أبحاثسقوط بشار الأسد، الرئيس الفار والمخلوع

عن التدخل الاسرائيلي السافر في سورية الجديدة، ملف تناول “شهية إسرائيلية لتفتيت سوريا” -ملف متجدد يوميا-

تحديث 05 أذار 2025

——————————–

ما تريده إسرائيل في سورية/ مروان قبلان

05 مارس 2025

منذ سقوط نظام الأسد في الثامن من ديسمبر/ كانون الأول الماضي، بدا واضحاً أن إسرائيل قرّرت الدخول مباشرة في قلب الحدث السوري في محاولة لإعادة تشكيله، بما يخدم رؤيتها إلى المنطقة ونهجها الذي اتّخذ منحى أكثر عدوانية منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2023. وعليه، أطلقت إسرائيل واحدة من أكبر حملاتها الجوية في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، عبر شن ما لا يقل عن 500 غارة دمرت نحو 80% من القدرات العسكرية السورية خلال الساعات الـ 72 الأولى التي أعقبت سقوط الأسد، وهروب جيشه. كان الهجوم إشعاراً بعدم ثقة إسرائيل بالنظام الجديد في دمشق وتوجّهاته المستقبلية. وبالرغم من اختراقاتها العميقة مجمل منظومة الأسد وحلفائه، العسكرية والأمنية، إلا أن سرعة انهيار نظام الأسد مثّلت مفاجأة كبرى لإسرائيل. لاحقاً، بدا سقوط الأسد وكأنه خطأ غير مقصود، ارتكبته إسرائيل التي سعت، على الأرجح، إلى كسر حزب الله، وإضعاف الوجود الإيراني في سورية، وإقناع الأسد بفك ارتباطه بهما، لكنها لم تدرك أبداً، ربما، أن جيش الأسد كان فاقداً تماماً إرادة القتال، ما سمح بانهياره السريع أمام قوات المعارضة. وقد عبر نتنياهو عن ذلك في تصريحه إن سقوط الأسد “لم يأت في مصلحة إسرائيل”.

عدم ارتياح إسرائيل للتغيير في دمشق دفعها إلى طوْر جديد من سياستها السورية التي مرّت بعدة مراحل منذ اندلاع الثورة السورية في مارس/ آذار 2011: الأولى (2011 – 2013)، التزمت فيها إسرائيل، إلى حدٍّ ما، موقف المتفرّج، عبر عنه انقسام المؤسسة السياسية والعسكرية والأمنية الإسرائيلية بين من يميل إلى إسقاط الأسد ومن يميل إلى بقائه، على أساس أن نظامه احترم تعهداته مع إسرائيل منذ اتفاق فض الاشتباك عام 1974، وأن الجولان لم يشهد حادثاً أمنياً ذا أهمية منذئذ. الثانية (2013-2023)، بدأت مع تعاظم الوجود العسكري لإيران وحزب الله في مناطق واسعة من سورية نتيجة ضعف النظام وترنّحه، حيث تبنّت إسرائيل استراتيجية “المعركة بين الحروب”، وشرعت في تنفيذها اعتباراً من عام 2013 بحجّة منع وصول أسلحة “كاسرة للتوازن” إلى حزب الله عبر سورية. ولم يؤثر التدخل العسكري الروسي عام 2015 في هذه الاستراتيجية، إذ توصل نتنياهو إلى تفاهماته المعروفة مع بوتين، والتي سمحت لإسرائيل باستمرار استهداف حزب الله وإيران في سورية، بشرط تحييد قوات النظام. استمرّت هذه السياسة حتى عملية طوفان الأقصى عام 2023، عندما اتّخذت إسرائيل قرارها إخراج إيران من سورية والقضاء على القوة العسكرية لحزب الله، والتي كان سقوط الأسد، كما ذُكر أعلاه، أحد أضرارها الجانبية، بالنسبة لإسرائيل.

تدخل السياسة الإسرائيلية، الآن، في سورية طورها الأخير والأكثر خطورة، فبعد تدمير القدرات العسكرية السورية كلياً تقريباً، شرعت إسرائيل بالتوغل في الأراضي السورية، فاحتلت نحو 600 كيلومتر مربع إضافية منذ سقوط الأسد، بما فيها كامل المنطقة العازلة، بحجّة سقوط اتفاق فض الاشتباك، بفعل انسحاب جيش النظام من المنطقة. وتعمد إسرائيل حالياً إلى إنشاء حزام أمني في الجولان، وتعميق رقعة المنطقة منزوعة السلاح، لتشمل محافظات الجنوب السوري كافة (القنيطرة، درعا والسويداء)، إضافة إلى أجزاء من محافظة ريف دمشق. الأخطر أن إسرائيل باتت تتبنّى رسمياً سياسة تفتيت سورية إلى كانتونات طائفية وإثنية، من خلال زعمها حماية الأقليات من “الأغلبية السنّية” التي باتت تحكم البلد.

سوف تفشل إسرائيل، على الأرجح، في تمرير مشروعها لتفتيت سورية، لكن الاعتقاد بذلك لا يكفي وحده لمنعه، بل يجب العمل عليه من خلال: أولاً، التوقّف عن تجاهل العدوان الإسرائيلي، بزعم عدم القدرة على مواجهته حاليّاً، والاعتقاد أن الصمت أو عدم إدانته يؤدّي إلى تجنّب مزيدٍ منه، بل ينبغي حشد الرأي العام السوري في سورية والخارج، وتعبئة المواقف العربية، والدولية، وإثارة أكبر ضجّة ممكنة بشأنه. ثانياً، تبنّي نهجٍ في الحكم بعيدٍ عن الإقصاء والتهميش والاستئثار. فكلما شعر السوريون (على اختلاف انتماءاتهم الطائفية والإثنية) بأنهم منخرطون في العملية السياسية، وفي بناء دولتهم الجديدة، تنامى الإحساس بانتمائهم الوطني، وحرصهم على وحدة بلادهم، وفاتت الفرصة على التدخّلات الخارجية لاستغلال مخاوف/مظلوميات حقيقية أو متخيّلة. إن إعادة بناء سورية، وبقاءها موحدة، يعتمد كليّاً على إنهاء مقولة إنها مكوّنة من أكثرية وأقليات. في سورية يوجد فقط مواطنون سوريون أحرار.

العربي الجديد

———————————

إسرائيل في سورية/ حسين عبد العزيز

05 مارس 2025

أن تُقدم إسرائيل على تدمير الترسانة العسكرية السورية واحتلال كامل للمنطقة العازلة ـ الناشئة عن اتفاقية فك الاشتباك لعام 1974، ثم احتلال جبل الشيخ وقمته، فهذا تُفهم أسبابه في إطار الصراع الاستراتيجي بين سورية وإسرائيل التي استغلت المناخ الدولي الداعم لها، والفراغ الذي نشأ في سورية بعيد سقوط نظام الأسد، من أجل فرض واقع استراتيجي جديد من دون أية تكلفة عسكرية.

نشأت بعد عملية طوفان الأقصى مقاربة أمنية إسرائيلية جديدة مستقاة من استراتيجية الحروب الإسرائيلية القائمة على مبدأ الحرب داخل أرض العدو، ومن هذه المقاربة العسكرية نشأت مقاربة دفاعية أمنية، مفادها أن توفر المعطيات الأمنية يجب أن يبدأ أولاً في أرض العدو، تليها ترتيبات أمنية في أرض ما تسمّى إسرائيل (فلسطين المحتلة). وقد بدأت هذه المقاربة في غزّة ولبنان، من خلال نشر قوات إسرائيلية على طول أرض القطاع الحدودية، ثم نشر قوات إسرائيلية في الجنوب اللبناني، بما يشكل عمقا أمنياً متقدّما لإسرائيل.

بعيْد سقوط الأسد، سارعت إسرائيل فوراً إلى نقل هذه الاستراتيجية الأمنية إلى سورية، فاحتلت القنيطرة ومناطق أخرى، بما فيها جبل الشيخ. ولم تكتف إسرائيل بهذا، بل وضعت شرطا يتمثل في فرض نزع السلاح في غزّة وجنوب لبنان وجنوب سورية، غير أن إسرائيل، التي لم تجد أية مقاومة عسكرية سورية ولا سياسية عربية، وجدت نفسها مدفوعة للمضي أكثر بكثير من مجرّد احتلال أراض تعتبر تهديداً عسكرياً لوجودها، محكومة بعقليتها الحقيقية تجاه العرب، من حيث إنهم أعداء وجوديون، ويجب أن يبقوا دائما في حالة تشرذم وضعف. ومن هذه الرؤية، انتقلت إسرائيل فوراً من احتلال بعض الأراضي السورية، ليس إلى تحويل الجنوب السوري إلى منطقة محرّمة على الجيش السوري فحسب، بل الأهم والأخطر إلى إعلانها حامية للأقليات ومدافعة عنهم، خصوصا الدروز، إذ يفيد تصريح نتنياهو بأنه لن يتسامح مع أي تهديد للطائفة الدرزية في جنوب سورية، بأن إسرائيل لم تعد تكتفي بمجرّد احتلال للأراضي، بل ستكون جزءاً رئيساً في رسم معالم سورية العسكرية والسياسية المقبلة. وليس تصريح نتنياهو مقدمة ستبنى عليها خطوات لاحقة فقط، بمعنى آخر إن تصريحه هذا لم يأت من فراغ ومن طرف أحادي وذاتي، بل جاء، أغلب الظن، بعد تواصل إسرائيل مع جهات داخلية في سورية، خصوصا بين دروز وأكراد.

تطوران مهمّان ربما يسعفاننا في الفهم: الأول، ما أعلنته إلهام أحمد، الرئيسة المشتركة لدائرة العلاقات الخارجية في الإدارة الذاتية التي يقودها الأكراد في شمال وشرق سورية مطلع مارس/ آذار الجاري: “تحقيق أمن المناطق الحدودية في سورية يستدعي مشاركة جميع الأطراف في الحل، وإسرائيل من الجهات المعنية وسيكون لها دور بالغ الأهمية.. وإجراء نقاش مع إسرائيل في هذه المرحلة خطوة ضرورية”. … إما أن هذا التصريح نابع من طرف أحادي الجانب، أو أنه ثمرة لتواصل بين أكراد وإسرائيل. وفي الحالتين، نحن أمام رؤية سياسية خطيرة تعتبر إسرائيل جزءاً من الحل السوري، وإن كان الاحتمال الثاني الأكثر واقعية، بسبب وجود اتصالات بين إسرائيل وحزب العمّال الكردستاني منذ عام 2014.

التطور الثاني، الإعلان عن تشكيل المجلس العسكري في السويداء، بقيادة العقيد المنشقّ عن جيش النظام السابق طارق الشوفي، قبل يومين من بدء مؤتمر الحوار الوطني السوري، والمتزامن مع تصريح نتنياهو حول حماية الدروز. غير أن هذا التشكيل الذي أثار مخاوف المرجعية الدرزية، ممثلة بحكمت الهجري وآخرين، طرح إشارات استفهام عديدة: أولها، التوقيت، في ظل محاولات من السلطة الجديدة في دمشق لرأب الصدع مع كل الأطراف، خصوصا الدروز والأكراد، لتسليم سلاحهم والمشاركة في الجيش السوري الجديد والمشاركة في البناء السياسي للبلد. ثانيها، العلاقات القوية مع قوات سوريا الديمقراطية (قسد): ولا يتعلق الأمر بالتشابه الواضح بين شعارات المجلس وشعارات “قسد”، وارتداء قيادته زياً قريباً من زيها، بل أيضا زيارة وفد من مجلس سوريا الديمقراطية، الذراع السياسي لـ “قسد” إلى السويداء قبل أسابيع. ثالثا، ظهور أحد مقاتلي المجلس العسكري، ضمن مقطع مصوّر، وهو يعلن الولاء لإسرائيل، كما وجه التحية لشخصياتٍ في داخل القرى الدرزية المحتلة في الجولان السوري، عُرف منها الزعيم الروحي للدروز هناك، الشيخ موفق طريف، المعروف بتأييده إسرائيل.

تفيد هذه المعطيات، إلى جانب تصريح نتنياهو عن حماية الدروز، بأن وراء الأكمة ما وراءها، ويبدو أن إسرائيل نجحت في اختراق الدروز في سورية، المختلفين عن دروز إسرائيل، حيث العروبة والوطنية السورية عالية جداً لدى دروز سورية، ويصعب جرّهم إلى الحظيرة الإسرائيلية. ويعتبر المجلس العسكري في السويداء تجسيدا لهذا الاختراق، الذي ستكون نتائجه بالغة السوء على الدروز جماعة موحّدة وعلى عموم سورية في هذا المفصل التاريخي الهام.

من هنا، يمكن القول إن مقاربة إسرائيل في سورية أكثر خطورة من مقاربتها الاستراتيجية حيال قطاع غزّة وجنوب لبنان، فالأخيران لا يشكلان خطراً وجودياً على إسرائيل، إذ يقتصر خطرهما على البعد العسكري المحدود، أما سورية فتشكل تهديداً وجودياً لإسرائيل، إذا ما أعادت بناء نفسها على الصعد الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والعسكرية، في ظل حكم إسلامي يمارس التقية السياسية تجاه إسرائيل في هذه المرحلة، بسبب ضعفه وهشاشة الدولة والمجتمع، ولكنه قد يتحوّل مستقبلا إلى رأس حربة في مقارعة إسرائيل.

العربي الجديد

————————————

التغوّل الإسرائيلي في سورية: التحريض والتقسيم واستباق الدور التركي/ محمد أمين

05 مارس 2025

وصلت قوات الاحتلال الإسرائيلي إلى أبعد نقطة في عمق الجنوب السوري منذ بدء اعتداءاتها على سورية بعد سقوط نظام بشار الأسد في 8 ديسمبر/كانون الأول 2024، مستغلة الأوضاع الصعبة التي تمر بها سورية والتي لا تساعد في بلورة استراتيجية مواجهة رادعة تضع حداً لهذه الاعتداءات. ولا يغيب عن الحسابات الإسرائيلية الدور التركي المتعاظم في سورية، والذي قد يشكّل حجر عثرة أمام المشروع الإسرائيلي الهادف لجعل سورية دولة مفتتة وبلا جيش فعال.

توغّل إسرائيلي كبير في سورية

وانسحبت القوات الإسرائيلية صباح أمس الثلاثاء من محيط منطقة تل المال والسرية العسكرية السابقة بريف درعا الشمالي، وذلك عقب عملية توغّل استمرت لساعات قامت خلالها بعمليات تخريب وحفريات غامضة، وفق شبكات إخبارية نقلت عن سكان في المنطقة تأكيدهم سماع أصوات تحركات لجرافات وعمليات حفر، ما يرجح قيام هذه القوات بتدمير مواقع عسكرية قديمة أو التخلص من بقايا أسلحة. وكانت قوات الاحتلال نفذت مساء الاثنين عملية إنزال وتوغل في منطقة تل المال، التي تقع على الحدود الإدارية بين محافظتي درعا والقنيطرة. كما أن قوات الاحتلال قطعت الطريق الواصل بين بلدتي مسحرة والطيحة في ريف القنيطرة بعد ساعات من قصف جوي استهدف كتيبة للدفاع الجوي تتبع للجيش السوري في ريف طرطوس. من جهته، أعلن الجيش الإسرائيلي في بيان أن سلاح الجو “أغار في منطقة القرداحة في سورية على موقع عسكري تم استخدامه لتخزين وسائل قتالية تابعة للنظام السوري المخلوع”.

وأوضح الناشط الإعلامي يوسف مصلح، في حديث مع “العربي الجديد”، أن التوغل الإسرائيلي إلى منطقة تل المال هو الأبعد منذ بدء تدخّل تل أبيب في جنوب سورية، مشيراً إلى أن المنطقة التي وصلتها القوات الإسرائيلية مساء الاثنين تبعد عن الحدود السورية مع هضبة الجولان المحتلة نحو 14 كيلومتراً. وفي السياق، ذكرت شبكات إخبارية في جنوب سورية أن القوات الإسرائيلية قامت بعمليات تفتيش منتصف ليل الاثنين ـ الثلاثاء في سرية بالقرب من قرية الناصرية على الحدود الإدارية بين محافظتي القنيطرة ودرعا كانت نقطة مراقبة تابعة للقوات الروسية في زمن النظام المخلوع. من جهته، أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان أمس بأن القوات الإسرائيلية بدأت بإزالة الألغام غير المنفجرة المدفونة في الأرض على الشريط الحدودي قرب الجولان المحتل.

وقال وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر، في تصريحات للصحافيين في القدس المحتلة أمس عن الملف السوري، “إن وجود الجماعات الإسلامية على الحدود سيكون خطيراً للغاية بالنسبة لإسرائيل”، مضيفاً أن “المسألة في سورية لا تتعلق بسلامة الأراضي وإنما مصلحتنا تقتضي أن تكون الحدود هادئة”. وتابع: “ينبغي احترام حقوق الأقليات في سورية، بما في ذلك الأكراد، بشكل كامل”.

تخوّف من دور تركيا في سورية

وبعد سقوط نظام الأسد في الثامن من ديسمبر الماضي، تجاوزت تل أيبب الاتفاقيات الدولية الحاكمة للصراع، فاحتلت المزيد من الأراضي السورية خارج المنطقة العازلة، واعتلت جبل الشيخ المطلّ على الجنوب السوري وصولاً إلى دمشق، بسبب ارتفاعه، وأقامت نقاط ارتكاز في ريف القنيطرة. وتدل التوغلات الإسرائيلية في جنوب سورية على أن سقوط الأسد الذي حافظ على هدوء الجبهات مع تل أبيب أربك حسابات تل أبيب التي تسعى إلى تحويل الجنوب السوري كله إلى منطقة عازلة منزوعة السلاح. وكانت تصريحات المسؤولين الإسرائيليين واضحة لجهة الحيلولة دون انتشار الجيش السوري الجديد جنوب دمشق، تحت ذريعة حماية أمن تل أبيب. وفيما يوسّع الاحتلال نطاق تدخله في الجنوب السوري، تغيب أي استراتيجية مواجهة عسكرية من جانب الإدارة السورية التي لا تزال بصدد تشكيل جيش جديد. وتبدو الخيارات أمام الإدارة السورية للتعامل مع التدخل الإسرائيلي معدومة عسكرياً، إلا إذا اختارت طريق المقاومة الشعبية للمواجهة. وليس أمام هذه الإدارة إلا الاستناد إلى حلفاء سورية، خصوصاً تركيا ودولاً عربية للضغط على الجانب الإسرائيلي من أجل وضع حد لتدخله العسكري في جنوب سورية.

وأعرب الباحث العسكري رشيد حوراني، في حديث مع “العربي الجديد”، عن اعتقاده أن من بين أهداف تل أبيب “منع الإدارة السورية من توحيد الفصائل وتأسيس جيش قوي ينتشر في جنوب البلاد للدفاع عنها”، مضيفاً أن “إسرائيل تتخوف من الدور التركي في سورية، في ظل حديث عن تعيين ملحق عسكري في السفارة التركية في دمشق، وهو ما يفتح الباب أمام تنسيق عسكري وتعاون بين سورية وتركيا”. وتابع أن “إسرائيل تريد بمساعدة من الولايات المتحدة الأميركية، سورية دولة من دون جيش. أعتقد أن تركيا حجر عثرة أمام هذا المشروع الإسرائيلي”.

ورأى حوراني أن ما تقوم به إسرائيل في الجنوب “يهدد سورية من عدة نواحٍ”، موضحاً أن هذا التدخّل “يعيق عمل الإدارة السورية الجديدة في ترتيب البيت الداخلي في البلاد”. وأشار إلى أن التدخّل يتزامن مع مفاوضات مع “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) في ظل حديث عن تقارب في وجهات النظر، ما يتيح للدولة السورية العودة إلى الشمال الشرقي من البلاد الغني بالثروات. وتابع أن “التدخّل الإسرائيلي يضعف النظام الجديد ويشتت قدراته ويمنعه من المضي قدما في عرض رؤيته السياسية التشاركية”. ورأى حوراني أن هذا التدخّل له مخاطر اجتماعية، مشيراً إلى أن الاحتلال يحاول إحداث شروخ في النسيج المجتمعي السوري من خلال الادعاء بحماية الأقليات من الإدارة الجديدة وخصوصاً الدروز في الجنوب السوري، مضيفاً: “تتخذ إسرائيل هذه المزاعم ذريعة للتدخل وتنفيذ مخطط يقوم على فرض نفوذها في جنوب سورية”.

وحول الاستراتيجية التي تتبعها الإدارة السورية الجديدة في التعاطي مع التدخّل الإسرائيلي العسكري، رأى الباحث السياسي مؤيد غزلان، في حديث مع “العربي الجديد”، أن “الاستراتيجية تقوم على تكثيف الجهود الدبلوماسية عربياً ودولياً”، مضيفاً: “سورية تشكل جزءاً من معادلة الأمن الإقليمي والدولي. هذه المعادلة تحققت بعد النصر على قوات النظام المخلوع والمليشيات الإيرانية، وهي تلبي حاجة عربية ودولية”. وتابع: “المسار في هذا الملف (التدخل الإسرائيلي) دبلوماسي، فالمنطقة غير مؤهلة لحروب جديدة، فضلاً عن أن دمشق حريصة على عدم استجلاب أي ظروف تدفع المنطقة إلى الاشتعال مجدداً وتزعزع أمنها، فمعادلة الأمن الإقليمي تكاملية وليست جزئية”. وأشار غزلان إلى أن “عدم تحقق الأمن في سورية يفتح الباب أمام عودة المليشيات الطائفية”، مضيفاً: “من الواضح أن الهدف الإسرائيلي إبقاء سورية دولة منهكة وضعيفة وغير وازنة وهذا سوف يُحدث شرخاً في المعادلة ويربك الكثير من الدول التي توافقت مع دمشق وسياستها الجديدة”.

وبيّن أن الظروف الجيوسياسية الموجودة اليوم “تختلف عن تلك التي كانت سائدة أيام النظام البائد”، مضيفاً: “هناك توافق عربي مع السياسة السورية الجديدة تجلى واضحاً من خلال بيان مجلس التعاون الخليجي ودعوة الإدارة الجديدة للمشاركة في نشاط الجامعة العربية، فضلاً عن قبول أوروبي برز في رفع جانب من العقوبات على سورية”. وتابع: “ما تقوم به إسرائيل غير محسوب النتائج، لأن من شأنه تأجيج الصراع في المنطقة وهذا ليس من مصلحة دول الجوار”. وتابع: “أعتقد أن إسرائيل لا تريد سورية دولة قوية إلى جانبها وهو ما يفسّر الاعتداءات التي تقوم بها على الجنوب السوري”. وأعرب عن اعتقاده بأن اللعب الإسرائيلي على الوتر الطائفي في سورية “لن ينجح في ظل تأكيد سكان السويداء أنهم جزء أصيل من سورية ويرفضون فكرة الانفصال”.

العربي الجديد

————————-

وليد جنبلاط و”يا أهلاً بالمعارك”: حفاظاً على وحدة سوريا/ منير الربيع

الأربعاء 2025/03/05

يدور وليد جنبلاط حول الزمن. أو أن الزمن يدور حوله. يعيش الرجل على قلق. هو القلِق دائماً، وهو الذي خبر انقلابات وتحولات. أثقلته المعارك، لكنها لم تتعبه. هو معها بتجدد دائم، وإن حمل فيها بندقية ثورة الـ58، أو كلاشنيكوف مواجهة اجتياح الـ82. أو “شال الرايتين” الحمراء والبيضاء في 2005. أو صوته وموقفه ما قبل سقوط النظام السوري، وما بعد السقوط، وصولاً إلى مواجهة ما يعتبره أخطر المشاريع الإسرائيلية التي تنطلق من غزة والضفة الغربية، إلى لبنان سوريا. اعتاد وليد جنبلاط أن يبادر إلى المعارك وحيداً، كما عرف كيفية استقطاب الحلفاء والمناصرين. معروف عنه أنه يفضّل دوماً الرحاب الواسعة. لا الانزواء في مشروع “الطائفة” وزواريبها. ففي لبنان هو حريص على النموذج الأوسع من سياق محاصرته داخل بيئته وطائفته. وعلى مستوى المنطقة يختار دوماً الأفق العربي الواسع.

إسقاط المخطط

يحطّ الزمن بمعاركه مجدداً في دارة جنبلاط وعقله. فإسرائيل بالنسبة إليه تسعى إلى إعادة خلق مشروع قديم جديد، يسعى إلى فصل الدروز عن محيطهم العربي والإسلامي، وزرعهم في سياق “تحالفات أقلوية”، رفضها هو كما والده من قبله، كما سلطان باشا الأطرش وغيرهم من أعيان الدروز في المنطقة. اليوم يقف جنبلاط وحيداً، كصاحب إرث لزعامة تمتد على مئات من السنوات، ينظر إلى سوريا بأفق أرحب، والتي دمّر نظام الأسد فيها كل “زعامات الدروز” وأعيانهم. وهو الذي حاول مع بداية الثورة العمل معهم لتعزيز موقفهم إلى جانب الثورة ضد النظام. في الستينيات والسبعينيات، أجهض كمال جنبلاط مشروع إنشاء “الدولة الدرزية”. تلك التي كان مخططها يقضي بدمج دروز سوريا من السويداء والجولان، امتداداً إلى وادي التيم مع دروز لبنان. تلك “الدولة” التي كان يقابلها مشروع لإقامة دولة مارونية أيضاً في جبل لبنان. اليوم تستفيق شياطين تلك المرحلة في ذهن جنبلاط، الذي يرفع الصوت عالياً لإسقاط المشروع الإسرائيلي المتجدد والذي ينطلق من جنوب سوريا ومن ادعاءات إسرائيلية لحماية الأقليات ولا سيما الدروز.

“يا أهلاً بالمعارك”

قبل دروز سوريا، ركز جنبلاط على دروز فلسطين، نصح كثيراً بكتاب قيس فرو “دروز في زمن الغفلة.. من المحراث الفلسطيني إلى البندقية الإسرائيلية”. حذّر كثيراً من عملية استقطاب إسرائيل للدروز من خلال التحفيزات والخدمات التي يقدمونها لهم ومن خلال تحسين ظروفهم المعيشية والاجتماعية. ولطالما نادى العرب بأن يولوا اهتماماً للدروز وتوفير الخدمات التعليمية والاجتماعية لهم، للحفاظ على روابطهم العربية بدلاً من تركهم لمصيرهم السهل أمام إسرائيل. الآن يختار جنبلاط خوض المواجهة ضد المشروع الإسرائيلي الذي يستهدف سوريا ككل، بموقعها، دور الدولة فيها، ومكوناتها الاجتماعية المختلفة ومن ضمنها الدروز. فهو واجه في السابق “محور الممانعة” الذي كان يعمل على أخذ الدروز إلى سياق تحالفي معه للتحلق حول بشار الأسد. انتظر على ضفة النهر، فعبر المحور. اليوم يواجه مشروعاً آخر أكثر خطورة وقوة، لكن يقول “يا أهلاً بالمعارك”. تلك المعركة التي بدأها على طريقته في خلق سجال مفتوح مع الشيخ موفق طريف منذ بداية الحرب الإسرائيلية على غزة بعد عملية طوفان الأقصى. أراد للسجال أن يخلق إشكالية لدى الدروز لعدم استسهال التجاوب مع ما يسعى إليه الإسرائيليون.

الانتماء التاريخي

إلى جانب علاقته الوجدانية مع سوريا، فهو بإمكانه أن يتعاطى مع تطوراتها كزعيم لبناني، أو زعيم لطائفة الموحدين الدروز في لبنان، أو باعتباره صاحب امتداد تأثيري على جزء من الدروز في سوريا. لكنه أيضاً يمكنه أن يتعاطى مع مختلف المكونات السورية من موقع آخر، فبالعودة إلى الانتماء التاريخي والعرقي لآل جنبلاط، فهم يعودون إلى صلة بالأكراد بالعودة إلى آل جانبولاد في حلب. ويتعاطى من موقع عربي وهو الخيار الذي سلكه الدروز منذ سنوات، ومن موقع إسلامي، وهو حفيد شكيب أرسلان بما يرمز إليه في تاريخ الإسلام خلال حقبة السلطنة العثمانية. تلك الحقبة التي ربما يختلج دواخل جنبلاط حنيناً إليها، نظراً لسعة أفقها ورحابتها، ولما كان فيها من حرص وحفاظ على التنوع. وهو الذي يحبّ التاريخ، يعود في أحد نصوصه قبل سنوات إلى محاضرات حول الامبراطورية العثمانية، كان يتلقاها على يد البروفيسور زين زين، ويصفه بأنه يتميز بأسلوب فريد، في القاء المحاضرات حول تلك الفترة التاريخية، حيث كان العرب واليهود يعيشون في سلام تحت حماية السلطان. تلك السلطنة التي أسقطها الغرب، وفق ما يعتبر، ونتجت عنها النزعات القومية في المنطقة. أما اليوم فهناك مشروع عربي يتعرض للاستهداف من قبل إسرائيل، لإسقاط روح العروبة، وإدخال المنطقة في صراع ديني أو طائفي أو مذهبي، وتقسيمها على هذا الأساس.

مصير أمم وشعوب

يعيش جنبلاط مع الأسئلة، ولا سيما الوجودية منها. يشتهر بسؤاله الأشهر “إلى أين؟” وربما الآن يسأل أكثر. لكن السؤال الآخر الذي يقتبسه من أستاذه “زين زين” هو “ماذا لو؟” هذه الأسئلة بالنسبة إليه، تقرر مصير أمم وشعوب بأكملها. ويقول في نصه القديم: “لهذا السبب فإن موقع “الدولة اليهودية” بدلا من أن تكون في باتاغونيا، انتهى بها الأمر إلى أن تقام في فلسطين، وذلك على العكس مما كان يرغب فيه هيرتزل، فيما يبدو. وليس لدي شك في أن هيرتزل لا يستسيغ فلسطين والقدس، وكان يرغب في تفادي الحركة الدينية التي ظلت تقود اليهود دوماً نحو الكوارث. وفضلا عن ذلك، فإنه في القدس، تلك المدينة المقدسة، نجد أن سكانها بالرغم من تحدرهم من جد واحد هو النبي ابراهيم، فانهم يتعايشون وفق تراث العديد من الانبياء والآلهة ممن ورثوه، ولهذا السبب فان كل واحد يكره الآخر، بل حتى ضمن الأسرة الروحية ذاتها”. كتب النص يومها لمناسبة زيارة بابا روما إلى القدس وتلاوته صلاة السلام، ويختتم نصه بالقول: “لا أحد يعرف ما كان يقوله البابا في صلاته إلى الرب. إلا أنني أظن انه كان يصلي من أجل السلام، ولكنه كان يقول له شكراً يا مولاي وشكراً لأن “ماذا لو” جعلت بيريس ونتانياهو بعيدين عن باتاغونيا، لأنهما لو وجدا لاحتلا بقية الارجنتين، وكنت سأتحول إلى لاجئ في مكان ما في الامازون بدلاً من ان أصبح الحبر الأعظم”.

معركة وحدة سوريا

يخوض جنبلاط هذه المعركة، للحفاظ على وحدة سوريا، ومنع إسرائيل من فصل الدروز عن بيئتهم وهويتهم. يريد من وراء ذلك الحفاظ على رمزية الإرث، التاريخ، الأرض والارتباط بها، والموقف. ويعلم أن ما يجري من صراعات أو زرع لبذور الفتنة، هي عمليات ممنهجة، وهذا المسار الذي بدأ سريعاً مع سقوط نظام بشار الأسد. إذ بعدها بأيام قليلة خرج في بلدة حضر من يطالب بحماية إسرائيلية، هذا الرجل الذي كان يومها يرتدي زياً دينياً، كان عنصراً في الفرقة الرابعة. واستكمل المسار في السويداء من خلال “المجلس العسكري” وهو مجلس قديم، وبعض المسؤولين فيه كانوا سابقاً في الجيش السوري، وهم منذ فترة يحصلون على الأسلحة والأموال من إسرائيل، التي عملت على إنزال هذه الأسلحة والأموال لهم عبر طائرة مروحية بعيد حوالى أسبوعين من سقوط النظام السوري. وهؤلاء فتحوا خطوطاً مع إسرائيل ومع قسد أيضاً. ما يريده جنبلاط، هو جغرافيا عربية متصلة ومتواصلة ببعضها، على قاعدة اندماج الدروز في دولهم ومجتمعاتهم. أما المعركة التي يخوضها، فهي رفضه لجعلهم دروعاً بشرية أو سكانية في مناطق تحيط بإسرائيل لتشكيل حزام آمن من حولها، وهي التي تحاول خلق هذا الحزام الآمن بتهجير سكان قطاع غزة، والضفة الغربية، وبتهجير مناطق واسعة من جنوب لبنان، أما من جهة سوريا فتريد للدروز أن يكونوا هم درعها العازل، ومنطلقها لزعزعة الاستقرار السوري ووحدة الدولة.

المدن

————————

عصر بلطجة ترامب: إسرائيل تستعجل تخريب سوريا وتقويض إيران/ منير الربيع

الثلاثاء 2025/03/04

لا يتوقف المشروع الإسرائيلي عند حدود ما “حققه” عسكرياً حتى الآن. ولا عند حدود فلسطين، سوريا ولبنان. هو مشروع قديم جديد، يشتمل على الرؤية الكاملة للوضع الإقليمي، والذي تسعى فيه إسرائيل لتكون الدولة الأكثر تفوقاً وتقدماً، وصاحبة اليد العليا على كل الدول المحيطة. وما تطمح إليه تل أبيب أيضاً، هو أن ترث “الدور” الأميركي أو تكون الجهة الوحيدة المنتدبة أميركياً لإدارة شؤون المنطقة والتحكم بها. أكثر الساحات تعبيراً عن حقيقة المشروع هي فلسطين وسوريا. ففي فلسطين يكرر الإسرائيليون من مواقفهم حول تهجير الشعب الفلسطيني من قطاع غزة والضفة الغربية وإجهاض حلم بناء دولة فلسطينية مستقلة. وفي سوريا، يتحدث الإسرائيليون بوضوح عن “دويلات” طائفية ومذهبية، وتمزيق الجغرافيا السورية مع تسجيل اختراقات متعددة جغرافياً، أمنياً، وعسكرياً. أما لبنان فبطبيعة الحال سيكون متأثراً إلى حدود بعيدة بهذا المشروع.

نفوذ على كامل الإقليم

أبعد من هذه الدول الثلاث، فإن ما ينطوي عليه المشروع يمثل تهديداً جدياً لكل الأمن القومي العربي، ولكل الدول الكبرى في المنطقة، خصوصاً في ظل النية الإسرائيلية الواضحة لتهجير الفلسطينيين إلى مصر والأردن، وفي ظل مواجهة أي نفوذ عربي أو تركي أو إيراني. محاولة تكريس نفوذ إسرائيلي في سوريا يكون قائماً على  الفوضى وإضعاف سلطة الإدارة الجديدة، له أكثر من بعد، ولا سيما ما يعبّر عنه الإسرائيليون وهو وضع حدّ لتوسع النفوذ التركي، وهو ما يدفع الإسرائيليين إلى التفاوض مع الولايات المتحدة الأميركية، وروسيا من أجل بقاء القواعد الروسية، ما يجعل نفوذ تركيا أضعف وأكثر محدودية. أما إيران فلا يزال نتنياهو يصرّ على التصعيد في مواقفه تجاهها، وصولاً إلى شكر ترامب على توفير الأسلحة المطلوبة لإسرائيل من أجل ضرب المحور الإيراني. ولم يوضح نتنياهو مقصده من هذه العبارة، إذا ما كانت إسرائيل تكتفي بالضربات التي وجهتها لمحور إيران، أم أنه سيكون لها تبعات تتصل بضرب إيران بشكل مباشر. خصوصاً في ظل الوضع الداخلي الإيراني المتشنج، والذي ينطوي على انقسامات متعددة، بين الإصلاحيين والمحافظين، وبين المحافظين أنفسهم.

إنهاك إيران

أصبحت إيران أمام خيارات في غاية الصعوبة، أولها مواجهة أزمات داخلية سياسياً واقتصادياً بفعل اشتداد العقوبات، ما قد ينتج انفجاراً اجتماعياً وشعبياً. وثانيها مواجهة استحقاقات سياسية دولية تلزم طهران بتقديم تنازلات كبرى، وهذه التنازلات يمكنها أن تؤثر سلباً على بنية الوضع الداخلي للنظام. أما ثالثها فبقاء احتمال توجيه ضربة عسكرية إسرائيلية قائماً. وهو ما قد يتعزز في ظل أي انسداد ديبلوماسي لا سيما مع تصريح الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، الذي أشار فيه إلى تبني خيار مرشد الجمهورية الإسلامية علي الخامنئي، بأن الحوار مع واشنطن لا يبدو مجدياً. وهذا لا ينفصل عن استقالة مستشار رئيس الجمهورية، وزير الخارجية السابق محمد جواد ظريف، وهو المعروف بأنه أحد أكثر مؤيدي فكرة الحوار مع الولايات المتحدة.

عملياً، أصبحت الإدارة الأميركية تتدخل في كل التفاصيل السياسية والاقتصادية والأمنية والعسكرية في كل هذه الدول، فلم يعد هناك وجود لأي فاصل بين الإدارة الأميركية والشؤون الوطنية لدى كل دولة من الدول. يمارس ترامب بلطجة هدفها تخويف الدول الأخرى لدفعها إلى تقديم التنازلات التي يريدها. وطبعاً يهدف من وراء ذلك للوصول إلى إشراك هذه الدول في مسار الاتفاقات الابراهيمية التي يريد استكمالها. كما أن هناك ضغطاً واضحاً يتصل بكيفية إعادة تركيب السلطة في كل دولة من هذه الدولة، ومعالم ذلك ستتضح لاحقاً.

تخريب سوريا

هذا الواقع هو ما تستفيد منه إسرائيل، والتي تسعى إلى تثبيت وقائع معينة، بالاستناد إلى موازين القوى التي تميل لمصلحتها في هذه المرحلة، لترجمتها عبر تحقيق أهداف سياسية. وهي تحاول استغلال ما تحققه عسكرياً بنسبة 70 بالمئة لترجمته سياسياً بنسبة 150 بالمئة. لذلك يستعجل الإسرائيليون فرض مسارهم، نظراً لاستشعارهم بإمكانية حصول أي تراجع في اندفاعة ترامب لاحقاً، أو حصول أي اهتزاز في وضع نتنياهو بالداخل الإسرائيلي. هذا الاستعجال هو الذي يدفع رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى التصريح العلني في السعي إلى تخريب سوريا وزرع الفوضى فيها، ولو اقتضى ذلك تقسيمها إلى كانتونات.

كل ذلك لا يمكن أن ينفصل في تأثيراته عن الساحة اللبنانية. وهو ما قد يدفع الإسرائيليين إلى توسيع الانتشار أكثر في جنوب لبنان، وربط بعض المناطق ببعضها البعض، مثل ربط قرى الشريط الحدودي عسكرياً بالمستوطنات، وربط قرى في القطاع الشرقي مع مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، وصولاً إلى ربطها بالمناطق التي يسيطر عليها في جنوب سوريا.

كما قد تتصاعد مجدداً الدعوات لإقامة منطقة عازلة في جنوب لبنان، وإطالة أمد الانتشار العسكري الإسرائيلي في تلك النقاط، وجعلها ورقة ضغط تُستخدم لاستدراج لبنان إلى اتفاقات سياسية.

المدن

————————–

إسرائيل وعشقها المشروط للدروز/ ثائر أبو صالح

الأربعاء 2025/03/05

ألتمس العذر مسبقاً لأنني سأتكلم لأول مرة، وأتمنى أن تكون أخر مرة، بشكل طائفي، ولكن في بعض الأحيان الضرورات تبيح المحظورات.

يطالعنا بين الفينة والأخرى رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو وبعض وزرائه، معلنين عشقهم للطائفة الدرزية والاستعداد للدفاع عنها ضد ما يحدق بها من مخاطر، وفي هذا السياق يخطر على بالي بعض الأسئلة التي أحب أن أوجهها لنتنياهو ووزرائه والحكومة بشكل عام. أولاً الدروز في الجليل والكرمل فرضت عليهم الخدمة بالجيش الإسرائيلي ويتساوون مع اليهود بالواجبات، فلماذا لا تساويهم حكومة إسرائيل بالحقوق؟ بل ذهب الكنيست الإسرائيلي لأبعد من ذلك فحولت التفرقة العنصرية إلى قانون من خلال سن “قانون القومية” وجعلت من غير اليهود أي العرب مواطنين من الدرجة الثانية وبضمنهم طبعاً الدروز، وكذلك صادر الكنيست أراضيهم وسنّ قانون “كامينتس”، وبدأوا باستصدار أوامر هدم لبيوتهم التي بنيت على أراضيهم واعتبرتها دوائر التنظيم الإسرائيلية غير مرخصة، وهكذا ثبتّوا المقولة المتداولة بين الدروز أن “الدروز يهود بالواجبات وعرب بالحقوق”.

أما بالنسبة لدروز الجولان فحدث ولا حرج، وأنا لا أريد أن أعود إلى سنوات السبعين والثمانين والحكم العسكري الذي عانى منه أهل الجولان، ولا إلى أيام الإضراب الذي أعلنوه بعد ضم الجولان وحصار القرى وزج القيادات والناشطين في السجون، فقط سأذكركم بمشروع المراوح الأخير الذي لم ننتهِ منه بعد، والذي يهدف لمصادرة الآلاف من الدونمات من أراضينا الزراعية، وعندما وقف أهل الجولان بوجه هذا المخطط ضربتهم الشرطة بيد من حديد واقتلعت عيون بعض شبابهم وحطمت عظام الأخرين.

أما بالنسبة لدروز لبنان؛ فهل نسيتم بعد غزو إسرائيل للبنان في حزيران 1982، كيف استغل حزب الكتائب، الوجود الإسرائيلي للسيطرة على الجبل فاصطدم مع الدروز في معارك ضارية ووقفت إسرائيل بأحسن حال تتفرج على قتل الدروز وتدعم الكتائب بالسر، فقد تحالفت إسرائيل مع الكتائب وحاول الرئيس اللبناني حينها أمين الجميل تمرير اتفاق 17 أيار عام 1983، والذي أُسقط لاحقاً، وكلنا يذكر ظاهرة انشقاق بعض الجنود من دروز إسرائيل والالتحاق بدروز لبنان، الذي كان يقودهم الحزب التقدمي الاشتراكي بقيادة الأستاد وليد جنبلاط.

أما بالنسبة لدروز السويداء؛ أين كان هذا العشق عندما قامت داعش بالتواطؤ مع النظام البائد، بالهجوم على قرى السويداء الشرقية في تموز/يوليو 2018، وقتلوا المئات وخطفوا النساء والأطفال؟ ألم يكن الدروز أحباءكم في حينه؟ وسلاحكم الجوي يسرح ويمرح في أجواء سوريا؟ هل كنتم عاجزين عن قصف داعش شرقي السويداء، وأين كنتم عندما هُوجم الدروز في جبل السماق في “قلب لوزة” في حزيران/يونيو 2015، وقُتل العديد منهم على أيدي المتطرفين الإسلاميين؟

سأكتفي بهذه الأمثلة فقط لأعّري عورة العشق المزيف أمام من يهتف لإسرائيل، كنتم دائماً تريدون تقسيم سوريا وإقامة دويلة درزية، على غرار ما فعلتم بجنوب لبنان لاحقاً (دويلة سعد حداد)، ونقل دروز الجليل والكرمل إلى الجولان لتسيطروا على قراهم، ولم تنجحوا بذلك بعد هزيمة العرب في حزيران/يوينو 1967، ودروز الجولان هم من أفشل التقسيم، وتعرفون ذلك جيداً. واليوم تريدون أن تستغلوا ضعف سوريا لتعيدوا الكرّة من جديد، على حساب الدروز، ولكن اعلموا أن أشراف السويداء وقيادتهم الدينية والزمنية سيفشلون مخططكم للمرة الثانية، فهم أحفاد سلطان باشا الأطرش الذي أفشل مخطط إقامة دولة للدروز في بداية العشرينات من القرن الماضي ووحد سوريا.

أنتم دولة تسعى وراء مصالحها ولا ضير في ذلك، كل الدول تفعل ذلك، ولكن كفّوا عن ظلم هذه الطائفة واستعمالها أداة لمشاريعكم، فلن تنجحوا، فقط ستثبتون طبيعتكم التي نعرفها على أنكم دولة استعمارية توسعية بامتياز، وستصلون إلى النتيجة التي وصل إليها نابليون عندما حاصر عكا وطلب من الدروز دعمه واعداً إياهم بإقامة دويلة لهم، فرفضوا ووقفوا ضده ففشل في فتح عكا.

وأخيراً أريد أن أقول لبعض إخواننا من باقي الطوائف؛ وآسف عل هذه اللهجة، والتي لم اعتَد عل استعمالها، ولكن وصلنا إلى مرحلة يجب أن نضع فيها الحقائق على الطاولة بكل صراحة، إن كتاباتكم التحريضية على الدروز لا تجعلكم وطنيين وأشراف، وتحول الدروز إلى عملاء، فتاريخ الدروز يشهد لهم، خصوصاً في السويداء، وليسوا بحاجة لشهادة أحد، بل بعملكم هذا للأسف تصبون الماء على يد إسرائيل ومشاريعها، عليكم الوقوف بجانب المستهدفين من إخوانكم بني معروف في التصدي لمشاريع التقسيم، فماذا يفيدكم إدانة الدروز إذا تقسمت سوريا؟

إن هذه التهجمات من البعض، والذين لا يعبرون حتماً عن الأشراف من باقي الطوائف وهم كثر، يذكرني بهزيمة حزيران 67، عندما أعلنت القيادة المهزومة أن من تبقى من سكان الجولان الدروز في أرضهم هم سبب الهزيمة، في حين هرب قائد الجبهة أحمد المير بلباس مدني وهو يمتطي حماراً، وذلك عندما أعلن وزير الدفاع آنذاك حافظ الأسد، سقوط القنيطرة قبل دخول الجيش الإسرائيلي إليها بساعات وعُرف ببلاغ ال66، لتثبت الأيام بعد سنوات من النضال، أن من حافظ على عروبة الجولان هم السكان الذين تمسكوا بأرضهم.

يجب أن يدرك الدروز وغيرهم، أن إسرائيل وكذلك الدول بشكل عام تحب مصالحها فقط،  وفي حال تعارضت مصلحتها مع  مصلحة أي مجموعة، تنقلب عليها فوراً، فانظروا إلى ما فعله نتنياهو وحكومته مع المخطوفين في غزة، فمع أن غالبيتهم هم من اليهود الإسرائيليين، ولكن عندما شكلت عودتهم خطراً على استمرار حكومته تركهم لمصيرهم، فتخيلوا ماذا يمكن أن يفعل مع غير اليهود!

المدن

—————————–

الاعتراف بالهزيمة تجنّباً لهزائم أكبر/ حازم صاغية

تحديث 05 أذار 2025

من البديهيّات التي يتطلّبها حلّ مشكلةٍ ما الاعتراف بوجودها، والمشكلةُ في لبنان هي الهزيمة. لكنّ «حزب الله» لا يعترف بأنّ هزيمة حصلت. أمّا الاحتلال والتدمير، وهما من نتائجها، كما أنّهما مَرئيّان جدّاً يستحيل إنكارهما أو الجدل فيهما، فيُردّان إلى شرّ شبه ميتافيزيقيّ يقيم في طبيعة عدوانيّة وغرائبيّة.

لكنّ الحزب يسأل الدولة اللبنانيّة أن تحرّر وتعمّر، أي أن تمحو آثار هزيمة قادنا إليها، وبعدما مُني بها قال إنّها لم تحصل. وهو إذ يقول ذلك، متنصّلاً من كلّ مسؤوليّة، يكون يعلن «نصره» على باقي اللبنانيّين، إذ يستحيل إعلان «نصر» كهذا حيال إسرائيل. وبهذا لا يكون الحزب يفعل غير رشّ الملح على جرح الانقسامات الأهليّة العميق.

والحال أنّ بعض الناطقين بلسانه باتوا يهدّدون، بلغة لا مواربة فيها، بما لا يقلّ عن حرب أهليّة تنتظرنا وراء الباب، وهذا فيما «المعتدلون» منهم يطالبون الدولة بمهمّة انتحاريّة، هي تكرار ما فعلته المقاومة، وإلّا كان الويل والثبور.

هذا التعطيل الداخليّ المعيق لكلّ شيء آخر، والمتسبّب بأذى غير محدود، يتغذّى على خلفيّة تزيد إضعافنا، لا سيّما في مواجهة التحدّي الإسرائيليّ الكبير. فنحن خارجون من تجربة مهترئة ومفلسة، لعب «حزب الله» الدور الأساسيّ في جعلها هكذا، ونجم عنها إمعان في تصديع النسيج الوطنيّ المهلهل. أمّا التعامل المسؤول مع حال كهذه فيستدعي، قبل كلّ شيء، أن نتحدّث بتواضع ومصارحة، وبروحيّة نقد ذاتيّ صادق، متمسّكين بما تبقّى من إجماعات بالغة الضآلة يحاول الحكم والحكومة الجديدان تمثيلها ورعايتها. والمؤكّد أنّ نهش هذين الحكم والحكومة والتشهير بهما، وهما لا يملكان حتّى الآن، وسط إدقاع شامل سبّبه الحزب وحربه، غير رساميل رمزيّة مبعثرة، إنّما يرقى إلى استدعاء للانتحار الجماعيّ.

فالنهج الذي يجمع بين إنكار الهزيمة ونفي المسؤوليّة الذاتيّة، والتشهير بالحكم والحكومة، وممارسة الغنج والدلع، وخصوصاً التحايُل والغشّ في أمر تسليم السلاح، مرشّح أن يغدو ذريعة لتوسيع التدخّل الإسرائيليّ في لبنان وتعميقه، ناهيك عن منع إعادة الإعمار حتّى لو توفّرت أدواته. وهذا ما سوف يكون آخر الهدايا المسمومة التي تقدّمها المقاومة للبنان، بل للطائفة الشيعيّة نفسها.

صحيح أنّ المطلوب دائماً، فيما يُراد نزع سلاح الحزب، إشعار الطائفة المذكورة بالاحتضان الوطنيّ، وعدم إشعارها بأنّها شريكة في هزيمة الحزب. لكنّ مفتاح هذه المهمّة الحيويّة يبقى في يد «حزب الله»: فهو إذا أقرّ بالهزيمة ووافق على نزع سلاحه، فتح الباب لطمأنة طائفته وشجّعها على تجديد الاندراج في الحياة السياسيّة. أمّا عدم الإقرار والتمسّك بالسلاح والتهديد بالحرب الأهليّة فتُبقي غير الشيعة متخوّفين، إن لم يكن من السلاح نفسه فممّا قد ينجرّ عنه ويترتّب عليه. وهذا ما يجعل الأخيرين، ممّن لا يملكون ترف طمأنة سواهم، يطلبون الطمأنة لأنفسهم فحسب.

يحدث هذا وسط مناخ إقليميّ ودوليّ قاتم. إذ لا بدّ من ملاحظة حجم الانتصار الإسرائيليّ على مستوى المنطقة، معطوفاً على تفسّخ العلاقات الأهليّة فيها، وعلى القحط السياسيّ الذي أحدثه نظاما الأسد و»حزب الله». فمع الهزيمة التي يلفّها الإنكار، تكثر البراهين على أنّ الدولة العبريّة تخطّط لأن تكون شرطيّ المنطقة، ولأن نكون نحن، في سوريّا كما في لبنان، حرس حدودها ودويلاتٍ عازلة تقف بينها وبين تركيّا.

فمن استراتيجيّة بناء المناطق الحدوديّة العازلة، إلى احتمال تجديد الحرب على غزّة والتهديد بمواصلتها «على سبع جبهات»، ثمّة ما لا يجوز الاستهانة به أو الردّ عليه بـ»المراجل» الفارغة. وها نحن نرى بأمّ العين كيف باتت اليد الإسرائيليّة طليقة في التلاعب بأحشاء بلدان المشرق وبدواخلها الطائفيّة والإثنيّة، كما يداهمنا فرز لا يكتفي بشقّ الجماعات، بل يعدم كلّ موقف «وسطيّ»، وكلّ محاولة تسوويّة «لصون ماء الوجه»، رسميّةً كانت أم على المستوى الفكريّ والثقافيّ.

وإذا حصل الأسوأ في سوريّا، أكان انطلاقاً من الجنوب أو من الشرق أو من الساحل، بات من شبه المستحيل أن ينجو لبنان بنفسه.

أمّا أحوال الدول الصغرى، في موازين يومنا الراهن، فلا يلزمنا الكثير من التكهّن في صددها بعد لقاء البيت الأبيض الشنيع بين الرئيسين ترمب وزيلنسكي. وأمّا ما تبقّى للبنان من صداقات وتأثير فيمكن تبديده حين نعرّضه لامتحان بالغ القسوة عنوانُه التمسّك بالسلاح غير النظامي وطلب المكافأة على انتصار لا يُقنع أنصاره أنفسهم. هكذا يفعل الحزب ومناصروه كلّ ما لا يُفعل بهدف البرهنة على أنّ السياسة والديبلوماسيّة لا تجديان، وما علينا سوى الإقدام على الانتحار الجماعيّ بتحوّلنا «كلّنا مقاومين».

لكنْ بدل أوهام رجوع الشيخ إلى صباه، وترجمتُها المباشرة التحايُل على القرار 1701، يغدو التكاتف بيننا، انطلاقاً من كوننا مهزومين ننوي ضبط الهزيمة عند الحدّ الذي بلغته، مهمّة المهمّات والممرّ الوحيد الضيّق إلى نهوض ما.

الشرق الأوسط

——————————-

القلق على سوريا/ طارق الحميد

تحديث 05 أذار 2025

هناك قلق على سوريا، من ناحية أمنها واستقرارها ووحدتها، ولأسباب عدة، وهو قلق مبرر، ورغم قناعتي الراسخة بأن سوريا اليوم أفضل بعد فرار المجرم بشار الأسد، لكن الطريق مليء بالذئاب، والأخطاء، وبعض الأخطاء أخطر من العدو، وتخدمه.

هناك قلق من التدخلات الإسرائيلية الشريرة، ودون أي مبررات تذكر، بل إنها محولات شريرة من إسرائيل ونتنياهو، من أجل تعقيد المشهد السوري، وإشعاله من أجل إغراق سوريا بالفوضى.

وهناك قلق من فلول النظام التي تُدعم الآن من بعض الدول الإقليمية، وليس بالضرورة تلك الدول نفسها، بل مكونات في داخلها، ففي لبنان هناك «حزب الله»، وفي العراق هناك الجماعات المحسوبة على طهران.

وبالنسبة لإيران فهي لا تخفي ألمها من سقوط الأسد الذي كان بمثابة شريان مشروع تصدير الثورة في المنطقة، وخط إمداد تمويل النفوذ الإيراني من لبنان إلى غزة، وصولاً إلى البحر المتوسط. وسبق لقائد قوات «الحرس الثوري» حسين سلامي قول ذلك علناً.

حيث قال إن سوريا تمثل «درساً مريراً لإيران»، مشيراً إلى تصريحات المرشد الأعلى بالقول: «سوريا ستحرر على يد شبابها الأبطال»، وأن ذلك «يتطلب وقتاً وصموداً عظيماً وعزماً راسخاً وإيماناً جميلاً». والتخطيط والمؤامرات على سوريا قائمة ومستمرة.

وقد يقول قائل إن القلق مبرر، ومنذ سقوط الأسد، وصعود «هيئة تحرير الشام»، وقناعتي أن قلة قليلة صادقة بهذا التقييم، بينما قلق كثر كان وما زال ذا دوافع مختلفة، خصوصاً من كانوا ينافقون «حزب الله» ويبررون له، أو من يدافعون عن «حماس» للآن.

وعليه، القلق على سوريا يتلخص في عدة نقاط، الأولى هي التردد في اتخاذ القرارات الداخلية الجادة السريعة لتسيير عجلة الحياة، وأهمها تشكيل حكومة كفاءات حقيقية، والاستعانة بكل الخبرات.

والثانية هي عدم الحرص على الشفافية من حيث إطلاع السوريين، والمحيط العربي، إعلامياً، أولاً بأول، على حقائق الأمور، وعبر إيجاز صحافي يومي، خصوصاً وأن الأحداث متسارعة، وكذلك إطلاع السوريين على حقائق أمورهم المعيشية والصعوبات.

الثالثة هي انكفاء سوريا الجديدة الآن، وبعد زخم الشهرين الأولين عربياً ودولياً، حيث لا بد من زيارات عربية وإقليمية ودولية للتحذير من الخطر الإسرائيلي والإيراني. وهنا مثال بسيط على ضرورة التعاطي مع الأحداث المهمة، حيث كان يفترض، وفور إعلان وليد جنبلاط رغبته زيارة سوريا بعد التصريحات الإسرائيلية عن الدروز، أن تسارع دمشق فوراً بقبول المبادرة، وترحب بالزيارة، وبأي لحظة، لأن من شأن ذلك تسليط الضوء على خطورة التدخل الإسرائيلي، وترسيخ الوحدة السورية.

الرابعة، كان يفترض بدمشق أن تذكر المجتمع الدولي عبر بيان بخطاب الشرع لترمب، وتصريحاته السابقة عن أن سوريا الجديدة منهكة من حروب لا طائل لها، وتذكر المجتمع الدولي بخطورة ما تفعله إسرائيل، وإيران وأتباعها.

وكذلك خطورة عدم تعليق، أو رفع، العقوبات على الداخل السوري، مع الإسراع بخطوات إصلاحية تحرج الجميع، وتثبت أن النظام الجديد جاد بجعل سوريا عضواً فاعلاً عربياً ودولياً، وعكس ما فعله الأسد، ومن هم على شاكلته من أعوان إيران.

هذه نصيحة محب، وحريص.

الشرق الأوسط

—————————–

ماذا تريد إسرائيل من سوريا… تغيير النظام أم محاربة النفوذ التركي؟/عبدالله سليمان علي

تحديث 05 أذار 2025

توسّع إسرائيل يوماً بعد يوم دائرة تدخلها في المشهد السوري، وسط تساؤلات عن الهدف الذي تسعى إليه، وما إذا كان متعلقاً فقط بترك بصمتها على سيناريو التقسيم الذي بات عدد كبير من السوريين يتعاملون معه على أنه قادم لا محالة، أم يأتي في سياق الصراع المكتوم بين تل أبيب وأنقرة على سوريا ورغبة الأولى في رؤية نظام حكم في دمشق ينأى بنفسه عن سياسة المحاور، وهو ما أكده لـ “النهار” قائد   فصيل سوري شارك في عملية “ردع العدوان”.

وكانت إسرائيل رسمت بالنار الأسبوع الماضي حدود المنطقة المنزوعة السلاح التي تريد إنشاءها في جنوب سوريا على مساحة أربع محافظات هي القنيطرة ودرعا والسويداء وجزء من ريف دمشق. وتدخلت بشكل فجّ في ملف مدينة جرمانا في ريف دمشق مهددة بالتدخل لحماية الدروز أثناء تحضير قوات الأمن العام لاقتحام المدينة على خلفية مقتل أحد عناصرها.

وشنت طائراتها أمس غارات على مواقع عسكرية في طرطوس ومشارف القرداحة في ريف اللاذقية. بعد ساعات من تصريح وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر أنه لا يحق للإدارة الجديدة في سوريا استهداف الدروز والكرد والعلويين، متذرعاً بأنها “ليست حكومة منتخبة بل مجموعة من الجهاديين”.

وطاولت الغارات الجوية كتيبة للدفاع الجوي قرب معمل الرائد للحديد على أوتوستراد طرطوس – اللاذقية، وكذلك مستودعاً للأسلحة قرب مدينة القرداحة. وذكرت مصادر لـ “النهار” أن المستودع كان يحوي صواريخ أرض – جو وصواريخ بحرية. وأفادت مصادر أخرى بأنه شوهد رتل روسي ينسحب من النقاط المستهدفة قبل وقت قصير، ما يشير بحسبها إلى وجود تنسيق روسي – إسرائيلي.

وبصرف النظر عن الهدف العسكري المباشر للغارتين، فمما لا شك فيه أنها تأتي في سياق الرسائل التي واظبت إسرائيل أخيراً على إرسالها إلى السلطات الانتقالية في سوريا ومفادها أنها لا تملك حرية الحركة في البلاد، وأن سيطرتها هشة، ومستقبلها غير واضح.

وللمرة الأولى ترافق الاستهداف مع انتشار إشاعة تفيد بإرسال الجيش الإسرائيلي رسائل تحذير إلى أهال من الساحل السوري قبل تنفيذ الغارة. وفيما أكد مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان  رامي عبد الرحمن وصول هذه الرسائل إلى بعض الهواتف في الساحل، رصدت “النهار” حملة نفي واسعة لذلك في مواقع التواصل الاجتماعي من أهالي الساحل. كذلك نُقل عن الجيش الإسرائيلي نفيه “إرسال رسائل تهديدية للساحل السوري”. وتبدو صيغة النفي غير واضحة لأن الرسائل المشار إليها كانت تحذيرية وليست تهديدية.

التطورات في الساحل سرعان ما تلتها تطورات في الجبهة الجنوبية التي تعتبرها إسرائيل الأكثر أهمية لأمنها. فقد وصلت قوات إسرائيلية مساء الاثنين إلى منطقة تل المال الاستراتيجية الواقعة بين محافظتي درعا والقنيطرة، وسط حديث عن تنفيذ إنزال جوي في المنطقة، وترافق ذلك مع دخول آليات إسرائيلية ثقيلة إلى بلدة مسحرة قاطعة الطريق الواصل إلى بلدة الطيحة في ريف القنيطرة. ويعد ذلك أبعد مدى وصلت إليه القوات الإسرائيلية على بعد حوالى 20 كيلو متراً عن مركز القنيطرة.

وفي خطوة ذات دلالة رمزية، خصوصاً وسط التجاذب الذي تشهده أوساط النخب الدرزية ووصلت أصداؤه إلى لبنان، سُجّل أمس أيضاً رفع العلم الإسرائيلي على دوار العنقود في مدخل السويداء من مجهولين، ورغم مسارعة الأهالي إلى إنزال العلم وإحراقه إلا أن رسالة رفعه كانت قد وصلت.

واستبعد القائد العام لجهاز مكافحة الإرهاب السوري الجنرال أنس محمد الشيخ الملقب بـ”أبو زهير الشامي” أن يكون هدف إسرائيل حماية أمنها القومي مما تقول أنه تهديد بسبب وجود تنظيم جهادي على حدودها.

وقال لـ”النهار” إن “سلطة هيئة تحرير الشام في دمشق اليوم ضعيفة والتهديد الذي قد تشكله ليس قريباً لكنه محتمل على المدى البعيد، لذلك فإن الهدف الحقيقي لإسرائيل هو إخراج التركي الذي سوف يرعى استقرار النظام الجديد بشكل يجعل من الصعب تغييره في ما بعد”.

وتأتي أهمية تصريحات الشيخ أنه كان في 8 تشرين الثاني/نوفمبر، أكد امتلاكه معلومات موثوقاً بها مفادها أن عام 2025 سيكون من دون نظام الأسد، وهو ما تحقق فعلاً في 8 كانون الأول/ ديسمبر رغم أن الأجواء السائدة لم تكن توحي إمكان حدوثه.

وفسر مصدر قريب من الجهاز لـ”النهار” معلومات الشيخ على أنها نتيجة علاقته بقيادة التحالف الدولي لمحاربة تنظيم “داعش”.

وبحسب ما قال الشيخ لـ”النهار” في أول حديث له إلى وسيلة إعلامية منذ سنوات، فإن إسرائيل تستخدم موضوع وجود سلطة مصنفة ذات تاريخ متعلق بالإرهاب وتشكل تهديداً للأقليات، لكي تدخل الأراضي السورية برياً نحو العاصمة تحديداً.

 والهدف من ذلك هو توتير الأجواء مع تركيا للوصول إلى حافة الحرب  معها، في خطوة تستهدف استدراج تدخل مجلس الأمن لإصدار قرار يفرض انسحاب الطرفين من سوريا، وبالتالي قيام سلطة توافقية بحسب قرارات المجلس السابقة.

وأضاف: “لم تطلب الأقليات الحماية  من إسرائيل (باستثناء جهات يجري تشكيك في تبعيتها)، ومع ذلك تركز إسرائيل حالياً على الدروز وبشكل خاص في ضواحي دمشق (جرمانا)، ما يوحي رغبتها في الدخول إلى مناطق محيطة بدمشق والسيطرة على مداخلها ومطارها، مشيراً إلى أنها  ورقة ضغط سهلة ورخيصة جداً بعد دمار أسلحة الجيش بكاملها وحله، ولكنها ورقة ذات قوة سياسية كبيرة.

وقال من الناحية العملية لا توجد لدى إسرائيل وسائل ضغط أخرى لإخراج تركيا من سوريا عسكريا واستخبارياً، لافتاً إلى أن إسرائيل لم تقبل سقوط نظام الأسد التابع لإيران لكي تستبدل به نظام  الشرع الموالي لتركيا، والداعم – بحسب قوله- للجهاد الإسلامي وتحرير فلسطين (حماس) ما يجذب المجاهدين الإسلاميين من كل دول العالم إلى سوريا.

النهار العربي

——————————

تل أبيب تبتلع المزيد من أراضي سوريا.. تفرض احتلالًا وتعرض على المواطنين أعمالًا داخل إسرائيل

إبراهيم درويش

تحديث 05 أذار 2025

نشرت صحيفة “فايننشال تايمز” تقريرًا شارك فيه عددٌ من مراسليها، قالوا فيه إن سوريا يتم ابتلاعها من خلال التوسّع المستمر للجبهة الإسرائيلية الجديدة. وقالوا إن الجيش الإسرائيلي يستخدم الحفارات والدبابات والقنابل للسيطرة على أراضٍ سورية، وإعادة تشكيل الحدود.

وجاء في التقرير أن الدبابات الإسرائيلية تجول عند انقطاع التيار الكهربائي، شوارع مدينة البعث (سميّت أخيراً مدينة الشام) الرئيسية لِتُذكّر سكان المدينة أنهم ليسوا وحدهم.

وقد أصبح السكان المحليون معتادين على الدوريات الليلية التي دمّرت شوارعهم وأرصفتهم، وجرفت أراضيهم الزراعية، واخترقت بوابات المباني الحكومية المحلية التي شوهت حديثًا بشعارات غرافيتي جديدة بلغة لا يستطيعون قراءتها، أي العبرية.

ونقلت الصحيفة عن فاطمة، وهي معلمة في المدينة، عاصمة محافظة القنيطرة: “الدبابات في كل مكان. لم نعد نخرج ليلًا بسببها”.

ولكن هذه الدبابات لا تعود إلى حكام دمشق الجدد، ولا إلى أي من الفصائل المسلحة العديدة في البلاد، بل لإسرائيل. فمنذ الإطاحة بنظام بشار الأسد على يد الفصائل الإسلامية بقيادة الرئيس الحالي أحمد الشرع، في كانون الأول/ديسمبر، تقوم إسرائيل بحملة عسكرية عدوانية، حيث استولت على منطقة عازلة عمرها خمسة عقود “إلى أجل غير مسمى”، وقصفت ما تقول إنها أهداف عسكرية، واعتدت على مدن وقرى مثل مدينة البعث.

وفي الأسبوع الماضي، زاد قادة إسرائيل من التصعيد، وشجبوا قادة سوريا بأنهم “النظام الإرهابي للإسلام الراديكالي”، وهدّدوا بحملة عسكرية واسعة لو قامت قوات الحكومة بمهاجمة المجتمع الدرزي.

وكل هذه التهديدات، مع أن الإدارة السورية الناشئة بقيادة الشرع لم تصدر تهديدات ضد إسرائيل، أو قامت بأعمال استفزازية. وبخلاف هذا يسعى القادة الجدد للتواصل مع الغرب والقوى الإقليمية مؤكدين على أن تركيزهم لا ينصب على نزاع جديد، بل على إعمار البلاد وتوحيدها، بعد أكثر من 13 عامًا من الحرب الأهلية.

وتقول الصحيفة إن وراء الأفعال الإسرائيلية العدوانية خطة جديدة، على ما يبدو، لإعادة ترسيم الحدود، وبناء ميزان القوة الجديد مع جيرانها.

ففي أعقاب هجوم “حماس”، في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، عندما فشلت الجدران العالية، والقوات الجوية المتفوقة، ونظام الاستخبارات المتقدم، بمنع المسلحين من التسلل إلى جنوب إسرائيل، شرعت السلطات في توسيع وتقوية حدود إسرائيل بشكل كبير.

وقامت إسرائيل ببناء منطقة عازلة في داخل غزة، وسيطرت على خمس مواقع في داخل لبنان، وأرسلت قواتها إلى الضفة الغربية، ووضعتها في مخيمات اللاجئين، وأنشأت منطقة أمنية في جنوب-غرب سوريا. ونقلت الصحيفة عن مسؤول عسكري إسرائيلي قوله: “الدرس الأساسي هو أنك لا تستطيع السماح لجيش إرهاب على بابك”.

وتقول دارين خليفة، المستشارة البارزة في مجموعة الأزمات الدولية ببروكسل، إن إسرائيل “تعمل، وبشكل استباقي، على رفع الرهانات في المنطقة، وتحاول القضاء على أي مخاطر محتملة، وهي على استعداد لتحمّل الكثير من المخاطر في القيام بذلك، ودفع الحدود أكثر مما فعلت في الماضي”.

وتقول الصحيفة إن سكان مدينة البعث والمجتمعات المجاورة، التي يقطنها الآلاف من الناس يتحمّلون، العبء الأكبر.

فقد فرضت القوات الإسرائيلية احتلالًا فعليًا في قريتين على الأقل، ودمرت المباني الحكومية، وأجرت تعدادًا محليًا وسجلت بطاقات الهوية، بالإضافة إلى الاستيلاء على الأسلحة، وفقًا لسكان تحدثوا إلى الصحيفة. كما شاهد مراسلوها مواقع الدبابات الإسرائيلية والسواتر التي تم بناؤها حديثًا.

وبدأت القوات الإسرائيلية بتوزيع الطرود الغذائية على السكان، والتي تحتوي على الأرز والزيت والطعام المعلّب، إلى جانب البطانيات. وعرضت على المواطنين أعمالًا زراعية في داخل إسرائيل. وقد ترك هذا السكان أمام مأزق الموازنة بين حاجياتهم الأساسية، بعد سنوات من الفقر، ووصفهم بالخيانة، لو قبلوا.

وقال محمد، وهو شاب من بلدة الحميدية التي تتمركز فيها القوات الإسرائيلية: “إذا استمرت الأمور على هذا النحو، وإذا لم تنتعش الأعمال مرة أخرى ولم نحصل على أجورنا، فسيضطر الناس للعمل في إسرائيل، أليس كذلك؟” و”ما هو الخيار الآخر المتوفر لهم؟”.

ففي فترة الفراغ القصيرة التي أعقبت سقوط الأسد، شنت إسرائيل عدة غارات جوية على المواقع العسكرية السورية، حيث ضربت مئات الأهداف، بما فيها الأسلحة الثقيلة وأنظمة الدفاع الجوي والسفن البحرية، ما أدى إلى تدمير ما تبقى من جيش الأسد.

وفي السويداء، شاهدت “فايننشال تايمز” موقعًا عسكريًا تعرّضَ للقصف في كانون الأول/ديسمبر، ودمّرت مستودعات الأسلحة الخاصة به، وظهرت ذخائر غير منفجرة من بين الأنقاض.

وذهب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي شعر بالجرأة من سلسلة من النجاحات العسكرية ضد أعداء إسرائيل على مدى الـ 16 شهرًا الماضية، إلى أبعد من ذلك، في الشهر الماضي، وطالب “بنزع السلاح الكامل من جنوب سوريا”.

وبحسب تحليل “فايننشال تايمز” لصور الأقمار الاصطناعية، قامت القوات الإسرائيلية ببناء تحصينات ومواقع استيطانية، وتوسّعت في الدفاعات التي أقامتها العام الماضي. كما ضربت أهدافًا أخرى، بما في ذلك ما زعمت أنها أسلحة تابعة للنظام المخلوع في معقل الأسد الشمالي في القرداحة، يوم الاثنين.

وترى خليفة أن التعدي الإسرائيلي يمثل تهديدًا للحكومة الانتقالية السورية، و”يخلق المزيد من الضغوط العامة على السلطات في دمشق لتصبح أكثر عدوانية في صد الإسرائيليين، الأمر الذي لا يمكن إلا أن يغذي دائرة العنف”.

 وندد الشرع، الرئيس السوري المؤقت، بـ“التوسع العدواني” لإسرائيل في قمة جامعة الدول العربية، يوم الثلاثاء، ووصفه بأنه “تهديد مباشر للسلامة والأمن في المنطقة ككل”، وحذّرَ من أنه “سيقوّض استقرار المنطقة”.

إلا أن الحكومة الانتقالية، التي لم تنخرط رسميًا بعد مع جارتها، أظهرت القليل من القدرة أو الرغبة في مواجهة إسرائيل. ويخشى كثيرون في مجتمعات مثل مدينة البعث، حيث كان معظم السكان موظفين حكوميين في عهد الأسد، أن تعاقبهم الحكومة الجديدة لعدم وقوفهم مع الثورة.

ومن جانب آخر صوّرت إسرائيل جهودها العسكرية بأنها محاولة لحماية الطائفة الدرزية في جنوب سوريا. وقال وزير الدفاع يسرائيل كاتس، يوم السبت، إن إسرائيل “لن تسمح” لدمشق “بإيذاء الدروز”. وحذّرَ من أنه إذا حدث ذلك “فإننا سنتسبّب لها بالأذى”.

ورفض كثيرون من دروز سوريا تعهد نتنياهو بحمايتهم باعتباره حيلة. وقال يحيى الحجار، زعيم حركة رجال الكرامة الدرزية البارزة في السويداء: “تُدلي إسرائيل بهذه التصريحات لحماية نفسها، فهي تهتم بالأقليات، كما تدعي، من أجل الاستفادة منها”.

وقال الحجار، متحدثًا من منزله في قرية شنيرة في محافظة السويداء: “لم نطلب من نتنياهو أن يعتني بالدروز، نحن نرفض أي مشروع تقسيم يحاول فرضه على البلاد”.

القدس العربي

————————————

========================

رفع العلم الاسرائيلي في السويداء

تحديث 04 أذار 2025

=

——————————

القيادة السورية وامتحان الفتنة: قطع الطريق على إسرائيل.. وإيران/ منير الربيع

الإثنين 2025/03/03

أخطر ما يمكن أن تواجهه سوريا الجديدة، هو الغرق في مستنقع حرب طائفية، أو مصادرة السياسة وحصر القرار والتأثير بفئة واحدة، متناسقة ومنسجمة مع بعضها البعض. وأخطر ما يمكن أن تواجهه سوريا هو ما يكشف عنه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، من خلال إشهاره لمشروع إضعاف سوريا، وتقسيمها إلى كيانات أو دويلات طائفية ومذهبية، عبر اللعب على ورقة التناقضات. كل ذلك يسهم في تضييق الأفق أمام سوريا والسوريين. وكأن من أصبح اليوم في السلطة، أو يتحلق حولها تأييداً، يعيد تكرار تجربة “صراع المعارضات السورية” التي لم تنتح مشروعاً موحداً، ولا تزال إلى اليوم في حالة تجاذب وتصارع. مسؤولية ذلك تتوزع على أجزاء متعددة، أولها القيادة الجديدة، ثانيها المؤيدون لها، ثالثها النخب التي قضت عمرها في النضال المعارض ضد نظام الأسد، وتجد نفسها اليوم مطوقة أو منكفئة، ورابعها مختلف الفئات الشعبية التي لا يمكنها الاتجاه نحو تقديس الجديد، أو الاتجاه نحو المعارضة الجذرية معه، انطلاقاً من موقف ديني أو طائفي او مذهبي أو حتى سياسي.

اللعب الإسرائيلي

بمقدار ما يمكن للقيادة الجديدة أن تستقطب شرائح سياسية، اجتماعية، ثقافية، شعبية، بمقدار ما يتسع الأفق أمامها، وتقطع الكثير من الطرقات أو الزواريب التي يمكن للخارج الساعي إلى تدمير هذه التجربة، كما هو الحال بالنسبة إلى الإسرائيليين، الذين يمارسون اللعب على التناقضات الدينية أو الطائفية أو القومية أو العرقية، لجعل سوريا أرضاً للقلاقل والاهتزاز وانعدام الاستقرار، فلا يستقر حكم، ولا يتحقق أي تطور سياسي. هنا ليست إسرائيل وحدها التي ستكون مستفيدة من ذلك، ولا هي وحدها الساعية إلى زرع الشقاق والصراع وإعادة سوريا إلى ما يشبه المسار الفرنسي الذي سلكه الجنرال غورو، عندما قرر تقسيمها إلى دويلات طائفية ومذهبية.

أي توسيع لهامش المشاركة السياسية، وإن كان لفئات لا تلتقي مع هيئة تحرير الشام على المبدأ نفسه أو الاتجاه أو النزعة، يبقى فرصة يمكن للهيئة أو الإدارة الجديدة أن تستفيد منها، على قاعدة دياليكتية تتصل بأنه لا يمكن لأحد أن يلغي أحداً، بينما التفاعل وإن بين متناقضات يمكنه أن ينتج تنوعاً ضمن الوحدة، وضمن المشروع الواحد الذي يُفترض أن يبقي سوريا موحدة، بدلاً من دخولها في شرذمات متناثرة. لا سيما أن سلطة الرئيس أحمد الشرع اليوم لا تبدو مطلقة ولا كاملة، بينما هو يفرض سلطته في دمشق وبعض مناطق الشمال، إلا أن هناك الكثير من المناطق الاستراتيجية التي تبدو خارجة عن سيطرته، وهو لا يمكنه فرض تلك السيطرة عسكرياً، بل الطريق الوحيد إلى فرضها تبقى من خلال المشاركة السياسية والتفاهم، والالتقاء على مبدأ وثوابت، وإن لم يكن الالتقاء قائماً على كل التفاصيل.

الجنوب والشمال الشرقي

استمرار هذا التشتت، سيؤدي إلى إضعاف سوريا أكثر، وإضعاف سلطتها المركزية، خصوصاً أن الجنوب يبقى منطقة مفتوحة أمام الإسرائيليين وأمام جهات وفصائل متعددة ذات توجه يتناقض مع توجه الشرع، وذات حسابات ومشاريع مختلفة كلياً. في شمال شرق سوريا لا تزال “القنبلة” مع الأكراد قابلة للانفجار. في الوسط وتحديداً في حمص، هناك انعدام للاستقرار وحوادث يومية من عمليات القتل أو الثأر على خلفيات طائفية ومذهبية، والأمر نفسه بالنسبة إلى الساحل. هذه الوقائع، تسمح للإسرائيليين بالإشهار عن مشروعهم الخطر الذي يهدد سوريا ودول المنطقة ككل، وهم الذين يستعجلون فرض رؤيتهم السياسية ووقائعهم، بالاستناد إلى قوتهم العسكرية وتوغلهم، وبالارتكاز على التلاعب بالتناقضات الاجتماعية والسياسية السورية.

يستعجل الإسرائيليون التحرك، لإجبار الشرع على الحديث معهم، وفتح خطوط التواصل على وسعها. يشير ذلك إلى حجم التوتر الإسرائيلي من النظام الجديد في سوريا. ويظهر ذلك حجم تضرره من تغيير نظام الأسد، خصوصاً أنه اعتاد على مدى 50 سنة على آلية عمل نظام الأسد وعلى استقرار واضح. لكن الأكيد أن المشروع الذي يتحدث عنه الإسرائيليون ليس فيه أي نضج، فحتى الدروز غير جاهزين ولا مستعدين ولا مقتنعين بمشروع الانفصال أو الكيان الذاتي، بغض النظر عن بعض الآراء والاختراقات الإسرائيلية. لذلك فإن كل الادعاءات الإسرائيلية عن حماية الدروز تهدف إلى الضغط على دمشق لتطويعها وانتزاع ضمانات كثيرة منها، ولذلك يتحدثون دوماً عن عدم الثقة بالإدارة الجديدة لاستدراجها إلى تقديم المزيد من التنازل. وهو ما لا يمكن مواجهته إلا من خلال التركيز على الوحدة الوطنية السورية، وحماية التنوع والحرص عليه وهو أحد أهم الأهداف الاستراتيجية الذي يجب أن يكون لدى الإدارة الجديدة.

التقاطع مع إيران

وفي حال كانت إسرائيل تنظر إلى الفوضى في سوريا باعتبارها تصب في مصلحتها، فذلك يعني تقاطعاً للمصالح بينها وبين إيران، التي أيضاً من مصلحتها إشاعة الفوضى ومنع الشرع من تثبيت سلطته ووضعيته، لا سيما أن الفوضى ستمنح إيران فرصة لإعادة الدخول، فيعمل على تسجيل خروقات جديدة سعياً وراء إعادة فتح طرقاته ما بين العراق وسوريا، وما بين سوريا ولبنان. وهو سيركز حتماً على فتح قنوات اتصال مع فصائل مسلحة كثيرة، سواء كانت موالية له أو حتى معارضة، لكنه يعمل على إغرائها بالمال او السلاح، أو يعمل معها على قاعدة استغلال التناقضات.

الفوضى تسمح للإسرائيليين بمواصلة عمليات التوغل والقضم، كما هو الحال بالنسبة إلى لبنان، ومن الواضح أن تل أبيب تعمل على تكريس قواعد جديدة على حدود إسرائيل، مع غزة، في الضفة، ومع لبنان وسوريا، وهذه القواعد هي التمتع الدائم والمستمر بحرية التحرك. هو نموذج حدودي متحرك، يعطي اسرائيل هامشاً واسعاً من التحرك العسكري أو الأمني. لكنه سيعطي الآخرين مجالاً للتدخل والتوغل والتسلل مجدداً، ومثل هذا المشروع لا يمكنه أن يقف عند حدود سوريا فقط، بل سيطال دولاً أخرى من بينها لبنان، القابل لأن تتجدد الاشتباكات والمواجهات على الحدود بين البلدين.

المدن

—————————

ما هو ثمن إعادة توحيد سوريا؟/ عمر قدور

الثلاثاء 2025/03/04

هدأت الأوضاع في “جرمانا” الواقعة في جنوب دمشق، والتي تغلب عليها في الأصل الصبغة الدرزية، وتتواجد فيها السلطة إلى جانب فصائل محلية تتولى فعلياً ضبط الأمن منذ سقوط الأسد. بالتوازي مع الهدوء، أعلِن عن أسماء اللجنة المناط بها صياغة الإعلان الدستوري، ولم يكد المهتمون بالخبر يبحثون عن معلومات خاصة بتلك الأسماء، حتى تداولت وسائل الإعلام فقرات من الإعلان المنتظر صدوره لاحقاً، ما يعزز الانطباع بأن الإعلان العتيد مُعَدٌّ سلفاً، أقله ببنوده الأساسية وخطوطه العامة.

نظرياً، لا رابط بين الخبرين أعلاه، أما واقعياً فيجوز القول إن إطفاء فتيل أزمة ظهرت جرمانا، تلاه مباشرة تصرّف من المحتمل جداً أن يتسبب بأزمة أكبر على قاعدة الريبة إزاء نوايا السلطة، حتى إذا لم تتخذ أزمة الثقة على الفور مظهراً أمنياً كالذي حدث في جرمانا. لكننا لا نستطيع استبعاد الربط بين الوضع الأمني وما يحدث على الصعيد السياسي، فمن الملاحَظ كثرة الحوادث الأمنية منذ الإعلان عن لجنة مؤتمر الحوار الوطني، ثم انعقاده عملياً لساعات قليلة ثم الخروج بمقررات بدا أنها مُعدَّة سلفاً، فوق استثنائه عملياً المشاركة الكردية المُعترَف بها، ولا يُستبعد أن تكون مشاركة السويداء غير مُرضية لكتل وازنة فيها.

كانت كلمة الرئيس الشرع الافتتاحية في المؤتمر واضحة وحازمة فيما يخص احتكار السلاح من قبل الدولة، وهي رسالة موجَّهة إلى قسد في الشمال الشرقي، وإلى الفصائل المحلية في السويداء، بل أتت مقررات المؤتمر بمثابة تجريم لتلك الفصائل بإعلانها خارجة على القانون. هذا الحزم، المترافق بما يُنظر إليه كتهميش وإقصاء لبعض المجموعات السورية، فتح الباب أمام نتنياهو كي يطالب قبل عشرة أيام بنزع تام للسلاح بدءاً من جنوب دمشق، والقول أنه لن يسمح لقوات السلطة الجديدة بالتواجد جنوب دمشق.

ولم يكن مستغرباً أن يعود الجانب الإسرائيلي للّعب على تناقضات داخلية، لمناسبة التصعيد الذي حدث في جرمانا، فينشر بياناً مفاده أن نتنياهو ووزير دفاعه أوعزا للجيش الإسرائيلي بالاستعداد لحماية جرمانا. في المرتين صمتت السلطة عن التدخل الإسرائيلي الفظ، وبما يطعن على نحو صارخ بالكلام الخاص باحتكار السلاح (الذي صدر عن مؤتمر الجوار الوطني).

من المفهوم طبعاً عدم وجود إمكانية لمواجهة التصريحات والنوايا الإسرائيلية، لكن حال الضعف إزاء الخارج لا يجب أن ينقلب استقواءً على الداخل، فمثل هذه الوضعية للسلطة اختبرها السوريون من قبل، ولا تريد غالبيتهم الساحقة تكرارها. ولا يريد معظم السوريين أيضاً أن تُرضي السلطةُ الخارجَ كي يأذن لها بالتسلط على الداخل، فهذه أيضاً وصفة مجرَّبة، ورغم كونها مغرية بنجاحها على المدى القريب (وربما المتوسط) إلا أن مآلاتها كانت كارثية في كل البلدان التي اختبرتها.

اليوم، سيكون من التسرّع أن تنطلق السلطة (والسوريون عموماً) من أن وحدة سوريا بديهية وناجزة، بصرف النظر عمّن يحكمها وكيف سيحكمها. قبل ثلاثة شهور فقط كان الحديث عن خمس سوريات منفصلات، وما حدث منذ الثامن من كانون الأول المنصرم أن ثلاثاً منها صارت خاضعة للمركز في دمشق. الافتراض القائم على أن سقوط الأسد سيؤدي تلقائياً إلى إعادة توحيد البلد ليس هناك ما يؤيّده واقعياً، فمطالب قسد والإدارة الذاتية (السابقة على السقوط) هي ذاتها لم تتغير، ومطالب كتل وازنة في السويداء أيضاً لم تتغير عمّا كانت عليه قبل سقوط الأسد. بمعنى أن أيّاً منهما لم يُضف مطالب جديدة موجّهة إلى السلطة الحالية حصراً، أو على سبيل معاداتها، ويُستحسن مناقشة تلك المطالب بروحية تلحظ ذلك.

حتى الآن لا يوجد ما يدعم التكهنات حول تقسيم مستدام لسوريا، لكن إبقاءها فعلياً منقسمة بإرادة خارجية ممكن بسهولة. بقاء القوات الأميركية كفيل بتدعيم موقع قسد، وتل أبيب قادرة على استهداف أية قوات تتقدم في المنطقة “العازلة” التي تقرر حدودها. من السهل بناءً على ذلك تصوّر الحل بإرضاء قوى الخارج، أو اعتبار ذلك خياراً لا مهرب منه، وبالتالي لماذا تُقدَّم التنازلات خارجياً وداخلياً؟

مشكلة التساؤل (الذي يبدو منطقياً) أعلاه أنه يُقرّ سلفاً بانفصال السلطة وجعلها طرفاً في مواجهة المجتمع ككل، أو في مواجهة جزء أو أجزاء منه. أي أن السلطة بموجب ذلك تفقد طبيعتها التمثيلية، بوصفها سلطة جامعة، ولا يكون مطلوباً منها السعي إلى إرضاء الداخل أولاً وقبل أي اعتبار. هذا الإقرار بانفصال السلطة لا يلحظ حقيقة اندلاع الثورة على الأسد الذي كان أفضل نموذج له، والذين قاموا بالثورة (أو استفادوا من اندلاعها) لم يطرح أحد منهم تقسيم سوريا، بل الاختلاف هو على طبيعة الحكم فيها.

تخوين أية جماعة سورية على قاعدة الاختلاف هو أسوأ ما يمكن فعله لتعميق الخلافات أولاً، ولإعطاء فرصة أفضل للخارج كي يستقوي ويفرض شروطه. ومن المؤسف أن موالين للسلطة الحالية لم يقصّروا في تخوين أهالي السويداء ثم جرمانا، وبكلام منسوخ عن موالي الأسد عندما كانوا يتهمون المعارضة بالعمالة لإسرائيل. هذا سلوك يؤذي السلطة التي احتوت الأحداث الأخيرة بأفضل مما يريد أصحاب الرؤوس الحامية، لكن من الجيد لو أنها لا تكتفي فقط بدور الإطفائي عند الضرورة، ولو أنها تستبق الحرائق أو لا تسمح بإشعالها.

استفادت السلطة في الأسابيع الأولى من زاوية مقارنتها مع أسوأ سلف، ومع المتخيَّل عن سلطة إسلامية متزمتة، ونجاحها في ذلك لا يعفيها من استحقاق إدارة البلد، الاستحقاق الذي يُقاس النجاح والفشل فيه بمعايير مختلفة تماماً. وحتى الآن لم تقدّم السلطة نموذجاً يجتذب أولئك الذين لا يعيشون تحت سيطرتها، وإذا كان جزء من الفشل في إدارة الملف المعيشي يرجع إلى الانهيار الاقتصادي والمالي السابق فإن نوايا السلطة المتعلقة بالمستقبل، والتي ظهرت طلائعها بمؤتمر الحوار، ثم بتعيين لجنة صياغة الإعلان الدستوري، وما تسرب عن الأخير؛ هذه جميعاً إشارات غير مشجِّعة للمطالبين بحقوق مواطنة كاملة متساوية للجميع، وبنظام ديموقراطي تداولي، سواء كانوا مقيمين تحت سيطرة المركز أو خارجه.

لعل السير بالنموذج الديموقراطي للمواطنة هو الأساس الواقعي الوحيد لتوحيد البلد، إذا لم تنعقد النية على توحيدها بالقوة التي تتطلب موافقة الخارج وإرضاءه. وسيكون مضيعةً للوقت الدخولُ في جدال غير مثمر حول أولوية التوحيد على ما عداه، خصوصاً مع الاستعجال الذي تدير به السلطة العديد من الملفات العامة الحساسة، والتي لا تنتظر لأجلها توحيد البلد. إن ثمن التوحيد يُدفع للخارج فقط، وتحصين الداخل بالمواطنة والمشاركة ليس ثمناً، وليس مطلوباً لمقارعة الخارج، بل هو مطلوب أصلاً لذاته، ومن أجل عموم السوريين. لعل أفضل سبيل لاحتكار الدولة السلاح هو ألا تحتكر السياسة.

المدن

————————-

وصفة انتحار سورية بقنبلة طائفية/ سميرة المسالمة

الإثنين 2025/03/03

الشعور بالتفوق الطائفي يتنافى تمامًا مع تحقيق السلم الأهلي، وهو ما أكده الرئيس أحمد الشرع منذ اليوم الأول لبدء عملية ردع العدوان. فحقن الدماء وتسليم السلطة بأقل الخسائر، كان نتيجة طبيعية لسياسة التحرير المتبعة من حلب إلى دمشق. ولو أن سياستها اعتمدت على التفوق الطائفي أو العرقي خلال مسيرتها إلى دمشق عبر القرى والمدن والمناطق المترامية، لكانت سوريا غارقة في دماء أبنائها.

ومع ذلك، رغم تكرار الحديث عن السلم الأهلي من قبل الرئيس، فإن هذه الرسائل لم تصل إلى جميع السوريين، سواء من العاملين تحت إمرة الحكومة السورية أو من معارضيها، وبالرغم من محدودية المناطق التي تشهد اشتباكات (تحت مسمى طائفي) بين الجهتين، وتصوير الأمر على أنه نتيجة تصاعد الحس الطائفي لدى بعض الأفراد غير المنضبطين، سواء من العلويين أو السنّة، واختلاف الروايات وأسبابها، إلا أنه يبقى تهديدًا حقيقيًا للسلم الأهلي. ولذا، فإن إبقاء الوضع من دون معالجة جذرية يجعل الطائفية قنبلة مؤقتة قابلة للانفجار في أي لحظة.

إنّ استمرار المناوشات المسلحة في سوريا من دون معالجة حقيقية يعكس خللاً عميقًا في بنية المجتمع والسياسات المتبعة. علاوة على ذلك، فإن إضفاء صبغة طائفية على الاشتباكات ليس مجرد تداعٍ جانبي للصراع، بل هو جزء من الأدوات المستخدمة في النزاع، سواء عن قصد أو بحكم الظروف. لذلك، عندما يُحاسب المجرم بصفته فردًا وليس ممثلًا لطائفته، تنهار أولى حجج الخطاب الطائفي. إذ أن عدم وضع آلية واضحة للمحاسبة وتطبيقها بعدالة، يترك البلاد في حالة من الترقب الدائم لاحتمالية اشتعال فتيل الفتنة، مما يهدد أي جهود لإرساء الاستقرار وبناء مجتمع متماسك.

علاوة على ذلك، لا يكمن الحل فقط في ضبط الأفراد المنفلتين أو معاقبة مرتكبي الجرائم أو حتى في التنديد الخطابي بمخاطر الطائفية، بل يتطلب الأمر التزامًا واضحًا بمبادئ العدالة والمساءلة. وعلى وجه الخصوص، فإن من يحسب نفسه على السلطة السورية أو مؤيدًا لها، يجب أن يلتزم بما أقرته الدولة من قوانين بهذا الشأن، وتسليم أمر العدالة إليها، بدلًا من أن يحاول استبدال سلطة قمعية بأخرى تستخدم ذات الأدوات.

ومن ناحية أخرى، فإن النشاط على وسائل التواصل الاجتماعي قد يبدو عملًا فرديًا، لكنه، في حال تجاوزه حدود الرأي إلى التحريض الطائفي، لا يقل خطورة عن العمل المسلح، بل قد يكون هو الدافع الرئيسي له. على سبيل المثال، فإن الدعوات الشعبوية غير البريئة لاستخدام العنف ضد أي فئة مجتمعية، مثل المطالبات باستخدام الكيماوي ضد (العلويين)، ردًا على استخدام بشار الأسد للكيماوي ضد أهلنا في الغوطة ومناطق أخرى، تمثل خطرًا جسيمًا. إذ تساوي بين سلطة جاءت بانتصار ثورة قدّم الشعب السوري في سبيلها تضحيات جسام، وبين سلطة الأسد التي مارست القمع والقتل.

مثل هذه الطروحات المشبوهة تخدم النظام المخلوع وعملاءه، وليست سوى وصفة انتحار بقنبلة طائفية.

إضافة إلى ذلك، ومع وجود جيوب خارج سيطرة الدولة، سواء لأسباب قومية أو دينية أو بسبب محاولات التفاوض على تقاسم السلطة، فإن إنكار العامل الخارجي في تأجيج الصراع يعد ضربًا من السذاجة. فمن غير الممكن إغفال دور القوى الإقليمية والدولية في تغذية النزاع، إذ أن بعض الجماعات المتمردة لا تتحرك بدوافع مذهبية أو دينية فقط، بل تتداخل المصالح الخارجية مع الديناميكيات الداخلية، مما يجعل أي جهود محلية من جهة الدولة فقط لحل الأزمة غير كافية، إذ لا بد من وجود إرادة وطنية حقيقية لدى كل الأطراف في الجنوب من فصائل حوران، وفي السويداء من الفصائل الدرزية، وفي الساحل من العلويين، وفي الشمال الشرقي من الأكراد، ترفض أي تدخلات تعزز الانقسام وتُكرّس الفرقة بين أبناء الوطن، ومن دون ذلك فإن يد الحكومة وحدها لن تصفق للسلام المنشود.

ومن هذا المنطلق، تبرز أهمية السرعة في إعادة صياغة العقد الاجتماعي السوري على أسس المواطنة المتساوية، بحيث يكون الانتماء الوطني هو الرابط الأساسي بين أبناء المجتمع، وليس الهوية الطائفية أو العرقية. وهذا الأمر يستدعي بالضرورة إصلاحًا سياسيًا جادًا يتمثل في إعلان دستوري واضح وتشكيل حكومة شاملة تضمن مشاركة جميع المكونات من دون تمييز، فضلًا عن إعادة بناء المؤسسات لتكون محايدة وعادلة في تعاملها مع جميع المواطنين.

في النهاية، لا تقتصر محاربة الطائفية على مسؤولية جهة واحدة، بل هي مسؤولية المجتمع بأسره. كما أنه لا يمكن القضاء عليها بالقوة فقط، بل يجب أن يكون ذلك من خلال الفكر، والإعلام، والقانون، والتربية. وعندما يشعر جميع المواطنين أن القانون يحميهم، فلن يكونوا بحاجة إلى طوائفهم لحمايتهم. ما يعني أن تقوم المحاسبة على أساس الجريمة لا الهوية. فالطائفية لا تنمو إلا عندما تجد من يروج لها، ولذلك، يجب أن تخضع وسائل الإعلام والخطاب الديني والسياسة لضوابط صارمة تمنع التحريض الطائفي، فالتساهل مع هذا الخطاب يعني أن الفتنة ستجد طريقها إلى العقول التائهة والمستَفزَة.

ولعل خير مثال على ذلك ما حدث في ألمانيا، حيث أدى تجريم الخطاب العنصري بعد الحرب العالمية الثانية إلى تحجيم الفكر النازي ومنع تكرار الكارثة. وعلى غرار ذلك، فإن تحقيق السلم الأهلي في سوريا يتطلب خطوات جريئة على كافة المستويات، تبدأ بالاعتراف بالمشكلة، مرورًا بوضع حلول عملية وعادلة وسريعة، وليس انتهاءً ببناء ثقافة وطنية جامعة تتجاوز الانقسامات الضيقة.

وحده هذا النهج يمكن أن يضمن مستقبلاً مستقرًا للأجيال القادمة، ويمنع إعادة إنتاج دوامة العنف والانقسام التي يراهن عليها النظام السابق، كما تراهن عليها قوى إقليمية ودولية تسعى لإطالة أمد النزاع لتحقيق مصالحها، وتلك المصالح التي قد تكون المسافة إليها، أقرب إلينا من حبل الوريد.

المدن

————————-

إسرائيل تستثمر في أحداث جرمانا لإضعاف الدولة السورية/ محمد أمين

03 مارس 2025

منذ سقوط نظام بشار الأسد في الثامن من ديسمبر/كانون الأول الماضي، باتت سورية ساحة أساسية لتدخلات الاحتلال الإسرائيلي، الذي استهدف بعمليات قصف عنيف ترسانة الجيش السوري العسكرية بهدف منع قيام جيش قوي في المستقبل، بالتوازي مع التدخّل بشكل مباشر في الجنوب السوري. ولم يكتف الاحتلال بذلك، بل يعمل على استغلال مسألة الأقليات المذهبية والعرقية في سورية في محاولة لتقويض الإدارة الجديدة في البلاد، والدفع نحو تقسيم سورية تحت مبرر حماية الأقليات وتحديداً الدروز منهم. حماية لم يطلبها أي طرف سوري، بل إن الاحتلال هو من يروّجها في سياق مخططه لتفتيت سورية وإضعاف قيام دولة قوية قد تكون نداً له في المستقبل. وفي هذا الإطار، استغل الاحتلال أحداث جرمانا خلال اليومين الماضيين ليهدد بالتدخل حال “المساس بالدروز في جرمانا”.

وشكّلت أحداث جرمانا والتوترات في المدينة الواقعة على الأطراف الجنوبية الشرقية لدمشق فرصة لإسرائيل لمزيد من التدخل في الوضع السوري، عبر التحرك بادعاء حماية الدروز، وهو أمر تؤكد المرجعيات الدرزية رفضه، مع تحركها لاحتواء الوضع وعدم ترك أي مبرر للاحتلال لاستغلال الظروف القائمة. وتبذل الإدارة السورية الجديدة وفعاليات أهلية وعسكرية ومجتمعية من محافظة السويداء، جنوبي البلاد، جهوداً لاحتواء أحداث جرمانا عقب اشتباكات بين عدد من “الخارجين عن القانون” وقوى الأمن التابعة لوزارة الداخلية. وتسعى هذه الفعاليات إلى قطع الطريق نهائياً أمام إسرائيل التي تحاول اللعب على وتر الأقليات في سورية واتخاذ أي توتر في الجنوب السوري لمواصلة التدخل في هذا الجنوب.

فقد احتل الجيش الإسرائيلي، منذ سقوط الأسد، مواقع استراتيجية في المنطقة العازلة بعد نسف اتفاقية “فك الاشتباك” (1974) التي ظلت سارية خمسين عاماً، في مسعى لتحويل الجنوب السوري كله إلى منطقة عازلة منزوعة السلاح، خالية من أي وجود للجيش السوري الجديد، وهو ما أعلنه رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بصراحة في كلمة الثلاثاء الماضي. وقال إن الجيش الإسرائيلي سيبقى في جنوب سورية “في المستقبل المنظور”، و”لن نسمح بوجود تنظيم هيئة تحرير الشام أو أي جيش سوري جديد في المنطقة الواقعة جنوب دمشق”، مضيفاً: “ستكون جنوب سورية منطقة منزوعة السلاح”. كما بدأت إسرائيل أخيراً في الترويج الإعلامي لمخطط يحمل اسم “ممر داود”، يقوم على اقتطاع شريط على طول الحدود السورية الجنوبية والشرقية وصولاً إلى مناطق يسيطر عليها مسلحون أكراد في شمال شرق سورية.

وكانت وكالة رويترز قد نقلت قبل أيام عن أربعة مصادر مطلعة أن إسرائيل تضغط على الولايات المتحدة لإبقاء سورية ضعيفة ومفككة من خلال السماح لروسيا بالاحتفاظ بقاعدتيها العسكريتين في طرطوس وحميميم باللاذقية لمواجهة النفوذ التركي المتزايد في البلاد. وذكرت ثلاثة مصادر أميركية وشخص آخر مطلع على الاتصالات، وفق “رويترز”، أن إسرائيل نقلت وجهات نظرها إلى كبار المسؤولين الأميركيين خلال اجتماعات في واشنطن في فبراير/شباط الماضي، واجتماعات لاحقة في إسرائيل مع ممثلين في الكونغرس الأميركي. وقالت المصادر إن مسؤولين إسرائيليين عبّروا لمسؤولين أميركيين عن قلقهم من أن الحكومة الجديدة قد تشكل تهديداً خطيراً وأن الجيش السوري الجديد قد يهاجم إسرائيل في المستقبل.

أحداث جرمانا

ساد مدينة جرمانا، صباح أمس الأحد، هدوء حذر بعد يومين من التوتر الذي تخللته اشتباكات بين من وُصفوا بـ”الخارجين عن القانون” وعناصر من إدارة الأمن العام في وزارة الداخلية، أدت إلى مقتل وإصابة عدد من الأشخاص بينهم مدنيون. واستدعت الأحداث في المدينة تدخّل وفد ضم قيادات من الفصائل المحلية في محافظة السويداء قدم إلى جرمانا بهدف احتواء التوتر، والتوصل إلى تهدئة مع الإدارة في دمشق. وكانت أحداث جرمانا قد تصاعدت، منذ مساء الجمعة الماضي، عقب شجار في ساحة السيوف بين عدد من الأشخاص أدى إلى إصابة شخص من عائلة قبلان في المدينة، جرى نقله إلى مستشفى في العاصمة، وحدوث احتكاك مع عناصر من الأمن العام هناك.

أدى انتشار الشائعات وحملات التحريض على وسائل التواصل الاجتماعي إلى محاصرة مجموعة أهلية أخرى مخفر المدينة، الذي جرى تفعيله حديثاً من قِبل وزارة الداخلية بموافقة الفعاليات الاجتماعية والدينية في المدينة، وفق شبكات محلية أشارت إلى هذه المجموعة طردت عناصر المخفر بعد تجريدهم من أسلحتهم. وبحسب مصادر محلية، فقد اعتدت مجموعة مسلحة تطلق على نفسها اسم “لواء درع جرمانا” على عناصر من الجيش السوري، أول من أمس السبت، ومنعتهم من دخول المدينة بأسلحتهم. ووفق ما نقلته وكالة الأنباء السورية “سانا” عن مدير مديرية أمن ريف دمشق المقدم حسام الطحان، فإنه “أثناء دخول عناصر تابعين لوزارة الدفاع إلى جرمانا بهدف زيارة أقاربهم، جرى إيقافهم عند حاجز يتبع لما يُعرف بدرع جرمانا ومنعهم من الدخول بسلاحهم”. وأضاف الطحان أنه “بعد تسليم عناصر وزارة الدفاع أسلحتهم، تعرضوا للضرب والشتائم من قبل عناصر الحاجز، قبل أن تُستهدف سيارتهم بإطلاق نار مباشر. وعلى خلفية حادثة إطلاق النار من حاجز في جرمانا، قتل أحد العناصر على الفور، فيما أصيب آخر وأسره عناصر الحاجز”.

في سياق تطورات أحداث جرمانا نقلت “سانا”، مساء أمس، عن الطحان قوله إن “قواتنا بدأت الانتشار داخل مدينة جرمانا، وذلك بعد رفض المتورطين في اغتيال الشهيد أحمد الخطيب، العامل في وزارة الدفاع، تسليم أنفسهم”، مضيفاً: “سنعمل على إلقاء القبض عليهم لتقديمهم للقضاء العادل”. وشدد على أن القوات “ستعمل على إنهاء حالة الفوضى والحواجز غير الشرعية التي تقوم بها مجموعات خارجة عن القانون امتهنت عمليات الخطف والقتل والسطو بقوة السلاح”، لافتاً إلى أن “المسلحين الخارجين عن سلطة الدولة رفضوا جميع الوساطات والاتفاقات، ونحن بدورنا أكدنا أنه لن تبقى بقعة جغرافية سورية خارج سيطرة مؤسسات الدولة”. وتابع: “لمسنا من أهالي مدينة جرمانا تعاوناً كبيراً في هذا الشأن”.

وأعلن شيوخ ووجهاء مدينة جرمانا، في بيان أول من أمس، رفع الغطاء عمن وصفوهم بـ”الخارجين عن القانون”. وقال شيخ مدينة جرمانا أبو عهد هيثم كاتبة، خلال لقائه وفداً جاء من محافظة السويداء، إن “جرمانا جزء لا يتجزأ من سورية الأم، ودمشق ستبقى قبلتنا”، مشدداً على أن أهالي جرمانا متفقون على ضرورة محاسبة المسؤولين عن الحوادث الأخيرة. كما أكد مشايخ وأهالي جرمانا، في بيان في اليوم نفسه، أنهم قرروا “رفع الغطاء عن جميع المسيئين والخارجين عن القانون”، و”العمل على إعادة تفعيل مركز ناحية جرمانا وبأسرع وقت وبكفاءات قادرة على إدارة الواقع بحكمة واقتدار”. كما شددوا على أن “جرمانا وعبر تاريخها لم تكن يوماً إلا جزءاً من غوطة دمشق، ولن يكون لها يوماً عمق آخر غير العمق الدمشقي والسوري”، مضيفين أن “جرمانا، التي طالما تغنت بأنها سورية الصغرى ومدينة السلم الأهلي والعيش المشترك، لن تدخر فعالياتها الاجتماعية والروحية وعقلائها جهداً في الحفاظ على هذه الصورة بجميع الوسائل المتاحة”.

استغلال إسرائيلي

جاءت تلك البيانات رداً على محاولة الجانب الإسرائيلي استغلال أحداث جرمانا لمزيد من التدخل في الشأن الداخلي السوري تحت مزاعم “حماية الدروز”، التي يتخذ منها مدخلاً لاحتلال أراض سورية وفرض واقع جديد في جنوب سورية. وتعد جرمانا بلدة متنوعة ديمغرافياً، إذ تضم اليوم نسيجاً سكانياً من أغلب المحافظات السورية، إلا أنها مركز للدروز في محيط دمشق إضافة إلى بلدة صحنايا. وجاء في بيان لديوان نتنياهو أن رئيس الحكومة ووزير الأمن يسرائيل كاتس أصدرا تعليمات للجيش بحماية سكان جرمانا، التي تقع على بُعد حوالي 60 كيلومتراً من الحدود الإسرائيلية. وأضاف البيان، مساء أول من أمس، أن “الجيش الإسرائيلي سيضرب السلطات السورية في حال مساسه بالدروز في جرمانا”، مضيفاً أن “إسرائيل لن تسمح للنظام الإسلامي المتطرف في سورية بالمساس بالدروز”، على حد وصف البيان. من جهته، هدّد كاتس، مساء السبت، بالتدخل عسكرياً في سورية ضد قوات دمشق “إذا أقدمت السلطات على المساس بالدروز”.

جهود لاحتواء التوتر

تتعامل الإدارة السورية الجديدة بـ”هدوء” وحذر مع ملف الجنوب السوري نظراً إلى تعقيدات الموقف. وبحسب مصدر مقرب من الإدارة تحدث لـ”العربي الجديد”، تبذل هذه الإدارة جهوداً حثيثة لـ”احتواء التوتر في جرمانا والسويداء وعدم منح أطراف خارجية أي ذريعة للتدخل في الشأن السوري”. وأشار إلى أن الإدارة السورية “حريصة على التعامل مع هذه المواقف بكل سعة صدر من منطلق الحرص على الوحدة الوطنية واحترام التنوع الموجود في البلاد”، مضيفاً أن “الإدارة بصدد تفعيل حوار للخروج من الحالة الطائفية إلى الحالة الوطنية”. تعليقاً على أحداث جرمانا الأخيرة، رأى الأكاديمي السوري المنحدر من محافظة السويداء يحيى العريضي، في حديث مع “العربي الجديد”، أن احتواء الموقف يتطلب “تحكيم العقل والحكمة باتقاء ما يُبثّ في وسائل التواصل الاجتماعي من معلومات مغلوطة وغير صحيحة تعكس تشوّه الوعي والمواقف الرعاعية”. كما دعا العريضي إلى “عدم الانسياق وراء تصريحات المحتل (إسرائيل) الذي يعنيه دمار البلد بعد أن خسر منظومة الأسد العميلة”، مضيفاً: “السوريون ليسوا مسؤولين عن تصريحات نتنياهو أو غيره”.

واعتبر العريضي أن “المستجدات في المنطقة الجنوبية وفي جرمانا ليست مسؤولية محلية، بل مسؤولية وطنية”، مشدداً على أنه “عوضاً عن مطالبة المجتمع الأهلي بمواقف رسمية، يجب النظر في غياب موقف واضح من الحكومة المؤقتة، والقلق من عدم تحملها مسؤوليتها باتخاذ الموقف السياسي المناسب”.من جهته، رأى الباحث السياسي حازم نهار، في حديث لـ”العربي الجديد”، أنه “لا توجد مشكلة خاصة بالدروز في سورية”، وعلى ذلك، فهو لا يتفق مع استخدام مصطلح “الملف الدرزي”، منبهاً إلى “خطورة استخدام مثل هذا التعبير أو ما يماثله”.

وأضاف أن هناك “استحقاقات سياسية مطلوبة على مستوى الوطن السوري كله، وهذه الاستحقاقات تحتاج إلى حل سياسي”، موضحاً أن “الحلول العسكرية والأمنية قاصرة وخطرة، ولن يكتب لها النجاح في حصر السلاح بيد الدولة والحفاظ على السلم الأهلي”. وبرأي نهار، فإن “الحل المطلوب هو حل سياسي، وهذا بيد السلطة بشكل أساسي”، مشيراً إلى أن “المؤتمر الوطني السوري (اختتم الثلاثاء الماضي) كان فرصة مهمة لإنتاج هذا الحل لكنها ضاعت”. لذلك فباعتقاد نهار، “يفترض أن يقدم الإعلان الدستوري أساسيات هذا الحل السياسي: التعهد ببناء نظام سياسي ديمقراطي لا مركزي، التعهد ببناء جيش وطني سوري لا يتدخل في الحياة السياسية، إنشاء الهيئة السورية للعدالة الانتقالية، التعهد بأن يصاغ الدستور المقبل من قبل جمعية سورية تأسيسية منتخبة”.

العربي الجديد

———————————-

سورية الجديدة في خطر/ غازي دحمان

03 مارس 2025

تأتي تصريحات رئيس حكومة إسرائيل، بنيامين نتنياهو، عن سورية في سياق أوضاع غير طبيعية، إذ يحضّر من فاعلين إقليميين ومحلّيين، لتغيير البيئة الإستراتيجية لسورية مقدّمةً لتغيير الواقع في الشرق الأوسط، في ظروف إقليمية هشّة، تزيدها هشاشةً محاولةُ إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب تحويل إسرائيل محوراً للنظام الإقليمي الجديد، ومنحها مساحةً للتحرّك لتحقيق هذا الهدف.

لا تسير الأوضاع في سورية صوب الوحدة والاستقرار، ولا يبدو أن مخرجات هذه المرحلة ستؤدّي إلى إخراج سورية من دوّامة الفوضى والضياع، وليس من الصعب أن يكتشف المراقب تحت سطح الأحداث ألعاباً ومخاطرَ يجري التحضير لها، وليست تصريحات نتنياهو بخصوص جنوب سورية (ثم الدروز في ضاحية جرمانا في دمشق)، التي تنقل الأطماع الإسرائيلية إلى طور التنفيذ العملي مقطوعة من السياق الحاصل في سورية.

بات واضحاً أن هناك عملية تأثيث لمشروع خطير يجري العمل فيه بمشاركة فاعلين محلّيين، تصريحات مسؤولي الحكومة الإسرائيلية جاءت في سياق إجراءات يقوم بها، إذ تجمع إسرائيل بيانات من أهالي القرى التي تحتلّها في القنيطرة وجنوب غربي درعا، تشمل حاجة هذه القرى للخدمات والمدارس والأوضاع الاقتصادية للسكّان. وتحدّثت مصادر إسرائيلية لصحيفة إسرائيل هيوم عن مقترح يمنح السكّان السوريين في المناطق التي تسيطر عليها إسرائيل أو تقع ضمن نطاق سيطرتها الأمنية تصاريح عمل لدخول الأراضي الفلسطينية المحتلّة للعمل صباحاً والعودة مساءً، في ظلّ حاجة إسرائيل إلى العمالة بعد منع فلسطينيي غزّة والضفة الغربية من العمل فيها، والواضح أن السبب الأكثر أهميةً ربط سكّان المناطق السورية مصلحياً واقتصادياً بإسرائيل، لتأمين بيئة مؤيّدة للوجود الإسرائيلي الدائم.

ما طلبه نتنياهو من إخلاء جنوبي سورية من القوات العسكرية للنظام الجديد، ومنع الجيش السوري الجديد من دخول المناطق الواقعة جنوبي دمشق، بمثابة إعلان منطقة محرّمة، مثل المناطق التي فرضتها الولايات المتحدة على الجيش العراقي بعد حرب الكويت، مع فارق مهمّ يتعلّق بالمسافة، إذ لا تبعد القوات الإسرائيلية أكثر من بضع عشرات الكيلومترات من دمشق، كما أنها باتت تتحكّم بقمّة جبل الشيخ، التي ترصد المنطقة جنوبي دمشق بشكل كامل، بما يتيح لها نيرانياً استهداف كلّ تحرّكات القوات السورية، وفرض حصار عليها داخل دمشق.

يريد نتنياهو من ذلك استمرار حالة الفراغ في جنوب سورية، وتحويل القوى المحلّية الموجودة في جنوبي سورية إلى قوى أمر واقع، يسهل ابتزازها وتطويعها، وإعادة تجربة جيش لحد في جنوب لبنان، لتشكيل عازل عما يعتقده نتنياهو مصادر خطر آتية من دمشق المتحالفة مع أنقرة، التي تعتبرها إسرائيل عدوّها الحقيقي في المرحلة المقبلة، وهو ما يتقاطع مع طموحات ومخاوف فاعلين في جنوبي سورية، وليس صدفةً تزامن هذه التصريحات مع إعلان بعض فصائل السويداء تأسيس مجلس عسكري، وتأكيد مصادر من قيادة المجلس التنسيق مع قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في شرقي سورية (صحيفة النهار).

ويبدو أن تصريحات نتنياهو جاءت بعد تواتر أنباء عن احتمال سحب القوات الأميركية من شرقي سورية، الأمر الذي يضع الإدارة المحلّية الكردية تحت ضغط تفاوضي، ويدفعها لتقديم تنازلات كبيرة تخصّ التراجع عن مشروع الحكم الذاتي، وهو أمر لا يتساوق مع تصوّرات إسرائيل لشكل سورية المستقبلي، والتي تتمحور حول تقسيمها بين خمسة كيانات (كما أُعلِن في الإعلام الإسرائيلي)، في الجنوب والشرق والغرب والشمال، تقوم على أسس طائفية وعرقية.

والواضح أن نتنياهو لا يرغب في التوصّل إلى توافقاتٍ في سورية واستتباب الأمر لحكومة دمشق، ويرغب في تصريحاته وإجراءاته بمنح بعض الفاعلين المحلّيين الزخم للسير في مشاريع تقسيم سورية، أو على الأقلّ بإعطائهم أوراق تفاوض قوية في مواجهة حكومة دمشق تدفعها إلى القبول بالحلّ اللامركزي، وواضحٌ أن مناورات الفاعلين المحلّيين، ورفضهم الاندماج ضمن هياكل الجيش السوري، ليست سوى محاولة لإنضاج الأوضاع لمصلحتهم إلى حين يصبحون في موقف أقوى يمكّنهم من خلاله من تحقيق طموحاتهم في الانفصال، دع عنك ما تقوله هذه الأطراف عن رفضها الانفصال، وإنها تنتظر حتى تصبح سورية دولة مدنية كي تندمج ضمن هياكلها وأطرها، هذه ليست سوى عملية شراء للوقت باتت مكشوفة.

من جهة ثانية، تتكئ جميع الأطراف التي ترفض (حتى اللحظة) الانخراط في الدولة السورية الجديدة، ولديها قابلية للانخراط في مشاريع جيوسياسية مؤذية لسورية، على سوء إدارة النظام السوري للوضع الداخلي، فتسعى الإدارة السورية، عبر تحكّم دائرة صغيرة، إلى تصميم نظام ديكتاتوري عبر حصر سلطة القرار بيد فئة محدّدة، والتحكّم بمخرجات المرحلة الانتقالية، وتصميم سورية المستقبلية وفق رؤى وتصوّرات محدّدة، ومن يطّلع على وقائع إجراء مؤتمر الحوار الوطني وطريقة الإعداد له ونوعية المدعوين، ثمّ دور هذا المؤتمر وفاعليته، يكتشف ببساطة حقيقة ما يجري في سورية من عبث سياسي وإداري.

دخل الوضع في سورية مرحلة الخطر الجدّي وبات يتطلّب من الإدارة الجديدة تصميم مقاربة أكثر وعياً وإدراكاً للبيئة الاستراتيجية والخروج من منطق الإدارة بالعواطف التي يغلب عليها طابع السذاجة، والفرح الطفولي بالدعوات والاستقبالات الخارجية، فيما يجري التحضير لطبخة خبيثة، إن حصلت، لن يكون مجرد الحديث عن مؤامرة خارجية كافياً، كما لن ينفع التلطي خلف هذا المبرّر حينها.

العربي الجديد

—————————-

سورية أمام بناء الدولة… ابتزاز أميركي وتهديد إسرائيلي/ لميس أندوني

02 مارس 2025

فيما تستمرّ تهديدات إسرائيل بإعادة تشكيل خريطة المنطقة العربية، يبشّر المبعوث الخاص للبيت الأبيض إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، بأن الظرف أصبح ملائماً لأن تنضمّ سورية ولبنان إلى الاتفاقيات الإبراهيمية، التي أبرمتها إسرائيل مع الإمارات، وتبعتها البحرين، ثمّ المغرب والسودان في عام 2020. وذلك فيما تتحدّثان، واشنطن وتل أبيب، وكأنّ توغل الجيش الإسرائيلي في الأراضي السورية، وضمّ هضبة الجولان المحتلّة إلى الدولة الصهيونية، وتدمير جنوب لبنان، كانت رسائلَ سلام ووئام. وتؤكّد تصريحات ويتكوف غير المستغربة أن عدم مبالاة واشنطن بالقصف والانتهاكات الإسرائيلية للأراضي السورية، واستمرار توسّع الجيش الصهيوني في لبنان، خلافاً لاتفاق وقف إطلاق النار، تكمّل بعضها. فأميركا تستثمر القوة الإسرائيلية لتملي شروط التطبيع على سورية ولبنان، مستفيدةً من اندحار النفوذ الإيراني، والضربة القاسية التي تلقّاها حزب الله. وإسرائيل تعرف جيّداً أنّ لا لبنان ولا سورية يشكّلان تهديداً لها، لكنّها فرصة للتمدّد وبسط الهيمنة بدعم أميركا.

لا أحد ينتظر من الإدارة الجديدة في دمشق الدخول في مواجهة عسكرية مع إسرائيل، ولا من لبنان إعلان حرب على من عاث بأراضيه وجنوبه خراباً ودماراً بفعل أسلحة التدمير الأميركية. لكن، لا بدّ من موقف عربي وأممي داعم للبلدَين، أو على الأقلّ ألا تستقوي دول عربية على البلدَين للضغط عليهما لقبول ما سيكون تطبيعاً وقبولاً للهيمنة الإسرائيلية والاحتلال، أو وجود الجيش الإسرائيلي في أجزاء من أراضيهما. أكثر ما يخيف دخول دول عربية على الخطّ بحجّة إعادة بناء ما دُمّر في البلدَين في مقابل الدخول في العلاقات التطبيعية مع إسرائيل. في الحالة السورية بشكل خاص، يحاول البلد النهوض وتضميد الجراح، وآخر ما يفكّر فيه السوريون التورّط في حرب، وإسرائيل تعرف هذا، لكنّها تصرّ على التدخّل وإطلاق التهديدات، في ابتزاز واضح بدعم من أميركا، التي خفّفت من العقوبات على سورية، وإن لم ترفعها جميعاً، بحجّة الحرص على ضمان حقوق الأقليات، لكنّها (العقوبات) سلاح تستطيع توظيفه لفرض اتفاقية “سلام”، هدفها تشريع الاحتلال الإسرائيلي للجولان، وأراضٍ أخرى قد تختارها إسرائيل.

لا يمكن تجاهل ما يقوله ويتكوف، إذ إنه تكملة لما بدأه الرئيس الأميركي دونالد ترامب في ولايته الأولى من توسيع للتطبيع العربي الإسرائيلي، بعد أن نجح في تحقيق الاتفاق الإبراهيمي، الذي هدف (ويهدف) إلى نقل “اتفاقيات السلام العربية الإسرائيلية”، إلى حالة قبولٍ عربيٍّ بالاحتلال الإسرائيلي وبالمشروع الصهيوني الاستيطاني، إلى أن يصبح جزءاً من الثقافة الشعبية العربية، في انقلاب على التاريخ وعلى حقوق الشعب الفلسطيني، بل وشعوب المنطقة بأسرها. تدرك أميركا أن سورية مشغولة ببناء نظام سياسي جديد، وأن جلّ هم السوريين، إضافة إلى تأمين الغذاء ودخولٍ تؤمّن مستقبلهم، هو ألا يجد الشعب السوري نفسه تحت حكم فئة متنفّذة تحرمهم من حقوق المواطنة والمشاركة السياسية، التي حُرِّمت عليهم عقوداً، وإضافةً إلى الخوف من تشرذم وحدة الأراضي السورية. أي أنها فترة مخاض عسير تبرز فيه الاختلافات والخلافات، وهذه أجواء إذا لم يتم حفظ حرّية الرأي والتعددية ستشكّل ثغرةً يمكن لأميركا وإسرائيل الدخول منها لمنع نهوض سورية، فكلٌّ من القوّتَين تريد أن ترهن تقدّم سورية بالرضوخ لشروط كلٍّ منهما. لذا، ما يدور من خلافات وانتقادات حيال مؤتمر الحوار السوري، الذي عقد أخيراً في دمشق، في غاية الأهمية. إذ لا سبيل غير الحوار والالتزام بالحرّيات لإرساء أسس نظام سياسي ديمقراطي وتعدّدي، على أساس دستور يضمن المساواة والعدالة والحدّ الأدنى من العدالة الاجتماعية، فلا يمكن الإكمال من دون الالتفات إلى المطالب والرؤى، وإتاحة المجال للنقد وأخذه بجدّية، فهي عملية بناء جمعية، ولا تقوم على أفراد أو فئة موجودة في رأس الحكم.

عليه، من الضروري الموازنة بين عملية البناء والحفاظ على السيادة السورية، فلا يمكن الفصل بين المسارين. إذ إن الحفاظ على الوحدة الداخلية هو ضمانة للحفاظ على الاستقلال والسيادة، وفقدان السيادة تحت الضغط والامتثال إلى ما ترمي إليه واشنطن من جرّ دمشق للانضمام إلى الاتفاق الإبراهيمي، مقدمّة لتدخّل وانتهاك أميركي إسرائيلي في السيادة السورية. فاتفاقيات التطبيع مع إسرائيل، كما رأينا في الأردن ومصر، ليست سياسية فحسب، وإنما خطورتها تكمن فيما يسمّى التعاون الاقتصادي، وبخاصّة في مجال الطاقة، خصوصاً أن سورية غنية بمصادر الطاقة والمياه، فحين تتحدّث إسرائيل عن التشارك في المصادر، فذلك يعني أن تأخذ هي حصّة الأسد، معتمدة على ضغط جبروتها العسكري.

لذلك، لا بدّ من الاهتمام بالمخاطر التي تمثلها إسرائيل وواشنطن في مرحلة إعادة التكوين، والتنبه إليها والوعي بها وبأهميتها، لأن واشنطن وتلّ أبيب لا تهملانها، ولا تمهلان الآخرين للإعداد والتحضير، إذ إنهما تجدان أن هذه هي اللحظة المناسبة للانقضاض لفرض ما تريدان.

واشنطن وتل أبيب تدركان جيّداً مغزى القاعدة الاستراتيجية القائلة إنه “لا حرب من دون مصر ولا سلام من دون سورية” في المنطقة ككل. لذلك تسعيان إلى فرض اتفاق تطبيع مرّة واحدة، وإلى الأبد، على سورية. كانت الولايات المتحدة تعتقد أن السلام مع السعودية هو مفتاح السلام مع سورية، وأن التطبيع السعودي سيُضعف موقف الجميع. لكنها الآن تحاول أن يكون “تكويع” سورية هو المفتاح لتطبيع شامل. غير أن ذلك لا يعني تشتيت النظر عن عملية بناء نظام جديد يكون للشعب صوت وإسهام حقيقي في تشكيله والحفاظ على حقوقه، لكن عدم إهمال الخطر الإسرائيلي والاستخفاف به، والمساهمة في اتخاذ موقف قوي مستند إلى القانون الدولي، جزء من بناء دولة القانون، والحفاظ على وحدة سورية وثرواتها ومقدراتها. من السهل الانشغال المفهوم بعملية البناء والاعتراض المشروع على أيّ إجراء يؤسّس للانفراد بالحكم، ولا بدّ من الاشتغال بهذه الأمور الأساسية، كلّها، غير أنه لا يمكن تغييب المخاطر الخارجية، وكأنها غير موجودة.

يقع العبء الأكبر على من يتولى سدّة الحكم، وعلى الدول العربية، فمشاركة سورية في القمّة العربية المزمعة في القاهرة هي فرصة (أقولها وأنا كلّي شكوك) لدعم عملية بناء سورية وتحصينها من أي ضعف تجد فيه إسرائيل منفذاً لتفكيك بلد عربي، مؤهّل لاستئناف دور قيادي في العالم العربي. لا يعني ذلك إغفال تثبيت الحرّيات باسم مواجهة إسرائيل، فتلك حجّة مضلّلة، فانعدام الحرّيات والتعدّدية هو أحد أهم أسباب الرضوخ لإسرائيل، أولوية الشعب السوري ببناء دولته ونظامه محقة، وإن كان لا يمكن إهمال عدوٍّ متربّصٍ، والأساس هو الوعي، فهو شرط لمشاركة قوية في صنع القرار.

العربي الجديد

————————————

سورية ودرس جرمانا/ مالك ونوس

04 مارس 2025

تختلف حادثة جرمانا في ريف دمشق عن الحوادث الأمنية المشابهة التي سبقتها، من ناحية دخول العامل الدولي في خطّ التأثير المباشر، والذي لا يمكن منعه بسبب الضعف العسكري والأمني الذي أصبحت عليه سورية، بعد تدمير الاحتلال الإسرائيلي قدراتها العسكرية، وبعد تسريح عناصر الشرطة التي كانت على معرفةٍ بدقائق الحياة اليومية لمدن البلاد وأحيائها، وبأسماء الخارجين على القانون فيها. أمّا الاختلاف الثاني، فيتعلّق بنضوج رأي عام تتنازعه أبواقٌ تحاول إثارة الفتنة عبر بثّ أخبار كاذبة، وتهويل حوادث أمنية، مستغلّةً الثغرة في المصداقية التي خلّفها غياب الإعلام الحكومي السوري، مع استمرار إغلاق الصحف وقنوات التلفزة. ومستغلةً أيضاً الضائقة المادّية التي يمرّ بها السوريون منذ سقوط النظام، وتردّي واقعهم المعيشي، وخطر انزلاق الشباب إلى الأعمال الإجرامية واضطراره، في مراحل متقدّمة من الفقر المدقع، للعمل لدى مثيري الشغب من أجل بعض المال.

وقد كاد الأمر أن يفلت في مدينة جرمانا التي تبعد ثلاثة كيلومترات من دمشق، وأن يؤدّي إلى اشتباكات واسعة وفتنة، وربّما تدخّل عسكري إسرائيلي في المدينة، لولا الوساطات التي عملت على إنهاء حالة التوتّر. وعلى الرغم من أن الواقعة بدأت على خلفية شجار بين طرفَين من سكّان المدينة، مساء يوم الجمعة الماضي (28 فبراير/ شباط)، تصاعد فأدّى إلى إصابة شخصٍ نقل إلى أحد المشافي، إلا أن التوتّر الذي حصل في المستشفى بين مرافقي المصاب وأفراد من الأمن العام هو الذي أجج الموقف، عندما وصلت أخباره إلى سكّان المدينة، وعلموا بخبر توقيف المرافقين، ونقلهم إلى أحد أقسام الشرطة. عندها تصاعد التوتّر من جديد، وأعاد بعضهم نشر الحواجز في أحد مداخلها، وحين وصلت سيارة للأمن العام إلى الحاجز، حصل خلاف بين عناصرها وعناصر الحاجز تطوّر إطلاق نار، وأسفر عن مقتل عنصر من الأمن العام، وجرى بعدها محاصرة مخفر المدينة وطرد عناصره.

ومثل كّل حادثة مشابهة، سارع مطلقو الشائعات إلى مطابخهم لتفعيل الشائعات المُغرِضة، وبثّ الكراهية وإثارة النعرات الطائفية، وحضّ المتأثّرين بالواقعة على المطالبة بالتدخّل الدولي لحماية الأقلّيات، وهي شائعاتٌ كان لها دور في تصعيد الموقف، غير أن تدخّل وجهاء من المدينة، وآخرين من محافظة السويداء، واتصالاتهم مع مسؤولي الأمن العام، أدّى إلى تخفيف التوتّر، وانتشار قوات الأمن العام داخل جرمانا، مع استمرارهم في البحث عن المتورّطين في قتل عنصر الأمن العام لاعتقالهم، خصوصاً بعد رفع شيوخ المدينة الغطاء عنهم، وصنّفوهم “خارجين عن القانون”، وفق بيان أصدروه.

هل يمكن ردّ هذه الحادثة إلى أخطاء اقترفتها السلطة الجديدة فور سقوط نظام الرئيس المخلوع بشّار الأسد، وتولّيها السيطرة على البلاد؟ لا جديد في القول إن السلطة الجديدة اقترفت عدّة أخطاء قاتلة، وكان يعوّل على قدرتها في تغيير الواقع السياسي والمعيشي من أجل تجاوز تلك الأخطاء، وعلى الوعود الصريحة التي قطعتها أمام الشعب السوري، وليس اعتماداً على آمال مجرّدة. ومن الأخطاء التي اقتُرفِت وأدّت إلى الفوضى فتح السجون، وخروج المظلومين والظالمين منها قبل التدقيق في ملفّاتهم لفرز المعتقلين السياسيين عن المعتقلين لأسباب جرمية، والذين يمكن إعادة محاكمتهم على خلفية عدم الثقة في محاكم النظام البائد، فأصبحوا خلايا نائمةً تستغلّ الثغرات الأمنية لتمارس أعمالها الإجرامية.

أمّا احتمال جرّ آخرين إلى صفوفهم، فقد جعلت سياسة الحكم الجديد الأرضية جاهزة لهذا الأمر، بسبب الفقر المدقع، الذي تسبّبت به زيادة أسعار الخبر وتحرير سعر المازوت المخصّص للنقل العام، ما أدّى إلى استنزاف الموارد المالية الشحيحة أصلاً لدى المواطنين، حين بات مرتّبهم الشهري، الذي لا يتجاوز 35 دولاراً، غير كافٍ لدفع بدل المواصلات، فما بالك بتأمين متطلّبات الحياة. كذلك، مسارعة الحكم إلى تسريح جزء كبير من العاملين في القطاع العام، في تجاوزٍ إداري وقانوني، وهي خطوة قيل إنها تهدف إلى إبطال حالة الفساد التي رافقت تعيين جزء كبير منهم، مع عدم أخذها في الحسبان العناصر الضرورية لاستمرار سير العمل، أو عامل الأقدمية، إذ ساوت بين من أمضى 25 سنة خدمة، وبين من لم يكمل سنتين أو ثلاثا في منصبه. كما لم تراعِ الحالة الاجتماعية أو عدد أولاد المعيل، ما رمى هؤلاء في الشارع، وجعل حياتهم في مهبّ الرياح. وهي في مجملها أخطاء أدّت إلى إحداث إحباط سريع لدى من عوّلوا على الحُكم الجديد، بأن يقطع مع ممارسات النظام البائد، الذي اعتمد التفقير وزرع اليأس في نفوس السوريين، لشلّ حركة المجتمع ومنع أي قدرة على الاحتجاج أو الفعل التغييري. كما تسبّبت هذه السياسة في خشية الناس على لقمة عيشها، وأدّت إلى دخول كثيرين في حالة من الكآبة لعجزهم عن تأمين ثمن ربطة الخبز لأبنائهم، وهذا سيجعل بعضهم لقمةً سائغةً لمن يريد افتعال قلاقل. وتزامنت حادثة جرمانا مع مضي الموعد الذي ضربه الحُكم الجديد للشعب السوري وللأسرة الدولية من أجل تشكيل الحكومة الانتقالية، التي تُعلَّق عليها الآمال في تسيير شؤون البلاد وإقلاع العجلة الاقتصادية المتوقّفة.

وتضاعفت خطورة الحادثة بعدما كُشِفت نيّات الإسرائيليين في التدخّل بشؤون البلاد، وإمكانية استغلالهم أيّ حادثة شبيهة للتدخّل الفوري. فقد تبيّن أن الإسرائيليين لا يتربّصون بسورية فقط، بل هم أعلنوا جهاراً أنهم على أهبة الاستعداد للتدخّل في البلاد لحماية الأقلّيات من السلطة، التي قالوا إنهم سيعملون على إضعافها. وفي هذا الإطار، سارع رئيس مجلس الحرب الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ووزير الأمن، يسرائيل كاتس، إلى إصدار أوامرَ وتوجيهات للجيش الإسرائيلي بالاستعداد للدفاع عن مدينة جرمانا السورية. كما صرّح كاتس بأن كيانه لن يسمح للنظام في دمشق باستهداف الدروز في سورية، وأنهم سيستهدفونه إن استهدف الدروز، من دون توضيح معايير الاستهداف التي يتحدّثون عنها وحجمه.

وتأتي هذه التصريحات بعد أيام من تصريحات نتنياهو ووزير خارجيته جدعون ساعر حول إقامة منطقة منزوعة السلاح في سورية، وهي المنطقة التي بدأوا عملياً في إقامتها بعد توغّلهم في أراضي البلاد فور سقوط النظام. كما تأتي بعد المعلومات عن أن دولة الاحتلال تسعى لدى واشنطن من أجل إبقاء سورية ضعيفةً، ومنع تركيا من زيادة نفوذها في البلاد، وإقامة قواعد عسكرية فيها، ومنعها من عقد اتفاقات مع الحكم الجديد تساعد في تعافي البلاد. فهل يتحينون الفرصة لدخول دمشق؟ إنها الخطّة الواضحة التي تدفعهم إلى هذه التصريحات، وذلك إذا أخذنا في اعتبارنا أن جرمانا هي ضاحية من دمشق.

على الرغم من كشفه ما تحضّر له دولة الاحتلال لزعزعة أمن سورية، واحتمال تدخّلها العسكري المباشر فيها، إلا أن درس جرمانا لا يتعلّق بالواقع الأمني في البلاد فحسب، بل يتعداه إلى تأثير الواقع المعيشي في الواقع الأمني. كما يشير إلى ضرورة المسارعة في تشكيل الحكومة، وتنفيذ الحُكم الجديد وعودَه بالقطع مع ممارسات الحكم البائد، من أجل سيادة القانون واعتماد التشاركية والشفافية في حكم البلاد. وكذلك الإسراع في تنفيذ وعود قطعها للمواطنين بتحسين مستوى المعيشة، مع الأخذ بالاعتبار الآمال الكبيرة التي وضعها عليه السوريون وفرحوا به.

العربي الجديد

—————————

إسرائيل ودروز سورية… الخروج من “الفيلا”/ حسام أبو حامد

04 مارس 2025

صكّ إيهود باراك، وزير الخارجية في العام 1996، شعار “الفيلا في الغابة”، بما يحمله من ثقافة استعمارية استعلائية، واستراتيجيةً أمنية، وبعد 20 سنة (2016)، أكّد بنيامين نتنياهو هذه العقلية، فشدّد على أنه سيكون لدولة إسرائيل “سياج يحيط بها”، دفاعاً عن “الفيلا” ضدّ “المفترسين”. يدفع السقوط غير المتوقّع لنظام بشّار الأسد في سورية إسرائيل إلى تغييرات في استراتيجيتها الأمنية، وعدم التردّد في مراجعة عقلية “الفيلا في الغابة”، باتجاه مشاركة نشطة في الفضاء خارج الحدود، كغيرها من قوى إقليمية ودولية (تركيا وإيران مثلاً). وقد شكلّ سقوط نظام الأسد ضربة قاسية لإيران وحزب الله، مع عديد من فوائد محتملة لمصالح إسرائيل، لكن الأخيرة تدرك أن الاكتفاء بالتلذّذ بمشاهد سوريين ينهبون سفارة إيرانية في دمشق محفوف بالمخاطر، وللإيرانيين مهارات في استغلال الفراغ السياسي الداخلي والاحتياجات الاقتصادية، وقد تؤول الأوضاع في سورية إلى تعميقهما. سيّارات الدفع الرباعي المدنية والدرّاجات النارية، التي اعتلاها “إسلاميون متشدّدون” في “ردع العدوان”، تعلوها أسراب الطائرات المسيّرة، تذكّر الإسرائيليين بمشهد السابع من أكتوبر/ تشرين الأول (2023)، الفصل المشؤوم في الذاكرة الإسرائيلية، والجارح لـ”الوجدان الإسرائيلي”. كما أن تموضع حركتي حماس والجهاد الإسلامي في فضاء دولة مركزية إسلامية سُنّية عند الحدود، أخطر من التحالف مع إيران الشيعية البعيدة، وقد تتحوّل ترسانة النظام أسلحةً ضدّ إسرائيل.

اكتفت إسرائيل، إلى حينه، برفع أسوار “الفيلّا”، منطقة عازلة جديدة، وتدمير قدرات هجومية للجيش السوري، ونزع سلاح المجتمعات السورية عند الحدود. لكن السؤال إسرائيلياً: هل ينبغي التدخّل في تشكيل النظام الناشئ في سورية بدل البقاء داخل “الفيلّا”؟… قد تسعى إسرائيل بتوغلها في سورية إلى تحقيق مزايا عملياتية للتفاوض على إجراءات “أمنية محسّنة”، لكنّ طول أمد هذا الوجود سيثير العمل ضدّه (من قوات محلية تحاول تحرير الأرض، أو لاعبين دوليين يمارسون مزيداً من الضغوط السياسية، أو كليهما)، والقيادة في دمشق ليست مستعدّةً لتقديم تنازلات تنزع منها شرعية التحرير. تدرك إسرائيل أنها مطالبة بنهج أكثر استباقية، وتفضل سيناريو التقسيم في سورية، وتتحضر لمنافسة إقليمية ودولية، تميّز نفسها خلالها لاعباً مهماً. وتحت شعار “حماية الأقليات”، تسعى إلى التوغّل في المجتمعين الدرزي في الجنوب والكردي في الشمال الشرقي، ما يعني خروجها من “الفيلا” نحو “الغابة”. القرب من الحدود والتداخل الديمغرافي يجعلان من دروز سورية أولوية. كرّرت إسرائيلُ تحذيرها الإدارةَ السورية من إيذاء دروز سورية، وتظن أنها للتوغل في مجتمعهم ليس عليها أن تبدأ من الصفر، فالروابط مع المجتمع الدرزي داخل دولة الاحتلال قوية، وقد تردد أن تنظيم رجال الكرامة تلقّى تمويلاً من مجتمعهم هناك لشراء أسلحة في أثناء الصراع مع الجهاديين في السويداء، وقد تستأنف إسرائيل تقديم مساعدات “إنسانية” مستوحاة من مبادرة “حسن الجوار” (2012)، التي انتهت بعد استعادة النظام السوري السيطرة في الجنوب (2018)، وأعلنت إسرائيل برنامجاً تجريبياً يسمح لدروز السوريين بالعمل في الجولان المحتل.

تبرّأت المرجعيات الدرزية في سورية من بيان أعيان من قرية حضر يدعو إلى الاندماج في دولة الاحتلال، أمّا إعلان “المجلس العسكري” في السويداء، الذي تزامن مع مطالبة نتنياهو بإخلاء الجنوب من قوات سلطة دمشق، فقوبل بانتقادات درزية شديدة. محاولات إسرائيل هذه تصطدم بقضية الوحدة السياسية التي تشكّل أهمّيةً قصوى في سورية، لكن المسار يبدو معقداً أمام المجتمع الدرزي الذي يسعى للحفاظ على استقلاليته حذراً من صدمات الماضي. فرغم خطاب وطني يشدّد على الوحدة، فإن المخاوف عميقة، فلا يزال في الذاكرة ما خلّفته الاشتباكات مع جبهة النصرة (سلف هيئة تحرير الشام) من صدمةٍ جماعيةٍ عميقة، وعانى جزء من دروز سورية تحت حكم “الهيئة” في إدلب، خاصّة في جبل السُّمَّاق، منذ 2014. صحيح أن مليشيات درزية رئيسة أعلنت استعدادها للاندماج في جيش موحّد، لكن لا يبدو أن دروز سورية تخلّوا نهائياً عن مطلب اللامركزية، فالثقة في العملية الجارية في دمشق عموماً لا تزال هشّة، وتشكّل جرمانا حالياً بوتقة اختبار للسلم الأهلي المستدام.

العربي الجديد

—————————-

في دلالات ما يحدث بمدينة جرمانا السورية/ علي قاسم

سعي إسرائيل لاستمالة الدروز لم ينجح، فأبناء الطائفة ووجهاؤها سارعوا إلى رفض الوصاية الزائفة ولم يخف عليهم أن إسرائيل تحاول استغلال الوضع في سوريا لتحقيق أهداف شريرة بعيدة المدى.

الثلاثاء 2025/03/04

لم يكن أصحاب أكثر السيناريوهات تفاؤلا يتصورون أن تمر المرحلة الانتقالية في سوريا بمثل هذا الهدوء، وبأقل حجم من الخسائر وردود الفعل.

في بلد طالما نظر إليه العالم على أنه بقعة متفجرة لما يحتويه من طوائف وأقليات، العيون كلها اتجهت إلى منطقة الساحل السوري حيث التواجد المكثف للطائفة العلوية. ما حدث هناك كان مفاجأة للجميع. الحوادث القليلة التي جرت سارع وجهاء الطائفة العلوية وشيوخها إلى تطويقها مندّدين بمن يقفون خلفها، مؤكدين دعمهم للحكومة الانتقالية.

ما حدث مؤخرا في مدينة جرمانا ذات الأغلبية الدرزية وأدى إلى مقتل شخص وإصابة تسعة أشخاص آخرين، لا يختلف في دلالاته عن حوادث مشابهة جرت في الساحل السوري وتم تطويقها. الاختلاف كان في تدخل إسرائيل على الخط، معلنة أنها ستوفر الحماية للطائفة الدرزية.

دموع التماسيح وسعي إسرائيل لاستمالة الدروز في سوريا، لم ينجح. أبناء الطائفة ووجهاؤها سارعوا إلى رفض الوصاية الزائفة. لم يخف عليهم أن إسرائيل تحاول استغلال الوضع الحالي في سوريا لتحقيق أهداف شريرة بعيدة المدى، وأعلنوا بوضوح أنهم قادرون على إدارة شؤونهم وحل مشاكلهم ولا يريدون أيّ تدخل خارجي في الشأن السوري.

قبل الحديث عن الأهداف المخفية لإسرائيل من وراء إصرارها على “حماية” الدروز، قد يكون مفيدا التعريف بالمدينة التي تقع على أطراف الجنوب الشرقي للعاصمة دمشق وتبعد عنها مسافة خمسة كيلومترات؛ “جرمانا”، وهي كلمة آرامية تعني “الرجال الأشداء”، أتي على ذكرها ياقوت الحموي في “معجم البلدان” وابن بطوطة في رحلاته وداود الظاهري في كتابه “الإيضاح”.

لم يتجاوز عدد سكان جرمانا عام 1959 أربعة آلاف نسمة، من طائفة الدروز، وتزايد العدد مع بدء هجرة مكثفة إليها من السويداء، وبشكل أقل من باقي المحافظات السورية، ليصل عدد سكانها الآن إلى أكثر من 650 ألف نسمة، أغلبهم من الدروز والمسيحيين. واستضافت المدينة خلال الحرب في العراق جالية عراقية كبيرة، وتحولت خلال سنوات الأزمة السورية بعد عام 2011 إلى جنة يحتمي بها السوريون، وكان النظام السوري السابق يكتفي بالمراقبة عن بعد، تلافيا لمواجهة غضب “الرجال الأشداء”.

رغم الإرث الوطني البطولي لأبناء الطائفة الدرزية، طالب رئيس الوزراء الإسرائيلي بتيامين نتنياهو في وقت سابق بجعل المنطقة التي يتواجد فيها الدروز، إلى الجنوب من دمشق، منزوعة السلاح، قائلا “لن نسمح للجيش السوري الجديد بالانتشار في هذه المنطقة، ولن نقبل بأيّ تهديد لأبناء الطائفة الدرزية في جنوب سوريا.”

كلام نتنياهو جوبه بمظاهرات في درعا والسويداء، وردد المشاركون فيها هتافات مناوئة، من قبيل: “حوران (المنطقة الجنوبية من سوريا) حرة حرة، نتنياهو اطلع برة”، و”نتنياهو يا طماع، سوريا ما رح تنباع”، و”اللي بقسم بلده خاين”.

تهديدات مثل هذه لم تكن تطلق ضد إسرائيل أيام حكم الأسد الاب والابن لسبب بسيط، أن إسرائيل لم تكن تشعر بالخطر خلال حكمهما. في الحقيقة، إسرائيل كانت تعتبر نظام بشار الأسد، رغم عداوته المعلنة وحديثه الدائم عن محور المقاومة، أكثر استقرارا، ويمكن التنبؤ بتصرفاته مقارنة بالوضع الحالي مع حكومة أحمد الشرع.

شكل سقوط نظام الأسد في ديسمبر 2024 مفاجأة أربكت إسرائيل وفضحت أطماعها في سوريا، حيث سارع جيش الاحتلال الإسرائيلي للتوغل في القنيطرة واحتلال قمة جبل الشيخ السوري.

ولم يخف نتنياهو مخاوفه عندما قال بوضوح إن سقوط نظام الأسد في الثامن من ديسمبر الماضي لم يكن في “صالح إسرائيل،” وفي اجتماع أسبوعي لحكومته قال بأسى “لم نحصل على الزهور عند سقوط نظام بشار الأسد، لكن لا مشكلة (…) لم نسمح باستخدام الأراضي السورية لمهاجمتنا.” وزعم أن دولة الاحتلال الإسرائيلي أوقفت محاولات إيران لدعم نظام بشار الأسد، واعترف أن هذا السقوط أدى إلى تغيير خريطة الشرق الأوسط.

ضمان أمن إسرائيل، وألاّ تعود سوريا لتشكل تهديدا لها، ترجمته إسرائيل إلى مئات الغارات التي شنتها على مواقع عسكرية في العاصمة دمشق والعديد من المدن الأخرى، ملحقة تدميرا واسعا في البنية العسكرية للنظام السابق.

إسرائيل ترى أن حكومة أحمد الشرع غير مستقرة وتواجه تحديات كبيرة في إدارة التعددية والتنوع في سوريا، وهو ما أكده وصف وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر لحكومة الشرع قائلا إنها “جماعة إرهابية إسلامية من إدلب استولت على دمشق بالقوة،” مؤكدا أن إسرائيل لن تتنازل عن أمنها على الحدود.

براغماتية أحمد الشرع وموقفه المسالم ورغبته في عدم الاصطدام مع الداخل ودول الجوار لم تقنع اليمين الإسرائيلي، الذي فضل التعامل معه بناء على نواياه غير المعلنة، والتي افترضت إسرائيل أنها لن تكون في صالحها في نهاية الأمر.

إسرائيل لا تريد أن تنسى أن أحمد الشرع هو أبومحمد الجولاني، قائد هيئة تحرير الشام، الذي شهدت سوريا خلال فترة قيادته صراعات معقدة وصفتها بالدموية، وتقول إن الشرع يتبنى اليوم، مكرها، نهجا براغماتيا يسعى من خلاله لتحقيق أهدافه السياسية دون الدخول في صراعات غير ضرورية، وأن هذا النهج ساعد الشرع على كسب دعم محلي ودولي لتحقيق الاستقرار في سوريا، إلا أنه لن يضمن أمن دولة إسرائيل وسلامتها.

بناء على هذا التحليل، ومن وجهة نظر نتنياهو وحكومته، تشعر إسرائيل بتهديد أكبر بوجود حكومة أحمد الشرع مقارنة بنظام بشار الأسد، وتعزو ذلك إلى ما قالت إنه عدم استقرار داخل سوريا وإلى التحديات الأمنية الجديدة التي تواجهها الحكومة الانتقالية في المنطقة، وهي ترى أن موقفه المسالم مجرد سياسة تكتيكية مؤقتة تتيح له تحقيق أهداف سياسية وتنموية.

بالطبع، من الناحية القانونية والأخلاقية، لا ينبغي لأيّ دولة أن تتعامل مع الأفراد أو الدول الأخرى بناء على افتراضات ونوايا غير مؤكدة. العلاقات الدولية والسياسات الخارجية يجب أن تستند إلى أدلة وحقائق موثوقة، وليس إلى شكوك وتخمينات وظنون.

لكن، ما يحدث في الواقع السياسي شيء مخالف تماما، الدول غالبا ما تتخذ قراراتها بناء على تقييمات المخاطر والتهديدات المحتملة. إسرائيل، مثل أيّ دولة أخرى، تتخذ إجراءات احترازية بناء على تاريخ الأفراد وسجلّهم السابق، حتى لو لم يكن هناك دليل قاطع على سوء نواياهم الحالية.

واضح أن إسرائيل تفضل التعامل مع أعداء ضعفاء لا يمكن التنبؤ بردود أفعالهم، على التعامل مع أصدقاء عاقلين ولكن أقوياء.

لإكمال فصول المسرحية، تحاول حكومة تل أبيب الضغط بكامل قوتها وتعمل – عكس ما هو متوقع منها – على إقناع الولايات المتحدة بقبول استمرار بقاء قاعدتين عسكريتين لروسيا في مطار حميميم وميناء طرطوس على الساحل السوري، فهذا يمنحها مبررات للإبقاء على التوتر على الحدود، وإبقاء سوريا معزولة عن الدول العربية التي لا ترحب بوجود قواعد عسكرية روسية في المنطقة.

ما تريده الدولة العبرية هو إقناع العالم بوجود مخاطر جدية تهدد وجودها وتبرّر بالتالي ترسانتها العسكرية وتكسبها التعاطف.

كاتب سوري مقيم في تونس

العرب

————————————

سوريا وحقل الألغام/ عالية منصور

آخر تحديث 01 مارس 2025

لطالما كانت عبارة “ظروف استثنائية” تُستعمل من قبل الأنظمة العسكرية والديكتاتورية لإحكام قبضتها على البلاد والعباد، ولذلك نرى العبارة في سوريا مستفزة لكثيرين، وخصوصا ممن دفعوا أعمارهم وحياة أبنائهم من أجل انتصار ثورة الشعب السوري وإسقاط نظام الأسد وصولا إلى الحرية والديمقراطية والعدالة.

والحقيقة أن عبارة “ظروف استثنائية” لا تصف الواقع السوري اليوم بشكل دقيق، ولا كلمة تحديات أيضا. ففي صباح الثامن من ديسمبر/كانون الأول 2024 سقط النظام السوري وهرب بشار الأسد إلى موسكو ووصل أحمد الشرع إلى قصر الشعب، ومنذ تلك اللحظة بدأ الواقع السوري يتكشف أمام الجميع أكثر وأكثر، فرغم الانتصار العظيم والاحتفالات وعودة سوريا إلى أهلها وعودتهم إليها، كان ثمة دمار هائل أكبر بكثير مما كان أي متابع للشأن السوري يدركه.

دمار الحجر، مدن بأكملها مدمرة، ملايين المهجرين، عشرات المقابر الجماعية، عشرات آلاف العائلات التي انتظرت مصير أبنائها المعتقلين ولم يتكشف حتى اليوم، وضع اقتصادي لا تعطيه صفة “سيئ” حقه، مؤسسات لا تشبه المؤسسات، يصح وصف الدولة السورية بالدولة المهترئة.

ومنذ لحظة هروب الأسد لم تتوقف إسرائيل عن شن غاراتها على مخازن ومستودعات سلاح الجيش السوري، ومع الوقت بدأت بالتوغل داخل الأراضي السورية.

تُدرك إسرائيل أن السلطات السورية اليوم غير قادرة على التصدي، ولا هي راغبة بالدخول في أي حروب، ولذلك تستمر بالضغط على السلطات السورية الجديدة لتحقيق مكاسب أكبر، فقد أعلنت إسرائيل انهيار اتفاقية “فك الاشتباك” الموقعة بين البلدين في عام 1974 لحظة انهيار نظام الأسد في الثامن من ديسمبر/كانون الأول 2024، وقالت إن مجلس الوزراء قرر احتلال منطقة جبل الشيخ الحدودية السورية المحاذية للجولان المحتلة.

وصرح رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بأن “الجنود السوريين تخلوا عن مواقعهم”، وأنه لن يسمح لأية قوى معادية بالتموضع قرب الحدود بين البلدين، وأن الجيش الإسرائيلي سيكون “القوة التنفيذية” في المنطقة.

لم تكتفِ إسرائيل بالتوغل البري وشن العمليات العسكرية على سوريا، بل بدأت تلعب اللعبة التي تتقنها وسبق وأن لعبتها في لبنان إبان اجتياحها لبيروت عام 1982، وهي زرع الفتنة بين “مكونات” الشعب. خرج نتنياهو قبل أيام مطالبا بإخلاء جنوب سوريا من القوات العسكرية للنظام الجديد بشكل كامل، وقال: “لن نسمح لقوات (هيئة تحرير الشام) أو الجيش السوري الجديد بالدخول إلى المناطق الواقعة جنوب دمشق”، وشدد على أن إسرائيل “ملتزمة بحماية الدروز في جنوب سوريا ولن تتسامح مع أي تهديد لهم”.

لاقت تصريحاته رفضا واسعا من جميع السوريين بما فيهم أغلبية أبناء طائفة الموحدين الدروز، ولا أظن أن شخصا عاقلا يصدق أن نتنياهو يكترث أساسا لسلامة الموحدين أو غيرهم، ولكنه أراد إزكاء فتنة ليستمر في ضغطه على السلطة السورية، وإن كان البعض يلمح إلى رغبته في الاستقواء بنتنياهو لتنفيذ أجنداته السياسية.

يضاف إلى الضغط العسكري والضغط على الداخل السوري، ضغط تمارسه إسرائيل لعدم رفع العقوبات الأميركية عن سوريا، وتناغم واضح بين الرئيس الأميركي دونالد ترمب ونتنياهو، ما يزيد من حجم التحديات الهائلة على الوضع الاقتصادي والمعيشي هناك. وإذا ما أضفنا الوضع الأمني الذي لم يستتب بعد في البلاد، حيث يكاد لا يمر يوم دون أن تشن فلول النظام في قرى الساحل السوري عمليات عسكرية على قوى الأمن أو تحاول بث أخبار كاذبة وتتبنى خطابا طائفيا وتدعو لـ”انفصال” الساحل السوري عن سوريا، كما لا يخفى على أحد محاولات إيران للضغط في سوريا، إن كان من خلال الفلول أو من خلال بقايا ميليشيا “حزب الله” على الحدود السورية اللبنانية.

مشكلة قوات سوريا الديمقراطية (قسد) لم تجد طريقها للحل بعد، والتوتر بين “قسد” من جهة والعشائر كما بقية الأفرقاء الكرد من جهة تتصاعد.

خطر “داعش” لا يزال موجودا، وقد أطل برأسه مرات عديدة منذ إسقاط النظام، إضافة إلى السلاح الموجود خارج إطار الشرعية والفصائل التي لا زالت تتمنع عن الانضواء تحت لواء الجيش الجديد.

لا يمكن أن نُطلق على كل ذلك وصف “تحديات” بل حقل ألغام يكاد ينفجر فينا جميعا إن لم نستطع تفكيكه.

وبين كل هذه الألغام، انعقد في قصر الشعب في العاصمة دمشق مؤتمر الحوار الوطني، المؤتمر الذي كنا نتمنى أن يكون أكثر شمولا وأن يدعو إلى مؤتمر وطني تنبثق عنه هيئة تأسيسية ذات صلاحيات ملزمة، ومع ذلك يمكن القول إنه كان أقل من طموحاتنا وأكثر مما توقعنا.

عجلة العملية الانتقالية يجب أن تنطلق، وتفكيك كل هذه الألغام يحتاج إلى حكومة انتقالية من أصحاب الاختصاص، ولكن أيضا ممثلة لجميع السوريين بمختلف توجهاتهم السياسية، لا نملك في سوريا ترف الوقت، ولا “رفاهية” الاستفراد، وعلى السلطة القائمة اليوم كما على من هم خارجها أن يدركوا أن المركب إن غرق سيغرق بالجميع، فبشار الأسد ترك لنا دولة مهترئة متآكلة، والانتقال من سوريا الأسد الى سوريا دولة المواطنة (كما ذكر البيان الختامي لمؤتمر الحوار الوطني) عملية شاقة وتحتاج إلى الجميع.

المجلة

————————–

ليس مطلوباً من طائفة إثبات وطنيتها بعد تهديدات نتنياهو/ رشا النداف

الدولة الجامعة والتمثيل السياسي لتحصين سوريا

03-03-2025

        انفتحت سوريا منذ لحظة سقوط نظام الأسد على النقاش السياسي، واختلفنا على كثيرٍ من التفاصيل، آخرها كان مؤتمر الحوار الوطني وآلية انعقاده ومخرجاته؛ أي تحديداً في اليوم الذي صرّح فيه رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو عن «رغبته بجنوبٍ سوري منزوع السلاح». قبل هذا التصريح، كانت معظم خلافاتنا ذات طبيعة داخلية، لكن لحظة وصول خطر إقليمي متمثّلاً بدخول إسرائيل إلى المعادلة بوضوح، كان يجدر بها أن تكون لحظةً جامعةً.

        منذ انتشار تصريحات نتنياهو علت أصواتٌ تطالب أهالي السويداء بإعلان موقفهم منها، معتبرةً أنها لحظتهم المفصلية لـ«إثبات وطنيّتهم وانتمائهم لسوريا». على مدى أربعة عشر عاماً، يجد أهالي السويداء أنفسهم أمام هذه المعضلة؛ معضلة إثبات الوطنية، رغم أن مشاركتهم في الثورة السورية، على اختلاف مراحلها، لا تقل عن أي محافظةٍ أخرى نسبةً إلى عدد سكانها واستراتيجية نظام الأسد في التعامل معها: خرجت السويداء في مظاهرات لا تقل حشداً عن بقية المحافظات إلا بما يتناسب مع عدد سكانها، ومن أهلها شهداء ومعتقلون ومنشقون، وأُسّست فيها كتيبة تابعة للجيش الحر قاتلت النظام بما استطاعت.

        اليوم، ورغم أن أحمد الشرع عُيّن رئيساً لسوريا عبر مؤتمر مغلق بحضور عسكري فقط، واستُثنيت منه فصائل السويداء، بقيت أصوات أهلها رافضةً لأيِّ خطاب داخلي طائفي وانفصالي، وطالبت السلطة السورية الجديدة في عدة وقفات الإسراعَ في عملية تشكيل جيش وطني يضم كافة الفصائل، وأوضحوا رفضَهم للمؤسسة الدينية التي تجاوزت دورها الدينيّ منذ سنوات لتلعب دوراً سياسياً مُعزّزاً بالسلاح، وصارت تفرض على أبناء المحافظة قراراتها وتحتكر تمثيلهم. كما طالب المدنيون الفصائلَ بتسليم سلاحها للدولة، والحذر من أي نفَس فرداني قد يجر البلد إلى اقتتال داخلي.

        وبعد تصريحات نتنياهو، نظّم أبناء المدينة مظاهرات واحتجاجات، أسوةً بجيرانهم في الجنوب السوري في درعا والقنيطرة، موضحين أنهم لا يهدفون للحصول على «شهادةِ وطنية» أو إثبات سوريتهم أمام بقية السوريين، بل إن مظاهراتهم موجّهةٌ للاحتلال الإسرائيلي.

        كذلك لا يوجد في تصريحات الشيخ حكمت الهجري، الذي تُعامله السلطة وليس جميع أبناء السويداء، كممثل سياسيٍّ لهم حين خاطَبته دوناً عن كافة القوى المدنية والسياسية في المحافظة، أي جملة أو حتى إيحاء بطلب التدخل الإسرائيلي لحماية الطائفة الدرزية. أبرز ما قاله الهجري، والذي أُسيء تفُسيره، هو حديثه عن الاستبعاد الذي حدث في المؤتمر الوطني، مُعبّراً عن استياءٍ يشاركه فيه الملايين من السوريين من تحضيرات المؤتمر وآلية انعقاده، مطالباً برقابة دولية تضمن إجراء حوار شامل يُفضي إلى دولة مدنية ويضمن فصل السلطات في سوريا. ثم أكد الهجري في خطابٍ وجهه للسوريين-ات على «البوصلة الوطنية السليمة»، وحذّر من تركة النظام البائد في خلق الفتن واجترار الضغائن بين السوريين.

        من أوحى لإسرائيل أن دروز سوريا في خطر؟

        لم تقترب هيئة تحرير الشام من الدروز ومناطقهم بسوء منذ لحظة وصولها إلى القصر الجمهوري. وبعد أن حُلّت الهيئة وتشكلت حكومة البشير المؤقتة، لم تَفرِض عناصرَها العسكريةَ على المناطق ذات الغالبية الدرزية، بل على العكس، تحدّث أحمد الشرع في عدة مناسبات على أن فصائل السويداء شاركت في عملية ردع العدوان، وأنها تدير شؤونها الداخلية عسكرياً وأمنياً إلى حين تشكيل جيش وطني. في المقابل، أعربت عدة فصائل رئيسية في المحافظة عن استعدادها لتسليم السلاح والانضواء في الجيش الوطني لحظة تشكيله؛ ولكن هل تشكّل جيشٌ وطني حتى الآن؟ ما جرى كان حالة من تفكيك الجيش والأجهزة الأمنية وإعادة تشكيلهما من فصائل عسكرية محددة بشكلٍ أدّى إلى شعور قطاعات واسعة بأنها تُستبعد من المؤسسات العسكرية. رغم ذلك، ما زالت فصائل السويداء تنتظر تشكيل الحكومة الانتقالية وتعيين وزير دفاع، آملين بأن يتشكّل جيشٌ وطني، والمؤشر على ذلك أن تلك الفصائل لم تتوقف عن التنسيق والتعاون مع السلطة، إذ زار سليمان عبد الباقي وليث البلعوس ومؤنس أبو حلا، كممثلين عن فصائل السويداء، الرئيس الشرع لنقاش التطورات المتسارعة مع إسرائيل والتأكيد على تمسّك أبناء الجبل بوحدة الأراضي السورية ورفض أي تدخل خارجي، كما أكدوا على رفضهم للمحاصصة الطائفية وعلى السعي نحو بناء دولة «ديمقراطية».

        الخطر الفعلي ليس على دروز سوريا، بل على سوريا، التي تتجاهل فيها الحكومة الحالية أن قوات سوريا الديمقراطية ما زالت تسيطر على نحو ثلث الأراضي السورية، فاستسهلت إقصاءها من الحوار الوطني بعد أن قاربت المفاوضات على الوصول إلى نتيجة مرضية. كما بقيت السلطة متعنّتةً أمام أصوات المجتمع الدرزي المطالب بمؤتمر وطني يضمُّ القوى السياسية والمدنية عبر آليات وهياكل جمهورية ديمقراطية.

        حتى الآن لا تبدو الحكومة معنيةً بالمطالبات، أو ربما غير مدركةً لأهميتها، وهو ما تستغلّه إسرائيل حتماً لتمارس البلطجة على دولة عاجزة عسكرياً واقتصادياً، وتقودها سلطتها إلى عجزٍ سياسي عبر رفضها المشاركة السياسية الجامعة.

        مسؤولية الحكومة قبل المسؤولية الاجتماعية

        ينتقد كثيرٌ من السوريين والسوريات السلطةَ الجديدة بحذر الراغب في إنجاح التجربة والخائف على ضياع البلد وانزلاقها نحو اقتتالٍ أهلي، متفهمين بما استطاعوا من ترجيح العقل حداثة عهدها وظروف البلاد المُحطَّمة، والتي لا تُحسد سلطةٌ على مهمة إدارتها وإصلاح ما أفسده الأسد فيها. وهنا لن ينفع «التخوين» واستعراضه، بل قد يرفع من كلفة التفاهم مرةً أخرى، لتصل إلى اقتتال أهلي داخلي يطول زمنه ولا يقصر. إن الدعوة للالتفاف حول الدولة اليوم لا يجب أن تتعارض مع نقد سلوكياتها، فلا بدّ من وعيٍّ يؤسّس لكون الشعب يجب أن يبقى دائماً رقيباً على السلطة.

        أخطر ما يمكن أن يحدث الآن هو أن تتحول العلاقات السياسية والاجتماعية التي يجب أن تُصاغ ضمن عقد اجتماعي، إلى «علاقة مكونات» و«تطمينات» و«توازنات» و«هدن بين قوى عسكرية»، ولا مبرر للتأخير في مرحلة انتقالية حقيقية، بدلاً من السياسة الفوقية القائمة على الإملاء والتوجيه من السلطة التنفيذية.

        لقد أسّس نظام الأسد لجذور شِقاق عميقة في البنية السورية، وتجاهُل ذلك على أسس حالمة بأن لا طائفية في سوريا و«طول عمرنا عايشين مع بعض» قد يفاقم هذا الشِقاق، ويؤسس هذا التجاهل اليوم لسلطوية جديدة تفرض تمثيلها على كل السوريين. قد لا يكون مُصيباً السعي لتمثيلنا كـ«مكونات» في المؤتمر الوطني، سواء كنا دروزاً أم علويين أم كُرداً أم غير ذلك، لكن لا يمكن أيضاً السكوت عن استعمال لغة  تخوينية حيال عدم الانصياع لما تمليه السلطة، وطلب الرضوخ الأعمى والاكتفاء بالـ«التطمينات»، خاصة وإن كانت خارج حدود الديمقراطية، الكلمة التي تفادت السلطة استعمالها ما استطاعت. ليس من المنطقي أن تفترض السلطة أننا مجتمع متشابه، متجاهلةً التوترات الطائفية والقومية، ومعتبرةً أن الكتلة البشرية الأكبر من سكان البلاد متماهيةً مع ذلك. وبوضوح أكثر، لا يمكن أيضاً أن تعامل السلطة السكان السنة أنفسهم على أنهم كتلة مصمتة متفقة ومتماشية مع إرادتها، وكأنهم ليسوا أيضاً موزعين بين ديمقراطيين وليبراليين وإسلاميين وعلمانيين وملحدين وخلائط من هذه التوجهات، ناهيك عن السنة الراضين بشكل السلطة دوناً عن أدواتها.

        سوريا اليوم أضعف اقتصادياً وعسكرياً من أن تكون قادرة على مواجهة التحديات الخارجية والداخلية، والطريق الوحيد للبدء بمرحلة بناء الدولة، ولتفادي مزيدٍ من العدوان الإسرائيلي، هو عبر التخلص من العجز السياسي أولاً. إن التحالف الطبيعي والمنطقي للسوريين هو مع السوريين أنفسهم، وعلى الحكومة أن تقود المرحلة بهذا الاتجاه عبر مشروع وطني جامع، يعترف بتعقيدات المسألة الكردية، ويضمن بخطوات عملية عدم تكرار ماضي الكرد مع نظام الأسد من قمع وترهيب وحرمان من أبسط حقوق المواطنة؛ ويمنع الأحداث الانتقامية التي تكررت في الساحل وحمص عبر وضع مسار عدالة انتقالية واضح؛ ويستمع للأصوات والقوى المدنية والسياسية في السويداء، وغيرها، والقيام بإجراءات تعترف بتنوع السوريين واختلافهم، وتضمن التمثيل السياسي والتعددية والمشاركة السياسية وتطبيق آليات عدالة تجبر ضرر الضحايا وتفتح الباب لطرد الأحقاد.

موقع الجمهورية

—————————-

مخططات نتنياهو في السويداء وجرمانا… محاولة لإجهاض الدولة السورية/ أحمد زكريا

2025.03.04

بعد سنواتٍ من الحرب والدمار، استطاع الشعب السوري أن يفتح صفحةً جديدةً بإسقاط النظام البائد في 8 كانون الأول/ديسمبر 2024، لتبدأ رحلة بناء دولةٍ وليدةٍ تسعى لاستعادة عافيتها واستقرارها.

لكن هذا الانتصار لم يَرق للكيان الصهيوني، الذي بدأ يَحوك مخططاته لتقويض هذه الدولة الناشئة بشتى الوسائل، سواء عسكرياً أو سياسياً أو إعلامياً، فما الذي يدفع الاحتلال الإسرائيلي إلى اتخاذ هذا الموقف العدائي؟ وكيف يواجه الشعب السوري هذه التحديات؟

منذ اللحظة الأولى لسقوط نظام الأسد السابق، سارعت إسرائيل إلى قصف مئات الأهداف العسكرية السورية، بما في ذلك مخزونات الأسلحة الاستراتيجية التي كانت تابعةً للجيش السابق، وكان الهدف واضحاً: منع السلطة الجديدة من السيطرة على هذه الأسلحة واستخدامها لتأمين الحدود وضبط الأمن الداخلي.

هذا التدخل العسكري لم يكن مجرد ردّ فعلٍ عشوائي، بل جزءاً من استراتيجيةٍ مدروسةٍ لإبقاء سورية ضعيفةً عسكرياً، عاجزةً عن مواجهة التهديدات الخارجية أو حتى فرض سيادتها على أراضيها. واحتلالُ إسرائيل للمنطقة العازلة السورية، مُعلِنةً انهيار اتفاقية فضّ الاشتباك لعام 1974، يعزّز هذا التوجّه، مما يثير تساؤلاتٍ حول نواياها الحقيقية.

على الصعيد السياسي والإعلامي، لجأت إسرائيل إلى أسلوبها المعتاد في استغلال التنوع العرقي والديني لسورية كمدخلٍ للفتنة، فتصريحات رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الحرب يسرائيل كاتس بشأن “حماية الأقلية الدرزية” في حال تعرضها للخطر لم تكن سوى ذريعةٍ للتدخل في الشؤون الداخلية السورية.

بل إن إعلان نتنياهو أن الجيش الإسرائيلي سيحمي سكان جرمانا بريف دمشق، متوعداً بضرب أي قوةٍ أمنيةٍ سورية تحاول فرض السيطرة هناك، يكشف عن محاولةٍ لفرض وصايةٍ على مناطق محددة بحجة “الحماية”.

بلا شك، فإن هذه التصريحات أثارت غضب أهالي السويداء، الذين خرجوا في مظاهراتٍ رافضةٍ للتدخل الصهيوني، مؤكدين على وحدة التراب السوري ورفضهم لأي وصايةٍ خارجية.

يبدو أن الإعلام الصهيوني يلعب دوراً موازياً في تضخيم هذه الرواية، محذراً من السماح لأي قوةٍ عسكريةٍ سورية بالاقتراب من مناطق الدروز، وهو ما يعكس سعياً واضحاً لخلق انقساماتٍ داخلية، لكن الشعب السوري، بوعيه المتزايد، أدرك أن هذه التصريحات ليست سوى محاولةٍ لجرّ سوريا إلى “حربٍ أهلية”، خاصةً بعد أن أثبتت المظاهرات في دمشق والسويداء تماسك المكونات السورية في مواجهة هذا التهديد.

لم تكتفِ إسرائيل بالتدخل العسكري والسياسي، بل عمدت إلى دعم حركات التمرد داخل سوريا لخلق حالةٍ من الفوضى، فإعلان دعمها للأكراد في شمال شرق الفرات، على سبيل المثال، يهدف إلى إضعاف سلطة الدولة الجديدة على كامل أراضيها. وهذا الدعم ليس جديداً، بل يندرج ضمن استراتيجيةٍ طويلة الأمد تهدف إلى تقسيم سوريا وإبقائها دولةً فاشلةً، عاجزةً عن تشكيل أي تهديدٍ للكيان الصهيوني، فكما يؤمن اليمين الإسرائيلي، وفق نظرية المستشار السابق لشارون عوديد ينون، فإن قوة إسرائيل تكمن في ضعف جيرانها.

هذا النهج يتقاطع مع مشاريع تقسيمية غربية-إسرائيلية، مثل خطة برنارد لويس التي رسمت خرائط لتفتيت الدول العربية بناءً على التجمعات العرقية والمذهبية، وبالتالي فإن الدعوات “الدرزية” التي تروّج لها إسرائيل ليست سوى جزءٍ من هذا المخطط، الذي يسعى إلى تفكيك النسيج الاجتماعي السوري وإضعاف الدولة الوليدة.

ورغم هذه التحديات، أظهر الشعب السوري تماسكاً لافتاً. المظاهرات في السويداء ودمشق لم تكن مجرد ردّ فعلٍ عابر، بل تعبيراً عن وعيٍ شعبيٍّ بأهمية الوحدة الوطنية، فقائد حركة “رجال الكرامة” في السويداء أكّد رفضَ أيّ وصايةٍ خارجية، مشدداً على أن سورية موحّدةً هي الهدف الأسمى، وهذا الوعي يمتدّ إلى جميع المكوّنات، التي رفضت الوقوع في فخّ الفتنة الصهيونية، مدركةً أن استقرار الدولة وإعادة إعمارها هما الردّ الأقوى على هذه المخططات.

وعلى الصعيد السياسي، تحرّكت الحكومة الجديدة بحنكةٍ لكسب الاعتراف الدولي، وهو ما أثار استياء إسرائيل، وهذا النجاح الدبلوماسي، الذي يمهّد لدعمٍ اقتصاديٍ لإعادة الإعمار، يعزّز شرعية الدولة الوليدة ويجعل التدخل العسكري الصهيوني المباشر أمراً مستبعداً، خاصةً مع تماسك الشعب السوري للدفاع عن وطنه.

بعض الأصوات ترى أن الحلّ يكمن في المشروع الكردي الذي تدعمه “قسد”، معتبرةً أن له حقاً تاريخياً في المناطق الغنية اقتصادياً بشرق الفرات، لكن هذا الطرح يتناقض مع واقع الدولة السورية الموحّدة، التي تؤكد السلطات الجديدة على حقوق جميع الطوائف في إطارها، فأيّ انفصالٍ أو تقسيمٍ سيخدم فقط أجندة إسرائيل والغرب، ولن يحقّق الاستقرار المنشود.

إسرائيل، بقيادة نتنياهو، لن تتجاوز حدود التصريحات والتدخلات المحدودة، لأنها تعلم أن الشعب السوري المتكاتف قادرٌ على إفشال مخطّطاتها، والدولة السورية الجديدة، التي حظيت بقبول غالبية المجتمع الدولي، تملك اليوم فرصةً تاريخيةً لإعادة بناء نفسها، شريطة أن يظلّ شعبها متمسكاً بوحدته وواعياً للمؤامرات التي تحاك ضدّه، ففي النهاية، لن تكون القوة العسكرية أو الدعم الخارجي وحدهما كفيلين بالانتصار، بل إرادةُ شعبٍ يرفض التقسيم ويسعى لاستعادة كرامته وسيادته.

عندما ننظر إلى مساعي بنيامين نتنياهو تجاه الدروز في سوريا، يتبادر إلى الذهن سؤالٌ مشروع: هل يسعى نتنياهو فعلاً لحماية الدروز، أم أن الأمر مجرد لعبةٍ سياسيةٍ تهدف إلى توريطهم، واستغلالهم، وحتى تدميرهم معنوياً لتحقيق أهدافٍ أكبر؟ لنكن صريحين، فالتاريخ يعلّمنا أن الدول، وإسرائيل ليست استثناءً، لا تتحرك عادةً بدافع الإنسانية، بل بدافع المصلحة، والمصلحة هنا تبدو واضحةً: إضعافُ سوريا عبر دقّ الأسافين بين مكوّنات شعبها، وفق مبدأ “فرّق تسد” الذي أثبت فعاليته عبر العصور.

لطالما راهنت إسرائيل على مشاريع تفكيك سوريا، وكان أبرزها في السابق الرهان على الوحدات الكردية كقوةٍ قادرةٍ على تقطيع أوصال البلاد، لكن مع تراجع هذا الرهان لأسبابٍ سياسيةٍ وعسكرية، تحوّلت الأنظار نحو مدخلٍ جديد: الدروز.

إن تردد الدروز في حسم موقفهم تجاه التغيرات الأخيرة في سوريا، سواءٌ بالانضمام إلى الإدارة الجديدة أو مواجهتها، يمنح إسرائيل هامشاً ذهبياً للتلاعب بهذا الواقع.

لنطرح السؤال بصراحة: متى كانت الدول، وبالأخصّ إسرائيل، تتعامل بمبدأ الإنسانية؟ وما الضيم الكبير الذي وقع على أهل السويداء حتى يُقال إن هناك حاجةً لـ”حمايتهم”؟ الحقيقة أن القصة أعمق من مجرد شعارات، فأهل السويداء، بوطنيتهم التي لا تُنكَر، يقفون اليوم على محكّ اختبارٍ وطنيٍ حقيقي، فهم ليسوا بحاجةٍ إلى “حماية” خارجيةٍ بقدر ما هم بحاجةٍ إلى وحدةٍ داخليةٍ تحميهم من الوقوع في فخّ الاستغلال.

سوريا الموحّدة، بكل مكوّناتها، تشكل خطراً وجودياً على إسرائيل، وهذا ليس افتراضاً بل حقيقةٌ تاريخية، ولهذا لا يمكن قراءة مساعي نتنياهو تجاه الدروز إلا كجزءٍ من استراتيجيةٍ أوسع تهدف إلى تأجيج الانقسامات الداخلية في سوريا، ليس فقط لإضعافها بل لإبعادها عن أي مواجهةٍ محتملةٍ مع إسرائيل.

الدروز هنا ليسوا هدفاً للتدمير المباشر، بل أداةٌ يمكن تطويعها لخدمة المصالح الإسرائيلية، كما حدث مع دروز فلسطين الذين جُنّدوا تاريخياً ليكونوا جزءاً من النسيج السياسي والعسكري للدولة العبرية.

في النهاية، دعمُ إسرائيلَ للدروز في سوريا ليس سوى ورقةَ ضغطٍ ودعايةٍ سياسيةٍ تُدار بعناية، أي أن نتنياهو لا يريد “حماية” الدروز بقدر ما يريد استغلالهم لتعزيز الفوضى وتقويض وحدة سوريا، والسؤال الذي يبقى معلّقاً: هل سينجح في ذلك، أم أن وعيَ أهل السويداء وتمسّكهم بوطنيتهم سيفشل هذه اللعبة؟ الجواب يعتمد على الدروز أنفسهم، لا على نتنياهو ونواياه.

تلفزيون سوريا

—————————-

تحطيم مشاريع تقسيم سوريا يبدأ من شمالها/ محمود علوش

2025.03.03

في الوقت الذي تشق فيه سوريا طريقاً وعراً للعبور نحو الدولة الجديدة، تبرز التحركات العدوانية الإسرائيلية كخطر كبير يُهدد تفكيك سوريا. إن حديث رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن جنوب سوريا كمنطقة منزوعة السلاح ومنع الجيش السوري الجديد من الانتشار فيها وعدم تسامح إسرائيل مع أي تهديد لدروز سوريا، ثم حديث وزير خارجيته عن تهديدات تواجه بعض المكونات السورية الأخرى مثل العلويين والأكراد، تُشير إلى أن دوافع التحركات العدوانية الإسرائيلية في سوريا تتجاوز مواجهة التهديد الأمني المزعوم لها إلى تفكيك الكيان السو

في الوقت الذي تشق فيه سوريا طريقاً وعراً للعبور نحو الدولة الجديدة، تبرز التحركات العدوانية الإسرائيلية كخطر كبير يُهدد تفكيك سوريا. إن حديث رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن جنوبي سوريا كمنطقة منزوعة السلاح ومنع الجيش السوري الجديد من الانتشار فيها وعدم تسامح إسرائيل مع أي تهديد لدروز سوريا، ثم حديث وزير خارجيته عن تهديدات تواجه بعض المكونات السورية الأخرى مثل العلويين والأكراد، تُشير إلى أن دوافع التحركات العدوانية الإسرائيلية في سوريا تتجاوز مواجهة التهديد الأمني المزعوم لها إلى تفكيك الكيان السوري والعمل على إبقاء سوريا دولة ضعيفة وغير قادرة على بسط سيادتها على جميع أراضيها. ولا يجد المسؤولون الإسرائيليون حرجاً في التعبير عن هذه الأهداف.

في الثامن والعشرين من فبراير شباط الماضي، كشفت وكالة رويترز أن إسرائيل تضغط على الولايات المتحدة لإبقاء سوريا ضعيفة وبلا قوة مركزية من خلال السماح لروسيا بالاحتفاظ بقاعدتيها العسكريتين هناك لمواجهة النفوذ التركي المتزايد في البلاد. لا يُخفى أن إسرائيل ترى في سوريا الضعيفة والتي تنهشها النزعات الانفصالية على الأطراف أكثر فائدة لها من سوريا موحدة وقادرة على استعادة عافيتها من الحرب. مع ذلك، هناك حقيقتان ينبغي أخذهما بعين الاعتبار عند تقييم حجم الخطر الإسرائيلي على سوريا. الأولى، أن إسرائيل يُمكن أن تُضفي مزيداً من التحديات على التحول وتستطيع الاحتفاظ باحتلالها لأجزاء جديدة من سوريا بعد الإطاحة بنظام الأسد ومواصلة ضرب ما تبقى من أصول عسكرية سورية، لكنّها غير قادرة على فعل أكثر من ذلك. والحقيقة الثانية أن طموحات إسرائيل لتفكيك الكيان السوري تستمد قوتها بدرجة أساسية من حالة قسد في الشمال.

حقيقة أن معالجة ملف قسد لا يُمكن أن تتم في إطار سوري بحت بالنظر إلى ارتباط هذه المسألة بصراع تركيا مع حزب العمال الكردستاني وبالوجود العسكري الأميركي الذي يُشكل حماية لمشروع الإدارة الذاتية في مناطق الجزيرة السورية، فإن المعالجة مُعقدة وقد تستغرق بعض الوقت. مع ذلك، هناك ضوء ظهر في النفق مؤخرا مع اكتساب عملية السلام الجديدة بين تركيا وحزب العمال الكردستاني زخماً قوياً بدعوة عبد الله أوجلان للتنظيم إلى حل نفسه والتخلي عن السلاح والأطروحات الراديكالية. لقد سارع مظلوم عبدي قائد قوات سوريا الديمقراطية إلى الترحيب بهذه العملية لكنّه نأى بقسد عن دعوة أوجلان لإلقاء السلاح. ويبدو هذا النأي مفهوماً بالنظر إلى أن قبول الدعوة يعني اعترافاً صريحاً من عبدي بأن الوحدات الكردية ذراع سوري لحزب العمال الكردستاني ولتجنب أي التزام بالتخلي عن السلاح لعدم إضعاف وقف الوحدات التفاوضي بخصوص مستقبل وضعها بعد التحول السوري.

من المعلوم أن هناك مفاوضات تجريها قسد مع الإدارة السورية الجديدة للتوصل إلى تسوية لوضعها. وهي تجري بالتوازي مع سياقين، الأول التنسيق التركي السوري والثاني مفاوضات تركية أميركية. ويُعطي توقيت دعوة أوجلان مؤشراً على جدية المسار التفاوضي بخصوص قسد. وإذا تحلى مظلوم عبدي بواقعية أوجلان في قراءة الحالة الكردية الإقليمية والظروف الإقليمية المتحولة المؤثرة عليها، وتخلى عن رهانات أثبتت التجربة أنها خاسرة، فإن فرص التوصل إلى تسوية لملف قسد ستُصبح كبيرة.

مع ذلك، لا يبدو عبدي في وضع يسمح له التفكير في الكيفية التي يُمكن فيها أن يُحقق أقصى قدراً من المكاسب وفرض شروطه على الإدارة السورية. فالولايات المتحدة في ظل إدارة الرئيس دونالد ترمب تُظهر اهتماماً أقل بالحفاظ على علاقاتها بالوحدات الكردية وتميل إلى إبرام تسوية مع تركيا بخصوص ملف قسد. كما أن إدارة الرئيس أحمد الشرع أصبحت أكثر تمكناً في الداخل وتُعزز بشكل متزايد القبول الدولي لها.

إن التسوية السياسية لملف قسد هو الخيار الأفضل والأقل كلفة على سوريا وتركيا وعلى أكراد سوريا كذلك. لكنّه بعد إعلان نتنياهو عن رؤية إسرائيل لسوريا الجديدة كدولة ضعيفة تنهشها المشاريع الانفصالية، فإن حسم ملف قسد أصبح حاجة أمن قومي لسوريا لأن استمرار هذه المسألة لفترة أطول لن يؤدي سوى إلى رفع مخاطر تفكيك الكيان السوري. على الرغم من أن قدرة إسرائيل على تفكيك سوريا ضعيفة للغاية بالنظر إلى أن تأجيج النزعة الانفصالية في الجنوب لا يحظى بقبول بين الدروز، إلاّ أن المشروع الإسرائيلي يستمد قوته بدرجة رئيسية من حالة قسد في الشمال لأن تمكن مشروع الوحدات الكردية سيُظهر ضعف قدرة سوريا في استعادة سيادتها على جميع أراضيها وسيُشكل مُحفزاً قوياً للأطراف الساعية إلى تفكيك سوريا على نطاق أوسع. إن معالجة التهديدات التي تواجه وحدة سوريا والتعامل مع المشروع الإسرائيلي يبدآن من استعادة السيادة الوطنية على مناطق الجزيرة السورية. وحتى في الوقت الذي تُعزز فيه عملية السلام الجديدة بين تركيا وحزب العمال الكردستاني من فرص التسوية السياسية لملف قسد، فإن الرسالة التي سيتعين على دمشق وأنقرة إيصالها إلى قسد أن التسوية السياسية أفضل الخيارات ولكنها ليست الخيار الوحيد.

تلفزيون سوريا

—————-

سياقات التصعيد الإسرائيلي بسوريا وخيارات الإدارة الجديدة/ فراس فحام

4/3/2025

في أواخر فبراير/شباط الماضي، ارتفع التصعيد الإسرائيلي تجاه سوريا بشكل غير مسبوق، حيث توغلت قوات إسرائيلية في الجنوب السوري تزامنا مع تنفيذ غارات جوية استهدفت مواقع متعددة في درعا وريف دمشق.

ووصلت عشرات الآليات الإسرائيلية إلى بلدة البكار في ريف درعا الغربي وفجّرت ثكنة عسكرية، إضافة إلى اقتحامها بلدة جبا بريف القنيطرة. كما قصفت طائرات إسرائيلية ثكنة عسكرية أقامتها وزارة الدفاع السورية في تل الحارة بريف محافظة درعا.

وفي مطلع مارس/آذار الجاري، نفذت الطائرات الإسرائيلية غارات جديدة استهدفت ثكنات عسكرية سورية في محافظتي طرطوس واللاذقية، توازيا مع توغل جديد في ريفي درعا والقنيطرة بعمق يصل إلى 12 كيلومتراً.

وفي سياق متصل، قالت إذاعة الجيش الإسرائيلي، إن إسرائيل أقامت بهدوء شديد منطقة أمنية داخل الأراضي السورية، مشددة على أن الوجود الإسرائيلي في سوريا لم يعد مؤقتا، حيث يتم بناء 9 مواقع عسكرية بالمنطقة الأمنية.

وأضافت أن 3 ألوية تعمل هناك مقارنة بكتيبة ونصف الكتيبة قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وأكدت أن الجيش يخطط للبقاء بسوريا طيلة عام 2025.

أثار هذا التصعيد الإسرائيلي المخاوف من وجود نية لتوغل أوسع في الجنوب السوري، خاصة وأن هذه الخطوات سبقها مطالبة واضحة من الحكومة الإسرائيلية للإدارة السورية بالانسحاب من كامل جنوب سوريا.

سياقات التصعيد

جاء هذا التصعيد ضد سوريا في وقت يستعد فيه رئيسها أحمد الشرع للمشاركة في القمة العربية الطارئة في القاهرة، والمخصصة لمناقشة اتخاذ موقف عربي موحد من الخطة التي طرحها الرئيس الأميركي دونالد ترامب المتعلقة بتهجير سكان غزة إلى إحدى البلدان العربية.

من جهة أخرى، فإن التوغل الإسرائيلي والقصف الجوي الواسع انطلق بعد ساعات فقط من الإعلان عن مخرجات الحوار الوطني السوري الذي شكل خطوة مهمة لمنح الشرعية الداخلية للإدارة السورية بمشاركة مختلف أطياف الشعب السوري، والتوافق على جملة من المخرجات.

لكن يبدو أن إسرائيل لا ترغب في استقرار الأمر للإدارة الحالية لتخوفها من التغير الذي طرأ على علاقات سوريا الإقليمية، وهذا ما كشفته تسريبات نشرتها وكالة رويترز في 28 فبراير/شباط الماضي.

ونقلت عن مصادر بأن إسرائيل تضغط على الولايات المتحدة من أجل إبقاء القواعد الروسية في سوريا لمنع استمرار تمدد تركيا في ظل العلاقة المتوترة بين تركيا وتل أبيب بعد حرب غزة.

وتقف تركيا وإسرائيل على طرفي نقيض في الملف السوري، حيث تتمسك أنقرة بوحدة الأراضي السورية وهذا ما تكرره في تصريحات المسؤولين الأتراك الرسمية، في حين تدعم إسرائيل فكرة سوريا الفدرالية.

وفي حين تسعى الإدارة السورية لإعادة هيكلة المؤسسة العسكرية من جديد، تستهدف الهجمات الإسرائيلية مواقع تتبع وزارة الدفاع السورية الجديدة.

وتستعد إسرائيل لصدام مباشر قد يكون مع تركيا -وفق الخبير العسكري العميد إلياس حنا- الذي قال إن تل أبيب تخشى اتفاقا تركيا سوريا في مجال الدفاع يتيح تسليح الجيش السوري الجديد وإنشاء قواعد عسكرية تركية داخل سوريا، “لذلك إسرائيل تريد استباق ذلك وخلق واقع جديد”.

هروب إلى الأمام

ومن ناحية أخرى على صعيد الداخل الإسرائيلي، يتعرض رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لاتهامات من معارضيه -أمثال يائير غولان زعيم حزب الديمقراطيين- بأنه يتهرب من الدخول في المرحلة الثانية لاتفاق غزة لأنه لا يريد إنهاء الحروب، وهو ما قد يعني أنه يسعى إلى توجيه الأنظار إلى الساحة السورية.

وقد أثارت تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حول جنوب سوريا جدلاً واسعاً، حيث اعتبرها محللون خطوة إستراتيجية لإعادة رسم خريطة النفوذ في المنطقة، مستغلّة حالة الفوضى وعدم الاستقرار في سوريا، وبدعم مباشر من واشنطن.

وفي خطوة لافتة، بدأت إسرائيل استقبال عمال سوريين في الجولان المحتل، مما أثار غضباً شعبياً داخل سوريا، تُرجم في احتجاجات غاضبة ضد هذه التحركات.

إضعاف السلطة المركزية

سلط الإعلام الرسمي الإسرائيلي بعيد سقوط نظام الأسد الضوء على العلاقات بين تل أبيب وقوات سوريا الديمقراطية (قسد) التي تسيطر على مناطق عدة في محافظات الجزيرة السورية، كما أطلق وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر تصريحات عدة أكد فيها رغبة تل أبيب في دعم الأقليات في سوريا.

وقبل التصعيد الإسرائيلي الأخير بأيام قليلة، شدد نتنياهو على أن إسرائيل لن تسمح بأي تهديدات للطائفة الدرزية في سوريا، وبعد هذا التصريح بساعات أعلنت مجموعة محلية في بلدة الغارية بمحافظة السويداء عن تشكيل مجلس عسكري يقوده ضابط يدعى طارق الشوفي.

وجاء في بيان الإعلان تأكيد تبني اللامركزية، ويبدو أنها خطوات متلاحقة لإضعاف السلطة السورية المركزية، وهذا ما أكدته التسريبات التي نقلتها وكالة رويترز، حيث أشارت مصادرها إلى أن إسرائيل تسعى لدى ترامب للإبقاء على سوريا ضعيفة وبلا قوة مركزية.

وقد تجلت مساعي إسرائيل لإضعاف الحكومة السورية أيضاً، فيما نقلت تقارير غربية عن محاولة وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر إقناع قرابة 20 دولة أوروبية بعدم رفع العقوبات الاقتصادية عن سوريا.

كما أن الوزير ذاته أدلى بتصريحات، وصف فيها الحكومة الحالية السورية بأنها “إسلامية إرهابية من محافظة إدلب”، مشدداً على أن سوريا لا يمكن إلا أن تكون فدرالية.

وحذرت صحيفة ميدل إيست آي البريطانية من احتمالية أن تكون ما وصفتها “المغامرة الإسرائيلية” تهدف إلى إقامة دولة على امتداد الحدود مع مرتفعات الجولان، إلى جانب دولة أخرى شمال شرقي سوريا الخاضع لسيطرة الأكراد، مما يعني انتهاء الأمر بالرئيس السوري إلى إعلان حكومة في وقت لا يسيطر فيها على أجزاء عدة من البلاد.

تحذيرات من نهج إسرائيلي إستراتيجي

تؤكد إسرائيل أن تحركاتها في سوريا مؤقتة إلى أن يتم ترتيب الأوضاع الأمنية مع الحكومة السورية الجديدة، وسلوك الأخيرة هو ما سيحدد، ما إذا كانت إسرائيل ستستمر في تصعيدها أم لا، كما أكد نتنياهو في وقت سابق، أن بلاده مستعدة لإقامة علاقات طيبة مع السلطات الجديدة في سوريا بشرط أن تمنع النشاط العسكري الإيراني في سوريا.

وناقض ساعر تصريحات رئيس حكومته، مؤكداً أن التفكير في دولة سورية واحدة مع سيطرة فعّالة وسيادة على كل مساحتها أمر غير واقعي، واعتبر أن المنطق هو السعي لحكم ذاتي للأقليات في سوريا وربما مع حكم فدرالي.

وفي مطلع مارس/آذار الجاري، بدأت إسرائيل بالسماح لشحنات مساعدات غذائية بالتوجه إلى القرى والبلدات الدرزية عبر معبري عين التين ومجدل شمس قرب بلدة حضر بريف القنيطرة، وسبقها إعلان السماح للدروز السوريين بالعمل داخل الأراضي الخاضعة لسيطرة إسرائيل.

وفي تماهٍ مع الطرح الإسرائيلي، أكد قائد قسد مظلوم عبدي أثناء ظهوره على قناة (بي بي سي) أواخر الشهر الماضي، رغبتهم في تأسيس دولة لا مركزية تضمن حقوق الكرد، مؤكداً وجود خلافات مع حكومة دمشق.

وكرر عبدي الوصف ذاته، الذي تطلقه إسرائيل على الحكومة السورية الجديدة بأنها “قوة سلفية جهادية”، كما رحب بكل من يقدم الدعم لهم بما فيها إسرائيل التي لها تأثير على أميركا والغرب.

ومن جانبه، يرى الباحث العراقي لقاء مكي أن إستراتيجية إسرائيل تركز على العراق وسوريا باعتبارهما تهديدين محتملين، لأنهما كانا دوماً عمقاً للقضية الفلسطينية، معتبراً أن ما تقوم به تل أبيب من تشجيع لانفصال الدروز والأكراد ليس حرباً نفسية لإشغال الحكم الجديد، بل هو مسعى حقيقي للتقسيم.

واعتبر الباحث في التحليل الذي نشره بشأن التصعيد الإسرائيلي، أن تل أبيب لن تركع لوضع سوريا الراهن، فهي تعتبرها بلداً قوياً وإن بدا متعباً لأنه قد يتعافى بسرعة من المتوقع ويصبح خطراً على إسرائيل.

ولذا، بحسب مكي، فإن إسرائيل تسعى لاستغلال الظرف الراهن وخلق حاجز ديموغرافي بينها وبين سوريا بتأسيس كيان درزي يمتد من حدود الأردن إلى لبنان مروراً بسوريا، معتبراً أن نجاح هذا السيناريو ليس سهلاً نظراً لرفض قسم واسع من دروز سوريا له.

خيارات الإدارة السورية لمواجهة التصعيد

لم تتخذ الإدارة السورية الجديدة إجراءات واضحة حتى اللحظة لمواجهة التصعيد الإسرائيلي، وصدرت إدانة السلوك الإسرائيلي من خلال مخرجات مؤتمر الحوار الوطني السوري.

وأكدت مصادر دبلوماسية في دمشق، أن الإدارة السورية تجري اتصالات مع إدارة ترامب لإقناعها بالضغط على إسرائيل من أجل وقف عدوانها على الجنوب السوري، لكن لا يوجد رد فعل واضح من الإدارة الأميركية أو مؤشرات على إمكانية ممارسة ضغوط على تل أبيب.

ووفقا للمصادر، فإن الإدارة أيضاً تجري اتصالات مع دول إقليمية وعربية لوضع تصور عن آلية التعاطي مع تصعيد إسرائيل، وسيتم مناقشة الملف بشكل أوسع خلال القمة العربية الطارئة المرتقبة في القاهرة.

ومن الواضح، أن التصعيد الإسرائيلي ضد سوريا ارتفع كثيرا بعد وصول ترامب إلى البيت الأبيض، مما يعني أن التعويل على الإدارة الأميركية لضبط سلوك تل أبيب قد يكون فكرة غير واقعية.

وقد توقعت صحيفة جيروزاليم بوست في تحليل لها نشرته، أن الرئيس ترامب سيدعم احتلال إسرائيل للمنطقة العازلة في سوريا، والبقاء فيها سنوات مقبلة، مما سيقلل من أهمية أي ضغوط أخرى ستمارس على إسرائيل بما فيها الضغوط الأوروبية.

المصدر : الجزيرة

———————————-

أهداف إسرائيل الحقيقية في سوريا/ كمال أوزتورك

4/3/2025

إسرائيل هددت بالتدخل لحماية الدروز في منطقة جرمانا جنوب دمشق بعد دخولهم في مواجهات مع القوات الأمنية السورية (وكالة الأناضول)

كان نداء عبدالله أوجلان، الزعيم المؤسس لحزب العمال الكردستاني، في 27 فبراير/ شباط، الداعي إلى حل التنظيم، وإلقاء السلاح، خطوةً ذات تأثير إقليمي.

ولم تمضِ سوى أيام قليلة على هذه الخطوة، التي من شأنها التأثير على توازنات تركيا في العراق، وإيران، وسوريا، حتى جاء رد الفعل الإسرائيلي، بإعلان دعمه للأكراد، والدروز، والعلويين في سوريا.

فقد أعلنت وزارة الدفاع ووزارة الخارجية الإسرائيلية، أن أي تدخل من قِبل حكومة دمشق ضد مجموعة صغيرة من الدروز المسلحين، الذين يرفضون تسليم أسلحتهم، ويخوضون مواجهات ضد القوات الحكومية، سيقابل بهجوم إسرائيلي على دمشق.

ولم يكتفِ وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر بذلك، بل وجّه تهديدًا لحكومة دمشق، محذرًا إياها من التعامل بعدائية مع الأكراد والدروز والعلويين. ورافق هذه التصريحات تصعيد عسكري، حيث استهدف الجيش الإسرائيلي ما يقرب من مئة موقع داخل سوريا خلال يومين.

إسرائيل تسعى إلى زعزعة استقرار سوريا

يبدو أن صعود حكومة أحمد الشرع، بعد الثورة السورية، وحصولها على دعم وقبول إقليمي واسع – باستثناء إيران – لم يكن أمرًا مرحبًا به من قِبل إسرائيل.

لكن ما أزعجها أكثر هو النفوذ التركي المتنامي بشكل غير مسبوق في سوريا والمنطقة، إضافةً إلى الضغط على الجناح السوري لحزب العمال الكردستاني، والمتمثل في حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD)، لإلقاء السلاح.

ورغم أن حزب الاتحاد الديمقراطي قد تلقى دعمًا عسكريًا من الولايات المتحدة، فإنه في الوقت نفسه يمتلك ارتباطات وثيقة مع إسرائيل. فقد سبق أن صرّحت إلهام أحمد، مسؤولة العلاقات الخارجية في قوات سوريا الديمقراطية – التي تضم فصائل منبثقة عن حزب العمال الكردستاني-، بأن إسرائيل يجب أن تكون جزءًا من الحل لضمان أمن سوريا والشرق الأوسط.

في الواقع، تسعى إسرائيل إلى منع سوريا من استعادة استقرارها وقوتها، وذلك من خلال استخدام الدروز في الجنوب، والعلويين في الساحل، والأكراد في الشمال.

وهدفها الآخر هو التصدي لتزايد النفوذ التركي، حيث تؤكد مراكز الأبحاث والمحللون الإسرائيليون والغربيون، أن توسع النفوذ التركي يهدد المصالح الإسرائيلية في المنطقة.

محاولات كبح النفوذ التركي

أدَّت الثورة السورية إلى إعادة تشكيل المشهد الإقليمي، حيث وقفت دول مثل لبنان، العراق، الأردن، مصر، السعودية، قطر، والإمارات في صف دمشق. كما ساهم الضغط الأميركي والإسرائيلي على مصر، الأردن، والسعودية لاستقبال اللاجئين الفلسطينيين المرحّلين من غزة في تعزيز هذا التحالف الإقليمي.

لكن تركيا، التي دعمت المعارضة السورية لسنوات، وجدت نفسها فجأة أمام واقع جديد يمنحها نفوذًا غير مسبوق يمتد حتى حدود إسرائيل.

وقد تفاقم قلق تل أبيب بعد إعلان رئيس الوزراء اللبناني من أنقرة عن بدء مرحلة جديدة من العلاقات الثنائية، مما أثار مخاوف إسرائيلية من تعاظم الدور التركي في المنطقة.

وجاء إعلان حزب العمال الكردستاني عن نيته حل التنظيم وإلقاء السلاح ليعزز موقع تركيا أكثر. فالعراق، الذي لطالما كان ساحة نفوذ إسرائيلي، ينظر بارتياح إلى هذه التطورات. ولمواجهة ذلك، شرعت إسرائيل في تكثيف جهودها لزعزعة استقرار سوريا عبر استغلال ورقة الأقليات.

وفي 2 مارس/ آذار، صرّح وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر بأن “النظام السوري لم يُنتخب من قبل شعبه، بل هو مجموعة من الجهاديين الذين سيطروا على إدلب، ثم اجتاحوا دمشق وبقية المناطق بالقوة. ليس لهم الحق في اضطهاد الأقليات كالدروز، والأكراد، أو العلويين”.

أما في 1 مارس/ آذار، فقد أصدر مكتب الإعلام بوزارة الدفاع الإسرائيلية بيانًا أفاد بأن “رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع يوآف غالانت أصدرا تعليمات بالاستعداد لحماية الدروز في حي جرمانا بدمشق، الذين تعرضوا لهجوم من قوات النظام السوري”.

هل ينحاز الدروز إلى إسرائيل؟

يؤكد خبراء تحدثوا عن الملف السوري، أن الورقة الدرزية التي تلوّح بها إسرائيل ليست سوى خدعة، ولا تمتلك أي مصداقية على الأرض.

يقول ليفنت كمال، مدير تحرير Clash Report، المختص في الشأن السوري: “صحيح أن بعض الدروز لهم أقارب في إسرائيل يعملون في الجيش أو كعمال، لكنهم معزولون عن الطائفة الدرزية الكبرى في سوريا، لبنان، والأردن.

كما أن القيادات الدينية والسياسية الدرزية، وعلى رأسهم وليد جنبلاط، أكدوا التزامهم بالوقوف إلى جانب دمشق، ما يجعل أي تحالف درزي-إسرائيلي أمرًا شبه مستحيل”.

أما الدكتور مصطفى إكيجي، الباحث المتخصص في المعارضة السورية والتكوين العرقي لسوريا، فيرى أن الرهان الإسرائيلي على الدروز بلا جدوى، موضحًا: “جميع العائلات الدرزية الكبرى ترفض التعاون مع إسرائيل. حتى في مرتفعات الجولان، لا توجد سوى بضع قرى صغيرة تقبل بالجنسية الإسرائيلية، أما بقية الدروز فهم عرب يرفضون أي تحالف مع تل أبيب”.

وتزامنًا مع تصاعد التوتر بين دمشق وتل أبيب، أعلن الزعيم الدرزي وليد جنبلاط عزمه زيارة العاصمة السورية للقاء الرئيس أحمد الشرع، في خطوة تهدف إلى التأكيد على التزام الدروز بدعم الدولة السورية، وعدم الانجرار إلى أي تحالفات مشبوهة مع إسرائيل.

هل يمكن للعلويين والأكراد أن يتحالفوا مع إسرائيل؟

تحاول إسرائيل كذلك استمالة النصيريين والأكراد إلى صفها ضد دمشق. لكن وفقًا للمحلل ليفنت كمال، فإن العلويين في سوريا يعانون منذ عقود من التهميش، وحتى في عهد الأسد لم يكن وضعهم الاقتصادي والاجتماعي جيدًا، لذا لا مصلحة لهم في التورط في أي صراع جديد.

أما الدكتور مصطفى إكيجي، فيرى أن إسرائيل ربما تجد بعض القبول داخل وحدات حماية الشعب الكردية (YPG)، لكنها لن تستطيع حشد الأكراد ضد دمشق، موضحًا: “بعد سنوات من الصراع، لا يرغب الأكراد في إشعال جبهة جديدة، خاصة أن غالبية القوى الفاعلة في سوريا، بمن في ذلك العرب، تدعم حكومة الشرع. كما أن هناك انقسامات داخل (YPG) حول دعوة عبدالله أوجلان لحل التنظيم”.

ويضيف: “إسرائيل غير قادرة على تقديم دعم ميداني مباشر لـ (YPG)، مما يجعل خطتها غير قابلة للتطبيق على الأرض”.

لقاء ترامب- أردوغان سيحسم المسألة

بالنسبة لواشنطن، لم تعد سوريا مغرية من الناحية الاقتصادية، إذ إن مواردها النفطية محدودة مقارنة بأوكرانيا، حيث تتطلع الولايات المتحدة للاستحواذ على ثروات ضخمة. لكن إسرائيل نجحت في إقناع واشنطن، عبر لوبياتها، بأن الانسحاب الأميركي من سوريا سيفتح الباب أمام تركيا لتوسيع نفوذها على حساب الأمن الإسرائيلي.

ولذلك، تسعى إسرائيل حاليًا لخلق أزمة داخلية في سوريا عبر تأجيج المسألة الطائفية، بهدف إبقاء واشنطن منخرطة في الملف السوري. لكن رغم هذه المناورات، تبدو الوقائع على الأرض غير مواتية للمخطط الإسرائيلي.

تركيا من جهتها تسعى لإقناع ترامب بتسوية سياسية تدمج (YPG) داخل الجيش السوري الجديد، مما يضمن استقرار المنطقة دون الحاجة لمواجهة عسكرية. ووفقًا للمراقبين، فإن الاجتماع المرتقب بين أردوغان وترامب سيحدد مسار الأحداث في سوريا، وسيؤدي إلى أحد احتمالين:

    إما أن تشن تركيا عملية عسكرية ضد (YPG).

    أو يتم دمج التنظيم بشكل سلمي في المنظومة السورية الجديدة.

إذا كانت لدى (YPG) نظرة عقلانية، فإنها لن تراهن على إسرائيل، التي لم تجلب سوى الدمار للمنطقة، بل ستسعى لبناء مستقبل مشترك مع سوريا وتركيا.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

كاتب وصحفي تركي

الجزيرة

——————————-

كيف تواجه السويداء مطامع إسرائيل

تحديث 04 أذار 2025

صدرت تصريحات إسرائيلية تبنت حماية الدروز في سوريا، خاصة بعد التوتر الذي شهدته مدينة جرمانا بريف دمشق، لكن الموقف في محافظة السويداء جنوبي سوريا، كان مغايرًا لما تريده تل أبيب.

التصريحات الإسرائيلية رُوِّج لها على منصات التواصل، وتحول الأمر إلى اتهام أبناء الطائفة الدرزية خاصة في السويداء بالانفصال عن سوريا.

وعزز الترويج لهذه الفكرة عدم اتخاذ الفصائل العسكرية في المحافظة إجراءات فعلية للانخراط ضمن وزارة الدفاع، شأنها شأن بقية الفصائل العسكرية العاملة سابقًا في إدلب وريف حلب.

ترتبط السويداء مع جرمانا بخلفية دينية، إذ يعيش أبناء الطائفة الدرزية فيها، وهو ما دفع وفودًا من السويداء للتوجه إلى ريف دمشق على خلفية التوتر الأخير.

جربوع والحناوي.. لا للتقسيم

في السويداء، تعد مشيخة العقل لطائفة الدروز هيئة روحية وزعامة دينية متوارثة، يبرز فيها ثلاثة عوائل رئيسية في رأس هرم الزعامة هي: الهجري وجربوع والحناوي، إلى جانب مشايخ عقل آخرين.

وحاليًا مشايخ عقل الطائفة هم: يوسف جربوع وحمود الحناوي وحكمت الهجري.

شيخا العقل حمود الحناوي ويوسف جربوع استنكروا أي حديث حول الانفصال، وأكدوا دعمهم لوحدة الأراضي السورية.

الشيخ حمود الحناوي قال لموقع “نون بوست”، “ما يجري نحن نستنكره ولا نقبل به، نحن سوريون وطنيون لا يمكن أن نخرج عن انتمائنا الوطني”.

وأضاف الشيخ، “نحن لسنا دعاة تقسيم وإذا حدث (أي التقسيم) آخر من يفكر به نحن، إلا إذا غلب علينا الأمر. نحن مع وحدة التراب السوري”.

وبالنسبة للفصائل التي تحدثت عن انفصال، قال الحناوي، “لا أعتقد أنه يوجد فصائل تنفصل عن الدولة ولن نسمح لها، أنا بالنسبة لي شخصيًا لن أسمح كرجل دين وكشيخ عقل ورجل سوري، بالانفصال عن سوريا”.

الشيخ يوسف جربوع ذكر في لقاء له مع شبكة “السويداء 24″، أن الدروز عبر التاريخ وقفوا مع الدولة السورية، “ولم نكن يومًا دعاة انفصال وتقسيم، وندعوا لوحدة الصف والجغرافيا السورية”.

وحول العلاقة مع الدروز في لبنان وفلسطين والجولان، أوضح الشيخ أن علاقات القرابة بينهم لا تدخل في الوضع السياسي، أي أن دروز لبنان وفلسطين لا يتدخلون في الوضع السياسي لسوريا.

الهجري يطالب بإشراك الدول

أما الشيخ حكمت الهجري، فلم يصدر عنه تصريح حول التصريحات الإسرائيلية، لكنه انتقد قبل أيام حكومة دمشق.

وقال الهجري لوكالة “رويترز” في 24 من شباط، “حتى الآن نحن نحترم كل الآراء لكننا لم نرَ القدرة على قيادة البلاد أو تشكيل الدولة بالطريقة الصحيحة”. وأضاف، “نحن نمضي قدمًا في ذلك، على أمل أن تصبح الأمور منظمة أو يحدث شيء جديد بحلول نهاية الفترة الانتقالية”.

وحث الهجري على إشراك الدول المؤثرة في الملف السوري، لضمان أن تسفر العملية السياسية عن دولة مدنية، مع فصل السلطات وسيادة القانون.

ساحة الكرامة ترفض إسرائيل

منذ آب 2023، برز جور ساحة الكرامة (ساحة السير) وسط مدينة السويداء بعد خروج مظاهرات مناهضة لنظام الأسد، وطالبت بسقوطه.

المظاهرات استمرت بشكل أسبوعي في الساحة، إلى جانب مظاهرات ووقفات احتجاجية شبه يومية في مختلف بلدات وقرى السويداء.

متظاهرو ساحة الكرامة ومناطق أخرى في السويداء، خرجوا في وقفات رفضوا فيها التصريحات الإسرائيلية والتدخل في سوريا.

وأكد المتظاهرون وحدة الأراضي السورية وأن السويداء جزء لا يتجزأ من سوريا، وانتقدوا فيها صمت حكومة دمشق على التوغل والتصريحات الإسرائيلية.

متظاهرون في ساحة الكرامة يرفعون لافتات ترفض التدخل الإسرائيلي في سوريا – 25 من شباط 2025 (السويداء 24)

متظاهرون في ساحة الكرامة يرفعون لافتات ترفض التدخل الإسرائيلي في سوريا – 25 من شباط 2025 (السويداء 24)

التصعيد الإسرائيلي تصاعد مع حادثة جرمانا، إذ أصدر رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع، يسرائيل كاتس، تعليماتهما للجيش بالاستعداد للدفاع عن مدينة جرمانا.

اقرأ أيضًا: هدوء حذر في جرمانا.. القصة الكاملة للتوتر الأمني

ونقلت وسائل إعلام إسرائيلية منها صحيفة “معاريف”، السبت 1 من آذار، بيانًا صادرًا عن نتنياهو، جاء فيه، “لن نسمح للنظام الإرهابي المتطرف في سوريا بإلحاق الأذى بالدروز”.

وقال نتنياهو وكاتس، إنهما لن يسمحا بإلحاق الأذى بالدروز، “لقد أصدرنا تعليمات لجيش الدفاع الإسرائيلي بالتحضير وإرسال رسالة تحذير حادة وواضحة: إذا آذى النظام الدروز، فسوف نلحق الأذى به”.

ولفت البيان إلى أن إسرائيل ملتزمة بمنع المساس بالدروز في سوريا، “سنتخذ كل الخطوات اللازمة للحفاظ على أمنهم”.

وسبق أن صرح نتنياهو، في 23 من شباط الماضي، بأنه لن يسمح لأي تهديد على الطائفة الدرزية في جنوبي سوريا، في إشارة منه إلى السويداء.

وطالب نتنياهو بنزع السلاح من محافظات درعا والسويداء والقنيطرة، جنوبي سوريا، وعدم دخول الإدارة السورية الجديدة إليها، مضيفًا “لن نتيح لـ(هيئة تحرير الشام) أو الجيش السوري الجديد دخول المنطقة الواقعة جنوبي دمشق”.

——————————–

الموقف الإسرائيلي من سوريا الجديدة: أي دور للإدارة الأميركية؟/ سلمان عز الدين

4 مارس 2025

لا تزال المواقف الإسرائيلية الأخيرة إزاء الأوضاع في سوريا، تحدث أصداء واسعة، سواء على صعيد الأوساط السياسية والاجتماعية السورية، أو على صعيد المنطقة بشكل عام.

ومع استمرار الأعمال العدائية الإسرائيلية، وتصاعد تصريحات مسؤولين إسرائيليين بشأن “ترتيب جديد” يصار إلى تنفيذه في الأراضي السورية، يرى مراقبون أنه يتعين على حكومة دمشق إطلاق حراك دبلوماسي واسع، يستهدف حشد مواقف عربية وإقليمية من أجل الضغط على الإدارة الأميركية، ودفعها إلى التدخل للجم المخططات الإسرائيلية وإيقاف استفزازاتها نحو سوريا الجديدة.

غير أن معلومات ترشح عن موقف إدارة ترامب تشير إلى اتجاه معاكس تتبناه هذه الإدارة بشأن الوضع السوري، فقد أوردت صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية، في 3 آذار/مارس، أن ترامب نفسه و”في محادثاته مع نتنياهو قد أعرب عن دهشته من عدم استغلال إسرائيل للوضع والاستيلاء على المزيد من الأراضي في الجولان”، الأمر الذي يقلل من واقعية التعويل على موقف أميركي “إيجابي” في الوقت الراهن.

ويخشى الكثيرون أن يمتلك ترامب رؤية معينة إزاء الشأن السوري تشبه تلك التي يمتلكها إزاء القضية الفلسطينية، والتي تجلت مؤخرًا في طرحه (الذي وصفه البعض بالعبثي) حول قطاع غزة. ويتحدث متابعون للسياسة الأميركية عن رؤية ترامب للعالم وللدور الأميركي فيه، مؤكدين أنها تنطوي على صيغة تبسيطية مفادها: حل جميع القضايا العالقة بـ”ضربة سيف” واحدة، دون الأخذ بالاعتبار رغبات الشعوب وتطلعاتها الوطنية ومظلومياتها التاريخية، ومع إهمال تام للسياق التاريخي المعقد لهذه القضايا.

ومن هنا يُخشى من أن تقدم هذه الرؤية دفعا لخطط نتنياهو فيما يخص سوريا، حيث يروج رئيس الحكومة الإسرائيلية لنظرية “الحلول الجذرية والنهائية” لمخاوف إسرائيل الأمنية (الوجودية)، والتي تقتضي “إجراءات عسكرية تستهدف إضعاف الدول المجاورة ونزع أي قدرة لديها على تشكيل أي خطر على المدى البعيد”. 

وقد تجلت نظرية نتنياهو في قضم قواته لمزيد من الأراضي السورية، ولا سيما ما كان يسمى المنطقة العازلة، وفي إقامة نقاط عسكرية إسرائيلية فيها. وكذلك عبر اقتراح منطقة عازلة جديدة “كبيرة” تشمل محافظات القنيطرة ودرعا والسويداء، يُمنع دخول الجيش السوري الجديد إليها.

ومن جهة ثانية لا تزال التصريحات الإسرائيلية الخاصة بـ”دروز سوريا”، تثير ردود أفعال كثيرة بين السوريين، وبين أبناء الطائفة الدرزية في المنطقة.

وفي السياق يأتي الموقف الذي صدر عن الرئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكي اللبناني، وليد جنبلاط يوم أمس الإثنين، 3 آذار/مارس، حيث حذر السوريين، وأبناء الطائفة الدرزية على الأخص، من “المخطط الإسرائيلي الذي يبتغي جر البلاد والمنطقة إلى حروب أهلية لا تنتهي”.

وحسب مراقبين، فقد كان لافتًا توجيه جنبلاط كلامًا مباشرًا إلى الشيخ موفق طريف، شيخ عقل الطائفة الدرزية في إسرائيل، واتهامه “بالضلوع مع دوائر صهيونية في المخططات التي تستهدف سوريا ودروزها”، وقد استهجن الزعيم اللبناني ادعاء طريف “تمثيل دروز المنطقة”، متحدثًا عن “مشروع كبير يريد استجرار البعض من ضعاف النفوس ليس إلى الحماية كما يدعون بل إلى حرب أهلية لست أدري كيف ستنتهي”.

ويوم أمس، تناقلت وسائل إعلام خبر قيام مجهول برفع العلم الإسرائيلي في إحدى ساحات مدينة السويداء، قبل أن يسارع شبان من المدينة إلى إنزال العلم وإحراقه، وهو ما دفع البعض للحديث عن أصابع إسرائيلية بدأت تتغلغل في المحافظة، في ترجمة لمخاوف جنبلاط الذي كان قد نبه إلى “محاولة المشروع الصهيوني التمدد إلى جبل العرب”.

وأحدثت الأنباء عن إيعاز نتنياهو لجيشه “بالتأهب لحماية جرمانا”، أصداء واسعة، وتوقف السوريون كثيرًا عند ورود عبارة “مستوطنة جرمانا الدرزية” في صحف ووسائل إعلام عبرية، وقال مثقفون وناشطون من مدينة جرمانا لـ”الترا سوريا” إن هذه العبارة تعكس الرؤية الإسرائيلية لوضع الطوائف والأقليات في سوريا والمنطقة، “إذ تماهي بينها وبين الوجود الصهيوني في فلسطين”.

وكانت مشكلة أمنية قد انفجرت في المدينة المحاذية لدمشق، والتي تقطنها أغلبية درزية، عقب اشتباكات بين عناصر من الجيش السوري وأفراد من الفصائل المحلية في المدينة. ويرى المثقفون والناشطون أن التوصل السريع إلى حل للمشكلة في جرمانا، يقدم نموذجًا جيدا للتعاطي مع التصريحات الإسرائيلية، حيث تعاون مسؤولو الأمن في الحكومة السورية مع وجهاء وشيوخ المدينة في تطويق “الفتنة” وإيجاد “صيغة عمل وطني دائم”، مشيرين إلى مظاهر الاحتفاء التي أبداها الأهالي إزاء دخول الأمن الحكومي مدينتهم.

وكذلك فقد أكد الكثير من النشطاء والمهتمين في محافظة السويداء، في بيانات ومنشورات على وسائل التواصل الجتماعي، أن “موقف جبل العرب موحد إزاء الطروحات المشبوهة”، وأن التدخل الإسرائيلي “مرفوض بالمطلق”، دون أن ينفوا “وجود محاولات للتسلل إلى جبل العرب” ودون التقليل من ضرورة الحذر والانتباه لمثل هذه المحاولات.

الترا سوريا

———————————-

إسرائيل وسوريا.. حزمة أهداف محكومة بـ3 عوامل/ ضياء عودة – إسطنبول

04 مارس 2025

يشي سلوك إسرائيل في سوريا على الأرض ومن خلال التصريحات، بأنها تسعى إلى تحقيق سلسلة أهداف، لا تقتصر على تبديد المخاوف والتهديدات الأمنية التي يشير إليها دائما مسؤولون إسرائيليون، بل تنسحب إلى ما هو أبعد من ذلك.

“ضمان حماية الدروز” في سوريا وفي جرمانا بدمشق كانت هدفا كشفت عنه إسرائيل قبل ثلاثة أيام، وفي حين أضيف إليها من قبل الهدف المتعلق بنزع السلاح من مناطق جنوب سوريا، سلطت وسائل إعلام إسرائيلية الضوء، الاثنين الماضي، على تحركات دبلوماسية إسرائيلية لفرملة عجلة النفوذ التركي المتصاعد في سوريا.

وعاد وزير الخارجية الإسرائيلي، جدعون ساعر، الثلاثاء، ليؤكد أن “وجود جماعات إسلامية على الحدود سيكون أمرا بالغ الخطورة لإسرائيل”، في إشارة منه لإدارة أحمد الشرع في دمشق.

كما تحدث عن ملف آخر، حين قال: “يتعين احترام حقوق الأقليات في سوريا بشكل كامل، بما في ذلك الأكراد”.

ويأتي ما سبق بالتزامن مع عمليات توغل مستمرة لم تنقطع وينفذها الجيش الإسرائيلي في جنوب سوريا، وذلك في عمق محافظتي القنيطرة ودرعا.

كما تتزامن تحركات وتصريحات إسرائيل أيضا مع ضربات جوية متواصلة يقول الجيش الإسرائيلي إنها تستهدف “بقايا الأسلحة التي كانت تابعة للنظام السوري”.

وقبل سقوط نظام الأسد لم تكن السياسة الإسرائيلية المتعلقة بسوريا كما هي الحالة التي عليها اليوم.

في السابق كانت غالبية التحركات تندرج ضمن إطار “وقائي”، كما يوضح الأكاديمي والباحث في الشأن الإسرائيلي، خالد خليل.

وقال خليل، لموقع “الحرة”، إنه، وفي أعقاب سقوط نظام الأسد، أخذت الأفعال الإسرائيلية طابعا هجوميا.

ويعتقد خليل أن “إسرائيل ومن خلال جملة الذرائع التي تستند إليها وترددها دائما تحاول فرض واقع أمني جديد في جنوب سوريا”.

وأضاف أن هذه الذرائع “تخفي ورائها حجم الخسارة التي تعرضت لها إسرائيل بسقوط نظام الأسد، وهو الذي ضمن هدوء جبهة الجولان طيلة 5 عقود”.

بدوره، يرى الباحث السياسي الإسرائيلي، يوآف شتيرن، أن “إسرائيل تسعى لإضعاف الحكومة الجديدة في سوريا”، وأنها “تريد سيادة سورية منقوصة على أراضي البلاد”.

كما تريد إسرائيل من وراء الأفعال (على الأرض ومن خلال التصريحات) إبعاد أي تهديد محتملة ضدها، وهو ما يفسر مطالبها المتعلقة بخلق منطقة عازلة في كل مناطق جنوب سوريا، وفق حديث شتيرن لموقع “الحرة”.

ما قصة المنطقة العازلة؟

ومن حيث القدرات العسكرية، تعتقد الباحثة في شؤون الشرق الأوسط، إيفا كولوريويتس، أنه لدى إسرائيل القدرة على فرض منطقة منزوعة السلاح في جنوب سوريا، بل ويمكنها حتى القيام بتوغل بري واحتلال مساحات واسعة أخرى، على حد قولها.

لكن كولوريويتس، أشارت خلال حديثها لموقع “الحرة”، إلى سؤال تعتبره هاما، ويتعلق بالخطط العملية لإسرائيل، بعيدا عن التهديدات التي يطلقها المسؤولون فيها، وعلى رأسهم بنيامين نتانياهو.

ولا يعتبر طرح فكرة إقامة منطقة منزوعة السلاح في جنوب سوريا أمرا جديدا من جانب إسرائيل، ففي عام 2018 عملت الأخيرة على هذه القضية وبشكل وثيق مع موسكو.

ورغم أنها توصلت إلى اتفاق غير معلن، حينها، يقضي بإبعاد ميليشيات إيران وحزب الله مسافة 80 كيلومترا عن حدودها، فإن الإيرانيين تملصوا من تنفيذ بنود التفاهم، ولم يتمكن الروس من فرض إرادتهم آنذاك، بحسب الباحثة في شؤون الشرق الأوسط.

وبعد هجمات السابع من أكتوبر، أصبح الشغل الشاغل لإسرائيل منع تكرار هذا الهجوم، سواء من غزة أو من أي جبهة أخرى، بينها سوريا، وعلى هذا الأساس صعّدت عملياتها ضد قادة “الحرس الثوري” الإيراني و”حزب الله”.

وبموازاة ذلك عملت إسرائيل على تدمير مستودعات الأسلحة في سوريا وقطع طرق الإمداد المارة باتجاه “حزب الله”، وصولا إلى الخطوة اللافتة التي عمل عليها الجيش الإسرائيلي، بتفجير عدة حقول ألغام تقع على طول المنطقة المقابلة للخط الأزرق على الحدود مع سوريا.

وقبل سقوط نظام الأسد، كان خطوة تفجير الألغام مؤشرا على أن إسرائيل تهدف لإقامة منطقة آمنة على حدودها، وهو ما كانت تفكر به بالفعل، بحسب كولوريوتيس.

ومع تولي الشرع رئاسة سوريا في المرحلة الانتقالية، تزايدت مخاوف الحكومة الإسرائيلية بشأن الجبهة السورية.

وهذا دفعهم إلى تعديل خططهم من تشكيل “منطقة آمنة محدودة” إلى فرض “منطقة منزوعة السلاح” تشمل محافظات القنيطرة ودرعا والسويداء، كما توضح الباحثة.

ماذا عن إدارة الشرع؟

وتشير تصريحات المسؤولين الإسرائيليين، على رأسهم نتانياهو ووزير خارجيته ساعر إلى أن إسرائيل تنظر للإدارة الجديدة في دمشق كـ”تهديد”.

وليس ذلك فحسب، بل تعتقد إسرائيل أيضا أن “الفيدرالية” هو الشكل الأمثل الذي يجب أن تكون عليه سوريا في مرحلة ما بعد سقوط الأسد.

ولا تزال إدارة الشرع في دمشق تلتزم بسياسة عدم التعليق على ما يهدد به المسؤولون الإسرائيليون.

وفي مناسبتين سابقتين، كان الشرع أكد أنه لم يعد هناك أي ذرائع لإسرائيل، بعد انتهاء وجود الميليشيات الإيرانية في سوريا، كما قال إن دمشق مستعدة لاستقبال قوات من الأمم المتحدة في المنطقة العازلة المشتركة مع إسرائيل.

ويقول الباحث الإسرائيلي شتيرن إن “إسرائيل وبعد هجوم السابع من أكتوبر باتت تعتبر أي تواجد مسلح على حدودها بمثابة تهديد”.

وبعد سقوط نظام الأسد تزايد مستوى هذا “التهديد” وفق قوله، ورافق ذلك وجود مؤشرات على تصاعد الدور التركي في سوريا.

وفي المقابل، أوضح الباحث السياسي السوري، ضياء قدور، أن إسرائيل تحاول من خلال تحركاتها وأفعالها في سوريا بما فيها التوغلات على الأرض “استغلال لحظة ضعف الإدارة الجديدة، في مسعى لفرض واقع جديد”.

وتحاول أيضا، بحسب حديث قدور لموقع “الحرة”، أن تفرض “ضغوطا على طاولة المفاوضات الدولية، لتحصيل أكبر قدر من المكاسب”.

“3 عوامل وبضعة خيارات”

وبحسب المعطيات القائمة على كافة الأصعدة، ترى الباحثة كولوريوتيس أنه الإدارة السورية الجديدة لديها خيارات محدودة للتعامل مع التهديدات والخطط الإسرائيلية.

تذهب أولى هذه الخيارات باتجاه أن تأخذ إدارة الشرع مطالب الدروز السوريين على محمل الجد وتحاول إيجاد صيغة ترضي الطرفين (مستغلة العلاقات الإيجابية بين دمشق ووليد جنبلاط كوسيط).

ويكمن الثاني بأن تتجاهل الإدارة السورية الجديدة التهديدات الإسرائيلية، وتبدأ بنشر قواتها بشكل مكثف في محافظتي درعا والقنيطرة، وتجبر ممثلي السويداء على قبول دخول قوات الإدارة السورية الجديدة إلى المحافظة.

وأضافت كولوريوتيس أن الخيار الثالث يتمثل بأن تتحرك الإدارة السورية الجديدة بسرعة لتوقيع تفاهمات أمنية وعسكرية مع أنقرة، يتم على أساسها إنشاء قواعد عسكرية تركية في وسط سوريا وجنوب العاصمة السورية دمشق، وبالتالي يصبح التدخل العسكري الإسرائيلي في سوريا أكثر تعقيدا.

ويعتقد الباحث قدور أن إدارة الشرع لا تملك تمتلك الكثير من الحلول في ظل الحالة الهشة التي تعيشها على المستويات كافة.

ومع ذلك يشير الباحث إلى حل يرتبط بالأساس بالرفض والممانعة الشعبية لأي تدخل إسرائيلي في البلاد.

ماذا على طاولة إسرائيل؟

أما الباحث السياسي الإسرائيلي شتيرن، فاعتبر أن السياسة الإسرائيلية تجاه سوريا لا تعتمد على “أسس متينة ومدروسة”، وأكبر مثال على ما سبق هو ما حصل في جرمانا قبل يومين، وفق قوله.

وكان وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، هدد، السبت، بالتدخل عسكريا في سوريا ضد قوات دمشق “إذا أقدم النظام على المساس بالدروز”، وذلك بعد اشتباكات دامية في بلدة جرمانا ذات الغالبية الدرزية في ريف العاصمة.

وبعد التهديدات الإسرائيلية، تمكنت قوات “الأمن العام” التابعة لإدارة دمشق من دخول جرمانا والانتشار فيها واستعادة مواقعها هناك، وذلك بعد ساعات من التوصل لتفاهم انخرط فيه رجال دين كبار وقادة تشكيلات مسلحة من الطائفة الدرزية.

ويضيف شتيرن: “تهديدات إسرائيل في جرمانا مبالغ بها ولا حاجة لها”.

ومن جانبه، اعتبر قدور أن الجانب الإسرائيلي ينتظر أي خطأ من إدارة دمشق كي يستخدمه كذريعة لتصعيد جديد.

كما أعربت كولوريويتس عن اعتقادها بأن خيار احتلال أجزاء واسعة من جنوب سوريا أو حتى تقدم القوات الإسرائيلية نحو العاصمة السورية دمشق يبقى قائما.

وأوضحت أن ذلك يرتبط بثلاثة عوامل، الأول هو موقف الدروز السوريين من الإدارة السورية الجديدة والحكومة الإسرائيلية.

أم العامل الثاني، فيتمثل بقدرة الإدارة السورية الجديدة على معالجة العوائق الأمنية التي تتزايد في مناطق مختلفة من الساحل السوري وشرق سوريا وحتى داخل البلدات المحيطة بالعاصمة السورية دمشق، والعامل الثالث، هو طريقة تعامل الإدارة مع التهديدات الإسرائيلية.

وأشارت الباحثة إلى أن الأزمة الاقتصادية، وتدهور الوضع الأمني، وتزايد هجمات بقايا نظام الأسد، وعودة داعش بقوة، واتساع الفجوة بين الإدارة السورية الجديدة والأقليات في البلاد، فضلا عن المجتمع السوري المنهك، كلها عوامل قد “تشجع إسرائيل على رفع سقف طموحاتها في سوريا”.

واعتبرت أيضا أن “الإدارة السورية الجديدة بقيادة أحمد الشرع تتحمل أيضا جزءا من المسؤولية عما تواجهه سوريا اليوم من خطر الانقسام والاحتلال والانهيار الأمني”.

ضياء عودة

الحرة

————————

إيكونوميست: إسرائيل توسع من احتلالها لأراضٍ عربية.. المخاطر عالية والثمن باهظ

إبراهيم درويش

تحديث 04 أذار 2025

نشرت مجلة “إيكونوميست” تقريرًا قالت فيه إن الجيش الإسرائيلي تبنّى إستراتيجية محفوفة بالمخاطر، وهي التوسّع الجغرافي، وهذه حاضرة في سوريا ولبنان وغزة والضفة الغربية.

وقالت إن المرحلة الثانية من وقف إطلاق النار في غزة، والذي اتفقت فيه إسرائيل و”حماس” لإنهاء الحرب بشكل رسمي، كان من المقرر أن تبدأ في 2 آذار/مارس.

لكن إسرائيل رفضت البدء في المحادثات التي التزمت بها في اتفاقية كانون الثاني/يناير. وبدلًا من ذلك تطالب بتمديد المرحلة الأولى من الهدنة، والتي تريد فيها من “حماس” أن تطلق سراح ما تبقى لديها من أسرى، وعددهم 59 أسيرًا.

ولكي تزيد من الضغط على “حماس”، والقبول بتعديل الاتفاق، قامت إسرائيل بمنع المساعدات الإنسانية من دخول القطاع الذي مزّقته الحرب.

وترى المجلة أن تعطيل الاتفاق هو جزء من تحوّل إستراتيجي أوسع، يحاول فيه الجيش الإسرائيلي الحفاظ على وجود جغرافي واسع، بما في ذلك المناطق غير الخاضعة لإسرائيل.

وقد بدأت في إنشاء ما تعتزم أن تكون “مناطق عازلة” غير محددة على 4 جبهات: في غزة، وعلى الحدود مع لبنان وسوريا، وفي الضفة الغربية.

وتعلّق المجلة بأن هذه الخطوة مدفوعة بالفوضى في هذه الأماكن، والصدمة المستمرة لهجوم “حماس” في تشرين الأول/أكتوبر 2023، وكذلك الضغوط من الأحزاب اليمينية في الائتلاف الحاكم لبنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء. وتدفعها الثقة التي يعتقد نتنياهو أنها قادمة من الإدارة الأمريكية لدونالد ترامب، التي لم تُظهِر، حتى الآن، أية علامات لكبح جماح التوسّع الذي يقوم به الجيش الإسرائيلي.

وهدنة غزة ليست الاتفاق الوحيد مع إسرائيل الذي ينهار، فبناءً على شروط وقف إطلاق النار الذي رعته الولايات المتحدة بين إسرائيل و”حزب الله” اللبناني، الذي سيطر على أجزاء من لبنان حتى حربه مع إسرائيل في العام الماضي، كان من المفترض أن تغادر القوات الإسرائيلية الأراضي اللبنانية نهاية كانون الثاني/يناير. وطالبت إسرائيل بتمديد المهلة إلى أن يستكمل الجيش اللبناني سيطرته على المنطقة. ولكن حتى بعد انقضاء هذا الموعد النهائي، في 18 شباط/فبراير، ظلت إسرائيل متمركزة في 5 مواقع محصنة في جنوب لبنان. وتبرر إسرائيل هذا التأخير بزعم الحاجة إلى حماية التجمعات الإسرائيلية القريبة من الحدود مع لبنان.

ومن المؤكد أن عودة مقاتلي “حزب الله” إلى الجنوب قد تعرضها بسهولة للخطر مرة أخرى. وتقول الحكومة الإسرائيلية إن الجيش سيخلي هذه المواقع بمجرد تأكده من قدرة الجيش اللبناني على تأمين الحدود، ومنع “حزب الله” من دخولها، ولم يتضح بعد ما إذا كانت هذه القوات قادرة على القيام بهذه المهمة. كما لم تحدد إسرائيل موعدًا أو شروطًا تتعلق بثقتها بجيش لبنان.

وبعيدًا إلى الشرق في مرتفعات الجولان، انهار اتفاق وقف إطلاق النار مع سوريا أيضًا. وقد وُقِّع الاتفاق مع نظام حافظ الأسد في عام 1974. وعندما قامت قوات المعارضة بإخراج ابنه بشار الأسد من السلطة، في كانون الأول/ديسمبر 2024، اجتازت القوات الإسرائيلية الحدود إلى الجولان، واحتلت أراضي سورية. وكان المبرر الأصلي لهذا التصرف، عدم وجود قوات معترف بها على الحدود. فقد أنشأت “هيئة تحرير الشام” حكومة في دمشق، لكنها لم تحكم سيطرتها على كل سوريا التي لا تزال جماعات منافسة ناشطة فيها. وبدأ الجيش الإسرائيلي ببناء مواقع دائمة في سوريا.

وفي 23 شباط/فبراير، قال نتنياهو بأن إسرائيل “لن تسمح لقوات هيئة تحرير الشام، أو الجيش السوري الجديد، بدخول المنطقة في جنوب دمشق”. وطالب بـ”نزع السلاح الكامل في جنوب سوريا بمحافظات القنيطرة ودرعا والسويداء من قوات النظام الجديد”.

 وأخيرًا، تحايلت القوات الإسرائيلية على الاتفاقات السابقة في مدينتي جنين وطولكرم الفلسطينيتين في الضفة الغربية، حيث أُجبر ما يقدر بنحو 40,000 مدني على مغادرة منازلهم بسبب العمليات الإسرائيلية المستمرة ضد الجماعات المسلحة هناك. وتشكل المدينتان جزءًا من “المنطقة أ”، التي تم تخصيص السيطرة عليها للسلطة الفلسطينية بموجب اتفاقية أوسلو الثانية الموقعة في عام 1995. وفي 29 كانون الثاني/يناير، قال وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس إنه “بعد اكتمال العملية، ستبقى قوات الجيش الإسرائيلي في المخيم لضمان عدم عودة الإرهاب”.

ويقول مسؤولون أمنيون إسرائيليون إن أحداث الأشهر الـ 17 الماضية تعني أن إسرائيل مضطرة إلى تبني ما يسمى “إستراتيجية مختلفة لإدارة المخاطر”، وهذا يعني أنها ستتصرف ليس على أساس ما تقدّره أجهزة استخباراتها بشأن ما يخطط له أعداؤها في الأمد القريب، بل على أساس قدراتهم المحتملة.

وفي الوقت الحالي، قد يكون توسيع حضور الجيش الإسرائيلي مستدامًا، وبدون رد فعل عنيف. فـ”حزب الله” و”حماس” في حالة من الركود بعد الحملات المدمرة التي شنتها إسرائيل في غزة ولبنان. ولدى حكومة “هيئة تحرير الشام” في دمشق أولويات أخرى في محاولتها تجنّب انهيار الاقتصاد السوري وانزلاق البلاد إلى الفوضى أو الحرب الأهلية.

وتظل غزة مصدر القلق الأكبر، فقد لا تكون “حماس” قلقة من استئناف الحرب، وهي تستعيد السيطرة المدنية على القطاع، وتقوم بإعادة بناء قواتها التي أضعفتها الحرب. لكن إن استمرت الجماعة برفض تغيير شروط الاتفاق، فإن إسرائيل تستعد لشن هجوم جديد ضخم في غزة. ويقول ضباط إسرائيليون إن هذا قد يمهّد الطريق للخطة، التي أعلن عنها دونالد ترامب أولًا، لإزالة سكان غزة وبناء “ريفييرا” الشرق الأوسط.

ولا يتوقع صدور أي قرار حتى يعود مبعوث ترامب، ستيف ويتكوف، إلى المنطقة سعيًا إلى التوصل إلى اتفاق جديد. ومع ذلك فإن مخاطر اشتعال الحرب تبدو حقيقية.

وتعلّق المجلة بأن توسّع الوجود الإسرائيلي على هذه الجبهات سيكون باهظ الكلفة، وعلى المدى البعيد. فمن جهة، يمنح استمرار الوجود الإسرائيلي “حزب الله” ذريعة للاحتفاظ بقدراته العسكرية على الرغم من الضغوط من جانب الحكومة اللبنانية الجديدة لنزع سلاحه.

وبالنسبة لإسرائيل، فإن عبء الحفاظ على هذا الوجود الأكثر اتساعًا سيكون مرتفعًا، سواء من الناحية المالية أو في الحفاظ على مستويات التعبئة بين جنود الاحتياط، الذين دخل العديد منهم فترة خدمتهم الرابعة منذ بدء الحرب في غزة.

كما يتوقف الأمر أيضًا على الدعم المستمر من إدارة ترامب ذات السمعة السيئة بالتقلّب.

وبنفس السياق، يعرض توسيع البصمة للجيش الإسرائيلية، واحتلاله أراضي عربية جديدة، مجموعة استثنائية من الفرص المفتوحة أمام إسرائيل للخطر. فمنذ توقيع أول معاهدة لها مع دولة عربية، مصر، في عام 1978، عملت إسرائيل على بناء التوازن بين الردع العسكري والمناورات الدبلوماسية. وقد نجحت هذه المعاهدة، وأخرى مع الأردن، في الصمود في وجه الأحداث التي شهدتها المنطقة. والحكومتان الجديدتان في سوريا ولبنان حريصتان على التعامل مع الغرب وإثبات أنهما لم تعودا ملاذًا آمنًا للجماعات الوكيلة الموالية لإيران. وعليه فاستمرار احتلال أراضيهما قد لا يكون بداية جيدة لتحسين هذه العلاقات.

القدس العربي

——————————-

الزعيم الروحي للدروز يرفض الانفصال والعلم الإسرائيلي يحرق بالسويداء/ ضياء الصحناوي

04 مارس 2025

قال الشيخ حكمت الهجري الرئيس الروحي لطائفة الدروز في لقائه مع ضيوف من أعيان مدينة جرمانا، اليوم الثلاثاء، إن موقفه ثابت تجاه وحدة الأرض والمصير السوري مؤكداً السعي للعيش بكرامة مع جميع أطياف الشعب السوري، دون أن يُخفي تخوفه من الفراغ الذي تعيشه سورية حالياً، مؤكداً رفضه لأي انشقاق أو انفصال.

وكان مجهولون رفعوا علم دولة الاحتلال الإسرائيلي عند دوار العنقود في مدخل مدينة السويداء الشمالي، جنوبي سورية، بعد منتصف الليل ونشروا فيديو مصور لرفع العلم على السارية، ما أدى إلى قيام أعداد كبيرة من أبناء المحافظة وخلال دقائق من نشر الفيديو، بإنزال العلم وإحراقه. وجاءت هذه الحادثة بعد تصريحات متتالية لمسؤولين في دولة الاحتلال الإسرائيلي تحدثوا فيها عن شكل من الوصاية على الطائفة الدرزية في سورية وادعوا وجود علاقات تاريخية تربط إسرائيل بالسويداء، ما أثار حفيظة السوريين وأدى إلى صدور تصريحات ومواقف متباينة داخل وخارج السويداء، ساهمت بمجملها في طرح العديد من الأسئلة حول مصير منطقة الجنوب السوري والأقليات وسط صمت واضح من القيادة السورية.

وقال الناشط السياسي ناظم سلوم لـ”العربي الجديد” إنه لا يستغرب “أن يتصرف البعض بهذه الطريقة ويرفعوا علم الاحتلال ليلاً وفي أماكن غير مأهولة، ولعل هذا الأمر حصل من شبان لم يعرفوا من التاريخ السوري سوى ما خلفه نظام الأسد من قهر وذل واضطهاد وحصار وإفقار”، مضيفاً أنه “من الممكن أن تتكرر هذه الحالة مراراً، وتؤدي إلى نزاعات أهلية نتيجة استمرار تردي الوضع المعيشي والأمني في السويداء وسورية عموماً، فالجائع لن يعتاش من الانتماء الوطني والشعارات، وما عاناه السوريون خلال حكم آل الأسد يستحقون بعده العيش بكرامة وحرية واستقلال”.

وأضاف سلوم أن ما يخشاه أن “يستمر هذا الوضع المعيشي والانفلات الأمني الذي ترافق مع ضعف بالإدارة وتجاهل لرأي السوريين عموماً، في القرارات والتعيينات ومعالجة الترهل الإداري. ما قد يساهم بزرع الفتنة وإعطاء الفرصة للكيان بالتغلغل أكثر في الأراضي وبين السوريين”.

وكان الهجري أعلن في أكثر من لقاء سابق أنه مع رفض تسليم السلاح ودخول قوات من الجيش السوري الجديد إلى السويداء طالما أن هناك حكومة لتصريف الأعمال وطالما أنه لا يوجد جيش وطني يمثل كافة أطياف المجتمع السوري، مشدداً على أنه لن يتم تسليم السلاح ودخول الجيش إلا في وجود حكومة وطنية تمثل جميع السوريين ودستور عادل يضمن الحقوق العامة للمواطن دون تفريق بسبب الدين أو الطائفة أو المعتقدات. وطالب الهجري كذلك، قبل أيام، بوجود رقابة دولية على أعمال الحكومة المؤقتة وعلى تطبيق القرارات الصادرة عنها وعن المؤتمر الوطني واللجنة الدستورية وغيرها.

الناشط المدني جهاد شهاب الدين قال لـ”العربي الجديد” إن “الشيخ الهجري يمثل شريحة واسعة من الناس ولكن بكل تأكيد لا يمثل غالبية أهالي السويداء، ولا ندري ماهية الاتفاقات بينه وبين الرئيس الشرع، ولكن نعلم تماماً ان اتفاقاً دولياً ساهم بإسقاط نظام الأسد وتنصيب القيادة الحالية ضمن شروط قد تكون مآلاتها تقسيم سورية أو إخضاعها لوصايات من دول الجوار، وهذا لا يعني أن نقف مكتوفي الأيدي وننتظر مصيرنا بعد عقود من النضال وبعد ثورة قدمت الغالي والنفيس من أجل الحرية”.

وأضاف شهاب الدين: “ما يزيدنا إصراراً هو اقتناعنا حتى الآن بأن الإدارة السورية تسعى للحفاظ على وحدة سورية وتنظيم مؤسساتها والانطلاق إلى إعمارها بالرغم من بعض المطبات والأخطاء التي تقع بها”، وفي ما يخص الموقف من تصريحات الاحتلال الإسرائيلي يضيف شهاب الدين: “نحن أهالي السويداء أكثر من يُدرك أهداف إسرائيل في تحويلنا إلى ذريعة وآداة لتحقيق مطامعها في سورية، وجميعنا يذكر عندما وقف الكيان الصهيوني مصفقاً لقوات داعش والنظام السوري عندما قتلت وجرحت وخطفت المئات من أبناء السويداء في 15 يوليو/تموز 2018.

الشيخ حكمت الهجري خلال تلاوة بيانه، 17 فبراير 2025 (لقطة شاشة)

وشهدت السويداء تشنجاً واصطفافاً كبيراً نتيجة الأحداث التي حصلت في مدينة جرمانا، ذات الحضور الكبير لأبناء الطائفة الدرزية، وما لحق ذلك من تجييش عبر وسائل التواصل الاجتماعي وبعض المحطات الإعلامية. وقال الناشط الإعلامي عمر المحيثاوي لـ”العربي الجديد” إنه “من السهل أن نقنع الناس أن وراء هذا التجييش على أبناء الطائفة مجموعات ممن يُطلق عليهم فلول النظام السابق، ولكن يصعب علينا الدفاع عندما يكون صادرا عن عناصر الجيش والشرطة التي تدعي حماية الناس، ونستغرب أن تقف الحكومة والمسؤولين أمام كل اتهام وكل ما يحصل من زرع للفتن والتفرقة بين السوريين، موقف المتفرج، وكأن هذا لا يعنيها أو لا طائل لها، وخاصة في ما يخص الاعتداءات والتصريحات الإسرائيلية”.

——————————–

 جنبلاط: الشيخ طريف لا يمثلنا والصهيونية تسعى للتمدد في جبل العرب

2025.03.03

عقدت الهيئة العامة للمجلس المذهبي لطائفة الموحدين الدروز اجتماعاً استثنائياً، الاثنين، في دار الطائفة بالعاصمة اللبنانية بيروت، لمناقشة تطورات الأوضاع في لبنان وسوريا، وسط تحذيرات من مخططات تهدد استقرار المنطقة.

وخلال الاجتماع، اتهم الزعيم الدرزي اللبناني وليد جنبلاط، الصهيونية بأنها “تستخدم الدروز جنوداً وضباطاً لقمع الشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية”، مضيفاً: “اليوم يريدون الانقضاض على جبل العرب في سوريا”.

وأعرب جنبلاط عن خشيته من اندلاع حرب أهلية، مشيراً إلى أن هناك من يسعى إلى ذلك، وقال: “يريدون جر بعض ضعفاء النفوس، لكن أهل سوريا يعلمون ماذا يفعلون”، مضيفاً: “سأذهب إلى دمشق للتأكيد على مرجعية الشام بالنسبة للدروز”.

“نمر بمرحلة أخطر من احتلال بيروت”

وفي حديثه عن الشيخ موفق طريف، الرئيس الروحي للطائفة الدرزية في إسرائيل، قال جنبلاط: “لا يمثلنا وهو مدعوم من القوى الصهيونية”، محذراً من أن “استجرار البعض في هذا المخطط قد يؤدي إلى حروب أهلية لا نعلم كيف ستنتهي”.

ووصف جنبلاط المرحلة الراهنة بأنها الأخطر، قائلاً: “إذا ما قارنّا الوضع الحالي بمراحل سابقة، مثل الاحتلال الإسرائيلي لبيروت، نجد أنها أخطر بكثير مما مررنا به”، وأضاف: “إما أن نبقى على هويتنا العربية أو أن نسير في المخطط الصهيونيّ”.

من جهته، أكد شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز، سامي أبي المنى، أن “الموحدين الدروز يصرّون على وحدة أوطانهم، وأولها وحدة سوريا”، مشدداً على أن “الطائفة متمسكة باندماجها الاجتماعي وحمايتها لن تكون من عدو طامع (إسرائيل)”.

وأضاف أبي المنى أن الطائفة تعمل على “المحافظة على ثوابتها الوجودية رغم المتغيرات والتحديات”، داعياً العرب إلى “تحمل مسؤوليتهم في التصدي للمشروع التخريبي قبل فوات الأوان”.

كما أشار إلى أن الدروز في سوريا يعملون على بناء الدولة وحفظ الأمن، في وقت “تحاول إسرائيل تنفيذ مخططها التوسعي تحت ذريعة حمايتهم”، مضيفاً: “نخرج من حرب مدمّرة ونحاول أن نلتقط الأنفاس في ظل انسحاب الجيش الإسرائيلي، وما زلنا نعاني من التداعيات”.

مزاعم إسرائيل بشأن “حماية الدروز” في سوريا

كرر الاحتلال الإسرائيلي، خلال الفترة الماضية، التصريحات التي تزعم حرصه على حماية الدروز في سوريا، وذلك في محاولة لإيجاد ذريعة جديدة للتدخل في البلاد بعد زوال التهديدات الإيرانية.

وفي هذا الإطار، قال وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في تصريح يوم الخميس الفائت، إن إسرائيل “لديها التزام كبير تجاه أصدقائها الدروز في سوريا، وتسعى للحفاظ على التواصل معهم”.

وسبق ذلك بأيام تصريح لرئيس وزراء الاحتلال، طالب فيه بإخلاء جنوبي سوريا من القوات العسكرية السورية بشكل كامل.

وأفاد نتنياهو بأن إسرائيل لن تسمح لقوات هيئة تحرير الشام أو الجيش السوري الجديد بالدخول إلى المناطق الواقعة جنوبي دمشق.

كما زعم نتنياهو أن إسرائيل ملتزمة بحماية الدروز في جنوبي سوريا، وعدم تسامحها مع أي تهديد لهم.

وتجددت هذه المزاعم مساء السبت، بعد التوترات التي شهدتها مدينة جرمانا بريف دمشق، بين الأمن العام ومجموعة مسلحة أطلقت النار على عناصر من الجيش السوري، وقتلت وأصابت عدداً منهم.

—————————

حركة رجال الكرامة لتلفزيون سوريا: نندد بتصريحات نتنياهو بشأن “حماية الدروز

2025.03.02

أعربت حركة رجال الكرامة عن إدانتها لتصريحات رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، التي يزعم فيها حمايته للدروز في سوريا.

وقال المتحدث باسم حركة رجال الكرامة، باسم أبو فخر، في حديث لـ “تلفزيون سوريا”: “نحن مع سوريا ودخول مؤسسات الدولة، ودمشق هي قبلتنا دوماً، ونندد بتصريحات نتنياهو التي يزعم فيها حمايته للدروز”.

وأضاف أبو فخر: “نسعى لأن نكون ركناً أساسياً في بناء الدولة السورية”، كما رحّب بدخول قوات الأمن إلى مدينة جرمانا بريف دمشق.

إلى ذلك، أعلنت لجنة العمل الأهلي في جرمانا أن وفداً من مشايخ المدينة سيرافق عناصر الناحية إلى مقرهم.

وأكدت اللجنة أن إعادة تفعيل عمل ناحية جرمانا هو أحد مطالب الهيئة الروحية، مضيفة أن أهالي ووجهاء المدينة فوضوا مشايخها بمتابعة وتنفيذ الاتفاق مع الإدارة السورية.

انتشار الأمن العام في جرمانا

بدأت قوات الأمن العام الانتشار في مدينة جرمانا بريف دمشق، مساء اليوم الأحد، بعد رفض المطلوبين في قضية اغتيال عنصر في الجيش السوري تسليم أنفسهم للسلطات الأمنية.

وأكد مدير أمن محافظة ريف دمشق، المقدم حسام طحان، أن العملية تهدف إلى القبض على المتورطين في اغتيال أحمد الخطيب، العامل في وزارة الدفاع، وإحالتهم إلى القضاء، بحسب ما نقلت وكالة الأنباء السورية “سانا”.

وأشار طحان إلى أن القوات الأمنية ستعمل على إنهاء حالة الفوضى وإزالة الحواجز غير الشرعية التي أقامتها مجموعات مسلحة خارجة عن القانون، تورطت في عمليات خطف وقتل وسرقة باستخدام السلاح.

كما أكد أن المسلحين الخارجين عن سلطة الدولة رفضوا جميع الوساطات والاتفاقات المطروحة، مشدداً على أن الدولة لن تسمح بوجود أي منطقة خارج سيطرتها، لافتاً إلى أن سكان جرمانا أبدوا تعاوناً كبيراً مع الأجهزة الأمنية في هذا الشأن.

—————————

وصفت النظام الجديد بـ”المجموعة الإرهابية”.. إسرائيل تسعى لإضعاف سوريا

2 مارس 2025

تقود إسرائيل حملة منسقة للضغط على الولايات المتحدة من أجل السماح لروسيا بالاحتفاظ بقاعدتيها العسكريتين في سوريا بغرض مواجهة النفوذ التركي المتزايد والداعم للإدارة الجديدة، حسبما نقلت وكالة رويترز عن مصادر مطلعة.

ورغم أن وزير الدفاع السوري كان أكد في وقت سابق أن بلاده منفتحة على استمرار الوجود العسكري الروسي في قاعدتي طرطوس وحميميم، طالما أن ذلك يخدم المصالح السورية، في حين أكد الرئيس السوري أحمد الشرع بأنه يسعى لأن لا تشكل سوريا خطرًا على دول الجوار.

لكن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو سبق وقال: إنه “لا يثق بالحكام الجدد في سوريا، وإن إسرائيل لن تتهاون مع وجود أي قوات مرتبطة بالإدارة الجديدة في جنوب سوريا”، وهو ما أكده وزير خارجيته جدعون ساعر قبل أيام خلال لقائه وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي، بوصفه الإدارة في سوريا بأنها “جماعة إرهابية” استولت على دمشق بالقوة.

ويتزامن الموقف الإسرائيلي مع توغل قوات إسرائيلية معززة بالدبابات والجرافات في مناطق ريف القنيطرة جنوبي سوريا، في محاولات توسع وانتهاكات إسرائيلية قابلها السوريون بالمظاهرات.

ففي بلدة خربة غزالة بريف درعا الشرقي تظاهر أهالي البلدة ضد التدخل العسكري الإسرائيلي في شؤون بلادهم.

وفي مدينة دوما بريف دمشق خرجت مظاهرة للمطالبة بانسحاب قوات الاحتلال الإسرائيلي من الأراضي السورية والكف عن التدخل في شؤون البلاد، التي ازدادت وتيرتها في الآونة الأخيرة وبدأت تكشف عن نوايا إسرائيل تجاه النظام الحالي في سوريا.

إسرائيل تعلن استعدادها للتدخل في دمشق

وأفادت وزارة الأمن الإسرائيلية، بأن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الأمن يسرائيل كاتس، أوعز للجيش بالاستعداد للدفاع عن بلدة جرمانا السورية.

وقال كاتس إن تل أبيب لن تسمح لما سماه النظام الإرهابي الإسلامي في سوريا باستهداف الدروز، مشيرًا إلى أنه إذا قرر النظام السوري استهداف دروز، فسوف تستهدفه إسرائيل.

يأتي ذلك في تصعيد جديد من حكومة نتنياهو ضد الإدارة الجديدة في سوريا، التي تطالب بوقف الانتهاكات الإسرائيلية المتواصلة لسيادة البلاد.

وتشهد مدينة جرمانا، قرب العاصمة السورية دمشق، خلال الساعات الأخيرة، توترات أمنية افتعلتها إحدى التنظيمات التي ترفض التخلي عن سلاحها.

ومساء الجمعة، شهدت هذه المدينة توترات أمنية أدت إلى مقتل أحد عناصر الأمن السوري، على يد تنظيم مسلح مرتبط بالنظام السابق يدعى “درع جرمانا”.

——————————–

 الحكومة السورية تنفي إصدار وثيقة “تحظر انتقاد إسرائيل

2025.03.02

نفت الحكومة السورية إصدار أي وثيقة تحظر على موظفيها “انتقاد إسرائيل” أو المشاركة في المظاهرات المنددة بممارسات وتصريحات مسؤولي الاحتلال.

وجاء هذا النفي عقب تداول صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي بياناً مزوراً، نُسب إلى رئيس مجلس الوزراء السوري، محمد البشير، تحت عنوان “سري للغاية”.

وزُعم في البيان المزوّر: “بناءً على توجيهات الرئيس أحمد الشرع، يُطلب من جميع الوزراء والمحافظين في درعا والسويداء والقنيطرة منعاً باتاً، وتحت طائلة الفصل من العمل، الخروج بمظاهرات ضد دولة “إسرائيل الشقيقة” من قبل العاملين في مؤسسات الدولة”.

كما ادعى البيان المزوّر أنه “يمنع منعاً باتاً، وتحت طائلة الفصل والسجن، الحث على القتال بين سوريا وإسرائيل”، مضيفاً: “يجب احترام سيادة إسرائيل وعدم العبث بالكلام، مع توجيه أشد العقوبات لمن يتحدث ضد دولة إسرائيل”.

معلومات مضللة

بالنظر إلى الوثيقة المزعومة وما تحتويه من أخطاء نحوية وإملائية، فضلاً عن أسلوبها الركيك، يتضح بجلاء أنها مزورة بشكل فاضح.

إلا أن توقيت انتشارها، في ظل تصاعد التصريحات العدائية من قبل الاحتلال الإسرائيلي تجاه سوريا، أسهم في رواجها على نطاق واسع عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

وفي هذا السياق، أكد مدير مكتب العلاقات العامة في رئاسة الوزراء السورية، هشام الخطيب، أن الوثيقة المتداولة مزورة، وأن المنشورات المرفقة بها تمثل “معلومات مضللة”، وفقاً لما نقلته وكالة “فرانس برس”.

يشار إلى أن الأيام الماضية شهدت تصريحات عدائية متكررة من قبل رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، ووزير دفاعه، يسرائيل كاتس، ضد سوريا وحكومتها، فقد أعلنا صراحة عن نية الاحتلال التدخل في الشؤون السورية الداخلية تحت ذرائع مختلفة، مثل “حماية الدروز” ومنع تموضع الجيش السوري في الجنوب.

—————————–

إسرائيل تطلب منع تركيا من إنشاء قواعد في سوريا

الثلاثاء 2025/03/04

طلبت إسرائيل من الولايات المتحدة، منع تركيا من إقامة 3 قواعد في سوريا، ومنع تشكيل تنظيمات معادية لتل أبيب، حسبما جاء في تقرير لصحيفة “إسرائيل اليوم”.

وقالت مصادر الصحيفة العبرية إن إسرائيل طلبت من واشنطن تمرير رسائل هادئة إلى أنقرة، من أجل منع إنشاء تلك القواعد، كما تمرر إسرائيل رسائل مماثلة إلى تركيا، عبر أذربيجان.

ويتواصل رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي مع واشنطن بهذا الشأن، لكن الرد الأميركي لم يتضح بعد، نظراً للمصالح المعقدة التي تربط إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بنظيره التركي رجب طيب أردوغان.

وقالت المصادر إن أذربيجان تنقل رسائل تهدئة بين إسرائيل وتركيا. وترى تقارير أذربيجانية أنه على الرغم من الخطاب العدائي لأردوغان ودعمه لحماس، فإن باكو ترى بأن إسرائيل لا ينبغي أن تقلق من أردوغان.

وفي وقت سابق، تحدثت تقارير عن عزم تركيا إنشاء 3 قواعد عسكرية جديدة في وسط سوريا، ونشر نظام دفاع جوي ومقاتلات حربية، ضمن اتفاقية دفاع مشتركة مع سوريا، لكن أنقرة نفت ذلك رسمياً.

ازدياد النفوذ التركي

ولفتت الصحيفة إلى أن تل أبيب حذرت واشنطن من ازدياد النفوذ التركي في سوريا، بعد سقوط نظام الأسد. ونقلت عن مسؤولين إسرائيليين قولهم إن لدى إسرائيل مخاوف من السلطة الجديدة في دمشق، المدعومة من الأتراك، وأن الحكام الجدد قد يشكلون تهديداً للحدود الشمالية.

وأضافت المصادر أنه مع تدهور العلاقات بين إسرائيل وتركيا بسبب الحرب في غزة، تزداد مخاوف إسرائيل من تأثير أنقرة على القيادة الإسلامية الجديدة في سوريا، كما تطالب من واشنطن الضغط على أنقرة لمنع تشكيل تنظيمات معادية لإسرائيل في سوريا مثل حركة “حماس” وغيرها، وضمان بقاء سوريا في حالة ضعف وتفكك.

حدود هادئة

في الأثناء، قال وزير الخارجية الإسرائيلية جدعون ساعر، إن المسألة في سوريا لا تتعلق بوحدة أراضيها، إنما مصلحة تل أبيب تقتضي أن تكون الحدود هادئة، مضيفاً أن إسرائيل “لن تسمح بتكرار سيناريو هجوم 7 تشرين الأول/أكتوبر (طوفان الأقصى)، على أي جبهة أخرى”.

وحذّر ساعر من “وجود جماعات إسلامية متشددة على الحدود، إذ سيكون ذلك تهديداً بالغ الخطورة على أمن إسرائيل”، مطالباً باحترام حقوق الأقليات في سوريا، بما في ذلك الأكراد.

ولفت إلى أن إسرائيل تتابع التطورات في سوريا عن كثب وستتخذ الإجراءات اللازمة لحماية أمنها القومي، حسب وكالة “رويترز”.

المدن

———————————–

وليد جنبلاط يدخل مجدداً دارة سلطان باشا الأطرش/ نور الهاشم

الثلاثاء 2025/03/04

في العام 1979، وخلال زيارته الى السويداء لتقديم واجب العزاء بشيخ عقل طائفة الموحدين الدروز في سوريا، دخل الرئيس السابق لـ”الحزب التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط منزل الزعيم الدرزي سلطان باشا الأطرش في السويداء، حيث لاقى ترحاباً كبيراً. التُقطت صورة تذكارية للقاء، لكن أحد المصورين المرافقين لجنبلاط، اقترح أن الصورة تحتاج الى إضاءة، وطلب من الزعيمين التقاطها “في الضوء” خارج المنزل.

وحدث ما لم يكن متوقعاً. فحين دعا جنبلاط، مضيفه الأطرش، ليتقدمه بالخروج من المنزل، رفض سلطان باشا قائلاً: “نحن متفقون منذ مئات السنين، لا أحد يتقدم عليكم أنتم آل جنبلاط”. تلك العبارة التي كررها توفيق سلطان أكثر من مرة عبر الإعلام، إضافة إلى دلالتها في الأدبيات المعروفة لدروز الجبل والتي تضع الضيف قبل أصحاب الدار، كانت إشارة أيضاً إلى دعم وتقدير من زعيم تاريخي كبير في سوريا والمنطقة، لحيثية جنبلاط السياسية والزعاماتية اليافعة، إذ لم يكن قد مضى سوى عامين على خلافة وليد في لبنان لوالده كمال جنبلاط الذي اغتاله نظام الأسد.

ومن بعدها، توالت عقود حافلة، تخللتها حرب أهلية لبنانية طاحنة ونكبات فلسطينية متوالية، وضربات النظام السوري لأي دور سياسي أو حتى اجتماعي للمكونات السورية المختلفة بما فيها الدروز وزعاماتهم ذات الدور الريادي طوال قرون قبل استحواذ حزب “البعث” على الحكم. وذك خلافاً لوضع دروز لبنان الذين سمحت لهم التركيبة السياسة اللبنانية بالاحتفاظ بدَور وازِن وبِحِصّة من الحكم.

وخلال العقود هذه، تغير أيضاً الكثير في شكل الحيثية الجنبلاطية ودَورها، كما في أحوال دروز السويداء ولبنان، وكذلك تماوُج الدور الجنبلاطي، لا سيما منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وصولاً إلى الثورة السورية في 2011 وسقوط نظام الأسد…

مواجهة مع نتنياهو

هذه الرواية، تُستعاد اليوم، إثر التصريحات التي أدلى بها جنبلاط، على خلفية أحداث جرمانا. حذر من “مخططات تستهدف الدروز في المنطقة”. بدا جنبلاط، من موقعه، أكثر إصراراً على تأكيد الدور العربي للدروز، ورفض المشاريع الاسرائيلية لدروز سوريا، برفضه الاعتراف بتمثيل شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز في فلسطين المحتلة، الشيخ موفق طريف، معتبراً أن المرحلة الحاليّة أخطر من المراحل السّابقة، وهو ما أعاد تأكيد الامتداد العربي لدروز المشرق، وانحيازهم إلى الامتداد هذا رغماً عن الرغبات الإسرائيلية.

    إن الكلمة التي ألقاها شيخ العقل في لبنان و الكلمة التي ألقاها الزعيم الدرزي وليد جنبلاط، و اللتان تحدّدان البوصلة الصحيحة للدروز ، و أنه لا خيار للدروز سوى الانتماء لعروبتهم و الاندماج في أوطانهم مع مجتمعاتهم، و عدم الانخراط في أية أجندة تتنافى و هذا الخيار، تستحق الإشادة و…

    — د. حسين المؤيد (@hussenalmoyd) March 3, 2025

بعد 46 عاماً

وجنبلاط، في ثباته أمام “الموج الإسرائيلي العالي”، يستعيد اليوم دخوله دارة سلطان باشا الأطرش مرة أخرى بعد 46 عاماً، ويكرس دوره، ويسترجع مضامين الزيارة الأولى وخلفياتها. قرر أن يضطلع بمهمة الدفاع عن دروز سوريا، انطلاقاً مما تعلّمه واختبره خلال تجربته السياسية الطويلة، ومقتدياً بسلطان الأطرش. أي بتأكيد عروبة الدروز الذين يواجهون الفتنة والتفتيت والحرب الأهلية، وأن عمقهم سوري عربي، لا إسرائيلي. 

على مدى العقود الماضية، لم يدّعِ جنبلاط زعامته لدروز المشرق، ولا انضوى الأخيرون بكُلّيتهم تحت لوائه، رغم أنه ربما طمح إلى ذلك في محطات كثيرة. كان دائماً جاهزاً للاحتفاظ بعلاقات طيبة مع “عظام الرقبة” كلها. سياسته، دعم خصوصية الدروز في مناطقهم تحت السقف العربي. بدءاً من التسعينيات، فَقَد “مَونَته” على دروز فلسطين الذين أخرجهم العامل الإسرائيلي، بالإكراه، من حياديتهم وخصوصيتهم. أخرج بعضهم من جذوره، بالأمر الواقع، وهو ما تحدث عنه جنبلاط بوضوح في موقف إعلامي سابق، يُعاد نشره الآن.

    #وليد_جنبلاط pic.twitter.com/ALjZrd8Vo2

    — Nora Joumblatt (@NJoumblatt) March 3, 2025

دروز فلسطين

في العقد الأخير، تغوّل رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو في رسم مصائر دروز فلسطين، مستفيداً من موقف الشيخ موفق طريف الذي تنكّر له جنبلاط، يومي الأحد والإثنين الماضيين خلال مؤتمرَين صحافيَين. استسلم جنبلاط لهذا المتغيّر، ربما، لكنه لم يستسلم لإرادة نتنياهو بتحويل الدروز الى فوهة بندقية له. مخطط نتنياهو بات واضحاً، يعمل على ضرب المكونات وأدوارها. ومن غير المسموح له، حسب تحرك جنبلاط، أن يتمدد لضرب هوية الدروز السوريين الذين، في الوقت نفسه، ينتظرون ما ستؤول إليه تركيبة سوريا الجديدة ما بعد الأسد، ودورهم فيها، بما يحافظ على خصوصيتهم ويلبي احتياجات منطقتهم ويحترم تاريخهم، كوطنيين ومؤسِّسين لدولة الاستقلال قبل مئة عام، وكجماعة تعيد صَوغ نخبتها وقياداتها.

    وليد جنبلاط أكبر من الحدود والسدود. وليد جنبلاط زاوج بين السياسة والثقافة والقراءة العميقة للتاريخ. وليد جنبلاط ما بيغلط بالثوابت♥️📌 https://t.co/smTY5CEFOr

    — نزيه الأحدب (@NAlahdb) March 3, 2025

وجنبلاط، بهذا المعنى، اختار المواجهة. لا يواجه “موج” نتنياهو، مدفوعاً بدعم واستسلام دوليين فحسب، بل يواجه طريف أيضاً، من قلب الطائفة. نجح جنبلاط في جهوده الأولى، حين دخلت قوات الأمن العام السورية، الى جرمانا. ويواصل مساعيه لتثبيت هذا الموقف، وإفشال مخطط نتنياهو بجرّ مكونات المشرق العربي الى صدامات داخلية تُضعف الدول، وتؤهل إسرائيل للسيطرة على مكونات ضعيفة، وتشرعن “يهودية الدولة”. أمام جنبلاط مهمة صعبة، ومشوار طويل. يخوضهما بإصرار، في سعي، على طريقته، للحفاظ على طائفة صغيرة في بحر يمور بالصراعات المحلية والإقليمية، ولعِلمه بأن أمان دروز سوريا من أمان دروز لبنان.

    تضخيم مشاركات الشيخ #موفق_طريف العربية، وكأنه أول شخصية درزية تخرج من مجتمعها لتشارك في قمم، هو تقليل من شأن #الدروز.. عودوا الى الأمير شكيب أرسلان والمعلم كمال جنبلاط وعارف بيك النكدي وعجاج نويهض وغيرهم!

    كفى تضليل للتاريخ وتشويه للحاضر ولعب بالمستقبل

    — Abdullah Malaeb || عبدالله ملاعب (@AbdullahMalaeb) March 3, 2025

المدن

———————————

ماذا تذكّر الغارات الإسرائيلية السوريين اليوم؟/ محمد سليمان

الخميس 27 فبراير 2025

دعونا ننطلق من نقطة أساسية: قف دائماً في الجهة المقابلة للعدوّ الإسرائيلي، وستكون على حقّ. هذه قاعدة ذهبية لا تحتاج إلى تحليل سياسي معقّد، أو مناظرات فكرية مطوّلة. فكلما وقفت إسرائيل في جهة، من البديهي أن تكون الجهة الأخرى هي الصواب. وهذا ليس اجتهاداً سياسياً، بل حقيقة بسيطة تأكدت عبر عقود من الزمن، وبآلاف الغارات والصواريخ التي لا تفرّق بين أحد.

العدوان الإسرائيلي: هواية قديمة لا تنتهي

منذ أن قرّرت إسرائيل أنّ وجودها “المزعوم” في هذه المنطقة، أمر طبيعي، وهي حريصة على تذكير الجميع بعدوانيتها بين الحين والآخر، سواء عبر القصف، أو التوغل، أو الاغتيالات، أو حتى مجرد التهديدات التي تصدر بين وجبة حكومية وأخرى. وعلى مدار السنوات الماضية، تحوّلت الغارات الإسرائيلية على سوريا إلى شيء يشبه برنامجاً أسبوعياً، إلى درجة أنّ البعض في سوريا قد يضبط ساعته على توقيت الغارة القادمة، تماماً كما يحدث مع المسلسلات التلفزيونية.

أما التبرير الإسرائيلي لهذه الضربات، فهو أكثر الطرائف السياسية التي يمكن سماعها في هذا العصر: “الدفاع عن النفس”. وكأنّ قصف مواقع في دولة ذات سيادة، على بعد مئات الكيلومترات من تل أبيب، يدخل ضمن تعريف الدفاع عن النفس الذي لم ندرسه في أيّ كتاب قانوني أو سياسي من قبل. لكن لا بأس، فالإسرائيلي لا يحتاج إلى تبريرات مقنعة، طالما أنّ العالم مستعدّ لتصديق أيّ شيء يصدر عنه، مهما كان عبثياً.

إسرائيل والخدمات المجانية للسوريين

ولأنّ الشمس لا تُغطّى بغربال، و”ما فينا نتخبّى ورا خيال إصبعتنا”، فلا داعي لإنكار الحقيقة: السوريون منقسمون. طائفياً؟ نعم. سياسياً؟ بالتأكيد. عرقياً وأيديولوجياً؟ بالطبع. لكن وسط هذه الفوضى، تأتي الغارات الإسرائيلية لتذكّر الجميع بأنّ هناك عدوّاً مشتركاً، لا يفرّق بين أحد، ولا يهتمّ لأي تصنيفات داخلية. وهكذا، يجد السوريون أنفسهم، ولو للحظات نادرة، موحّدين في وجه العدوان، ومتّفقين على موقف واحد: “إسرائيل عدوّ، وعدوانها مرفوض”.

قد يكون من الصعب اليوم العثور على نقطة يلتقي حولها السوريون جميعاً، بعد أكثر من عقد من الانقسام والتشظّي. قد يختلفون في السياسة، والاقتصاد، والأيديولوجيا، وحتى على نوعية القهوة المفضلة، لكنهم يجتمعون، ولو بغير اتفاق مسبق، على رفض الاعتداءات الإسرائيلية. وهذه الوحدة العفوية قد تكون آخر ما تبقّى من ملامح الوجدان الجمعي السوري، ذلك الشعور الذي كان يوماً ما بديهياً قبل أن تفتّته السنوات العجاف.

أما بالنسبة إلى السويداء، التي يحاول نتنياهو، الحديث عن “حمايتها” و”حماية الدروز فيها”، فقد جاءه الردّ سريعاً من ساحات الكرامة، حيث رفض أبناء الجبل أيّ تدخّل إسرائيلي في شؤونهم الداخلية. يحدّثني صديقي عن عادة قديمة لدى أهالي السويداء في إكرام الضيف؛ عندما يريدون التعبير عن ترحيبهم الكبير بشخصٍ ما، يقدّمون له الرصاص على طبق، فيأخذ رصاصةً ويضعها في جيبه كتعبير عن الثقة والاحترام. فإذا كان أهالي السويداء يستقبلون ضيوفهم بالرصاص، فكيف، يا “بيب”، سيكون استقبالهم لك إن حاولت الدخول إلى أراضيهم؟

والدليل؟ خروج طلاب السكن الجامعي الذي يضمّ خليطاً من المحافظات السورية كلها، إلى الساحات، بعد أقلّ من ساعة على العدوان، وهم يهتفون: “يا درعا نحنا معاكِ للموت_ الموت ولا المذلّة عن الجنوب لا ما نتخلّى”. كأنهم يقولون بشكل غير مباشر: لدينا من المشكلات ما يكفينا، ولسنا بحاجة إلى عدوّ إضافي يختبر صبرنا.

التطبيع؟ شكراً… لا نريد المزيد من الكوارث

في خضمّ هذا المشهد، يأتي من يحاول إقناعنا بأنّ التطبيع مع إسرائيل قد يكون حلّاً. وهنا يجب أن نتوقف للحظة، ونفكر في الأمر بعقلانية (قدر الإمكان). من الناحية الواقعية، ما الذي سيجنيه السوريون من التطبيع مع كيان يقصف أراضيهم بشكل روتيني؟ هل سيحصلون على أسعار مخفّضة للفواكه الإسرائيلية؟ هل ستتوقف تل أبيب عن قصفهم فجأةً بدافع الامتنان؟ أو أنّ التطبيع سيكون مجرد إضافة جديدة إلى سلسلة الكوارث التي لم تعُد سوريا تحتملها؟

كل ما في الأمر أنّ الإسرائيلي، بعنجهيته المعتادة، يفترض أنّ الجميع سينتهي بهم المطاف إلى طرق بابه، متناسياً أنّ هناك شعوباً قد تضعف، تُنهك، وتتعرض لكل أشكال الضغوط، لكنها في النهاية تعرف أنّ هناك خطوطاً لا يمكن تجاوزها، وإسرائيل خطّ من هذه الخطوط. السوري، الذي ربما فقد الكثير، لم يفقد بعد وعيه بهذه القضية، ولا يحتاج إلى تذكير بأنّ العدوّ لا يتحول إلى صديق بجرّة قلم، أو بصفقة اقتصادية، أو بمكالمة هاتفية تحت الطاولة.

“شكراً إسرائيل؟”

أكبر خدمة يمكن أن يقدّمها أحد للشعب السوري، هي تحديداً ما يفعله نتنياهو، الآن. فهذه ربما أقرب فرصة لنا كشعب لنلتقي في نقطة مشتركة، وننسى -ولو مؤقتاً- كلّ الخلافات التي قسمت البلاد وأهلها لسنوات. وإن لم نغتنم هذه اللحظة، فقد نكون قد أضعنا على أنفسنا وعلى البلد فرصةً للوحدة قد لا تتكرر في المستقبل القريب.

السوري قد يختلف مع السوري على أيّ شيء: السياسة، الاقتصاد، الهوية، وحتى على نوع القهوة الأفضل. لكنه لا يختلف أبداً على العداء لإسرائيل. هذه القناعة، المتجذرة في الوجدان السوري، لم تفلح كل الأحداث والتغيرات في زعزعتها، وهي ربما آخر ما تبقّى مما يجمع السوريين جميعاً، برغم كل شيء.

رصيف 22

————————-

جرمانا تحت التهديد.. إسرائيل تستغل الفوضى الأمنية لفرض وقائع جديدة

2 مارس 2025

قال تقرير لـ”التلفزيون العربي” إن إسرائيل تقود حملة منسقة للضغط على الولايات المتحدة من أجل السماح لروسيا بالاحتفاظ بقاعدتيها العسكريتين في سوريا، بغرض مواجهة النفوذ التركي المتزايد والداعم للإدارة الجديدة، وذلك نقلًا عن مصادر لوكالة “رويترز”.

يأتي ذلك رغم إعلان وزير الدفاع السوري، مرهف أبو قصرة، انفتاح سوريا على استمرار القواعد الروسية في طرطوس وحميميم، بشرط تحقيق مكاسب لسوريا. كما أشار إلى أن العلاقة مع موسكو شهدت تحسنًا ملحوظًا منذ سقوط بشار الأسد، مضيفًا أن دمشق تدرس المطالب الروسية المتعلقة بقواعدها العسكرية.

وكان رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، سبق وصرّح بأنه “لا يثق بالحكام الجدد في سوريا، وأن إسرائيل لن تتهاون مع وجود أي قوات مرتبطة بالإدارة الجديدة في جنوب سوريا”، وهو ما أكده وزير خارجيته جدعون ساعر قبل أيام خلال لقائه وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي، بوصفه الإدارة في سوريا بأنها “جماعة إرهابية” استولت على دمشق بالقوة.

ويتزامن الموقف الإسرائيلي مع توغل قوات إسرائيلية معززة بالدبابات والجرافات في مناطق ريف القنيطرة جنوبي سوريا، في محاولات توسع وانتهاكات إسرائيلية قابلها السوريون بالمظاهرات.

ففي بلدة خربة غزالة بريف درعا الشرقي، تظاهر أهالي البلدة ضد التدخل العسكري الإسرائيلي في شؤون بلادهم. وفي مدينة دوما بريف دمشق، خرجت مظاهرة للمطالبة بانسحاب قوات الاحتلال الإسرائيلي من الأراضي السورية والكف عن التدخل في شؤون البلاد، التي ازدادت وتيرتها في الآونة الأخيرة، وبدأت تكشف عن نوايا إسرائيل تجاه النظام الحالي في سوريا.

وأفادت وزارة الأمن الإسرائيلية بأن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ووزير الأمن يسرائيل كاتس، أوعزا للجيش بالاستعداد للدفاع عن بلدة جرمانا، معتبرين أنها “تتعرض لهجوم من قبل النظام السوري”، وقال كاتس في بيان رسمي: “لن نسمح للنظام السوري بإيذاء الدروز. إذا آذى النظام الدروز، فسوف نضربه”.

جاء ذلك في أعقاب اشتباكات شهدتها جرمانا، مما اعتبره البعض محاولة إسرائيلية لاستغلال الأحداث وخلق مبرر للتدخل العسكري في سوريا، خاصة في ظل الحديث عن مشروع لتوسيع “منطقة عازلة” في الجنوب السوري.

ويرى مراقبون أن إسرائيل تحاول استغلال الفوضى الأمنية لتعزيز نفوذها، وتحقيق مكاسب أمنية بعد حرب الإبادة في غزة والعدوان على لبنان وسقوط نظام الأسد. وبهذا المنحى، فإن كل التصريحات الإسرائيلية حول “حماية الدروز” ليست إلا ذريعة للتدخل في الجنوب السوري وفرض منطقة عازلة جديدة تمتد إلى مشارف دمشق.

ومع غياب رد فعل قوي من دمشق، فإنها تستمر في فرض أمر واقع جديد، خاصة في ظل الغطاء السياسي الذي تحصل عليه من واشنطن، والتنسيق المستمر مع بعض القوى الدولية والإقليمية.

وكانت بلدة جرمانا قد شهدت أمس توترات أمنية افتعلتها إحدى التنظيمات التي ترفض التخلي عن سلاحها ما أدى إلى مقتل أحد عناصر الأمن السوري، على يد تنظيم مسلح مرتبط بالنظام السابق يدعى “درع جرمانا”، الأمر الذي قاد، بحسب تقارير محلية، إلى فرض قوات الأمن العام السوري طوقًا أمنيًا على مداخل ومخارج البلدة، حيث أمهلت السلطات الأمنية المسلحين خمسة أيام لتسليم السلاح ورفع الحواجز، في إطار مفاوضات يقودها وجهاء المدينة مع إدارة الأمن العام.

—————————

========================

تحديث 01 أذار 2025

———————————

العربدة الإسرائيلية في سوريا.. التداعيات على الأمن الإقليمي والدولي/ سمير صالحة

2025.03.01

توجه تل أبيب منذ سنوات سهامها العسكرية والسياسية التصعيدية باتجاه الداخل السوري. لم تتوقف عن ذلك بعد رحيل نظام الأسد. خطورة ما تقوم به لا تعني السوريين وحدهم، فهو مرتبط بلعبة الكر والفر الإقليمي الإسرائيلي على أكثر من جبهة.

إلى جانب عمليات القصف الجوي المتكرر للعديد من المناطق السورية، كان هناك التوغل العسكري باتجاه المنطقة العازلة الحدودية والسيطرة على قمة جبل الشيخ، وبناء قواعد عسكرية، وشق طرقات، وتجهيز بنى تحتية في المناطق التي تدخلها. ترامب يحتفي بنتنياهو على طريقته ولا يهمه الالتفات نحو ما تفعله إسرائيل، فالحسابات الإقليمية أكبر وأهم من ذلك.

ما يقلق إسرائيل ويزعجها هو احتمال نجاح أنقرة من جديد في تفعيل استراتيجية التحرك نحو الشرق والجنوب، والذي ستكون ارتداداتها في الغرب والشمال: الانفتاح التركي المتزايد على العراق وسوريا، خصوصاً بعد سقوط نظام الأسد، يتعارض مع مصالح وأهداف تل أبيب وحساباتها في البلدين. السبب هو خروج أنقرة أقوى على الساحتين الغربية في شرق المتوسط والشمالية مع أوروبا. ما الذي يعنيه بالنسبة لنتنياهو أن يقول الرئيس التركي أردوغان: “إن فرص الاتحاد الأوروبي ومفتاح خروجه من أزماته هو بيد تركيا”؟

تسببت “المساهمة” التركية في إسقاط نظام بشار الأسد بارتدادات محلية وإقليمية، عنوانها إعادة خلط الأوراق في المشهد السوري وارتباطه بالحسابات والتوازنات الإقليمية. تشعر تل أبيب أنها ستكون بين المتضررين هناك أيضاً، لذلك تحركت باكراً للتذكير بمصالحها عبر توغل عسكري واستهداف جوي متكرر للبنى العسكرية والمطارات والموانئ الحربية.

تل أبيب لن تكتفي بموقف “الإطاحة برئيس النظام المخلوع بشار الأسد لم تكن في صالح إسرائيل”، بل تبرعت بلعب دور الحامي والمحامي المدافع عن بعض الأقليات في سوريا. طالبت بإخلاء جنوبي سوريا من القوات العسكرية النظامية الجديدة واستهداف مواقعها، وأعلنت أن “إسرائيل لن تتسامح مع أي تهديد لمجتمع الدروز في جنوب سوريا”. وأن قوات الجيش الإسرائيلي ستبقى في قمة جبل حرمون وفي المنطقة العازلة لفترة غير محدودة “لحماية مستوطناتنا وإحباط أي تهديد” وعدم السماح للجيش السوري الجديد بالدخول إلى منطقة جنوب دمشق. كلام نتنياهو يتطابق مع “الوقوف إلى جانب مطالب أكراد سوريا وحقوقهم”. بدأت من الشرق ثم انتقلت إلى الجنوب، ولن يكون هناك أي استغراب إذا ما قررت دمج الساحل السوري في حساباتها.

تندد العديد من العواصم العربية والإقليمية بسياسة وأساليب رئيس الوزراء الإسرائيلي في سوريا لناحية التوغل والغارات الجوية التي تستهدف العاصمة دمشق. لكن الموقف الأميركي يذهب باتجاه آخر، متجاهلاً ما تقوم به تل أبيب وما تدعو إليه بشكل استفزازي علني. التقاء مصالح إسرائيل وأميركا في سوريا مرتبط بالمتغيرات الداخلية والإقليمية التي قد تمنحهما فرصة استراتيجية أقوى هناك، بعد سقوط نظام الأسد وانهيار الجدار الإيراني، واستعداد موسكو للدخول في لعبة تفاهمات متعددة الأهداف والجوانب.

نتنياهو هو الذي يوسع من رقعة اعتداءاته، ويخرق الاتفاقيات والمعاهدات الدولية، ولا يحترم قرارات مجلس الأمن الدولي في جنوبي سوريا، ويعلن أنه لن ينسحب من المناطق التي دخلها، ويفعل ذلك على مرأى ومسمع واشنطن.

يريد نتنياهو أمرين في سوريا، وهو يعتقد أنّه إذا تمكن من تحقيقهما فستكون ارتدادات ذلك السياسية والشعبية والانتخابية كبيرة لصالحه في الداخل الإسرائيلي: فرض تل أبيب على المشهد السوري بمتغيراته السياسية والأمنية والاقتصادية الجديدة، وإضعاف النفوذ التركي المتزايد هناك على حساب تراجع التمدد الروسي والإيراني.

هو يحاول من أجل الوصول إلى ذلك اللجوء إلى الأساليب الإسرائيلية المعروفة في حالات مشابهة: كسب شركاء وحلفاء محليين على الأرض، إبقاء صورة المشهد مهزوزة ومنفتحة على أكثر من سيناريو تصعيدي، اللجوء إلى القوة العسكرية الإسرائيلية عند الضرورة، والاحتماء بالموقف الأميركي الداعم عندما تتزايد الضغوطات الإقليمية والغربية على إسرائيل. تصريحات وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو حول أن “الحكام الجدد في سوريا لا يمنحوننا الطمأنينة، وأن إيران وروسيا ستعودان لملء الفراغ في سوريا إذا لم تقم واشنطن بالاستفادة من هذه الفرص”، تعني أن إدارة ترامب بين خيارين أيضاً: إما العمل على إقناع أردوغان بالتخلي عن مواصلة توتير العلاقة مع تل أبيب في سوريا مقابل دفع إسرائيل للانسحاب من المناطق التي دخلتها في مناطق فض الاشتباك، والبحث عن فرص الاستفادة من المتغيرات السياسية والأمنية في المشهد السوري، وإما إطلاق يد تل أبيب حتى النهاية في سوريا، رغم كل الانتقادات والتنديدات من قبل حلفاء وشركاء واشنطن في المنطقة والغرب.

من هنا تبرز القناعة الإسرائيلية التي تقول إن مصالح تل أبيب ستكون عرضة للخطر عند حدوث أي تقارب أو تفاهم تركي – أميركي في سوريا بسبب منظومة العلاقات التي بنتها أنقرة في الإقليم مؤخراً. وأن قطع الطريق على أي تقارب تركي – أميركي في سوريا لا بد أن يكون بين أولوياتها، خصوصاً وأن الحديث يدور في الداخل التركي عن احتمال تحول المشهد السوري إلى فرصة للتقريب بين واشنطن وأنقرة في التعامل مع ملفات وأزمات إقليمية فيها كثير من المقايضات والصفقات.

التحرك التركي الإقليمي الأخير باتجاه تفعيل منصة رباعية تضم إلى جانب تركيا سوريا والعراق والأردن قد يكون بين أهدافه المعلنة، تعزيز التعاون الأمني ومحاربة فلول تنظيم الدولة وحماية الحدود. لكن للتحولات الإقليمية المرتبطة بالمشهد السوري حصتها الكبيرة كذلك. فتطورات الأوضاع في سوريا تستدعي مثل هذا التنسيق في مواجهة العربدة الإسرائيلية التي تتمدد وتتوسع في المنطقة.

هدف أنقرة هنا هو سحب ورقة داعش من يد التحالف الغربي وشريكه المحلي في سوريا، ودعم سيطرة الحكومة السورية الجديدة على كامل الأراضي السورية وتسهيل وصولها إلى شرق الفرات، وهو ما تصر تل أبيب على الحؤول دونه. المواجهة في سوريا هي تركية – إسرائيلية أيضاً وأسبابها أكثر من أن تعد أو تحصى. من قد يسهل لنتنياهو أخذ ما يريده في عرقلة الحراك التركي الرباعي الجديد باتجاه بغداد وعمان ودمشق، قد يكون اللاعب الإيراني الذي يدرك أن الأضرار التي ستلحق بمصالحه في سوريا والمنطقة لن تقل عن خسائر إسرائيل. أسباب ودوافع تقاطع المصالح الإسرائيلية – الإيرانية في سوريا والمنطقة كثيرة والبحث جار عن قوة دفع تسهل هذا التواصل الثنائي. هل هناك علاقة بين إرجاء تفعيل الحوار السوري – العراقي الجديد وبين تضرر مصالح تل أبيب وطهران؟

ترى إسرائيل أنه بقدر ما يحق للآخرين التدخل في شؤون سوريا اليوم فمن حقها هي الأخرى الدفاع عن مصالحها وحساباتها الإقليمية هناك. المهم الآن هو أن تستفيد القيادة السياسية الجديدة في دمشق من تجارب وحالات كثيرة مشابهة في المنطقة. هي قد لا تستطيع اليوم الدخول في مواجهة عسكرية مباشرة مع إسرائيل للدفاع عن أراضيها، وقد لا يكون بمقدورها الحؤول دون وقوع المواجهة الإقليمية الحاصلة حول سوريا، لكنها تستطيع إلزام الحلفاء والشركاء والأصدقاء بحسم مواقفهم في مساعدتها على بناء الدولة الجديدة ومتطلباتها والتي يتقدمها ردع تل أبيب وإيقافها عند حدها. من يريد أن يدعم الشعب السوري اليوم عليه أن يأخذ بعين الاعتبار أن مواجهة المخطط الإسرائيلي في سوريا لا تقل أهمية وقيمة عن مشاريع إعادة الإعمار وتجهيز البنى التحتية وإنشاء جيش سوري وطني جديد، وأن مفاتيح ذلك تمر عبر تسريع عملية الحوار السوري – السوري والمصالحة الوطنية وإنهاء الانقسامات الداخلية وتأمين الاستقرار الأمني.

تلفزيون سوريا

—————————

ما السبيل لوقف استباحة سورية؟/ محمود الريماوي

01 مارس 2025

يواجه السوريون ونظامهم الجديد قيد التبلور تحدّياً وجودياً يفرضه الاحتلال الإسرائيلي باستباحة البلاد برّاً وجواً وتدمير القدرات الدفاعية والتهديد بإقامة منطقة عازلة واسعة، وخلال ذلك العمل على تقسيم البلاد. … لم تمض 24 ساعة على يوم 8 ديسمبر/ كانون الأول الماضي الذي سقط فيه حكم آل الأسد سورية، حتى كانت قوات الاحتلال تقتحم مناطق في جنوب البلاد وتسيطر على قمم جبل الشيخ. وأتبعت ذلك في الأيام التالية بغارات على مطاراتٍ عسكرية وعلى منشآت ومستودعات عسكرية، وأقامت ما سمّتها منطقة عازلة متعلّلة بمغادرة جنود النظام السابق مواقعهم، بما أسقط اتفاق فضّ الاشتباك. ومنذ ذلك التاريخ، لم تتوقّف الاعتداءات الإسرائيلية، في ما يرقى إلى شنّ حربٍ على هذا البلد الذي يسعى إلى المعافاة من جروحه، وإعادة بناء ما هدمه النظام السابق. ولم تتوقّف تعدّيات الاحتلال، الجاثم على هضبة الجولان منذ العام 1967، على الجوانب العسكرية، وهي الأشد خطورة، بل امتدّت إلى تدخّلات سياسية، حيث جرى توجيه حملة على النظام الجديد، شارك فيها رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ووزير الحرب يسرائيل كاتس ووزير الخارجية جدعون ساعر، فقد ردّد الأخير معلوماتٍ مغلوطة، في كلمة له أمام اجتماع مجلس الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل في بروكسيل “الإسلاميون يتحدّثون بشكل لطيف، لكن الحكومة السورية الجديدة تنتقم من العلويين وتلحق الأذى بالأكراد”.

ولم يكتف بذلك، بل منح نفسه ودولته حقّ التدخل في صياغة واقع سورية ومستقبلها بالقول إن “سورية المستقرّة لا يمكن أن تكون إلا فيدرالية تضم مناطق حكم ذاتي”. وبالإشارة إلى العلويين والأكراد، ثم الدروز، في تصريحات لمسؤولين آخرين، فإن البرنامج الإسرائيلي تجاه سورية بات معلناً، وهو محاولة اجتذاب هذه المكوّنات إلى المدار الإسرائيلي، وتأليبها ضد وحدة البلاد وضد النظام السياسي قيد التبلور، وضد بقية المكوّنات، ما يفتح الباب، وفق هذا المخطّط، لحرمان السوريين من بناء دولة مركزية عادلة ومتطوّرة تضم جميع مكوناتها، وتقوم على المشاركة السياسية بضمانات دستورية وقانونية، وذلك كله إلى جانب إضعاف القدرات الدفاعية والتموضع داخل مناطق واسعة في الجنوب السوري، مع استباحة الأجواء كلما عنّ ذلك لرئاسة الأركان، ومن ورائها المستوى السياسي في تل أبيب، وذلك في نموذج يحاكي التدخّلات الإسرائيلية في لبنان، ابتداء من التموضع في نقاط في الجنوب، على أن التعدّيات على سورية واستهدافها تبدو أوسع نطاقاً، في استغلالٍ مكشوفٍ لحالة الانتقال السياسي في سورية، ولأن وزن هذا البلد أكبر في الميزان الاستراتيجي والجيوسياسي مما هو عليه الحال في لبنان.

ومع خطورة هذه التعدّيات العسكرية، ومحدودية القدرات الحالية على التعامل معها، إلا أن محاولة اختراق النسيج الاجتماعي تحمل خطورة مماثلة، إن لم تكن أكبر، بحيث يتضافر الاختراق العمودي (الحربي) مع اختراق أفقي للنسيج الاجتماعي، ولبُنية الدولة والمجتمع.

ترمي هذه المحاولة إلى تحقيق الأهداف التوسّعية الإسرائيلية على أيدي السوريين أنفسهم، برفع الحواجز ما بينهم، وتمزيق وحدة الوطن والوحدة الوطنية، ووضع أبناء الشعب بعضهم في مواجهة بعض، وتحجيم الدولة المركزية والسعي إلى جعلها مجرّد جسم سياسي بين أجسام وكيانات سياسية متضاربة، برعاية المحتلين الذين استولوا على هضبة الجولان قبل 58 عاماً، وقد شرعوا بالاستيلاء على أراض جديدة في تحدٍّ سافر للسيادة الوطنية السورية، وعبر قرصنة عسكرية مكشوفة يزهو أصحابها باقترافها علناً، وعلى رؤوس الأشهاد.

وواقع الحال أن الاستجابة لهذا التحدّي من الدولة السورية الجديدة، ومعها المجتمع السياسي في البلاد، مؤهلٌة لإحباط الأهداف الإسرائيلية في اجتذاب زعامات المكوّنات وتجنيدها لخدمة هذه الأهداف، إذ إن الوعي الوطني العام راسخ وعميق في رفضه الاحتلال الإسرائيلي، وهو ما يتشاطره السوريون في مختلف مناطقهم، منذ انكشاف المشروع الصهيوني قبل نحو قرن. ولطالما كان الأكراد جزءا من هذا النسيج الاجتماعي والوطني، بل جزءاً من تاريخ المنطقة، حيث ينتسب إليهم صلاح الدين الأيوبي، بطل تحرير القدس من الصليبيين قبل عشرة قرون. وفي التاريخ المعاصر، ثمّة قادة للبلاد ينتسبون للأكراد، كما حسني الزعيم وأديب الشيشكلي وفوزي السلو ومحمد علي العابد. وبتوسيع دائرة المشاركة السياسية، ومع قرب تشكيل حكومة انتقالية في دمشق، فإن فرص التفاهم بشأن دمج القوات الكردية في الجيش الجديد تصبح أكبر، وخاصة مع التمسّك المشترك بتفادي حلّ النزاعات بالسلاح. ومع الدور المنتظر لرموز سياسية واجتماعية في التقريب، فإن حل هذا الإشكال لن يكون مستعصيا، وبخاصة أن أي تقارب بين الكتلة الكردية والاحتلال الإسرائيلي سوف يؤدّي إلى عزلة سلبية شديدة وبالغة الخطورة لهذه الكتلة، عن دول المنطقة وشعوبها، وحتى عن بقية الأجسام الكردية في هذه الدول.

وما يصح على الأكراد (أو الكرد حسب تسمية يفضّلها أصحاب هذا الانتساب)، ينسحب على الدروز في جنوب سورية، فهؤلاء يفاخرون بزعامات وطنية، مثل سلطان باشا الأطرش وكمال جنبلاط، وليست عروبتهم موضع جدل، كما يضعون أنفسهم وتضعهم الوقائع في الدائرة الإسلامية العريضة، وقد مهّدوا للتغيير في سورية بحراك جماهيري شجاع في السويداء أزيد من عام، ويتشاركون مع دروز لبنان ودروز الجولان في توجّههم العروبي، وإيمانهم الراسخ بعدالة قضية فلسطين. وسبق لوليد جنبلاط أن أعلن استياءه الشديد من التحاق الزعامة الروحية في فلسطين بالدولة العبرية، والتجند في جيش احتلالها، ونشط عشر سنوات على الأقل في حث الدروز على الامتناع عن التجند في جيش الاحتلال، في وقت تواصلت فيه وشائج اجتماعية مع شخصيات درزية من عرب العام 1948. وتثور الحاجة، في هذه الظرف التاريخي الحسّاس، إلى أن تبادر قيادات درزية في سورية، بوزن الشيخ حكمت الهجري، للردّ على التفوهات الإسرائيلية، والتشديد على عروبة الموحّدين الدروز ووحدة سورية أرضاً وشعباً، والمناصرة الثابتة للحق الفلسطيني.

أما العلويون، فقد سارعت تكتلاتهم الاجتماعية لتأييد التغيير ونأت بالنفس عن النظام السابق الذي أفقر موارد مناطقها، ونكّل بالأحرار من أبناء الطائفة. وأيا كانت التيارات السياسية والفكرية في أوساط العلويين، فإن نظرتهم إلى الاحتلال الإسرائيلي هي ذاتها نظرة بقية الشعب السوري في اعتبار الاحتلال الإسرائيلي شرّاً مطلقاً.

وما المسيرات التنديدية المتواصلة بالتعدّيات الإسرائيلية إلا نموذج للإرادة الوطنية الجامعة، وخير ما عبّر عنها، مع التسليم بأهميتها غير كافية، فالأهم أن تلتقي رموز المكونات الاجتماعية تحت مظلة الدولة على صياغة ميثاق وطني يجمعها، وهو ما قد يقتضي، في وقت ما غير بعيد، عقد مؤتمر وطني خاص بهذا الاستحقاق السياسي، على غرار مؤتمر وطني عام شهدته البلاد قبل أكثر من قرن لمواجهة التدخّلات البريطانية والفرنسية لتقسيم سورية الطبيعية. هذا علاوة على الحاجة إلى احتضان عربي واسع لحماية سورية من المخطّط التوسّعي الإسرائيلي.

العربي الجديد

————————-

وجود عسكري لحماس والجهاد” في سورية… أكذوبة إسرائيلية للتوسع/ عدنان علي و علي بدوان

01 مارس 2025

في تصريحات أدلى بها وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر الاثنين الماضي، وصف الإدارة الجديدة في سورية بأنها “جماعة إرهابية” استولت على دمشق بالقوة. وزعم ساعر، لدى اجتماعه في بروكسل مع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في إطار مجلس الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل، “وجود عسكري لحماس والجهاد” في سورية يسعون إلى فتح جبهة حرب أخرى ضد إسرائيل.

من جانبه، قال وزير الأمن الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، خلال مؤتمر لقادة المجالس الإقليمية في إسرائيل الخميس الماضي، إن (أبو محمد) الجولاني (الرئيس السوري أحمد الشرع) “استبدل الجلابية بالبدلة ويتحدث بلغة دبلوماسية، لكننا لا نثق به، ونثق فقط بالجيش الإسرائيلي”. وكرر أن جنوب سورية يجب أن يبقى منطقة منزوعة السلاح، وقد تم نقل رسائل إلى دمشق بهذا الخصوص، مشيراً إلى أن النظام الجديد في دمشق حاول قبل أيام، ولأول مرة، نشر قواته في مواقع عسكرية، فقامت القوات الجوية الإسرائيلية بضربها وتدميرها. وأعلن كاتس أن قواته “ستبقى إلى أجل غير مسمى” في المنطقة العازلة على طول الحدود مع لبنان، وأن انتشارها هناك “مرتبط بالوضع”. ولفت إلى أن القوات الإسرائيلية “ستبقى في قمة جبل الشيخ والمواقع الاستراتيجية لفترة غير محدودة”. وجدد كاتس محاولة استمالة المجتمع الدرزي في سورية، بالقول: “نحن بالتأكيد نهدف إلى الحفاظ على الاتصال بهم، ونفكر حالياً في السماح لأولئك بالقدوم والعمل يومياً في مرتفعات الجولان، ونحن على استعداد لتقديم المساعدة لهم”.

وتعليقاً على التصريحات الإسرائيلية، خاصة تلك التي تتحدث عن “وجود عسكري لحماس والجهاد” في سورية قال مصدر فلسطيني مطلع مقيم في دمشق، لـ”العربي الجديد”، إن هذه التصريحات مجرد أكاذيب تطلقها إسرائيل للتغطية على خططها بشأن سورية بعد سقوط نظام بشار الأسد، وهي تعكس بوضوح رغبة في العبث بالوضع الداخلي السوري تحت ذرائع أمنية. وأضاف المصدر أن الهدف الإسرائيلي هو استغلال الوضع السوري الصعب لتدمير أوسع ما يمكن من البنى العسكرية التحتية، وحتى إحداث تمزيق جغرافي بشري بين المحافظات الثلاث الواقعة على خط المواجهة في تقاطعاتها الجنوبية، وهي القنيطرة ودرعا والسويداء، وهو ما يحظى بمباركة من إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب.

من تظاهرة في دمشق ضد الاعتداءات الإسرائيلية، 25 فبراير 2025 (بكر القاسم/الأناضول)

ووفق صحف إسرائيلية، فإن حكومة الاحتلال تعمل على إنشاء منطقة سيطرة تمتد لنحو 15 كيلومتراً داخل الأراضي السورية، إلى جانب منطقة نفوذ بعمق 60 كيلومتراً، تنشط فيها المصادر الاستخبارية الإسرائيلية، مشيرة إلى أن “منطقة النفوذ الأوسع التي ستخضع لمراقبة الاستخبارات الإسرائيلية، تهدف لمنع نشوء أي تهديد مستقبلي ضدها من الأراضي السورية”. وقالت إن الجيش الإسرائيلي سيحتفظ بوجود ميداني داخل منطقة السيطرة لضمان عدم إطلاق الصواريخ نحو الجولان مستقبلاً.

نفي أي “وجود عسكري لحماس والجهاد” في سورية

وحول مزاعم الوجود الفلسطيني في جنوب سورية، شدد المصدر على أنه لا أساس لها من الصحة إطلاقاً، نافياً أن يكون هناك أي “وجود عسكري لحماس والجهاد” في سورية لا حالياً ولا حتى في عهد النظام السابق. وأكد أن وجود “حماس” و”الجهاد” في سورية مدني بالكامل، وهو في الأساس سياسي وإعلامي واجتماعي. وأوضح أنه جرى إغلاق المقرات أو المكاتب التي كانت تتبع للفصائل الفلسطينية في عهد النظام السابق، أو وضعت الإدارة الجديدة يدها عليها، بما فيها مكاتب جبهة النضال الشعبي وجبهة التحرير الفلسطينية وفتح الانتفاضة التي أغلقت جميعها، كما جرى إغلاق معظم مكاتب الجبهة الشعبية ــ القيادة العامة، أما مكاتب فصيل قوات الصاعقة، التابعة لحزب البعث – الفرع الفلسطيني، فقد استحوذت عليها الإدارة الجديدة، واعتبرتها من أملاك الدولة. ووفق المصدر فإنه لا يوجد اليوم مقرات للفصائل الفلسطينية في سورية، باستثناء الرسمية منها، أي منظمة التحرير الفلسطينية، وحركة فتح، وما تبقى مؤسسات خيرية اجتماعية وإغاثية، بعضها يتبع للمجتمع المدني، وأخرى لفصائل فلسطينية.

وكان مصدر من “فتح الانتفاضة” قال، في وقت سابق لـ”العربي الجديد”، إن إدارة العمليات العسكرية في دمشق وضعت يدها على مقر قيادة “الصاعقة” العسكري في منطقة العباسيين بدمشق، ومكتب أحمد جبريل (الأمين العام السابق للجبهة الشعبية – القيادة العامة الذي توفي في العام 2021) والذي ورثه ابنه أبو العمرين. كما وضعت تلك الإدارة يدها على مقر العقيد زياد الصغير، مسؤول حركة فتح – الانتفاضة، في ساحة التحرير بدمشق، بينما هرب الصغير إلى لبنان، وقد كان هذا المقر أساساً قبل العام 1983 تابعاً إلى حركة فتح بقيادة الراحل ياسر عرفات. وأصدرت “فتح الانتفاضة”، الخميس الماضي، قراراً بطرد الصغير من الحركة نهائياً بتهمة اختلاس أموال، وإصدار بيانات مزورة باسمها.

بدوره، نفى مؤيد قبلان الباحث السياسي، والمستشار لدى الإدارة السياسية في دمشق، في حديث لـ”العربي الجديد”، مزاعم إسرائيل حول “وجود عسكري لحماس والجهاد” في سورية ووصفها بأنها مجرد ادعاءات فارغة. وقال قبلان: “لو تتبعنا الادعاءات الإسرائيلية، لوجدنا أنها متناقضة، خاصة قولهم إنهم لا يريدون أن يكون جنوب سورية مثل جنوب لبنان، حيث الوضع مختلف كلياً، ففي جنوب لبنان كان هناك قوة واحدة على صلة بإيران، وهذا الوضع غير قائم في سورية”.

“حماس” ليس لها وجود عسكري بسورية

وحول “وجود عسكري لحماس والجهاد” في سورية قال قبلان أن “حماس ليس لها وجود عسكري على الأرض السورية، ولا يسمح بوجودها، والادعاءات الإسرائيلية مجرد اختلاق ذرائع متناقضة”. وأوضح: “مرة تقول إسرائيل إنها تريد دعم الدروز، وأحيانا تدعي وجود جهاديين، وأحياناً تريد تأمين حدودها، وكل ذلك غير صحيح. الصحيح أنهم يحاولون الحصول على ورقة سياسية من خلال الترويج للانعزال على أساس طائفي وعرقي، لأنهم يعتبرون أن سورية ضعيفة خير لإسرائيل”. واعتبر أن “أي تضعضع في سورية سوف يتيح لإيران الدخول مجدداً إلى سورية بزعم دعم المجموعات التي تقاتل إسرائيل، وهذه قضية تحظى بشعبية، ما سيعيد الأمور إلى سيرتها الأولى كما كانت في عهد النظام السابق”.

نشاط اجتماعي وإغاثي

وبشأن “وجود عسكري لحماس والجهاد” في سورية قال الناشط في مجال العمل الإغاثي الحاج مازن أبو عطوان، لـ”العربي الجديد”، إن أنشطة حركة الجهاد في سورية تتركز حول رعاية الفقراء وترميم ما يمكن من منازل مدمرة، خاصة في مخيم اليرموك، ومحاولة إصلاح شبكة مياه الشرب، وتنظيف الشوارع الرئيسية من الردم، وتوزيع المساعدات الغذائية، أما “حماس” فلديها بعض المؤسسات الاجتماعية المرخصة من عهد النظام السابق قبل تدهور العلاقة بينهما نتيجة موقف الحركة المعارض لقمع النظام السابق للحراك الشعبي ضده. وأضاف أبو عطوان أن القيادة الجديدة في سورية لديها توجه لتشجيع النشاط المجتمعي والأهلي، سواء السوري أو الفلسطيني، لتعويض الخلل في أداء العديد من مؤسسات الدولة الموروث عن النظام السابق، مشيراً إلى أن مؤسسات المجتمع المدني الفلسطينية ساهمت في إصلاح وترميم وإعادة تجهيز معظم مساجد مخيم اليرموك لتكون جاهزة مع فجر اليوم الأول من رمضان (اليوم السبت)، وكل ذلك بدعم من أشخاص وعائلات من داخل مخيم اليرموك وخارجه. وأشار إلى دور هذه المنظمات في توزيع المواد الغذائية والألبسة عن طريق متبرعين، إضافة إلى تشغيل مستوصف خيري من قبل فصيل الجبهة الشعبية- القيادة العامة في مخيم اليرموك، ومستوصف وعيادة من جانب وكالة “أونروا”، مشيراً إلى أن أبرز الجمعيات العاملة في هذا المجال، هي “الإسراء” الخيرية، و”اليرموك” الخيرية.

وحول دور الفصائل في هذه الأنشطة، لفت الناشط في المجال الإغاثي وليد الكردي إلى أن حركات حماس والجهاد وفتح لها دور في العمل الخيري الإغاثي في التجمعات الفلسطينية، ضمن تراخيص عمل نظامية، كما تقوم الجبهتان الشعبية والديمقراطية لتحرير فلسطين بأنشطة في مخيم اليرموك غالبيتها ثقافية. ولفت إلى أن أبرز جهة تنشط على هذا الصعيد، هي وكالة “أونروا”، التي أنجزت بناء مدرستين جديدتين في مخيم اليرموك، إضافة إلى مستوصف، وهي تقدم خدمات أخرى، خاصة بعد نقل مقر الوكالة من منطقة الحلبوني في دمشق إلى بناء جديد في شارع المدارس في مخيم اليرموك بغية التخفيف على المدنيين عناء التنقل.

ورأى الباحث محمد إبراهيم أن ما تقوله حكومة إسرائيل بشأن مخاطر أمنية محتملة من الجانب السوري يدخل في باب “الأمن الوقائي” الذي باتت المؤسسة العسكرية الإسرائيلية تتبناه، خاصة بعد عملية “طوفان الأقصى” في غزة. وأضاف إبراهيم، في حديث لـ”العربي الجديد”، أن الحسابات الإسرائيلية تقوم على فرضيتين، هما عدم ثقتها بالحكم الجديد في سورية، والذي تعتبر أن لديه مرجعيات جهادية تدعم محاربة إسرائيل، إضافة إلى افتراض إسرائيلي بأن حركتي “حماس” و”الجهاد” في سورية سوف تبحثان عن جبهة انطلاق جديدة محاذية للجولان السوري المحتل، لمهاجمة إسرائيل بعد أن خسرتا جبهتي غزة وجنوب لبنان.

ورأى أن الإدارة الجديدة في دمشق تدرك تماماً المخاطر المترتبة على السماح بأي “وجود عسكري لحماس والجهاد” في سورية مستبعداً أن تسمح بذلك، لا قرب حدود الجولان، ولا في عمق الأراضي السورية. ولفت إلى أن إسرائيل تدرك ذلك، لكنها ترمي كما يبدو إلى ما هو أبعد، لانتزاع تخلٍ علني من جانب دمشق عن أي التزام بالقضية الفلسطينية، حتى على الصعيدين السياسي والإعلامي، على نحو ما كان يفعل النظام السابق، والذي كان يمنع النشاط العسكري الفلسطيني، ويكتفي بالدعم الإعلامي، الذي تقلص أيضاً في الأشهر الأخيرة قبل سقوط النظام، تحت الضغط الإسرائيلي.

العربي الجديد

————————————

هل ستترك إسرائيل الشرع يصول ويجول في سوريا كما فعلت مع حماس و”حزب الله”؟

في صيف 2006 اتُخذ قرار مجلس الأمن 1701، الذي وضع الحد لحرب لبنان الثانية؛ لأن حزب الله عاد وتمركز عسكرياً في جنوب لبنان خلافاً للاتفاق؛ وتزود بالصواريخ وسلاح متطور آخر، وحفر الأنفاق الهجومية، وأقام أبراجاً راقب من خلالها ما يحدث في الغرف المغلقة لسكان الشمال. وإيهود أولمرت، الذي كان يتعرض لضربات في الداخل والخارج، أغمض عينيه.

في انتخابات 2009 عاد نتنياهو إلى الحكم، وكعادته منذ ذلك الحين، اكتفى بتحذيرات ضعيفة وغير موثوقة، أكدت قول حسن نصر الله بأن “قوة الدولة الصهيونية كخيوط العنكبوت”. هكذا ولد مفهوم “الاحتواء” – الذي جلب علينا جولات قتال فاشلة في الجنوب والعجز، (“ضبط النفس يعتبر قوة”)، إزاء منظومة الصواريخ والأنفاق الهجومية في الجنوب والشمال.

وفي نهاية المطاف الكارثة الأكبر.

في خطابه الذي ألقاه في نهاية دورة ضباط في بداية هذا الأسبوع، تنصل نتنياهو (لفظياً على الأقل) من عقيدة الاحتواء التي قادها في سنوات حكمه الكثيرة، ووضع خطاً ثابتاً وواضحاً للنظام السوري الجديد: “نطالب بنزع كامل للسلاح في جنوب سوريا… ولن نتحمل أي تهديد للطائفة الدرزية”، وأضاف: “سيبقى الجيش الإسرائيلي في المنطقة العازلة لفترة غير محدودة… وسنحتفظ أيضاً بمناطق في لبنان إلى أن يفي لبنان بتعهداته في الاتفاق”.

ولتجسيد جدية هذه الأقوال، قصفت طائرات سلاح الجو بنى تحتية عسكرية في جنوب دمشق، المتبقية من النظام السابق. في المنطقة نفسها، حسب مصادر مختلفة، تراقب قوات برية إسرائيلية ألا تدق أي قوة أو مليشيا أو النظام الجديد وتداً في جنوب دمشق. تداعيات هذه العقيدة الجديدة، إذا لم يتراجع عنها نتنياهو، ستكون ثورية. لأن العقيدة السابقة التي اتبعها سمحت بوجود حزب الله على طول الحدود ولم تمنع حدوث الاقتحام من جنوب الحدود (تذكرون الخيمة؟)، وشجعت حزب الله وحماس على شن حرب تدميرية، التي نواجه نتائجها المؤلمة بدون نجاح زائد من سنة ونصف.

الزعيم السوري الجديد أحمد الشرع احتج على مضمون الخطاب، لكنه سلم بمعناه العملياتي. فقد استدعى رؤساء الطائفة الدرزية، ونقل إليهم (خاصة لإسرائيل) رسائل بعيدة المدى: “نريد السلام… نريد بناء دولة، وتقديم الخدمات… لا نية لنا لشن حرب على أحد… نظام الحكم في سوريا يعمل على مصادرة السلاح الذي يُرسل إلى حزب الله عن طريق سوريا”. هذه أقوال ثورية، شريطة أن يتمكن من تطبيقها بإرادته وبنيته.

ماذا بشأن نتنياهو؟ يكشف فجأة أن التمسك – المدعوم بالأفعال – بطلبات إسرائيل الأمنية يستجاب لها (حتى لو كان ذلك مع صك الأسنان). والنغمة التي تخرج من البقاع في لبنان آخذة في التغير. أذننا تسمع.

لو اتبع مثل هذه السياسة، التي طلب كثير من الأشخاص الطيبين اتباعها، لبقيت حماس قوة هامشية لا تملك ما تشكل به خطراً على إسرائيل، وما كان يمكنها تنفيذ 7 أكتوبر، وربما بقي حزب الله منظمة دينية متعصبة، لكن بدون قوة فتاكة، مثل القوة التي حاربت ضدنا في المعركة الأخيرة.

يسرائيل هرئيل

هآرتس 28/2/2025

القدس العربي

————————–

مفوضية حقوق الإنسان: احتلال إسرائيل للجولان يزعزع الأمن في سوريا

2025.03.01

قال المتحدث باسم مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، ثمين الخيطان، إن احتلال إسرائيل لمرتفعات الجولان السورية يزعزع استقرار الوضع الأمني ​​في سوريا.

وفي تصريحات نقلتها وكالة “الأناضول” التركية، أوضح الخيطان أن إسرائيل “تنتهك اتفاق فض الاشتباك لعام 1974، باحتلال مناطق خارج المنطقة العازلة في الجولان، وتخطط لمضاعفة عدد المستوطنين في الجولان المحتل”.

وأشار المتحدث باسم مفوضية حقوق الإنسان إلى أن الاحتلال الإسرائيلي وخططه “يقوضان سيادة سوريا وسلامة أراضيها، ويمكن أن يؤديا إلى زعزعة استقرار الوضع الأمني الهش بالفعل”.

وفي وقت سابق، أعرب المتحدث باسم الأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك عن قلق المنظمة الأممية البالغ إزاء الانتهاكات الإسرائيلية المستمرة لسيادة سوريا وسلامة أراضيها.

وخلال مؤتمره الصحفي في نيويورك، قال دوجاريك إنه “نشعر بقلق بالغ إزاء استمرار إسرائيل في انتهاك سيادة سوريا وسلامة أراضيها، وانتهاكات اتفاقية فض الاشتباك لعام 1974″، مؤكداً على ضرورة احترام كل الالتزامات بموجب القانون الدولي.

وأضاف أنه “في كل مرة نرى فيها هذه الضربات وغيرها من الانتهاكات من قبل آخرين لسلامة الأراضي السورية، فإن هذا يزيد من خطر تجدد الأعمال العدائية، وزيادة العنف، وعدم الاستقرار الإقليمي”.

وشدد المتحدث باسم الأمم المتحدة على أنه “نحن ندافع عن أمن الشعب السوري ووحدة الأراضي السورية وسيادتها، وهذه رسائل نقلها المبعوث الأممي بيدرسن وآخرون”، مؤكداً أن “جميع الالتزامات بموجب القانون الدولي، يجب أن تُحترم”.

الاعتداءات الإسرائيلية على سوريا

وخلال الأيام الماضية، شهدت مناطق عسكرية جنوبي سوريا قصفاً عنيفاً شنته طائرات الاحتلال الإسرائيلي، في استمرار لاعتداءات متكررة، خلال الأسابيع الماضية، على الأراضي السورية، بما في ذلك احتلال المنطقة العازلة والسيطرة على قمة جبل الشيخ، وتوغل قوات الاحتلال الإسرائيلي في محافظة القنيطرة، وقصف مئات المواقع العسكرية، بهدف تدمير البنية التحتية للجيش السوري.

ويتزامن العدوان الإسرائيلي البري والجوي خلال الأيام الماضية، مع استمرار عمليات بناء القواعد العسكرية داخل المنطقة العازلة من جبل الشيخ وصولاً إلى حوض اليرموك، حيث يتم تجهيز النقاط بالكهرباء والسكن الخاص بالعناصر وشق طرقات باتجاه الحدود من كل نقطة عسكرية تم إنشاؤها.

—————————

إسرائيل تضغط على أميركا لإبقاء سوريا “ضعيفة

حكومة نتنياهو تحاول إقناع إدارة ترمب باستمرار القاعدتين الروسيتين

رويترز

السبت 1 مارس 2025

قال الزميل في مؤسسة سينشري إنترناشيونال البحثية ومقرها الولايات المتحدة آرون لوند، إن “الخوف الأكبر لدى إسرائيل هو أن تتدخل تركيا لحماية الإدارة الجديدة في سوريا، فيما قد يفضي إلى تحولها لـحماس وغيرها من الجماعات المسلحة”.

قالت أربعة مصادر مطلعة، إن إسرائيل تضغط على الولايات المتحدة لإبقاء سوريا ضعيفة وبلا قوة مركزية من خلال السماح لروسيا بالاحتفاظ بقاعدتيها العسكريتين هناك لمواجهة النفوذ التركي المتزايد في البلاد.

وأوضحت المصادر أن العلاقات التركية المتوترة في الغالب مع حكومة بنيامين نتنياهو تعرضت لضغوط شديدة خلال حرب غزة، وأن مسؤولين إسرائيليين أبلغوا واشنطن بأن الإدارة الحالية في سوريا، التي تدعمها أنقرة، تشكل تهديداً لحدود إسرائيل.

وتشير هذه الضغوط إلى حملة إسرائيلية منسقة للتأثير في السياسة الأميركية في منعطف حرج بالنسبة إلى سوريا، حيث تحاول الإدارة الجديدة التي أطاحت بشار الأسد توطيد الاستقرار وحمل واشنطن على رفع العقوبات.

وذكرت ثلاثة مصادر أميركية وشخص آخر مطلع على الاتصالات أن إسرائيل نقلت وجهات نظرها إلى كبار المسؤولين الأميركيين خلال اجتماعات في واشنطن خلال فبراير (شباط) الماضي، واجتماعات لاحقة في إسرائيل مع ممثلين في الكونغرس الأميركي.

وقال اثنان من المصادر، إن وثيقة إسرائيلية تتضمن البنود الرئيسة جرى توزيعها أيضاً على مسؤولين أميركيين كبار.

وطلبت جميع المصادر عدم ذكر اسمها نظراً إلى الحساسية الدبلوماسية.

وقال الزميل في مؤسسة سينشري إنترناشيونال البحثية ومقرها الولايات المتحدة آرون لوند، إن “الخوف الأكبر لدى إسرائيل هو أن تتدخل تركيا لحماية الإدارة الإسلامية الجديدة في سوريا، فيما قد يفضي إلى تحولها لـحماس وغيرها من الجماعات المسلحة”.

ولم ترد وزارة الخارجية الأميركية ولا مجلس الأمن القومي الأميركي ولا مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي ولا وزارة الخارجية السورية أو التركية على طلبات للتعليق بعد.

وقالت المصادر، إنه لم يتضح حتى الآن مدى قبول إدارة الرئيس دونالد ترمب لمقترحات إسرائيل.

ولم تتطرق الإدارة الأميركية الجديدة كثيراً إلى الشأن السوري، مما تسبب في حال من عدم اليقين تجاه مستقبل العقوبات المفروضة على دمشق ووضع القوات الأميركية المنتشرة في شمال شرقي البلاد.

وقال لوند، إن إسرائيل لديها فرصة جيدة للتأثير في الولايات المتحدة، ووصف الإدارة الأميركية الجديدة بأنها مؤيدة لإسرائيل بقوة. وأضاف “سوريا ليست ضمن أولويات ترمب حالياً. لها أولوية منخفضة وهناك فراغ في السياسات يتعين ملؤه”.

—————————

إسرائيل تريد سوريا مفككة.. والضامن القواعد الروسية وليس التركية

السبت 2025/03/01

تمارس إسرائيل ضغوطاً على الولايات المتحدة من أجل إبقاء سوريا ضعيفة ومفكّكة، بزعم أن الحكام الجدد للبلاد يشكلون “تهديداً خطيراً” لحدودها، وأن الجيش السوري الجديد سيهاجم إسرائيل “ذات يوم”، حسب وكالة “رويترز”.

سوريا ضعيفة

وقالت أربعة مصادر للوكالة، إن الضغط الإسرائيلي يتضمن الإبقاء على القواعد العسكرية الروسية في البلاد، من أجل مواجهة النفوذ التركي المتزايد، كما أبلغ مسؤولون إسرائيليون، واشنطن، بأن الحكام الإسلاميين الجدد يشكلون تهديداً لحدود إسرائيل.

واعتبرت الوكالة أن الضغوط تشير إلى حملة إسرائيلية منسقة للتأثير على السياسة الأميركية، بالتزامن مع منعطف حرج بالنسبة لسوريا، وكذلك في الوقت الذي يحاول الإسلاميون الذين أطاحوا بنظام الأسد، توطيد الاستقرار وحمل واشنطن على رفع العقوبات.

وقالت ثلاثة مصادر أميركية وشخص آخر مطلع على الاتصالات، إن إسرائيل نقلت وجهات نظرها إلى كبار المسؤولين الأميركيين خلال اجتماعات في واشنطن في شباط/ فبراير الماضي، واجتماعات لاحقة في إسرائيل مع ممثلين في الكونغرس الأميركي، فيما ذكر اثنان من المصادر أن “وثيقة إسرائيلية” تتضمن البنود الرئيسية جرى توزيعها أيضاً على مسؤولين أميركيين كبار.

لكن المصادر لفتت إلى أنه لم إنه لم يتضح حتى الآن مدى قبول إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لمقترحات إسرائيل، فيما لم تتطرق الإدارة الأميركية الجديدة كثيراً إلى الشأن السوري، مما تسبب في حالة من عدم اليقين تجاه مستقبل العقوبات المفروضة على دمشق ووضع القوات الأميركية المنتشرة في شمال شرق البلاد.

الدور التركي

وتشعر إسرائيل حالياً بقلق بالغ إزاء الدور الذي تلعبه تركيا بصفتها حليفاً مقرباً من الإدارة الجديدة في سوريا، حسبما أفادت 3 مصادر للوكالة.

وقالت المصادر إن مسؤولين إسرائيليين سعوا إلى إقناع نظرائهم الأميركيين، بأنه يتعين على روسيا أن تُبقي على قاعدتها البحرية في طرطوس، وقاعدتها الجوية في حميميم في اللاذقية، من أجل السيطرة على الدور التركي.

لكن مصدرين أميركيين كشفا أنه عندما عرض المسؤولون الإسرائيليون استمرار الوجود الروسي في اجتماعهم مع المسؤولين الأميركيين، فوجئ بعض الحاضرين، بالإشارة إلى أن تركيا، العضو في حلف شمال الأطلسي، ستكون ضامناً أفضل لأمن إسرائيل.

وأضاف المصدران أن المسؤولين الإسرائيليين “صمموا” على أن الوضع ليس كذلك، وذلك بالتزامن مع محادثات تجريها القيادة الجديدة مع موسكو بشأن مصير القاعدتين العسكريتين.

وفي وقت سابق، قال الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع إن دمشق لا ترغب في خوض صراع مع إسرائيل أو أي دولة أخرى.

لكن مصادر الوكالة أكدت أن مسؤولين إسرائيليين عبروا لمسؤولين أميركيين عن قلقهم من أن الحكومة الجديدة قد تشكل “تهديداً خطيراً”، وأن الجيش السوري الجديد قد يهاجم إسرائيل في المستقبل.

المدن

—————————-

=======================

تحديث 28 شباط 2025

—————————

تقسيم سوريا.. واقع وشيك أم خرافة؟/ سلمان عز الدين

28 فبراير 2025

مع كل أزمة تشهدها المنطقة، تظهر خريطة جديدة. خريطة متقنة الرسم، ملونة، ومفصلة، مع هوامش وشروحات وتوضيحات. والقاسم المشترك بين كل الخرائط هو أنها جميعًا تقدم مقترحًا ما لتقسيم آخر، لحدود مختلفة.

إثر احتلال الولايات المتحدة للعراق، ازدهر موسم الخرائط. خريطة تقسم العراق إلى ثلاث دول، وأخرى تقسم السعودية أربعة، وثالثة تشقلب دول بلاد الشام وتلخبط حدودها لتقدمها في شكل “مبتكر” لا يخلو من لمسة خيال. بل إن مصر نفسها، مصر ذات الحدود شبه الخالدة، قد نالت نصيبها من الخرائط، فصارت سيناء دولة مستقلة في خريطة، ونال الأقباط دولة غرائبية في أخرى.

وعلى اختلاف هذه الخرائط، وعلى تناقضها حتى، فقد نُسبت جميعها إلى رؤية المحافظين الجدد لـ “الشرق الأوسط الجديد”.

ومع انطلاق الثورة السورية، عام 2011، انتعش سوق الخرائط مجددًا، ولكن هذه المرة مع قدر أقل من “الإبداع” ومن التنويع، إذ رُسم بعضها وفق معيار سياسي (كان قائمًا وقتذاك)، فقُسمت البلاد إلى دولة للنظام ودول لأطياف المعارضة. فيما البعض الآخر ذهب إلى المعيار الطائفي ـ الإثني، فصار لكل من السنة والعلويين والدروز والأكراد دولهم المستقلة.

منذ “سايكس بيكو” والخرائط، خرائط التقسيم التي تتناسل إلى ما لا نهاية، تشكل هواجس دائمة الحضور في الحياة السياسية العربية (المشرق العربي تحديدًا)، وإذ يحسب البعض رهاب الخرائط هذا على “نظرية المؤامرة”، فإن آخرين يردون وفق منطق يرونه محكمًا وإن بدا بسيطًا: فإذا حدث هذا (التقسيم) مرة فلم لا يحدث مرات؟ وإذا كانت القوى الكبرى استطاعت رسم الخرائط على هواها، يومذاك، فهي لا تزال قادرة الآن. أما المنطقة العربية فهي على حالها منذ مئة عام: لقمة سائغة، عجينة تطيع أي تشكيل.

تعيش سوريا اليوم هواجس التقسيم أكثر من أي وقت مضى.

على وقع التهديدات والأعمال العدائية الإسرائيلية، وإثر تصريحات نتنياهو ومسؤولي حكومته التي تفصح عن شهية مفتوحة لتغيير الواقع السياسي في المنطقة برمتها، وخاصة في سوريا، ينهمر كلام غزير عن التقسيم، عن خريطة ـ خرائط جديدة للبلاد الخارجة للتو من محنة الاستبداد الأسدي الطويل.

ولكن أي قدر من الواقعية ينطوي عليه هذا الكلام؟ ما نصيب القراءة السياسة المدققة فيه، قياسًا بالتهويل الذي تمليه مخاوف موروثة مبالغ بها؟.

يستبعد الباحث في مركز حرمون للدراسات المعاصرة، د. طلال مصطفى، سيناريو التقسيم من حيث المبدأ، ولكنه، مع ذلك، يحاول شرح المسوغات التي دعت البعض إلى ترجيحه. فهناك أولًا “الوجود الأجنبي على الأراضي السورية: أميركا، تركيا، روسيا، إسرائيل. وإذا كان هذا الوجود لن يفضي إلى تقسيم البلاد إلى دول، فعلى الأقل يقسمها إلى مناطق نفوذ. وكذلك هناك عامل يتصل بتعثر الحل السياسي إلى الآن، واستمرار الوضع الراهن دون التمكن من تحقيق انتقال سياسي مقبول من السوريين، سوف يزيد منسوب القلق”.

ويضيف: “وهناك بالطبع التصريحات الإسرائيلية التي ربما كانت العامل الأول في شيوع الحديث عن سيناريو التقسيم، ويضاف إلى ذلك العامل الاقتصادي، فالأزمات المعيشية وانهيار البنية التحتية في البلاد تعزز النزعات الانفصالية”.

وبالمقابل يقدم مصطفى العوامل التي تجعل التقسيم مستبعدًا: “العامل الدولي، فأميركا وروسيا والاتحاد الأوروبي ما زالوا يدعمون وحدة الأراضي السورية. والعامل الداخلي حيث لا توجد حدود واضحة تفصل بين المكونات السكانية في سوريا ما يجعل التقسيم صعبًا إن لم يكن مستحيلًا”. ويتساءل: “كيف يمكن قيام دولة درزية مثلًا، والدروز موجودون في أماكن مختلفة ومتباعدة في الأرض السورية: إدلب، السويداء، ريف دمشق؟”.

ويشير مصطفى إلى أهمية موقف نظام الحكم الجديد في سوريا والرافض، بطبيعة الحال، لأي كلام عن التقسيم، وأيضًا “فالقوى والتشكيلات المسيطرة في درعا والسويداء لا تملك مشروعًا سياسيًا واضحًا للانفصال”. أما عن الأكراد السوريين فثمة سابقة ذات دلالة في هذا الشأن، ذلك أن “أكراد العراق الذين يمتلكون عوامل ومقومات مؤهلة لم يستطيعوا الحصول على اعتراف بدولة مستقلة، فما بالكم بالأكراد السوريين الذين لا يمتلكون مثل هذه المقومات؟”.

ويتفق الكاتب السياسي، سليمان الشمر، مع مصطفى في التقليل من واقعية سيناريو التقسيم، بل يذهب إلى استبعاده تمامًا، معتبرًا أنه من المفهوم “في ظل هذه المرحلة الانتقالية وضعف الاستقرار الذي تعيشه سوريا، أن تمارس إسراىيل أقصى درجات الضغط على السلطة الجديدة، لا سيما وأنها متخوفة من شكل النظام الجديد في دمشق، إلا أن التصريحات الإسرائيلية لن تتجاوز حدود الضغط الأقصى، فمن الواضح أن لاتغيير في خرائط المنطقة”، ويتابع: “ثم ليست إسرائيل هي المقرر في هذه الحيثية، خاصة وأن الدول الفاعلة قد تفاهمت على إغلاق ملف الصراع السوري، الذي بقي مفتوحا أربعة عشر عاما بكلفة بشرية ومادية باهظة”.

الشمر يذكر بتجربة العراق بعد الغزو الأميركي حيث “شاعت أحاديث كثيرة عن التقسيم. التقسيم الذي لم يحدث ولن يحدث، إذ لم يكن من ضمن الاستراتيجية الأميركية، وكان سيتسبب بمفاعيل سلبية وتداعيات خطيرة على دول المنطقة، وما يؤكد ذلك أنه عندما غامر مسعود برزاني بالاستفتاء عام 2019 كلفه هذا الاستفتاء عزله سياسيًا وخسارة محافظة كركوك الأثيرة على قلب أكراد الأقليم”.

ولكن ألم تتغير معطيات المنطقة بعد طوفان الأقصى؟ ألا نقف اليوم أمام واقع جديد وبالتالي توجهات جديدة؟ يجيب الشمر: “مع ذلك فلا نية للعب بالخرائط القائمة. في مناطق قسد، مثلا، لم يصدر عن الإدارة الأميركية، منذ العام 2014 (عام التحالف بين قوات قسد والجيش الأميركي لطرد داعش من سوريا) وحتى الآن، أية وعود بدعم استقلال الأكراد، أو حتى منحهم إدارة ذاتية، وذلك لصعوبة تلك المناطق واقعيًا وديموغرافيًا”. وبالنسبة لبقية المناطق السورية التي يعتبرها البعض مرشحة لنوع من الانفصال، يقول الشمر: “في الساحل والسويداء هناك أصوات تتحدث عن نوع من الاستقلال، ولكن ذلك لا يأتي كخيار أول، بل كخيار أخير. احتمال قائم في حال ساءت الأمور في سوريا بالنسبة لهم”.

منطقة عازلة كبيرة؟

وكانت إسرائيل قد جددت، يوم الثلاثاء الماضي، استهدافها لمواقع داخل الأراضي السورية، إذ شنت طائراتها غارات على أماكن متفرقة في محافظات ريف دمشق والقنيطرة ودرعا.

وحسب مراقبين، فإن الأعمال العدائية هذه قد حملت جديدًا. أولًا، من حيث كثافة الضربات وتحليق الطائرات، وثانيًا من حيث الأهداف المنتقاة، والأهم أن هذه الضربات بدت وكأنها ترجمة سريعة لكلام رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الذي كان قد أعلن عدم السماح بدخول الجيش السوري الجديد إلى المناطق جنوب دمشق، والمقصود محافظات القنيطرة ودرعا والسويداء. الأمر الذي دفع محللين إلى الحديث عن نية إسرائيلية بخلق منطقة عازلة جديدة، أكبر بكثير من تلك التي نص عليها اتفاق فض الاشتباك عام 1974، ذلك أن المنطقة الجديدة تشمل محافظات سوريا الجنوبية الثلاثة بمساحة تصل إلى 11 ألف كيلو متر مربع. وقد برز سؤال في هذا السياق عما إذا كانت إسرائيل قد بدأت في رسم حدود هذه المنطقة العازلة بالنار؟

يرى الباحث طلال مصطفى أن إسرائيل “إذا لم تسع إلى تقسيم فهي قد تسعى لتحقيق بيئة أمنية واستراتيجية تخدم مصالحها.. قد تعمل على فرض منطقة آمنة على نمط الجنوب البناني في الثمانينات”، مضيفًا: “هاجس إسرائيل هو منع دولة سورية قوية. وعندما كانت هذه الدولة قوية نسبيًا في عهد الأسدين فلم تكن تخيفها. كانت مطمئنة لنظام الأسد، وهي اليوم غير مطمئنة للنظام الجديد، حتى مع عدم امتلاكه أسلحة استراتيجية، واقتصاره على أسلحة تكاد تكون شُرَطية”.

ويقول مصطفى: “ربما تلجأ إسرائيل إلى دعم صيغة حكم ذاتي كردي ولكن هذا يحتاج موافقة أميركية، ومن جهة ثانية قد تلعب روسيا دورًا ما، إذ من الممكن أن تحدث تفاهمات بينها وبين إسرائيل وبين بعض فصائل الجنوب لضمان الأمن الإسرائيلي. كل هذا ربما يكون واردًا، دون أن يصل أي من هذه الاحتمالات إلى حد التقسيم”.

ويتوقف سليمان الشمر عند مواقف بقية دول الإقليم، الأردن والسعودية وتركيا. فإذا كانت هذه الدول “تريد من النظام الجديد في دمشق الالتزام بمطالب ضبط الحدود ومنع عودة إيران إلى سوريا، كما تريد اعتماد نظام تشاركي وضمان استقرار وسلم أهلي، ما يجعلها غير منزعجة من أي ضغوط خارجية تمارس على هذا النظام، فإنها بالمقابل وبالقطع ليست مع التقسيم او أي إضعاف لسيطرة الدولة السورية على أراضيها، لما يسبب ذلك من تداعيات خطيرة على المنطقة كلها”.

حكومة دمشق: أي دور؟ أي موقف؟

يأخذ كثير من السوريين على حكومتهم صمتها إزاء الاستفزازات الإسرائيلية، ويتهكم بعضهم بالتساؤل: “وهل سيحتفظ هذا النظام أيضًا بحق الرد؟!”.

يشير الشمر إلى أن البيان الختامي لمؤتمر الحوار الوطني قد تضمن تنديدًا بتصريحات نتنياهو وتأكيدًا على العمل من أجل الحفاظ على وحدة  الاراضي السورية، “لكن واقعيًا الدولة السورية خرجت من الصراع دولة منهكة ولا طاقة لها بالتصدي عسكريًا. وعدم اللجوء للخيار العسكري هو خيار واقعي”.

لكن بالمقابل ــ يضيف الشمر ــ بإمكان السلطة الجديدة “الاستناد الى مشاركة ودعم الشعب السوري، وكذلك الاستناد إلى موقف عربي داعم ورافض للتصرفات العدوانية الإسرائيلية”.

ويؤيد مصطفى، من جهته، عدم وجود إمكانية للإقدام على خطوة عسكرية، “فالأولوية الآن لاستتباب الأمن الداخلي وبناء مؤسسات الدولة”. مؤكدًا أنه “من البدهيات الوطنية أن ترفض الحكومة السورية رفضًا قاطعًا أي حديث عن تقسيم أو منطقة عازلة، ويمكن لها أن تستخدم خطابًا وطنيًا سياسيًا شديد اللهجة، على الصعيدين المحلي والدولي، كما يمكنها أن تتواصل مع روسيا التي لها دور إيجابي في تطمين إسرائيل ومنعها من أي عدوان”.

ولا يقل أهمية عن ذلك هو أن “تقوم الحكومة بردم الفجوات بينها وبين الفصائل في الجنوب، وبكسب ثقة القوى والشخصيات الأهلية الفاعلة، وخاصة وقد لاحظنا ردود فعل الجنوب الرافضة لحديث الانفصال ولتصريحات نتنياهو. هذا الرفض الشعبي الذي امتد إلى مدن سورية عديدة مثل دمشق وحمص، ووصل إلى بلدات ومدن صغيرة مثل مصياف والسلمية”.

ويؤكد الشمر على هذه النقطة في ختام حديثه “فليس بإمكان السلطة الجديدة تطويق الآثار السلبية للمواقف الإسرائيلية الأخيرة، إلا عبر التوافق السياسي، ولا سيما فيما يتصل بفصائل الجنوب الرافضة لتسليم سلاحها”.

الترا سوريا

———————————–

دروز سوريا بين إسرائيل و”هيئة تحرير الشام”/ وليد فارس

التطور الذي يغير الوضع الجيوستراتيجي بات معارضة مناطق الدروز لحكومة أحمد الشرع

الجمعة 28 فبراير 2025

بحسب التقدير الاستراتيجي لم يبقَ سوى خيط واحد قد يكون له دور في تسوية سورية- سورية، من المحتمل أن تكون مبادرة سعودية لمؤتمر يجمع الهيئة والسنة العرب في سوريا مع الأكراد والدروز وربما العلويين وبمشاركة المسيحيين أيضاً، فإما أن تقبل كل هذه الفئات بمبادرة من هذا النوع تحت إشراف الرياض أو أن يتجذر الأمر الواقع، أي أن يبقى الدروز على أرضهم بحماية إسرائيلية، وربما أميركية، حتى حلول مرحلة جيوسياسية جديدة.

التطورات في الهلال الخصيب تتسارع بوتيرة عالية تفوق سرعة انهيار السلطنة العثمانية وتوقيع “اتفاقية سايكس- بيكو” في العشرينيات من القرن الماضي. وأهم تلك التطورات هي الحاصلة الآن في سوريا، أكان في شمالها بين الأكراد من ناحية والميليشيات الإسلامية من ناحية ثانية أو جنوبها بين الدروز والميليشيات نفسها المسيطرة على دمشق.

إلا أن الضربات الجوية الإسرائيلية الأخيرة والمكثفة على مواقع “هيئة تحرير الشام” وحلفائها وتصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي الصادمة خلطت الأوراق مجدداً منذ إسقاط نظام بشار الأسد والأوراق لا تزال تختلط، لذلك وقبل اشتعال محتمل فلنستعرض ما تطور حتى الآن وإلى أي وضع يمكن أن يبلغه.

مع وصول قوات المجلس العسكري التابع لـ”هيئة تحرير الشام” إلى العاصمة وانتشارها في المدن الكبرى وإعلانها الذاتي أنها باتت هي “الدولة الانتقالية” حتى تشكيل الدولة السورية بصورتها النهائية ودستورها الجديد ووعدت بمشاركة كل القوميات والطوائف والمكونات، سارع عدد من الدول إلى الاعتراف بالسلطة الجديدة وزارت وفود العاصمة السورية للحوار مع حكومة “الجولاني” كسلطة انتقالية رسمية، إلا أن منطقتين عارضتا تسليم سلاحهما إلى “الهيئة”، الشمال الشرقي حيث “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) و”المجلس العسكري لمحافظة السويداء”.

وموقف “قسد” معروف وقديم وصراعها مع الميليشيات الإسلامية الإخوانية والتكفيرية عمره أعوام، لا سيما منذ معارك كوباني وسقوط بلداتها على الحدود مع تركيا وعفرين. إلا أن الحماية الأميركية أمنت الحد الأدنى وأمنت استمرار “روجافا” (كما يسمونها) وفيها أكراد وعرب ومسيحيون، لكن التطور الذي يغير الوضع الجيوستراتيجي في البلاد بات معارضة مناطق الدروز، بخاصة في محافظة السويداء، “لحكومة أحمد الشرع” لأسباب متعددة، أهمها عدم إشراك الأقليات في آلية صياغة الدستور الجديد للبلاد وعدم الموافقة على تسليم السلاح قبل التفاهم حول دستور جديد وإطلاق حكومة تعددية وتأليف جيش مركزي جديد.

لكن موقف القيادة الروحية والسياسية لدروز سوريا الذي خرج من السويداء كان مختلفاً في الشكل والمضمون عن واقع “قوات سوريا الديمقراطية” في الشمال، فدروز السويداء شاركوا في الثورة ضد النظام السابق وكانوا لاعباً مهماً في تحرك المجتمع المدني السوري ككل، وهم من أنصار الدولة المدنية الوطنية وتعرضوا لاضطهاد سياسي وأمني، ولكن أقسى ما تعرضت له السويداء خلال الثورة والحرب أعمال إرهابية من قبل تنظيم “داعش” والميليشيات الإسلامية، وتطورت الاعتداءات الميليشياوية من كل الاتجاهات، أكانت من النظام أو ما يسمى (في الغرب) “جماعات جهادية” إلى مجازر ضد المدنيين في المحافظة.

وشكلت تلك التجربة قناعة راسخة لدى دروز سوريا بأن يحافظوا على سلاحهم حتى تأمين سلامتهم وأمنهم الجماعي وحريتهم، إذ إنهم عانوا الأمرّين خلال حكم الأسد والجماعات الإسلامية المقاتلة، ومن هنا يُقرأ موقفهم من أي حكم جديد، فليس للدروز مشروع هوية قومية خاصة بهم غير الهوية العربية إثنياً، لكنهم فقدوا الثقة بالذين حكموهم كالبعث والخمينيين والجماعات التكفيرية التي هددتهم، لذا سياستهم هي تشكيل حماية ذاتية حتى إشعار آخر.

ماذا حدث مع “الهيئة”؟ قيادات السويداء كان لهم نضال مشترك مع الإسلاميين غير “داعش” ضد النظام البائد وكانوا يتطلعون إلى حكومة مركزية متعددة الأطراف تمثل المناطق الأساس حتى لو ترأسها قائد من طرف “الهيئة”، وكانوا يرغبون في أن تستضيفهم السعودية خلال مؤتمر حوار مع القوى العربية السنية والأكراد والأقليات الأخرى. إلا أن مسارعة “هيئة تحرير الشام” ومجلسها العسكري إلى إجبار المكونات الأخرى من أكراد وعلويين ودروز على حل قواتهم الدفاعية والاستسلام لميليشيات الهيئة قلبت الموقف. فبعد رفض السلطة المركزية في دمشق خيار التعددية والفيدرالية وإرسالها قوات أمنية للسيطرة على السويداء والجنوب بالقوة، وضع المجلس العسكري الجنوبي خطاً أحمر وشكل قوته الخاصة ورفض سلطة “الهيئة” حتى “تغيير المسار”.

أما تجاه إسرائيل، فلدروز الجنوب السوري والأقليات الأخرى تطور في الموقف، إذ إن تاريخ هذه الطوائف قبل الثورة يدل على وقوفها إلى جانب الدولة السورية حتى اندلاع الثورة عام 2011 عندما قمعت التظاهرات الشعبية، فالتحقت بالانتفاضة. إلا أن اعتداءات “داعش” ومجموعات إرهابية أخرى دفعت الأهالي إلى التواصل مع طائفتهم في الجولان. وكان ذلك خطراً كبيراً عليهم مما أقنعهم بأن أحداً لن يحميهم إلا سلاحهم وأبناء بني معروف في أي بلد كانوا.

وقام دروز إسرائيل بدور أساس في نمو تيار داخل إسرائيل لحماية الدروز في جنوب سوريا كامتداد لدروز إسرائيل، إلا أن أهل السويداء لم يتحالفوا مع إسرائيل على رغم الأخطار ضدهم، ولكن تهديد “هيئة تحرير الشام” باجتياح المحافظة ونزع سلاحها ونشر مواقف معادية للدروز من قبل أنصار “الهيئة” قطعت شعر معاوية بين الإسلاميين والمجلس الجنوبي، فطلب دروز إسرائيل من حكومتهم أن تحمي أبناء جلدتهم داخل سوريا، فقررت تل أبيب أن تمد حمايتها العسكرية إلى شمال السويداء محذرة “الهيئة” بأن أي تقدم لقوات السلطة في دمشق باتجاه الجنوب ستضربه إسرائيل.

هكذا انهار الوضع بين الجنوب السوري و”هيئة تحرير الشام” وبات دروز محافظة السويداء وشركاؤهم تحت المظلة الإسرائيلية في مواجهة الميليشيات الإسلامية التي تدعمها تركيا. وبحسب التقدير الاستراتيجي لم يبقَ سوى خيط واحد قد يكون له دور في تسوية سورية- سورية، من المحتمل أن تكون مبادرة سعودية لمؤتمر يجمع “الهيئة” والسنة العرب في سوريا مع الأكراد والدروز وربما العلويين وبمشاركة المسيحيين أيضاً، فإما أن تقبل كل هذه الفئات بمبادرة من هذا النوع تحت إشراف الرياض أو أن يتجذر الأمر الواقع، أي أن يبقى الدروز على أرضهم بحماية إسرائيلية، وربما أميركية، حتى حلول مرحلة جيوسياسية جديدة.

——————————–

التصعيد الإسرائيلي في جنوب سورية/ سالي علي

27 فبراير 2025

تصاعدت التوترات في جنوب سورية بعد الغارات الجوية الإسرائيلية الأخيرة، التي استهدفت مواقع عسكرية في مناطق قريبة من دمشق ودرعا. وجاء هذا التصعيد في أعقابِ تصريحات الرئيس السوري أحمد الشرع خلال مؤتمر الحوار الوطني السوري، والتي شدّد فيها على سيادة سورية ووحدتها، مع رفض أي تدخلات خارجية. فهل كانت هذه التصريحات سببًا مباشرًا في التصعيد الإسرائيلي، أم أنّ الأمر يتجاوز مجرّد الكلمات إلى حساباتٍ سياسية وأمنية أوسع؟

شهدت سورية تحولاتٍ كبيرة خلال الأشهر الماضية، خاصة بعد سقوط نظام بشار الأسد وسيطرة فصائل معارضة بقيادة “هيئة تحرير الشام” على دمشق، قبل أن تتوصّل القوى السورية إلى تسوية سياسية أفضت إلى تشكيل حكومة جديدة برئاسة أحمد الشرع. هذه التغيرات أعادت رسمَ خريطة التوازنات الإقليمية، وأثارت مخاوف عدة أطراف، أبرزها إسرائيل، التي تسعى إلى ضمان عدم تمركز قوات معادية على حدودها الشمالية.

إسرائيل، التي لطالما اعتبرت النفوذ الإيراني والمليشيات المتحالفة معه في سورية تهديدًا وجوديًا، وجدت نفسها أمامَ مشهد جديد يتمثل في حكومة سورية تحاولُ فرض سلطتها وإعادة بناء جيشها، وهو ما قد يفسر الهجمات الأخيرة التي استهدفت مواقعَ عسكرية في الجنوب.

تصريحات الشرع وتأثيرها على التصعيد

خلال مؤتمر الحوار الوطني السوري، أكد الرئيس أحمد الشرع أن “سورية لا تقبل القسمة”، وأن “وحدة السلاح بيد الدولة ضرورة لا يمكن التنازل عنها”؛ كما ندّد بالمحاولات الخارجية لإثارة الانقسامات الداخلية، في إشارةٍ واضحة إلى الضغوط الإسرائيلية والغربية. هذه التصريحات جاءت ردًا على مطالبات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بجعلِ جنوب سورية منطقة منزوعة السلاح، وهو ما رفضته الحكومة السورية الجديدة بشدة.

إسرائيل رأت في هذه التصريحات إشارة إلى أن الحكومة السورية الجديدة لن تكون أكثر مرونة من النظام السابق في ما يخص الوضع العسكري في الجنوب، مما دفعها إلى تنفيذ عملياتها العسكرية لتعزيز موقفها وفرض شروطها الأمنية على الأرض.

لا يمكن النظر إلى هذا التصعيد بمعزل عن المشهد الإقليمي والدولي. فالتغيرات التي شهدتها سورية جاءت في ظل تنافسٍ إقليمي حاد، حيث تحاولُ كلّ من روسيا وإيران وتركيا والدول العربية إيجاد موطئ قدم لها في سورية ما بعد الأسد. من جهة أخرى، تسعى إسرائيل إلى استغلال هذه المرحلة الانتقالية لإعادة رسم قواعد الاشتباك بما يضمنُ أمنها على المدى الطويل.

إضافة إلى ذلك، فإنّ الولايات المتحدة والمجتمع الدولي لم يبديا موقفًا واضحًا من التطورات الأخيرة، وهو ما قد يمنحُ إسرائيل مساحة أكبر للمضي في استراتيجيتها العسكرية دون ضغوط دبلوماسية حقيقية.

نحو مواجهة مفتوحة أم تسوية؟

التصعيد الإسرائيلي في جنوب سورية قد يكون رسالة تحذيرية أكثر من أنّه بداية لحملة عسكرية واسعة، لكن استمرار التوترات من دون وجود قنوات للحوار قد يؤدي إلى تصعيد أكبر. الحكومة السورية الجديدة تجدُ نفسها أمام تحدٍ مزدوج: من جهة، عليها إثباتُ قدرتها على فرض سيادتها وحماية أراضيها، ومن جهة أخرى يجب أن تتعامل بحذرٍ مع التحركات الإسرائيلية لتجنبِ الانزلاق لمواجهة مباشرة.

في ظل هذا المشهد المعقد، يبدو أن الحل الأمثل يكمن في التفاوض عبر وسطاء دوليين، خاصة روسيا والدول العربية، لاحتواء التصعيد ومنع انزلاق المنطقة إلى صراع جديد لا تخدم نتائجه أي طرف. ومع ذلك، يبقى السؤال مفتوحًا: هل ستتجه الأمور نحو التهدئة، أم أن جنوب سورية سيكون ساحة لصراع جديد في الشرق الأوسط؟

العربي الجديد

———————————–

لبنان وسوريا: فك الحصار والعقوبات مشروط بـ”تسوية” مع إسرائيل/ منير الربيع

الجمعة 2025/02/28

يتشابه دفتر الشروط الأميركي المفروض على لبنان مع ذاك المفروض على سوريا. على الرغم من دخول البلدين في مرحلة سياسية جديدة، ووسط الاحتضان الكبير الذي ظهر عربياً ودولياً للسلطتين الجديدتين. إلا أن المجتمع الدولي يتعاطى معهما بأنهما في حالة اختبار دائمة، وستبقى الامتحانات قائمة ومستمرة. ومع أي نوع من المساعدات يفترض أن تحصل عليه إحدى الدولتين، لا بد له أن يكون مقروناً بشروط قاسية، إما سياسياً، أو مالياً، أو عسكرياً، أو على مستوى السياسة الخارجية. الهدف الأميركي الأساسي والمعلن للوضع في المنطقة هو “السلام”، أي تكريس السلام مع إسرائيل وإنهاء الصراع، وهو ما يقتضيه “الإجهاز” على القضية الفلسطينية، ومنع قيام دولة مستقلة للشعب الفلسطيني. فمشروع ترامب لريفييرا الشرق الأوسط انطلاقاً من غزة، والفيديو الهزلي الذي نشر لترامب ونتنياهو على شواطئها، يشير بوضوح وجدية إلى النوايا الإسرائيلية الأميركية، في جعل القطاع خالياً من السكان. ذلك يُضاف إلى الإصرار الإسرائيلي على إفراغ مخيمات الضفة الغربية من السكان تمهيداً لضم الضفة بشكل كامل.

تغييرات ديموغرافية

تواصل إسرائيل سعيها وراء تحقيق مشروعها بالإرتكاز على الضغط العسكري الكبير أو الضغط السياسي، بالإضافة إلى مشاريع التهجير التي أطلقتها من قطاع غزة، وتسعى إلى إحداث بعض التغييرات الديمغرافية. حتى الآن اصطدمت تل أبيب برفض مصري وأردني لأي عملية تهجير للفلسطينيين، لكنها لم تتخل عن هذا الخيار وإن اقتضى ذلك تهجير الفلسطينيين إلى دول أخرى. في الموازة تتواصل الضغوط العسكرية على سوريا ولبنان معاً. وتعتبر إسرائيل أنها نجحت في توجيه ضربات قاسية واستراتيجية لكل حركات المقاومة أو للجهات التي تصر على مواصلة الحرب معها وضدها وترفض أي اتفاقات سلام. تعتبر إسرائيل أنها حققت ربحاً صافياً على إيران ومحورها، من خلال ضرب حلفائها عسكرياً وإضعافهم، بالإضافة إلى استمرار التلويح بإمكانية ضرب إيران نفسها، إن لم تقدم الأخيرة تنازلات كبيرة جداً لتجنّب تلك الضربة. ذلك أسهم في إبعاد إيران عن التأثير أو التحكم في الساحتين السورية واللبنانية.

تطور المسار بين إسرائيل وإيران، وبين الولايات المتحدة الأميركية وإيران هو أحد المسارات المتحكمة بمسار فرض السلام على دول المنطقة. فيما المسار الآخر هو تبلور موقف عربي أو إقليمي جامع يرفض المنهجية المشتركة الأميركية الإسرائيلية.

الضغوط والعقوبات

الضغوط التي تُمارسها واشنطن على طهران، من خلال اعتماد استراتيجية الضغوط القصوى عبر العقوبات، هي نفسها تعتمدها مع لبنان وسوريا. فعلى الرغم من الانفتاح السياسي والاحتضان الواضح للسلطتين الجديدتين، إلا أن ذلك لا يزال غير مكنوز بحجم المساعدات المطلوبة والاحتياجات الضرورية لإحداث نهضة في البلدين.

بعض المعلومات الواردة من الولايات المتحدة الأميركية تفيد بأن واشنطن غير جاهزة حتى الآن لرفع العقوبات عن سوريا، وهي لا تزال تمارس ضغوطاً على القيادة الجديدة وعلى الرئيس أحمد الشرع، وذلك يوضح أن مسار رفع العقوبات سيكون مرتبطاً بمدى الاستجابة السورية للشروط المفروضة أميركياً أو حتى إسرائيلياً على طريق فرض مسار “السلام”. ومن غير المستبعد أن تكون هناك فكرة إسرائيلية تقتضي بتهجير الفلسطينيين من غزة أو من الضفة إلى الأراضي السورية، في حال استمرت مصر والأردن على رفضهما لمشروع التهجير. وليس كلام المسؤولين الإسرائيليين عن انعدام ثقتهم بالإدارة الجديدة في سوريا إلا أسلوب جديد من أساليب الضغط للحصول على المزيد من التنازلات أو الالتزامات من قبل القيادة السورية.

لبنان أيضاً أمامه دفتر شروط واضح للحصول على المساعدات المطلوبة أو التي يحتاجها. وبما يتعلق بتقوية الجيش اللبناني وتعزيز وضعيته ليصبح قادراً على السيطرة على كامل الجغرافيا اللبنانية، فهذا يجب أن يحصل مقابل إضعاف حزب الله، ومقابل سلوك مسار سياسي جديد في السياستين الداخلية والخارجية، بالإضافة إلى فتح مسار تفاوضي مع إسرائيل يؤدي في النهاية للوصول إلى اتفاق سلام أو ما يشبهه، ربطاً بتوطين اللاجئين الفلسطينيين في لبنان وهو مشروع كان قد طُرح قبل سنوات مديدة، وكانت آخرها في العام 2017 عندما نقل هذا المقترح أحد الوزراء البريطانيين إلى السلطات اللبنانية.

كذلك لن يتمكن لبنان من تحصيل المساعدات المطلوبة إلا من خلال إحداث تغيير يتجاوز سياسته الخارجية، ليشمل كل البنية الداخلية في مؤسساته الأمنية والعسكرية، أو مؤسسات الدولة الإدارية والمدنية، بالإضافة إلى إعادة هيكلة كل وضعيته المصرفية والمالية بما يتلاءم مع الشروط الدولية ولا سيما الأميركية، فيصبح البلد خاضعاً لضوابط مفاتيح التحكم بها في الخارج وليست في الداخل.

المدن

——————————-

جنوب سوريا: مؤامرة قديمة تستفيد من أخطاء جديدة/ ناصر زيدان

الجمعة 2025/02/28

لا يمكن تبرير أي تجاوب مع الدعوات الإسرائيلية المشبوهة لفرض وضعية انفصالية خاصة في جنوب سوريا، خصوصاً في محافظة السويداء التي يقطنها أغلبية من الموحدين المسلمين الدروز. وكلام رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو الأخير لقي ردود فعل رافضة من مختلف مكونات الشعب السوري، لا سيما في السويداء، حيث خرج الآلاف من أبنائها إلى الساحات مُنددين بمواقفه، وداعين إلى لجهاد ضد إسرائيل في سبيل الحفاظ على الأرض العربية وعلى الكرامة المعروفية المتأصلة.

طموحات صهيونية

الطموحات الصهيونية في تفتيت المنطقة وتشتيت المواقف في الدول المحيطة بالكيان الغاصب؛ قديمة، وسبق أن عُرض على البدون وعلى الدروز وعلى سكان شرق النهر وعلى عرب سيناء إقامة كانتونات خاصة بهم، تفصلهم عن جذورهم العربية، ولكنها في الوقت ذاته تُنتج لهم مشكلات مع المحيط، لا يمكن التنبؤ كيف تنتهي، وحينها تتنعَّم إسرائيل بالأمن الذي يتوافر بواسطة هذا المشروع التفتيتي، لأن الآلة العسكرية وثقافة القتل؛ لا يمكن أن تحميان دولة الاحتلال المُهددة بحتمية التاريخ وبإحقاق الحق مهما طال الزمن.

سبق وأن خططت الحركة الصهيونية لفرض مشروع إقامة دولة درزية في نهاية ستينات القرن الماضي، وتمَّ التصدي للمخطط بالتعاون بين الزعيم الراحل كمال جنبلاط والرئيس المصري الأسبق جمال عبد الناصر، وسبق ذلك أيضاً رفض مشروع تهجير الدروز من فلسطين إلى جنوب سوريا إبان محنة العام 1948، وكان لموقف قائد الثورة السورية الكبرى سلطان الأطرش دوراً محورياً في إجهاض المؤامرة. والمحاولات تكررت بعد الغزو الإسرائيلي للبنان في العام 1982، وكان لوليد جنبلاط قرار حاسم في هذا السياق، واتخذ موقفاً صارماً في الانحياز مع سوريا ومع العمق العربي مهما كانت التباينات، وعدم الإنجرار وراء المشاريع الصهيونية التفتيتية المُدمرة.

قومية مستقلة

لكن التصدي للمؤامرة الصهيونية يحتاج إلى مقومات، ولا يمكن مقارعة العدوان بالخطابات الرنانة فقط، ذلك أن إسرائيل تُجنِّد مجموعات عديدة للتشويش وللدفاع عن رؤاها الواهية، وهي نجحت في إقناع بعض الدروز في كونهم “قومية مستقلة” وأصدرت قانوناً يفرض التعامل معهم وفق هذا المعيار، ولم تربأ للحقائق الدامغة التي تؤكد عروبة الدروز، بما في ذلك كونهم شريحة إسلامية توحيدية انحازت إلى العقل والحِكمة، حتى أن لغتهم العربية فصحى إلى حدود متقدمة، ومتمسكون بلفظ حروفها وفق أصولها، ولم يتأثروا بأي تحريف أو حداثة في هذا السياق.

بعض الأخطاء المقصودة أو التي تحصل عن غير قصد تخدم المؤامرة، فشرائح واسعة من الدروز أو غيرهم -خصوصاً في جنوب سوريا- تُركوا من دون أي معونة أو إسناد، وهم ذاقوا ويلات العوَز والضائقة المعيشية إبان فترة حكم بشار الأسد الذي ظلمهم وحاصرهم لأنهم لم يُطيعوه في قتال أبناء وطنهم، وتمردوا عليه. وقد تأملوا خيراً بنجاح الثورة -وهم أكثر مَن ساهم فيها- وتطلعوا إلى ملاقاة الفرج والبحبوحة، فإذا بهم يحصدون الخيبة من خلال خطوات غريبة عجيبة، وتكاد تكون تجويعية، حيث لا عمل ولا إنتاج ولا معونة، حتى أن رواتب الموظفين والمتقاعدين المُتدنية للغاية التي بالكاد تكفي لشراء الخبز، قُطعت عنهم، ولم تدفع الحكومة الجديدة المستحقات لمن ليس لهم أي ذنب في أداء العهد البائد. وصرفت الموظفين من دون أي معايير، بما يتعارض مع أبسط حقوق الإنسان، فالحق بالحياة وبالطعام مكفول حتى لدى المحكومين او السجناء.

تغلغل إسرائيلي

هذه الأخطاء، إضافة الى التهويلات والدعايات التي رافقت انتصار الثورة في سوريا، ومنها بعض المشاهد والممارسات التي أوحت بأن النظام القادم سيعتمد على مقاربات “إسلامية مُتشددة” على عكس ما أعلن الرئيس أحمد الشرع؛ سمحت للعدو بالتغلغُل في بيئات سورية مختلفة، ومنهم الدروز. وإسرائيل أعلنت أنها ستحمي مَن يتعاون معها، وهي ستقدِّم فرص عمل في المناطق المُحتلة، تصل الى حد دفع 100 دولار عن أجر اليوم الواحد للعامل، بينما لا يتقاضى الموظف مثل هذا المبلغ في شهرٍ كامل داخل سوريا. ويكمن إدراج قول الأديب جبران خليل جبران في هذا السياق كمثال ولو بعيد الشبَه، حيث ذكر في كتاب النبي “إذا أنت غنيتَ للجائع فهو يسمعك في معدته”.

الحراك المعارض للانخراط في مسيرة الدولة الجديدة في السويداء وفي غيرها، يتسلَّح بالخوف من نظام مُتشدَّد وأُحادي يُشبه ما كان قائماً، ومنهم من يتلقى معونات مالية وإغراءات وازنة، بينما الحكومة الجديدة لم تقُم بالتطمينات اللازمة في هذا السياق، لا من حيث توفير وسائل العيش الكريم، ولا من حيث تأكيد وحدة المواطنة لكل السوريين وبالمساواة، وقد استغلَّ بعض المتربصين – ومنهم رموز من حقبة النظام السابق – هذه الوضعيات للترويج للأفكار الهدامة، ومنها تخويف ما يسمى “الأقليات” من استبداد الأكثرية، وهي ثقافة ممجوجة، سبق وأن استخدمتها إسرائيل للتفريق بين مكونات الأمة.

مهما كانت ظروف الحكومة الجديدة في سوريا صعبة، وقاسية، وتحدياتها كبيرة وواسعة، لكنها مطالبة بإعادة النظر ببعض الإجراءات، وخصوصاً موضوع توقيف رواتب المتقاعدين، وإشهار احترامها للتنوع وللحريات العامة أكثر مما هو قائم. والدول العربية والصديقة مطالبة بالوقوف الى جانب سوريا الجديدة، ومساعدتها في الخروج من الضائقة المالية والمعيشية، وتحصينها دولياً بما يردع عنها العدوان الإسرائيلي المتمادي.

المدن

——————————

عن تصريحات نتنياهو العدائية تجاه سوريا الجديدة/ ماجد عزام

الجمعة 2025/02/28

أطلق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مساء الأحد، تصريحات أقرب إلى التهديدات تجاه سوريا الجديدة، حيث طالب بنزع السلاح، وعدم انتشار قوات الجيش في منطقة الجنوب السوري كلها، أي محافظات القنيطرة، درعا، والسويداء، من الحدود حتى العاصمة دمشق مع تدخل فظّ بالشؤون الداخلية، مشيراً إلى استمرار تواجد جيش الاحتلال في المنطقة العازلة وجبل الشيخ إلى أجل غير مسمى، وضمان أمن الدروز ورفض أي تهديدات لهم.

التقسيم

التصريحات الفظّة كما دائماً هدفت إلى مخاطبة الرأي العام الداخلي، وبقاء العصب المشدود في حروب إسرائيل الأبدية، ولا يقل عن ذلك خطورة وأهمية السعي لفرض إسرائيل كلاعب مؤثّر في سوريا الجديدة، وابتزاز السلطة الحاكمة بقيادة الرئيس أحمد الشرع وفريقه، وبثّ الفتنة بين مكونات الشعب السوري وصولاً إلى دعم الفدرالية والحكم الذاتي وحتى التقسيم الذي لم يعد هدفاً خافياً للسياسة الإسرائيلية ولو بشكل غير رسمي.

بداية، لا شك أن التهديدات غير شرعية وغير قانونية وفق المواثيق والمعاهدات الدولية وتستند على شريعة الغاب والقوة القهرية وتتعارض مع قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة وتحديداً اتفاقية فكّ الاشتباك بين سوريا والدولة العبرية. كما أن وجود القوات الدولية “يوندوف” في المنطقة العازلة، التي فرط فيها نظام آل الأسد، كان يجب أن يمتد على جانبي الحدود لا الجانب السوري المحرر فقط مع انتشار رسمي محدود فيها.

شد العصب الداخلي

وفيما يخص التهديدات، فقد كانت المناسبة لافتة أيضاً وتتمثل بحفل تخريج ضباط بالكلية الحربية مع تقمص نتنياهو ثوب الجنرال لشد العصب الداخلي على طريق الحروب الأبدية، وتكرار مزاعم تحقيق انتصارات وهمية، بما في ذلك إسقاط نظام بشار الأسد مع التذكير بحقيقة إن الشعب السوري العظيم وتضحياته الهائلة وغير المسبوقة (مليون شهيد ومئات آلاف الجرحى والمفقودين، وعشرات ملايين النازحين) هو من أسقط بشار الأسد بعد فشل الآلة القمعية الوحشية للنظام وإيران وميليشياتها في حمايته، ثم بقائه بفضل الاحتلال الروسي الذي تآكل تدريجياً إثر التورط والاستنزاف الروسي بالمستنقع الأوكراني، وبالتالي لا يحق لنتنياهو الادعاء بإسقاط الأسد، ولا تستحق تل أبيب أبداً زهوراً من دمشق الحرة كونها معتدية ولا تزال تحتل أراضي سورية (الجولان ومزارع شبعا) وفلسطينية أيضاً.

منع نهضة سوريا

إلى ذلك يسعى نتنياهو بفظاظة إلى فرض إسرائيل لاعباً في سوريا الجديدة والتأثير على المشهد والمستقبل فيها، وابتزاز القيادة الجديدة لفتح حوار وقنوات اتصال مع الحكومة الإسرائيلية.

ومن جهة أخرى تسعي تل أبيب بوضوح إلى منع سيرورة النهوض، وبناء المؤسسات بما فيها الأمنية والعسكرية، والنيل من هيبة العهد الجديد وإبقاء سوريا الجديدة ضعيفة عاجزة أسيرة الوقائع المفروضة إسرائيلياً.

بالسياق، تسعى تل أبيب كذلك إلى ابتزاز الدول العربية وتركيا وحتى الاتحاد الأوروبي والجهات المنخرطة بالمشهد السوري لفتح قنوات اتصال مع تل أبيب وتوفير ضمانة لها بعدم خلق تهديدات سورية أو فلسطينية سورية لها في تعبير عن الهوس الأمني وعدم الشعور بالأمان رغم ترسانتها الحربية الهائلة التقليدية وغير التقليدية.

حماية الدروز!

خفايا مماثلة تقريباً، نراها في مزاعم نتنياهو عن حماية الدروز، ورفض أي تهديدات لهم، حيث لا وجود لها أصلاً، سعياً لشق قنوات مفتوحة معهم كما الدول العربية –الأردن تحديداً -التي تسعي للقيام بمسؤولياتها في مساعدة أهل جبل العرب وسوريا بشكل عام.

الدعوات الإسرائيلية الخبيثة تسعي كذلك إلى بث الفتنة والتحريض وإضعاف سوريا الجديدة ومنع نهضتها، وترويج خطاب الفدرالية والحكم الذاتي وحتى التقسيم، علماً أن وزير الخارجية جدعون ساعر كان تبنى خطاب كهذا تجاه الأكراد بتقسيم أدوار مع زميله وزير الأمن يسرائيل كاتس.

ردود أفعال

في ردود الأفعال، شهدنا تظاهرات وفعاليات شعبية رافضة-للتصريحات والاعتداءات الجوية والبرية- في المحافظات الثلاث المعنية كما محافظات سوريا عموماً والتأكيد على وحدة البلاد ورفض أي تدخل خارجي تحديداً من قبل الاحتلال الإسرائيلي.

بالمقابل، ولمواجهة وإفشال الخطط والأهداف الإسرائيلية المعلنة، والتي لم تعد خافية يحتاج الأمر بالضرورة إلى عمل كبير من القيادة السورية الجديدة والرئيس الشرع وفريقه، بالتنسيق مع الدول العربية والإقليمية والمجتمع الدولي الداعم لسوريا الجديدة، وإطلاق حملة دبلوماسية -رغم الأعباء الجسام بعدما ترك النظام الأسد الدولة في حالة خراب ودمار كامل داخلياً وخارجياً -وعلى كافة المستويات للتحذير من تداعيات الممارسات الإسرائيلية على استقرار سوريا والمنطقة ككل،  والتوجه إلى الأمم المتحدة بإصرار على التمسك باتفاقية فك الاشتباك على علاّتها بعدما فرط نظام الأسد الأب بالحقوق والممتلكات والثروات السورية، وبالسياق وجود القوات الدولية بالمنطقة العازلة ضمن القرارات الدولية ذات الصلة، للتأكيد على سورية الجولان ومزارع شبعا، حيث يتم حل الخلاف والترسيم مع لبنان بشكل ثنائي مباشر لا دخل للاحتلال فيها، مع تكريس قاعدة إن لا اتصالات مباشرة مع تل أبيب سوى عبر الأمم المتحدة وقوات يوندوف، ولا تطبيع كذلك -يتناقض مع ذهنية التوسع والمناطق العازلة  للاحتلال بكل الاتجاهات، ضمن الالتزام بالإجماع العربي تجاه العلاقات مع الدولة العبرية المرتبطة بانسحابها من كافة الأراضي العربية المحتلة.

لا يقل عما سبق أهمية ضرورة القيام بعمل داخلي كبير أيضاً رغم التركة الثقيلة للنظام خاصة في السياق التنموي وفى المنطقة الجنوبية المحرومة تحديداً بظل قنوات مفتوحة مع رموزها، وكان لقاء الرئيس الشرع مع وجهاء وفعاليات درزية صباح اليوم التالي لتهديدات نتنياهو لافتاً، مع التأكيد على حضور الدولة السورية بكافة مؤسساتها وتحضير خطط تنموية للمنطقة بما في ذلك مناقشة فتح معبر مباشر بين جبل العرب والأردن، وطبعاً كل هذا على قاعدة العمل الدؤوب لقيام الدولة الديموقراطية القوية المؤسساتية الراسخة لكل مواطنيها.

أخيراً، كانت سوريا التاريخية العظيمة دوماً، وستبقي حاضرة للتصدي للغزاة، وعدم التخلي عن مسؤولياتها القومية لكن بعد إعادة البناء والتعافي، مع عدم تحميلها أكثر مما تحتمل بعدما دمرها الأسد بذرائع ولافتات مختلفة ويجب الانتباه كذلك إلى العقل الجمعي للدروز، الأكثري والوحدوي وهم لم يكونوا يوماً جزءاً من حلف الأقليات الذي اخترعته أصلاً “إسرائيل دافيد بن غوريون” قبل أن يستغله بانتهازية نظام الأسد “الأب والابن” الساقط في سوريا ولبنان والمنطقة.

المدن

—————————-

عندما يتواطأ الجميع يصبح الوهم حقيقة/ بسام يوسف

2025.02.28

في الفترة القصيرة التي لا تتجاوز ثلاثة أشهر على سقوط سلطة عائلة الأسد، كان من المفترض أن يكون السلم الأهلي الأولوية الأهم في اهتمام السلطة الجديدة، ورغم أنه لم يكن مغفلاً، وتم الاهتمام به، إلا أن هذا الاهتمام لم يكن بمستوى خطورة الأمر، ومستوى تداعياته الكارثية على العهد الجديد في سوريا فيما لو استمر التعامل معه بهذه الطريقة.

في حقل قابل للاشتعال لا يكفي أن تزيل القسم الأكبر من مسببات الحرائق، يجب أن تعمل على إزالة كل ما يمكن أن يشعل هذا الحقل، وإذا لم تتمكن فإنه من الضروري جداً أن توفر الأدوات التي تساعدك على محاصرة ما تبقى من المسببات، وإخماد النار التي قد تشتعل فجأة، فالقضية ليست قضية تبرئة من المسؤولية، وليست قضية اتهام طرف وتبرئة آخر، إنها بوضوح شديد قضية وطن قد يحترق بكامله، ولا يهم بعد أن يحترق إن كنت بريئاً أم لم تكن.

المسؤول الأكبر عن ما يجري اليوم من تفشي مخيف لخطاب الكراهية، وزيادة الاحتقان الطائفي، وتعثر إدارة الدولة والمجتمع، ليست أخطاء الإدارة الجديدة فقط، وليسوا أصحاب المصلحة من بقايا النظام المخلوع، أو من أطراف خارجية فقط، المسؤولية الكبرى في الكارثة التي قد تنجم عن انهيار السلم الأهلي، وعن رهن سوريا لمصالح أطراف خارجية، إنما يتحملها على نحو أكبر مثقفو سوريا الذين لم يثبتوا بمعظمهم، ولو للحظة واحدة طوال نصف قرن من الكارثة السورية، أنهم جديرون بحمل صفة المثقف، ولم يكونوا (بمعظمهم أيضاً) سوى أدوات رخيصة تتزلف وتتملق السلطة أو رأس المال.

اليوم تحتاج سوريا لمثقفين ومفكرين وسياسيين حقيقيين، يتحملون مسؤولية إنقاذ سوريا في أخطر لحظة في تاريخها، ومن المفترض أن يكون المثقفون والمفكرون هم الأقدر على تحمل هذه المسؤولية، وهم الأعلى صوتاً في التنبيه لضرورة تجنب المنزلقات الخطيرة المتعددة التي أوصل النظام السابق سوريا إليها.

إذا كانت السلطة الجديدة محكومة بتركيبتها، وبطريقة وصولها إلى السلطة، وبانشغالها بتثبيت موقعها، وهذا ما قد يفرض عليها تجاهل متعمد، أو غير متعمد، لمصادر الخطر الأكبر التي تهدد الوطن السوري، فما الذي يشفع للمثقفين والمفكرين انسياقهم الأعمى وراء مظاهر هامشية وعدم التنبيه بقوة لهذه المصادر التي قد تطيح بسوريا ومستقبلها، وإذا كان الجبن سابقا هو ما يمنعهم من القيام بدورهم فما الذي يمنعهم الآن؟!

لا أظن أن سورياً مهتما بالشأن العام السوري لا يدرك خطورة تداعيات الجرائم التي ارتكبها النظام السابق على المجتمع السوري اليوم، ولا يدرك خطورة الانقسام الطائفي الحاد في المجتمع السوري، وأيضاً خطورة الانقسام القومي، وكذلك تداعيات تردي الأوضاع المعيشية إلى حدود الجوع، هذه الصدوع المتعددة المهددة لبقاء سوريا إن لم يتم التعامل بها بالمستوى المطلوب فقد تنفجر، فما الذي فعله مثقفو سوريا ومفكروها وسياسيوها المخلصين للتنبيه والتحذير من احتمالاتها الكارثية؟!

كان من الضروري، ولايزال، وقبل فوات الأوان، أن يعلو صوت المثقفين بضرورة تجريم الطائفية السياسية، وتجريم خطاب التحريض الطائفي، واعتبارهما بمنزلة الخيانة الوطنية، فاللحظة السورية الراهنة لا تحتمل تجاهل هذا السعار المجنون الذي يفتك بالمجتمع السوري، وكذلك الأمر بما يخص الخطاب العنصري القومي، وأيضا ما يتعلق بتوليد مظلوميات جديدة في مجتمع متخم بالمظلوميات.

كان من الضروري التصدي بقوة لخطاب سائد يذهب إلى تحميل جرائم النظام السابق على مكون سوري، فهو خطاب عدا عن كونه غير صحيح، وظالم، هو اتهام يؤسس لكارثة وطنية مؤكدة، سيما وأن أطرافاً كثيرة لها مصلحة حقيقية في تفتيت الهوية السورية الجامعة، وإعادة السوريين إلى هوياتهم الصغرى، ولم يكن الأمر صعباً كما يدعي بعضهم بأن الوقت غير كاف، إذ كان يكفي أن تظهر لوائح اتهام حقيقية، والإسراع بمحاكمات علنية وشفافة، وبالتأكيد فإن إجراءات كهذه كانت كفيلة بنقل المحاسبة العادلة والضرورية من حقل التجاذب الطائفي، إلى حقلها الطبيعي وهو الحقل الوطني المرتكز على القانون، فالمحاسبة والعدالة هي حاجة الوطن السوري كله، وليست حاجة مكون ما فقط.

كذلك فإن حل السلطة الجديدة لجيش النظام، واتهام كل أفراده كان خطأ، وكان بالإمكان معالجة هذه القضية من منظور وطني وليس من منظور انتقامي أو اتهامي مسبق، وكان من شأن هذا أن يفضي إلى نتائج وطنية حقيقية أولاً، وأن يجنب سوريا نتائج دفع مئات الآلاف من السوريين إلى حيز الحرمان من العمل والاتهام ثانياً.

الفاجع أن ما تصدى له المثقفون والسياسيون السوريون كان في جوانب متعددة منه نظرياً، ويتم اجتراره منذ زمن طويل، وفي جوانب أخرى سطحيا، وبلغ الأمر حد التفاهة في بعض الجوانب، فقد تناسى معظمهم مكامن الخطر الأساسية، وتجاهلوا تعقيدات المنطقة ومصالح الأطراف الفاعلة فيها، ومدى حاجتنا كسوريين إلى الوحدة في هذه اللحظة التي يعاد فيها رسم مصائرنا، وراحوا يتحدثون بمنتهى الخفة في كتابات ومقاربات نظرية ليس لها حاجة في هذه اللحظة، أو أنهم  ذهبوا إلى حيث يذهب الناس العاديون المنشغلون بما هو يومي، في الحديث عن مظاهر ليس لها أي أهمية أو تأثير في مستقبل سوريا.

في الوقت الذي كانت إسرائيل تقصف وتتوغل وتفجر مواقع عسكرية سورية، وكان “نتنياهو” يصرّح بصلف وقح حول مصير الشعب السوري، وكان عضو مهم في الكونغرس الأميركي يتحدث عن تقسيم سوريا، وكانت وسائل تواصل اجتماعي متخمة بتحشيد طائفي، وحوادث قتل وخطف وتصعيد طائفي، وهناك محاولات حثيثة لإشعال حرب أهلية سواء من أطراف داخلية أو خارجية، كان مثقفون سوريون كثر يتحدثون عن أهمية تجول المشاركين في مؤتمر الحوار الوطني داخل قصر الشعب، ومعنى أن تختفي مظاهر التصفيق والتطبيل للرئيس!

المؤسف أنه في الوقت الذي يجب أن ينخرط مثقفو ومفكرو سوريا في إنتاج مشروع إنقاذ وطني، نجدهم يتسابقون  لحجز مواقع لهم في كعكة السلطة القادمة، فيتملقون، وينتهزون، متجاهلين دورهم الحقيقي في أن يكونوا في مقدمة المنبهين إلى خطورة ما يحاك لسوريا، وإلى خطورة التصعيد المتعمد لمخاطر الانزلاق إلى حرب أهلية تكون مقدمة لتقسيم سوريا.

في مرحلة النظام السابق كانت صرخة الكاتب التركي الشهير “عزيز نسين”: (آه منّا نحن المثقفون الجبناء) صحيحة وبليغة، لكنها اليوم لم تعد كافية، وربما لو كان حياً لعدلها قائلا: “آه منا نحن المثقفون المرتزقة”.

تلفزيون سوريا

————————-

هل ستترك إسرائيل الشرع يصول ويجول في سوريا كما فعلت مع حماس و”حزب الله”؟

تحديث 28 شباط 2025

في صيف 2006 اتُخذ قرار مجلس الأمن 1701، الذي وضع الحد لحرب لبنان الثانية؛ لأن حزب الله عاد وتمركز عسكرياً في جنوب لبنان خلافاً للاتفاق؛ وتزود بالصواريخ وسلاح متطور آخر، وحفر الأنفاق الهجومية، وأقام أبراجاً راقب من خلالها ما يحدث في الغرف المغلقة لسكان الشمال. وإيهود أولمرت، الذي كان يتعرض لضربات في الداخل والخارج، أغمض عينيه.

في انتخابات 2009 عاد نتنياهو إلى الحكم، وكعادته منذ ذلك الحين، اكتفى بتحذيرات ضعيفة وغير موثوقة، أكدت قول حسن نصر الله بأن “قوة الدولة الصهيونية كخيوط العنكبوت”. هكذا ولد مفهوم “الاحتواء” – الذي جلب علينا جولات قتال فاشلة في الجنوب والعجز، (“ضبط النفس يعتبر قوة”)، إزاء منظومة الصواريخ والأنفاق الهجومية في الجنوب والشمال.

وفي نهاية المطاف الكارثة الأكبر.

في خطابه الذي ألقاه في نهاية دورة ضباط في بداية هذا الأسبوع، تنصل نتنياهو (لفظياً على الأقل) من عقيدة الاحتواء التي قادها في سنوات حكمه الكثيرة، ووضع خطاً ثابتاً وواضحاً للنظام السوري الجديد: “نطالب بنزع كامل للسلاح في جنوب سوريا… ولن نتحمل أي تهديد للطائفة الدرزية”، وأضاف: “سيبقى الجيش الإسرائيلي في المنطقة العازلة لفترة غير محدودة… وسنحتفظ أيضاً بمناطق في لبنان إلى أن يفي لبنان بتعهداته في الاتفاق”.

ولتجسيد جدية هذه الأقوال، قصفت طائرات سلاح الجو بنى تحتية عسكرية في جنوب دمشق، المتبقية من النظام السابق. في المنطقة نفسها، حسب مصادر مختلفة، تراقب قوات برية إسرائيلية ألا تدق أي قوة أو مليشيا أو النظام الجديد وتداً في جنوب دمشق. تداعيات هذه العقيدة الجديدة، إذا لم يتراجع عنها نتنياهو، ستكون ثورية. لأن العقيدة السابقة التي اتبعها سمحت بوجود حزب الله على طول الحدود ولم تمنع حدوث الاقتحام من جنوب الحدود (تذكرون الخيمة؟)، وشجعت حزب الله وحماس على شن حرب تدميرية، التي نواجه نتائجها المؤلمة بدون نجاح زائد من سنة ونصف.

الزعيم السوري الجديد أحمد الشرع احتج على مضمون الخطاب، لكنه سلم بمعناه العملياتي. فقد استدعى رؤساء الطائفة الدرزية، ونقل إليهم (خاصة لإسرائيل) رسائل بعيدة المدى: “نريد السلام… نريد بناء دولة، وتقديم الخدمات… لا نية لنا لشن حرب على أحد… نظام الحكم في سوريا يعمل على مصادرة السلاح الذي يُرسل إلى حزب الله عن طريق سوريا”. هذه أقوال ثورية، شريطة أن يتمكن من تطبيقها بإرادته وبنيته.

ماذا بشأن نتنياهو؟ يكشف فجأة أن التمسك – المدعوم بالأفعال – بطلبات إسرائيل الأمنية يستجاب لها (حتى لو كان ذلك مع صك الأسنان). والنغمة التي تخرج من البقاع في لبنان آخذة في التغير. أذننا تسمع.

لو اتبع مثل هذه السياسة، التي طلب كثير من الأشخاص الطيبين اتباعها، لبقيت حماس قوة هامشية لا تملك ما تشكل به خطراً على إسرائيل، وما كان يمكنها تنفيذ 7 أكتوبر، وربما بقي حزب الله منظمة دينية متعصبة، لكن بدون قوة فتاكة، مثل القوة التي حاربت ضدنا في المعركة الأخيرة.

يسرائيل هرئيل

هآرتس 28/2/2025

القدس العربي

———————-

سورية: الاحتلال الإسرائيلي يتوغل في الرفيد جنوني القنيطرة ويجري مسحاً للسكان/ ضياء الصحناوي

28 فبراير 2025

اقتحمت قوات الاحتلال الإسرائيلي بلدة الرفيد جنوبي محافظة القنيطرة جنوبي سورية، صباح اليوم الجمعة، وأجرت مسحاً سكانياً تخللته مداهمة بعض المنازل وإجراء استبيانات حول أعداد السكان والوضع المادي والمعيشي والعمل والوظائف والإنتاج، قبل الانسحاب من البلدة بعد شجار مع الأهالي.

واضطر العديد من الأهالي للإجابة عن هذه الأسئلة نتيجة الخوف من ردود أفعال جيش الاحتلال. وقال سعيد المحمد؛ أحد أبناء البلدة، لـ”العربي الجديد”، إن قوات الاحتلال تحاول فرض نفسها في جميع القرى الحدودية والواقعة على الحدود الإدارية بين محافظتي درعا والقنيطرة، كسلطة أمر واقع، في ظل غياب الدولة السورية.

وأضاف أنّ “قوات الاحتلال الإسرائيلي، وبعدما نزعت معظم السلاح الموجود في هذه البلدات ودمرت جميع الوحدات والمواقع العسكرية في المنطقة، لجأت إلى سياسة التعامل بطريقة التقرّب من الأهالي ومدّ خيوط للتواصل، تحت ذريعة المساعدات الإغاثية والوعود بتأهيل الخدمات الرئيسية كالماء والكهرباء والصحة والتعليم، وهي احتياجات شبه مفقودة منذ عقود”.

وبحسب المحمد، فإن أسئلة جنود الاحتلال تطرقت لطرق تدفئة الأطفال والحاجة للوقود والإنارة والكهرباء والعلاج، وعمل رب الأسرة وقيمة الإنتاج اليومي وتغطيته لمتطلبات العيش، إضافة إلى أخذ رأي العديد من السكان حول الرغبة بالعمل اليومي داخل إسرائيل.

وأفادت ذات المصدر بأنّ القوة العسكرية الإسرائيلية التي توغلت في بلدة الرفيد جنوبي القنيطرة خرجت بعد ساعات من دخولها إثر شجار حصل مع بعض أهالي البلدة، حيث تجمع فيه عدد من الأهالي حول عدد من عناصر الاحتلال، مما اضطر أحدهم لإطلاق أعيرة نارية في الهواء ومن ثم المغادرة.

وكانت قوات الاحتلال قد دخلت، صباح أمس الخميس، إلى تل مسحرة الواقع في الجنوب الشرقي لريف القنيطرة، ثم انسحبت بعد حوالي الساعتين من دخولها، إذ شاهد الأهالي عربات مصفحة وسمعوا أصوات أعيرة نارية في المنطقة، في الوقت الذي كان فيه الطيران الحربي والمسيرات الإسرائيلية يحلقان في سماء محافظتي درعا والقنيطرة.

وقال الناشط المدني محمد البكر وأحد سكان محافظة القنيطرة، لـ”العربي الجديد”، “لقد أصبح هناك رأي غير معلن لدى معظم أهالي المنطقة، بأنهم يعيشون ضمن منطقة محتلة من قبل إسرائيل”. وأضاف “نتيجة لإهمال هذه المناطق زمن حكم الأسد والفقر والجوع وتردي الخدمات الصحية والطاقة، إضافة إلى سوء تعامل عناصر النظام البائد مع أهالي المنطقة على مر السنين، باتت هناك حالة مقارنة بين الاحتلالين، وخاصة لدى جيل الشباب الذي لم يشهد من حكم الأسد سوى الاضطهاد والذل، وهذه المقارنة خلقت حواراً ونزاعات محلية يُخشى أن تؤدي لاختيارات وتوجهات ليست بالحسبان، قد يكون أهمها قبول أعداد من الشباب العمل في إسرائيل، وتقبل الأهالي المساعدات الإغاثية والصحية والخدمية من إسرائيل”، على حد قوله.

———————————-

مطالبات بإنهاء الحالة الفصائلية بالجنوب السوري لإفشال مخططات إسرائيل/ محمد أمين

28 فبراير 2025

لم تنقطع التظاهرات الشعبية في جنوب سورية خلال الأيام الماضية، رفضاً لأي تدخل خارجي بالشأن الداخلي السوري، وخصوصاً من الاحتلال الإسرائيلي الذي يتمادى في عدوانه داخل الأراضي السورية، إلى جانب مساعيه لاستمالة بعض الأقليات في سورية، وتحديداً الطائفة الدرزية، وتأليبها على الإدارة الجديدة التي تسلمت مقاليد الأمور في الثامن من ديسمبر/كانون الأول الماضي.

ويشهد جنوبي سورية، منذ سقوط نظام الأسد، اعتداءات وتوغلات إسرائيلية متلاحقة، في درعا والقنيطرة والسويداء، مع احتلال إسرائيلي لجبل الشيخ الاستراتيجي من منظور عسكري واقتصادي لدولة الاحتلال، وتنفيذ إسرائيل غارات شبه يومية تطاول مناطق قرب دمشق، فيما تريد إسرائيل فرض منطقة عازلة جنوبي سورية، ومنع الإدارة الجديدة من بسط سيطرتها هناك. وأمس الخميس، ذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان، أن طائرات حربية إسرائيلية حلّقت في أجواء محافظة درعا، مصحوبة بدوي عالٍ ناجم عن اختراق جدار الصوت، مذكّراً بتظاهرات شعبية خرجت أول من أمس، في القنيطرة والسويداء، تأكيداً على وحدة سورية.

ويكاد يُجمع سكّان الجنوب السوري بمحافظاته الثلاث (القنيطرة، درعا، السويداء) على رفض أي محاولة لتقسيم البلاد تحت أي ذريعة، وهو ما ينسف تماماً الخطط الإسرائيلي لتجزئة سورية على أسس طائفية أو عرقية سواء في الجنوب أو في الغرب أو في الشمال الشرقي.

جنوب سورية يواجه كمّاشة الاحتلال

وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قال يوم الثلاثاء الماضي، إن كيانه “لن يتسامح”، مع “أي تهديد للطائفة الدرزية في جنوب سورية”، في محاولة لفرض واقع مختلف في جنوب سورية يخدم مخططات تل أبيب الهادفة إلى منع الإدارة الجديدة من ممارسة السيادة الكاملة على الأراضي السورية. ويبدو أن حكومة الاحتلال تحاول استغلال التردد الذي تبديه فصائل عسكرية في محافظتي درعا والسويداء في التفاهم مع السلطة الجديدة في دمشق وتسليم السلاح والانخراط في الجيش السوري الجديد. وقال نتنياهو، بكلمة عبر الفيديو أمام مؤتمر في واشنطن تعقده مجموعة الضغط الأميركية “أيباك” المؤيدة لسياسات إسرائيل، إنه “في سورية، ستظل قوات الجيش الإسرائيلي متمركزة على قمة جبل حرمون”، في إشارة إلى جبل الشيخ، مضيفاً أنه “في المنطقة العازلة المجاورة، سنظل هناك في المستقبل المنظور، ولن نسمح بوجود تنظيم هيئة تحرير الشام أو أي جيش سوري جديد في المنطقة الواقعة جنوب دمشق”. وتابع: “سيكون جنوب سورية منطقة منزوعة السلاح”.

اللجنة التحضيرية لمؤتمر الحوار الوطني في السويداء، 19 فبراير 2025 (العربي الجديد)

وأمس الخميس، قال وزير الأمن الإسرائيلي يسرائيل كاتس إن إسرائيل لا تثق بالقيادة الجديدة في سورية، مضيفاً أن “الحاكم الجديد استبدل البدلات الرسمية مكان الجلباب ويتحدث بأسلوب دبلوماسي، لكننا لن نغير سياستنا”، مؤكداً أن قوات الاحتلال “ستبقى في قمة جبل الشيخ والمواقع الاستراتيجية لفترة غير محدودة”. وأضاف أن جنوبي سورية يجب أن يكون منطقة منزوعة السلاح، لافتاً إلى أن النظام السوري الجديد حاول قبل أيام “أخذ مواقع عسكرية تتمركز فيها قواته لكن سلاح الجو (الإسرائيلي) ضرب بقوة. لن نسمح بانتهاك نزع السلاح من جنوبي سورية ولن نسمح بإنشاء تهديد”، واضعاً ذلك في إطار استراتيجية “دفاع عن الحدود” جديدة لجيش الاحتلال في سورية ولبنان وغزة أيضاً. وجدّد كاتس محاولة استمالة المجتمع الدرزي في سورية بالقول: “نحن بالتأكيد نهدف إلى الحفاظ على الاتصال معهم، ونفكر حالياً في السماح لأولئك بالقدوم والعمل يومياً في مرتفعات الجولان ونحن على استعداد لتقديم المساعدة لهم”.

وفي سياق الرفض لأي تهديد أو تدخل في الشأن السوري، أكد حسن الأطرش وهو من الزعامات المحلية في محافظة السويداء، في حديث له في ساحة التظاهر بمدينة السويداء أول من أمس، رفض أي مشاريع للتقسيم، مطالباً الحكومة في دمشق باتخاذ موقف حيال التدخل الإسرائيلي في الشأن السوري.

من جهته، قال الناشط الإعلامي هاني عزام في حديث مع “العربي الجديد”، إن أهالي محافظة السويداء “لا يرفعون السلاح في وجه أي سوري”، مضيفاً أن “السلاح الموجود لدى الفصائل بكل انتماءاتها هو للتصدي لأي اعتداء خارجي”. وأكد عزام أنه “لم يثبت حتى اللحظة تعامل أي فصيل في الجنوب السوري وفي السويداء تحديداً مع إسرائيل”.

الوضع المعيشي الضاغط

ورأت مصادر محلية في مدينة السويداء، في حديث مع “العربي الجديد”، أن “عدم تعامل الإدارة الجديدة بجدّية مع الاستفزاز الإسرائيلي في جنوب سورية يدفع الجميع للتفكير بخيار الاحتفاظ بالسلاح”. وبيّنت أن “الأوضاع المعيشية الصعبة وعدم قدرة الحكومة الحالية على تحسين هذه الأوضاع، خلقا أزمة ثقة بين سكّان السويداء والإدارة الجديدة”، مضيفة: “باعتقادي الاهتمام بالحالة المعيشية للناس يحول دون التفكير بأي شيء ربما يهدد وحدة البلاد. الوضع الاقتصادي أكثر الأشياء الضاغطة على المواطنين في سورية عموماً، وهو ما تحاول جهات داخلية وخارجية استغلاله وتريد ضرب الاستقرار”، معرباً من وجهة نظره عن اعتقاده بأن “المشكلة اقتصادية أكثر من كونها سياسية أو عسكرية”.

وتضم محافظة السويداء عشرات الفصائل التي كما يبدو تتباين آراؤها حيال الأوضاع الجديدة ما بين مرحب بالتفاهم مع دمشق والساعي إلى بناء الدولة، وبين المتحفظ والذي يدفع باتجاه حصول هذه المحافظة على فيدرالية إدارية. واستقبل الرئيس السوري أحمد الشرع، يوم الثلاثاء الماضي، في دمشق، شخصيات درزية بارزة عدة، من بينها ليث البلعوس، نجل الشيخ وحيد البلعوس، مؤسس حركة “رجال الكرامة” أهم فصائل السويداء.

وفي محافظة درعا المجاورة والتي طاولت الاعتداءات الإسرائيلية ريفها الغربي خلال الأيام القليلة الماضية، يجمع سكّانها على رفض أي محاولات لزعزعة الاستقرار، وخلق أجواء عدم ثقة بالإدارة الجديدة في دمشق لتبرير عدم تسليم السلاح لهذه الإدارة.

وفي هذا الصدد، قال الناشط الإعلامي مروان قاسم، وهو من سكّان ريف درعا، لـ”العربي الجديد”، إن “ملف الجنوب السوري معقد وشائك”، مضيفاً أن “حالة الفصائلية تخدم بالتأكيد مصالح الكيان الصهيوني، فهذا الكيان يستغل حالة التشرذم للتغلغل في جنوب سورية واحتلال المزيد من الأراضي”. وبيّن أن الضغط الشعبي الكبير “دفع كل فصائل درعا، بما فيها فصيل أحمد العودة في بصرى الشام، للاندماج في الجيش السوري الجديد”، مضيفاً أن “الأمور بخواتيمها”. علماً أن “اللواء الثامن” الذي يقوده العودة أجرى مفاوضات مع القيادة الجديدة، وأكد قبل أسبوعين أن الاتصالات مستمرة ونفى الاتهامات المتعلقة بالانفصال ورفض الانضمام لوزارة الدفاع التابعة للحكومة المؤقتة، وذلك في معرض رد على وزير الدفاع السوري مرهف أبو قصرة حينها لصحيفة واشنطن بوست الأميركية، عن رفض الفصيل الانضمام. وأضاف يومها أن “اللواء الثامن مستعد للانخراط في وزارة الدفاع ولكن بشرط أن يكون ضمن قواعد عسكرية منضبطة، دون إقصاء الضباط المنشقين والثوار”.

إلى ذلك، أكد قاسم في حديثه لـ”العربي الجديد”، أن سكان محافظة درعا “لن يسمحوا ببقاء أي حالة شاذة في محافظتهم”، مضيفاً أنهم “يمنحون الفصائل فرصة للتفاهم مع دمشق، ولكن إذا طال الأمر أكثر، فسينفجر الشارع في وجه هذه الفصائل التي لم نكن نتوقع منها هذا التردد في الانخراط في العهد الجديد الذي انتظرناه منذ عام 2011”.

خدمات للمخطط

من جهته، رأى الصحافي السوري علي عيد، في حديث لـ”العربي الجديد”، أنه بعد تصريحات نتنياهو وكاتس، وبعد الإفصاح عن استراتيجية إسرائيل في سورية، من الواضح أن حكومة الاحتلال تعمل على خطة لمنع الإدارة في دمشق من بسط سيطرتها على المحافظات السورية الثلاث في جنوب سورية، وتمنع بعض الفصائل (عن الاندماج) وبعض القوى الروحية المتمثلة بالزعيم الروحي للطائفة الدرزية في السويداء، الشيخ حكمت الهجري، عن الدعوة لتسليم سلاح الفصائل بالمحافظة، يثير قلقاً من أن ذلك يخدم المخطط الإسرائيلي”، وفق رأيه.

وأضاف عيد: “ليس هناك يقين بوجود تنسيق بين أطراف سورية، خصوصاً في الجنوب، مع إسرائيل، لكن المؤكد أن هناك مساعي اسرائيلية في هذا الاتجاه. وسواء كان هناك تنسيق حاصل، أم مجرد جهل وعدم إدراك لخطورة الأمر، فكلتا الحالتين تعطيان الأثر نفسه”. وأضاف: “لا شك أن ما يجري في جنوب سورية له علاقة بما يجري في شمال شرق البلاد”، في إشارة إلى المناطق الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد) ذات الأغلبية الكردية.

واعتبر علي أن من الدلالات التي تجدر ملاحظتها أن دعوات التقسيم صادرة عن ذات الأطراف التي ترفض الاندماج وتسليم السلاح للدولة السورية، مع ملاحظة أن المؤتمر الذي عقد في الرقة برعاية “قسد”، حضرته شخصيات من السويداء، ضمن تنسيق بين هذه الأطراف على فكرة الفدرلة، دون الأخذ في الاعتبار وجود قوى وازنة في هذه المناطق ترفض مثل هذه الطروحات. وعقد مركز روج آفا للدراسات، المقرب من “الإدارة الذاتية” الكردية، أمس الخميس، مؤتمر حوار موازياً للمؤتمر الوطني الذي نظمته الإدارة السورية الجديدة في دمشق على مدى يومين، الثلاثاء والأربعاء، تحت عنوان “منتدى الحوار الوطني في الرقة”، والذي حمل شعار “نحو بناء سورية تعددية ديمقراطية”.

وتوقع إبراهيم البحري، وهو أحد سكان ريف حلب الشمالي الشرقي، أن ينفجر الشارع في شمال شرق سورية، والذي يشكل العرب غالبية سكانه، في حال عدم التوصل لاتفاق في المدى المنظور. وقال لـ”العربي الجديد”، إن “تعنت قسد سوف يفضي إلى توتر وتصعيد ويخلق فجوة بين السكّان من عرب وأكراد”، لافتاً إلى أن “عموم السكّان يريدون الاستقرار والأمن وعودة الحياة إلى طبيعتها، ونزع فتيل أي توتر”. وأشار إلى أن التفاهم مع دمشق “يبدد الوعيد التركي بشنّ عملية عسكرية تقوّض قسد”، ومحذراً من أن “المنطقة لا تحتمل أي حرب أخرى فالحالة الاقتصادية والمعيشية في مستوياتها الدنيا”. وأكد أن “تسريع انضمام كل المحافظات لمشروع الدولة الجديدة المطروح في دمشق، من شأنه تقوية الموقف الداخلي في البلاد في مواجهة التحديات الخارجية، وخصوصاً التي تلوح من قبل إسرائيل”.

يذكر أن دولاً عربية دانت خلال اليومين الماضيين الاعتداءات الإسرائيلية على سورية. ودانت دولة قطر أمس، بشدة قصف قوات الاحتلال الإسرائيلي مناطق سورية عدة، وعدّته اعتداء صارخاً على سيادة ووحدة سورية، وانتهاكاً سافراً للقانون الدولي. وشددت وزارة الخارجية القطرية، في بيان نشرته وكالة الأنباء القطرية قنا، على ضرورة اضطلاع المجتمع الدولي بمسؤولياته القانونية والأخلاقية لإلزام الاحتلال الإسرائيلي بالامتثال لقرارات الشرعية الدولية، ووقف الاعتداءات المتكررة على الأراضي السورية، بما يحول دون المزيد من التصعيد والتوتر في المنطقة.

كما دانت السعودية ومصر والكويت، الأربعاء الماضي، القصف الإسرائيلي على سورية، بينما رحبت الإمارات بانعقاد مؤتمر الحوار الوطني السوري، مؤكدة دعمها استقلال سورية وسيادتها على كامل أراضيها. بدوره، أعرب المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دوجاريك، أول من أمس، عن القلق البالغ إزاء الانتهاك الإسرائيلي المستمر لسيادة سورية وسلامة أراضيها.

العربي الجديد

—————————

يديعوت أحرونوت: هل يؤدي سقوط الأسد لتحسين العلاقات بين إسرائيل وسوريا؟

نعرض لكم في جولة الصحافة ليوم الخميس السابع والعشري من فبراير، مقالات تتحدث عن فرصة لـ “علاقات أفضل” بين إسرائيل وسوريا بعد سقوط حكم الرئيس السوري السابق، بشار الأسد. وعن سعي الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، إلى تشكيل علاقات جديدة بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي، إضافة إلى مقترح ترامب بامتلاك غزة وتحويلها إلى منتجع.

وفي مقالهما في صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية، بعنوان “جبل واحد لشعبين: سقوط الأسد فرصة لتحسين العلاقات بين إسرائيل وسوريا”، رأى الكاتبان شادي مارتيني، ونير بومز، أن تقديم رئيس المرحلة الانتقالية في سوريا، أحمد الشرع، وجهاً أكثر ودية للعالم “ربما يشكل فرصة لخلق نوع من العلاقات الثنائية التي يمكن أن تعيد تشكيل الشرق الأوسط”.

وقال الكاتبان، إن سوريا شاركت في كل الحروب الرئيسية ضد إسرائيل، و”ربطت مصيرها مع إيران وحزب الله واستمرت في ممارسة عدوانها ضد إسرائيل عبر لبنان، وخدمت كقاعدة متقدمة لوكلاء طهران لسنوات”.

لكن “مع بزوغ فصل جديد في سوريا، ربما حان الوقت لكتابة صفحة جديد في علاقاتها مع إسرائيل أيضاً”، يقول كاتبا المقال.

وبحسبهما فإن إسرائيل قدمت في عام 2015، خلال الحرب الأهلية في سوريا التي اندلعت عقب احتجاجات ضد نظام بشار الأسد، “مساعدات إنسانية” للمناطق السورية القريبة من حدودها، التي كانت تسيطر عليها قوات معارضة مختلفة بما فيها هيئة تحرير الشام التي يتزعمها الشرع، على حد قولهما.

وأضاف المقال أن القادة الجدد في سوريا، الذين أطاحوا بالأسد في نحو 11 يوماً، “أرسلوا رسائل إيجابية إلى المنطقة وإلى إسرائيل… وأنهما توقفا عن الإشارة إلى إسرائيل باعتبارها الكيان الصهيوني، أو فلسطين المحتلة”.

وشرحا أن القادة الجدد “على الرغم من انتقادهم لإسرائيل بسبب عملياتها العسكرية (على سوريا) إلا أنهم أشاروا لها بالاسم”.

ويعتقد الكاتبان أن “العديد من السوريين يرون أن عدوهم الحقيقي هو الأسد وحزب الله وإيران”، وأن “ظهور سوريا الجديدة من شأنه أن يعزز العلاقات مع إسرائيل على أساس شيء آخر غير العداء العسكري”، على الرغم من شن إسرائيل غارات جوية على سوريا، وسط حديث عن توغل بري لقواتها.

وقال الكاتبان إن إسرائيل تريد إيصال رسالة مفادها أن سوريا ما تزال “عدوة” بصرف النظر عن قيادتها ونواياها، لكنهما قالا “ربما هناك مساحة لرسائل أخرى”.

ولفتا إلى أن “العلاقة الإسرائيلية السورية التي تطورت بهدوء على مدى الأعوام الخمسة عشرة الماضية، أظهرت أن التعاون ممكن”، بحسب ما كتبا.

“تهور ترامب”

الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مرتدياً بدلة رسمية كحلية اللون وخلفه العلم الأمريكي

EPA

وفي صحيفة الغارديان البريطانية، كتب، مارتن كيتل، مقالاً بعنوان “ترامب قد لا يعلم لكنه يعمل على صياغة علاقة جديدة بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي”.

وقال الكاتب إنه “من السخف الادعاء أننا نرى بصيص أمل خلف كل غيمة لدونالد ترامب. فهذه الغيوم كثيرة ومظلمة وخطيرة”، لكن “إذا نظرنا إليها من منظور سياسي محلي، فهناك جانب إيجابي ناشئ واضح في بريطانيا لجهود ترامب الرامية إلى تحطيم نظام ما بعد الحرب الباردة”.

وأضاف أنه عندما أصبح كير ستارمر رئيساً للوزراء في منتصف العام الماضي، “كان حزب العمال في موقف دفاعي صارم بشأن أوروبا”، حيث اعتُبِر خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي “قضية غير مستقرة انتخابياً بالنسبة لحزب كانت أولويته إعادة التواصل مع الناخبين المؤيدين للخروج”، لذلك “هُمش كل شيء يتعلق بأوروبا أثناء الانتخابات” على حد قول الكاتب.

لكن وبحسب المقال “واصل حزب العمال في الحكومة التحرك بحذر. كانت حسن النية لستارمر تجاه أوروبا واضحة في الاجتماعات الدولية، وخاصة الثنائية. لكنه ظل حذراً وقلقاً بشأن إعادة الانخراط في تفاصيل السياسة، وخاصة مع الاتحاد الأوروبي”.

ربما كانت السياسة في العلاقة بين المملكة المتحدة وأوروبا ستظل مجمدة بهدوء على مدى العامين أو الثلاثة أعوام المقبلة على الرغم من عودة ترامب، لكن حدثت أشياء كثيرة بسرعة في واشنطن منذ تنصيب الرئيس الأمريكي، يقول الكاتب.

وكان تركيز المملكة المتحدة على محاولة احتضان ترامب قدر الإمكان والابتعاد عن حرب الرسوم الجمركية بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، على ما ذكر الكاتب.

غير أن “تحول موقف” ترامب بشأن الحرب بين روسيا وأوكرانيا، كشف عن “الحجم الحقيقي للتهديد الأمني الذي قد تتعرض له أوكرانيا وأوروبا نتيجة لاتفاقه مع فلاديمير بوتين”، يضيف الكاتب.

وقال أيضاً إن ترامب “دفع بريطانيا وأوروبا إلى التقارب بشكل أسرع كثيراً مما كان ليحدث لو أصبحت كامالا هاريس رئيسة للولايات المتحدة”.

ويشير الكاتب في مقاله إلى أن “هذا التغيير هو نتاج الضرورة الناجمة عن تهور ترامب، إلا أن له جانباً إيجابياً، يجبر ستارمر على الانخراط بشكل أكثر فعالية مع أوروبا في مجال الدفاع والأمن”.

وفي صحيفة الشرق الأوسط، كتب جبريل العبيدي، مقالاً بعنوان “إعمار غزة بوجود أهلها”. قال فيه إنه “مما لا شك فيه أن إعمار غزة لن يكون نافعاً إلا بوجود أهلها مشاركين في البناء والإعمار”.

يستند الكاتب في مقاله إلى مقترح لرئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، في ملف الحديث عن إعمار غزة وهي خالية من أهلها.

وينقل الكاتب أن “الرئيس الأمريكي دونالد ترمب قال إن الفلسطينيين سيعيشون بأمان في مكان آخر غير غزة، لهذا يعتبر ترمب منتجع (مار إيه لاغو) الكبير مكاناً بديلاً لاستضافة سكان غزة. ووفق تصريحات بوريس جونسون رئيس وزراء بريطانيا الأسبق، حيث إن المكان ملك ترمب، بالتالي يمكن مبادلته مع غزة لحين استكمال الإعمار. وبالتالي هو ضمانة لاسترداد الأرض وضمان عودة الفلسطينيين لغزة مرة ثانية. هذا إذا كان ترمب صادقاً في استضافة سكان غزة ويؤلمه وجودهم بلا منازل بعد الدمار الشامل الذي قام به صديقه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو”.

ورأى الكاتب أن “إعمار غزة لن يكون نافعاً إلا بوجود أهلها مشاركين في البناء والإعمار، فاليابان عندما دمرتها الحرب والقنابل الذرية بنيت بوجود أهلها وتم الإعمار في وجودهم في بلادهم وليس خارجها”.

وقال إن “إعادة إعمار غزة يتطلب ضمان بقاء الفلسطينيين في أرضهم، فإعادة إعمار القطاع بأيدي الفلسطينيين ستوفر فرص عمل كبيرة للفلسطينيين دون الحاجة لتهجيرهم خارج فلسطين، فيمكن إعمار الشمال وإجلاء الفلسطينيين للجنوب، والعكس صحيح”.

ويشرح الكاتب أن إعمار غزة بوجود أهلها ليس بالأمر الصعب ولا المستحيل كما يصوره ترمب، “الذي يحاول معالجة إعمار غزة بعقلية تجارة العقارات من دون النظر في التبعات الجيوسياسية والديمغرافية السكانية وللبيوغرافيا المجتمعية، فقط نظر ترمب إلى سواحل ريفييرا الشرق التي تختزل الأمر في شواطئ سياحية على حساب السكان الأصليين لغزة”.

واعتبر الكاتب مقترح ترامب “تهجيراً قسرياً لسكان من أرضهم بعد أن حولتها قوة الاحتلال الإسرائيلي إلى ركام وخراب وأفسدت الأرض والماء فيها”.

وأشار الكاتب إلى “التجربة اليابانية” في عملية نقل الركام إذ “استخدمت الركام في ردم مساحات من البحر، وبذلك قد تتحصل غزة على مزيد من المساحات التي هي في حاجة كبيرة وماسة لها، وقد لا تستغرق عمليات نقل الركام بضعة أشهر وفق خبراء”.

ايلاف

—————————–

مصادر: إسرائيل تضغط على أميركا لإبقاء سوريا «ضعيفة»

قالت أربعة مصادر مطلعة إن إسرائيل تضغط على الولايات المتحدة لإبقاء سوريا «ضعيفة وبلا قوة مركزية» من خلال السماح لروسيا بالاحتفاظ بقاعدتيها العسكريتين هناك لمواجهة النفوذ التركي المتزايد في البلاد.

وأضافت المصادر أن العلاقات التركية المتوترة في الغالب مع إسرائيل تعرضت لضغوط شديدة خلال حرب غزة، وأن مسؤولين إسرائيليين أبلغوا واشنطن بأن الحكام الجدد في سوريا، الذين تدعمهم أنقرة، يشكلون تهديداً لحدود إسرائيل.

وتشير هذه الضغوط، وفقاً لوكالة «رويترز»، إلى حملة إسرائيلية منسقة للتأثير على السياسة الأميركية في منعطف حرج بالنسبة لسوريا، حيث يحاول الحكام الجدد في سوريا توطيد الاستقرار وحمل واشنطن على رفع العقوبات.

وذكرت ثلاثة مصادر أميركية وشخص آخر مطلع على الاتصالات، أن إسرائيل نقلت وجهات نظرها إلى كبار المسؤولين الأميركيين خلال اجتماعات في واشنطن في فبراير (شباط)، واجتماعات لاحقة في إسرائيل مع ممثلين في الكونغرس الأميركي.

وتشكل قاعدة طرطوس البحرية وقاعدة حميميم الجوية الروسيتان في سوريا، منشأتين أساسيتين للحفاظ على نفوذ موسكو في الشرق الأوسط وحوض المتوسط وصولاً إلى أفريقيا.

———————————

قرية كويا بريف درعا تواجه الفقر والتصعيد الإسرائيلي/ عبد السلام فايز

28/2/2025

درعا- بات أهالي القرى الحدودية مع الجولان السوري المحتل يعيشون على صفيح ساخن، جرّاء التصعيد الإسرائيلي المتواصل من خلال القصف أو التوغل البري، أو التهديد بنزع السلاح بالقوة.

ومنذ سقوط نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد، عمدت إسرائيل إلى إلغاء “اتفاقية فصل القوات” (فض الاشتباك) الموقعة مع الجانب السوري عام 1974، وتوغلت بالمنطقة العازلة، وشنت غارات جوية مكثفة استهدفت مواقع عسكرية إستراتيجية.

والأحد الماضي، طالب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في مؤتمر صحفي “بجعل المنطقة إلى الجنوب من دمشق منزوعة السلاح”. وأردف “ولن نسمح للجيش السوري الجديد بالانتشار في هذه المنطقة، ولن نقبل بأي تهديد لأبناء الطائفة الدرزية في جنوب سوريا”، على حد زعمه.

قريبا من التوغل

الجزيرة نت زارت قرية كويا في ريف درعا الغربي على حدود الجولان السوري، واستطلعت الواقع من كثب، في ظل التصعيد الإسرائيلي.

وكان نظام الأسد قد نصب حاجزا عسكريا قبل عشرات السنوات على مدخل البلدة، من أجل التدقيق في هويات العابرين، ولم يسمح بالدخول إلا لأهالي البلدة. أما الزائرون فكانوا بحاجة إلى كفالة من أحد الأهالي كي يتسنى لهم الدخول، باعتبارها منطقة حدودية حساسة.

وصلنا إلى وادي اليرموك الفاصل بين الجانبين، وعلى مقربة من نقطة “الجزيرة” التي توغلت إليها قوات إسرائيلية بعد سقوط نظام الأسد وأقامت فيها نقطة تمركز.

تسليم السلاح

يقول مختار القرية عبد الرحمن المفلح، للجزيرة نت، إن الأهالي يشعرون بقلق بالغ جراء التصعيد الإسرائيلي وتزايد الإنذارات في المدة الأخيرة.

ووفق المفلح، فقد أرسل جيش الاحتلال طائرة مسيّرة مرفقة بمكبرات صوت بعد سقوط نظام الأسد تطالب المختار بالتوجه إلى الداخل الإسرائيلي لإبرام تفاهمات ما، إلا أنه رفض ولم يذهب.

لكنه أرسل رجلين اثنين من الأهالي “مشهود لهما بالسمعة الطيبة” ليتكلما باسم القرية، من دون أن يذكر اسميهما، فطلب الاحتلال منهما إبلاغ الأهالي بضرورة تسليم الأسلحة للجانب الإسرائيلي، “إلا أنهما رفضا الطلب قولا واحدا، وقالا إن السلاح لا يُسلم إلا للحكومة السورية الجديدة”، وفق المختار.

وعبّر المفلح عن استعداد أهل البلدة للانخراط بالجيش السوري الجديد وتسليم السلاح له فقط دون أي جهة أخرى. وأضاف أن الرجلين ذهبا إلى مدينة درعا والتقيا مسؤولين في الحكومة السورية وأبلغاها بفحوى الاجتماع مع الجانب الإسرائيلي.

الفقر والتصعيد

وفي مناورة جديدة، عمدت إسرائيل إلى إرسال طائرات مسيّرة إلى قريتي جملة وعابدين المحاذيتين لبلدة كويا، تعرض على الأهالي تقديم مساعدات إغاثية وطبية مقابل إبرام تفاهمات معهم، إلا أنهم رفضوا كل العروض الإسرائيلية رغم الفقر المدقع، على حد قول المفلح.

وأشار المختار إلى أن أهالي البلدة من الطبقة الفقيرة، بل “المسحوقة”، حسب وصفه، جراء تهميشهم من قبل نظام الأسد، وهم يعتمدون على الزراعة التي أصبحت من دون أي مقومات إثر الحرب التي شنها النظام المخلوع على السوريين جميعهم.

وقال إن الأهالي عمدوا إلى حفر بئر بالبلدة على نفقتهم الخاصة للحصول على مياه للشرب، إلا أن البئر حاليا معطلة نتيجة غلاء أسعار المحروقات.

وأعرب المفلح عن استعداد الأهالي للانخراط بالعمل مع الحكومة الجديدة برئاسة أحمد الشرع، مشيدا بالسياسة التي تنتهجها القيادة، والتي تتطلب مزيدا من الصبر والوقت لتدارك المرحلة، وفق قوله.

وعلى طرف الوادي الفاصل، التقت الجزيرة نت مع الأستاذ حمزة الحسين مدير مدرسة كويا البلد الذي قال إن الوضع أصبح صعبا في البلدة لسببين اثنين: الفقر المدقع، والتصعيد الإسرائيلي وتهديدات الاحتلال باجتياح المنطقة.

وأكد الحسين أن إسرائيل تحاول تعكير فرحة سقوط نظام الأسد، من خلال الممارسات الاستفزازية، مشيرا إلى إجماع أهالي البلدة على عدم التعامل مع الاحتلال.

وتحاول إسرائيل إشغال أهالي البلدة بالاستفزازات، على وقع المرحلة الجديدة التي تمر بها البلاد، والتي يتطلع فيها السوريون إلى إعادة إعمار بلدهم، كما يقول الحسين.

جريح برصاص إسرائيلي

الزائر إلى القرية سيلاحظ الواقع المتردي للبنية التحتية، حيث بدت الشوارع هشة، والبيوت بدائية جراء التهميش على مدار عقود.

وأشار الحسين بيده إلى منزل، قائلا إنه يعود لجريح سوري من أهالي البلدة، أصيب برصاص الجيش الإسرائيلي أثناء مشاركته في مظاهرة رافضة للتصعيد بالمنطقة، مؤكدا أنه يرقد حاليا في مستشفى درعا الوطني.

في المستشفى، التقت الجزيرة نت الشاب الجريح ماهر الحسين (20 عاما) المصاب بفخذه الأيسر. وقال إنه أصيب برصاص إسرائيلي أثناء مشاركته بمظاهرة سلمية في 20 ديسمبر/كانون الأول 2024، خضع على إثرها لعمليات جراحية عدة.

قال الشاب إن المظاهرة كانت سلمية وضمن الأراضي السورية، ولم يتم تجاوز الحدود، بل إن الجيش الإسرائيلي عمد إلى إطلاق الرصاص من نقطة “الجزيرة” على المتظاهرين بهدف تفريقهم وإنهاء أي مظاهر احتجاجية بالمنطقة.

ومن على سريره، كشف الحسين عن مكان الإصابة الذي بدا ملتهبا جدا، لدرجة أنه لا يقوى على النهوض، ويسعى الأطباء حاليا لإزالة الالتهاب، تمهيدا لإجراء عملية تركيب الصفائح المعدنية.

وأشار إلى أنه دفع نحو 70 مليون ليرة سورية جراء إصابته بالرصاص الإسرائيلي (ما يعادل 700 دولار أميركي= 14 ضعفا لراتب الموظف السوري)، وهو ما أرهقه على الصعيد المادي.

وأكد أنه ما زال بحاجة إلى مبلغ 30 مليون ليرة لاستكمال العلاج، وهو ما يفوق قدرة العائلة، لا سيما أنه البكر، ومعيل للعائلة إلى جانب والده.

وفجر 8 ديسمبر/كانون الأول 2024، دخلت فصائل المعارضة السورية العاصمة دمشق وسيطرت عليها مع انسحاب قوات النظام المخلوع من المؤسسات العامة والشوارع، لينتهي بذلك عهد دام 61 عاما من حكم نظام حزب البعث و53 سنة من حكم عائلة الأسد.

واستغلت إسرائيل هذه التطورات وشنّت مئات الغارات الجوية دمرت على إثرها طائرات حربية وصواريخ متنوعة وأنظمة دفاع جوي في مواقع عسكرية عديدة بأنحاء سوريا.

وتقرر في اتفاقية 1974 انسحاب إسرائيل من مناطق جبل الشيخ جنوبي سوريا، إضافة إلى مساحة نحو 25 كلم مربعا تشمل محيط مدينة القنيطرة وغيرها من المناطق الصغيرة التي تم احتلالها في حرب 5 يونيو/حزيران 1967.

وفي تلك الحرب، احتلت إسرائيل معظم مساحة هضبة الجولان جنوب غربي سوريا، بما في ذلك أجزاء من سفوح جبل الشيخ، ثم أعلنت ضمها إليها في 1981، وهو ما لا تعترف به الأمم المتحدة.

المصدر : الجزيرة

————————–

 تسعى لإقناع واشنطن بذلك.. لماذا تريد إسرائيل بقاء القواعد الروسية في سوريا؟

2025.02.28

قالت مصادر دبلوماسية إن إسرائيل تمارس ضغوطاً على الولايات المتحدة لإبقاء سوريا ضعيفة ومقسمة، بما في ذلك السماح لروسيا بالحفاظ على قواعدها العسكرية هناك لمواجهة النفوذ المتزايد لتركيا في البلاد.

ونقلت وكالة “رويترز” عن أربعة مصادر مطلعة على هذه الجهود أن العلاقات المتوترة بين تركيا وإسرائيل تفاقمت خلال الحرب في غزة، وأن مسؤولين إسرائيليين أبلغوا واشنطن بأن “الحكام الإسلاميين” الجدد في سوريا، المدعومين من أنقرة، يشكلون تهديداً لحدود إسرائيل.

ووفق المصادر، تشير هذه الجهود إلى حملة إسرائيلية منظمة للتأثير على السياسة الأميركية في لحظة حساسة بالنسبة لسوريا، حيث يسعى الذين أطاحوا ببشار الأسد إلى تحقيق الاستقرار في الدولة المنقسمة وإقناع واشنطن برفع العقوبات المفروضة عليها.

تفاصيل الضغوط

وأوضحت ثلاثة مصادر أميركية وشخص آخر مطلع على الاتصالات أن إسرائيل نقلت وجهات نظرها إلى كبار المسؤولين الأميركيين خلال اجتماعات في واشنطن في شباط، إضافة إلى اجتماعات لاحقة في إسرائيل مع أعضاء من الكونغرس الأميركي.

وأفاد مصدران بأن إسرائيل قدمت أيضاً وثيقة إلى بعض كبار المسؤولين الأميركيين تتضمن النقاط الرئيسية لموقفها.

وقال آرون لوند، الباحث في مركز الأبحاث الأميركي “سنشري إنترناشونال”: “الخوف الأكبر لدى إسرائيل هو أن تتدخل تركيا لحماية هذا النظام الإسلامي السوري الجديد، الذي قد يصبح قاعدة لحماس وجماعات مسلحة أخرى”.

ورفضت وزارة الخارجية الأميركية ومجلس الأمن القومي الأميركي التعليق على الاستفسارات المتعلقة بهذه المعلومات، كما لم يرد مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي ووزارتا الخارجية في سوريا وتركيا على طلبات التعليق فوراً.

وقال الباحث آرون لوند إن إسرائيل لديها فرصة جيدة للتأثير على تفكير الولايات المتحدة، واصفاً الإدارة الأميركية الجديدة بأنها “شديدة الانحياز لإسرائيل”.

وأضاف: “سوريا بالكاد تثير اهتمام ترمب حالياً، فهي ليست أولوية، وهناك فراغ سياسي يمكن ملؤه”.

إسرائيل تسعى لإبقاء القواعد الروسية في سوريا

لمواجهة النفوذ التركي، سعى المسؤولون الإسرائيليون إلى إقناع نظرائهم الأميركيين بضرورة بقاء القاعدة البحرية الروسية في طرطوس وقاعدة حميميم الجوية في اللاذقية، وفقاً للمصادر.

وأوضحت مصادر أميركية أن بعض المشاركين في اجتماع بين المسؤولين الإسرائيليين والأميركيين فوجئوا بأن إسرائيل تدافع عن استمرار الوجود الروسي في سوريا، حيث رأى البعض أن تركيا، العضو في حلف الناتو، ستكون ضامناً أفضل لأمن إسرائيل، لكن المسؤولين الإسرائيليين رفضوا هذا الطرح بشدة، بحسب المصادر.

في الوقت نفسه، تُجري القيادة السورية الجديدة محادثات مع روسيا بشأن مستقبل القواعد العسكرية الروسية في البلاد.

صفقة أميركية لإنهاء الوجود الروسي في سوريا؟

قال مصدران إن إدارة الرئيس الأميركي السابق جو بايدن بحثت في الأسابيع الأخيرة من ولايته عرض تخفيف العقوبات عن القيادة السورية الجديدة، مقابل إغلاق القاعدتين العسكريتين الروسيتين.

لكن فريق بايدن لم يتمكن من إتمام الصفقة قبل تسلم الرئيس دونالد ترمب السلطة في 20 كانون الثاني الماضي.

وتتوقع المصادر أن يكون ترمب أكثر انفتاحاً على استمرار الوجود الروسي في سوريا، خاصة مع تقاربه مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

وتشير الوكالة إلى أن مقاربة إسرائيل لإبقاء سوريا ضعيفة تختلف بشكل كبير عن نهج الدول الحليفة للولايات المتحدة في المنطقة، وخاصة السعودية، التي أعلنت الشهر الماضي أنها تجري محادثات مع واشنطن وبروكسل للمساعدة في رفع العقوبات الغربية عن سوريا.

وفي سياق آخر، قال مصدر في حزب العدالة والتنمية التركي إن أنقرة استضافت وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف يوم الثلاثاء، كإجراء احترازي ضد الغموض المحيط بالسياسة الأميركية الجديدة في سوريا، وأيضاً لموازنة أي تحركات إسرائيلية بالتعاون مع واشنطن قد تهدد المصالح التركية.

———————

=======================

تحديث 27 شباط 2025

بعد تهديد نتنياهو لدمشق.. “يديعوت أحرونوت” تكشف تفاصيل المخطط الإسرائيلي

2025.02.25

كشفت صحيفة “يديعوت أحرونوت” عن استراتيجية عسكرية جديدة لإسرائيل تهدف إلى إنشاء نظام دفاعي بري ثلاثي الطبقات لحماية حدودها مع كل من سوريا وقطاع غزة وجنوب لبنان.

تتزامن الخطة الجديدة مع تهديدات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لدمشق بإخلاء منطقة الجنوب السوري من قوات “هيئة تحرير الشام” والجيش السوري الجديد، ونزع السلاح فيها.

ونشرت الصحيفة

، أمس الإثنين، تقريراً مفصلاً عن الاستراتيجية الجديدة، والتي تتضمن إنشاء منظومة دفاعية من ثلاث مستويات، اثنان منها خلف الحدود، تكون “داخل أرض العدو” على حد وصفها، وتتضمن إنشاء قواعد عسكرية وفرض نزع السلاح.

تفاصيل الخطة يعرضها، رون بن يشاي، أبرز خبراء الشؤون الأمنية في “يديعوت أحرونوت”، وهو معروف بصلاته الوثيقة بهيئة أركان الجيش الإسرائيلي.

وأشارت الصحيفة إلى أن إسرائيل شرعت بالفعل في تطبيقها جزئياً، واحتمال اعتمادها في ظل “الفرصة الممكنة” نظراً لعودة دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، وما يعلنه من مشاريع “مثيرة للجدل” لصالح التوسع الإسرائيلي في المنطقة.

ويأتي الحديث عن الخطة في ظل رفض إسرائيل الانسحاب الكامل من قطاع غزة ومن جنوب لبنان، على الرغم من سريان اتفاقي وقف إطلاق النار “هشين” مع بيروت وحماس، وتهديدات نتنياهو الأخيرة ومطالبته بأن تكون المحافظات السورية الجنوبية الثلاث القنيطرة ودرعا والسويداء “منطقة منزوعة السلاح”.

وفقاً للصحيفة، تعد الخطة إحدى الدروس المهمة التي استخلصتها المؤسسة العسكرية الإسرائيلية من هجوم السابع من أكتوبر2023، وتم بلورتها قبل نحو ثلاثة أشهر بالتزامن مع التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار في جنوب لبنان.

وتتضمن الخطة الإسرائيلية الجديدة لحماية الحدود مع سوريا ثلاثة مستويات دفاعية. تبدأ بإنشاء منطقة حدودية عازلة داخل الأراضي الإسرائيلية، تضم مواقع عسكرية وحواجز دفاعية متطورة، تشمل سياجا وجدرانا وأجهزة استشعار، مدعومة بقوات احتياطية ومدفعية ودفاع جوي لحماية المستوطنات القريبة. يلي ذلك نظام دفاع أمامي داخل الأراضي السورية، عبر إقامة نقاط عسكرية ومراقبة في المنطقة العازلة شرق الجولان، بهدف تنفيذ عمليات استباقية ضد أي تهديدات، مع الاعتماد على طائرات مسيّرة ووحدات استطلاع.

أما المستوى الثالث، فهو فرض نزع السلاح في جنوب سوريا، من خلال إخلاء هيئة تحرير الشام والجيش السوري الجديد، ومنع أي وجود للأسلحة الثقيلة والصواريخ، مع السماح فقط بالأسلحة الخفيفة ضمن ترتيبات أمنية محددة.

وتسعى إسرائيل إلى دعم أميركي، خاصة من إدارة ترمب، مع إمكانية التنسيق غير المباشر مع تركيا، واستغلال ملف الدروز في السويداء كذريعة للتدخل. لكن الخطة تواجه عقبات، أبرزها معارضة المجتمع الدولي.

ويترجم موقع “تلفزيون سوريا”التقرير كاملاً، والذي يوضح التغييرات العميقة في العقيدة العسكرية الإسرائيلية بعد السابع من أكتوبر، ومدى تأثيرها على المعادلات الأمنية في المنطقة.

من دروس 7 أكتوبر.. لدى إسرائيل استراتيجية جديدة لحماية الحدود تتكون من ثلاث طبقات

إن فشل السابع من أكتوبر أدى إلى اعتماد استراتيجية جديدة، حتى ضد الدول التي عقدت معها إسرائيل اتفاقيات سلام. وتتضمن الخطة 3 أنظمة دفاعية على حدود قطاع غزة ولبنان وسوريا، مكونة من 3 طبقات: إنشاء مواقع وعوائق عسكرية في الأراضي الإسرائيلية، بهدف السيطرة والمراقبة على الحدود، و”نظام دفاع أمامي” في أراضي العدو، والمطالبة بنزع السلاح من المناطق التي تحمل تهديدات محتملة، وتعتزم إسرائيل إقامة هذه المنظومة على أمل أن تدعمها إدارة ترمب، لكن من غير الواضح كيف سيكون رد فعل الدول الأوروبية، وعلى أي حال، فإن هذه الخطة تتطلب آلاف المقاتلين وميزانيات ضخمة. (مقدمة تلخيصية لصحيفة “يديعوت أحرونوت).

كشف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو فعلياً عن استراتيجية الدفاع الحدودية الجديدة لإسرائيل، عندما قال، في حفل تخريج دورة ضباط، يوم الأحد، بأنه طالب “بإخلاء جنوب سوريا بالكامل من قوات النظام الجديد”.

وتبلورت هذه الاستراتيجية، بشكل فعلي، نهاية العام الماضي، بعد التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار مع لبنان، ولكن نتنياهو أضاف، في خطابه يوم الأحد، القطعة الناقصة إلى لوحة البازل عندما أعلن أنه سيطالب بأن تكون جنوب غرب سوريا، من دمشق جنوبا، منطقة منزوعة السلاح.

وتشكلت هذه الاستراتيجية، بالدرجة الأولى، نتيجة لاستخلاص الدروس المستفادة من إخفاقات ما حدث في السابع من تشرين الأول/أكتوبر، وكان الهدف منها في المقام الأول توفير الأمن لسكان المستوطنات الحدودية في الجنوب، وفي الشمال، وعلى الحدود السورية.

وتميز الاستراتيجية بين الحدود مع الدول التي لدينا سلام معها، أي مصر والأردن، وبين الحدود التي تشكل خطراً مباشراً وتهديداً نشطاً لمواطني دولة إسرائيل، في المستوطنات الحدودية وتلك التي لا تبعد سوى بضعة كيلو مترات عن الحدود.

الاستراتيجية على الحدود التي تشكل خطراً: نظام دفاع بري ثلاثي الطبقات

منطقة حدودية عازلة

على الحدود التي لا تزال تشهد حرباً نشطة أو شبه نشطة، أي على حدود قطاع غزة، وعلى الحدود مع لبنان، وعلى مرتفعات الجولان، سيكون هناك منظومة دفاع برية ثلاثية الطبقات. وستكون أولى طبقات هذه المنظمة الدفاعية داخل الأراضي الإسرائيلية، إنشاء منطقة عزل حدودي تتكون من مواقع عسكرية ثابتة مع حواجز وعوائق برية بما في ذلك سياج و/أو جدار، وأجهزة استشعار مختلفة لمراقبة الحدود، فضلاً عن إنشاء شبكة من طرق إمداد سريعة، وتضم قوات الاحتياط، ومعدات من الدفاع الجوي والمدفعية. ومن المفترض أن تكون هذه الطبقة من النقاط والحواجز العسكرية بمثابة منطقة عازلة بين المستوطنات الحدودية والقرى الشيعية ومراكز التجنيد المحتملة لحزب الله في جنوب لبنان.

وفي قطاع غزة، ستكون هناك منظومة ذات خصائص مشابهة، تكون حاجزاً بين أراضي القطاع ومستوطنات غلاف غزة، ولكن سيتم استبدال معسكرات القوات على الحدود بمواقع عسكرية حصينة قادرة على حماية محيطها والتصدي لمحاولات الاقتحام، وتمتع بجاهزية حتى من دون أي تحذير استخباراتي.

أما على الحدود مع سوريا، هناك بالفعل منطقة عازلة مكونة من مواقع ومعوقات عسكرية مع مرتفعات الجولان السورية، وهناك مواقع دفاعية مأهولة تقع داخل الأراضي الإسرائيلية.

إنشاء مواقع عسكرية خلف الحدود

في حين، ستكون الطبقة الثانية من المنظومة الدفاعية داخل أرض العدو، في كل المناطق الحدودية الثلاث، وستكون جزءا من “الدفاع الأمامي أو المتقدم” بهدف التصدي للتهديدات قبل حدوثها، تشبه تلك التي كانت قائمة في المنطقة الأمنية في جنوب لبنان، منذ عام 1984 حتى انسحاب الجيش الإسرائيلي وجيش لبنان الجنوبي (جيش لحد) في أيار/مايو 2000.

في قطاع غزة هذا يعني أن وجوداً للجيش الإسرائيلي، بطريقة أو بأخرى، في المنطقة الأمنية الحدودية ​​(الشريط الأمني) الذي يقع داخل أراضي القطاع. ولكن لا يزال من غير الواضح مدى عمق هذه المنطقة العازلة وحجم انتشار الجيش فيها، والتي تهدف إلى منع الفلسطينيين من الاقتراب من السياج. هذا أمر متروك لمفاوضات المرحلة الثانية من صفقة تبادل الأسرى الحالية، والتي ستناقش بشكل أساسي الترتيبات الأمنية في المنطقة الأمنية، والتي تعد منطقة دفاع أمامية. وكانت إسرائيل قد أوضحت بالفعل أنها ستطالب بحقها في العمل ضمن هذه المنطقة الأمنية، سواء كان ذلك عبر وجود دائم، أو من خلال الدوريات البرية، والطلعات الجوية، وما شابه ذلك.

في لبنان، تطبق إسرائيل عملياً الآن نظام دفاعي أمامي داخل الأراضي اللبنانية من خلال 5 نقاط متقدمة على طول الحدود تقع في مناطق خاضعة لسيطرتها. وفيها قوى فصائلية، وتقول إسرائيل إنها ستنسحب من هذه المواقع مع زوال خطر التهديدات الأمنية من جنوبي لبنان إلى الأراضي الإسرائيلية.

وفي مرتفعات الجولان، قوات الجيش الإسرائيلي التي دخلت المنطقة العازلة واستعدت للبقاء فيها بشكل مؤقت تواصل توفير مهمة الخط الدفاعي الأمامي لمستوطنات مرتفعات الجولان ولسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان. والجدير بالذكر تقع المنطقة العازلة شرقي الحدود مع إسرائيل، وهي مصممة لتكون خالية من أي وجود عسكري، إسرائيلي أو سوري، وتشكل حاجزاً جغرافياً برياً بين السوريين وبيننا، لن يتجاوزه إلا من كانت لديه نوايا هجومية.

أنشئت هذه المنطقة العازلة في اتفاقيات وقف إطلاق النار مع سوريا عام 1974، والآن، بعد الإطاحة بنظام بشار الأسد على يد منظمة هيئة تحرير الشام الجهادية “HTC”، سارعت إسرائيل إلى دخول المنطقة العازلة والاستيلاء عليها بهدف إنشاء نظام دفاع أمامي لحماية المستوطنات في مرتفعات الجولان لم يكن موجوداً من قبل.

إن هذه الطبقة (الثانية)، كما هو الحال في لبنان، تتكون في المقام الأول من نقاط مراقبة في مواقع خاضعة للسيطرة الإسرائيلية وتقع في نطاق عمل الدوريات العسكرية، ولكن على عكس جنوبي لبنان، فإن الجيش الإسرائيلي في هذه المنطقة لديه اتصالات مع السكان، كما أن الوجود على قمة جبل الشيخ السوري له قيمة استخباراتية وعملياتية مهمة.

الجديد.. نزع السلاح

أما الطبقة الثالثة، هي الابتكار الحقيقي، وتتمثل بالعمل على نزع السلاح من المناطق التي تشكل تهديداً لإسرائيل.

ففي قطاع غزة، أعلن رئيس الوزراء نتنياهو أن أي تسوية لإنهاء الحرب يجب أن تشمل ليس فقط إعادة الرهائن الإسرائيليين والقضاء على الحكم المدني والعسكري لحماس، بل يجب أيضاً نزع السلاح من القطاع.

“نزع السلاح” هو مصطلح عام، ويختلف من منطقة إلى أخرى حسب الترتيبات الأمنية لنزع السلاح، إما أنه لن يكون هناك أي أسلحة على الإطلاق أو السماح بالأسلحة الخفيفة مثل الأسلحة الشخصية وبنادق الكلاشينكوف والمسدسات، وربما حتى الرشاشات التي تستخدمها الشرطة لتطبيق القانون، ولكن الأسلحة الهجومية مثل القذائف والصواريخ أرض – أرض وقذائف الهاون والصواريخ المضادة للدبابات وقاذفات آر بي جي، وبالطبع المركبات القتالية المدرعة مثل الدبابات وناقلات الجنود المدرعة أو السفن الحربية والقوارب والطائرات من دون طيار، وما إلى ذلك، ستكون محظورة كل الأسلحة التي يمكن إطلاقها فعلياً إلى الأراضي الإسرائيلية وتسبب لنا إصابات.

في إطار اتفاقيات السلام مع مصر، واتفاقية “فض الاشتباك” مع سوريا في 1974، تم تقييد انتشار القوات والسلاح في المناطق التي خضعت للترتيبات الأمنية وقتها، أي أنه مسموح بوجود الدبابات حتى عدد معين، ويحظر تحليق الطائرات المقاتلة، ويحظر وجود المدافع وقذائف الهاون فوق عيار معين، وهكذا. وبالتالي فإن قضية نزع السلاح قضية قابلة للتفاوض ومعقدة، وعندما نتحدث عن نزع السلاح فإن الشيطان يكمن في التفاصيل.

وتنطبق القاعدة نفسها أيضاً على جنوبي لبنان. في واقع الأمر، تطالب إسرائيل بأن تكون منطقة جنوبي لبنان، من الليطاني جنوباً وشرقاً، خالية من الصواريخ والقذائف من كل الأنواع: الصواريخ المضادة للدبابات، وطائرات من دون طيار، وقذائف هاون، وطائرات من دون طيار كبيرة الحجم. وبطبيعة الحال، تطالب إسرائيل أيضاً بعدم السماح لعناصر حزب الله بالتجول مسلحين في المنطقة الواقعة جنوبي الليطاني، حتى ولو بأسلحة خفيفة. ومن المفترض أن يقوم الجيش اللبناني بتنفيذ هذا الأمر، وفي حال فشل في مهمته سيتكفل الجيش الإسرائيلي بتنفيذها. ولكن في لبنان يعمل الجيش الإسرائيلي على مسافات بعيدة عن الحدود داخل العمق اللبناني، تصل لأكثر من 100 كيلومتر، بحيث يصبح لبنان منزوع السلاح من الصواريخ والقذائف الثقيلة والدقيقة بشكل خاص، والتي يمكن أن تلحق أضراراً كبيرة في العمق الإسرائيلي.

وفي سوريا، قال رئيس الوزراء صراحة أنه يطالب بنزع السلاح في هضبة الجولان السورية من الحدود مع الأردن جنوباً إلى منطقة السويداء شرقاً، المعروفة لدينا بجبل الدروز. في هذه المنطقة، يطالب نتنياهو بإخلائها من قوات المنظمة الجهادية التي تسيطر على سوريا في الوقت الراهن، والتي هي في الأساس نموذج أكثر حداثة من تنظيم القاعدة، وإخلاء ما يسمى “الجيش السوري الجديد”، والذي هو في الأساس أعضاء في نفس التحالف من المنظمات الإسلامية المسلحة التي انضمت إلى هيئة تحرير الشام وزعيمها أحمد الشرع “الجولاني”.

وتحاول هيئة تحرير الشام الآن إقناع العالم بأنها، على الرغم من كونها منظمة إسلامية، تسعى إلى السلام وإقامة علاقات جيدة مع دول الجوار والعالم بشكل عام. والشرع الذي استبدل ملابسه العسكرية المموهة ببدلة وربطة عنق، يحاول الآن إقناع العالم بأن كل اهتمامه منصب على إعادة بناء سوريا من أنقاض الحرب الأهلية، والقضاء على إرث الحكم الاستبدادي لعائلة الأسد والأقلية العلوية. ويؤكد صراحة أنه يريد علاقات جوار خالية من العنف مع إسرائيل، لكنه لا يتحدث عن السلام (التطبيع).

الخوف من النزعة الجهادية

تهيمن تركيا على خلفية الأحداث في سوريا، فالأتراك هم الداعمون الرئيسيون للجولاني وجماعته، ولكنهم لا يسيطرون عليهم. وتخشى إسرائيل من ظهور متلازمة “القط ذو الحذاء” في سوريا، وهذا يعني أنه لن يكون بعيداً اليوم الذي يعود فيه الجهاديون، الذين ارتدوا البدلات وتحدثوا باسم دولة محبة للسلام، إلى كونهم قوة جهادية إسلامية تحت ستار “الجيش السوري الجديد” على حدودنا.

علاوة على ذلك، هم يهددون أبناء الطائفة الدرزية الذين يقطنون في منطقة السويداء، ويشعر إخوانهم في إسرائيل بالقلق مما سيحدث في المستقبل. في الوقت الحالي يحاول أحمد الشرع تهدئة الدروز وضمهم إلى نظامه، ولكن بما أنهم أقلية تختلف عن التنظيمات السلفية التي تشكل هيئة تحرير الشام، فإن الدروز مهددون، ولإسرائيل مصلحة في حمايتهم. ولذلك، أوضح نتنياهو في كلمته في حفل تخريج دورة ضباط أن إسرائيل تطالب بإجلاء المنطقة في جنوبي دمشق، والتي تضم القنيطرة ودرعا الحدوديتين مع إسرائيل والسويداء التي تقع شرقهما وفيها يعيش الدروز، من عناصر هيئة تحرير الشام أو الجيش السوري الجديد، فهي سيدة جهادية بلباس حديث.

عندما سألتُ عن معنى الحظر المفروض على دخول الجيش السوري الحر وأعضاء هيئة تحرير الشام إلى المنطقة الواقعة جنوب دمشق، أوضح لي مسؤول أمني كبير أن إسرائيل تريد في الواقع نزع السلاح من هذه المنطقة، ولكن ليس فقط من وجود الأسلحة الثقيلة والصواريخ والقذائف والطائرات من دون طيار، ولكن بشكل أساسي من وجود الإسلاميين، الذين قد يحاولون تنفيذ هجوم على الحدود السورية على غرار هجوم 7 أكتوبر المميت.

في الواقع، يهدف مفهوم الدفاع ثلاثي الطبقات هذا إلى حماية إسرائيل من الإسلام المتطرف في قطاع غزة وجنوبي لبنان، وكذلك في سوريا. والتهديد المحتمل لإسرائيل في كل هذه المناطق هم الجهاديون الشيعة والسنة، وتعتقد إسرائيل أنهم سيظلون يشكلون خطراً حتى بعد تسويات “اليوم التالي” في سوريا ولبنان وقطاع غزة. ستواصل إيران الشيعية دعم الميليشيات التي قد تأتي إلينا بسرعة من الأراضي العراقية، وقد تدعم تركيا الميليشيات الجهادية لهيئة تحرير الشام. التي ستأتي إلينا من وسط سوريا وشمالها، ولا داعي للحديث عن حماس في غزة.

ومن المفترض أن توفر هذه الطبقات الثلاث من الدفاع لسكان شمالي وجنوبي وشرقي إسرائيل الحماية من شكلين من الهجوم: الهجوم البري أو التسلل إلى داخل الأراضي الإسرائيلية، والقصف المباشر، كما كانت الحال في الجبهة الشمالية وإلى حد ما في منطقة غلاف غزة.

ولكن عملياً، يعتمد مفهوم حماية الحدود على طبقة رابعة، وهي القدرات الاستخباراتية والجوية لدولة إسرائيل. ومن أبرز دروس السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 جاهزية القوات الجوية ويجب أن تكون حاضرة في الميدان، وأن تكون جزءا لا يتجزأ من الدفاع الحدودي الجديد.

ما فرص تنفيذ هذه الاستراتيجية؟

من المؤكد أن هذه الاستراتيجية تتمتع بمزايا أمنية وعسكرية واضحة، ولكن السؤال المهم هل سيتم تنفيذها، ومتى؟

في سوريا، على سبيل المثال، أوضحت إسرائيل للأتراك والحكام الجدد في دمشق، عبر وسطاء، أنها لا تنوي البقاء بشكل دائم في المنطقة العازلة والحفاظ على دفاع أمامي هناك إذا كانت هناك ترتيبات أمنية دائمة، والتي قد تضمنها تركيا أيضاً.

وفي لبنان، في الواقع، من المفترض ألا يكون النظام الدفاعي الحالي موجوداً، وتقول إسرائيل إنها ستزيل مراكز السيطرة والمراقبة، إذا تبين أن الجيش اللبناني سيطر بالفعل بشكل فعال ومستمر وكامل على المنطقة الواقعة جنوبي الليطاني.

مطلب إسرائيل الأساسي هو تفكيك حزب الله ونزع سلاحه بشكل كامل، على الأقل جنوبي الليطاني، ولكنها ترغب قي تطبيق استراتيجية حماية الحدود، وهي تملك الفرصة لتحقيق ذلك، ولكن عقدة الحل لدى إدارة ترمب.

على خلاف عهد إدارة بايدن أو أوباما، لم يكن لدى إسرائيل أي احتمال لعرض هذه الرؤية العسكرية على الإدارة الأميركية، ولكن في عهد ترمب، فإن الفرصة ممكنة.

“حدود السلام”.. الرؤية الدفاعية على الحدود مع مصر والأردن

لن تكتمل صورة مفهوم حماية الحدود من دون توضيح ما سيحدث على الحدود مع مصر والأردن، على الرغم من وجود اتفاقيات سلام مع القاهرة وعمان، فإن لدى إسرائيل نية في زيادة نشر أنظمة دفاعية مادية مع “حدود السلام” أيضاً، تشمل إنشاء مواقع عسكرية وحواجز “سياج أو جدار فولاذي”، ووسائل المراقبة وجمع المعلومات الاستخبارية من جميع الأنواع. الدفاع عن هذه الحدود سيتم داخل أراضينا، وعلى الحدود الشرقية، أي مع الأردن بالأساس، سيتم إنشاء فرقة “جلعاد”. وسيكون دورها الرئيسي في الوقت الحاضر منع التهريب من الحدود الأردنية، التي أصبحت تشكل الصداع الرئيسي في الضفة الغربية، لكن هذه الفرقة ستكون مستعدة أيضاً لاحتمال التهديدات البرية من الشرق.

وحتى على الحدود المصرية، التي هي أقصر من الحدود الأردنية، ستكون هناك حماية مختلفة لنفس الأهداف بالضبط، رغم أن شبه جزيرة سيناء على الحدود المصرية توفر تحذيراً وعمقاً استراتيجياً أفضل من الحدود الأردنية، المعرضة للتسلل من محور المقاومة الشيعية من الشرق.

التكاليف

إن منظومة الدفاع الحدودية الجديدة، إذا نجحت إسرائيل في إنشائها بدعم من الحكومة الأميركية في الجبهات الثلاث، سوف توفر حماية جيدة للمستوطنات الحدودية وتلك القريبة من الحدود، ولكنها ستكون باهظة الثمن. وسوف يتطلب هذا التشكيل ما لا يقل عن 7 أو 9 ألوية مشاة ومدرعات تكون متمركزة بشكل دائم على الحدود، وكمية هائلة من الوسائل التكنولوجية وأجهزة الاستشعار وبطاريات الاعتراض والطائرات من دون طيار، فضلاً عن قوة جوية مجهزة خصيصاً لمهام الدفاع عن الحدود، ومنع التسلل، والتعامل بسرعة مع الهجمات غير المتوقعة على الأراضي الإسرائيلية أو الاقتراب منها.

وتتطلب ما لا يقل عن 10 آلاف مقاتل ومقاتلة، فضلاً عن ميزانية مالية كبيرة للغاية. ويجب أن نأخذ في عين الاعتبار أيضاً أن نظام حماية الحدود هذا لن يحظى بشكل تلقائي على الشرعية الدولية من العالم أجمع، وحتى لو دعم ترمب إنشائه، ومن غير المؤكد أن تمنح الدول الأوروبية والصين وروسيا وتركيا الشرعية لإسرائيل لنشر هذا النظام.

وأخيرا، فإن منظومة الدفاع الأمامي سوف تنكشف وستصبح بعد فترة زمنية معينة هدفا لهجمات من قبل حزب الله أو المسلحين من قطاع غزة، سواء كانوا من حماس أو مجموعات مسلحة أخرى، وسوف يحدث الشيء نفسه في مرتفعات الجولان. إن نقاط المراقبة والسيطرة في لبنان، والشريط الأمني ​​في قطاع غزة، وربما قد نواجه في هضبة الجولان السورية أيضاً حرب عصابات ومجموعات إرهابية، على غرار ما حدث في الشريط الأمني ​​في جنوبي لبنان. ولذلك، يتعين على إسرائيل أن تستكمل أنظمة دفاعها البرية مع الاحتفاظ بجاهزية قدراتها الجوية، إلى حين التوصل إلى اتفاقيات وترتيبات نهائية.

——————————-

حين تتدخل إسرائيل في تحديد مستقبل سوريا/ بكر صدقي

تحديث 27 شباط 2025

كان لافتاً تزامن الاعتداءات الإسرائيلية الأحدث على جنوب سوريا، وصولاً إلى نقاط قريبة من العاصمة دمشق، مع انعقاد مؤتمر الحوار الوطني في قصر الشعب، وهو المؤتمر الذي من المفترض أن يساهم في تحديد مستقبل الكيان السوري. وكأن حكومة نتانياهو المتطرفة تعلن بذلك نيتها في الحصول على حصة لها في تركة نظام الأسد.

فمن المعروف أن نظام الأسد قد لعب دور الحراسة لأمن الحدود الإسرائيلية منذ اتفاقية فض الاشتباك في العام 1974، وحين فقد هذا الدور بعد استجلابه للميليشيات الإيرانية، أثناء قمعه للثورة السورية، فقد حصانته أمام الطيران الإسرائيلي الذي لم يتوقف عن استهداف الأراضي السورية منذ العام 2012، وارتفعت وتيرة تلك الاستهدافات منذ عملية طوفان الأقصى في 7/10/2023. أما بعد فرار بشار الأسد في 8/12/2024 فقد توغلت القوات الإسرائيلية داخل المنطقة منزوعة السلاح وضربت كل ما بقي من قدرات تسليحية لسوريا. وبلغت الوقاحة بنتانياهو أنه طلب إخلاء كل منطقة الجنوب السوري من القوات العسكرية، في سابقة خطيرة من التدخل في أمن دولة ذات سيادة. وفي ذلك محاولة لإذلال السوريين وإدارتهم الجديدة التي سيطرت على السلطة بعد سقوط نظام الأسد.

يحدث هذا في الوقت الذي تواجه فيه سوريا تحديات هائلة لا تقل عن إعادة تشكيل الكيان السوري دولةً ومجتمعاً واقتصاداً وسياسة وعلى جميع الأصعدة بلا استثناء، وإعادة تعريف سوريا بمعنى جديد يتجاوز به معنى «سوريا الأسد» بكل حمولته الفظيعة كنظام سلالي إجرامي استعماري و«أبدي» حبس السوريين في حاضر بلا مستقبل.

وكان أمل قطاعات واسعة من السوريين أن يشكل «مؤتمر الحوار الوطني» نوعاً من مؤتمر وطني تأسيسي يضع دستوراً عصرياً لسوريا يكون من شأنه تحديد العلاقة بين السلطة والمجتمع، وبين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية المتمايزة والمستقلة، وشكل الدولة، ونظاماً لتداول السلطة كما يليق بجمهورية، وتنبثق منه قوانين لتنظيم الحياة السياسية، ويكرس الحريات العامة والفردية إلى آخر ما هنالك من أعمدة الدولة الديمقراطية الحديثة. غير أن الطريقة التي تم بها تشكيل المؤتمر واللجنة التحضيرية التي دعت إليه كانت مخيبة للآمال، سواء بسبب الاستعجال أو عدم وضوح معايير المدعوين أو الفترة القصيرة جداً التي استغرقتها «أعمال» المؤتمر، وقبل كل ذلك إقصاء المكون الكردي ومقاطعة المكون الدرزي عبر تعبيراتهما السياسية المعروفة.

صحيح أن المؤتمر ليس السياق المناسب لتمثيل «المكونات» الاثنية أو الطائفية أو الجهوية، بيد أن هذه معطيات واقعية لا يمكن تجاوزها بدعوى التركيز على المواطنة المتساوية التي تحتاج سوريا إلى زمن يطول أو يقصر لتكريسها. فبهذا الإقصاء إنما يتعمق فقدان الثقة بدلاً من العمل على تعزيزها في الطريق نحو مفهوم المواطنة التي هي حلم لجميع السوريين ينبغي العمل على تحقيقه.

تزداد أهمية النقطة الأخيرة بالنظر إلى الشق الثاني من التصريحات الإسرائيلية التي رافقت قصفها لجنوب دمشق، عنيت به زعمها حماية الدروز في سوريا، وحديث وزير خارجية إسرائيل عن وجوب إقامة نظام فيدرالي يتضمن مناطق حكم ذاتي! كان رد السوريين على هذه التصريحات الوقحة بتنظيم مظاهرات شعبية في مختلف المدن والبلدات رفضاً لها ولتوغل إسرائيل في الجنوب. على أهمية هذه المظاهرات لتعبيرها عن إرادة السوريين فهي غير كافية وحدها، بل يكون الرد الحاسم على وقاحة إسرائيل من خلال دولة تحتضن كل مواطنيها، لا تستبعد أحداً بصرف النظر عن انتماءاته الصغرى، دولة تعترف بتعددية المجتمع القومية والدينية والمذهبية والثقافية وتكون على مسافة واحدة منها جميعاً.

والحال أن موضوع المكون الكردي أكثر تعقيداً من مجرد التمثيل أو الإقصاء من مؤتمر الحوار الوطني، إذ تتقاطع فيه مشكلات وجود فصيل مسلح (قسد) يسيطر على نحو ربع الأراضي السورية بما فيها من ثروات نفط وزراعة، وتداخل إقليمي مع تركيا، وأحزاب سياسية كردية من خارج قسد. وثمة مفاوضات بين قسد والإدارة في دمشق لتفكيك هذه العقدة بالطرق السلمية، لم تصل إلى نتائج نهائية بعد لارتباطها بمشكلة تركيا الكردية التي من المفترض أن هناك مسعى لحلها سياسياً يتقدم ببطء، إضافة إلى وجود فاعلَين دوليين هما واشنطن وباريس. ولم تحدد إدارة ترامب إلى الآن سياسة واضحة تجاه سوريا من شأنها أن تؤثر على التفاعلات الإقليمية والمحلية.

بصورة معاكسة على طول الخط لسوريا في ظل النظام المخلوع، حفلت الأسابيع الماضية بانفتاح دبلوماسي على الإدارة الجديدة عربياً وإقليمياً ودولياً، وكأن كل التحفظات على الماضي الجهادي للفريق الحاكم قد انهارت. الآن يبدو أن هذا الزخم سيبدأ بالانحسار وكأنه لم يتجاوز جانبه الإعلامي. ذلك أن كل النوايا الطيبة التي عبرت عنها الدول التي دخلت في علاقة تماس مع الإدارة الجديدة لم تترجم بعد إلى وقائع، وكأنها جميعاً بانتظار تحول «الأقوال إلى أفعال» أي مضي السلطة في عملية سياسية تتسق مع مطالب تلك الدول. وهذا ما بدأت السلطة به، بطريقتها، من خلال عقد المؤتمر المذكور، ومن المتوقع أن يليه تشكيل حكومة انتقالية تكون بـ«تمثيل شامل» في الأول من شهر آذار/مارس. عسى أن يتم تلافي الصورة المنقوصة التي ظهر فيها المؤتمر.

كاتب سوري

القدس العربي

——————————

سياسة الضعفاء: سوريا الجديدة وإسرائيل الاستعمارية القديمة/ ياسين الحاج صالح

تحديث 27 شباط 2025

في تصريح استعماري نموذجي، قال بنيامين نتنياهو إن إسرائيل «لن تسمح بانتشار قوات هيئة تحرير الشام أو الجيش السوري الجديد جنوب دمشق» المنطقة التي تشمل محافظات درعا والسويداء والقنيطرة التي قال كذلك إنه يريدها أن تكون منزوعة السلاح. رئيس الوزراء الإسرائيلي أضاف إن إسرائيل لن تتسامح مع أي تهديد لمجتمع الدروز في جنوب سوريا». الإدارة الجديدة تركت التعليق على هذه البلطجة للسيدة هدى الأتاسي، واحدة من سبعة أعضاء في اللجنة التحضيرية لمؤتمر الحوار الوطني في سورية. فكان أن أدرج في البيان الختامي لمؤتمر الحوار الوطني السوري بند حول تصريح نتنياهو، لا هو مما يحتمله سياق البيان، ولا هو ينم عن تقدير خطورة مضمون ذلك التصريح. ولعل في ذلك ما يشير إلى قلة الحيلة، أكثر مما يشير إلى قلة الوسيلة، أو ببساطة إلى غفلة عن الواقع وسوء تقدير، أكثر مما يشير إلى الضعف العسكري السوري المعلوم.

الضعيف عسكرياً لا يمكن أن يكون قويا سياسياً، هذا مفهوم، وهو مفهوم أكثر إن كان كذلك ضعيفاً على كل مستوى آخر، تثقل كاهله تركة باهظة. لكن الضعيف يمكن أن يلجأ إلى سياسة الضعفاء التي تعمل على كسب الصراعات أو عدم خسارتها بالاستناد إلى وسائل القانون الدولي، ومحاولة كسب الرأي العام في الإقليم والعالم، و«القوة الناعمة» الفكرية والسياسية والأخلاقية، وقبل كل شيء بتحويل ملكية البلد من الحكم الأسدي إلى الضعفاء من عموم السوريين، على نحو يوسع قاعدة المسؤولية عن المصير الوطني. ليس المطلوب بحال تصريحات عنترية من الفريق الحاكم الجديد، ولا التهديد الطقسي بالرد في الزمان والمكان المناسبين، ولا «التكويع» نحو خطاب الممانعة الذي كان ذريعة مشرعة لتدمير البلد من قبل الحكم الأسدي وحماته. المطلوب والممكن بالأحرى التزام سياسية الضعفاء بصورة متسقة، على نحو يتوافق مع وضع سورية الفعلي، ويقطع مع سياسة قوة لا سند لها.

وأول أركان سياسية الضعفاء عدم الانجرار إلى مواجهة مسلحة، هي مما لا يحتاج الحكم الجديد في سورية إلى نصيحة بشأنها على كل حال. من الآن ولسنوات طويلة قادمة سورية لا تستطيع الدفاع عن نفسها عسكرياً في مواجهة أي جيران أقوياء. لا ينبغي التكتم على ذلك، فهو معلوم للجميع، الأعداء قبل الأصدقاء. ولكن الضعيف الذي لا يستطيع الدفاع عن نفسه، يستطيع إدانة الاعتداء عليه، وتسميته باسمه: عدوان غير مبرر وغير مسبوق باستفزاز. بل هو أسوأ: تلاعب استعماري ببنية المجتمع السوري من قِبَل قوة قومية إثنية ارتكبت للتو جريمة الجينوسايد في غزة.

في المقام الثاني محاولة الاستفادة مما يتيحه القانون الدولي والمؤسسات الدولية من حماية. القانون الدولي يعتبر مرتفعات الجولان أرضا سورية محتلة، ومن باب أولى التوسعات الإسرائيلية الأخيرة، وإن لم تُبلّغ الأمم المتحدة بشأنها فيما يبدو. يشعر المرء بالحرج والسخف وهو يدعو إلى تقديم شكوى موثقة إلى الأمم المتحدة حول اعتداءات إسرائيل على المجتمع السوري والتراب السوري منذ اليوم الأول لسقوط الحكم الأسدي، إذ أن ذلك لا يحتاج إلى نباهة خاصة، ولا يصعب القيام به. ربما يقال إن اللجوء للأمم المتحدة ليس بالشأن المهم، فهناك قرارات من الأمم المتحدة ومن مجلس الأمن حول فلسطين والصراع العربي الإسرائيلي، لم تجد سبيلها إلى التنفيذ. هذا صحيح فقط إن كان ينتظر من الأمم أن تعيد لنا الحقوق وتردع المعتدي، لكنه خاطئ إن فهم اللجوء إلى الأمم المتحدة كمسعى رديف يلتمس حماية القانون الدولي لبلد ضعيف، خرج لتوه من حرب طويلة ولا يكاد يقف على رجليه. ومن المساعي الرديفة كذلك مخاطبة الجامعة العربية وربما دعوة مجلسها إلى اجتماع عاجل، وذلك التماساً للدعم الدبلوماسي والإعلامي من الدول العربية، وربما مساعدات اقتصادية هي بالغة الأهمية اليوم.

أما المسعى الأكثر إلحاحاً فيتجه نحو الجنوب السوري، نحو ترتيب العلاقة مع المحافظات المعنية على أسس تضمن التمثيل العادل والشراكة الوطنية، واحترام الخصوصيات المحتملة. ليس مواطنو السويداء ودرعا والقنيطرة هم من يتعين أن يردوا على نتنياهو، بل الفريق الحاكم الحالي. وسيكون أمراً طيباً أن يبادر مواطنو الجنوب السوري إلى الاحتجاج على البلطجة الإسرائيلية، لكن يجب أن يكون ظهرهم مسنوداً من قبل شاغلي موقع السيادة في بلدهم. ما تقوم به إسرائيل هو اعتداء على السيادة السورية، ومن يشغل موقع السيادة هو الفريق الحاكم الجديد، وهو من يتعين عليه الرد.

ويبقى أن الأساس في سياسة الضعفاء هو أن يساعد الضعفاء أنفسهم، أن يعتنوا بتعافي مجتمعهم وتوفير بيئة أنسب لتطوره السياسي والاقتصادي والاجتماعي، والتعليمي، والحقوقي والأمني. في هذا الشأن يبدو مؤتمر الحوار الوطني الذي انتهى يوماه قبل نشر هذه المقالة بيومين بمثابة فرصة ضائعة، محاولة لتلفيق شرعية مؤسسية دون أدنى تفويض للسلطة إلى المشاركين في الحوار، أو حتى لجنة السبعة التي وقع عليها أن «تُلهْوِج» جلساته التمهيدية كيفما اتفق. هنا تعجل غير مفهوم من قبل من يتكلمون على مرحلة انتقالية تدوم ثلاث سنوات أو أربع أو خمس. وهو في فوقيته وانعدام شفافيته نقيض سياسة الضعفاء التي يفترض أن تعمل على تقوية المجتمع السوري لا على تركه مبلبلاً في الظلام لا يعرف ماذا يجري. بنود البيان التي قرأتها السيدة الأتاسي تبدو مسبقة الإعداد ولا تتضمن تعهدات ملزمة، أقرب إلى تعبيرات من السلطة عن نياتها الحسنة منها إلى تعبيرات من ممثلي المجتمع عما يتطلعون إليه.

سورية الجديدة في حاجة إلى أن تظهر وعيها بوضعها وتطلب من العالم، من القريب والبعيد، المساعدة في التعافي. كان يمكن قول أشياء مهمة عما عاناه السوريون وعما عاشوه طوال 54 عاماً، كان يمكن إيراد عناصر أساسية في وصف الحال اليوم، من نصف مليون من الضحايا على الأقل، إلى سبع ملايين مهجر خارج البلد (نحو 30 في المئة من السوريين) إلى 113 ألفاً من مجهولي المصير… إلى ثلاث ساعات فقط من الكهرباء في اليوم في العاصمة، وطلب العون من العالم والحماية من القانون الدولي، بخاصة في وجه دولة شبيحة، وضعت نفسها في استمرار مع الحكم الأسدي، فاحتلت أراض سورية جديدة ودمرت مقدرات عسكرية سورية في اللحظة التي لم يعد بشار الأسد قادراً على فعل ذلك. لم يحدث للأسف.

ما يريده نتنياهو هو دفع البلد نحو حرب أهلية دائمة وإبقاء سورية منقسمة ضعيفة. كان بشار الأسد جيداً لإسرائيل لأنه كان إداري حرب أهلية لا تنتهي، ترك سورية منقسمة ضعيفة، بل كان إداري إبادة، تماماً مثل نتنياهو ودولته حيال فلسطين وشعبها. وما يقطع الطريق على نتنياهو وعلى الحرب الأهلية معاً هو سياسة ضعفاء بصيرة وجسورة. سياسة الضعفاء ليست سياسة ضعيفة، مستكينة أو خانعة، بل يمكنها أن تكون سياسة نشطة وديناميكية، تخاطب دوائر أوسع من جمهور عالمي مستاء من التشبيح الإسرائيلي والأمريكي، وتوسع من دائرة الشركاء والحلفاء، لكنها قبل كل شيء تخاطب السوريين كمالكين لبلدهم ودولتهم، يحترمونها ويدافعون عنها. سياسة الضعفاء ليست مطلوبة في مواجهة الأقوياء الخارجيين حصراً، فمحتواها الإيجابي هو الاستثمار في الحقوق والحريات والطاقات الاجتماعية، طاقات ملايين السوريين من النساء والرجال للنهوض بحياتهم المشتركة وببلدهم. سياسة الضعفاء هي السياسة التي تتمحور حول ضعف السوريين الفعلي، لكنها تعمل على تقويتهم.

كاتب سوري

القدس العربي

——————————-

شهية إسرائيلية لتفتيت سوريا: “ممر داوود” ومواجهة تركيا/ منير الربيع

الخميس 2025/02/27

تضع إسرائيل عينها على دمشق. يتناقل بالتواتر كلام منسوب لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يقول فيه: “نتلاقى في دمشق”. من غير المعروف إذا ما كان يقصد الكلام بحرفيته، بمعنى أن التوغل الإسرائيلي في الجنوب السوري سيصل إلى العاصمة وحدودها، أم أنه يقصد النتيجة السياسية للتوغل العسكري الإسرائيلي في جنوب سوريا. يتقدم نتنياهو إلى مشروعه مدعوماً من الولايات المتحدة الأميركية، ولا يجد أي طرف في مواجهته. هو عملياً نجح حتى الآن في كسر كل موازين القوى على مستوى المنطقة، وينطلق من خلفية أن إسرائيل ذات مساحة صغيرة لا بد من توسيعها، وهي الكلمة المفتاحية التي قالها الرئيس الأميركي دونالد ترامب. هذه الـ”إسرائيل الصغيرة”، والتي تتركز المساعي الاميركية لتكبيرها، ليس لها إلا طريقان، إما توسيع مساحتها الجغرافية من خلال تهجير الفلسطينيين من غزة والضفة، والتوغل أكثر في سوريا ولبنان وضم مساحات. وإما أن تُصبح الدول المجاورة لها كيانات صغيرة، فتصبح إسرائيل هي الدول الأكبر فيما بينها.

مشروع التوسع

تعبّر إسرائيل بوضوح عن نواياها ومشروعها، من كلام نتنياهو في السرّ والعلن، إلى كلام غيره من المسؤولين الإسرائيليين الذين يتحدثون عن الفيدرالية في سوريا، أو عن إقامة دويلات أو تكريس مناطق ذات حكم ذاتي. وهي تُقرن القول بالفعل، من خلال العمليات العسكرية التي تشنّها إما جوياً أو برياً أو عبر زيادة منسوب التوغل في الأراضي السورية. أما سياسياً، فهي تستكمل المشروع من خلال تزكية كل أشكال الصراع أو الفرقة أو الانقسام والتشرذم داخل المجتمع السوري، فتلعب لعبة تضارب المصالح والاتجاهات لدى المكونات المختلفة، ولا سيما الأكراد، الدروز، والعلويين. هذا مشروع يُفترض أن يضع إسرائيل في مواجهة استراتيجية مع دول عديدة في المنطقة، وخصوصاً مع الدول العربية، ومع تركيا، بعد إقدام إسرائيل على توجيه ضربة للمشروع الإيراني.

تبرز ملامح المشروع الإسرائيلي في الجنوب السوري، انطلاقاً من العمليات المكثفة التي تجري، ربطاً بالمواقف التي تصدر في عدم تحويل جنوب سوريا إلى منطقة مشابهة لجنوب لبنان، أي أن لا تكون منطلقاً لتنفيذ عمليات عسكرية ضد إسرائيل. في الموازاة، تأتي المواقف الإسرائيلية التي تتحدث عن حماية الدروز أو الأكراد، بشكل يسهم في ضرب أي “وحدة وطنية سورية”. وهو ما تسعى إليه تل أبيب من خلال استخدام القوة العسكرية، والإغراءات السياسية أو المالية. فسياسياً، أصبح واضحاً أن تل أبيب تسعى إلى دعم مشاريع “الإدارة الذاتية” في المناطق المختلفة، ولا سيما لدى الدروز والأكراد، ولاحقاً قد يتوسع طموحها باتجاه الساحل السوري.

“ممر داوود”

تعمل إسرائيل على تقديم إغراءات مالية هائلة لقاء استقدام سوريين للعمل في مناطق خاضعة لسيطرتها، كما تعمل على شق واستحداث الكثير من الطرقات في الجنوب السوري وبين بعض القرى الدرزية والمناطق التي احتلّتها. ومن الجنوب السوري، هناك من يبدي تخوفاً من إقدام تل أبيب على خلق خطّ “عسكري” نحو شرق سوريا، فتصبح هي الحاضرة في جنوب لبنان، وجنوب سوريا، وتحيط بالأردن من الجهة الشمالية وليس من الجهة الغربية فقط، وتتمدد باتجاه الحدود مع العراق، بالإرتكاز إلى استحضار توراتي جديد لإنشاء خط “ممر داوود”، في محاولة منها لربط المناطق التي تسيطر عليها، بالجنوب السوري وانطلاقاً منه باتجاه شرق سوريا، فيكون لها صلة جغرافية وخط مباشر باتجاه المناطق الكردية، وتصبح هي على حدود العراق، وقد تطرح نفسها بديلاً للوجود العسكري الأميركي في التنف مثلاً، طالما أن نغمة دونالد ترامب حول الانسحاب العسكري من سوريا تتزايد، فتكون إسرائيل هي البديل عنه.

مواجهة تركيا

تركز إسرائيل على تكريس منطق “الإدارات الذاتية”، ولا سيما لدى الأكراد، بالإضافة إلى وضعية “الدروز”. وهذا يفترض أن يضعها في مواجهة مباشرة مع تركيا. هنا ستكون الإدارة السورية الجديدة أمام تحدٍ استراتيجي في ظل الصراع على سوريا، لا سيما أن الرئيس السوري أحمد الشرع كان يركز على ضرورة الوصول إلى تفاهم وحلّ بالحوار مع التنظيمات الكردية ولا سيما تنظيم قسد. بينما تركيا تدفع باتجاه الصراع العسكري. وأي صراع عسكري ستستغله إسرائيل للعب أكثر على الساحة السورية، وليتحول الصراع إسرائيلياً- تركياً على أرض سوريا وبأياد سورية.

في محاولة من الشرع لتسوية العلاقة مع الأكراد، أقدم على الاتفاق معهم حول شراء النفط. لكن هذا القرار يمثل خطأً. إذ سيبدو وكأنه تكريس للاعتراف بهذه السلطة الذاتية هناك، علماً أن الدولة هي التي يفترض أن تكون صاحبة السيادة على كامل الأراضي السورية. وهذا ما ستسعى إسرائيل إلى استغلاله لاحقاً، خصوصاً أن شرق سوريا ومنطقة الجزيرة مليئة بالخيرات النفطية والزراعية والمائية. أما في الجنوب السوري حيث لا وجود لمثل هذه الخيرات، فيعمل الإسرائيليون على ضخ الأموال في المنطقة الجنوبية، لتكريس المشروع الذي يسعون إليه، وهو خلق إدارة ذاتية. ما يجعل سوريا دولة متشظية أو ذات كيانات صغيرة مقسمة على أسس دينية أو قومية أو عرقية.

أي نجاح لهذا المشروع الإسرائيلي لن ينحصر تأثيره داخل سوريا، بل سيطال دولاً عديدة، خصوصاً أن الموضوع الكردي يشكل تحدياً استراتيجياً لتركيا، التي سارعت قبل سنوات للدخول إلى شمال سوريا وقطع أي اتصال بين المناطق الكردية لمنع إقامة كيان كردي. وهي تسعى دوماً للانتقال إلى الضفة الشرقية للفرات أيضاً لمنع قيام أي مقومات لإقامة هذا الكيان. هنا تسارع إسرائيل إلى التدخل، بالإضافة إلى تكثيف الضغط العسكري في جنوب سوريا وباتجاه دمشق.. العاصمة التي تعتبر على علاقة قوية بتركيا. وكأن تل أبيب تقول لأنقرة إن المواجهة ضد الأكراد في شرق الفرات، ستقابلها مواجهة ضد الحكم في دمشق.

المدن

————————-

العدوان الإسرائيلي على سورية: اتساع الرفض الشعبي وخيارات سياسية أمام دمشق/ محمد أمين

27 فبراير 2025

يتمادى الاحتلال الإسرائيلي في عدوانه على سورية، وجنوبها تحديداً، مدعياً أنه يدافع عن مواطنيه، ولن يسمح لهذا الجنوب بأن “يصبح جنوب لبنان”، مستفيداً من عدم قدرة الإدارة السورية الجديدة على مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية عسكرياً، فهي لم تنته بعد من بناء الجيش الجديد، والذي سيحتاج لوقت غير قليل، وذلك بعدما عمد الاحتلال إلى تدمير السلاح الثقيل ومنظومات الدفاع الجوي التي كان يملكها الجيش السوري فور سقوط نظام بشار الأسد في 8 ديسمبر/كانون الأول الماضي. ورغم أن دمشق تستند في الوقت الراهن إلى موقف شعبي طاغٍ رافض لأي محاولات للعبث بالهوية والوحدة والسيادة السورية من جهات خارجية أو داخلية مرتبطة بها، والذي يتجلى بالتظاهرات المنددة بممارسات إسرائيل والتي باتت تخرج بشكل شبه يومي ويتسع نطاقها في المدن السورية، تبدو الخيارات محدودة ومعقّدة أمام الإدارة السورية في التعامل مع العدوان الإسرائيلي، والذي لا يقتصر على التوغل البري والضربات الجوية، بل تحاول تل أبيب العبث في الجنوب السوري (بمحافظاته الثلاث درعا، السويداء، القنيطرة)، من خلال إيجاد مشاريع غايتها الدفع باتجاه إنشاء كيانات على أساس مذهبي تحديداً في محافظة السويداء، خصوصاً في ظل ظهور تشكيلات وكيانات عسكرية تذهب إلى المطالبة بوضع خاص للجنوب. ويضاف إلى ذلك عدم اتضاح مصير قضية اندماج فصائل في الجنوب ضمن الجيش السوري الجديد.

توّغلات واعتداءات إسرائيلية جديدة على سورية

وفي جديد العدوان الإسرائيلي على الجنوب السوري، توغّلت نحو 50 عربة وآلية إسرائيلية في مناطق بريفي درعا والقنيطرة، وصلت إلى قرية البكار في ريف درعا الغربي وبلدة عين البيضا في ريف القنيطرة، قبل أن تنسحب صباح أمس الأربعاء. كما شن الطيران الإسرائيلي في ساعة متأخرة من مساء الثلاثاء غارة على بلدة الكسوة، على بعد حوالي 20 كيلومتراً جنوبي دمشق، وأخرى على هدف في ريف درعا الجنوبي. وذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان أن الضربات الجوية الإسرائيلية على ريفي دمشق ودرعا أسفرت عن مقتل أربعة أشخاص. وذكر المرصد أنه منذ مطلع العام 2025، قامت إسرائيل باستهداف الأراضي السورية 16 مرة، 14 منها جوية ومرتين عبر البر، وأسفرت تلك الضربات عن إصابة وتدمير نحو 21 هدفاً بين مستودعات للأسلحة والذخائر ومقرات ومراكز وآليات. وتسببت تلك الضربات بمقتل عسكريين اثنين وستة مجهولي الهوية، بالإضافة لإصابة شخص، بحسب المرصد.

وأعلن الجيش الإسرائيلي أنه قصف “أهدافاً عسكرية في جنوب سورية، بما في ذلك مراكز قيادة ومواقع عديدة تحتوي على أسلحة”، من دون أن يذكر مكانها بالتحديد. وحذّر الجيش في بيانه من أنّ “وجود قوات ومعدّات عسكرية في الجزء الجنوبي من سورية يشكل تهديداً لمواطني إسرائيل”، لافتاً إلى أنّه “سيواصل العمل لإزالة أيّ تهديد لمواطني دولة إسرائيل”. من جهته، هدد وزير الأمن الإسرائيلي يسرائيل كاتس بأن “أي محاولة من قوات النظام السوري للتمركز في المنطقة الأمنية جنوب سورية سيتم الرد عليها بالنيران”. وقال كاتس في بيان لمكتبه: “الآن يقوم سلاح الجو بمهاجمة جنوب سورية بقوة كجزء من السياسة الجديدة التي حددناها لإخلاء جنوب سورية من السلاح – والرسالة واضحة: لن نسمح لجنوب سورية بأن يصبح جنوب لبنان”. وتابع: “لن نعرّض أمن مواطنينا للخطر” و”أي محاولة من قوات النظام السوري والمنظمات الإرهابية في البلاد للتمركز في المنطقة الأمنية جنوب سورية سيتم الرد عليها بالنيران”. وكان رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو قد طالب الأحد الماضي بجعل “جنوب سورية منزوع السلاح بالكامل”، وقال: “لن نسمح لقوات تنظيم هيئة تحرير الشام أو للجيش السوري الجديد بدخول المنطقة الواقعة جنوب دمشق”.

إدانات وتظاهرات رافضة

ودان العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني، خلال لقائه الرئيس السوري أحمد الشرع في عمّان أمس الأربعاء، الاعتداءات الإسرائيلية على الأراضي السورية، مؤكداً دعم المملكة لسيادة سورية ووحدتها وسلامة أراضيها. كما شدد على وقوف الأردن إلى جانب السوريين في إعادة بناء بلدهم عبر عملية تشارك فيها مختلف مكونات الشعب، بما يضمن وحدة سورية وأمنها واستقرارها. وبحسب الموقع الرسمي للديوان الملكي، بحث اللقاء فرص تطوير التعاون والوصول إلى صيغ مشتركة في زيادة واستدامة التنسيق على مختلف الصعد، بما يحقق المصالح المشتركة ويعزز وحدة الصف العربي. وأشاد ملك الأردن بمخرجات مؤتمر الحوار الوطني السوري، مؤكداً أنه خطوة مهمة نحو إعادة بناء سورية بما يحقق تطلعات الشعب السوري. وأكد ضرورة التنسيق الوثيق بين البلدين في مواجهة مختلف التحديات المتعلقة بأمن الحدود والحد من تهريب الأسلحة والمخدرات، مشددا على أهمية عودة سورية إلى دورها الفاعل في محيطها العربي. وبيّن العاهل الأردني ضرورة تهيئة الظروف المناسبة للعودة الطوعية والآمنة للاجئين السوريين إلى بلدهم. بدوره، أعرب الرئيس السوري عن تقديره لموقف الأردن، بقيادة العاهل الأردني، الداعم لجهود إعادة بناء سورية والحفاظ على وحدتها وأمنها واستقرارها.

كما دان الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، الغارات والاعتداءات الإسرائيلية على الأراضي السورية، واعتبرها “استفزازاً وتصعيداً ينتهزان فرصة التحول السياسي في سورية لتثبيت واقع غير قانوني وغير شرعي”. وأكد في بيان أمس أن “الاحتلال الإسرائيلي لأي أراضٍ سورية ينتهك القانون الدولي، وأن المجتمع الدولي مطالب باتخاذ مواقف واضحة لإدانة هذا العدوان غير المبرر والذي يستهدف إشعال فتيل التوتر في المنطقة، ووضع العراقيل في طريق الانتقال السياسي في سورية”.

وخرجت تظاهرات ليل الثلاثاء ـ الأربعاء في مدينة دمشق عقب الغارات الجوية الإسرائيلية على الجنوب السوري، وندد العشرات من الشبان بالعدوان، وجابت التظاهرات المزة وصولاً إلى ساحة الأمويين وسط العاصمة. كما خرجت تظاهرة في السكن الجامعي في حمص تنديداً بالعدوان على الجنوب السوري. كما أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان بخروج تظاهرات في بلدتي صيدا الجولان وغدير البستان في ريف القنيطرة الجنوبي أمس، تنديداً بالاعتداءات الإسرائيلية.

وكانت تل أبيب قد خرقت بعد سقوط نظام الأسد اتفاقية “فك الاشتباك” المبرمة مع سورية في عام 1974، واحتلت المنطقة العازلة ومواقع أخرى منها قمة جبل الشيخ، ووصلت في توغلها إلى مدينة القنيطرة وريف درعا الغربي. وفي حين دان مؤتمر الحوار الوطني السوري، الذي عُقد أمس الأول الثلاثاء، “التوغل الإسرائيلي في الأراضي السورية، مطالباً بانسحابه الفوري، لم تُظهر الإدارة السورية الجديدة أي ردة فعل عسكرية معلنة على التغول والتوغل الإسرائيليين في الجنوب السوري واللذين يتزامنان مع ظهور تشكيلات خاصة بمحافظة السويداء ذات الغالبية الدرزية والتي تطالب بمنح المحافظة حكماً ذاتياً. وكان نتنياهو قد قال الأحد الماضي: “لن نتسامح مع أي تهديد للطائفة الدرزية جنوب سورية”، في محاولة واضحة لاستمالة سكان السويداء الذين أعلنوا رفضهم التدخل الإسرائيلي في الشأن السوري من خلال تظاهرات حاشدة شهدتها المحافظة.

خيارات ضيقة أمام الإدارة السورية

ولا تبدو الإدارة السورية الجديدة في وضع يسمح لها بمواجهة التهديد الإسرائيلي عسكرياً، إذ لم تنته بعد من بناء الجيش الجديد، والذي سيحتاج الكثير من الوقت خصوصاً لناحيتي التدريب والتسليح، فقد دمّرت تل أبيب جلّ القدرات العسكرية السورية بعد أيام قليلة من سقوط الأسد الذي حافظ على هدوء الجبهة مع إسرائيل ولم يكن يشكل أي تهديد لها. وليس أمام الإدارة الجديدة سوى الخيار السياسي لمقاربة ملف الجنوب سواء لجهة التهديد الإسرائيلي المتكرر أو لجهة مشروعات التقسيم التي ظهرت أخيراً في أكثر من منطقة سورية. وتستند دمشق في الوقت الراهن إلى موقف شعبي طاغٍ رافض لأي محاولات للعبث بالهوية والوحدة والسيادة السورية من جهات خارجية أو داخلية مرتبطة بها، والذي يتجلى بشكل شبه يومي وخصوصاً في محافظة السويداء. كما يدفع هذا الموقف فصائل عسكرية في محافظة درعا المجاورة لنسج خيوط تفاهم نهائي مع الإدارة الجديدة في دمشق وإنهاء الأوضاع الشاذة في المحافظة والتي تشجّع محافظات سورية لديها هواجس من السلطة الجديدة للمطالبة بالانفصال أو بالحكم اللامركزي وهو ما يؤسس لتقسيم البلاد.

وتعليقاً على التصعيد الإسرائيلي ودعوات تقسيم سورية، رأى الباحث السياسي محمد صبرا، في حديث مع “العربي الجديد”، أن “سورية اليوم دولة منهكة ولا يوجد لدينا جيش قوي وسلاح ثقيل ومنظومات دفاع جوي”، مضيفاً: “فكرة المواجهة العسكرية مع إسرائيل مستبعدة، ولكن يجب ألا نستسلم لإرادة الاحتلال، لذا يجب العمل على تفعيل علاقات سورية مع دول العالم لوضع حد للعربدة الإسرائيلية”. وأشار إلى أنه يجب القيام بعمل سياسي في الداخل، مضيفاً: “مواجهة أي تهديد خارجي تتطلب استقراراً أمنياً وسياسياً. على الإدارة الجديدة إشاعة مناخ سياسي أكثر راحة، وأن تعزز حضورها في البلاد”. وبيّن أن “إسرائيل لا تزال عدوة لسورية، فهي تحتل أراضي سورية وحالة الحرب مستمرة على المستوى القانوني، من ثم فإن أي تعامل مع إسرائيل يحكمه قانون العقوبات السوري وهو واضح في منع أي تواصل مع الكيان الصهيوني”. وطالب وزارة العدل السورية بتفعيل دور النيابة العامة وتحريك الدعاوى العامة بحق كل من يدعو إلى تقسيم سورية أو إلحاق أجزاء منها بدولة الاحتلال، وكل من يتعامل مع إسرائيل.

وفي السياق، من المتوقع أن تلجأ السلطات السورية إلى العمق العربي من أجل الضغط على تل أبيب لوضع حد لتدخلها في الشأن السوري وعدم محاولة اللعب على مخاوف غير مبررة حتى اللحظة من الأقليات في سورية. وتبدو تل أبيب داعمة لكل مشروعات التقسيم التي تُطرح من جانب تشكيلات عسكرية أو سياسية خصوصاً في الجنوب السوري وفي الشمال الشرقي من البلاد، في محاولة لتفتيت سورية إلى دويلات متناحرة تضمن بقاء تل أبيب في مأمن من أي تهديد.

ورأى المحلل السياسي عرابي عرابي، في حديث مع “العربي الجديد”، أن على الحكومة السورية “قراءة المشهدين الإقليمي والدولي للتعامل مع التهديد الإسرائيلي بهدف الضغط الدبلوماسي”. وتابع: “نتنياهو في مأزق له علاقة بالحرب الذي شنها على قطاع غزة، والملف الأوكراني، ومن عادته الهروب إلى الأمام وخلق بؤر صراع وخلق مساحة اصطدام”. ورأى عرابي أن دعوات تقسيم البلاد التي تظهر بين وقت وآخر لا حل لها سوى “العصا الغليظة”، مضيفاً: “تجب على الحكومة مواجهة محاولات تهديد وحدة البلاد بالقوة”.

من جهته، رأى الخبير العسكري ضياء قدور، في حديث مع “العربي الجديد”، أن “سورية الجديدة تتبنى في مواجهة التصعيد الإسرائيلي سياسة حذرة تضع الكرامة والسيادة الوطنية في طليعة الأولويات”، مضيفاً: “أعتقد أن هناك رغبة لدى الحكومة السورية في الابتعاد عن أي تصعيد عسكري غير مجدٍ والتركيز على استقرار البلاد وإعادة الإعمار بعيداً عن التحولات الإقليمية المتسارعة”. وتابع: “دمشق حريصة على عدم الانجرار إلى صراع عسكري مفتوح مع إسرائيل أو معركة مفتوحة قد تضر باستقرارها الداخلي وتؤثر سلباً على فرص إعادة الإعمار”. وأعرب عن اعتقاده بأن الحكومة السورية “ستسعى إلى توجيه رسائل حازمة لإسرائيل عبر القنوات الدولية مع تأكيد حقها في الدفاع عن سيادتها”، مضيفاً: “هذا قد يشمل تعزيز الحوار والتعاون مع القوى الكبرى والإقليمية والعمل على استعادة الثقة الإقليمية التي قد تساهم في تخفيف الضغوط العسكرية والسياسية”. كما اعتبر أن “استقرار حكومة دمشق له تأثير كبير على الأمن والاستقرار في المنطقة بشكل عام، وهو يعد مصلحة إقليمية كبرى”، مضيفاً: “انهيار الحكومة أو عدم قدرتها على أداء مهامها يمكن أن يؤدي إلى تفاقم الأزمات الإنسانية والأمنية، ويزيد من احتمالات انتشار الفوضى والتطرف”.

العربي الجديد

———————————–

«المنع الاستباقي»: سوريا في العقيدة الأمنية الجديدة لإسرائيل/ خليل كوثراني

الخميس 27 شباط 2025

وضعت حملة بنيامين نتنياهو على سوريا، وما تخلّلها من خطاب عدواني تُرجم من فوره استفزازاً بالنار من طرف واحد، الحُكمَ الجديد هناك على مفترق طرق يصعب الالتفاف عليه. ولعلّ مكمن المأزق السوري الجديد، هو في قصور الاستراتيجية التي وضعها هذا الفريق للسياسة الخارجية السورية، عن الاستجابة لتحولات العقيدة الأمنية الإسرائيلية بعد حربَيْ غزة ولبنان، بما تفاقمه الأخيرة من مركزية إسرائيل في واقع الإقليم، وتعزيز تأثيرها على الشأن الداخلي السوري تحديداً.

يرى رئيس المرحلة الانتقالية أحمد الشرع، ومعه وزير خارجيته أسعد الشيباني، أنه لا مناص من مهادنة الولايات المتحدة وإسرائيل لسنوات، وتجاهل عدوانهما على البلاد، وغضّ الطرف عن أطماعهما فيها، ريثما تُرفع العقوبات عن سوريا كشرط لازم للتمكين من إقامة سلطة فعّالة. هذه، باختصار، السياسة الخارجية الجديدة لدمشق، وقد ارتسمت معالمها جليّة في الأسابيع المتصرّمة، مسندةً من أنصارها بحجج «الواقعية» وانعدام الخيارات، في منحى مفارق لنموذجَيْ أفغانستان واليمن.

في الغضون، ثمّة انزياح في إسرائيل إلى تطوير عقيدة الأمن القومي، ومن ثم قلب هرمها ليكون في رأسه «المنع الاستباقي» بدلاً من «الردع»، فيضاف «المنع» كركيزة خامسة إلى الركائز الأربع (الردع والإنذار والحسم والدفاع)، ويرث مركزية «الردع» في العقيدة. و«المنع» يختلف عن «المعركة بين الحروب» من حيث إنه بلا أسقف ولو اشترك معها في «الاستباقية». وعرّف البعض «المنع» بأنه القضاء على التهديد قبل أن يستحيل خطراً ماثلاً (أي ما يمكن تسميته «وأد المخاطر»).

وركيزة «المنع» اضطرت إسرائيلَ إليها عمليةُ السابع من أكتوبر، وتبلورت آلياتها التطبيقية مع وقف إطلاق النار في لبنان فغزة. وهذا ما يكمن وراء مجمل الأقوال والأفعال التصعيدية – ما بعد وقف إطلاق النار شمالاً وجنوباً – تُجاه غزة والضفة ولبنان وسوريا. بتعبير آخر، تسعى إسرائيل إلى متابعة الحرب، بغير وسائل، وعلى الساحات جميعها، تطبيقاً للعقيدة الجديدة، وفحصاً لفاعليتها وإمكانية استدامتها.

ويتلخّص ذلك المسار بجملة تكتيكات سردها رون بن يشاي، أمس، في صحيفة «يديعوت أحرونوت»، وهي التالية: إقامة منظومة دفاعية من ثلاثة مستويات، اثنان منها «داخل أرض العدو» وقوامها قواعد عسكرية ومناطق منزوعة السلاح، و«استحكامات وعوائق داخل إسرائيل».

وهو ما سيُعمل به عند المنطقة العازلة في غزة، وجنوب الليطاني انطلاقاً من النقاط الحدودية الخمس في لبنان، وعلى كامل الجنوب السوري.

ومن هنا، خرج تعقيب وزير الأمن، يسرائيل كاتس، على الضربات الجوية الأخيرة، بالقول: «لن نسمح يأن يتحوّل جنوب سوريا إلى جنوب لبنان». وهذا تصريحٌ، معطوفاً على تصريح وزير الخارجية، جدعون ساعر، عن أن «حكومة سوريا الجديدة هي جماعة إرهابية إسلامية من إدلب استولت على دمشق بالقوة»، لا يشي بأقل من إغلاق الأفق في وجه صفقة متوهّمة، يمنّي البعض النفس بها، حتى وإن فرّطت دمشق بالحقوق، مقدّمةً كل تنازل. كما أن توفّر فرصة استثنائية لتل أبيب في البيت الأبيض، عنوانها دونالد ترامب، الضارب عرض الجدار بأي وزن لثبات الجغرافيا السياسية في النظام الدولي، يزيد الإسرائيليين تشبّثاً بالعدوانية الشاملة إلى أقصى مدى من سياسات الاحتلال والتهجير والتوسّع والضم والتدخّل وضرب السيادة والتلاعب بالوحدة عبر الفتن والانقسامات.

وإزاء تلك الحملة العدوانية الصلفة واحتلال مئات الكيلومترات والتهديدات الصريحة لوحدة سوريا، لا بوادر لفرصة لسياسة المهادنة مع كل التعقيدات الماثلة، ولا مؤشرات إلى ثقة ستنعقد بين الأطراف، برغم أنه، وفق بن يشاي، ثمة نافذة تركها نتنياهو، عبر رسالة بعث بها إلى كل من دمشق وأنقرة، مفادها أن إسرائيل لا تنوي البقاء في الجنوب السوري إذا ما ضمنت ترتيبات أمنية مناسبة، والقصد منها تجريد المنطقة (المحافظات الثلاث: القنيطرة ودرعا والسويداء)، من السلاح ومنع وجود «جماعات جهادية» أو مطلق قوات عسكرية في هذا النطاق.

وأتت رسالة نتنياهو، والتي رافقها ضغط ناري عدواني، عشية زيارة الشرع إلى الأردن، في مسعى لإخضاع الحكم الانتقالي على ما يبدو، علماً أن الأخير، وبرغم حراجة وضعه وضعف إمكاناته، ليس لديه ما يضمن الاستقرار المنشود، ولا استمالة واشنطن من البوابة الإسرائيلية إذا ما قدّم الجنوب السوري كحاجز آمن للاحتلال.

وكاتس نفسه كان صريحاً في أن إسرائيل لن ترضى بأيّ قيامةٍ سورية – ولو قصر الوعيد على الجنوب السوري- حين قال: «كل محاولة للجيش السوري الجديد لبناء قدرات عسكرية في الجنوب ستقابل بالنار. لن يسمح الجيش الإسرائيلي لقوات معادية بالتمركز والوجود في المنطقة الأمنية جنوب سوريا، من هنا وحتى دمشق، وسنعمل ضد أي تهديد».

هكذا، يبدو رهان الحكم الجديد في دمشق على تفاهمات تركية – إسرائيلية أو «وساطة» أردنية مفترضة مع تل أبيب، كالمستجير بالرمضاء من النار؛ فإسرائيل عزمت أمرها على عدوان واسع يصل مداه إلى اللعب بوحدة البلاد والسيطرة على السكان ودعم حكم أمني ومدني محلي وإعاقة بناء قوة مركزية سياسية وعسكرية. وجميع هذه الأطماع والمخاطر على مستقبل سوريا، تتعدّى مخاوف أمنية حدودية للعدو من مساع لـ«حماس» و«الجهاد الإسلامي» لفتح جبهة ضد إسرائيل من سوريا، كما قال كاتس بالأمس، إلى محاولة تبديد الكيان السوري برمّته.

الاخبار

—————————————-

تفاصيل توغلات الاحتلال الإسرائيلي في الجنوب السوري/ رأفت أبازيد

27/2/2025

الجنوب السوري- توغلت قوات الاحتلال الإسرائيلي، مساء أمس الأربعاء، داخل الأراضي السورية بالتزامن مع استهداف عدة مواقع بالطائرات الحربية.

وصلت القوات الإسرائيلية برا عبر عشرات الآليات العسكرية إلى بلدة البكار في ريف درعا الغربي، ودخلت إلى ثكنة عسكرية تابعة للجيش السوري السابق، تُعرف بثكنة المجاحيد، حيث تم تفجير الأبنية الموجودة فيها.

وفي الوقت نفسه، توغلت مدرعات في بلدة جبا في الريف الأوسط لمحافظة القنيطرة، كما وصلت إلى بلدة عين البيضة شمال المحافظة، حيث قامت بتجريف الأشجار في محيطها قبل الانسحاب منها باتجاه الجولان المحتل.

اجتياح مستبعد

توغلت قوات الاحتلال الإسرائيلي منذ سقوط نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد في الجنوب السوري، ووصلت إلى عدة نقاط بارزة، منها جبل الشيخ وحرش جباثا الخشب والتلول الحمر في محافظة القنيطرة، بالإضافة إلى كتيبة الهاون بالقرب من بلدة عابدين في ريف درعا الغربي، حيث أقام الاحتلال نقاطا عسكرية ولا يزال متمركزا فيها حتى الآن.

كما شهدت مناطق متقدمة توغلات لقوات الاحتلال لساعات ثم انسحبت منها، مثل منطقة حوض اليرموك غربي درعا، حيث وصلت القوات إلى بلدات كويا وجملة ومعرية وعابدين.

تعليقا على ذلك، قال أحمد أبازيد الكاتب والمحلل السياسي للجزيرة نت إن هذا التوغل الأخير ليس بجديد، حيث كانت قوات الاحتلال تقوم سابقا بعمليات توغل في مناطق قريبة من الحدود مع الجولان المحتل وتنسحب منها بعد ساعات، ومع ذلك هناك نقاط تم التموضع بها عبر نقاط عسكرية لا تزال قائمة حتى الآن.

وأضاف أنه لا يرى أن الاحتلال لديه مشروع جدي لاجتياح بري للجنوب السوري لأنه سيواجه تجمعات سكنية كبيرة، حيث تتركز التوغلات حتى الآن غالبا في قرى ذات تعداد سكاني قليل جدا. وأشار إلى أن الاحتلال سيواجه معضلة إذا فكر في الوصول إلى مناطق ريف درعا التي تشهد كثافة سكانية، لذلك لا يعتقد بوجود أي خطة للتقدم البري.

تأثيرات سلبية

وحسب المحلل أبازيد، هناك تهديدات إسرائيلية بقصف مواقع وتجمعات عسكرية تابعة للدولة السورية، وفقا لتصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. وأكد أن القصف الجوي الذي شهدته المنطقة قبل يومين هو بمثابة رسالة بأن التهديد جدي، وليس لتنفيذ عملية اجتياح واسعة في الجنوب السوري.

وربط هذا القصف بالتزامن مع زيارة الرئيس السوري أحمد الشرع إلى عمّان، كنوع من الضغط على الجانبين، “لأن الأردن أيضا يواجه ضغوطا من الإدارة الأميركية للقبول بتهجير أهالي قطاع غزة إلى أراضيه”. واعتبر أن إسرائيل تسعى للحصول على ضمانات من دول إقليمية ذات علاقات جيدة معها.

وكان لهذه التوغلات تأثيرات سلبية كبيرة على المنطقة، ومن أبرزها السيطرة على مناطق زراعية تعود ملكيتها للأهالي في منطقة حوض اليرموك غربي درعا.

كما منعت قوات الاحتلال المزارعين من الوصول إلى أراضيهم في الوادي القريب من بلدة عابدين وكويا في ريف درعا الغربي لزراعتها، وهي مصدر رزقهم الوحيد. وبدأ كثير من سكان المنطقة بالتفكير في الخروج منها باتجاه مدينة درعا أو ريف دمشق خوفا من أي تطورات مفاجئة قد تشهدها المنطقة.

وتحدث معاوية الزعبي، وهو ناشط إعلامي وسياسي في درعا، للجزيرة نت عن أن القصف الإسرائيلي للأراضي السورية ليس بجديد، حيث شهدت السنوات الأخيرة عمليات قصف متكررة، وشهد الساحل السوري إنزالا جويا إسرائيليا قبل سقوط النظام المخلوع وتدمير نقطة عسكرية.

قلق إسرائيل

وبرأي المتحدث الزعبي، فإن التغيير السياسي الحاصل في سوريا أثار حفيظة إسرائيل، وأنها تحاول الاستفادة من الوضع الراهن، وقال إن “الوقت الحالي يحتاج إلى موقف واضح من الدولة السورية الجديدة واختيار حلفائها بشكل جيد، وخاصة العرب، لأنها في مرحلة تأسيس وتحتاج إلى دعم خارجي وداخلي لمواجهة أي محاولة تدخل بشأنها الداخلي”.

وأكد الزعبي “ضرورة العمل على تشكيل حكومة ذات خبرات ولديها وعي سياسي، وتعمل على التواصل مع الأطراف العربية الإقليمية لوقف تمادي إسرائيل داخل الأراضي السورية”. وتوقع أن تعود سوريا قريبا إلى دورها المحوري في المنطقة، وحذر من أن “تقسيمها سيكون له عواقب لا يحمد عقباها على دول أخرى وقد يؤدي إلى تدميرها”.

هذا وشهد الجنوب السوري، الاثنين الماضي، مظاهرات “لإيصال الصوت بأن الشعب السوري واحد، ويقف خلف القيادة الجديدة، ولن يسمح لأي دولة بالتدخل في شؤونها”، احتجاجا على تصريحات نتنياهو التي طالب فيها بنزع السلاح في المنطقة ومنع انتشار الجيش السوري الجديد فيها.

ورفع المتظاهرون لافتات وصفوا من خلالها تصريحات نتنياهو بـ”الفتنة ومحاولة خلق خلافات بين مكونات الشعب السوري”، كما أكدوا أنهم “على وعي كامل بأن الشعب السوري محب لبعضه، ولن يستطيع أحد التفريق بينهم، في الوقت الذي يتطلعون فيه إلى دولة سورية جديدة تحترم حقوقهم بعد سنوات من الذل والقمع في ظل حكم عائلة الأسد”.

المصدر : الجزيرة

——————————–

مشروع حماية الدروز”: حرب نتنياهو على الدولة السورية الجديدة/ شادي علاء الدين

2025.02.27

تسعى إسرائيل تحت قيادة بنيامين نتنياهو وفي خضم التحولات السياسية والعسكرية التي تشهدها سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد، إلى إعادة صياغة معادلات السطوة في الجنوب السوري عبر مشروع “حماية الدروز”، الذي يشكل في جوهره محاولة ممنهجة لإنشاء حزام أمني جديد داخل الأراضي السورية، على غرار ما حاولت إسرائيل فرضه في جنوبي لبنان خلال فترة الاحتلال عبر “جيش أنطوان لحد”.

تمتد المناطق التي يشملها مشروع نتنياهو من الجولان المحتل إلى محافظة القنيطرة، ثم درعا والسويداء، وصولاً إلى جنوبي دمشق وريفها. هذه الرقعة الجغرافية تمثل أهمية استراتيجية لإسرائيل لعدة أسباب، أولها أنها تشكل حاجزاً طبيعياً أمام أي امتداد عسكري سوري اتجاه الحدود، وثانيها أنها ترتبط مع شبكة طرق حيوية تربط سوريا بالأردن، مما يمنح إسرائيل قدرة على السيطرة على أهم المنافذ التجارية الأساسية لسوريا الجديدة، وثالثها أن هذه المناطق، بحكم طبيعتها الديمغرافية، تمكنها من اللعب على المخاوف الطائفية والمناطقية.

تمتلك إسرائيل خبرة واسعة في توظيف الأقليات الدينية والطائفية لمصلحتها، ولا تكتفي بتوظيف هذا المشروع في سوريا، بل تحاول تعميم نموذج “الحزام الأمني” على أكثر من جبهة.

ويستند المشروع الإسرائيلي في سوريا على فكرة الحماية الظاهرية للدروز، لكنه يهدف في عمقه إلى فرض واقع جديد.

تل أبيب تدرك أن نجاحها في إقامة حزام أمني في جنوبي سوريا سيوفر لها ثلاث فوائد أساسية: الأولى هي ضرب سلطة الدولة السورية الجديدة، عبر منعها من بسط سيادتها على كامل أراضيها، والثانية هي تأمين حدودها مع سوريا بأقل كلفة عسكرية ممكنة، من خلال الاعتماد على قوات محلية بديلة، والثالثة هي تعزيز نفوذها الإقليمي عبر فرض معادلات ميدانية تفرض لاحقاً على المجتمع الدولي التعامل معها كأمر واقع.

الرفض الشعبي لهذا المشروع في الجنوب السوري كان واضحاً منذ اللحظة الأولى. الدروز، الذين عانوا من تهميش كبير من قبل النظام السوري الأسدي لا يرون في إسرائيل خياراً يمكن الوثوق به. معظم القوى الدرزية، رغم خلافاتها الداخلية، تدرك أن الانخراط في المشروع الإسرائيلي سيضعها في مواجهة مباشرة مع باقي المكونات السورية، وسيفتح الباب أمام صراعات دموية.

الرفض الشعبي لا يعني أن إسرائيل ستتراجع عن مشروعها بسهولة. حكومة نتنياهو تراهن على أمرين: الأول هو الضغط الاقتصادي، حيث تعيش مناطق الجنوب السوري أوضاعاً صعبة والثاني هو التحركات السياسية، حيث قد تحاول فرض واقع مستجد من خلال دعم شخصيات درزية موالية لها، والسعي إلى تقديمها كبديل عن القيادة التقليدية للدروز.

الدولة السورية الجديدة بقيادة أحمد الشرع التي تحاول إنشاء بنية مؤسساتية محكمة كانت الحرب قد دمرتها، تدرك أن إبداء أي تساهل مع المشروع الإسرائيلي سيفقدها السيطرة على الجنوب نهائياً، لكن في الوقت ذاته، فإن قدرتها على المواجهة العسكرية المباشرة محدودة، نظراً للضغوط الاقتصادية والدولية التي تواجهها. السيناريو الأكثر ترجيحاً هو أن تعمل دمشق على تعزيز وجودها غير المباشر في الجنوب، عبر استقطاب الفصائل المحلية، ومحاولة بناء تحالفات مع القوى البارزة الرافضة للمشروع الإسرائيلي والضغط من خلال المسارات الدولية والإقليمية.

ولا يتوقع أن تنظر الولايات المتحدة تحت ظل إدارة ترمب بعين الرضا الكاملة إلى مثل هذا المشروع، لأنها تسعى إلى الإنهاء السريع للصراعات المندلعة في المنطقة للتفرغ للعناوين الأكثر أهمية بالنسبة لها، والمتعلقة بفرض سطوة تكنولوجية اقتصادية على العالم. وتاليا فإن المشروع الإسرائيلي بما يتوقع أن يستجره من توترات وصراعات مفتوحة ومستمرة لا ينسجم في آفاقه المتوقعة مع المسار الأميركي، لذا قد تجد حكومة نتنياهو صعوبة في إقناع الحكم الأميركي الجديد بدعمه.

إسرائيل، وفي حال السير بخطوات تنفيذية، ستخوض هذه المغامرة بمفردها في مواجهات تكتلات من المصالح الدولية والإقليمية والمحلية التي تتعارض معها بدرجات متفاوتة من الشدة.

وتتصدر روسيا قائمة الدول المتضررة من طموحات إسرائيل في الجنوب السوري وهي دولة لا تزال تمتلك نفوذا كبيرا وفاعلا في سوريا، ويرجح أن يزداد مع حسم الحرب الأوكرانية لصالحها عبر مفاوضات لا يمتلك فيها الطرف الأوكراني عناصر قوة في ظل انكفاء الدعم الأميركي.

إيران من جهتها قد تجد في هذا المشروع فرصة لإعادة تعزيز نفوذها المتهالك، عبر تفعيل عنوان مواجهة المخططات الإسرائيلية، مما قد يفتح الباب أمام صراع جديد بالوكالة بين طهران التي تسعى للدفاع عن حضورها في سوريا، وإسرائيل التي تبذل جهودا كبيرة في محاولات تصفية الوجود الإيراني في دمشق ومحاولات تهريب السلاح إلى حزب الله في لبنان.

وكذلك فإن فكرة فرض المشروع بالقوة العسكرية دونه محاذير كثيرة فالواقع السوري الجديد لا يتطابق مع الظروف الفلسطينية واللبنانية لناحية فرض واقع جديد عبر النار، لأن نتنياهو لن يجد نفسه في مواجهة سلطة محلية وحسب، ولكنه سيدخل في مواجهة مع شبكات مصالح كبرى ترعاها دول وازنة.

من هنا فإن مشروع “حماية الدروز” الذي يروج له نتنياهو يهدف إلى فرض واقع إسرائيلي جديد في سوريا، و في لبنان أيضاً، عبر إنشاء أحزمة أمنية تخدم مصالح إسرائيل على المدى الطويل. لكن هذه الاستراتيجية، تحمل في طياتها مخاطر كبيرة إذ إنها قد تؤدي إلى تقسيم المنطقة وتفتيتها وتعطيل مشاريع السلام كما ستعطي حجة متينة لنشوء أنواع جديدة من الاعتراض المسلح على الوجود الإسرائيلي يرجح أن تكون أكثر راديكالية وتشددا.

كل ذلك من شأنه أن يخلق واقعاً متفجرا تصعب السيطرة عليه وإدارته في مواجهة معادلات سلطة سورية جديدة تطرح عنوان وحدة الأراضي السورية كعنوان عام لشرعيتها، ومشاريع عربية تطرح الحلول العادلة للقضية الفلسطينية وضبط الأوضاع في لبنان والمنطقة عموما كشروط أساسية للسير في عملية السلام.

تلفزيون سوريا

—————————

خيارات دمشق للتعامل مع الخطط الإسرائيلية؟/ عدنان علي

2025.02.26

تكشف تصريحات رئيس وزراء دولة الاحتلال نتنياهو ووزير دفاعه كاتس بأن إسرائيل ستحتفظ بوجودها العسكري في المناطق التي احتلتها داخل سوريا، وستمنع دخول الجيش السوري الجديد إلى محافظات القنيطرة ودرعا والسويداء، بعض ملامح المخطط الإسرائيلي حيال سوريا.

والواقع أن العقيدة الإسرائيلية، وهي قديمة لكنها تبلورت بعد حرب غزة، تقوم على العمل الوقائي الاستراتيجي، بمعنى التعامل مع الأخطار التي تهدد إسرائيل حتى بعد عقود، والتأسيس لوقائع جديدة تجهض هذه المخاطر.

وترجمة ذلك على الأرض، أن على إسرائيل احتلال مناطق من دول الجوار بذريعة حماية أمنها على المدى الطويل، سواء في سوريا أم لبنان أم غزة وغيرها، حالما تتاح لها فرصة. وترى إسرائيل إن الفرصة مواتية اليوم في سوريا لتطبيق هذه الخطط، بسبب المرحلة الانتقالية التي تمر بها، وضعف الحكومة في دمشق.

تقسيم سوريا

وطبعاً تحت هذه الذرائع الأمنية، ستعمل إسرائيل في مراحل لاحقة على دعم انفصال هذه المناطق عن سوريا، ووضعها تحت الحماية الإسرائيلية، وصولاً إلى اقتناص اللحظة المناسبة لضمها لإسرائيل.

ووفق مصادر عدة، فإن إسرائيل تعول على بعض القوى ذات النفس الانفصالي في جنوب البلاد وشمالها الشرقي، حيث جرى مؤخرا الإعلان عما سمي “المجلس العسكري” الذي ينشط في بعض مناطق ريف السويداء الجنوبي، ويقوده المدعو طارق الشوفي، وهو ضابط منشق عن قوات الأسد، عمل مع تجمعات سياسية تطالب بنظام حكم لا مركزي في سوريا، ولديه تنسيق مع قوات “قسد” في شمال شرقي البلاد. ويبدو أن تصريح نتنياهو “لن نسمح لأي تهديد على الطائفة الدرزية في جنوب سوريا”، كان يستهدف تقديم رسالة دعم لمثل هذه القوى، على خلفية امتداد الطائفة داخل الأراضي المحتلة. كما تحاول قوات الاحتلال أيضاً منذ فترة مد جسور مع الأهالي في المناطق الحدودية خلال توغلاتها المتكررة عن طريق عرض تقديم مساعدات، وهو ما لاقى رفضاً شعبياً كبيراً.

العلاقة بين إسرائيل وقسد

وبالنسبة لقوات “قسد”، تشير صحف إسرائيلية إلى أن مسؤولين كباراً في “قسد” طلبوا المساعدة من إسرائيل بسبب شعورهم بتهديد مستقبل حكمهم بعد الإطاحة بنظام الأسد. وترى قسد أن العلاقة مع إسرائيل فرصة استراتيجية تُتيح لها الحصول على دعم سياسي وربما عسكري من دولة فاعلة في المنطقة، ولها علاقات خاصة مع حليفها الأميركي، في مواجهة الضغوط المستمرة من تركيا والفصائل السورية. وفي المقابل، تحاول إسرائيل أن يكون له موطئ قدم في سوريا عبر الذرائع الأمنية وتحت حجة حماية الأقليات، بينما هدفها الحقيقي تقسيم سوريا عرقياً وإثنياً، مع حرمانها من الموارد النفطية والغازية، إضافة إلى العمل ضد المصالح التركية خاصة في ظل التوترات المستمرة بين الجانبين.

غير أن تطور العلاقة بين الطرفين، وخروجها للعلن، محفوف بالمخاطر بالنسبة لقسد لأن من شأن ذلك أن يثير عليها نقمة شعبية محلية عربية وحتى كردية، إضافة الى استفزاز تركيا التي قد تصعد استهدافها لقسد، وهو ما قد يدفع واشنطن إلى فرملة العلاقة بين الجانبين، أو على الأقل عدم ظهورها للعلن.

الخيارات المتاحة

فضلا عن التوغلات شبه اليومية، وعمليات القصف، تشير صور أقمار صناعية إلى إنشاء جيش الاحتلال سبع قواعد عسكرية داخل المنطقة العازلة في سوريا، عند الحدود مع الجولان المحتل، إضافة الى منطقتين على سفوح جبل حرمون.

ويرى البعض، أن الإدارة الجديدة في دمشق لم تتعامل بالجدية الكافية مع هذه المخاطر الإسرائيلية، واستكانت لوهم أن إبداء النية الحسنة تجاه إسرائيل يكفي لاتقاء شرها، في حين أن إسرائيل تعمل وفق حساباتها الخاصة على المدى البعيد، ولا تلتفت لأية مبادرات ودية قادمة من دمشق.

ومن هنا، يصح القول أن على الإدارة في دمشق تصعيد اهتمامها بما يجري على الحدود مع فلسطين المحتلة سياسياً وأمنياً وديمغرافياً من خلال حشد الموقف الإقليمي (التركي خصوصاً) والدولي، ومن خلال إرسال تعزيزات الى تلك المناطق، ودعم صمود السكان المحليين وتبديد إحساسهم بأنهم متروكون وحدهم في مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية. كما يجب على القوى الوطنية في محافظتي السويداء ودرعا، وهم الغالبية، الانخراط الفوري في الجيش السوري الوليد، وفي الدولة السورية، وتأكيد استعدادهم لقتال أي جيش محتل مع بقية إخوتهم في الوطن.

 أما الإدارة في دمشق، فيمكن تفهم موقفها المتمثل في محاولة عدم التصادم مع جيش الاحتلال في ظل الاختلال بموازين القوى، وفي وقت تنهمك فيه بترتيب الوضع الداخلي الصعب في البلاد، لكن البعض يرى أن الإدارة لا تقوم بكل ما يمكنها القيام به بعيداً عن المواجهة العسكرية، مثل تعزيز وجودها الأمني والإداري والخدمي في كل مناطق محافظة القنيطرة، والمساندة المادية والمعنوية والسياسية للسكان المحليين، بغية تصعيب الوضع أمام التوغلات الإسرائيلية التي تتم اليوم بكل سهولة وفي الوقت الذي تريده إسرائيل.

الخلل الديمغرافي في القنيطرة

وخلال جلسات الحوار الوطني الأخيرة، طالب بعض أهالي القنيطرة النازحين خارج محافظتهم ببناء مساكن لهم على أرض المحافظة بغية تعزيز الوجود السكاني فيها، بما يقطع الطريق على الأطماع الإسرائيلية في تلك المناطق التي تنظر للقنيطرة بوصفها منطقة شبه فارغة نظراً لقلة سكانها الحاليين، حيث لا يتجاوز عددهم اليوم 100 ألف نسمة.

والواقع أن حكم آل الأسد أسهم في جعل محافظة القنيطرة هشة ديمغرافياً من خلال تركها خالية تقريباً من السكان خلال العقود الخمسة الماضية، مع وجود أكثر من نصف مليون نازح من الجولان المحتل يعيشون في ظروف مزرية في محافظات دمشق وريفها ودرعا، بينما كان الأجدر إعادة إسكانهم بما هو محرر من محافظتهم، وهذا ما يجب أن تعمل عليه الحكومة الجديدة.

وكان تعداد سكان القنيطرة قبل احتلال إسرائيل أجزاء منها عام 1967 نحو 350 ألف نسمة، نحو 154 ألفاً منهم كانوا يقيمون في منطقة الجولان التي خضعت للاحتلال بالكامل، وجرى تهجير معظم سكانها، وقسم من سكان القنيطرة، وبقي في الجولان نحو 7 آلاف شخص في القرى “الدرزية” الخمس، وارتفع عددهم اليوم إلى نحو 20 ألفاً، في حين وصل عدد النازحين من الجولان والقنيطرة إلى نحو 600 ألف شخص، موزعين اليوم على محافظات درعا وريف دمشق والقنيطرة، وما زال بعضهم يعيش في مخيمات. وقد استعادت سوريا مساحة 60 كيلومتراً مربعاً تضم مدينة القنيطرة وجوارها وقرية الرفيد في إطار اتفاقية “فض الاشتباك” عام 1974، وعاد إلى هذا الجزء بعض سكانه، باستثناء مدينة القنيطرة التي ما زالت مدمرة.

ورغم أن سياسات المواجهة مع إسرائيل، ترتبط في الوعي الشعبي السوري بسياسات النظام السابق، وتحالفاته مع إيران، وليس لها تالياً رصيد شعبي كبير، غير أنه ينبغي التمييز بين متاجرة نظام الأسد بشعارات المقاومة، والخطر الإسرائيلي الذي هو حقيقة ماثلة، لا ينفع معها دفن الرأس في الرمال، بل لا بد من بلورة سياسة أمنية وعسكرية وسياسية وخدمية متكاملة للتعامل الفعال مع هذه التهديدات.

تلفزيون سوريا

—————————-

ترتيبات أمنية.. من أوكرانيا إلى الشرق الأوسط/ صهيب جوهر

2025.02.27

لم يستطع حزب الله رغم كل الاستعراضات الجماهيرية في الشارع يوم تشييع أمينه العام حسن نصر الله، في توجيه أية رسالة مهمة من خلال الحشود الشعبية الكبيرة التي حضرت، والتي أرادها الحزب استفتاء شعبياً لفرضها كوقائع سياسية في الداخل في ظل الانكسارات التي تعرض لها خلال الأشهر الماضية على المستويين العسكري والأمني، لكن ثمة رسائل أخرى تحمل أبعاداً أكبر ظهرت في التشييع. وأبرز تلك الرسائل جاءت من خلال التواجد الإيراني الرفيع، والتي سرعان ما رد عليها الإسرائيلي بخرقه الأجواء فوق الحشود.

فيما تابعت القوى الإقليمية المتعددة الحضور الإيراني رسالة إيرانية مفادها أن الحرب الإسرائيلية وسقوط النظام السوري لم تنجحا في إخراج إيران من اللعبة اللبنانية، وأن الحضور الإيراني متجذر في لبنان بانتظار تطورات جديدة تسمح له بإعادة ترميم القوة ومراكمتها من جديد، فيما كل التطورات الجنوبية تعطي مؤشرات لموقف إسرائيلي مفاده أنه لا عودة عسكرية لما قبل 17 أيلول 2023.

فرئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، وعلى الرغم من وقف إطلاق النار إن في لبنان أو حتى في قطاع غزة، لا يزال يرسل الإشارات إلى أن المشروع الذي يحمله للمنطقة، لا يزال مستمراً، خصوصاً أن عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض أعطت دفعاً قوياً لطموحات الرجل، خصوصاً بعدما ظهرت التوافقات بين الرجلين خلال الزيارة الأخيرة لنتنياهو إلى الولايات المتحدة.

وإذا كانت حرب غزة قد فتحت الباب أمام حرب لبنان وسقوط نظام بشار الأسد والاندفاع في اتجاه تغيير المعادلة والتوازن في المنطقة، فإن حرب أوكرانيا فتحت بدورها شهية ترامب لإنجاز تغييرات كبرى ستطول العلاقة مع روسيا والركائز التي قامت عليها العلاقة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة الأميركية ودول الاتحاد الأوروبي.

فيما أفصح ترامب ونائبه عن الأهداف التي يسعى إليها البيت الأبيض. فخلال مؤتمر ميونخ للأمن، وجه نائب الرئيس الأميركي جي دي فانس انتقادات لاذعة وقاسية للقادة الأوروبيين بسبب سياستهم حول الهجرة والرقابة القائمة على المعارضة السياسية، والمقصود هنا التضييق القائم على أحزاب اليمين المتطرف، مؤكداً أن واشنطن ستعيد تقييم وجودها العسكري في ألمانيا، وبالتالي تعديل الالتزامات الدفاعية الأميركية، وألمانيا التي تستضيف نحو 35 ألف جندي أميركي ضمن ما يُعرف بالتزامات أمنية أميركية بدأ العمل بها منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية في إطار استراتيجية الردع لمواجهة روسيا، ستضع ألمانيا أمام تحديات وجودية.

وكلام فانس يؤشر إلى أن حقيقة الخلاف مع دول أوروبا الغربية ليس اقتصادياً واجتماعياً كما يظهر، بل سياسي. ويبدو أن التغيير السياسي في الدول الأوروبية بدأت بوادره بالظهور. فأولى مؤشرات الاندفاعة الأميركية مع ترامب أظهرت تقدماً واضحاً لليمين المتطرف في الانتخابات البرلمانية، وهو ما يعني خطورة سياسية ليس فقط في ألمانيا، بل لكل النظام السياسي القائم في دول الاتحاد الأوروبي.

وأهمية الحاصل هو أنه يأتي عقب اتفاق مبهم تم بين ترامب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين لإغلاق الحرب في أوكرانيا. والأهم أن كل المؤشرات توحي أن بوتين يسعى لتعديل الواقع الجيوسياسي لدول أوروبا، عبر تمتين علاقاته مع كل القوى والأحزاب والتيارات اليمينية في أوروبا، وبدا ترامب وكأنه يميل إلى نسف القواعد القائمة على المستوى الدولي، واستبدالها بتحولات استراتيجية جديدة تقوم على تطرف في الليبرالية الاجتماعية، وهو يعتقد أن روسيا بقيادة بوتين قادرة على أن تساعد في مشروع إعادة تشكيل أوروبا والشرق الأوسط والتنسيق معاً لاحتواء التمدد الصيني.

وزار وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف طهران. وتأتي هذه الزيارة في خضم التقارب الحاصل بين واشنطن وموسكو، ما يدفع الإيرانيون للتوجس، في ظل الخشية من أن يؤدي هذا التقارب الأميركي ـ الروسي إلى انعكاسات سلبية على التعاون الاستراتيجي بين روسيا وإيران في الملفات العالقة، ولا بد أن تكون القيادة الإيرانية التي تستعد لمواجهة حملة الضغوط القصوى لترامب، قد ربطت بين وضع إدارة ترامب الأولوية لإنهاء حرب أوكرانيا وإنجاز التفاهمات مع بوتين وترك الملف الإيراني للمرحلة الثانية. ما يعني أن المنطقة ستكون إحدى ركائز التفاهمات الروسية – الأميركية في المرحلة التالية.

لذا كل ما يجري بات يؤشر إلى وجود تفاهمات كبيرة ستطول كل المنطقة، والتي تساهم فيها موسكو في إطار تفاهمات دولية أكبر، لذا لا بد للنظام الإيراني المتخلخل من قراءة المشهد كله بترو، على الرغم من أن المؤشرات الصادرة عن إدارة ترامب تحرص على عدم المس بالنظام القائم في إيران، لكن المتفق عليه هو إنهاء النفوذ الإيراني في المنطقة وإبعاد حزب الله وحلفائه عن الحوض الشرقي للبحر المتوسط وعن مياه الخليج والممرات المائية للتجارة العالمية.

من هنا يمكن تحليل الأداء الإيراني الناعم مع التطورات، وخاصة بعد توقف الحوثيين عن استهداف الممرات البحرية خلال الأسابيع الماضية، وفي لبنان عمد حزب الله إلى إعطاء حكومة نواف سلام الثقة، وهذا ما يفسر عدم حصول تداعيات سياسية بعد أزمة الطائرات الإيرانية، والأهم كانت كلمة الأمين العام للحزب نعيم قاسم، الذي أعلن تمسك الحزب إياه بسقف الدولة واتفاق الطائف والانتقال للمقاومة في السياسة والإعمار.

والأهم هي مرحلة ما بعد الثقة، والمتعلقة بزيارات سيجريها رئيس الجمهورية جوزيف عون إلى السعودية وقطر وسوريا، وعلى الرغم من أن حسابات سياسية لا تزال مفتوحة. فالسعودية لم ترسل بعد أي إشارات توحي بأنها ستدعم مشروع إعادة الإعمار أو أي مشروع آخر متعلق بانتظام الوضع السياسي اللبناني، والتلويح عبر مصادرها المستمرة أنها تحتاج إلى سلوك حكومي جديد يحاكي المطلب المرفوع والقاضي بخروج النفوذ الإيراني من لبنان، وخاصة بعد انهيار حكم الأسد في سوريا.

والحكومة الجديدة والتي لم تبد أي إيجابية بالتعاطي مع دول إقليمية وعربية أخرى، تراقب الضغوط الحاصلة لإتمام الانسحاب الإسرائيلي من التلال الخمسة المشرفة على كل الجنوب، فيما تربط الإدارة الأميركية هذا الوجود بقيام الجيش اللبناني بتفكيك كل البنية العسكرية لحزب الله على امتداد شمال وجنوب الليطاني، لإعطاء جو أمني يدفع المستوطنين للعودة بفترة قليلة.

تلفزيون سوريا

—————————

=================

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى