سقوط بشار الأسد، الرئيس الفار والمخلوعمنوعات

عن مسلسل “قيصر” أربعة مقالات

غسان مسعود والتفكير المزدوج/ أحمد مولود الطيار

28 فبراير 2025

لطالما كان الفن رسالة سامية في مدى التصاقه بالناس، في حزنهم وفرحهم، لكنه أيضاً قد يتحول إلى وسيلة لإعادة تشكيلها وفقاً لمصالح معينة، مما يجعله أداة قوية للتضليل وإعادة كتابة التاريخ. في هذا السياق، يُعدّ الممثل السوري غسان مسعود مثالاً واضحاً على تجسيد “التفكير المزدوج”، المفهوم الذي ابتكره جورج أورويل في روايته 1984، والذي يعني قدرة الشخص على تصديق حقيقتين متناقضتين في الوقت نفسه والقبول بهما معاً. هذه الازدواجية لا تعني فقط الانفصال عن الواقع، بل أيضاً الاستعداد للمشاركة في عملية إعادة تعريف الحقائق، بحيث تتغير المعاني والدلالات وفقاً للسياق السياسي أو الإعلامي الذي يتم توظيفها فيه.

تجلّت هذه الظاهرة بوضوح في مشاركة غسان مسعود في مسلسل مقابلة مع السيد آدم، حيث استُخدمت صور مسربة حقيقية لضحايا التعذيب في سجون النظام السوري، لكن ليس لإدانة النظام أو تسليط الضوء على الجرائم التي ارتكبها، بل لإعادة تقديمها في سياق درامي مضلل، يظهر هؤلاء الضحايا على أنهم قتلى نتيجة جرائم جنائية مرتبطة بتجارة الأعضاء. هذا الاستخدام لم يكن مجرد “خطأ فني”، بل كان جزءاً من عملية منظمة تهدف إلى تحريف الواقع، وتقديم رواية بديلة تنفي مسؤولية النظام السوري عن الجرائم الموثقة دولياً. ما يجعل الأمر أكثر تعقيداً هو أن المسلسل لم يتعرض لأي مساءلة أو محاسبة، بل مرّ مرور الكرام كعمل درامي اعتيادي، بينما كان في الحقيقة يشارك في طمس واحدة من أبشع الجرائم في التاريخ الحديث.

وهنا يظهر جوهر “التفكير المزدوج”، حيث يصبح من الممكن أن يشارك ممثل في عمل كهذا، يساهم في تبييض صورة النظام، ثم بعد فترة قصيرة يتصدر بطولة مسلسل آخر يدّعي معارضة النظام وكشف انتهاكاته. هذا ما حدث عندما أُعلن مشاركة غسان مسعود في مسلسل “قيصر”، الذي يتم تصويره في السجون السورية بعد تحريرها من النظام. المسلسل الجديد يفترض أنه يستند إلى “ملفات قيصر”، الضابط المنشق الذي سرّب آلاف الصور التي توثق جرائم النظام السوري ضد المعتقلين، وهي الصور نفسها التي استخدمها مسلسل مقابلة مع السيد آدم، ولكن في سياق مختلف تماماً، أي إن الصور نفسها التي تم تحريف دلالاتها في مسلسل سابق، تُستخدم الآن في عمل جديد، ولكن من دون الاعتراف بالمغالطة السابقة أو التناقض الفج بين الموقفين، ومن دون أي ندم أو اعتذار!

التفكير المزدوج هنا ليس مجرد تناقض بسيط، بل حالة ذهنية تتيح لصاحبها تبرير مواقف متناقضة من دون أن يشعر بأنه يناقض نفسه. عندما شارك غسان مسعود في مسلسل يضلل الجمهور حول ضحايا التعذيب، كان ذلك مقبولاً وفقاً للسياق الذي قُدم فيه العمل، والآن عندما يؤدي دور البطولة في مسلسل يدّعي فضح انتهاكات النظام، فإن ذلك أيضاً يصبح مقبولاً، حتى لو كان التناقض واضحاً. في عالم 1984، كان على المواطنين تصديق شعارات مثل “الحرب هي السلام”، و”الحرية هي العبودية”، حيث يتم التلاعب بالوعي الجمعي إلى حدّ يجعل التناقضات تبدو طبيعية أو حتى ضرورية للحفاظ على النظام القائم.

ما يجعل الأمر أكثر إشكالية هو أن هذه الازدواجية لا تقتصر على غسان مسعود بوصفه شخصاً، بل تعكس ديناميكية أوسع في المجال الفني والثقافي السوري. فالممثلون والمخرجون والكتاب الذين عملوا على تبرير جرائم النظام أو التقليل من فظاعتها، يمكنهم بعد فترة قصيرة أن يصبحوا وجوهاً لأعمال درامية تدّعي معارضة الاستبداد وكشف الحقيقة. هذا الأمر يعكس كيفية استخدام الفن ليس فقط أداةً للتعبير، ولكن أيضاً وسيلةً لإعادة صياغة التاريخ وفقاً للحاجة السياسية. تماماً كما في عالم أورويل، حيث كانت الحقائق لا تُنفى، بل يُعاد تشكيلها لتناسب الرواية الرسمية، فإن الدراما هنا لا تقوم فقط بسرد الأحداث، بل تتحول إلى آلية للتحكم في الطريقة التي يفهم بها الجمهور تلك الأحداث.

هذه الظاهرة تجعل من الصعب التمييز بين ما هو عمل فني موضوعي، وما هو مشروع سياسي مقنّع بالدراما. هل يمكن لممثل أن يكون في صفّ السلطة عندما يحتاج إليها، ثم يصبح في صفّ معارضيها عندما تتغير الظروف؟ هل يمكن تصديق عمل يدّعي كشف انتهاكات النظام عندما يكون أبطاله أنفسهم قد شاركوا في طمس تلك الانتهاكات سابقاً؟ هذه الأسئلة تتجاوز قضية فردية، وتمتد إلى مفهوم أعمق: كيف يُصنع الوعي الجمعي، ومن يتحكم في تحديد “الحقيقة” عندما تكون كل الحقائق قابلة لإعادة التأويل؟

المفارقة في حالة غسان مسعود ليست فقط في مشاركته في مسلسلين متناقضين من حيث الموقف السياسي، بل في أن هذه الازدواجية لم تمنعه من الظهور بمظهر الفنان “الملتزم” و”المثقف” الذي يمتلك رؤية نقدية تجاه الواقع. هنا يتجلى التفكير المزدوج في أوضح صوره: القدرة على أن تكون جزءاً من الدعاية المضللة، ثم أن تُقدَّم لاحقاً بوصفك وجهاً للحقيقة والعدالة، من دون أن يكون هناك أي تناقض ظاهري في ذلك. تماماً كما في رواية 1984، حيث يمكن للمرء أن يكرر الأكاذيب في الصباح، ثم يؤمن بالحقيقة في المساء، من دون أن يشعر بأنه يناقض نفسه.

هذه الظاهرة ليست محصورة بالفن السوري وحده، بل تعكس نهجاً أوسع تستخدمه الأنظمة السلطوية في مختلف المجالات، الإعلام، والأكاديمية، وحتى المنظمات الحقوقية، كلها قد تشهد تناقضات مماثلة، حيث يتم تبنّي مواقف متناقضة بناءً على تغير المصالح أو الاتجاهات السياسية. وكما في عالم أورويل، فإن الحقيقة ليست شيئاً ثابتاً، بل هي متغيرة، تُعاد صياغتها بحسب الحاجة، ويُطلب من الجميع أن يقبلوها كما هي، حتى لو كانت تناقض نفسها.

في النهاية، في ظل هذا التناقض العميق بين الأدوار التي لعبها غسان مسعود، وبين الحقيقة التي لا يمكن طمسها مهما حاولت الدراما إعادة تشكيلها، ربما يكون الخيار الأفضل أمامه هو أن يواجه هذا التفكير المزدوج بدلاً من أن يكون جزءاً منه. فبدلاً من التنقل بين السرديات المتناقضة، لماذا لا يقدم عملاً فنياً يضع هذا التناقض نفسه تحت المجهر؟ لماذا لا يكون مسلسله القادم: “التفكير المزدوج، غسان مسعود نموذجاً”، بوصفه ظاهرة فكرية واجتماعية وسياسية، حيث يكشف كيف يمكن للإنسان أن يعيش بين حقيقتين متناقضتين من دون أن يشعر بالتناقض؟

إن تقديم مسلسل يتناول هذه الظاهرة بصدق وشفافية، وهو الممثل البارع، مستنداً إلى تجربته الشخصية، قد يكون فرصة له للاقتراب من الحقيقة، والاعتراف الضمني بالأخطاء، وربما حتى تقديم اعتذار رمزي للسوريين الذين تعرضت مأساتهم للتشويه والتضليل. مثل هذا العمل يمكن أن يكون بمثابة كفّارة فنية، ليس فقط لتاريخه في الأعمال التي ساهمت في التلاعب بالحقائق، بل أيضاً لمساعدة الجمهور السوري والعربي على فهم كيف يتم التلاعب بالوعي، وكيف يمكن أن يصبح التناقض أداة للسيطرة على العقول.

إذا كان غسان مسعود فناناً ملتزماً كما يحب أن يقدَّم، فقد حان الوقت لأن يستخدم فنه لكشف الحقيقة بدلاً من المساهمة في طمسها. وربما، عبر هذا العمل، يجد هو نفسه الإجابة عن السؤال الذي يطارده: كيف يمكن للمرء أن يكون جزءاً من الزيف، ثم يدّعي الدفاع عن الحقيقة؟

العربي الجديد

——————————–

في دوشة مسلسل قيصر/ معن البياري

01 مارس 2025

للخبر وجوهٌ من الطرافة والغرابة تثير حزماً من التساؤلات… أعلنت اللجنة الوطنية للدراما (في سورية) إيقافاً مؤقّتاً لتصوير مسلسل “قيصر”. وبحسب بيانٍ لها، ذلك بعد “الجدل” الذي أثير حول العمل، و”مشاركة بعض الشخصيات فيه، وما تبعه من رفضٍ واسعٍ من قبل الشارع السوري، وانطلاقاً من التزامنا برأي شعبنا الكريم واحترام تطلّعاته”. ولا يدسّ واحدُنا أنفَه في أمرٍ لا جمل له فيه، لو سأل الهيئة المحترمة، والتي تحتفظ بمسمّاها الموروث من أجهزة نظام الأسد، ما إذا كان قرارُها هذا من اختصاصاتها في لوائحها. ومؤكّدٌ أن ذلكما الالتزام والاحترام اللذان تعلنهما الهيئة يلزم أن يكونا موضع تقدير الجميع، غير أنّك تستغرب مناسبتَهما عندما تعرف أنها “دوْشةٌ” في “فيسبوك” استهجن فيها سوريون أن يُشارك النجم غسّان مسعود في عملٍ دراميٍّ يتعلق بضحايا تعذيبٍ مهولٍ تعرّض له آلاف المعتقلين في سجون نظام بشّار الأسد، بدعوى أن الرجل كان من مشايعي النظام المذكور. والظاهر أن اللجنة (تتبع وزارة الإعلام) تستجيب في “تعليقها” تصوير المسلسل لأصحاب تلك الانتقادات، عندما تُعلِن في بيانها “حتى يتمّ تغيير اسمِه وإعادة النظر في قائمة المشاركين فيه”. ومع أنه حدَث في مصر، وصناعة الدراما ثقيلة فيها، أن تدخّلت جهاتٌ عليا وأوقفت بثّ مسلسلات بعينها، (نادراً ما يُتّخذ قرارٌ بوقف التصوير) لغير سببٍ، إلا أنه لم يحدُث تعليق تصوير عملٍ دراميٍّ بانتظار “إعادة نظرٍ” في مشاركين فيه.

لن أكون شعبوياً هنا، ولو حسبني بعضُ قرّاء أنني أحمل السلّم بالعرض، وأتدخّل في شأنٍ سوريٍّ “سيادي”، فأحتفي بهذه الاستجابة لمطلب استبعاد مسعود من مسلسلٍ ينشغل بجرائم نظام الأسد. ومع كل الاحترام للاستفظاع الذي استُقبلت به مشاركة الممثل المعروف في هذا العمل، إلا أن ثمّة بديهيّة، موجزُها أن التمثيل شغلٌ، ومهنةٌ، وأكل عيش، فممثلون معروفون بالرزانة والسمعة الطيبة أدّوا أدوار لصوصٍ وفاسدين. ومع كل إدانةٍ لازمةٍ لأيٍّ من أهل الدراما السورية، ممّن مالأوا الأسد، وصمتوا عن شناعات أجهزته، ومع وجوب محاكمة كلّ واحدٍ منهم ارتكب تحريضاً على الثوار السوريين، ومع كل الحقّ في السخرية من “تكويعاتٍ” تتابعت أخيراً، بادر إليها فنانون سوريون طبّلوا للأسد، فذلك كلّه لا يعني أن يُمنع غسّان مسعود من تأدية أي دورٍ في أي عملٍ فنّيٍّ عن موبقات نظام الوريث الفارّ.

وحسناً صنعت اللجنة المتحدّث عنها عندما أفادت الجمهور بأن “المحتوى الدرامي للعمل لا يتناول قضية قيصر المعروفة عالمياً، والتي تمسّ ضمير وإنسان كل سوريٍّ حر، وإنما يحمل طابعاً درامياً مختلفاً لا يمتّ لهذه القضية بصلة”. وهنا يستجدّ السؤال عن السبب الذي دعا اللجنة إلى أن تتّخذ قرارها ذاك، مدفوعةً بالتزامها برأي الشعب السوري الكريم، إذ نُصبح هنا في منطقة غموضٍ، يزيدها تشوّشاً اعتراض الضابط المنشقّ عن نظام الأسد، فريد المذهان، الذي تخفّى باسم “قيصر” عندما سرّب قبل سنوات آلاف الصور لجثثٍ شوّهها التعذيب، على تصوير مسلسل تلفزيوني يحمل هذا الاسم، ويؤدّي دور البطولة فيه غسّان مسعود. وأعلن أنه لم يسمح ولم يفوّض، ولم يوافق، شفهيّاً أو كتابة، “على إنتاج أي عمل إبداعي أو تلفزيوني أو سينمائي يتناول قصّة قيصر أو يحمل هذا الاسم”. ومع كل احترامٍ واجبٍ له، ربما يلزَم أن يعرف الضابط النظيف والشجاع أن لا سلطة لديه تمنحه الحقّ بهذا الاعتراض (ولا القبول أيضاً)، فضلاً عن أنه لم يطّلع على سيناريوهات المسلسل (لم تكتمل كتابة وتصويراً بعد!). والظاهر أن المذهان يأخذ بتقليدٍ مستهلكٍ تجري عليه أسر شخصيات عامة، بشأن إنجاز مسلسلاتٍ عن هذه الشخصيات. وباستعراض جولات نزاعٍ وتنازعٍ بين مثل هذه الأسر وصنّاع أعمال درامية أو سينمائية عنها، شهدتها الصحافة وبعض المحاكم، لم يفلح مثيرو الزوابع في شيء، وشوهدت تلك الأعمال، واستُحسنت وانتُقدت.

… أعلنت شركة إنتاج “قيصر” أنها “امتثالاً لرغبة جمهورنا الرائع وتوجيهات اللجنة الوطنية للدراما، سيتم إجراء التعديلات اللازمة، وكلنا أملٌ بوعي جمهورنا وعدم الانسياق وراء الشائعات التي قد تسيء للعمل قبل عرضه رسمياً”. ولأن من غير المُستحسَن أن يدخل أيٌّ منّا بين البصلة وقشرتها، فالمُختتم هنا إعادة التأكيد على حرّية الفنون (ومنها الدراما)، من دون أي تدخّلات، وعلى حرّية نقد أي عملٍ دراميٍّ بحسب ما له وعليه فنيّاً وجمالياً، مع التأكيد على حقّ غسّان مسعود في أن يؤدّي أي دورٍ في “قيصر” وغيره.

العربي الجديد

————————-

قيصر السوري درامياً… ممكن؟!/ مشاري الذايدي

تحديث 01 أذار 2025

عملُ مسلسل أو فيلم، بالاعتماد على قصّة حقيقية، أو سيرة شخصية واقعية، من أظهر أنواع الدراما المعروفة، في الغرب والشرق، فيما يُعرف بأعمال السير الذاتية، أو المستوحاة من أحداثٍ حقيقية، كما يُكتب عادة في مقدّمة العمل.

هذا النوع له متابعون – أنا منهم – يحرصون على مشاهدة هذه الأعمال، ومعرفة كيفية مقاربة صُنّاع هذا العمل لهذه الشخصية أو تلك الواقعة أو الوقائع التي جرت حقّاً.

لكن المعضلة التي لم تُحلَّ حتى اليوم، هي الصراع الدائم بين صُنّاع العمل، وبين ورثة هذه الشخصية أو أبطال تلك القصة، أو المتعاطفين مع الشخصية أو القصة، وهل يحقُّ للدراما أن تصنع خيالها الخاص حول الواقع؟ وإلى أي مدى؟ وهل ما تشاهدهُ – أنتَ – على الشاشة هو بالفعل ما جرى، بكل زواياه، أم هي «رؤية» المخرج والكاتب والمنتج، و«وجهة نظرهم» الخاصة؟… ليست «وثيقة» تاريخية دقيقة، هذا إن أمكن أصلاً للدراما أو الوثائقيات أن تستطيع تقديم الصورة الكاملة، من أساسه!

قبل أيام، ثار الجدلُ في سوريا وحولها، بسبب خبرٍ عن شروع بعض أهل الفن، في صناعة مسلسل عن حكاية «قيصر» السوري، خاصة بعدما كشف الضابط السوري المعارض فريد المذهان عن شخصيته الحقيقية، وهو الذي هرّب زهاء 55 ألف صورة تفضح جرائم النظام الأسدي تجاه السجناء في سوريا، هذا الفضحُ الذي تسبّب في صدور قانون قيصر الأميركي الشهير.

المعترضون يقولون إن المسلسل «يستهين» بمشاعر الضحايا، ويتاجر بها، وقيصر نفسه، فريد المذهان، قال إنه لم يسمح بإنتاج عملٍ كهذا. لكن من قال إن القصة المشهورة أو الشخصية العامة، مملوكة بالحق الحصري لجهة أو أسرة ما؟!

سؤال مُعضلٌ.

تباينت الأجوبة وصور التفاعل مع هذا السؤال، حتى من بعض أبناء وأقارب الفنانين، ومنهم من يرفض عمل أفلام عن النجم الشهير من عائلتهم.

على سبيل المثال: الفنّان المصري كريم نجل النجم الراحل محمود عبد العزيز قال إنه «يرفض تحويل حياة والده إلى عمل درامي»، رغم أن والده عمل سيرة الجاسوس المصري «رأفت الهجّان».

أعجب من ذلك أن إيمان زكي، شقيقة النجم المصري الراحل أحمد زكي، رفضت أيضاً صناعة مسلسل عن شقيقها، الذي مثّل 3 أفلام سير ذاتية: عبد الناصر والسادات وحليم!

حسن حافظ، الباحث في تاريخ مصر، قال لـ«الشرق الأوسط» إن «سيرة أي شخصية مشهورة هي ملكية عامة، ومن حق أي مبدع تقديمها في عمل فني».

المحامي بالنقض محمد إصلاح، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، قال إن «مجرّد التجسيد لا يرتب حقاً قانونياً للورثة في الاعتراض، ولكن لهم رفع دعوى تعويض إذا أثبتوا أن النشر والتجسيد قد أضرّ بسمعة المتوفى».

بعيداً عن هذا الجدل القانوني الأخلاقي السياسي، فلن يقدر طرفٌ ما على منْع صانع هذا العمل أو ذاك من تقديمه، خاصة إذا كانت تلك الشخصية العامة أو هاتيك، أو تلك القصة أو هاتيك، تثير حماسة الجمهور وتلعب بمشاعر الفضول لديهم. والحلُّ حينها يكون إمّا بنقد هذا العمل نقداً مُتقناً كاشفاً، وأيضاً تقديم أعمال أجود من هذا العمل، يلغي الأردأ ويبقي على الأجود.

الشرق الأوسط

—————————-

سجون الأسد.. من مسارح الجريمة إلى استديوهات التصوير/ وائل قيس

01-مارس-2025

أثار الإعلان عن بدء تصوير مسلسل “قيصر” في سوريا موجة انتقادات واسعة النطاق. فالفكرة غريبة سواء من ناحية الطرح أو التوقيت، أو حتى من ناحية اختيار فريق العمل، حيث سيتم التصوير داخل سجون حقيقية شهدت انتهاكات، وذلك لإضفاء أقصى درجات الواقعية على الأحداث. غير أن هذا الأمر يرقى إلى العبث بأدلة تثبت وقوع انتهاكات ممنهجة داخل سجون الأسد، ما يضعنا أمام نقاش جاد حول أخلاقيات الإنتاج الدرامي في سوريا وشرعية التصوير داخل أماكن شهدت تلك الفظائع.

يستمد العمل عنوانه من شخصية قيصر الواقعية، وهو المساعد الأول في الشرطة العسكرية بدمشق، فريد المذهان، الذي قام بتسريب نحو 55 ألف صورة جمعها بين عامي 2011 و2013، وكانت دليلًا دامغًا على جرائم نظام الرئيس المخلوع، بشار الأسد، بحق المعتقلين. وصفها قيصر في أول ظهور إعلامي له بأنها “آلة قتل لا تنتمي للبشرية”.

وتحت وطأة الانتقادات التي طالت صُنّاع العمل، أعلنت “اللجنة الوطنية للدراما” أنه “تقرر إيقاف العمل على المسلسل بشكل مؤقت، حتى تغيير اسمه وإعادة النظر في قائمة المشاركين فيه”، ما يعني أن المسلسل لا يزال قائمًا، وأن الإشكال الرئيسي يتعلق بطاقم التمثيل وليس بالعمل نفسه. المسلسل مؤلف من 10 أجزاء، كل جزء يتكون من ثلاث حلقات، وهو من إخراج صفوان مصطفى نعمو، المعروف أكثر بإخراج أغاني ربيع الأسمر وعلي الديك. وتركزت الانتقادات بشكل خاص على اختيار غسان مسعود، نظرًا لمواقفه المؤيدة للنظام السابق، إلى جانب الجوانب القانونية والحقوقية والنفسية المتعلقة بإنتاج المسلسل.

لا شك أن اختيار سجون شهدت جرائم ضد الإنسانية كمواقع للتصوير ليس مجرد تفصيل فني، بل يرقى إلى العبث بأدلة جنائية قد تُستخدم يومًا ما في محاكمة المتورطين بهذه الجرائم. يؤكد القانون الدولي أن مسارح الجريمة تُعد “أدلة حساسة”، وينطبق هذا بالتالي على سجون الأسد. لذا، فإن أي تغيير في معالمها أو استخدامها في إنتاج درامي قد يؤثر على التحقيقات المستقبلية، ومن المفترض أن يُعرّض القائمين على هذا الاستخدام للمساءلة الأخلاقية قبل القانونية.

هذه ليست المرة الأولى التي تُستخدم فيها سجون الأسد لأغراض ترفيهية وتسويقية بزعم التضامن مع المعتقلين. قبل نحو أسبوعين، وافقت الحكومة الانتقالية على إقامة فعالية “الإشهار الرسمي لمؤسسة رابطة معتقلي الثورة السورية داخل سجن صيدنايا، الذي لطالما وُصف بــ”المسلخ البشري” حيث قضى آلاف السوريين نحبهم تحت التعذيب. هذه القرارات العشوائية تثير تساؤلات ملحة حول جدية الحكومة الانتقالية في التعامل مع ملف العدالة الانتقالية، وإن كان لديها أساسًا نهج يراعي حساسية هذه المرحلة.

على مدى عقود، كانت الدراما السورية أداة بيد نظام الأسد، يُوظّفها في تشكيل وعي جمعي يخدم سردياته السياسية والاجتماعية. لم تكن الأعمال الفنية مجرد انعكاس للواقع، بل وسيلة للتأثير على المشاهد وتوجيهه. ففي عام 2017، منع نظام الأسد عرض مسلسل “ترجمان الأشواق”، قبل أن يسمح بعرضه بالتزامن مع ذروة تنفيذ حملة التهجير القسري الممنهجة في ريف دمشق عام 2019. وللمفارقة، كان غسان مسعود يؤدي في المسلسل دور الدكتور زهير، الماركسي الذي تحوّل إلى التصوف، وعرّاب المصالحة بين فصائل المعارضة ونظام الأسد.

أجمعت الآراء المنتقدة لاختيار غسان مسعود على أن من غير المقبول أن يؤدي ممثل دعم نظام الأسد خلال فترة قمع السوريين وزج الآلاف منهم في السجون، دور معتقل سياسي في عملٍ درامي بعد سقوط النظام. لكن الأهم من ذلك، أن هذا المسلسل قد يفاقم الانقسام الاجتماعي في مرحلة حساسة تمر بها البلاد. لا يزال سقوط نظام الأسد حديثًا، ولم نصل إلى نصف العام بعد، ولا يزال السلاح العشوائي منتشرًا في مختلف المناطق، فيما يحاول السوريون التعامل مع واقع أمني هش، في ظل غياب آليات العدالة الانتقالية. وفي مثل هذا المناخ الضبابي، قد تؤدي تداعيات مثل هذه الأعمال إلى تعقيد مسار التعافي الوطني.

توجد شريحة واسعة من الجمهور تتعامل مع الدراما وكأنها سجل وثائقي أو انعكاس للواقع الحقيقي، فالأحداث التي تُعرض على الشاشة تصبح في أذهان البعض بديلاً عن الحقائق الواقعية. هذا التأثير يُلقي مسؤولية أخلاقية كبيرة على صناع الدراما، إذ حين يتم تمثيل مشاهد التعذيب والانتهاكات دون معايير واضحة، قد يتحول الأمر إلى ترفيه مأساوي بدلًا من أن يكون وسيلة لزيادة الوعي وتوثيق الجرائم. والأسوأ من ذلك، أن إعادة تصوير الفظائع بشكل درامي قد يؤدي إلى تطبيعها، مما يخلق نوعًا من الاعتياد عليها بدلًا من تعزيز الشعور بضرورة تحقيق العدالة.

في الوقت الذي تحاول فيه البلاد تجاوز آثار الحرب وإعادة بناء نسيجها الاجتماعي، يجد المنتجون الدراميون أنفسهم أمام سوق جديدة تركز على الأعمال التي تتناول الانتهاكات. فبعد أن كانت هذه المواضيع محظورة أو مسكوتًا عنها لسنوات، أصبحت اليوم محور اهتمام درامي، وهي في بدايات تحولها إلى سلعة تُستثمر لتحقيق مكاسب تجارية. لا شك أن تسليط الضوء على هذه القضايا ضرورة ملحة، لكنها تصبح إشكالية حين يتم توظيفها لأغراض ربحية دون مراعاة أبعادها الحقوقية والإنسانية.

ومع هذه التحولات، وبينما تسعى سوريا إلى إعادة ترتيب أولوياتها، لا تزال العدالة الانتقالية غائبة تمامًا، ويبقى مصير آلاف المفقودين مجهولًا، مما يجعل إنتاج مسلسل مثل “قيصر” أكثر من مجرد عمل درامي، بل تحديًا أخلاقيًا ومجتمعيًا حقيقيًا. ومن الضروري رفض إعادة تمثيل معاناة المعتقلين أو الاقتباس منها لتكون مجرد مادة درامية تخضع لمتطلبات السوق، دون أي مسؤولية أو مراعاة لحقوق الضحايا وأسرهم. وهذا يطرح مخاوف وتساؤلات جدية حول تحول هذه الأعمال إلى مجرد وسيلة للاستثمار والشهرة وتصدر المشهد الدرامي.

الترا صوت

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى