حين فقدت المنظّمات الإنسانية “شهيّتها” لدعم النازحين في سوريا/ بشار الفارس

الاثنين 3 مارس 2025
“لم تكن معاناتي تتلخص في عدم توافر المستلزمات لطفلتي ومنزلي فقط، فأنا أرعى أطفال أختي الأيتام الذين أشعر بالتقصير تجاههم مهما بذلت. في أيامنا هذه، أصبح الوضع المعيشي سيئاً جداً، وفوق هذا خسرت عملي ولديّ مسؤوليات كبيرة”.
هكذا تصف أمّ علي، حال عائلتها، متناسيةً نفسها، وكل همّها تأمين حياة كريمة لأطفالها، بعد أن فقدت سبل العيش.
حرق النفايات للتدفئة
يتسبب انقطاع المساعدات الإنسانية عن السوريين في معاناة كبيرة، فكثيرة هي العائلات السورية التي تفتقر إلى أبسط مقومات الحياة، والعاجزة عن تأمين مستلزماتها الغذائية، في ظلّ الأزمة الاقتصادية، وتقلّص الدعم الإنساني لسوريا.
أم علي (40 عاماً)، سيدة سورية نازحة، تعيش في مخيم الريّان شمالي حلب، وهي أمّ لطفلة مريضة بالسرطان، وترعى أولاد أختها الأيتام. مؤخراً، فقدت أم علي عملها، وتفاجأت بعد ذلك بانقطاع المساعدات عن المخيم.
تقول لرصيف22: “احتياجاتي كبيرة، خاصةً أنني أعيش في مخيم، ولديّ طفلة مريضة بالسرطان. تبدأ معاناتي بضرورة توفير احتياجات الطفلة من أدوية وعلاج، وتوفير الأكل والشرب للبيت. واليوم، أصبحنا نعاني بسبب توقف الدعم عن المخيم. بالإضافة إلى ذلك، توقف عملي الذي كان مصدر رزقي، والدعم الذي كنت أتلقّاه من المخيم”.
وتضيف: “اختلفت هذه الأيام عليّ؛ حين كنت أعمل، وكان هناك دعم للمخيم أحصل عليه، كانت أوضاع منزلي جيدةً. أما اليوم، فحتى مياه الشرب انقطعت عن المخيمات، وليست لديّ خطط للمستقبل”.
الأيتام في كل مكان
مشهد المعاناة السورية يزداد قسوةً كل عام، وفي كل شتاء، حيث تتفاقم أزمة الاحتياجات لتصل إلى انعدام وسائل التدفئة وغلائها، ما يجعل بعض العوائل غير قادرة على تشغيل المدفأة. أما البديل، فالاعتماد على بعض المواد التالفة والبلاستيك، لتشغيل المدفأة لبضع ساعات.
يقول محمد خليف (44 عاماً)، ويعمل مديراً لأحد مخيمات اللاجئين في ريف إدلب: “يختلف الأمر اليوم عن كل الأيام، فوضع المخيم مأساوي جداً، وهناك عوائل مؤلفة من عشرة أفراد، يلتحفون البطانيات من شدّة البرد، لعدم قدرتهم على شراء الحطب أو البيرين الخاص بالتدفئة”.
ويضيف في حديثه إلى رصيف22: “اليوم أصبحت كل مستلزمات المنزل، بما فيها الخبز، تؤخذ بالدين من المحال، ونحن غير قادرين على العودة إلى منازلنا بسبب عدم قدرتنا على سداد الديون، وفوق هذا لم يحصل المخيم منذ سنة ونصف على أي شكل من أشكال الدعم من المياه وغيرها”.
وأمّا أم حسن (45 عاماً)، وهي نازحة من ريف حلب الجنوبي وتقطن في مخيم سيف الله، فتروي لرصيف22، عن أحوالهم قائلةً: “وضعنا الآن مأساويّ. أنا مسؤولة عن أربعة أيتام. نذهب إلى مكبّ النفايات لكي نأتي بوقود للمدفأة لنعدّ الطعام عليها، والجميع يعرف الأسعار اليوم؛ أقلّ وجبة تكلّف 300 ليرة تركية، أي ما يقارب 9 دولارات أمريكية، ولا فرش في منازلنا ولا تدفئة ولا غذاء. لا يوجد لدينا شيء في هذا المخيم”.
أوجاع خاصة بالخيام
تتشابه المناطق السورية التي كانت تحت سيطرة النظام السابق مع واقع المخيمات في شمال غرب سوريا، إلا أنّ تلك المناطق تواجه فروقاً كبيرةً في الأسعار مقابل تقاضي الرواتب بالليرة السورية، حيث يصل راتب الموظف إلى 300 ألف ليرة سورية، أي ما يعادل 10 دولارات أمريكية، بالإضافة إلى عدم وجود مساعدات إنسانية، وانقطاع الرواتب منذ أشهر عن الموظفين.
تقول علياء (40 عاماً)، لرصيف22، وهي موظفة من ريف درعا: “بالنسبة لنا، لم يختلف الوضع كثيراً عن السابق، باستثناء بعض الأمور. فسابقاً كانت الأسعار مرتفعةً وكان هناك غلاء، ولكن كانت الحركة في الأسواق مقبولةً برغم أنّ الرواتب قليلة. أما اليوم، فهناك الكثير من الموظفين الذين لم يقبضوا رواتبهم في ظلّ ارتفاع الأسعار”.
وتوضح: “بعض المواد الغذائية انخفضت أسعارها، وفي المقابل هناك سلع ارتفعت أسعارها، ومنها الخبز، وهو الشيء الأساسي الذي لا يمكن الاستغناء عنه. سعر ربطة الخبز اليوم 4،000 ليرة سورية، وعائلتي تحتاج إلى ربطتين يومياً”.
وتضيف علياء: “لا توجد لديّ خطط مستقبلية، وآمل أن يتحسن الوضع في البلد وأن يتوفر العمل، وأن يتحسن سعر الصرف وتعود رواتبنا إلى الارتفاع، وألا تبقى في حدود 300 ألف ليرة سورية في الشهر، الرقم الذي لا يمثل شيئاً مقارنةً بتكاليف الحياة”.
وتؤكد أنّهم حتى اليوم لم يحصلوا على أي دعم: “هناك وعود بالدعم والمساعدات فحسب، وتم إجراء إحصائيات، ولكن لا يوجد شيء على أرض الواقع باستثناء فئة قليلة حصلت على مساعدات صغيرة”.
المنظمات تشتكي من قلّة الداعم أيضاً
في الفترة الماضية، بدأت المنظمات العاملة في الشؤون الإنسانية، بمواجهة النقص والتقلّص في التمويل المقدّم لها من الجهات المانحة، بالإضافة إلى توقّف بعضها.
منسّق برنامج المأوى والمواد غير الغذائية في “منظومة وطن” العاملة في سوريا، محمد صادق، يقول عن هذا الأمر: “يوجد العديد من أوجه الدعم من قبل المنظمات العاملة في المجال الإنساني، تتوزع على أنواع عدة من المشاريع، أهمها مشاريع المأوى المتمثلة في ترميم المنازل والسلال الغذائية، تضاف إليها مشاريع البنى التحتية المستدامة، من خلال إنشاء منظومات الطاقة الشمسية للآبار ومحطات معالجة مياه الصرف الصحي، أيضاً المشاريع المتعلقة بالأمن الغذائي والمعنية به، والتي توزّع السلال الغذائية والقسائم الشرائية على المحتاجين، وهناك مشاريع عدة أخرى قامت المنظمات بتقديمها مثل مشاريع سبل العيش ودعم القطاعين الصحي والتعليمي”.
ويضيف لرصيف22: “بعد أن تحررت سوريا، أصبح على رأس الأولويات تأمين العودة الكريمة للعائلات من مناطق النزوح إلى القرى والمدن المدمرة من خلال تأهيل المنازل والبنية التحتية فيها”.
ويُعدّ نقص التمويل، أحد أبرز التحديات التي تواجه المنظمات، خاصةً بعد توقّف المنح الأمريكية التي أدت إلى توقف العديد من المنظمات والمشاريع المقررة. وهنا يناشد الصادق، المجتمع الدولي والمنظمات الدولية ووكالات الأمم المتحدة، لزيادة الدعم المقدّم لسوريا لتعويض الفجوة والنقص، ولتعزيز الاستقرار للمجتمع السوري.
مع استمرار الأزمة الاقتصادية والإنسانية التي أدّت إلى غياب المساعدات الشتوية، تتحول معاناة السوريين إلى كارثة إنسانية، ما يهدد حياة السكان، خاصةً الأطفال والنساء منهم. بالإضافة إلى ذلك، تفتقر المخيمات إلى الحدّ الأدنى من مقوّمات الحياة.
رصيف 22