كيف انفجر الوضع من جرمانا إلى الإقليم: حديث عن تمرُّد مسلح في سوريا يؤجج الصراع على مركز القرار الدرزي في المنطقة/ عروة خليفة، رشا النداف

article
06-03-2025
شهدت جرمانا يوم الجمعة الفائت أحداثاً بدأت بخلافاتٍ شخصية وانتهت إلى تفجير توتّرٍ في كامل الإقليم، حيث ساعدت الحادثة على ظهور توتّراتٍ سابقة إلى السطح، تشمل صراعاً على النفوذ في مناطق الدروز ضمن سوريا وفي المنطقة، كما كانت فرصةً مثاليةً بالنسبة لإسرائيل كي تًغذّي تصريحاتها حول «الحاجة لحماية الدروز في سوريا».
يوم الجمعة الماضي 28 شباط (فبراير)، ونتيجة تصاعد الخلاف في المدينة، اضطر وجهاء ومشايخ من جرمانا، ومن ثمّ وجهاء وزعماء مجموعات عسكرية محلية من السويداء، إلى إصدار مواقف علنية، في محاولةٍ لتهدئة الاحتقان في المدينة، والذي عزّزته تصريحاتٌ إسرائيلية عن عزم دولة الاحتلال «التحرّك لحماية الدروز» في المدينة الملاصقة لدمشق، والتي ينتمي غالبية سكّانها الأصليين إلى الطائفة الدرزية، مع حضورٍ واسعٍ لأبناء مناطق وطوائف أخرى في واحدةٍ من أكثر المناطق اكتظاظاً في محيط العاصمة السورية.
حاولت المرجعيات الدرزية في المدينة التأكيد فوراً على رفضها للبيانات الإسرائيلية، كما قال ربيع منذر، الناطق باسم مجموعة مدنية تُعرّف عن نفسها باسم «مجموعة العمل الأهلي في جرمانا»، في حديثٍ مع الجمهورية.نت قبل أيام، كما زار سليمان عبد الباقي وليث البلعوس وآخرون كممثلين عن بعض فصائل السويداء العسكرية، الرئيسَ السوري خلال المرحلة الانتقالية أحمد الشرع لـ«نقاش التطورات المتسارعة مع إسرائيل والتأكيد على تمسّك أبناء الجبل بوحدة الأراضي السورية ورفض أي تدخل خارجي». في المقابل، أشارت مصادر من السويداء إلى أنّ هذا التصعيد جاء نتيجة تصاعد الحديث عن تواصلٍ لبعض الأطراف في المحافظة مع إسرائيل، وهو ما اعتبرته تلك المصادر أمراً مرفوضاً بشكل قاطع.
لم يتوقّف الأمر عند الحدود السورية، إذ أدّى تفجّر الخلاف والدخول الإسرائيلي على هذا الخط إلى تفعيل إنذاراتٍ كثيرة في المختارة، مقرّ الزعيم الدرزي اللبناني والرئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، حيث أُعلِن يوم الإثنين الفائت عن اجتماعٍ طارئ للمجلس المذهبي الدرزي في لبنان، وخرج منه جنبلاط بتصريحاتٍ تتّهم شيخ العقل لطائفة الموحدين الدروز في إسرائيل موفق طريف بمحاولة احتكار تمثيل الدروز في المنطقة بدعمٍ من الصهيونية، وحذّر وليد جنبلاط من أنّ هذه اللحظة أخطر من السابع عشر من أيار، في إشارةٍ إلى الاتفاق الذي وصل إليه الرئيس اللبناني الأسبق أمين الجميل مع الإسرائيليين عام 1983، بعيد غزوهم لبنان وإخراج منظمة التحرير منه في عام 1982. وخصّ جنبلاط في حديثه لبنان وسوريا، مُستثنياً الدروز في فلسطين. وتشير أدلّةٌ إلى أنّ الذي استدعى استنفار جنبلاط في لبنان «أكبر» من مجرد تصريحاتٍ أدلى بها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مؤخراً بخصوص الدروز في سوريا.
من جهته، كان الشيخ موفق طريف قد أجرى مجموعةً من اللقاءات في العاصمة الأميركية واشنطن في الثالث عشر من شهر كانون الثاني (يناير) بداية هذا العام، ركّزت على أوضاع الدروز في سوريا بعد سقوط نظام الأسد. وقال طريف للصحفيين هناك: «إنّ حالة عدم اليقين في جنوب سوريا تتطلّبُ مشاركةً ومراقبةً دولية. لا يمكن تحقيق الاستقرار في سوريا دون ضمان استقرار وحقوق المجتمعات الدرزية التاريخية»، وذلك بحسب ما نقلته وسائل إعلام إسرائيلية.
وأجرى طريف بداية شهر آذار (مارس) الجاري زيارةً ثانيةً إلى واشنطن من أجل حضور أعمال مؤتمرٍ تنظّمه مجموعة ADL التي تنشط في قضايا محاربة معاداة السامية، وألقى خطاباً في الحدث إلى جانب آخرين من بينهم وزير الدفاع الإسرائيلي السابق يوآف غالانت.
لكن ما يقف فعلياً وراء تصاعد الخلافات الدرزية والتوترات بين أبرز الفاعلين السياسيين والدينيين الدروز، والتي لم تكن جديدةً غير أنها ظهرت إلى العلن، هو حدثٌ جرى في العاصمة الأميركية واشنطن بداية شهر شباط (فبراير) الماضي، ويبدو أنّه تسرّب مؤخّراً إلى الدوائر السياسية في المنطقة.
علمت الجمهورية.نت بأنّ خلدون الهجري، قريب الزعيم الديني في السويداء حكمت الهجري وممثّله في الخارج، التقى مسؤولين أميركيين في واشنطن خلال شهر شباط (فبراير) الماضي بصفته «ممثّلاً سياسياً للشيخ حكمت الهجري»، وعرضَ عليهم خطةً لتنفيذ تمرّدٍ مسلّح على حكومة أحمد الشرع، تقوده قواتٌ مرتبطةٌ بحكمت الهجري من السويداء، وبمشاركةٍ من قوات سوريا الديمقراطية في شرق سوريا ومجموعاتٍ علوية من الساحل السوري، وبدعمٍ إسرائيلي، بحسب ما قال خلدون الهجري في تلك الاجتماعات.
وتحدّثت الجمهورية.نت مع خمسة مصادر سورية وأميركية، بعضها كان مُطّلعاً على تفاصيل الاجتماعات بشكلٍ مباشر، وبعضها عَلِمَ من خلال الدوائر المُقرّبة من الشيخ حكمت الهجري بتفاصيل الخطة التي عرضها خلدون الهجري، والتي لم تحظَ بموافقةٍ رسميةٍ من الولايات المتحدة حتى اللحظة، وفق ما أفادت به مصادر مُطلعة تحدّثت إليها الجمهورية.نت.
لم يوضح خلدون الهجري خلال حديثه في الاجتماعات مَن هي تلك المجموعات التي تساندهم في الساحل ومدى جاهزيتها، كما لم يكن هناك أيُّ دليلٍ على وجود موافقةٍ نهائيةٍ من قوات سوريا الديمقراطية ولا على خطّةٍ تفصيليةٍ حول ما استعمل خلدون الهجري كلمة «انقلاب» لوصفه.
وتواصلت الجمهورية.نت مع مستشارين لدى الشيخ حكمت الهجري للحصول على تعليقٍ حول هذه المعلومات، وتمّ توجيهنا للتواصل مع خلدون الهجري بشكلٍ مباشرٍ كونه الشخص المعنيُّ بالموضوع، وردّاً على المعلومات التي عرضناها قال خلدون الهجري للجمهورية.نت: «هذا أمرٌ طبيعيٌّ في السياسة. كل المواضيع قابلةٌ للطرح والنقاش». وأضاف في حديثه: «ولكن في الموضوع العسكري تحديداً، كان طرح إحدى الدول وليس طرح أحد المكونات السورية، ونحن طلبنا معرفة رأي الإدارة الأميركية في هذا الخصوص، وهل هي داعمةٌ لهكذا أمر. وبالمجمل متوافقون مع الإدارة الأميركية في الرؤية حول إعطاء فسحةٍ للدبلوماسية والحوار، إذ لا يمكن القول إنّ كل الاعضاء في الإدارة الانتقالية صالحين، ولا يمكن القول عكس ذلك. ولكنّ التعنّت في اتخاذ رؤية أو قرار حول عدة تفاصيل يُعيدنا إلى الحقبة الماضية». وأكد خلدون الهجري في حديثه مع الجمهورية.نت على أنّه «لا يوجد أي تنسيق مع الأطراف السورية نحو حلول عسكرية في المرحلة الحالية، وإنما التوجّه فقط نحو الدبلوماسية والحوار لإنتاج حكومةٍ تشاركية وطنية ودستورٍ عصري يضمن حقوق وأمان جميع المكونات السورية، دون إقصاء وبأقصى سرعةٍ ممكنة، وذلك قبل تفاقم الوضع إلى ما لا تحمد عقباه».
ويمثّل خلدون الهجري المقيم حالياً في الولايات المتحدة الشيخَ حكمت الهجري خارجياً، وسبق له إجراء محادثاتٍ ولقاءاتٍ باعتباره «الممثّل الخارجي للشيخ حكمت الهجري»، تحديداً بعد انطلاق الاحتجاجات في السويداء ضد نظام الأسد البائد ووقوف الشيخ حكمت الهجري العلني إلى جانبها.
من جهةٍ أخرى، أصدر ثائر منصور الأطرش، وهو حفيد سلطان باشا الأطرش، بياناً أول أمس الثلاثاء قال فيه: «لا تزال مخططات التفريق قائمة، وجاهزة في الأدراج، وتخرج منها عند الحاجة، وأداةُ تنفيذِ تلك المشاريع هو الكيان الصهيوني». وأضاف المهندس ثائر الأطرش، عضو تجمّع النداء الوطني الجامع في بيانه: «كما كان أهلنا على مدار تاريخ هذه المنطقة السيفَ المُدافعَ عن وحدة سورية، لن نقبل اليوم أن نكون الخنجر الذي يطعنها في خاصرتها. ونحن ندرك ذلك من موقع التأكيد على حقيقةٍ تاريخيةٍ ثابتة، وكلُّ صوتٍ مُغايرٍ لذلك لا يُمثّل إلا نفسه».
وبحسب المصادر التي فضّلت عدم الكشف عن هويتها بسبب «حساسية الموضوع» كما وصفت، فقد أجرى خلدون الهجري لقاءاتٍ مع أعضاء كونغرس ومسؤولين أميركيين، وذلك بعد أيامٍ من زيارةٍ أجراها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى واشنطن في الثاني من شباط (فبراير)، حيث عرض نتنياهو خلال الزيارة «ورقةً بيضاء» إسرائيلية حول سوريا، وكانت وكالة رويترز قد نشرت تقريراً أكّدت فيه تقديم تل أبيب لتلك الورقة التي تنظر إلى التحالف السوري التركي كتهديدٍ لأمنها القومي.
مصادر في واشنطن قالت للجمهورية.نت إنّ مسؤولين إسرائيليين قالوا بشكلٍ صريح للإدارة الأميركية إن حكومة الشرع المتطرفة بحسب وصفهم، وبتحالفها مع تركيا، ستكون بصدد تشكيل جيشٍ يحارب إسرائيل خلال عشرين عاماً من الآن، وهو ما يُعدُّ التهديدَ الأبرز على أمن إسرائيل القومي في المنطقة.
في ما يخص قوات سوريا الديمقراطية، وهي قواتٌ عسكرية يسيطر على القرار فيها حزب الاتحاد الديمقراطي PYD، فقد قال مسؤولٌ عسكريٌّ فيها، وبالتوازي مع الاتصالات التي أجراها خلدون الهجري بداية الشهر الفائت، لقناة روداو إنّ قوات سوريا الديمقراطية «تحظى بقبول السويداء والساحل السوري». وأضاف محمود حبيب، الناطق باسم قوات الشمال الديمقراطي المنضوية في قوات سوريا الديمقراطية خلال حديثه للقناة التي تبث من إقليم كردستان العراق: «لدى كثيرٍ من الطوائف والإثنيات في سوريا ترحيبٌ بقوات سوريا الديمقراطية، وهي مقبولةٌ أكثر وتستطيعُ فرض السلم والأمن بدون عنف وبدون تمييز».
وطلبت الجمهورية.نت تعليقاً من مجلس سوريا الديمقراطية حول المعلومات التي حصلت عليها وحول ورود اسمها في المسألة، ولكنّنا لم نحصل على إجابةٍ حتى لحظة نشر هذا التقرير.
وفي اتصالٍ مع خضر الغضبان، القيادي في الحزب التقدمي الاشتراكي اللبناني الذي يترأسه تيمور جنبلاط، نجل الزعيم السياسي الدرزي وليد جنبلاط، أشار إلى أنّ الاجتماع الاستثنائي للمجلس المذهبي الدرزي عُقِد في سياق التصريحات الإسرائيلية، باعتبارها تُشكّل «عناوين عريضة لا يُمكن السماح بمرورها مرور الكرام». وأضاف الغضبان في حديثه مع الجمهورية.نت: «نتمنّى على قسد (قوات سوريا الديمقراطية) عدم التدخل في شؤون السويداء الداخلية، وأن تُبقي العلاقةَ مع مكونات سوريا ضمن إطار الدولة الموحدة»، مؤكداً على أنّ «أيّ سعيٍ لتشكيل ما يسمى تحالف الأقليات لا يصبُّ في مصلحة أحد». واعتبر الغضبان أنّ هذا «مخططٌ سعى إليه حافظ الأسد سابقاً وتصدّى له كمال جنبلاط، وهو سببُ الخلاف الرئيسي بين كمال جنبلاط وحافظ الأسد، والذي أدى إلى اغتياله».
وأشار الغضبان في حديثه مع الجمهورية.نت إلى أنّ «هذا التحالف يصبُّ في مصلحة إسرائيل التي تهدف إلى تحويل الدول المحيطة بها إلى كياناتٍ مذهبيةٍ وطائفية متناحرة فيما بينها، في حين أنه لن يصبّ في مصلحة السوريين عموماً وحتى الكرد أنفسهم»، موكّداً على «حقّ الأكراد في طلب ضماناتٍ لحقوقهم في سوريا».
ووجّه الغضبان رسالةً إلى شيخ عقل الطائفة الدرزية في إسرائيل موفق طريف عبر الجمهورية.نت، ردّاً على ادّعائه تمثيل دروز المنطقة، مؤكّداً على أنّ طريف «لم يكن يوماً حليفاً للدروز في لبنان ليكون اليوم حليفهم في سوريا». وقال الغضبان: «يريد الشيخ طريف اليوم تحويلَ الدروز من أصحاب أرض إلى حرس حدود. إذا كان هو يرتضي بذلك فنحن لن نرضى».
من جهته، قال سعود الأطرش، وهو حفيد سلطان باشا الأطرش، في حديثٍ مع الجمهورية.نت إنّ مسألة طلب دعم إسرائيل أمرٌ مرفوضٌ رفضاً قاطعاً: «بالنسبة لنا كأبناء جبل العرب ومحافظة السويداء، فهذه القصة حتماً مرفوضة، وغير مقبولة على الإطلاق». وأكّد سعود الأطرش على أنّ «أبناء جبل العرب عبّروا عن رفضهم لهذه الفكرة، وكانوا ضدَّ هذه الأصوات الداعية لأيِّ شكلٍ من أشكال التعاون مع إسرائيل».
كما علمت الجمهورية.نت بوجود حراكٍ شعبيٍّ واسعٍ يقوده أبناء المنطقة الجنوبية عموماً، وذلك للتنسيق بين محافظات الجنوب ومع باقي عموم سوريا لـ«خلق حالةٍ توافقيةٍ بين عموم السوريين والتّصدي لأيّ مشروعٍ قد يُؤثّر على وحدة سوريا، وذلك بخلق جسور تواصلٍ بين المدنيين بمعزلٍ عن الانقسامات التي يؤجّجها المتصارعون على النفوذ الشخصي»، بحسب ما قاله لنا أحد منسّقي هذه المجموعة والمتحدّثين باسمها. وأضاف المُنسّق في حديثه بأنّ «الشعب السوري المُنهك استطاع أن يحتشد ويبدأ بالتواصل فيما بينه لإعلاء صوتِه في حقه بتقرير مصيره وللتذكير بالثورة وأهدافها التي أعلنت عنها لحظة انطلاقها. الشعب السوري قرّر أن يتواصل مع بعضه عن طريق الشارع والحراك». وأشار المتحدث إلى أنّ هذه المجموعة بدأت حشدَ السوريين لتنفيذ احتجاجاتٍ ضد المخطط الإسرائيلي، وتحت شعار: «شعب واحد، مصير واحد».
إلى ذلك، أشارت مصادرُ متقاطعة للجمهورية.نت، بالإضافة إلى مستشارين لدى الشيخ حكمت الهجري، إلى أنّ الحكومة السورية كانت على علمٍ بالاتصالات التي أجراها خلدون الهجري، وقامت بعدها بالتواصل مع الشيخ حكمت الهجري من خلال مندوبين عنها لإعلامه بذلك وسؤاله عن تفاصيل تلك الاجتماعات. بدوره، نفى الشيخ حكمت الهجري تلك التصريحات في حديثه مع مندوبي الحكومة السورية، وهو ما يتعارض مع ما أقرّ به السيد خلدون الهجري في حديثه مع الجمهورية.نت، ومع المعلومات التي أكّدتها المصادر المتقاطعة المُطّلعة على الاجتماعات التي أجراها خلدون الهجري.
حاولت الجمهورية.نت التواصل مع مسؤولين في الحكومة السورية للحصول على تعليقٍ حول الموضوع، لكنّنا لم نحصل على جوابٍ حتى لحظة كتابة هذا التقرير.
موقع الجمهورية