملتزم بها تحت جلده، ومحاصرة المثقف الخارج عليها؟
في دراسة بحثية مقارنة ما بين القبيلة والطائفة وجدنا أن الثورة حولت قواعد اجتماعية عريضة لدى القبيلة إلى شبكات تتجاوز القبلية وهرميتها وأنساق السلطة فيها، بعيدا عن مستوى التعليم والوعي والثقافة والعيش المديني غير المتيسر أصلا، وتتجاوز عصبتها تلك التي لا تميز بين حق وباطل وتدور حول البنية المؤطرة للتحشيد حول فلكها، في حين بقي مثقف الطائفة المتجاوز لها والمنخرط في رؤاه الوطنية محاصرا بقواعدها البسيطة والعامة وعاجزا عن تبيئة فكره و آفاق وعيه في مجتمع الطائفة، وبقي الشيخ فيها سواء كان أصيلا أو صنيعا أكثر قدرة على التحشيد، إن ذلك يفتح باب التساؤل عن إمكانات الفعل وقدرات التجاوز لدى النخب الناجزة والناشطة في بناها ما قبل الدولة، وإذا ما اعتبرنا أن تشظي القبيلة كان لضعف منها أو قلة حيلة، فلماذا كانت القواعد الشبيهة بقواعد القبيلة لدى الطائفة تمتلك الحيلة التي تفيد في تماسكها وتحشدها خلف المشيخة؟
تلك أسئلة قد تفيد في حل معضلات كثيرة في فهم كل من البنيتين كما قد تفسر موجة التصيد في سيرة الثورة السورية فهوجمت بالنقد الموتور والمرتجل، وعندما ثارت تلك البيئات التي حفلت بالنقد والتجريح في أحسن حال ارتبكت ماكانت تجرح به الآخر ورفضت النقد المعتدل وبنت لنفسها طهرانية كاشفة عن تحيز فتعثرت وأربكت الجميع.
تلفزيون سوريا
——————————
تعالوا نتقاسم السلطات والثروات والمسؤوليات بدل تقاسم الأوطان/ د. فيصل القاسم
تحديث 01 أذار 2025
لا شك بأن بعض الأنظمة العربية الحاكمة، وخاصة التي ثارت عليها الشعوب وأسقطتها كالنظام السوري المخلوع، هي المسؤولة الأولى والأخيرة عن دفع بعض الحركات والجماعات والعرقيات والطوائف إلى البحث عن الانفصال. لقد فشل معظم الأنظمة العربية على مدى أكثر من ستين عاماً في بناء دولة لكل مواطنيها، مما جعل شرائح واسعة من مجتمعاتها تتطلع إلى الانفصال. كثيرون فشلوا في خلق دول بالمعنى الكامل للكلمة مما جعلها دائماً مهددة بالتفكك والانهيار كما يحدث الآن في العراق، وسوريا، واليمن ولبنان، وليبيا.
فبفضل طريقة الحكم التي كانت قائمة على الدوائر الضيقة والمقربين جداً وحرمان الناس من المشاركة السياسية حتى في إدارة البلديات تمكنت بعض الأنظمة من تفتيت مجتمعاتها وقطع كل الروابط البسيطة التي كانت تجمع بينها، فزاد التعصب القبلي والطائفي والعشائري وحتى العائلي، بحيث أصبحنا ننظر إلى سايكس وبيكو على أنهما ملاكان رائعان، لأنهما على الأقل لم يتلاعبا بطوائفنا ومذاهبنا وعوائلنا وقبائلنا ونسيجنا الاجتماعي والثقافي الداخلي، كما لعبت أنظمتنا الأقلوية بمختلف أشكالها.
يقول المثل الشعبي: «الثلم الأعوج من الثور الكبير». بعبارة أخرى، فإن تلك الأنظمة المسماة دولاً زوراً وبهتاناً لم تضرب «لرعاياها» مثلاً يُحتذى في بناء الدولة والحفاظ عليها وجعلها قبلة جميع العرقيات والطوائف والمكونات التي تتشكل منها. ماذا تتوقع من أي شعب إذاً عندما يرى نظامه يحكم على أسس قبلية وطائفية ومناطقية؟ هل تريده أن ينزع في اتجاه الاندماج أم في اتجاه الانتماء الضيق وربما الانفصال والانسلاخ؟
فطالما أن هذا النظام أو ذاك جهوي أو طائفي بامتياز، فلا بأس أن يحافظ الناس على طائفيتهم وعصبيتهم ويتمسكوا بهما. كيف نطالب الشعوب العربية بأن تتقارب من بعضها البعض وتتوحد إذا كانت أنظمتنا تمعن في طائفيتها ومذهبيتها وقبليتها المقيتة؟ وبالتالي فإن الانفصاليين والمتمردين على الدولة المركزية العربية لا يستحقون دائماً أبداً تهمة الخيانة، فالخائن الحقيقي ليس الذي يطالب بالانفصال كصرخة ضد التهميش والعزل والإهمال والظلم والغبن والمحاباة والأبارتيد العرقي والطائفي والمناطقي، بل أولئك الذين دفعوه إلى الكفر بالوحدة الوطنية المزعومة.
لكن مع كل ذلك، فالانفصال وتفتيت الأوطان ليس حلاً أبداً، وخاصة للطوائف والجماعات والأعراق التي كفرت بالدولة المركزية. فالزمن ليس زمن الدويلات والكانتونات العرقية والطائفية والمذهبية، بل زمن التجمعات والتكتلات الكبرى. فالقوى التي تهيمن على العالم كلها اتحادات وليست دويلات. الاتحاد الأوروبي، الولايات المتحدة الأمريكية، الصين، الهند كلها تجمعات كبرى مكونة من أعراق ومذاهب وأديان مختلفة. ولا تنسوا أنه حتى القوى الكبرى الأخرى في العالم تتحد ضمن تجمعات عملاقة، كما يحدث اليوم في مجموعة «بريكس» التي تضم عمالقة العالم. فهل يعقل إذاً أن تنحو بعض الجماعات الصغيرة في بلادنا في اتجاه الانفصال عن دولها الصغيرة في وقت يتحد فيها الكبار ضمن تكتلات عظمى؟ والسؤال الأهم: هل نجحت أي جماعة انفصلت عن الدولة الأم في بناء دول يٌحتذى بها في المنطقة؟ لقد صارع جنوب السودان عقوداً وعقوداً كي ينفصل عن الشمال، ونجح أخيراً في الانفصال والاستقلال في دولة جنوب السودان. لكن ماذا أنتجت الدولة الجديدة؟ هل ازدهرت اقتصادياً، وسياسياً، واجتماعياً، وثقافياً؟ أم إنها ازدادت تخلفاً؟ ألم يصبح جنوب السودان منذ استقلاله الحديث مثالاً للصراعات القبلية والسياسية والجهوية والدولة الفاشلة؟
لقد ظن الجنوبيون أن كل شيء سيصبح على ما يرام بمجرد إعلان الانفصال عن الشمال دون أن يدروا أن دولتهم الجديدة نقلت معها كل أمراض الشمال السياسية والاقتصادية والثقافية. وهذا يعني أن الحل لا يكمن في الانفصال أبداً، بل في معالجة الأسباب التي تدعو الناس إلى الانفصال. هل يختلف الديكتاتور سيلفا كير عن الجنرال البشير؟ بالطبع لا، فهذا الفرع من ذاك الأصل. كل الطبقة السياسية التي تتحكم بجنوب السودان الآن هي نسخة طبق الأصل عن الطبقة الحاكمة في الشمال. وطالما ظلت تتصرف بعقلية الشمال، سيبقى الوضع على حاله، وربما يتفكك الجنوب ذاته.
لقد نجح بعض الجماعات العرقية في الشرق الأوسط في الاستقلال جزئياً عن الدولة الأم، وأصبح لها سفارات وقنصليات واقتصاد خاص وبرلمان. لكن هل يختلف نظام الحكم في المناطق المستقلة عن النظام الحاكم الذي استقل عنه، أم إنه أيضاً يحمل كل أمراضه السياسية والسلطوية بشكل مصغر؟
هل الحل في الانفصال عن الأصل وتشكيل كيانات مصغرة عنه بنفس الأمراض والتصرفات والسياسات؟ ماذا يستفيد الشعب إذا انتقل من تحت الديكتاتور الأكبر إلى تحت الديكتاتور الفرعي الأصغر؟ لا تنسوا أن كل الفروع التي تحاول أن تستقل عن الأصل هي نسخة طبق الأصل عن الأصل في طريقة التفكير وحتى في الرموز والشخصيات التي ستحكمها.
لا يمكن أبداً أن نحل مشاكلنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية بتقسيم الأوطان وتفتيتها إلى كانتونات ودويلات ومحميات صغيرة انتقاماً من هذا النظام أو ذاك. هذا ليس حلاً، بل هو إمعان في تدمير الأوطان وشرذمتها. وبدل أن نشرذم بلادنا ونقطعها إرباً إرباً، تعالوا نحتكم إلى الديمقراطية الحقيقية وبناء دولة المواطنة القادرة على جمع كل المتناقضات والطوائف والمذاهب والأعراق وصَهرها في بوتقة واحدة.
فعندما يشعر الجميع بأنهم مواطنون، بغض النظر عن أديانهم وطوائفهم وأعراقهم، لن يفكر أحد منهم أبداً بالانفصال أو الاستقلال، بل سيدافعون جميعاً عن الوطن يداً واحدة.
تعالوا نبني أوطاناً لكل أبنائها! تعالوا نتقاسم السلطات والثروات بدل تقاسم الأوطان!
كاتب واعلامي سوري
القدس العربي
———————————-
تسليم المعتقلين السّوريّين في لبنان: جدليّةٌ إنسانيّة وتجاذبات دبلوماسيّة/ بتول يزبك
السبت 2025/03/01
في خضمّ الأزمة السّياسيّة والإنسانيّة التي تعصف بلبنان وسوريا على حدٍّ سواء، برز ملفّ تسليم المعتقلين السّوريّين في السّجون اللّبنانيّة، لا سيّما أولئك الّذين جرى توقيفهم على خلفيّة “مناصرة الثورة السّوريّة” أو “الانتماء إلى تنظيماتٍ إرهابيّةٍ”، كـ”داعش” وجبهة النّصرة، بوصفه قضيّةً مُلحّةً تحتلّ مكانةً مركزيّةً في التّجاذبات الدبلوماسيّة والقضائيّة بين بيروت ودمشق. ويتفاقم هذا الملفّ المعقّد بعدما عادت الحكومة السّوريّة إلى مخاطبة نظيرتها اللّبنانيّة رسميًّا، مطالبةً بتسليم أسماء محدّدة من الموقوفين السّوريّين، في خطوةٍ تعكس حجم التغيير الذي طرأ على العلاقات الرّسميّة بين البلدين، وتسلّط الضّوء على واقعٍ قانونيٍّ غاية في الدقّة والتعقيد.
تعليق الإضراب: بارقة أملٍ أم هدنةٌ؟
خلال الأسابيع الماضية، دخل عددٌ من معتقلي الرّأي السّوريّين في السّجون اللّبنانيّة، وتحديدًا في سجن روميّة، في إضرابٍ مفتوحٍ عن الطّعام دام ثمانية عشر يومًا. جاء هذا التحرّك احتجاجًا على ما اعتبروه “مماطلةً” و”غيابًا للحلول الجذريّة” لملفّهم، وانقطاع الأفق بشأن تسويةٍ تسمح لهم بالعودة إلى ديارهم. وقد أعلن المعتقلون تعليق إضرابهم عقب زيارةٍ رسميّةٍ قام بها وفدٌ من سفارة الجمهورية العربية السّوريّة إلى سجن روميّة، التقى خلالها عددًا من السّجناء المضربين، وأبلغهم بأنّ الحكومة السّوريّة تتابع مع الجهات اللّبنانيّة المعنيّة سبل معالجة ملفّهم.
وفي بيانٍ رسميٍّ صدر عن هؤلاء المعتقلين، جرى التّشديد على أنّ تعليق الإضراب لا يعني قطّ التخلّي عن المطلب الأساس، والمتمثّل في العودة الآمنة والكريمة إلى سوريا، بل يمثّل هدنةً مؤقتةً انتظارًا لمعرفة مدى جدّية الوعود المقدَّمة لهم. كما أكّد البيان أنّ استعداد المعتقلين لاستئناف الإضراب لا يزال قائمًا في حال عدم التزام الطّرفين السوريّ واللّبنانيّ بالتعهّدات المقطوعة.
ووجّه المعتقلون في ختام البيان شكرًا خاصًّا لكلّ من تضامن معهم وساهم في تسليط الضّوء على قضيّتهم، وفي مقدّم هؤلاء فريق حملة “#أنقذوا_المعتقلين_السوريين_في_لبنان”، فضلًا عن توجيه شكرٍ خاصٍّ لإدارة سجن روميّة على ما وُصف بـ”التعامل الإنسانيّ” معهم طوال فترة الإضراب، ولا سيّما للعقيد نزيه صلاح. وفي السّياق نفسه، كشفت مصادرٌ أنّ وفدًا رفيع المستوى من السفارة السورية قد اجتمع بستّةٍ من ممثّلي السجناء السوريين في روميّة، ممّا يشير إلى أهميّة هذا الملف بالنسبة إلى دمشق.
جذور الأزمة وتعقيداتها القانونيّة
يرى المحامي ومدير مركز “سيدار” للدّراسات القانونيّة، محمّد صبلوح، في حديثه إلى “المدن”، إنّ جذور هذه القضيّة تعود إلى سنوات الحرب السّوريّة الأولى، حينما لجأ آلاف السّوريّين إلى لبنان بحثًا عن ملاذٍ آمن، أو وجدوا أنفسهم في قبضة الأجهزة الأمنيّة اللّبنانيّة لأسبابٍ متعلّقةٍ بنشاطهم المعارض للنّظام السّوريّ، سواء في إطار الاحتجاجات السّلميّة أو في إطار مجموعاتٍ مسلّحةٍ تشكّلت في خضمّ الاقتتال الدّاخليّ السّوريّ. وانطلاقًا من هذا الواقع، تفاقمت الأزمة مع تسرّب أنباءٍ عن إعداد الحكومة السّوريّة قوائم بأسماء المعتقلين في لبنان، تحديدًا السّجناء السياسيّين وسجناء الرّأي، إضافةً إلى بعض الأفراد الذين صدرت بحقّهم أحكامٌ جنائيّة. ويلفت صبلوح إلى أنّ العدد الإجماليّ للسّجناء من حملة الجنسيّة السّوريّة في لبنان يُقدَّر بنحو 1700 إلى 1750 سجينًا، غالبيّتهم موقوفون على خلفيّاتٍ جزائيّةٍ أو جنائيّةٍ بلا محاكماتٍ ناجزة، في حين يبلغ عدد سجناء الرّأي نحو 200 سجين فقط.
ويضيف صبلوح أنّ ثمة معلوماتٍ مؤكّدة حول نية السّلطات السّوريّة إنشاء مراكزٍ مؤقتةٍ داخل سوريا لاستقبال هؤلاء المساجين، بغية استكمال محاكماتهم، فيما يُفرَج عن معتقلي الرّأي ضمن ترتيباتٍ خاصّة وكجزءٍ من عملية “العدالة الانتقاليّة”، بيد أنّ القلق لا يزال يساور الكثيرين حيال الضّمانات الفعليّة حول وضع المحكامين بجرائم جنائيّة أمام القانون في سوريا، مؤكّدًا أن كل من هو مُعتقل بجرمٍ مُثبت سيتمّ استكمال محاكمته.
“إرهاب”ٌ أم “تعاطف”ٌ؟
من أبرز الإشكاليّات الّتي تثيرها هذه القضيّة، وفق صبلوح، هي ازدواجيّة المعايير في الخطاب الرّسميّ اللّبنانيّ تجاه الملفّ السّوريّ. فمن جهة، لطالما برّرت الجهات الأمنيّة والقضائيّة في لبنان اعتقال العديد من السّوريّين بتهمٍ تتعلّق بـ”الإرهاب” و”تهديد الأمن القومي”، مستندةً في بعض الأحيان إلى صِلاتٍ مفترضةٍ تربط المعتقلين بفصائل مسلّحةٍ سوريّة. ومن جهةٍ أخرى، بدأ لبنان في المرحلة الأخيرة “تطبيع” علاقاته الدبلوماسيّة مع دمشق، متجاوزًا خطاب “العداء” السّياسيّ السابق، ما يثير تساؤلاتٍ عدّة حول المعايير التي جرى الاستناد إليها لاعتقال هؤلاء أو للإبقاء عليهم في السّجون بلا محاكمةٍ عادلةٍ أو طويلة الأمد.
ويضيف صبلوح أنّ لبنان يجد نفسه اليوم في موقفٍ حَرِج، خصوصًا أنّه من جانبٍ يرفض تصنيف بعض المجموعات على أنّها “إرهابيّةٌ” تحتضنها بيئاتٌ لبنانيّةٌ أو تجهّزها دولٌ إقليميّةٌ مثل حزب الله، فيما يتعاون في الوقت نفسه مع الحكومة السوريّة الجديدة، لتنسيق الملفّ الأمنيّ.
تحرّكاتٌ ميدانيّةٌ
لم تقتصر الجهود المبذولة على التحرّكات الدّاخليّة ضمن أروقة السّجون. فقد شهدت الأسابيع الأخيرة سلسلةً من النّشاطات الميدانيّة أبرزها الاعتصام الّذي نظّمته “لجنة العفو العام” أمام سجن روميّة في أحد أيّام الجمعة، حيث اجتمع الأهالي والمتضامنون لأداء صلاة الجمعة، رافعين شعاراتٍ تطالب بالإفراج عن السّجناء السّوريّين وتمكينهم من العودة إلى وطنهم.
وفي هذا السّياق تُشير النّاشطة الحقوقيّة والمتحدّثة باسم أهالي السّجناء، رائدة الصّلح لـ”المدن” إلى أنّ الحراك يهدف بالدرجة الأولى إلى دفع الدّولتيْن اللّبنانيّة والسّوريّة لاتّخاذ خطواتٍ ملموسةٍ على طريق إنهاء ملفّ التوقيفات والطّلبات القديمة لإقرار “عفوٍ عامٍّ” يشمل اللبنانيّين والسّوريّين على حدٍّ سواء. وترى الصّلح أنّ العفو العام لا يزال “المخرج الأسلم” في ظلّ تكدّس الملفّات أمام القضاء وغياب أيّ رؤيةٍ واضحةٍ لدى الإدارة اللّبنانيّة لمعالجة معضلة السّجون المكتظّة، قائلةً: “يمثّل العفو العام في النّظام اللّبنانيّ مادّةً سجاليّةً بامتياز، فقد طُرِحت الفكرة مرارًا خلال الحكومات المتعاقبة، لكنها اصطدمت بحساباتٍ طائفيّةٍ وسياسيّةٍ معقّدةٍ حالت دون التوصّل إلى نصٍّ نهائيٍّ يلبّي المتطلّبات القانونيّة والإنسانيّة”. يرى المطالبون بالعفو العام أنّه يشكّل حلًّا جذريًّا لمعضلاتٍ متراكمةٍ كالاكتظاظ في السّجون، وتعطّل جلسات المحاكمات، وغياب أيّ أفقٍ واقعيٍّ لإنهاء الآلاف من الملفّات الجنائيّة العالقة منذ سنوات.
“بالمقابل، تُثار مخاوفٌ جادّةٌ حيال إمكانيّة تضمين هذا العفو جرائم كبيرةٍ، على غرار القضايا المتّصلة بانفجار مرفأ بيروت أو عمليّات فسادٍ ماليٍّ ضخمةٍ. وفي حين يشدّد المعتصمون أمام سجن روميّة على ضرورة استثناء المتورّطين في جرائم “خطيرةٍ” ذات أبعادٍ أمنيةٍ أو إنسانيّةٍ كبيرة، كحال تفجير المرفأ، يؤكّدون في الوقت عينه أنّ شريحةً واسعةً من الموقوفين لا تزال تقضي سنواتٍ طويلةً في السّجن من دون محاكماتٍ عادلةٍ أو لعدم القدرة على توكيل محامين، الأمر الّذي يُثير تساؤلاتٍ حيال دستوريّة استمرار الاحتجاز الاحتياطيّ لهذه المدّة الزمنيّة”، تُضيف الصلح.
المعضلة القضائيّة: بطء المحاكمات
تشتكي المنظّمات الحقوقيّة في لبنان، ومعها العديد من المحامين والمسؤولين القضائيّين، من بطء آليّات التّقاضي وتعذّر السّير قدمًا في الملفّات؛ إذ إنّ مشكلة عدم سوق السّجناء إلى المحاكم تفاقمت في السنوات الماضية، بسبب أزمة النّقل وسوء التّنسيق بين الأجهزة الأمنيّة والقصور العدليّة. وفوق ذلك، تشير رائدة الصّلح إلى أنّ أحد أبرز أسباب ضياع الملفّات يتمثّل في غياب المكننة عن القصور العدليّة، ما يضطرّ الأهالي للتنقّل بين الدوائر لسؤال الموظّفين عن ملفّات أبنائهم، وقد تمرّ شهورٌ طويلةٌ قبل تحديد مكان هذه الملفّات. ويُعدّ هذا الواقع انعكاسًا لضعف الموارد الماليّة والبشريّة في المؤسّسات القضائيّة، وتعطيل جزءٍ كبيرٍ من عملها بسبب الإضرابات أو انقطاع الكهرباء وسوء صيانة المباني. ويعرب قضاةٌ ومحامون كُثر عن ضرورة أن يكون إصلاح السّجون والقضاء في صدارة أولويّات أيّ حكومةٍ لبنانيّةٍ جديدة، نظرًا إلى أنّ التّراخي المزمن في هذا القطاع يهدّد مبادئ العدالة ويرفع منسوب الاحتقان الاجتماعيّ.
“لا تقتصر أوجه المعاناة على غياب المحاكمات السّرّيعة، فقد أدّى الانهيار الاقتصاديّ في لبنان إلى تفاقم الوضع الإنسانيّ والصحيّ في السّجون إلى حدودٍ تنذر بكارثةٍ حقوقيّة. تشكو الجمعيّات الإنسانيّة من نقصٍ حادٍّ في الأدوية والمستلزمات الطبيّة، وارتفاعٍ حادٍّ في أسعار المأكولات المتوافرة داخل الحوانيت (الـ”كانتينات”)، الأمر الّذي يضع الأهالي في مواجهةٍ ماليّةٍ تفوق قدراتهم” تُعلق رائدة الصلح.
وتُضيف: “تشكّل السّجون في لبنان بيئةً خصبةً لانتشار الأمراض والأوبئة، في ظلّ ضعف عمليّات التّعقيم والتّجهيز الطبيّ المحدود. وقد أشارت تقاريرٌ حديثةٌ إلى ظهور بعض الأمراض الوبائيّة داخل السّجون نتيجة الاكتظاظ وقلّة التّهويّة وندرة مواد التّنظيف. ويزداد الوضع صعوبةً خلال شهر رمضان، إذ تكتفي إدارة السّجن في أحيانٍ كثيرةٍ بمخصّصاتٍ غذائيّةٍ محدودةٍ تفتقر إلى المقوّمات الأساسيّة لتأمين وجبة إفطارٍ كريمةٍ للمحتجزين. ومع تكرار انقطاع الكهرباء، يصبح استخدام السخّانات الكهربائيّة أمرًا شبه مستحيلٍ لتسخين المياه أو لتسخين الطّعام، ما يخلق أجواءً ضاغطةً في أوقات الإفطار”.
الآفاق المستقبليّة
ويرى مراقبون وحقوقيون أن الحلّول المطروحة على الطاولة، أمام السّلطتين اللّبنانيّة والسّوريّة، هي كما يلي:
– الإفراج المشروط: قد تلجأ السّلطات اللّبنانيّة، بالتنسيق مع السّلطات السّوريّة، إلى منح السّجناء الرّاغبين بالعودة تسويةً قانونيّةً تقضي بتسليمهم لدمشق وفق اتّفاقاتٍ أمنيّةٍ ثنائيّة. إلا أنّ نجاح هذا السيناريو يتطلّب ضماناتٍ موثوقةٍ بشأن سلامة العائدين، وضماناتٍ بعدم ملاحقتهم لاحقًا في حال كانوا من معتقلي الرأي، واستكمال محاكمات الموقوفين بجرائم جنائيّة.
– العفو العام الشّامل: يتبنّاه بعض النّوّاب والمحامين والنّاشطين، ويعدّونه حلًّا جذريًّا لتخفيف الضغط عن السّجون. بيد أنّ تضمين هذا العفو الشّامل قضايا خطيرةٍ يثير معارضةً شعبيةً وسياسيّةً؛ فضلًا عن عراقيل دستوريّةٍ قد تستدعي تدخل المجلس الدّستوريّ للبتّ في مدى دستورية بعض بنود العفو، فضلًا عن التعقيد السّياسيّ الذي يتطلب مصالحة وطنيّة بالمرتبة الأولى.
– المقاربة الإنسانيّة والقانونيّة الدوليّة: قد يتدخّل المجتمع الدّوليّ عبر منظّمات الأمم المتّحدة، كمفوضيّة حقوق الإنسان أو مفوضيّة شؤون اللاجئين، لتسهيل خروج بعض الموقوفين السّياسيين إلى دولٍ ثالثةٍ أو لتأمين حمايةٍ دوليّةٍ مؤقّتة.
– التّعاون الأمنيّ: يُمكن للبنان أن يدرج الملفّ في إطار اتّفاقيّاتٍ جزئيّةٍ محدّدةٍ مع الحكومة السّوريّة، بحيث يُعاد النّظر في كلّ حالةٍ على حدةٍ وفق معايير قضائيّةٍ، لتفادي خرق مبدأ عدم الإعادة القسريّة (Non-refoulement) المنصوص عليه في القوانين الدّوليّة لحقوق الإنسان من جهة، وتحقيق مطالب السّجناء في العودة إلى بلادهم وتحديدًا بعد تحريرها من حكم نظام الأسد من جهةٍ ثانيّة.
في المحصّلة، يعكس ملفّ تسليم المعتقلين السّوريّين في السّجون اللّبنانيّة تعقيداتٍ قانونيّةً وسياسيّةً وإنسانيّةً تتشابك مع واقعٍ إقليميٍّ أشدّ تعقيدًا. فالأمر لا يقتصر على مصير بضع مئاتٍ من الموقوفين المنسيّين في زنازينهم، وإنّما يعبّر عن استحقاقٍ ملحٍّ يتطلّب حلولًا شاملةً تقطع مع الممارسات المجحفة السّابقة وتعيد الاعتبار لمبدأ سيادة القانون واحترام حقوق الإنسان. وبانتظار ما ستسفر عنه الاتصالات الرّسميّة بين بيروت ودمشق، يبقى الأمل معقودًا على أنّ تشكّل هذه القضيّة مناسبةً لمراجعةٍ وطنيّةٍ شاملةٍ لسياسة التّعامل مع اللاجئين والموقوفين عمومًا، سواء أكانوا سوريّين أم لبنانيّين أم من أيّ جنسيّةٍ أخرى، وذلك بالاستناد إلى معايير العدالة الانتقاليّة وضمانات حقوق الإنسان الدوليّة.
المدن
———————————
أحمد الشرع في الأردن… رهان الملك على لجم “داعش”!/ رنا الصبّاغ
01.03.2025
يراهن الأردن وحلفاؤه في الغرب على الرئيس المؤقت لسوريا أحمد الشرع لدعم جهود محاربة تنظيم الدولة الإسلامية، المنهمك بإعادة هيكلة عناصره في البادية السوريّة، مُستغلاً انهيار المنظومة الأمنية واستحواذه على أسلحة تسرّبت عقب إطاحة نظام بشار الأسد.
على رغم عدم اكتمال بناء منظومة الدولة السورية بعد ثلاثة أشهر على إطاحة حكم بشار الأسد، يسعى الأردن إلى الاشتباك الإيجابي مع أذرع الجارة الشمالية الآخذة بالتشكّل تدريجياً، لضمان أمن الحدود ومحاولة إبعاد دمشق عن تأثير أنقرة في المشهد الجديد.
وينطلق الأردن من مفهوم “العدو” المشترك للدولتين وخلفية الشرع وطواقِمه السفلية الجهادية؛ الخبيرة في لوجستيات التنظيم الإقصائية ومداخله ومخارجه. كذلك مواقع انتشار أتباعه وطرق تمويل داعش، منذ تمدده في سوريا والعراق مطلع العقد الماضي، قبل انكفائِه تحت مطرقة تحالف عربي دولي.
الوضع الهش والمتقلب في سوريا، وخطر وقوع مخزونات أسلحة متقدمة في أيدي جماعات متشددة، وإعادة هيكلة التنظيم في العام الماضي، ذلك كله بات يثير قلق المملكة والغرب خشية تحول سوريا النازفة إلى حاضنة جديدة لداعش وتفعيل استراتيجيات الانتقام التي قد يمارسها التنظيم.
الأمم المتحدة تؤكد هذه المخاوف، إذ ذكرت قبل أسبوعين أن البادية السورية ما زالت تُستخدم كمركز للتخطيط العملياتي الخارجي وكمنطقة حيوية “لداعش”، إذ لجأت عناصر من التنظيم الى الصحراء هرباً من فصائل منضوية تحت لواء هيئة تحرير الشام، التي انطلقت من إدلب الى حلب وحمص وحماة ووصلت الى دمشق.
خلايا نشطة ونائمة
ينتشر في سوريا قرابة خمسة آلاف داعشي بين “خلايا فاعلة ونائمة”، منذ طردِهم من آخر معاقلهم قبل ست سنوات. تلك المرحلة كانت نقطة تحول من الطابع العسكري إلى التغلغل الأمني، بحسب الباحث في شؤون الحركات الإسلامية حسن أبو هنية، الذي يرى أن التنظيم “أعاد هيكلته بشكل كبير حتى قبل سيطرة” الشرع وحلفائه. وكان داعش يستهدف قوات قسَد الكردية المدعومة أميركياً وتشكيلات النظام السابق وميليشيات مرتبطة بإيران. ويتوافق التقييم مع إعلان القيادة المركزية الأميركية ضربها 75 هدفاً لداعش في سوريا يوم هروب بشار الأسد إلى موسكو في 8 كانون أول/ ديسمبر.
وتضاعفت هجمات داعش في سوريا ثلاث مرات في العام الماضي بالمقارنة مع 2023، إذ بلغت 700 ضربة بحسب مركز صوفان في أميركا المتخصص بدراسات وأبحاث حول التحديات الأمنية والقضايا السياسة الخارجية.
وفي ضوء الفوضى الأمنية، هناك خشية من عودة داعش لاقتحام السجون على غرار هجمات 2022، حين أطلقوا سراح 500 عنصر. وأي عمل من هذا القبيل من شأنه تشجيع هجمات في تركيا المجاورة أو حتى سفر عناصر إلى أوروبا، حيث قد تتكثف ظاهرة “الذئاب المنفردة” التي تحمل الفكر الداعشي نفسه.
كذلك، تشكل عائلات وأطفال داعش المحشورون في مخيمات الهول والباغوز، والمقدر عددهم بـ 45000، مصدر تهديد أيضاً. فغالبية الأطفال المحتجزين باتوا اليوم “أشبالاً” ويمثلون قوة احتياطية للتنظيم، بحسب أبو هنية.
تتسلل عناصر أخرى من السجون والمخيمات في شمال شرقي سوريا، وتستمر قوى الأمن الداخلي في إحباط محاولات مماثلة لهروب مقاتلين وعائلاتهم. يقول أبو هنية: “تنظيم الدولة يشكل خطورة كبيرة وينتظر ماذا سيحدث”، ويضيف أن التنظيم يراهن على “حدوث فوضى وعدم استقرار بسبب المنافسات الإقليمية والدولية”، ومحاولات إيران وداعش تحريك مجاميع غاصبة للانتقام من الشرع، ما يهدد الأردن وتركيا والعراق.
وبينما تصد القوات التركية المحاصرة هجمات الميليشيات المدعومة من أميركا في شمال سوريا، يستبعد خبراء أمنيون أن تواصل تأمين المجمعات التي يحتجز فيها الآلاف من عناصر داعش وعائلاتهم.
رهان الأردن الإشكالي
منذ تفكك قوات الأسد وتراجع ميليشيات حزب الله، يقوم الجيش الأردني “بحماية أمن الحدود” من الجانب الأردني على الجبهة الشمالية، بعد رصد قيام بؤر داعشية على حساب تراجع عصابات تهريب الأسلحة والمخدرات. كما لجأت عمان الى ترتيب مجموعات في محافظة السويداء لمساعدتهم على كبح التهريب بعد رحيل الأسد.
قاعدة التنف تلعب دوراً أساسياً، فهي مركز عسكري استراتيجي أميركي في أقصى جنوب شرقي محافظة حمص عند تقاطع الحدود السورية مع الأردن والعراق، حيث تراقب عناصر داعش وتقوم مواجهتهم. وهناك اتفاق ضمني مع الشرع بمنع أي من الميليشيات المسلحة، وبعضها متشدد وتكفيري، من محاولة التوجه صوب حدود الأردن، فهذا خط أحمر بالنسبة الى عمّان وإسرائيل.
في الأثناء، تحذّر إسرائيل إدارة الشرع من “أي خطوة غير محسوبة” في المناطق المتاخمة لحدودها، مع الإصرار على أن يكون الجنوب السوري منزوع السلاح.
إرث واستشراف
الأردن الرسمي يدرك صعوبة تغيير “الحمض النووي” للشرع والفصائل المسلحة المتشدّدة المنضوية تحت لواء هيئة تحرير الشام. لكن لا مجال إلا الانفتاح عليه بخطوات تدريجية حذرة صوب علاقات أكثر توازناً مع العمق العربي السني في مواجهة نفوذ تركيا، كذلك تعريفه على سائر دول العالم وتأمين الحدود المشتركة بطول 375 كم.
الخبير في الجيوسياسية والأمن الوطني الأستاذ الجامعي د. عامر السبايلة، يرى أن الأردن لا يزال في مرحلة بناء الثقة مع منظومة الشرع، ويقول في لقاء مع “درج”: “الجميع قد يعوّل على الشرع إذا أثبت فعلاً أنه يريد أن يكون شريكاً، وأن يكون عبوره لشرعنة علاقاته مع المجتمع الدولي عبر بوابة مواجهة داعش”
أظهرت عمان إشارات إيجابية عدة للشرع، عندما زارها أخيراً لساعتين في ثالث محطة خارجية له – بعد الرياض وأنقرة، استقبله الملك عبدالله على سلم الطائرة ومشى الرجلان على سجادة حمراء. عرّفه الملك على كبار رجال الدولة قبل أن يقلّه في سيارته المصفحة السوداء الى قصر رغدان.
بحسب مصادر قريبة من هذا الملف، سيطر هاجس الأمن على الحدود ومحاربة التنظيمات المتشددة والتهريب على أجواء المحادثات الأردنية-السورية، وبحسب مسؤولين رفضوا الكشف عن أسمائهم، عمان مستعدة لتدريب عناصر القوات الخاصة للجيش الجديد قيد التشكيل وإرسال مدربين إلى سوريا لتدريب العناصر.
مقاربة أردنية
في لقاءاته بالوفود العربية والغربية، اقترح العاهل الأردني أفكاراً عدة للتعامل بإيجابية مع التغيير في سوريا، منها إشراك الشرع بجهود مكافحة داعش لضمان عدم استئناف نشاط التنظيمات الإرهابية التي تهاجم حلفاء الولايات المتحدة ومصالحها، وإبقاء الضغط عليه لضمان بناء سورية جديدة تتسع للكل من خلال الإبقاء على سلاح العقوبات وتخفيفها تدريجياً وفق مبدأ خطوة مقابل خطوة.
ويشير أيضاً إلى عدم انسحاب القوات الأميركية من منطقة الإدارة الذاتية التي تحميها قوات قسد، وقوامها قرابة 100 ألف مقاتل غالبيتهم من الأكراد، فبقاء القوات الأميركية في شمال شرقي سوريا يساهم في تحقيق توازن قوى ومحاربة أي تهديد انتقامي قد يأتي من حلفاء الأسد، بعد تراجع نفوذهم في سوريا ولبنان.
يتم أيضاً تداول فكرة عدم إغلاق السجون التي تؤوي الدواعش وترحيلهم الى سجون في العراق لمحاكمتهم، أو الضغط على الدول التي ينتمون إليها لاستعادة مواطنيها، ناهيك بضرورة استمرار متابعة العلامات الفارقة لبناء سورية، بما في ذلك “معايير” تشكيل كل من الحكومة والمجلس التشريعي المؤقت الذي سيحدد شكل الدستور وهوية الدولة، بحيث تكون مظلة للجميع بعيداً عن الإقصاء والتهميش واستحواذ السلطة.
يوضح مسؤول أردني أن للمملكة تحفظات عدة على طريقة أداء الشرع ونزعته للتفرد بالسلطة واختياره شخصيات من لون واحد، والتخبط في تنفيد قرارات يطالبه بها الغرب مثل “سلق” مؤتمر الحوار الوطني، ناهيك بمخاوف من طول الفترة التي حددها الشرع لإجراء انتخابات تشريعية.
وأضاف المسؤول: “نضطر أن نمرر الأمور التي لا تعجبنا لأننا لا نريد فوضى على الحدود أو اقتتالاً في دمشق لأن ذلك سيدفع بموجات لجوء جديدة. لكننا لن نستطيع الانتظار كثيراً في حال لم يغير أدائه”، وسيكون هناك موقف موحد مع الغرب للتعامل معه.
التحالف الدولي وخطر داعش
يتوقع الباحث السوري منهل باريش أن يلجأ الشرع الى قتال التنظيم حتى لو لم يعتمد على التحالف الدولي بشكل مباشر إنما بالتعاون استخباراتياً، وهذا ما يتماشى مع موقف الأردن ومعظم دول التحالف الدولي، التي ترى أن الشرع “حصان رابح” في مواجهة داعش، الذي يسعى الى الانتقام من الشرع ويتهمه بتمرير معلومات أدت الى مقتل زعيم القاعدة أبو بكر البغدادي في عملية نفذتها قوات أميركية خاصة شمال سوريا أواخر 2019.
دبلوماسي أوروبي في عمان يرى أن الشرع بات مفتاح التعامل مع الدواعش، بتصنيفاتِهم قائلاً: “يعرف مداخل التنظيم ومخارجه، أنماط تحركهم واختبائهم، ومؤهلاتهم القتالية، ومصادر تمويلهم. وقد سجن بعضهم في مناطق سيطرته السابقة في إدلب”.
أشارت 6 مصادر أمنية عربية وأوروبية الى أن الشرع بات يمد قوات التحالف بمعلومات تساعد على تنفيذ ضربات لاصطياد كبار المتشددين مقابل كسب دعمهم في المرحلة الانتقالية، ولفت مصدر عربي إلى إن “الشرع معني بمساعدة التحالف في مقابل مساعدته وإثبات نفوذه”.
ويقول مصدر غربي إن “الشرع وطاقمه الأمني الاستخباري يستخدمون معرفتهم بالتنظيم وملحقاته كنقطة قوة في الحوار مع الغرب والعرب في مقابل ضمان استمرارهم، مثلما كانت الاستخبارات العاملة تحت نظام الأسد تفعل مع الاستخبارات العربية والأجنبية”.
ويستطرد: “يزودوننا بمعلومات تسمح لنا بإجراء ضربات محددة تستهدف كبار الإرهابيين من باب إثبات حسن النوايا”.
لكن التحدي يكمن في أن التعامل بين المؤسسات الأمنية والاستخبارية وعناصرها كان واضحاً تحت نظام الأسد، بعكس الوضع تحت الشرع، حيث التعامل مع أفراد بانتظار إعادة بناء المؤسسات الأمنية والجيش.
لكن التعاون الاستخباراتي بين الشرع والتحالف اتضح خلال الشهر الماضي، إذ أعلنت وسائل إعلام سورية أن الطيران الأميركي شن غارة جوية على ريف إدلب، استهدفت قائدين عسكريين سابقين في تنظيم “حراس الدين” المتحالف مع تنظيم داعش، ما أدى إلى مقتل القائد العسكري السابق في التنظيم أبو عبد الرحمن الليبي والقائد العسكري فضل الله الليبي، وقبلها أعلنت قوات القيادة المركزية عن مقتل وسيم تحسين بيرقدار، وهو قيادي كبير في التنظيم نفسه.
الأردن و”مكافحة الإرهاب”
يلعب الأردن دوراً محورياً في دعم جهد التحالف الدولي، إذ يستضيف قواعد عسكرية للتحالف في الصحراء الشاسعة: قاعدة الشهيد موفق سلطي الجوية على بعد مئتي كيلومتر من الحدود العراقية وقاعدة الملك عبدالله الثاني في منطقة الغباوي في الصحراء الشرقية، وعلى تخوم عمان مكتب استخبارات غربي يرتبط بالتحالف ويعمل على تحليل المعلومات ومشاركتها.
دبلوماسي غربي في عمان يرى أن المعلومات التي تجمعها المقاتلات والمسّيرات تؤكد تنامي حراك داعش في البادية السورية المجاورة للأردن والعراق، “قواتنا تراقب تحركاتهم كل الوقت وتطلق عليهم النار فوراً وبلا رحمة لسحقهم”، يشرح الدبلوماسي، مؤكداً: “لن نسمح بعودتهم أبداً”.
درج
———————————–
من برلين إلى دمشق: كيف وصل اسم آنا ألبوث إلى تقرير في المخابرات السوريّة؟/ عمّار المأمون – فراس دالاتي
01.03.2025
ذُكرت في تقرير من فرع 279 من المخابرات العامة عام 2016، آنا ألبوث، صحافية بولندية ومنظِّمة “مسيرة مدنية من أجل حلب” التي انطلقت من برلين سيراً على الأقدام. تواصلنا مع ألبوث لمعرفة تفاصيل أكثر عن سياق التقرير الأمني والمسيرة التي عبرت 10 دول، قبل أن تصل في النهاية إلى الحدود السورية مع لبنان.
في نهاية كانون الأول/ ديسمبر 2016، بدأ ما يقرب من 400 شخص من جنسيات مختلفة بالمسير على الأقدام من مطار تمبلهوف في برلين باتجاه حلب، في ما يُعرف بـ “مسيرة مدنية من أجل حلب”، وهي فكرة يمكن وصفها فقط بأنها مغامرة دونكيشوتية.
فرّ مئات الآلاف من السوريين عبر الطريق المعاكس، هرباً من وحشية نظام الأسد الذي قتل وقصف وحتى استخدم الأسلحة الكيميائية ضد المدنيين الذين خرجوا في عام 2011، مردّدين “الشعب يريد إسقاط النظام”.
كانت “مسيرة مدنية من أجل حلب” أحد أشكال التضامن بعد الموجة الضخمة للاجئين الفارين من سوريا نحو أوروبا في عام 2015 – وهي حركة وصفتها منظمة العفو الدولية بأنها “أزمة”. آنذاك، وصل أكثر من مليون لاجئ إلى أوروبا، واستضافت ألمانيا العدد الأكبر منهم.
نظمت المسيرة الصحافية والناشطة البولندية آنا ألبوث، التي تقيم في برلين، بهدف سلوك الطريق المعاكس الذي عبره اللاجئون، كبادرة تضامن واحتجاج ضد الحرب في سوريا.
نقرأ في مانيفستو المسيرة: “لقد تعلمنا الخضوع للحرب. تعلمنا أن نخاف من الأقوياء الذين يديرون الخيوط. أقنعونا بالانحياز إلى “الجيدين” ولوم “الأشرار” لقبول تقسيم الناس إلى الأفضل والأسوأ، الذين يمكنهم النوم بأمان في أسرّتهم، والذين يتعين عليهم الفرار لإنقاذ حياتهم. “هكذا هي الأمور” – هذا ما قيل لنا. لكننا لم نعد نقبل بهذا بعد الآن. لقد سحبنا موافقتنا. نحن مستعدون لرفض العجز”.
خلال الطريق، انضم أكثر من أربعة آلاف فرد من جنسيات مختلفة – بمن في ذلك السوريون – إلى المسيرة عبر “طريق اللاجئين”. خلال 232 يوماً، عبرت المسيرة 10 دول، بمسافة ما يقرب من 2800 كم قبل أن تصل في النهاية إلى الحدود السورية مع لبنان في 14 آب/ أغسطس 2017.
كان للمسيرة المدنية من أجل حلب تأثير عميق على المجتمع الدولي، إذ سلطت الضوء على جهود الناس من جميع أنحاء العالم لدعم السوريين الفارين من بلدهم. وتم الاعتراف بهذا الالتزام في عام 2018، عندما رُشِّحت المسيرة لجائزة نوبل للسلام، ونقرأ في بيان المسيرة إهداءاً جاء فيه: “لكم جميعاً، المدنيين حول العالم، الذين يقومون أو يحاولون القيام بشيء ما من أجل المدنيين الآخرين: هذا اعتراف يذهب إليكم جميعاً. في نظرنا، أنتم جميعاً مرشحون”.
وفي 8 كانون الأول/ ديسمبر… فرّ الأسد
انهيار النظام السوري السريع في 8 كانون الأول/ ديسمبر شكّل صدمة ليس للعالم والسوريين وحدهم بل للصحافيين والناشطين وصانعي السياسات من جميع أنحاء العالم، كانوا مندهشين بسبب هشاشة النظام والسرعة التي انهار بها.
سوريا النظام الأسدي، المعروفة محلياً باسم “قلعة الصمت”، انهارت في غضون 10 أيام فقط، إذ انهار الجيش الوطني السوري، تاركاً الأسد معزولاً ووحيداً. في النهاية، فر إلى روسيا كـ “لاجئ إنساني”، ما أثار السخرية بين السوريين، الذين أطلقوا عليه لقب “آخر لاجئ سوري”.
تزامن تحرير المعارضة المسلّحة السجناء، بقيادة هيئة تحرير الشام، مع إطلاق سراح ملايين الوثائق من فروع المخابرات السورية سيئة السمعة، إذ كانت المراقبة تُمارس بمستويات مختلفة من الكفاءة بأسلوب بيروقراطي كافكائي.
يمكن القول إن كل سوري كان لديه ملف في هذه الفروع المخابراتية. ومع ذلك، من خلال عملنا في “درج”، اكتشفنا أن السوريين لم يكونوا الوحيدين الذين تتم “أرشفتهم” ومراقبتهم – فقد كان المواطنون من دول عربية أخرى وأوروبا وكندا والولايات المتحدة الأميركية تحت المراقبة أيضاً.
كانت جهود المراقبة الواسعة هذه، التي نُفّذت بواسطة “محطات” مختلفة في سفارات وقنصليات سوريا حول العالم، تستهدف أي فرد يتحدى الرواية الرسمية للنظام بشأن “مكافحة الإرهاب”. وفقاً لهذه الرواية، كان يُطلق على السوريين الذين فروا من البلاد لقب “ضحايا الإرهاب” – وليس ضحايا قنابل البراميل والقمع الوحشي للنظام.
كانت هذه الرواية تهدف إلى إقناع العالم بأن الأحداث في سوريا كانت جزءاً من “مؤامرة عالمية”، تم تعزيزها بتهديدات من وزير الخارجية السوري الراحل وليد المعلم. يمكن تلخيص تحذيراته في كلماته الشهيرة: “سنمحو أوروبا من الخريطة”.
من الأسماء التي ذُكرت في تقرير من فرع 279 من المخابرات العامة، آنا ألبوث، الصحافية البولندية المقيمة في برلين ومنظمة المسيرة المدنية من أجل حلب. في هذا التقرير، وصفت آنا والمشاركون في المسيرة بأنهم جزء من “الإطار الإعلامي المعادي لتأليب الرأي العالمي ضد الحكومتين السورية والروسية.، وتحميل الحكومتين السورية والروسيّة مسؤولية كل ما يحدث في سوريا للتغطية على الإرهابيين، والدول الداعمة والممولة لهم وجرائمهم في القطر”
وُصفت المسيرة بأنها نُظمت “تحت ذريعة التضامن مع حلب”، في تجاهل تمام لحقيقة أن المدينة كانت تحت هجوم مستمر من قوات القدس، بقيادة الجنرال الإيراني قاسم سليماني (1957-2020).
“شعور بالرضا”
تواصلنا مع آنا وبدأنا بسؤال بسيط: كيف شعرت عندما وجدت اسمها في تقرير من وكالة المخابرات العامة السورية؟ أجابت آنا، “يجب أن أعترف – ذلك أعطاني شعوراً معيناً بالرضا. إذا كانت هناك وثائق تشير إلى مسيرتي المدنية من أجل حلب، فهذا يعني أنها أزعجت شخصًا ما على الأقل قليلاً.”
في ردها علينا، وصفت أيضًا الاستعدادات التي سبقت المسيرة: “بدأت المسيرة في عام 2016، خلال حصار حلب، لأنني لم أكن أتفق مع الحرب الجارية في سوريا. أردت أن أتصرف ضد النظام وأدعم جميع المدنيين الذين يعانون”.
آنذاك، كانت آنا تعلم أن المسيرة كانت واحدة من أكبر الحملات الدولية من أجل سوريا. واعتبرها البعض أنها “كانت أكبر مبادرة يقودها غير سوري”، على الرغم من أن آنا لم تكن لديها طريقة للتحقق من هذا الادعاء. ومع ذلك، تضيف: “سماع أننا عكرنا الوضع الراهن وجعلناهم ينتبهون كان مرضياً”.
ادعى تقرير المخابرات السورية أيضاً أن هدف المسيرة لم يكن فقط لإلقاء الضوء على الطريق الذي يسلكه اللاجئون للوصول إلى أوروبا، بل أيضاً لـ “الضغط على الحكومة الروسية”. رداً على هذا الادعاء، قالت آنا: “كان الهدف من المسيرين إرسال رسالة قوية للعالم: المعارضة للحرب والعنف والحصار والقتل الجماعي. على الرغم من إدراكنا التام بأننا نفتقر إلى القوة لوقف النزاع مباشرة، فقد سعينا لجعل أصوات السوريين مسموعة من الحكومات – بخاصة تلك التي تستفيد من الحرب من خلال مبيعات الأسلحة أو التواطؤ في تأجيج النزاع. نعلم أننا لا نستطيع إيقاف الحرب، لكننا أردنا لعائلاتنا وبلداننا والدول المجاورة وأولئك المشاركين بنشاط في النزاع، أن يشعروا برفضنا وضغطنا”.
“لكثير منا، المواطنين العاديين، الاحتجاج هو الطريقة الأسرع للتعبير عن الاستياء. تقدم الانتخابات منصة للتغيير، ولكنها تتطلب الصبر. هذه المسيرة، ومع ذلك، كانت عن الإلحاح”، أضافت آنا.
تعتقد آنا أن الحرب السورية لعبت دوراً مهماً في الانتخابات الأوروبية. “السياسيون لن يهتموا بالقضايا ما لم يهتم بها ناخبوهم. والناخبون لن يهتموا إذا لم يكونوا مطلعين. كان هدفنا بسيطاً ومحدداً: لجذب الانتباه مرة أخرى إلى سوريا، مذكرين المجتمع العالمي بالفظائع المستمرة. سعينا الى ضمان أن يشعر النظام وجميع الأطراف الأخرى المشاركة لا بالإفلات من العقاب أو الغموض، بل بوطأة الحكم والتدقيق والضغط المستمر”.
لماذا بروكسل وليس برلين
بدأت المسيرة المدنية من أجل حلب في برلين، ومع ذلك تم استخراج الوثيقة من مصدر في بروكسل – تفصيل لفت انتباهنا أثناء فحص التقرير. طرحنا هذا السؤال على آنا، فردت: “كان الفريق الذي بدأ المسيرة دولياً للغاية. كما كان السوريون الذين يدعمون عملنا منتشرين في مواقع مختلفة، بما في ذلك ألمانيا والنمسا وبلجيكا. كانت المسيرة تظاهرة عامة مسجلة رسمياً، لذلك تم إبلاغ السلطات الألمانية، وكذلك سلطات الدول التسع التي مررنا بها. ربما كان مكتب بروكسل أكثر نشاطاً أو أقل كسلاً من مكتب برلين – من يدري؟”.
دعاية لـ”الإرهاب” ؟
اتُّهمت المسيرة بتغطية “جرائم الإرهابيين في سوريا” – وهو ادعاء كثيراً ما يستخدمه النظام، وقد اكتسب زخماً في أوروبا، بخاصة بعدما وقفت روسيا إلى جانب الأسد تحت ذريعة “مكافحة الإرهاب”. توضح آنا قائلة: “اعتدت على أن يُطلق عليّ لقب ‘إرهابية’ أو ‘جاسوسة’ خلال المسيرة – يمكنك العثور على تلك الادعاءات على الإنترنت. وفقاً للشائعات، كنت جاسوسة بريطانية، جاسوسة إيرانية، داعش، مؤيدة للأسد – يمكنك تسميتها. في البداية، كانت تهمني هذه الاتهامات وكنت قلقة بشأنها. ولكن مع مرور الوقت، أدركت أنه لا يهم ما قلته أو كيف حاولت أن أشرح نفسي. هذه الألقاب مخصصة فقط لتقويض قوتنا. لذا تعلمت أن أستمر وأبقى وفيًا لما أؤمن به.”
صراع خلال المسيرة
كسوريين، نميل دائماً إلى الشك في “كل شيء” و”الجميع”. لذلك، كان علينا أن نسأل آنا إذا لاحظت أي شيء “غريب” أو “مريب” خلال المسيرة أو عملية التنظيم التي سبقتها. “كانت هناك حوادث كثيرة مشكوكاً فيها”، أجابت. “انضم بعض الأشخاص إلينا من العدم وأثاروا صراعات خطيرة. اتصل آخرون بشركائنا أو المشاركين المحتملين لثنيهم عن الانضمام. كانت هناك حتى حملات أخبار كاذبة تستهدفني والمسيرة”.
“واجهنا أيضاً استفزازات عدة. على سبيل المثال، انضم إلينا شخص يحمل علم السلام، فقط ليخرج فجأة علم النظام بينما كانت العشرات من وسائل الإعلام تلتقط الصور. أدت هذه الصراعات والاستفزازات إلى تأجيج المزيد من سوء الفهم والنزاعات. نتيجة لذلك، غادر الكثير من الأشخاص المسيرة. كانت هناك أوقات كنت مقتنعة فيها بأننا لن نصل إلى النهاية. تساءلت كثيراً ما إذا كان بعض هذه الحوادث استفزازات متعمّدة. من يدري، ربما تظهر المزيد من وثائق المخابرات يوماً ما، وسنتعلم الحقيقة”.
نجاح كان مقدراً له الفشل!
أحياناً، واجهت مسيرات وأحداث مماثلة ضد النظام في أوروبا ردود فعل عنيفة من مؤيدي النظام. كانت هناك أوقات حدثت فيها اشتباكات بين “القراصنة الاثنين” – مؤيدي النظام والمتظاهرين ضده. سألنا عما إذا كانت هناك أي تهديدات أمنية أو شكوك في التخريب أو العنف خلال المسيرة، فأجابت: “يبدو أن هذه المسيرة كانت مقدرة للفشل منذ البداية. كل يوم، انضم إلينا أشخاص عشوائيون، يمضون أياماً أو حتى أسابيع معاً في مساحة محدودة. من بينهم لم يكن هناك فقط ناشطون ومسالمون ومدافعون عن حقوق الإنسان، بل أيضاً أفراد مطلوبون للشرطة ضمن الاتحاد الأوروبي، ومدمنو مخدرات، وشباب هاربون من منازلهم. كانت هناك صراعات كثيرة، ولكن بطريقة ما، سادت الفضول والسلام بما يكفي للحفاظ على تماسك المجموعة حتى النهاية”.
“خلال الرحلة، تواصلت أطراف مختلفة مشاركة في الحرب السورية، عارضة “حمايتها” — وشملت هذه الأطراف النظام السوري، والروس، والأتراك، والإخوان المسلمين، والجيش السوري الحر. كنت دائماً أرفض بأدب”.
شاركت آنا أيضاً حكاية عن مجموعة “قوية” من الأشخاص في برلين الذين ركزوا على الشؤون السورية، وكانوا مشاركين فيها بشكل كبير. هذه المجموعة – التي قادها بشكل طريف أشخاص غير سوريين – لم تكن تؤمن بنوايا آنا الحسنة. “اتهموني بالتعاون مع النظام. قالوا إنني لم أكن صريحة بما فيه الكفاية ضد الأسد وانتقدوا قراري بعدم السماح لهم بحمل أعلام الجيش السوري الحر. كان هذا هو الشرط الوحيد الذي اتفق عليه الفريق الأساسي [للمسيرة] بكامله: جميع الرموز والأعلام السياسية كانت ممنوعة خلال أشهر المشي معاً؛ إننا نسير ضد الحرب ودعماً لجميع المواطنين في سوريا”.
أوضحت آنا أكثر: “نظمت المجموعة نفسها حملة مقاطعة أثرت بشكل خطير وسلبي على المسيرة: كان الناس يغادرون وكانت هناك ثقة أقل في المسيرة بشكل عام. كما اتصلوا بأشخاص في دول مختلفة. كان من السهل استهدافي – كغير سورية – بتسمية المسيرة بأنها استعمارية واتهامي بعدم الاستماع إلى أصوات أولئك الذين كنا من المفترض أن ندعمهم. لكن هذا لم يكن صحيحاً. طوال المسيرة، انضم إلينا الكثير من السوريين – يسيرون إلى جانبنا، يدعموننا من بعيد، وحتى ينظمون عروضاً سينمائية أو اجتماعات تعليمية. كانت المسيرة نفسها بوضوح ضد الحرب وضد الأسد. بعض الأشخاص من تلك المجموعة، الذين انتقدوني في البداية، اتصلوا لاحقاً للاعتذار عن الضرر الذي تسببوا به لنا. ولكن صراحة، لا ألومهم. أنا محظوظة ومحظوظة بما يكفي لعدم تحمّلي الخبرات التي كان عليهم المرور بها”.
حول هذا الموضوع، أضافت آنا أيضاً: “أعتقد أنهم لم يكونوا يملكون مساحة داخل أنفسهم ليصدقوني أو يتفقوا معي. الشيء الجيد في المجتمع المدني هو أن هناك مساحة للجميع. بإمكان البعض إطلاق حملات عدوانية، وتنظيم احتجاجات عند السفارات، وبإمكان البعض الآخر القتال عبر الإنترنت، ويمكن للبعض المشي من أجل السلام. سيكون رائعاً لو كان هناك احترام أكبر لطرق كل منا في القيام بالأمور. في نهاية اليوم، أعلم أننا جميعاً أردنا الشيء نفسه: سقوط النظام وتحقيق السلام والحرية في سوريا. تبادلت العناق مع بعضهم في 8 كانون الأول/ ديسمبر، خلال الاحتفالات في برلين”.
مرحبا بكم في سوريا!
سألنا آنا بشكل ساخر إذا حاولت السفارة السورية التدخل في المسيرة أو تسببت في أي عقبات إضافية. كانت إجابتها ساخرة بعض الشيء: “تلقينا عروضاً من النظام السوري لدخول سوريا والسير بسلام إلى حلب تحت حمايتهم! قد أكون شقراء وربما أبدو ساذجة، ولكني شعرت بالإهانة حقاً من أنهم ظنوا أنني سأقع في مثل هذا الفخ. أي شكل من أشكال التعاون مع النظام كان سيخالف كل ما عملت من أجله باسم سوريا وشعبها لسنوات”.
“على الرغم من أن بعض المشاركين في المسيرة كانوا مصممين على الوصول إلى حلب، لكن قبول تأشيرة من النظام في ذلك الوقت كان سيعتبر خيانة لمبادئي. في النهاية، أكملنا المسيرة بعد ثمانية أشهر ونصف الشهر، انتهاءً عند الحدود اللبنانية – السورية بجانب مئات اللاجئين السوريين من حلب- الأشخاص الذين بدأت هذه المسيرة من أجلهم”.
درج
——————————–
مؤتمر الحوار الوطني السوري.. بين التطلعات الوطنية والتحديات المستقبلية
نشر في 1 آذار/مارس ,2025
بعد سقوط نظام الأسد، يوم 8 كانون الأول/ ديسمبر 2024، كان أول كلام لرئيس غرفة العلميات آنذاك السيد أحمد الشرع عن “مؤتمر وطني”، في مقابلة لقناة بي بي سي، في 19 كانون الأول/ ديسمبر 2024، حيث قال: إن “المؤتمر الوطني” هو المرحلة الثانية بعد استلام الحكومة، وفصّل في أنّه سيكون جامعًا لكل السوريين، وسيصوّت المجتمعون فيه على بعض المسائل المهمّة، مثل إلغاء الدستور وحلّ البرلمان وتشكيل مجلس استشاري ليملأ الفراغ الدستوري والبرلماني خلال الفترة الانتقالية، وذلك حتى تجهز البنية التحية لإجراء انتخابات، وهي المرحلة الثالثة، لكن جرى تغيير اسم المؤتمر في مقابلة أخرى مع قناة (العربية)، في 29 كانون الأول/ ديسمبر 2024، إلى “مؤتمر الحوار الوطني”، وأعلن أنه سيتم خلال المؤتمر الإعلان عن حلّ هيئة تحرير الشام، وحلّ الفصائل العسكرية، وحصر السلاح بيد الدولة.
وأعلن وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، في 8 كانون الثاني/ يناير 2025، عزم الحكومة السورية تأجيل عقد المؤتمر، حتى تشكيل لجنة تحضيرية موسعة من الأعضاء تمثّل المحافظات السورية وشرائح المجتمع السوري، وفي 29 كانون الثاني/ يناير 2025، اجتمع قادة عدد من فصائل المعارضة السورية، وخاصة الفصائل المشاركة في غرفتي العمليات، وأعلنوا بيان النصر، الذي نصّ على تولي أحمد الشرع رئاسة سورية في المرحلة الانتقالية، وقيامه بمهام رئاسة الجمهورية، وحل الفصائل وحصر السلاح بيد الدولة.
وفي 12 شباط/ فبراير 2025، أصدر الرئيس أحمد الشرع، قرارًا يقضي بتشكيل لجنة تحضيرية لمؤتمر الحوار الوطني، ونصّ على تكليف 7 أشخاص بعضوية اللجنة، وهم: (حسن الدغيم، ماهر علوش، محمد مستت، مصطفى الموسى، يوسف الهجر، هند قبوات، هدى أتاسي). وقد وُجهت انتقادات كثيرة إلى تشكيل اللجنة، لجهة ضعف تمثيلها إذ غلب عليها اللون الواحد.
الجلسات التحضيرية
بعد خمسة أيام من تشكيلها، باشرت اللجنة عقد جلساتها، وفقًا للجدول الزمني التالي:
التاريخ المحافظة ملاحظات
17 شباط/ فبراير طرطوس، اللاذقية، حمص اللاذقية وطرطوس: تركزت الجلسات بهما حول البناء الدستوري والعدالة الانتقالية، وحضرها نحو 400 شخص. حمص: كانت الدعوات خاصة، واستمرت الجلسة 4 ساعات، ولم يكن هناك إعلان مسبق عن انعقادها، وتخلف عن حضور الجلسة هند قبوات، وحضرها نحو 250 شخصًا، وأضيفت بعض البنود للنقاش في أثناء عقد الجلسة وليس قبلها، ما يدلّ على ضعف التحضير.
18 شباط/ فبراير حماة، ادلب حماة: جرى النقاش بها حول السلم الأهلي وإصلاح وبناء مؤسسات الدولة وحفظ الحريات والحقوق العامة، والحالة الاقتصادية ودور منظمات المجتمع المدني. إدلب: حضرها عدد من الأطباء والمهندسين، وممثلين عن مختلف مكونات محافظة إدلب، وغاب عنها من اللجنة حسن الدغيم.
19 شباط/ فبراير درعا، السويداء السويداء: عقدت في صالة مجلس مدينة السويداء، وشارك فيها فعاليات مجتمعية ودينية، وعدد من الوجهاء والحقوقيين والناشطين. درعا: في المركز الثقافي في مدينة درعا، ضمت عددًا من أعيان ووجهاء المحافظة وإعلاميين وخبراء.
20 شباط/ فبراير دمشق، ريف دمشق، الحسكة، الرقة دمشق: عقدت في فندق الشام، والدعوات كانت مميزة عن غيرها من دعوات المحافظة الأخرى، حيث وصف المدعوون بنخبة المجتمع الدمشقي، وليس بأبناء دمشق. وشهدت غياب ممثلين عن الأحزاب السياسية وشخصيات معارضة ورجال دين دمشقيين. ريف دمشق: عقدت في العاصمة، ولم تعقد في مناطق ريف دمشق. الرقة: عقدت في دمشق، وغاب عنها من اللجنة كل من هند قبوات وهدى الأتاسي، وغلب عليها ممثلين للعشائر. الحسكة: عقدت في دمشق، وغاب ممثلو بعض الأحزاب الكردية عنها، وغاب عنها من اللجنة كلٌّ من هند قبوات وهدى الأتاسي.
21 شباط/ فبراير دير الزور حضرها نحو 300 من أبناء المحافظة، وغلب عليهم ممثلو العشائر.
22 شباط/ فبراير حلب، القنيطرة حلب: كان هناك بعض المشاحنات، حيث شملت الجلسة مدينة وريفها معًا، وتبادل بعض الحاضرين اتهامات بسبب وجود أشخاص كانوا محسوبين على النظام السابق، وحضر الجلسة من اللجنة التحضيرية ماهر علوش، مصطفى الموسى، يوسف الهجر، ومحمد مستت. القنيطرة: عقدت في المركز الثقافي في مدينة السلام.
أكّدت اللجنة في نهاية الجلسات أن التحضيرات شملت مشاورات مع نحو 4 آلاف شخص، لكن الملاحظة العامة أن عملية التحضير والجلسات اتسمت بالاستعجال، ولم يُتح للمشاركين الوقت الكافي للتعبير عن رؤاهم ومطالبهم دون تقييد، وبعد ذلك، أُعلن موعد عقد المؤتمر فجأة.
انعقاد المؤتمر وأبرز مجرياته:
عُقد المؤتمر بدمشق، يوم 25 شباط/ فبراير 2025، بحضور نحو 565 مدعوًا، وبلغت نسبة الحضور 97% من المدعوين كما أعلنت اللجنة، وقد سبق ذلك لقاء تعارف بين الأعضاء، مساء يوم الاثنين 24 كانون الثاني/ يناير 2025، دون عقد أي جلسات، وشهد اليوم الثاني انطلاق الجلسات الرسميّة في قصر الشعب، وافتُتح المؤتمر بجلسة رسمية شارك فيها الرئيس أحمد الشرع، حيث وجّه رسالة واضحة إلى جميع الفصائل المسلحة بضرورة الانضواء ضمن جيش وطني موحّد، كما أكد على وحدة سورية أرضًا وشعبًا، مشددًا بقوله: “سورية لا تقبل القسمة… قوتها في وحدتها…وحدة السلاح واحتكاره بيد الدولة ليس رفاهية، بل هو واجب وفرض… إن نظام الحكم لأي بلد يتّفق اتفاقًا وثيقًا مع المرحلة التاريخية السابقة لإقراره والثقافة العميقة والأصيلة لأهل البلد، فلا ينبغي استيراد أنظمة لا تتلاءم وحال البلد… يجب الابتعاد عن تحويل المجتمعات إلى حقوق تجارب لتنفيذ أحلام سياسية لا تناسب … سنعمل على تشكيل هيئة للعدالة الانتقالية … فكما قبلتم منا هذا النصر فأرجو متكرمين أن تقبلوا منا طرائقه”.
كان هدف المؤتمر جمع مختلف المكونات السورية، لصياغة رؤية مشتركة لمستقبل البلاد، ووضع أسس لمرحلة انتقالية وخارطة طريق للمستقبل، وأن يكون خطوة أولى نحو تفعيل حوار سوري-سوري شامل، ومنبرًا لتعزيز التفاهم والثقة بين الأطراف المختلفة.
توزّع الحضور على 6 ورش عمل، عُقدت في قاعات قصر الشعب، وفقًا لاختصاصاتهم أو اختياراتهم، وشملت المحاور الآتية: منظمات المجتمع المدني، العدالة الانتقالية، إصلاح وبناء المؤسسات، الحريات الشخصية والحياة السياسية والحريات العامة، مبادئ الاقتصاد، والبناء الدستوري، وفي نهاية اليوم، عُقدت الجلسة الختامية لقراءة البيان الختامي.
وضمّ المؤتمر شخصيات متنوعة من المعارضة، وممثلين عن المجتمع المدني، ووجهاء محليين، إضافة إلى شخصيات كانت محسوبة على المعارضة المسلحة وانخرطت مؤخرًا في العملية السياسية. في المقابل، غابت بعض الشخصيات والجهات، إما بسبب تأخر إرسال الدعوات أو رفض بعضهم للمشاركة، وتميز المؤتمر بطابعه السوري الخالص، إذ لم يشارك فيه ممثلون رسميون عن دول أجنبية أو منظمات دولية بصفة متحدثين أو مشاركين.
البيان الختامي:
تضمّن البيان الختامي للمؤتمر عدة نقاط محورية، حيث أكّد على وحدة سورية ورفض أي سيناريوهات للتقسيم أو إنشاء كيانات منفصلة، كما أدان الانتهاكات الإسرائيلية للأراضي السورية، وشدد على ضرورة معالجة الفراغ الدستوري، والبدء بعملية دستورية من خلال التأكيد على الإسراع بإصدار إعلان دستوري مؤقت لتنظيم شؤون الحكم خلال المرحلة الانتقالية، إضافة إلى إنشاء مجلس تشريعي مؤقت ولجنة دستورية لصياغة الدستور، بما يضمن استمرارية عمل المؤسسات وضبط عملية الانتقال السياسي.
وركّز البيان على العدالة الانتقالية، وهي تشمل محاسبة المجرمين، وإصلاح القضاء، وتنمية الحياة السياسية، وإطلاق حرية تشكيل الأحزاب السياسية، وإعادة تفعيل مؤسسات المجتمع المدني، بهدف بناء نظام قانوني أكثر شفافية وعدالة، وفي المجال الاقتصادي، دعا المؤتمر إلى اعتماد سياسات تعزز النمو، وتشجع الاستثمار، وتحمي المستثمرين، كما طالب برفع العقوبات المفروضة على سورية والتي تعوق جهود إعادة الإعمار، وذلك بهدف تحسين الظروف المعيشية وتهيئة بيئة اقتصادية أكثر استقرارًا.
وشدد البيان الختامي أيضًا على ضمان الحقوق والحريات العامة، واحترام حقوق الإنسان، مع تأكيد أهمية تعزيز دور المرأة في مختلف المجالات وتحقيق المساواة، إلى جانب حماية حقوق الطفل وتهيئة بيئة آمنة له، مما يعكس التزامًا بترسيخ قيم العدالة والمساواة في المجتمع السوري الجديد، مع إصدار قوانين العزل السياسي وفقًا لأسس ومعايير عادلة.
تعكس هذه البنود نوعًا من تعهّد السلطة ببناء سورية جديدة، قائمة على أسس تحترم كرامة الفرد، والقطع مع النهج السلطوي الذي حكم البلاد لعقود، فالبيان الختامي قدّم خطوطًا عامة لرؤية شاملة لمستقبل سورية، تركّز على وحدة البلاد، وحكم القانون، والمساءلة، والتنمية.
تقييم نتائج المؤتمر:
تمثل النتائج التي توصل إليها المؤتمر تقدمًا مهمًا في مسار الأزمة السورية، حيث إنها المرة الأولى التي يتم فيها التوافق على خطوات انتقال سياسي بهذا المستوى من التفصيل من قبل طيف واسع من السوريين أنفسهم، دون وصاية خارجية مباشرة، مما قد يجعل هذا المؤتمر نقطة تحوّل مهمة في مسار العملية السياسية، فهذه هي المرة الأولى التي يجتمع فيها هذا العدد الكبير من ممثلي الشعب السوري من مختلف المناطق في قصر الشعب، ويتجولون ويتحدثون به بحرية كاملة، وكان لديهم هامش واسع للنقاش وطرح مختلف القضايا دون خوف، مما يعزز الشعور بوجود إرادة سورية لإعادة بناء الدولة، ومع ذلك، فإن نجاح هذا المسار يعتمد على قدرة السوريين، سلطةً وشعبًا، على تنفيذ الرؤى المتفق عليها، ومعالجة ما تبقى من نقاط الخلاف بالحوار والتفاهم.
ومن خلال مشاركة مئات الشخصيات، من مختلف الاتجاهات السياسية والاجتماعية، حصلت القيادة الجديدة، برئاسة أحمد الشرع، على تفويض معنوي واسع للمضيّ قدمًا في تنفيذ خارطة الطريق المعلنة، مما يمنحها دعمًا إضافيًا في مواجهة التحديات التي تنتظرها، وأكد المؤتمر مبدأ توحيد الفصائل المسلحة ضمن جيش وطني واحد، وخضوع السلاح لسلطة الدولة حصريًا، وإذا ما تحقق ذلك عمليًا، فإنه سيؤدي إلى نهاية حقبة تعدد الجيوش على الأرض السورية، مما يعزز احتكار العنف الشرعي بيد الدولة الانتقالية، ويضعف نفوذ أمراء الحرب الذين لعبوا دورًا رئيسيًا في إطالة أمد النزاع.
ويعدّ المؤتمر خطوة في العملية السياسية التي ظلّت متعثرة لسنوات، فبدلًا من حوارات غير مباشرة برعاية أممية بين النظام والمعارضة، كما كان الحال في مفاوضات جنيف، جاء هذا المؤتمر ليشكل حوارًا سوريًا-سوريًا مباشرًا، بعد تغيّر موازين القوى على الأرض.
ومع ذلك، لا تزال هناك ملفّات عالقة قد تؤثر في الاستقرار السياسي مستقبلًا، وعلى رأسها مصير قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، حيث أكد المؤتمر على وحدة الأراضي السورية، لكنه لم يشر إلى مسار واضح بشأن مستقبل هذه القوات ودورها في المشهد السياسي والعسكري القادم، وهو ما قد يكون محل خلاف في المستقبل.
وحظي المؤتمر بتغطية إعلامية واسعة، سواء على المستويات المحلية أو الإقليمية أو الدولية، حيث تفاوتت التغطيات الإعلامية، بين الترحيب بإطلاق عملية سياسية جديدة والتركيز على النتائج الإيجابية، وبين توجيه انتقادات تتعلق بقصور التمثيل، وبعض الجوانب التنظيمية للمؤتمر، وتوالت ردّات الفعل العربية والدولية، حيث جاء معظمها داعمًا للمؤتمر، مع تحفظات من بعض الأطراف التي رأت فيه إعادة تشكيل لموازين القوى في سورية بعيدًا عن تأثيرها المباشر.
وبالمقارنة مع التجارب المشابهة في الدول العربية، فقد شهدت اليمن مؤتمر الحوار الوطني اليمني (2013-2014) الذي جمع أطياف الصراع بعد الإطاحة بالرئيس علي عبد الله صالح، وخرج بمخرجات مهمة، منها مسودة دستور ورؤية لدولة اتحادية، لكنه تعثر لاحقًا مع انهيار التوافق واندلاع حرب جديدة، ومع أن الأهداف العامة لمؤتمر دمشق تتشابه مع التجربة اليمنية، فإن الفارق الجوهري يكمن في أن الحرب في سورية سبقت الحوار، وتم الحسم عسكريًا قبل إطلاقه، أما في اليمن فكان الحوار سابقًا للحرب الحالية ولم يمنعها.
وكذلك شهدت ليبيا عدة محاولات للحوار الوطني، أبرزها اتفاق الصخيرات (2015) وملتقى الحوار السياسي الليبي (2020)، برعاية الأمم المتحدة، بهدف توحيد المؤسسات وإنهاء الانقسام، ورغم نجاح هذه المبادرات في تشكيل حكومات مؤقتة، فإن غياب التوافق الكامل حول الشرعية والقوانين الانتخابية أدى إلى استمرار الأزمة ووجود حكومتين متنافستين، وأثبتت التجربة أن الحوار ضروري لكنّه غير كافٍ، إذ يتطلب التزامًا محليًا ودوليًا حقيقيًا لتنفيذ الاتفاقات ومنع عودة النزاع المسلح.
بينما مثّل الحوار الوطني التونسي عام 2013 نموذجًا ناجحًا لحلّ الأزمات، حيث قاده الرباعي (الاتحاد العام التونسي للشغل، اتحاد الصناعة والتجارة، هيئة المحامين، والرابطة التونسية لحقوق الإنسان) الحوار لإنهاء التوتر السياسي عقب اغتيالات سياسية، وأسفر عن استقالة حكومة الترويكا، وتشكيل حكومة تكنوقراط، وإقرار دستور 2014، مما منح تونس استقرارًا مؤقتًا، لكن تونس واجهت لاحقًا أزمات سياسية واقتصادية أضعفت المسار الديمقراطي.
إذًا، يعتمد نجاح أي حوار وطني على التزام القوى الفاعلة بتنفيذ ما تتفق عليه وعدم الانقلاب عليه، كما أن نجاح مخرجات مؤتمر 2025 يتوقف على استمرار وحدة صف القوى التي أنجزته، وعدم انزلاقها إلى خلافات داخلية أو صدامات مع المكونات غير الممثلة حاليًا.
ملاحظات إضافية حول المؤتمر:
على الرغم من الترحيب بالمؤتمر ونتائجه، فإنه واجه مجموعة من الانتقادات التي طالت جوانب مختلفة من تنظيمه ومخرجاته.
ثمة رأي مفاده أن جعل الحوار ممتدًا لشهر على الأقل وتنظيمه بطرق أفضل وبلجنة أوسع تمثيلًا، كان سيرتد إيجابًا أكثر بكثير على السلطة الجديدة في دمشق، ولكن يبدو أن الاستعجال في عقد مؤتمر الحوار سببه الحاجة لإظهار أن قرارات إصدار الإعلان الدستوري والمجلس التشريعي واللجنة الدستورية قد صدرت عن مؤتمر حوار وطني، بما يستكمل البناء المؤسسي للمرحلة الانتقالية، ولكن كان من اللافت غياب أي ذكر لتشكيل حكومة جديدة.
غير أن قصر فترة التحضير للمؤتمر لم يتح لجلسات الحوار في المحافظات الوقت الكافي لمناقشة محاور المؤتمر المختلفة، مما أدى إلى عدم التعمق في القضايا الجوهرية، ولم يكن ثمة محاور رئيسية لمناقشتها في جميع المؤتمرات، فمؤتمرات الحوار لا تناقش عادة القضايا الصغيرة والهموم اليومية، بل تناقش القضايا الكبرى التي تشكل الهيكل العظمي للبناء السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وأسس ومبادئ العقد الاجتماعي الجديد.
وشكل غياب منصة رسمية للتواصل، تكون مرجعًا موثوقًا للمعلومات حول جلساته ومخرجاته، نقصًا في المعلومات أفسح مجالًا لكثير من التكهنات، وبالرغم من أن بيان المؤتمر قد نصّ على أنه عهد وميثاق، فإنه لم يتضمن آلية تنفيذية متابعة تنفيذ مخرجاته.
ولم تكن ثمة معايير واضحة لاختيار المشاركين في الجلسات، إذ اعتمدت اللجنة المنظمة على مندوبين معتمدين في كل مدينة لترشيح الحضور، ما جعل العلاقات الشخصية تلعب دورًا رئيسيًا في الترشيحات، وأدى ذلك إلى تغييب العديد من الشخصيات ذات الثقل السياسي والثقافي والاقتصادي، وهو ما اعتُبر خذلانًا للجهود الرامية إلى صياغة مستقبل الدولة السورية بطريقة شاملة وتمثيلية. وأثار توجيه الدعوات إلى شخصيات محسوبة على النظام السابق انتقادات واسعة، حيث رأى البعض أن ذلك قد يؤثر في مصداقية المؤتمر، ويعوق تحقيق التغيير المطلوب، فقد شكّلت مسألة التمثيل المتوازن كثيرًا من المناقشات، حيث أُشير إلى تهميش بعض المكونات السورية، إذ لم يكن هناك حضور من بعض المناطق، ما أثار شعورًا بالإقصاء لدى بعض الفئات. وكان هناك انتقاد لاستبعاد قوات سوريا الديمقراطية (قسد) من الدعوة للمؤتمر، مع أن اللجنة المنظمة بررت ذلك بأنها رفضت دعوة أي طرف يحمل السلاح، إلا أن بعض الأصوات فسّرت ذلك بأنه إقصاء للمكون الكردي، رغم مشاركة شخصيات كردية أخرى في المؤتمر، وكان هناك ضعف في تمثيل بعض المكونات الأخرى، إذ أعرب المكوّن التركماني عن اعتراضه على ضعف التمثيل، فيما أصدر المجلس الآشوري السوري بيانًا انتقد فيه عدم إشراك ممثلين فعليين عنهم، وظهرت أصوات مشابهة من بعض العلويين والجاليات في الخارج، الذين رأوا أن المؤتمر لم يمنحهم فرصة عادلة للمشاركة.
وعلى الرغم من أن بعض الانتقادات أبرزت أن طابع المؤتمر كان محافظًا أكثر من اللازم، وقد غلب عليه التيار الإسلامي والعشائري التقليدي، غير أن ذلك لم يبرز في البيان، بل سعى البيان لاستعمال صيغ وعبارات المجتمعات الحديثة والدولة العصرية، وإن تجنب بعضها مثل تجنّب مصطلح الديمقراطية.
في ما يخص الشق الاقتصادي، ركّز المؤتمر على القضايا السياسية والدستورية، لكنه لم يتناول مسألة رئيسة مثل إعادة الإعمار، وكيفية توفير التمويل اللازم لذلك، خاصة في ظل استمرار العقوبات الغربية المفروضة على سورية، مما يترك تساؤلات حول إمكانية تحقيق الاستقرار الاقتصادي مستقبلًا.
خاتمة:
على الرغم من الملاحظات، فقد شكّل المؤتمر بدايةً لتأسيس آلية تشاورية ديمقراطية، رغم عدم نص البيان عليها، ومن الضروري أن تستمر وتنمو وتتمأسس، فقد أحدث المؤتمر تحوّلًا جوهريًا في المشهد السياسي السوري، وشكل بداية لإعادة صياغة التحالفات والقوى الفاعلة ضمن إطار الدولة، بدلًا من التشرذم السابق. ومع الترحيب الواسع، محليًا ودوليًا، تبقى العبرة في قدرة السوريين على استدامة زخم هذا التحوّل ومعالجة القضايا العالقة بالحوار، حتى لا تتحول الآمال الكبيرة إلى خيبة أمل، كما حدث في تجارب دول أخرى بعد النزاعات.
جاء البيان الختامي مرضيًا في معظمه لمعظم الأطراف السورية، ويترقّب السوريون الآن محتوى الإعلان الدستوري المؤقت، وآلية اختيار المجلس التشريعي وطبيعة أعضائه ومدى تمثيله، وتشكيل الحكومة المقبلة ومدى تمثيلها وكفاءتها، ومدى الالتزام بروح بيان المؤتمر، كما ينتظر السوريون -سلطة وشعبًا- أن تُرفع العقوبات بشكل كامل ونهائي، ومن نافل القول أن على جميع السوريين الوطنيين العمل بمنتهى الفعالية، لإنجاح المرحلة الانتقالية، والوصول إلى سورية المستقبل التي يتطلّع إليها السوريون والتي قدّموا التضحيات الجسيمة من أجل الوصول إليها.
مركز حرمون
—————————–
بيان التحالف السوري الديمقراطي حول مؤتمر الحوار الوطني السوري ومخرجاته
تابع التحالف السوري الديمقراطي أعمال مؤتمر الحوار الوطني السوري ومخرجاته، مدركًا أهمية أي جهد يُبذل في سبيل بناء مسار سياسي جديد لسوريا، ورغم الإيجابيات الكثيرة والكبيرة التي مثلها اجتماع سوريين وسوريات من مختلف المناطق السورية ومن الداخل والخارج، وتداولهم مواضيع وطنية كبرى تؤسس لسوريا الجديدة، ورغم اللفتات الرمزية الكبرى من مثل عقد المؤتمر في قصر الشعب الذي كان ممنوعًا على الشعب السوري دخوله في فترة حكم النظام البائد، إلا أنّ التحالف يرى أن المقاربة التي تبناها المؤتمر، منذ تشكيل لجنته التحضيرية وأثناء قيامها بمهامها وخلال خطابه الافتتاحي وحتى بيانه الختامي، تعكس إشكاليات جوهرية تُهدد بإعادة إنتاج أنماط الحكم السابقة، إن لم يتم تفاديها وإعادة النظر بها ومعالجة آثارها.
يُقدّر التحالف الجهود التي بذلتها اللجنة التحضيرية في تنظيم مؤتمر الحوار الوطني السوري، خاصة في ظل الضغوطات الداخلية والخارجية التي دفعت نحو تسريع انعقاده، ورغم التحديات التي واجهتها في محاولة التوفيق بين مختلف الأطراف، لكن من الضروري الإشارة إلى أن طبيعة عمل اللجنة، التي افتقرت إلى آليات شفافة لاختيار المشاركين وضمان التمثيل العادل، أثرت بشكل مباشر على مخرجات المؤتمر. كان من الممكن تحقيق مستوى أعلى من الشمولية والاستقلالية لو تم منح اللجنة مزيدًا من الوقت والمرونة بعيدًا عن الحسابات الضيقة ومقتضيات التوازنات المرحلية، لضمان انطلاق المؤتمر على أسس أكثر صلابة تعكس تطلعات السوريين في بناء مستقبل ديمقراطي حقيقي.
لقد كانت أعناق السوريين والسوريات مشرئبّةً نحو مؤتمر تأسيسي ثانٍ للدولة السورية، يخوضون فيه نقاشات معمّقة ومركّزة ومسؤولة لإنتاج عقدٍ اجتماعي جديد وعهد وطني جامع، لكنّ الواقع دلّ على نهجٍ بعيدٍ عن هذه التطلعات. يرى التحالف أنّ استبعاد الإشارة إلى السوريين باعتبار انتماءاتهم السياسية، والاكتفاء باختيارهم أفرادًا على أساس صفاتٍ لم يتسنَّ للجميع معرفة المعايير التي تمّ اعتمادها لتصنيفهم بشفافية، أمرًا غير مبشّر بالخير ولا يدل على إدراكٍ ووعيٍ كبيرين لتاريخية هذه اللحظة في عمر سوريا.
في الخطاب الافتتاحي، أشار الرئيس أحمد الشرع إلى ضرورة “قبول طرائق النصر” بغض النظر عن مساراتها، وهو تصريح يستحضر بشكل غير مباشر مقولة “من يحرر يقرر”، التي توظف لتبرير الهيمنة السياسية والعسكرية على العملية السياسية. إن هذا المنطق يُخاطر بإعادة إنتاج الاستئثار بالسلطة تحت مبررات جديدة، بدلًا من التأسيس لشرعية ديمقراطية قائمة على الإرادة الشعبية الحقيقية. مع ذلك، يرى التحالف بحسن نيّةٍ أنّ تصريحات الرئيس السابقة تشير إلى الاعتراف بتضحيات السوريين والسوريات باعتبارها هي التي جلبت هذا النصر، ومن هذا المنطلق يطالب التحالف باحترام هذه التضحيات وتوسيع دائرة المشاركة الشعبية من خلال أخذ آراء الناس ومتطلباتهم بعين الاعتبار.
أما في البيان الختامي، فقد جاء على جملة مهمّة من القضايا الملحّة والأساسية في الحاضر السوري تتعلق بوحدة البلاد واستقلالها وإدانة الاحتلال الإسرائيلي وضرورة حصر السلاح بيد الدولة والإسراع بإصدار الإعلان الدستوري وتشكيل المجلس التشريعي المؤقت ولجنة إعداد مسودة الدستور، كما ركّز البيان على وجوب احترام قيم الحرية والعدالة وحقوق الإنسان وترسيخ مبدأ المواطنة، وشدد أيضًا على وجوب انتهاج مسار متكامل للعدالة الانتقالية وتحقيق السلم الأهلي والتنمية السياسية والاقتصادية وتعزيز دور المجتمع المدني وإصلاح قطاع التعليم وتعزيز ثقافة الحوار في المجتمع السوري، كما دعا المجتمع الدولي لرفع العقوبات عن سوريا. مع ذلك، فقد غابت عن البيان الختامي للمؤتمر إشارات أساسية لضمان التحول الديمقراطي الحقيقي، وأهمها:
• غياب أي التزام بفصل السلطات الفعلي: اكتفى البيان الختامي بالحديث عن “توازن السلطات”، وهو مصطلح فضفاض لا يضمن استقلال القضاء عن السلطة التنفيذية، ولا يمنع تغوّل طرف معين على القرار السياسي. إن أي تسوية سياسية لا تُكرّس فصلًا حقيقيًا وفعليًا بين السلطات الثلاث، لن تؤدي إلا إلى إعادة إنتاج أنماط الحكم التسلطي بواجهات جديدة.
• عدم الإشارة إلى ضرورة سن قانون أحزاب ديمقراطي: تجاهل البيان الختامي الحديث عن قانون أحزاب يضمن بيئة سياسية تعددية وحرة. وانطلاقًا من التزامنا بإرساء نظام ديمقراطي يعكس تطلعات الشعب السوري في الحرية والعدالة، نشدد على ضرورة إقرار قانون أحزاب عصري يكفل حرية التنظيم السياسي، ويضمن التعددية السياسية الحقيقية، بعيدًا عن أي قيود أمنية أو إدارية تعيق العمل السياسي المستقل، فبدون بيئة قانونية عادلة تضمن حرية تشكيل الأحزاب وتداول السلطة، لا يمكن الحديث عن تحول ديمقراطي حقيقي.
• غياب أي خطة زمنية أو آليات تنفيذية: لم يحدد البيان أي جدول زمني لتنفيذ المخرجات، ولم يتطرق إلى آليات رقابة واضحة تضمن التزام جميع الأطراف بها. هذا الغموض يهدد بتحويل المؤتمر إلى مجرد محطة مؤقتة لشرعنة تفاهمات ظرفية، بدل أن يكون خطوة فعلية نحو بناء دولة المؤسسات.
• التعامل بمنطق المواطنة، لا المحاصصة الدينية والعشائرية: لا يمكن بناء دولة ديمقراطية عبر مقاربة قائمة على استرضاء المكونات العرقية والطائفية، بدلًا من ترسيخ مفهوم المواطنة المتساوية كأساس للحقوق والواجبات. إن تعزيز سلطة العشائر أو الفصائل الدينية لا يختلف جوهريًا عن المنظومات الاستبدادية التي تقوم على توزيع الولاءات بدلًا من إرساء حكم القانون.
• عدم التطرّق إلى دور النساء بشكل واضح باعتبارهنّ جزءًا أساسيًا من المجتمع السوري والاكتفاء بالإشارة إليهن عرضًا. إنّ المواطنة المتساوية تقتضي النصّ بشكل واضح لا لبس فيه على دور المرأة السورية وعلى حقها في تبوّء المناصب حتى أعلاها وتحمّل المسؤوليات والمهام على قدم المساواة مع الرجل.
• لم يأت البيان الختامي للمؤتمر على ذكر الديمقراطية التي بدونها لا يمكن قيام حكم رشيد ولا عدالة اجتماعية ولا تداول سلمي للسلطة، وإننا في التحالف نرى أنّ هذه النقيصة تشوب البيان وتجعل المستقبل السوري غير واضح المعالم من وجهة نظر السلطات الحاكمة على الأقل.
• إنّ العدالة الانتقالية التي نصبوا إليها في التحالف يجب أن تطال جميع مرتكبي الانتهاكات بما فيهم أولئك الذين ارتكبوا جرائم بعد التحرير ومن جميع الأطراف.
يرى التحالف السوري الديمقراطي أن مؤتمر الحوار الوطني السوري يجب أن يكون بداية لمسار سياسي حقيقي وليس محطة نهائية تُفرض مخرجاتها كأمر واقع. إن بناء مستقبل سوريا لا يمكن أن يستند إلى موازين القوى العسكرية أو التفاهمات المرحلية، بل إلى عملية سياسية تستند إلى المواطنة المتساوية، والفصل الحقيقي بين السلطات، وضمان التعددية السياسية والتداول السلمي للسلطة. بدون هذه المبادئ، سيظل أي حديث عن الحل السياسي إعادة إنتاج للأزمات نفسها، ولو بصيغ جديدة.
التحالف السوري الديمقراطي
——————-
ملاحظات/ مياده عمران
معلومات شخصية انشرها لأول مرة عن حياتي الخاصة ، بعد أن ترددت كثيراً بهذا النشر ، وخاصة قبل انتصار الثورة السوريةالعظيمة وسقوط عائلة المخابرات الأسدية القذرة …
وكلنا يعلم مصير أية عائلة تعمل ضد هذه العصابة وخصوصاً إذا كانت من الساحل ….
ولدت لعائلة أصولها علوية (جفتلك) من بانياس الساحل الجميلة الهادئة …
ومن لايعرف شاطئ بانياس الرملي الرائع ولسانه البحري ينقصه الكثير من هواء البحر المنعش للقلوب المجروحة …
وبكل ثقة وبعد تفكير معمق تركت مذهب العائلة العلوي وتسننت خلال دراستي الجامعية ، وبعدها تزوجت من طبيب ينتمي الى المذهب السني وعشنا سعداء مع ثلاثة من الأبناء الذين أعتز بهم وبوالدهم …
وبعد انطلاق ثورة الحرية والكرامة التي وجدت صداها بمدينة بانياس التي عاشت مذبحة طائفية بشعة لاتشبهها سوى مجازر هولاكو التاريخية …
عندها هاجرنا إلى بلاد الله الواسعه وبدانا نعمل على دعم شباب الثورة وخاصة أن وضعنا المادي جيد والحمد لله ( وخاصة بمجال الأيتام ) وهذا ليس منةً بل واجب …
وبعام ٢٠٢٣ سمحت لنا الظروف أن نزور ثوارنا بإدلب ، حيث تكللت هذه الزيارة بلقاء مع(الجولاني )الذي كنا نخشى من وجودنا هناك بسبب التشويه لواقع الثورة بالإعلام العربي والغربي …حيث بدا لنا أن أن الجولاني يقود تجمع جيد من الشباب المنضبط الواعي …) وقد دار الحديث حول مستقبل الثورة ومآلات الإستحقاق في حال انتصرت الثورة وقد كان حديثه واجوبته تدل على وعي وعقل كبير وليس كما يصوره الغرب وبعض العرب …
وأكثر موقف كان يردده أنه لايريد مزيداً من الدماء والإبتعاد عن دماء الثأر التي يجب نزيلها من نفوس السوريين على الرغم من كل ما أصابهم من ويلات …
وكانت ثقته كبيرة بالنصر القريب في حينه …
وخرجنا من عنده وكلنا تفاؤل وأمل ومحبة لهذا الإنسان الذي شوهت الأقلام القذرة صورته …
والآن وبعد أن تحقق هذا الإنتصار العظيم ، لكن كان انتصار مؤلم بسبب الدمار الهائل الذي أصابته جحافل الروس وإيران وبراميل تلك العائلة القذرة .. بالإضافة إلى خزينة مسروقة ومنهوبة …
وأخطر ما أصاب سوريا هو تفكك النسيج الإجتماعي بسوريا …
طبعاً الحديث يطول ويطول ….
واختم كلامي لأخوتي وأخواتي بالداخل السوري تحديداً أن يكونوا يداً مساعدة لهذا الإنسان الذي له ولشباب الثورة الفضل الكبير بإسقاط اقذر عائلة طائفية مقيتة
حولت شوارع الوطن إلى شلالات من الدماء ودمرت النسيج الإجتماعي الطيب الذي نعتز به على مدار تاريخنا …
ونصيحة أخوية للأقلام التي تعيش خارج سوريا أن يبتعدوا ما أمكن عن التنظير البعيد عن الواقعة، ومن عنده كلمة طيبة بحق سوريتنا الجديدة فليقلها خدمة لوطن ممزق ومدمر…وعسى أن تكون هذه الأقلام التي تكتب من الخارج تفيد بإعادة اللحمة للسوريين الذين فرقتهم براميل عائلة الأسد المتوحشة…
اختكم مياده عمران
————————–
=================
عن نداء الله “الكردي” “عبدلله أوجلان” بإلقاء السلاح -مقالات وتحليلات–
تحديث 01 أذار 2025
—————————
عن رسالة عبد الله أوجلان وتأثيراتها على القضية الكوردية إقليمياً/ شفان إبراهيم
2025.03.01
أرسل عبد الله أوجلان زعيم العمال الكوردستاني من سجنه في جزيرة ايمرالي التركية، وعبر وفد حزب DEM بارتي، رسالة تدعو إلى وقف النزاع المسلح بينهم وبين الحكومة التركية، عبر إلقاء السلاح وحلّ الحزب بعد عقد مؤتمر خاص للحزب، والبدء بعملية السلام. والواضح أن الرسالة هي خطوة مرممة لخطوات سابقة تهدف إلى إيجاد حل سلمي للقضية الكوردية في تركيا. الحزب الذي تحرك عبر المساحات التي خُلقت نتيجة للحرب الباردة وما خلفته من استقطابات دولية وإقليمية، كما شهدت تركيا خلال تلك الفترات أزمة حادة على صعيد الهويّات والعنف والصراع، وسعيها الدؤوب لحجز مكانة في الإقليم سياسياً واقتصادياً.
كُل شيء تغير، فلا تلك المساحات أضحت متوفرة خاصة بعد تغلغل الرأسمالية والشركات العابرة للقارات التي تسعى وراء الربح والاستفادة والتي تلعب الحروب دوراً حتمياً في انكماشها. ولا تركيا اليوم هي نفسها التي كانت تعيش صراعات وأزمات، بل وفي قلب العنف الذي تميز به القرن العشرين؛ فهي تلعب دوراَ محورياً في خلق التوازنات الدولية والإقليمية، وليست أدوارها في سوريا سوى جزء من كل ما تسعى إليه، إضافة لأدوار تركيا في العراق وكوردستان العراق، وهي المساحات التي ينشط من خلالها العمال الكوردستاني أيضاً. والواضح أن أجيالاً جديدة سواء كنُخب سياسية حوكمية وحاكمة في تركيا، أو عسكرية ميدانية وسياسية للعمال الكوردستاني تتحرك ضمن خطوط التماس بينهم، وهو ما يعني ضرورة وجود فكر وتوجه سياسي جديد، إذ إن الدماء والحروب لم تُسجل أيّ انتصار لطرف على الآخر، سواء بين تركيا والعمال الكوردستاني أو بين أي أطرافاً أُخرى.
اليوم الموازين منقلبة رأساً على عقب، فسوريا حيث الساحة الأكثر سخونة بين الطرفين، لم تعد سوريا إبان اتفاقية أضنة بين أنقرة ودمشق حين حكم الأسد الأب والابن، وتركيا بدورها لا ترغب بتكرار سيناريوهات تأرجح علاقاتها مع أميركا والتي وصلت لأدنى مستوياتها كثيراً من المرات خلال عام 2003 إبان الاجتياح الأميركي للعراق، أو خلال 2016 ودعم التحالف الدولي لقسد، مقابل تكرار العمليات العسكرية التركية ضد الأخيرة. بالإضافة إلى أن إطالة أمد الصراع في سوريا، والوضع الاقتصادي المرعب فقراً وجوعاً، وموجات الهجرة التي فككت المجتمعات والكوردية منها على وجه الخصوص، جعلت من قضايا المواجهات والممانعة والحروب في أدنى درجات الأولويات والأهمية، ومع نجاح تركيا وفصائل المعارضة السورية بالسيطرة على كامل الشريط الغربي للشمال السوري بالإضافة إلى سري كانيه وكري سبي، فإن الحزب فقد كثيراً من أوراق الضغط والمواجهة.
وكان الواقع السياسي والعسكري لحركة فتح بعد اتفاقية أوسلو تُعاد من جديد، مع فارق أن فتح رضخت بإرادة ياسر عرفات نفسه، في حين أن كل التقلبات والتغيرات والضواغط والصراعات التي شهدها العمال الكوردستاني كانت بغياب زعيمه، والواضح أن العمال الكوردستاني ونتيجة لظروف وأسباب كثيرة وكبيرة لا مجال لذكرها هنّا، فإنه يعيش عزلة إقليمية فعلياً ويواجه عمقاً قومياً تركيا معادياً له، وفكراً عروبياً لا تنفك نظرتها عن الإدانة، علماً إن العروبة في فترة من الفترات كانت ظهراً لها في سوريا ولبنان.
سيرغب السيد مظلوم عبدي قائد قسد بالقول إن هذه الدعوة تخص تركيا وكوردها كشأن داخلي لا علاقة لهم بها، وهي إشارة واضحة المعاني وسهلة الفهم كفك ارتباط قسد عن العمال الكوردستاني، أو ربما تلميح ضمني إن تلك الدعوة لا علاقة لكورد سوريا بها. لكن كتحصيل حاصل كُل ما يجري بين تركيا والعمال الكوردستاني سيؤثر على كوردستان العراق وكورد سوريا وخياراتهم. فأوجلان سبق الإعلان عن رسالته، برسائل إلى السيد مسعود البارزاني ورئيس الإقليم نيجرفان البارزاني، وعائلة الطالباني، وقسد أيضاً، ولا ترغب الأطراف جميعها بأي خيارات للمواجهة، بل إن حديث رئيس الإقليم نيجرفان البارزاني حول حمايتهم للكورد في حلب خلال عملية رد العدوان كانت بالتعاون مع تركيا، وهو ما ذهب إليه رئيس وزراء الإقليم السيد مسرور البارزاني، لمنع أيّ عمليات عسكرية تركيا على كوباني وعموم المنطقة الكوردية خلال الأسابيع الماضية. وحتى رجالات قسد والعمال الكوردستاني أنفسهم لا يرغبون بأيّ مواجهات عسكرية كون هوامش المناورة شبه مفقودة بعد سقوط الأسد وخروج القوات الإيرانية وحزب الله، وضبابية التحالف مع الأميركان والتحالف الدولي، والاستمرار في الدوران ضمن مفاهيم التحالف الدولي فقط ومن دون الإصغاء لصوت الداخل والعمق الشعبي والرسمي في تركيا وسوريا، سيعني الحصار المطبق على القضية الكوردية.
وأمام أهمية تلك الرسالة، فإن الطريق غير معبد بالورود لتنفيذها، ويعترض تنفيذها العديد من العقبات من أبرزها، أن العمال الكوردستاني سيطلب تسويات سياسية دستورية تمنح الكرد اعترافاً سياسيا، وعفواً عاماً عن كافة العناصر العسكرية، ومساراً مضموناً للمشاركة في إدارة البلاد، أو ربما سيطالبون بمنحهم لجوءً سياسياً، هذا إن تمت العملية التي أرادها أوجلان. إضافة لتأثيرات اللاعبين الإقليميين والدوليين على القضية الكوردية وصراعها مع تركيا. لذا فإن المطلوب حالياً، مبادرة من تركيا والقيام بعدة خطوات لتحقيق التقدم الملموس، وجاء الرد على لسان نائب رئيس حزب العدالة والتنمية أفكان علاء، إن “الحكومة التركية تتوقع أن يمثل حزب العمال الكوردستاني لدعوة أوجلان” مضيفاً أن تركيا “ستتحرر من القيود إذا ألقى العمال الكوردستاني السلاح”. ولعل أهم وأبرز الخطوات التي تتوجب على تركيا تنفيذها هي الاعتراف بالحقوق السياسية والثقافية للكورد دستورياً، وضمان تمتعهم بحرياتهم الأساسية، وهو يتطلب تعديلاً دستورياً لضمان المشاركة الفعالة للكرد في العملية السياسية، مع وقف العمليات العسكرية وخلق بيئة ملائمة للحوار السلمي. ومن الممكن البدء بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين الكرد وتقديم ضمانات عدم الملاحقة مجدداً، وتعزيز التنمية الاقتصادية عبر تنفيذ مشاريه تنموية في المنطقة الكوردية في تركيا بهدف تحسين الأوضاع الاقتصادية وتحسين الظروف الاجتماعية والمعيشية، لكن ليس المطلوب الانتظار لحين تنفيذ هذه الخطوات للبدء برسالة أوجلان، بالمقابل فإن عقد المؤتمر الخاص بالعمال الكوردستاني يحتاج لوقت، وخطوات بناء الثقة والسلام بين الطرفين، يُمكن لأطراف كوردستانية ودولية أن تشرف عليها وترعاها.
الواضح أن رسالة عبد الله أوجلان تشكل مبادرة حقيقية لتحقيق السلام والاستقرار في المنطقة الكوردية في تركيا ومع العمق التركي، وتشكل مساراً مهماً لطبيعة العلاقة بين تركيا ومؤيدي الحزب في سوريا، وعشرات الآلاف من المقاتلين الكرد الذين يتبعونه في تركيا والعراق وإيران وسوريا، ومن المتوقع أن تواجه العديد من العراقيل للحيلولة دون تنفيذها بشكل كامل، لكن ستبقى الجهود مستمرة لتحقيق التفاهم والسلام بين الأطراف المعنية.
تلفزيون سوريا
——————————–
مبادرة أوجلان وتدشين عصر تركي جديد!/ سامح المحاريق
تحديث 01 أذار 2025
لم يجد مصطفى كمال أتاتورك أمامه سوى الحديث عن الأتراك لاقتناص الكتلة الأوسع من الأراضي، التي كانت برسم الالتهام والتقسيم، مع الانهيار التراجيدي للإمبراطورية العثمانية، فمصطلح العثماني كان أوسع من أن تتحمله دولة حديثة ناشئة في منطقة معقدة من العالم، فالأراضي التركية قبل الإسلام كانت جزءا أصيلا من العالم الهيلليني الإغريقي، وطروادة التي شغلت جانبا كبيرا في الأدب الإغريقي تقع حاليا ضمن حدود الدولة التركية، وبعد الإغريق كان الرومان، وورثتهم في الإمبراطورية البيزنطية، وعند الحديث عن الأتراك بوصفهم شعبا طارئا على المنطقة، فذلك يعني المقارنة بالعرب والفرس، الذين عاشوا في هذه المناطق لآلاف السنين، بينما تدفقت الشعوب التركية منذ فترة لا تزيد عن ألف عام.
لم يكن أمام أتاتورك سوى التمسك بهذه الهوية، فالأرمن والجورجيون شعوب قديمة، ومثلهم العرب والفرس والأكراد، ولإثبات الذات وسط هذا الوجود الحضاري لشعوب قديمة في المنطقة، كان التأكيد على المقولة التركية بصورة متطرفة أداة دفاعية بالصورة الأساسية، وحقيقة، أن أتاتورك في العيون التركية الحديثة شخصية لا يمكن تجاوزها، أو التقليل من قيمتها، لأنه لم يكن قائدا سياسيا وعسكريا استثنائيا، بقدر ما كان شخصا قام بتوظيف الأسطورة والسردية، من أجل بناء أمة لم يكن أحد متأكدا من أهلية وجودها على المدى البعيد، وكما تحدثت أساطير الشعوب التركية عن الذئب الأغبر، الذي كان له دور في إرشادها في زمن المحنة، ومقاربة الفناء، فإن أتاتورك يقارب هذه المكانة لأتراك الدولة الحديثة.
لا يوجد غير الأتراك على الأرض التركية، لم ينص الدستور التركي على هذه المقولة صراحة، ولكنها أصبحت لسان الحال، من أجل بناء هوية الدولة، وكان على الأكراد في المقابل أن يدفعوا الثمن للمرة الثانية، بعد أن دفعوه في معاهدة لوزان، التي أجهضت تأسيس دولة كردية، وأصبحت الهوية الكردية الصارخة والقوية والمستندة إلى تاريخ طويل في حالة معاناة مستمرة لترويضها من قبل الأتراك، وضمان عدم تناقضها مع البنية الرمزية التي صنعت للجمهورية التركية. لم يكن ذلك مجرد إجراءات قانونية، فالكثير من الأعمال القمعية مورست ضد الأكراد، ومنها تمرد درسيم في الثلاثينيات، الذي أسفر عن مقتل أكثر من 13 ألف كردي، وهو الأمر الذي حظي باعتذار من الرئيس التركي أردوغان في 2011، وهو الأمر الذي أثار جدلا سياسيا وقانونيا في تركيا. وسط هذا التاريخ ظهرت شخصية عبد الله أوجلان، ليشغل موقعا شاغرا في الذاكرة البطولية للشعب الكردي، مع تأسيسه لحزب العمال الكردستاني في السبعينيات من القرن الماضي، ويبدأ مسيرة نضالية انتقلت من المناداة بتأسيس مجتمع ماركسي في دولة كردية، إلى المناداة بالديمقراطية التشاركية، لتعزيز التنوع في المجتمع التركي، بحيث يستوعب جميع المكونات بصورة تكفل للأكراد وغيرهم أن يعبروا عن خصوصيتهم ضمن المنظومة الأوسع. أتى اعتقال أوجلان في مرحلة لم تكن فكرته حول الديمقراطية التشاركية مقبولة، ضمن القواعد السائدة في السياسة التركية، وتحول هو نفسه إلى جزء من دواعي الغضب الكردي، والتصعيد الذي يحدث بين وقت وآخر، وتحول الملف الكردي والمواقف منه إلى أحد الأوراق السياسية التركية، التي تتعرض للشد والجذب بين القوميين والإسلاميين والأطياف الأخرى.
لأكثر من ربع قرن يعيش أوجلان في سجنه الحصين في جزيرة إمرالي في بحر مرمرة، ويشكل رمزا لأتباع مخلصين أصبحوا مع الوقت سؤالا تركيا أكثر مما أخذوا يمثلون مسألة كردية، فالتحولات في الأوضاع الكردية في العراق، والواقع الجديد الذي فرض في كردستان العراق، بالإضافة إلى التفاعلات التي لحقت بأكراد سوريا في السنوات الأخيرة، جعلت حزب العمال الكردستاني في خانة الحزب ذي النزعة الانشقاقية أو الإصلاحية الجذرية، بأكثر مما يمثل إجماعا كرديا؛ وأثناء فترة حبسه كان الحديث يدور حول مبادرات مختلفة من أجل التقدم بالعلاقة بين الحزب والدولة التركية، إلا أن تأخيرا وراء تأخير أتى نتيجة صراع القوى التركية المختلفة، ونظرة كل منها تجاه الحقوق الكردية المرتبطة بواقع لا يمكن الانصياع له ولا يمكن تجاوزه أيضا.
في مرحلة حرجة يلقي أوجلان بما هو أكثر من مبادرة، مع دعوته لحل الحزب وإلقاء سلاحه، ولا يتوقع أن ذلك يأتي بصورة مجانية من غير ترتيبات حول مكتسبات مختلفة سيتحصل عليها الأكراد ضمن المنظومة التركية الأوسع، ولكن هذه الخطوة ليست تركية خالصة، ولا هي بالكردية الكاملة، فالأكراد يبدون في الأسابيع الأخيرة بعد سقوط الأسد، وحكم الأمر الواقع من خلال سيطرتهم على مساحات واسعة من سوريا أمام تجربة أو مغامرة يمكن أن يخوضوها للحصول على إقليم مشابه لكردستان العراق، أو أن يصبحوا جزءا من هلال قلق يتكامل مع جنوب سوريا، خاصة الطائفة الدرزية، ويبدو أن هذه الخطوة تأتي للتحوط التركي الاستباقي تجاه الخيارات الكردية التي تطرح على الساحة الإقليمية حاليا. تخدم خطوة أوجلان الدولة التركية، ليس لأنها تزيح عبء المقاومة الكردية بصورتها التقليدية وتحولها إلى ملف سياسي، ولكن لأن ذلك يعطيها أفقا إقليميا تحتاجه في ترتيب المنطقة بعد سقوط نظام الرئيس الأسد، وبما يجعلها أكثر أريحية في بناء منطقة نفوذ واسعة ويزيد من حصتها في شرق المتوسط بثرواته المكتشفة حديثا.
لم يسقط أوجلان ولم يتناقض مع أفكاره ومع مبادئه، ولكن التوقيت يلقي ظلاله على الإقليم ككل، ويصنع تحديات جديدة، خاصة أنه ليس متوقعا أن ينصاع حزب العمال الكردستاني لتوجيهات قائده التاريخي بالصورة التي يمكن أن يتوقعها الأتراك، ولكن ما يمكن استخلاصه أن تركيا اليوم جادةٌ في استئناف مشروع إقليمي عطلته ارتدادات الربيع العربي والهيمنة الإيرانية على العراق وسوريا، وهذه قصة ستشغل المنطقة ربما لسنوات مقبلة.
كاتب أردني
القدس العربي
—————————–
مملكة أوجلان ومآل الفكرة القومية/ وسام سعادة
تحديث 01 أذار 2025
أمضى عبد الله أوجلان ستة وعشرين عاما في سجنه في جزيرة إمرالي ببحر مرمرة منذ أن تمكنت المخابرات التركية من القبض عليه في كينيا وإعادته مكبّلاً بالأغلال إلى بلادها لمحاكمته.
لا يمكن الاسترسال في التكهن من الآن كم ستدوم مدة سجن الزعيم الكردي، وكيف ستستقبل تركيا وحكومتها مبادرته الداعية إلى حل «حزب العمال الكردستاني» الذي أسسه وقاده والذي يتعامل أعضاؤه وأنصاره مع «آبو» على أنه يتمتع ليس فقط بمهارات فكرية وقيادية وتنظيمية وسياسية، وعلى أنه رمز كفاحيّ ملحميّ، بل على أنه أيضاً بمنزلة «الملك – الفيلسوف» للأكراد، بحيث تتمازج في أحوال هالته عندهم معالم الحكمة مع شطحات الإلهام.
يطلب أوجلان من أعضاء حزبه الانعقاد في مؤتمر وبعثرة هيكلهم، وإلقاء السلاح، والانخراط في السعي السلميّ، لبناء مجتمع ديموقراطيّ مناطه التآخي بين أتراك تركيا وأكرادها. لم يعد يتحدّث عن دولة ثنائية القومية، ولا عن فدرالية. إنما عن التآخي. بعد خمسة عقود من الكفاح المسلّح المرير يقول إن الوقت حان لميثاق من التآخي.
المفارقة أنّ أوجلان يطلب من الحزب حل نفسه انطلاقاً من علمه علم اليقين بما له كشخص من سحر لامحدود على كوادر وقواعد هذا الحزب، بل على شريحة واسعة من أكراد تركيا وخارجها. كما لو أن مرجعيته الملهمة متعالية على هذا الحل، لها مقام آخر، تتبع ترتيبا مغايراً. أو ليس لها من ترتيب محدد. مطلقة ويفترض أن تستمر كذلك.
ما كان لأوجلان كل هذا قبل اعتقاله. بقاؤه في حماية نظام حافظ الأسد كان كفيلاً باستهلاكه، وإبعاده شيئاً بعد شيء عن مشاغل أكراد تركيا. باعتقاله في بحر مرمرة، غير بعيد من اسطنبول، لعبت تركيا دوراً في إكسابه هالة «الغورو» أو «المهاتما» الذي يقود الكفاح ضدها وهو في سجنها.
وهو لم يكذب خبراً منذ دأب على الابتعاد عن الترسيمة «الماركسية اللينينية» والاقتباس من الأدبيات اليسارية الأيكولوجية ذات النفس الأناركي، بحيث أخذ يبتعد سواء بسواء عن نظرية «الحزب الطليعي» أو عن ربط تقرير مصير شعب ببناء دولة لهذا الشعب لا شيء غير ذلك. برهن أوجلان مطلع هذه الألفية أنه راغب بالفعل في مغادرة قرن والانخراط في الجديد، هذا إن كان من الممكن استثناء ارتباط كل ذلك باستمرار نسج الهالة الأسطورية حوله.
هذا التحول الفكري الذي عمد إليه أوجلان قبل ربع قرن فتح الطريق لتجارب مختلفة. في سوريا، الموضوع يحتاج لتفصيل لاحق. أما في تركيا، فقد استمرت المواجهة المسلحة، إنما نشأت بالتوازي معها تجربة تشكيل الحزب العلني الانتخابي، الذي يخوض رغم التضييق عليه، بل حظره، مرة تجربة الترشح للانتخابات الرئاسية، ومرة تجربة التعاون مع مرشح اليسار الأتاتوركي بوجه تحالف رجب طيب أردوغان مع اليمين الأتاتوركي. لا يمكن التكهن إذا كان وضع أوجلان الشخصي سيتبدل بسرعة بعد مبادرته الصادمة للكثيرين، إنما التي تستكمل منطقياً المسار الذي دشنه بعد قليل من دخوله السجن، حين بدأ يبتعد عن مركزية وديمومة مقولة «الحزب الطليعي» وعن حصرية مفهوم الدولة لتحقيق حق تقرير المصير لشعب.
اللحظة الأوجلانية الحالية تشير إلى دينامية في الأفكار والحيويات القومية، وليس إلى ضمور هذه الأفكار والحيويات.
التوتر بين الفكرة القومية والدولة-الأمة سمة تكاد تلازم الحداثة السياسية. القومية، من حيث تفترض في القالب الأيديولوجي الأكثر انتشاراً لها، نشدان مجتمع متجانس، منصهر. بينما الدولة-الأمة، كتركيب سياسي، لا تشترط هذا الإجماع الثقافي المسبق، وإن كانت عملياً تبحث عن مقدار من المجانسة الثقافية واللسانية، بحدود ما يقتضيه هم التماسك الاجتماعي السياسية، أي أن المجانسة الثقافية هي بحكم الوسيلة من منظار «الدولة الأمة» وهي الغاية من قيام الدولة من منظار الفكرة والحركة القوميتين. القومية تميل إذاً إلى «التجاوز» اطار على الدولة الأمة، بقلب العلاقة بين الغاية والوسيلة، لمصلحة التماثل الثقافي، بالشكل الذي يجعل من الممكن تصور الأمة على أنها جسد جماعي تنبض فيه روح واحدة، روح لا ترتاح الا بأن يكون لهذا الجسد منزله الخاص، دولته، لكنها روح لا تنفخها في هذا الجسد هذه الدولة.
التفريق الرائج بين التصورين الفرنسي والألماني عن الأمة لا يغطي كل المعنى هنا. التصوران الفرنسي (الدولة والتاريخ والإرادة المشتركة تصنع الأمة وليس العكس) والألماني (الأمة تشتاق إلى دولة تجمع شملها وتحقق مرادها) يضاف اليهما التصور الذي ساد في الحركات القومية في أوروبا الشرقية (أقلية مثقفة تخترع أمة من خلال وصل ثقافة النخبة مع الثقافة الفلاحية في مزيج خاص) وفي البلقان العثماني (تحويل الملة الدينية إلى الأمة من خلال ربطها بمحددين ترابي ولساني، وعلمنتها الجزئية). مفارقة النموذج التركي من القومية أنه أخذ شيئاً من كل هذا. من التصورات الفرنسية والألمانية والشرق أوروبية والبلقانية العثمانية «المسيحية» عن كيفية إيجاد الأمة. الدولة تصنع للأمة لغتها في النموذج التركي (فحوى خطاب «النطق» لمصطفى كمال) لكنها أمة يقال في الوقت نفسه أنها موجودة قبل آلاف السنين من وجود الدولة، منذ أيام الحثيين، عضوية، كجسد حاضر لا ينتظر سوى دولة تحقق مراده، وهي تقتبس من الحركات القومية البلقانية، بدءا من اليونانية فالبلغارية، عملية تحويل «الملة الدينية» إلى ملة قومية.
لأجل هذا، ربما كان مغزى تجذير التحول لدى أوجلان الإدراك بأن الفكرة الكردية ينبغي، في اللحظة نفسها التي تحل الحزب وتلقي السلاح، أن تزداد مغايرة للنموذج التركي من القومية، بكل مندرجاته. لكن هل هذا يعني التخلي عن الأصل القومي للفكرة الكردية؟ هناك من يقول ذلك. ليس الأمر -على ما نراه – كذلك. بل هو طفرة جديدة من التوتر الذي لا ينتهي بين مفهوم القومية ومفهوم الدولة الأمة. انما، في حالة أوجلان، القومية الكردية تقلع تماما عن أي مطالبة بتشكيل دولة أمة خاصة بها، وعن أي مطالبة بتشكيل دولة ثنائية قومياً، لصالح البحث عن صيغة مختلفة. ما هي هذه الصيغة المختلفة؟ لامركزية؟ حقوق ثقافية ولغوية؟ منحى مساواتي تشاركيّ تصاعدي؟ تليين للسرديات الغليظة؟ شيء من كل هذا، لكن أيضاً الرهان على أن ثمة بالفعل «جمهورية كردية» غير مرئية على جانبي الحدود التركية، وأن هذه الجمهورية في خطر عندما يغريها الاغواء بأن تصير مرئية، «رسمية» وتصبح في مأمن أكثر ان تحصنت في مقام… الهيولى، تلك المادة التي لا شكل لها والتي يتشكل منها كل شيء في فلسفة أرسطو طاليس.
كاتب من لبنان
القدس العربي
——————————-
أكراد سوريا: هواجس دمشق ورسالة أوجلان/ شفان ابراهيم
01.03.2025
بين مؤتمر الحوار الوطني و رسالة أوجلان الأخيرة، أسئلة وانتقادات ومخاوف تشغل كرد سوريا ومستقبل علاقتهم مع الإدارة الجديدة في دمشق
بعث رئيس حزب العمال الكردستاني عبدالله أوجلان يوم 27 شباط/ فبراير 2025 من معتقله في جزيرة إيمرالي التركية رسالة “الدعوة من أجل السلام والمجتمع الديمقراطي” عبر وفد حزب المساواة وديمقراطية الشعوب.
ركز أوجلان في الرسالة على أهمية الحوار والتواصل والسلام بين الكرد وتركيا ، ودعا فيها إلى نزع السلاح قائلاً إنه يتحمل “المسؤولية التاريخية عن هذه الدعوة”، مختتماً: “يجب على كل المجموعات أن تلقي أسلحتها، وعلى حزب العمال الكردستاني أن يفسخ نفسه”.
تركت رسالة أوجلان صدى واضحاً بين كرد سوريا، حيث الوجود الفعلي لحزب العمال الكردستاني سواء ضمن قوات قسد، أو تحت سيطرة الإدارة الذاتية، إذ قال مظلوم عبدي قائد “قسد” إن “دعوة أوجلان لا تتعلق بالوضع السوري، بل تقتصر على حزب العمال الكردستاني فقط، وإذا تحقق السلام في تركيا فلا مبرر لمواصلة الهجمات علينا هنا في سوريا”.
وأضاف: “أوجلان أرسل لنا رسالة قبل إصدار إعلانه تؤكد خيار السلام، وأن دعوة أوجلان إيجابية لإنهاء ذرائع تركيا لمهاجمتنا”.
رحب المجلس الوطني الكردي، وهو جسم سياسي مؤلف من 17 حزباً سياسياً وممثلين عن تنظيمات شبابية ونسائية ومستقلين، بالنداء عبر بيان جاء فيه أن “نجاح هذه المبادرة يعتمد على استجابة الحزب ومقاتليه لهذه الدعوة ، إذ تمثل هذه الخطوة فرصة حقيقية لإنهاء العنف واعتماد النضال السياسي والحلول السلمية لحل القضية الكُردية في تركيا، داعياً تركيا للتعاطي الإيجابي مع النداء، وإطلاق حوار جاد يساهم في إيجاد حل عادل للقضية الكردية وترسيخ مبادئ الديمقراطية والمواطنة المتساوية”.
يقول الناشط أمين أمين لموقع “درج”: “أكراد سوريا لا علاقة لهم بهذا النداء، وإن واقعهم لن يتغير ما لم يتوصل الشرع ومظلوم عبدي الى اتفاق شامل، وما لم يُعقد اتفاق بين الأطراف الكردية”، ويرى أن “حل الحزب ووضع السلاح جانباً، سيكون مشروطاً بوجود خطوات جدية من الجانب التركي كضمان للمستقبل السياسي لكرد تركيا، حينها ينحصر قرار كرد سوريا بيدهم فقط، وستنعكس النتائج عليهم، أما في حال بقاء الوضع كما هو فلن تتغير المعادلة”.
في حديثه مع “درج”، يقول الصحافي سلام حسن: “كان يمكن للخطاب أن يؤثر على الواقع الكردي السوري لو أُصدر في فترات زمنية سابقة. كما أن “قسد” نأت بنفسها عن الخطاب، لذلك لا تأثير كبير له رغم أنه تاريخي ومفصلي، لكن الكرد في سوريا يتحضرون للاستقلال عن أي تأثيرات خارجية أو سيطرة العمال الكردستاني، وكانت هذه خطة عمل مشتركة بين ممثلي الإدارة الأميركية والفرنسية والمجلس الكردي والاتحاد الديمقراطي، أكبر أحزاب الإدارة الذاتية، لذلك فإن نتائج هذا الخطاب ستكون ضعيفة على مستوى الداخل الكردي السوري بسبب تأخره عن السياق السوري”.
مؤتمر الحوار الوطني: هاجس جديد للكرد
لا تقتصر مخاوف بعض الكرد في سوريا على هجمات ومعارك جديدة بين قسد وتركيا، أو فشل وساطة أوجلان للسلام، فهم يقولون إنها حلقة ضمن سلسلة حلقات أخرى تلعب دوراً محورياً في مستقبلهم ضمن سوريا ككل وكقضية قومية خاصة. إذ ركز الناشطون والسياسيون الكرد على انعقاد مؤتمر الحوار السوري يومي 24-25 شباط/ فبراير 2025.
وعلى رغم التأييد الكردي لمؤتمر الحوار لكن فئة كبيرة منهم، قاموا بمقاطعته، في ظل آراء سياسية وشعبية واضحة تحمل مخاوف ومطالب في آن، فهي من جهة ترى ألا سبيل للحل في سوريا من دون حوار بين الأطراف السياسية والمكونات من جهة، ومن جهة ثانية تقول النخب السياسية الكردية إنه بدون وضع حل جذري للقضية الكردية في سوريا لن تشهد سوريا استقراراً وتنمية مستدامة.
في حديثه لـ “درج” قال نافع عبد الله، عضو اللجنة المركزية للحزب الديمقراطي الكردستاني -سوريا، النظام مارس على مدار الحكومات المتعاقبة أبشع أنواع الاضطهاد بحق الشعب الكردي، ويضيف “طبق النظام السوري سياسات وممارسات عنصرية كالإحصاء الاستثنائي عام 1962، الذي تم بموجبه تجريد أكثر من ثلاث مئة ألف كردي من الجنسية السورية وخطة الحزام العربي عام 1973 حيث جُلب سوريين عرب من محافظتي حلب والرقة وتم الاستيلاء على آلاف الهكتارات وتوزيعها عليهم، كما أصدرت حكومة الأسد المرسوم رقم 49 الذي حرم على الكورد الاستملاك وبناء أي عقار إلا بموافقة خمس أجهزة أمنية”.
مضيفاً “كان يتم بشكل ممنهج استبعاد الكورد من أماكن صنع القرار السياسي وتم تهميشهم واقصائهم من كافة مؤسسات الدولة بشكل متعمد واتهامهم دوما بجهات خارجية” ووفقاً لعبد الله فإن تلك السياسات والإجراءات تسببت بخلق هواجس الخوف والفوبيا لدى الشعب الكوردي من الحكومات المتعاقبة كون لديهم تجارب عدة لا فقط تجربة واحدة”.
ووفقاً لعبد الله فإن الوضع في سوريا لا يمكن له أن يستقر “بمعزل عن إيجاد حل للقضية الكوردية في سوريا ، والسبب هو وجود شعب تم تقسيم وطنه بين أربعة دول ، إثر اتفاقية سايكس بيكو وأصبحنا بعد رسم الحدود شركاء مع الأخوة العرب في سوريا وكونهم أغلبية عددية استأثروا بالسلطة وبكافة مقدرات البلاد وحرم على الكرد حتى التكلم بلغتهم، ولا أعتقد أن يستقر الوضع في سوريا حتى يتم الاعتراف بالهوية القومية للشعب الكوردي كشعب أصيل يعيش على أرضه التاريخية وضمان ذلك دستوريا ورفع المظالم وإلغاء سياسات النظام البائد”
يضيف عبد الله:”التهديدات الأمنية على سوريا عامة وكلية وشاملة لكامل الجغرافية السورية، والكورد أصبحوا جزء خاضع لتلك التهديدات التي تستهدف مصيرهم ومستقبلهم في مناطقهم التاريخية مثل عفرين وكوباني والحسكة، ومصدر تلك التهديدات سواء الإقليمية أو حالياً خطاب الكراهية ومحاولات إقصاء وتهميشهم من المشهد السياسي والدستوري لا تزال قائمة”.
يختم نافع عبد الله:”لا مؤشرات على حملات ومعارك عسكرية أو مواجهات عسكرية، لكن عدم اتفاق الكورد فيما بينهم، وعدم الاتفاق مع دمشق يخلق تهديداً جدياً على مناطقنا التاريخية”
من جهته أضاف الناشط السياسي أمين أمين إن: “الكورد يخشون من وجود سياسات حكومية في دمشق لا تغير من الواقع الكوردي، خاصة تفضيل حكومة دمشق علاقتها مع تركيا على مصلحة الشعب الكوردي، أو عدم حل قضية الأراضي الكوردية التي صادرها النظام السوري ومنحها للعرب الوافدين من الرقة والمعروفين باسم المغمورين، نسبة لغمر نهر الفرات لمنازلهم في الرقة، واستغلال تركيا لتواجد العمال الكوردستاني في سوريا، وشن عملية عسكرية جديدة على مناطقنا” .
يضيف أمين: “عقدت حكومة تصريف الاعمال مؤتمراً قالت عنه إنه للحوار السوري، لكن بطريقة غريبة من حيث سرعة انجاز اللقاءات الحوارية، إلى سرعة تحديد الموعد وجدول العمل الغريب، حيث تم مناقشة مصير سوريا خلال يوم واحد فقط، وسبقه نصف يوم لتناول العشاء والتعارف” .
يختتم أمين حديثه: “تسعى السلطة الحالية لمعالجة القضايا خلال يوم واحد، والأكثر غرابة أن الكورد أنفسهم وجدوا أن لا وجود لهم في هذا المؤتمر، خاصة مع تصريحات من قيادات في الحكومة السورية واللجنة التحضيرية حول عدم وجود خصوصيات سياسية أو قومية في الحكومة القادمة، وما نخشاه أن تواصل الحكومة المقبلة السياسات السابقة التي طبقت تجاه الكورد ما سيزيد من عمق التوترات، وصعوبات في بناء هوية وطنية مستقلة وآمنة”.
الصحفي سلام حسن يذهب في اتجاه آخر لتفسير طبيعة العلاقة بين دمشق والكورد في مستقبل البلاد قائلاً إن “العلاقة بين الطرفين ستكون تشاركية وتفاعل، فالكرد في سوريا الجديدة هم جزء من دمشق عضويا، والعلاقة سوف تكون بينية داخلية وليس كما كانت علاقة تصادم أو انفصام وهذا طبعا يعني على اي حكومة جديدة ان تكون حكومة تمثل كل السوريين وهذا ما سوف نجده متبلورا ربما بعد ارساء الاستقرار وحدوث عمليات انتخابية نزيهة وحرة”.
ويضيف :”لا نستطيع ان نقول العلاقة مأزومة فقط بين الكرد والمركز، هناك علاقات مأزومة منذ عقود بين حكومات المركز وكل القوى والأحزاب السياسية في سورية بما فيها القوى والأحزاب السياسية الكردية، وازالة هذا الارث ربما يتطلب بعض الوقت وبناء أسس الثقة وايضا ايجاد وخلق آليات”.
من الجانب القانوني فإن الكثير من المخاوف والمطالب الكوردية تتكرر دوماً، حيث يقول المحامي جكر سلو لموقع “درج”: “نخشى الرجوع الى نقطة الصفر وتكرار إقصاء وتهميش الكرد كما فعل النظام البائد وهو ما نراه الآن من خلال عقد مؤتمر الحوار الوطني وذلك وفق قالب على مقاسهم، ولا يجوز إعادة السياسات السابقة من خلال إقرار قرارات بعيدة عن المنطق وتتعارض مع واقع التعددية التي تتشكل منها سوريا”.
ويذكر سلو أن واحدة من الممارسات “التمييزية” و”التعسف القانوني” تتضح في قرار نقابة المحامين بدمشق بتعيين أعضاء مجلس نقابة الحسكة في ظل حل الدستور والقوانين الاستثنائية، يقول سلو” تم التعيين دون الرجوع الى مبادئ ومعايير دولية وقانونية، فهُمش الكرد فيها”.
رفض كوردي رسمي لآليات المؤتمر الوطني
أصدر المجلس الوطني الكوردي، بياناً يؤيد فيه الحوار ورافضاً سياسة إقصاء المكونات والتنظيمات السياسية والقومية، وجاء في البيان إنهم يدعمون أي “جهد يسهم في الوصول إلى انتقال سياسي شامل ينهي معاناة السوريين، ويؤسس لدولة ديمقراطية لامركزية، متعددة القوميات والأديان والثقافات” كما انتقد البيان الاستعجال في عقد مؤتمر الحوار الوطني والإعلان عنه قبل يوم واحد واقصائهم “في الاعداد والتحضير” ما يعد “انتهاكاً لمبدأ وحق الشراكة الوطنية للشعب الكردي”
من جهتها أصدرت الإدارة الذاتية بياناً وصفت فيه المؤتمر بــــ”المخيب للآمال” وأن اللجنة التي “شُكِّلَت للتحضير للمؤتمر لا تمثِّلُ مكونات الشعبِ السوري… وإن المؤتمر لا يمثِّلُ الشعب السوري، ونحنُ، كجزءٍ من سوريا، ولم يتمَّ تمثيلُنا، نتحفَّظُ على هذا المؤتمر شكلًا ومضمونًا، ولن نكونَ جزءًا من تطبيقِ مُخرجاتِه”.
لا تزال هواجس الهويّة ونظام الحكم وشكل الدولة، إضافة لطبيعة العلاقة بين الدولة والدين، وقضية الحريات الفردية والعامة، وحقوق المرأة، والشراكة في السلطة والثروة، تشكل أبرز الهواجس والعوائق أمام شعور الانتماء الكردي لسورية الجديدة، فعقود التهميش المظلومية التاريخية تخيم بظلالها على العقل السياسي الكوردي.
درج
———————————————
عبد الله أوجلان يلقي السلاح… هل انتهى كابوس تركيا؟/ سمير العركي
1/3/2025
“لكل حرب سلامها”، هكذا قيل، وهكذا جرت العادة مع كل أزمة تتطور إلى مواجهات عسكرية، أنه سيأتي يوم يجلس فيه المتحاربون إلى الطاولة، لإسدال الستار على وقائع الحرب، بحسب ما انتهت إليه المدافع.
فقد شهدت تركيا مواجهات مسلحة وتهديدات أمنية على مدار أكثر من أربعة عقود مصدرها حزب العمال الكردستاني “PKK”، وامتداداته في سوريا والعراق.
إذ انطلقت في أغسطس/ آب 1984، أولى هجمات التنظيم ضد قوات الأمن التركية في ولايتي سيرت وهكاري، لتحصد سنوات المواجهة الطويلة أكثر من 50 ألف قتيل، وتؤدي إلى تعطل عملية التنمية في ولايات جنوب شرق تركيا؛ بسبب حالة الطوارئ الممتدة، والمواجهات التي لا تنقطع.
وعلى مدار عقود المواجهات كانت هناك محاولتان لحل الأزمة، الأولى عام 1993، والثانية امتدت من عام 2013 إلى 2015، لكنّ المحاولتين باءتا بالفشل.
أما محاولة “الحل” الأحدث فكانت في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، عندما أشار رئيس حزب الحركة القومية، دولت بهتشلي، في كلمته أمام الكتلة النيابية لحزبه، إلى إمكانية إطلاق سراح زعيم حزب العمال، عبدالله أوجلان، المسجون منذ عام 1999، والمحكوم بالسجن مدى الحياة، إذا دعا أتباعه إلى حل التنظيم وإلقاء السلاح.
وعقب كلمة بهتشلي، جرت تحت الجسر مياه كثيرة، إذ تم تشكيل وفد من حزب الديمقراطية ومساواة الشعوب DEM الكردي، برئاسة النائبة برفين بولدان، حيث قام بجولات مكوكية بين سجن إمرالي الموجود فيه أوجلان، وإقليم كردستان العراق، للقاء رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني، مسعود البارزاني في أربيل، إضافة إلى زعيم الاتحاد الكردستاني، بافل طالباني في السليمانية.
هذه الجهود أسفرت عن البيان المهم الذي أصدره أوجلان من محبسه، وتمت قراءته بواسطة وفد حزب DEM في أحد فنادق إسطنبول، وذلك عقب تعذر تسجيل أوجلان الكلمة بالصوت والصورة من داخل السجن لموانع قانونية.
ماذا قال أوجلان؟
إن القراءة المتأنية في البيان، تلحظ -إضافة إلى الدعوة المهمة – تطورًا فكريًا وسياسيًا واجتماعيًا واضحًا لدى أوجلان، بعيدًا عن الأفكار اليسارية الماركسية التي شكلت رؤيته ونظرته خلال العقود الماضية، وقضايا أخرى يمكن رصدها في النقاط التالية:
أولًا: لم يكن البيان موجهًا إلى الدولة، بأي شكل من الأشكال، إذ خلا تمامًا من أي مطالبات سياسية، بل كان موجهًا بشكل أساسي وصريح لحزب العمال.
ثانيًا: دعا أوجلان جميع المجموعات “المرتبطة بحزب العمال” إلى إلقاء السلاح، وطالب الحزب بعقد مؤتمره العام وإعلانه حل التنظيم، والاندماج في الدولة والمجتمع، مؤكدًا تحمله “المسؤولية التاريخية عن هذه الدعوة”.
ثالثًا: شدد أوجلان على انتفاء الأسباب التي أدت إلى تأسيس التنظيم، وذلك عقب انهيار المعسكر الشيوعي، وانتهاء حقبة التمييز ضد الأكراد، واتساع نطاق حرية التعبير في تركيا. ما أدى إلى إكمال الحزب دورة حياته و”جعل حله ضروريًا”.
رابعًا: تخلى أوجلان عن أفكاره السابقة بشأن تأسيس كيان انفصالي للأكراد، مؤكدًا أن “العواقب الضرورية للحركة القومية المتطرفة؛ الدولة القومية المنفصلة، والاتحاد الفدرالي، والاستقلال الإداري والحلول الثقافية لا يمكن أن تكون إجابة على علم الاجتماع التاريخي للمجتمع”، وهذه العبارات تضعنا بصراحة أمام نسخة معدلة من أوجلان، متسقة مع الواقعية السياسية، بعيدًا عن سجن الأيديولوجيا.
خامسًا: تذكيره بأنه “على مدار أكثر من 1000 عام من التاريخ، وجد الأتراك والأكراد دائمًا أنه من الضروري البقاء في تحالف، مع سيطرة الجانب الطوعي” متهمًا “الحداثة الرأسمالية” بالسعي لتفكيك هذا التحالف، ومطالبًا بضرورة إعادة اللُّحمة بين الطرفين مرة أخرى.
سادسًا: إشادة أوجلان بكل من الرئيس، رجب طيب أردوغان، ورئيس حزب الحركة القومية، دولت بهتشلي.
فأوجلان الذي عاش في كنف “تركيا القديمة” يدرك حجم الإصلاحات التي قام بها أردوغان لصالح الأكراد، على جميع الأصعدة الحقوقية والسياسية والثقافية والتنموية، وكيف عززت تلك الإصلاحات من وجود الهوية الكردية، وجودة الحياة في ولايات الجنوب الشرقي، حيث يقطن أغلب الأكراد.
ماذا بعد البيان؟
تعامل المجتمع الكردي مع البيان بإيجابية واضحة، حيث تم إقامة شاشات عملاقة في ولايتي ديار بكر وفان، لمشاهدة إعلان البيان، وطغت الأجواء الاحتفالية على تلك التجمعات، فرحًا بقرب طي صفحات تلك الحقبة تمامًا.
على المستوى السياسي، أتى أول رد فعل من نائب رئيس حزب العدالة والتنمية، أفقان آلا “الذي كان وزيرًا للداخلية أثناء محاولة الحل عام 2013″، حيث أشار إلى أن البيان ليس موجهًا للسلطة الحاكمة، فجوهر الدعوة “هو إلقاء السلاح وحل المنظمة الإرهابية”، وأضاف: “نحن ننظر إلى النتيجة، إذا استجابت المنظمة الإرهابية لهذا النداء وألقت سلاحها وحلت نفسها فإن تركيا ستتحرر من قيودها”.
بعبارة أخرى، فإن نائب رئيس الحزب الحاكم، ألقى بالكرة في ملعب حزب العمال، مشيرًا إلى أن بيان أوجلان ليس سوى البداية، وأن الحكومة لن تتحرك الآن إلا بعد أن يأخذ حزب العمال زمام المبادرة ويحول دعوة أوجلان إلى إجراءات ملموسة.
عمليًا فإن دعوات إلقاء السلاح داخل تركيا، لم تعد مثل الماضي، إذ نجحت العمليات الأمنية المتعاقبة منذ عام 2015 في شلّ قدرات التنظيم، وإجباره على إخلاء معاقله التقليدية في ولايات الجنوب الشرقي، وفي المناطق الجبلية، والتي كان ينطلق منها لشنّ العمليات الإرهابية ضد قوات الأمن والمدنيين على حد سواء.
حتى إن الهجوم الإرهابي الذي استهدف شركة الصناعات الجوية والفضائية “توساش” في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، تم التخطيط له في شمال سوريا، كما أن الدفع بالمنفذين تم من هناك إلى داخل تركيا.
أيضًا فإن نجاح “عملية الحل” سيؤدي إلى تعزيز شعبية حزبي العدالة والتنمية والحركة القومية، باعتبارهما شريكين في ذلك الإنجاز، الذي حاول من قبل زعماء أتراك إنجازه دون جدوى، بل إن أردوغان نفسه كاد أن يدفع ثمن تصديه لعملية الحل عام 2013-2015 من مستقبله السياسي.
فملف الحل كان معقدًا جدًا بشكل تتداخل فيه الحقائق بالأساطير في المخيال العام التركي، ولم يكن من السهل على الزعماء السابقين الاقتراب منه إلا بقدر محدود، قبل أن نقف اليوم على أعتاب غلق ملف حزب العمال برمته.
ماذا عن سوريا؟
كان أوجلان واضحًا في دعوته “جميع المجموعات” إلى إلقاء السلاح، ومن المعروف أن الهيكل الإداري للتنظيم يضم جميع الوحدات العاملة في سوريا، مثل وحدات الحماية الكردية “YPG”، والفرع النسائي لوحدات الحماية “YPJ”، وحزب الاتحاد الديمقراطي “PYD”.
لكن في أول تصريح لرئيس حزب الاتحاد السابق، صالح مسلم، بدا وكأنه يتهرب من استحقاقات الدعوة، إذ قال: “لن تكون هناك حاجة للسلاح إذا سُمح لنا بالعمل السياسي. وإذا اختفت أسباب حمل السلاح فسوف نتخلى عنه”. وهي عبارات فضفاضة ومشروطة تفتح الباب أمام مزيد من الابتزاز للسلطة الجديدة في سوريا، خاصة في ظل سيطرة وحدات الحماية، على عين العرب “كوباني” وحيي الأشرفية، والشيخ مقصود في حلب.
أما قوات سوريا الديمقراطية “قسد”، التي تسيطر على شمال شرق سوريا، وتتألف من مقاتلين عرب وأكراد، فمن المعروف أنها واحدة من أقنعة حزب العمال في سوريا مثلها مثل وحدات الحماية، وتعمل تحت إشراف القوات الأميركية بزعم محاربة تنظيم الدولة، فقد سارع قائدها مظلوم عبدي إلى غسل يديه من الدعوة بقوله: “إن إعلان أوجلان يتعلق بحزب العمال الكردستاني، ولا علاقة له بنا في سوريا”.
تصريح عبدي يؤشر إلى إصراره على الاحتفاظ بقواته، ومواصلة السيطرة على أجزاء واسعة من سوريا بشكل غير قانوني، ومع فشل الحوار بينه وبين دمشق في التوصل إلى رؤية تحفظ للدولة تماسكها واستقلالها، وتواصله وتنسيقه مع مجموعات أخرى مثل الدروز والعلويين لدعم اللامركزية، فإنه يبدو أن خيار الحسم العسكري بات هو الأقرب حتى الآن.
وأخيرًا:
إن بيان أوجلان، سيحدث حالة من النقاش الواسع داخل الحالة الكردية، خاصة في سوريا والعراق، ولن يكون الامتثال لمفرداته أمرًا سهلًا، حتى مع الرمزية التاريخية لأوجلان، إذ لا يزال في معسكرات التنظيم في جبال قنديل، قيادات أخرى لها رمزيتها مثل جميل بايق، ومراد كارايلان، وغيرهما.
لكن الدعوة بمضامينها الفكرية التأصيلية، ستحدث شرخًا داخل الحواضن الشعبية للتنظيم، وستتآكل القناعات العنيفة، لصالح الإيمان بضرورة التسويات السياسية السلمية، بعيدًا عن لغة السلاح.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
كاتب وباحث في الشؤون التركية
الجزيرة
—————————-
حزب العمال الكردستاني يعلن وقف إطلاق النار مع تركيا استجابةً لدعوة أوجلان/ صفاء الكبيسي
01 مارس 2025
أعلن حزب العمال الكردستاني، اليوم السبت، الامتثال لدعوة زعيمه المسجون عبد الله أوجلان إلى التخلي عن السلاح وإعلان وقف فوري لإطلاق النار، في خطوة مهمة لإنهاء صراع مستمر منذ 40 عاماً مع أنقرة.
وقال بيان للجنة التنفيذية للحزب: “استجابةً لنداء القائد (أوجلان) للسلام والمجتمع الديمقراطي، نعلن وقفاً لإطلاق النار اعتباراً من اليوم، وأنه رغم أي هجمات قد تُشن، فإن قوات الحزب لن تبادر إلى تنفيذ عمليات عسكرية”. وأضاف الحزب أنه يأمل أن تطلق أنقرة سراح أوجلان المحتجز في عزلة تامة تقريباً منذ 1999 كي يتسنى له قيادة عملية نزع السلاح. كذلك تحدث الحزب عن حاجة لوضع شروط سياسية وديمقراطية لإنجاح العملية.
ووفقاً للبيان المعنون بـ”إلى شعبنا الوطني والرأي العام”، فإن نداء أوجلان “يأتي في سياق عملية تاريخية بدأت في كردستان والشرق الأوسط، وأن هذه الخطوة سيكون لها تأثير كبير بتطور القيادة الديمقراطية والحياة الحرة على مستوى العالم”، مشدداً على أن “إطلاق نداء بهذا الشكل خطوة في غاية الأهمية، لكن تحقيقه بنجاح أكثر أهمية، وأن حزب العمال الكردستاني يلتزم هذا النداء مباشرةً، وسيتخذ خطوات وفقاً لضروراته ومتطلباته”. وأضاف البيان أن الحزب “يدخل مرحلة جديدة من النضال، مستفيداً من الرؤية الاستراتيجية للقائد (أوجلان) والتجربة التاريخية للحزب، من أجل تحقيق أهدافه عبر نهج سياسي ديمقراطي”.
وتابع أن “تحقيق قضايا مثل نزع السلاح لا يمكن أن يتم إلا من خلال القيادة العملية للقائد”، مبدياً استعداده “لعقد المؤتمر وفقاً لطلب القائد أوجلان، ولكن تحقيق ذلك يتطلب توفير الظروف المناسبة، وأنه لنجاح هذا المؤتمر، ينبغي أن يكون القائد أوجلان هو الموجه الرئيسي له”.
“َضمان حرية” أوجلان
وشدد الحزب على أن “تحقيق نداء السلام والمجتمع الديمقراطي بشكل ناجح، وضمان التحول الديمقراطي في تركيا والشرق الأوسط عبر حل ديمقراطي للقضية الكردية، يتطلب توفير الشروط اللازمة لضمان حرية القائد عبد الله أوجلان جسدياً وفكرياً وسياسياً”، داعياً الى “إزالة جميع العقبات أمام رفاق القائد آبو (أوجلان) كي يتمكنوا من التواصل معه دون قيود”.
وتابع بأن “نداء القائد آبو ليس نهاية، بل بداية جديدة”، مضيفاً: “كما ورد بوضوح في البيان، هناك العديد من الأمور التي كان ينبغي تنفيذها خلال السنوات الـ35 الماضية، وخصوصاً خلال العشرين عاماً الأخيرة، لكنها لم تُنفذ رغم المطالبات المستمرة”، مشدداً على أن “الآن بات من الضروري تنفيذها دون تأخير”.
وقال أوجلان في الإعلان الذي تلاه، يوم الخميس الماضي، وفد من نواب “حزب المساواة وديمقراطية الشعوب” (ديم) المؤيد للأكراد، الذي زاره في سجنه في جزيرة إيمرلي، قبالة إسطنبول، إن “على جميع المجموعات المسلحة إلقاء السلاح وعلى حزب العمال الكردستاني حل نفسه”، وأكد أنه يتحمل “المسؤولية التاريخية عن هذه الدعوة”. وتأسس حزب العمال الكردستاني عام 1978، وتعتبره تركيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي “إرهابياً”. وأطلق تمرداً مسلحاً ضد أنقرة عام 1984 لإقامة دولة كردية. وخلّف هذا الصراع أكثر من 40 ألف قتيل منذ 1984.
الرئيس التركي خلال كلمته بإسطنبول، 28 فبراير 2025 (Getty)
ورأى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أمس الجمعة أن دعوة أوجلان تشكل “فرصة تاريخية”. وقال الرئيس التركي خلال مشاركته في إحدى الفعاليات في إسطنبول: “لدينا فرصة تاريخية للتقدم نحو هدف تدمير جدار الإرهاب”. وأكد أردوغان أن تركيا “ستراقب من كثب” لضمان أن تصل المحادثات لإنهاء التمرد إلى “نهاية ناجحة”، محذراً من أي “استفزازات”.
كذلك قال المتحدث باسم حزب العدالة والتنمية عمر جليك للصحافيين في إسطنبول إن الدعوة ستعزز طموحات الحكومة في “تركيا بلا إرهاب” إذا استُجيب لها، لكنه أضاف أنه لن يكون هناك تفاوض أو مساومة مع حزب العمال الكردستاني. وأوضح قائلاً: “بغض النظر عن الاسم الذي تستخدمه، يجب على المنظمة الإرهابية أن تلقي سلاحها، إلى جانب جميع عناصرها وامتداداتها في العراق وسورية”.
ودعت أنقرة مراراً “قوات سوريا الديمقراطية” إلى نزع سلاحها منذ إسقاط نظام بشار الأسد في 8 ديسمبر/كانون الأول الماضي، محذرة من أنها قد تواجه عملاً عسكرياً. ولاقت دعوة أوجلان، التي كانت نتيجة اقتراح مفاجئ في أكتوبر/تشرين الأول الماضي من أحد الحلفاء القوميين للرئيس التركي، ترحيباً من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وحلفاء غربيين آخرين، بالإضافة إلى العراق وإيران.
العربي الجديد
——————————
أسئلة عدة في تركيا بعد دعوة أوجلان إلى السلام
أردوغان قد يتمكن من حشد النواب المؤيدين للأكراد لإجراء تعديل دستوري يسمح له بالترشح للانتخابات الرئاسية
السبت 1 مارس 2025
يبدو إطلاق سراح أوجلان البالغ 75 سنة والمسجون في جزيرة قبالة إسطنبول منذ عام 1999 أمراً غير مرجح نظراً إلى التهديدات التي تطاوله.
تطرح دعوة الزعيم الكردي عبدالله أوجلان حزب العمال الكردستاني إلى طي صفحة النزاع المسلح المتواصل منذ أربعة عقود أسئلة عدة من دون أجوبة حول تبعاتها السياسية في تركيا ووضع الأكراد الذين يشكلون نحو 20 في المئة من سكان البلاد.
وتتوج رسالة مؤسس الحزب المسجون في تركيا منذ 26 عاماً الحوار الذي بدأته معه السلطات التركية في أكتوبر (تشرين الأول) 2024.
ويبدو إطلاق سراح أوجلان البالغ 75 سنة والمسجون في جزيرة قبالة إسطنبول منذ عام 1999 أمراً غير مرجح نظراً إلى التهديدات التي تطاوله، لكن توقع بيرم بالجي من مركز الأبحاث الدولية في باريس أن “قد تطرأ تعديلات كبيرة على تدابير سجنه”.
حل الحزب لا يعني نهاية القضية الكردية
على المستوى الأيديولوجي لفت المؤرخ حميد بوزرسلان من كلية الدراسات العليا في العلوم الاجتماعية في باريس إلى أن أوجلان “اعترف بأن حزب العمال الكردستاني ولد في سياق معين، انتهى حالياً”. وأضاف، “لكن من الواضح أن حل الحزب لا يعني نهاية القضية الكردية: لقد أصر على التحول الديمقراطي لتركيا”.
وتابع أن أوجلان من ناحية أخرى “لم يفعل ما كانت تركيا تتوقعه منه، أي إدانة الإرهاب والإعلان عن نهاية الإرهاب”، وفق تعبيره، بعد أربعة عقود على بدء النزاع الذي خلف أكثر من 40 ألف قتيل.
ورأى أستاذ العلوم السياسية في جامعة سابانجي في إسطنبول بيرك إيسن أن هذا المسار يستجيب في المقام الأول لمشكلة محلية. واعتبر أنه بعد الهزيمة الثقيلة التي لحقت بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان وحزبه “العدالة والتنمية” الإسلامي المحافظ الحاكم منذ عام 2002 في الانتخابات البلدية في مارس (آذار) 2024، “أصبح من الواضح أنه من دون حصول تغييرات كبيرة” فإنه يجازف بخسارة الانتخابات المقبلة، بما في ذلك الانتخابات الرئاسية في عام 2028.
ولفت إيسن إلى أنه مع صعود رئيس بلدية إسطنبول المعارض الشهير أكرم إمام أوغلو الذي يخشاه إردوغان، “شعر بأنه مضطر إلى اتخاذ إجراءات”.
إلى ذلك تأمل أنقرة أن تحصل من الإدارة السورية على طرد مقاتلي حزب العمال الكردستاني الأتراك الموجودين في شمال شرقي سوريا عند حدودها إلى جانب قوات سوريا الديمقراطية (قسد).
واعتبر الرئيس التركي أمس الجمعة أن دعوة أوجلان تشكل “فرصة تاريخية” لـ”تدمير جدار الإرهاب”، وأكد أن تركيا “ستتابع من كثب” العملية التي بدأت لضمان أن تصل إلى “نهاية ناجحة”.
وأضاف أردوغان الجمعة، “عندما تتم إزالة ضغط الإرهاب والسلاح فإن مساحة الديمقراطية في السياسة سوف تتسع بصورة طبيعية”.
تعديل دستوري
ورأى بيرم بالجي أن أردوغان قد يتمكن من حشد النواب المؤيدين للأكراد لإجراء تعديل دستوري من شأنه أن يسمح له بالترشح للانتخابات الرئاسية في عام 2028.
ولفت المحلل في شركة “فيريسك مابلكروفت” الاستشارية هاميش كينيار إلى أن أردوغان قد يفكر في “نوع من اتفاق عدم اعتداء مع حزب المساواة وديمقراطية الشعوب (ديم) المؤيد للأكراد في مقابل بعض التنازلات في مجال الحقوق الثقافية واللغوية للأكراد”.
“حملة قمعية”
توازياً مع المفاوضات مع أوجلان صعدت الحكومة التركية القمع: تم فصل 10 رؤساء بلديات مؤيدين للأكراد ينتمون إلى حزب المساواة وديمقراطية الشعوب من مناصبهم، واعتقال مئات الأشخاص بتهمة “الإرهاب”.
وقال مدير الأبحاث في شركة الاستشارات الجيوسياسية “مارلو غلوبال” أنتوني سكينر، “لوَّح أردوغان باحتمال حصول السلام، بينما واصل حملة قمعية وأمنية”. وأضاف، “أتوقع أن يستمر ذلك حتى يحصل على شروط مواتية قدر الإمكان”.
وقال سيدات يورطاش، من مركز دجلة للبحوث الاجتماعية في ديار بكر (جنوب شرقي تركيا)، إن هذه الحملة “استهدفت سياسيين يُعدون مقربين من حزب العمال الكردستاني في قنديل”، وهي منطقة في شمال العراق يتمركز فيها مقاتلون تابعون للحزب. ورأى أن هذا الأمر قد يُستخدم حالياً “كتهديد لأولئك الذين يعارضون دعوة (أوجلان) أو لا يدعمونها علانية”.
———————
أكراد سوريا يتملصون من دعوة أوجلان.. التمسك بالسلاح والمكاسب/ منصور حسين
السبت 2025/03/01
وضعت دعوة الزعيم الكردي عبد الله أوجلان إلى التخلي عن السلاح، وحل حزب العمال الكردستاني، التنظيمات والمليشيات المسلحة الكردية المنتشرة في سوريا، وفي مقدمتها قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، أمام مفترق طرق، وتطور جديد على الصعيدين السياسي والشعبي.
وفي بيان تلاه وفد من نواب حزب “الشعوب للعدالة والديمقراطية” التركي المؤيد للأكراد، الذي زاره في وقت سابق الخميس الماضي، قال أوجلان: “اعقدوا مؤتمركم واتخذوا قراراً.. يجب على كل المجموعات إلقاء أسلحتها ويجب على حزب العمال الكردستاني حلّ نفسه”.
وأضاف أوجلان القائد المؤسس لحزب العمال، والذي يقضي عقوبة السجن مدى الحياة في سجن بجزيرة إيمرالي الواقعة جنوب بحيرة مرمرة، غرب تركيا: “أدعوا إلى إلقاء السلاح، وأتحمل المسؤولية التاريخية لهذه الدعوة”، مؤكداً عودة القنوات السياسية والديمقراطية المغلقة إلى الانفتاح من جديد.
التفاف متوقع
وكما كان متوقعاً، سارع قادة الجماعات والتنظيمات المسلحة الكردية، وفي مقدمتها قسد، للخروج واستثناء مليشياتهم من النداء، الذي اعتبروه خاصاً بالمقاتلين والجماعات المرتبطة بالحزب وعملياتهم العسكرية في تركيا، وتأكيدهم على دعم أوجلان في رسالة منفصلة، لعملهم “من أجل السلام في سوريا ومحاربة تنظيم داعش”.
بدوره أعلن قائد مليشيا حزب الاتحاد الديمقراطي صالح مسلم، أحد المكونات التابعة لحزب العمال في سوريا، رفض دعوة أوجلان، معتبراً أن أجواء النضال الديمقراطي غير متوفرة في سوريا، مضيفاً “عندما تتوقف الهجمات ضدنا تنتفي أسباب حمل السلاح”.
ومن المفترض أن تجري القيادة المركزية لحزب العمال الكردستاني اجتماعاً خاصاً خلال اليومين المقبلين، لتبيان موقفهم من دعوة أوجلان، إن كان بالاستجابة الكاملة أو تحديدها بالمقاتلين على الأراضي التركية فقط.
في الطريق لرفض الدعوة
ويرى الباحث السياسي علي تمي، أن طرح أي حل يدعو إلى تفكيك الجماعات الأيدلوجية لنفسها، ضرب من الخيال، خاصة وأن حزب العمال صار لديه امتداد كبير وعلاقات دولية.
ويقول تمي لـ”المدن”: “أي دعوة للسلام وقبولها يُعدّ بمثابة انتحار لهذه الجماعات، خصوصاً حزب العمال الذي أنشأ دولة داخل سوريا والعراق، مستغلاً المظلومية الكردية، ولديه أنصار بالآلاف في أوروبا ويمتلك منظومة من القنوات الفضائية”.
ويضيف “بعد أن أصبح الحزب متحكماً بحدود أربعة دول، ويُستقبل قادته في العواصم الأوربية ويستقبلون الوفود في الحسكة، ويسيطر على خطوط تجارة واسعة، مكنته من ابتزاز الحكومة السورية إضافة إلى ورقة النفط والغاز، فإن مسألة حل نفسه والعودة إلى حياة التشرد، يعدّ ضرباً من الخيال”.
قرار قسد المعقد
أما بالنسبة لقوات سوريا الديمقراطية، يعتبر الباحث في مركز رامان للبحوث بدر ملا رشيد، أن توضيح قرار نأي قواتها عن إعلان أوجلان، يتطلب الإلمام بالعديد من الجوانب لتحليل موقفها، خصوصاً وأنها تعد من أدوات التحالف الدولي لمواجهة تنظيم داعش في سوريا.
ويقول ملا رشيد لـ”المدن”: قرار إلقاء السلاح وإن كان جزء منه يعود لقسد، إلا أن القرار الرئيسي مرتبط بموافقة التحالف الدولي، إضافة إلى أن معظم عناصرها من قوميات سورية مختلفة، وبالتالي فإن إلقاء السلاح يفترض أن يجري في سياق دمجهم ضمن مؤسسات الدولة العسكرية، بحسب سير المفاوضات مع السلطات في دمشق، وموقف التحالف الدولي والقوى السياسية شرق سوريا”.
وفي حال خروج عناصر حزب العمال، فيُفترض أن تتجه قسد للتفاوض بجدية أكبر مع دمشق، باعتبارها منظمة عسكرية سورية، ولديها فعلاً قابلية الانخراط داخل الجيش السوري مستقبلاً، بحسب رشيد.
الشارع الكردي منقسم
ومع ذلك، لا يبدو أن نداء أوجلان قد لاقى آذاناً صاغية من قبل قادة الأكراد وعناصرهم في سوريا، حيث تزامن مع خروج عناصر تابعين للإدارة الذاتية في مدينة الرقة، في مظاهرات رافضة لنداء ترك السلاح، إضافة إلى قيام وحدات حماية الشعب والاتحاد الديمقراطي برفع السواتر الترابية، في حي الشيخ مقصود بحلب، على طول خطوط التماس مع الجيش السوري.
لكن ملا رشيد يؤكد أن “شريحة واسعة من الشارع الكردي المدني في سوريا، الذين ارتبط مصيرهم بوجود قسد، مؤيدون للسلام مع دمشق، لكن ضمن مطالب تضمن حقوق الكرد ويحميها الدستور”.
تظهر تصريحات قادة الجماعات الكردية في سوريا نيتهم الاستمرار في القتال، وهو ما يجعلهم أمام واقع العملية العسكرية التركية في حال تعنتها، خصوصاً بعد تحقيق أنقرة السلام مع حزب العمال الكردستاني داخل أراضيها.
المدن
————————–
دعوة أوجلان تمنح العراق فرصة الخلاص من العبء التاريخي لحزب العمال الكردستاني
مصداقية لمقاربة الحزب الديمقراطي وفرصة للاتحاد الوطني للإفلات من الضغوط التركية.
السبت 2025/03/01
فرصة لطي صفحة دامية من تاريخ المنطقة
دعوة مؤسس حزب العمال الكردستاني عبدالله أوجلان لإلقاء السلاح والانخراط في حل سلمي للصراع ضدّ تركيا لا يعتبر فقط مكسبا لأنقرة، بل يمثّل أيضا فرصة للعراق للتخلص من تبعات صراع مزمن وجد نفسه طرفا فيه دون أن تكون له أيّ مصلحة من ورائه، عدا الخسائر التي جناها على مختلف الصعد الأمنية والاقتصادية والسياسية.
بغداد- تفتح إمكانية السلام التي أصبحت قائمة بين تركيا وحزب العمال الكردستاني بعد الدعوة التي أطلقها الزعيم التاريخي للحزب عبدالله أوجلان لإلقاء السلاح، للعراق فرصة التخلّص من العبء الأمني والسياسي وحتى الاقتصادي الذي تحمّله على مدى أربعة عقود من تواجد هؤلاء المقاتلين الأكراد على أرضه.
ومن شأن إنهاء وجود مقاتلي الحزب في مناطق شاسعة من الشمال العراقي سلميا أن يرفع الحرج عن بغداد التي ظلت دائما موضع ضغوط تركية باعتبارها متنازلة عن سيادة الدولة على جزء من أراضيها ومشاركة في احتضان منظمة إرهابية وفق التوصيف التركي، كما من شأنه أن يفتح الطريق للمزيد من التعاون بين تركيا والعراق في نطاق مساعي الأخير لتنويع شراكاته مع بلدان المنطقة وإعادة التوازن لعلاقاته الإقليمية المختلة لمصلحة إيران.
كما ينطوي الأمر على مصلحة اقتصادية وتنموية مباشرة وآنية تتمثّل في تهيئة الأرضية الأمنية والسياسية لإنجاز مشروع طريق التنمية المشترك بين العراق وتركيا والإمارات وقطر والذي من المقرر أن يربط مياه الخليج بالحدود التركية عبر الأراضي العراقية بما في ذلك مناطق الشمال التي ينتشر في عدد منها مقاتلو حزب العمال الكردستاني.
إقليم كردستان العراق أكثر تضررا من صراع تركيا مع حزب العمال كون أغلب فصول الحرب دارت على أرضه
وشهدت العلاقات التركية – العراقية مؤخّرا قفزات نوعية شملت الملف الأمني وتحديدا قضية حزب العمال الذي أبدت بغداد توافقا كبيرا مع أنقرة بشأنه وأعلنته تنظيما محظورا داخل الأراضي العراقية.
وتسبب انتشار مقاتلي الحزب منذ مطلع تسعينات القرن الماضي على مساحات عراقية تقدّر بقرابة الثمانية آلاف متر مربع متفرقة بين عدة محافظات بحالة من عدم الاستقرار الأمني خصوصا وأنه استدرج تدخلا عسكريا تركيا تزايد نطاقه خلال السنوات الأخيرة وتحوّل في بعض الأحيان إلى تواجد مستمر من خلال إقامة عدد من القواعد وشق شبكة مسالك تربط بينها وتصلها بالأراضي التركية، ما جعل الحكومات العراقية بما في ذلك الحكومة الحالية برئاسة محمد شياع السوداني عرضة لانتقادات ومزايدات من قوى سياسية موالية في الغالب لإيران ولا تتردّد في اتهامها بالتفريط في السيادة الوطنية وعدم الجدية في حماية أراضي البلاد من التدخل العسكري الأجنبي.
ويُعتبر إقليم كردستان المتمتع بحكم ذاتي في نطاق الدولة الاتحادية العراقية المتضرّر المباشر من تواجد مقاتلي حزب العمّال في العراق كون معظم حلقات الصراع المسلح للحزب ضد القوات التركية دارت على أراضي الإقليم وتسببت في أضرار مباشرة لسكانه وأعاقت استقرار العديد من المناطق وعطلت تنميتها.
وجاءت دعوة أوجلان التي وجهها من محبسه التركي في جزيرة إمرالي لإلقاء السلاح والانخراط في عملية سلمية مع تركيا لتضفي مصداقية على منظور قيادات كردية عراقية وتحديدا قيادة الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني لقضية حزب العمال، ولتُبرز فاعلية الجهد السلمي الذي انخرط فيه بارزاني نفسه وظهر مؤخرا إلى العلن من خلال عقده اجتماعات مع جهات كردية منخرطة في الصراع ضد تركيا بما في ذلك استقباله مؤخرا وفدا من حزب المساواة وديمقراطية الشعوب أطلق عليه إعلاميا اسم وفد إمرالي في إشارة إلى الجزيرة التي يسجن فيها أوجلان.
وأثارت دعوة أوجلان حالة من الارتياح في إقليم كردستان وعموم العراق عبّرت عنها وزارة الخارجية العراقية في بيان رحّبت فيه بالدعوة واعتبرتها “إيجابية في تحقيق الاستقرار في المنطقة وخطوة بالغة الأهمية نحو تعزيز الأمن، ليس فقط في العراق بل في المنطقة بأسرها”.
وشدّدت الوزارة في بيانها على أن “الحلول السياسية والحوار هما السبيل الأمثل لمعالجة الخلافات وإنهاء النزاعات”.
ودعا أوجلان الخميس حزب العمال الكردستاني الذي أسّسه إلى إلقاء السلاح وحلّ نفسه، في إعلان تاريخي صدر بعد أربعة عقود من النزاع المسلح الذي يخوضه الحزب مع أنقرة.
وأعربت الخارجية العراقية عن أملها “في أن تُترجم هذه الدعوة إلى خطوات عملية وسريعة لإلقاء قوات الحزب سلاحها”.
وشدّدت الحكومة العراقية المركزية في الأشهر الأخيرة لهجتها ضد حزب العمال الكردستاني وصنّفته منظمة محظورة.
وطالبت تركيا بغداد ببذل جهود أكبر في هذه القضية. وفي منتصف أغسطس الماضي وقّع البلدان اتفاق تعاون عسكري يتعلق بإنشاء مراكز قيادة وتدريب مشتركة كجزء من الحرب ضد الإرهاب. وأكّدت الخارجية العراقية في بيانها التزام الحكومة الاتحادية “بالعلاقات القوية مع الجارة تركيا”.
واتخذ الترحيب في كردستان العراق بخطوة أوجلان بعدا أكبر كون أكراد البلاد أكثر تشابكا مع الصراع بين تركيا وحزب العمال بحكم العامل القومي وأيضا بسبب معاناتهم المباشرة أمنيا واقتصاديا وتنمويا من تداعيات ذلك الصراع المزمن.
وأعرب المرجع الكردي زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود بارزاني عن أمله بأن تكون دعوة أوجلان للسلام، “بداية لوضع العملية السلمية في مسارها“.
وعبْر بيان رسمي قال بارزاني “نؤكد موقفنا الثابت إزاء عملية السلام والتسوية في تركيا، ونعلن دعمنا الكامل للعملية بكل ما يمكن من منطلق رؤيتنا بأن السلام هو السبيل الصحيح الوحيد لحل الخلافات.
وأضاف “نأمل بأن تكون رسالة السيد أوجلان بداية لوضع عملية السلام في مسارها والتوصل إلى نتيجة تصب في مصلحة جميع الأطراف“.
كما رحب رئيس إقليم كردستان نيجيرفان بارزاني من جهته بدعوة زعيم حزب العمال داعيا إلى “الالتزام بالدعوة وتنفيذها،” ومبديا استعداد الإقليم لتقديم كل الدعم لعملية السلام والقيام بدور المساعد لها والتعاون في إنجازها.
وأصدر رئيس حكومة إقليم كردستان مسرور بارزاني من جهته بيانا أكد فيه دعمه للحلول السلمية في المنطقة. وقال في بيانه “نعرب عن ترحيبنا وتأييدنا لأيّ محاولة هادفة لحل المشاكل في المنطقة بالسبل السلمية،” مؤكّدا أن إقليم كردستان “كان على الدوام عاملا محوريا للسلام والاستقرار في المنطقة،” ومضيفا “نؤكد من هذا المنطلق استعدادنا لتقديم كل أشكال التعاون والاضطلاع بأيّ دور في سبيل إنجاح عملية السلام في تركيا.”
وكان لافتا ضمن مواقف القيادات الكردية العراقية من دعوة أوجلان، موقف الاتحاد الوطني الكردستاني ممثلا برئيسه بافل طالباني من الدعوة ذاتها.
ويكتسي ملف حزب العمال حساسية خاصة للاتحاد الوطني الذي يقيم علاقات متينة مع الحزب جعلته موضع اتهام من قبل تركيا باحتضان مقاتليه في مناطق نفوذه ومساعدته في حربه ضدّ القوات التركية.
وخضع الاتحاد بسبب ذلك لضغوط تركية وصلت حدّ التهديد باستخدام القوة العسكرية ضدّه. ولهذا السبب جاءت دعوة أوجلان للسلام بمثابة سُلّم لحزب طالباني للنزول من الشجرة الشاهقة التي اعتلاها.
ورحب رئيس الاتحاد بدعوة زعيم حزب العمال الكردستاني واصفا إياها بـ”الرسالة المسؤولة والمطلوبة في المرحلة الحالية.”
وقال في بيان “إن الرسالة تأتي بهدف توحيد صفوف الكرد والبحث عن حل سلمي للمشكلات وفق مبدأ الشراكة لبناء مستقبل مشرق وآمن لشعب كردستان.” وأكد أن حزبه “يعتبر هذه الرسالة خطوة هامة لبداية مرحلة جديدة نحو تعزيز التلاحم والأخوة بين الكرد والترك،” مشيرا إلى “أهمية عدم إهدار هذه الفرصة التاريخية.”
——————————
أوجلان.. لقد حان الوقت لإلقاء السلاح/ حاتم خاني
إلقاء السلاح في الوقت الحاضر هو الخيار الأمثل بالنسبة إلى النضال الكردي في ساحة نضالهم الداخلية ولكن مع الحصول على ضمانات بعدم ملاحقة كوادرهم وأعضائهم.
السبت 2025/03/01
لو سلمنا بأن عبدالله أوجلان يتمتع بكامل قواه العقلية بعد طول الفترة التي قضاها ويقضيها تحت الضغط التركي في سجنه، فليس سهلا أن يتخلى حزب العمال الكردستاني عن السلاح بعد هذه المراحل الطويلة التي قاوم فيها وسقط فيها الآلاف ممن ضحوا بحياتهم في سبيل تحقيق تلك الأهداف التي من أجلها تأسس هذا الحزب ولاسيما أنه لم يتم تحقيق الأهداف المطلوبة، وكذلك لم تتخذ تركيا أيّ خطوة تتطلب توجه الحزب إلى الإعلان عن حلّ نفسه وإلقاء السلاح، والدعوة التي جاءت من دولت بهتشلي إنّما هي دعوة غير رسمية ولا تمثل الرأي الحكومي أو الشعبي بدليل أن تركيا تقوم بتصعيد التوتر في المنطقة بصورة مستمرة ولا يدل هذا على أنها ماضية في عملية السلام التي يقنع الكرد أنفسهم بالتوصل إلى اتفاق مع أولئك الأتراك.
تمثل القوة احد الوسائل المستخدمة لانتزاع الحقوق وهي التي نجحت في الكثير من الثورات التي حصلت فيها الشعوب على حرياتها، وهنا مع حزب العمال الكردستاني كانت هي السبب في إعادة القضية الكردية في تركيا إلى الوجود بعد أن اعتقد الأتراك بأنهم تمكنوا من القضاء على القومية الكردية بالتمام والكمال، وعلى الرغم من صفة الإرهاب التي التصقت بالحزب، نتيجة موقع تركيا وقوتها التي تتمتع بها في حلف الناتو. إلا أن الحزب استطاع إقناع العالم بان هناك شعبا آخر يعيش إلى جانب الأتراك وهو يتطلع إلى الحرية التي هي غائبة عنه بسبب أن هذا العالم نفسه يغلق عينيه إرضاء لتركيا التي يحتاجون إليها في مجابهة القوى الأخرى وكانت في وقتها المعسكر الشرقي.
الواقع يشير إلى عدم قدرة الحزب على تحقيق أيّ تقدم وأيّ انتصار على الجيش التركي، بل إن العكس بدأ يترك آثاره السلبية على استمرارية الحزب وبدأ الحزب يخسر كوادره وقوّته البشرية وبأقل الخسائر بالنسبة إلى تركيا
إذن كيف سيقنع الحزب عوائل أولئك الشهداء الذين دفعوا حياتهم ثمنا لبقاء السلاح بيد الحزب، وهل يدرك مسؤولو الحزب بأنه في حالة إلقاء السلاح فسوف لن يكون بمقدورهم لملمة صفوفهم والعودة إلى النضال المسلح. ثم ما هي الضمانات التركية بأنها لن تحاكم أعضاء الحزب، وأين سيتجه هؤلاء في حالة أن تركيا هددت بالقبض عليهم ومحاكمتهم، وهي التي لم تبد أيّ علامة أنها ستدخل في عملية السلام.
من جانب آخر، بقاء الحزب على قمم الجبال في إقليم كردستان بعيدا عن الأراضي التي يقاتل من أجلها، هل سيجني ثمار هذا القتال؟ هل سيحقق ولو أقل الأهداف التي يسعى إليها؟ وماذا بعد أن سمح الغرب لتركيا بالوصول إلى هذا التطور في صناعة السلاح وامتلاكه وبلوغها مراتب متقدمة في تسلسل الجيوش القوية، هل يجدي القتال معها بأتباع أسلوب حرب العصابات؟ ثم ألم يعلمنا التاريخ أن امتلاك الأحزاب الكردية للسلاح كان سببا رئيسيا للاقتتال الكردي – الكردي؟
إذن ما هو المطلوب بعد دعوة أوجلان؟
إن اتباع هذه الدعوة أفضل من الامتناع عن تلبيتها ولاسيما أن كل الوقائع تسير بهذا الاتجاه سواء كان الأمر برضى الكرد أم مغايرا لتمنياتهم، فالالتزام بها سيحقق للحزب الاحتفاظ بوحدته مع قادته ومع حركات الظل التي تعمل تحت مسميات أخرى في الساحة السياسية الداخلية، كما سيثبت للعالم اجمع أن الكرد قد اختاروا طريق السلام في الحصول على حقوقهم ولاسيما أن العالم اجمع قد ترقبوا هذه الدعوة وهم يتابعون ردود الأفعال الناتجة عنها من الطرفين الكردي والتركي.
الحزب وباستمراره على هذا النحو لن يتمكن من الإجابة على أسئلة الثكالى من أمهات المقاتلين، ترى ماذا حقق هؤلاء المقاتلون بعد كل هذه الخسائر؟
وبهذا يتم التخلص من الصفة الإرهابية التي دمغت بنضال هذا الحزب حيث كانت من الأسباب الرئيسية لعدم حصول النضال الكردي في تركيا على التعاطف الدولي.
ويتمّ سحب البساط من تحت إقدام الآلة العسكرية التركية التي لطالما تذرعت بمحاربة الإرهاب وكانت سببا في بقاء المناطق الكردية في شرقي تركيا بعيدة عن الحصول على نصيبها من الاستقرار والتطور. وهو سبب رئيسي أيضا لعدم اتجاه المواطنين الكرد في ممارسة عاداتهم وتقاليدهم القومية والتحدث بلغتهم الأم.
ثم إن الواقع يشير إلى عدم قدرة الحزب على تحقيق أيّ تقدم وأيّ انتصار على الجيش التركي، بل إن العكس بدأ يترك آثاره السلبية على استمرارية الحزب وبدأ الحزب يخسر كوادره وقوّته البشرية بصورة يومية وبأقل الخسائر بالنسبة إلى تركيا، كما أن الحزب وباستمراره على هذا النحو لن يتمكن من الإجابة على أسئلة الثكالى من أمهات المقاتلين، ترى ماذا حقق هؤلاء المقاتلون بعد كل هذه الخسائر؟
إذن كل الوقائع وكل الدلائل المرتبطة بوجود هذا الحزب تشير أن إلقاء السلاح في الوقت الحاضر لهو الخيار الأمثل بالنسبة إلى النضال الكردي في ساحة نضالهم الداخلية ولكن مع الحصول على ضمانات بعدم ملاحقة كوادرهم وأعضائهم.
نعتقد بأنه ليس من صالح تركيا عدم وجود ذريعة مثل وجود ذريعة حزب العمال الكردستاني للدخول في قتال مع كرد العراق أو كرد سوريا، حيث أن الفائدة قد تعم جميع الكرد في بقية أجزاء كردستان وتجرد تركيا من حججها القديمة في مهاجمة إقليم كردستان العراق أو شمال شرقي سوريا، وهكذا يمكن للحركات السياسية في هذه البقع من التفرغ لنيل المكاسب القومية من الحكومات المحلية بعد التخلص من الضغوط الهائلة التي كانت تركيا تسلطها عليهم.
كاتب كردي – دهوك
العرب
————————-
المصالحة التركية – الكردية المحتملة تعيد تشكيل الديناميكيات الإقليمية
السلام الدائم يحد من الصراعات عبر الحدود والتطرف والحواجز أمام الشراكة الاقتصادية.
السبت 2025/03/01
عملية السلام التركية – الكردية تشكل فرصة فريدة لتبني سياسات شاملة لمعالجة القضية الكردية الأوسع نطاقا. وعلى النقيض من ذلك، فإن الزعماء الكرد في مختلف أنحاء المنطقة لديهم الفرصة لاحتضان هذه المبادرة وتحويلها إلى خارطة طريق لتحقيق السلام الدائم.
ديار بكر (تركيا) – يرى محللون أن المصالحة التركية – الكردية المحتملة لإنهاء صراع دام أكثر من أربعة عقود، لديها القدرة على إعادة تشكيل ديناميكيات الشرق الأوسط، إذ أن دول المنطقة وبالأخص العراق وسوريا لديها مصلحة في ضمان حل ودّي ومستدام.
وأطلق الزعيم الكردي عبدالله أوجلان الخميس “نداء تاريخيا” دعا فيه إلى حل جميع المجموعات التابعة لحزب العمال الكردستاني وإنهاء أنشطته المستمرة منذ أكثر من 40 عاما، ما يمهد للدخول في مفاوضات سلام مع أنقرة.
ويقول الدكتور دلاور علاء الدين، وهو الرئيس المؤسس لمعهد أبحاث الشرق الأوسط، إن المخاطر بالنسبة إلى العراق وسكانه الكرد عالية، حيث من المتوقع أن يستفيدوا كثيرًا من عملية السلام التي تقودها أنقرة.
وأنشأت القوات المسلحة التركية وكذلك حزب العمال الكردستاني قواعد عسكرية قوية في كردستان العراق، بعد أن حولت الجبال إلى مناطق قتال.
وعلى مدى العقود الماضية، نفّذت أنقرة العديد من الغارات والضربات على أهداف تابعة لحزب العمال الكردستاني في شمال العراق.
ويشير علاء الدين إلى أن إنهاء الصراع بين تركيا وحزب العمال الكردستاني يعني منطقة أكثر استقرارًا للكرد وعلاقة أكثر صحة بين أنقرة وبغداد.
عبدالله أوجلان أطلق “نداء تاريخيا” دعا فيه إلى حل جميع المجموعات التابعة لحزب العمال الكردستاني وإنهاء أنشطته المستمرة منذ أكثر من 40 عاما
وفي ذات السياق، كان الكرد الذين يعيشون في شمال شرق سوريا، والمعروفون بين الكرد باسم الإدارة الذاتية الديمقراطية لشمال وشرق سوريا (روج آفا)، من بين الأكثر تضرراً من صراع أنقرة مع حزب العمال الكردستاني، وهو ما يعني على الأرجح أنهم سيستفيدون أكثر من عملية السلام المحتملة.
وعانى السكان الكرد وغير الكرد في شمال وشرق سوريا لفترة طويلة من العزلة والإهمال.
وعلى مدى العقد الماضي، اكتسبوا اعترافًا دوليًا بمحاربتهم لتنظيم داعش. وعلى الرغم من ذلك، ناضل السكان تاريخيًا للحصول على الجنسية السورية الكاملة أو ضمانات لحقوقهم الإنسانية والسياسية والثقافية. وهم حذرون من أن يتم تخفيضهم مرة أخرى إلى مواطنين من الدرجة الثانية في سوريا.
ويرجّح مراقبون أن تعزز دعوة أوجلان إلى إلقاء السلاح الكرد السوريين على المضي قدما في التفاوض على مستقبلهم مع دمشق – بعيدًا عن أي تأثير خارجي أو تهديدات تركية بالغزو. ومن المتوقع أن ترد أنقرة بالمثل، من خلال كبح جماح وكلائها والامتناع عن شن هجمات مباشرة على شمال شرق سوريا.
ويدرك القادة الكرد أن أنقرة ودمشق لن تقبلا بنظام فيدرالي أو أيّ شكل آخر من أشكال الحكم الذاتي غير المتكافئ للمنطقة، وبالتالي فإنهم يهدفون إلى صياغة نظام لامركزي إداري متكافئ معقول لجميع مناطق سوريا.
بغض النظر عن الاتجاه الذي سيسلكه مسار المصالحة الكردية – التركية، فإن المكاسب المحلية والإقليمية ستكون تاريخية
ولم يقدم قادة سوريا الجدد حتى الآن (على الرغم من وجود مفاوضات) كيفية إضفاء الطابع المؤسسي على الحقوق الكردية داخل سوريا الموحدة. ومع ذلك، فإنهم يدركون أن البلاد لا يمكن أن تتحد من خلال إنشاء نسخة جديدة من نظام الحكم المركزي السابق.
ويؤكد محللون أن الاتفاق على نموذج موثوق للحكم الذاتي الإداري الإقليمي في جميع المحافظات سيكون ضروريًا لبناء الثقة وتعزيز المصالحة والحفاظ على الوحدة الوطنية.
وتتعاطف بعض الدول العربية مع القضية الكردية، حيث ينظر البعض إلى النفوذ التركي المتزايد في المنطقة بحذر. وعارضوا هيمنة إيران في سوريا، وهم لا يرغبون في رؤية البلاد تعتمد بشكل مفرط على تركيا.
وتدعو الإدارة الأميركية الجديدة تحت قيادة الرئيس دونالد ترمب إلى السلام والشراكة الاقتصادية في المنطقة، ومن المرجح أن ترحّب بعملية السلام، التي قد تمهد الطريق في نهاية المطاف لتقليص الوجود العسكري الأميركي في سوريا.
وللولايات المتحدة والدول الأوروبية مصالح في استقرار الشرق الأوسط. إذ تشكل تركيا والكرد قوة عظمى في المنطقة. فقد خصصوا على مر السنين رأس مال سياسي ومالي وعسكري ضخم للمنطقة. ومن الممكن أن يؤدي السلام الدائم بين الأتراك والكرد إلى فك ديناميكيات الأمن المعقدة بين شبكة المنطقة من الجهات الفاعلة من الدول وغير الدول، مع الحد من الصراعات عبر الحدود والتطرف العنيف ونزوح السكان ــ بما في ذلك نزوح اللاجئين ــ والحواجز أمام الشراكة الاقتصادية.
وبالنسبة إلى الولايات المتحدة، تتمثل الفوائد الأكثر إلحاحًا في إبرام صفقة مع حزب العمال الكردستاني في سوريا. فبافتراض أن المرحلة الانتقالية بعد الأسد ستمضي بسلاسة، قد يكون لتفكيك الحزب تأثير جوهري في إعادة تشكيل علاقات تركيا مع القادة الكرد السوريين، الذين لطالما نظرت إليهم على أنهم مجرد وكلاء لحزب العمال الكردستاني.
وإذا ترسخت دعوة أوجلان المتوقعة لنزع السلاح، فقد تصبح أنقرة أكثر انفتاحًا على التعاون مع حزب الاتحاد الديمقراطي، الجناح السياسي لشركاء واشنطن الرئيسيين في مكافحة الإرهاب في سوريا، وهم وحدات حماية الشعب وقوات سوريا الديمقراطية.
ولتحقيق هذه الغاية، قد تشجع تركيا الحكام الجدد في دمشق على تعزيز مشاركة حزب الاتحاد الديمقراطي في النظام السياسي السوري.
بعض الدول العربية تتعاطف مع القضية الكردية، حيث ينظر البعض إلى النفوذ التركي المتزايد في المنطقة بحذر بعض الدول العربية تتعاطف مع القضية الكردية، حيث ينظر البعض إلى النفوذ التركي المتزايد في المنطقة بحذر
ويمكن أن يشمل ذلك دعم مرشحي الحزب في الانتخابات البلدية وغيرها من المنافسات المحلية.
وعلى الصعيد الأمني، أعلن العراق والأردن وسوريا وتركيا مؤخراً عن مبادرة إقليمية مشتركة لاحتواء تنظيم داعش. وإذا تم التوصل إلى اتفاق مع حزب العمال الكردستاني، يمكن توسيع هذه المبادرة الجديدة لتشمل الفصائل الكردية المسلحة في العراق وسوريا، التي لديها بالفعل خبرة واسعة في محاربة تنظيم الدولة الإسلامية.
ونظرا إلى أن أولوية السياسة الأميركية طويلة المدى في سوريا تكمن في منع عودة تنظيم داعش، قد تدعم أيّ دور كردي مقترح يسهم في تعزيز الهيكل الأمني الجديد.
ومن شأن الولايات المتحدة أن تجني فوائد إستراتيجية أوسع نطاقاً من نهاية الصراع مع حزب العمال الكردستاني، بما في ذلك خارج منطقة الشرق الأوسط. فعلى الصعيد الأمني، ستتمكن تركيا من إعادة تخصيص مواردها العسكرية – وهي ثاني أكبر قوة في حلف شمال الأطلسي- لمواجهة أزمات محتملة أخرى بالتنسيق مع واشنطن.
وعلى سبيل المثال، يمكن استثمار النفوذ التركي الواسع في أفريقيا لدعم جهود الاستقرار التي تقودها الدول الغربية في العديد من البلدان.
ولعل الأهم من ذلك هو أن تسوية الخلاف حول حزب العمال الكردستاني بين واشنطن وأنقرة قد تُسرّع من إعادة هيكلة العلاقات الثنائية بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وترامب، مما قد يؤثر بعمق على إستراتيجيات الولايات المتحدة وتركيا في حلف شمال الأطلسي والشرق الأوسط.
وبغض النظر عن الاتجاه الذي سيسلكه مسار المصالحة الكردية – التركية، فإن المكاسب المحلية والإقليمية لإنهاء الصراع ستكون تاريخية.
———————-
احتفاء تركي بنداء أوجالان: أنقرة منتشية بقوّتها/ محمد نور الدين
السبت 1 آذار 2025
أجمعت الصحف التركية، بكلّ توجهاتها، أمس، على عنوان واحد، وهو دعوة زعيم «حزب العمال الكردستاني»، عبد الله أوجالان، حزبه إلى ترك السلاح وحَلّ نفسه. وممّا جاء في العناوين: «رسالة أوجالان: الكردستاني يجب أن يحلّ نفسه» (يني برلك)؛ «أوجالان استسلم للوقائع» (آيدينلق)؛ «نهاية الطريق للكردستاني» (يني عقد)؛ «الستارة الأخيرة للإرهاب» (ميللييات)؛ «النداء المنتظر من أوجالان: ليحلّ الكردستاني نفسه» (قرار)؛ «خطوة تاريخية: ليحلّ الكردستاني نفسه» (يني شفق)؛ «النداء حصل، الآن خطوة حلّ نفسه» (تركيا)؛ «خطوة مهمّة نحو تركيا بلا إرهاب» (صباح)؛ «أوجالان يخاطب الكردستاني: اترك السلاح، حلّ نفسك» (حرييات).
وفي ردود الفعل الرسمية، برز ما كتبه محمد أوتشوم، كبير مستشاري الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، من أن «المسألة حُلّت. المهمّ الديمقراطية وتطويرها»، وأن «تصريح أوجالان يعني أن لا فدرالية ولا حكم ذاتياً، ولا توجد لغتان ولا أمتان، كما لا يوجد إنكار لأحد، بل توجد دولة واحدة وموحّدة». واعتبر أوتشوم أن النداء كان «بلا شروط ولا قيود ولا مساومات. إننا ندخل مرحلة جديدة، وتركيا متجهة إلى أن تكون دولة بلا إرهاب». ومن جهته، رحّب زعيم «حزب الشعب الجمهوري»، أوزغور أوزيل، بالنداء، واصفاً إياه بأنه «خطوة مهمة لخروج تركيا من مآسيها، على أن تتم تلبية كل الشروط التي تساعد في ذلك، وأهمها الديمقراطية الفعلية والسلام الاجتماعي».
ويذكّر عبد القادر سيلفي، في صحيفة «حرييات»، بأنّ «أوجالان كان وجّه، في نوروز عام 2014، رسالة إلى حزب العمال الكردستاني، ولكن النداء الجديد مختلف تماماً. وإذا كان نداء 2014 يمكن قياسه على أنه هزة بقياس أربع درجات، فإن النداء الجديد هو زلزال بقياس تسع درجات». ولكنه يتساءل عمّا إذا كانت قيادة الحزب في جبال قنديل ستستجيب لنداء زعيمها، و»هل يمكن حينها أن يتواجه أوجالان مع قيادة الحزب؟» إذا لم تفعل. ووفقاً لسيلفي، فإن «محاولات عدّة في السابق، ومنذ أيام طورغوت أوزال، بُذلت لحلّ المشكلة، لكنّ الإنكليز والأميركيين كانوا يتدخلون ويخربون الحلّ. أمّا الآن، فالظروف الإقليمية والدولية مختلفة جداً. وتركيا تمرّ بأقوى مراحلها، وميزان القوى في شمال العراق وسوريا مال لصالحها. وفي حال تمّ تقييم صحيح للوضع، فإن تصفية حزب العمال الكردستاني ستكون ممكنة». ولعلّ أهم ما أورده أوجالان، بحسب الكاتب، هو تذكيره قيادة قنديل بأن الظروف تغيّرت، وأن الحزب قد أتمّ عمره، فيما الأمر المهم الآخر، أن زعيم «الكردستاني»، «لم يدعُ الأكراد إلى دولة مستقلّة، بل اعتبر أن الحلول بصيغ الفدرالية والدولة القومية والحكم الذاتي والإدارة الذاتية لم تقدّم جواباً على سوسيولوجيا المجتمع التاريخي». كما يذكّر بأن «حزب العمال الكردستاني أفنى عمره وراء هذه الشعارات، وها هو أوجالان يرميها في سلة المهملات».
وفي الصحيفة نفسها، يرى نديم شينير أن «نداء أوجالان يعني شيئاً واحداً، وهو أنه ليس من مسألة كردية في تركيا، بل إرهاب اسمه حزب العمال الكردستاني». ولكنه يعتقد بأنه «من المبكر البناء على نداء أوجالان، إذ يتطلّب الأمر انتظار ما ستفعله قيادة الحزب. ولا يعني النداء وقف العمليات العسكرية في العراق أو سوريا، خصوصاً في ظلّ مؤشرات إلى أن امتدادات الحزب في سوريا ليست في وارد تلبية النداء، الذي تجب قراءته برويّة». أمّا أحمد حاقان، فيشير إلى أن «أوجالان أوجز ضمناً ما يريده من مطالب: احترام الهويات، تعبير الهويات بحرّية عن نفسها، ضمان أن تتنظّم هذه الهويات بالمعنى الديمقراطي»، معتبراً أن «تركيا بهذا النداء وحلّ الكردستاني نفسه، تكون وصلت إلى هدفها المتمثّل بأن تكون خالية من الإرهاب».
وفي صحيفة «قرار»، كتب عاكف باقي أن أوجالان «أعطى ما يريده للدولة التركية، ولكن هل يأخذ ما يريد؟»، مضيفاً أن «دولت باهتشلي فتح في تاريخ تركيا فتحاً مَبيناً عندما أَطلق مبادرته ليتحدّث أوجالان أمام نواب كتلته ويعلن نبذ الإرهاب وترك السلاح وحلّ حزبه. وهو ما تحقّق. ولكن، هل يلتزم حزب العمال بما طلبه أوجالان من جانب واحد؟ وهل يحلّ الحزب نفسه من دون إجراء مشاورات وفرض شروط، أم أن شيئاً لن يتغير؟».
كذلك، علّق الأمين العام لـ»الحزب الشيوعي التركي»، كمال أوقويان، بالقول إنه «لا جديد في كلام أوجالان، ونداؤه تحرّك من نزعة قومية كردية، وهو لا علاقة له بالماركسية، وحزبه لم يكن يوماً حزباً اشتراكياً». ومع ذلك، قال: «(إنّنا) نراقب لنرى ما الذي ستكون عليه الأمور. أوجالان أعاد جذور العلاقات بين الأتراك والأكراد إلى ألف سنة، وهو ما لا ينسجم مع الوقائع الراهنة. إذا كانت العلاقات قديمة إلى هذا الحدّ، فلماذا حدثت المجازر في آخر 100 سنة أو 50 سنة؟». ثم استطرد أن «أوجالان يقول إن تفاهم الأتراك والأكراد يجعل من تركيا بلداً قوياً، بينما العكس هو الصحيح، ستكون تركيا ضعيفة. هذا ما يريده إردوغان».
وسأل يوسف قانلي، من جانبه، عمّا إذا كان نداء أوجالان صادقاً أم أنه مجرّد مناورة لكسب الوقت بعدما ضعف «الكردستاني». ورأى أنه «كي تتواصل عملية الحلّ، ينبغي على تركيا أن تبذل المزيد من الجهد في ضوء التوازنات الإقليمية الجديدة، والاستراتيجية الأمنية للدولة»، إذ إن «تفاصيل كثيرة شائكة تقف أمام عملية الحلّ، وفي مقدّمها الأبعاد القانونية للنظام الجزائي والإداري، وما إذا كان ممكناً لحزب العمال أن يتحوّل إلى حزب سياسي». وتساءل أيضاً عمّا إذا كان الحلّ سيطاول «وحدات حماية الشعب» في سوريا، وعمّا سيكون عليه الموقف الأميركي من «قسد» التي تعتبرها واشنطن حليفاً ضدّ «داعش»، ليخلص إلى أنّ «أمام تركيا، في حال أصرّت الولايات المتحدة على دعم قسد، خياريْن: الأول اعتبار نداء أوجالان خدعة ومواصلة ضرب حزب العمال؛ والثاني الموافقة على الحلّ في الداخل والقيام بعملية تصفية لقسد في سوريا.
وفي الحالتين، ستكون هناك توترات مع واشنطن». أما إذا اتّفقت واشنطن مع أنقرة، وتمّ نزع سلاح «قسد»، فهذا «سيُعتبر هزيمة إستراتيجية لأميركا». وختم بالقول: «هذا النداء، إذا لم يؤدّ إلى قطع أميركا دعمها لقسد لتبديد هواجس تركيا الأمنية، فلن يكون له معنى، وسينضمّ إلى غيره من النداءات السابقة التي كانت مجرّد مناورات».
باختصار، أعطى عبدالله أوجالان، الدولة التركية كل شيء، ووضع مسبقاً على الطاولة كل أسلحته. أمّا الدولة، فتنتظر اكتمال خطوات تصفية «الكردستاني» لنفسه، لتبني بعدها على الشيء مقتضاه. لكنّ التساؤل يبقى قائماً عمّا ستقدّمه الدولة للأكراد، وهل سيكون كافياً لحلّ فعليّ للمشكلة الكردية، أم أن الأمر مجرّد لعبة كي يتمكّن إردوغان من تعديل الدستور بأصوات النواب الأكراد، ليستطيع تالياً الترشّح لولاية جديدة عام 2028؟
الاخبار
———————————-
عبد الله أوجلان.. “الثائر” الأخير يودّع السلاح/ زهير حمداني
1/3/2025
بدت ليلة السادس من أكتوبر/تشرين الأول 1998 فارقة في مسار زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان. انتهت مقابلته الطويلة مع نائب الرئيس السوري عبد الحليم خدام في دمشق، بقرار إخراجه من سوريا الذي “دمعت له عيناه”، كما يروي خدام في مذكراته.
كان أوجلان يعرف أن حضور خدام لمقابلته يعني نهاية مرحلته في سوريا التي بدأت منذ عام 1980، وأن عليه أن يحزم حقائبه ويختار وجهته المقبلة، فقد تعوّد سابقا على لقاءات ودية مع رئيس شعبة الأمن السياسي عدنان بدر حسن، الذي كان عنصر الارتباط معه.
عرف أيضا أن التوتر كان قد بلغ أوجه بين تركيا وسوريا بعدما حشدت أنقرة 10 آلاف جندي على الحدود وطالبت بتسليمه، في حين اختارت دمشق إخراجه لنزع فتيل الأزمة الخطيرة بعد وساطة مصرية، مستبعدة تسليمه تجنبا للإحراج، كما أنها كانت تنفي دائما وجوده على أراضيها.
يروي خدام أن أوجلان خلال المقابلة “بدا خائفا وقلقا واندفع يحاول تقبيل يده لكنه لم يسمح له، وعانقه وقد فاضت الدموع من عينيه”، وهو ما نفته مصادر كردية، مؤكدة أن الرجل كان صلبا وشجاعا. اختار أوجلان اليونان وجهته من بين خيارات معدودة، بينما كاد التوتر بين سوريا وتركيا أن يصل إلى مواجهة عسكرية.
رجل فرض اتفاق أضنة
لم تكن العلاقات بين تركيا وسوريا سالكة في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي بسبب مسألة تقاسم مياه نهر الفرات، وتطور الروابط بين أنقرة مع تل أبيب، وكوسيلة ضغط احتضنت سوريا أوجلان ومقاتلي حزب العمال الكردستاني على أراضيها وكذلك معسكراته في سهل البقاع اللبناني، كما كانت تساعد منظمات يسارية تركية معارضة.
في تلك الحقبة، ضاقت تركيا بقيادة الرئيس سليمان ديميريل ذرعا باحتضان سوريا لأوجلان ومقاتلي وقادة حزب العمال ممن لجوؤا إليها بعد أن تعرض الحزب لضربات قاسية بعيد الانقلاب الذي قاده الجنرال كنعان إيفرين في 12 سبتمبر/أيلول 1980، وتراجع قوته إثر مقتل واعتقال الكثير من قيادييه ومقاتليه.
في النهاية خفت الأزمة التي كانت تنذر بحرب وشيكة -علمت دمشق أنها لن تكون في صالحها- بخروج أوجلان وتوقيع اتفاق أضنة في 20 أكتوبر/تشرين الأول 1998 الذي أقرّ رسميا بعد 3 أشهر. وتعهدت سوريا بمقتضى الاتفاق بالتزامات كثيرة تتعلق بأوجلان وحزب العمال، و”مطالب أخرى محددة”، بدا بعضها مؤشرا على ضعف الموقف السوري.
وتشير المادة الأولى من الاتفاق إلى أنه “اعتبارا من الآن أوجلان غير موجود في سوريا حاليا وبالتأكيد لن يسمح بوجوده فيها. كما تنص المادة الثانية على أنه لن يسمح لعناصر حزب العمال الكردستاني في الخارج بدخول سوريا، وتؤكد المادة الثالثة على أنه “اعتبارا من الآن، معسكرات حزب العمال الكردستاني لن تعمل على الأراضي السورية، وبالتأكيد لن يسمح لها بأن تصبح نشطة”.
وفي إطار الالتزامات السورية أشار الاتفاق -من الجانب السوري – إلى أن “كثيرين من أعضاء حزب العمال الكردستاني جرى اعتقالهم وإحالتهم إلى المحكمة، وتم إعداد اللوائح المتعلقة بأسمائهم، وقدمت سوريا هذه اللوائح إلى الجانب التركي”.
كان أهم ما في هذا الاتفاق هو الملحق الثالث، الذي ينص على أنه “اعتبارا من الآن، يعتبر الطرفان أن الخلافات الحدودية بينهما منتهية، وأن أيا منهما ليست له أي مطالب أو حقوق مستحقة في أراضي الطرف الآخر”.
وفهم من ذلك ضمنيا أن سوريا تتخلى رسميا عن أي مطالبة بحقوقها في لواء إسكندرون (إقليم هاتاي) الذي بات تابعا لتركيا منذ 1939، بعد انسحاب فرنسا التي كانت قد منحته استقلالا ذاتيا مع بقاء ارتباطه شكليا بسوريا.
جاءت كل التنازلات السورية تحت ضغوط الانتشار العسكري التركي الواسع على الحدود، وهو ما تمت ترجمته في الملحق الرابع من الاتفاق الذي يقول: “يفهم الجانب السوري أن إخفاقه في اتخاذ التدابير والواجبات الأمنية، المنصوص عليها في هذا الاتفاق، يعطي تركيا الحق في اتخاذ جميع الإجراءات الأمنية اللازمة داخل الأراضي السورية حتى عمق 5 كيلومترات”.
وبعيد الثورة السورية والحرب التي اندلعت بين النظام والمعارضة منذ عام 2011، كان البند الرابع من اتفاق أضنة هو الذي اعتمدت عليه تركيا للدخول المباشر إلى الأراضي السورية، فقد رأت أنقرة ضمنيا أن دمشق أخلت بالاتفاق، واعتبرت أن وجود “قوات سوريا الديمقراطية” التي تصنفها مجموعة إرهابية على حدودها وامتدادا لحزب العمال، يمثل خطرا كبيرا على أمنها.
رحلة أوجلان الأخيرة
يذكر خدام في مذكراته أنه عندما انتهت المقابلة “ودّعته وكانت الدمعة في عينيه”، مضيفا أنه “في الوقت نفسه كان الألم يعتصر نفسي لأنه ليس من السهل أن تقول لإنسان اخرج إلى الموت، وأنا واثق أن هذا اللقاء سيكون الأخير معه”.
كان أوجلان من هؤلاء “الثوريين” أو “الإرهابيين”، الذين انتهى زمنهم بانهيار الاتحاد السوفياتي وما تلاه من متغيرات دولية، تماما مثل كارلوس (إليتش راميريز سانشيز) الذي قبضت عليه المخابرات الفرنسية في الخرطوم في 14 أغسطس/آب 1994، وكانت سوريا أيضا قد احتضنته أيضا لفترة قبل أن تطرده.
عندما كان أوجلان- الذي تصنفه تركيا والولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل وعدة دول أخرى إرهابيا- يغادر سوريا إلى اليونان يوم 8 أكتوبر/تشرين الأول 1998، ثم باحثا عن ملجأ آخر آمن بين روسيا وبيلاروسيا وإيطاليا ثم اليونان، كانت الوساطات والانحناء السوري للعاصفة قد نزعتا تدريجيا فتيل الحرب على الحدود السورية.
وبعد رحلة قادته إلى عدة عواصم أوروبية، وصل “آبو” -وتعني العم باللغة الكردية- إلى أثينا في 29 يناير/كانون الثاني 1999 قادما من إيطاليا التي لم تتحمل وجوده، وأمضى عطلة نهاية الأسبوع في “بيت آمن” وفره له اليونانيون، ليسافر بعدها إلى العاصمة البيلاروسية مينسك بحثا عن ملاذ آمن جديد، لم يحصل عليه هناك أيضا.
كان عليه أن يعود مرة أخرى إلى اليونان في الثاني من فبراير/شباط، حين أدركت الحكومة الاشتراكية اليونانية أنه لم يعد بمقدورها تحمل أعباء الضغوط التركية والأميركية والإسرائيلية أيضا، فنقلته إلى مقر مجمّع السفارة اليونانية في العاصمة الكينية نيروبي بانتظار أن تقنع دولة أفريقية مثل جنوب أفريقيا باستقباله.
وفي 15 فبراير/شباط 1999، كانت المخابرات التركية سبّاقة لاعتقال أوجلان من نظريتيها الأميركية والإسرائيلية، عندما كان في الطريق إلى مطار نيروبي نحو وجهة خارجية يرجح أنها أمستردام، وتم نقله إلى تركيا حيث قضت عليه محكمة بالإعدام، ليخُفّض الحكم لاحقا إلى السجن مدى الحياة يقضيه وحيدا في سجن إمرالي جنوبي بحر مرمرة.
كان اعتقال أوجلان إنجازا أمنيا وسياسيا كبيرا للحكومة التركية، لكنه هز بالمقابل حكومة يسار الوسط اليونانية، إذ استقال وزير الخارجية اليوناني ثيودوروس بانغالوس وسط اتهامات بأنه تواطأ في القبض على أوجلان، كما استقال أيضا وزير الداخلية ومسؤولون آخرون.
خلال نحو 26 سنة قضاها أوجلان في السجن، جرت مياه كثيرة تحت الجسور في سوريا وتركيا والعالم، سقط النظام في سوريا، وقام أوجلان الذي شب ماركسيا لينينيا بمراجعات تخلى بموجبها الحزب عن الأجندة الانفصالية أدت إلى هدنات هشة ومفاوضات سلام متعثرة.
ويشير محللون إلى وجود احتمال كبير لانتهاء الصراع الدامي الذي أودى بحياة أكثر من 40 ألف شخص في تركيا على مدى 4 عقود من الزمن، حين دعا أوجلان أنصاره في 27 فبراير/شباط لحل حزب العمال وإلقاء السلاح، وهو ما رآه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان “فرصة تاريخية”.
وتبدو هذه الدعوة وفق المحللين أكثر جدية من تلك التي حصلت يين أعوام 2009 و2015، حيث من الممكن أيضا أن يؤدي نزع سلاح حزب العمال الكردستاني إلى تحولات مهمة في أماكن أخرى في المنطقة، حيث الوجود الكردي نظرا للنفوذ الذي يتمتع به أوجلان.
المصدر : الجزيرة + الصحافة البريطانية
الجزيرة
——————————————
تأثير دعوة أوجلان على المشهد الكردي في سوريا
1 مارس 2025
أحدثت دعوة عبد الله أوجلان، زعيم حزب العمال الكردستاني (PKK)، لحل الحزب وإلقاء السلاح، هزة سياسية ليس فقط داخل تركيا التي تخوض صراعًا طويلًا مع الحزب منذ عقود وحسب، بل أيضًا في سوريا نتيجة لارتباط القضية الكردية السورية بتشابكات سياسية وعسكرية معقدة، تشمل قوات سوريا الديمقراطية (قسد) وإقليم كردستان العراق ودمشق، فضلًا عن النفوذ الأميركي والتركي.
وعلى الرغم من أن “قسد” سارعت إلى إعلان أن هذه الدعوة لا تعنيها، فإن واقع الارتباط الفكري والتاريخي بين التنظيمين لا يمكن تجاهله تمامًا. وبينما ترى بعض التحليلات أن هذه الدعوة قد تمثل فرصةً لـ”قسد” للتموضع السياسي بشكل مستقل عن حزب العمال الكردستاني، يرى آخرون أنها قد تزيد من الضغوط عليها سواء من دمشق أو من أنقرة أو حتى من القوى الدولية الداعمة لها.
يعتقد الكاتب والصحافي دارا عبد الله أن إعلان أوجلان هو تحول أيديولوجي بالدرجة الأولى، وليس فقط سياسيًا، إذ قال لـ”الترا سوريا”: “ديناميكيات المشهد الكردي السوري مختلفة عن ديناميكيات المشهد الكردي التركي، وإن كان هنالك تقاطع بوجود المنظومة السياسية والعسكرية لحزب العمال الكردستاني (PKK) في البلدَيْن. تأثيرات إعلان أوجلان هي أيديولوجية بالدرجة الأولى، أي التخلّي عن فكرة الكفاح المسلح لتحصيل الحقوق الكردية، والاتجاه إلى النضال السلمي الديمقراطي. نجاح رسالة أوجلان مقترن جوهريًا بانفتاح نافذة سياسية ديمقراطية أمام الأكراد في تركيا”.
وأضاف عبد الله: “اليد الأوجلانية الممدودة بحاجة إلى خطوات إيجابية كبادرة حسن نية من الجانب التركي، أقلّها الإفراج عن صلاح الدين ديمرتاش، رئيس حزب الشعوب الديمقراطي HDP، كمدّ يدٍ مقابلة”.
التأثيرات على العلاقة بين الإدارة الذاتية ودمشق
تفتح دعوة عبد الله أوجلان لحل حزب العمال الكردستاني (PKK) وإلقاء السلاح الباب أمام تحولات محتملة في علاقة الإدارة الذاتية الكردية بدمشق، إذ قد ترى الحكومة السورية في ذلك فرصة لتعزيز موقفها في التفاوض مع “قسد”، وفرض شروطها المتعلقة بإعادة السيطرة على شمال شرق سوريا.
لطالما اعتبرت دمشق قوات سوريا الديمقراطية (قسد) كيانًا غير شرعي ينبغي تفكيكه أو استيعابه ضمن الجيش السوري، وأي تفكك محتمل للارتباط الفكري أو الأيديولوجي بين “قسد” و”العمال الكردستاني” قد يجعلها أكثر ضعفًا سياسيًا وعرضة للضغوط، سواء من النظام السوري أو من القوى الإقليمية.
في هذا السياق، أشار تقرير المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات إلى أن الإدارة السورية الجديدة تسعى لإدماج مقاتلي “قسد” في الجيش السوري كأفراد، لكن “قسد” ترفض ذلك وتطالب بالحفاظ على استقلاليتها كقوة موحدة مع سيطرة مدنية على مناطقها، مستندةً إلى الدعم الأميركي ومساومتها بورقة السجون التي تضم عناصر “داعش”.
ولهذا يرى عبد الله أن تأثيرات إعلان أوجلان على سوريا ستكون إيجابية طبعًا، ومنها أنّ المفاوضات السلمية هي الطريق الوحيد والممر الإجباري لحل الإشكال بين قسد وحكومة دمشق. لكنه يرى أن “حلّ الإشكال يتطلّب أيضًا تخفيفًا من القبضة التركية على القرار السيادي السوري، وعدم فرض أي حظر على الحقوق الكردية في سوريا، والسماح بالاعتراف الدستوري بالشعب والقضية الكردية في أي تعاقد سياسي سوري مستقبلي”.
رغم تأكيد “قسد” أنها كيان سوري مستقل عن حزب العمال الكردستاني، فإن تأثير الحزب عليها، خاصة من الناحية الأيديولوجية، لا يمكن إنكاره. ومع إعلان أوجلان التخلي عن الكفاح المسلح، قد يتغير التصور الدولي تجاه “قسد”، مما قد يدفع الولايات المتحدة إلى إعادة تقييم دعمها لها. في ظل ذلك، قد تجد “قسد” نفسها مضطرة للبحث عن تفاهمات جديدة مع دمشق لضمان استمرار دورها في المشهد السوري.
في هذا السياق، يرى بعض المحللين المقربين من الإدارة الذاتية أن “قسد” ليست معنية بدعوة أوجلان، مؤكدين أنها كيان سوري مستقل، وقد نشر الكاتب الكردي بدرخان علي منشورًا على فيسبوك قال فيه: “أسباب كثيرة تجعل قسد غير معنية بمبادرة عبد الله أوجلان وطلبه من منظمات حزب العمال الكردستاني إلقاء السلاح. قسد تنظيم سوري، ليس في حالة صراع مع تركيا أساساً، تركيا هي التي تهاجم شمال سوريا عمداً ودون أي مبرر سوى أطماعها التوسعية العدوانية، ولا تطلق قسد طلقة باتجاه تركيا. سلاح قسد ليس موجهًا ضد تركيا حتى تلقيه بأمر من زعيم العمال الكردستاني. بصرف النظر عما سيحدث على “الساحات” الأخرى. قسد والإدارة الذاتية هياكل سوريّة تأسّست في ظروف الحرب السورية وتعقيداتها وبغرض الدفاع عن أمن السكان والمنطقة في أخطر الظروف. كما أن ظروف نشأة قسد والإدارة سوريّة فإن الحل سوريّ أيضاً، ومجدداً لغرض حماية أمن المنطقة وتحقيق حل سوري مُستدام وبناء دولة قادرة على حماية مواطنيها كافة، وحدود بلادها، وبناء نظام ديمقراطي عادل”.
معضلة “قسد” هي الحفاظ على مكاسبها السياسية والإدارية والبحث عن تسوية تضمن بقاءها في المشهد السوري، ولأجل حل هذه المعضلة فإن التأثير الأكبر على العلاقة بين “قسد” ودمشق لا يأتي من دعوة أوجلان وحدها، بل من السياسة الأميركية في سوريا، كما يرى دار عبد الله، الذي يتابع قائلًا: “يجب التذكير بنقطة مهمة، وهي الاختلاف الجوهري بين قسد وحزب العمال الكردستاني. قسد تشكّلت بإرادة أميركية خالصة في إطار تحالف دولي لمحاربة تنظيم داعش المروّع. وحرصت أميركا على توسيع قسد لتخفيف الصبغة الأيديولوجية لحزب العمال الكردستاني والعصب الكردي عمومًا، وذلك بضم شرائح واسعة من عرب المنطقة إلى قسد الذين عانوا الويلات أيضًا من داعش. من هنا، يمكن القول إن مسألة قسد هي مرتبطة جزئيًا بإعلان أوجلان، ولكن بشكل أكبر بمصير سياسات الولايات المتحدة الأميركية في سوريا. بالضبط: تأثير أميركا على المفاوضات بين قسد ودمشق، أكبر بكثير من تأثير إعلان أوجلان على المفاوضات بين قسد ودمشق”.
بدوره يقول الباحث الكردي شورش درويش لـ”الترا سوريا”: “لا يمكن الحديث عن تأثير دعوة أوجلان على العلاقة بين دمشق والكرد، إلا إذا بدأت عملية جدية في تركيا، هذه الحالة يمكن تسميتها بالتأثيرات العابرة للحدود. وعليه، سينتظر كرد سوريا النتائج القادمة من تركيا”.
ويضيف: “ليس من السهل التحقق من إمكانية أن تؤدي دعوة أوجلان إلى حدوث تبدلات في مواقف كرد سوريا، مرة لأن أوضاع الكرد عمومًا متوقفة على قدرة الدولة التركية والعمال الكردستاني البدء بعملية سياسية مستقرة وثابتة تحت العنوان الذي وضعه أوجلان، ومرة لأن أوضاع كرد سوريا تتطلب معالجة خاصة، لا سيما ملف داعش، الهجمات التركية والفصائل السورية التابعة لها، وشكل إدماج قسد في التكتل العسكري المسمى (وزارة الدفاع السورية)، فضلاً عن تلبية مطالب الكرد في المواطنة المتساوية والتقليل من حدة النظام المركزي ومعالجة حقوق الكرد الدستورية والثقافية”.
من الجهة الأخرى للمشهد، يرى إقليم كردستان العراق في دعوة أوجلان تطورًا يعيد تشكيل المشهد الكردي في سوريا، حيث يمكن أن يضعف حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD)، القوة المهيمنة في شمال شرقي سوريا، ما يتيح فرصة لتعزيز نفوذ المجلس الوطني الكردي (ENKS)، المدعوم من أربيل. ويعتبر الإقليم أن هذه التطورات قد تعيد فتح الباب أمام حوار كردي-كردي لصياغة مستقبل مشترك في سوريا، خاصة في ظل الضغوط الدولية المتزايدة على “قسد” لفك ارتباطها مع العمال الكردستاني.
وفي اجتماع عُقد في كانون الثاني/يناير 2025، نصح مسعود بارزاني قيادة “قسد” لفك الارتباط لأنه يزيد من تعقيد علاقتها بالولايات المتحدة ويجعلها أكثر عرضة للضغوط التركية.
من هنا، تستغل أربيل هذا التطور لتعزيز موقعها كوسيط بين الأكراد وتركيا، خاصة أن إقليم كردستان العراق يسعى إلى توطيد علاقاته مع أنقرة وتخفيف التوتر مع واشنطن فيما يخص القضية الكردية السورية.
الكاتب دارا عبد الله يقول: “العلاقة بين قسد والمجلس الوطني الكردي كانت سيئة، وكانت قسد تبرر ذلك بأنّ المجلس الوطني الكردي هو جزء من منظومة “ائتلاف قوى الثورة والمعارضة السورية”، والمحكومة بسقف سياسي تركي كما تعتقد قسد. العلاقة بين قسد والمجلس الوطني الكردي تتحسن بدرجة أولى بضغط من عامل مهم هو نفوذ السيد مسعود البارزاني أولاً، وبفك علاقة المجلس الوطني الكردي مع الائتلاف ثانيًا (وهذا حصل طبعًا لأنّ الائتلاف حل نفسه)”.
يتجاوز تأثير دعوة أوجلان حدود تركيا ليعيد تشكيل التحالفات الكردية في سوريا والعراق، مما قد يؤدي إلى إعادة رسم التوازنات جديدة خلال الأشهر المقبلة. ومع ذلك، يبقى مصير “قسد” واستراتيجياتها السياسية والعسكرية محكومًا بعوامل أخرى، مثل مستقبل العلاقة الأميركية-التركية، ومواقف دمشق من أية مفاوضات قادمة، ومدى قدرة الأكراد على التوصل إلى توافق داخلي بين الفصائل المختلفة. كما أن أي تغيرات في المشهد السوري ستتطلب معالجة منفصلة للقضايا الأكثر إلحاحًا، مثل ملف داعش والوجود العسكري التركي والتوزيع المستقبلي للسلطة داخل سوريا.
يبقى السؤال الأساسي: هل ستتمكن “قسد” من إعادة تعريف دورها في سوريا في ظل هذه التغيرات؟ وهل ستدفعها التطورات نحو الحوار مع دمشق، أم أنها ستظل متمسكة بوضعها الحالي، على الرغم من المخاطر المحتملة؟
ما هو مؤكد أن هذه الدعوة لن تمر دون أثر، وسنشهد خلال الأشهر القادمة تحولات قد تعيد تشكيل المشهد الكردي السوري برمّته.
الترا سوريا
———————–
========================
عن التدخل الاسرائيلي السافر في سورية الجديدة، ملف تناول “شهية إسرائيلية لتفتيت سوريا” -ملف متجدد يوميا–
———————————
تحديث 01 أذار 2025
العربدة الإسرائيلية في سوريا.. التداعيات على الأمن الإقليمي والدولي/ سمير صالحة
2025.03.01
توجه تل أبيب منذ سنوات سهامها العسكرية والسياسية التصعيدية باتجاه الداخل السوري. لم تتوقف عن ذلك بعد رحيل نظام الأسد. خطورة ما تقوم به لا تعني السوريين وحدهم، فهو مرتبط بلعبة الكر والفر الإقليمي الإسرائيلي على أكثر من جبهة.
إلى جانب عمليات القصف الجوي المتكرر للعديد من المناطق السورية، كان هناك التوغل العسكري باتجاه المنطقة العازلة الحدودية والسيطرة على قمة جبل الشيخ، وبناء قواعد عسكرية، وشق طرقات، وتجهيز بنى تحتية في المناطق التي تدخلها. ترامب يحتفي بنتنياهو على طريقته ولا يهمه الالتفات نحو ما تفعله إسرائيل، فالحسابات الإقليمية أكبر وأهم من ذلك.
ما يقلق إسرائيل ويزعجها هو احتمال نجاح أنقرة من جديد في تفعيل استراتيجية التحرك نحو الشرق والجنوب، والذي ستكون ارتداداتها في الغرب والشمال: الانفتاح التركي المتزايد على العراق وسوريا، خصوصاً بعد سقوط نظام الأسد، يتعارض مع مصالح وأهداف تل أبيب وحساباتها في البلدين. السبب هو خروج أنقرة أقوى على الساحتين الغربية في شرق المتوسط والشمالية مع أوروبا. ما الذي يعنيه بالنسبة لنتنياهو أن يقول الرئيس التركي أردوغان: “إن فرص الاتحاد الأوروبي ومفتاح خروجه من أزماته هو بيد تركيا”؟
تسببت “المساهمة” التركية في إسقاط نظام بشار الأسد بارتدادات محلية وإقليمية، عنوانها إعادة خلط الأوراق في المشهد السوري وارتباطه بالحسابات والتوازنات الإقليمية. تشعر تل أبيب أنها ستكون بين المتضررين هناك أيضاً، لذلك تحركت باكراً للتذكير بمصالحها عبر توغل عسكري واستهداف جوي متكرر للبنى العسكرية والمطارات والموانئ الحربية.
تل أبيب لن تكتفي بموقف “الإطاحة برئيس النظام المخلوع بشار الأسد لم تكن في صالح إسرائيل”، بل تبرعت بلعب دور الحامي والمحامي المدافع عن بعض الأقليات في سوريا. طالبت بإخلاء جنوبي سوريا من القوات العسكرية النظامية الجديدة واستهداف مواقعها، وأعلنت أن “إسرائيل لن تتسامح مع أي تهديد لمجتمع الدروز في جنوب سوريا”. وأن قوات الجيش الإسرائيلي ستبقى في قمة جبل حرمون وفي المنطقة العازلة لفترة غير محدودة “لحماية مستوطناتنا وإحباط أي تهديد” وعدم السماح للجيش السوري الجديد بالدخول إلى منطقة جنوب دمشق. كلام نتنياهو يتطابق مع “الوقوف إلى جانب مطالب أكراد سوريا وحقوقهم”. بدأت من الشرق ثم انتقلت إلى الجنوب، ولن يكون هناك أي استغراب إذا ما قررت دمج الساحل السوري في حساباتها.
تندد العديد من العواصم العربية والإقليمية بسياسة وأساليب رئيس الوزراء الإسرائيلي في سوريا لناحية التوغل والغارات الجوية التي تستهدف العاصمة دمشق. لكن الموقف الأميركي يذهب باتجاه آخر، متجاهلاً ما تقوم به تل أبيب وما تدعو إليه بشكل استفزازي علني. التقاء مصالح إسرائيل وأميركا في سوريا مرتبط بالمتغيرات الداخلية والإقليمية التي قد تمنحهما فرصة استراتيجية أقوى هناك، بعد سقوط نظام الأسد وانهيار الجدار الإيراني، واستعداد موسكو للدخول في لعبة تفاهمات متعددة الأهداف والجوانب.
نتنياهو هو الذي يوسع من رقعة اعتداءاته، ويخرق الاتفاقيات والمعاهدات الدولية، ولا يحترم قرارات مجلس الأمن الدولي في جنوبي سوريا، ويعلن أنه لن ينسحب من المناطق التي دخلها، ويفعل ذلك على مرأى ومسمع واشنطن.
يريد نتنياهو أمرين في سوريا، وهو يعتقد أنّه إذا تمكن من تحقيقهما فستكون ارتدادات ذلك السياسية والشعبية والانتخابية كبيرة لصالحه في الداخل الإسرائيلي: فرض تل أبيب على المشهد السوري بمتغيراته السياسية والأمنية والاقتصادية الجديدة، وإضعاف النفوذ التركي المتزايد هناك على حساب تراجع التمدد الروسي والإيراني.
هو يحاول من أجل الوصول إلى ذلك اللجوء إلى الأساليب الإسرائيلية المعروفة في حالات مشابهة: كسب شركاء وحلفاء محليين على الأرض، إبقاء صورة المشهد مهزوزة ومنفتحة على أكثر من سيناريو تصعيدي، اللجوء إلى القوة العسكرية الإسرائيلية عند الضرورة، والاحتماء بالموقف الأميركي الداعم عندما تتزايد الضغوطات الإقليمية والغربية على إسرائيل. تصريحات وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو حول أن “الحكام الجدد في سوريا لا يمنحوننا الطمأنينة، وأن إيران وروسيا ستعودان لملء الفراغ في سوريا إذا لم تقم واشنطن بالاستفادة من هذه الفرص”، تعني أن إدارة ترامب بين خيارين أيضاً: إما العمل على إقناع أردوغان بالتخلي عن مواصلة توتير العلاقة مع تل أبيب في سوريا مقابل دفع إسرائيل للانسحاب من المناطق التي دخلتها في مناطق فض الاشتباك، والبحث عن فرص الاستفادة من المتغيرات السياسية والأمنية في المشهد السوري، وإما إطلاق يد تل أبيب حتى النهاية في سوريا، رغم كل الانتقادات والتنديدات من قبل حلفاء وشركاء واشنطن في المنطقة والغرب.
من هنا تبرز القناعة الإسرائيلية التي تقول إن مصالح تل أبيب ستكون عرضة للخطر عند حدوث أي تقارب أو تفاهم تركي – أميركي في سوريا بسبب منظومة العلاقات التي بنتها أنقرة في الإقليم مؤخراً. وأن قطع الطريق على أي تقارب تركي – أميركي في سوريا لا بد أن يكون بين أولوياتها، خصوصاً وأن الحديث يدور في الداخل التركي عن احتمال تحول المشهد السوري إلى فرصة للتقريب بين واشنطن وأنقرة في التعامل مع ملفات وأزمات إقليمية فيها كثير من المقايضات والصفقات.
التحرك التركي الإقليمي الأخير باتجاه تفعيل منصة رباعية تضم إلى جانب تركيا سوريا والعراق والأردن قد يكون بين أهدافه المعلنة، تعزيز التعاون الأمني ومحاربة فلول تنظيم الدولة وحماية الحدود. لكن للتحولات الإقليمية المرتبطة بالمشهد السوري حصتها الكبيرة كذلك. فتطورات الأوضاع في سوريا تستدعي مثل هذا التنسيق في مواجهة العربدة الإسرائيلية التي تتمدد وتتوسع في المنطقة.
هدف أنقرة هنا هو سحب ورقة داعش من يد التحالف الغربي وشريكه المحلي في سوريا، ودعم سيطرة الحكومة السورية الجديدة على كامل الأراضي السورية وتسهيل وصولها إلى شرق الفرات، وهو ما تصر تل أبيب على الحؤول دونه. المواجهة في سوريا هي تركية – إسرائيلية أيضاً وأسبابها أكثر من أن تعد أو تحصى. من قد يسهل لنتنياهو أخذ ما يريده في عرقلة الحراك التركي الرباعي الجديد باتجاه بغداد وعمان ودمشق، قد يكون اللاعب الإيراني الذي يدرك أن الأضرار التي ستلحق بمصالحه في سوريا والمنطقة لن تقل عن خسائر إسرائيل. أسباب ودوافع تقاطع المصالح الإسرائيلية – الإيرانية في سوريا والمنطقة كثيرة والبحث جار عن قوة دفع تسهل هذا التواصل الثنائي. هل هناك علاقة بين إرجاء تفعيل الحوار السوري – العراقي الجديد وبين تضرر مصالح تل أبيب وطهران؟
ترى إسرائيل أنه بقدر ما يحق للآخرين التدخل في شؤون سوريا اليوم فمن حقها هي الأخرى الدفاع عن مصالحها وحساباتها الإقليمية هناك. المهم الآن هو أن تستفيد القيادة السياسية الجديدة في دمشق من تجارب وحالات كثيرة مشابهة في المنطقة. هي قد لا تستطيع اليوم الدخول في مواجهة عسكرية مباشرة مع إسرائيل للدفاع عن أراضيها، وقد لا يكون بمقدورها الحؤول دون وقوع المواجهة الإقليمية الحاصلة حول سوريا، لكنها تستطيع إلزام الحلفاء والشركاء والأصدقاء بحسم مواقفهم في مساعدتها على بناء الدولة الجديدة ومتطلباتها والتي يتقدمها ردع تل أبيب وإيقافها عند حدها. من يريد أن يدعم الشعب السوري اليوم عليه أن يأخذ بعين الاعتبار أن مواجهة المخطط الإسرائيلي في سوريا لا تقل أهمية وقيمة عن مشاريع إعادة الإعمار وتجهيز البنى التحتية وإنشاء جيش سوري وطني جديد، وأن مفاتيح ذلك تمر عبر تسريع عملية الحوار السوري – السوري والمصالحة الوطنية وإنهاء الانقسامات الداخلية وتأمين الاستقرار الأمني.
تلفزيون سوريا
—————————
ما السبيل لوقف استباحة سورية؟/ محمود الريماوي
01 مارس 2025
يواجه السوريون ونظامهم الجديد قيد التبلور تحدّياً وجودياً يفرضه الاحتلال الإسرائيلي باستباحة البلاد برّاً وجواً وتدمير القدرات الدفاعية والتهديد بإقامة منطقة عازلة واسعة، وخلال ذلك العمل على تقسيم البلاد. … لم تمض 24 ساعة على يوم 8 ديسمبر/ كانون الأول الماضي الذي سقط فيه حكم آل الأسد سورية، حتى كانت قوات الاحتلال تقتحم مناطق في جنوب البلاد وتسيطر على قمم جبل الشيخ. وأتبعت ذلك في الأيام التالية بغارات على مطاراتٍ عسكرية وعلى منشآت ومستودعات عسكرية، وأقامت ما سمّتها منطقة عازلة متعلّلة بمغادرة جنود النظام السابق مواقعهم، بما أسقط اتفاق فضّ الاشتباك. ومنذ ذلك التاريخ، لم تتوقّف الاعتداءات الإسرائيلية، في ما يرقى إلى شنّ حربٍ على هذا البلد الذي يسعى إلى المعافاة من جروحه، وإعادة بناء ما هدمه النظام السابق. ولم تتوقّف تعدّيات الاحتلال، الجاثم على هضبة الجولان منذ العام 1967، على الجوانب العسكرية، وهي الأشد خطورة، بل امتدّت إلى تدخّلات سياسية، حيث جرى توجيه حملة على النظام الجديد، شارك فيها رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ووزير الحرب يسرائيل كاتس ووزير الخارجية جدعون ساعر، فقد ردّد الأخير معلوماتٍ مغلوطة، في كلمة له أمام اجتماع مجلس الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل في بروكسيل “الإسلاميون يتحدّثون بشكل لطيف، لكن الحكومة السورية الجديدة تنتقم من العلويين وتلحق الأذى بالأكراد”.
ولم يكتف بذلك، بل منح نفسه ودولته حقّ التدخل في صياغة واقع سورية ومستقبلها بالقول إن “سورية المستقرّة لا يمكن أن تكون إلا فيدرالية تضم مناطق حكم ذاتي”. وبالإشارة إلى العلويين والأكراد، ثم الدروز، في تصريحات لمسؤولين آخرين، فإن البرنامج الإسرائيلي تجاه سورية بات معلناً، وهو محاولة اجتذاب هذه المكوّنات إلى المدار الإسرائيلي، وتأليبها ضد وحدة البلاد وضد النظام السياسي قيد التبلور، وضد بقية المكوّنات، ما يفتح الباب، وفق هذا المخطّط، لحرمان السوريين من بناء دولة مركزية عادلة ومتطوّرة تضم جميع مكوناتها، وتقوم على المشاركة السياسية بضمانات دستورية وقانونية، وذلك كله إلى جانب إضعاف القدرات الدفاعية والتموضع داخل مناطق واسعة في الجنوب السوري، مع استباحة الأجواء كلما عنّ ذلك لرئاسة الأركان، ومن ورائها المستوى السياسي في تل أبيب، وذلك في نموذج يحاكي التدخّلات الإسرائيلية في لبنان، ابتداء من التموضع في نقاط في الجنوب، على أن التعدّيات على سورية واستهدافها تبدو أوسع نطاقاً، في استغلالٍ مكشوفٍ لحالة الانتقال السياسي في سورية، ولأن وزن هذا البلد أكبر في الميزان الاستراتيجي والجيوسياسي مما هو عليه الحال في لبنان.
ومع خطورة هذه التعدّيات العسكرية، ومحدودية القدرات الحالية على التعامل معها، إلا أن محاولة اختراق النسيج الاجتماعي تحمل خطورة مماثلة، إن لم تكن أكبر، بحيث يتضافر الاختراق العمودي (الحربي) مع اختراق أفقي للنسيج الاجتماعي، ولبُنية الدولة والمجتمع.
ترمي هذه المحاولة إلى تحقيق الأهداف التوسّعية الإسرائيلية على أيدي السوريين أنفسهم، برفع الحواجز ما بينهم، وتمزيق وحدة الوطن والوحدة الوطنية، ووضع أبناء الشعب بعضهم في مواجهة بعض، وتحجيم الدولة المركزية والسعي إلى جعلها مجرّد جسم سياسي بين أجسام وكيانات سياسية متضاربة، برعاية المحتلين الذين استولوا على هضبة الجولان قبل 58 عاماً، وقد شرعوا بالاستيلاء على أراض جديدة في تحدٍّ سافر للسيادة الوطنية السورية، وعبر قرصنة عسكرية مكشوفة يزهو أصحابها باقترافها علناً، وعلى رؤوس الأشهاد.
وواقع الحال أن الاستجابة لهذا التحدّي من الدولة السورية الجديدة، ومعها المجتمع السياسي في البلاد، مؤهلٌة لإحباط الأهداف الإسرائيلية في اجتذاب زعامات المكوّنات وتجنيدها لخدمة هذه الأهداف، إذ إن الوعي الوطني العام راسخ وعميق في رفضه الاحتلال الإسرائيلي، وهو ما يتشاطره السوريون في مختلف مناطقهم، منذ انكشاف المشروع الصهيوني قبل نحو قرن. ولطالما كان الأكراد جزءا من هذا النسيج الاجتماعي والوطني، بل جزءاً من تاريخ المنطقة، حيث ينتسب إليهم صلاح الدين الأيوبي، بطل تحرير القدس من الصليبيين قبل عشرة قرون. وفي التاريخ المعاصر، ثمّة قادة للبلاد ينتسبون للأكراد، كما حسني الزعيم وأديب الشيشكلي وفوزي السلو ومحمد علي العابد. وبتوسيع دائرة المشاركة السياسية، ومع قرب تشكيل حكومة انتقالية في دمشق، فإن فرص التفاهم بشأن دمج القوات الكردية في الجيش الجديد تصبح أكبر، وخاصة مع التمسّك المشترك بتفادي حلّ النزاعات بالسلاح. ومع الدور المنتظر لرموز سياسية واجتماعية في التقريب، فإن حل هذا الإشكال لن يكون مستعصيا، وبخاصة أن أي تقارب بين الكتلة الكردية والاحتلال الإسرائيلي سوف يؤدّي إلى عزلة سلبية شديدة وبالغة الخطورة لهذه الكتلة، عن دول المنطقة وشعوبها، وحتى عن بقية الأجسام الكردية في هذه الدول.
وما يصح على الأكراد (أو الكرد حسب تسمية يفضّلها أصحاب هذا الانتساب)، ينسحب على الدروز في جنوب سورية، فهؤلاء يفاخرون بزعامات وطنية، مثل سلطان باشا الأطرش وكمال جنبلاط، وليست عروبتهم موضع جدل، كما يضعون أنفسهم وتضعهم الوقائع في الدائرة الإسلامية العريضة، وقد مهّدوا للتغيير في سورية بحراك جماهيري شجاع في السويداء أزيد من عام، ويتشاركون مع دروز لبنان ودروز الجولان في توجّههم العروبي، وإيمانهم الراسخ بعدالة قضية فلسطين. وسبق لوليد جنبلاط أن أعلن استياءه الشديد من التحاق الزعامة الروحية في فلسطين بالدولة العبرية، والتجند في جيش احتلالها، ونشط عشر سنوات على الأقل في حث الدروز على الامتناع عن التجند في جيش الاحتلال، في وقت تواصلت فيه وشائج اجتماعية مع شخصيات درزية من عرب العام 1948. وتثور الحاجة، في هذه الظرف التاريخي الحسّاس، إلى أن تبادر قيادات درزية في سورية، بوزن الشيخ حكمت الهجري، للردّ على التفوهات الإسرائيلية، والتشديد على عروبة الموحّدين الدروز ووحدة سورية أرضاً وشعباً، والمناصرة الثابتة للحق الفلسطيني.
أما العلويون، فقد سارعت تكتلاتهم الاجتماعية لتأييد التغيير ونأت بالنفس عن النظام السابق الذي أفقر موارد مناطقها، ونكّل بالأحرار من أبناء الطائفة. وأيا كانت التيارات السياسية والفكرية في أوساط العلويين، فإن نظرتهم إلى الاحتلال الإسرائيلي هي ذاتها نظرة بقية الشعب السوري في اعتبار الاحتلال الإسرائيلي شرّاً مطلقاً.
وما المسيرات التنديدية المتواصلة بالتعدّيات الإسرائيلية إلا نموذج للإرادة الوطنية الجامعة، وخير ما عبّر عنها، مع التسليم بأهميتها غير كافية، فالأهم أن تلتقي رموز المكونات الاجتماعية تحت مظلة الدولة على صياغة ميثاق وطني يجمعها، وهو ما قد يقتضي، في وقت ما غير بعيد، عقد مؤتمر وطني خاص بهذا الاستحقاق السياسي، على غرار مؤتمر وطني عام شهدته البلاد قبل أكثر من قرن لمواجهة التدخّلات البريطانية والفرنسية لتقسيم سورية الطبيعية. هذا علاوة على الحاجة إلى احتضان عربي واسع لحماية سورية من المخطّط التوسّعي الإسرائيلي.
العربي الجديد
————————-
“وجود عسكري لحماس والجهاد” في سورية… أكذوبة إسرائيلية للتوسع/ عدنان علي و علي بدوان
01 مارس 2025
في تصريحات أدلى بها وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر الاثنين الماضي، وصف الإدارة الجديدة في سورية بأنها “جماعة إرهابية” استولت على دمشق بالقوة. وزعم ساعر، لدى اجتماعه في بروكسل مع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في إطار مجلس الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل، “وجود عسكري لحماس والجهاد” في سورية يسعون إلى فتح جبهة حرب أخرى ضد إسرائيل.
من جانبه، قال وزير الأمن الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، خلال مؤتمر لقادة المجالس الإقليمية في إسرائيل الخميس الماضي، إن (أبو محمد) الجولاني (الرئيس السوري أحمد الشرع) “استبدل الجلابية بالبدلة ويتحدث بلغة دبلوماسية، لكننا لا نثق به، ونثق فقط بالجيش الإسرائيلي”. وكرر أن جنوب سورية يجب أن يبقى منطقة منزوعة السلاح، وقد تم نقل رسائل إلى دمشق بهذا الخصوص، مشيراً إلى أن النظام الجديد في دمشق حاول قبل أيام، ولأول مرة، نشر قواته في مواقع عسكرية، فقامت القوات الجوية الإسرائيلية بضربها وتدميرها. وأعلن كاتس أن قواته “ستبقى إلى أجل غير مسمى” في المنطقة العازلة على طول الحدود مع لبنان، وأن انتشارها هناك “مرتبط بالوضع”. ولفت إلى أن القوات الإسرائيلية “ستبقى في قمة جبل الشيخ والمواقع الاستراتيجية لفترة غير محدودة”. وجدد كاتس محاولة استمالة المجتمع الدرزي في سورية، بالقول: “نحن بالتأكيد نهدف إلى الحفاظ على الاتصال بهم، ونفكر حالياً في السماح لأولئك بالقدوم والعمل يومياً في مرتفعات الجولان، ونحن على استعداد لتقديم المساعدة لهم”.
وتعليقاً على التصريحات الإسرائيلية، خاصة تلك التي تتحدث عن “وجود عسكري لحماس والجهاد” في سورية قال مصدر فلسطيني مطلع مقيم في دمشق، لـ”العربي الجديد”، إن هذه التصريحات مجرد أكاذيب تطلقها إسرائيل للتغطية على خططها بشأن سورية بعد سقوط نظام بشار الأسد، وهي تعكس بوضوح رغبة في العبث بالوضع الداخلي السوري تحت ذرائع أمنية. وأضاف المصدر أن الهدف الإسرائيلي هو استغلال الوضع السوري الصعب لتدمير أوسع ما يمكن من البنى العسكرية التحتية، وحتى إحداث تمزيق جغرافي بشري بين المحافظات الثلاث الواقعة على خط المواجهة في تقاطعاتها الجنوبية، وهي القنيطرة ودرعا والسويداء، وهو ما يحظى بمباركة من إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
من تظاهرة في دمشق ضد الاعتداءات الإسرائيلية، 25 فبراير 2025 (بكر القاسم/الأناضول)
ووفق صحف إسرائيلية، فإن حكومة الاحتلال تعمل على إنشاء منطقة سيطرة تمتد لنحو 15 كيلومتراً داخل الأراضي السورية، إلى جانب منطقة نفوذ بعمق 60 كيلومتراً، تنشط فيها المصادر الاستخبارية الإسرائيلية، مشيرة إلى أن “منطقة النفوذ الأوسع التي ستخضع لمراقبة الاستخبارات الإسرائيلية، تهدف لمنع نشوء أي تهديد مستقبلي ضدها من الأراضي السورية”. وقالت إن الجيش الإسرائيلي سيحتفظ بوجود ميداني داخل منطقة السيطرة لضمان عدم إطلاق الصواريخ نحو الجولان مستقبلاً.
نفي أي “وجود عسكري لحماس والجهاد” في سورية
وحول مزاعم الوجود الفلسطيني في جنوب سورية، شدد المصدر على أنه لا أساس لها من الصحة إطلاقاً، نافياً أن يكون هناك أي “وجود عسكري لحماس والجهاد” في سورية لا حالياً ولا حتى في عهد النظام السابق. وأكد أن وجود “حماس” و”الجهاد” في سورية مدني بالكامل، وهو في الأساس سياسي وإعلامي واجتماعي. وأوضح أنه جرى إغلاق المقرات أو المكاتب التي كانت تتبع للفصائل الفلسطينية في عهد النظام السابق، أو وضعت الإدارة الجديدة يدها عليها، بما فيها مكاتب جبهة النضال الشعبي وجبهة التحرير الفلسطينية وفتح الانتفاضة التي أغلقت جميعها، كما جرى إغلاق معظم مكاتب الجبهة الشعبية ــ القيادة العامة، أما مكاتب فصيل قوات الصاعقة، التابعة لحزب البعث – الفرع الفلسطيني، فقد استحوذت عليها الإدارة الجديدة، واعتبرتها من أملاك الدولة. ووفق المصدر فإنه لا يوجد اليوم مقرات للفصائل الفلسطينية في سورية، باستثناء الرسمية منها، أي منظمة التحرير الفلسطينية، وحركة فتح، وما تبقى مؤسسات خيرية اجتماعية وإغاثية، بعضها يتبع للمجتمع المدني، وأخرى لفصائل فلسطينية.
وكان مصدر من “فتح الانتفاضة” قال، في وقت سابق لـ”العربي الجديد”، إن إدارة العمليات العسكرية في دمشق وضعت يدها على مقر قيادة “الصاعقة” العسكري في منطقة العباسيين بدمشق، ومكتب أحمد جبريل (الأمين العام السابق للجبهة الشعبية – القيادة العامة الذي توفي في العام 2021) والذي ورثه ابنه أبو العمرين. كما وضعت تلك الإدارة يدها على مقر العقيد زياد الصغير، مسؤول حركة فتح – الانتفاضة، في ساحة التحرير بدمشق، بينما هرب الصغير إلى لبنان، وقد كان هذا المقر أساساً قبل العام 1983 تابعاً إلى حركة فتح بقيادة الراحل ياسر عرفات. وأصدرت “فتح الانتفاضة”، الخميس الماضي، قراراً بطرد الصغير من الحركة نهائياً بتهمة اختلاس أموال، وإصدار بيانات مزورة باسمها.
بدوره، نفى مؤيد قبلان الباحث السياسي، والمستشار لدى الإدارة السياسية في دمشق، في حديث لـ”العربي الجديد”، مزاعم إسرائيل حول “وجود عسكري لحماس والجهاد” في سورية ووصفها بأنها مجرد ادعاءات فارغة. وقال قبلان: “لو تتبعنا الادعاءات الإسرائيلية، لوجدنا أنها متناقضة، خاصة قولهم إنهم لا يريدون أن يكون جنوب سورية مثل جنوب لبنان، حيث الوضع مختلف كلياً، ففي جنوب لبنان كان هناك قوة واحدة على صلة بإيران، وهذا الوضع غير قائم في سورية”.
“حماس” ليس لها وجود عسكري بسورية
وحول “وجود عسكري لحماس والجهاد” في سورية قال قبلان أن “حماس ليس لها وجود عسكري على الأرض السورية، ولا يسمح بوجودها، والادعاءات الإسرائيلية مجرد اختلاق ذرائع متناقضة”. وأوضح: “مرة تقول إسرائيل إنها تريد دعم الدروز، وأحيانا تدعي وجود جهاديين، وأحياناً تريد تأمين حدودها، وكل ذلك غير صحيح. الصحيح أنهم يحاولون الحصول على ورقة سياسية من خلال الترويج للانعزال على أساس طائفي وعرقي، لأنهم يعتبرون أن سورية ضعيفة خير لإسرائيل”. واعتبر أن “أي تضعضع في سورية سوف يتيح لإيران الدخول مجدداً إلى سورية بزعم دعم المجموعات التي تقاتل إسرائيل، وهذه قضية تحظى بشعبية، ما سيعيد الأمور إلى سيرتها الأولى كما كانت في عهد النظام السابق”.
نشاط اجتماعي وإغاثي
وبشأن “وجود عسكري لحماس والجهاد” في سورية قال الناشط في مجال العمل الإغاثي الحاج مازن أبو عطوان، لـ”العربي الجديد”، إن أنشطة حركة الجهاد في سورية تتركز حول رعاية الفقراء وترميم ما يمكن من منازل مدمرة، خاصة في مخيم اليرموك، ومحاولة إصلاح شبكة مياه الشرب، وتنظيف الشوارع الرئيسية من الردم، وتوزيع المساعدات الغذائية، أما “حماس” فلديها بعض المؤسسات الاجتماعية المرخصة من عهد النظام السابق قبل تدهور العلاقة بينهما نتيجة موقف الحركة المعارض لقمع النظام السابق للحراك الشعبي ضده. وأضاف أبو عطوان أن القيادة الجديدة في سورية لديها توجه لتشجيع النشاط المجتمعي والأهلي، سواء السوري أو الفلسطيني، لتعويض الخلل في أداء العديد من مؤسسات الدولة الموروث عن النظام السابق، مشيراً إلى أن مؤسسات المجتمع المدني الفلسطينية ساهمت في إصلاح وترميم وإعادة تجهيز معظم مساجد مخيم اليرموك لتكون جاهزة مع فجر اليوم الأول من رمضان (اليوم السبت)، وكل ذلك بدعم من أشخاص وعائلات من داخل مخيم اليرموك وخارجه. وأشار إلى دور هذه المنظمات في توزيع المواد الغذائية والألبسة عن طريق متبرعين، إضافة إلى تشغيل مستوصف خيري من قبل فصيل الجبهة الشعبية- القيادة العامة في مخيم اليرموك، ومستوصف وعيادة من جانب وكالة “أونروا”، مشيراً إلى أن أبرز الجمعيات العاملة في هذا المجال، هي “الإسراء” الخيرية، و”اليرموك” الخيرية.
وحول دور الفصائل في هذه الأنشطة، لفت الناشط في المجال الإغاثي وليد الكردي إلى أن حركات حماس والجهاد وفتح لها دور في العمل الخيري الإغاثي في التجمعات الفلسطينية، ضمن تراخيص عمل نظامية، كما تقوم الجبهتان الشعبية والديمقراطية لتحرير فلسطين بأنشطة في مخيم اليرموك غالبيتها ثقافية. ولفت إلى أن أبرز جهة تنشط على هذا الصعيد، هي وكالة “أونروا”، التي أنجزت بناء مدرستين جديدتين في مخيم اليرموك، إضافة إلى مستوصف، وهي تقدم خدمات أخرى، خاصة بعد نقل مقر الوكالة من منطقة الحلبوني في دمشق إلى بناء جديد في شارع المدارس في مخيم اليرموك بغية التخفيف على المدنيين عناء التنقل.
ورأى الباحث محمد إبراهيم أن ما تقوله حكومة إسرائيل بشأن مخاطر أمنية محتملة من الجانب السوري يدخل في باب “الأمن الوقائي” الذي باتت المؤسسة العسكرية الإسرائيلية تتبناه، خاصة بعد عملية “طوفان الأقصى” في غزة. وأضاف إبراهيم، في حديث لـ”العربي الجديد”، أن الحسابات الإسرائيلية تقوم على فرضيتين، هما عدم ثقتها بالحكم الجديد في سورية، والذي تعتبر أن لديه مرجعيات جهادية تدعم محاربة إسرائيل، إضافة إلى افتراض إسرائيلي بأن حركتي “حماس” و”الجهاد” في سورية سوف تبحثان عن جبهة انطلاق جديدة محاذية للجولان السوري المحتل، لمهاجمة إسرائيل بعد أن خسرتا جبهتي غزة وجنوب لبنان.
ورأى أن الإدارة الجديدة في دمشق تدرك تماماً المخاطر المترتبة على السماح بأي “وجود عسكري لحماس والجهاد” في سورية مستبعداً أن تسمح بذلك، لا قرب حدود الجولان، ولا في عمق الأراضي السورية. ولفت إلى أن إسرائيل تدرك ذلك، لكنها ترمي كما يبدو إلى ما هو أبعد، لانتزاع تخلٍ علني من جانب دمشق عن أي التزام بالقضية الفلسطينية، حتى على الصعيدين السياسي والإعلامي، على نحو ما كان يفعل النظام السابق، والذي كان يمنع النشاط العسكري الفلسطيني، ويكتفي بالدعم الإعلامي، الذي تقلص أيضاً في الأشهر الأخيرة قبل سقوط النظام، تحت الضغط الإسرائيلي.
العربي الجديد
————————————
هل ستترك إسرائيل الشرع يصول ويجول في سوريا كما فعلت مع حماس و”حزب الله”؟
في صيف 2006 اتُخذ قرار مجلس الأمن 1701، الذي وضع الحد لحرب لبنان الثانية؛ لأن حزب الله عاد وتمركز عسكرياً في جنوب لبنان خلافاً للاتفاق؛ وتزود بالصواريخ وسلاح متطور آخر، وحفر الأنفاق الهجومية، وأقام أبراجاً راقب من خلالها ما يحدث في الغرف المغلقة لسكان الشمال. وإيهود أولمرت، الذي كان يتعرض لضربات في الداخل والخارج، أغمض عينيه.
في انتخابات 2009 عاد نتنياهو إلى الحكم، وكعادته منذ ذلك الحين، اكتفى بتحذيرات ضعيفة وغير موثوقة، أكدت قول حسن نصر الله بأن “قوة الدولة الصهيونية كخيوط العنكبوت”. هكذا ولد مفهوم “الاحتواء” – الذي جلب علينا جولات قتال فاشلة في الجنوب والعجز، (“ضبط النفس يعتبر قوة”)، إزاء منظومة الصواريخ والأنفاق الهجومية في الجنوب والشمال.
وفي نهاية المطاف الكارثة الأكبر.
في خطابه الذي ألقاه في نهاية دورة ضباط في بداية هذا الأسبوع، تنصل نتنياهو (لفظياً على الأقل) من عقيدة الاحتواء التي قادها في سنوات حكمه الكثيرة، ووضع خطاً ثابتاً وواضحاً للنظام السوري الجديد: “نطالب بنزع كامل للسلاح في جنوب سوريا… ولن نتحمل أي تهديد للطائفة الدرزية”، وأضاف: “سيبقى الجيش الإسرائيلي في المنطقة العازلة لفترة غير محدودة… وسنحتفظ أيضاً بمناطق في لبنان إلى أن يفي لبنان بتعهداته في الاتفاق”.
ولتجسيد جدية هذه الأقوال، قصفت طائرات سلاح الجو بنى تحتية عسكرية في جنوب دمشق، المتبقية من النظام السابق. في المنطقة نفسها، حسب مصادر مختلفة، تراقب قوات برية إسرائيلية ألا تدق أي قوة أو مليشيا أو النظام الجديد وتداً في جنوب دمشق. تداعيات هذه العقيدة الجديدة، إذا لم يتراجع عنها نتنياهو، ستكون ثورية. لأن العقيدة السابقة التي اتبعها سمحت بوجود حزب الله على طول الحدود ولم تمنع حدوث الاقتحام من جنوب الحدود (تذكرون الخيمة؟)، وشجعت حزب الله وحماس على شن حرب تدميرية، التي نواجه نتائجها المؤلمة بدون نجاح زائد من سنة ونصف.
الزعيم السوري الجديد أحمد الشرع احتج على مضمون الخطاب، لكنه سلم بمعناه العملياتي. فقد استدعى رؤساء الطائفة الدرزية، ونقل إليهم (خاصة لإسرائيل) رسائل بعيدة المدى: “نريد السلام… نريد بناء دولة، وتقديم الخدمات… لا نية لنا لشن حرب على أحد… نظام الحكم في سوريا يعمل على مصادرة السلاح الذي يُرسل إلى حزب الله عن طريق سوريا”. هذه أقوال ثورية، شريطة أن يتمكن من تطبيقها بإرادته وبنيته.
ماذا بشأن نتنياهو؟ يكشف فجأة أن التمسك – المدعوم بالأفعال – بطلبات إسرائيل الأمنية يستجاب لها (حتى لو كان ذلك مع صك الأسنان). والنغمة التي تخرج من البقاع في لبنان آخذة في التغير. أذننا تسمع.
لو اتبع مثل هذه السياسة، التي طلب كثير من الأشخاص الطيبين اتباعها، لبقيت حماس قوة هامشية لا تملك ما تشكل به خطراً على إسرائيل، وما كان يمكنها تنفيذ 7 أكتوبر، وربما بقي حزب الله منظمة دينية متعصبة، لكن بدون قوة فتاكة، مثل القوة التي حاربت ضدنا في المعركة الأخيرة.
يسرائيل هرئيل
هآرتس 28/2/2025
القدس العربي
————————–
مفوضية حقوق الإنسان: احتلال إسرائيل للجولان يزعزع الأمن في سوريا
2025.03.01
قال المتحدث باسم مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، ثمين الخيطان، إن احتلال إسرائيل لمرتفعات الجولان السورية يزعزع استقرار الوضع الأمني في سوريا.
وفي تصريحات نقلتها وكالة “الأناضول” التركية، أوضح الخيطان أن إسرائيل “تنتهك اتفاق فض الاشتباك لعام 1974، باحتلال مناطق خارج المنطقة العازلة في الجولان، وتخطط لمضاعفة عدد المستوطنين في الجولان المحتل”.
وأشار المتحدث باسم مفوضية حقوق الإنسان إلى أن الاحتلال الإسرائيلي وخططه “يقوضان سيادة سوريا وسلامة أراضيها، ويمكن أن يؤديا إلى زعزعة استقرار الوضع الأمني الهش بالفعل”.
وفي وقت سابق، أعرب المتحدث باسم الأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك عن قلق المنظمة الأممية البالغ إزاء الانتهاكات الإسرائيلية المستمرة لسيادة سوريا وسلامة أراضيها.
وخلال مؤتمره الصحفي في نيويورك، قال دوجاريك إنه “نشعر بقلق بالغ إزاء استمرار إسرائيل في انتهاك سيادة سوريا وسلامة أراضيها، وانتهاكات اتفاقية فض الاشتباك لعام 1974″، مؤكداً على ضرورة احترام كل الالتزامات بموجب القانون الدولي.
وأضاف أنه “في كل مرة نرى فيها هذه الضربات وغيرها من الانتهاكات من قبل آخرين لسلامة الأراضي السورية، فإن هذا يزيد من خطر تجدد الأعمال العدائية، وزيادة العنف، وعدم الاستقرار الإقليمي”.
وشدد المتحدث باسم الأمم المتحدة على أنه “نحن ندافع عن أمن الشعب السوري ووحدة الأراضي السورية وسيادتها، وهذه رسائل نقلها المبعوث الأممي بيدرسن وآخرون”، مؤكداً أن “جميع الالتزامات بموجب القانون الدولي، يجب أن تُحترم”.
الاعتداءات الإسرائيلية على سوريا
وخلال الأيام الماضية، شهدت مناطق عسكرية جنوبي سوريا قصفاً عنيفاً شنته طائرات الاحتلال الإسرائيلي، في استمرار لاعتداءات متكررة، خلال الأسابيع الماضية، على الأراضي السورية، بما في ذلك احتلال المنطقة العازلة والسيطرة على قمة جبل الشيخ، وتوغل قوات الاحتلال الإسرائيلي في محافظة القنيطرة، وقصف مئات المواقع العسكرية، بهدف تدمير البنية التحتية للجيش السوري.
ويتزامن العدوان الإسرائيلي البري والجوي خلال الأيام الماضية، مع استمرار عمليات بناء القواعد العسكرية داخل المنطقة العازلة من جبل الشيخ وصولاً إلى حوض اليرموك، حيث يتم تجهيز النقاط بالكهرباء والسكن الخاص بالعناصر وشق طرقات باتجاه الحدود من كل نقطة عسكرية تم إنشاؤها.
—————————
إسرائيل تضغط على أميركا لإبقاء سوريا “ضعيفة“
حكومة نتنياهو تحاول إقناع إدارة ترمب باستمرار القاعدتين الروسيتين
رويترز
السبت 1 مارس 2025
قال الزميل في مؤسسة سينشري إنترناشيونال البحثية ومقرها الولايات المتحدة آرون لوند، إن “الخوف الأكبر لدى إسرائيل هو أن تتدخل تركيا لحماية الإدارة الجديدة في سوريا، فيما قد يفضي إلى تحولها لـحماس وغيرها من الجماعات المسلحة”.
قالت أربعة مصادر مطلعة، إن إسرائيل تضغط على الولايات المتحدة لإبقاء سوريا ضعيفة وبلا قوة مركزية من خلال السماح لروسيا بالاحتفاظ بقاعدتيها العسكريتين هناك لمواجهة النفوذ التركي المتزايد في البلاد.
وأوضحت المصادر أن العلاقات التركية المتوترة في الغالب مع حكومة بنيامين نتنياهو تعرضت لضغوط شديدة خلال حرب غزة، وأن مسؤولين إسرائيليين أبلغوا واشنطن بأن الإدارة الحالية في سوريا، التي تدعمها أنقرة، تشكل تهديداً لحدود إسرائيل.
وتشير هذه الضغوط إلى حملة إسرائيلية منسقة للتأثير في السياسة الأميركية في منعطف حرج بالنسبة إلى سوريا، حيث تحاول الإدارة الجديدة التي أطاحت بشار الأسد توطيد الاستقرار وحمل واشنطن على رفع العقوبات.
وذكرت ثلاثة مصادر أميركية وشخص آخر مطلع على الاتصالات أن إسرائيل نقلت وجهات نظرها إلى كبار المسؤولين الأميركيين خلال اجتماعات في واشنطن خلال فبراير (شباط) الماضي، واجتماعات لاحقة في إسرائيل مع ممثلين في الكونغرس الأميركي.
وقال اثنان من المصادر، إن وثيقة إسرائيلية تتضمن البنود الرئيسة جرى توزيعها أيضاً على مسؤولين أميركيين كبار.
وطلبت جميع المصادر عدم ذكر اسمها نظراً إلى الحساسية الدبلوماسية.
وقال الزميل في مؤسسة سينشري إنترناشيونال البحثية ومقرها الولايات المتحدة آرون لوند، إن “الخوف الأكبر لدى إسرائيل هو أن تتدخل تركيا لحماية الإدارة الإسلامية الجديدة في سوريا، فيما قد يفضي إلى تحولها لـحماس وغيرها من الجماعات المسلحة”.
ولم ترد وزارة الخارجية الأميركية ولا مجلس الأمن القومي الأميركي ولا مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي ولا وزارة الخارجية السورية أو التركية على طلبات للتعليق بعد.
وقالت المصادر، إنه لم يتضح حتى الآن مدى قبول إدارة الرئيس دونالد ترمب لمقترحات إسرائيل.
ولم تتطرق الإدارة الأميركية الجديدة كثيراً إلى الشأن السوري، مما تسبب في حال من عدم اليقين تجاه مستقبل العقوبات المفروضة على دمشق ووضع القوات الأميركية المنتشرة في شمال شرقي البلاد.
وقال لوند، إن إسرائيل لديها فرصة جيدة للتأثير في الولايات المتحدة، ووصف الإدارة الأميركية الجديدة بأنها مؤيدة لإسرائيل بقوة. وأضاف “سوريا ليست ضمن أولويات ترمب حالياً. لها أولوية منخفضة وهناك فراغ في السياسات يتعين ملؤه”.
—————————
إسرائيل تريد سوريا مفككة.. والضامن القواعد الروسية وليس التركية
السبت 2025/03/01
تمارس إسرائيل ضغوطاً على الولايات المتحدة من أجل إبقاء سوريا ضعيفة ومفكّكة، بزعم أن الحكام الجدد للبلاد يشكلون “تهديداً خطيراً” لحدودها، وأن الجيش السوري الجديد سيهاجم إسرائيل “ذات يوم”، حسب وكالة “رويترز”.
سوريا ضعيفة
وقالت أربعة مصادر للوكالة، إن الضغط الإسرائيلي يتضمن الإبقاء على القواعد العسكرية الروسية في البلاد، من أجل مواجهة النفوذ التركي المتزايد، كما أبلغ مسؤولون إسرائيليون، واشنطن، بأن الحكام الإسلاميين الجدد يشكلون تهديداً لحدود إسرائيل.
واعتبرت الوكالة أن الضغوط تشير إلى حملة إسرائيلية منسقة للتأثير على السياسة الأميركية، بالتزامن مع منعطف حرج بالنسبة لسوريا، وكذلك في الوقت الذي يحاول الإسلاميون الذين أطاحوا بنظام الأسد، توطيد الاستقرار وحمل واشنطن على رفع العقوبات.
وقالت ثلاثة مصادر أميركية وشخص آخر مطلع على الاتصالات، إن إسرائيل نقلت وجهات نظرها إلى كبار المسؤولين الأميركيين خلال اجتماعات في واشنطن في شباط/ فبراير الماضي، واجتماعات لاحقة في إسرائيل مع ممثلين في الكونغرس الأميركي، فيما ذكر اثنان من المصادر أن “وثيقة إسرائيلية” تتضمن البنود الرئيسية جرى توزيعها أيضاً على مسؤولين أميركيين كبار.
لكن المصادر لفتت إلى أنه لم إنه لم يتضح حتى الآن مدى قبول إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لمقترحات إسرائيل، فيما لم تتطرق الإدارة الأميركية الجديدة كثيراً إلى الشأن السوري، مما تسبب في حالة من عدم اليقين تجاه مستقبل العقوبات المفروضة على دمشق ووضع القوات الأميركية المنتشرة في شمال شرق البلاد.
الدور التركي
وتشعر إسرائيل حالياً بقلق بالغ إزاء الدور الذي تلعبه تركيا بصفتها حليفاً مقرباً من الإدارة الجديدة في سوريا، حسبما أفادت 3 مصادر للوكالة.
وقالت المصادر إن مسؤولين إسرائيليين سعوا إلى إقناع نظرائهم الأميركيين، بأنه يتعين على روسيا أن تُبقي على قاعدتها البحرية في طرطوس، وقاعدتها الجوية في حميميم في اللاذقية، من أجل السيطرة على الدور التركي.
لكن مصدرين أميركيين كشفا أنه عندما عرض المسؤولون الإسرائيليون استمرار الوجود الروسي في اجتماعهم مع المسؤولين الأميركيين، فوجئ بعض الحاضرين، بالإشارة إلى أن تركيا، العضو في حلف شمال الأطلسي، ستكون ضامناً أفضل لأمن إسرائيل.
وأضاف المصدران أن المسؤولين الإسرائيليين “صمموا” على أن الوضع ليس كذلك، وذلك بالتزامن مع محادثات تجريها القيادة الجديدة مع موسكو بشأن مصير القاعدتين العسكريتين.
وفي وقت سابق، قال الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع إن دمشق لا ترغب في خوض صراع مع إسرائيل أو أي دولة أخرى.
لكن مصادر الوكالة أكدت أن مسؤولين إسرائيليين عبروا لمسؤولين أميركيين عن قلقهم من أن الحكومة الجديدة قد تشكل “تهديداً خطيراً”، وأن الجيش السوري الجديد قد يهاجم إسرائيل في المستقبل.
المدن
—————————-
=======================