سُفن معاقبة ومشبوهة دولياً تنقل الديزل إلى المرافئ السورية!/ فراس دالاتي

08.03.2025
التدقيق في المصادر المفتوحة يكشف وجود ناقلتي نفط، الأولى صرّحت عن وصولها السلطات في سوريا والثانية لم تُذكر أبداً، كلتا الناقلتين خاضعة للعقوبات الأميركية والأوروبية ومتورّطة في تهريب النفط الروسي والتهرّب من العقوبات.
عانى نظام الأسد من عوائق جمّة في مسألة توريد النفط الخام والمكرر إلى سوريا، إثر سلسلة العقوبات القطاعية التي فُرضت أممياً وأميركياً وأوروبياً وبريطانياً على قطاع النفط، وتقلّص شبكة المورّدين، التي اقتصرت في السنوات الأخيرة على إيران، التي ورّدت معظم كميات النفط إلى سوريا برّاً عن طريق العراق، بالتعاون مع “مجموعة قاطرجي”، وروسيا بدرجة أقل، التي كانت تُرسل من حين إلى آخر ناقلات من نفط السوق السوداء بطريقة غير مباشرة عبر وسطاء.
وبُعيد سقوط النظام وقطيعة الإدارة الجديدة العلاقات كلياً مع إيران وإعلان العداء الكامل لها، توقّفت شبكات التوريد بشكل كامل، كما أعلن نائب عراقي في نهاية كانون الأول/ ديسمبر 2024، وقف تدفّق 120 ألف طن من النفط الأسود كانت تذهب إلى سوريا، إضافة إلى تجميد أعمال “مجموعة قاطرجي” وأصولها، بموجب تعميم صدر عن مصرف سوريا المركزي يوم 22 كانون الثاني/ يناير الحالي.
وفي تاريخ 31 من الشهر نفسه، قالت مصادر تجارية مطّلعة لوكالة “رويترز” إن سوريا تتّجه إلى وسطاء محليين لاستيراد النفط، بعد أن فشلت أولى المناقصات التي طرحتها حكومة تصريف الأعمال، في جذب اهتمام كبار تجّار النفط، وذلك بسبب استمرار العقوبات الدولية والمخاطر المالية. وأظهرت وثائق رسمية نُشرت على صفحة وزارة النفط والثروة المعدنية في سوريا، أن الحكومة طرحت مناقصات لاستيراد 4.2 ملايين برميل من النفط الخام، بالإضافة إلى 100 ألف طن من زيت الوقود والديزل “في أقرب وقت ممكن”.
وذكرت مصادر “رويترز” حينها أن الحكومة “تتفاوض حالياً مع شركات محلية لتلبية احتياجاتها النفطية”، ولم يتسنّ حينها لوكالة الأنباء العالمية التأكّد من أسماء الشركات المحلية، التي قد تتولّى تأمين هذه الإمدادات، أو هوية الشركات القادرة على توفير الكميات الكبيرة المطلوبة في المناقصة.
لكن في اليوم الأخير من شباط/ فبراير الفائت، أعلنت وكالة الأنباء السورية الرسمية “سانا”، وصول أول ناقلة محمّلة بمادة الديزل إلى مصب بانياس، وباتت جاهزةً للربط والتفريغ، وهي “الأولى من نوعها بعد زوال النظام البائد”، بحسب وصف الوكالة. ولم تذكر وكالة الأنباء الرسمية مصدر تلك الدفعة من الديزل، كما لم تُوضح أياً من أسماء الشركات الناقلة للمادة والمستوردة لها.
خلال اليومين التاليين، غطَّى العديد من وسائل الإعلام الخبر، من دون تقديم معلومات إضافية عن الإعلان الرسمي، أبرزها “قناة الجزيرة” التي بثَّ مراسلها تقريراً ميدانياً من مرفأ بانياس، أظهر فيه السفينة إياها، بالإضافة إلى تقرير آخر لمراسل “تلفزيون سوريا” في اليوم التالي. وفي كلا التقريرين التقط مصوّرا التقرير مقطعاً بانورامياً للمياه المقابلة للمرفأ، ولم تظهر أية سفينة أو ناقلة أخرى سوى تلك الناقلة.
رغم أن السفينة الظاهرة حجبت موقعها عن أنظمة تتّبع الملاحة وحركة السفن، ولم يظهر حينها في قواعد البيانات إلا سفينة “Gas Husky” للغاز المُسال، التي ترفع علم ليبيريا والقادمة من ميناء دورتيول التركي في مدينة هاتاي؛ والتي لم تُعلن الحكومة السورية أيضاً عن مصدرها، تبيَّن لـ”درج” من خلال التدقيق في المعالم الظاهرة للسفينة وبعض الكتابات الموجودة عليها، أنها ناقلة “Prosperty” التي ترفع علم باربادوس، الأمر الذي أكَّده ظهور السفينة في بيانات تتّبع الملاحة البحرية قبالة مرفأ بانياس، وفي الوضعية الظاهرة نفسها في تقرير الجزيرة يوم الخميس 6 آذار/ مارس، أي بعد وصولها الفعلي بأسبوع، قادمة من ميناء بريمورسك في روسيا، وهو الأمر الذي أكَّدته وكالة “رويترز” لاحقاً في خبر حصري.
ناقلة Prosperity (المعروفة سابقاً باسم NS Pride وكانت ترفع علم الغابون) التي تتراوح حمولتها بين 25 و35 ألف طن متري، أُضيفت مطلع هذا العام إلى قائمة السفن المعاقبة أميركياً، بسبب ثبوت تورّطها بعمليات تحريك النفط الروسي المُعاقب قطاعياً ضمن ما يُعرف باسم “أساطيل الظل”، بينما لحقت بذلك بريطانيا والاتحاد الأوروبي وأدرجاها أيضاً نهاية شباط/ فبراير. وبحسب بيانات الملكية التابعة لمجموعة بورصة لندن، إضافة إلى بيانات مفتوحة المصدر أخرى، فإن الناقلة تُديرها شركة “فورناكس” لإدارة السفن ومقرّها دبي، وهي شركة تخضع نفسها أيضاً للعقوبات الأميركية.
وبحسب سجلات الرحلات المتاحة في قواعد بيانات المصادر المفتوحة مثل Marine Traffic وVessel Finder وShipNext، فإن رحلات الناقلة تتراوح بمعظمها ما بين الموانئ الروسية وموانئ غرب أفريقيا، إضافة إلى بعض الرحلات إلى جزر الباهاماس، وهذه هي المرة الأولى التي تسجّل رحلة إلى مرفأ بانياس السوري.
أما الناقلة الأخرى التي وصلت بانياس مؤخراً فيكتنفها مزيد من الغموض. إذ لاحظ “درج” منذ أيام، على رادارات تتّبع حركة السفن والملاحة البحرية، ناقلة مواد نفطية أخرى أصغر حجماً بحمولة صافية تبلغ 700 طن متري؛ اسمها “مالك” (MALEK) عُرفت سابقاً باسم (MYOSHO MARU NO.8) ظهرت في بعض قواعد البيانات باسم (SIDRA) التي ترفع علم تنزانيا وتحمل الرقم (9057551). وبعد تتبّع استمر لساعات في أكثر من ثلاث قواعد بيانات مختلفة ظهر أنها توقّفت أمام مرفأ بانياس، رغم عدم إعلان الحكومة السورية عن وصول الناقلة، أو تغطية وصولها من قبل وسائل الإعلام.
وصلت ناقلة “مالك” إلى مرفأ بانياس قادمة من مرفأ طرابلس اللبناني بعد رسوّها فيه منذ أيلول/ سبتمبر 2024، في الوقت الذي لم يُعلن فيه أي من الجانبين السوري أو اللبناني عن عمليات توريد – أو نقل بالعبور – للمواد النفطية بين البلدين.
ورغم أن سفينة MALEK نفسها ليست مُدرجة على لوائح العقوبات كما هو حال Prosperity، فإنها تُصنَّف على درجة الخطورة العالية بحسب قاعدة بيانات ShipNext. ووفقاً للأخيرة، فإن الشركة المالكة للناقلة هي شركة Portex Trade Limited، وهو الأمر الذي أكَّده أحد حسابات بيع السفن الذي تواصل معه “درج”، بعد ملاحظة منشور على “فيسبوك” لبيع الناقلة نفسها بقيمة 1.1 مليون دولار أميركي، قبل أن يتوقّف عن الرد على بقية الاستفسارات.
وشركة Portex Trade Limited هي شركة واجهة صورية مسجّلة في هونغ كونغ، تأسست في عام 2011، برأس مال قدره 10 آلاف دولار هونغ كونغ (حوالي 1200 دولار أميركي) اسمها السابق هو CLOUD COMPUTING INTERNATIONAL HONG KON ورقم سجلّها التجاري 58369682، أدرجتها وزارة الخزانة الأميركية على لائحة العقوبات وتجميد الأصول يوم 16 كانون الثاني/ يناير 2025 “وفقاً للأمر التنفيذي 14098، الذي يستهدف الكيانات التي تهدد السلام والأمن والاستقرار في السودان”.
وبحسب وثيقة رسمية صادرة عن السجل التجاري في هونغ كونغ، حصل “درج” على نسخة منها، وجد أن الشركة مسجّلة في عنوان Room 1502 Easey Coml Bldg, Wan Chai، المسجّلة فيه مئات الشركات الصورية الخاضع بعضها لعقوبات أوروبية وأميركية، والمُدرج نفسه على قائمة العقوبات الأميركية ككيان. كما وجد أيضاً أنه لا يوجد في الشركة مديرون مسجّلون باستثناء مدير عمليات سوداني- أوكراني الجنسية اسمه أنور أحمد محمد عبدالله، الذي أُدرج أيضاً على قائمة عقوبات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وبريطانيا، بناءً على وثائق تُفيد بتسهيله من خلال شركة Portex، شراء الأسلحة نيابة عن هيئة التصنيع الحربي، الذراع الرئيسي للمشتريات للقوات المسلحة السودانية.
وبحسب الخزانة الأميركية، فإن أحمد عبد الله، نسَّق عملية شراء طائرات بدون طيار إيرانية الصنع من شركة دفاع أذربيجانية لشحنها إلى السودان. فيما تصفه مصادر صحافية سودانية عديدة بكونه “السمسار الأول لصفقات توريد السلاح إلى الجيش السوداني من روسيا وبيلاروسيا”. ووجد “درج” في إحدى قواعد البيانات الصينية أن شركة Portex نقلت في آذار/ مارس 2023، بندقية ديكنسون بالميريوس ديلوكس جي آر 5 12/76 سم، ذات ماسورة ناعمة فائقة، إلى تركيا عبر شركة أذربيجانية أيضاً.
الجدير بالملاحظة والذكر أن هذه ليست المرة الأولى التي تنقل فيها سفينة MALEK التي تملكها شركة Portex، فبحسب بيانات تتبّع حركة السفن، فإن نظام الأسد استخدم هذه الناقلة لنقل المواد النفطية إلى مرفأ بانياس من مرفأ طرابلس في تموز/ يوليو 2024، في ذروة التضييق وشحّ الموارد قبل أشهر قليلة من سقوطه.
مصدر رفض الكشف عن اسمه حفاظاً على سلامته، وهو أحد الأفراد المقرّبين من يسار إبراهيم المستشار الاقتصادي الأول لبشار الأسد ومهندس شبكة شركاته مترامية الأطراف، التي تغوَّلت في جوانب الاقتصاد السوري كافة، قال في حديث لـ “درج”، إن الناقلة جلبت مادة الديزل إلى بانياس عبر وسطاء مرتبطين بروسيا وبيلاروسيا والإمارات، من خلال شركة “حقول” التي أسسها إبراهيم عام 2016، والتي تم تصنيفها في 4 أيلول/ سبتمبر 2019، لكونها مملوكة أو خاضعة لسيطرة محمد قاسم البزال رجل الأعمال اللبناني المقرب من “حزب الله” والمصنّف كإرهابي عالمي.
هذا ويعدّ رفع العقوبات مطلباً رئيسياً لدى الإدارة السورية الجديدة بقيادة رئيس المرحلة الانتقالية أحمد الشرع، إذ تستمر المطالبات برفعها مع زوال سبب فرضها في المقام الأول، أي الأسد ونظامه، حيث شبّه استمرارها وزير خارجية حكومة تسيير الأعمال السورية أسعد الشيباني في حواره مع وزير الخارجية البريطاني الأسبق توني بلير في منتدى دافوس “بأنك تُلقي بشخص مربوط اليدين في النهر وتطلب منه السباحة”.
من جانبه، علَّق الاتحاد الأوروبي الأسبوع الفائت عقوباته على أربع مؤسسات سورية منها: المصرف الزراعي، ومصرف التسليف الشعبي، والخطوط السورية للطيران، كما علّقت يوم أمس بريطانيا تجميد أصول 24 مؤسسة حكومية سورية في قطاعات المال والنفط، على رأسها مصرف سوريا المركزي والمصرف التجاري، فيما تبقى الولايات المتحدة ثابتة على مواقفها الرافضة لتغيير واقع العقوبات المفروضة على سوريا، أو تصنيف جماعة “هيئة تحرير الشام” على لوائح الإرهاب.
درج