الناسسقوط بشار الأسد، الرئيس الفار والمخلوع

سوريون بتركيا في شتات العودة أو البقاء/ غزوان الميداني

08 مارس 2025

تتجهز عائلة أبو محمد للانطلاق، في اليوم التالي، من ساحة تقسيم وسط مدينة إسطنبول نحو الحدود التركية السورية.

تلملم أم محمد ما تبقى من متاع عائلتها لتحشو به آخر متسع من حقيبة كبيرة امتلأ بطنها بأهم ما يلزم في حال تأخر ما أرسلته إلى سوريا عبر الشحن.

أفراد العائلة هم من بين أكثر من 133 ألف سوري قرروا العودة إلى وطنهم عقب سقوط نظام بشار الأسد في الثامن من ديسمبر 2024، وفق ما أعلنه الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، في السادس من مارس الحالي.

وحتى عام 2024 سجلت الأمم المتحدة 2.9 ملايين سوري على الأراضي التركية. لكن بعضهم يتردد بالعودة.

حقيبة ممتلئة أخرى ترافق عائلة أبو محمد، لكنها ليست لأغراض مادية، بل افتراضية تعج بذكريات سنوات ثمان عاشوها في تركيا.

“منذ لحظة الإعلان عن سقوط النظام في دمشق قررنا العودة إلى سوريا”، تقول أم محمد وهي تحاول أن تغالب دموع الفرح التي تملأ عينيها.

“ما زلتُ لا أصدق أنني سأعود إلى سوريا، سأزور قبر ولدي مرة أخرى” تضيف لموقع الحرة وقد تحولت صوتها إلى نحيب يكسر القلب.

أم محمد المرأة الخمسينية عاشت مع زوجها وأولادها في حي القابون الدمشقي خلال الحرب السورية وعانت من الحصار والجوع وتحت قصف البراميل المتفجرة فقدت ابنها البكر.

خرجت العائلة من دمشق باتجاه الشمال السوري إثر اتفاقية التهجير التي فرضها نظام الأسد على مقاتلي الجيش الحر في الحي عام 2017، لتصل إلى إسطنبول وتبقى فيها تحت الحماية المؤقتة.

“لم ننسَ يوماً وطننا، ولولا وجود الأسد ما فكرنا قط بأن نتركه”، تتابع راسمة ابتسامة من بين الدموع، “سقوط النظام منحنا الأمل بالعودة وإعادة بناء ما تهدم”.

“لم نشعر يوماً بالاستقرار هنا، نحن نعيش الحالة (الحماية) المؤقتة على أمل العودة منذ ثماني سنوات، أما اليوم فلم يعد هناك سبب لبقائنا هنا، ورغم التحديات التي تنتظرنا هناك، لا شيء يعادل دفء الوطن ولمة الأسرة تحت سمائه”.

لكن هنالك من اللاجئين السوريين من يتردد في المغادرة. رغم أن تركيا أعلنت في نهاية 2024 عن خطة تهدف إلى تمكين المهاجرين من التخطيط بشكل أفضل لعودتهم إلى بلدهم.

وثيقة لوزارة الداخلية التركية ذكرت حينها أن البرنامج يسمح لأرباب الأسر السورية بزيارة سوريا ثلاث مرات بين يناير ويونيو هذا العام.

يُذكر أن 35 ألف سوري غادروا تركيا في الأسابيع الثلاثة الأولى بعد الإطاحة بالأسد، إذ تخلوا عن حق العودة إلى تركيا بعد التوقيع على وثيقة العودة الطوعية.

وفي الفترة بين سقوط الأسد وأواخر يناير غادر 81576 لاجئ سوري من تركيا، وفق إحصائيات ذكرها وزير الداخلية التركي، علي يرلي قايا. ولم يتضح عدد الذين وقعوا قبل المغادرة على وثيقة العودة الطوعية في يناير.

وجهة نظر أخرى

عائلات كثيرة في تركيا ترى أنه من المبكر جداً العودة إلى سوريا، خصوصاً وأنهم بنوا حياة جديدة خارج حدود وطنهم.

أما الأسباب لامتناع أفراد تلك العائلات عن العودة إلى سوريا تتعدد، منها، على الأقل، ينطبق على الوقت الحالي.

فالكثير من أطفال اللاجئين السوريين الذين يعيشون في تركيا منذ سنوات يدرسون في المدارس التركية التي توفر لهم بيئة تعليمية مستقرة.

بينما يُعد انتقال الأطفال إلى نظام دراسي يعتمد على اللغة العربية تحديًا كبيرًا يتطلب إعادة تأهيل شاملة لمناهجهم ومستوى لغويا جديدا، وهو ما يصعب تحقيقه في ظل الظروف الراهنة في سوريا.

“هناك الكثير من التحديات الأخرى إذا ما تجاوزنا موضوع دراسة الأطفال،” يقول عامر محمود متحدثاً للحرة عن الأسباب التي تجعله لا يفكر مع عائلته بالعودة “طوعياً” إلى سوريا في الوقت الحالي.

محمود سيضطر إلى استئجار منزل بعد أن دمرت الحرب منزله.

“كيف سأدفع إيجار المنزل وأعيش وأسرتي في بلد اقتصاده مدمر تماماً ومعدل الرواتب لا يتجاوز الـ 100 دولار في حال نفذت الحكومة المؤقتة وعدها برفع الرواتب 400%؟”، يتساءل.

البنية التحتية المدمرة، وعدم توفر الخدمات الأساسية كالكهرباء والإنترنت والبطالة، غيرها من الأسباب التي يعددها محمود.

“أنا في تركيا منذ عشر سنوات، بنيت خلالها واقعاً جديداً لحياتي، من الصعب أن أعود لأبني حياة جديدة من الصفر في سوريا”.

وفي نفس الوقت، هناك تساؤلات بشأن إمكانية المكوث في تركيا،”لا ندري كيف سيكون مصيرنا وكيف ستتعامل معنا السلطات التركية ابتداءً من مطلع شهر يوليو القادم، الموعد الذي حددته دائرة الهجرة لانتهاء الإجازات الممنوحة للسوريين الراغبين في استطلاع الأوضاع في سوريا تمهيداً للعودة”.

الحصول على الجنسية التركية يبقى أملاً لدى الكثير من السوريين الذين منحوا “الحماية المؤقتة” للاستقرار في تركيا كخيار أفضل من العودة إلى مستقبل مجهول في سوريا.

و”الحماية المؤقتة” هو إجراء منحته تركيا للمواطنين السوريين، فضلا عن الأشخاص عديمي الجنسية واللاجئين من سوريا، الذين جاؤوا إلى تركيا بسبب الأحداث في سوريا بعد 28 أبريل 2011.

وتشمل “الحماية المؤقتة” 2.9 مليون سوري وفقا لأرقام المديرية العامة لإدارة الهجرة في تركيا حتى 26 ديسمبر عام 2024.

لكن حتى الحفاظ على “الحماية المؤقتة” ليس أمرا مضمونا عقب سقوط الأسد، وفقا لمراقبين.

ماذا بعد؟

الصحفي التركي، إسماعيل جوكتان، المُطَّلع على ملف اللاجئين السوريين في تركيا، لا يستبعد إلغاء تركيا “الحماية المؤقتة” للسوريين “مع دخول الصيف القادم وانتهاء العام الدراسي الحالي”.

إردوغان واجه ضغوطًا انتخابية كبيرة بشأن اللاجئين السوريين، يقول جوكتان، لكنه رفض إعادتهم قسرًا عندما كان الأسد في الحكم، “أما الآن فقد سقط سبب منح الحماية المؤقتة مع سقوط النظام”.

وتراجعت حدة استغلال المعارضة التركية لقضية اللاجئين السوريين بعد سقوط نظام الأسد، ولكن هذا التخفيف مرتبط تماماً بسرعة وحجم عودة السوريين إلى ديارهم، يضيف.

كما أن الأوساط المدنية والإعلامية والسياسية تتفق على ضرورة عودة السوريين و”الاستراتيجية الأوضح ستكون تشجيع العودة الطوعية”، على حد تعبيره.

رأي قانوني

نظام الحماية المؤقتة منصوص عليه في المادتين 91 و96 من قانون الأجانب والحماية الدولية التركي رقم 6458 ويُطبق على الأشخاص الذين لا يمكنهم العودة إلى بلدانهم بسبب حرب أو انتهاكات جماعية، وفق ما ذكرته المحامية التركية زينب إرتيكين، المتخصصة في قضايا الهجرة واللاجئين.

هذا النظام يشمل الغالبية العظمى من السوريين في تركيا منذ 2014، ويضمن لهم إقامة مؤقتة، مع حق الوصول إلى الخدمات الأساسية كالتعليم والصحة، تضيف إرتيكين.

وفي حال إعلان الحكومة أن الوضع قد استقرّ بشكل دائم، يجب أن يصحب ذلك خطة واضحة لضمان انتقال اللاجئين إلى أنظمة إقامة بديلة تحمي حقوقهم الأساسية.

ولذلك ترى أن قرار إنهاء الحماية المؤقتة ليس مجرد إعلان حكومي يعتمد على تغيّر الأوضاع الأمنية في سوريا، بل مسألة تتطلب تقييمًا شاملًا للواقع الإنساني لكل فرد.

أما إلغاء الحماية، إن تم إقراره، سيكون تدريجيا، “ولن يكون مفاجئا”، وفق إرتيكين، لأنه سيعتمد على عدة عوامل، منها انتهاء النزاع وتحسن الوضع الإنساني بالإضافة إلى تقييم فردي لكل حالة من أجل ضمان عدم تعرّض أي شخص للخطر.

راحة وتحديات

عائلة أبو محمد وصلت إلى سوريا، تحدثنا مع أم محمد بعد أسبوع من رحلة العودة، لتصف “تحديات قاسية” من غياب للخدمات الأساسية والضرورية.

الكهرباء نادرة، والمياه شحيحة، والإنترنت شبه معدوم، مما زاد من صعوبة حياتهم رغم فرحة العودة.

“الصعوبات كانت متوقعة، ولا ننكر أننا شعرنا بالفرق بين الحياة في دمشق والحياة في إسطنبول”، تقول أم محمد.

“لكن رغم كل شيء نشعر براحة افتقدناها، فنحن أخيرا في وطننا وبين أهلنا”.

غزوان الميداني

الحرة

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى