عن نداء الله “الكردي” “عبدلله أوجلان” بإلقاء السلاح -مقالات وتحليلات-

تحديث 05 أذار 2025
—————————–
نهاية الحلم الثوري: إلى الديمقراطية در/ رفيق خوري
أوجلان وصل إلى التسليم بأنه لا حل إلا من خلالها بعد أن خسر كثيراً من الرفاق في السجون والعمليات العسكرية
الأربعاء 5 مارس 2025
خلافاً لما نشأ عليه “حزب العمال الكردستاني”، فإن أوجلان أعلن في رسالته “رفض الحلول القائمة على النزعة القومية المتطرفة، مثل إنشاء دولة قومية منفصلة أو الفيدرالية أو الحكم الذاتي أو الحلول الثقافوية، فهي لا تلبي الحقوق الاجتماعية التاريخية للمجتمع”.
“لا صديق للكرد سوى الجبال” بحسب المثل الكردي، و”ليست محظوظة البلدان التي تحتاج إلى أبطال” يقول المسرحي الألماني الكبير برتولد بريشت، لكن الذين يرتدون ثياب الأبطال في تلك البلدان محظوظون، أما زعيم “حزب العمال الكردستاني” عبد الله أوجلان فإنه ليس بينهم، إذ أدار حرب عصابات ضد تركيا من قواعد في سهل البقاع اللبناني بحماية نظام الأسد الذي تخلى عنه تحت الضغط التركي، فوجد نفسه سجيناً داخل جزيرة إيمرالي في بحر مرمرة منذ عام 1999.
وأما الرئيس رجب طيب أردوغان فإن حظه يفلق الصخر كما يقال، فكلما أوقع نفسه في مأزق جاء من يخرجه منه، وأخيراً “نقشت معه” من حيث يدري ولا يدري، فنظام الأسد سقط بين يديه عبر “هيئة تحرير الشام”، وقواعده العسكرية في العراق وليبيا وقطر وسوريا ترسخت، وكابوس الرئيس جو بايدن بالنسبة إليه تحول إلى حلم بمجيء الرئيس دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، إذ من المتوقع أن يسحب المظلة الأميركية من فوق “قوات سوريا الديمقراطية” ذات الغالبية الكردية في سوريا، مما يسمح لأنقرة بضربها، ثم جاءته الجائزة الكبرى، عبدالله أوجلان يبعث برسالة من سجنه يدعو فيها حزبه القوي إلى “حل نفسه والتخلي عن السلاح والاندماج في الدولة والمجتمع”.
وليس أمراً قليل الدلالات أن يعلن آخر قائد ماركسي مقاتل في المنطقة نهاية الحلم الثوري بعد 47 عاماً من قتال الدولة التركية لأجل حقوق الكرد، فما اصطدم به الكرد منذ سقوط السلطنة العثمانية في الحرب العالمية الأولى هو جدار سميك من القوى الكبرى والدول الناشئة حديثاً، وليس للقضية الكردية حل قومي يشمل الكرد في تركيا وسوريا والعراق وإيران، وما تعثر هو البحث عن تسويات أو مجرد ترتيبات لوضع الكرد داخل كل دولة، فلا شيء لهم في إيران، ولا مستقبل للإدارة الذاتية في سوريا، ولا شيء يتجاوز الفيدرالية في العراق، فحين جرى تنظيم استفتاء على الاستقلال في كردستان سمحت أميركا للحكومة العراقية بقتل المشروع والسيطرة على أجزاء من كردستان، ولا تطبيق حتى للاتفاقات حول الهوية والثقافة والتعليم باللغة الكردية في تركيا التي تضم 12 مليون كردي، وما حاوله حزب العمال الكردستاني لتدمير الجدار أو فتح ثغرة فيه من خلال الكفاح المسلح عبر القواعد في جبل قنديل في العراق، انتهى إلى تمارين في العبث.
ذلك أن أوجلان وصل إلى التسليم بأنه لا حل إلا من خلال الديمقراطية، فهو شرح في رسالته ظروف نشوء حزب العمال الكردستاني “خلال القرن الـ 20، أكثر العصور عنفا ًفي التاريخ: حرمان، حرب باردة، إنكار الواقع الكردي، وقيود مفروضة على الحريات وأهمها حرية التعبير”، وهو سجّل “انهيار الاشتراكية الواقعية خلال التسعينيات لأسباب داخلية، وتراجع سياسة إنكار الهوية الكردية في البلاد، والثورات التي شهدتها البلاد في حرية التعبير”، وبالتالي “أصبح الحزب يعاني التكرار، وصار حله ضرورة بعدما انتهى عمره، وهو كان الأطول والأشمل والأقوى بين حركات التمرد والعنف في تاريخ الجمهورية، إذ حصل على الدعم نتيجة إغلاق قنوات السياسة الديمقراطية”.
وخلافاً لما نشأ عليه الحزب فإن أوجلان أعلن في رسالته “رفض الحلول القائمة على النزعة القومية المتطرفة، مثل إنشاء دولة قومية منفصلة أو الفيدرالية أو الحكم الذاتي أو الحلول الثقافوية، فهي لا تلبي الحقوق الاجتماعية التاريخية للمجتمع”، وأقصى ما طالب به هو “احترام الهوية وحرية التعبير وبناء الهياكل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية لكل فئة وفقاً لأسسها الخاصة، وهو ما لا يمكن تحقيقه إلا بوجود مجتمع ديمقراطي ومساحة سياسية ديمقراطية”، وبكلام آخر فإن الثائر الماركسي الأخير يعترف بأن “الصراعات المسلحة ليست أساساً للحل”، صح النوم بعد 47 عاماً من القتال!
ولا يبدل في الأمر قول الأمين العام للحزب الشيوعي التركي كمال أوقويان إن “أوجلان تحرك من نزعة قومية كردية ولا علاقة له بالماركسية، ولا كان حزبه يوماً حزباً اشتراكياً”، فالتجربة تقدم درساً لكل الحركات الثورية المسلحة، سواء في إطار التغيير الاجتماعي أو التحرير الوطني، من حركات العنف الثوري في أميركا اللاتينية إلى حركات العنف التحريري في الشرق الأوسط، فالتحدي كبير، لا فقط أمام أردوغان الذي عليه أن يقدم شيئاً في مقابل استسلام القائد القوي من دون شروط، بل أيضاً أمام إيران وإسرائيل وكل دولة تمارس القوة المسلحة لتوسيع نفوذها أو لإنكار حقوق سواها، فلا أذرع إيران المسلحة تضمن بناء إمبراطورية فارسية تحت عنوان إسلامي، ولا قوة إسرائيل تلغي حق الشعب الفلسطيني في دولته، ولا سلاح “حماس” و”حزب الله” يحرر فلسطين.
عبدالله أوجلان “آبو” خسر كثيراً من الرفاق في السجون والعمليات العسكرية وأوقع كثيراً من الأذى داخل تركيا كي يصل إلى ما رآه أنطونيو غرامشي قبل أعوام طويلة في “دفاتر السجن” ليكتب ضد “الحتمية التاريخية”، وقبل غرامشي قال ماركس “الأفراد يصنعون التاريخ، لكن ليس بالضرورة بالطريقة التي يختارونها”.
——————————–
شجاعة أوجلان.. وفوضى السلاح/ خيرالله خيرالله
الأربعاء 2025/03/05
العراق يعيش منذ صار “الحشد الشعبي” جزءا من الدولة مأساة تلو الأخرى خصوصا بعدما حولته حكومة محمد شياع السوداني نتيجة ممارساتها إلى “ساحة” إيرانية لا أكثر.
احتاج إلى ربع قرن ليقتنع بأن العالم تغير
يحقّ للرئيس رجب طيب أردوغان اعتبار إعلان عبدالله أوجلان زعيم حزب العمال الكردستاني (PKK) التخلي عن السلاح وحلّ الحزب نفسه، “فرصة تاريخيّة”. سيستفيد أكراد تركيا من هذه الفرصة في حال صدقت النيات وعملوا في ظلّ القوانين السارية التي تؤمّن لهم بعض حقوقهم كمواطنين أتراك.
أقدم أوجلان على هذه الخطوة بعد أربعين عاما من الرهان على الكفاح المسلّح في وجه تركيا. يمثّل ذلك ذروة التصالح بين الحزب الكردي مع الواقع. هذا ما زال ينقص تنظيمات أخرى، مثل “حزب الله” في لبنان و”حماس” في غزّة والضفّة والميليشيات المذهبية المنضوية تحت لافتة “الحشد الشعبي” في العراق. لا تزال هذه التنظيمات في حال إنكار للواقع، على الرغم من أنّ فوضى السلاح لم تجلب غير الخراب والدمار والمآسي. متى تدرك هذه الميليشيات أنّ أقصى ما يمكن أن تحققه هو الوصول إلى كارثة، ما تعرضت له غزّة كارثة. كذلك لبنان الذي عاد قسم من أرضه تحت الاحتلال الإسرائيلي مجددا.
أمّا العراق، فهو يعيش، منذ صار “الحشد الشعبي” جزءا من الدولة، مأساة تلو الأخرى، خصوصا بعدما حولته حكومة محمد شياع السوداني، نتيجة ممارساتها، إلى “ساحة” إيرانيّة لا أكثر.
نعم، يبدو الحزب الكردي الذي يعتبر على الصعيد العالمي حزبا إرهابيا، أمام “فرصة تاريخيّة” ولدت من القرار الشجاع الذي اتخذه أوجلان من السجن التركي المقيم فيه منذ العام 1999، بعدما سلمه النظام السوري السابق إلى تركيا بطريقة غير مباشرة. تبين وقتذاك أن اللغة الوحيدة التي كان يفهمها النظام العلوي في سوريا هي لغة القوة.
يتجاوز الأمر تركيا والدور الذي لعبه أوجلان في السعي لممارسة الضغط عن طريق السلاح بدل الاستفادة من التجربة التي يمر بها هذا البلد منذ وصل تورغوت أوزال إلى موقع الرئاسة في العام 1989. سعى أوزال في مطلع تسعينات القرن الماضي إلى إيجاد صيغة تعايش بين كلّ مقومات المجتمع التركي، بما في ذلك الأكراد الذين يشكلون نسبة عشرين في المئة من السكان. توفّي أوزال قبل أن يتمكن من تحقيق إصلاحاته باكرا، لكنه وضع الأسس لتركيا الحديثة التي تبدو دولة شبه ديمقراطية في الوقت الحاضر.
راهن أوجلان طويلا على الكفاح المسلّح رافعا شعار الحقوق الكردية. اعتقد أنّ اللعب على الحرب الباردة وعلى سياسة الابتزاز التي أتقنها النظام السوري منذ احتكار حافظ الأسد للسلطة في 1970 ضمانة له. اضطر الأسد الأب إلى التخلي عنه في العام 1999 في ضوء الضغوط التي مارستها تركيا. وقتذاك، أكّدت السلطات التركية لحافظ الأسد، الذي كان ابنه بشّار يعد نفسه لخلافته، أن ممارساته مرفوضة.
بات أوجلان بعقله المتخلف، الذي أخذه إلى دمشق وإلى البقاع اللبناني، في مرحلة معيّنة، يقبع في سجن تركي منذ ربع قرن. احتاج إلى كلّ هذه السنوات كي يقتنع بأن العالم تغيّر منذ إعلانه انطلاق الكفاح المسلّح في وجه تركيا في العام 1984 غير مكترث بإمكان تحقيق مكاسب للأكراد عن طريق ممارسة اللعبة الديمقراطيّة التي تمارس في تركيا، وإن ضمن حدود معيّنة. لم يلتقط الزعيم الكردي في حينه معنى انهيار الاتحاد السوفياتي، وهو انهيار بدأت ملامحه تتوضح منذ سقوط جدار برلين في تشرين الثاني – نوفمبر 1989.
يظلّ أهمّ ما ورد في الرسالة القصيرة التي وجهها أوجلان الملقب بـ”آبو” إلى قيادة حزبه اعترافه بأن العالم تغيّر وأن فكرة حمل السلاح وممارسة الكفاح المسلّح ولّت إلى غير رجعة. تطرق حتّى إلى العقيدة الماركسية التي اعتنقها في مرحلة ما بغية تبرير “الكفاح المسلّح”. لم يكن مثل هذا التصرّف غير مبرّر لتحوّل الـPKK إلى أداة في لعبة التجاذب بين تركيا والنظام السوري الذي كان يلقى تشجيعا من الاتحاد السوفياتي. ما لبث النظام السوري أن استسلم أمام تركيا وقرر التخلي، حتّى، عن أي مطالبة بلواء الإسكندرون الذي كان يسميه “اللواء السليب”…
كان مفترضا بالزعيم الكردي، الذي تركت ممارساته آثارا سلبية على الأكراد في تركيا وسوريا والعراق، إدراك أنّه يسير في الطريق الخطأ منذ خضوع حافظ الأسد للتهديد التركي. أنكر الأسد الأب طويلا وجود “آبو” في سوريا أو في لبنان الذي كان وقتذاك تحت سلطته.
كان الرد التركي عن طريق معلومات دقيقة عن تحركات أوجلان. شملت تلك المعلومات عنوان الشقة التي كان يقيم فيها في دمشق ورقم الهاتف الذي في الشقة وأسماء الذين اتصل بهم عبر الهاتف أو أولئك الذين اتصلوا به. بقي حافظ الأسد ينكر وجود الزعيم الكردي التركي لديه وتحت حمايته إلى أن تلقى رسالة تهديد بأن الجيش التركي سيدخل من حلب ويخرج من الجولان!
كان ذلك التهديد كافيا كي يستوعب الرئيس السوري الراحل أن لا خيار أمامه غير تسليم “آبو” في حال كان يريد إنقاذ نظامه وتسليمه إلى ابنه. هذا ما حصل في العام 2000، لدى وفاة الأسد الأب في مرحلة عمل خلالها خليفته على إيجاد صيغة تقارب مع تركيا.
احتاج “آبو” إلى ربع قرن كي يتخلى عن أوهامه ويقول وداعا للسلاح. هل يعود ذلك إلى أنّه لزمه كل هذا الوقت لينضج فكريا ويقتنع بأن السلاح في أساس كلّ المصائب… وأن الاعتماد على السلاح يقضي على أي أفق سياسي في ما يخص القضية الكردية التي هي قضيّة محقّة؟
يظلّ سؤال أخير. إنه سؤال يفرض نفسه في عالم قال وداعا للسلاح، سلاح الميليشيات المذهبية والطائفية والتعصب القومي، هل يتعلّم “حزب الله” في لبنان شيئا من تجربة حزب العمال الكردستاني، كذلك “حماس” في الضفة وغزّة وميليشيات “الحشد الشعبي” في العراق؟
ربّما سأل أوجلان نفسه، قبل اتخاذ قراره: إلى أين أخذت فوضى السلاح لبنان وغزّة… وإلى أين ستأخذ العراق؟
إعلامي لبناني
العرب
—————————-
القلق على سوريا/ طارق الحميد
تحديث 05 أذار 2025
هناك قلق على سوريا، من ناحية أمنها واستقرارها ووحدتها، ولأسباب عدة، وهو قلق مبرر، ورغم قناعتي الراسخة بأن سوريا اليوم أفضل بعد فرار المجرم بشار الأسد، لكن الطريق مليء بالذئاب، والأخطاء، وبعض الأخطاء أخطر من العدو، وتخدمه.
هناك قلق من التدخلات الإسرائيلية الشريرة، ودون أي مبررات تذكر، بل إنها محولات شريرة من إسرائيل ونتنياهو، من أجل تعقيد المشهد السوري، وإشعاله من أجل إغراق سوريا بالفوضى.
وهناك قلق من فلول النظام التي تُدعم الآن من بعض الدول الإقليمية، وليس بالضرورة تلك الدول نفسها، بل مكونات في داخلها، ففي لبنان هناك «حزب الله»، وفي العراق هناك الجماعات المحسوبة على طهران.
وبالنسبة لإيران فهي لا تخفي ألمها من سقوط الأسد الذي كان بمثابة شريان مشروع تصدير الثورة في المنطقة، وخط إمداد تمويل النفوذ الإيراني من لبنان إلى غزة، وصولاً إلى البحر المتوسط. وسبق لقائد قوات «الحرس الثوري» حسين سلامي قول ذلك علناً.
حيث قال إن سوريا تمثل «درساً مريراً لإيران»، مشيراً إلى تصريحات المرشد الأعلى بالقول: «سوريا ستحرر على يد شبابها الأبطال»، وأن ذلك «يتطلب وقتاً وصموداً عظيماً وعزماً راسخاً وإيماناً جميلاً». والتخطيط والمؤامرات على سوريا قائمة ومستمرة.
وقد يقول قائل إن القلق مبرر، ومنذ سقوط الأسد، وصعود «هيئة تحرير الشام»، وقناعتي أن قلة قليلة صادقة بهذا التقييم، بينما قلق كثر كان وما زال ذا دوافع مختلفة، خصوصاً من كانوا ينافقون «حزب الله» ويبررون له، أو من يدافعون عن «حماس» للآن.
وعليه، القلق على سوريا يتلخص في عدة نقاط، الأولى هي التردد في اتخاذ القرارات الداخلية الجادة السريعة لتسيير عجلة الحياة، وأهمها تشكيل حكومة كفاءات حقيقية، والاستعانة بكل الخبرات.
والثانية هي عدم الحرص على الشفافية من حيث إطلاع السوريين، والمحيط العربي، إعلامياً، أولاً بأول، على حقائق الأمور، وعبر إيجاز صحافي يومي، خصوصاً وأن الأحداث متسارعة، وكذلك إطلاع السوريين على حقائق أمورهم المعيشية والصعوبات.
الثالثة هي انكفاء سوريا الجديدة الآن، وبعد زخم الشهرين الأولين عربياً ودولياً، حيث لا بد من زيارات عربية وإقليمية ودولية للتحذير من الخطر الإسرائيلي والإيراني. وهنا مثال بسيط على ضرورة التعاطي مع الأحداث المهمة، حيث كان يفترض، وفور إعلان وليد جنبلاط رغبته زيارة سوريا بعد التصريحات الإسرائيلية عن الدروز، أن تسارع دمشق فوراً بقبول المبادرة، وترحب بالزيارة، وبأي لحظة، لأن من شأن ذلك تسليط الضوء على خطورة التدخل الإسرائيلي، وترسيخ الوحدة السورية.
الرابعة، كان يفترض بدمشق أن تذكر المجتمع الدولي عبر بيان بخطاب الشرع لترمب، وتصريحاته السابقة عن أن سوريا الجديدة منهكة من حروب لا طائل لها، وتذكر المجتمع الدولي بخطورة ما تفعله إسرائيل، وإيران وأتباعها.
وكذلك خطورة عدم تعليق، أو رفع، العقوبات على الداخل السوري، مع الإسراع بخطوات إصلاحية تحرج الجميع، وتثبت أن النظام الجديد جاد بجعل سوريا عضواً فاعلاً عربياً ودولياً، وعكس ما فعله الأسد، ومن هم على شاكلته من أعوان إيران.
هذه نصيحة محب، وحريص.
الشرق الأوسط
—————————–
أوجلان والعتبة الحرجة: مسار جديد لحل الصراع الكردي – التركي (1)/ فرهاد حمي
05-03-2025
تتطرق هذه المقالة إلى تقييم شامل لنداء “السلام والمجتمع الديمقراطي” الذي أطلقه أوجلان، من خلال جزئين: الأول يعرض السياق السياسي المحيط بهذه الدعوة. أما الثاني، فيتناول مضمون الدعوة بشكل تفصيلي، من خلال تحليل مبادئها وأهدافها والتأثيرات المحتملة لها.
على مدار عقود، توالت محاولات إنهاء الصراع الكردي – التركي، لكنها غالباً ما اصطدمت بحسابات القوى التي تزدهر في ظلال الحرب والإقصاء. وفي هذا السياق، نقل سري ثريا أوندر، عضو “وفد إيمرالي” والمقرب من أوجلان، تصريحاً منسوباً للأخير جاء فيه: “لا ينبغي أن نفشل هذه المرة“، في إشارة إلى ضرورة تجاوز إخفاقات مبادرات السلام المتعثّرة منذ عام 1993.
جاء ذلك، عقب تصريحات زعيم حزب الحركة القومية، دولت باهجلي، في أكتوبر الماضي، والتي دعت أوجلان إلى لعب دوره، ليعقبها نداء الأخير في 27 فبراير الحالي، في خطوة وصفها محللون بأنها “تجاوز للعتبة الحرجة” في مسار المفاوضات، واعتبرها الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، بصيص أمل في مشهد الشرق الأوسط المتأزم. كما أعرب ممثلون من الولايات المتحدة وألمانيا والصين والمملكة المتحدة والهيئات الدولية مثل الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي عن دعمهم لدعوة أوجلان لحل سلمي.
في الحقيقة، أحدثت أحداث 7 أكتوبر تحولات جذرية في المنطقة، حيث تسببت انهيارات النفوذ الإيراني، خاصة مع سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، بخلق فراغ أمني كبير. بعض المراقبين يشبهون هذه الحقبة بتلك التي تلت انهيار الإمبراطورية العثمانية عام 1918، بكل ما تحمل من مخاطر وفرص.
وإذا كانت تصريحات أوزغور أوزال، رئيس حزب الشعب الجمهوري، صحيحة، والذي أشار إلى وجود محادثات بين أوجلان وأعضاء من الدولة بتوجيه من أردوغان منذ عام مضى، فإن أوجلان قد يسعى لاستعادة روح اتفاقية آماسيا لعام 1919، مؤسساً ذلك على أسس من الأخوة والوطن المشترك، في محاولة لتصحيح التاريخ الذي اعتبره انقلاباً تآمرياً بعد اتفاقية لوزان. وكانت هذه المرحلة نقطة مفصلية تناولها أوجلان في العديد من مؤلفاته التي كتبها في إيمرالي.
لقد خلق الانقلاب على التحالف الطوعي بين الكرد والترك معضلة تاريخية في بنية الجمهورية التركية، إذ عزز من موقف أوليغارشية الدولة بكل أطيافها، من يسارية ويمينية وليبرالية، التي تصرّ على إنكار حقيقة الكرد وتقديس القومية التركية. هذه السياسة، التي تتراوح بين العنف والترويع أو الصهر والتذويب، تمثل ما سماه أوجلان بـ” القانون الفولاذي” الذي يوجه ديناميكيات الدولة التركية.
وفي ظل هذا الواقع، إذ كانت هناك فرصة لسلام حقيقي يكسر هذا الحاجز، فإن أوجلان، الذي حول سجنه في إيمرالي إلى فضاءٍ للبحث التاريخي والاجتماعي والفلسفي، يسعى لإقناع الدولة التركية بضرورة معالجة الجرح العميق الذي أصاب جسد الجمهورية على مدار قرن. فلا يمكن تصور قرن تركي جديد دون إدراج المصالحة التاريخية على أسس من المساواة والديمقراطية، ومن هنا وُصف نداء أوجلان الأخير بـ “نداء العصر“.
أبعاد النداء
عقب إصدار النداء في أجواءٍ مشحونة بالكراهية وغياب الثقة، وفي ظل لغة الترويع واستمرار الحرب مؤخراً بين الكرد والترك، وهي الحرب التي دامت سنواتٍ منذ انهيار عملية السلام الأخيرة، فقد حمل النداء بُعداً وجدانياً عميقاً لدى مناصريّ أوجلان الذين حُرموا من لقائه لسنوات طويلة بسبب العزلة المفروضة عليه منذ عام 2015. تكمن المشهدية الأوجلانية في أن “حضور أوجلان يعني حضور القضية الكردية“، بما يتضمنه ذلك من الوجود والحرية والسلام والشغف. وقد تجلى هذا الأمر بوضوح عندما كشف سري ثريا أوندر، في مقابلة له على قناة “خبر ترك”، تفاصيل حوار دار بينه وبين دولت باهجلي، قائلاً: “قلت له: لنرَ السلام أولًا، ثم ليأخذ الله أمانته”. فردّ باهجلي قائلاً: “كيف تقول ذلك؟ ما يزال أمامنا وقت لنرقص رقصة السلام، لا تفكر بهذه الطريقة”.
ومع ذلك، ظهرت بعض الأصوات النشاز التي حاولت اختزال النداء في فكرة إنهاء النزاع المسلح مع حزب العمال الكردستاني، وتحقيق “تركيا خالية من الإرهاب”، مع دعوات لتضمين وحدات حماية الشعب وقوات سوريا الديمقراطية في نداء التخلي عن السلاح، كما طرحها مقربو أردوغان مثل عمر جليك ومحمد أتشوم. هذه الأصوات تجاهلت، عمداً أو جهلاً، قضايا الحريات والسياق الديمقراطي الذي ينتمي إليه نداء أوجلان.
ونظراً لوضوح النص، لا مجال لتحريفه وإخراجه عن سياقه المقصود. فقد أكد أوجلان بشكل قاطع أنّ نشوء حزب العمال الكردستاني كان نتيجة لسياسات الإنكار المتبعة، مشيراً إلى الطابع الأحادي للجمهورية الذي أدى إلى إنكار الواقع الكردي وفرض قيود على الحريات، وخاصة حرية التعبير. وهذا يتطلب إزالة جميع القيود المفروضة على الواقع الكردي.
وفقاً لذلك، أفادت بعض المصادر بأن أوجلان أبلغ سري ثريا أوندر بضرورة نقل ملاحظة عقب قراءة البيان، مفادها أنّ “التخلي عن السلاح وحل حزب العمال الكردستاني مشروط بالاعتراف بالسياسة الديمقراطية والبعد القانوني“.
بدوره، رأى أوندر أن هذا الطرح ليس شرطاً مسبقاً، بل يمثل إحدى ضرورات مرحلة السلام، بما في ذلك الجهود المبذولة الحالية لتشكيل لجنة برلمانية تُعنى بمتابعة البعد القانوني للعملية. استناداً إلى ذلك، استجاب حزب العمال الكردستاني لنداء أوجلان، مطالباً بتوفير بيئة آمنة لعقد المؤتمر وفتح قنوات تواصل مباشرة معه، ما جعل المسؤولية تقع على عاتق الدولة والحكومة. حيث أشار أوندر إلى أن ما يقارب 50% من مسار عملية السلام قد تم إنجازه.
سياق العملية السلمية
يتضح أن إطلاق عملية السلام في تركيا، رغم الأجواء المشحونة، يسوده تفاؤل حذر، إذ قد تواجه العملية منعطفات حادة وعراقيل كثيرة، داخلياً وخارجياً. خاصةً أن منظمة فتح الله غولن حاولت سابقاً تعطيل العملية، وربما تقوم بعض الأجنحة داخل الدولة، التي تمثل امتداداً لمصالح دولية وإقليمية، بتكرار نفس الاستفزازات. لهذا السبب، اتسمت المحادثات بقدر من السرية وأجريت خلف الأبواب المغلقة لتفادي أي استفزازات محتملة.
في المقابل، شدد أوجلان على ضرورة توسيع نطاق المشاركة ليشمل معظم الأحزاب السياسية الرئيسية في البرلمان، بالإضافة إلى الأطراف الكردية الفاعلة في المنطقة، بهدف إضفاء زخم سياسي على العملية. وقد أسهمت المواقف الإيجابية التي عبّر عنها كل من أردوغان وباهجلي، باعتبارهما من أبرز الفاعلين إلى جانب أوجلان، في دفع عجلة المبادرة نحو الانطلاق.
ورغم التعقيدات المحيطة بالمشهد العملياتي، لا تزال العملية بحاجة إلى المزيد من بناء الثقة، خاصة وأنّ الحكومة التركية قد تبنّت مؤخراً نهجاً مستوحى من أساليب الدبلوماسية البريطانية في التفاوض مع الجماعات المسلحة. هذا النهج تأثر بشخصيات مثل جوناثان باول، الذي يرى أن الضغط النفسي والأمني يشكل أداة فعالة لدفع الخصوم إلى طاولة المفاوضات، ولعل سلسلة الاعتقالات وفرض الأوصياء على البلديات، بالإضافة إلى الحرب المستمرة ضد شمال شرقي سوريا، يندرج ضمن هذا السياق.
المفارقة أنّ باول، الذي يشغل منصب مستشار الأمن القومي البريطاني، كان أحد المهندسين الرئيسيين لمباحثات السلام الكردية التركية في 2013-2015، وسط مزاعم تشير إلى أن الاستخبارات البريطانية قد زوّدت أنقرة بتقارير حول تداعيات سقوط الأسد، وأهمية الانفتاح على القضية الكردية لتجنب أن تصبح مصدر تهديد لتركيا.
سابقاً، كان باول يرى أنّ نجاح عملية السلام يتطلب قيادة قوية تمثلها ثنائية أوجلان-أردوغان. إلا أنّ المشهد السياسي شهد تحولاً ملحوظاً مع دخول دولت باهجلي، الذي كان في السابق من أشد المعارضين للسلام. ومع مرور الوقت، تبنى باهجلي اليوم خطاباً يتسم بالتقارب مع رؤية أوجلان، داعياً إلى الوحدة والتعددية، ومؤكداً على أهمية إحياء قيم الأخوة التاريخية.
شمال شرقي سوريا: صراع أوجلان وأردوغان
تمثل شمال شرقي سوريا ساحة مواجهة جديدة بين أوجلان والدولة التركية، لا سيما بعد سقوط الأسد، حيث تستمر أنقرة، عبر وكلائها، في استهداف قوات سوريا الديمقراطية. ويرى بعض المراقبين أن هذا التصعيد جاء بضغوط بريطانية لحث “قسد” على التفاوض مع دمشق، وتفادي مشاريع قد تتعارض مع المصالح التركية، بما في ذلك تلك المرتبطة بإسرائيل. في المقابل، أكد أوجلان، وفقاً لما نقله سري ثريا أوندر، على ضرورة حماية المنطقة وضمان حقوق سكانها ضمن إطار دولة دستورية عادلة.
ضمن هذا الإطار، دار في وقتٍ سابق صراع خفي بين أوجلان وأردوغان حول مستقبل روج آفا، حيث شدد أردوغان في عام 2013 على أن أي كيان سياسي هناك يُعدّ خطاً أحمر بالنسبة لتركيا، فيما ردّ أوجلان بأن العودة إلى ما قبل 2011 لم يعد خياراً ممكناً، معتبراً روج آفا بدوره خطًا أحمر.
ورغم هذا التباين، طرح أوجلان رؤية مختلفة للعلاقة الكردية-التركية، داعياً إلى بناء تحالف استراتيجي يستند إلى روح “الميثاق المليّ”. كما وجّه انتقادات حادة للسياسة الخارجية التركية، التي تجاهلت الكرد في سوريا، مشيراً إلى أن اعتماد أنقرة بشكل حصري على الكتلة السنيّة العربية لكبح الصعود الكردي كان رهاناً غير واقعي.
حالياً، تتجلى معضلة السياسة التركية في اعتمادها على الفصائل السنيّة المتطرفة كأداة لتنفيذ السياسات، وهو رهان يحمل في طياته تناقضات عميقة، ساهمت فيه بريطانيا جزئياً، لكنه يواجه تعقيدات متشابكة تتداخل فيها الحسابات الأميركية والإسرائيلية. فواشنطن تعبر عن قلق متزايد إزاء احتمال سيطرة التنظيمات المصنفة إرهابية على المرحلة الانتقالية، دون أي مؤشرات على قبولها لهذا السيناريو، مما قد يفضي إلى تضارب حاد في المصالح بين أنقرة وحلفائها الغربيين، إلى جانب تصعيد إسرائيلي غير مسبوق في سوريا.
لا شك أن التباين في الرؤى بين أوجلان وأردوغان حول الملف السوري لا يزال قائماً، حيث يدعو أوجلان الحكومة التركية إلى تبني حلول ديمقراطية. ومن المرجح أنه اقترح على قيادة “قسد” عبر رسالة خاصة إلى مظلوم عبدي، ضرورة إبداء بعض المرونة تجاه حكومة أحمد الشرع الانتقالية. ومع ذلك، يظل أوجلان متمسكاً بمفهوم “المجتمع الديمقراطي” كإطار قانوني يضمن حماية التنوع وتعزيز المواطنة الدستورية، ويعمل ضمن رؤية سورية شاملة تستوعب كافة أطيافها الاجتماعية والسياسية. في هذا السياق، قد تمثل زيارة وفد إيمرالي إلى شرق الفرات، التي تم الإعلان عنها مؤخراً، خطوة أولى نحو التوصل إلى تفاهم مشترك بين أوجلان وأردوغان بشأن مستقبل شمال شرقي سوريا وسوريا بشكل عام.
على الصعيد الأوسع، تؤكد رؤية أوجلان على ضرورة تحويل العلاقة بين الكرد والترك من صراع إلى تفاهم وشراكة تشمل الجانب السوري أيضاً، شرط توفر بيئة سياسية، تؤسس لنظام قائم على “المواطنة الدستورية” و”المجتمع الديمقراطي الحر”. هذه المفاهيم تتطلب شرحاً أوسع في المقال المقبل، بناءً على ما جاء في ندائه الأخير.
نورث برس
—————————-
====================

تحديث 04 أذار 2025
———————————-
احتكار السلاح وسيلة أم غاية؟/ سميرة المسالمة
03 مارس 2025
أحد المبادئ الأساسية التي تُعزّز سيادة الدول، احتكار السلاح بيدها، لأنه يعزّز قدرتها على فرض القانون وحماية السلم الأهلي. وهو معيار لا غنى عنه لتحقيق الاستقرارين، السياسي والاجتماعي، وهو ما يمكن أن نستخلصه من التجارب التاريخية والدروس المستفادة من نزاعات مختلفة امتدّت عشرات السنين في أنحاء ودول كثيرة في العصر الحديث، ومنها كولومبيا على سبيل المثال. فبعد 50 عاماً من النزاع المسلّح، الذي أودى بحياة الآلاف، وقّعت الحكومة الكولومبية في عام 2016 اتفاق سلام تاريخي مع حركة التمرّد المسلحة، تضمّن تسليم الأسلحة تحت إشراف الأمم المتحدة، وتحويل القوات المسلّحة الثورية الكولومبية (FARC) حزباً سياسياً شرعياً، إلا أن الأقرب إلينا، بحكم تأثيرها المباشر في ما يجري في سورية، تجربة حزب العمّال الكردستاني في تركيا.
لقد شكّلت رسالة زعيم الحزب، عبد الله أوجلان، إلى الأكراد، بعد 30 سنة من الاعتقال، ودعا فيها إلى إلقاء السلاح واعتماد الطرائق السياسية، نقطة تحوّل مهمّة، عبّرت عنها استجابة الحزب لهذه الدعوة، رغم تقييدها بشروط لا تبدو تعجيزية، بل واقعية وممكنة، وقد تكون الحكومة التركية قد تجاوزتها قبل السماح لتداول الرسالة علناً، وبخاصّة أن الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان على أبواب مباحثات شاملة مع الجانب الأميركي بشأن المنطقة عموماً. ويوضح وضع السلاح أن للتفاوض بين الأطراف المحلية بشأن الحقوق والمطالب المشروعة وسائل أكثر فاعلية في زمن التحالفات الدولية، ولا يتطلّب بالضرورة اللجوء إلى العنف. الوصول إلى المكاسب الوطنية والسلم الأهلي غالباً ما يتطلّب التضحية بالعنجهيّة السياسية لحساب الحكمة والعقلانية، ولعلّ هذا ما يمكن أن يكون الحامل الأساس لمضمون التفاوض الذي أنتج تلك الرسالة السلمية، التي تؤسّس لمسار جديد لم يختبره الطرفان سابقاً. وتُظهر هذه التجربة أن الضمان الحقيقي لحقوق المواطنة المتساوية، على المستويين الفردي والجمعي، يجب أن يكون عبر دستور عادل يُحافظ على حقوق الجميع، مع تأكيد المشاركة الشعبية في السلطة بوصفها ضمانة حقيقية للتمثيل العادل لمختلف المكوّنات، رغم أن الدستور التركي الحالي يُعتبَر نموذجاً ديمقراطياً متقدّماً في المنطقة، إلا أن ذلك لم يمنع من الحاجة إلى طلب الضمانات القانونية والتعديلات الدستورية لتحقيق السلم الأهلي الدائم وحماية الأمن القومي.
وبإسقاط هذه الدروس على الوضع السوري، نجد أن تحرير قوات سوريا الديمقراطية (قسد) من تبعيّتها لحزب العمّال الكردستاني خطوة استراتيجية مهمة، فقد كان الارتباط بين قضيتي الأكراد السوريين والأكراد الأتراك، بالإضافة إلى التداخل في العمل المسلح، يزيد من تعقيد المشهد، ويُعرّض “قسد” لاتهامات تركية بالإرهاب. وبهذا الفصل العملياتي، يمكن القول إن من شأن الدخول في تفاهماتٍ جادّة مع الحكومة السورية أن يُحدِث مساراً مختصراً لتجنّب العقود الطويلة من الصراع غير المجدي، والكارثي على الأطراف كلّها، كما حدث في الحالة التركية، وصولاً إلى مشهد إعلان الحزب القبول بإرادة رئيسه، والذهاب نحو التفاوض السلمي على حقوق مواطنة متساوية، وطيّ ملف الصراع المسلّح.
يمنح هذا الفصل بين القضيتين “قسد” مساحةً أوسع في المفاوضات مع الحكومة السورية، ويُخفّف عنها عبء الدفاع عن قضايا خارج إمكاناتها، ما يُتيح لها التركيز في علاقتها مع محيطها السوري. وعليه، يُصبح من الضروري أن تتحوّل “قسد” حاملاً اجتماعياً غير مسلّح للأكراد في سورية، فتُقدّم نموذجاً للشراكة الوطنية التي تضمن الحقوق والواجبات بالتساوي. ويفترض هذا خطوات متبادلة تقدّمها حكومة الرئيس أحمد الشرع للأكراد السوريين، وفق مبدأ المواطنة، والفرص المتساوية مع مكوّنات المجتمع السوري، إضافة إلى إعلان واضح أن الجيش السوري مؤسّسٌ وفقاً لمواد دستورية تنظّم عمله ودوره، فالولاء للوطن، وليس لأيّ جهة سياسية أو حزبية.
في هذا السياق، يُصبح النقاش بشأن اللامركزية الإدارية في سورية جزءاً من تأكيد وحدة البلاد، وليس مؤشّراً على تقسيمها. ما يُعزِّز المخاوف من التقسيم، بقاء السلاح خارج سيطرة الدولة، إذ يتحوّل كلّ حديث عن اللامركزية شبهةَ تقسيم محتمل. لكن في حال إزالة السلاح وتحرير الأكراد (والدروز والعلويين) من أعبائه، ستُصبح المفاوضات أسهل وأكثر شمولاً مع مكوّنات الشعب السوري كلّها، لأنها ستنطلق من إطار وطني عام يشمل جميع المناطق السورية.
وهكذا، عندما تكون الدولة الجهة الوحيدة التي تحتكر السلاح، يُصبح الحوار في المطالب الشعبية والدستورية أكثر واقعيةً وقابليةً للتنفيذ، فالهدف يجب أن يكون دولة المؤسّسات التي تُحقّق حقوق المواطنة الكاملة والمشاركة الشعبية في السلطة، بما يضمن الاستقرار، ويُعزّز من فرص التعافي الوطني بعد سنوات طويلة من الصراع. لهذا، استمرار الصراع المسلّح، سواء كان من أفراد خارجين عن القانون أو فصائل غير مندمجة مع السلطة، لأسبابٍ طائفيةٍ أو عرقية، وفي ظلّ الظروف الاقتصادية الصعبة التي خلّفها نظام الأسد القاتل والفاسد، يعرقل مسيرة توطيد الأمن في البلاد، ويمكن أن يُنسَب إليه أيضاً، عرقلة توفير مستلزمات الحياة الضرورية، التي يأتي في مقدّمتها تحفيز اقتصاد سورية لاستعادة دوران العجلة فيه، وهذا لن يتحقّق ما لم يُكبَح جماح النزاعات المسلّحة. وبكل صراحة، أيّ استمرار في الاقتتال هو عملية تجويع للسوريين كلّهم، وعلى اختلاف مواقعهم الجغرافية من شرق وغرب وشمال وجنوب، فمن يُقدّم سلاحه على التفاوض، فعليه أن يفهم أيضاً أنه يموّله من لقمة السوريين وعلى حساب أمانهم.
العربي الجديد
———————————–
سورية الجديدة في خطر/ غازي دحمان
03 مارس 2025
تأتي تصريحات رئيس حكومة إسرائيل، بنيامين نتنياهو، عن سورية في سياق أوضاع غير طبيعية، إذ يحضّر من فاعلين إقليميين ومحلّيين، لتغيير البيئة الإستراتيجية لسورية مقدّمةً لتغيير الواقع في الشرق الأوسط، في ظروف إقليمية هشّة، تزيدها هشاشةً محاولةُ إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب تحويل إسرائيل محوراً للنظام الإقليمي الجديد، ومنحها مساحةً للتحرّك لتحقيق هذا الهدف.
لا تسير الأوضاع في سورية صوب الوحدة والاستقرار، ولا يبدو أن مخرجات هذه المرحلة ستؤدّي إلى إخراج سورية من دوّامة الفوضى والضياع، وليس من الصعب أن يكتشف المراقب تحت سطح الأحداث ألعاباً ومخاطرَ يجري التحضير لها، وليست تصريحات نتنياهو بخصوص جنوب سورية (ثم الدروز في ضاحية جرمانا في دمشق)، التي تنقل الأطماع الإسرائيلية إلى طور التنفيذ العملي مقطوعة من السياق الحاصل في سورية.
بات واضحاً أن هناك عملية تأثيث لمشروع خطير يجري العمل فيه بمشاركة فاعلين محلّيين، تصريحات مسؤولي الحكومة الإسرائيلية جاءت في سياق إجراءات يقوم بها، إذ تجمع إسرائيل بيانات من أهالي القرى التي تحتلّها في القنيطرة وجنوب غربي درعا، تشمل حاجة هذه القرى للخدمات والمدارس والأوضاع الاقتصادية للسكّان. وتحدّثت مصادر إسرائيلية لصحيفة إسرائيل هيوم عن مقترح يمنح السكّان السوريين في المناطق التي تسيطر عليها إسرائيل أو تقع ضمن نطاق سيطرتها الأمنية تصاريح عمل لدخول الأراضي الفلسطينية المحتلّة للعمل صباحاً والعودة مساءً، في ظلّ حاجة إسرائيل إلى العمالة بعد منع فلسطينيي غزّة والضفة الغربية من العمل فيها، والواضح أن السبب الأكثر أهميةً ربط سكّان المناطق السورية مصلحياً واقتصادياً بإسرائيل، لتأمين بيئة مؤيّدة للوجود الإسرائيلي الدائم.
ما طلبه نتنياهو من إخلاء جنوبي سورية من القوات العسكرية للنظام الجديد، ومنع الجيش السوري الجديد من دخول المناطق الواقعة جنوبي دمشق، بمثابة إعلان منطقة محرّمة، مثل المناطق التي فرضتها الولايات المتحدة على الجيش العراقي بعد حرب الكويت، مع فارق مهمّ يتعلّق بالمسافة، إذ لا تبعد القوات الإسرائيلية أكثر من بضع عشرات الكيلومترات من دمشق، كما أنها باتت تتحكّم بقمّة جبل الشيخ، التي ترصد المنطقة جنوبي دمشق بشكل كامل، بما يتيح لها نيرانياً استهداف كلّ تحرّكات القوات السورية، وفرض حصار عليها داخل دمشق.
يريد نتنياهو من ذلك استمرار حالة الفراغ في جنوب سورية، وتحويل القوى المحلّية الموجودة في جنوبي سورية إلى قوى أمر واقع، يسهل ابتزازها وتطويعها، وإعادة تجربة جيش لحد في جنوب لبنان، لتشكيل عازل عما يعتقده نتنياهو مصادر خطر آتية من دمشق المتحالفة مع أنقرة، التي تعتبرها إسرائيل عدوّها الحقيقي في المرحلة المقبلة، وهو ما يتقاطع مع طموحات ومخاوف فاعلين في جنوبي سورية، وليس صدفةً تزامن هذه التصريحات مع إعلان بعض فصائل السويداء تأسيس مجلس عسكري، وتأكيد مصادر من قيادة المجلس التنسيق مع قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في شرقي سورية (صحيفة النهار).
ويبدو أن تصريحات نتنياهو جاءت بعد تواتر أنباء عن احتمال سحب القوات الأميركية من شرقي سورية، الأمر الذي يضع الإدارة المحلّية الكردية تحت ضغط تفاوضي، ويدفعها لتقديم تنازلات كبيرة تخصّ التراجع عن مشروع الحكم الذاتي، وهو أمر لا يتساوق مع تصوّرات إسرائيل لشكل سورية المستقبلي، والتي تتمحور حول تقسيمها بين خمسة كيانات (كما أُعلِن في الإعلام الإسرائيلي)، في الجنوب والشرق والغرب والشمال، تقوم على أسس طائفية وعرقية.
والواضح أن نتنياهو لا يرغب في التوصّل إلى توافقاتٍ في سورية واستتباب الأمر لحكومة دمشق، ويرغب في تصريحاته وإجراءاته بمنح بعض الفاعلين المحلّيين الزخم للسير في مشاريع تقسيم سورية، أو على الأقلّ بإعطائهم أوراق تفاوض قوية في مواجهة حكومة دمشق تدفعها إلى القبول بالحلّ اللامركزي، وواضحٌ أن مناورات الفاعلين المحلّيين، ورفضهم الاندماج ضمن هياكل الجيش السوري، ليست سوى محاولة لإنضاج الأوضاع لمصلحتهم إلى حين يصبحون في موقف أقوى يمكّنهم من خلاله من تحقيق طموحاتهم في الانفصال، دع عنك ما تقوله هذه الأطراف عن رفضها الانفصال، وإنها تنتظر حتى تصبح سورية دولة مدنية كي تندمج ضمن هياكلها وأطرها، هذه ليست سوى عملية شراء للوقت باتت مكشوفة.
من جهة ثانية، تتكئ جميع الأطراف التي ترفض (حتى اللحظة) الانخراط في الدولة السورية الجديدة، ولديها قابلية للانخراط في مشاريع جيوسياسية مؤذية لسورية، على سوء إدارة النظام السوري للوضع الداخلي، فتسعى الإدارة السورية، عبر تحكّم دائرة صغيرة، إلى تصميم نظام ديكتاتوري عبر حصر سلطة القرار بيد فئة محدّدة، والتحكّم بمخرجات المرحلة الانتقالية، وتصميم سورية المستقبلية وفق رؤى وتصوّرات محدّدة، ومن يطّلع على وقائع إجراء مؤتمر الحوار الوطني وطريقة الإعداد له ونوعية المدعوين، ثمّ دور هذا المؤتمر وفاعليته، يكتشف ببساطة حقيقة ما يجري في سورية من عبث سياسي وإداري.
دخل الوضع في سورية مرحلة الخطر الجدّي وبات يتطلّب من الإدارة الجديدة تصميم مقاربة أكثر وعياً وإدراكاً للبيئة الاستراتيجية والخروج من منطق الإدارة بالعواطف التي يغلب عليها طابع السذاجة، والفرح الطفولي بالدعوات والاستقبالات الخارجية، فيما يجري التحضير لطبخة خبيثة، إن حصلت، لن يكون مجرد الحديث عن مؤامرة خارجية كافياً، كما لن ينفع التلطي خلف هذا المبرّر حينها.
العربي الجديد
—————————-
هل يجد نداء أوجلان آذاناً صاغية في سورية؟/ عمر كوش
03 مارس 2025
وجّه الزعيم الكردي عبد الله أوجلان رسالةً تضمّنت نداءً تاريخياً إلى حزب العمّال الكردستاني بحلّ نفسه، ومطالبة المجموعات المسلّحة برمي السلاح. وأعلن الحزب، في بيان أصدرته لجنته التنفيذية، وقف إطلاق النار مع تركيا، اعتباراً من الأول من شهر مارس/ آذار الجاري، لكن السؤال الذي يُطرح بعد هذه المبادرة الجريئة يطاول مدى استجابة المجموعات المسلّحة المؤلفة، سواء من مقاتلي حزب العمّال أم المجموعات المليشياوية التي تفرّعت منه في دول المنطقة، خاصّة في سورية، إذ يوجد فيها حزب الاتحاد الديمقراطي، الذراع السورية لحزب العمّال الكردستاني، وذراعه العسكرية “وحدات حماية الشعب”، التي تشكّل المكوّن الأساس لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) في شمال شرقي سورية.
جاءت رسالة أوجلان بعد ترقّب وانتظار من الأوساط السياسية والشعبية في تركيا، إضافةً إلى أوساط كردية في سورية والعراق، وقدّم فيها ما يشبه جردة حساب لعقود طويلة من عمل الحزب، تطرّق فيها إلى ظروف القرن العشرين، التي شكّل فيها هذا الحزب في عام 1978، في فترة كانت “الأكثر عنفاً في التاريخ”، إذ شهدت حربَين عالميتَين، إضافة إلى الحرب الباردة، وإنكار الهُويَّة الكردية في تركيا. واعتبر أن “العمّال الكردستاني” استكمل دوره، وبالتالي بات حلّه، كغيره من الحركات المشابهة، ضرورياً بالنظر إلى تأثّره أيديولوجياً واستراتيجياً بالنظام الاشتراكي، الذي انهار دراماتيكياً في تسعينيّات القرن الماضي، إضافة إلى أن التطوّرات الحاصلة في حرّية التعبير أفقدت هذا الحزب معناه، وراح يكرّر مواقفه بإفراط.
إذاً، الحزب الذي كان تشكيله ضرورةً في نظر مؤسّسه فيما مضى من السنوات، بات حلّه ضرورةً أيضاً في نظر مؤسّسه نفسه، ولا تخفي هذه الضرورة القاضية بحلّ هذا الحزب أن مبادرة أوجلان جاءت استجابةً لدعوة وجّهها الزعيم التركي القومي دولت بهتشلي في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي (2024)، وقوبلت بمواقف إيجابية من مختلف الأحزاب التركية، فيما تولّى حزب المساواة وديمقراطية الشعب مهمّة الوساطة والاجتماع مع أوجلان في سجنه، وذلك بناء على الرضا الإيجابي الذي أبداه الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان، الأمر الذي دفع أوجلان إلى توجيه رسالة تاريخية، طلب فيها (في سابقة هي الأولى من نوعها) حلّ الحزب الذي شكّله، إضافة إلى رفضه دعوات الانفصال القومي، ومعها مختلف دعوات الحكم الذاتي والفيدرالية، على خلفية اعتبارها “حلولاً ثقافوية لا تلبي متطلّبات الحقوق الاجتماعية التاريخية” للمجتمع التركي، بينما أبرز ضرورة اتحاد الأكراد والأتراك في مجتمع ديمقراطي، ينهض على “احترام الهُويَّة، وحرّية التعبير، والممارسة الديمقراطية، وبناء هياكل اجتماعية واقتصادية وسياسية لمكوّنات الشعب كلّها، وفقاً لأسسها الخاصّة”.
يأمل المسؤولون الأتراك، ومعهم أحزاب المعارضة وقطاعات واسعة من الشعب التركي، أن تُفضي مبادرة أوجلان إلى فتح باب تسوية تاريخية، تنهي صراعاً دامياً، امتدّ أكثر من خمسة عقود في تركيا، وحصد أرواح عشرات آلاف الضحايا، فضلاً عن إرهاصاته وامتداداته في الداخل التركي ودول الجوار. ولعلّ نداء أوجلان يمكنه أن يشكّل فرصةً حقيقيةً لإنهاء العنف، وفتح الباب أمام إيجاد تسوية سلمية للمسألة الكردية في تركيا، ويفسح المجال أمام انعكاساتها الإيجابية على الأوضاع في دول المنطقة، خاصّة سورية، إذ تسيطر مخرجات الذراع السورية لحزب العمّال الكردستاني على مناطق شمال شرقي الفرات، وتعتبرها تركيا مصدر قلق أمني لأمنها القومي.
يبدو أن نداء أوجلان قد يلقى آذاناً صاغية لدى بعض مقاتلي حزب العمّال في تركيا، لكن الأمر مختلفٌ بالنسبة إلى معظم قيادات الحزب في جبال قنديل المهيمنة على أذرعه في سورية والعراق، فيُستبعَد أن يستجيب فرعه السوري للنداء، بالنظر إلى أن مخرجاته العسكرية، وخاصّة “قسد”، التي تشعر أنها في وضع قوي، لأنها تسيطر على ثلث مساحة سورية تقريباً، وتحظى بدعم قوات التحالف الدولي لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، الأمر الذي يفسّر مسارعة قائد مليشيا “قسد”، مظلوم عبدي، إلى التذرّع بأن نداء أوجلان موجّه فقط إلى حزب العمّال الكردستاني في تركيا، ولا يشمل أذرعه في سورية والعراق، ولا علاقة لمليشياته بمطالبة أوجلان.
تركيا معنية أساساً بنداء أوجلان، وتترقّب خطوات “العمّال الكردستاني” اللاحقة، لكن المشكلة أن أطرافاً إقليمية ودولية عديدة تدعم الحزب، وهناك تقارير عن تزايد الدعم الإيراني في الآونة الأخيرة لهذا الحزب وللمليشيات المسيطرة في مناطق شمال شرقي سورية. ولذلك كان لافتاً أن يحذّر وزير الخارجية التركي هاكان فيدان إيرانَ من تداعيات أيّ دعم تقدّمه لـ”قسد” أو أيّ أطراف أخرى في سورية، بغية إثارة الاضطرابات، وطالب إيران بضرورة تخلّيها عن سياساتها، واعتبر بلغة لا تخلو من التهديد أن أيّ محاولة لإثارة الفوضى في بلد آخر، قد تؤدّي إلى ردّات فعل مماثلة من طرف بلد آخر.
تعوّل تركيا على استجابة مقاتلي حزب العمّال الكردستاني لنداء أوجلان، وانتقالهم إلى العمل السياسي في تركيا من خلال الأحزاب السياسية، مثل المساواة وديمقراطية الشعوب، المؤيّد لحقوق الأكراد، بما يُفضي إلى إنهاء القضية الكردية في تركيا، وإزالة النهج الأمني المميّز لعلاقاتها مع مناطق في شمالي العراق وسورية، بغية تحسين وضعها الاقتصادي، وتعزيز سلمها الاجتماعي. في المقابل، من المرجّح أن تتّخذ القيادة التركية سلسلةً من الخطوات باتجاه البدء بعملية سلام داخلي، من خلال تبنّي سياسة شاملة لمعالجة القضية الكردية، وإصدار عفو تشريعي عن أعضاء حزب العمّال الكردستاني الذين يلقون سلاحهم، إضافة إلى اعتماد المادّة الثالثة من الاتفاق الأوروبي لحقوق الإنسان، التي تعرف باسم “الحقّ في الأمل”، وتحدّد أحكام السجن بخمسة وعشرين عاماً، والاستناد إليها من أجل إطلاق سراح أوجلان من السجن.
العربي الجديد
—————————–
وماذا بعد بيان أوجلان؟/ عبد الباسط سيدا
04 مارس 2025
وأخيراً، أدلى عبد الله أوجلان ببيانه المتوقّع من سجنه في جزيرة إمرالي (جنوب بحر مرمرة قرب إسطنبول)، في حضور وفد من البرلمانيين من أعضاء حزب الديمقراطية ومستقبل الشعوب، ليتسلّم منه هؤلاء نصّ البيان، ويعلنوه على الملأ ضمن لقاء عام في إسطنبول، نُقِلت وقائعه عبر الشاشات إلى الساحات في جملة من المدن في كردستان تركيا، إلى جانب بثّ البيان عبر مختلف وسائل الإعلام المحلّية والعربية والدولية. أمّا مضمون البيان، فقد تمثّل في الدعوة إلى التخلّي عن السلاح من مجموعات عديدة مرتبطة بحزب العمّال الكردستاني، إلى جانب الدعوة إلى حلّ الأخير في مؤتمر عام له. وجدير بالذكر أن هذا البيان جاء بعد سلسلة من التصريحات واللقاءات بين الوفد المشار إليه، الذي عرف باسم وفد إمرالي، والأحزاب التركية المُمثَّلة في البرلمان، إلى جانب اتصالات بين مسؤولين في الأجهزة التركية وأوجلان نفسه. وقبل ذلك، كانت مبادرة زعيم حزب الحركة القومية التركي دولت بهتشلي، والتي طالب من خلالها بالسماح لأوجلان بالقدوم إلى البرلمان ليدلي بالبيان المعني أمام الكتلة البرلمانية لحزب الديمقراطية ومستقبل الشعوب، الذي يُعدّ واقعياً الواجهة السياسية العلنية لحزب العمّال، على أن يحصل أوجلان في مقابل ذلك على حقّ الحياة والحرّية، ومن ثمّ كانت إشادة الرئيس التركي أردوغان بالخطوة من دون أن يقدّم مبادرة سياسية واضحة بخصوص تصوّره لملامح حلٍّ للمسألة الكردية في تركيا ضمن إطار وحدة الشعب والوطن.
لافت في السياق حرص وفد إمرالي على السفر إلى إقليم كردستان العراق، واللقاء بالمسؤولين فيه، ولا سيّما الرئيس مسعود بارزاني، الذي لم يعد يُنظر إليه كردياً بوصفه رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني أو الرئيس السابق لإقليم كردستان العراق، وإنما زعيم الشعب الكردي بصورة عامّة، وذلك بعد مسيرة نضالية حافلة بالإنجازات السياسية والعسكرية، وعلاقاته المتوازنة مع مختلف الأطراف الكردية والعراقية والإقليمية والدولية. وقبل ذلك كان الرجل قد استقبل قائد قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، مظلوم عبدي، ضمن جهودٍ تبذل بالتنسيق مع التحالف الدولي لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في سورية، ومع تركيا، في سبيل إيجاد حلّ مقبول لمسألة اندماج الكرد في سورية سياسياً وعسكرياً، ضمن مشروع إعادة هيكلة الدولة السورية وبنائها بمؤسّساتها المختلفة. وجدير بالذكر هنا أن هذه المبادرة السلمية من أوجلان لا تُعدّ الأولى، وإنما هي واحدة من عدة مبادرات سبقتها، تحوّل بعضها مادّةً للحوارات والمناقشات بين ممثّلين عن الحكومة التركية والحزب المذكور، ولكنّها أخفقت، وكانت حصيلة الإخفاق تجدّد العمليات القتالية بين الطرفَين. ولكن ما يضفي أهميةً خاصّة على مبادرة أوجلان هذه المرّة أنها تأتي في ظروف بالغة الدقّة تمرّ بها المنطقة منذ هجوم إسرائيل على غزّة بعد “طوفان الأقصى”، وبعد إنهاء قوة تأثير حزب الله في لبنان عبر قتل معظم قياداته وكوادره من الصفّ الأول من المدنيين والعسكريين، ومن ثم انهيار حكم بشّار الأسد في سورية، وتلاشي الوجود العسكري الإيراني وأذرعه من المليشيات في سورية (العلني على الأقلّ). هذا إلى جانب الأوضاع المتشنجة في العراق، والمساعي الأميركية الإسرائيلية من أجل تحجيم التأثير الإيراني إلى أقصى حدّ ممكن.
فاليوم، هناك من جهة مساع أميركية، وغربية على وجه العموم، لإيجاد حلّ لموضوع كيفية دمج قوات “قسد” مع الجيش السوري الجديد، الذي لم تكتمل ملامحه النهائية بعد، وهي جهود تنسجم مع رغبة واضحة من التحالف الدولي لمحاربة “داعش” في البقاء إلى إشعار آخر في المنطقة الشمالية الشرقية من سورية، ربّما بهدف الاحتفاظ بأوراق الضغط في الداخل السوري، والبقاء، في الوقت نفسه، بالقرب من العراق، وحتى من الجنوب السوري عبر قاعدة التنف، استعداداً للمتغيّرات التي قد تشهدها المنطقة في مختلف المستويات.
هذا إلى جانب حقيقة أن الوضع التركي الداخلي يفرض هو الآخر على الحكومة التركية الحالية، التي يقودها حزب العدالة والتنمية بالتحالف مع الحركة القومية (المتطرّفة)، مقاربة القضية الكردية بصيغة أكثر مرونة، فهناك تراجع في شعبية الائتلاف الحاكم لأسباب عدّة، في مقدّمتها الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعيشها تركيا منذ سنوات، وهي أزمة تُنهك أصحاب الدخل المحدود، وحتى قسماً من الفئات الوسطى التركية، وهو الأمر الذي يستغلّه حزب الشعب الجمهوري عبر ماكينته الإعلامية، ويوظّفها ضمن إطار استعداداته للانتخابات التشريعية والرئاسية المقبلة. لذلك، يريد الائتلاف الحاكم من خلال الانفتاح البراغماتي على حزب الديمقراطية ومساواة الشعوب، إعطاء وعود تبشّر بحلّ عائم غير ملموس.
تجاوب أوجلان في بيانه أخيراً مع مبادرة سلمية، حتى ولو كانت ناقصة، طرحتها الحكومة التركية بخصوص القضية الكردية، تحدّثت عن حقّ الحياة أو الحرّية لأوجلان، وعن الأخوّة الكردية التركية، ولكن لا يوجد أي ذكر للحقوق التي يمكن أن يحصل عليها الأكراد، رغم أن الحكومة التركية بادرت في السنوات المنصرمة إلى خطوات عدّة، كان مجرّد التفكير فيها يعد سابقاً من الأحلام المحفوفة بالمخاطر. ومنها افتتاح محطّة تلفزيونية كردية رسمية، إلى جانب السماح بتأسيس مراكز النشر الكردية لطباعة الكتب الكردية وتوزيعها في مختلف الاختصاصات، فضلاً عن افتتاح الأقسام الكردية في جامعات في جنوب شرقي تركيا، وهي المناطق التي تدخل ضمن إطار كردستان تركيا، وقد شكّلت تلك الخطوات وغيرها تحوّلات نوعية في العقلية السياسية التركية تجاه المسألة الكردية في البلاد، المسألة التي يمكن أن تكون جسراً للتواصل بين تركيا ودول المنطقة، التي فيها وجود كردي لافت على صعيدي الأرض والشعب، عوضاً عن النظر إليها مشكلة تستوجب التعاون بين دول المنطقة المعنية في سبيل الحدّ من تبعاتها، ومحاولة التخلّص منها قدر الإمكان.
ولعلّه من الكلام المُكرّر، إذا أشير إلى أن انفتاح تركيا على أكرادها، وحلّ قضيتهم على أساس عادل، وهي قضية تخصّ وفق التخمينات بين 20 إلى 25 مليون إنسان، سيكون في صالح تركيا أولاً، ولصالح كردها، ولصالح تعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة بأسرها. كما أن مثل هذا الحلّ سيمكّن تركيا من تطوير علاقاتها مع دول أوروبا الغربية، ومع الولايات المتحدة أيضاً. هل ستتجاوب قيادة جبال قنديل (القريبة من إيران)، مع دعوة أوجلان، وتعلن قبولها التخلّي عن العمل المسلّح، بل تذهب إلى حدّ حل حزب العمّال الكردستاني، للانتقال إلى مرحلة جديدة تشهد الانتقال إلى اعتماد العمل السياسي السلمي، والقطع مع العمل المسلّح؟ … هذا هو السؤال الأهم الذي يطرحه اليوم المؤيّدون والمعارضون لمبادرة أوجلان، أو وبكلام دقيق لدعوة أوجلان، التي لا تتضمّن أيَّ مطالب، ولا تقدّم خريطة طريق مع تحديد السقف الزمني. وإنما ما هناك كلّه مطالبة غير تفصيلية بإلقاء السلاح من دون أيّ توضيح للجهات أو المجموعات التي يشملها هذا المطلب، ولعلّ هذا ما يُفسّر التصريح الذي أدلى به مظلوم عبدي، الذي أشاد فيه بنداء أوجلان “التاريخي”، على حدّ قوله، ولكنّه بيّن أنه نداء لا يقصدهم أو يعنيهم، خاصّة أنه قد سبق له أن صرّح بأنهم ليسوا تابعين تنظيمياً لحزب العمّال الكردستاني. هل يقصد أوجلان بدعوته الوحدات العسكرية التي شكّلها حزب العمّال في منطقة سنجار بالتنسيق مع وحدات الحشد الشعبي، التي تحصل على السلاح والأموال من ميزانية وزارة الدفاع العراقية، بينما هي تتبع في واقع الأمر التعليمات والأوامر الإيرانية؟ أم يقصد قوات حزب العمّال بصورة عامة، ولا سيّما المتمركزة في قنديل، وفي مناطق عدّة في إقليم كردستان العراق، وربّما حتى في الداخل التركي؟ والسؤال الآخر الذي يُطرح بإلحاح في السياق ذاته: هل هناك مبادرة جادّة من الائتلاف الحاكم في تركيا، ومن حزب العدالة والتنمية على وجه التخصيص، لمعالجة الموضوع الكردي بغية التوصّل إلى صيغة حلّ عادل يكون في صالح الجميع، أم أن الموضوع لا يعدو كونه مجرّد صفقة بين أوجلان والأجهزة التركية، لكي يتمكّن أوجلان من الحصول على حرّيته، أو على الأقلّ استبدال الإقامة الجبْرية بالسجن؟
السؤال الأكثر إشكالية: هل سيرضى النظام الإيراني الذي استثمر كثيراً، بالتنسيق مع سلطة آل الأسد في عهدي الأب والابن، بالتخلّي عن ورقة حزب العمّال، ممثلاً في قيادة قنديل، ويسمح بفتح الطريق أمام تركيا لتتصالح مع كردها، الأمر سيجعلها في موقع تستطيع بفعله ممارسة التأثير في المجتمعات الكردية التي ظلمتها مصالح الدول المنتصرة في الحرب العالمية الأولى، وكانت الحصيلة تقسيم الكرد بين دول ذات ثقافات وتوجّهات واستراتيجيات متباينة؟
هذه الأسئلة (وغيرها) تفرض نفسها على المتابعين لأبعاد وخلفيات بيان أوجلان، وهو البيان الذي ينتظر جواب الحكومة التركية، المفترض أن يكون في صيغة مشروع حلّ يُجسّد وجهة نظرها بشأن القضية المعنية، ليغدو هذا المشروع موضوعاً للنقاش بين مجمل القوى السياسية في تركيا حتى يتم التوافق على حلّ مقبول يكون في مصلحة الجميع في تركيا نفسها، وفي الإقليم برمته.
العربي الجديد
—————————-
دعوة أوجلان إلى السلام ومصير الصراع/ فاطمة ياسين
02 مارس 2025
قبل نهاية القرن الماضي بقليل، نشبت أزمة بين تركيا وسورية بسبب وجود زعيم حزب العمّال الكردستاني، عبد الله أوجلان، في دمشق. كان حافظ الأسد قد احتضنه، وأمّن له مراكزَ تدريب في سورية ولبنان، ليستخدمه ورقةً في وجه تركيا، وكان هذا أسلوباً مفضّلاً عند الأسد الأب، يستعمله على الدوام للضغط، أو لكسب النقاط، ما دام أن ذلك كان متاحاً. ولكن تركيا التي عانت سلوك حزب العمّال الإرهابي كانت تعرف مكان أوجلان وقواعده ومناطق انطلاق عملياته على الحدود المباشرة معها، فقرّرت أن تستأصل هذا الخطر، وأبدت استعدادها لدفع تكلفة ذلك، فحشدت قواتها في الحدود السورية التركية، وخرج الرئيس التركي حينها، سليمان ديميريل، مع وزير خارجيته، بتهديدات جدّية ومهينة لسورية.
تركيا التي عرفت أين يختبئ عدوّها، عرفت كيف يدير النظام في سورية اللعبة، فقرّرت أن تتكلّم باللهجة التي يفهمها لدفعه إلى الاستجابة. وقد أثمر هذا الأسلوب بالفعل، فلم يمضِ وقت طويل حتى خرج أوجلان من دمشق بلا عودة، وبعد أقل من عام استطاعت تركيا القبض عليه وسوْقه إلى إسطنبول، فشاهده العالم كلّه مكبّلاً، وبقي قابعاً في السجن منذ عام 1999.
تخبّط حزب العمّال قليلاً بعد القبض على قائده، ثمّ وجد له ملاذاً في جبال قنديل العراقية، على مقربة من الحدود التركية الإيرانية، بعد سقوط نظام صدّام حسين، وأصبح ينسّق هجماته من هناك نحو الأراضي التركية، ثمّ كان انحسار سيطرة النظام السوري على كثير من الأراضي بعد الثورة عليه عام 2011، خاصّة شرق الفرات، فرصةً مؤاتيةً للحزب أن يوجد له موطئ قدم في سورية على مقربة من الحدود التركية، بعد عمليات تحالف واندماج مع المكوّنات المحلّية، خاصّة وحدات حماية الشعب، وهي المليشيا المسلّحة الرئيسة في شرقي سورية، التي أعلنت حكمها لمنطقة أطلقت عليها اسم “روج آفا”، كان حزب العمّال عنصراً رئيساً في تشكيلها العسكري بمسمّيات مختلفة، الأمر الذي أتاح له نقل جبهاته إلى الأمام قليلاً، وأحسّت تركيا بخطورة الموقف، فنفّذت (في دفعات) ثلاث عمليات في عفرين والباب وعين العرب، سيطرت فيها على المنطقة بواسطة تجمّعات عسكرية محلّية تدعمها مباشرة.
تمتّع أوجلان بهالة كبيرة في أوساط حزبه، جعلت أنصاره في أوروبا ينظّمون مظاهرات ضخمة بعد اعتقاله، وحاول أشخاص حرق أنفسهم اعتراضاً على اعتقاله، وفكّرت تركيا في أن تستغلّ وجود صاحب هذه المكانة الاعتبارية في سجونها لتتفاوض معه، وتقنعه بحثّ حزبه على إلقاء السلاح، والانخراط كلّياً في المجتمع السياسي التركي، ولكن مَن تحرّك بشكل فعلي هو شريك الرئيس أردوغان، القومي دولت بهتشلي، فدعا إلى إطلاق سراح أوجلان في مقابل إلقاء سلاح الحزب. في اليوم التالي من هذه الدعوة، نفّذ حزب العمّال هجوماً إرهابياً على مجمّع صناعي في أنقرة، أسفر عن مقتل خمسة أشخاص، في إشارة إلى أن دعوة أوجلان لن تردع أطرافاً من الحزب عن عملياتهم، ولكن التفاوض الذي أطلقه بهتشلي لم ينقص زخمه، وتعاون أوجلان الذي بلغ السابعة والسبعين بقوله “أريد أن أرى السلام قبل أن أموت”.
لم تقدّم تركيا الكثير، فعرضها يتلخّص بالإفراج عن أوجلان في مقابل دعوته لحزبه بإلقاء السلاح، وعلى الحزب هنا أن يقرّر عمق وجود أوجلان في ضمير أفراده وعقيدتهم العسكرية، ومدى قدرتهم بالفعل على الاندماج في الدولة، وخوض معترك السياسة، بعد أن قضوا حوالي نصف قرن في الجبال. هجوم أنقرة (25 /10/ 2024)، الذي تبنّاه حزب العمال إنذار سيئ تمّ تجاهله، لكنّه يعكس رغبة أطراف من الحزب بالاستمرار في القتال، وفي هذه الحالة عليها أن تقاتل من دون رأس الحزب الأيديولوجي، ما سيحوّلها مجرّد عصابة مسلّحة لا تملك أي عمق معنوي.
العربي الجديد
—————————–
سوريا وحقل الألغام/ عالية منصور
آخر تحديث 01 مارس 2025
لطالما كانت عبارة “ظروف استثنائية” تُستعمل من قبل الأنظمة العسكرية والديكتاتورية لإحكام قبضتها على البلاد والعباد، ولذلك نرى العبارة في سوريا مستفزة لكثيرين، وخصوصا ممن دفعوا أعمارهم وحياة أبنائهم من أجل انتصار ثورة الشعب السوري وإسقاط نظام الأسد وصولا إلى الحرية والديمقراطية والعدالة.
والحقيقة أن عبارة “ظروف استثنائية” لا تصف الواقع السوري اليوم بشكل دقيق، ولا كلمة تحديات أيضا. ففي صباح الثامن من ديسمبر/كانون الأول 2024 سقط النظام السوري وهرب بشار الأسد إلى موسكو ووصل أحمد الشرع إلى قصر الشعب، ومنذ تلك اللحظة بدأ الواقع السوري يتكشف أمام الجميع أكثر وأكثر، فرغم الانتصار العظيم والاحتفالات وعودة سوريا إلى أهلها وعودتهم إليها، كان ثمة دمار هائل أكبر بكثير مما كان أي متابع للشأن السوري يدركه.
دمار الحجر، مدن بأكملها مدمرة، ملايين المهجرين، عشرات المقابر الجماعية، عشرات آلاف العائلات التي انتظرت مصير أبنائها المعتقلين ولم يتكشف حتى اليوم، وضع اقتصادي لا تعطيه صفة “سيئ” حقه، مؤسسات لا تشبه المؤسسات، يصح وصف الدولة السورية بالدولة المهترئة.
ومنذ لحظة هروب الأسد لم تتوقف إسرائيل عن شن غاراتها على مخازن ومستودعات سلاح الجيش السوري، ومع الوقت بدأت بالتوغل داخل الأراضي السورية.
تُدرك إسرائيل أن السلطات السورية اليوم غير قادرة على التصدي، ولا هي راغبة بالدخول في أي حروب، ولذلك تستمر بالضغط على السلطات السورية الجديدة لتحقيق مكاسب أكبر، فقد أعلنت إسرائيل انهيار اتفاقية “فك الاشتباك” الموقعة بين البلدين في عام 1974 لحظة انهيار نظام الأسد في الثامن من ديسمبر/كانون الأول 2024، وقالت إن مجلس الوزراء قرر احتلال منطقة جبل الشيخ الحدودية السورية المحاذية للجولان المحتلة.
وصرح رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بأن “الجنود السوريين تخلوا عن مواقعهم”، وأنه لن يسمح لأية قوى معادية بالتموضع قرب الحدود بين البلدين، وأن الجيش الإسرائيلي سيكون “القوة التنفيذية” في المنطقة.
لم تكتفِ إسرائيل بالتوغل البري وشن العمليات العسكرية على سوريا، بل بدأت تلعب اللعبة التي تتقنها وسبق وأن لعبتها في لبنان إبان اجتياحها لبيروت عام 1982، وهي زرع الفتنة بين “مكونات” الشعب. خرج نتنياهو قبل أيام مطالبا بإخلاء جنوب سوريا من القوات العسكرية للنظام الجديد بشكل كامل، وقال: “لن نسمح لقوات (هيئة تحرير الشام) أو الجيش السوري الجديد بالدخول إلى المناطق الواقعة جنوب دمشق”، وشدد على أن إسرائيل “ملتزمة بحماية الدروز في جنوب سوريا ولن تتسامح مع أي تهديد لهم”.
لاقت تصريحاته رفضا واسعا من جميع السوريين بما فيهم أغلبية أبناء طائفة الموحدين الدروز، ولا أظن أن شخصا عاقلا يصدق أن نتنياهو يكترث أساسا لسلامة الموحدين أو غيرهم، ولكنه أراد إزكاء فتنة ليستمر في ضغطه على السلطة السورية، وإن كان البعض يلمح إلى رغبته في الاستقواء بنتنياهو لتنفيذ أجنداته السياسية.
يضاف إلى الضغط العسكري والضغط على الداخل السوري، ضغط تمارسه إسرائيل لعدم رفع العقوبات الأميركية عن سوريا، وتناغم واضح بين الرئيس الأميركي دونالد ترمب ونتنياهو، ما يزيد من حجم التحديات الهائلة على الوضع الاقتصادي والمعيشي هناك. وإذا ما أضفنا الوضع الأمني الذي لم يستتب بعد في البلاد، حيث يكاد لا يمر يوم دون أن تشن فلول النظام في قرى الساحل السوري عمليات عسكرية على قوى الأمن أو تحاول بث أخبار كاذبة وتتبنى خطابا طائفيا وتدعو لـ”انفصال” الساحل السوري عن سوريا، كما لا يخفى على أحد محاولات إيران للضغط في سوريا، إن كان من خلال الفلول أو من خلال بقايا ميليشيا “حزب الله” على الحدود السورية اللبنانية.
مشكلة قوات سوريا الديمقراطية (قسد) لم تجد طريقها للحل بعد، والتوتر بين “قسد” من جهة والعشائر كما بقية الأفرقاء الكرد من جهة تتصاعد.
خطر “داعش” لا يزال موجودا، وقد أطل برأسه مرات عديدة منذ إسقاط النظام، إضافة إلى السلاح الموجود خارج إطار الشرعية والفصائل التي لا زالت تتمنع عن الانضواء تحت لواء الجيش الجديد.
لا يمكن أن نُطلق على كل ذلك وصف “تحديات” بل حقل ألغام يكاد ينفجر فينا جميعا إن لم نستطع تفكيكه.
وبين كل هذه الألغام، انعقد في قصر الشعب في العاصمة دمشق مؤتمر الحوار الوطني، المؤتمر الذي كنا نتمنى أن يكون أكثر شمولا وأن يدعو إلى مؤتمر وطني تنبثق عنه هيئة تأسيسية ذات صلاحيات ملزمة، ومع ذلك يمكن القول إنه كان أقل من طموحاتنا وأكثر مما توقعنا.
عجلة العملية الانتقالية يجب أن تنطلق، وتفكيك كل هذه الألغام يحتاج إلى حكومة انتقالية من أصحاب الاختصاص، ولكن أيضا ممثلة لجميع السوريين بمختلف توجهاتهم السياسية، لا نملك في سوريا ترف الوقت، ولا “رفاهية” الاستفراد، وعلى السلطة القائمة اليوم كما على من هم خارجها أن يدركوا أن المركب إن غرق سيغرق بالجميع، فبشار الأسد ترك لنا دولة مهترئة متآكلة، والانتقال من سوريا الأسد الى سوريا دولة المواطنة (كما ذكر البيان الختامي لمؤتمر الحوار الوطني) عملية شاقة وتحتاج إلى الجميع.
المجلة
—————–
تحطيم مشاريع تقسيم سوريا يبدأ من شمالها/ محمود علوش
2025.03.03
في الوقت الذي تشق فيه سوريا طريقاً وعراً للعبور نحو الدولة الجديدة، تبرز التحركات العدوانية الإسرائيلية كخطر كبير يُهدد تفكيك سوريا. إن حديث رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن جنوب سوريا كمنطقة منزوعة السلاح ومنع الجيش السوري الجديد من الانتشار فيها وعدم تسامح إسرائيل مع أي تهديد لدروز سوريا، ثم حديث وزير خارجيته عن تهديدات تواجه بعض المكونات السورية الأخرى مثل العلويين والأكراد، تُشير إلى أن دوافع التحركات العدوانية الإسرائيلية في سوريا تتجاوز مواجهة التهديد الأمني المزعوم لها إلى تفكيك الكيان السو
في الوقت الذي تشق فيه سوريا طريقاً وعراً للعبور نحو الدولة الجديدة، تبرز التحركات العدوانية الإسرائيلية كخطر كبير يُهدد تفكيك سوريا. إن حديث رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن جنوبي سوريا كمنطقة منزوعة السلاح ومنع الجيش السوري الجديد من الانتشار فيها وعدم تسامح إسرائيل مع أي تهديد لدروز سوريا، ثم حديث وزير خارجيته عن تهديدات تواجه بعض المكونات السورية الأخرى مثل العلويين والأكراد، تُشير إلى أن دوافع التحركات العدوانية الإسرائيلية في سوريا تتجاوز مواجهة التهديد الأمني المزعوم لها إلى تفكيك الكيان السوري والعمل على إبقاء سوريا دولة ضعيفة وغير قادرة على بسط سيادتها على جميع أراضيها. ولا يجد المسؤولون الإسرائيليون حرجاً في التعبير عن هذه الأهداف.
في الثامن والعشرين من فبراير شباط الماضي، كشفت وكالة رويترز أن إسرائيل تضغط على الولايات المتحدة لإبقاء سوريا ضعيفة وبلا قوة مركزية من خلال السماح لروسيا بالاحتفاظ بقاعدتيها العسكريتين هناك لمواجهة النفوذ التركي المتزايد في البلاد. لا يُخفى أن إسرائيل ترى في سوريا الضعيفة والتي تنهشها النزعات الانفصالية على الأطراف أكثر فائدة لها من سوريا موحدة وقادرة على استعادة عافيتها من الحرب. مع ذلك، هناك حقيقتان ينبغي أخذهما بعين الاعتبار عند تقييم حجم الخطر الإسرائيلي على سوريا. الأولى، أن إسرائيل يُمكن أن تُضفي مزيداً من التحديات على التحول وتستطيع الاحتفاظ باحتلالها لأجزاء جديدة من سوريا بعد الإطاحة بنظام الأسد ومواصلة ضرب ما تبقى من أصول عسكرية سورية، لكنّها غير قادرة على فعل أكثر من ذلك. والحقيقة الثانية أن طموحات إسرائيل لتفكيك الكيان السوري تستمد قوتها بدرجة أساسية من حالة قسد في الشمال.
حقيقة أن معالجة ملف قسد لا يُمكن أن تتم في إطار سوري بحت بالنظر إلى ارتباط هذه المسألة بصراع تركيا مع حزب العمال الكردستاني وبالوجود العسكري الأميركي الذي يُشكل حماية لمشروع الإدارة الذاتية في مناطق الجزيرة السورية، فإن المعالجة مُعقدة وقد تستغرق بعض الوقت. مع ذلك، هناك ضوء ظهر في النفق مؤخرا مع اكتساب عملية السلام الجديدة بين تركيا وحزب العمال الكردستاني زخماً قوياً بدعوة عبد الله أوجلان للتنظيم إلى حل نفسه والتخلي عن السلاح والأطروحات الراديكالية. لقد سارع مظلوم عبدي قائد قوات سوريا الديمقراطية إلى الترحيب بهذه العملية لكنّه نأى بقسد عن دعوة أوجلان لإلقاء السلاح. ويبدو هذا النأي مفهوماً بالنظر إلى أن قبول الدعوة يعني اعترافاً صريحاً من عبدي بأن الوحدات الكردية ذراع سوري لحزب العمال الكردستاني ولتجنب أي التزام بالتخلي عن السلاح لعدم إضعاف وقف الوحدات التفاوضي بخصوص مستقبل وضعها بعد التحول السوري.
من المعلوم أن هناك مفاوضات تجريها قسد مع الإدارة السورية الجديدة للتوصل إلى تسوية لوضعها. وهي تجري بالتوازي مع سياقين، الأول التنسيق التركي السوري والثاني مفاوضات تركية أميركية. ويُعطي توقيت دعوة أوجلان مؤشراً على جدية المسار التفاوضي بخصوص قسد. وإذا تحلى مظلوم عبدي بواقعية أوجلان في قراءة الحالة الكردية الإقليمية والظروف الإقليمية المتحولة المؤثرة عليها، وتخلى عن رهانات أثبتت التجربة أنها خاسرة، فإن فرص التوصل إلى تسوية لملف قسد ستُصبح كبيرة.
مع ذلك، لا يبدو عبدي في وضع يسمح له التفكير في الكيفية التي يُمكن فيها أن يُحقق أقصى قدراً من المكاسب وفرض شروطه على الإدارة السورية. فالولايات المتحدة في ظل إدارة الرئيس دونالد ترمب تُظهر اهتماماً أقل بالحفاظ على علاقاتها بالوحدات الكردية وتميل إلى إبرام تسوية مع تركيا بخصوص ملف قسد. كما أن إدارة الرئيس أحمد الشرع أصبحت أكثر تمكناً في الداخل وتُعزز بشكل متزايد القبول الدولي لها.
إن التسوية السياسية لملف قسد هو الخيار الأفضل والأقل كلفة على سوريا وتركيا وعلى أكراد سوريا كذلك. لكنّه بعد إعلان نتنياهو عن رؤية إسرائيل لسوريا الجديدة كدولة ضعيفة تنهشها المشاريع الانفصالية، فإن حسم ملف قسد أصبح حاجة أمن قومي لسوريا لأن استمرار هذه المسألة لفترة أطول لن يؤدي سوى إلى رفع مخاطر تفكيك الكيان السوري. على الرغم من أن قدرة إسرائيل على تفكيك سوريا ضعيفة للغاية بالنظر إلى أن تأجيج النزعة الانفصالية في الجنوب لا يحظى بقبول بين الدروز، إلاّ أن المشروع الإسرائيلي يستمد قوته بدرجة رئيسية من حالة قسد في الشمال لأن تمكن مشروع الوحدات الكردية سيُظهر ضعف قدرة سوريا في استعادة سيادتها على جميع أراضيها وسيُشكل مُحفزاً قوياً للأطراف الساعية إلى تفكيك سوريا على نطاق أوسع. إن معالجة التهديدات التي تواجه وحدة سوريا والتعامل مع المشروع الإسرائيلي يبدآن من استعادة السيادة الوطنية على مناطق الجزيرة السورية. وحتى في الوقت الذي تُعزز فيه عملية السلام الجديدة بين تركيا وحزب العمال الكردستاني من فرص التسوية السياسية لملف قسد، فإن الرسالة التي سيتعين على دمشق وأنقرة إيصالها إلى قسد أن التسوية السياسية أفضل الخيارات ولكنها ليست الخيار الوحيد.
تلفزيون سوريا
—————-
بين السياسة والميدان.. هل تلتزم “قسد” بدعوة أوجلان؟/ علي تمي
2025.03.02
منذ تأسيسها عام 2017 بدعم وإشراف التحالف الدولي، كان الهدف الأساسي لـ (قسد) هو محاربة تنظيم الدولة وطرده من المناطق التي يسيطر عليها داخل سوريا. اعتمد التحالف الدولي على قسد نظرًا لخبرتها القتالية، خاصة في أساليب الحرب داخل الأنفاق والجبال. ومع نهاية التهديد العسكري المباشر لتنظيم الدولة، وجدت قسد نفسها أمام تحدٍّ جديد: مواجهة الجيش التركي والتحول من قوة عسكرية تحارب الإرهاب إلى أداة بيد أطراف دولية أخرى، أبرزها فرنسا، لتصفية حساباتها مع أنقرة.
لماذا لن تنجح مبادرة أوجلان داخل سوريا؟
قبل سقوط نظام بشار الأسد، كانت قسد تُستخدم أحيانًا كوسيلة ضغط على تركيا لإجبارها على تقديم تنازلات ميدانية أو الدخول في مفاوضات سياسية وخاصة حول إدلب. كما تستغل إيران وجودها داخل حزب العمال الكردستاني لتمرير أجنداتها داخل سوريا، ولكن من دون أن تصل هذه التوظيفات إلى مواجهة مباشرة. بالمقابل، كانت أنقرة تتبع سياسة ديناميكية، تراقب بهدوء، وعينها دائمًا على دمشق. بعد انهيار النظام المخلوع ، تفاجأ الجميع بدخول تحالف إسرائيلي-فرنسي مشترك على الخط لدعم قسد، حيث تم تزويدها بمعدات تجسس وصواريخ محمولة على الكتف، بالإضافة إلى أكثر من 50 طائرة مسيرة.
كما تم افتتاح مركز خاص في الرقة لتدريب مقاتليها على استخدام هذه الأسلحة الحديثة. ونتيجة لهذا الدعم، تمكنت قسد من تحقيق نجاحات ميدانية محدودة، أبرزها خلال معارك سد تشرين وجسر قرقوزاك، حيث أسقطت عددًا من المسيرات التركية، ما كشف لأنقرة حجم الدول الداعمة لهذا التنظيم.
في المقابل، اختارت واشنطن موقف المتفرج، لكنها في الوقت ذاته حثّت باريس على عدم التورط بعمق في هذا المسار، خشية أن يؤدي إلى مواجهة إقليمية واسعة لا تُحمد عقباها.
لماذا لن تلتزم قسد بدعوة أوجلان للسلام؟
بات قرار السلم والحرب اليوم بيد باريس، التي تقود ملف شرق الفرات انطلاقًا من انزعاجها من التمدد التركي في أفريقيا، حيث أصبحت أنقرة لاعبًا رئيسيًا يمتلك أكثر من تسع قواعد عسكرية فيها، من بينها في ليبيا وقطر. نتيجة لذلك، تحولت قسد من أداة لمحاربة تنظيم الدولة إلى ورقة ضغط بيد باريس وتل أبيب، ولم يعد بمقدورها الخروج من هذه الدائرة، حيث أصبح مصيرها مرتبطًا بمصالح القوى التي تدعمها.
توقيت دعوة أوجلان
بعد دعوة زعيم العمال الكردستاني، عبد الله أوجلان، حزبه إلى إنهاء الصراع والتخلي عن السلاح، لم يمر يومان حتى أعلنت قيادة الحزب في قنديل وقف إطلاق النار مع الجيش التركي، في خطوة تهدف إلى إنهاء نزاع استمر أكثر من أربعة عقود.
وفي تعليق على هذه المبادرة، قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان: “بدأنا مرحلة جديدة، وهذه فرصة تاريخية لتعزيز الأخوّة الممتدة لألف عام”.
لكن السؤال المطروح: هل تمتلك قسد اليوم قرارها بحل نفسها والتخلي عن السلاح؟ الجواب بالطبع لا.
فكل المعطيات تشير إلى أن حزب العدالة والتنمية التركي نجح في ضرب (عصفورين بحجر واحد)؛ فمن جهة، كشف حقيقة قسد أمام الجمهور الكردي في تركيا وسوريا وسوء نوايا منظومة قنديل حيال القضية الكردية، ومن جهة أخرى، ألقى الكرة في ملعب خصومه، مدركًا أن قسد باتت أداة بيد باريس وتل أبيب ولا تستطيع الالتزام بأي مبادرة حول السلام.
تشير المعلومات إلى أن واشنطن تدعم هذه المبادرة بقوة، وفي حال فشلها، قد تمنح أنقرة الضوء الأخضر لتصفية قسد عسكريًا وإنشاء منطقة آمنة على طول حدودها داخل سوريا.
وهذا ما يفسر تردد قيادة حزب العمال الكردستاني في التعاطي الإيجابي مع دعوة أوجلان، خوفًا من خسارة الدعم الشعبي الكردي، وفي الوقت ذاته، الحرص على عدم فقدان التمويل والتسليح الأجنبي لهذا وجدت نفسها بين خيارين أحلاهما مر. من جهتها، وضعت أنقرة حزب العمال الكردستاني، بجميع تفرعاته داخل سوريا والعراق، في موقف لا يحسد عليه.
وعلى قسد وتجنباً للوقوع في الفخ المنصوب لها عليها أن تختار بين أمرين: إما أن تواصل تنفيذ أجندات باريس، ما يعني خروجها عن هدفها الأصلي في سوريا، أو أن تتجاوب بشجاعة مع مبادرة أوجلان، وتنتزع مكاسب سياسية من أنقرة. وربما تكون هذه الفرصة الأخيرة، لأن البديل هو الحرب ولا مفر منه.
من وجهة نظري، لن يتمكن الحزب من الالتزام بمبادرات السلام كما في 2013، فقد أصبح جزءًا من صراعات إقليمية ودولية، وأصبح أكثر ارتهانًا لأجندات خارجية. والأخطر من ذلك، أن رفض قسد لهذه المبادرة قد يضعها في مواجهة مباشرة مع الشعب السوري وحكومته الجديدة في دمشق، كما سيؤدي إلى عزلة جماهيرية داخل الأوساط الكردية، حيث يوجد توجه كردي عام في سوريا والعراق وإيران وتركيا يدعم السلام ويرفض استمرار النزاع والحرب.
بالمحصلة، تمثل هذه الفرصة لحظة حاسمة قد لا تتكرر. يجب على قسد أن تقوم بجرد حساباتها بدقة قبل فوات الأوان، لتجنب جر المنطقة إلى حرب شاملة داخل سوريا والعراق فالتاريخ لا يرحم المغفلين.
كما أن قضايا الشعوب لا تُحل دائماً بفوهة البندقية ولا بالهرولة وراء الأجندات الخارجية. ما يحدث اليوم في أوكرانيا، وما حدث قبل ذلك في أفغانستان، هما دروس عسكرية وسياسية يجب أن نتعلم منها، حتى لا نقع في الفخ الذي نصبته لنا القوى العظمى وبالتالي دفع المنطقة نحو مزيد من الفوضى والانقسام على أساس الطائفي والعرقي، في نهاية المطاف هو الهدف المنشود لهذه الدول في الشرق الأوسط.
تلفزيون سوريا
—————————
هل يمهد حل حزب العمال الكردستاني لتطبيق “اتفاقية سنجار” في العراق؟/ محمد عماد
04 مارس 2025
رغم مرور نحو خمس سنوات على توقيع اتفاقية تطبيع الأوضاع في مدينة سنجار، شمالي العراق، التي تقضي بانسحاب الفصائل المسلحة منها وإعادة أهلها النازحين والبدء بحملة إعمار واسعة فيها، إلا أن الاتفاق لم ير النور لغاية الآن بسبب رفض الجماعات المسلحة، وأبرزها حزب العمال الكردستاني التركي، صاحب النفوذ الأقوى والأكبر بالمدينة الحدودية مع محافظة الحسكة السورية.
وينص اتفاق سنجار، الذي وقّعته حكومتا بغداد وأربيل، برعاية الأمم المتحدة، عام 2020، على إنهاء وجود حزب العمال الكردستاني، وإخراج الفصائل المسلحة، وتسليم الملف الأمني في محيط المدينة للقوات العراقية من الجيش والشرطة الاتحادية، وفي مركز سنجار لقوات الشرطة المحلية والأمن الوطني التي يتكون منتسبوها من أبناء المدينة.
كما ينص على تشكيل إدارة محلية مشتركة بين بغداد وأربيل تتولى مهمة إعمار سنجار وإعادة النازحين، حيث لا يزال أكثر من 300 ألف من أهالي المدينة يعيشون بمخيمات خارجها، وهم من الأكراد الأيزيديين والعرب، على الرغم من مرور أكثر من تسع سنوات على تحرير المدينة وطرد تنظيم “داعش” منها.
وأعادت تطورات الأيام الماضية، بدعوة مؤسس حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان إلى إلقاء السلاح وحل الحزب، وتجاوب قيادة الحزب الميدانية مع الدعوة، الأمل في تغيير الأوضاع بمدينة سنجار التي تتبع إداريا لمدينة الموصل، عاصمة محافظة نينوى. والأحد، قال حيدر ششو، قائد جماعة “حماية إيزيدخان”، وهي من ضمن ست جماعات مسلحة تنشط في سنجار، وتختلف في ما بينها في التوجهات والانتماءات، إن “قرار مؤسس حزب العمال الكردستاني التركي عبد الله أوجلان سيكون له أثر على اتفاقية سنجار، وخاصة أن المجموعات القريبة من حزب العمال الكردستاني في سنجار يجب أن تستمع إلى هذا النداء”، مضيفا في تصريحات للصحافيين، أن “هناك حوالي 1500 مقاتل في سنجار ينشطون باسم أوجلان وتحت شعار حزب العمال الكردستاني، ويجب على هؤلاء أن يضعوا مصالح سنجار فوق كل اعتبار، ولا يجعلوها ضحية لمصالح شخصية”.
النائب عن الحزب الديمقراطي الكردستاني محما خليل قال لـ”العربي الجديد”، إن “الحكومة العراقية أخفقت في تنفيذ اتفاقية سنجار بسبب سيطرة الفصائل المسلحة متمثلة بحزب العمال الكردستاني والفصائل التابعة له والتي ينضوي بعضها تحت الحشد الشعبي”. وأضاف خليل: “نأمل أن يكون قرار حل حزب العمال الكردستاني له أثر إيجابي على سنجار ويكون دافعا حقيقيا لتطبيق الاتفاقية الموقعة منذ سنة 2020″، لافتا إلى أن الاتفاقية يجب أن تنفذ بكل بنودها وليس وفق الأهواء والمصالح السياسية لبعض الأطراف المتنفذة في بغداد.
وشدد النائب العراقي على أن “هناك ضرورة أمنية ومجتمعية لإخراج كل الفصائل المسلحة من قضاء سنجار وإدارته من قبل أبناء المدينة، سواء بالملف الأمني أو الإداري والخدمي، وهذا ما سنعمل عليه خلال المرحلة المقبلة”. لكن الباحث في الشأن الأمني سيف رعد اعتبر في حديث لـ”العربي الجديد”، أن قرار حل حزب العمال الكردستاني “لن يكون له أثر إيجابي كبير على أوضاع سنجار”، عازيا سبب ذلك إلى أن “الفصائل المسلحة التابعة لحزب العمال بعضها بات لديه غطاء قانوني عبر الحشد الشعبي وغيره من الفصائل، ولهذا المدينة لن تتأثر كثيرا بقرار حل الحزب”.
رفع صورة لأوجلان في ديابكر جنوبي تركيا بعد إطلاق دعوته، 27 فبراير 2025 (فرانس برس)
وبين رعد أن “عدم تنفيذ اتفاقية سنجار رغم مرور خمس سنوات، يعود لوجود رغبة سياسية بذلك من قبل بعض الأطراف السياسية والمسلحة في بغداد، إضافة الى رغبة خارجية، ولهذا فالوضع في سنجار لن يتغير كثيراً”، وأشار إلى أن فصائل حزب العمال الكردستاني ستبقى متنفذة حتى ولو تم حل الحزب بشكل فعلي، مضيفا أن “معلومات وتقارير مؤكدة كشفت أن الحزب جند المئات من أهالي قضاء سنجار، وهؤلاء سيبقون ينفذون أجندة الحزب وكذلك الجماعات المسلحة التابعة له”.
ويفرض “العمال الكردستاني” والمليشيات الموالية له السيطرة على أجزاء من قضاء سنجار، الذي يعد من المناطق المتنازع عليها بين حكومتي بغداد وأربيل. كما تنتشر في القضاء فصائل عراقية في “الحشد الشعبي” عُرفت بولائها لإيران، واتُهمت بعرقلة تنفيذ الاتفاق، الذي أبرمته الحكومة المركزية وحكومة إقليم كردستان في أكتوبر/تشرين الأول 2020.
العربي الجديد
————————————-
مراجعة الخطاب السياسي الكردي في سوريا ضرورة استراتيجية في المرحلة الانتقالية/ اكرم حسين
تحديث 04 أذار 2025
بعد أكثر من عقد على اندلاع الثورة السورية، وما خلَّفته من تحوُّلات جذرية أعادت تشكيل الخريطة السياسية للبلاد، تبرز الحاجة الملحّة إلى إعادة تقييم الخطاب السياسي الكردي السوري، لا سيما في ظلّ الواقع الجديد الذي فرضه انهيار سلطة النظام الاسدي ، وصعود فواعل سياسية وعسكرية جديدة . فالتحديّات الاستثنائيّة التي تواجهها الحركة السياسية الكردية اليوم – من انقسامات داخلية إلى تعقيدات المشهد الإقليمي – تتطلَّب نقلة نوعية في الرؤية والأداء، تنتقل بها من التركيز على المطالب القومية “المحدودة” إلى الانخراط الفاعل في بناء دولة المواطنة الديمقراطية، بما يضمن حقوق جميع السوريين ويرسي أسس العدالة والشراكة الوطنية .
لطالما ارتكز الخطاب السياسي الكردي – عبر عقود من القمع الأسدي – على المطالبة بالحقوق القومية الأساسية، كالاعتراف الدستوري بالهوية الكردية، وإنهاء التمييز والمشاريع الشوفينية …الخ . ورغم شرعية هذه المطالب وعدالتها ، إلا أن المرحلة الانتقالية تفرض منطقاً جديداً . فسقوط نظام الأسد كسلطة ديكتاتورية ، وتشكيل مؤسسات حكم انتقالية (كالمجلس التشريعي والحكومة الانتقالية)، يقتضيان تحوُّلاً في الاستراتيجية الكردية من “خطاب المطالبة” إلى “خطاب المشاركة”. فالكرد – كشريك تاريخي في النسيج السوري – مطالبون اليوم بالانتقال من دور المطالب بحقوقهم إلى دور الفاعل في مؤسسات الدولة عبر صياغة عقد اجتماعي جديد، يقوم على ضمانات دستورية تكرِّس التعددية، وتحوِل سوريا من دولة الأغلبية والأقلية إلى دولة المواطنة المتساوية.
لا يمكن أن تختزل القضية الكردية في بعدها الاثني فقط ؛ بل هي اختبار حقيقي لإمكانية تحقيق الديمقراطية السورية. فالتجارب العالمية – من البلقان إلى الشرق الأوسط – تثبت أن إهمال حقوق المكونات يغذّي الصراعات والنزاعات ، ويعطّل سبل الاستقرار ، وفي السياق السوري، لا يمكن تصوُّر نظام ديمقراطي مستدام دون حلّ عادل للقضية الكردية، يدمج الحقوق القومية في إطار مشروع وطني جامع. لان الديمقراطية لا تعني حكم الأغلبية فحسب، بل أيضاً حماية حقوق المكونات كافة عبر آليات دستورية وقانونية بحيث تمنع الاستبداد ، سواء أتى باسم القومية أم الدين .
الان ، تواجه الحركة السياسية الكردية مشكلات مصيرية، فمن جهة، تعاني ما تعانيه من انقسام يضعف قدرتها على التمثيل الموحَّد، ومن جهة أخرى، تواجه بتشكيك بعض الأطراف السورية في “الخصوصية الكردية”، وسط صعود خطابات شعبوية تستغلُّ الانقسام ، وفي مواجهة هذا التعقيد، لا بدَّ من مراجعة جذرية تشمل بناء التحالفات وتعزيز العلاقة مع القوى الديمقراطية السورية التي تشترك في النضال من أجل قيم مشتركة كالديمقراطية والعدالة الاجتماعية وتأسيس دولة مدنية ،تعددية مما يكسب المطالب الكردية شرعية أوسع.
لم يعد مقبولاً للحركة السياسية الكردية أن تظلَّ رهينة الخطاب التقليدي، أو أن تراهن على دعم خارجي متقلّب. فالمستقبل يبنى بالانخراط الجاد في المعترك الوطني، وبالقدرة على تقديم نموذج يوحِّد السوريين حول قيم الحرية والكرامة والمساواة . إن المراجعة الفكرية والسياسية ليست خيار فحسب، بل شرط لبقاء الكرد كطرف فاعل في معادلة سوريا الجديدة. فإمَّا أن تقدّم الحركة الكردية نفسها كرافعة للديمقراطية الجامعة، أو ستجد نفسها – مع الوقت – على هامش التاريخ.
————————-
أسئلة اليوم التالي تؤرق أكراد تركيا بعد نداء أوجلان/ رستم محمود
العملية شديدة التأثر بتحولات المشهد الإقليمي
آخر تحديث 02 مارس 2025
بعد واحد وأربعين عاما من الكفاح المسلح، وجه زعيم ومؤسس”حزب العمال الكردستاني” عبدالله أوجلان نداء تاريخيا إلى مقاتلي الحزب، مطالبا إياهم بإلقاء السلاح وحل تنظيمهم العسكري والسياسي، مُقدما في بيان مُقتضب قرأه قياديون من “حزب الشعوب الديمقراطية”، وهو الحزب التركي الداعم لحقوق الأكراد نيابة عنه، جملة من الأسباب والحجج التي دفعته لطلب ذلك، متوقعا أن يكون ذلك لصالح تركيا والأكراد فيها، وللعودة إلى ما أسماها “روح الأخوة التركية الكردية” من جديد.
النداء الذي من المتوقع أن يفتح صفحة جديدة من “حكاية ومسيرة الصراع الكردي مع الدولة التركية” من أجل نيل الحقوق القومية، كان قد بدأ عبر مبادرة استثنائية توجه بها زعيم “حزب الحركة القومية التركية” (المتطرفة) دولت بهجلي، والذي يُعتبر ممثلا لـ”الدولة العميقة” في تركيا ضمن المشهد السياسي في البلاد، توجه بها إلى كتلة “حزب الشعوب الديمقراطية” في البرلمان التركي، مطالبا أوجلان عبرهم بتوجيه نداء إلى تنظيمه العسكري، بغية إنهاء الصراع المسلح، ومنح البرلمان التركي، فرصة تاريخية لمعالجة كل قضايا البلاد.
قلق الدولة العميقة
توجهت “المجلة” بالسؤال إلى عضو البرلمان والكاتب التركي البارز جنكيز تشاندار، مستفسرة منه عن الأسباب التي دفعت بهجلي إلى تقديم مبادرته السياسية؟ ومدى إمكانية تحقق السلام السياسي في تركيا بعد نداء أوجلان؟
تشاندار الذي كان قبل ثُلث قرن مستشارا للرئيس التركي الأسبق تورغوت أوزال، وشاهدا على أولى مبادرات “حل المسألة الكردية” التي أطلقها الرئيس أوزال في أوائل التسعينات من القرن المنصرم- وثمة شُبهات كثيرة بأنها كانت سببا في إنهاء حياته من قِبل مركز القوة في الدولة التركية- يشرح الظرف الحالي قائلا: “ثمة قدرة استشعارية هائلة لدى النواة السياسية الصلبة في الدولة، وهي راقبت المشهد الإقليمي بتمعن وقلق شديد طوال العام الماضي، ووجدت كيف أن محورا إقليميا كاملا تهاوى فجأة، وصارت تنظيماته المسلحة ودوله تتساقط بالتتالي، وكيف أن إسرائيل، ومعها الكثير من القوى والدول الحليفة، قادرة فعليا على اقتلاع وإعادة تشكيل منظومة الدول، وحتى مجالات السيادة في هذه المنطقة، وبذلك ليس هناك مانع لأن يكون الأكراد وقضيتهم جزءا من تفكير صُناع القرار في هذه الدول، وتاليا وضع تركيا في المنطقة الأكثر حرجا وأذية لها، وفي المستقبل القريب”.
ويتزامن ذلك، بحسب تشاندار، مع شعور مستجد لدى تركيا بتفكك دول الطوق حولها، سوريا والعراق، وربما إيران في المستقبل، هذه الدول التي كانت تاريخيا مركزية للغاية، ومستجيبة تماما للاستراتيجية التركية في ضبط المسألة الكردية و(حزب العمال الكردستاني)، لم تعد قادرة على فعل ذلك راهنا”.
ويضيف: “استباقا لذلك، يفكر أصحاب القرار السيادي في تركيا بإمكانية تحقيق التفاف ما، عبر جذب الأكراد وإغلاق ملفهم تماما، بالتعاطي الإيجابي مع بعض مطالبهم، التي يُمكن قبولها من المجتمع والمخيلة الجمعية التركية، القومية للغاية بعمومها، تجنبا لأي خسائر جيوسياسية مستقبلية”.
لا يميل المستشار والكاتب السياسي التركي جنكيز تشاندار إلى التفاؤل بإمكانية تحقيق تحول سياسي نوعي في المستقبل القريب، معللا الأمر بـنوعية العلاقة السلبية والقاسية، بين الدولة والمجتمع التركيين و”حزب العمال الكردستاني”. يفضل تشاندار عوضا عن ذلك “مراقبة عملية مزاحمة مستدامة، قد تطول لسنوات، إلى أن يتمكن الطرفان من التوصل إلى قرارات وحلول مرضية لهما”. لكنه مع ذلك يبدي ثقته في قدرة الدولة العميقة في تركيا وممثليها السياسيين والأمنيين والعسكريين على فرض حلول واضحة على الحكومة والبرلمان، والأحزاب السياسية التركية، فيما لو رغبت هذه النواة في ذلك، وهو ما يظهر بشكل إيجابي حتى الآن.
أسئلة كردية محيرة
سياسيا، لا يشكل نداء أوجلان نهاية حتمية وواضحة للكفاح الكردي المسلح على أرض الواقع. فتحقيق ذلك يحتاج إلى مناخات موضوعية، لا تعابير عن “حُسن النوايا” أو “تحليل سياسي منطقي”، كما جاء في نداء أوجلان. ففي تعليقه الأول على نداء أوجلان، قال القيادي العسكري البارز في “حزب العمال الكردستاني” مراد قره يلان: “تعداد مقاتلي العمال الكردستاني يزيد على عشرات الآلاف من المقاتلين، من الذين بذلوا كل حياتهم في سبيل تحقيق غاية سياسية بذاتها، وهُم ليسوا عبارة عن مقاتلين محترفين بأجور مالية، بل مجموعة من المقاتلين المتمركزين حول عقيدة سياسية وأيديولوجية، لا يُمكن إقناعهم بالتخلي عن الكفاح المسلح، فقط لأن نداء ما صدر لهم بذلك، بل يحتاجون إلى عملية إقناع طويلة الأمد، يتأكدون خلالها من أفضلية ونجاعة ترك السلاح لصالح قضيتهم”، ويثبت هذا التعليق الصعوبات التي قد تواجه هذه العملية في مسارها الطويل.
أوجلان نفسه قبل عدة أسابيع، كان قد أخبر زواره بأنه يعاني من صعوبة واضحة في إقناع جناح واحد من أصل أربعة أجنحة، ضمن “العمال الكردستاني” بتوجهه السياسي الجديد، قاصدا المقاتلين المنتشرين في السلاسل الجبلية بين تركيا والعراق. فأوجلان كان واضحا في تأكيد نفوذه على تنظيمات الحزب في الداخل التركي، ودول الجوار والقارة الأوروبية، لكنه كان حذرا في التكفل بإقناع مقاتلي الحزب بسهولة.
لا يبدو الأمر بعيدا عن المنطق، فالمقاتلون الذين صرفوا جل أعمارهم في أقسى ظروف العيش في سلاسل الجبال الوعرة بين تركيا والعراق، ودفعوا أثمانا لا تُقدر من حياتهم وحياة زملائهم في هذا الصراع العسكري، لا يُمكن لهم أن يقبلوا بمخارج سياسية، لا تمنحهم الاعتبار والمكانة الرمزية، التي يعتبرون أنفسهم جديرين بها. فالعقل السياسي الباطني للمقاتلين الأكراد يقول إن الأمر لو كان توافقا وصُلحا سياسيا، فإنه ثمة مجموعة من الالتزامات، التي على الدولة التركية الالتزام بها، مثلما فعل “العمال الكردستاني” وأجرى مراجعة سياسية وأيديولوجية واضحة لنفسه عبر هذا البيان، وهو ما لم تفعله الدولة التركية. أما لو كان الأمر غلبة سياسية، فإن مقاتلي “الكردستاني” لم ينهزموا على أرض الواقع، وتاليا لا يُمكن لوضع السلاح وحل الحزب أن يكون أولى الخطوات.
أمر شبيه بذلك يطغى على الأفكار والمشاعر العامة، التي تسود الفضاء المجتمعي والثقافي الكردي في تركيا. فصفحات التواصل الاجتماعي الكردية في تركيا زاخرة بأسئلة من نوع “لكن ماذا ستفعل الدولة للكُرد في اليوم التالي؟”، و”ما مصير عشرات آلاف المقاتلين الأكراد بعد أن يضعوا السلاح؟”، و”ما الذي سيحصل عليه الكرد في الدستور الجديد؟”.
كل تلك الأسئلة ترى القواعد الاجتماعية الكردية ضرورة في الإجابة عليها، وبوضوح وشفافية، من قِبل القائمين على هذا المشروع السياسي، وهُم لم يعثروا على إجابة واضحة على أي منها طوال الشهور الماضية. فمجموع ما حصل هو عبارة عن مجموعة من اللقاءات السرية، بين مجموعة من قادة “حزب الشعوب الديمقراطية” وأوجلان والقادة السياسيين في تركيا، دون أي توضيح شفاف لما تم الاتفاق عليه.
فمنذ تأسيسه عام 1978، شكل “حزب العمال الكردستاني” المنصة والتنظيم السياسي الأكثر تعبيرا عن الكُرد في تركيا، فقد بقي طوال هذه السنوات التيار الأكثر شعبية ورمزية ونفوذا ضمن مختلف الأوساط الكُردية، والجسم التنظيمي الذي عبر دوما عن قضيتهم وتطلعاتهم المستقبلية. إذ لم تنجح جميع محاولات الدولة والقوى السياسية التركية في إحداث حاجز وعزل بينه وبين المجتمع الكردي. لأجل ذلك، فإن تحولا سياسيا مثل هذا، لا يُمكن له أن يحدث دون اطلاع وقبول المجتمع الكردي بمضامينه، ولا تبدو حتى رمزية ومكانة أوجلان ذاته قادرة على تحقيق ذلك دون تلك المقبولية من المجتمع الكردي.
مثل باقي القضايا السياسية المستدامة، يبدو الملف الكردي في تركيا راهنا، متأثرا تماما بالمشهد الإقليمي، المحيط بتركيا تحديدا. هذا المشهد الذي منه انبلجت العملية السياسية الجديدة بين “العمال الكردستاني” والدولة التركية، سيضيف تأثيرات واضحة على مسار هذه العملية، وذلك على ثلاثة مستويات.
فمستقبل المواجهة الإسرائيلية-الإيرانية بُعد أساسي في ذلك. لأن الإطاحة بالنظام الإيراني، أو العكس، ليست مجرد تفصيل سياسي في المنطقة، بل تحول جوهري في أصل عالم السياسة في منطقة الشرق الأوسط. يضاف لذلك طبيعة ما سيحصل عليه الكُرد في إيران (نحو 8 ملايين نسمة) من حقوق ومكانة سياسية، خلال المرحلة التي ستلي هذه المواجهة.
المسألة الأخرى تتعلق بنوعية النظام السياسي الذي ستستقر عليه سوريا في الأفق المنظور. فهل ستتمكن النخبة الحاكمة راهنا من تثبيت أركان حُكمها، والسيطرة على البلاد أمنيا وسياسيا، مع إنكار ورفض تام للشراكة مع القوى الكردية، وبخاصة “قوات سوريا الديمقراطية” المقربة من “حزب العمال الكردستاني”، أم لا؟ وحسب ذلك ستتأثر هذه العملية السياسية في تركيا، ولو نسبيا، بسبب التداخل السياسي الكبير بين سوريا وتركيا، على الأقل في المرحلة الراهنة.
أخيرا، ماذا ستكون استراتيجية الرئيس الأميركي دونالد ترمب تجاه منطقة الشرق الأوسط، بعد بدئه بإغلاق ملف أوكرانيا؟ تحديدا من حيث مدى توكيله لتركيا بالكثير من القضايا الإقليمية، وبخاصة في سوريا والعمق الآسيوي. فالحذر الأولي من المشهد الإقليمي والدولي، والذي دفع تركيا لفتح هذا الباب أمام أوجلان في هذه العملية، يُمكن أن يتحول إلى العكس تماما، فيما لو أصبحت استراتيجية الإدارة الأميركية الجديدة أكثر وضوحا.
المجلة
—————————-
==============================

تحديث 01 أذار 2025
—————————
عن رسالة عبد الله أوجلان وتأثيراتها على القضية الكوردية إقليمياً/ شفان إبراهيم
2025.03.01
أرسل عبد الله أوجلان زعيم العمال الكوردستاني من سجنه في جزيرة ايمرالي التركية، وعبر وفد حزب DEM بارتي، رسالة تدعو إلى وقف النزاع المسلح بينهم وبين الحكومة التركية، عبر إلقاء السلاح وحلّ الحزب بعد عقد مؤتمر خاص للحزب، والبدء بعملية السلام. والواضح أن الرسالة هي خطوة مرممة لخطوات سابقة تهدف إلى إيجاد حل سلمي للقضية الكوردية في تركيا. الحزب الذي تحرك عبر المساحات التي خُلقت نتيجة للحرب الباردة وما خلفته من استقطابات دولية وإقليمية، كما شهدت تركيا خلال تلك الفترات أزمة حادة على صعيد الهويّات والعنف والصراع، وسعيها الدؤوب لحجز مكانة في الإقليم سياسياً واقتصادياً.
كُل شيء تغير، فلا تلك المساحات أضحت متوفرة خاصة بعد تغلغل الرأسمالية والشركات العابرة للقارات التي تسعى وراء الربح والاستفادة والتي تلعب الحروب دوراً حتمياً في انكماشها. ولا تركيا اليوم هي نفسها التي كانت تعيش صراعات وأزمات، بل وفي قلب العنف الذي تميز به القرن العشرين؛ فهي تلعب دوراَ محورياً في خلق التوازنات الدولية والإقليمية، وليست أدوارها في سوريا سوى جزء من كل ما تسعى إليه، إضافة لأدوار تركيا في العراق وكوردستان العراق، وهي المساحات التي ينشط من خلالها العمال الكوردستاني أيضاً. والواضح أن أجيالاً جديدة سواء كنُخب سياسية حوكمية وحاكمة في تركيا، أو عسكرية ميدانية وسياسية للعمال الكوردستاني تتحرك ضمن خطوط التماس بينهم، وهو ما يعني ضرورة وجود فكر وتوجه سياسي جديد، إذ إن الدماء والحروب لم تُسجل أيّ انتصار لطرف على الآخر، سواء بين تركيا والعمال الكوردستاني أو بين أي أطرافاً أُخرى.
اليوم الموازين منقلبة رأساً على عقب، فسوريا حيث الساحة الأكثر سخونة بين الطرفين، لم تعد سوريا إبان اتفاقية أضنة بين أنقرة ودمشق حين حكم الأسد الأب والابن، وتركيا بدورها لا ترغب بتكرار سيناريوهات تأرجح علاقاتها مع أميركا والتي وصلت لأدنى مستوياتها كثيراً من المرات خلال عام 2003 إبان الاجتياح الأميركي للعراق، أو خلال 2016 ودعم التحالف الدولي لقسد، مقابل تكرار العمليات العسكرية التركية ضد الأخيرة. بالإضافة إلى أن إطالة أمد الصراع في سوريا، والوضع الاقتصادي المرعب فقراً وجوعاً، وموجات الهجرة التي فككت المجتمعات والكوردية منها على وجه الخصوص، جعلت من قضايا المواجهات والممانعة والحروب في أدنى درجات الأولويات والأهمية، ومع نجاح تركيا وفصائل المعارضة السورية بالسيطرة على كامل الشريط الغربي للشمال السوري بالإضافة إلى سري كانيه وكري سبي، فإن الحزب فقد كثيراً من أوراق الضغط والمواجهة.
وكان الواقع السياسي والعسكري لحركة فتح بعد اتفاقية أوسلو تُعاد من جديد، مع فارق أن فتح رضخت بإرادة ياسر عرفات نفسه، في حين أن كل التقلبات والتغيرات والضواغط والصراعات التي شهدها العمال الكوردستاني كانت بغياب زعيمه، والواضح أن العمال الكوردستاني ونتيجة لظروف وأسباب كثيرة وكبيرة لا مجال لذكرها هنّا، فإنه يعيش عزلة إقليمية فعلياً ويواجه عمقاً قومياً تركيا معادياً له، وفكراً عروبياً لا تنفك نظرتها عن الإدانة، علماً إن العروبة في فترة من الفترات كانت ظهراً لها في سوريا ولبنان.
سيرغب السيد مظلوم عبدي قائد قسد بالقول إن هذه الدعوة تخص تركيا وكوردها كشأن داخلي لا علاقة لهم بها، وهي إشارة واضحة المعاني وسهلة الفهم كفك ارتباط قسد عن العمال الكوردستاني، أو ربما تلميح ضمني إن تلك الدعوة لا علاقة لكورد سوريا بها. لكن كتحصيل حاصل كُل ما يجري بين تركيا والعمال الكوردستاني سيؤثر على كوردستان العراق وكورد سوريا وخياراتهم. فأوجلان سبق الإعلان عن رسالته، برسائل إلى السيد مسعود البارزاني ورئيس الإقليم نيجرفان البارزاني، وعائلة الطالباني، وقسد أيضاً، ولا ترغب الأطراف جميعها بأي خيارات للمواجهة، بل إن حديث رئيس الإقليم نيجرفان البارزاني حول حمايتهم للكورد في حلب خلال عملية رد العدوان كانت بالتعاون مع تركيا، وهو ما ذهب إليه رئيس وزراء الإقليم السيد مسرور البارزاني، لمنع أيّ عمليات عسكرية تركيا على كوباني وعموم المنطقة الكوردية خلال الأسابيع الماضية. وحتى رجالات قسد والعمال الكوردستاني أنفسهم لا يرغبون بأيّ مواجهات عسكرية كون هوامش المناورة شبه مفقودة بعد سقوط الأسد وخروج القوات الإيرانية وحزب الله، وضبابية التحالف مع الأميركان والتحالف الدولي، والاستمرار في الدوران ضمن مفاهيم التحالف الدولي فقط ومن دون الإصغاء لصوت الداخل والعمق الشعبي والرسمي في تركيا وسوريا، سيعني الحصار المطبق على القضية الكوردية.
وأمام أهمية تلك الرسالة، فإن الطريق غير معبد بالورود لتنفيذها، ويعترض تنفيذها العديد من العقبات من أبرزها، أن العمال الكوردستاني سيطلب تسويات سياسية دستورية تمنح الكرد اعترافاً سياسيا، وعفواً عاماً عن كافة العناصر العسكرية، ومساراً مضموناً للمشاركة في إدارة البلاد، أو ربما سيطالبون بمنحهم لجوءً سياسياً، هذا إن تمت العملية التي أرادها أوجلان. إضافة لتأثيرات اللاعبين الإقليميين والدوليين على القضية الكوردية وصراعها مع تركيا. لذا فإن المطلوب حالياً، مبادرة من تركيا والقيام بعدة خطوات لتحقيق التقدم الملموس، وجاء الرد على لسان نائب رئيس حزب العدالة والتنمية أفكان علاء، إن “الحكومة التركية تتوقع أن يمثل حزب العمال الكوردستاني لدعوة أوجلان” مضيفاً أن تركيا “ستتحرر من القيود إذا ألقى العمال الكوردستاني السلاح”. ولعل أهم وأبرز الخطوات التي تتوجب على تركيا تنفيذها هي الاعتراف بالحقوق السياسية والثقافية للكورد دستورياً، وضمان تمتعهم بحرياتهم الأساسية، وهو يتطلب تعديلاً دستورياً لضمان المشاركة الفعالة للكرد في العملية السياسية، مع وقف العمليات العسكرية وخلق بيئة ملائمة للحوار السلمي. ومن الممكن البدء بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين الكرد وتقديم ضمانات عدم الملاحقة مجدداً، وتعزيز التنمية الاقتصادية عبر تنفيذ مشاريه تنموية في المنطقة الكوردية في تركيا بهدف تحسين الأوضاع الاقتصادية وتحسين الظروف الاجتماعية والمعيشية، لكن ليس المطلوب الانتظار لحين تنفيذ هذه الخطوات للبدء برسالة أوجلان، بالمقابل فإن عقد المؤتمر الخاص بالعمال الكوردستاني يحتاج لوقت، وخطوات بناء الثقة والسلام بين الطرفين، يُمكن لأطراف كوردستانية ودولية أن تشرف عليها وترعاها.
الواضح أن رسالة عبد الله أوجلان تشكل مبادرة حقيقية لتحقيق السلام والاستقرار في المنطقة الكوردية في تركيا ومع العمق التركي، وتشكل مساراً مهماً لطبيعة العلاقة بين تركيا ومؤيدي الحزب في سوريا، وعشرات الآلاف من المقاتلين الكرد الذين يتبعونه في تركيا والعراق وإيران وسوريا، ومن المتوقع أن تواجه العديد من العراقيل للحيلولة دون تنفيذها بشكل كامل، لكن ستبقى الجهود مستمرة لتحقيق التفاهم والسلام بين الأطراف المعنية.
تلفزيون سوريا
——————————–
مبادرة أوجلان وتدشين عصر تركي جديد!/ سامح المحاريق
تحديث 01 أذار 2025
لم يجد مصطفى كمال أتاتورك أمامه سوى الحديث عن الأتراك لاقتناص الكتلة الأوسع من الأراضي، التي كانت برسم الالتهام والتقسيم، مع الانهيار التراجيدي للإمبراطورية العثمانية، فمصطلح العثماني كان أوسع من أن تتحمله دولة حديثة ناشئة في منطقة معقدة من العالم، فالأراضي التركية قبل الإسلام كانت جزءا أصيلا من العالم الهيلليني الإغريقي، وطروادة التي شغلت جانبا كبيرا في الأدب الإغريقي تقع حاليا ضمن حدود الدولة التركية، وبعد الإغريق كان الرومان، وورثتهم في الإمبراطورية البيزنطية، وعند الحديث عن الأتراك بوصفهم شعبا طارئا على المنطقة، فذلك يعني المقارنة بالعرب والفرس، الذين عاشوا في هذه المناطق لآلاف السنين، بينما تدفقت الشعوب التركية منذ فترة لا تزيد عن ألف عام.
لم يكن أمام أتاتورك سوى التمسك بهذه الهوية، فالأرمن والجورجيون شعوب قديمة، ومثلهم العرب والفرس والأكراد، ولإثبات الذات وسط هذا الوجود الحضاري لشعوب قديمة في المنطقة، كان التأكيد على المقولة التركية بصورة متطرفة أداة دفاعية بالصورة الأساسية، وحقيقة، أن أتاتورك في العيون التركية الحديثة شخصية لا يمكن تجاوزها، أو التقليل من قيمتها، لأنه لم يكن قائدا سياسيا وعسكريا استثنائيا، بقدر ما كان شخصا قام بتوظيف الأسطورة والسردية، من أجل بناء أمة لم يكن أحد متأكدا من أهلية وجودها على المدى البعيد، وكما تحدثت أساطير الشعوب التركية عن الذئب الأغبر، الذي كان له دور في إرشادها في زمن المحنة، ومقاربة الفناء، فإن أتاتورك يقارب هذه المكانة لأتراك الدولة الحديثة.
لا يوجد غير الأتراك على الأرض التركية، لم ينص الدستور التركي على هذه المقولة صراحة، ولكنها أصبحت لسان الحال، من أجل بناء هوية الدولة، وكان على الأكراد في المقابل أن يدفعوا الثمن للمرة الثانية، بعد أن دفعوه في معاهدة لوزان، التي أجهضت تأسيس دولة كردية، وأصبحت الهوية الكردية الصارخة والقوية والمستندة إلى تاريخ طويل في حالة معاناة مستمرة لترويضها من قبل الأتراك، وضمان عدم تناقضها مع البنية الرمزية التي صنعت للجمهورية التركية. لم يكن ذلك مجرد إجراءات قانونية، فالكثير من الأعمال القمعية مورست ضد الأكراد، ومنها تمرد درسيم في الثلاثينيات، الذي أسفر عن مقتل أكثر من 13 ألف كردي، وهو الأمر الذي حظي باعتذار من الرئيس التركي أردوغان في 2011، وهو الأمر الذي أثار جدلا سياسيا وقانونيا في تركيا. وسط هذا التاريخ ظهرت شخصية عبد الله أوجلان، ليشغل موقعا شاغرا في الذاكرة البطولية للشعب الكردي، مع تأسيسه لحزب العمال الكردستاني في السبعينيات من القرن الماضي، ويبدأ مسيرة نضالية انتقلت من المناداة بتأسيس مجتمع ماركسي في دولة كردية، إلى المناداة بالديمقراطية التشاركية، لتعزيز التنوع في المجتمع التركي، بحيث يستوعب جميع المكونات بصورة تكفل للأكراد وغيرهم أن يعبروا عن خصوصيتهم ضمن المنظومة الأوسع. أتى اعتقال أوجلان في مرحلة لم تكن فكرته حول الديمقراطية التشاركية مقبولة، ضمن القواعد السائدة في السياسة التركية، وتحول هو نفسه إلى جزء من دواعي الغضب الكردي، والتصعيد الذي يحدث بين وقت وآخر، وتحول الملف الكردي والمواقف منه إلى أحد الأوراق السياسية التركية، التي تتعرض للشد والجذب بين القوميين والإسلاميين والأطياف الأخرى.
لأكثر من ربع قرن يعيش أوجلان في سجنه الحصين في جزيرة إمرالي في بحر مرمرة، ويشكل رمزا لأتباع مخلصين أصبحوا مع الوقت سؤالا تركيا أكثر مما أخذوا يمثلون مسألة كردية، فالتحولات في الأوضاع الكردية في العراق، والواقع الجديد الذي فرض في كردستان العراق، بالإضافة إلى التفاعلات التي لحقت بأكراد سوريا في السنوات الأخيرة، جعلت حزب العمال الكردستاني في خانة الحزب ذي النزعة الانشقاقية أو الإصلاحية الجذرية، بأكثر مما يمثل إجماعا كرديا؛ وأثناء فترة حبسه كان الحديث يدور حول مبادرات مختلفة من أجل التقدم بالعلاقة بين الحزب والدولة التركية، إلا أن تأخيرا وراء تأخير أتى نتيجة صراع القوى التركية المختلفة، ونظرة كل منها تجاه الحقوق الكردية المرتبطة بواقع لا يمكن الانصياع له ولا يمكن تجاوزه أيضا.
في مرحلة حرجة يلقي أوجلان بما هو أكثر من مبادرة، مع دعوته لحل الحزب وإلقاء سلاحه، ولا يتوقع أن ذلك يأتي بصورة مجانية من غير ترتيبات حول مكتسبات مختلفة سيتحصل عليها الأكراد ضمن المنظومة التركية الأوسع، ولكن هذه الخطوة ليست تركية خالصة، ولا هي بالكردية الكاملة، فالأكراد يبدون في الأسابيع الأخيرة بعد سقوط الأسد، وحكم الأمر الواقع من خلال سيطرتهم على مساحات واسعة من سوريا أمام تجربة أو مغامرة يمكن أن يخوضوها للحصول على إقليم مشابه لكردستان العراق، أو أن يصبحوا جزءا من هلال قلق يتكامل مع جنوب سوريا، خاصة الطائفة الدرزية، ويبدو أن هذه الخطوة تأتي للتحوط التركي الاستباقي تجاه الخيارات الكردية التي تطرح على الساحة الإقليمية حاليا. تخدم خطوة أوجلان الدولة التركية، ليس لأنها تزيح عبء المقاومة الكردية بصورتها التقليدية وتحولها إلى ملف سياسي، ولكن لأن ذلك يعطيها أفقا إقليميا تحتاجه في ترتيب المنطقة بعد سقوط نظام الرئيس الأسد، وبما يجعلها أكثر أريحية في بناء منطقة نفوذ واسعة ويزيد من حصتها في شرق المتوسط بثرواته المكتشفة حديثا.
لم يسقط أوجلان ولم يتناقض مع أفكاره ومع مبادئه، ولكن التوقيت يلقي ظلاله على الإقليم ككل، ويصنع تحديات جديدة، خاصة أنه ليس متوقعا أن ينصاع حزب العمال الكردستاني لتوجيهات قائده التاريخي بالصورة التي يمكن أن يتوقعها الأتراك، ولكن ما يمكن استخلاصه أن تركيا اليوم جادةٌ في استئناف مشروع إقليمي عطلته ارتدادات الربيع العربي والهيمنة الإيرانية على العراق وسوريا، وهذه قصة ستشغل المنطقة ربما لسنوات مقبلة.
كاتب أردني
القدس العربي
—————————–
مملكة أوجلان ومآل الفكرة القومية/ وسام سعادة
تحديث 01 أذار 2025
أمضى عبد الله أوجلان ستة وعشرين عاما في سجنه في جزيرة إمرالي ببحر مرمرة منذ أن تمكنت المخابرات التركية من القبض عليه في كينيا وإعادته مكبّلاً بالأغلال إلى بلادها لمحاكمته.
لا يمكن الاسترسال في التكهن من الآن كم ستدوم مدة سجن الزعيم الكردي، وكيف ستستقبل تركيا وحكومتها مبادرته الداعية إلى حل «حزب العمال الكردستاني» الذي أسسه وقاده والذي يتعامل أعضاؤه وأنصاره مع «آبو» على أنه يتمتع ليس فقط بمهارات فكرية وقيادية وتنظيمية وسياسية، وعلى أنه رمز كفاحيّ ملحميّ، بل على أنه أيضاً بمنزلة «الملك – الفيلسوف» للأكراد، بحيث تتمازج في أحوال هالته عندهم معالم الحكمة مع شطحات الإلهام.
يطلب أوجلان من أعضاء حزبه الانعقاد في مؤتمر وبعثرة هيكلهم، وإلقاء السلاح، والانخراط في السعي السلميّ، لبناء مجتمع ديموقراطيّ مناطه التآخي بين أتراك تركيا وأكرادها. لم يعد يتحدّث عن دولة ثنائية القومية، ولا عن فدرالية. إنما عن التآخي. بعد خمسة عقود من الكفاح المسلّح المرير يقول إن الوقت حان لميثاق من التآخي.
المفارقة أنّ أوجلان يطلب من الحزب حل نفسه انطلاقاً من علمه علم اليقين بما له كشخص من سحر لامحدود على كوادر وقواعد هذا الحزب، بل على شريحة واسعة من أكراد تركيا وخارجها. كما لو أن مرجعيته الملهمة متعالية على هذا الحل، لها مقام آخر، تتبع ترتيبا مغايراً. أو ليس لها من ترتيب محدد. مطلقة ويفترض أن تستمر كذلك.
ما كان لأوجلان كل هذا قبل اعتقاله. بقاؤه في حماية نظام حافظ الأسد كان كفيلاً باستهلاكه، وإبعاده شيئاً بعد شيء عن مشاغل أكراد تركيا. باعتقاله في بحر مرمرة، غير بعيد من اسطنبول، لعبت تركيا دوراً في إكسابه هالة «الغورو» أو «المهاتما» الذي يقود الكفاح ضدها وهو في سجنها.
وهو لم يكذب خبراً منذ دأب على الابتعاد عن الترسيمة «الماركسية اللينينية» والاقتباس من الأدبيات اليسارية الأيكولوجية ذات النفس الأناركي، بحيث أخذ يبتعد سواء بسواء عن نظرية «الحزب الطليعي» أو عن ربط تقرير مصير شعب ببناء دولة لهذا الشعب لا شيء غير ذلك. برهن أوجلان مطلع هذه الألفية أنه راغب بالفعل في مغادرة قرن والانخراط في الجديد، هذا إن كان من الممكن استثناء ارتباط كل ذلك باستمرار نسج الهالة الأسطورية حوله.
هذا التحول الفكري الذي عمد إليه أوجلان قبل ربع قرن فتح الطريق لتجارب مختلفة. في سوريا، الموضوع يحتاج لتفصيل لاحق. أما في تركيا، فقد استمرت المواجهة المسلحة، إنما نشأت بالتوازي معها تجربة تشكيل الحزب العلني الانتخابي، الذي يخوض رغم التضييق عليه، بل حظره، مرة تجربة الترشح للانتخابات الرئاسية، ومرة تجربة التعاون مع مرشح اليسار الأتاتوركي بوجه تحالف رجب طيب أردوغان مع اليمين الأتاتوركي. لا يمكن التكهن إذا كان وضع أوجلان الشخصي سيتبدل بسرعة بعد مبادرته الصادمة للكثيرين، إنما التي تستكمل منطقياً المسار الذي دشنه بعد قليل من دخوله السجن، حين بدأ يبتعد عن مركزية وديمومة مقولة «الحزب الطليعي» وعن حصرية مفهوم الدولة لتحقيق حق تقرير المصير لشعب.
اللحظة الأوجلانية الحالية تشير إلى دينامية في الأفكار والحيويات القومية، وليس إلى ضمور هذه الأفكار والحيويات.
التوتر بين الفكرة القومية والدولة-الأمة سمة تكاد تلازم الحداثة السياسية. القومية، من حيث تفترض في القالب الأيديولوجي الأكثر انتشاراً لها، نشدان مجتمع متجانس، منصهر. بينما الدولة-الأمة، كتركيب سياسي، لا تشترط هذا الإجماع الثقافي المسبق، وإن كانت عملياً تبحث عن مقدار من المجانسة الثقافية واللسانية، بحدود ما يقتضيه هم التماسك الاجتماعي السياسية، أي أن المجانسة الثقافية هي بحكم الوسيلة من منظار «الدولة الأمة» وهي الغاية من قيام الدولة من منظار الفكرة والحركة القوميتين. القومية تميل إذاً إلى «التجاوز» اطار على الدولة الأمة، بقلب العلاقة بين الغاية والوسيلة، لمصلحة التماثل الثقافي، بالشكل الذي يجعل من الممكن تصور الأمة على أنها جسد جماعي تنبض فيه روح واحدة، روح لا ترتاح الا بأن يكون لهذا الجسد منزله الخاص، دولته، لكنها روح لا تنفخها في هذا الجسد هذه الدولة.
التفريق الرائج بين التصورين الفرنسي والألماني عن الأمة لا يغطي كل المعنى هنا. التصوران الفرنسي (الدولة والتاريخ والإرادة المشتركة تصنع الأمة وليس العكس) والألماني (الأمة تشتاق إلى دولة تجمع شملها وتحقق مرادها) يضاف اليهما التصور الذي ساد في الحركات القومية في أوروبا الشرقية (أقلية مثقفة تخترع أمة من خلال وصل ثقافة النخبة مع الثقافة الفلاحية في مزيج خاص) وفي البلقان العثماني (تحويل الملة الدينية إلى الأمة من خلال ربطها بمحددين ترابي ولساني، وعلمنتها الجزئية). مفارقة النموذج التركي من القومية أنه أخذ شيئاً من كل هذا. من التصورات الفرنسية والألمانية والشرق أوروبية والبلقانية العثمانية «المسيحية» عن كيفية إيجاد الأمة. الدولة تصنع للأمة لغتها في النموذج التركي (فحوى خطاب «النطق» لمصطفى كمال) لكنها أمة يقال في الوقت نفسه أنها موجودة قبل آلاف السنين من وجود الدولة، منذ أيام الحثيين، عضوية، كجسد حاضر لا ينتظر سوى دولة تحقق مراده، وهي تقتبس من الحركات القومية البلقانية، بدءا من اليونانية فالبلغارية، عملية تحويل «الملة الدينية» إلى ملة قومية.
لأجل هذا، ربما كان مغزى تجذير التحول لدى أوجلان الإدراك بأن الفكرة الكردية ينبغي، في اللحظة نفسها التي تحل الحزب وتلقي السلاح، أن تزداد مغايرة للنموذج التركي من القومية، بكل مندرجاته. لكن هل هذا يعني التخلي عن الأصل القومي للفكرة الكردية؟ هناك من يقول ذلك. ليس الأمر -على ما نراه – كذلك. بل هو طفرة جديدة من التوتر الذي لا ينتهي بين مفهوم القومية ومفهوم الدولة الأمة. انما، في حالة أوجلان، القومية الكردية تقلع تماما عن أي مطالبة بتشكيل دولة أمة خاصة بها، وعن أي مطالبة بتشكيل دولة ثنائية قومياً، لصالح البحث عن صيغة مختلفة. ما هي هذه الصيغة المختلفة؟ لامركزية؟ حقوق ثقافية ولغوية؟ منحى مساواتي تشاركيّ تصاعدي؟ تليين للسرديات الغليظة؟ شيء من كل هذا، لكن أيضاً الرهان على أن ثمة بالفعل «جمهورية كردية» غير مرئية على جانبي الحدود التركية، وأن هذه الجمهورية في خطر عندما يغريها الاغواء بأن تصير مرئية، «رسمية» وتصبح في مأمن أكثر ان تحصنت في مقام… الهيولى، تلك المادة التي لا شكل لها والتي يتشكل منها كل شيء في فلسفة أرسطو طاليس.
كاتب من لبنان
القدس العربي
——————————-
أكراد سوريا: هواجس دمشق ورسالة أوجلان/ شفان ابراهيم
01.03.2025
بين مؤتمر الحوار الوطني و رسالة أوجلان الأخيرة، أسئلة وانتقادات ومخاوف تشغل كرد سوريا ومستقبل علاقتهم مع الإدارة الجديدة في دمشق
بعث رئيس حزب العمال الكردستاني عبدالله أوجلان يوم 27 شباط/ فبراير 2025 من معتقله في جزيرة إيمرالي التركية رسالة “الدعوة من أجل السلام والمجتمع الديمقراطي” عبر وفد حزب المساواة وديمقراطية الشعوب.
ركز أوجلان في الرسالة على أهمية الحوار والتواصل والسلام بين الكرد وتركيا ، ودعا فيها إلى نزع السلاح قائلاً إنه يتحمل “المسؤولية التاريخية عن هذه الدعوة”، مختتماً: “يجب على كل المجموعات أن تلقي أسلحتها، وعلى حزب العمال الكردستاني أن يفسخ نفسه”.
تركت رسالة أوجلان صدى واضحاً بين كرد سوريا، حيث الوجود الفعلي لحزب العمال الكردستاني سواء ضمن قوات قسد، أو تحت سيطرة الإدارة الذاتية، إذ قال مظلوم عبدي قائد “قسد” إن “دعوة أوجلان لا تتعلق بالوضع السوري، بل تقتصر على حزب العمال الكردستاني فقط، وإذا تحقق السلام في تركيا فلا مبرر لمواصلة الهجمات علينا هنا في سوريا”.
وأضاف: “أوجلان أرسل لنا رسالة قبل إصدار إعلانه تؤكد خيار السلام، وأن دعوة أوجلان إيجابية لإنهاء ذرائع تركيا لمهاجمتنا”.
رحب المجلس الوطني الكردي، وهو جسم سياسي مؤلف من 17 حزباً سياسياً وممثلين عن تنظيمات شبابية ونسائية ومستقلين، بالنداء عبر بيان جاء فيه أن “نجاح هذه المبادرة يعتمد على استجابة الحزب ومقاتليه لهذه الدعوة ، إذ تمثل هذه الخطوة فرصة حقيقية لإنهاء العنف واعتماد النضال السياسي والحلول السلمية لحل القضية الكُردية في تركيا، داعياً تركيا للتعاطي الإيجابي مع النداء، وإطلاق حوار جاد يساهم في إيجاد حل عادل للقضية الكردية وترسيخ مبادئ الديمقراطية والمواطنة المتساوية”.
يقول الناشط أمين أمين لموقع “درج”: “أكراد سوريا لا علاقة لهم بهذا النداء، وإن واقعهم لن يتغير ما لم يتوصل الشرع ومظلوم عبدي الى اتفاق شامل، وما لم يُعقد اتفاق بين الأطراف الكردية”، ويرى أن “حل الحزب ووضع السلاح جانباً، سيكون مشروطاً بوجود خطوات جدية من الجانب التركي كضمان للمستقبل السياسي لكرد تركيا، حينها ينحصر قرار كرد سوريا بيدهم فقط، وستنعكس النتائج عليهم، أما في حال بقاء الوضع كما هو فلن تتغير المعادلة”.
في حديثه مع “درج”، يقول الصحافي سلام حسن: “كان يمكن للخطاب أن يؤثر على الواقع الكردي السوري لو أُصدر في فترات زمنية سابقة. كما أن “قسد” نأت بنفسها عن الخطاب، لذلك لا تأثير كبير له رغم أنه تاريخي ومفصلي، لكن الكرد في سوريا يتحضرون للاستقلال عن أي تأثيرات خارجية أو سيطرة العمال الكردستاني، وكانت هذه خطة عمل مشتركة بين ممثلي الإدارة الأميركية والفرنسية والمجلس الكردي والاتحاد الديمقراطي، أكبر أحزاب الإدارة الذاتية، لذلك فإن نتائج هذا الخطاب ستكون ضعيفة على مستوى الداخل الكردي السوري بسبب تأخره عن السياق السوري”.
مؤتمر الحوار الوطني: هاجس جديد للكرد
لا تقتصر مخاوف بعض الكرد في سوريا على هجمات ومعارك جديدة بين قسد وتركيا، أو فشل وساطة أوجلان للسلام، فهم يقولون إنها حلقة ضمن سلسلة حلقات أخرى تلعب دوراً محورياً في مستقبلهم ضمن سوريا ككل وكقضية قومية خاصة. إذ ركز الناشطون والسياسيون الكرد على انعقاد مؤتمر الحوار السوري يومي 24-25 شباط/ فبراير 2025.
وعلى رغم التأييد الكردي لمؤتمر الحوار لكن فئة كبيرة منهم، قاموا بمقاطعته، في ظل آراء سياسية وشعبية واضحة تحمل مخاوف ومطالب في آن، فهي من جهة ترى ألا سبيل للحل في سوريا من دون حوار بين الأطراف السياسية والمكونات من جهة، ومن جهة ثانية تقول النخب السياسية الكردية إنه بدون وضع حل جذري للقضية الكردية في سوريا لن تشهد سوريا استقراراً وتنمية مستدامة.
في حديثه لـ “درج” قال نافع عبد الله، عضو اللجنة المركزية للحزب الديمقراطي الكردستاني -سوريا، النظام مارس على مدار الحكومات المتعاقبة أبشع أنواع الاضطهاد بحق الشعب الكردي، ويضيف “طبق النظام السوري سياسات وممارسات عنصرية كالإحصاء الاستثنائي عام 1962، الذي تم بموجبه تجريد أكثر من ثلاث مئة ألف كردي من الجنسية السورية وخطة الحزام العربي عام 1973 حيث جُلب سوريين عرب من محافظتي حلب والرقة وتم الاستيلاء على آلاف الهكتارات وتوزيعها عليهم، كما أصدرت حكومة الأسد المرسوم رقم 49 الذي حرم على الكورد الاستملاك وبناء أي عقار إلا بموافقة خمس أجهزة أمنية”.
مضيفاً “كان يتم بشكل ممنهج استبعاد الكورد من أماكن صنع القرار السياسي وتم تهميشهم واقصائهم من كافة مؤسسات الدولة بشكل متعمد واتهامهم دوما بجهات خارجية” ووفقاً لعبد الله فإن تلك السياسات والإجراءات تسببت بخلق هواجس الخوف والفوبيا لدى الشعب الكوردي من الحكومات المتعاقبة كون لديهم تجارب عدة لا فقط تجربة واحدة”.
ووفقاً لعبد الله فإن الوضع في سوريا لا يمكن له أن يستقر “بمعزل عن إيجاد حل للقضية الكوردية في سوريا ، والسبب هو وجود شعب تم تقسيم وطنه بين أربعة دول ، إثر اتفاقية سايكس بيكو وأصبحنا بعد رسم الحدود شركاء مع الأخوة العرب في سوريا وكونهم أغلبية عددية استأثروا بالسلطة وبكافة مقدرات البلاد وحرم على الكرد حتى التكلم بلغتهم، ولا أعتقد أن يستقر الوضع في سوريا حتى يتم الاعتراف بالهوية القومية للشعب الكوردي كشعب أصيل يعيش على أرضه التاريخية وضمان ذلك دستوريا ورفع المظالم وإلغاء سياسات النظام البائد”
يضيف عبد الله:”التهديدات الأمنية على سوريا عامة وكلية وشاملة لكامل الجغرافية السورية، والكورد أصبحوا جزء خاضع لتلك التهديدات التي تستهدف مصيرهم ومستقبلهم في مناطقهم التاريخية مثل عفرين وكوباني والحسكة، ومصدر تلك التهديدات سواء الإقليمية أو حالياً خطاب الكراهية ومحاولات إقصاء وتهميشهم من المشهد السياسي والدستوري لا تزال قائمة”.
يختم نافع عبد الله:”لا مؤشرات على حملات ومعارك عسكرية أو مواجهات عسكرية، لكن عدم اتفاق الكورد فيما بينهم، وعدم الاتفاق مع دمشق يخلق تهديداً جدياً على مناطقنا التاريخية”
من جهته أضاف الناشط السياسي أمين أمين إن: “الكورد يخشون من وجود سياسات حكومية في دمشق لا تغير من الواقع الكوردي، خاصة تفضيل حكومة دمشق علاقتها مع تركيا على مصلحة الشعب الكوردي، أو عدم حل قضية الأراضي الكوردية التي صادرها النظام السوري ومنحها للعرب الوافدين من الرقة والمعروفين باسم المغمورين، نسبة لغمر نهر الفرات لمنازلهم في الرقة، واستغلال تركيا لتواجد العمال الكوردستاني في سوريا، وشن عملية عسكرية جديدة على مناطقنا” .
يضيف أمين: “عقدت حكومة تصريف الاعمال مؤتمراً قالت عنه إنه للحوار السوري، لكن بطريقة غريبة من حيث سرعة انجاز اللقاءات الحوارية، إلى سرعة تحديد الموعد وجدول العمل الغريب، حيث تم مناقشة مصير سوريا خلال يوم واحد فقط، وسبقه نصف يوم لتناول العشاء والتعارف” .
يختتم أمين حديثه: “تسعى السلطة الحالية لمعالجة القضايا خلال يوم واحد، والأكثر غرابة أن الكورد أنفسهم وجدوا أن لا وجود لهم في هذا المؤتمر، خاصة مع تصريحات من قيادات في الحكومة السورية واللجنة التحضيرية حول عدم وجود خصوصيات سياسية أو قومية في الحكومة القادمة، وما نخشاه أن تواصل الحكومة المقبلة السياسات السابقة التي طبقت تجاه الكورد ما سيزيد من عمق التوترات، وصعوبات في بناء هوية وطنية مستقلة وآمنة”.
الصحفي سلام حسن يذهب في اتجاه آخر لتفسير طبيعة العلاقة بين دمشق والكورد في مستقبل البلاد قائلاً إن “العلاقة بين الطرفين ستكون تشاركية وتفاعل، فالكرد في سوريا الجديدة هم جزء من دمشق عضويا، والعلاقة سوف تكون بينية داخلية وليس كما كانت علاقة تصادم أو انفصام وهذا طبعا يعني على اي حكومة جديدة ان تكون حكومة تمثل كل السوريين وهذا ما سوف نجده متبلورا ربما بعد ارساء الاستقرار وحدوث عمليات انتخابية نزيهة وحرة”.
ويضيف :”لا نستطيع ان نقول العلاقة مأزومة فقط بين الكرد والمركز، هناك علاقات مأزومة منذ عقود بين حكومات المركز وكل القوى والأحزاب السياسية في سورية بما فيها القوى والأحزاب السياسية الكردية، وازالة هذا الارث ربما يتطلب بعض الوقت وبناء أسس الثقة وايضا ايجاد وخلق آليات”.
من الجانب القانوني فإن الكثير من المخاوف والمطالب الكوردية تتكرر دوماً، حيث يقول المحامي جكر سلو لموقع “درج”: “نخشى الرجوع الى نقطة الصفر وتكرار إقصاء وتهميش الكرد كما فعل النظام البائد وهو ما نراه الآن من خلال عقد مؤتمر الحوار الوطني وذلك وفق قالب على مقاسهم، ولا يجوز إعادة السياسات السابقة من خلال إقرار قرارات بعيدة عن المنطق وتتعارض مع واقع التعددية التي تتشكل منها سوريا”.
ويذكر سلو أن واحدة من الممارسات “التمييزية” و”التعسف القانوني” تتضح في قرار نقابة المحامين بدمشق بتعيين أعضاء مجلس نقابة الحسكة في ظل حل الدستور والقوانين الاستثنائية، يقول سلو” تم التعيين دون الرجوع الى مبادئ ومعايير دولية وقانونية، فهُمش الكرد فيها”.
رفض كوردي رسمي لآليات المؤتمر الوطني
أصدر المجلس الوطني الكوردي، بياناً يؤيد فيه الحوار ورافضاً سياسة إقصاء المكونات والتنظيمات السياسية والقومية، وجاء في البيان إنهم يدعمون أي “جهد يسهم في الوصول إلى انتقال سياسي شامل ينهي معاناة السوريين، ويؤسس لدولة ديمقراطية لامركزية، متعددة القوميات والأديان والثقافات” كما انتقد البيان الاستعجال في عقد مؤتمر الحوار الوطني والإعلان عنه قبل يوم واحد واقصائهم “في الاعداد والتحضير” ما يعد “انتهاكاً لمبدأ وحق الشراكة الوطنية للشعب الكردي”
من جهتها أصدرت الإدارة الذاتية بياناً وصفت فيه المؤتمر بــــ”المخيب للآمال” وأن اللجنة التي “شُكِّلَت للتحضير للمؤتمر لا تمثِّلُ مكونات الشعبِ السوري… وإن المؤتمر لا يمثِّلُ الشعب السوري، ونحنُ، كجزءٍ من سوريا، ولم يتمَّ تمثيلُنا، نتحفَّظُ على هذا المؤتمر شكلًا ومضمونًا، ولن نكونَ جزءًا من تطبيقِ مُخرجاتِه”.
لا تزال هواجس الهويّة ونظام الحكم وشكل الدولة، إضافة لطبيعة العلاقة بين الدولة والدين، وقضية الحريات الفردية والعامة، وحقوق المرأة، والشراكة في السلطة والثروة، تشكل أبرز الهواجس والعوائق أمام شعور الانتماء الكردي لسورية الجديدة، فعقود التهميش المظلومية التاريخية تخيم بظلالها على العقل السياسي الكوردي.
درج
———————————————
عبد الله أوجلان يلقي السلاح… هل انتهى كابوس تركيا؟/ سمير العركي
1/3/2025
“لكل حرب سلامها”، هكذا قيل، وهكذا جرت العادة مع كل أزمة تتطور إلى مواجهات عسكرية، أنه سيأتي يوم يجلس فيه المتحاربون إلى الطاولة، لإسدال الستار على وقائع الحرب، بحسب ما انتهت إليه المدافع.
فقد شهدت تركيا مواجهات مسلحة وتهديدات أمنية على مدار أكثر من أربعة عقود مصدرها حزب العمال الكردستاني “PKK”، وامتداداته في سوريا والعراق.
إذ انطلقت في أغسطس/ آب 1984، أولى هجمات التنظيم ضد قوات الأمن التركية في ولايتي سيرت وهكاري، لتحصد سنوات المواجهة الطويلة أكثر من 50 ألف قتيل، وتؤدي إلى تعطل عملية التنمية في ولايات جنوب شرق تركيا؛ بسبب حالة الطوارئ الممتدة، والمواجهات التي لا تنقطع.
وعلى مدار عقود المواجهات كانت هناك محاولتان لحل الأزمة، الأولى عام 1993، والثانية امتدت من عام 2013 إلى 2015، لكنّ المحاولتين باءتا بالفشل.
أما محاولة “الحل” الأحدث فكانت في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، عندما أشار رئيس حزب الحركة القومية، دولت بهتشلي، في كلمته أمام الكتلة النيابية لحزبه، إلى إمكانية إطلاق سراح زعيم حزب العمال، عبدالله أوجلان، المسجون منذ عام 1999، والمحكوم بالسجن مدى الحياة، إذا دعا أتباعه إلى حل التنظيم وإلقاء السلاح.
وعقب كلمة بهتشلي، جرت تحت الجسر مياه كثيرة، إذ تم تشكيل وفد من حزب الديمقراطية ومساواة الشعوب DEM الكردي، برئاسة النائبة برفين بولدان، حيث قام بجولات مكوكية بين سجن إمرالي الموجود فيه أوجلان، وإقليم كردستان العراق، للقاء رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني، مسعود البارزاني في أربيل، إضافة إلى زعيم الاتحاد الكردستاني، بافل طالباني في السليمانية.
هذه الجهود أسفرت عن البيان المهم الذي أصدره أوجلان من محبسه، وتمت قراءته بواسطة وفد حزب DEM في أحد فنادق إسطنبول، وذلك عقب تعذر تسجيل أوجلان الكلمة بالصوت والصورة من داخل السجن لموانع قانونية.
ماذا قال أوجلان؟
إن القراءة المتأنية في البيان، تلحظ -إضافة إلى الدعوة المهمة – تطورًا فكريًا وسياسيًا واجتماعيًا واضحًا لدى أوجلان، بعيدًا عن الأفكار اليسارية الماركسية التي شكلت رؤيته ونظرته خلال العقود الماضية، وقضايا أخرى يمكن رصدها في النقاط التالية:
أولًا: لم يكن البيان موجهًا إلى الدولة، بأي شكل من الأشكال، إذ خلا تمامًا من أي مطالبات سياسية، بل كان موجهًا بشكل أساسي وصريح لحزب العمال.
ثانيًا: دعا أوجلان جميع المجموعات “المرتبطة بحزب العمال” إلى إلقاء السلاح، وطالب الحزب بعقد مؤتمره العام وإعلانه حل التنظيم، والاندماج في الدولة والمجتمع، مؤكدًا تحمله “المسؤولية التاريخية عن هذه الدعوة”.
ثالثًا: شدد أوجلان على انتفاء الأسباب التي أدت إلى تأسيس التنظيم، وذلك عقب انهيار المعسكر الشيوعي، وانتهاء حقبة التمييز ضد الأكراد، واتساع نطاق حرية التعبير في تركيا. ما أدى إلى إكمال الحزب دورة حياته و”جعل حله ضروريًا”.
رابعًا: تخلى أوجلان عن أفكاره السابقة بشأن تأسيس كيان انفصالي للأكراد، مؤكدًا أن “العواقب الضرورية للحركة القومية المتطرفة؛ الدولة القومية المنفصلة، والاتحاد الفدرالي، والاستقلال الإداري والحلول الثقافية لا يمكن أن تكون إجابة على علم الاجتماع التاريخي للمجتمع”، وهذه العبارات تضعنا بصراحة أمام نسخة معدلة من أوجلان، متسقة مع الواقعية السياسية، بعيدًا عن سجن الأيديولوجيا.
خامسًا: تذكيره بأنه “على مدار أكثر من 1000 عام من التاريخ، وجد الأتراك والأكراد دائمًا أنه من الضروري البقاء في تحالف، مع سيطرة الجانب الطوعي” متهمًا “الحداثة الرأسمالية” بالسعي لتفكيك هذا التحالف، ومطالبًا بضرورة إعادة اللُّحمة بين الطرفين مرة أخرى.
سادسًا: إشادة أوجلان بكل من الرئيس، رجب طيب أردوغان، ورئيس حزب الحركة القومية، دولت بهتشلي.
فأوجلان الذي عاش في كنف “تركيا القديمة” يدرك حجم الإصلاحات التي قام بها أردوغان لصالح الأكراد، على جميع الأصعدة الحقوقية والسياسية والثقافية والتنموية، وكيف عززت تلك الإصلاحات من وجود الهوية الكردية، وجودة الحياة في ولايات الجنوب الشرقي، حيث يقطن أغلب الأكراد.
ماذا بعد البيان؟
تعامل المجتمع الكردي مع البيان بإيجابية واضحة، حيث تم إقامة شاشات عملاقة في ولايتي ديار بكر وفان، لمشاهدة إعلان البيان، وطغت الأجواء الاحتفالية على تلك التجمعات، فرحًا بقرب طي صفحات تلك الحقبة تمامًا.
على المستوى السياسي، أتى أول رد فعل من نائب رئيس حزب العدالة والتنمية، أفقان آلا “الذي كان وزيرًا للداخلية أثناء محاولة الحل عام 2013″، حيث أشار إلى أن البيان ليس موجهًا للسلطة الحاكمة، فجوهر الدعوة “هو إلقاء السلاح وحل المنظمة الإرهابية”، وأضاف: “نحن ننظر إلى النتيجة، إذا استجابت المنظمة الإرهابية لهذا النداء وألقت سلاحها وحلت نفسها فإن تركيا ستتحرر من قيودها”.
بعبارة أخرى، فإن نائب رئيس الحزب الحاكم، ألقى بالكرة في ملعب حزب العمال، مشيرًا إلى أن بيان أوجلان ليس سوى البداية، وأن الحكومة لن تتحرك الآن إلا بعد أن يأخذ حزب العمال زمام المبادرة ويحول دعوة أوجلان إلى إجراءات ملموسة.
عمليًا فإن دعوات إلقاء السلاح داخل تركيا، لم تعد مثل الماضي، إذ نجحت العمليات الأمنية المتعاقبة منذ عام 2015 في شلّ قدرات التنظيم، وإجباره على إخلاء معاقله التقليدية في ولايات الجنوب الشرقي، وفي المناطق الجبلية، والتي كان ينطلق منها لشنّ العمليات الإرهابية ضد قوات الأمن والمدنيين على حد سواء.
حتى إن الهجوم الإرهابي الذي استهدف شركة الصناعات الجوية والفضائية “توساش” في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، تم التخطيط له في شمال سوريا، كما أن الدفع بالمنفذين تم من هناك إلى داخل تركيا.
أيضًا فإن نجاح “عملية الحل” سيؤدي إلى تعزيز شعبية حزبي العدالة والتنمية والحركة القومية، باعتبارهما شريكين في ذلك الإنجاز، الذي حاول من قبل زعماء أتراك إنجازه دون جدوى، بل إن أردوغان نفسه كاد أن يدفع ثمن تصديه لعملية الحل عام 2013-2015 من مستقبله السياسي.
فملف الحل كان معقدًا جدًا بشكل تتداخل فيه الحقائق بالأساطير في المخيال العام التركي، ولم يكن من السهل على الزعماء السابقين الاقتراب منه إلا بقدر محدود، قبل أن نقف اليوم على أعتاب غلق ملف حزب العمال برمته.
ماذا عن سوريا؟
كان أوجلان واضحًا في دعوته “جميع المجموعات” إلى إلقاء السلاح، ومن المعروف أن الهيكل الإداري للتنظيم يضم جميع الوحدات العاملة في سوريا، مثل وحدات الحماية الكردية “YPG”، والفرع النسائي لوحدات الحماية “YPJ”، وحزب الاتحاد الديمقراطي “PYD”.
لكن في أول تصريح لرئيس حزب الاتحاد السابق، صالح مسلم، بدا وكأنه يتهرب من استحقاقات الدعوة، إذ قال: “لن تكون هناك حاجة للسلاح إذا سُمح لنا بالعمل السياسي. وإذا اختفت أسباب حمل السلاح فسوف نتخلى عنه”. وهي عبارات فضفاضة ومشروطة تفتح الباب أمام مزيد من الابتزاز للسلطة الجديدة في سوريا، خاصة في ظل سيطرة وحدات الحماية، على عين العرب “كوباني” وحيي الأشرفية، والشيخ مقصود في حلب.
أما قوات سوريا الديمقراطية “قسد”، التي تسيطر على شمال شرق سوريا، وتتألف من مقاتلين عرب وأكراد، فمن المعروف أنها واحدة من أقنعة حزب العمال في سوريا مثلها مثل وحدات الحماية، وتعمل تحت إشراف القوات الأميركية بزعم محاربة تنظيم الدولة، فقد سارع قائدها مظلوم عبدي إلى غسل يديه من الدعوة بقوله: “إن إعلان أوجلان يتعلق بحزب العمال الكردستاني، ولا علاقة له بنا في سوريا”.
تصريح عبدي يؤشر إلى إصراره على الاحتفاظ بقواته، ومواصلة السيطرة على أجزاء واسعة من سوريا بشكل غير قانوني، ومع فشل الحوار بينه وبين دمشق في التوصل إلى رؤية تحفظ للدولة تماسكها واستقلالها، وتواصله وتنسيقه مع مجموعات أخرى مثل الدروز والعلويين لدعم اللامركزية، فإنه يبدو أن خيار الحسم العسكري بات هو الأقرب حتى الآن.
وأخيرًا:
إن بيان أوجلان، سيحدث حالة من النقاش الواسع داخل الحالة الكردية، خاصة في سوريا والعراق، ولن يكون الامتثال لمفرداته أمرًا سهلًا، حتى مع الرمزية التاريخية لأوجلان، إذ لا يزال في معسكرات التنظيم في جبال قنديل، قيادات أخرى لها رمزيتها مثل جميل بايق، ومراد كارايلان، وغيرهما.
لكن الدعوة بمضامينها الفكرية التأصيلية، ستحدث شرخًا داخل الحواضن الشعبية للتنظيم، وستتآكل القناعات العنيفة، لصالح الإيمان بضرورة التسويات السياسية السلمية، بعيدًا عن لغة السلاح.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
كاتب وباحث في الشؤون التركية
الجزيرة
—————————-
حزب العمال الكردستاني يعلن وقف إطلاق النار مع تركيا استجابةً لدعوة أوجلان/ صفاء الكبيسي
01 مارس 2025
أعلن حزب العمال الكردستاني، اليوم السبت، الامتثال لدعوة زعيمه المسجون عبد الله أوجلان إلى التخلي عن السلاح وإعلان وقف فوري لإطلاق النار، في خطوة مهمة لإنهاء صراع مستمر منذ 40 عاماً مع أنقرة.
وقال بيان للجنة التنفيذية للحزب: “استجابةً لنداء القائد (أوجلان) للسلام والمجتمع الديمقراطي، نعلن وقفاً لإطلاق النار اعتباراً من اليوم، وأنه رغم أي هجمات قد تُشن، فإن قوات الحزب لن تبادر إلى تنفيذ عمليات عسكرية”. وأضاف الحزب أنه يأمل أن تطلق أنقرة سراح أوجلان المحتجز في عزلة تامة تقريباً منذ 1999 كي يتسنى له قيادة عملية نزع السلاح. كذلك تحدث الحزب عن حاجة لوضع شروط سياسية وديمقراطية لإنجاح العملية.
ووفقاً للبيان المعنون بـ”إلى شعبنا الوطني والرأي العام”، فإن نداء أوجلان “يأتي في سياق عملية تاريخية بدأت في كردستان والشرق الأوسط، وأن هذه الخطوة سيكون لها تأثير كبير بتطور القيادة الديمقراطية والحياة الحرة على مستوى العالم”، مشدداً على أن “إطلاق نداء بهذا الشكل خطوة في غاية الأهمية، لكن تحقيقه بنجاح أكثر أهمية، وأن حزب العمال الكردستاني يلتزم هذا النداء مباشرةً، وسيتخذ خطوات وفقاً لضروراته ومتطلباته”. وأضاف البيان أن الحزب “يدخل مرحلة جديدة من النضال، مستفيداً من الرؤية الاستراتيجية للقائد (أوجلان) والتجربة التاريخية للحزب، من أجل تحقيق أهدافه عبر نهج سياسي ديمقراطي”.
وتابع أن “تحقيق قضايا مثل نزع السلاح لا يمكن أن يتم إلا من خلال القيادة العملية للقائد”، مبدياً استعداده “لعقد المؤتمر وفقاً لطلب القائد أوجلان، ولكن تحقيق ذلك يتطلب توفير الظروف المناسبة، وأنه لنجاح هذا المؤتمر، ينبغي أن يكون القائد أوجلان هو الموجه الرئيسي له”.
“َضمان حرية” أوجلان
وشدد الحزب على أن “تحقيق نداء السلام والمجتمع الديمقراطي بشكل ناجح، وضمان التحول الديمقراطي في تركيا والشرق الأوسط عبر حل ديمقراطي للقضية الكردية، يتطلب توفير الشروط اللازمة لضمان حرية القائد عبد الله أوجلان جسدياً وفكرياً وسياسياً”، داعياً الى “إزالة جميع العقبات أمام رفاق القائد آبو (أوجلان) كي يتمكنوا من التواصل معه دون قيود”.
وتابع بأن “نداء القائد آبو ليس نهاية، بل بداية جديدة”، مضيفاً: “كما ورد بوضوح في البيان، هناك العديد من الأمور التي كان ينبغي تنفيذها خلال السنوات الـ35 الماضية، وخصوصاً خلال العشرين عاماً الأخيرة، لكنها لم تُنفذ رغم المطالبات المستمرة”، مشدداً على أن “الآن بات من الضروري تنفيذها دون تأخير”.
وقال أوجلان في الإعلان الذي تلاه، يوم الخميس الماضي، وفد من نواب “حزب المساواة وديمقراطية الشعوب” (ديم) المؤيد للأكراد، الذي زاره في سجنه في جزيرة إيمرلي، قبالة إسطنبول، إن “على جميع المجموعات المسلحة إلقاء السلاح وعلى حزب العمال الكردستاني حل نفسه”، وأكد أنه يتحمل “المسؤولية التاريخية عن هذه الدعوة”. وتأسس حزب العمال الكردستاني عام 1978، وتعتبره تركيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي “إرهابياً”. وأطلق تمرداً مسلحاً ضد أنقرة عام 1984 لإقامة دولة كردية. وخلّف هذا الصراع أكثر من 40 ألف قتيل منذ 1984.
الرئيس التركي خلال كلمته بإسطنبول، 28 فبراير 2025 (Getty)
ورأى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أمس الجمعة أن دعوة أوجلان تشكل “فرصة تاريخية”. وقال الرئيس التركي خلال مشاركته في إحدى الفعاليات في إسطنبول: “لدينا فرصة تاريخية للتقدم نحو هدف تدمير جدار الإرهاب”. وأكد أردوغان أن تركيا “ستراقب من كثب” لضمان أن تصل المحادثات لإنهاء التمرد إلى “نهاية ناجحة”، محذراً من أي “استفزازات”.
كذلك قال المتحدث باسم حزب العدالة والتنمية عمر جليك للصحافيين في إسطنبول إن الدعوة ستعزز طموحات الحكومة في “تركيا بلا إرهاب” إذا استُجيب لها، لكنه أضاف أنه لن يكون هناك تفاوض أو مساومة مع حزب العمال الكردستاني. وأوضح قائلاً: “بغض النظر عن الاسم الذي تستخدمه، يجب على المنظمة الإرهابية أن تلقي سلاحها، إلى جانب جميع عناصرها وامتداداتها في العراق وسورية”.
ودعت أنقرة مراراً “قوات سوريا الديمقراطية” إلى نزع سلاحها منذ إسقاط نظام بشار الأسد في 8 ديسمبر/كانون الأول الماضي، محذرة من أنها قد تواجه عملاً عسكرياً. ولاقت دعوة أوجلان، التي كانت نتيجة اقتراح مفاجئ في أكتوبر/تشرين الأول الماضي من أحد الحلفاء القوميين للرئيس التركي، ترحيباً من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وحلفاء غربيين آخرين، بالإضافة إلى العراق وإيران.
العربي الجديد
——————————
أسئلة عدة في تركيا بعد دعوة أوجلان إلى السلام
أردوغان قد يتمكن من حشد النواب المؤيدين للأكراد لإجراء تعديل دستوري يسمح له بالترشح للانتخابات الرئاسية
السبت 1 مارس 2025
يبدو إطلاق سراح أوجلان البالغ 75 سنة والمسجون في جزيرة قبالة إسطنبول منذ عام 1999 أمراً غير مرجح نظراً إلى التهديدات التي تطاوله.
تطرح دعوة الزعيم الكردي عبدالله أوجلان حزب العمال الكردستاني إلى طي صفحة النزاع المسلح المتواصل منذ أربعة عقود أسئلة عدة من دون أجوبة حول تبعاتها السياسية في تركيا ووضع الأكراد الذين يشكلون نحو 20 في المئة من سكان البلاد.
وتتوج رسالة مؤسس الحزب المسجون في تركيا منذ 26 عاماً الحوار الذي بدأته معه السلطات التركية في أكتوبر (تشرين الأول) 2024.
ويبدو إطلاق سراح أوجلان البالغ 75 سنة والمسجون في جزيرة قبالة إسطنبول منذ عام 1999 أمراً غير مرجح نظراً إلى التهديدات التي تطاوله، لكن توقع بيرم بالجي من مركز الأبحاث الدولية في باريس أن “قد تطرأ تعديلات كبيرة على تدابير سجنه”.
حل الحزب لا يعني نهاية القضية الكردية
على المستوى الأيديولوجي لفت المؤرخ حميد بوزرسلان من كلية الدراسات العليا في العلوم الاجتماعية في باريس إلى أن أوجلان “اعترف بأن حزب العمال الكردستاني ولد في سياق معين، انتهى حالياً”. وأضاف، “لكن من الواضح أن حل الحزب لا يعني نهاية القضية الكردية: لقد أصر على التحول الديمقراطي لتركيا”.
وتابع أن أوجلان من ناحية أخرى “لم يفعل ما كانت تركيا تتوقعه منه، أي إدانة الإرهاب والإعلان عن نهاية الإرهاب”، وفق تعبيره، بعد أربعة عقود على بدء النزاع الذي خلف أكثر من 40 ألف قتيل.
ورأى أستاذ العلوم السياسية في جامعة سابانجي في إسطنبول بيرك إيسن أن هذا المسار يستجيب في المقام الأول لمشكلة محلية. واعتبر أنه بعد الهزيمة الثقيلة التي لحقت بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان وحزبه “العدالة والتنمية” الإسلامي المحافظ الحاكم منذ عام 2002 في الانتخابات البلدية في مارس (آذار) 2024، “أصبح من الواضح أنه من دون حصول تغييرات كبيرة” فإنه يجازف بخسارة الانتخابات المقبلة، بما في ذلك الانتخابات الرئاسية في عام 2028.
ولفت إيسن إلى أنه مع صعود رئيس بلدية إسطنبول المعارض الشهير أكرم إمام أوغلو الذي يخشاه إردوغان، “شعر بأنه مضطر إلى اتخاذ إجراءات”.
إلى ذلك تأمل أنقرة أن تحصل من الإدارة السورية على طرد مقاتلي حزب العمال الكردستاني الأتراك الموجودين في شمال شرقي سوريا عند حدودها إلى جانب قوات سوريا الديمقراطية (قسد).
واعتبر الرئيس التركي أمس الجمعة أن دعوة أوجلان تشكل “فرصة تاريخية” لـ”تدمير جدار الإرهاب”، وأكد أن تركيا “ستتابع من كثب” العملية التي بدأت لضمان أن تصل إلى “نهاية ناجحة”.
وأضاف أردوغان الجمعة، “عندما تتم إزالة ضغط الإرهاب والسلاح فإن مساحة الديمقراطية في السياسة سوف تتسع بصورة طبيعية”.
تعديل دستوري
ورأى بيرم بالجي أن أردوغان قد يتمكن من حشد النواب المؤيدين للأكراد لإجراء تعديل دستوري من شأنه أن يسمح له بالترشح للانتخابات الرئاسية في عام 2028.
ولفت المحلل في شركة “فيريسك مابلكروفت” الاستشارية هاميش كينيار إلى أن أردوغان قد يفكر في “نوع من اتفاق عدم اعتداء مع حزب المساواة وديمقراطية الشعوب (ديم) المؤيد للأكراد في مقابل بعض التنازلات في مجال الحقوق الثقافية واللغوية للأكراد”.
“حملة قمعية”
توازياً مع المفاوضات مع أوجلان صعدت الحكومة التركية القمع: تم فصل 10 رؤساء بلديات مؤيدين للأكراد ينتمون إلى حزب المساواة وديمقراطية الشعوب من مناصبهم، واعتقال مئات الأشخاص بتهمة “الإرهاب”.
وقال مدير الأبحاث في شركة الاستشارات الجيوسياسية “مارلو غلوبال” أنتوني سكينر، “لوَّح أردوغان باحتمال حصول السلام، بينما واصل حملة قمعية وأمنية”. وأضاف، “أتوقع أن يستمر ذلك حتى يحصل على شروط مواتية قدر الإمكان”.
وقال سيدات يورطاش، من مركز دجلة للبحوث الاجتماعية في ديار بكر (جنوب شرقي تركيا)، إن هذه الحملة “استهدفت سياسيين يُعدون مقربين من حزب العمال الكردستاني في قنديل”، وهي منطقة في شمال العراق يتمركز فيها مقاتلون تابعون للحزب. ورأى أن هذا الأمر قد يُستخدم حالياً “كتهديد لأولئك الذين يعارضون دعوة (أوجلان) أو لا يدعمونها علانية”.
———————
أكراد سوريا يتملصون من دعوة أوجلان.. التمسك بالسلاح والمكاسب/ منصور حسين
السبت 2025/03/01
وضعت دعوة الزعيم الكردي عبد الله أوجلان إلى التخلي عن السلاح، وحل حزب العمال الكردستاني، التنظيمات والمليشيات المسلحة الكردية المنتشرة في سوريا، وفي مقدمتها قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، أمام مفترق طرق، وتطور جديد على الصعيدين السياسي والشعبي.
وفي بيان تلاه وفد من نواب حزب “الشعوب للعدالة والديمقراطية” التركي المؤيد للأكراد، الذي زاره في وقت سابق الخميس الماضي، قال أوجلان: “اعقدوا مؤتمركم واتخذوا قراراً.. يجب على كل المجموعات إلقاء أسلحتها ويجب على حزب العمال الكردستاني حلّ نفسه”.
وأضاف أوجلان القائد المؤسس لحزب العمال، والذي يقضي عقوبة السجن مدى الحياة في سجن بجزيرة إيمرالي الواقعة جنوب بحيرة مرمرة، غرب تركيا: “أدعوا إلى إلقاء السلاح، وأتحمل المسؤولية التاريخية لهذه الدعوة”، مؤكداً عودة القنوات السياسية والديمقراطية المغلقة إلى الانفتاح من جديد.
التفاف متوقع
وكما كان متوقعاً، سارع قادة الجماعات والتنظيمات المسلحة الكردية، وفي مقدمتها قسد، للخروج واستثناء مليشياتهم من النداء، الذي اعتبروه خاصاً بالمقاتلين والجماعات المرتبطة بالحزب وعملياتهم العسكرية في تركيا، وتأكيدهم على دعم أوجلان في رسالة منفصلة، لعملهم “من أجل السلام في سوريا ومحاربة تنظيم داعش”.
بدوره أعلن قائد مليشيا حزب الاتحاد الديمقراطي صالح مسلم، أحد المكونات التابعة لحزب العمال في سوريا، رفض دعوة أوجلان، معتبراً أن أجواء النضال الديمقراطي غير متوفرة في سوريا، مضيفاً “عندما تتوقف الهجمات ضدنا تنتفي أسباب حمل السلاح”.
ومن المفترض أن تجري القيادة المركزية لحزب العمال الكردستاني اجتماعاً خاصاً خلال اليومين المقبلين، لتبيان موقفهم من دعوة أوجلان، إن كان بالاستجابة الكاملة أو تحديدها بالمقاتلين على الأراضي التركية فقط.
في الطريق لرفض الدعوة
ويرى الباحث السياسي علي تمي، أن طرح أي حل يدعو إلى تفكيك الجماعات الأيدلوجية لنفسها، ضرب من الخيال، خاصة وأن حزب العمال صار لديه امتداد كبير وعلاقات دولية.
ويقول تمي لـ”المدن”: “أي دعوة للسلام وقبولها يُعدّ بمثابة انتحار لهذه الجماعات، خصوصاً حزب العمال الذي أنشأ دولة داخل سوريا والعراق، مستغلاً المظلومية الكردية، ولديه أنصار بالآلاف في أوروبا ويمتلك منظومة من القنوات الفضائية”.
ويضيف “بعد أن أصبح الحزب متحكماً بحدود أربعة دول، ويُستقبل قادته في العواصم الأوربية ويستقبلون الوفود في الحسكة، ويسيطر على خطوط تجارة واسعة، مكنته من ابتزاز الحكومة السورية إضافة إلى ورقة النفط والغاز، فإن مسألة حل نفسه والعودة إلى حياة التشرد، يعدّ ضرباً من الخيال”.
قرار قسد المعقد
أما بالنسبة لقوات سوريا الديمقراطية، يعتبر الباحث في مركز رامان للبحوث بدر ملا رشيد، أن توضيح قرار نأي قواتها عن إعلان أوجلان، يتطلب الإلمام بالعديد من الجوانب لتحليل موقفها، خصوصاً وأنها تعد من أدوات التحالف الدولي لمواجهة تنظيم داعش في سوريا.
ويقول ملا رشيد لـ”المدن”: قرار إلقاء السلاح وإن كان جزء منه يعود لقسد، إلا أن القرار الرئيسي مرتبط بموافقة التحالف الدولي، إضافة إلى أن معظم عناصرها من قوميات سورية مختلفة، وبالتالي فإن إلقاء السلاح يفترض أن يجري في سياق دمجهم ضمن مؤسسات الدولة العسكرية، بحسب سير المفاوضات مع السلطات في دمشق، وموقف التحالف الدولي والقوى السياسية شرق سوريا”.
وفي حال خروج عناصر حزب العمال، فيُفترض أن تتجه قسد للتفاوض بجدية أكبر مع دمشق، باعتبارها منظمة عسكرية سورية، ولديها فعلاً قابلية الانخراط داخل الجيش السوري مستقبلاً، بحسب رشيد.
الشارع الكردي منقسم
ومع ذلك، لا يبدو أن نداء أوجلان قد لاقى آذاناً صاغية من قبل قادة الأكراد وعناصرهم في سوريا، حيث تزامن مع خروج عناصر تابعين للإدارة الذاتية في مدينة الرقة، في مظاهرات رافضة لنداء ترك السلاح، إضافة إلى قيام وحدات حماية الشعب والاتحاد الديمقراطي برفع السواتر الترابية، في حي الشيخ مقصود بحلب، على طول خطوط التماس مع الجيش السوري.
لكن ملا رشيد يؤكد أن “شريحة واسعة من الشارع الكردي المدني في سوريا، الذين ارتبط مصيرهم بوجود قسد، مؤيدون للسلام مع دمشق، لكن ضمن مطالب تضمن حقوق الكرد ويحميها الدستور”.
تظهر تصريحات قادة الجماعات الكردية في سوريا نيتهم الاستمرار في القتال، وهو ما يجعلهم أمام واقع العملية العسكرية التركية في حال تعنتها، خصوصاً بعد تحقيق أنقرة السلام مع حزب العمال الكردستاني داخل أراضيها.
المدن
————————–
دعوة أوجلان تمنح العراق فرصة الخلاص من العبء التاريخي لحزب العمال الكردستاني
مصداقية لمقاربة الحزب الديمقراطي وفرصة للاتحاد الوطني للإفلات من الضغوط التركية.
السبت 2025/03/01
فرصة لطي صفحة دامية من تاريخ المنطقة
دعوة مؤسس حزب العمال الكردستاني عبدالله أوجلان لإلقاء السلاح والانخراط في حل سلمي للصراع ضدّ تركيا لا يعتبر فقط مكسبا لأنقرة، بل يمثّل أيضا فرصة للعراق للتخلص من تبعات صراع مزمن وجد نفسه طرفا فيه دون أن تكون له أيّ مصلحة من ورائه، عدا الخسائر التي جناها على مختلف الصعد الأمنية والاقتصادية والسياسية.
بغداد- تفتح إمكانية السلام التي أصبحت قائمة بين تركيا وحزب العمال الكردستاني بعد الدعوة التي أطلقها الزعيم التاريخي للحزب عبدالله أوجلان لإلقاء السلاح، للعراق فرصة التخلّص من العبء الأمني والسياسي وحتى الاقتصادي الذي تحمّله على مدى أربعة عقود من تواجد هؤلاء المقاتلين الأكراد على أرضه.
ومن شأن إنهاء وجود مقاتلي الحزب في مناطق شاسعة من الشمال العراقي سلميا أن يرفع الحرج عن بغداد التي ظلت دائما موضع ضغوط تركية باعتبارها متنازلة عن سيادة الدولة على جزء من أراضيها ومشاركة في احتضان منظمة إرهابية وفق التوصيف التركي، كما من شأنه أن يفتح الطريق للمزيد من التعاون بين تركيا والعراق في نطاق مساعي الأخير لتنويع شراكاته مع بلدان المنطقة وإعادة التوازن لعلاقاته الإقليمية المختلة لمصلحة إيران.
كما ينطوي الأمر على مصلحة اقتصادية وتنموية مباشرة وآنية تتمثّل في تهيئة الأرضية الأمنية والسياسية لإنجاز مشروع طريق التنمية المشترك بين العراق وتركيا والإمارات وقطر والذي من المقرر أن يربط مياه الخليج بالحدود التركية عبر الأراضي العراقية بما في ذلك مناطق الشمال التي ينتشر في عدد منها مقاتلو حزب العمال الكردستاني.
إقليم كردستان العراق أكثر تضررا من صراع تركيا مع حزب العمال كون أغلب فصول الحرب دارت على أرضه
وشهدت العلاقات التركية – العراقية مؤخّرا قفزات نوعية شملت الملف الأمني وتحديدا قضية حزب العمال الذي أبدت بغداد توافقا كبيرا مع أنقرة بشأنه وأعلنته تنظيما محظورا داخل الأراضي العراقية.
وتسبب انتشار مقاتلي الحزب منذ مطلع تسعينات القرن الماضي على مساحات عراقية تقدّر بقرابة الثمانية آلاف متر مربع متفرقة بين عدة محافظات بحالة من عدم الاستقرار الأمني خصوصا وأنه استدرج تدخلا عسكريا تركيا تزايد نطاقه خلال السنوات الأخيرة وتحوّل في بعض الأحيان إلى تواجد مستمر من خلال إقامة عدد من القواعد وشق شبكة مسالك تربط بينها وتصلها بالأراضي التركية، ما جعل الحكومات العراقية بما في ذلك الحكومة الحالية برئاسة محمد شياع السوداني عرضة لانتقادات ومزايدات من قوى سياسية موالية في الغالب لإيران ولا تتردّد في اتهامها بالتفريط في السيادة الوطنية وعدم الجدية في حماية أراضي البلاد من التدخل العسكري الأجنبي.
ويُعتبر إقليم كردستان المتمتع بحكم ذاتي في نطاق الدولة الاتحادية العراقية المتضرّر المباشر من تواجد مقاتلي حزب العمّال في العراق كون معظم حلقات الصراع المسلح للحزب ضد القوات التركية دارت على أراضي الإقليم وتسببت في أضرار مباشرة لسكانه وأعاقت استقرار العديد من المناطق وعطلت تنميتها.
وجاءت دعوة أوجلان التي وجهها من محبسه التركي في جزيرة إمرالي لإلقاء السلاح والانخراط في عملية سلمية مع تركيا لتضفي مصداقية على منظور قيادات كردية عراقية وتحديدا قيادة الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني لقضية حزب العمال، ولتُبرز فاعلية الجهد السلمي الذي انخرط فيه بارزاني نفسه وظهر مؤخرا إلى العلن من خلال عقده اجتماعات مع جهات كردية منخرطة في الصراع ضد تركيا بما في ذلك استقباله مؤخرا وفدا من حزب المساواة وديمقراطية الشعوب أطلق عليه إعلاميا اسم وفد إمرالي في إشارة إلى الجزيرة التي يسجن فيها أوجلان.
وأثارت دعوة أوجلان حالة من الارتياح في إقليم كردستان وعموم العراق عبّرت عنها وزارة الخارجية العراقية في بيان رحّبت فيه بالدعوة واعتبرتها “إيجابية في تحقيق الاستقرار في المنطقة وخطوة بالغة الأهمية نحو تعزيز الأمن، ليس فقط في العراق بل في المنطقة بأسرها”.
وشدّدت الوزارة في بيانها على أن “الحلول السياسية والحوار هما السبيل الأمثل لمعالجة الخلافات وإنهاء النزاعات”.
ودعا أوجلان الخميس حزب العمال الكردستاني الذي أسّسه إلى إلقاء السلاح وحلّ نفسه، في إعلان تاريخي صدر بعد أربعة عقود من النزاع المسلح الذي يخوضه الحزب مع أنقرة.
وأعربت الخارجية العراقية عن أملها “في أن تُترجم هذه الدعوة إلى خطوات عملية وسريعة لإلقاء قوات الحزب سلاحها”.
وشدّدت الحكومة العراقية المركزية في الأشهر الأخيرة لهجتها ضد حزب العمال الكردستاني وصنّفته منظمة محظورة.
وطالبت تركيا بغداد ببذل جهود أكبر في هذه القضية. وفي منتصف أغسطس الماضي وقّع البلدان اتفاق تعاون عسكري يتعلق بإنشاء مراكز قيادة وتدريب مشتركة كجزء من الحرب ضد الإرهاب. وأكّدت الخارجية العراقية في بيانها التزام الحكومة الاتحادية “بالعلاقات القوية مع الجارة تركيا”.
واتخذ الترحيب في كردستان العراق بخطوة أوجلان بعدا أكبر كون أكراد البلاد أكثر تشابكا مع الصراع بين تركيا وحزب العمال بحكم العامل القومي وأيضا بسبب معاناتهم المباشرة أمنيا واقتصاديا وتنمويا من تداعيات ذلك الصراع المزمن.
وأعرب المرجع الكردي زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود بارزاني عن أمله بأن تكون دعوة أوجلان للسلام، “بداية لوضع العملية السلمية في مسارها“.
وعبْر بيان رسمي قال بارزاني “نؤكد موقفنا الثابت إزاء عملية السلام والتسوية في تركيا، ونعلن دعمنا الكامل للعملية بكل ما يمكن من منطلق رؤيتنا بأن السلام هو السبيل الصحيح الوحيد لحل الخلافات.
وأضاف “نأمل بأن تكون رسالة السيد أوجلان بداية لوضع عملية السلام في مسارها والتوصل إلى نتيجة تصب في مصلحة جميع الأطراف“.
كما رحب رئيس إقليم كردستان نيجيرفان بارزاني من جهته بدعوة زعيم حزب العمال داعيا إلى “الالتزام بالدعوة وتنفيذها،” ومبديا استعداد الإقليم لتقديم كل الدعم لعملية السلام والقيام بدور المساعد لها والتعاون في إنجازها.
وأصدر رئيس حكومة إقليم كردستان مسرور بارزاني من جهته بيانا أكد فيه دعمه للحلول السلمية في المنطقة. وقال في بيانه “نعرب عن ترحيبنا وتأييدنا لأيّ محاولة هادفة لحل المشاكل في المنطقة بالسبل السلمية،” مؤكّدا أن إقليم كردستان “كان على الدوام عاملا محوريا للسلام والاستقرار في المنطقة،” ومضيفا “نؤكد من هذا المنطلق استعدادنا لتقديم كل أشكال التعاون والاضطلاع بأيّ دور في سبيل إنجاح عملية السلام في تركيا.”
وكان لافتا ضمن مواقف القيادات الكردية العراقية من دعوة أوجلان، موقف الاتحاد الوطني الكردستاني ممثلا برئيسه بافل طالباني من الدعوة ذاتها.
ويكتسي ملف حزب العمال حساسية خاصة للاتحاد الوطني الذي يقيم علاقات متينة مع الحزب جعلته موضع اتهام من قبل تركيا باحتضان مقاتليه في مناطق نفوذه ومساعدته في حربه ضدّ القوات التركية.
وخضع الاتحاد بسبب ذلك لضغوط تركية وصلت حدّ التهديد باستخدام القوة العسكرية ضدّه. ولهذا السبب جاءت دعوة أوجلان للسلام بمثابة سُلّم لحزب طالباني للنزول من الشجرة الشاهقة التي اعتلاها.
ورحب رئيس الاتحاد بدعوة زعيم حزب العمال الكردستاني واصفا إياها بـ”الرسالة المسؤولة والمطلوبة في المرحلة الحالية.”
وقال في بيان “إن الرسالة تأتي بهدف توحيد صفوف الكرد والبحث عن حل سلمي للمشكلات وفق مبدأ الشراكة لبناء مستقبل مشرق وآمن لشعب كردستان.” وأكد أن حزبه “يعتبر هذه الرسالة خطوة هامة لبداية مرحلة جديدة نحو تعزيز التلاحم والأخوة بين الكرد والترك،” مشيرا إلى “أهمية عدم إهدار هذه الفرصة التاريخية.”
——————————
أوجلان.. لقد حان الوقت لإلقاء السلاح/ حاتم خاني
إلقاء السلاح في الوقت الحاضر هو الخيار الأمثل بالنسبة إلى النضال الكردي في ساحة نضالهم الداخلية ولكن مع الحصول على ضمانات بعدم ملاحقة كوادرهم وأعضائهم.
السبت 2025/03/01
لو سلمنا بأن عبدالله أوجلان يتمتع بكامل قواه العقلية بعد طول الفترة التي قضاها ويقضيها تحت الضغط التركي في سجنه، فليس سهلا أن يتخلى حزب العمال الكردستاني عن السلاح بعد هذه المراحل الطويلة التي قاوم فيها وسقط فيها الآلاف ممن ضحوا بحياتهم في سبيل تحقيق تلك الأهداف التي من أجلها تأسس هذا الحزب ولاسيما أنه لم يتم تحقيق الأهداف المطلوبة، وكذلك لم تتخذ تركيا أيّ خطوة تتطلب توجه الحزب إلى الإعلان عن حلّ نفسه وإلقاء السلاح، والدعوة التي جاءت من دولت بهتشلي إنّما هي دعوة غير رسمية ولا تمثل الرأي الحكومي أو الشعبي بدليل أن تركيا تقوم بتصعيد التوتر في المنطقة بصورة مستمرة ولا يدل هذا على أنها ماضية في عملية السلام التي يقنع الكرد أنفسهم بالتوصل إلى اتفاق مع أولئك الأتراك.
تمثل القوة احد الوسائل المستخدمة لانتزاع الحقوق وهي التي نجحت في الكثير من الثورات التي حصلت فيها الشعوب على حرياتها، وهنا مع حزب العمال الكردستاني كانت هي السبب في إعادة القضية الكردية في تركيا إلى الوجود بعد أن اعتقد الأتراك بأنهم تمكنوا من القضاء على القومية الكردية بالتمام والكمال، وعلى الرغم من صفة الإرهاب التي التصقت بالحزب، نتيجة موقع تركيا وقوتها التي تتمتع بها في حلف الناتو. إلا أن الحزب استطاع إقناع العالم بان هناك شعبا آخر يعيش إلى جانب الأتراك وهو يتطلع إلى الحرية التي هي غائبة عنه بسبب أن هذا العالم نفسه يغلق عينيه إرضاء لتركيا التي يحتاجون إليها في مجابهة القوى الأخرى وكانت في وقتها المعسكر الشرقي.
الواقع يشير إلى عدم قدرة الحزب على تحقيق أيّ تقدم وأيّ انتصار على الجيش التركي، بل إن العكس بدأ يترك آثاره السلبية على استمرارية الحزب وبدأ الحزب يخسر كوادره وقوّته البشرية وبأقل الخسائر بالنسبة إلى تركيا
إذن كيف سيقنع الحزب عوائل أولئك الشهداء الذين دفعوا حياتهم ثمنا لبقاء السلاح بيد الحزب، وهل يدرك مسؤولو الحزب بأنه في حالة إلقاء السلاح فسوف لن يكون بمقدورهم لملمة صفوفهم والعودة إلى النضال المسلح. ثم ما هي الضمانات التركية بأنها لن تحاكم أعضاء الحزب، وأين سيتجه هؤلاء في حالة أن تركيا هددت بالقبض عليهم ومحاكمتهم، وهي التي لم تبد أيّ علامة أنها ستدخل في عملية السلام.
من جانب آخر، بقاء الحزب على قمم الجبال في إقليم كردستان بعيدا عن الأراضي التي يقاتل من أجلها، هل سيجني ثمار هذا القتال؟ هل سيحقق ولو أقل الأهداف التي يسعى إليها؟ وماذا بعد أن سمح الغرب لتركيا بالوصول إلى هذا التطور في صناعة السلاح وامتلاكه وبلوغها مراتب متقدمة في تسلسل الجيوش القوية، هل يجدي القتال معها بأتباع أسلوب حرب العصابات؟ ثم ألم يعلمنا التاريخ أن امتلاك الأحزاب الكردية للسلاح كان سببا رئيسيا للاقتتال الكردي – الكردي؟
إذن ما هو المطلوب بعد دعوة أوجلان؟
إن اتباع هذه الدعوة أفضل من الامتناع عن تلبيتها ولاسيما أن كل الوقائع تسير بهذا الاتجاه سواء كان الأمر برضى الكرد أم مغايرا لتمنياتهم، فالالتزام بها سيحقق للحزب الاحتفاظ بوحدته مع قادته ومع حركات الظل التي تعمل تحت مسميات أخرى في الساحة السياسية الداخلية، كما سيثبت للعالم اجمع أن الكرد قد اختاروا طريق السلام في الحصول على حقوقهم ولاسيما أن العالم اجمع قد ترقبوا هذه الدعوة وهم يتابعون ردود الأفعال الناتجة عنها من الطرفين الكردي والتركي.
الحزب وباستمراره على هذا النحو لن يتمكن من الإجابة على أسئلة الثكالى من أمهات المقاتلين، ترى ماذا حقق هؤلاء المقاتلون بعد كل هذه الخسائر؟
وبهذا يتم التخلص من الصفة الإرهابية التي دمغت بنضال هذا الحزب حيث كانت من الأسباب الرئيسية لعدم حصول النضال الكردي في تركيا على التعاطف الدولي.
ويتمّ سحب البساط من تحت إقدام الآلة العسكرية التركية التي لطالما تذرعت بمحاربة الإرهاب وكانت سببا في بقاء المناطق الكردية في شرقي تركيا بعيدة عن الحصول على نصيبها من الاستقرار والتطور. وهو سبب رئيسي أيضا لعدم اتجاه المواطنين الكرد في ممارسة عاداتهم وتقاليدهم القومية والتحدث بلغتهم الأم.
ثم إن الواقع يشير إلى عدم قدرة الحزب على تحقيق أيّ تقدم وأيّ انتصار على الجيش التركي، بل إن العكس بدأ يترك آثاره السلبية على استمرارية الحزب وبدأ الحزب يخسر كوادره وقوّته البشرية بصورة يومية وبأقل الخسائر بالنسبة إلى تركيا، كما أن الحزب وباستمراره على هذا النحو لن يتمكن من الإجابة على أسئلة الثكالى من أمهات المقاتلين، ترى ماذا حقق هؤلاء المقاتلون بعد كل هذه الخسائر؟
إذن كل الوقائع وكل الدلائل المرتبطة بوجود هذا الحزب تشير أن إلقاء السلاح في الوقت الحاضر لهو الخيار الأمثل بالنسبة إلى النضال الكردي في ساحة نضالهم الداخلية ولكن مع الحصول على ضمانات بعدم ملاحقة كوادرهم وأعضائهم.
نعتقد بأنه ليس من صالح تركيا عدم وجود ذريعة مثل وجود ذريعة حزب العمال الكردستاني للدخول في قتال مع كرد العراق أو كرد سوريا، حيث أن الفائدة قد تعم جميع الكرد في بقية أجزاء كردستان وتجرد تركيا من حججها القديمة في مهاجمة إقليم كردستان العراق أو شمال شرقي سوريا، وهكذا يمكن للحركات السياسية في هذه البقع من التفرغ لنيل المكاسب القومية من الحكومات المحلية بعد التخلص من الضغوط الهائلة التي كانت تركيا تسلطها عليهم.
كاتب كردي – دهوك
العرب
————————-
المصالحة التركية – الكردية المحتملة تعيد تشكيل الديناميكيات الإقليمية
السلام الدائم يحد من الصراعات عبر الحدود والتطرف والحواجز أمام الشراكة الاقتصادية.
السبت 2025/03/01
عملية السلام التركية – الكردية تشكل فرصة فريدة لتبني سياسات شاملة لمعالجة القضية الكردية الأوسع نطاقا. وعلى النقيض من ذلك، فإن الزعماء الكرد في مختلف أنحاء المنطقة لديهم الفرصة لاحتضان هذه المبادرة وتحويلها إلى خارطة طريق لتحقيق السلام الدائم.
ديار بكر (تركيا) – يرى محللون أن المصالحة التركية – الكردية المحتملة لإنهاء صراع دام أكثر من أربعة عقود، لديها القدرة على إعادة تشكيل ديناميكيات الشرق الأوسط، إذ أن دول المنطقة وبالأخص العراق وسوريا لديها مصلحة في ضمان حل ودّي ومستدام.
وأطلق الزعيم الكردي عبدالله أوجلان الخميس “نداء تاريخيا” دعا فيه إلى حل جميع المجموعات التابعة لحزب العمال الكردستاني وإنهاء أنشطته المستمرة منذ أكثر من 40 عاما، ما يمهد للدخول في مفاوضات سلام مع أنقرة.
ويقول الدكتور دلاور علاء الدين، وهو الرئيس المؤسس لمعهد أبحاث الشرق الأوسط، إن المخاطر بالنسبة إلى العراق وسكانه الكرد عالية، حيث من المتوقع أن يستفيدوا كثيرًا من عملية السلام التي تقودها أنقرة.
وأنشأت القوات المسلحة التركية وكذلك حزب العمال الكردستاني قواعد عسكرية قوية في كردستان العراق، بعد أن حولت الجبال إلى مناطق قتال.
وعلى مدى العقود الماضية، نفّذت أنقرة العديد من الغارات والضربات على أهداف تابعة لحزب العمال الكردستاني في شمال العراق.
ويشير علاء الدين إلى أن إنهاء الصراع بين تركيا وحزب العمال الكردستاني يعني منطقة أكثر استقرارًا للكرد وعلاقة أكثر صحة بين أنقرة وبغداد.
عبدالله أوجلان أطلق “نداء تاريخيا” دعا فيه إلى حل جميع المجموعات التابعة لحزب العمال الكردستاني وإنهاء أنشطته المستمرة منذ أكثر من 40 عاما
وفي ذات السياق، كان الكرد الذين يعيشون في شمال شرق سوريا، والمعروفون بين الكرد باسم الإدارة الذاتية الديمقراطية لشمال وشرق سوريا (روج آفا)، من بين الأكثر تضرراً من صراع أنقرة مع حزب العمال الكردستاني، وهو ما يعني على الأرجح أنهم سيستفيدون أكثر من عملية السلام المحتملة.
وعانى السكان الكرد وغير الكرد في شمال وشرق سوريا لفترة طويلة من العزلة والإهمال.
وعلى مدى العقد الماضي، اكتسبوا اعترافًا دوليًا بمحاربتهم لتنظيم داعش. وعلى الرغم من ذلك، ناضل السكان تاريخيًا للحصول على الجنسية السورية الكاملة أو ضمانات لحقوقهم الإنسانية والسياسية والثقافية. وهم حذرون من أن يتم تخفيضهم مرة أخرى إلى مواطنين من الدرجة الثانية في سوريا.
ويرجّح مراقبون أن تعزز دعوة أوجلان إلى إلقاء السلاح الكرد السوريين على المضي قدما في التفاوض على مستقبلهم مع دمشق – بعيدًا عن أي تأثير خارجي أو تهديدات تركية بالغزو. ومن المتوقع أن ترد أنقرة بالمثل، من خلال كبح جماح وكلائها والامتناع عن شن هجمات مباشرة على شمال شرق سوريا.
ويدرك القادة الكرد أن أنقرة ودمشق لن تقبلا بنظام فيدرالي أو أيّ شكل آخر من أشكال الحكم الذاتي غير المتكافئ للمنطقة، وبالتالي فإنهم يهدفون إلى صياغة نظام لامركزي إداري متكافئ معقول لجميع مناطق سوريا.
بغض النظر عن الاتجاه الذي سيسلكه مسار المصالحة الكردية – التركية، فإن المكاسب المحلية والإقليمية ستكون تاريخية
ولم يقدم قادة سوريا الجدد حتى الآن (على الرغم من وجود مفاوضات) كيفية إضفاء الطابع المؤسسي على الحقوق الكردية داخل سوريا الموحدة. ومع ذلك، فإنهم يدركون أن البلاد لا يمكن أن تتحد من خلال إنشاء نسخة جديدة من نظام الحكم المركزي السابق.
ويؤكد محللون أن الاتفاق على نموذج موثوق للحكم الذاتي الإداري الإقليمي في جميع المحافظات سيكون ضروريًا لبناء الثقة وتعزيز المصالحة والحفاظ على الوحدة الوطنية.
وتتعاطف بعض الدول العربية مع القضية الكردية، حيث ينظر البعض إلى النفوذ التركي المتزايد في المنطقة بحذر. وعارضوا هيمنة إيران في سوريا، وهم لا يرغبون في رؤية البلاد تعتمد بشكل مفرط على تركيا.
وتدعو الإدارة الأميركية الجديدة تحت قيادة الرئيس دونالد ترمب إلى السلام والشراكة الاقتصادية في المنطقة، ومن المرجح أن ترحّب بعملية السلام، التي قد تمهد الطريق في نهاية المطاف لتقليص الوجود العسكري الأميركي في سوريا.
وللولايات المتحدة والدول الأوروبية مصالح في استقرار الشرق الأوسط. إذ تشكل تركيا والكرد قوة عظمى في المنطقة. فقد خصصوا على مر السنين رأس مال سياسي ومالي وعسكري ضخم للمنطقة. ومن الممكن أن يؤدي السلام الدائم بين الأتراك والكرد إلى فك ديناميكيات الأمن المعقدة بين شبكة المنطقة من الجهات الفاعلة من الدول وغير الدول، مع الحد من الصراعات عبر الحدود والتطرف العنيف ونزوح السكان ــ بما في ذلك نزوح اللاجئين ــ والحواجز أمام الشراكة الاقتصادية.
وبالنسبة إلى الولايات المتحدة، تتمثل الفوائد الأكثر إلحاحًا في إبرام صفقة مع حزب العمال الكردستاني في سوريا. فبافتراض أن المرحلة الانتقالية بعد الأسد ستمضي بسلاسة، قد يكون لتفكيك الحزب تأثير جوهري في إعادة تشكيل علاقات تركيا مع القادة الكرد السوريين، الذين لطالما نظرت إليهم على أنهم مجرد وكلاء لحزب العمال الكردستاني.
وإذا ترسخت دعوة أوجلان المتوقعة لنزع السلاح، فقد تصبح أنقرة أكثر انفتاحًا على التعاون مع حزب الاتحاد الديمقراطي، الجناح السياسي لشركاء واشنطن الرئيسيين في مكافحة الإرهاب في سوريا، وهم وحدات حماية الشعب وقوات سوريا الديمقراطية.
ولتحقيق هذه الغاية، قد تشجع تركيا الحكام الجدد في دمشق على تعزيز مشاركة حزب الاتحاد الديمقراطي في النظام السياسي السوري.
بعض الدول العربية تتعاطف مع القضية الكردية، حيث ينظر البعض إلى النفوذ التركي المتزايد في المنطقة بحذر بعض الدول العربية تتعاطف مع القضية الكردية، حيث ينظر البعض إلى النفوذ التركي المتزايد في المنطقة بحذر
ويمكن أن يشمل ذلك دعم مرشحي الحزب في الانتخابات البلدية وغيرها من المنافسات المحلية.
وعلى الصعيد الأمني، أعلن العراق والأردن وسوريا وتركيا مؤخراً عن مبادرة إقليمية مشتركة لاحتواء تنظيم داعش. وإذا تم التوصل إلى اتفاق مع حزب العمال الكردستاني، يمكن توسيع هذه المبادرة الجديدة لتشمل الفصائل الكردية المسلحة في العراق وسوريا، التي لديها بالفعل خبرة واسعة في محاربة تنظيم الدولة الإسلامية.
ونظرا إلى أن أولوية السياسة الأميركية طويلة المدى في سوريا تكمن في منع عودة تنظيم داعش، قد تدعم أيّ دور كردي مقترح يسهم في تعزيز الهيكل الأمني الجديد.
ومن شأن الولايات المتحدة أن تجني فوائد إستراتيجية أوسع نطاقاً من نهاية الصراع مع حزب العمال الكردستاني، بما في ذلك خارج منطقة الشرق الأوسط. فعلى الصعيد الأمني، ستتمكن تركيا من إعادة تخصيص مواردها العسكرية – وهي ثاني أكبر قوة في حلف شمال الأطلسي- لمواجهة أزمات محتملة أخرى بالتنسيق مع واشنطن.
وعلى سبيل المثال، يمكن استثمار النفوذ التركي الواسع في أفريقيا لدعم جهود الاستقرار التي تقودها الدول الغربية في العديد من البلدان.
ولعل الأهم من ذلك هو أن تسوية الخلاف حول حزب العمال الكردستاني بين واشنطن وأنقرة قد تُسرّع من إعادة هيكلة العلاقات الثنائية بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وترامب، مما قد يؤثر بعمق على إستراتيجيات الولايات المتحدة وتركيا في حلف شمال الأطلسي والشرق الأوسط.
وبغض النظر عن الاتجاه الذي سيسلكه مسار المصالحة الكردية – التركية، فإن المكاسب المحلية والإقليمية لإنهاء الصراع ستكون تاريخية.
———————-
احتفاء تركي بنداء أوجالان: أنقرة منتشية بقوّتها/ محمد نور الدين
السبت 1 آذار 2025
أجمعت الصحف التركية، بكلّ توجهاتها، أمس، على عنوان واحد، وهو دعوة زعيم «حزب العمال الكردستاني»، عبد الله أوجالان، حزبه إلى ترك السلاح وحَلّ نفسه. وممّا جاء في العناوين: «رسالة أوجالان: الكردستاني يجب أن يحلّ نفسه» (يني برلك)؛ «أوجالان استسلم للوقائع» (آيدينلق)؛ «نهاية الطريق للكردستاني» (يني عقد)؛ «الستارة الأخيرة للإرهاب» (ميللييات)؛ «النداء المنتظر من أوجالان: ليحلّ الكردستاني نفسه» (قرار)؛ «خطوة تاريخية: ليحلّ الكردستاني نفسه» (يني شفق)؛ «النداء حصل، الآن خطوة حلّ نفسه» (تركيا)؛ «خطوة مهمّة نحو تركيا بلا إرهاب» (صباح)؛ «أوجالان يخاطب الكردستاني: اترك السلاح، حلّ نفسك» (حرييات).
وفي ردود الفعل الرسمية، برز ما كتبه محمد أوتشوم، كبير مستشاري الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، من أن «المسألة حُلّت. المهمّ الديمقراطية وتطويرها»، وأن «تصريح أوجالان يعني أن لا فدرالية ولا حكم ذاتياً، ولا توجد لغتان ولا أمتان، كما لا يوجد إنكار لأحد، بل توجد دولة واحدة وموحّدة». واعتبر أوتشوم أن النداء كان «بلا شروط ولا قيود ولا مساومات. إننا ندخل مرحلة جديدة، وتركيا متجهة إلى أن تكون دولة بلا إرهاب». ومن جهته، رحّب زعيم «حزب الشعب الجمهوري»، أوزغور أوزيل، بالنداء، واصفاً إياه بأنه «خطوة مهمة لخروج تركيا من مآسيها، على أن تتم تلبية كل الشروط التي تساعد في ذلك، وأهمها الديمقراطية الفعلية والسلام الاجتماعي».
ويذكّر عبد القادر سيلفي، في صحيفة «حرييات»، بأنّ «أوجالان كان وجّه، في نوروز عام 2014، رسالة إلى حزب العمال الكردستاني، ولكن النداء الجديد مختلف تماماً. وإذا كان نداء 2014 يمكن قياسه على أنه هزة بقياس أربع درجات، فإن النداء الجديد هو زلزال بقياس تسع درجات». ولكنه يتساءل عمّا إذا كانت قيادة الحزب في جبال قنديل ستستجيب لنداء زعيمها، و»هل يمكن حينها أن يتواجه أوجالان مع قيادة الحزب؟» إذا لم تفعل. ووفقاً لسيلفي، فإن «محاولات عدّة في السابق، ومنذ أيام طورغوت أوزال، بُذلت لحلّ المشكلة، لكنّ الإنكليز والأميركيين كانوا يتدخلون ويخربون الحلّ. أمّا الآن، فالظروف الإقليمية والدولية مختلفة جداً. وتركيا تمرّ بأقوى مراحلها، وميزان القوى في شمال العراق وسوريا مال لصالحها. وفي حال تمّ تقييم صحيح للوضع، فإن تصفية حزب العمال الكردستاني ستكون ممكنة». ولعلّ أهم ما أورده أوجالان، بحسب الكاتب، هو تذكيره قيادة قنديل بأن الظروف تغيّرت، وأن الحزب قد أتمّ عمره، فيما الأمر المهم الآخر، أن زعيم «الكردستاني»، «لم يدعُ الأكراد إلى دولة مستقلّة، بل اعتبر أن الحلول بصيغ الفدرالية والدولة القومية والحكم الذاتي والإدارة الذاتية لم تقدّم جواباً على سوسيولوجيا المجتمع التاريخي». كما يذكّر بأن «حزب العمال الكردستاني أفنى عمره وراء هذه الشعارات، وها هو أوجالان يرميها في سلة المهملات».
وفي الصحيفة نفسها، يرى نديم شينير أن «نداء أوجالان يعني شيئاً واحداً، وهو أنه ليس من مسألة كردية في تركيا، بل إرهاب اسمه حزب العمال الكردستاني». ولكنه يعتقد بأنه «من المبكر البناء على نداء أوجالان، إذ يتطلّب الأمر انتظار ما ستفعله قيادة الحزب. ولا يعني النداء وقف العمليات العسكرية في العراق أو سوريا، خصوصاً في ظلّ مؤشرات إلى أن امتدادات الحزب في سوريا ليست في وارد تلبية النداء، الذي تجب قراءته برويّة». أمّا أحمد حاقان، فيشير إلى أن «أوجالان أوجز ضمناً ما يريده من مطالب: احترام الهويات، تعبير الهويات بحرّية عن نفسها، ضمان أن تتنظّم هذه الهويات بالمعنى الديمقراطي»، معتبراً أن «تركيا بهذا النداء وحلّ الكردستاني نفسه، تكون وصلت إلى هدفها المتمثّل بأن تكون خالية من الإرهاب».
وفي صحيفة «قرار»، كتب عاكف باقي أن أوجالان «أعطى ما يريده للدولة التركية، ولكن هل يأخذ ما يريد؟»، مضيفاً أن «دولت باهتشلي فتح في تاريخ تركيا فتحاً مَبيناً عندما أَطلق مبادرته ليتحدّث أوجالان أمام نواب كتلته ويعلن نبذ الإرهاب وترك السلاح وحلّ حزبه. وهو ما تحقّق. ولكن، هل يلتزم حزب العمال بما طلبه أوجالان من جانب واحد؟ وهل يحلّ الحزب نفسه من دون إجراء مشاورات وفرض شروط، أم أن شيئاً لن يتغير؟».
كذلك، علّق الأمين العام لـ»الحزب الشيوعي التركي»، كمال أوقويان، بالقول إنه «لا جديد في كلام أوجالان، ونداؤه تحرّك من نزعة قومية كردية، وهو لا علاقة له بالماركسية، وحزبه لم يكن يوماً حزباً اشتراكياً». ومع ذلك، قال: «(إنّنا) نراقب لنرى ما الذي ستكون عليه الأمور. أوجالان أعاد جذور العلاقات بين الأتراك والأكراد إلى ألف سنة، وهو ما لا ينسجم مع الوقائع الراهنة. إذا كانت العلاقات قديمة إلى هذا الحدّ، فلماذا حدثت المجازر في آخر 100 سنة أو 50 سنة؟». ثم استطرد أن «أوجالان يقول إن تفاهم الأتراك والأكراد يجعل من تركيا بلداً قوياً، بينما العكس هو الصحيح، ستكون تركيا ضعيفة. هذا ما يريده إردوغان».
وسأل يوسف قانلي، من جانبه، عمّا إذا كان نداء أوجالان صادقاً أم أنه مجرّد مناورة لكسب الوقت بعدما ضعف «الكردستاني». ورأى أنه «كي تتواصل عملية الحلّ، ينبغي على تركيا أن تبذل المزيد من الجهد في ضوء التوازنات الإقليمية الجديدة، والاستراتيجية الأمنية للدولة»، إذ إن «تفاصيل كثيرة شائكة تقف أمام عملية الحلّ، وفي مقدّمها الأبعاد القانونية للنظام الجزائي والإداري، وما إذا كان ممكناً لحزب العمال أن يتحوّل إلى حزب سياسي». وتساءل أيضاً عمّا إذا كان الحلّ سيطاول «وحدات حماية الشعب» في سوريا، وعمّا سيكون عليه الموقف الأميركي من «قسد» التي تعتبرها واشنطن حليفاً ضدّ «داعش»، ليخلص إلى أنّ «أمام تركيا، في حال أصرّت الولايات المتحدة على دعم قسد، خياريْن: الأول اعتبار نداء أوجالان خدعة ومواصلة ضرب حزب العمال؛ والثاني الموافقة على الحلّ في الداخل والقيام بعملية تصفية لقسد في سوريا.
وفي الحالتين، ستكون هناك توترات مع واشنطن». أما إذا اتّفقت واشنطن مع أنقرة، وتمّ نزع سلاح «قسد»، فهذا «سيُعتبر هزيمة إستراتيجية لأميركا». وختم بالقول: «هذا النداء، إذا لم يؤدّ إلى قطع أميركا دعمها لقسد لتبديد هواجس تركيا الأمنية، فلن يكون له معنى، وسينضمّ إلى غيره من النداءات السابقة التي كانت مجرّد مناورات».
باختصار، أعطى عبدالله أوجالان، الدولة التركية كل شيء، ووضع مسبقاً على الطاولة كل أسلحته. أمّا الدولة، فتنتظر اكتمال خطوات تصفية «الكردستاني» لنفسه، لتبني بعدها على الشيء مقتضاه. لكنّ التساؤل يبقى قائماً عمّا ستقدّمه الدولة للأكراد، وهل سيكون كافياً لحلّ فعليّ للمشكلة الكردية، أم أن الأمر مجرّد لعبة كي يتمكّن إردوغان من تعديل الدستور بأصوات النواب الأكراد، ليستطيع تالياً الترشّح لولاية جديدة عام 2028؟
الاخبار
———————————-
عبد الله أوجلان.. “الثائر” الأخير يودّع السلاح/ زهير حمداني
1/3/2025
بدت ليلة السادس من أكتوبر/تشرين الأول 1998 فارقة في مسار زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان. انتهت مقابلته الطويلة مع نائب الرئيس السوري عبد الحليم خدام في دمشق، بقرار إخراجه من سوريا الذي “دمعت له عيناه”، كما يروي خدام في مذكراته.
كان أوجلان يعرف أن حضور خدام لمقابلته يعني نهاية مرحلته في سوريا التي بدأت منذ عام 1980، وأن عليه أن يحزم حقائبه ويختار وجهته المقبلة، فقد تعوّد سابقا على لقاءات ودية مع رئيس شعبة الأمن السياسي عدنان بدر حسن، الذي كان عنصر الارتباط معه.
عرف أيضا أن التوتر كان قد بلغ أوجه بين تركيا وسوريا بعدما حشدت أنقرة 10 آلاف جندي على الحدود وطالبت بتسليمه، في حين اختارت دمشق إخراجه لنزع فتيل الأزمة الخطيرة بعد وساطة مصرية، مستبعدة تسليمه تجنبا للإحراج، كما أنها كانت تنفي دائما وجوده على أراضيها.
يروي خدام أن أوجلان خلال المقابلة “بدا خائفا وقلقا واندفع يحاول تقبيل يده لكنه لم يسمح له، وعانقه وقد فاضت الدموع من عينيه”، وهو ما نفته مصادر كردية، مؤكدة أن الرجل كان صلبا وشجاعا. اختار أوجلان اليونان وجهته من بين خيارات معدودة، بينما كاد التوتر بين سوريا وتركيا أن يصل إلى مواجهة عسكرية.
رجل فرض اتفاق أضنة
لم تكن العلاقات بين تركيا وسوريا سالكة في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي بسبب مسألة تقاسم مياه نهر الفرات، وتطور الروابط بين أنقرة مع تل أبيب، وكوسيلة ضغط احتضنت سوريا أوجلان ومقاتلي حزب العمال الكردستاني على أراضيها وكذلك معسكراته في سهل البقاع اللبناني، كما كانت تساعد منظمات يسارية تركية معارضة.
في تلك الحقبة، ضاقت تركيا بقيادة الرئيس سليمان ديميريل ذرعا باحتضان سوريا لأوجلان ومقاتلي وقادة حزب العمال ممن لجوؤا إليها بعد أن تعرض الحزب لضربات قاسية بعيد الانقلاب الذي قاده الجنرال كنعان إيفرين في 12 سبتمبر/أيلول 1980، وتراجع قوته إثر مقتل واعتقال الكثير من قيادييه ومقاتليه.
في النهاية خفت الأزمة التي كانت تنذر بحرب وشيكة -علمت دمشق أنها لن تكون في صالحها- بخروج أوجلان وتوقيع اتفاق أضنة في 20 أكتوبر/تشرين الأول 1998 الذي أقرّ رسميا بعد 3 أشهر. وتعهدت سوريا بمقتضى الاتفاق بالتزامات كثيرة تتعلق بأوجلان وحزب العمال، و”مطالب أخرى محددة”، بدا بعضها مؤشرا على ضعف الموقف السوري.
وتشير المادة الأولى من الاتفاق إلى أنه “اعتبارا من الآن أوجلان غير موجود في سوريا حاليا وبالتأكيد لن يسمح بوجوده فيها. كما تنص المادة الثانية على أنه لن يسمح لعناصر حزب العمال الكردستاني في الخارج بدخول سوريا، وتؤكد المادة الثالثة على أنه “اعتبارا من الآن، معسكرات حزب العمال الكردستاني لن تعمل على الأراضي السورية، وبالتأكيد لن يسمح لها بأن تصبح نشطة”.
وفي إطار الالتزامات السورية أشار الاتفاق -من الجانب السوري – إلى أن “كثيرين من أعضاء حزب العمال الكردستاني جرى اعتقالهم وإحالتهم إلى المحكمة، وتم إعداد اللوائح المتعلقة بأسمائهم، وقدمت سوريا هذه اللوائح إلى الجانب التركي”.
كان أهم ما في هذا الاتفاق هو الملحق الثالث، الذي ينص على أنه “اعتبارا من الآن، يعتبر الطرفان أن الخلافات الحدودية بينهما منتهية، وأن أيا منهما ليست له أي مطالب أو حقوق مستحقة في أراضي الطرف الآخر”.
وفهم من ذلك ضمنيا أن سوريا تتخلى رسميا عن أي مطالبة بحقوقها في لواء إسكندرون (إقليم هاتاي) الذي بات تابعا لتركيا منذ 1939، بعد انسحاب فرنسا التي كانت قد منحته استقلالا ذاتيا مع بقاء ارتباطه شكليا بسوريا.
جاءت كل التنازلات السورية تحت ضغوط الانتشار العسكري التركي الواسع على الحدود، وهو ما تمت ترجمته في الملحق الرابع من الاتفاق الذي يقول: “يفهم الجانب السوري أن إخفاقه في اتخاذ التدابير والواجبات الأمنية، المنصوص عليها في هذا الاتفاق، يعطي تركيا الحق في اتخاذ جميع الإجراءات الأمنية اللازمة داخل الأراضي السورية حتى عمق 5 كيلومترات”.
وبعيد الثورة السورية والحرب التي اندلعت بين النظام والمعارضة منذ عام 2011، كان البند الرابع من اتفاق أضنة هو الذي اعتمدت عليه تركيا للدخول المباشر إلى الأراضي السورية، فقد رأت أنقرة ضمنيا أن دمشق أخلت بالاتفاق، واعتبرت أن وجود “قوات سوريا الديمقراطية” التي تصنفها مجموعة إرهابية على حدودها وامتدادا لحزب العمال، يمثل خطرا كبيرا على أمنها.
رحلة أوجلان الأخيرة
يذكر خدام في مذكراته أنه عندما انتهت المقابلة “ودّعته وكانت الدمعة في عينيه”، مضيفا أنه “في الوقت نفسه كان الألم يعتصر نفسي لأنه ليس من السهل أن تقول لإنسان اخرج إلى الموت، وأنا واثق أن هذا اللقاء سيكون الأخير معه”.
كان أوجلان من هؤلاء “الثوريين” أو “الإرهابيين”، الذين انتهى زمنهم بانهيار الاتحاد السوفياتي وما تلاه من متغيرات دولية، تماما مثل كارلوس (إليتش راميريز سانشيز) الذي قبضت عليه المخابرات الفرنسية في الخرطوم في 14 أغسطس/آب 1994، وكانت سوريا أيضا قد احتضنته أيضا لفترة قبل أن تطرده.
عندما كان أوجلان- الذي تصنفه تركيا والولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل وعدة دول أخرى إرهابيا- يغادر سوريا إلى اليونان يوم 8 أكتوبر/تشرين الأول 1998، ثم باحثا عن ملجأ آخر آمن بين روسيا وبيلاروسيا وإيطاليا ثم اليونان، كانت الوساطات والانحناء السوري للعاصفة قد نزعتا تدريجيا فتيل الحرب على الحدود السورية.
وبعد رحلة قادته إلى عدة عواصم أوروبية، وصل “آبو” -وتعني العم باللغة الكردية- إلى أثينا في 29 يناير/كانون الثاني 1999 قادما من إيطاليا التي لم تتحمل وجوده، وأمضى عطلة نهاية الأسبوع في “بيت آمن” وفره له اليونانيون، ليسافر بعدها إلى العاصمة البيلاروسية مينسك بحثا عن ملاذ آمن جديد، لم يحصل عليه هناك أيضا.
كان عليه أن يعود مرة أخرى إلى اليونان في الثاني من فبراير/شباط، حين أدركت الحكومة الاشتراكية اليونانية أنه لم يعد بمقدورها تحمل أعباء الضغوط التركية والأميركية والإسرائيلية أيضا، فنقلته إلى مقر مجمّع السفارة اليونانية في العاصمة الكينية نيروبي بانتظار أن تقنع دولة أفريقية مثل جنوب أفريقيا باستقباله.
وفي 15 فبراير/شباط 1999، كانت المخابرات التركية سبّاقة لاعتقال أوجلان من نظريتيها الأميركية والإسرائيلية، عندما كان في الطريق إلى مطار نيروبي نحو وجهة خارجية يرجح أنها أمستردام، وتم نقله إلى تركيا حيث قضت عليه محكمة بالإعدام، ليخُفّض الحكم لاحقا إلى السجن مدى الحياة يقضيه وحيدا في سجن إمرالي جنوبي بحر مرمرة.
كان اعتقال أوجلان إنجازا أمنيا وسياسيا كبيرا للحكومة التركية، لكنه هز بالمقابل حكومة يسار الوسط اليونانية، إذ استقال وزير الخارجية اليوناني ثيودوروس بانغالوس وسط اتهامات بأنه تواطأ في القبض على أوجلان، كما استقال أيضا وزير الداخلية ومسؤولون آخرون.
خلال نحو 26 سنة قضاها أوجلان في السجن، جرت مياه كثيرة تحت الجسور في سوريا وتركيا والعالم، سقط النظام في سوريا، وقام أوجلان الذي شب ماركسيا لينينيا بمراجعات تخلى بموجبها الحزب عن الأجندة الانفصالية أدت إلى هدنات هشة ومفاوضات سلام متعثرة.
ويشير محللون إلى وجود احتمال كبير لانتهاء الصراع الدامي الذي أودى بحياة أكثر من 40 ألف شخص في تركيا على مدى 4 عقود من الزمن، حين دعا أوجلان أنصاره في 27 فبراير/شباط لحل حزب العمال وإلقاء السلاح، وهو ما رآه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان “فرصة تاريخية”.
وتبدو هذه الدعوة وفق المحللين أكثر جدية من تلك التي حصلت يين أعوام 2009 و2015، حيث من الممكن أيضا أن يؤدي نزع سلاح حزب العمال الكردستاني إلى تحولات مهمة في أماكن أخرى في المنطقة، حيث الوجود الكردي نظرا للنفوذ الذي يتمتع به أوجلان.
المصدر : الجزيرة + الصحافة البريطانية
الجزيرة
——————————————
تأثير دعوة أوجلان على المشهد الكردي في سوريا
1 مارس 2025
أحدثت دعوة عبد الله أوجلان، زعيم حزب العمال الكردستاني (PKK)، لحل الحزب وإلقاء السلاح، هزة سياسية ليس فقط داخل تركيا التي تخوض صراعًا طويلًا مع الحزب منذ عقود وحسب، بل أيضًا في سوريا نتيجة لارتباط القضية الكردية السورية بتشابكات سياسية وعسكرية معقدة، تشمل قوات سوريا الديمقراطية (قسد) وإقليم كردستان العراق ودمشق، فضلًا عن النفوذ الأميركي والتركي.
وعلى الرغم من أن “قسد” سارعت إلى إعلان أن هذه الدعوة لا تعنيها، فإن واقع الارتباط الفكري والتاريخي بين التنظيمين لا يمكن تجاهله تمامًا. وبينما ترى بعض التحليلات أن هذه الدعوة قد تمثل فرصةً لـ”قسد” للتموضع السياسي بشكل مستقل عن حزب العمال الكردستاني، يرى آخرون أنها قد تزيد من الضغوط عليها سواء من دمشق أو من أنقرة أو حتى من القوى الدولية الداعمة لها.
يعتقد الكاتب والصحافي دارا عبد الله أن إعلان أوجلان هو تحول أيديولوجي بالدرجة الأولى، وليس فقط سياسيًا، إذ قال لـ”الترا سوريا”: “ديناميكيات المشهد الكردي السوري مختلفة عن ديناميكيات المشهد الكردي التركي، وإن كان هنالك تقاطع بوجود المنظومة السياسية والعسكرية لحزب العمال الكردستاني (PKK) في البلدَيْن. تأثيرات إعلان أوجلان هي أيديولوجية بالدرجة الأولى، أي التخلّي عن فكرة الكفاح المسلح لتحصيل الحقوق الكردية، والاتجاه إلى النضال السلمي الديمقراطي. نجاح رسالة أوجلان مقترن جوهريًا بانفتاح نافذة سياسية ديمقراطية أمام الأكراد في تركيا”.
وأضاف عبد الله: “اليد الأوجلانية الممدودة بحاجة إلى خطوات إيجابية كبادرة حسن نية من الجانب التركي، أقلّها الإفراج عن صلاح الدين ديمرتاش، رئيس حزب الشعوب الديمقراطي HDP، كمدّ يدٍ مقابلة”.
التأثيرات على العلاقة بين الإدارة الذاتية ودمشق
تفتح دعوة عبد الله أوجلان لحل حزب العمال الكردستاني (PKK) وإلقاء السلاح الباب أمام تحولات محتملة في علاقة الإدارة الذاتية الكردية بدمشق، إذ قد ترى الحكومة السورية في ذلك فرصة لتعزيز موقفها في التفاوض مع “قسد”، وفرض شروطها المتعلقة بإعادة السيطرة على شمال شرق سوريا.
لطالما اعتبرت دمشق قوات سوريا الديمقراطية (قسد) كيانًا غير شرعي ينبغي تفكيكه أو استيعابه ضمن الجيش السوري، وأي تفكك محتمل للارتباط الفكري أو الأيديولوجي بين “قسد” و”العمال الكردستاني” قد يجعلها أكثر ضعفًا سياسيًا وعرضة للضغوط، سواء من النظام السوري أو من القوى الإقليمية.
في هذا السياق، أشار تقرير المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات إلى أن الإدارة السورية الجديدة تسعى لإدماج مقاتلي “قسد” في الجيش السوري كأفراد، لكن “قسد” ترفض ذلك وتطالب بالحفاظ على استقلاليتها كقوة موحدة مع سيطرة مدنية على مناطقها، مستندةً إلى الدعم الأميركي ومساومتها بورقة السجون التي تضم عناصر “داعش”.
ولهذا يرى عبد الله أن تأثيرات إعلان أوجلان على سوريا ستكون إيجابية طبعًا، ومنها أنّ المفاوضات السلمية هي الطريق الوحيد والممر الإجباري لحل الإشكال بين قسد وحكومة دمشق. لكنه يرى أن “حلّ الإشكال يتطلّب أيضًا تخفيفًا من القبضة التركية على القرار السيادي السوري، وعدم فرض أي حظر على الحقوق الكردية في سوريا، والسماح بالاعتراف الدستوري بالشعب والقضية الكردية في أي تعاقد سياسي سوري مستقبلي”.
رغم تأكيد “قسد” أنها كيان سوري مستقل عن حزب العمال الكردستاني، فإن تأثير الحزب عليها، خاصة من الناحية الأيديولوجية، لا يمكن إنكاره. ومع إعلان أوجلان التخلي عن الكفاح المسلح، قد يتغير التصور الدولي تجاه “قسد”، مما قد يدفع الولايات المتحدة إلى إعادة تقييم دعمها لها. في ظل ذلك، قد تجد “قسد” نفسها مضطرة للبحث عن تفاهمات جديدة مع دمشق لضمان استمرار دورها في المشهد السوري.
في هذا السياق، يرى بعض المحللين المقربين من الإدارة الذاتية أن “قسد” ليست معنية بدعوة أوجلان، مؤكدين أنها كيان سوري مستقل، وقد نشر الكاتب الكردي بدرخان علي منشورًا على فيسبوك قال فيه: “أسباب كثيرة تجعل قسد غير معنية بمبادرة عبد الله أوجلان وطلبه من منظمات حزب العمال الكردستاني إلقاء السلاح. قسد تنظيم سوري، ليس في حالة صراع مع تركيا أساساً، تركيا هي التي تهاجم شمال سوريا عمداً ودون أي مبرر سوى أطماعها التوسعية العدوانية، ولا تطلق قسد طلقة باتجاه تركيا. سلاح قسد ليس موجهًا ضد تركيا حتى تلقيه بأمر من زعيم العمال الكردستاني. بصرف النظر عما سيحدث على “الساحات” الأخرى. قسد والإدارة الذاتية هياكل سوريّة تأسّست في ظروف الحرب السورية وتعقيداتها وبغرض الدفاع عن أمن السكان والمنطقة في أخطر الظروف. كما أن ظروف نشأة قسد والإدارة سوريّة فإن الحل سوريّ أيضاً، ومجدداً لغرض حماية أمن المنطقة وتحقيق حل سوري مُستدام وبناء دولة قادرة على حماية مواطنيها كافة، وحدود بلادها، وبناء نظام ديمقراطي عادل”.
معضلة “قسد” هي الحفاظ على مكاسبها السياسية والإدارية والبحث عن تسوية تضمن بقاءها في المشهد السوري، ولأجل حل هذه المعضلة فإن التأثير الأكبر على العلاقة بين “قسد” ودمشق لا يأتي من دعوة أوجلان وحدها، بل من السياسة الأميركية في سوريا، كما يرى دار عبد الله، الذي يتابع قائلًا: “يجب التذكير بنقطة مهمة، وهي الاختلاف الجوهري بين قسد وحزب العمال الكردستاني. قسد تشكّلت بإرادة أميركية خالصة في إطار تحالف دولي لمحاربة تنظيم داعش المروّع. وحرصت أميركا على توسيع قسد لتخفيف الصبغة الأيديولوجية لحزب العمال الكردستاني والعصب الكردي عمومًا، وذلك بضم شرائح واسعة من عرب المنطقة إلى قسد الذين عانوا الويلات أيضًا من داعش. من هنا، يمكن القول إن مسألة قسد هي مرتبطة جزئيًا بإعلان أوجلان، ولكن بشكل أكبر بمصير سياسات الولايات المتحدة الأميركية في سوريا. بالضبط: تأثير أميركا على المفاوضات بين قسد ودمشق، أكبر بكثير من تأثير إعلان أوجلان على المفاوضات بين قسد ودمشق”.
بدوره يقول الباحث الكردي شورش درويش لـ”الترا سوريا”: “لا يمكن الحديث عن تأثير دعوة أوجلان على العلاقة بين دمشق والكرد، إلا إذا بدأت عملية جدية في تركيا، هذه الحالة يمكن تسميتها بالتأثيرات العابرة للحدود. وعليه، سينتظر كرد سوريا النتائج القادمة من تركيا”.
ويضيف: “ليس من السهل التحقق من إمكانية أن تؤدي دعوة أوجلان إلى حدوث تبدلات في مواقف كرد سوريا، مرة لأن أوضاع الكرد عمومًا متوقفة على قدرة الدولة التركية والعمال الكردستاني البدء بعملية سياسية مستقرة وثابتة تحت العنوان الذي وضعه أوجلان، ومرة لأن أوضاع كرد سوريا تتطلب معالجة خاصة، لا سيما ملف داعش، الهجمات التركية والفصائل السورية التابعة لها، وشكل إدماج قسد في التكتل العسكري المسمى (وزارة الدفاع السورية)، فضلاً عن تلبية مطالب الكرد في المواطنة المتساوية والتقليل من حدة النظام المركزي ومعالجة حقوق الكرد الدستورية والثقافية”.
من الجهة الأخرى للمشهد، يرى إقليم كردستان العراق في دعوة أوجلان تطورًا يعيد تشكيل المشهد الكردي في سوريا، حيث يمكن أن يضعف حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD)، القوة المهيمنة في شمال شرقي سوريا، ما يتيح فرصة لتعزيز نفوذ المجلس الوطني الكردي (ENKS)، المدعوم من أربيل. ويعتبر الإقليم أن هذه التطورات قد تعيد فتح الباب أمام حوار كردي-كردي لصياغة مستقبل مشترك في سوريا، خاصة في ظل الضغوط الدولية المتزايدة على “قسد” لفك ارتباطها مع العمال الكردستاني.
وفي اجتماع عُقد في كانون الثاني/يناير 2025، نصح مسعود بارزاني قيادة “قسد” لفك الارتباط لأنه يزيد من تعقيد علاقتها بالولايات المتحدة ويجعلها أكثر عرضة للضغوط التركية.
من هنا، تستغل أربيل هذا التطور لتعزيز موقعها كوسيط بين الأكراد وتركيا، خاصة أن إقليم كردستان العراق يسعى إلى توطيد علاقاته مع أنقرة وتخفيف التوتر مع واشنطن فيما يخص القضية الكردية السورية.
الكاتب دارا عبد الله يقول: “العلاقة بين قسد والمجلس الوطني الكردي كانت سيئة، وكانت قسد تبرر ذلك بأنّ المجلس الوطني الكردي هو جزء من منظومة “ائتلاف قوى الثورة والمعارضة السورية”، والمحكومة بسقف سياسي تركي كما تعتقد قسد. العلاقة بين قسد والمجلس الوطني الكردي تتحسن بدرجة أولى بضغط من عامل مهم هو نفوذ السيد مسعود البارزاني أولاً، وبفك علاقة المجلس الوطني الكردي مع الائتلاف ثانيًا (وهذا حصل طبعًا لأنّ الائتلاف حل نفسه)”.
يتجاوز تأثير دعوة أوجلان حدود تركيا ليعيد تشكيل التحالفات الكردية في سوريا والعراق، مما قد يؤدي إلى إعادة رسم التوازنات جديدة خلال الأشهر المقبلة. ومع ذلك، يبقى مصير “قسد” واستراتيجياتها السياسية والعسكرية محكومًا بعوامل أخرى، مثل مستقبل العلاقة الأميركية-التركية، ومواقف دمشق من أية مفاوضات قادمة، ومدى قدرة الأكراد على التوصل إلى توافق داخلي بين الفصائل المختلفة. كما أن أي تغيرات في المشهد السوري ستتطلب معالجة منفصلة للقضايا الأكثر إلحاحًا، مثل ملف داعش والوجود العسكري التركي والتوزيع المستقبلي للسلطة داخل سوريا.
يبقى السؤال الأساسي: هل ستتمكن “قسد” من إعادة تعريف دورها في سوريا في ظل هذه التغيرات؟ وهل ستدفعها التطورات نحو الحوار مع دمشق، أم أنها ستظل متمسكة بوضعها الحالي، على الرغم من المخاطر المحتملة؟
ما هو مؤكد أن هذه الدعوة لن تمر دون أثر، وسنشهد خلال الأشهر القادمة تحولات قد تعيد تشكيل المشهد الكردي السوري برمّته.
الترا سوريا
———————–
========================

بين الفدرالية والحوار مع دمشق.. هل تغيّر دعوة أوجلان مسار الكُرد السوريين؟
2025.02.28
رحب الكُرد السوريون بالدعوة التي أطلقها عبدالله أوجلان، زعيم حزب العمال الكردستاني، لحل الحزب والتخلي عن العمل المسلح، مؤكدين في الوقت ذاته ضرورة اتخاذ خطوات جدية من قبل كل من تركيا وحزب العمال الكردستاني لضمان نجاح عملية السلام بين الجانبين.
ويأمل الكُرد أن تسهم هذه الدعوة في خفض حدة التوتر بين قوات سوريا الديمقراطية وتركيا داخل الأراضي السورية، وتهيئة الأجواء لبدء عملية مفاوضات “دون عوائق” مع الحكومة السورية، بما يفتح المجال أمام حل سياسي أكثر استقرارا.
وقال سليمان أوسو، عضو الهيئة الرئاسية في المجلس الوطني الكردي، (كبرى الأطر السياسية الكردية في سوريا) لموقع تلفزيون سوريا إن دعوة أوجلان تعد مبادرة جريئة وفرصة حقيقية لإنهاء العنف، وفتح الباب أمام إيجاد حل سلمي للمسألة الكردية في تركيا.
انعكاسات الدعوة على الكُرد في سوريا
وفيما يتعلق بتأثير هذه الدعوة على الأوضاع في مناطق سيطرة “الإدارة الذاتية”، عبّر أوسو عن أمله في أن يستجيب حزب العمال الكردستاني لنداء زعيمه، داعياً تركية إلى التعاطي مع هذا النداء بإيجابية، عبر إطلاق حوار جاد يسهم في ترسيخ مبادئ الديمقراطية والمواطنة المتساوية.
وأشار أوسو إلى أن دعوة أوجلان بنزع سلاح حزب العمال الكردستاني وحله سيكون له انعكاسات إيجابية على الوضع الكردي في سوريا، حيث إن تطبيقه سيسري على جميع مقاتلي الحزب في مختلف المناطق.
وأوضح أن انسحاب مقاتلي العمال الكردستاني من سوريا سيؤدي إلى طمأنة تركيا، مما سيسهم في تهدئة الأوضاع الأمنية وخلق مناخ أكثر استقرارا.
وأضاف أن هذه المستجدات قد تتيح فرصة للحوار بين الحركة السياسية الكردية في سوريا والسلطات الجديدة في دمشق، بهدف إيجاد حل سياسي سلمي للقضية الكردية في البلاد. على حد قوله.
وقال أوجلان في كلمته الموجه لحزب وأنصاره إن ” الحلول القائمة على النزعات القومية المتطرفة، مثل إنشاء دولة قومية منفصلة، أو الفيدرالية، أو الحكم الذاتي، أو الحلول الثقافوية، فهي لا تلبي متطلبات الحقوق الاجتماعية التاريخية للمجتمع”.
وعلق أوسو على موقف أوجلان من المطالبة بالفدرالية أو الحكم الذاتي، بأن “جوهر دعوة أوجلان يتمثل في نبذ العنف واعتماد الوسائل السلمية في حل المسألة الكردية في تركيا، مشددا على أن وضع الكُرد في سوريا يتمتع بخصوصية تختلف عن أوضاعهم في تركيا، العراق، أو إيران”.
وأوضح أن الكرد في سوريا يسعون إلى الاعتراف الدستوري بهم كشعب أصيل في البلاد، وتأمين حقوقهم القومية والديمقراطية في إطار دولة سورية اتحادية، معتبرا أن نظام الحكم المركزي أثبت فشله منذ الاستقلال وحتى اليوم.
وأكد زعيم قوات سوريا الديمقراطية (قسد) مظلوم عبدي في تصريح لوكالة رويترز أمس الخميس أن إعلان عبد الله أوجلان لإلقاء السلاح وحل الحزب يخص العمال الكردستاني فقط، ولا علاقة له بقواته في سوريا، مشدداً على أن الأوضاع الراهنة في شمال شرقي سوريا تتطلب مقاربة مختلفة.
من جهته أشار أوسو إلى أن “النظام الفيدرالي هو النموذج الأمثل لدولة مثل سوريا، التي تضم قوميات وأديان وثقافات متعددة، معتبرا أنه يمثل الحل الأكثر عدالة لضمان حقوق جميع مكونات الشعب السوري”.
واختتم أوسو حديثه بالتأكيد على أن الحل السياسي السلمي هو الخيار الأفضل لضمان حقوق الكُرد في سوريا، بعيدا عن العنف والصراعات المسلحة، لافتا إلى أن التوجه نحو الحوار والتفاهم يمكن أن يفتح آفاقا جديدة لمستقبل أكثر استقرارا وعدالة للأكراد في سوريا والمنطقة عموما.
دعوة أوجلان خطوة لإنهاء هيمنة العمال الكردستاني على أكراد سوريا
قال الناشط السياسي جوان شيخو، من الحسكة، لموقع تلفزيون سوريا إن الكُرد في سوريا يعتبرون دعوة عبدالله أوجلان لحل حزب العمال الكردستاني والتخلي عن السلاح خطوة إيجابية، ليس فقط لأنها تساهم في إنهاء العنف، بل أيضا لأنها تمثل فرصة لإنهاء تدخل الحزب وهيمنته على شؤون الكرُد السوريين.
وأضاف: “لقد عانى الكُرد في سوريا كثيرا من تبعات سياسات حزب العمال، التي زجّتنا في صراعات لا علاقة لنا بها، ووضعتنا في مواجهة مباشرة مع تركيا، مما أثّر سلبا على قضيتنا وحقوقنا المشروعة داخل سوريا”.
“فدرلة سوريا” مطلب كردي مشترك
وشدد شيخو على أن الكُرد السوريين يرفضون أي إملاءات أو توجيهات، سواء من أوجلان أو أي جهة أخرى، فيما يتعلق بشكل مطالبهم السياسية، موضحا أن للأكراد في سوريا خصوصيتهم السياسية والتاريخية، التي تختلف عن واقع الكرُد في الدول المجاورة.
وقال: “نحن لا نرى أن التخلي عن فكرة الحكم الذاتي أمر مقبول، بل على العكس، نعتبره ضرورة ملحّة لضمان عدم تكرار مآسي الماضي مع الحكومات المركزية، التي مارست القمع والتهميش بحقنا لعقود طويلة”.
وأوضح أن المطلب الأساسي للأكراد في سوريا هو الاعتراف الدستوري بحقوقهم كشعب أصيل في البلاد، وتأمين حقوقهم القومية والديمقراطية ضمن إطار حكم ذاتي أو نظام فيدرالي يضمن الشراكة الحقيقية في إدارة الدولة.
وكشف شيخو إن ” المعلومات الحالية تشير إلى توافق بين الأطراف السياسية الكردية في سوريا على التوجه إلى دمشق برؤية سياسية موحدة، تركز على إقامة نظام لا مركزي يمنح الكُرد خصوصية لإدارة مناطقهم بصلاحيات واسعة، بمعزل عن الحكومة المركزية”.
وأشار الناشط السياسي إلى أن نظام الحكم المركزي أثبت فشله تماما في استيعاب التنوع القومي والديني في سوريا، محذرا من أن غياب الحلول السياسية العادلة سيؤدي إلى استمرار الأزمات والتوترات في البلاد.
وختم حديثه بالقول: “نأمل أن تكون دعوة أوجلان بداية لمرحلة جديدة، تُنهي التدخل الخارجي في قضيتنا، وتمكننا من تقرير مصيرنا عبر الحوار والتفاهم مع شركائنا في الوطن”.
وقد حظيت دعوة عبد الله أوجلان لنزع سلاح حزب العمال الكردستاني وحلّه بترحيب واسع في الأوساط الكردية، خاصة في سوريا والعراق. ومع ذلك، لم يصدر حتى الآن أي تعليق رسمي من الحكومة التركية وقادة الحزب، ما يترك التساؤلات مفتوحة حول مدى استجابة العمال الكردستاني لنداء زعيمه وتداعياته المحتملة على المشهد السياسي والأمني في المنطقة.
تلفزيون سوريا
————————
زعيم حزب العمال الكردستاني يعلن إلقاء السلاح!
تحديث 28 شباط 2025
أطلق مؤسس حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان، أمس الخميس، نداء دعا فيه حزبه إلى إلقاء السلاح وحلّ نفسه.، مؤكدا أنه يتحمل المسؤولية التاريخية لهذه الدعوة.
قدّم «آبو» (كما يسميه أنصاره) أسبابا لدعوته رابطا إياها بانهيار «الاشتراكية الواقعية» في العالم، و«تراجع سياسة إنكار الهوية في البلاد» والتطورات التي شهدتها حرية التعبير، و«بذلك فقد الحزب أهميته» و«استكمل دوره مثل نظرائه وأصبح حلّه ضرورة».
يقول أوجلان أن الأتراك والأكراد سعوا «للحفاظ على وجودهم والصمود في وجه القوى المهيمنة، مما جعل التحالف القائم على الطوعية ضرورة دائمة» معتبرا أن هدف «الحداثة الرأسمالية» الأساسي هو «تفكيك هذا التحالف» و«مع التفسيرات الأحادية للجمهورية تسارع هذا المسار» مما أوجب «إعادة تنظيم هذه العلاقة التاريخية التي أصبحت هشة للغاية» وذلك «بروح الأخوة مع مراعاة المعتقدات» ليصل إلى نتيجة حاسمة وهي أنه «لا يوجد طريق آخر غير الديمقراطية».
يعتبر أوجلان في ندائه أن اتجاه حزب العمال إلى العنف كان «نتيجة إغلاق قنوات السياسة الديمقراطية» ويرفض دعوات الانفصال القومي، والحكم الذاتي والفدرالية باعتبارها «حلولا ثقافوية لا تلبي متطلبات الحقوق الاجتماعية التاريخية للمجتمع» ويخلص إلى «ضرورة اتحاد» الأكراد والأتراك، في «مجتمع ديمقراطي» يقوم على «احترام الهوية، وحرية التعبير، والتنظيم الديمقراطي، وبناء الهياكل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية لكل فئة وفقا لأسسها الخاصة».
على المستوى الجغرافي، واضح أن أوجلان يخصّ الأكراد في تركيا بحديثه، فيربط رسالته بدعوة دولت بهتشلي، الزعيم التركي الذي طالبه بإلقاء خطاب في البرلمان التركي، وبـ»الإرادة التي أظهرها السيد رئيس الجمهورية» رجب طيب اردوغان، وبـ»المواقف الإيجابية للأحزاب السياسية الأخرى».
كان لحزب المساواة والديمقراطية الشعبية، وهو الحزب الثالث حجما في البرلمان التركي، أثر في المفاوضات التي أدت إلى هذا التطوّر المهم، ويسعى هذا الحزب إلى تعزيز الديمقراطية وحقوق الكرد في تركيا، وهو ما يقتضي إنهاء الحقبة الطويلة للكفاح المسلّح التي ابتدأها حزب العمال في تركيا وإيران بعد 6 سنوات من تأسيسه (عام 1978) والواضح أن «المساواة والديمقراطية» نجح في إقناع أوجلان بضرورة توحيد الجهود الكردية في تركيا في هذا الاتجاه.
من الصعب ألا يكون للنداء، رغم أنه يتوجه بالخصوص إلى الأكراد في تركيا، تأثير على باقي الساحات التي يتواجد فيها حزب العمال، وعلى الخصوص في سوريا، التي يسيطر فيها على ثلاث محافظات شرق نهر الفرات، ويتمتّع فيها بحماية من «قوات التحالف» التي تقودها أمريكا، كما أن أوجلان نفسه، عاش فيها 19 سنة، تحالف حزبه خلالها مع نظام حافظ الأسد، قبل اضطراره للخروج منها واعتقاله في كينيا عام 1999.
كان متوقعا، والحال كذلك، أن يعتمد مظلوم عبدي، قائد «قوات سوريا الديمقراطية» (المرتبطة بحزب العمال) تخصيص أوجلان للأكراد في تركيا بندائه للتملّص من انطباق هذا القرار على «فروع» حزب العمال المنتشرة في سوريا والعراق وإيران، بقوله إن النداء يدعو لبدء «عملية سياسية سلمية داخل تركيا» و«لا علاقة له بنا في سوريا» خالصا إلى أنه «إذا تحقق السلام في تركيا» فهذا يعني أنه لا مبرر للسلطات التركية لمواصلة الهجمات على الحزب في سوريا، وهو عكس ما حصل لدى رئاسة كردستان العراق (التي ينازعها حزب العمال على بعض مناطق نفوذها في جبل قنديل وسنجار) التي أعلنت ترحيبها بالنداء مطالبة الحزب الالتزام بتنفيذ هذه الرسالة، مع التأكيد على استعداد إقليم كردستان العراق «لدعم عملية السلام بشكل كامل».
تحوّل أوجلان («المنتقم» حسب ترجمة اسمه) من المؤسس شبه المعبود من حزب العمال الذي أسسه قبل 47 عاما إلى داعية ديمقراطية وسلام، وهو ما يمكن أن يفتح الباب لتسوية تاريخية طال انتظارها وحصدت عشرات آلاف القتلى والجرحى والتداعيات الهائلة على تركيا وجوارها، لكن الواضح أن قيادات حزب العمال في سوريا والعراق لديهم رأي آخر في هذه المسألة.
القدس العربي
———————–
لحظة كردية جديدة: أوجلان وقسد والإدارة السورية/ صبا مدور
الجمعة 2025/02/28
حزب العمال الكردستاني عند مفترق طرق، وربما إحداها هي الفصل الأخير في تاريخه مع مؤسسه عبد الله أوجلان، الزعيم الانفصالي السجين في تركيا منذ ربع قرن. فقد دعا أوجلان تنظيمه بعد عقود من العمل المسلح لإلقاء سلاحه نهائياً وحلّ نفسه. وبالرغم من حمولة هذه الدعوة إلا أنها في الواقع جاءت في توقيت ليس استثنائيًا، ولكنه مهم، وربما تشكل منعطفاً فاصلاً وحاسماً في نهج التعاطي مع المسألة الكردية، بالإضافة لترتيبات مختلفة في صفوف حركاتها.
وبقدر ما تحمله الدعوة من أهمية لدى القواعد الشعبية المؤيدة لحزب العمال، نظراً لرمزية عبد الله أوجلان ودوره في نضال الحركة، إلا أن تأثيرها داخل صفوف التنظيم قد يكون محدوداً، بفعل تعقيدات بنيته الداخلية والمعطيات الإقليمية الراهنة. كما أن توقيتها يتزامن مع توتر غير مسبوق بين أنقرة وحزب العمال، تراكم فيها الكثير من العمليات القتالية، لتصل إلى أسوأ مراحل العلاقة بين الطرفين. ما يثير تساؤلات جدية حول مدى فعالية الدعوة في إحداث تغيير حقيقي على الأرض.
سبق لأوجلان أن دعا إلى الهدنة مرتين، الأولى في عام 2006، والثانية في عام 2013، حين طالب في كلتيهما بوقف العمل المسلح وفتح قنوات للحوار مع الحكومة التركية. ورغم أن تلك المبادرات كانت تملك مقومات الانفراج، فإنها فشلت بسبب بروز لحظات مفصلية كردية، أعادت الطموح الكردي، أبرزها صعود وحدات حماية الشعب في سوريا، ما دفع التنظيم لاستئناف القتال، وما زاد بتكريس قناعات صعوبة المسار السلمي.
وبمقتضى الحال، كانت الأحزاب الكردية اليوم على علم مسبق بمضامين الخطاب، حيث بدأت دلالات الرفض من قبل التنظيم بعد الإعلان عن المبادرة مباشرة في أكتوبر الماضي من قبل دولت بهتشلي، زعيم حزب الحركة القومية وحليف الرئيس رجب طيب أردوغان، حينما شهدت العاصمة التركية أنقرة هجوماً إرهابياً استهدف مقر شركة الصناعات الجوية والفضائية التركية (توساش)، والتي أعلن حزب العمال الكردستاني مسؤوليته عن هذا الهجوم، مما أعطى رسائل واضحة عن إحجام الأجنحة الانفصالية عن هذه المبادرة ومحاولة إجهاضها في مهدها. ومعطوف عليه أنه خلال الشهور الأربعة الماضية التي شهدت تحولات مفصلية في المشهد الإقليمي أبرزها هزيمة نظام الأسد وإيران في سوريا، ووصول المعارضة السورية للحكم، لم تبد هذه الأحزاب أي مؤشرات أو نوايا فعلية على الأرض تعكس استعدادها للتكيف مع مرحلة جديدة بمسار سلمي، مما يعزز الشكوك حول مدى جدّية المبادرة وإمكانية ترجمتها لتحول تاريخي.
وفي سطور رسالة أوجلان، فإنها حملت مراجعات فكرية هائلة وعميقة لنهج الحزب، جاءت نتيجة سنوات طويلة من السجن، أعادت تشكيل وعي أوجلان السياسي وإدراكه لحجم التكلفة الباهظة للطموح الكردي المسلح. أحد أهداف هذه الدعوة هو الإقرار بانتفاء مقومات استمرار التنظيم بسبب التحولات الجذرية الداخلية والإقليمية. لكن بالحقيقة لم يعد لـPKK وجود فعلي، سواء على المستوى الشعبي أو العسكري في تركيا. لذلك فإن الرسالة الحقيقية في البيان كانت تستهدف قادة قنديل، ووحدات حماية الشعب الكردية في سوريا على وجه الخصوص.
لذلك سارع مظلوم عبدي، قائد ما يُعرف بقوات سوريا الديمقراطية قسد، إلى محاولة فصل المسارات عبر التأكيد على أن دعوة أوجلان تخص حزب العمال الكردستاني في تركيا فقط، وليست مرتبطة بقواته في سوريا. ولكن بالواقع فإن ارتدادات هذه الدعوة لا يمكن احتواؤها بمجرد النأي بالنفس. إذ توفر دعوة أوجلان هامشاً أوسع للحكومة التركية، وكذلك للإدارة السورية في المفاوضات الراهنة مع قسد، التي وجدت نفسها تلقائياً في موقف أضعف بفعل تصريحات أوجلان، مما يضيق مساحة المناورة أمامها.
هذا لا يعني أن قسد ستتخلى عن سلاحها، لكنها ستراهن على عامل الوقت، على أمل أن تطرأ تغييرات إقليمية أو تفاهمات دولية قد تصب في مصلحتها، مما يمنحها فرصة أكبر لفرض نفسها كطرف سياسي وعسكري فاعل مستقل. غير أن هذا الرهان، في الوقت ذاته، يشكل عاملاً سلبياً ضدها. فكلما طال الوقت، تكتسب الإدارة السورية زخماً داخلياً ودعماً خارجياً، بينما تفقد قسد تدريجياً مشروعيتها. إلى جانب ذلك، أن الدعم الأميركي غير مضمون، نظراً لعدم شهية إدارة ترامب للانخراط والبقاء في سوريا من خلال التحالف مع قسد، بمقابل مصالح أكبر تربطها بتركيا، التي تمثل شريكًا استراتيجيًا أكبر، فضلاً عن إمكانية القضاء على خلايا داعش المتبقية من دون الحاجة إلى قسد.
وأمام هذا الواقع الجديد، ستتربص الأحزاب الكردية بكلمة مفتاحية بأن خريطة الطريق غير واضحة، حول كيفية حل الحزب نفسه والمضي قدمًا في حوار مع الحكومة التركية في الوقت نفسه، وما إذا كان تسليم السلاح شرطاً مسبقاً للمفاوضات أم نتيجة لها. وهذا ما تجلى في أول تصريح لصالح مسلم زعيم حزب الاتحاد الديمقراطي PYD الجناح السوري لحزب العمال الكردستاني، بتأكيده أنهم مستعدون لترك العمل المسلح إذا سُمح لهم بالعمل السياسي. ما يعني فعليا إلقاء الكرة في ملعب أنقرة وجعلها الطرف الذي يتحمل مسؤولية الخطوة التالية.
تواجه دعوة عبد الله أوجلان عدة معضلات تتعلق بآليات تنفيذها وضماناتها. فحزب العمال الكردستاني يعاني من انقسامات داخل أجنحته. كما ترى بعض الفصائل الانفصالية في الظروف الإقليمية الحالية فرصة لتحقيق تطلعاتها الانفصالية بدعم إسرائيلي، خصوصاً في ظل هشاشة الوضع الأمني والسياسي في سوريا. بالإضافة إلى أن طول سنوات الصراع أفرزت قيادات راديكالية جديدة داخل التنظيم، مثل مراد قره يلان وجميل بايك، الذين لهم حساباتهم الخاصة، ما يجعل احتمال جنوحهم للسلام ضئيلاً، إلى جانب ما قد تواجهه الدعوة من معارضة في بعض الأوساط التركية لأي تفاوض مع قواعد التنظيم.
وكذلك الواقع الجيوسياسي، لا يمكن التغافل عن أن مصالح هذه الفصائل تتداخل مع مصالح أطراف إقليمية أخرى، مثل إيران وإسرائيل، من خلال الدعم، فلا تدع مجالاً لقادة التنظيم في جبال قنديل باتخاذ قرار مستقل. فإيران وإسرائيل توظفان استمرار حالة الصراع للضغط على أنقرة ودمشق لابتزازهما في تسويات مقابلة. وإيران، تملك تاريخًا طويلًا من التدخل في الشأن الكردي، وما قدمته من دعم لتنظيم الـ”بي. كي. كي” قد يتجاوز الدعم الأميركي المقدم لقسد، لاسيما من خلال رعاية الميليشيات التابعة لإيران، ليتمتع التنظيم بمستقر شبه آمن في سنجار بشمال العراق، منطلق عملياته ضد تركيا، رغم الرفض المعلن لوجوده من جانب الحكومة العراقية.
أما إسرائيل، فتهدف من تدخلها في الأحزاب الكردية لدفع أنقرة إلى الحياد في القضية الفلسطينية وتقديم تنازلات سياسية في ملفات أخرى، سعياً لتحسين العلاقات الثنائية الإسرائيلية-التركية. ويتضح هذا التوجه من خلال التصريحات التي أدلى بها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ووزير الخارجية الأسبق أحمد داود أوغلو، حين طرح الأخير فكرة ربط قطاع غزة بتركيا كمنطقة ذات حكم ذاتي، وهو ما تعتبره إسرائيل تهديدًا لمعادلات السيطرة في المنطقة.
في كل الأحوال، حتى في ضوء هذه التعقيدات وحضور الحل العسكري بين الخيارات، فلا تزال هناك فرصة حقيقية للحل السلمي، قد تدفع لإنهاء الإشكالية الكردية التي طالما شكلت عامل اضطراب في الإقليم، وأثرت على علاقاته لعقود. ومآلات التعاطي مع دعوة أوجلان ستكشف جزءاً مهماً من ملامح السياسة الأميركية في المنطقة، وإن لم تكن مرتبطة بها بشكل مباشر. فبالنسبة للأكراد، تحقق لهم هذه الدعوة الحفاظ على هويتهم وحقوقهم وضمان اندماجهم من خلال حقوق المواطنة، من دون دفع المزيد في فاتورة الدم، وكذلك لتركيا، بما يتماشى مع ترتيباتها الأمنية، إضافة إلى تحقيق توافق داخلي يُساعد حزب العدالة والتنمية في تمرير تعديل دستوري جوهري.
سورياً، حيث تتجذر المعضلة ويتحدد مسار الحل، فإن الدعوة تتيح أيضًا فرصة استراتيجية للإدارة السورية لحسم ملف الفيدراليات، وإغلاق الباب أمام الطروحات الانفصالية. إذ إن التوصل إلى حسم في الشمال سيؤدي بالضرورة إلى إنهاء الإشكالات العالقة في الجنوب.
المدن
———————–
عبدالله أوجلان: وداعاً أيها السلاح/ محمد حجيري
الجمعة 2025/02/28
بعد دعوته إلى حلّ حزب العمال الكردستاني وإلقاء السلاح بما يذكر برواية إرنست همنغواي “وداعاً أيها السلاح”، تتجه الأنظار إلى الزعيم الكردي عبد الله أوجلان، الذي من المتوقع أن يتوصل إلى صفقة أو تسوية مع الدولة التركية تؤدي في النهاية إلى الإفراج عنه. فقد عاد أوجلان، الذي سُجن قبل 26 عاماً، إلى دائرة الضوء في تركيا بعد حديث عن إنهاء الصراع الذي بدأه قبل 45 عاماً ضد الدولة التركية.
أوجلان أو “أبو” (وتعني “العم” بالكردية)، الذي لم يكن زعيمًا عاديًا بل كان معبودًا لأعضاء حزب العمال الكردستاني ومؤيديه، ثمة من يقول إن إسمه بالتركية يعني “المنتقم” أو “طالب الانتقام”، وهو يكتب أنه منذ نعومةِ أظافره كانوا يلقبونه بـ”Dînê çolê”، أي “مجنون البراري والجبال”.
وُلد أوجلان، في بلدة ولاية شانلي أورفا، جنوب غربي تركيا، لأمّ تركيّة وأبٍ كرديّ. وتذكر بعض التقارير أنه ولد العام 1948 وربما 1949. وتتضمن سيرته الكثير من التشعبات والتحولات في خضم الحرب الباردة والصراعات العالمية والشرق أوسطية، وهو من الشخصيات المثيرة التي كانت “بندقية للإيجار”(تسمية باتريك سيل للفلسطيني”أبو نضال”).
تنقل الصحافية مروة شبنم أوروج (في مقال مترجم في مجلة “قلمون”) أنه من المثير للاهتمام أن أوجلان كان يحلمُ بأن يكون جنديًا في طفولته، لكنه عندما لم يتمكن من اجتياز امتحانات الثانوية العسكرية، التحق بثانوية الأناضول المهنية للسجل العقاري. واللافت أن زعيم المنظمة الماركسية اللينينية الستالينية، كان في السابق محافِظًا (يمينيًا إسلاميًا). وبحسب كتاب “الملفّ الكردي” للصحافي أوغور مومجو، كان أوجلان يصلّي في مساجد أنقرة أحيانًا، ويشارك في الأنشطة المناهضة للشيوعية. وهو أمام هذه المعطيات، كان سباقاً في التكويع الإيديولوجي، وربما لا يختلف عن بعض الشخصيات اللبنانية من أصحاب “المسارات المتعاكسة” الذين انتقلوا من اليسار إلى الطوائف، واليوم يكوّع إلى مسار جديد سيأخذ الكثير من الجدل والنقاش، والأرجح أتى التكويع بعد مجموعة من التفاهمات.
“المنتقم” بدأ من أنقرة
مع إيجابية الموقف التاريخي ووداع السلاح والتكويع الجديد، لا بد من قراءة سيرة “أبو” الذي وظف القضية الكردية ضمن لعبة حروب الآخرين، أو في خدمة حروب الآخرين. كان أوجلان يمارس عمله كموظف في ديار بكر العام 1969، والتحق بكلية الحقوق، وفي العام ذاته نقل تعليمه إلى كلية العلوم السياسية في جامعة أنقرة حيث بدأ نشاطه السياسي، وخلال سنوات دراسته الجامعية، أصبح مهتمًا بالآراء الشيوعية. بدأ أوجلان عمله السياسي كعضو شعبة في “جمعية ثوار الثقافة الشرقية” في إسطنبول العام 1970. واعتُقل للمرة الأولى في 7 نيسان 1973، عندما كان يوزع منشورات، ليقضي سبعة أشهر في السجن. بدأ يحلم بدولة كردستانية اشتراكية في ظل المنظومة الشيوعية وتمدّد الاتحاد السوفياتي، ليحشد المؤيدين لمشروعه العام 1973. بعد عام، تحولت تلك الاجتماعات إلى منظمة سمّيت “جمعية أنقرة الديموقراطية للتعليم العالي”.
شرع أوجلان في تأسيس “حزب العمال الكردستاني” في العام 1978 في تركيا، بهدف تأسيس دولة للكرد في المنطقة الواقعة بين العراق وسوريا وتركيا وإيران، وأعلن الحزب توسيع نطاق نشاطه، وخاض ما يسمى بـ”العنف الثوري” وحرب المدن التي استمرت ثلاث سنوات وتوقفت بسبب انقلاب 12 أيلول 1980 وحكم المجلس العسكري. دخل اوجلان إلى سوريا العام 1980 في عهد الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، الذي سمح له بإقامة معسكرات تدريب لأعضائه في سهل البقاع داخل الأراضي اللبنانية أيام الاحتلال السوري للبنان. وعلى شاكلة نظام الملالي ذي “الحرس الثوري” في إيران، كانت للنظام الأسدي الأبدي(زمن الأب) مجموعة من الأذرع الماكرة، بدءاً من الفلسطينيين أبو موسى وأحمد جبريل وزهير محسن، وصولاً إلى عشرات الشخصيات اللبنانية والعراقية والموريتانية والأردنية والمصرية. كان نظام الأسد يهدف إلى الإستيلاء على قرار القضية الفلسطينية، كما استولى على قرار السيادة اللبنانية بعد حروب طاحنة ومتنقلة واغتيالات ومساومات ودعم أميركي.
ولم ينحصر المشروع الأسدي آنذاك في “خاصرة سوريا الرخوة” (لبنان)، أو جنوب سوريا (أي فلسطين)، بل امتد إلى دعم منظمات عديدة مثل (الجيش الأرميني السري لتحرير أرمينيا) و”DEV-SOL” (اليسار الثوري)، وحزب البعث الأريتري، ومن بين الأذرع الأكثر نفوذاً كان حزب العمال الكردستاني الأوجلاني. وفقًا للبعض، سمح حافظ الأسد لأوجلان بإنشاء معسكرات في ضيافة منظمات فلسطينية، مقابل “السيطرة على أكراد سوريا”، وساهم النظام السوري في تلميع صورة أوجلان من خلال بعض الصحافيين والكتّاب والكتب الحوارية، حيث يبدو أن الأسد كان يرمي القضية الكردية على تركيا، وأوجلان يجاريه في مشروعه.
وتنقل مروة شبنم أوروج، أن أوجلان قرّر في العام 1984، بدء حرب طويلة الأمد، في إطار المفهوم الذي طرحه الزعيم الصيني ماو تسي تونغ وثورته الثقافية وحروبه. شن التنظيم هجوماً كبيراً في 15 شباط/فبراير1984. ولا ضرورة الآن لسرد يوميات الحرب الأوجلانية، معروفة التفاصيل والنتائج. في أيلول/سبتمبر1998، تحدث الجنرال أتيلا أتيش، قائد القوات البرية في الجيش التركي، من هاتاي، مشيراً إلى إمكانية إعلان حرب على سوريا: “لقد نفد صبرنا. إن لم يتخذوا الإجراءات، فإن علينا -الأمة التركية- اتخاذ جميع التدابير اللازمة”.
دخل الرئيس المصري الأسبق، حسني مبارك، على خط الوساطة بين حافظ الأسد والرئيس التركي سليمان ديمريل. كانت تركيا حازمة. أنهت استعداداتها للحرب، وأمهلت دمشقَ 45 يومًا. فاضطر حافظ الأسد إلى التراجع، وإخراج زعيم أوجلان من أراضيه الذي يقال أنه كان يقطن المبنى حيث يسكن الملحق العسكري التركي في دمشق. بعد ذلك، وقّع البلدان “اتفاق أضنة” في 20 تشرين الأول 1998.
في تلك الفترة، كان الزعيم الكردي ملاحقاً من قبل الاستخبارات المركزية الأميركية، و”الموساد” الإسرائيلي، والمخابرات التركية، والمخابرات اليونانية. وانتقل من سوريا إلى روسيا ثمّ إيطاليا. وبعد إخراجه منها أيضاً من قبل الحكومة الإيطالية، اختبأ في السفارة اليونانية في كينيا. حاول الحصول على لجوء سياسي، لكنه لم ينجح في مسعاه، وبعد إخراجه من السفارة اليونانية، ألقت وحدات أمن كينية القبض عليه، وسلّمته في 15 شباط/فبراير1999 لمسؤولي الأمن التركي. نُقل بطائرة خاصة إلى تركيا، وصدر بحقه حكم بالإعدام، قبل أن يتحول إلى حكم السجن مدى الحياة، بعدما ألغت أنقرة عقوبة الإعدام العام 2002. تكشفت قضية أوجلان تباعاً، في مقابلةٍ أجراها مع إحدى القنوات الإعلامية التركية العام 2011، بالتزامن مع ازدياد قمع التظاهرات.
دَور جميل الأسد
ويروي عبد الحليم خدام، الذي كان نائب الرئيس السوري حينذاك، واصفا مجيء أوجلان إلى دمشق: “لعب شقيق حافظ الأسد، جميل الأسد، الذي توفي في كانون الأول/ديسمبر2004، دوراً مهماً في تثبيت إقامة عبد الله أوجلان في سوريا. أظن أن جميل الأسد جلب أوجلان ليستخدمه ضد تركيا، وكان جميل الأسد مقرّبًا من أوجلان، ولم يكن حافظ الأسد يلتقي بأوجلان بشكل مباشر، لكنه كان يتلقى المعلومات التي تخص أوجلان من شقيقه جميل بشكل دوري”. وهنا صور تجمع أوجلان وجميل الأسد ومعراج اورال.
كتب الباحث وضاح شرارة في جريدة “الحياة” المحتجبة، بعد توقيف أوجلان، أنه “قد يكون من أكثر الأمور ضرراً على الحركة الوطنية والإستقلالية الكردية، وهي غير الحركة الإنفصالية والإرهابية الغالبة والظاهرة اليوم، الإرث الذي خلفه عبدالله أوجَلان وترعاه قيادة حزب العمال الكردستاني وقواعده المقاتلة. وهذا من مراوغة التاريخ وحِيَله. فالرجل الذي يتعرَّفُه أكراد كثيرون وجهاً بارزاً، وربما الوجه الأبرز، لنازعهم القوي إلى الاستقلال بهوية تاريخية وثقافية قد لا تستقل بهوية سياسية ناجزة في وقت منظور، هذا الرجل هو نفسه من حمل السياسة الكردية اليوم، وفي مناسبة خطفه واعتقاله، على ركوب أغلاط وهفوات أودت به، وقد تودي بحركة الشعب الكردي الوطنية”.
أما أوجلان فكتب: “المعادلةُ التي كانت سائدةً أثناء المرحلة التي أدت إلى خروجي من سوريا، أكثرُ لفتاً للأنظار. فالرؤية التي أخرجَتني من سوريا، ترتكز مجدداً في مضمونها إلى تضارُبِ الأهميةِ الفائقةِ التي أَعَرتُها دوماً لعلاقاتِ الصداقةِ مع سياسةِ إسرائيل تجاه الكرد. فإسرائيلُ التي عَوَّلَت على رُبُوبِيَّتِها وزعامتها للقضية الكردية، وخصوصاً بعد الحرب العالمية الثانية، كانت قد أضحَت بالغةَ الحساسية تجاهها، لدرجةٍ لن تحتملَ معها طرازاً ثانياً من الحلِّ في ما يتعلقُ بالقضيةِ الكرديةِ التي بدأَ وقْعُ صداها يتسعُ طردياً متمثلاً في شخصي. ذلك أن طرازي في الحل لَم يَكنْ يتناسبُ إطلاقاً مع حساباتِهم. عليَّ ألاّ أنكرَ دورَ الاستخبارات الإسرائيلية (الموساد) التي دَعَتني بشكلٍ غيرِ مباشر إلى طريقتها في الحل. لكني لم أكن مستعداً أو منفتحاً لذلك، أخلاقياً كان أم سياسياً. لم تَرغَب الإدارةُ السورية العربية تجاوزَ شكلِ العلاقات التي يغلب عليها الطابع التكتيكي مع قيادة PKK، علماً أن رئاسة حافظ الأسد تحققت اعتماداً على صراع الهيمنةِ بين الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفياتي”. ويضيف: “لَم يَكن حافظ الأسد قادراً على الحفاظ على أية علاقةٍ تكتيكية، في ظلِّ الأجواءِ الحَرِجةِ البارزةِ مع انهيار الاتحادِ السوفياتيّ”.
أوجلان لبشار الأسد: “أعطونا حكماً ذاتياً وسندعمكم”
في العام 2013، عندما غيّرت الولايات المتحدة الاميركية سياساتها تجاه سوريا، وقدّمت الدعم بالأسلحة لـ(PYD)، الذراع السوري لـ(PKK)، تحت مسمى “مكافحة إرهاب داعش”، ثم في 2014، كان هناك خبر جديد يشغل الإعلام التركي. ووفقًا لهذا الخبر، أن عبد الله أوجلان كتب رسالةً إلى بشار الأسد في 22 نيسان/أبريل 2011، قال فيها: “أعطونا حكمًا ذاتيًا، وسندعمكم”. وفي العام 2013، أطلقت الجمهورية التركية عملية تاريخية، وهي “حلّ المسألة الكردية”، مع بدء سيطرة (PYD) على أجزاء من شمال سوريا، بإذن من النظام السوري.
في العام 2014 أيضاً، وجّه أوجلان رسالة إلى الحكومة التركية والأطراف الكردية، شدّد فيها على ضرورة التمسك بالسلام، وحذّر من داخل سجنه، من مخططات إفشال مسيرة السلام. كما دعا أنصاره، في نهاية شباط/فبراير2015، إلى السعي لإنهاء الصراع المسلح مع تركيا، معتبراً أن الحاجة ماسة إلى قرار وصفه بـ”التاريخي”، للتوصل إلى “حل ديموقراطي”.
وبعد حوالى عقد من الزمن، عادت قضية أوجلان إلى الواجهة بعدما وجّه رئيس حزب “الحركة القومية” دولت بهشتلي، المنضوي في الائتلاف الحاكم في تشرين الأول/أكتوبر2023، دعوةً للزعيم الكردي للحضور إلى البرلمان وإعلان حلّ حزبه، مقابل إطلاق سراحه. وبعد مفاوضات، وبعد 26 عاماً من السجن، تُوجّت هذه المفاوضات بـ”إعلان تاريخي” لأوجلان، دعا فيه إلى إلقاء السلاح وحل “حزب العمال الكردستاني”.
وبغض النظر عن سيرة أوجلان، فإن الأسئلة بعد موقفه الأخير تبقى ملحّة: هل ينال الأكراد حقوقهم في تركيا بعد عقود مديدة من القمع الثقافي والإثني؟ وهل ستتحقق ديموقراطية حقيقية تقوم على الشراكة، وليس على الإقصاء؟ وهل سيتجاوب حزب العمال في سوريا مع موقفه؟
المدن
———————–
قراءة عراقية في دعوة أوجلان حزبه إلى إلقاء السلاح/ عثمان المختار
28 فبراير 2025
غطّى بيان مؤسس حزب العمال الكردستاني التركي عبد الله أوجلان التي دعا فيه، أمس الخميس، إلى حل الحزب وإلقاء السلاح، على مجمل المشهد في مناطق إقليم كردستان، شمالي العراق وغربي محافظة نينوى الحدودية مع الحسكة السورية، ضمن بلدة سنجار الواقعة تحت نفوذ مسلحي هذا الحزب الذي يعود تاريخ وجوده في العراق إلى مطلع تسعينيات القرن الماضي، ويُخضِع مناطق واسعة، تُقدر بأكثر من سبعة آلاف كيلومتر مربع، لسيطرته، وأبرزها مناطق قنديل وسيدكان وسوران والزاب وزاخو، شمالي دهوك وشرقي أربيل على الحدود مع الأراضي التركية.
مواقف رسمية من بغداد وأربيل والسليمانية
بغداد التي أدرجت قبل عدة أشهر الحزب “منظمةً محظورةً” ضمن إجراءات التفاهم مع تركيا، للتضيق على وجوده بالعراق، رحّبت رسمياً بدعوة أوجلان حزبه لإلقاء السلاح، وقالت الخارجية العراقية، في بيان، إنها “خطوة بالغة الأهمية نحو تعزيز الأمن، ليس في العراق فقط، بل في المنطقة بأسرها”.
بينما رحبت رئاسة إقليم كردستان بالإعلان، وقال بيان لرئيس الإقليم نيجيرفان البارزاني: “نرحب بحرارة برسالة السيد أوجلان ودعوته لإلقاء السلاح وحل حزب العمال”، ودعا الحزب إلى “الالتزام بهذه الرسالة وتنفيذها”. كما أعلن فيه عن استعداده لدعم عملية السلام في هذا الصدد.
أوجلان يدعو إلى حلّ العمال الكردستاني وإلقاء السلاح
إلا أن الموقف اللافت هو ما صدر عن رئيس الاتحاد الوطني الكردستاني بافل طالباني، نجل الزعيم الكردي جلال الطالباني وأبرز المقربين لحزب العمال الكردستاني وكذلك قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في سورية، إذ قال إنها “رسالة مسؤولة ومطلوبة في المرحلة الحالية”، معتبراً أن الإعلان يأتي “بهدف توحيد صفوف الكرد والبحث عن حل سلمي للمشكلات، وفق مبدأ الشراكة لبناء مستقبل مشرق وآمن لشعب كردستان”.
الواقع على الجغرافيّة العراقية أكثر تعقيداً
يمتلك حزب العمال الكردستاني التركي المعارض، منذ عام 1994، العشرات من القواعد والمقار التابعة له في عموم مناطق الشمال العراقي الحدودي مع تركيا ضمن إقليم كردستان، وهي عبارة عن مقار وثكنات عسكرية تتوزع عليها قواته الذين يُقدر عددهم بأكثر من ستة آلاف مسلح داخل العراق فقط، غالبيتهم من الجنسية التركية.
مناطق سلسلة جبال قنديل، وهي المثلث الحدودي العراقي مع إيران وتركيا، المعقل الأصعب والأهم لحزب العمال، إلى جانب مناطق سوران وسيدكان والزاب وضواحي العمادية وزاخو، ومتين وكاره وكاني ماسي، شمالي أربيل وشرقي دهوك، كانت مسرح العمليات العسكرية التركية طوال السنوات الماضية.
لكن توسع الحزب خلال السنوات العشر الأخيرة داخل العراق، عقب اجتياح تنظيم “داعش”، وما تلاه من معارك استعادة السيطرة، حيث وجد نفوذاً كبيراً له في مناطق سنجار وسنوني وفيشخابور غربي محافظة نينوى، وأسس حزب العمال الكردستاني فصائل مُسلحة من الإيزيديين الأكراد العراقيين في تلك المناطق، أبرزها مليشيا “وحدات حماية سنجار” ومليشيا “لالش” الإيزيدية، وتنشط في سنجار وضواحيها وترفع شعارات وصور حزب العمال الكردستاني.
وتأسست عدة أحزاب سياسية إيزيدية كردية قائمة على فكر ونهج حزب العمال، أبرزها حزب “الحرية والديمقراطية الإيزيدية” وحزب “جبهة النضال الإيزيدي” وحزب “حرية مجتمع كردستان”، إلى جانب حركات أخرى ذات طابع سياسي مسلح، مثل فوج “الحماية والدفاع الإيزيدي” الذي انطلق من “مخيم مخمور” حيث تقيم عائلات أفراد الحزب هناك.
وأنشأت تركيا أكثر من 40 موقعاً عسكرياً لها داخل العراق ضمن الشريط الحدودي مع تركيا، ضمن مساعي المنطقة الآمنة أو العازلة لمواجهة العمليات التي ينفذها الحزب داخل تركيا انطلاقاً من العراق. وأسست فصائل ومليشيات عراقية مدعومة من طهران علاقات مهمة مع أذرع حزب العمال الكردستاني بالفترة الأخيرة، وبدت متناغمة في المواقف خاصة في ما يتعلق بتركيا وسورية بإدارتها الجديدة، كما أن جزءاً كبيراً من مليشيا “وحدات حماية سنجار”، الذراع المحلية لحزب العمال، باتت ضمن “الحشد الشعبي”، وتتسلم رواتب ومساعدات حكومية منذ عام 2018 إبان حكومة عادل عبد المهدي.
مسؤول عراقي بارز في مستشارية الأمن القومي ببغداد قال لـ”العربي الجديد” إن الإعلان لا تُتوقع منه معالجة سريعة لورقة حزب العمال خاصة بالعراق، وقد لا يكون له تأثير مباشر إلا على نطاق تركيا فقط”. ووفقا للمسؤول نفسه الذي تحدث عبر الهاتف من بغداد اليوم الجمعة، فإنه “للمرة الأولى تتفق بغداد وأربيل والسليمانية على حسم مسألة حزب العمال بوصفها جماعة أجنبية داخل الأراضي العراقية، وهذه نقطة مهمة قد لا تقل أهمية عن إعلان أوجلان نفسه”.
وحول ما إذا كانت دعوة أوجلان ستلاقي فعلاً قبولاً من قيادة الحزب الحالية الموجودة أساساً في العراق، قال المسؤول نفسه إنه “لا يتوقع ذلك، وفي حال حصولها، فقد يكون هذا جزئياً، وقد يسبب انقساماً داخلياً في صفوف الحزب نسمع عنه قريباً، ونأمل من تركيا أن تستغل الظرف، وتمنح عفواً عاماً عن المقاتلين الموجودين بالعراق ليعودوا إلى تركيا، فهذا سيساعد كثيراً”.
وأضاف، طالباً عدم الكشف عن هويته، أن الحكومة العراقية تتجه إلى “عقد ورش أمنية متخصصة في الأيام المقبلة لبحث كيفية التحرك على الأرض لتفكيك مراكز القوة عند حزب العمال الكردستاني، وخاصة ملف العراقيين الذين تطوعوا مع الحزب، وهم من العراقيين الكرد والإيزيديين، واحتوائهم ضمن برنامج محدد”، واصفاً وجود الحزب بأنه “عائق أمام مشاريع التنمية، والأهم تهديد لاستقرار مناطق شمال العراق بالكامل”.
وفي يوليو/ تموز الماضي، قررت الحكومة العراقية تصنيف الحزب المعارض لأنقرة “منظمةً محظورةً”، بعد مخاطبة مؤسسات الدولة والوزارات بالتعامل مع الحزب باعتباره منظمة محظورة ضمن القوانين العراقية النافذة، كما طالبت جهات سياسية وشخصيات بحذف الأحزاب التابعة للعمال من سجلات دائرة الأحزاب العراقية، بالإضافة إلى فك ارتباط أي عناصر متورطين بالانتماء لحزب العمال ومنعهم من مزاولة الوظائف الحكومية في البلاد.
خسائر الحزب المتصاعدة في العراق
الضابط السابق في قوات البشمركة الكردية والخبير العسكري شوان عقراوي اعتبر أن دعوة أوجلان “فرصة سلام لن تتكرر في الأجزاء الكردية الأربعة”، في إشارة إلى مناطق الوجود الكردي في تركيا والعراق وسورية وإيران. وأضاف عقراوي أن الحزب يتكبد خسائر كبيرة منذ عدة أشهر، بعد تحقيق الاستخبارات التركية اختراقات كبيرة أتت على عدد كبير من قيادات الصف الأول في الحزب داخل العراق وسورية، معتبراً أن العام الفائت (2024) كان الأكثر صعوبة على الحزب، ليس على المستوى العسكري فحسب، بل سياسياً، إذ نجحت أنقرة في التضييق على قنوات تمويل الحزب من خلال منظمات وحركات في فرنسا والسويد وألمانيا، ما جعله يخسر الكثير من مصادر تمويله المالية.
وبشأن الفصائل العراقية الكردية والإيزيدية المرتبطة تنظيمياً وعقائدياً بالحزب، قال عقراوي إنها “مرتبطة بقرار قيادة قنديل (يعني قيادة حزب العمال الموجودة في منطقة قنديل)، إذ إن قراراهم سيسري على كل من له صلة بالحزب”.
ومثّل ملف مسلحي “العمال الكردستاني”، الذي ينشط داخل العراق ويتخذه منطلقاً لشن اعتداءات متكررة داخل تركيا، العقدة الأبرز في العلاقات التركية العراقية طوال العقدين الماضيين، لكن تقدماً واضحاً تحقق هذا العام بعد اعتبار العراق “العمال الكردستاني” منظمةً محظورةً، والتعهد بالعمل مع تركيا في هذا الإطار.
تفاؤل ضئيل إزاء دعوة أوجلان
وحتى الآن، لم يصدر عن حزب العمال الكردستاني شيء، لكن موقعه الإخباري الرسمي الناطق بعدة لغات (ANF) تعاطى مع دعوة أوجلان باهتمام كبير تحت وصف “القائد التاريخي”، كما نقل مظاهر اهتمام مواطنين أكراد بالخطاب قبل بثه عصر أمس الخميس.
الخبير بالشأن السياسي العراقي والأستاذ في جامعة الموصل فراس إلياس قال إن “خطاب أوجلان يمثل تحولاً مهماً في سياق العلاقات الكردية التركية، التي أطرتها سنوات من الحرب والسلام”، لكنه أكد أنه “رغم دعوة أوجلان الحزب لحل نفسه وإلقاء السلاح، إلاّ إن السنوات التي قضاها أوجلان في السجن أنتجت قيادة جيدة للحزب، وتحديداً في قنديل، فضلاً عن جماعات محلية في سورية والعراق، وبالتالي ليس من المتوقع أن تلتزم هذه الجماعات بخطاب أوجلان، على أقل تقدير من دون ضمانات حقيقية من أنقرة، والرئيس أردوغان شخصياً”.
وتابع إلياس، في حديث مع “العربي الجديد”، أن “المتتبع تاريخَ حزب العمال الكردستاني، وتحديداً منذ عام 1999، يدرك تماماً أن الحزب لم يعد يهتم بشكل أساسي بالصراع مع أنقرة، بقدر ما بدأ يطرح نفسه في سياق إقليمي عام، وأنتج علاقات وثيقة مع إيران، وبدأ يفرض الوصاية السياسية على العديد من الجماعات الكردية المسلحة في العراق وسورية، وبالتالي، فإن قيادة الحزب الحالية، أو التي جاءت بعد اعتقال أوجلان، قد لا تجد نفسها معنية بالالتزام بخطابه الأخير، أو على أقل تقدير التفاعل معه”.
ووفقا للدكتور فراس إلياس، فإن “المشكلة عراقياً أكبر من المتصور، سواء بطريقة تعامل الحكومة العراقية مع عناصر حزب العمال الكردستاني الموجودين في قنديل أو مقتربات سنجار، والأهم كيفية التعامل مع المنخرطين ضمن فصيل وحدات مقاومة سنجار، فهي تطرح نفسها ذراعاً عراقيةً لحزب العمال الكردستاني، كما أنها تشكل جزءاً كبيراً من الفوج 80 في الحشد الشعبي، وبالتالي، هل ستكون هناك إجراءات عراقية موازية للإجراءات التركية، أم سيكون هناك موقف رافض من قبل الوحدات؟”.
————————————–
دعوة أوجلان لنزع سلاح حزب “العمال الكردستاني” وحلّه.. ترحيب حذر ودعم مشروط
2025.02.28
أثارت دعوة الزعيم الكردي، عبد الله أوجلان، لنزع سلاح حزب “العمال الكردستاني” وحل نفسه تفاعلات سياسية واسعة على المستويات السورية والإقليمية والدولية، وسط تساؤلات عن مدى انعكاسات ذلك على المشهد في شمال شرقي سوريا، في وقت تتزايد فيه الضغوط لاندماج “قوات سوريا الديمقراطية”، التي تعتبر امتداداً لـ “العمال الكردستاني” في سوريا، ضمن الجيش السوري الجديد.
وفي حين رحّب بعضهم بخطوة أوجلان، معتبرين أنها فرصة لفتح الباب أمام تسويات سياسية، في تركيا وسوريا، حذّر آخرون من أنها قد تكون “إعلاناً سياسياً” من دون أي تأثير فعلي على الأرض، حيث تثير الدعوة تساؤلات فيما إذا كانت ستلقى آذاناً مصغية لدى مقاتلي حزب “العمال الكردستاني” وتنهي عقوداً من الصراع.
ودعا أوجلان (75 عاماً)، المسجون في جزيرة إمرالي قبالة إسطنبول التركية منذ العام 1999 بتهمة “الخيانة”، جماعته المسلحة إلى إلقاء السلاح وحل نفسها، كجزء من محاولة جديدة لإنهاء صراع مستمر منذ أربعة عقود مع الحكومة التركية، أودى بحياة عشرات الآلاف من الأكراد.
وفي رسالة قرأها سياسيون أتراك من حزب “الديمقراطية ومساواة الشعوب”، قال أوجلان “اعقدوا مؤتمركم واتخذوا قراراً. يجب على جميع المجموعات إلقاء أسلحتها، ويجب على حزب العمال الكردستاني حل نفسه”.
مظلوم عبدي: لا علاقة لنا
حتى لحظة إعداد هذا التقرير، لم تصدر الحكومة السورية أي تعليق رسمي على دعوة أوجلان لنزع سلاح “العمال الكردستاني” وحلّه، في حين رحّبت بعض الأوساط السياسية بالدعوة، معتبرة أنها قد تشكل خطوة نحو تحجيم نفوذ “العمال الكردستاني” العسكري في المنطقة، مما يسهّل المفاوضات بين الحكومة السورية و”قسد”.
وتعليقاً على ذلك، أكد قائد “قوات سوريا الديمقراطية”، مظلوم عبدي، أن إعلان أوجلان “يخص حزب العمال الكردستاني فقط، ولا علاقة له بقواته في سوريا”، مشدداً على أن “الأوضاع الراهنة في شمال شرقي سوريا تتطلب مقاربة مختلفة”.
وقال عبدي إن “الإعلان يتعلق بحزب العمال الكردستاني فقط، ولا علاقة له بنا في سوريا”، لكنه وصف إعلان أوجلان بأنه “إيجابي”، لأنه “يدعو لإنهاء الحرب والبدء بعملية سياسية سلمية داخل تركيا”.
وأكد قائد “قسد” أن أوجلان أرسل إليهم رسالة بخصوص الإعلان، لافتاً إلى أنها “حملت مضموناً إيجابياً حول تحقيق الاستقرار في المنطقة، وتؤكد على السلام والأمن في المنطقة”.
وأضاف أن الهجمات التركية المستمرة في شمالي سوريا “لها تداعيات مباشرة على الوضع السياسي والعسكري في المنطقة، وتؤثر على مفاوضاتنا الحالية مع دمشق والحملة على تنظيم الدولة الإسلامية”، مشيراً إلى أنه “إذا تحقق السلام في تركيا فهذا يعني أنه لا مبرر لمواصلة الهجمات علينا هنا في سوريا”.
صالح مسلم: سنترك السلاح إذا سُمح لنا بالعمل السياسي
من جانبه، أكد صالح مسلم، زعيم “حزب الاتحاد الديمقراطي”، الجناح السوري لحزب “العمال الكردستاني”، أنهم “مستعدون لترك العمل المسلح إذا سُمح لهم بالعمل السياسي”، موضحاً أنه “لن تكون هناك حاجة للسلاح إذا سُمح لنا بالعمل السياسي والديمقراطي، وإذا اختفت أسباب حمل السلاح فسوف نتخلى عنه”.
وقال مسلم إن “هذه الدعوة لم تخرج عن الإطار المتوقع مسبوقاً، وهو أن الظروف التاريخية لبدء الكفاح المسلح وحمل السلاح كان في إطار الدفاع المشروع عن الذات، وإذا توفرت الحماية للمجتمع وأفسح المجال أمام الحزب لتنظيم نفسه فلن يبقى هناك حاجة للسلاح”.
واعتبر زعيم حزب “الاتحاد الديمقراطي” أن أوجلان “لديه قناعة في أن العمل السياسي هو الأفضل، ونحن ننضم إلى هذه الدعوة لأننا في إقليم شمال شرقي سوريا حملنا السلاح دفاعاً عن النفس، وإذا توقفت الهجمات علينا سنضع السلاح لأننا لسنا من عشاق السلاح”.
ترحيب واسع في تركيا
وفي تركيا، لاقت دعوة أوجلان ترحيباً واسعاً بين القوى السياسية، في حين أكد بعضهم على أن الدعوة التي أطلقها زعيم “العمال الكردستاني” يجب أن ترتبط بخطوات عملية على الأرض.
ورحّب حزب “العدالة والتنمية” الحاكم في تركيا بدعوة أوجلان، معرباً عن أمله في أن تستجيب لها قيادات حزب “العمال الكردستاني”.
وقال رئيس حزب “الشعب الجمهوري” المعارض في تركيا، أوزغور أوزيل، إن حزبه “يحافظ على موقفه بأن القضية الكردية يجب أن تتم معالجتها وحلها بشفافية، تحت سقف الجمعية الوطنية الكبرى التركية، من خلال إشراك جميع شرائح المجتمع”، مضيفاً أن “الدعوة الموجهة إلى المنظمة الإرهابية لإلقاء سلاحها وحل نفسها مهمة، ونأمل أن تتحرك وفقاً لمتطلبات هذه الدعوة”.
بغداد وأربيل: دعوة أوجلان خطوة نحو الاستقرار
عربياً، رحبت وزارة الخارجية العراقية بإعلان عبد الله أوجلان، معتبرة أنها “خطوة إيجابية ومهمة في تحقيق الاستقرار في المنطقة”.
وفي بيان لها، قالت الخارجية العراقية إن “هذه المبادرة خطوة بالغة الأهمية نحو تعزيز الأمن، ليس فقط في العراق، حيث تتواجد عناصر مسلحة للحزب المذكور في مناطق مختلفة في كردستان العراق وبعض القصبات والمدن الأخرى، بل في المنطقة بأسرها”.
كما رحّب رئيس إقليم كردستان العراق، نيجيرفان بارزاني، بدعوة أوجلان، مبدياً “ترحيباً حاراً برسالة السيد أوجلان، ودعوته لنزع السلاح ووقف النضال المسلح لحزب العمال الكردستاني”، مؤكداً “نحن في إقليم كردستان ندعم عملية السلام بشكل كامل، ومستعدون للعب دور تسهيلي وتقديم أي مساعدة ضرورية لدفع العملية إلى الأمام”.
من جهته، قال رئيس الحزب “الديمقراطي الكردستاني”، مسعود بارزاني، إن “السلام هو السبيل الصحيح الوحيد لحل الخلافات”، معرباً عن أمله بأن تكون رسالة أوجلان “بداية لوضع عملية السلام في مسارها والتوصل إلى نتيجة تصب في مصلحة جميع الأطراف”.
“بصيص أمل” و”تطور مهم”.. ترحيب أممي ودولي
دولياً، رحّب الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، بدعوة زعيم حزب “العمال الكردستاني”، لنزع السلاح وحل الحزب نفسه.
وفي المؤتمر الصحفي اليومي، قال المتحدث باسم الأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، إن الأمين العام “يرحب بهذا التطور المهم”، مضيفاً أنه “يمثل بصيص أمل يمكن أن يؤدي إلى حل صراع طويل الأمد”.
وفي الولايات المتحدة الأميركية، رحب البيت الأبيض بدعوة أوجلان، مؤكداً أن هذه الخطوة “ستساعد في إحلال السلام في هذه المنطقة المضطربة”.
وقال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي التابع للبيت الأبيض، بريان هيوز، إن دعوة أوجلان “تطور مهم، ونأمل أن يساعد في تطمين حلفائنا الأتراك بشأن شركاء الولايات المتحدة في مكافحة تنظيم داعش بشمال شرقي سوريا”.
كما رحبت المملكة المتحدة بما وصفته “التقدم المحرز نحو السلام والأمن لشعب تركيا، الحليف الوثيق لحلف شمال الأطلسي، والشريك القديم في مكافحة الإرهاب”، داعية جميع الأطراف إلى “الانخراط في عملية سلمية وبناءة تضمن الأمن والاستقرار واحترام سيادة القانون”.
وقال متحدث باسم وزارة الخارجية والكومنولث والتنمية البريطانية إن المملكة المتحدة “ملتزمة بدعم الجهود الرامية إلى الحد من الصراع وتعزيز الاستقرار في تركيا وفي مختلف أرجاء المنطقة على نطاق أوسع”.
وفي ألمانيا، قال متحدث باسم الحكومة الألمانية إن المستشار الألماني، أولاف شولتز، رحب بدعوة أوجلان لإلقاء السلاح وحل حزب “العمال الكردستاني”، مضيفاً أن الدعوة “تقدم فرصة أخيرة للتغلب على هذا الصراع العنيف والتوصل إلى تطور سلمي دائم في القضية الكردية”.
وفي تصريح آخر، قال متحدث باسم وزارة الخارجية الألمانية إن “إنهاء العنف يشكل خطوة أولى مهمة، ولكن هناك حاجة إلى خطوات أخرى للوصول إلى حل مستدام للشعب في تركيا. وهذا يشمل احترام ودعم الحقوق الثقافية والديمقراطية للأكراد”.
نقطة تحول
وعلى الرغم من قضائه حكماً مؤبداً بالسجن، لا يزال عبد الله أوجلان يمارس نفوذاً كبيراً على حزب “العمال الكردستاني”، ومن المتوقع أن تستجيب قيادة الحزب لأي دعوة يوجهها، رغم أن بعض التيارات داخل الحزب قد تعارض ذلك.
وتشكل دعوة أوجلان، التي وصفتها وسائل إعلام تركية بأنها “تاريخية”، جزءاً من جهد جديد من أجل السلام بين حزب “العمال الكردستاني” والدولة التركية، والذي بدأ في تشرين الأول الماضي، على يد شريك الائتلاف الحاكم في تركيا، رئيس حزب “الحركة القومية”، دولت بهتشلي، الذي اقترح أن يُمنح أوجلان الإفراج المشروط إذا نبذت جماعته العنف وحلت نفسها.
ورغم أن تداعيات دعوة أوجلان غير واضحة حتى الآن، فإنها من المؤكد ستشكل نقطة تحول في مسار الأزمة الكردية في سوريا والمنطقة، في ظل التوازنات السياسية والعسكرية المعقدة التي تحكم المشهد الإقليمي، وفق ما ذكرت وكالة “رويترز”.
ووفق محللين، فإن دعوة أوجلان ستؤثر بشكل مباشر على مستقبل “قسد” في شمال شرقي سوريا، وقد تدفعها نحو تسريع المفاوضات مع الحكومة السورية للاندماج في الجيش السوري، أو قد تؤدي إلى انقسامات داخلية بين مؤيد ومعارض لهذه الخطوة، في حين يبقى الموقف التركي عاملاً رئيسياً في تحديد مدى نجاح أو فشل هذه المبادرة.
حزب “العمال الكردستاني”
وتأسس حزب “العمال الكردستاني” في العام 1978، من قبل طلاب في جامعة أنقرة، للدفاع عن مطلب إقامة دولة كردية مستقلة في جنوب شرقي تركيا من خلال الكفاح المسلح، واختار هؤلاء عبد الله أوجلان، الذي كان طالباً في قسم العلوم السياسية، رئيساً له.
في العام 1980، أجبر انقلاب عسكري تركي كوادر حزب “العمال الكردستاني”، بمن فيهم أوجلان، على الفرار، وتوزعوا بين سوريا ولبنان، وفي أثناء وجود هذه الكوادر بدأت بالعمل على استراتيجية الكفاح المسلح.
وشن الحزب هجمات دامية ضد مواقع وقوافل عسكرية تركية، ما قوبل بحملات أمنية من السلطات في تركيا، والتي تسببت بعد ذلك بموجات من العنف، خصوصاً في جنوب شرقي البلاد ذي الأغلبية الكردية، وخلف هذا الصراع أكثر من 40 ألف قتيل منذ العام 1984.
تنقل أوجلان بين العديد من الدول الأوروبية، واستقر في سوريا، إلا أن أزمة اندلعت، في العام 1999، بعد أن هددت الحكومة التركية نظام حافظ الأسد بالرد عسكرياً إذا واصلت إيواءه، ليغادر دمشق إلى روسيا ثم إيطاليا ثم اليونان، ليلقى القبض عليه بعد ذلك في العاصمة الكينية نيروبي.
وسبق أن أطلق عبد الله أوجلان دعوتين سابقتين إلى الهدنة، الأولى في أيلول 2006، حينئذ طلب من حزبه عدم استخدام السلاح إلا في الدفاع عن النفس، والثانية في آذار 2013، دعا فيها مقاتلي حزبه إلى وقف إطلاق النار ضد الحكومة التركية وسحب المقاتلين من تركيا إلى شمالي العراق.
———————————–
ملاحظات
“يعرفُ مظلوم أن ماتقدمُّه سوريا الجديدة له.. ولكورد سوريا هو أقصى مايُمكن أن يقدمه طرفٌ آخر، في ظل التحولات الراهنة والقادمة
يعرف مظلوم أن هذا العرض هو أكثر كرامةً، وأدعى لتحقيق معاني الاستقلال والازدهار والأمن، للجميع، من البدائل الأخرى التي يُصرُّ عليها كثيرون منذ زمن
يعرف مظلوم أن “ضمانات ماكرون” لم تعد تساوي حِبرَها، خاصةً وهو يرى مصير الضمانات الأكثر شمولاً وقوةً وأهميةً استراتيجية، والتي قدمها هو والقادة الأوربيين لأوكرانيا
يعرف مظلوم أن ترامب هو آخر إنسانٍ في الدنيا تحكمهُ آراء بعض المستشارين من الساسة والعسكر، وحتى لو كانوا أحياناً من المقربين له
يعرف مظلوم معنى تصريحات لافروف السلبية، أمام أمير قطر، حول “بعض أجزاء سوريا [التي] تُظهر رغبةً في فصل نفسها عن السلطات المركزية في البلاد”
يعرف مظلوم موقع ودور بوتين وأردوغان، ومعهم قادة العرب، من ترامب وسياساته في صورة الترتيبات القادمة
يعرف مظلوم أن ماسمعه من الرئيس نيجيرفان مبنيٌ على تجربةِ وخبرةٍ ومعرفة، يندرُ وجودها بين الكورد في المنطقة
يعرف مظلوم أن ألاعيب الأعرجي ومناوراته، وأن رسائل إيران وعروضها ووعودها.. هي تحت الرقابة الدولية الصارمة
يعرف مظلوم المعنى الاستراتيجي، بعيد المدى، خلف رسالة “آبو”.. وإطارَها الاستراتيجي.. وكم استغرق العمل عليها.. وماهو حجم وتأثير الأطراف التي كانت تنتظرها للسير في الترتيبات القادمة
يعرف مظلوم مكمن المصلحة الحقيقية للكورد في سوريا.. ويعرف حجم المقامرة التي يقوم بها، عندما ينكر كل مايعرفه أعلاه
قد يتجاهل مظلوم حُكم التاريخ.. قد يتجاهل خطر الحسابات والقرارات السياسية وفق الأوهام والرغبات.. لكن مالن يستطيع تجاهلهُ هو حُكم الكورد، سوريين وغير سوريين، عليه في مستقبل الأيام
“يجتهد الإنسان في خداع نفسه كي لا يفسد وهمهُ الدافئ”! – دوستويفسكي”.
Wael Merza
——————————
ماذا تعني دعوة الزعيم الكردي المسجون لنزع السلاح بالنسبة للشرق الأوسط؟
تحديث 28 شباط 2025
بي بي سي
لم يدع عبدالله أوجلان أعضاء حزب العمال الكردستاني إلى إلقاء أسلحتهم فقطـ، بل إلى حل المنظمة التي أسسها عام 1978 بالكامل.
وقد تؤثر هذه الرسالة التاريخية على عشرات الآلاف من المقاتلين الأكراد الذين يتبعونه في تركيا والعراق وإيران وسوريا.
وحث زعيم الجماعة الكردية المحظورة القادة العسكريين لحزب العمال الكردستاني في جبال قنديل في إقليم كردستان العراق على عقد مؤتمر والنظر في دعوته لنزع السلاح.
وفي الأيام التي سبقت البيان المتوقع، قالت قيادة حزب العمال الكردستاني في إقليم كردستان العراق لبي بي سي، إنهم سيدعمون رسالة أوجلان، ولكن يجب أن يكون قادرا على قيادة التحول من منظمة مسلحة إلى حركة سياسية في تركيا بشكل حر وشخصي.
ومن غير المعروف ما هي التنازلات التي قدمتها الحكومة التركية لإقناع أوجلان بالدعوة إلى حل حزب العمال الكردستاني.
تخطى قصص مقترحة وواصل القراءة
عندما تأسس حزب العمال الكردستاني، كان التحدث باللغة الكردية جريمة، لكن الكثير تغير في تركيا منذ ذلك الحين.
وأصبح للأكراد الآن حقوق لم يكن من الممكن تصورها في زمن تأسيس حزب العمال الكردستاني.
7 معلومات عن الأكراد
وفي رسالته، أكد أوجلان أنه يعتقد أن تركيا لديها القدرة على معالجة العداء العميق مع الأكراد في البلاد من خلال عملية ديمقراطية.
ولسنوات عديدة، أشار العديد من الأكراد إلى أوجلان باعتباره “مانديلا كردستان”.
وكما هو الحال مع مانديلا، صُنف “إرهابياً”، وسُجن لمدة 26 عاماً، وواصل قيادة الحركة من خلف القضبان.
وينظر كثيرون لأوجلان باعتباره زعيم جماعة مسلحة أدى صراعها مع الدولة التركية إلى مقتل عشرات الآلاف من الأشخاص.
وتضغط تركيا على رئيس المرحلة الانتقالية في سوريا أحمد الشرع لتفكيك المنطقة المتمتعة بالحكم الذاتي الكردي ونزع سلاح قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد في شمال وشمال شرق سوريا.
وترى تركيا أن جزءاً كبيراً من “قوات سوريا الديمقراطية” ينتمي إلى حزب العمال الكردستاني، ولا شك أن أي عملية سلام في تركيا ستؤثر على سوريا، لكن أوجلان لم يذكر سوريا في هذه الرسالة.
ويتبع المقاتلون الأكراد في سوريا (قوات سوريا الديمقراطية) وإيران (حزب الحياة الحرة الكردستاني) فلسفة أوجلان الداعية إلى مجتمع ديمقراطي، تلعب فيه النساء دوراً متساوياً مع الرجل.
ما هي قوات سوريا الديموقراطية وما الذي تفعله في سوريا؟
وتعمل كل هذه الأحزاب الكردية تحت نظام قيادة مشترك، يكون فيه قائد واحد من الذكور وآخر من الإناث.
تأسس حزب العمال الكردستاني في عام 1978 وأطلق حملته المسلحة من أجل إقامة دولة كردية في عام 1984، لكن أوجلان تخلى في وقت لاحق عن فكرة الاستقلال ودعا إلى إقامة مجتمع ديمقراطي.
في عام 1999، وبعد أن وعدته حكومة مانديلا باللجوء، تعرض أوجلان للاختطاف في كينيا أثناء توجهه إلى جنوب أفريقيا وسُلم إلى تركيا حيث أدين وحكم عليه بالسجن مدى الحياة.
وعلى مدى معظم الأعوام الستة والعشرين الماضية، ظل السجين الوحيد في جزيرة إمرالي في تركيا.
وعلى الرغم من سجنه، فإنه لا يزال زعيم حزب العمال الكردستاني والزعيم الأكثر نفوذاً في الحركة الكردية في تركيا.
وتراقب حكومات إيران والعراق وسوريا هذه التطورات عن كثب.
————————–
صالح مسلم: سنترك السلاح إذا سُمح لنا بالعمل السياسي في سوريا
2025.02.27
أكد صالح مسلم، زعيم “حزب الاتحاد الديمقراطي/PYD” الجناح السوري لـ “حزب العمال الكردستاني/PKK”، أنهم مستعدون لترك العمل المسلح إذا سُمح لهم بالعمل السياسي.
جاء ذلك تعليقاً على دعوة زعيم “حزب العمال الكردستاني” عبد الله أوجلان، اليوم الخميس، إلى حل حزبه وإنهاء العمل المسلح.
وقال مسلم في تصريحات لقناة “العربية” اليوم الخميس: “هذه الدعوة لم تخرج عن الإطار المتوقع مسبوقاً، وهو أن الظروف التاريخية لبدء الكفاح المسلح وحمل السلاح كان في إطار الدفاع المشروع عن الذات، وإذا توفرت الحماية للمجتمع وأفسح المجال أمام الحزب لتنظيم نفسه فلن يبقى هناك حاجة للسلاح”.
الاتحاد الديمقراطي للعربية:
* ننتظر ما يقرره مؤتمر العمال الكردستاني
* لن تكون هناك حاجة لسلاح إذا سمح لنا بالعمل السياسي
* إذا زالت أسباب حمل السلاح سنلقيه #قناة_العربية
pic.twitter.com/V3QhkZzQWk — العربية (@AlArabiya)
February 27, 2025
وأضاف مسلم أن أوجلان لديه قناعة في أن العمل السياسي هو الأفضل “ونحن ننضم إلى هذه الدعوة لأننا في إقليم شمال شرقي سوريا حملنا السلاح دفاعاً عن النفس وإذا توقفت الهجمات علينا سنضع السلاح لأننا لسنا من عشاق السلاح”.
وأردف: “لن تكون هناك حاجة للسلاح إذا سُمح لنا بالعمل السياسي والديمقراطي. وإذا اختفت أسباب حمل السلاح فسوف نتخلى عنه”.
—————————-
عبد الله أوجلان.. تعرف إلى مسيرة زعيم حزب العمال الكردستاني
برز اسم عبد الله أوجلان مؤسس حزب العمال الكردستاني على الساحة السياسية من جديد بعد دعوته حزبه، الخميس، إلى إلقاء السلاح وحل نفسه، وهي خطوة إذا أخذ بها مقاتلوه ستنهي تمردهم المسلح الذي استمر 40 عاما وستكون لها تداعيات على نطاق تركيا.
من هو عبد الله أوجلان؟
عبد الله أوجلان، شخصية كردية أثرت بشكل كبير في مسار الصراع الكردي-التركي عبر العقود الأخيرة. ترأس حزب العمال الكردستاني (PKK) المحظور في أنقرة، وأسس تنظيما مسلحا سعى فيه للانفصال وإقامة وطن مستقل للأكراد.
ولد عبد الله أوجلان يوم 4 إبريل/نيسان 1948 في قرية عمرلي الواقعة بمنطقة أورفه جنوب شرق تركيا، على مقربة من الحدود السورية، لعائلة فلاحية فقيرة. في شبابه، عمل في حقول القطن بمدينة أضنة، قبل أن يلتحق بدائرة تسجيل العقارات في ديار بكر ثم إسطنبول.
دراسيًا، بدأ أوجلان مساره الجامعي في كلية الحقوق بجامعة إسطنبول، لكنه سرعان ما انتقل لدراسة العلوم السياسية في جامعة أنقرة، حيث انخرط في الأنشطة السياسية.
كيف بدأت مسيرة أوجلان السياسية؟
في عام 1978، أسّس أوجلان حزب العمال الكردستاني، وأطلق تمردا مسلحا ضد أنقرة عام 1984 لإقامة دولة كردية. اتخذ الحزب سوريا وسهل البقاع اللبناني مقرًا لتدريب مقاتليه، لكن الضغوط التركية دفعت دمشق لإغلاق تلك المعسكرات عام 1998. غادر أوجلان سوريا، ليبدأ تنقلاته بين دول مثل روسيا وإيطاليا واليونان.
خلال قيادته لحزب العمال الكردستاني، اتُهم الحزب بتنفيذ هجمات اعتبرتها أنقرة وحلفاؤها الغربيون “إرهابية”. خلّف هذا الصراع الذي انطلق بعد تأسيس حزب العمال الكردستاني الذي امتد لأربعة عقود أكثر من 40 ألف قتيل، وألحق دمارًا واسعًا بالمدن والبلدات جنوب شرقي تركيا.
تعتبر دول عديدة حزب العمال الكردستاني الذي أسسه أوجلان، تنظيما “إرهابيا”، من بينها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وتركيا وأستراليا وإيران وسوريا.
اعتقال أوجلان ومحاكمته
في 15 فبراير/شباط 1999، تمكنت المخابرات التركية بمساعدة دولية من القبض على أوجلان في العاصمة الكينية نيروبي. نُقل إلى تركيا بطائرة خاصة.
حكمت محكمة تركية عليه بالإعدام، لكن الحكم خُفف لاحقًا إلى السجن المؤبد بعد إلغاء أنقرة لعقوبة الإعدام عام 2002. منذ ذلك الحين، يقبع أوجلان في عزلة بسجن جزيرة إمرالي في بحر مرمرة.
ورغم وجوده خلف القضبان، استمر أوجلان في لعب دور أساس في المشهد السياسي الكردي، وخلال مفاوضات السلام التي انطلقت بين حزبه والدولة التركية خلال الفترة 2013-2015، دعا أوجلان في رسالة شهيرة آنذاك إلى إنهاء الصراع المسلح واعتماد الحلول الديمقراطية.
والخميس، دعا أوجلان المجموعات المسلحة جميعها إلى إلقاء السلاح، وضرورة اتخاذ حزب العمال الكردستاني قرارًا بحل نفسه.
وقال أوجلان في بيان من محبسه ألقاه مسؤولون بحزب “الديمقراطية ومساواة الشعوب” التركي نيابة عنه، وكانوا قد زاروه في سجنه: “أوجه الدعوة لإلقاء السلاح وأتحمل المسؤولية التاريخية لهذه الدعوة”.
وطالب أوجلان حزب العمال الكردستاني بعقد مؤتمر عام لاتخاذ خطوة حل التنظيم بشكل نهائي.
وأكد أنه “لا سبيل سوى الديمقراطية والحوار الديمقراطي، ولا بقاء للجمهورية إلا بالديمقراطية الأخوية”، حسب تعبير البيان.
المصدر : الجزيرة مباشر
————————-
صفحة جديدة في النزاع الكردي التركي
“إعلان تاريخي” نحو السلام: أوجلان يدعو لحل حزب العمال الكردستاني
تحديث 28 شباط 2025
أنصار حزب المساواة والديمقراطية المؤيد للأكراد يرفعون أعلاماً عليها صورة زعيم حزب العمال الكردستاني المسجون عبد الله أوجلان، في إسطنبول. – Reuters
أنصار حزب المساواة والديمقراطية المؤيد للأكراد يرفعون أعلاماً عليها صورة زعيم حزب العمال الكردستاني المسجون عبد الله أوجلان، في إسطنبول. – Reuters
+A-A
دعا عبدالله أوجلان، مؤسس حزب العمال الكردستاني، إلى إلقاء السلاح وحل الحزب لنفسه، الخميس، في دعوة وصفتها أوساط سياسية بأنها “إعلان تاريخي” صدر في اسطنبول، ويفتح صفحة جديدة في النزاع الكردي التركي.
وقال في الإعلان الذي أعده من زنزانته الانفرادية في سجنه في جزيرة إمرالي حيث يقضي عقوبته منذ توقيفه عام 1999، إن “على جميع المجموعات المسلحة إلقاء السلاح وعلى حزب العمال الكردستاني حل نفسه”.
تأتي هذه الدعوة بعد أربعة أشهر من عرض أنقرة السلام على أوجلان البالغ 75 عاماً.
وتلا الإعلان وفد من نواب حزب المساواة وديموقراطية الشعوب المؤيد للأكراد الذي زاره في سجنه في وقت سابق من اليوم.
وأضاف أوجلان “أدعو إلى إلقاء السلاح، وأتحمل المسؤولية التاريخية لهذه الدعوة”.
ومنذ سجنه، نشطت العديد من المحاولات لوقف النزاع المستمر منذ عام 1984 والذي خلف أكثر من 40 ألف قتيل، فيما انهارت الجولة الأخيرة من المحادثات وسط أعمال عنف اندلعت عام 2015.
وتوقفت الاتصالات إثر ذلك حتى تشرين الأول/أكتوبر عندما عرض زعيم حزب الحركة القومية المتشدد دولت بهجلي على عبد الله أوجلان بادرة سلام مفاجئة، طالباً منه نبذ العنف، وهي خطوة أيدها الرئيس رجب طيب إردوغان.
وقال إفكان علاء، نائب رئيس حزب العدالة والتنمية الحاكم، الخميس، إن تركيا ستتحرر من قيودها إذا ألقى حزب العمال الكردستاني سلاحه وحل نفسه وذلك بعد أن دعا زعيمه أوجلان الحزب إلى حل نفسه.
وفي أول رد من حزب الرئيس رجب طيب أردوغان الحاكم قال علاء إن الحكومة تتوقع أن يمتثل حزب العمال الكردستاني لدعوة أوجلان.
وفي السياق، رحبت رئاسة إقليم كردستان العراق بدعوة أوجلان، داعيةً حزب العمال إلى “تنفيذها” بشكل عملي.
وقال رئيس الإقليم نيجرفان بارزاني في منشور على منصة إكس: “نرحب بحرارة برسالة السيد أوجلان ودعوته لنزع السلاح وحل حزب العمال الكردستاني ونطلب من الحزب (…) الالتزام بهذه الرسالة وتنفيذها”، مؤكداً استعداد الإقليم “لدعم عملية السلام بشكل كامل”.
وفي وقت سابق من اليوم، زار وفد من حزب المساواة وديموقراطية الشعوب جزيرة إمرالي في بحر مرمرة حيث يُعتقل أوجلان، للمرة الثالثة منذ نهاية ديسمبر/كانون الأول الماضي.
وخلال الزيارات السابقة، أعرب أوجلان عن “تصميمه” على طي صفحة النزاع، بحسب معلومات نقلتها وكالة الأنباء الفرنسية، التي نقلت عن أحد زائريه قوله: “إذا أُتيحت الظروف، فإنّ لدي القوة النظرية والعملية لنقل النزاع من ساحة العنف إلى الساحة القانونية والسياسية”.
وقال نائب تونجر بكرهان، رئيس حزب المساواة وديمقراطية الشعوب، القوة الثالثة في البرمان التركي، إنّ الزعيم الكردي “يعدّ الطريق من أجل السلام”.
وأضاف مؤخراً أن أوجلان “لا يريد أن يكون الأكراد أحراراً في التحدّث بلغتهم فحسب، بل يريد أيضاً أن يكون أي تعبير ديمقراطي ممكناً” في البلاد.
وكانت الحكومة التركية التي بادرت إلى هذه العملية عبر حليفها زعيم “حزب الحركة القومية التركية” دولت بهجلي، قد اقترحت إخراج أوجلان من عزلته بعد 27 عاماً في السجن.
وأدّى تمرّد حزب العمال الكردستاني الذي تصنفه أنقرة وحلفاؤها الغربيون “منظمة إرهابية”، إلى مقتل أكثر من 40 ألف شخص منذ العام 1984، بحسب ما تذكر مصادر رسمية تركية.
“المطلوب هو واقع مختلف”
يقول الدكتور مهند حافظ أوغلو، الأكاديمي والباحث السياسي التركي، إن دعوة عبد الله أوجلان مؤسس حزب العمال الكردستاني إلى حل الحزب وإلقاء السلاح تعكس تطورات سياسية داخلية وإقليمية هامة.
ويوضح أوغلو في حديثه مع بي بي سي أن هناك سببين رئيسيين وراء هذه الدعوة، الأول “يتعلق بالحراك الداخلي التركي، حيث أن هناك مسعى لتغيير الدستور التركي، وهذا لا يمكن أن يتم دون مشاركة كافة الأحزاب السياسية، وهو ما يقتضي ضمان الأمن القومي التركي، وخاصة بعد أكثر من نصف قرن من الصراع مع حزب العمال الكردستاني”.
أما الثاني بحسب أوغلو فهو مرتبط بما وصفها المتغيرات الإقليمية، “بدءاً من أحداث غزة وصولاً إلى تطورات الوضع في سوريا، الأمر الذي جعل الدول جميعها تدرك ضرورة حصر السلاح بيد الدولة، بما يشمل الجماعات العابرة للحدود مثل حماس وحزب الله وحزب العمال الكردستاني وقسد في سوريا”.
وفيما يخص دلالات هذا الإعلان على مستقبل الصراع الكردي-التركي، يشير أوغلو إلى أن الأمر يعتمد على صدى هذه الدعوة داخل الحزب نفسه. ويضيف: “الحزب مقسوم إلى قسمين، الأول يتبع إيران والثاني يتبع ألمانيا. وإذا توافقا على هذه الدعوة، فإننا نكون قد وصلنا إلى بداية صحيحة ومنطقية. أما إذا استمرت “التحركات الإرهابية”، فالوضع سيبقى على ما هو”.
وحول ما إذا تعرض أوجلان لضغوط لإصدار هذه الدعوة، يستبعد أوغلو ذلك، ويقول إن هناك تفاهمات كردية على مستوى المنطقة، لا سيما في تركيا والعراق، جعلته يدرك ضرورة وجود حل.
ويقول: “الدولة التركية لا يمكن أن تخضع لأي جماعات مسلحة مهما كانت قوتها أو حلفائها. تركيا ستبقى، حتى لو استمر الحزب 47 عاماً أخرى”، ويضيف: لو أرادت تركيا الضغط على أوجلان لكانت أغلقت هذا الملف منذ سنوات.
ويعلّق أوغلو على رد الفعل المتوقع من الحكومة التركية على دعوة أوجلان، بالقول إن الحكومة التركية لن تتحرك إلا إذا كان هناك تحرك عملي من الحزب.
ويضيف: “المطلوب هو واقع مختلف، ويُحسب لعبد الله أوجلان ما قام به لأنه رجح مصلحة المكون الكردي والدولة التركية رغم كل الأخطاء التي قام بها، وهذا يعني أن الكثير قد تغير”.
من هو القائد الكردي عبدالله أوجلان؟
وُلد أوجلان عام 1949 في شانلي أورفا، جنوب شرق تركيا، وأصبح عضواً مؤسساً لحزب العمال الكردستاني في أوائل الثلاثينيات من عمره.
درس عبدالله أوجلان الملقب بـ”أبو” (وتعني “العم” بالكردية) العلوم السياسية في جامعة أنقرة حيث تبنى الماركسية وبدأ بتشكيل الحركات الطلابية. في عام 1973، شارك في اجتماع أسس حزب العمال الكردستاني، حيث بدأ التخطيط لتأسيس دولة كردية مستقلة.
قاد الحزب إلى صراع مسلح بعد ذلك بفترة قصيرة، وأطلق تمرداً انفصالياً في عام 1984، بهدف إقامة دولة كردية في جنوب شرق تركيا.
بعد سنوات من قيادته للحزب من المنفى في سوريا، اضطر أوجلان للهرب إلى كينيا، وأُلقي القبض عليه عام 1999، وتم ترحيله إلى تركيا حيث واجه محاكمة بتهم الإرهاب، وأدين بالخيانة وحكم عليه بالإعدام.
في اليوم الذي صدر فيه حكم الإعدام، نظمت الجالية الكردية في تركيا ودول أوروبية عدة مظاهرات، تحولت بعضها إلى أعمال شغب.
وفي عام 2002، خُفف حكمه إلى السجن المؤبد نتيجة إلغاء عقوبة الإعدام في تركيا، التي كانت تسعى للتوافق مع قوانين الاتحاد الأوروبي، ويقضي أوجلان عقوبته في جزيرة إيمرالي في بحر مرمرة منذ عام 1999.
كيف تأسس حزب العمال الكردستاني؟
تأسس حزب العمال الكردستاني عام 1978 بعد أن ساعد عبدالله أوجلان في كتابة بيان بعنوان “الطريق الوطني للثورة الكردية” الذي أصبح لاحقاً المخطط الأساسي للحزب.
في العام التالي، تأسس الحزب رسمياً في مدينة ديار بكر التي كانت تعد مركزاً مهماً للأكراد في جنوب شرق تركيا، وانتخب أوجلان زعيماً له.
في السنوات الأولى، كان الحزب متورطاً في عمليات اغتيالات ضد شخصيات بارزة وصراعات مسلحة مع جماعات متمردة أخرى داخل تركيا.
مع تفاقم الاضطرابات الاجتماعية في أواخر السبعينات، انتقل أوجلان وبعض رفاقه إلى سوريا، حيث بدأوا تدريب المقاتلين الذين شكلوا نواة الحزب.
في 15 أغسطس/آب 1984، أطلق حزب العمال الكردستاني حملته المسلحة في تركيا، حيث شن هجمات على قوات الأمن في مناطق سييرت وهاكاري في جنوب شرق البلاد.
ورغم وصف رئيس الوزراء التركي في ذلك الوقت للمجموعة بأنها “بضع عصابات”، فإن الصراع المسلح الذي قاده الحزب أسفر عن مقتل أكثر من 40 ألف شخص في تركيا، حسب الإحصاءات الرسمية.
في عام 1993، خلال ذروة الصراع، اختطف الحزب عشرات الجنود الأتراك غير المسلحين على الطريق السريع بين ألازيغ وبينغول، وقتل 33 منهم في حادثة أثارت ضجة إعلامية واسعة. وفي نفس العام، أسفر هجوم آخر عن مقتل 33 شخصاً في إحدى القرى في محافظة إرزينجان.
خلال التسعينات، أصبح أوجلان العدو العام رقم واحد في غرب تركيا، حيث كانت وسائل الإعلام الرئيسية تصفه بـ “قاتل الأطفال”، وتحولت جنازات قوات الأمن إلى احتجاجات غاضبة ضد حزب العمال الكردستاني.
في الوقت نفسه، في شرق وجنوب تركيا، كان يُعتبر أوجلان “زعيماً” من قبل العديد من الأكراد، وكانت جنازات مقاتلي الحزب تتحول إلى مظاهرات مؤيدة له.
من هم الأكراد؟ وأين يتمركزون؟
الأكراد هم من الشعوب الأصلية للجبال والسهول في بلاد ما بين النهرين، التي تمتد عبر جنوب شرق تركيا، وشمال شرق سوريا، وشمال العراق، وشمال غرب إيران، وجنوب غرب أرمينيا.
يُقدّر عدد الأكراد في هذه المنطقة بين 25 إلى 35 مليون نسمة. وهم يشكلون رابع أكبر مجموعة عرقية في الشرق الأوسط (بعد العرب، والفارسيين، والترك)، ولكنهم لا يمتلكون دولة قومية خاصة بهم.
لعقود من الزمن، عاش الأكراد تحت حكم الإمبراطورية العثمانية. وعندما انهارت الإمبراطورية العثمانية في نهاية الحرب العالمية الأولى، بدأ العديد من الأكراد في التفكير في إنشاء وطن خاص بهم، يُشار إليه غالباً باسم “كردستان”. وقال الحلفاء الغربيون المنتصرون إنه يمكن أن يحدث ذلك في معاهدة سيفر عام 1920.
ومع ذلك، تم استبدال هذه المعاهدة في عام 1923 بمعاهدة لوزان، التي حددت حدود تركيا الحديثة ولم تتضمن أي نص بشأن إنشاء دولة كردية.
تم ترك الأكراد أقلية في جميع البلدان التي يعيشون فيها. وعلى مدار الـ 80 عاماً التالية، تم قمع جميع المحاولات التي بذلها الأكراد لإنشاء دولة مستقلة.
ايلاف
—————————-
العراق عن موقف أوجلان الأخير: خطوة مهمة للاستقرار في المنطقة
28 فبراير 2025
رحّبت الخارجية العراقية بدعوة الزعيم الكردي عبدالله أوجلان حزب العمال الكردستاني إلى إلقاء السلاح وحلّ نفسه، معتبرة إياها “خطوة إيجابية ومهمة في تحقيق الاستقرار في المنطقة”.
وفي وقت متأخر الخميس، أفادت الوزارة في بيان أنها “تعتبر هذه الخطوة إيجابية ومهمة في تحقيق الاستقرار في المنطقة (…) وخطوة بالغة الأهمية نحو تعزيز الأمن، ليس فقط في العراق (…) بل في المنطقة بأسرها”.
وشدّدت على أن “الحلول السياسية والحوار هما السبيل الأمثل لمعالجة الخلافات وإنهاء النزاعات”.
ودعا أوجلان الخميس حزب العمال الكردستاني الذي أسّسه إلى إلقاء السلاح وحلّ نفسه، في إعلان تاريخي صدر بعد أربعة عقود من النزاع المسلح الذي يخوضه الحزب مع أنقرة.
العراق يرحب بموقف أوجلان
ولتركيا التي تُصنّف مع حلفائها الغربيين، الحزب، منظمة “إرهابية”، منذ 25 عامًا قواعد عسكرية في شمال العراق لمواجهة مقاتلي الحزب المنتشرين في مواقع ومعسكرات في إقليم كردستان.
وأعربت الخارجية العراقية عن أملها “في أن تُترجم هذه الدعوة إلى خطوات عملية وسريعة لإلقاء قوات الحزب سلاحها”.
وفي الأشهر الأخيرة، شدّدت الحكومة العراقية المركزية لهجتها ضد حزب العمال الكردستاني، واعتبرته في مارس/ آذار 2024 “منظمة محظورة”.
وحثت تركيا بغداد على بذل جهود أكبر في هذه القضية. وفي منتصف أغسطس/ آب، وقّع البلدان اتفاق تعاون عسكري يتعلق بإنشاء مراكز قيادة وتدريب مشتركة كجزء من الحرب ضد حزب العمال الكردستاني.
وأكّدت الخارجية العراقية في بيانها الخميس التزام الحكومة الاتحادية “بالعلاقات القوية مع الجارة تركيا”.
وقُتل أكثر من 40 ألف شخص منذ أن رفع الحزب السلاح في 1984 بهدف إقامة وطن للأكراد. وابتعد الحزب بعد ذلك عن أهدافه الانفصالية وسعى بدلًا من ذلك إلى الحصول على مزيد من الحكم الذاتي في جنوب شرق تركيا ومزيد من الحقوق للأكراد.
وفي أكتوبر/ تشرين الأول، اقترح دولت بهجلي، زعيم حزب الحركة القومية والحليف السياسي للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أن يأمر أوجلان مقاتليه بإنهاء نضالهم المسلح بعد عقد من انهيار عملية السلام السابقة بين تركيا وحزب العمال الكردستاني، في مقابل إطلاق الزعيم الكردي.
وقال أوجلان في رسالته إن الكفاح المسلح “انتهى”، وحث تركيا على إظهار الاحترام للأقليات العرقية وحرية التعبير والحق في التنظيم الذاتي الديمقراطي.
——————–
الكرد في سوريا الجديدة: بين المقاومة والاندماج!
سانتياغو مونتاغ سولير- صحافي تشيلي
لا يزال مصير الإدارة الذاتية لشمال سوريا وشرقها غير واضح، بخاصة بعدما قررت الإدارة الأميركية الجديدة بقيادة دونالد ترامب التخلّي عن حلفائها العسكريين السابقين، ما أدّى إلى كسر التحالف الذي هزم “داعش”، والذي لا يزال ضرورياً لمنع عودته. حتى الآن، المفاوضات متعثّرة بينما تزداد الأزمة الاقتصادية والإنسانية سوءاً بالنسبة الى الكرد.
“كانت هناك جثث في كل مكان حولي، كان كابوساً لا يمكنني نسيانه”، تروي هناء (45 عاماً)، وهي جالسة في خيمتها في مدينة الطبقة، والدموع تملأ عينيها: “في تلك الليلة، أثناء هروبنا من منبج، كان أول ما فكرت فيه أننا يجب أن ننجو لنروي قصتنا”، قصة الكرد الذين يُهجَّرون مراراً وتكراراً، من مأوى إلى آخر.
مرّ ما يقارب الشهرين منذ سقوط نظام الأسد وحزب “البعث” في سوريا. ركّزت الأخبار الدولية على كيفية شروع الحكومة المركزية الجديدة، بقيادة “هيئة تحرير الشام”، في عملية تطبيع بطيئة ولكن ثابتة مع المجتمع الدولي، إلى جانب إعادة إعمار البلاد التي دمرتها 14 عاماً من الحرب الأهلية.
لكن في المناطق الصحراوية الشمالية، يبدو المشهد مختلفاً، إذ بدأت فصول جديدة من الحرب، وبينما يحاول الحكّام الجدد بسط سيطرتهم وتوحيد القوّات المسلحة، تواجه الإدارة الذاتية في شمال سوريا وشرقها (AANES)، وهي السلطة المتعددة الإثنيات التي تحكم المنطقة بقيادة الكرد، واحدة من أعمق أزماتها منذ 12 عاماً على وجودها.
التقدّم التركي الجديد
في الأيام الأخيرة من شهر تشرين الثاني/ نوفمبر، وقبل سقوط النظام البعثي، سقطت المناطق القليلة الخاضعة لحكم الإدارة الذاتية لشمال سوريا وشرقها، في عفرين، والشهباء، وتل رفعت، إثر عملية عسكرية قادها “الجيش الوطني السوري/ SNA”، واستغلّت الفصائل المتحالفة مع تركيا الفراغ الذي خلّفه رحيل الأسد، لشنّ موجة جديدة من الهجمات المدمرة ضد المقاومة الكردية والسكان المدنيين، أسفرت عن نزوح فوضوي لنحو 150 ألف شخص إلى الضفة الشرقية لنهر الفرات.
مصير الكرد والمجتمعات التي تتقاسم معهم هذا الفضاء الجغرافي، يعتمد على نتيجة الصراع المستمر بين “قوّات سوريا الديمقراطية/ SDF” و”الجيش الوطني السوري” المدعوم من تركيا. المعارك أضافت مئات القتلى إلى “مقابر الشهداء”، بينهم الكثير من المدنيين، وأفراد من التنظيمات السياسية، وفي الوقت نفسه، أدّى انقطاع المياه والكهرباء إلى تعميق الأزمة الإنسانية في المنطقة.
“الوضع الأمني حرج”، يقول المتحدث باسم “قوّات سوريا الديمقراطية” سيامند علي من داخل ثكنته، ويضيف: “سقطت الشهباء أولاً، ففرّ الكثيرون إلى منبج، بينما لجأ آخرون إلى حي الشيخ مقصود في حلب”، ويتابع الضابط وهو يعدّل نظارتيه: “لكن لم يكن هناك وقت للراحة، إذ أُجبر السكان على إخلاء المدينة، وهي الآن في أيدي حلفاء أردوغان”. تحاول “قوّات سوريا الديمقراطية” الصمود عند سد تشرين الاستراتيجي، الذي يقع على بُعد بضعة كيلومترات فقط من منبج.
بينما تواصل الطائرات التركية والمسيّرات قصف المنطقة، تسافر مجموعات من الناشطين لتقديم الدعم المعنوي لـ”قوّات سوريا الديمقراطية” بالقرب من السد. “لا يمكننا التوقّف عن الدفاع عن السد، إنه آخر خط دفاع لدينا”، تقول هدى حماد (42 عاماً)، وهي عضوة في منظّمة نسائية، وتضيف: “برغم أننا مدنيون، لا تفرق القنابل بيننا”، مؤكّدة أنها جزء من اعتصام دائم، احتجاجاً على الهجمات، وأنه منذ 8 كانون الأول/ ديسمبر الماضي، قُتل 24 مدنياً وأُصيب 200 في محيط السد.
“سد تشرين لا يزوّد شمال سوريا بالكهرباء فقط، بل له دور مهم أيضاً في الزراعة”، تشرح سوسن خليل من إدارة المياه في كوباني. وبعبارة أخرى، يضمن سد تشرين الأمن الغذائي والمائي إلى جانب الكهرباء. “بنية السد معلّقة بخيط رفيع، فهو يتعرّض لهجمات مستمرّة، وأي خرق قد يؤدّي إلى كارثة”، يحذّر مصدر آخر في الإدارة، رفض الكشف عن هويته، “هناك فريق تقني داخل السد، لكن عندما يشتد القصف، يخشى الفريق الخروج”.
أصبحت المعركة من أجل المياه أكثر احتداماً منذ ذلك الحين. في محطة استخراج مياه صغيرة على الحدود التركية، تعرّض العمال للهجوم ما لا يقل عن خمس مرات. يقول رحمن محمد (50 عاماً)، وهو عامل في السد: “منسوب الفرات يتناقص لأن تركيا تحوِّل تدفّقه عبر سد أتاتورك في الشمال”، ثم يواصل حديثه من داخل غرفة المحركات الصاخبة: “نأتي إلى العمل ونحن خائفون، فقد أُصيب ثلاثة من زملائنا في انفجار سيارة، وأُصيب آخر برصاصة”، يقول العامل الذي يتقاضى راتباً زهيداً.
تخدم هذه المعارك هدفاً استراتيجياً لتركيا؛ فهي مفتاح توسيع نفوذها في سوريا. وبينما تتعثّر جولات المفاوضات بين الإدارة الذاتية لشمال سوريا وشرقها والإدارة الجديدة، يكسب “الجيش الوطني السوري” وتركيا الوقت لمواصلة عمليات الاستنزاف ضد “قوّات سوريا الديمقراطية”.
لطالما اعتبرت تركيا “قوّات سوريا الديمقراطية” كياناً معادياً، لكنها حتى الآن كانت مقيّدة بسبب الوجود العسكري الأميركي في المنطقة، الذي يسعى إلى استبدال “قسد” بحلفاء أكثر توافقاً مع مصالحه، لكن الظروف تغيّرت بشكل كبير بعد وصول “هيئة تحرير الشام” إلى السلطة وتحالفها مع “الجيش الوطني السوري” وجماعات مسلّحة أخرى.
فقدت “قوّات سوريا الديمقراطية” آلافاً من عناصرها في القتال ضد تنظيم “داعش” والفصائل المسلّحة المدعومة من تركيا، وتعتبر أنقرة أن “قسد” امتداد لحزب “العمال الكردستاني/ PKK”، وهو تنظيم كردي مسلّح تصنّفه كمنظّمة إرهابية. لهذا السبب، ترى تركيا في مشروع الإدارة الذاتية لشمال سوريا وشرقها، مشكلة استراتيجية منذ تأسيسه بعد الانتفاضة الشعبية في عام 2011 ضد نظام الأسد وبداية الحرب الأهلية.
إحدى هذه الإشكاليات كانت عندما أنشأت التنظيمات السياسية الكردية، وعلى رأسها “وحدات حماية الشعب/ YPG”، مشروعاً سياسياً مستقلاً بحكم الواقع، مستنداً إلى اتفاقيات مع زعماء العشائر العربية والمجتمعات متعددة الإثنيات والأديان. وقد حققت هذه السلطة مستويات عالية من الحكم الذاتي من خلال إدارة الشؤون اليومية للمنطقة، التي يسمّيها كثر من الكرد “روج آفا – كردستان الغربية”.
دور العشائر
أدّت سياسات التغيير الديموغرافي منذ العام 1970 التي انتهجها آل الأسد، وفي السنوات الأخيرة تركيا، إلى تعقيد ميزان القوى، ما جعل الكرد أقلية في الأراضي التي يطالبون بها تاريخياً، وكان هذا هو أساس التفوّق الميداني لأنقرة في منبج، كما يُوضح المتحدث باسم “قوّات سوريا الديمقراطية” سيامند علي وهو يرتدي سترته الرسمية: “جزء من العشائر هناك كان دائماً معادياً للإدارة، لكن هذا ليس حال جميع المناطق”.
في مكتبه، يوضح الشيخ بندر، أحد زعماء قبيلة شُمّر القوّية بالقرب من العراق، قائلاً: “بعض العشائر قاتلت إلى جانب داعش، بينما انضم رجالنا إلى وحدتنا التي تضم 4,000 مقاتل، وتُعرف بالصناديد’”، ويتابع الشيخ، الذي يرتدي بدلة ويضع شالاً أبيض على رأسه: “قاتلنا من أجل تحرير المنطقة منذ العام 2014، وعندما قررنا أن نكون جزءاً من قوّات سوريا الديمقراطية، منذ ذلك الحين نحن مسؤولون عن أمن هذه المنطقة”.
هذا التحالف يشكّل ركيزة أساسية لاستدامة الإدارة الذاتية لشمال سوريا وشرقها، حيث بُني على سنوات من الدفاع عن المجتمعات ضد “داعش”، الذي ارتكب عشرات المجازر بحق العشائر العربية. بالنسبة الى الشيخ بندر فإن “داعش لم يحترم البنية القبلية، بينما فعلت الإدارة الذاتية ذلك”، ما جعل الكرد، رغم كونهم أقلية، يعتمدون في نظامهم على احترام الهياكل العشائرية، على عكس ما فعله تنظيم “داعش”. هذه العلاقة محورية لفهم أي تحوّل محتمل في التحالفات المستقبلية.
جالساً على فرش تقليدية بجوار مدفأة منزله، يُوضح الشيخ فارس حوران في الرقّة موقفه قائلًا: “رغم أننا لا نُعفي الإدارة من النقد ونرغب في سوريا موحّدة، فإن علاقتنا مع حكّامنا قائمة على الاحترام، ولا ندعم أي عمل عسكري. على العكس، نريد حلولاً سياسية سلمية”.
شنّت تركيا أربع عمليات عسكرية ضد هذه الكيانات منذ العام 2016، مثل عملية “درع الفرات” و”غصن الزيتون”، وسيطرت على مساحات واسعة على طول حدودها، ما أدّى إلى نزوح مئات الآلاف من الأشخاص في محاولة لتقويض أي مشروع سياسي بديل. يشير القصف المستمر للمناطق المدنية إلى أن هذه الهجمات لن تتوقّف حتى بعد سقوط الأسد.
أزمة إنسانية جديدة
“ها نحن هنا، انتهى بنا المطاف في ملعب كرة القدم البلدي في الطبقة، ننام ونعيش في ظروف غير إنسانية، من دون مأوى آمن لفصل الشتاء”، تقول أرين سليمان (32 عاماً)، وهي أم لأربعة أطفال، أحدهم يعاني من اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD). بالنسبة إلى كثيرين، هذه هي المرة الثالثة التي يُجبرون فيها على النزوح منذ العام 2018.
مصطفى رشيد رئيس مخيم النازحين داخلياً، يراجع الأرقام: “هناك حوالي 150,000 نازح في الطبقة، مع ما يقارب 1,300 عائلة هنا، بينما ينتشر أكثر من 2,000 آخرين في أماكن مثل المدارس والمساجد، في حين يوجد قرابة 200 شخص بلا مأوى”، يقول الرجل ذو اللحية الرمادية (55 عاماً)، و”الخيام مكتظّة، لا يوجد أي خصوصية، وهناك مشاكل خطيرة في الصرف الصحي”، يضيف رشيد. أما باقي النازحين، فهم منتشرون في مناطق أخرى مثل قامشلي وكوباني، ويعيشون في ظروف مماثلة.
جالسة بجواره، تشرح نسرين فهيمة أن “الفصول الدراسية توقّفت بسبب هذا الوضع، ما تسبب في مشكلات تعليمية خطيرة”، تقول ذلك بينما تأخذ رشفة من الشاي. “هناك مشكلات صحية من جميع الأنواع بسبب البكتيريا في المياه، ليس لدينا أطباء، وقد تُوفي بالفعل طفلان دون السنة من عمريهما بسبب البرد”، تتابع المرأة ذات الشعر الطويل (42 عاماً). “كما تُوفيت امرأة مسنة بسبب نقص الرعاية”، تضيف بأسى.
“لا توجد أدوية أيضاً، وهناك أشخاص يعانون من أمراض مزمنة خطيرة مثل السرطان أو يحتاجون إلى غسيل كلى، ناهيك بالصدمة النفسية الهائلة التي مررنا بها”، تشرح فهيمة بوجه قلق، جالسة بجوار المدفأة.
المنظّمات غير الحكومية مثل الهلال الأحمر الكردي و”اليونيسف” أرسلت مساعدات، لكنها غير كافية، بخاصة مع نقص المعدات الطبية المتقدمة. “أصبح النقص جزءاً من حياتنا اليومية”، وباختصار، “الوضع الإنساني كارثي”، تختم حديثها.
مشكلة الاندماج
ببطء ولكن بثبات، فتح قادة الإدارة الذاتية لشمال سوريا وشرقها، قنوات تفاوض مع السلطات الجديدة في دمشق، بشأن مستقبل الكرد، الذين يشكّلون 10 في المئة من سكان سوريا قبل الحرب، وهم لا يسعون إلى حكم ذاتي كامل بحكومة وبرلمان مستقلّين، بل يريدون ببساطة اللامركزية الإدارية، أي مساحة لإدارة شؤونهم اليومية.
لكن السلطات الجديدة متحالفة مع الجماعات المسلّحة المدعومة من تركيا، التي شنّت هجوماً على الكرد في كانون الأول/ ديسمبر، مستغلّة الفوضى التي أعقبت سقوط الأسد. بمعنى آخر، فيما تحاول قيادة “هيئة تحرير الشام” إبداء ضبط النفس، وتسعى إلى دمج المجتمعات المختلفة، فإنها تعتمد بشكل كبير على جهات خارجية مثل أنقرة والرياض والدوحة.
للصراع المستمر تداعيات كبيرة على مستقبل سوريا، حيث تحاول الحكومة الجديدة، بقيادة الجماعة الإسلامية المتمرّدة السابقة “هيئة تحرير الشام”، ترسيخ سلطتها والشروع في إعادة الإعمار بعد قرابة 14 عاماً من الحرب الأهلية، بينما تسعى الآن إلى تحقيق قدر من الاستقلال الذاتي.
في اجتماع مغلق بين أحمد الشرع (المعروف سابقاً باسم محمد الجولاني) والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أُبرم تحالفهما بشكل صريح. أعلن الشرع أن سوريا تسعى إلى “علاقة استراتيجية عميقة في جميع المجالات” تخدم مصالح البلدين. كما شدد على ضرورة وضع “استراتيجية مشتركة لمواجهة التهديدات الأمنية في المنطقة”، مشيراً بشكل خاص إلى شمال شرقي سوريا، الخاضع لسيطرة ميليشيا يقودها الكرد ولا تخضع لسلطة “هيئة تحرير الشام”.
رغم أن الشرع لم يشارك بعد بشكل مباشر في الصراع، فإنه أبدى استعداده للتعاون في مواجهة ما وصفه بـ”الإرهاب في الشمال”.
لا يزال مصير الإدارة الذاتية لشمال سوريا وشرقها غير واضح، بخاصة بعدما قررت الإدارة الأميركية الجديدة بقيادة دونالد ترامب التخلّي عن حلفائها العسكريين السابقين، ما أدّى إلى كسر التحالف الذي هزم “داعش”، والذي لا يزال ضرورياً لمنع عودته. حتى الآن، المفاوضات متعثّرة بينما تزداد الأزمة الاقتصادية والإنسانية سوءاً بالنسبة الى الكرد.
درج
——————————-
كيف تلقى أكراد سوريا دعوة أوجلان لإلقاء السلاح؟
دمشق: كمال شيخو
28 فبراير 2025 م
شكَّلت استدارة الزعيم الكردي، عبد الله أوجلان، ودعوته لحل جميع المجموعات التابعة لـ«حزب العمال الكردستاني» وإلقاء سلاحها، مساراً جديداً لأكراد سوريا وتهيّئة مناخات سياسية للدخول في حوارات مع الإدارة السورية الانتقالية بمعطيات جديدة، والبحث على غطاءين دولي وإقليمي للوصول إلى تفاهمات بعيداً عن لغة الحرب والتدخلات الخارجية.
وسعى مظلوم عبدي، قائد «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) التي يقودها الكرد، في أول تعليق رسمي على دعوة أوجلان، إلى تمييز قواته عن «حزب العمال» التركي، مؤكداً أن الدعوة تتعلق بمقاتلي الحزب وليس بقواته، ولا علاقة لأكراد سوريا بها.
ضغوط على «قسد»
تواجه «قسد»، تحديات إضافية بعد انهيار نظام بشار الأسد، مع استمرار التهديدات التركية، والضربات الجوية على محاور سد تشرين بريف محافظة حلب الشرقي، إلى جانب ضغوط حكومة دمشق لحل نفسها والانضمام كأفراد إلى الجيش السوري الجديد، وحل مؤسسات الإدارة الذاتية لصالح مؤسسات الدولة. في وقت أشارت إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، إلى خطط لسحب نحو 900 جندي أميركي من سوريا قبل انقضاء السنة الحالية.
بالمقابل، حرصت «قسد» على تقديم رسائل إيجابية لدمشق ومطالبتها بأرضية مناسبة للتفاوض مع الإدارة الجديدة، وأن جميع النقاط التي ما زالت عالقة قيد النقاش، وتوافقها مع مطالب دمشق بإخراج المقاتلين غير السوريين من صفوف «قسد»، واستعدادها لمناقشة ملف سجناء تنظيم «داعش»، وبحث مصير عائلاته القاطنين في مخيمي الهول وروج بريف الحسكة.
وكشف مصدر كردي عن أن لقاءً جديداً سيُعقد بين أحمد الشرع، رئيس المرحلة الانتقالية، ومظلوم عبدي، قائد «قسد»، في دمشق خلال الأيام القليلة المقبلة، مشيراً إلى أن اللقاء الأول الذي عُقد في قصر الشعب نهاية العام الماضي بالعاصمة دمشق، لم يكن بالمستوى المطلوب ومخيباً للتوقعات الكردية.
وتعليقاً على دعوة أوجلان إلى سلام كردي مع تركيا وتداعياتها على الساحة السورية، يقول الكاتب خورشيد دلي، المحلل المتخصص في الشؤون الكردية، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، إن الدعوة إذا وجدت طريقها للتنفيذ، «لن تبقي حجة تركية لمزيد من الهجمات واستهداف المناطق الواقعة تحت سيطرة (قسد)؛ فتركيا كانت تربط هذه المنطقة بحزب العمال الكردستاني، وبالتالي ستنتفي في مسار السلام الحجج التركية».
ويرى دلي أن دعوة أوجلان في هذا التوقيت ستشكل مدخلاً جديداً للحوارات بين قوات «قسد» والسلطة الانتقالية في دمشق؛ إذ «ستخفف الضغط العسكري التركي على (قسد)، وحتى ستخفف الضغط السياسي على الشرع، كما ستكون مدخلاً قوياً لخيارات سياسية بين السوريين، وربما ستحظى هذه الدعوة بدعم دولي وإقليمي وعربي».
«قسد» غير معنية
يرى الكاتب براء صبري، وهو باحث مساهم في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، أن ظلال دعوة الزعيم أوجلان لن تنعكس على المنطقة التي تديرها قوات «قسد» بسوريا،
وقال صبري في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «لا يبدو أن (قسد) معنية بهذه الدعوة، وهي كررت مراراً عدم ارتباطها بحزب العمال وأعلنت مراراً أنها منفصلة، ووجدت هذا الإعلان وسيلة لوقف ذرائع تركيا في عدائها لها».
وتتهم تركيا الولايات المتحدة والتحالف الدولي بتقديم الدعم العسكري للوحدات الكردية العماد العسكرية لقوات «قسد»، بدعوى حربها على «داعش» الإرهابي، وتعدها جناحاً سورياً لـ«حزب العمال الكردستاني» التركي وتهديداَ لأمنها القومي، وطالبت واشنطن برفع الغطاء عن «قسد».
وقال صبري إن «قسد» تدرك مدى تأثير أنقرة على توجهات دمشق الحالية وتعدّ التحركات الداخلية في تركيا؛ وتابع حديثه ليقول: «(قسد) تصر على أنها قوة مستقلة غير مرتبطة بحزب العمال، وسيكون الوسيط الأميركي العامل الحاسم في الحل لبناء علاقة تركية مع مناطق شرق الفرات تتسم بحسن الجوار، وبناء حل دستوري مع دمشق يضمن حقوق الأكراد».
الشرق الأوسط
————————–
أوجلان… قاتل أم بطل وداعية سلام؟
إردوغان يراه مفتاحاً لإنهاء الإرهاب… ويصر على سجنه
سعيد عبد الرازق
28 فبراير 2025 م
خرج مئات الآلاف من الأكراد في شوارع مدن جنوب تركيا فضلاً عن الآلاف في شمال شرقي سوريا، ابتهاجاً بالدعوة التي أطلقها زعيم «حزب العمال الكردستاني»، السجين عبد الله أوجلان، لحل الحزب، ومطالبة جميع المجموعات التابعة له بإلقاء أسلحتها، ليؤكد من جديد أنه مفتاح حل المشكلة الكردية في تركيا والمنطقة.
ورغم بقاء أوجلان (75 عاماً) في محبسه الانفرادي في سجن منعزل بجزيرة إيمرالي التابعة لولاية بورصة، على بُعد 51 كيلومتراً من إسطنبول في جنوب بحر مرمرة غرب تركيا، لمدة 26 عاماً، فلا يزال يعد «الرجل الضرورة» عند الحديث عن حل المشكلة الكردية في تركيا، الذي لا يتردد في إطلاق «نداءات السلام» و«الحل» كلما طُلب منه ذلك.
أسس أوجلان، الذي يعدّه الأكراد «بطلاً» ويلقبونه «آبو»، أي (العم)، «حزب العمال الكردستاني» في منطقة ليجه في ديار بكر 28 نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1978، بعد انشقاقه عن اليسار التركي ليؤسس «العمال الكردستاني»، متعهداً بالقتال من أجل إقامة دولة كردستان المستقلة بعد تركه كلية العلوم السياسية في جامعة أنقرة.
تمرد وملاحقة
وقاد منذ 1984، من سوريا، تمرداً أودى بحياة عشرات آلاف الأشخاص (اختلفت التقديرات بالنسبة لعدد الضحايا ما بين 15 و40 ألف شخص) في ظل سعيه إلى نيل الحكم الذاتي للأكراد في جنوب شرقي تركيا، وصنفت تركيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي حزبه منظمة إرهابية.
وجرى القبض عليه في العاصمة الكينية نيروبي في 15 فبراير (شباط) عام 1999، بعد طرده من سوريا عام 1989. وكان قد نقل جوّاً إلى أنقرة تحت حراسة قوات تركية خاصة، وحُكِم عليه بالإعدام في 29 يونيو (حزيران) 1999 بعد إدانته بتهمة تأسيس وقيادة منظمة إرهابية.
لكن الحكم لم ينفذ عندما ألغت تركيا عقوبة الإعدام عام 2004، في إطار مفاوضاتها للانضمام إلى عضوية الاتحاد الأوروبي، وخُفف إلى السجن مدى الحياة، مع عدم إمكانية الإفراج المشروط، ليقبع منفرداً في زنزانة في سجن إيمرالي في بحر مرمرة جنوب إسطنبول.
ولم يطوِ النسيان صفحة أوجلان رغم سجنه، فنظراً لتأثيره الشديد على الأكراد في تركيا والمنطقة المحيطة بها، ظل دائماً هو مفتاح الحل كلما تأزمت القضية الكردية وتداعياتها في تركيا.
ورغم تكرار الرئيس رجب طيب إردوغان وصفه لأوجلان بـ«قاتل الأطفال»، وتأكيده أنه لا يمكن العفو أو الإفراج عنه نهائياً، فإنه يرى فيه مفتاح الحل وكلمة السر في أي جهود تستهدف إنهاء مشكلة الإرهاب في تركيا.
مفتاح الحل
وجرى اللجوء للحوار مع أوجلان عام 2012، لإطلاق «عملية الحل» أو السلام الداخلي في تركيا، التي كانت تستهدف حل المشكلة الكردية، ووقف نشاط «حزب العمال الكردستاني» ونزع أسلحته، وأصدر نداءً بذلك في احتفالات عيد «نوروز» في 21 مارس (آذار) 2014.
وكانت «عملية الحل» هي واحدة من أكثر المحاولات الملموسة لإنهاء الصراعات بين الدولة التركية و«العمال الكردستاني»، قبل أن يسحب إردوغان اعترافه بها في 2015.
الآن، عاد الرجل نفسه، أوجلان، ليطلق نداءً جديداً للسلام وحل «حزب العمال الكردستاني» ونزع أسلحة جميع مجموعاته، في ظل ظروف إقليمية عصيبة، آملاً في تحقيق التآخي بين الأكراد والأتراك وإحلال السلام في المجتمع، لكن لا أحد يعلم ما إذا كانت دعوته ستثمر حلّاً دائماً في تركيا والمنطقة، أم تضيع في دهاليز السياسة وتكتيكات الانتخابات!
————————–
أوجلان يوجّه بإلقاء السلاح.. لماذا الآن؟/ د. سعيد الحاج
كاتب وباحث فلسطيني
28/2/2025|
في حدث تاريخيّ، وجّه زعيم حزب العمال الكردستاني عبدالله أوجلان نداء لحل الحزب الانفصالي، ووقف عملياته ضد تركيا. يختلف هذا النداء عن آخرَيْن سبقاه في العقد الماضي، من حيث السياق المحلي والإقليمي والدولي، بما يبشّر بمآلات مختلفة هذه المرة.
نداء أوجلان
في السابع والعشرين من فبراير/ شباط، وفي رسالة نقلها عنه وفد حزب ديمقراطية ومساواة الشعوب الذي زاره في سجنه، وجّه زعيم المنظمة الانفصالية المعتقل منذ 1999 نداءً تاريخيًا لحلّ الحزب.
عنوَن أوجلان رسالته بـ “دعوة للسلام والمجتمع الديمقراطي”، وتحدث فيها عن “العلاقات التركية – الكردية التي تمتد لأكثر من ألف عام”، حيث تحالف الأكراد والأتراك دائمًا من أجل البقاء ومواجهة القوى المهيمنة.
وقال إن “الحداثة الرأسمالية استهدفت خلال القرنين الماضيين تفتيت هذا التحالف”، مؤكدًا على أنّ الواجب الرئيس اليوم هو “إعادة صياغة هذه العلاقة التاريخية الهشّة بروح الأخوّة”، ما يجعل “المجتمع الديمقراطي حاجة لا فكاك عنها”، على حد تعبيره.
ودعا أوجلان صراحة حزب العمال الكردستاني لإلقاء السلاح، وحل نفسه، وانتهاج العمل السياسي “متحمّلًا المسؤولية التاريخية عن ذلك”، حيث دعا قيادات الحزب لدعوة مؤتمره العام وإعلان حلّ الحزب و”إلقاء كل المجموعات السلاح”، للتكامل مع الدولة والمجتمع.
ووضع الزعيم التاريخي للكردستاني مشروعية تأسيس حزبه في سياق ظروف الحرب الباردة، و”إنكار الحقيقة الكردية”، وانسداد مسارات العمل السياسي، والحظر على الحريات.
وهي العوامل التي يرى أوجلان أنها انتهت و/أو تغيرت، ما تسبب بـ “فقدان العمال الكردستاني للمعنى، ودفعه للتكرار المتشدد”، ولذلك فقد “استنفد عمره، وبات حله ضروريًا”.
واللافت أن أوجلان فند في رسالته التاريخية بعض المطالب التقليدية لحزبه، مؤكدًا على أن الحلول من قبيل الدولة القومية المنفصلة، الفدرالية، والإدارات الذاتية، أو الحلول الثقافوية “لن تجد استجابة من الشعب” وفق سيرورة الاجتماع السياسي التاريخية، ما يجعل الديمقراطية والعمل السياسي حلًا وحيدًا ولازمًا على ما جاء في الرسالة.
لماذا الآن؟
بدأت الدولة التركية سابقًا مسار تسوية سياسية مع العمال الكردستاني ابتداءً من 2009، بعد سلسلة إصلاحات ديمقراطية وسياسية خاصة بالطيف الكردي، ووصلت معه لشبه اتفاق يقضي بإقرار حقوق سياسية – ثقافية إضافية للأكراد مقابل إلقاء السلاح وخروج عناصر الحزب من تركيا.
وقد وجّه أوجلان نداءً بهذا الشأن عام 2013، وكرّره عام 2015، لكن المسار توقّف وفشل، وكان الدافع الرئيس في ذلك الوقت تطورات الثورة السورية وتبعاتها، حيث أعلن حزب الاتحاد الديمقراطي (الامتداد السوري للكردستاني) إدارات ذاتية في ثلاثة كانتونات في الشمال السوري.
إذ أعادت هذه التطورات السورية والإقليمية للكردستاني حلم الدولة الكردية، فاستأنف عملياته داخل تركيا، وأعلن عن إدارات ذاتية في مناطق الأغلبية الكردية، وخاض حرب مدن وشوارع، كما شنّت تركيا عدة عمليات ضد امتداداته السورية، وطوّرت عملياتها ضد معاقله في شمال العراق.
اليوم، ومرة أخرى، يدفع السياق الإقليمي والدولي لتطورات عميقة ومهمة في المسألة الكردية، ولكن بالاتجاه المعاكس. فقد قوّى سقوط النظام السوري أوراق تركيا في مواجهة المشاريع الانفصالية في الشمال السوري، لا سيما وهي تتفق مع القيادة السورية الجديدة على وحدة الأراضي والمؤسسات السورية، ووضعت قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في موقف دفاعي صعب، بل وعززت من أوراق التفاوض التركية مع الإدارة الأميركية الداعم الأبرز لقسد.
كما أن انتخاب ترامب مجددًا أعاد للأذهان أفكاره القديمة المتعلقة بضرورة سحب قوات بلاده من سوريا، وهو ما يضع قسد في مهب الريح، سوريًا أولًا، وفي البعد الإقليمي ثانيًا.
كما لا ينبغي إغفال العوامل المحلية، وفي مقدمتها نجاح عمليات المكافحة والحرب الاستباقية التركية على مدى سنوات في منع هجمات الكردستاني وتقويض إمكاناته وتقليل الانتساب له.
كما أن نداء دولت بهتشلي، الزعيم القومي وحليف الرئيس أردوغان، في شهر أكتوبر/ تشرين الأول الفائت، بخصوص حلّ المسألة الكردية، فتح آفاقًا رحبة للمسألة، خصوصًا أنه تقليديًا من أشد المعارضين لذلك.
من جهة ثانية، ينبغي الإشارة إلى أن أوجلان، الزعيم التاريخي والمنظّر للكردستاني، صاحب مراجعات فكرية وسياسية، وقد نشرت له سابقًا عدة مراجعات بخصوص أفكار الحزب ومنهجيته.
ولعل الرسالة الأخيرة التي أشارت لانتفاء أهم العوامل التي شكلت السياق الذي تأسس به الحزب، ثم تفنيده أي مطالب خارج الإطار السياسي الداخلي التركي، تحمل مؤشرات على مراجعات فكرية وتنظير جديد وفق قراءة لمجمل التطورات المحلية والإقليمية والدولية، فضلًا عن التغيرات الجذرية في فكر الحزب وواقعه و”معناه”، وليس مجرد مناورة سياسية ظرفية.
الفرص والتحديات
يتميز نداء أوجلان الأخير عن سابقيه من حيث المضمون والسياق، حيث لم يكتفِ أوجلان بالدعوة لوقف العمليات ضد تركيا، كما حصل سابقًا، وإنما دعا لحل التنظيم وإلقاء السلاح نهائيًا، وانتهاج العمل السياسي، معللًا ذلك بتغير السياق وانتفاء المعنى وتراجع المشروعيَّة وانعدام الفائدة لما انتهجه الكردستاني على مدى أربعة عقود.
يجعل كل ذلك النداء تاريخيًا فعلًا، ويضع تركيا على بداية مسار يمكن أن يخلصها من الملفّ الأكثر حساسية في مشهدها الداخلي، والذي كلّفها عشرات آلاف الضحايا، ومئات مليارات الدولارات، ونسيجًا مجتمعيًا ضعيفًا، وثغرات للتدخل الخارجي.
بيد أن التجارب التاريخية تؤكد صعوبة القضاء على ظواهر من هذا النوع، لا سيما حين تحظى بدعم خارجي. فما فرص النجاح هذه المرة؟
ثمة عوامل داخلية وخارجية مهمة تساهم في رفع سقف التوقعات من المسار الجديد، في مقدمتها ما سلف تفصيله من سياق إقليمي ودولي يضيّق المساحات على العمال الكردستاني وامتداداته في المنطقة، ولا سيما ما يتعلّق بالدعم الأميركي المباشر لهذا المشروع، وخصوصًا في سوريا.
كما أن تصريحات رئيس إقليم كردستان العراق نجيرفان البارزاني ورئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود البارزاني الداعمة لنداء أوجلان، وتثمين قيادات قسد له، تشير إلى مناخ إقليمي داعم.
وهناك رضا الدولة التركية، بالحد الأدنى، عن الخطوات التي تمت حتى اللحظة. يتبدى ذلك بدعوة دولت بهتشلي، ودعم أردوغان لها، وترتيب زيارات لعبدالله أوجلان من حزب ديمقراطية ومساواة الشعوب، ولقاء الوفد الزائر مع عدد من الأحزاب السياسية (منها العدالة والتنمية والحركة القومية) ورئاسة البرلمان، والسماح بنقل رسالته في الإعلام.
كما أن نائب رئيس حزب العدالة والتنمية أفقان آلا، وفي أول تعليق رسمي، رحب بالدعوة التي “جوهرها إلقاء السلاح وحل التنظيم الإرهابي”، مشيرًا إلى أن “تركيا ستتحرر من قيودها” إذا ما تحقق ذلك.
كما أن أوجلان ورغم سِنِيْ سجنه التي تربو على ربع قرن، ما زال يحظى برمزية كبيرة وينظر له حتى اللحظة كزعيم تاريخي وحالي للكردستاني، ما يمنح كلماته مشروعية وتأثيرًا على أتباع الحزب.
ومن المهم الإشارة إلى أن رسالة أوجلان كانت واضحة ومباشرة لا تترك مجالًا للمناورة أو عدة تفسيرات.
كما أن بعض قيادات العمال الكردستاني غيّرت موقفها مؤخرًا من التقليل مما يصدر عن أوجلان بعدِّه “أسيرًا لا يملك قراره”، إلى التأكيد على زعامته وتثمين كلامه.
في المقابل ثمة تحديات عديدة أمام المسار الذي يهدف لحل مشكلة معقدة ومتداخلة داخليًا وخارجيًا وعالقة منذ عقود.
في مقدمة ذلك أن المسار غير واضح المعالم حتى اللحظة، أو بكلام أدق لم يعلن حتى اللحظة ما المطلوب أو المرغوب أو المعروض من الحكومة التركية، مقابل هذا النداء التاريخي. وبالتالي، من الصعب الحكم على آفاق نجاحه.
التحدي الآخر يتمثل بالحالة الصحية لدولت بهتشلي، اللاعب المهم وصمام الأمان ومطلق المسار الحالي، حيث يُتداول أن صحته متدهورة إضافة لتقدمه في السن، ما يجعل فكرة غيابه عن المشهد السياسي حاضرة وأسئلة تأثير ذلك على المسار قائمة.
وهناك بالتأكيد التحدي الأكبر المرتبط بمدى استجابة قيادات الكردستاني، ولا سيما في جبال قنديل، للنداء واستحقاقاته.
فرغم بعض التصريحات الإيجابية، فإن توقع الانصياع الكامل سيكون تسرعًا في غير محله، في قضية تمتزج فيها الأيديولوجيا مع السلاح والمال مع النفوذ والقناعات مع الرهان على الخارج، فضلًا عن أن التجارب السابقة تدعو للتفاؤل الحذر بكل الأحوال.
كما أن ارتباط المسار بالتطورات الخارجية، ولا سيما سوريا والعلاقات مع واشنطن، يترك دائمًا هامشًا للمناورة والتغير في حال حصلت تطورات ذات بال متعلقة بها.
ختامًا، رغم أهمية نداء أوجلان كإعلان تاريخي يفتح مرحلة جديدة في المسألة الكردية في تركيا والمنطقة، فإننا ما زلنا في بدايات المسار المرتقب. ومن الأهمية بمكان الإشارة إلى أنه مسار طويل وليس مجرد محطات محددة يمكن أن تنهي الملف بتصريح هنا أو رغبة هناك.
ورغم ذلك، يضع النداء العمال الكردستاني أمام مفترق طرق، فإما أن يلقي السلاح وينتهج العمل السياسي، أو يندفع لصراعات داخلية بين أنصار أوجلان ورافضي دعوته، وإما أن يفقد الكثير من مشروعيته وتأثيره على الطيف الكردي.
وفي كل ذلك، يبدو موقف أنقرة اليوم أقوى بكثير من أي وقت مضى، ومجالات المناورة أمامها أرحب بكثير من السابق، وفرص نجاحها هذه المرة أعلى بمراحل من التجارب السابقة.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
كاتب وباحث فلسطيني
الجزيرة
————————-
تركيا تدخل مرحلة فاصلة بعد بيان أوجلان/ د. ياسين أقطاي
28/2/2025
شهدت القضية الكردية في تركيا تطورًا جديدًا بعد دعوة زعيم حزب الحركة القومية، دولت بهتشلي، في 22 أكتوبر/ تشرين الأول 2024، إلى التواصل مع عبدالله أوجلان، مؤسس حزب العمال الكردستاني. وقد أسفرت هذه الدعوة عن تصريح مفاجئ من أوجلان، دعا فيه التنظيم إلى التخلي عن السلاح وحلّ نفسه، وهو ما يشير إلى دخولنا مرحلة غير مسبوقة في تاريخ هذه القضية.
على مدى 41 عامًا، كلفت أنشطة حزب العمال الكردستاني الإرهابية تركيا ثمنًا باهظًا، ولم يكن من المتصور، حتى قبل أشهر قليلة، أن يصدر مثل هذا النداء عن مؤسس التنظيم نفسه. وقد نقل أوجلان رسالته هذه عبر وفد من حزب الشعوب الديمقراطي (DEM)، الذي زاره مرارًا في سجنه.
لمتابعة هذه الرسالة، أقام فرعا حزب الشعوب الديمقراطي في ديار بكر وفان، شاشات عملاقة لبثها أمام الجمهور. ففي فان، تم عرض الرسالة في ساحة المدينة، بينما نُقل البث في ديار بكر في ميدان داغكابي. كما تمت مشاهدتها مباشرة في ملعب 12 مارس بمدينة القامشلي السورية، التي تقع تحت سيطرة وحدات حماية الشعب الكردية (YPG).
في كلمته، استعرض أوجلان الظروف التاريخية التي أدت إلى ظهور حزب العمال الكردستاني، وهي الظروف المرتبطة، كما هو معلوم، بإنكار الهوية واللغة والوجود الكردي نتيجة سياسات الدولة القومية.
وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد أقرّ بهذه الحقيقة سابقًا، حيث اعتبر أن غياب المساحة السياسية للتعبير عن الهوية الكردية، هو ما أدى إلى نشوء التنظيم.
بيدَ أن أوجلان أكد أن هذه الظروف لم تعد قائمة اليوم، ما يعني أن استمرار حزب العمال الكردستاني في نضاله المسلح لم يعد له مبرر. فقد شدد على أن “لا مكسب ولا حق يمكن تحقيقه بعد الآن من خلال السلاح”، وهو تصريح جوهري يقوّض الأساس الذي قام عليه التنظيم، خاصة أنه صادر عن زعيمه ومؤسسه.
قبل وصول أردوغان وحزب العدالة والتنمية إلى الحكم، لم تكن الدولة التركية تعترف بالهوية الكردية، مما وفّر لحزب العمال الكردستاني ذريعة للاستمرار، وإن لم يكن ذلك مبررًا لشرعيته. لكن أردوغان، انطلاقًا من قناعاته الإسلامية التي ترفض إنكار أي قومية أو حظر لغتها، اعتبر أن الحل يكمن في ترسيخ الأخوّة بين الأتراك والأكراد والعرب.
وفي 12 أغسطس/ آب 2005، أعلن أردوغان في خطاب تاريخي بمدينة ديار بكر أنه يعترف بوجود “المشكلة الكردية”، متعهدًا بحلها، على عكس السياسيين السابقين الذين تجنبوا اتخاذ خطوات جدية في هذا الاتجاه. وقد عمل أردوغان على تفكيك عناصر هذه المشكلة بجرأة لم يسبق لها مثيل، متناولًا مختلف أبعادها:
قضية اللغة الكردية.
مسألة الهوية.
الحق في التنظيم والتعليم.
رفع حالة الطوارئ.
معالجة التفاوت التنموي في المناطق الكردية.
لم يكتفِ أردوغان بالإصلاحات القانونية، بل أطلق عملية “الانفتاح” ثم “عملية الحل”، رغم إدراكه المخاطر السياسية التي قد تترتب على ذلك.
وكان جوهر عملية الحل يقوم على الاعتراف بالوجود الكردي وهويته ولغته وثقافته مقابل تخلي حزب العمال الكردستاني عن السلاح. ولأن التنظيم هو الطرف المسلح، فقد كان لا بد من التعامل معه لتحقيق هذا الهدف.
كيف انهارت عملية الحل؟
خلال عملية الحل، توقف إطلاق النار، ولم تشنّ الدولة أي عمليات عسكرية ضد حزب العمال الكردستاني، منتظرةً منه تنفيذ تعهده بالتخلي عن السلاح وسحب مقاتليه من تركيا.
لكن التطورات في سوريا غيرت مسار الأمور. فقد حصل حزب العمال الكردستاني على دعم أميركي تحت ذريعة محاربة تنظيم الدولة، ما أغراه بالبقاء في المشهد المسلح.
وهنا ظهر جليًا أن القوى الدولية، وعلى رأسها الولايات المتحدة وأوروبا والنظام السوري، لم تكن معنية بحلّ القضية الكردية في تركيا، بل كانت تستخدم حزب العمال الكردستاني كورقة ضغط ضد أنقرة.
استغل الحزب توقف العمليات العسكرية ضده ليعزز انتشاره في الجبال التركية، واستفاد من البلديات التي كان يسيطر عليها حزب الشعوب الديمقراطي؛ لتجنيد المزيد من الشباب وحتى الأطفال، ما أدى في النهاية إلى انهيار عملية الحل.
مع انتهاء عملية الحل، شنت الدولة التركية حملة غير مسبوقة ضد الإرهاب، وتمكنت من القضاء على وجود حزب العمال الكردستاني داخل الأراضي التركية بشكل شبه كامل. وهكذا، لم يعد الإرهاب مشكلة داخلية بقدر ما بات مصدر قلق خارجي؛ بسبب استمرار وجود الحزب في سوريا، حيث تدعمه الولايات المتحدة وإسرائيل؛ لاستخدامه كورقة ضد تركيا.
من خلال هذه العملية السياسية الجديدة، التي يقودها أردوغان وبهتشلي، ومع إعلان أوجلان الأخير، تم حسم البُعد الكردي من القضية. ومن الآن فصاعدًا، فإن أي جهة تتعاون مع الولايات المتحدة تحت اسم حزب العمال الكردستاني لن تكون ممثلة للأكراد، بل ستكون مجرد كيان يسعى إلى البقاء لأجل مصلحته الخاصة.
وقد أكد أردوغان مرارًا أن حزب العمال الكردستاني ليس ممثلًا للأكراد، وأنه لا بد من التعامل مع الشعب الكردي نفسه عند الحديث عن حقوقه. وتجدر الإشارة إلى أن عدد النواب الأكراد داخل حزب العدالة والتنمية يفوق عددهم في حزب الشعوب الديمقراطي، كما أن معظم الإصلاحات المتعلقة بالقضية الكردية جاءت على يد أردوغان وحزبه.
لم يقتصر إعلان أوجلان على الدعوة إلى التخلي عن السلاح، بل شمل أيضًا رفض المطالب المتعلقة بالحكم الذاتي أو الفدرالية، مؤكدًا أنها لا تحقق أي فائدة للأكراد.
ورغم أن الاستجابة الفورية لدعوته كانت موضع شك، فإن لقاءات حزب الشعوب الديمقراطي مع قيادات حزب العمال الكردستاني في قنديل وإمرالي تشير إلى أن هناك تجاوبًا إيجابيًا. ولم يكن أوجلان ليطلق هذا النداء دون أن يكون على يقين من وجود استعداد لدى الحزب للاستجابة له.
يتزامن هذا التحول مع التغيرات في سوريا، خاصة بعد تراجع موقف النظام السوري. ولطالما كان بشار الأسد من أكبر داعمي حزب العمال الكردستاني، ما ساعده على البقاء، خاصة من خلال التعاون مع الولايات المتحدة. ومع تغير المعادلات الإقليمية، ربما وجد الحزب نفسه في مأزق، ما دفع أوجلان إلى تقديم هذه الدعوة كحل يتيح له الخروج من الأزمة.
بفضل هذه الخطوة، تدخل المنطقة مرحلة جديدة، وتثبت تركيا مرة أخرى أنها لاعب رئيسي قادر على إعادة تشكيل المعادلات السياسية في المنطقة بما يخدم مصالحها.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
أكاديمي وسياسي وكاتب تركي
الجزيرة
——————————–
تحول أوجلان إزاء جوهر القضية.. ماذا عن أكراد العراق وسوريا؟/ بدرخان حسن – أربيل, دلشاد حسين – أربيل
28 فبراير 2025
لم يكتفِ مؤسس حزب العمال الكردستاني، عبدالله أوجلان، بدعوة حل الحزب وإلقاء السلاح فحسب، بل شهد خطابه إزاء القضية الكردية تحولًا لافتًا، حين تخلى حتى عن مشروع إقامة حكم ذاتي.
وفي رسالته التي وجهها من سجنه في تركيا، اعتبر أن “الحلول القائمة على النزعة القومية المتطرفة” أصبحت “لا تلبي متطلبات الحقوق الاجتماعية التاريخية للمجتمع”.
وهذه الحلول، التي لم تعد ملائمة وفق رسالة أوجلان التي جاءت وسط تحولات جيوسياسية في المنطقة، هي “إنشاء دولة قومية منفصلة، الفيدرالية أو الحكم الذاتي”.
ومن شأن هذا التحول في موقف أوجلان إزاء رؤيته لحل القضية الكردية في تركيا إثارة مخاوف الأكراد في إيران وسوريا، الذين لا يزالون يخوضون صراعًا لنيل حقوقهم.
ومن سوريا.. جاء الرد
في سوريا، جاء الرد سريعًا من قائد قوات سوريا الديمقراطية، مظلوم عبدي، الذي قال إن إعلان أوجلان “يتعلق بحزب العمال الكردستاني فقط، ولا علاقة له بنا في سوريا”.
وأضاف عبدي، في مؤتمر صحفي أعقب رسالة أوجلان: “إذا تحقق السلام في تركيا، فهذا يعني أنه لا مبرر لمواصلة الهجمات علينا هنا في سوريا”.
ويخوض حزب “العمال الكردستاني”، الذي أسسه أوجلان عام 1978، منذ عقود تمردًا مسلحًا ضد الدولة التركية. ودخل هذا التمرد في عدة محطات تصعيدية ودامية، أشدها خلال التسعينيات.
في عام 1999، ألقت الاستخبارات التركية القبض على مؤسس الحزب المصنف جماعة إرهابية في أنقرة وواشنطن وعواصم أوروبية، وذلك في كينيا.
وأُدين أوجلان بعد تلك الفترة بالخيانة والتحريض على الإرهاب، وحُكم عليه بالسجن المؤبد داخل سجن “إمرالي” ببحر مرمرة.
ورغم أن النداء الحالي موجه لحزب العمال الكردستاني وللأكراد في تركيا، فإن الأكراد في سوريا قد يكونون ثاني أكثر المستفيدين من السلام بين حزب العمال الكردستاني وأنقرة، اللذين يملكان نفوذًا في سوريا.
وتسيطر أنقرة، عبر علاقاتها مع الإدارة السورية الجديدة، على المشهد السوري، وتعتبر الإدارة الذاتية وقسد الأقرب إلى حزب العمال الكردستاني.
وتشكل وحدات حماية الشعب المكون الأكبر من قسد، وتتهمها أنقرة بأنها ذراع لحزب العمال الكردستاني في سوريا.
ويعتبر الباحث والمحلل السياسي المقرب من “قسد”، زانا عمر، أن موقف مظلوم عبدي من نداء أوجلان واضح، ويأتي ضمن ما أكدته “قسد” مرارًا، وهو أنها “لا ترتبط بأي ارتباط تنظيمي بحزب العمال الكردستاني”.
وقال عمر، لموقع “الحرة”، إن “تواجد مقاتلي العمال الكردستاني الأجانب في سوريا يعود إلى عام 2014 بهدف مساندة القوات الكردية في الحرب ضد داعش والدفاع عن مدينة كوباني، وقد أعلن عبدي أن هؤلاء مستعدون لمغادرة سوريا متى ما تهيأت الظروف، وتوفرت ممرات آمنة لخروجهم”.
ويرى عمر أن نداء أوجلان لحل حزب العمال وإلقاء السلاح سيؤثر على من تبقى من مقاتلي العمال الكردستاني في سوريا.
وأضاف: “خلال فترة بناء الثقة بين العمال الكردستاني وأنقرة، ستكون هناك مرحلة انتقالية يبدأ فيها حزب العمال بمناقشة آليات حل الحزب وإلقاء السلاح، وبالتأكيد سيؤثر هذا على الأوضاع في شمال شرق سوريا وعلى مقاتلي الحزب”.
ويلفت عمر إلى أن بناء مشروع سلام بين الأكراد وأنقرة سيكون له تداعيات وتأثيرات إيجابية، ليس على الأكراد في سوريا فحسب، بل حتى على أكراد العراق وإيران.
وقال: “في حال نجاح عملية السلام، سيساهم ذلك في تغيير موقف أنقرة تجاه قسد، لأن تركيا كانت تتذرع بالعمال الكردستاني في هجماتها على شمال وشرق سوريا، أما الآن، فإن العمال، في حال قرروا إلقاء السلاح وحل الحزب، إذن لم تعد هناك حجة”.
ويرى عمر أن الوقت لا يزال مبكرًا للحديث عن نشوء تحالف بين تركيا وقسد، لكن سيكون هناك تعاون وتنسيق.
كما لفت إلى أن الموقف التركي كان عائقًا أمام التعاون بين دمشق وقسد، والانتهاء من هذا الضغط سيكون له تأثير إيجابي كبير على العلاقة بين دمشق والإدارة الذاتية.
ولم يصدر حتى إعداد هذا التقرير أي موقف من قادة حزب العمال الكردستاني على نداء زعيم ومؤسس الحزب.
أوجلان معتقل منذ تسعينيات القرن الماضي في سجنٍ بداخل جزيرة إمرالي في بحر مرمرة (AFP)
لكن عضو المجلس الرئاسي لحزب الاتحاد الديمقراطي، صالح مسلم، الذي يتزعم حزبه أحزاب الوحدة الوطنية المنضوية في الإدارة الذاتية، كان له بيان في هذا الخصوص.
وقال مسلم، الجمعة، تعليقًا على نداء أوجلان: “على تركيا اتخاذ خطوات ملموسة من أجل عقد حزب العمال الكردستاني لمؤتمره..”.
الكرة في ملعب تركيا
وأضاف أن “حزب العمال الكردستاني أكد سابقًا أنه لن يعقد مؤتمره ما لم تتحقق الحرية الجسدية لأوجلان”، مشيرًا إلى أن أوجلان وجه دعوة تاريخية، والآن الكرة في ملعب تركيا.
ودعا مسلم، الذي يرتبط حزبه بعلاقات وثيقة مع العمال الكردستاني، أنقرة إلى إعلان وقف إطلاق النار كمرحلة أولى بعد نداء أوجلان.
وأوضح: “إذا نُفذ وقف إطلاق النار، فسيكون هذا سببًا ليأخذ العمال الكردستاني أيضًا خطوات”.
من جانبه، يرى الباحث والمحلل السياسي المقرب من الإدارة الجديدة في دمشق، عباس شريفة، أن مظلوم عبدي لم يستطع نفي بيان أوجلان ولم يستطع الادعاء بأن البيان صدر تحت الإكراه.
لذلك، “لم تعتبر قوات سوريا الديمقراطية نفسها معنية بالبيان، تماشيًا مع الرواية التي يتمسك بها عبدي، وهي انفكاك العلاقة التنظيمية بين العمال الكردستاني وقسد”، وفق ما قال شريفة لموقع “الحرة”.
وأردف قائلًا: “في حال رفضت قيادة العمال الكردستاني في قنديل نداء أوجلان، سيظهر حينها أن رفض عبدي للنداء متعلق برفض قنديل، وهو ما سيثبت العلاقة مع حزب العمال بدلًا من نفيها”.
وأعرب شريفة عن اعتقاده بأن نداء أوجلان ربما يتسبب بأزمة داخلية بين الجناح المحلي من قسد، الراغب بفك العلاقة مع قنديل، والجناح الآخر الراغب في جعل القضية الكردية مجرد رافعة لمشروع العمال الكردستاني.
وأشار إلى أنه في حال استجابت قسد لنداء أوجلان، فسيؤدي ذلك إلى تحقيق السلام وإنهاء النزاع مع “فصائل الجيش الوطني (الموالي لتركيا) إلى الأبد”.
واستدرك قائلًا: “ربما نشهد تحالفًا بينهما في الكثير من القضايا، خصوصًا في الحرب على الإرهاب وحماية الحدود السورية-العراقية”.
كما أكد شريفة أن “المفاوضات بين قسد والإدارة في دمشق غير مرتبطة أساسًا بهذا النداء، بقدر ما هي مرتبطة بالتفاهمات بين تركيا والولايات المتحدة الأميركية”.
ماذا عن أكراد العراق
ويبدو أن قسد نأت بنفسها عن رؤية أوجلان بشأن الدولة القومية أو على الأقل حل الحكم الذاتي، ولكن ماذا عن أكراد العراق الذين نجحوا منذ عقود في الحصول على حكم ذاتي، وما موقفهم من هذا التحول في موقف أحد رموز القضية الكردية؟
قوبل نداء أوجلان بترحيب من قادة إقليم كردستان العراق، الذين اعتبروا دعوته خطوة إيجابية نحو تعزيز السلام والاستقرار في المنطقة.
فمسعود بارزاني، زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني، كان قد أكد دعمه التام لأي جهود تسهم في تعزيز السلام وتسوية النزاعات.
كما شدد رئيس الإقليم، نيجيرفان بارزاني، على أهمية الالتزام بمبادئ السلام، معتبرًا أن النضال السلمي والمدني هو السبيل الوحيد لتحقيق حقوق الأكراد.
أما زعيم الاتحاد الوطني الكردستاني، بافل طالباني، فقد وصف رسالة أوجلان بأنها “مسؤولة ومهمة”، مؤكدًا دعم حزبه لأي مبادرة تسهم في تحقيق السلام الشامل.
بدوره أكد رئيس حكومة الإقليم، مسرور بارزاني، أن إقليم كردستان لطالما كان عامل استقرار في المنطقة، مشددًا على استعداد حكومته لدعم أي مبادرة سلمية تسهم في إنهاء النزاع.
ورغم ترحيبهم بالدعوة إلى إلقاء السلاح، لم يتطرق قادة الإقليم إلى الرؤية القومية لأوجلان حول الحلول السياسية أو طبيعة النظام السياسي الذي يجب اتباعه لتحقيق حقوق الأكراد.
الاختلافات بين تجارب الأكراد
إلا أن تصريحات لرئيس إقليم كردستان، نيجيرفان بارزاني، عشية رسالة أوجلان، ربما تحمل إشارات عن رؤية تيار فاعل في أربيل بشأن النزاع الكردي في دول الجوار.
فخلال مشاركته في منتدى أربيل السنوي الأربعاء 26 فبراير 2025، قال بارزاني إن تجربة إقليم كردستان لا يمكن استنساخها في سوريا.
وشرح قائلاً: “ما فعلناه في إقليم كردستان لا يمكن تطبيقه كما هو في سوريا، لكن يمكن بدء عملية تؤدي في النهاية إلى إشراك جميع المكونات السورية في العملية السياسية.”
وتعليقًا على ما جاء برسالة أوجلان، قال العضو القيادي في الاتحاد الوطني الكردستاني، غياث سورجي، إن أجزاء كردستان الأربعة تختلف من الناحية الجغرافية والسياسية.
وأضاف أن لكل جزء خصوصياته التي تنعكس على نظام الحكم المعمول به في الدول التي يتواجد فيها الأكراد، سواء في تركيا أو إيران أو سوريا.
وبين أن تجربة إقليم كردستان في العراق تختلف عن تجارب الأكراد في الأجزاء الأخرى من “كردستان التاريخية”.
وبدأت حركة نضال الأكراد في العراق منذ وقت طويل، إذ يمكن القول إن تاريخ نضال الأكراد في العراق أقدم من نظيره في تركيا، وفق سورجي.
كما أن النظام الذي يعيشه الأكراد في العراق اليوم هو نظام فدرالي، وهو منصوص عليه في الدستور العراقي، ما يمنحهم مستوى من الاستقلالية الإدارية والسياسية.
وأضاف سورجي أنه في الوقت الحالي أي تقدم في تحقيق حقوق الأكراد في تركيا، سواء على الصعيد السياسي أو الثقافي، يُعد إنجازًا كبيرًا لهم، خاصة إذا تحقق ذلك في إطار من السلام والاستقرار.
واعتبر أن العيش في ظل السلام أفضل بكثير من الانخراط في صراعات وحروب تؤثر على حياتهم ومستقبلهم.
وتعليقًا على دعوة أوجلان، قال الكاتب الصحفي الكردي، سامان نوح، لـ”موقع الحرة”، إن رؤية أوجلان ورسائله موجهة إلى أكراد تركيا تحديدًا.
وأضاف أنها لا تنطبق على الوضع في إقليم كردستان، حيث يمتلك الإقليم تجربة سياسية خاصة.
وأردف أن رؤية أوجلان لا تحظى بالقبول لدى الأكراد فيما يتعلق بتطلعاتهم لإنشاء دولة قومية، لاسيما في العراق.
أما فيما يخص تركيا، فقد أشار نوح إلى أن ما طرحه أوجلان يتطلب قبل كل شيء وجود إرادة تركية حقيقية لبناء مجتمع ديمقراطي.
وأكد أنه في حال توفرت هذه الإرادة لدى شعوب المنطقة وأنظمتها، وأُقيم مجتمع ديمقراطي فعلي، فلن تكون هناك حاجة لإنشاء دول قومية أو فيدرالية أو إدارات ذاتية، إذ ستتحقق هذه الأهداف تلقائيًا من خلال مفهوم المجتمع الديمقراطي.
الاعتراف بحقوق الأكراد
وكان غفور مخموري، السكرتير العام للاتحاد القومي الديمقراطي الكردستاني، قال، في بيان، إن الأكراد كانوا دائمًا في حالة مقاومة من أجل حماية حقوقهم والبقاء على أرضهم.
وأضاف أن هذا النضال كان من أجل إنهاء الحروب وتحقيق السلام.
وتطرق مخموري إلى سياسة الدول، تركيا وإيران والعراق وسوريا، التي مارست على مدار المائة عام الماضية سياسة العنف ضد الأكراد.
وأكد أن هذه الدول رفضت جميع الجهود السلمية التي قدمها الأكراد، وكان ردهم دائمًا القوة العسكرية، مشيرًا إلى أن هذه السياسة لا تزال مستمرة حتى اليوم وفقًا لمصالحهم.
كما شدد على ضرورة أن تكون أي جهود لتحقيق السلام مع هذه الدول مبنية على احترام نضال الأكراد وحقوقهم.
وأكد أن السلام يجب أن يكون مبنيًا على الاعتراف بحقوق الأكراد وتثبيتها في دساتير تلك الدول، معتبرا أن بقاء الأكراد وقوتهم يكمن في سلاحهم، حيث يستمدون قوتهم من تاريخ نضالهم وكفاحهم.
ودعا مخموري إلى احترام خصوصية كل جزء من كردستان وحق كل جزء في تقرير مصيره وفقًا للواقع السياسي المحلي، سواء كان هذا الحكم فيدراليًا أو ذاتيًا أو لا مركزيًا.
وأكد أن الحل النهائي لقضية الأكراد هو الحرية والاستقلال، وأن تأسيس دولة كردستان هو الهدف الذي يسعى إليه شعب كردستان.
بدرخان حسن
———————–
“رسالة أوجلان” تقابل بحذر تركي وترقب كردي… الصفقة لم تنته بعد/ عمر اونهون
هل تلق “قسد” السلاح إذا ألقاه “العمال الكردستاني”؟
28 فبراير 2025
زار وفد من “حزب الديمقراطية والمساواة بين الشعوب” المؤيد للكرد في تركيا زعيم “حزب العمال الكردستاني” (PKK) عبد الله أوجلان يوم 27 فبراير/شباط، في زنزانته بسجن جزيرة إمرالي، حيث يقضي أوجلان عقوبة بالسجن مدى الحياة منذ فبراير 1999، بعد أن اعتقلته قوات الأمن التركية في كينيا، وتم تسليمه إلى تركيا. وكانت الزيارة، وهي الرابعة على التوالي، جزءا من عملية قائمة منذ أسابيع، تهدف إلى إقناع “حزب العمال الكردستاني” بإلقاء السلاح وإنهاء الإرهاب.
وعقب لقائه بأوجلان مباشرة، توجه وفد “حزب الديمقراطية والمساواة بين الشعوب” إلى إسطنبول، حيث قرأوا في أحد فنادق ساحة تقسيم، بحضور عدد كبير من وسائل الإعلام، رسالته المكونة من ثلاث صفحات، والتي حملت عنوان: “نداء من أجل السلام والمجتمع الديمقراطي” باللغتين التركية والكردية.
وأوضح أوجلان أن “حزب العمال الكردستاني” ظهر إلى الوجود بسبب الطريقة التي عومل بها الأكراد في تركيا، ولكنه استدرك قائلا: “إن الحزب قد تجاوز الآن هدفه، ودعا جميع الجماعات إلى إلقاء السلاح، وطلب من الحزب حلّ نفسه”.
واللافت في رسالة أوجلان أنه يرى أن “حزب العمال الكردستاني” قد فقد مبرر وجوده، حيث لم تعد تركيا تنكر الهوية الكردية، وشهدت حرية التعبير تحسناً ملموساً. وهو بذلك يعترف ويشيد بالإنجازات (التي حققتها الحكومة) في هذا المجال.
ودعا أوجلان “حزب العمال الكردستاني” إلى عقد مؤتمره، واتخاذ القرارات بشكل رسمي وفقا لتوجيهاته. وقد لاقت دعوة عبد الله أوجلان صدىً واسعًا في تركيا وفي جميع أنحاء العالم.
وقيّم “حزب العدالة والتنمية” الذي يتزعمه الرئيس رجب طيب أردوغان، دعوة أوجلان تقييما إيجابيا، ولكنه أضاف أن علينا أن ننتظر لنرى النتيجة.
أما “حزب الشعب الجمهوري” (CHP)، الحزب المعارض الرئيس، فقد تبنى موقفًا أكثر تحفظًا، حيث حافظ على مسافة من التطورات دون أن يرفضها تماما.
في المقابل، رفض كل من “حزب الخير القومي” و”حزب النصر” نداء أوجلان بشكل قاطع، مؤكدَين أنه لا يمكن أن ينتج أي شيء إيجابي منه، أو من “حزب العمال الكردستاني” (PKK).
وحتى اللحظة، لم يصدر “حزب الحركة القومية”، الذي كان صاحب المبادرة في إطلاق هذا المسار، أي تعليق. وكان دولت بهجلي، زعيم “حزب الحركة القومية” البالغ من العمر 77 عاما، قد خضع لعملية جراحية قبل ثلاثة أسابيع. ولم يسمع أحد عنه منذ ذلك الحين، وعلى الرغم من تصريحات الحزب بأنه بخير ويتعافى، فإن التكهنات تتردد بأنه يرقد في العناية المركزة.
وتمثل هذه العملية فرصة حقيقية لإنهاء إرهاب “حزب العمال الكردستاني”، الذي أرهق تركيا لأكثر من أربعة عقود. بيد أن افتقار العملية للشفافية، يجعل الرأي العام غير متأكد مما يجري بالفعل، وما إذا كان ينبغي التعامل معه بتفاؤل أم بحذر.
والحال أن هذه المفاوضات لا تزال قائمة منذ أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ولكن تفاصيلها لا تزال غامضة. وكما هو الحال في أي مفاوضات، فإن المبدأ الأساسي هو الأخذ والعطاء، مما يثير التساؤل: ما الذي يتوقعه أوجلان في المقابل؟ وهل يمكن أن يمهد هذا البيان الطريق لإطلاق سراحه أو تخفيف شروط سجنه؟
في الأصل، كان أوجلان محكوما عليه بالإعدام، ولكن الحكم خُفِّف إلى السجن مدى الحياة، بعد إلغاء عقوبة الإعدام في البلاد.
ولا تزال كثير من الأمور غير واضحة. فمصير مقاتلي “حزب العمال الكردستاني” الذين من المتوقع أن يلقوا أسلحتهم لا يزال مجهولًا. فهل سيتمكن هؤلاء الذين يتخلون عن القتال من العودة إلى منازلهم دون الخوف من الاعتقال؟ وهل ستلغى مذكرات التوقيف الصادرة بحقهم؟
من المتوقع أن يكون لبيان أوجلان تداعيات سياسية واجتماعية، لكن نطاق تأثيره لا يزال غير معروف. ولا يزال من غير المعروف، على سبيل المثال، ما إذا كان الدستور الجديد، الذي يُشاع أن “حزب العدالة والتنمية” يعمل على صياغته، سيتضمن منح الأكراد حقوقًا خاصة أو يعترف باللغة الكردية كلغة رسمية. كما يطرح تساؤل حول ما إذا كان سيجري إقرار الحق في التعلم باللغة الأم، وما إذا كانت تركيا ستشهد تغييرا في نظامها الإداري لصالح شكل من أشكال الحكم المحلي.
في هذه الأثناء، لا يزال قادة “حزب العمال الكردستاني”، والمعروفون بـ”قادة قنديل”، والذين يقيمون حاليا في العراق، صامتين إزاء نداء أوجلان، ولم يصدر عنهم أي رد حتى الآن.
ويرى الموالون لأوجلان، أن أوجلان يتحدث باسم المنظمة بأكملها، وأنه لا يمكن لأحد أن ينقض ما يقوله، وأن “حزب العمال الكردستاني” سيتبع تعليمات أوجلان. بيد أن بعض مراقبي “حزب العمال الكردستاني” يرون أنه على الرغم من أن الكوادر في قنديل يعترفون بأوجلان كقائد لهم، فإنهم يعتقدون أنه ليس في وضع يسمح له بممارسة إرادته الحرة بسبب سجنه، وأنه بعيد عن واقع الميدان، وبالتالي لا يستطيع التعبير عن رأي سليم. وفي هذه الحالة، من المحتمل أن لا يستجيب قادة الحزب لنداء أوجلان، مما قد يؤدي إلى حدوث انشقاقات داخل صفوفه.
وعلى صعيد آخر، سيكون لهذا البيان تداعيات في سوريا، لأن تركيا تعتقد أن “وحدات حماية الشعب في سوريا” هي امتداد لـ”حزب العمال الكردستاني” وهي تقاتل ضدها منذ سنوات.
وفيما يرى البعض أنه إذا نزع “حزب العمال الكردستاني” سلاحه، فإن “وحدات حماية الشعب” ستحذو حذوه، فإن ثمة من يعتقد أن “وحدات حماية الشعب” لن تلقي سلاحها، وستستمر في الوجود كما هي ضمن ديناميكيات سوريا. ونُقل عن قائد “وحدات حماية الشعب” مظلوم عبدي قوله: “إن تصريح أوجلان لا يشمل وحدات حماية الشعب”.
ومع ذلك، فالمرجح أن يكون لدعوة أوجلان تأثير على المفاوضات بين حكومة دمشق بقيادة الرئيس أحمد الشرع و”وحدات حماية الشعب” بقيادة مظلوم عبدي، حول وضع الأكراد في سوريا الجديدة.
وهناك أيضا أبعاد أخرى للقضية عابرة للحدود. فثمة إسرائيل التي تريد استخدام “وحدات حماية الشعب”، و”حزب العمال الكردستاني” كورقة ضغط على تركيا. لذلك يمكن اعتبار مبادرة بيان أوجلان خطوة من جانب تركيا ضد طموحات إسرائيل لتأليب الأكراد على الأتراك.
لقد كانت دعوة بهجلي الخطوة الأولى في العملية، وكان بيان أوجلان الخطوة الثانية. وستكون الخطوة الثالثة هي أن يجتمع مؤتمر “حزب العمال الكردستاني” ويقرر حل نفسه تماشيا مع دعوة أوجلان.
ويقول مسؤولون ومحللون مقربون من الحكومة، لم يرغبوا في الكشف عن أسمائهم، إنه بمجرد الانتهاء من هذه الخطوات بطريقة مرضية، ستبدأ مناقشة جميع القضايا الأخرى. وإذا ما نجحت هذه العملية، فستكون مكسبا كبيرا للرئيس أردوغان، الذي يواجه مشاكل خطيرة في الاقتصاد، ويشير إليه الكثيرون باعتباره زعيما مستبدا.
ولم يتبق على الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في تركيا سوى ثلاث سنوات، ووفقا للدستور، لا يمكن لأردوغان الترشح مرة أخرى، ما لم يتم تغيير الدستور. ولكي يتمكن من القيام بذلك، فإنه سيحتاج إلى دعم “حزب الاتحاد الديمقراطي” والأكراد، ويعتقد الكثيرون أن هذا كان دافعا رئيسا لأردوغان لإشراك أوجلان. ولكن لا ينبغي أن نستبق الأحداث، فحتى اللحظة ليس لدينا صفقة منتهية، وهذه ليست المرة الأولى التي تحدث فيها مثل هذه العملية. ففي سبتمبر/أيلول 1999، أعلن “حزب العمال الكردستاني” أيضا وقف إطلاق النار، ولكنه تراجع عن ذلك في عام 2004 واستؤنفت الاشتباكات.
وفي مارس/آذار 2013، بعد أشهر من المحادثات مع الحكومة، تُليت رسالة من عبد الله أوجلان باللغتين التركية والكردية، خلال عيد النيروز في ديار بكر. وأعلن أوجلان حينها أيضا انسحاب القوات المسلحة لـ”حزب العمال الكردستاني” من الأراضي التركية، وإنهاء الكفاح المسلح. وقال “حزب العمال الكردستاني” وقتها إنه سيطيع أوامر أوجلان وسينسحب من تركيا.
وفي أعقاب ذلك، أصدرت الحكومة “قانون إنهاء الإرهاب وتعزيز الاندماج الاجتماعي”، الذي حدد تدابير لمعالجة القضايا السياسية والقانونية والاجتماعية والاقتصادية والنفسية والثقافية، وحقوق الإنسان والأمن ونزع السلاح. بيد أن هذا المسار سرعان ما انهار في أكتوبر/تشرين الأول 2014 في أعقاب هجوم تنظيم “داعش” على كوباني في سوريا، وما تبعه من ردود فعل عنيفة بين الأكراد في تركيا، مما أسفر عن تجدد الاشتباكات بين قوات الأمن التركية و”حزب العمال الكردستاني”. أما اليوم، فالقادة الأتراك يتوخون حذرا شديدا، وفي نيتهم أن لا يقعوا ضحية للخداع أو الإحراج السياسي مرة أخرى.
المجلة
————————–
قصة صراع دام 40 عامًا.. كل ما تريد معرفته عن دعوة أوجلان لأتباعه إلى ترك السلاح والاندماج في الدولة التركية، وكيف كان صداها؟
عربي بوست
عماد أبو الروس
2025/02/28
وجّه زعيم حزب العمال الكردستاني المعتقل عبد الله أوجلان، “دعوة تاريخية” إلى منظمته التي تتهمها تركيا بـ”الإرهاب”، بالاستسلام وإلقاء السلاح، وذلك بعد عقود من المواجهة تخللها تصدع كبير بين الأكراد والدولة التركية.
وحملت الرسالة التي وجهها أوجلان باللغتين التركية والكردية، عنوان “دعوة للسلام والمجتمع الديمقراطي”، وجاء فيها أن “الأتراك والأكراد، طوال تاريخهم الممتد لأكثر من ألف عام، رأوا دائماً أنه من الضروري البقاء في تحالف، من أجل الحفاظ على وجودهم والوقوف ضد القوى المهيمنة”، مشيراً إلى أن “الحداثة الرأسمالية” عملت خلال المئتي عام الأخيرة على تفكيك هذا التحالف.
وشدّد على أن “المهمة الرئيسية هي إعادة تنظيم العلاقة التاريخية، التي أصبحت هشة للغاية اليوم، بروح الأخوة، دون تجاهل المعتقدات”.
وقال موجهاً كلامه إلى منظمته التي يتزعمها: “اعقدوا مؤتمركم واتخذوا القرارات اللازمة للاندماج مع الدولة والمجتمع؛ يجب على جميع المجموعات إلقاء سلاحها، ويجب على التنظيم حل نفسه”.
كما توجّه أوجلان في رسالته بالشكر إلى رئيس حزب الحركة القومية دولت بهتشلي والرئيس التركي رجب طيب أردوغان وكافة الأحزاب السياسية في البلاد لمقاربتهم الإيجابية فيما يتعلق بدعوته.
ما هي خلفية دعوة أوجلان التاريخية؟
وفي خطوة غير متوقعة في أكتوبر/تشرين الأول 2024، فاجأ زعيم حزب الحركة القومية دولت بهتشلي، الجميع بمصافحته نواب حزب المساواة والديمقراطية الكردي “DEM”، موجهاً دعوة إلى أوجلان بالحضور إلى البرلمان ودعوة منظمة العمال الكردستاني بإلقاء السلاح، مقابل الاستفادة من “حق الأمل” أي العفو عنه.
وفي الوقت الذي سقطت هذه الدعوة مثل “القنبلة” على الأجندة السياسية التركية، لاسيما من زعيم تركي عارض دائماً وبشدة التفاوض مع المنظمة الكردية، بدأت المفاوضات مع حزب “DEM” بدعم من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي علّق قائلاً: “لا مكان للإرهاب وجانبه المظلم في مستقبل تركيا، نريد أن نبني تركيا خالية من الإرهاب والعنف معاً، ولا ينبغي التضحية بنافذة الفرصة التاريخية من أجل بعض الحسابات”.
وفي 23 أكتوبر/تشرين الأول 2024، وبعد الدعوة التي وجهها بهتشلي مباشرة، أعلن ابن شقيق أوجلان، وهو عضو البرلمان عن ولاية شانلي أورفا عمر أوجلان، أنه التقى بعمه لأول مرة منذ 43 شهراً من عزلته.
ونقل عمر أوجلان رسالة من عمه، أنه “إذا أتيحت الظروف، فإن لدي القدرة النظرية والعملية لنقل النزاع من ساحة العنف إلى المجال السياسي والقانوني”.
وفي 28 ديسمبر/كانون الأول 2024، حدث أول لقاء بين وفد من حزب المساواة والديمقراطية الكردي، وأوجلان في سجنه بجزيرة إمرالي في بحر مرمرة، تلا ذلك اجتماع الوفد مع رئيس البرلمان التركي نعمان كورتولمش، ورؤساء الأحزاب التركية بما فيهم دولت بهتشلي.
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مع زعيم الحركة القومية دولت بهتشلي/ رويترز
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مع زعيم الحركة القومية دولت بهتشلي/ رويترز
وفي 11 و12 يناير/كانون الثاني 2025، التقى الوفد الكردي بزعماء حزب الشعوب الديمقراطي المعتقلين فيغين يوكسيكداغ، وصلاح الدين ديمرتاش، وليلى غوفين وسلجوق مزراكلي.
وحدث اللقاء الثاني مع أوجلان في 22 يناير/كانون الثاني 2025، لينتقل بعدها الوفد الكردي إلى إربيل والسليمانية بالعراق في 15 و18 فبراير/شباط 2025، للقاء قادة إقليم كردستان العراق، حاملين معهم رسائل من أوجلان. كما نقل الوفد رسائل من أوجلان، إلى قيادات حزب العمال الكردستاني في جبل قنديل شمال العراق، وقوات سوريا الديمقراطية “قسد” في شمالي شرق سوريا، وكذلك فعالياته في أوروبا.
وخلال مؤتمره العام في 12 فبراير/شباط 2025، أعلن حزب المساواة والديمقراطية، أربعة عناوين تتعلق بحل القضية الكردية، وهي:
إنهاء سياسة العزل ورفع العزلة عن عبد الله أوجلان.
عقد اجتماعي جديد ديمقراطي والاعتراف بحقوق الكرد.
العيش المشترك على أساس المساواة دون تمييز.
التخلي عن سياسات الحرب واعتماد لغة الحوار في منطقة الشرق الأوسط.
وفي 27 فبراير/شباط 2025، عقد اللقاء الثالث بين الوفد التركي وأوجلان، ليتم الإعلان لاحقاً من إسطنبول عن دعوته التاريخية.
كيف تلقت الأحزاب السياسية دعوة أوجلان التاريخية؟
لاقت دعوة أوجلان التاريخية، ترحيباً من مختلف الأحزاب السياسية في تركيا، لاسيما في التحالف الحاكم، لكن أحزاب قومية مثل حزبي الجيد والنصر، هاجما العملية السياسية.
وقال حزب العدالة والتنمية، على لسان نائب رئيس الحزب أفكان ألا، إن “جوهر النداء هو إلقاء السلاح وحل التنظيم الإرهابي لنفسه، نحن ننظر إلى النتيجة، وبالطبع سنرى في تركيا ما إذا كانت هذه النتيجة ستتحقق”، موضحاً أن “الإرادة القوية التي أبداها رئيسنا منذ البداية، وتصريحات بهتشلي، وضعت أمام شعبنا هدف ‘تركيا خالية من الإرهاب'”.
فيما نشر عضو مجلس حزب الحركة القومية نيفزات أونلوترك، صورة لأردوغان وبهتشلي مع تعليق: “تركيا بدون إرهاب لن تعد حلماً”.
من جهته، قال زعيم حزب “ديفا” علي باباجان، فقد أعرب عن ترحيبه بدعوة أوجلان التاريخية، وقال: “سيكون تطوراً تاريخياً إذا ألقت المنظمة الإرهابية سلاحها وأنهت وجودها”.
أما زعيم حزب المستقبل أحمد داود أوغلو فقال: “في ظل الظروف التي يهتز فيها النظام الدولي وتتعرض فيه منطقتنا لحلقة من النار، فإن كل دعوة تطلق وكل خطوة تتخذ من أجل تعزيز بنيتنا الداخلية وتطهير بلادنا بالكامل من الإرهاب هي إيجابية، وينبغي استخلاص الدروس من التجارب السابقة ووضع خارطة طريق ملموسة تركز على النتائج، تحت سقف البرلمان، وبمشاركة كافة المكونات السياسية”.
ورغم ترحيبه بدعوة أوجلان، حذّر زعيم حزب الشعب الجمهوري أوغور أوزال، من ما وصفه “باستغلال مطالب المجتمع بالسلام والديمقراطية من قبل أي سلطة أو جهة لتحقيق أهدافها السياسية الخاصة”.
وقال أوزال: “الدعوة لإلقاء السلاح وحل التنظيم الإرهابي خطوة مهمة، ونأمل أن يفي المخاطبون بهذه الدعوة بالمتطلبات وأن ينتهي إلى الأبد الإرهاب الذي أودى بحياة عشرات الآلاف، وتسبب بأضرار اقتصادية واجتماعية جسيمة”.
وأضاف أوزال: “نحن نتمسك بموقفنا بأن القضية الكردية يجب أن يتم حلها بشفافية، تحت قبة البرلمان، وبإشراك كافة شرائح المجتمع”، مضيفاً: “تماشياً مع مبدأ ‘السلام في الوطن والعالم’ لمؤسس جمهوريتنا، فإننا نقف دائماً إلى جانب الجهود المبذولة من أجل السلام والديمقراطية”.
أما حزب الجيد، فاعتبر زعيمه مساوات درويش أوغلو، أن ما جرى هدفه بقاء حزب العدالة والتنمية في الحكم، زاعماً أن “هذه العملية هي مساومة على البقاء في الرئاسة مدى الحياة مع التلاعب بمصطلح الشعب بغض النظر عن التسميات والحجج التي تقوم عليها”.
من جهته، فقد أعلن حزب النصر الذي يقوده أوميت أوزداغ، أنه سيعمل على تقويض العملية.
ما هي ردود الفعل الدولية على دعوة أوجلان التاريخية؟
رحبت كل من الولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا وإقليم كردستان في شمال العراق بنداء زعيم تنظيم “بي كي كي” الإرهابي عبد الله أوجلان لإلقاء التنظيم السلاح وحل نفسه.
ووصف متحدث مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض بريان هيوز في بيان، الخميس، دعوة أوجلان بأنها “تطور مهم”.
وقال: “نأمل أن يساعد ذلك في طمأنة حلفائنا الأتراك بخصوص شركاء الولايات المتحدة الأمريكية ضد داعش في شمال شرقي سوريا”.
في سياق متصل، نقل بيان لمتحدث الحكومة الألمانية ستيفن هيبستريت عن المستشار أولاف شولتس ترحيبه بدعوة أوجلان.
وأشار البيان إلى أن عمليات “بي كي كي” الإرهابي تسببت في سقوط العديد من الضحايا، مؤكدًا أن دعوة أوجلان تقدم فرصة من أجل تجاوز العنف.
بدوره، أعرب رئيس إقليم كردستان في شمال العراق نيجيرفان بارزاني في بيان صادر عن رئاسة الإقليم، عن ترحيبه بالنداء، مؤكداً استعدادهم للعب أي دور لإنجاح هذه العملية.
وقال: “بهذه الطريقة فقط (الديمقراطية) يمكن تحقيق نتائج ونجاحات أفضل، وليس بالسلاح والعنف”.
أما قائد قوات سوريا الديمقراطية “قسد” مظلوم عبدي، فقد اعتبر دعوة أوجلان التاريخية بأنها تتعلق بحزب العمال الكردستاني فقط، “ولا علاقة له بنا”.
لكنه قال إن “أوجلان أرسل لنا رسالة بشأن هذا الإعلان وكانت إيجابية للغاية، وتؤكد على السلام والأمن في المنطقة”، معرباً في الوقت ذاته عن استعداد قواته لأن تكون جزءاً من الجيش السوري الجديد.
من هو عبد الله أوجلان؟
ولد عبد الله أوجلان يوم 4 أبريل/نيسان 1948 في قرية أمرلي بمنطقة أورفه جنوب شرق تركيا.
التحق بكلية الحقوق في جامعة إسطنبول، لكنه تحول لدراسة العلوم السياسية في جامعة أنقرة، وأصبح مهتماً بالآراء الشيوعية.
اعتقل لأول مرة في 7 أبريل/نيسان 1972 بحجة المشاركة في نشاط محظور، لمدة 7 أشهر، وبعد خروجه من السجن بدأ بعقد اجتماعات سياسية في منزل استأجره بأنقرة، وأسس جمعية طلابية مع جميل بايك ودوران كالكان، ومصطفى كاراسو، وانضم إليهم باكي كراير وكمال بير، وجميعهم كانوا نواة تأسيس حزب العمال الكردستاني بهدف إنشاء ما يسمى بـ”الدولة الكردية المستقلة”.
أسس أوجلان حزب العمال الكردستاني عام 1978، وغادر تركيا عام 1980 ليعمل من المنفى في سوريا.
أقام معسكرات تدريب في سهل البقاع اللبناني، لكن سرعان ما تم إغلاقها إثر ضغوط تركية.
بدأ حزب العمال الكردستاني عام 1984 بشن هجمات عسكرية في تركيا والعراق وإيران.
أشرف على عمليات دامية في تركيا خلال حقبة التسعينيات، وفي العام 1993 قتل حزبه 33 جندياً تركياً اختطفهم على الطريق السريع بين إيلازيغ وبينغول، وفي العام نفسه قتل 33 شخصاً في هجوم مسلح على قرية في ولاية أرزينجان.
استخدمت وسائل الإعلام التركية في ذلك الوقت بشكل متكرر مصطلح “قاتل الأطفال” للإشارة إلى أوجلان، فيما تحولت جنازات الجنود ورجالات الشرطة إلى مظاهرات تعكس الغضب تجاه حزب العمال الكردستاني وأوجلان.
في العام 1998 صعدت تركيا من ضغوطها على حكومة دمشق لترحيل أوجلان، حيث اتهمت أنقرة دمشق بدعم حزب العمال الكردستاني، ما أدى لتدهور العلاقات بين البلدين.
في 9 أكتوبر/تشرين الأول 1998، تم ترحيل أوجلان من سوريا، وتنقل بين دول مثل اليونان وروسيا وإيطاليا وطاجيكستان، وكانت جهود اللجوء في بلدان مختلفة غير ناجحة.
نجحت المخابرات التركية في اعتقاله يوم 15 شباط/فبراير 1999 في العاصمة الكينية نيروبي، حيث نقل بطائرة خاصة إلى تركيا.
وفي 31 مايو/أيار 1999 بدأت إجراءات محاكمة أوجلان في جزيرة إمرالي، وبعد تسع جلسات قررت المحكمة بالإجماع إعدامه بتهمة “تأسيس وقيادة منظمة إرهابية مسلحة”.
في عام 2002، حكم على أوجلان بالسجن مدى الحياة بسبب إلغاء عقوبة الإعدام في تركيا في إطار قوانين التناغم مع الاتحاد الأوروبي.
ماذا حدث بعد اعتقال أوجلان ومحاكمته؟
خلال جلسة محاكمته الأولى، قدّم أوجلان اعتذاره، وقال إنه “مستعد للعمل من أجل حل المشكلة الكردية إذا أتيحت له الفرصة”.
وشهدت منظمة العمال الكردستاني أزمات في داخلها عقب اعتقال أوجلان، لكن لم يقودها ذلك إلى التفكك.
خلال فترة التسعينيات ابتعد أوجلان أيديولوجياً عن الماركسية اللينينية، وأزال المطرقة والمنجل على علم حزب العمال الكردستاني، وبدأ ينتقد فكرة الدولة القومية ووضعها فيها في إطار مفاهيمي جديد بعد عام 1999.
وفي كتاباته استعان بمصادر مختلفة من مدرسة فرانكفورت إلى الفيلسوف الأمريكي موراي بوكتشين، وفي النهاية توصل إلى وجهة نظر دافع فيها عن “الحداثة الديمقراطية” بمواجهة “الحداثة الرأسمالية”، واعتبر مناصروه بأنه نموذج حديث.
وتلا ذلك، تبني حزب العمال الكردستاني، فكرة العمل ضمن حدود الدول القومية في الشرق الأوسط، وفي المؤتمر الذي عقد في يناير/كانون الثاني 2000، تبنى البرنامج الجديد مقولة مفادها “إقامة دولة منفصلة ليس ضرورياً ولا واقعياً في عالم القرن الحادي والعشرين”، وتسبب ذلك بانشقاقات داخلية نجم عنها مغادرة المئات من صفوفه.
وفي أبريل/نيسان 2004، قرر الاتحاد الأوروبي إدراج حزب العمال الكردستاني ضمن قائمة المنظمات الإرهابية، تلا ذلك قراراً مماثلاً من الولايات المتحدة، ليعلن الحزب في يونيو/حزيران من العام ذاته إنهاء وقف إطلاق النار الذي التزم به منذ عام 1999، حيث توغلت أعداد كبيرة من المقاتلين عبر الحدود إلى الداخل التركي، ما دفع بأنقرة لتكثيف عملياتها لملاحقة المسلحين على الحدود.
وفي العام 2005، تم التأكيد على أن حزب العمال الكردستاني بحاجة إلى إعادة هيكلته وتأسيسه في إطار حل المشاكل في الشرق الأوسط، وتبنى أوجلان من سجنه فكرة “الكونفدرالية الديمقراطية”.
بحسب مجلة “كريتر” التركية، فإن أردوغان خلال فترة ولايته كرئيس وزراء تبنى القضية الكردية في خطابه الذي ألقاه في 12 أغسطس/آب 2005، ما أثار ذلك تفاعلاً داخل القاعدة الاجتماعية الكردية.
وفي صيف 2009، أطلق أردوغان عملية الانفتاح الديمقراطي، وفتح قنوات حوار مع الكيانات الكردية ضمن مشروع “الوحدة الوطنية والأخوة”، ومع بداية العام 2010 تم وضع قواعد قانونية تهدف إلى إيجاد حل لـ”القضية الكردية” ضمن حدود دولة القانون والديمقراطية، واتخذ حزب العدالة والتنمية خطوات قانونية مهمة للقضاء على التمييز ضد المواطنين الأكراد.
وتم إزالة العقبات المتعلقة باستخدام اللغة الكردية والحقوق الثقافية، ورفع الحظر المفروض على تسمية الأبناء الأكراد بأسماء كردية، وتم إلغاء اللائحة القديمة التي كانت تمنع محطات الإذاعة والتلفزيون الخاصة من البث بلغات ولهجات غير اللغة التركية.
وفي صيف 2012، اتخذ الصراع بين تركيا وحزب العمال الكردستاني بعداً مختلفاً عندما سيطر الأكراد على شمال سوريا، واتهمت أنقرة النظام السوري السابق بدعم حزب الاتحاد الديمقراطي/وحدات حماية الشعب الفرع السوري لمنظمة العمال الكردستاني، وفي سبتمبر/أيلول من العام ذاته حاول حزب العمال الكردستاني الاستيلاء على بلدة شمدينلي في ولاية هكاري التركية.
وفي 28 ديسمبر/كانون الأول 2012، أعلن أردوغان أن الحكومة التركية أجرت محادثات مع أوجلان، وتم استخدام مصطلح “عملية الحل” لأول مرة.
وبعد مفاوضات استمرت أشهر تم قراءة رسالة من أوجلان في 31 مارس/آذار 2013، دعا فيها إلى وقف إطلاق النار وسحب قوات حزبه من الأراضي التركية إلى شمال العراق.
ولكن الأزمة السورية تسببت في تصاعد التوترات بين تركيا وحزب العمال الكردستاني، حيث استولت “قسد” على مناطق واسعة قرب الحدود التركية، ما أثار قلق أنقرة.
وفي أكتوبر/تشرين الأول 2014، تسببت احتجاجات كوباني في اندلاع أعمال عنف واسعة بين أنصار حزب “هدى بار”، وحركة الشباب الثوري الوطني التابعة لحزب العمال الكردستاني، وبعد محادثات مع أوجلان والجناح الكردي، انخفضت التوترات.
وانهار وقف إطلاق النار الذي كان ساري المفعول منذ عام 2013، في 22 يوليو/تموز 2015، بعد أن قتل حزب العمال الكردستاني اثنين من ضباط الشرطة في منزليهما في أعقاب تفجير مدينة سروج الذي نُسب إلى “تنظيم الدولة”.
ومع انهيار المحادثات وعقب محاولة الانقلاب في تركيا في 15 يوليو/تموز 2015، قامت الطائرات الحربية التركية بضرب أهداف تابعة لمنظمة العمال الكردستاني التي شنت هجمات أيضاً على الشرطة والجنود في جنوب شرق وشرق الأناضول.
ومنذ أغسطس/آب 2015، وقعت العديد من الاشتباكات في مناطق محافظة شرناق في تركيا، وتم حفر الخنادق من أعضاء الحزب، حيث فرضت الحكومة التركية حظر التجول في عدة أحياء.
وأطلقت تركيا في عام 2018 عملية “غصن الزيتون” ضد وحدات حماية الشعب الكردية في مدينة عفرين، وفي أكتوبر/تشرين الأول 2019، نفذت عملية “نبع السلام” في شمال شرق سوريا، ما أدى إلى تغيير موازين القوى في المنطقة.
ومنذ ذلك الوقت هددت تركيا بشن عمليات جديدة ضد الوحدات الكردية المسلحة في شمال شرق سوريا، وشنت هجمات ضد معاقل منظمة العمال الكردستاني في شمال العراق.
ماذا تحمل دعوة أوجلان وهل تنجح؟
في رسالته، شدد أوجلان على أنه لا مفر من الحاجة إلى مجتمع ديمقراطي، وذكر أن “احترام الهويات، وحرية التعبير عن الذات وتنظيم الذات ديمقراطياً، وإعادة الهيكلة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي تستند إليها كل شريحة، لا يمكن أن يتحقق إلا بوجود مجتمع ديمقراطي وفسحة سياسية”.
كما دعت رسالته إلى تطوير لغة حقبة السلام والمجتمع الديمقراطي بما يتوافق مع الواقع.
وكان لافتاً في رسالته، قوله إنه “لا يمكن للدول القومية المنفصلة، والاتحادات الفيدرالية، والحكم الذاتي الإداري، والحلول الثقافية، أن تكون إجابة على علم الاجتماع التاريخي للمجتمع”.
ولم تكن هذه العناوين مدرجة في دعوة أوجلان للسلام في رسائله التي نشرها بين عامي 2013 و2015، وتقول أرزو يلماز، الأستاذ المساعد بجامعة كردستان هولير الكردية في أربيل بالعراق، لشبكة “بي بي سي” التركية، إن دعوته لا تستبعد الفيدرالية أو الحكم الذاتي فحسب، بل أيضاً “الحكم الذاتي الإداري من كونه نموذجاً بديلاً”.
فيما قالت الكاتبة التركية هاندا فرات في مقال على صحيفة “حرييت”، إن دعوة أوجلان موجهة إلى منظمة العمال الكردستاني وهياكلها التي تشكلت منها، بما في ذلك فعالياتها الأوروبية.
ورأت أن أهمية هذه دعوة أوجلان أنها تأتي من الرئيس المؤسس الذي رأى أن المنظمة لم تعد قادرة على تحقيق أهدافها بالسلاح، ويشير إلى تحول جذري.
وتوقعت الكاتبة فرات، أن اتحاد مجتمعات كردستان “KCK” سيعقد مؤتمره، ويتخذ قرار حل نفسه وإلقاء السلاح، وقد تستغرق هذه العملية من شهرين إلى ثلاثة أشهر.
ورأت أن هذه الخطوة تأتي في الوقت الذي كانت في تركيا في أقوى حالاتها ميدانياً فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب.
وأضافت أن المنظمة والهياكل التابعة لها إذا استجابت بشكل سلبي لدعوة أوجلان، أو حاولت عرقلتها وطلبت المساعدة من الآخرين، فسيصبح من الواضح أنها لم تعد تلك التي أسسها أوجلان، وسوف يظهر أنه لم يعد لديه أي سلطة عليها.
أما إذا اتخذت المنظمة الانصياع إلى دعوة أوجلان، فإن ذلك يعني أن الميدان العراقي سيصبح خالياً من الإرهاب، وستنتهي ظاهرة شراء الأسلحة بالأموال التي يتم جمعها بشكل غير قانوني في أوروبا، وسيتم تجفيف الموارد البشرية بوسائل غير قانونية، بحسب الكاتبة.
كما أنه إذا استجابت وحدات حماية الشعب لدعوة أوجلان، فإن خطط الإدارة السورية الجديدة جاهزة أيضاً، ما يمهد لأن يتحقق التكامل داخل سوريا.
هل عملية الحل الجديدة تختلف عن 2009 و2015؟
ومن الطبيعي أن تثير العملية الجديدة مخاوف اجتماعية بسبب فشل الحل في العملية التي جرت بين عامي 2009 و2015.
وتقول صحيفة “ستار” إن الميزة الأولى لعملية الحل الآن، أنها تأتي دون تراجع الدولة التركية أي خطوة إلى الوراء عن سياستها تجاه الإرهاب، كما أنها تأتي دون قيود عملياتية ضد المنظمة كما السابق.
وأشارت إلى الميزة الثانية بأنها تأتي أيضاً مع التغير السريع في الجغرافيا السياسية الإقليمية، من انهيار لنظام الأسد، وانسحاب إيران وروسيا من سوريا، وخلق وضع جديد يمهد لانسحاب الولايات المتحدة أيضاً.
وبذلك فقدت منظمة العمال الكردستاني ثلاثة من الأطراف الأربعة التي أبقتها على قيد الحياة وساهمت في نموها السياسي والعسكري ونفوذها الإقليمي.
أما الميزة الثالثة، فإنها تأتي دون إشراك الكادر القيادي النشط لمنظمة العمال في العملية الحالية كطرف فاعل، وتتم مع المعتقل أوجلان الذي يهيمن على أيديولوجية المنظمة وبيتها السياسية والاجتماعية، والذي يرى أيضاً أن البرنامج المسلح للمنظمة قد عفا عليه الزمن.
———————–
بما فيهم “قسد”.. أنقرة تدعو “المسلحين الأكراد” في سوريا والعراق إلى إلقاء السلاح
2025.02.28
أكد حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا، اليوم الجمعة، أن جميع “المسلحين الأكراد” في العراق وسوريا، بمن فيهم “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، يجب أن يلقوا أسلحتهم.
وجاء تأكيد العدالة والتنمية بعد دعوة زعيم “حزب العمال الكردستاني”، عبد الله أوجلان، من داخل سجنه إلى وقف القتال.
دعوة أوجلان وتأثيرها المحتمل
وفي حديثه للصحفيين في إسطنبول، صرح عمر جليك، المتحدث باسم حزب العدالة والتنمية، بأن الدعوة التي وجهها أوجلان من شأنها تعزيز رؤية الحكومة لتحقيق “تركيا خالية من الإرهاب” إذا تم تنفيذها.
اقرأ أيضاً
كراد سوريون يلوحون بأعلام تحمل صور مؤسس حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان، أثناء تجمعهم في مدينة القامشلي ذات الأغلبية الكردية في شمال شرق سوريا للاستماع إلى رسالة
بين الفدرالية والحوار مع دمشق.. هل تغيّر دعوة أوجلان مسار الكُرد السوريين؟
وشدد في الوقت ذاته على أن أنقرة لن تدخل في أي مفاوضات أو مساومات مع حزب العمال الكردستاني، وفقاً لما نقلته وكالة “رويترز”.
وأضاف جليك: “بغض النظر عن الاسم الذي يستخدمه، يجب على التنظيم الإرهابي أن يلقي سلاحه ويفكك نفسه، وكذلك جميع فروعه في العراق وسوريا”.
وكان أوجلان قد دعا أمس الخميس إلى تفكيك التنظيم وإلقاء السلاح، وهي خطوة قد تفتح المجال لإنهاء صراع مستمر منذ 40 عاماً، مع ما قد يترتب على ذلك من تداعيات سياسية وأمنية واسعة النطاق في المنطقة.
ورغم هذه الدعوة، لم يصدر حتى الآن أي رد رسمي من حزب العمال الكردستاني، في حين رفضت “وحدات حماية الشعب الكردية” (YPG)، التي تعد العمود الفقري لـ”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) المدعومة من الولايات المتحدة في سوريا، تطبيق هذه الدعوة عليها، مؤكدة أنها لا تشملها.
وحظيت دعوة أوجلان إلى إلقاء السلاح بترحيب واسع من الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، وحلفاء غربيين آخرين، بالإضافة إلى دول الجوار مثل العراق وإيران.
———————–
رئيس البرلمان التركي الأسبق: سعيد بدعوة أوجلان لكنني قلق من جذور الخلاف
أعرب بولنت أرينج، نائب رئيس الوزراء والرئيس الأسبق للبرلمان التركي، عن ترحيبه الحذر بدعوة أوجلان، مشدداً على أهمية ترقب نتائجها، ومؤكداً في الوقت ذاته استقرار العلاقات بين أنقرة وأربيل.
فيما يتعلق بسوريا، أكد بولنت أرينج، خلال مشاركته في منتدى أربيل السنوي الثالث، اليوم الجمعة (28 شباط 2025)، الحاجة إلى نظام ديمقراطي بعد الأسد يشمل جميع المكونات، بمن فيهم “العلويون والدروز والكورد”.
إعلان أوجلان
أثار إعلان عبد الله أوجلان، مؤسس حزب العمال الكوردستاني، ردود فعل سياسية واسعة، وأكد بولنت أرينج أن الإعلان يشكل رداً مباشراً على مبادرة دولت بهتشلي، قائلاً: “صُدمنا من مبادرة بهتشلي، ولكن إعلان أوجلان جاء ليكون جواباً عليها. علينا أن ننتظر ونرى تداعيات ذلك”.
وأضاف: “ما كنا ننتظره من أوجلان قد حدث، فهو المؤسس لحزب العمال الكوردستاني، وهذه الدعوة هي الشيء الوحيد الذي كان يمكنه فعله منذ عام 1999، وقد فعله بالفعل”.
أرينج أكد أن العلاقات بين أنقرة وأربيل تمتد لسنوات طويلة وهي مستقرة، مشدداً على توافق وجهات النظر بين الجانبين حول ملف الإرهاب.
وقال في هذا السياق: “وجهة نظر أربيل حول الإرهاب تتفق مع وجهة نظرنا، وهذه نقطة مشتركة. ونعلم أن ما يقوم به حزب العمال الكوردستاني يثير قلق إقليم كوردستان أيضاً”.
“متعطش لمعرفة موقف إيران”
دعا أرينج إلى متابعة موقف المجتمع الدولي من إعلان أوجلان، معتبراً أن الدول القريبة مثل إيران لها تأثير أكبر من الجهات الدولية الأخرى، معبراً عن ترقبه لموقف طهران بالقول: “الأمم المتحدة طرف مهم في هذا الموضوع، ولكن هناك دول قريبة، والدول الأقرب أكثر أهمية من الدول البعيدة. أنا متعطش لمعرفة موقف إيران”.
مستقبل سوريا بعد الأسد
فيما يتعلق بسوريا، شدد أرينج على ضرورة تشكيل نظام ديمقراطي بعد رحيل الأسد، يضمن مشاركة جميع المكونات، بمن فيهم العلويون والدروز والكورد، قائلاً: “النظام في سوريا بعد الأسد يجب أن يكون ديمقراطياً، ويُشمل الجميع في الدستور، من علويين ودروز وكورد، وأن يكونوا مكوناً أساسياً في سوريا”.
كما تحدث عن الدور المحتمل لأحمد الشرع في قيادة البلاد رغم خلفيته الجهادية، قائلاً: “لدى أحمد الشرع النية ويريد تشكيل حكومة شاملة.. شخص وفق خلفيته الجهادية قد يكون أكثر ملاءمة للمحاكم، لكن عندما يصبح سياسياً، ويذهب إلى دمشق مرتدياً ربطة العنق والبدلة الرسمية، فإنه يبدو شخصاً جيداً”.
وأضاف: “لا أرى كذباً في وجه أحمد الشرع، أرى ماضيه، وقد استغربت وصُدمت، لكن ما أراه الآن هو شخص جيد”. وأردف الرئيس الأسبق للبرلمان التركي، معتبراً أن ما قام به أحمد الشرع “حتى الآن جيد”.
وأكد أرينج أن تركيا كانت على تواصل مستمر مع الأسد في عام 2011، حيث حثته على عدم استخدام العنف ضد شعبه، موضحاً: “في 2011، عندما كان عبد الله غل رئيساً وأردوغان رئيساً للوزراء، كان الأسد يتصل بنا يومياً، وكنا نقول له: لا تؤذِ شعبك”، مذكّراً بأنهم قالوا لأردوغان: “الأسد لا يقبل الكورد، ولا يقبل الإنسان كإنسان”.
دعوة أوجلان المصوّرة
رداً على سؤال في ختام اللقاء بشأن ما إذا كان جميع عناصر حزب العمال الكوردستاني سيستجيبون لدعوة أوجلان، قال أرينج: “كنت أفضل أن تكون رسالة أوجلان عبر تسجيل مصوّر”.
———————
المجلس الوطني الكوردي: نجاح مبادرة أوجلان مرهون باستجابة الحزب ومقاتليه
المجلس الوطني الكوردي في سوريا عن ترحيبه بالدعوة التي وجهها زعيم حزب العمال الكوردستاني، عبد الله أوجلان، للحزب بالتخلي عن السلاح والانخراط في النضال السلمي.
جاء ذلك في بيان صادر عن المجلس، اليوم الجمعة (28 شباط 2025)، أكد فيه أن نجاح هذه المبادرة يعتمد على “استجابة الحزب ومقاتليه لهذه الدعوة”، مشدداً على أهمية هذه الخطوة لإنهاء العنف وتبني الحلول السلمية.
ودعا المجلس في بيانه الحكومة التركية إلى “التعاطي مع هذا النداء بإيجابية، عبر إطلاق حوار جاد يسهم في إيجاد حل عادل للقضية الكوردية، وفي ترسيخ مبادئ الديمقراطية والمواطنة المتساوية، بما يحقق الأمن والاستقرار في تركيا والمنطقة.”
نص بيان المجلس الوطني الكوردي:
“يرحب المجلس الوطني الكُردي في سوريا بالنداء الذي وجهه زعيم حزب العمال الكوردستاني، السيد عبد الله أوجلان، في 27 شباط 2025، والذي دعا فيه الحزب إلى التخلي عن العمل المسلح، وحل نفسه والانخراط في النضال السلمي الديمقراطي.”
“يرى المجلس أن نجاح هذه المبادرة يعتمد على استجابة الحزب ومقاتليه لهذه الدعوة، حيث تمثل هذه الخطوة فرصة حقيقية لإنهاء العنف، واعتماد النضال السياسي والحلول السلمية لحل القضية الكوردية في تركيا.”
“كما يدعو المجلس الحكومة التركية إلى التعاطي مع هذا النداء بإيجابية، عبر إطلاق حوار جاد يسهم في إيجاد حل عادل للقضية الكوردية وفي ترسيخ مبادئ الديمقراطية والمواطنة المتساوية، بما يحقق الأمن والاستقرار في تركيا والمنطقة.”
——————–
المستشار الألماني: دعوة أوجلان فرصة للتوصل إلى تطور سلمي دائم للقضية الكوردية.
رحب مستشار ألمانيا بدعوة عبد الله أوجلان، زعيم حزب العمال الكوردستاني المسجون في تركيا، التي يطالب فيها حزبه بإلقاء السلاح.
واليوم الخميس (27 شباط 2025)، قال شتيفان زايبرت، المتحدث باسم الحكومة الألمانية نيابة عن المستشار الألماني: “المستشار الألماني أولاف شولتز يرحب بدعوة عبد الله أوجلان، رئيس حزب العمال الكوردستاني، اليوم لإلقاء السلاح وحل حزب العمال الكوردستاني.”
ويضيف المتحدث باسم الحكومة الألمانية: “حزب العمال الكوردستاني منظمة إرهابية محظورة في ألمانيا وقد أسفر القتال عن سقوط العديد من الضحايا. دعوة أوجلان تتيح الآن أخيراً فرصة للتغلب على هذا النضال العنيف والتوصل إلى تطور سلمي دائم في القضية الكوردية”.
في وقت سابق من اليوم، أعلن وفد حزب الشعوب الديمقراطي (دام بارتي) في إسطنبول دعوة السلام من أوجلان، وقد وقرأ أحمد تورك النداء الذي جاء بعد زيارة الوفد المكون من سبعة أشخاص لجزيرة إمرالي اليوم.
في رسالته، يعلن أوجلان: “في الأجواء الحالية، التي أوجدتها دعوة السيد دولت بهجلي والإرادة التي أظهرها السيد الرئيس، والمواقف الإيجابية للأحزاب السياسية الأخرى تجاه هذه الدعوة، أدعو إلى إلقاء السلاح وأتحمل المسؤولية التاريخية لهذه الدعوة”.
ألمانيا مستعدة لدعم عملية السلام
سابقاً، صرحت وزارة الخارجية الألمانية في هذا الصدد، أن الدعوة تمثل “فرصة تاريخية” لإنهاء الحرب التي استمرت عدة عقود بين تركيا وحزب العمال الكوردستاني.
وقال متحدث باسم الوزارة في بيان: “إنهاء العنف خطوة أولى مهمة، لكنها تتطلب خطوات إضافية. من بينها وفوق كل شيء، احترام وضمان الحقوق الثقافية والديمقراطية للكورد في تركيا”.
وذكر المتحدث باسم وزارة الخارجية الألمانية: “بصفتنا الحكومة الفيدرالية، نحن مستعدون لدعم عملية من هذا النوع، وسنفعل ما بوسعنا”.
——————————
رئاسة كردستان العراق ترحّب بدعوة أوجلان وتحض حزب العمال على “تنفيذها”
رحّبت رئاسة إقليم كردستان العراق الخميس بدعوة الزعيم الكردي عبدالله أوجلان حزب العمال الكردستاني إلى إلقاء السلاح وحلّ نفسه، داعية المقاتلين الأكراد إلى “تنفيذها” ومؤكدة عزمها دعم عملية السلام.
وقال رئيس الإقليم نيجرفان بارزاني في منشور على منصة “إكس”: “نرحب بحرارة برسالة السيد أوجلان ودعوته لنزع السلاح وحل حزب العمال الكردستاني ونطلب من الحزب (…) الالتزام بهذه الرسالة وتنفيذها”، مؤكدا استعداد الإقليم “لدعم عملية السلام بشكل كامل”.
من جهته، قال نائب رئيس حزب “العدالة والتنمية” التركي الحاكم افكان آلا اليوم إن تركيا “ستتحرر من القيود” إذا ألقى حزب العمال الكردستاني السلاح وحل نفسه.
وفي أول رد من حزب الرئيس رجب طيب أردوغان، قال آلا إن الحكومة تتوقع أن يمتثل حزب العمال الكردستاني لدعوة أوجلان.
ودعا أوجلان اليوم حزب العمال الكردستاني الذي أسسه إلى إلقاء السلاح وحل نفسه، في إعلان تاريخي صدر في اسطنبول بعد أربعة عقود من النزاع.
وقال في الإعلان الذي تلاه وفد من نواب “حزب المساواة وديموقراطية الشعوب” (ديم) المؤيد للأكراد الذي زاره في سجنه في جزيرة إيمرالي في وقت سابق اليوم إن “على جميع المجموعات المسلحة إلقاء السلاح وعلى حزب العمال الكردستاني حل نفسه”.
وأكد الزعيم الكردي أنه “يتحمل المسؤولية التاريخية عن هذه الدعوة”.
وقُرئت رسالته المنتظرة منذ أسابيع، باللغة الكردية ثم بالتركية بحضور حشد من الصحافيين في فندق وسط إسطنبول، أمام صورة كبيرة تظهر الزعيم التاريخي لحزب العمال الكردستاني، ممسكا بورقة بيضاء.
والتقى وفد من “حزب المساواة وديموقراطية الشعوب” لمدة ثلاث ساعات صباح الخميس، أوجلان المسجون منذ 26 عاما.
وتجمع مئات الأشخاص في عدة مدن في جنوب شرق تركيا ذي الغالبية الكردية بينها دياربكر، لسماع رسالة أوجلان.
كذلك نصبت شاشات في شمال سوريا والعراق حيث تقيم أقلية كردية.
وهذه المرة الثالثة منذ نهاية كانون الأول/ديسمبر التي يُسمح فيها لممثلين عن “حزب المساواة وديموقراطية الشعوب”، القوة الثالثة في البرلمان التركي، بلقاء أوجلان (75 عاما) الذي صدر بحقه حكم بالسجن مدى الحياة.
وخلال الزيارتين السابقتين، أعرب أوجلان عن “تصميمه” على طي صفحة النزاع المسلح.
وقال لأحد زائريه: “إذا أُتيحت الظروف، فإنّ لدي القوة النظرية والعملية لنقل النزاع من ساحة العنف إلى الساحة القانونية والسياسية”.
وأطلق أوجلان دعوتين سابقتين إلى الهدنة في بداية القرن الحالي ثمّ في العام 2013 باءتا بالفشل، ما أفسح المجال أمام تجدد أعمال العنف.
النهار
———————
“ليقُلها وهو خارج السجن”… أكراد يشككون وآخرون يرحّبون بدعوة أوجلان، فهل حان عهد السلام؟/ عبد الغني دياب
الجمعة 28 فبراير 2025
أحدثت الدعوة التي أطلقها السياسي الكردي، عبد الله أوجلان، مؤسس حزب العمال الكردستاني، أمس الخميس 27 شباط/ فبراير 2025، صدى واسعاً في الأوساط السياسية الإقليمية والدولية، خاصةً أنّ الدعوة تحمل في طياتها ملامح لإنهاء صراع دموي استمرّ إلى ما يزيد عن أربعة عقود، شنّت خلالها القوات التركية حرباً قاسيةً على المكونات الكردية في كلّ من تركيا وسوريا والعراق، وفي المقابل ردّ المقاتلون الأكراد بهجمات مماثلة.
كانت آخر هذه المواجهات، ما عاشته مدينة دهوك العراقية، التي شهدت اشتباكات بين قوات حزب العمال الكردستاني والجيش التركي، عقب ساعات من الدعوة التي أطلقها أوجلان، من سجنه في جزيرة إمرالي التركية، والذي يقضي فيه حكماً بالسجن مدى الحياة، لتضاف إلى مواجهات سابقة تسببت في سقوط ما يقرب من 40 ألف قتيل، 7،152 منهم سقطوا منذ انهيار وقف إطلاق النار في عام 2015، وفقاً لما ذكرته مجموعة الأزمات الدولية، في إحصاء رصد المواجهات حتى 20 كانون الثاني/ يناير 2025.
ونُقلت رسالة أوجلان، عبر وفد كردي زاره في السجن. وبعد لقائهم به، عقد أعضاء الوفد مؤتمراً صحافياً في إسطنبول، لعرض الرسالة على الملأ. وتولّى أعضاء حزب الشعوب من أجل المساواة والديمقراطية (DEM)، وهو حزب مؤيد للأكراد، قراءة نصّ الرسالة باللغتين الكردية والتركية أمام وسائل الإعلام.
وظهرت خلال المؤتمر صورة حديثة لأوجلان، مع الوفد داخل السجن، عُرضت على شاشة كبيرة خلف المتحدثين للتأكيد على مصداقية الرسالة.
وضمّ الوفد شخصيات قياديةً بارزةً في الحركة السياسية الكردية، ما أعطى ثقلاً إضافياً للإعلان التاريخي وضمانةً بأنه يمثّل موقف أوجلان شخصياً.
كان لافتاً غياب الحكومة التركية أو من يمثّلها عن المؤتمر، وكان لافتاً أيضاً أنّها -أي الرسالة- خصّت بالذكر حزب العمال الكردستاني، حصراً، دون أي ذكرٍ لأكراد سوريا، أو العراق. وجاء فيها: “أدعو حزب العمال الكردستاني لإلقاء السلاح وأتحمّل المسؤولية التاريخية عن هذه الدعوة”، و”يجب أن نصنع حياتنا السياسية من جديد، والفترة التي تأسس فيها حزب العمال الكردستاني كان فيها إنكار لوجود الأكراد”.
وكان التصريح التركي الأوّل، قد خرج على لسان نائب رئيس حزب العدالة والتنمية، الحاكم، بالقول: “نتوقع أن يلقي حزب العمال الكردستاني سلاحه، ويلتزم بدعوة رئيسه المسجون”. وأضاف أنه في حال لبّى الحزب الدعوة، فإنّ تركيا “سوف تتحرر من أغلالها”.
تشكيك واحتفالات في الأوساط الكردية
كما هو متوقّع، أحدثت الرسالة رجّةً في الأوساط الكردية، وأثارت مزيجاً من الآمال والشكوك. فعلى الصعيد الشعبي، عمّت احتفالات وترحيب حذر في العديد من المناطق ذات الأغلبية الكردية في تركيا. وكان الآلاف قد تجمّعوا في ديار بكر (أكبر المدن ذات الغالبية الكردية جنوب شرقي تركيا)، لمتابعة بث الرسالة على شاشات ضخمة، رافعين الأعلام بألوانها القومية الحمراء والصفراء والخضراء، مردّدين شعارات تدعو للسلام. كما اعتبرت شخصيات كردية، أنّ الرسالة موجهة إلى كل شعوب المنطقة، وليس إلى الأكراد والأتراك فحسب، بوصفها دعوةً لطي صفحة الصراع.
في المقابل، برزت مواقف مشككة في الأوساط الكردية نفسها، وبين كوادر الحزب المسلّح. لم يصدر ردّ فوري من قيادة الـPKK المتمركزة في جبال قنديل شمالي العراق، حول نية الامتثال لتوجيهات أوجلان، ما أثار تساؤلات حول مدى استعداد الجناح العسكري للتخلّي عن السلاح، مع إشارات إلى تجارب وقف إطلاق نار سابقة انتهت بعودة القتال.
كذلك تساءل آخرون، عمّا إذا كانت الرسالة تعبّر حقاً عن إرادة أوجلان الحرّة أو أنها جاءت تحت تأثير ضغوط أو صفقات سياسية مع أنقرة، في ظلّ العزل المشدد المفروض عليه منذ سنوات.
تفاؤل حذر… وتشاؤم جريء
ويرى محللون سياسيون أنّ مصداقية نوايا الحكومة التركية هي محل اختبار أيضاً؛ إذ يقول ولفانجو بيكولي، مدير مؤسسة “تينيو” لاستشارات المخاطر السياسية لـ”إندبندنت عربية”: “وجّه أوجلان دعوة سلام تاريخية، لكن من غير الواضح ما إذا كانت أنقرة تسعى حقاً إلى اتفاق سلام أو أنها مجرد مناورة سياسية لخدمة مصالحها”.
وعلى الرغم من ذلك، رحّبت مكونات كردية في الداخل التركي أو حتى في كل من سوريا والعراق، بالدعوة التي أطلقها أوجلان، حيث أعلنت وحدات حماية الشعب الكردية السورية، على لسان سياميند إيلي، مسؤول الاتصال الصحافي فيها، “أنهم سوف يتحركون لحلّ الأزمة من خلال الديمقراطية والسلام والحوار”.
وأيّد عدد من مسؤولي الأكراد في العراق، دعوة أوجلان، حيث عدّها رئيس حكومة إقليم كردستان العراق نيجيرفان بارزاني، دعوةً تاريخيةً، قائلاً في بيان نشره: “نرحّب بحرارة برسالة السيد أوجلان ودعواته”، بينما أعلن رئيس الاتحاد الوطني الكردستاني بافيل طالباني، قبوله الدعوة، قائلاً: “يجب أن نقبل هذه الدعوة معاً، وأن نتّخذ خطوات عمليةً بسرعة للوصول إلى السلام”.
قسد: “دعوة إيجابية لكنها لا تخصّنا”
وفي سوريا، حيث يقود الأكراد هناك قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وصفت القيادة الكردية الرسالة بأنها “إيجابية”، لكنها شددت على أنها “لا تخصّهم”، بشكل مباشر.
ورحّبت ممثلة مجلس سوريا الديمقراطية في مصر، الدكتورة ليلى موسى، بالدعوة، قائلةً: “إنّ رسالة أوجلان كانت واضحةً، وهي موجهة إلى حزب العمال الكردستاني، ولا تخصّ قوات سوريا الديمقراطية، إذ إن كلا منهما لديه خصوصيته”.
وتستدرك السياسية السورية في تصريحات لرصيف22، قائلةً إنه بالرغم من هذه الخصوصية، إلا أنه إذا ما تمّ حل القضية الكردية بالسبل السياسية في الداخل التركي، فإنّ ذلك سيؤثر إيجاباً على العلاقة بين تركيا والإدارة الذاتية في إقليم شرق سوريا.
وتضيف موسى: لطالما تخوفت أنقرة من نقل تجربة الإدارة الذاتية السورية إلى الداخل التركي، مؤكدةً أنّ أكبر القضايا التي تعاني منها تركيا حالياً هي القضية الكردية.
وتشير إلى أنّ الدعوة الأخيرة التي أطلقها أوجلان، ليست الأولى من نوعها، بل سبق أن أطلق دعوات مماثلةً، كانت آخرها في آذار/ مارس 2013، واستمرّت المفاوضات حتى 2015، وجميع هذه العمليات لم تُستكمل، وكان السبب دائماً هو عدم وفاء تركيا بتعهداتها.
وتأمل ممثلة سوريا الديمقراطية في مصر، أن تكون تركيا جادّةً في مساعيها هذه المرة، ولا سيما أنّ هناك متغيرات جديدةً على الساحة الإقليمية والدولية، بالإضافة إلى ما تمرّ به المنطقة من تطورات، ومن المأمول أن يكون لها تأثير إيجابي على الداخل التركي.
وتضيف أنّ أوجلان، خصّ حزب العمال الكردستاني بالدعوة، لأنه هو مؤسس هذا الحزب، كما أنّه لا يزال يتمتع بتأثير واسع بين أعضاء الحزب. فبرغم سنوات غيابه القسري في السجون التركية، إلا أنّ لديه قدرةً على قراءة المشهد، وتقديم حلول سلمية للقضايا التي تمرّ بها المنطقة.
دعوة جامعة لكل الأكراد؟
وفي المقابل، يرى الباحث السوري الكردي محمد أرسلان علي، أنّ الرسالة التي أطلقها أوجلان، حملت الكثير من المعاني والمضامين، لافتاً إلى أنّها تحمل نداءات للأطراف كافة، لا لحزب العمال الكردستاني فحسب، فهي أيضاً موجهة إلى السلطات التركية.
وأضاف في تصريحه لرصيف22، أنّ هذا النداء هو نتيجة لقاءات عديدة أشرفت عليها جهات تركية رفيعة المستوى، بما فيها أجهزة الاستخبارات التركية، بهدف وقف الصراع والتوجه نحو الحلّ السلمي، كما أنه ينهي المواجهات التي تسببت في سقوط عشرات الضحايا.
ويشير إلى أنّ المفاوضات بدأت بعد الدعوة التي أطلقها رئيس حزب الحركة القومية، دولت بهجلي، والتي أيّدها أردوغان، وعلى ضوء ذلك امتدت اللقاءات بين الطرفين، ونظّم حزب “المساواة وديمقراطية الشعوب”، عدداً من اللقاءات على مدار الأشهر الثلاث الماضية، وجاءت الدعوة الأخيرة نتاجاً لها.
في انتظار الخطوات التركية الرسمية
ويضيف أنّ دعوة أوجلان تنطلق من منظور أنّ حلّ القضية الكردية يمكن أن يتم عبر الوسائل السلمية، استناداً إلى التاريخ المشترك بين الطرفين والممتد لأكثر من ألف عام، وعلى هذا الأساس تم النداء من قبل أوجلان للمجموعات الكردية لإلقاء السلاح وتغيير المسار.
هذا المسار لن يتم بين ليلة وضحاها، بل ستكون هناك خطوات متتابعة، خاصةً من قبل الدولة التركية، سواء على المستوى السياسي أو القانوني، وهذا الأمر أكّد عليه أوجلان، في لقاءاته السابقة مع الوفد الذي زاره في محبسه في جزيرة إمرالي، بحسب ما يقول أرسلان.
ويضيف السياسي الكردي، أنه لا بدّ من خلق أرضية قانونية وحقوقية، وأن يُصدر البرلمان التركي قراراً بوقف الهجمات على المقاتلين الأكراد، سواء في تركيا أو في سوريا والعراق، حتى تكون الخطوات التي دعا إليها أوجلان، متبادلةً.
وينبّه أرسلان علي، إلى أنّ الدعوة تشمل حلّ القضية الكردية بشكل عام، ولا تقتصر على حزب العمال الكردستاني، مستدلّاً على ذلك بالرسائل التي وجهها أوجلان خلال الأسابيع الماضية، إلى كلّ من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، والسياسي الكردي مسعود بارزاني، الرئيس السابق لإقليم كردستان العراق، ورئيس حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، بافل طالباني.
ويشدًد على أنه إذ قامت تركيا بالخطوات المتعلقة بالإفراج عن السجناء وفتح المجال السياسي، ووقف الحرب على الأكراد، فإنّه من المتوقع أن تستجيب جميع المكونات الكردية لهذه الدعوة، مؤكداً على ضرورة وجود ضمانات دولية وإقليمية لضمان نجاح المسار.
ويرى أرسلان علي، أنّ التطورات التي شهدتها المنطقة، خاصةً بعد الذي حدث في غزّة وسوريا ولبنان، ستكون له ارتدادات قوية على المنطقة بأسرها، لافتاً إلى أنّ أوجلان كان منتبهاً إلى هذه المخاطر، لذا قدّم دعوته للسلطات التركية، محذّراً من أنّ تركيا قد تتعرض للتقسيم، وربما تكون منحصرةً في منطقة الأناضول فقط، وعليه فإنّ الصراع لن يكون مفيداً لأيّ من الأطراف، والحلول السياسية باتت هي السبيل لتجنيب المنطقة مزيداً من الأزمات.
ويتلاقى هذا الرأي مع ما قاله صالح مسلم عضو المجلس الرئاسي لحزب الاتحاد الديمقراطي، الذي أكد أنّ الأمر يتوقف على الخطوات التي ستتخذها تركيا، وأنهم سيقيمون المكالمة مع الجهات الفاعلة في شمال شرق سوريا، ويرسمون خريطة طريق، وأوضح في تصريحات له أنه “إذا تطورت الحرّيات، يمكننا أيضاً أن نضع أسلحتنا جانباً بالطبع”.
وأكّد أنّ حمل السلاح لم يكن إلا دفاعاً عن النفس، وأنّه إذا زالت الأسباب التي دعت لذلك، فلن تكون هناك حاجة إلى السلاح، لافتاً إلى أنّه حتى الآن لم يحدث ذلك، ولا تزال الاعتداءات اليومية قائمةً كما في كوباني وسدّ تشرين وغيرهما من المواقع، وعندما تتوقف هذه الهجمات، لن تكون هناك حاجة إلى السلاح.
دور سقوط الأسد والانتخابات التركية
عطفاً على ما سبق، يرى الباحث المصري محمد حامد، المتخصص في الشأن التركي، أنّ “قسد”، فرع من حزب العمال الكردستاني، وكذلك قوات حماية الشعب، مشيراً إلى أنّ القرار الذي أعلنه أوجلان، مؤخراً، يصبّ في صالح الأمن القومي التركي سواء في الداخل أو حتى في الخارج، وإلى أنّه بمجرد تسليم قوات “قسد”، سلاحها للجيش السوري الذي يطمح الرئيس السوري أحمد الشرع إلى تأسيسه، ستكون نهاية حلم الدولة الكردية التي لطالما سعى إليها الأكراد.
ويضيف لرصيف22: “سقوط نظام الأسد لعب دوراً في هذا المسار، لأنّ أوجلان، كان موجوداً في دمشق في السابق، وحظي بدعم نظام حافظ الأسد، حتى حدث خلاف تركي سوري كبير، هددت من خلاله أنقرة، باحتلال أجزاء من الأراضي السورية، في حال استمرت دمشق في دعم الأكراد، وتدخّلت على إثر الأزمة بعض القوى الإقليمية، من بينها مصر، لرأب الصدع، وإنهاء الخلاف، وبناءً على ذلك، توقّف الدعم السوري لأوجلان”.
ويصف الباحث المصري، القرار، بأنّه تاريخي ويصبّ في صالح الطرفين، سواء داخلياً أو إقليمياً، ليبقى العداء محصوراً بين الأكراد والنظام الإيراني فقط، لافتاً إلى أنّ الرئيس التركي أردوغان، استطاع بتفاهمات مع إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، العودة إلى المفاوضات السابقة التي رعتها ألمانيا بين أنقرة والأكراد في عام 2012، والتي كانت تتخذ المسار نفسه تقريباً، إلا أنّ أردوغان، انقلب عليها في 2015، حيث قمعت القوات التركية الأكراد وقتها وشنّت حملات عسكريةً عليهم.
ويرى أنّ هذه الخطوة سترفع من أسهم أردوغان، داخلياً وخارجياً، وربما تمكّنه من الدعوة إلى إجراء انتخابات مبكّرة، تضمن له البقاء في الحكم حتى وفاته كما يطمح.
الرأي نفسه تقوله الباحثة جنول تول، الزميلة في معهد الشرق الأوسط، ومؤلفة كتاب “حرب أردوغان: صراع رجل قوي في الداخل وفي سوريا”، إذ تشير في مقطع مصوّر نشره المعهد إلى أنّ “أردوغان يهدف من هذه الخطوة إلى البقاء في الحكم بعد عام 2028، وإلى أنّه يحتاج إلى تحركات سياسية أو دستورية”.
وتضيف أنّ الرئيس التركي لا يمكنه الترشح للرئاسة من جديد، إلا من خلال خيارين: الأول هو تعديل الدستور بما يضمن له السماح بالترشح، والثاني هو الدعوة إلى إجراء انتخابات رئاسية مبكرة. وفي الحالين، يحتاج إلى دعم الكتلة الكردية لتمرير الأمر.
وتوضّح أنّ نزع السلاح الكردي قد يساعد أردوغان على تعبئة الأكراد في صفّه، ويسمح له بالبقاء في الحكم بعد 2028، كما أنّه يخدم توجهاته في السياسة الخارجية، كون الحزب قريباً من الإدارة الأمريكية، وشريكاً لها في الحرب على تنظيم داعش الإرهابي في شمال شرق سوريا.
وتشير الباحثة إلى أنّ نجاح هذا المسار قد يخدم تطلعات أنقرة الاقتصادية أيضاً، حيث يطمح أردوغان إلى إطلاق مشروعات طاقة كبرى في المنطقة، قد تصل إلى مدّ خط سكة حديد من جنوب العراق حتى تركيا، وهذا لن يتم طالما ظلّت المشكلة قائمةً مع المكونات الكردية، سواء في داخل تركيا أو خارجها.
وتبدي تخوفها من عدم التزام السلطات التركية بتعهداتها، مؤكدةً أنّ أكبر تحدٍ يواجه هذا المسار، هو عدم معالجة المطالب الديمقراطية المتعلقة بالأكراد. وتضيف أنه على الرغم من إعلان أوجلان، إلا أنّ الجانب التركي لم يقدّم شيئاً حتى الآن، وهو ما يعنى أنّ أردوغان، لا يسعى إلى الإصلاح، ولكن إلى البقاء في السلطة لمزيد من السنوات.
رصيف 22
—————————
=================
=====================