مقالات سينمائية

طلاب معهد السينما بدمشق يطالبون بتنحية العميد الغائب المهيمن!/ علي سفر

السبت 2025/03/01

منذ صدور قرار إقالة عميد المعهد العالي للفنون المسرحية في دمشق، د.تامر العربيد، بعد احتجاجات طلابية اشترك فيها جزء من الكادر التدريسي، والتململ يهيمن على طلاب المعهد العالي للسينما، لا سيما قسم الإخراج الذي يعاني مشاكل جمة، ويبدو أن طلابه قد وصلوا إلى حائط مسدود في نقاشاتهم الداخلية مع عميد المعهد المخرج باسل الخطيب!

الاندفاعة الثورية التي أحدثها سقوط نظام الأسد البائد، باتت تقصّر المسافات بين النيات وبين الفعل على الأرض، إذ اجتمع هؤلاء الطلاب على قرار البدء بالإضراب حتى تحقيق أهدافهم بتاريخ 24 شباط الماضي، وحددوا تاريخاً لوقفة اعتصامية الخميس في الـ27 منه.

وبحسب مصدر من الطلاب، فإن عميد المعهد حاول ثنيهم عن المضي بالوقفة، واعداً إياهم بحل المشاكل، خلال شهرين، عبر الحصول على تمويل، وبما يضمن تأمين متطلبات مشاريع تخرجهم، وأنهم في حال طلبوا منه الاستقالة فسيستقيل. وحين أكدوا له بأنهم يريدون ذلك، تراجع عما قاله! وقال لهم بأن يفعلوا ما يريدون، فنفذ الطلاب اعتصامهم أمام المبنى المؤقت، بجانب المعهد العالي للفنون المسرحية، رافعين لافتات تشرح مطالبهم بشكل محدد ومنها: “مسؤولية تطوير المعهد في عنق جميع السينمائيين في الداخل والخارج”، “الأكاديمية السينمائية تحتاج دعماً لوجستياً وتقنياً”، “إدارة، معدات، أساتذة متخصصين”، “نطالب بإدارة جديدة فعالة”، “مستقبل السينما السورية يرتبط بالمعهد”، “نريد خطة دراسية ومنهجاً ومراجع”، “نريد استجابة لحقوق الطالب”، “نطالب بإدارة جديدة فعالة”، “نطالب العميد بإفساح المجال لعمادة جديدة فعالة”!

أحد الطلاب المشاركين في الوقفة، من المقبلين على التخرج هذا العام، تحدث لـ”لمدن” طالباً عدم ذكر اسمه، ففنّد المشاكل التي يعيشها مع زملائه: “بدايةً، عميد المعهد بقي غائباً عن سوريا أكثر من ثلاثة شهور ونصف أي من قبل سقوط النظام والتحرير، بسبب ارتباطه بتصوير عمل درامي في الكويت (مسلسل “أفكار أمي”، بدأ تصوير الجزء الثاني في تشرين الثاني 2024). أي أنه ترك المعهد، الذي يفترض به أن يديره، كل هذه المدة، والمشكلة في أن المركزية في المعهد حاضرة بشكل سيء جداً. فهو العميد، وهو رئيس قسم الإخراج، وهو أستاذ محاضر، والمصيبة أنه رجع الآن من السفر صحيح، لكنه سيغادر بعد أيام إلى دبي، بسبب ارتباطه بتقديم دورة تعليمية سينمائية هناك! أي أن وضع المعهد مزر جداً لجهة عدم وجود كادر تدريسي، وهذا سببه مشاكل العميد مع الأساتذة، وفرضه عليهم آلية عمل محددة، ومادة علمية يحددها هو أيضاً، فالمعهد منذ تأسيسه وإلى اليوم، لا تتوافر فيه مناهج علمية موصوفة أو مراجع”!

بنظرة عامة، وإذا أخذنا في الاعتبار أن المعهد يعتبر وليداً ما زال يحبو، حيث إن مرسوم إنشائه صدر في بداية العام 2021، فإنه من المنطقي أن تتعرض مرحلة النمو الأولى إلى عثرات ومشاكل، وللقارئ أن يفترض تضاعف حجمها بالنظر إلى وضع سوريا في ظل حكم الأسد البائد، حيث تسود المحسوبية، وينتشر الفساد الإداري، كما أن شح الموارد الذي تتعرض له كافة المؤسسات التعليمية يفرض عقبات إضافية على المسيرة التعليمية! لكن هذا كله كان يجب النظر فيه أثناء إعداد دراسة الجدوى لمشروع المعهد، ويبدو أن الرغبة بتحقيق الإنجاز قد تغلبت على الموضوعية في هذا السياق. وكما في كل شيء، يبدو أن النوايا الاستعراضية لا تنتج في المحصلة مشروعاً علمياً متماسكاً، طالما أن الأشخاص المكلفين بالعمل، يشتغلون في الوسط نفسه، أي أنهم غير متفرغين، وأيضاً غير متخصصين، ولا يمتلكون المؤهلات الأكاديمية، فامتلاك شهادة في هذا المجال لا يعني القدرة على التدريس.

لا يبدو، ومن خلال تتبع أوضاع المعهد ومشاكله، أنها بدأت منذ فترة وجيزة، بل تعود إلى فترة خلت، حينما استقبلت وزيرة الثقافة السابقة، لبانة مشوح، وفداً من الطلاب، استغلوا الفرصة للمطالبة بالإصلاحات الضرورية لكي يستمر المعهد في أداء عمله. وبحسب الطلاب، فإن هذه الخطوة لم ترُق للعميد الذي استدعاهم و”بهدلهم وهددهم” كما يقولون، وزاد على ذلك بالطلب ممن لا يعجبه الوضع أن يترك المعهد.

يقول أحدهم: “في طلاب كتير انحقد عليها لأنو حكت قدام الوزيرة المشاكل وانحرمت من تقديم مواد وعلامتها ما عاد طلعت فوق الـ60 رغم انو مقدمة منيح، بس لأنو حكت”.

وبحسب البعض من هؤلاء، فإن ثمة تلاعباً بالعلامات التي يحصل عليها الطلاب، يُبنى على تدخل العميد في عمل أكثر من أستاذ محاضر، لتحديد نتائج الطلاب المَرضي عنهم، وكذلك المغضوب عليهم!

“القضايا اللوجستية مهمة جداً في عملنا كطلاب، لا سيما نحن الذي سنتخرج هذا العام”، يقول أحد الطلاب ويشرح المشكلة: “نحتاج كطلاب إلى العمل في وحدات المونتاج، وهما اثنتان فقط، لكن هذا ممنوع علينا إلا أثناء المحاضرة الرسمية، أما عميد المعهد، فقد قام بمونتاج أفلامه الحديثة فيها!”. يضيف: “وقبل هذا كله، نحتاج إلى كاميرات للتصوير، لكننا لا نستخدم الكاميرات الخاصة بالمعهد التي بقيت مضبوبة، بينما نُضطر إلى استئجار كاميرات من القطاع الخاص، كما أن مشاريع التخرج تحتاج إلى الاإنفاق عليها من قبل المعهد، لكن هذا لا يحدث، بسبب عدم توافر التمويل، الأمر الذي يكلفنا مبالغ كبيرة من جيوبنا المثقوبة! وحين طالبنا العميد بأن يجد لنا حلاً، وعدنا بأن يحاول تأمين التمويل، لكنه قال لنا بأن نصور أفلاماً قصيرة باستخدام هواتفنا المحمولة، وأن نتخرج “عالساكت”، أو أن نجعل مشروع تخرجنا حلقة بحثية مكتوبة”!

يقوم المعهد على قسمين، هما قسم الإخراج، وقسم السيناريو والنقد السينمائي، ويبدو أن هذا الأخير الذي تديره الباحثة والناقدة المسرحية ميسون علي، لا يعاني الإشكاليات نفسها، حسبما تشرح طالبة في هذا القسم، لكنها تضيف بأن المشكلة التي يجب أن يتم حلها هي “تأمين التمويل الكافي وكذلك المشرفين على مشاريع تخرج الزملاء في قسم الإخراج، إذ ثمة غياب للكادر التدريسي بشكل عام بسبب وضع سوريا السابق، لكن يجب النظر بجدية إلى هذه المشكلة وليس تجاهلها، فهذه أول دفعة ستتخرج من المعهد ويجب أن تظهر نتائج دراستها بشكل لائق”!

وحول مشكلة غياب الكادر التدريسي يشرح طالب آخر قائلاً: “طالَبنا بأساتذة شباب مهمين قادرين على التدريس في المعهد، مثل المخرجين السدير مسعود وميار النوري. لكن العميد رفض وقال إن هذين المخرجين لا يملكان الخبرة للقيام بهذا العمل! غير أنه في الوقت ذاته، دعا ابنه مجيد للتدريس، وهو من جيل المخرجَين المذكورَين نفسه، وسلّمه دفعة كاملة”.

هنا لا يبدو أن ثمة حاجة للتحقق مما يقوله الطالب، إذ أن برنامج التدريس يظهر أن أفراداً آخرين من عائلة الخطيب يقومون بالتدريس في المعهد، كشقيق العميد د.وضاح، وزوجته الناقدة ديانا جبور التي تدرس مادة السيناريو في القسم المتخصص بذلك، ويبدو أن هناك تجاهلاً لمبدأ “تضارب المصالح” في سياق التكليفات التي يقررها عميد المعهد. وحول اسم آخر، هو حسين الخطيب، يشرح الطلاب بأن هذا الأستاذ يعمل محاسباً في المؤسسة العامة للسينما، وجاء به العميد ليدرّس مادتين تتصلان بقضايا الإنتاج السينمائي.

يأمل طلاب قسم الإخراج السينمائي في أن يثمر حراكهم حلاً لمشكلتهم، فهم يدافعون عن باسل الخطيب كمخرج “محترم”، ويرفضون الإساءة له، لكنهم يشددون على أن وظيفته كعميد غير قادر أو متفرغ لمؤسسة علمية، وإصراره على البقاء فيها، تجلب له الإساءات، وآن له أن ينصرف عنها.

المدن

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى