أبحاثسقوط بشار الأسد، الرئيس الفار والمخلوع

ما احتمال «الثورة المضادة» في سوريا؟/ حسام جزماتي

2025.04.07

قُدِّر للثورة السورية ألا تصل إلى منتهى غايتها إلا بعد سنوات طويلة جرت فيها مياه كثيرة، ومتعاكسة، في النهر. كان منها الانقلاب على الربيع العربي، في بعض بلدانه الأولى، بثورات مضادة، ووقوع دول أخرى منه في حروب أهلية فعلية بين مسيطرين على مناطق متصادمة محلياً.

ويشيع، في الأوساط المحيطة بالسلطة الجديدة في دمشق، أنها تتوجس من قيام بعض القوى الخارجية، ويشار هنا إلى إيران أساساً لا حصراً، بتشجيع وتمويل وتسليح بقايا مقاتلي نظام بشار الأسد، الذين استقر عليهم وصف «الفلول»، للقيام بثورة مضادة تستند إلى الأوضاع غير المستقرة بين العلويين، وربما بالتنسيق مع مجموعات أخرى من غير المتفقين مع الحكم الجديد إلى هذه الدرجة أو تلك، مما يُنظر إليه على أنه حلف أقليات قد يهدد، في حال اجتماع هذه القوى، النظام الوليد الذي يستند إلى قاعدة ورمزية عربية سنّية واضحة. وبالنظر إلى خلفيته الإسلامية فإن أنصاره يستحضرون الانقلاب على الرئيس الإخواني محمد مرسي في مصر كمثال مقلق عما يمكن أن تؤول إليه الأمور في سوريا في حال لم يضع حكامها الجدد على رأس سلم أولوياتهم قضايا من نوع بسط السيطرة، وتجريد المسلحين من عتادهم، والوصول معهم إلى تفاهمات سياسية أو أمنية قدر الإمكان.

وتنتج عن هذا الهاجس مجموعة من الإجراءات، كالمبادرة إلى تسوية أوضاع عسكريي النظام السابق في الجيش والأمن وما في حكمهما، والتساهل في إطلاق سراح عدد من قادتهم المعروفين لقاء تحييدهم عن الممانعة بشكل نهائي. كما نتج عنه، من وجهة معاكسة، توتر شديد عبّر عن نفسه، منذ حدوث عمليات تمرد مسلح في السادس من شهر آذار الفائت، على شكل دعوات عامة إلى النفير وتوجه قوات فزعة إلى الساحل، مما أدى إلى ارتكاب مجازر لم تنتهِ امتداداتها وما تزال قيد تحقيق يستمر حتى الآن.

ورغم أن نتائجه لم تتضح بعد، ولا درجة دقته في التعبير عما جرى، فإن من شأن هدوء الأوضاع أن يبدد بعض المبالغات التي راجت في «فورة الدم» الأولى عن تضافر جهات خارجية كبرى، وقوى إقليمية فاعلة، وداخلية منظمة، لمحاولة القيام بانقلاب على السلطة في دمشق من جبال اللاذقية. وأوكلت الرواية، فعلياً، أمر هذه المهمة الجسيمة إلى مقاتل سابق في قوات «الحرس الجمهوري» هو مقداد فتيحة (أبو جعفر) الذي أسس ما سماه «لواء درع الساحل»، من دون أن يملك أحد معطيات كافية عن مدى جدية هذا «اللواء» وعدد أفراده وقدراته العسكرية.

وبما أنه من بدائه الانقلابات أن تعتمد على الجيش فمن المهم أن نتذكر أن هذا الأخير، بالصيغة التي كانت قبل سقوط النظام، قد تبخر كلياً في أثناء معارك التحرير؛ فانفرطت قاعدته من المجندين الذين تركوا مواقعهم، وكرّت سبحته من الضباط الذين فروا إلى خارج البلاد أو إلى بلداتهم، ولم يبق إلا طلل القطعات التي ما تنفك تتعرض لقصف إسرائيلي مدمر.

وبما أن الدولة المتحكمة، أو «العميقة» إن شئنا، في نظام الأسد كانت مخابراتية وعسكرية، تتكون من ضباط يجمعهم مزيج من الولاء والطائفية وشبكات القرابات والمصالح المشتركة، وقد انهارت كلياً مع سقوط النظام ثم بإعلان حل الجيش السابق والأجهزة الأمنية؛ فإن احتمال حدوث «ثورة مضادة» بالمعنى المألوف بعيد عن الواقع السوري، بعد أن فقد هؤلاء أذرعهم التنفيذية بانحلال مؤسساتهم كلياً، وتحولهم إلى أفراد من الماضي لا تعني رُتبهم شيئاً.

نعم، قد تحاول قلة منهم إشعال نار تمرد أو مقاومة، في ظروف مؤهِّبة داخلياً وبوجود دعم خارجي قد يجري توفيره؛ غير أن هذا سيكون أقرب إلى الاحتجاج المحدود جغرافياً. وحتى في حال وجود قوى عديدة تعارض الحكم الحالي، من مناطق متعددة وخلفيات ديموغرافية متباينة، فإن ما يجمع هذه البيئات من أسباب الاعتراض السلبي أكثر بكثير مما يوحّدها في مشروع مشترك بالإيجاب. فقواعدها وهمومها ومنطلقاتها وأهدافها وتحالفاتها من المستحيل أن يرتقها عنوان «تحالف الأقليات» التبسيطي والمثير للحذر غير المفيد لدى الجمهور.

هل السلطة الحالية في مأمن إذاً؟ لا. لكن ما يجب أن تخشى منه في الحقيقة ليس ثورة مضادة تعيد بشار الأسد، أو نظامه من دونه، إلى الحكم، فهذا احتمال بات وراءنا. هناك مخاطر أخرى أكثر واقعية يجدر التفكير فيها جدياً. ومنها بناء الجيش الجديد من فصائل متخالفة ومعتدة بوجودها الذاتي، والتوجه الواضح إلى قيامه على أعمدة عربية سنّية تُشعر الآخرين بأنهم سينضمون كملتحقين بعد التأسيس في أحسن الأحوال، وكذلك استقطاب متطوعين جدد في الأمن من البيئات نفسها إلى درجة أن انتساب شاب مسيحي مؤخراً أصبح حدثاً طريفاً لندرته أو انعدامه. فضلاً عن انسحاب ذلك على أوجه مختلفة من الحياة الحكومية.

لا ترغب أي سلطة في أن تُراكم الأعداء بالطبع، لا سيما في مراحلها التأسيسية الهشة حين لا تملك القوة الكافية. غير أن نقص استشعارها لحساسيات الآخرين كما يرونها، وافتراض أنه من المناسب لهم أن يجلسوا على الكرسي الذي أعدّته لهم وتظنه عادلاً؛ لا يكفي لبناء دولة متماسكة في الزمن الحديث والوضع الراهن.

تفهم الآخرين بعمق واحترامهم كشركاء… طريق آمن وحيد.

تلفزيون سوريا

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى