سقوط بشار الأسد، الرئيس الفار والمخلوعسياسة

سوريا حرة إلى الأبد: مقالات وتحليلات 08 أذار 2025

حرية إلى الأبد: كل المقالات والتحليلات والحوارات التي تناولت انتصار الثورة السورية اعتبارا من 08 كانون الأول 2024، ملاحقة يومية دون توقف تجدها في الرابط التالي:

سقوط بشار الأسد، الرئيس الفار والمخلوع

———————————-

التطييف وبناء الوطنية السورية/ رانيا مصطفى

08 مارس 2025

أحسنت السلطات السورية الجديدة التعاطي مع حالة التجييش الطائفي، على أثر جريمة قتلٍ ارتكبها خارجون عن القانون في مدينة جرمانا بريف دمشق، بحقّ عنصر من الأمن العام، بأن حقنت الدماء استجابةً لطلب الهيئة الروحية في المدينة، التي رفعت الغطاء عن المجرمين وطالبت بملاحقتهم وبعودة مؤسّسات الدولة إلى المدينة، وذلك بمساعٍ من قادة فصائلَ قدموا من السويداء. مثل هذه الحوادث الفردية كانت تحصل في زمن النظام البائد، وتُحلّ بالطريقة نفسها، من دون أن يرافقها تضخيمٌ إعلامي أظهر المدينة، هذه المرّة، وكأنَّها خارجةٌ عن سيطرة الدولة، وزادت الطين بِلَّة التصريحات الإسرائيلية بأنهم معنيون بحماية الدروز والأقلّيات، وتحذيراتهم للحكومة السورية بألا تدخل جرمانا، وهي أوّل مدن الغوطة الشرقية، وتضمّ لفيفاً كبيراً من السوريين لجأوا إليها خلال سنوات الحرب.

في استعراضٍ رمزي للوحدة الوطنية ولقوة السلطة الجديدة، دخلت أرتالٌ من الأمن العام إلى المدينة برفقة شبَّان من الدروز يرفعون البيارق الدرزية، ما شكّل أيضاً ردّاً وطنياً على الاستفزازات الإسرائيلية الصارخة تجاه السوريين. بات واضحاً أن السلطات السورية الجديدة تميل إلى التهدئة، وهي تجيدُ هذا الأمر، وكذلك العقلاء في المجتمعات الأهلية يتصرّفون بحكمةٍ لمنع إراقة الدماء، ولا أحد في سورية يريد اليوم العودة إلى حمّام الدَّم، والجميع يتطلّعون إلى توحيد الأراضي السورية، عدا قلّة من الموتورين أو المطلوبين بتهم ارتكاب جرائم أو تجارة المخدّرات في عهد نظام الأسد. بمعنى أنّ السوريين اليوم راغبون في تجاوز ما يثير الفتن، والبدء ببناء دولة جديدة؛ لكن هذه الرغبة لا تكفي لمنح المجتمع السوري حصانةً ضدّ مشاريع تسييس الهُويَّات الدينية، والتي تلوحُ تهديداتُها اليوم من دولة الكيان الإسرائيلي خصوصاً، فليس بمقدورنا تجاهل تداعيات سنوات الحرب السورية، وما رافقها من تمزيق للنسيج الاجتماعي، عدا عن أنّ الدولة في ظلّ نظام الأسدَين لم تكن مدنيةً يوماً، ولم تبنِ مجتمعاً حصيناً ضدّ التطييف، بل كان تسييس الهُويَّات الفرعية إحدى أدوات السلطة لترسيخ نموذج حكم العسكر.

سورية اليوم ضعيفةٌ وهشَّة، ومنكشفة أمام مشاريع تسييس ديني أسوأ من نموذج نظام الأسد الشمولي، تمثّل تهديداً وجودياً لوحدة سورية، إذ اجتاحت دولة الكيان الإسرائيلي أراضي سورية جديدة، وبتبرير عالمي، بحجَّة حماية حدودها من خطر التطرّف الديني، ودمّرت مقدرات الجيش السوري كلّها، وهي اليومَ تستغلّ الحساسيات الدينية، ويُطلق رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، ووزير أمنه يسرائيل كاتس، ووزير خارجيته جدعون ساعر، كلاماً عن حماية الدروز وإقامة منطقة منزوعة السلاح في الجنوب السوري، بالتزامن مع الإعلان عن مجلس عسكري درزي في الجنوب، تبرَّأ منه أهالي السويداء وفصائلُها العسكرية الوازنة، وخرج المُحتجُّون في كلّ الجنوب السوري، وفي دمشق وجرمانا، للتنديد بالتصريحات الإسرائيلية، والتأكيد على وحدة الأراضي السورية. وكانت قد تردَّدت طروحاتٌ بالإدارة الذاتية منذ بدء انتفاضة السويداء في صيف 2023، وتمَّت محاصرتُها ومنعُها من الأهالي المُحتجِّين طيلة عامٍ ونصف قبل سقوط نظام الأسد، ولا تزال هذه الطروحات مرفوضةً في المدينة. بالتأكيد، الاحتلال الإسرائيلي غير معني بحماية الأقلّيات في سورية، وغير جادٍّ في تخوُّفه من حكمٍ إسلامي على حدوده، وقد حطّم القدرات العسكرية السورية، ويدرك أن الحُكّام الجدد منشغلون في ترتيب حكمهم وتسويق صورة معتدلة لهم أمام الرأي العام العالمي، ولرفعهم من قوائم الإرهاب، ورفع العقوبات عن سورية. الكيان المحتلّ معنيٌ بتفتيت سورية، خاصةً أنَّه يعتبرها صارت منطقة نفوذٍ تركية، ولا ترضيه المصالحة بين دمشق وقسد بترتيب تركي، وبالأصل لا يريد لهذا البلد التعافي.

السوريُّون اليوم معنيون بإعادة بناء هُويَّتهم الوطنية، وتحصين مجتمعاتهم ضدّ التدخّلات الخارجية التي تهدف إلى التطييف. استعراضات الوحدة الوطنية بالتوافق بين الحكومة والوجهاء والهيئات الروحية لا تكفي لبناء وعي وطني، وهي إن نجحت في درء الفتنة في جرمانا أو أماكن أخرى، فنجاحُها غير مضمون مستقبلاً، خاصّة أنَّ حصر الاعتماد على الزعامات الدينية في التعبير عن رعيَّتها، أمنياً وسياسياً ومطلبياً، يعمّق الهُويَّات الدينية، في تناقضٍ مع الهُويَّة الوطنية الأوسع، وليس العكس، في ظلّ غياب الدولة المدنية القائمة على مبدأ المواطنة. إنّ إعادة بناء هُويَّة وطنية جامعة للسوريين تحتاج إلى مشروع وطني متكامل، لا يقتصر على ترسيخ الديمقراطية والحرّيات الفردية وحرّية الاعتقاد والتجمّع وحرّية تشكيل الأحزاب والنقابات وفصل السلطات، وتطبيق العدالة الانتقالية، بل يتخطاها إلى مشروعٍ اقتصادي تنموي بالضرورة، يُركّز على الاستثمار في الإنسان السوري، أي إشراكِه في عملية التنمية الاقتصادية وإعادة الإعمار عبر خلق مؤسَّسات اجتماعية واقتصادية مُنتِجة، قائمة على أساس التضامن والتكافل بين فئات المجتمع، وتخلق فرص عملٍ، وتخلق بيئات تتجاوز الحساسيات الدينية، وتُشعر المواطن الفرد بأهمّيته ودوره في عملية البناء، وانتمائه إلى الدولة التي يبنيها.

لا تبشّر خطوات الحكومة بأنها تمتلك ذلك المشروع الوطني القائم على إشراك السوريين كلّهم في عملية البناء، وإشاعة شعورٍ جديد بالولاء للوطن، فمؤتمر الحوار الوطني كان شكلياً سريعاً، كأنّه صورة ملوّنة قُدّمت للخارج، واختارت السلطة بنفسها الشخصيات التي حضرت، ولم تكن في معظمها تمثِّل كفاءاتٍ سورية، بل في غالبها تمثيلات ما دون وطنية، عشائرية ودينية وإثنية، وصدر بيانُه غير الملزم بسرعة فائقة، وكأنه مُعدٌّ مسبقاً. كان المؤتمر وتوصيات بيانه الختامي (غير الملزم للحكومة) مخيباً للآمال، خاصة لجهة خلوّه من أيّ إشارة إلى الديمقراطية. ثم شُكلت لجنةٌ لكتابة الإعلان الدستوري الذي يسدّ فراغ غياب الشرعية الدستورية للحكومة في المرحلة الانتقالية، وتبيّن ممّا تسرّب لوسائل الإعلام أنَّه أقرب إلى الدستور بتحديده هُويَّة الدولة وعلمها ودين الرئيس، من دون استفتاءٍ شعبي، وأنه سيتبنَّى الفقه الإسلامي مصدراً للتشريع، أيّ تشريعٍ، أي إقحام المقدّس في السياسة، وبالتالي لا نقاش في أحكامه، وهذا إشكالٌ سيعيد تجربة حكم الفرد على كلّ السوريين. كما سيكلّف الرئيسَ وحده بتعيين مجلس تشريعي، أي من دون انتخاب ومن دون مشاركة مع باقي السوريين.

ما سبق كلّه يُنبئ بأننا أمام حكم اللون الواحد، أي لون هيئة تحرير الشام، ومن تثق بهم، في هذه المرحلة، وهذا التوجّه سيصعِّب انضمام المناطق الخارجة عن سيطرة الدولة، خاصّة شرق الفرات. ويُعزِّز هذا الرأيَ تعيين حكومة تسيير الأعمال أوصياء تابعين لها في مؤسّسات الدولة كلّها، حتى النقابات يتم تعيينها، وطريقة تشكيل الجيش من فصائل إسلامية، ورفع الدعم عن أسعار الخبز والمحروقات، وطرد مئات آلاف الموظفين من دون أسباب واضحة، وفرض سياسات نقدية شلّت اقتصاد البلاد، والأسوأ من ذلك طرح النيوليبرالية المتطرّفة وصفةً للاقتصاد قائمةً على حرّية السوق والخصخصة غير المدروسة، والمراهنة الوحيدة هي على رفع العقوبات ومجيء الاستثمارات. هذا يعني غياب أيّ أفق لحلّ مشكلة المجاعة، ما يفتح على انفجاراتٍ اجتماعية تهدّد استقرار البلاد، وقبول كلّ أشكال التطييف السياسي والتقسيم إذا أصرّت السلطة الحاكمة على عنادها في تغييب مشروع وطني للسوريين كلّهم.

——————————

ما تحتاجه سوريّة/ بيار عقيقي

08 مارس 2025

آخر ما تحتاجه سورية في الفترة الحالية استنزافها في صراعات طائفية، رغماً عن أبنائها أو بإرادتهم. في ذلك مقتل حقيقي لمفهوم “الثورة السورية”. من الواضح أن كلّ مرحلة انتقالية متأتية بعد 14 عاماً من القتال، ومن عقود من الحكم المطلق، ستكون مليئة بالتحديات والاضطرابات. وفي الحالة السورية، لا تستلزم المسألة الطائفية، التي اتخذت طابعاً هُويَّاتياً أيام حكم الأسدين، باسم “حلف الأقلّيات”، “ثأراً” من جانب الحكام الجدّد، ولا “توجّساً” ممّن يصنّف نفسه في خانة الأقلّيات. في ذلك جزء من لبننة فاقعة وعرقنة مدمّرة وبلقنة تقسيمية. يتمحور المشهد في سورية في هذه الأيام حول ثلاث مناطق: الجنوب حيث الدروز، والساحل موئل العلويين، والشمال موطن الأكراد. وليست موروثات تلك المناطق السلبية ناجمةً من هيئة تحرير الشام وغيرها من التنظيمات، أحببنا ذلك أم لا، بل ممّا صاغه نظام الأسد سابقاً، المُستنِد في حينه أيضاً إلى دعم سنّي، شئنا أم أبينا.

يشبه الأمر ما خلّفه الاتحاد السوفييتي بعد تفكّكه في عام 1991 من أزمات ديمغرافية وعرقية، بفعل سياسة نقل السكّان من بلاد إلى أخرى. وكان سقوطه إيذاناً باشتعال حروب، أهلية وقومية، في قرغيزستان وطاجكستان وجورجيا، وبين أرمينيا وأذربيجان، وصولاً إلى الشيشان وداغستان، وغيرها. الفارق أن سورية أصغر بكثير من الاتحاد السوفييتي السابق، وحتى أنها قادرة على تجميع قواها في إطار الدولة الواحدة، مهما كان نظام الحكم. لكن نقطة الانطلاق لمثل هذه الخطوة تستلزم شجاعةً من الحاكم، على اعتبار أن احتضان الجميع، لا تغييب المصالحة والمصارحة، يُعدّ مدخلاً لتفاهم سوري واسع، يتجاوز الخلفيات الطائفية والإثنية.

غير ذلك، ستعذّب سورية “اللبنانية” أهلها كثيراً، بل سيعبرون طريقاً طويلاً من التشرذم والانفكاك، ثم يعودون ويرون أن الاختلافات ستبقى، لكن إدارتها تبقى الأساس للحفاظ على بنية الدولة الواحدة. في الحالة اللبنانية، على الرغم من كلّ الكوارث والمآسي، وجديدها أخيراً العدوان الإسرائيلي على لبنان، إلا أن اللبنانيين مقتنعون في مكان ما بأنه لا يُمكن تجزئة لبنان ولا تقسيمه، كما أنهم غير قادرين على الذوبان في عقائد اللبناني “الآخر” وأفكاره، وكلّ اللبنانيين هم “الآخر” في عيون بعضهم بعضاً. بالتالي، الحلّ الأفضل والأنسب للجميع هو الاقتناع بأنه لا جدوى من تغيير عقلية “الآخر”، لكن يُمكن التفاهم معه تحت سقف قوانين محدّدٍ ضمن دولة واحدة.

تحتاج سورية ذلك، خصوصاً أن الاندفاعة العربية والدولية الداعمة لها يُفترض أن تشكّل محطةَ انطلاق لتجميع السوريين في سياق نظام يحتضن الجميع، وليس لنظام يبحث عن “البقاء إلى الأبد”. لطالما كان “الأبد” محفّزاً لكلّ الثورات، من سورية إلى آخر العالم، والنظام المولود من ثورة يُفترَض أن يكون قد فهم ذلك أيضاً. في المقابل، لا يُمكن لأيّ عاقل التسليم بأن إيران ستقبل الخروج من سورية من دون ردّة فعل، ولو بشكل غير مباشر. المفارقة أن طهران تتّفق مع تلّ أبيب على العداء للنظام السوري الحالي، وهو أمر يسمح في استنباط ثغرات أمنية، يُفضي ضجيجُها إلى نسيان من كان البادئ أو المحرّض فيها. ولفهم ذلك، يكفي النظر إلى السلوك الإسرائيلي في الجنوب السوري، سواء بالتوغّلات الميدانية، أو بقول رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إن “إسرائيل ستحمي الدروز”. أمّا الإيرانيون، فتعهّدوا وتوعّدوا بـ”المقاومة في سورية”. وهي بالمناسبة ليست مقاومة ضد إسرائيل.

لاحتواء مثل هذا الوضع، يحتاج الحكم الانتقالي في سورية لاعتماد مقاربة الحلول السياسية أكثر من الحلول الأمنية. الأولى تبقى دائماً مضمونة، خصوصاً أن المبادر هو الحاكم، فيما خطورة الثانية تكمن في تعدّد اللاعبين، الإقليميين تحديداً، القادرين على أداء دور سلبي فيها، وهو ما يفرّغ المرحلة الانتقالية من مضمونها، وتعود سورية إلى عهود الظلام التي سادت طوال الفترات الماضية.

العربي الجديد

————————

سورية… المحنة والامتحان/ بشير البكر

08 مارس 2025

تدفع دمشق ضريبة عقد ونصف العقد من حرب تدميرية، شنّها النظام السابق وحلفاؤه الإيرانيون والروس ضدّ الشعب السوري. ويلاحظ زائر المدينة في هذه الفترة، قبل أن تطأ قدماه أرض مطارها الدولي، أن البلد منهك، إذ تهبط الطائرة على مدرّج لم يخضع للصيانة منذ زمن طويل، بينما لا تبدو الآمال التي راجت خلال الشهرَين الماضيَين، عن جهود تركية وقطرية لإعادة تأهيل المطار، منظورة. وفي طريق المغادرة، يعاني تسجيل المسافرين خللاً، مصدره ضعف خدمة الإنترنت، التي لا تتوافر بسويّة جيّدة، إلا في بعض فنادق ومقاهي الدرجة الأولى، ولكنّ المعضلة الكبرى التي تُلقي بظلّها على البلد بأكمله، عدم توافر الكهرباء لأكثر من ساعتَين خلال 24 ساعة. وقد مرّت قرابة ثلاثة أشهر على التحوّل الجديد، ولم يحصل أيّ تقدّم في هذا الصعيد، ويسود الظنّ أن الوعود بتوفيرها بمعدل ثماني ساعات يومياً، خلال ستّة أشهر، غير قابلة للتحقّق، وهذا لا يشجّع عودة المهجّرين، وإقبال المستثمرين.

المسألة التي تتفوق في الأهمية على ضعف الخدمات أن البلد يواجه تحدّيات داخلية وخارجية حقيقية، في المقدّمة منها أنه لم يستكمل وحدته الداخلية بعد، ولا يزال الشرق والجنوب خارج سلطة الدولة، وتهدّد التدخّلات الإسرائيلية بالاحتلال والتقسيم، بالرهان على أطراف داخلية في الجهتَين، في جوّ طائفي مشحون، يتنامى كل يوم في منطقة الساحل، ويتغذّى من دعم إيران وحلفائها. وهناك إجماع في الداخل والخارج على أن إسرائيل هي الخطر الأكبر على سورية، ما يستوجب استعدادات جادّة، سياسية وعسكرية، من أجل إحباط مشروعها. وما لم تُعالج القضايا الداخلية، القابلة للاستثمار الخارجي بسرعة، وعلى نحو حاسم، فإنها تهدّد بأن تصبح أمراً واقعاً من الصعب تغييره، وهناك خرائط متداولة في وسائل التواصل برسم التقسيم، الذي يتطلّب من السلطة الجديدة مقاربةً مختلفةً للملفّات الداخلية من طريق توسيع مجالها السياسي شرطاً للانفتاح السياسي والاقتصادي الدولي والعربي، وتبقى تشكيلة الحكومة والمجلس التشريعي استحقاقاً بالغ الأهمية، ينتظره الداخل والخارج. وبناء على ذلك، سيتضح اتجاه المرحلة المقبلة. وفي هذه الأثناء، تسود حالة من التريّث الدولي والعربي تجاه سورية، على عكس الاهتمام الذي شهدته في المرحلة الأولى، حتى أن دولاً وعدت بتقديم دعم أولي لم تفِ بذلك، والسبب عدم رفع العقوبات الأميركية، التي باتت مشروطة سياسياً.

في خضّم الصعوبات، ينتظر الشارع السوري من السلطة الجديدة الانفتاح على ما يزخر به البلد من طاقات وكفاءات، لديها القدرة والاستعداد للمشاركة في تحمّل مسؤوليات المرحلة، سيّما أن تجربة ثلاثة أشهر أظهرت أن السلطة لا تمتلك خبرة كافية، تؤهلها لإدارة الملفات السياسية والاقتصادية والإعلامية بجدارة، وهذا أمر يتسبّب في اتخاذ قرارات غير مدروسة، وإسناد مسؤولياتٍ ذات طبيعة حسّاسة لأشخاص ليسوا على قدرٍ من الكفاءة. وهناك من يسلّط الضوء على ذلك، ويصوّره نهجاً يصدر من تخبّط، ما ينعكس سلباً، ويضعف الثقة بالتحوّل الجديد، في الداخل والخارج، غير أنه كلّما علا صوت النقد تراجع، بانتظار الإعلان الدستوري، وتشكيل الحكومة الجديدة، التي كان من المرتقب إعلانها في مطلع شهر مارس/ آذار الحالي، ولكنّها تأخّرت، من دون صدور أيّ توضيح رسمي، حول نهاية المرحلة المؤقّتة، التي كانت مقرّرةً حتى بداية الشهر الحالي، الأمر الذي ينعكس بطأً باتخاذ قرارات ذات طبيعة استعجالية لمواجهة الأزمات المتراكمة، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، التي يفاقم منها، عدم إسناد المسؤوليات ذات الطابع الخدمي إلى شخصيات تكنوقراط، ذات خبرة، وعلى صلات عربية ودولية.

العربي الجديد

—————————–

حليفتا ترامب في الشرق الأوسط على حافة المواجهة في سوريا

ربى خدام الجامع

2025.03.08

في الوقت الذي يسعى أصحاب المصلحة الإقليميون والدوليون لعقد اتفاق بشأن الحرب في غزة، تتصاعد حالة تنافس خطرة ما بين دولتين حليفتين للولايات المتحدة في سوريا، وهما تركيا وإسرائيل، مع استمرار النزاع الجيوسياسي بعد ثلاثة أشهر من سقوط بشار الأسد.

بعد الجسارة التي تملكت إسرائيل بعد حربها على حماس وانتصارها على حلفاء حماس الإيرانيين في المنطقة، استغلت إسرائيل الفوضى الحاصلة بعد سقوط الأسد لتحتل مزيداً من الأراضي في الجنوب السوري المتاخمة لمرتفعات الجولان التي احتلتها منذ أمد بعيد، فأقامت هناك منطقة عازلة جديدة لمواجهة أي خطر من أي عدو محتمل. كما كثفت القوات الإسرائيلية غاراتها الجوية التي استهدفت مواقع عسكرية سورية، وسعت لتمتين علاقاتها مع الدروز والأكراد في سوريا.

ومع تعاظم دور تركيا كقوة إقليمية بوصفها عضواً في حلف شمال الأطلسي الذي تتزعمه الولايات المتحدة، أقامت تركيا لنفسها قواعد في الشمال وعملت على الاستفادة من العلاقات الوثيقة التي تربطها بفصائل المعارضة السورية وذلك لتعزيز موقفها في ظل غياب حلفاء الأسد، أي إيران وروسيا اللتين تراجع نفوذهما بعد طرد الأسد، وذلك بفضل هجوم شنته المعارضة بزعامة إسلامية في شهر كانون الأول الماضي. ومؤخراً، عقدت أنقرة اتفاقاً لوقف إطلاق النار سعياً لتهدئة التمرد الذي استمر عقوداً والذي أشعله حزب العمال الكردستاني من سوريا والعراق.

مواجهة مرتقبة

أعرب الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن إعجابه بكل من رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، والرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، واعتبر كلاً منهما لاعباً محورياً ضمن رؤيته للشرق الأوسط، ولكن مع دخول الرجلين الآن في مقارعة متقلبة الظروف، حذر بعض المراقبين من احتمال حدوث اشتباك قريب بينهما في حال لم يقم كل منهما بإدارة مصالحه التي تتضارب مع الطرف الآخر في سوريا.

تعلق على ذلك إفرات أفيف وهي أستاذة مشاركة في جامعة بار-إيلان، ومن كبار الباحثين لدى مركز بيغين-سادات للدراسات الاستراتيجية، فتقول: “سأعبر عن ذلك بحذر من دون أن أدعي بأني أتنبأ للمستقبل، إذ أعتقد بأن مواجهة ستنشب بين إسرائيل وتركيا خلال مرحلة من المراحل، ولو على نطاق عسكري ضيق”.

سوريا بين الشك والأمل

تربط كل من تركيا وإسرائيل بين سوريا ومصالحهما الأساسية، وذلك نظراً لقرب تلك الدولة وتاريخها الحديث مع الاضطرابات، إذ بسبب الحرب التي عصفت بها منذ عام 2011، انجرت سوريا إلى معركة أوسع بين إسرائيل و”محور المقاومة” الذي تترأسه إيران، وهذا ما أشعل حرب غزة التي بدأت في تشرين الأول من عام 2023.

في الوقت الذي لم تشارك سوريا مباشرة في الحرب ضد إسرائيل، تحولت إلى مركز مهم للعمليات التي نفذتها ميليشيات تابعة لإيران بقيت تدعم نظام الأسد سنين طويلة في حربه ضد المعارضة بالداخل. وفي اليوم نفسه الذي وقعت إسرائيل وحزب الله على اتفاق وقف إطلاق النار بعد معارك ضارية في لبنان خلال شهر تشرين الثاني الماضي، اشتعلت الجبهات الداخلية التي كانت مجمدة في سوريا وانطلقت في عملية عسكرية شنتها هيئة تحرير الشام التي سرعان ما سيطرت على أهم وأكبر المدن السورية.

في البداية، عمل الانهيار السريع لحكم حزب البعث في سوريا والذي استمر لنصف قرن من الزمان خلال مدة تقل عن أسبوعين على إحياء الأمل بنشر الاستقرار في هذا البلد، ولكن سرعان ما حل الشك محل التفاؤل بسبب توجهات الحكومة الجديدة التي يترأسها أحمد الشرع، فضلاً عن تنافس القوى المجاورة على النفوذ في سوريا.

تبنى الشرع موقفاً حذراً تجاه إسرائيل، فقد دان هجماتها لأراض سورية واحتلالها لها، مع تأكيده على أن حكومته لا تمثل أي تهديد لعدو سوريا اللدود. وفي تلك الأثناء، سعت الإدارة السورية الوليدة إلى تقديم ضمانات أمنية أكبر لتركيا.

أسباب التوتر بين تركيا وإسرائيل

بقيت سياسة تركيا غامضة تجاه هيئة تحرير الشام التي حلها الشرع اليوم، لكنها بقيت تدعم وعلى الملأ الجيش الوطني السوري المؤلف من تحالف لفصائل ثورية تقف ضد الهيئة. بيد أن العلاقات المتوترة بين أنقرة ودمشق شهدت تحسناً هائلاً منذ الانتصار المشترك الذي حققه الثوار في شهر كانون الأول الفائت.

وترى أفيف الآن بأن تعاظم الدور التركي في سوريا والذي ترفده مليارات الدولارات التي أتت على شكل استثمارات، هو ما جدد قلق إسرائيل، وتعلق على ذلك بقولها: “بفضل تلك الاستثمارات الكبيرة، قد تطالب تركيا بنفوذ عسكري في سوريا، خاصة في ظل الضعف الذي تعانيه سوريا بسبب هذا الوضع الهش، الأمر الذي قد يمثل تهديداً لإسرائيل، كما أن تركيا لا تريد أن ترى كل ما يفسد رؤيتها في سوريا، ولهذا طالبت إسرائيل بالانسحاب إلى ما بعد الحدود وزعمت بأن إسرائيل تزعزع استقرار الشرق الأوسط عبر قيامها بذلك، كما هدد أردوغان بعمل عسكري ضد إسرائيل مرتين على الأقل. ثم إن إسرائيل أبدت عظيم قلقها حيال علاقة تركيا بحماس والدعم التركي الجلي والمعروف الذي تقدمه لحماس”.

وكما حرصت إسرائيل في مرات كثيرة على تشبيه حماس بتنظيم الدولة، ذكرت أفيف أن إسرائيل ما تزال ترى في الشرع الذي يحكم سوريا الآن “عضواً تابعاً لتنظيم الدولة”، وقالت: “يمثل الكرد حالياً حليفاً تثق إسرائيل به” في سوريا، كما يمكن للدروز أن يلعبوا دوراً مهماً “عبر التواصل مع الطائفة الدرزية في إسرائيل، عندئذ يمكن تجديد التحالف الأخوي الذي بوسعه أن يضمن حماية الحدود المشتركة بفضل وجود المصالح نفسها”.

أثار هذا الكلام مخاوف في سوريا بشأن تقسيم قد يحدث فيها بحكم الأمر الواقع في وقت قسمت البلد بالفعل ما بين الحكومة المركزية التي تشكلت مؤخراً، والسيطرة التركية الموجودة في الشمال، والوجود الإسرائيلي في الجنوب، والإدارة الذاتية لقوات سوريا الديمقراطية الكردية المدعومة أميركياً في شمال شرقي سوريا.

أسباب التوتر بين تركيا وأميركا

بقيت القوات الأميركية الموجودة في مناطق سيطرة قسد نقطة خلاف بين واشنطن وأنقرة منذ أمد بعيد، بما أن أنقرة تعتبر قسد وحزب الاتحاد الديمقراطي التابع لها وكذلك وحدات حماية الشعب أذرعاً ترتبط مباشرة بحزب العمال الكردستاني. وفي السابق، أمر ترامب بسحب القوات الأميركية من سوريا خلال فترة ولايته الأولى عقب توقيعه لاتفاق مع أردوغان، ولهذا تشير التقارير إلى احتمال سعي الرئيس الأميركي إلى تنفيذ عملية الإجلاء بالكامل هذه المرة.

والآن، ومن منظور تركيا، فإن محاولات إسرائيل لعقد تحالفات جديدة في سوريا جعلت من نتنياهو “عنصراً فاعلاً متطرفاً” بحسب ما يراه مراد أصلان، وهو أستاذ مشارك في جامعة حسن كاليونجو ومن كبار الباحثين لدى مؤسسة الأبحاث السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وهذا ما دفعه إلى القول: “لقد غير سقوط الأسد الموقف الإسرائيلي، ويعود أحد أسباب ذلك إلى فلسفتها التي خرجت بها بعد السابع من تشرين الأول وللأجندة المحافظة التي يترأسها نتنياهو، ولهذا رأت إسرائيل في الثغرة التي فتحت في سوريا فرصة لتدمير المخزون العسكري السوري، ولتوسيع احتلالها للأراضي شرقاً، مع تشجيع الدروز وحزب الاتحاد الديمقراطي التابع لحزب العمال الكردستاتي على إقامة كيان وكيل موال لإسرائيل”.

وفي وجه هذه الاستراتيجية الواضحة، يرى أصلان أن: “تركيا ستلتزم بالصبر إلى أن تصل إلى آخر درجات التحمل”، لكنه حذر من أنه: “في حال مواصلة إسرائيل لتصعيدها، قد يظهر عمل منسق مع دمشق من خلال نهج يتم تطبيقه على مراحل”.

وفي الوقت الذي يعتبر أصلان المواجهة العسكرية المباشرة بمنزلة “الملاذ الأخير” لأنقرة، يرى أن هنالك احتمالاً لظهور: “أساليب وأصول دفاعية وردعية أخرى تعتمد على تكاليف أقل ولا يشبه بعضها بعضاً، كما يمكن تنفيذها بسهولة” من أجل إبقاء إسرائيل تحت السيطرة، ويضيف: “مهما اختلفت الظروف، فإن التقييم النهائي في تركيا يرى بأن الأمن الإسرائيلي يعتمد على إسناد وتأمين هويات أخرى، وبمجرد أن تصعد إسرائيل أكثر فأكثر، فستظهر حلقة مفرغة من العنف لن تنتهي على مر العصور”.

منذ شهر كانون الثاني ظهرت تحذيرات تجاه احتمال وقوع نزاع بين تركيا وإسرائيل جرت على لسان أعضاء هيئة الحكومة الإسرائيلية التي يتزعمها رئيس الأمن القومي السابق يعقوب ناغل، إذ حذر تقريرها من: “الخطر المباشر للأعمال العدائية التركية-الإسرائيلية” في حال تحقيق أردوغان: “للحلم التركي المتمثل بإعادة الأمجاد السابقة للتاج العثماني”.

تهديدات متبادلة

قبل ذلك، أعلن نتنياهو بأنه لا مصلحة لبلده في مواجهة سوريا عقب سقوط الأسد، وأتى تصريحه ذاك عقب أعنف الغارات التي شنتها إسرائيل على عشرات الأهداف العسكرية والتي شملت بوارج حربية وطائرات ومستودعات للصواريخ وترسانة الأسلحة الكيماوية، فضلاً عن التوغل البري الذي شنته إسرائيل في الأراضي المقفرة الواقعة خلف خط الهدنة الموقعة عام 1974 عند مرتفعات الجولان.

أكد رئيس الوزراء الإسرائيلي على موقفه خلال الشهر الماضي حين طالب: “بإخلاء عسكري كامل للجنود التابعين للنظام السوري الجديد من الجنوب السوري، وتحديداً من محافظات القنيطرة ودرعا والسويداء” وأكد أن إسرائيل: “لن تتسامح مع أي تهديد يطول الطائفة الدرزية في الجنوب السوري”.

قوبلت تلك التصريحات بمظاهرات خرج بها دروز سوريا حاملين العلم السوري الجديد وطالبوا بالانسحاب الإسرائيلي من البلد، غير أن شكلاً أخطر من أشكال الاضطرابات تجلى يوم الجمعة الماضي بعد مقتل ضابط أمن سوري في ضاحية جرمانا ذات الغالبية الدرزية والمسيحية، ما أدى إلى إرسال مزيد من قوات الأمن إلى هناك في وقت لاحق.

هدد وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، بالتدخل يوم الأحد الماضي، وأعلن أن الجيش الإسرائيلي: “لن يسمح لنظام إرهابي إسلامي متطرف في سوريا بتوجيه أي أذى للدروز”، وأكد أنه تم إصدار توجيهات لقواته بفرض مهلة نهائية.

ويوم الإثنين، هدد أردوغان: “الساعين للاستفادة من انعدام الاستقرار في سوريا” وتعهد بأن تركيا: “لن تسمح لهم بتقسيم سوريا كما يتصورون”، فما كان من الجيش الإسرائيلي إلا أن نفذ سلسلة جديدة من الغارات على سوريا بُعيد ذلك.

قوى متناحرة تتناهب سوريا

في الوقت الذي تصور إسرائيل نفسها على أنها حامية لحقوق الأقليات في سوريا، قدمت تركيا نفسها على أنها القوة الرائدة التي ستنشر الاستقرار والوحدة هناك، إذ ذكر مسؤول من السفارة التركية في الولايات المتحدة أن: “تركيا تعطي الأولوية لأمن سوريا وأمانها، بما يحفظ وحدة الأراضي السورية ووحدة البلد السياسية، ومن هذا المنظور نقف ضد جميع المحاولات الساعية لتقويض سيادة سوريا ووحدة أراضيها”.

وأضاف ذلك المسؤول التركي: “نأمل أن نرى السوريين يعيشون في بلد مستقر يوفر الرفاهية لمواطنيه، ويضمن وجود نظام سياسي جامع، ولا يشكل الإرهاب الصادر من هذا البلد أي تهديد على الشعب السوري وعلى جيران سوريا، ولهذا تتعاون تركيا مع الدول الإقليمية، مثل الأردن والعراق، في مساعدة سوريا بحربها ضد الإرهاب”.

وتحدث ذلك المسؤول عن العلاقات القديمة التي تربط بلده بالمعارضة السورية، وعن رغبة أنقرة في إعادة تأهيل الحكومة الجديدة بدمشق على المستوى العالمي والأثر الذي خلفه النزاع السوري على الداخل التركي، بما أن تركيا تؤوي قرابة ثلاثة ملايين لاجئ سوري، فأصبحت بذلك الدولة التي استضافت أكبر عدد من اللاجئين على مستوى العالم، وهذا ما دفعه إلى القول: “وقفت تركيا إلى جانب الشعب السوري في نضاله طول السنوات الأربع عشرة الماضية، وهي مستعدة لمساعدة السوريين على تحقيق السلام والازدهار مستقبلاً”، وأضاف: “لهذا السبب أعطت تركيا الأولوية لتعاونها مع الإدارة السورية الجديدة وشجعت المجتمع الدولي على أن يحذو حذوها من خلال رفع العقوبات، والاستثمار في جهود إعادة الإعمار، وإعادة بناء مستقبل يعيش فيه كل السوريين بسلام، ومن خلال هذا المنظور، ما تزال عملية تسهيل عودة ملايين السوريين المهجرين أولوية”.

في تلك الأثناء تصاعد التشاؤم في سوريا حيال التهديد الذي يلوح بالنسبة لتجدد النزاع والذي بوسعه أن يحرفها عن مسارها الذي تسعى للمضي عليه مستقبلاً.

يعلق على ذلك بسام بربندي، وهو دبلوماسي سوري سابق يعمل حالياً محرراً لدى موقع Syria Update، فيقول: “تركيا ليست مستعدة ولا قادرة على حماية سوريا من العمليات الإسرائيلية” في حين: “يجب على إسرائيل إبداء التزام حقيقي بالسلام بدلاً من الدخول في نزاع آخر قد يمتد طويلاً”.

وشكك بربندي في تورط كلا الطرفين فعلاً في مواجهة مباشرة، لكنه حذر أيضاً من الأثمان المترتبة على ذلك في وقت: “لا يرغب السوريون ولا يمكنهم تحمل أثمان هذا النزاع، بما أن بلدهم مدمر بالأصل”.

ولتجنب كل ذلك، حث بربندي الحليف المشترك لكل من تركيا وإسرائيل على لعب دور يعتمد على مزيد من تحركات استباقية وذلك للتفاوض على إقامة سلام ما بين سوريا وإسرائيل، وقال:”لا بد للولايات المتحدة أن تتبنى نهجاً أشد فاعلية في التوسط من أجل صياغة تفاهم بين سوريا وإسرائيل، لكن ذلك قد يحتاج من القيادة الجديدة لسوريا أن تبدي استعدادها لإعطاء الأولوية لمصالح البلد الأساسية وتفضيلها على النزاعات الأيديولوجية”.

حتى الآن، لم يبد ترامب أي رغبة للتعاون مع الشرع، بل صرح عوضاً عن ذلك بأنه يجب على الولايات المتحدة ألا تتدخل بالنزاعات الداخلية لسوريا بما أن نظام الأسد انهار قبل أسابيع من تنصيبه رئيساً للولايات المتحدة في واشنطن، كما شكك نائب الرئيس فانس بانتصار الثوار، وشبه هذا الانتصار بالتقدم الذي حققه الجهاديون في السابق والذي نجم عنه انتهاكات لحقوق الإنسان طالت الأقليات، وخاصة المسيحيين.

وخلال الفترة نفسها، أعلن ترامب أن أردوغان “يمتلك مفاتيح” ما سيحدث مستقبلاً في سوريا، ووصف الرئيس التركي بأنه ذكي وقال إنه يحترمه، ومنذ ذلك الحين انصب اهتمام البيت الأبيض بالنسبة لسياسة الشرق الأوسط على غزة التي يتشاور بشأنها ترامب مع نتنياهو عن قرب.

من جانبه، رثى بربندي لحال سوريا التي وقعت من جديد في مرمى نيران دول تتنافس على مد نفوذها، وقال: “من منظور سوري، لا نتمنى أن نرى بلدنا قد تحولت إلى ساحة قتال أمام القوى الإقليمية المتناحرة”.

تلفزيون سوريا

——————————-

الودائع السورية في لبنان… المعقول واللامعقول/ توفيق شومان

08 مارس 2025

يُرجع المؤرخ البريطاني فيليب مانسيل، في كتابه عالي الجودة “ثلاث مدن مشرقية” من جزئين (سلسلة عالم المعرفة، الكويت، يناير/ كانون الثاني وفبراير/ شباط 2017)، نشوء الرأسمال اللبناني إلى أصول محلية، وبما يفارق نشوء الرأسمال في الدول المحيطة، حيث كان للرأسمال الأجنبي الوافد دوره الكبير في التكوين والمراكمة، ومن مؤشرات ذلك أن قيمة الصادرات والواردات عبر مرفأ بيروت قفزت من عشرة ملايين فرنك فرنسي عام 1825 إلى 38 مليوناً عام 1845 إلى 77 مليوناً عام 1862.

وإذ لا يبتعد أستاذ تاريخ الشرق الأدنى الحديث زين نور الدين زين عمّا سلف قوله في كتابه “نشوء القومية العربية” (1968)، فإن صحيفة الحياة البيروتية أكملت فكرتَي المؤرّخَين المذكورَين بنشرها تقريراً موسّعاً (25/4/1952) في صدر صفحتها الأولى، وفيه “بيروت تحتلّ مكان القاهرة والإسكندرية عالمياً وتتحوّل إلى مركز لدفع رؤوس الأموال والبورصة”.

بعض التمعن في تاريخ التقرير، وبعض التمعّن ليس إثماً كما هي حال الظنّ، يُفضي إلى ملاحظة مفادها أن بيروت باتت المركز المالي الإقليمي قبل إطاحة النظام الملكي في مصر في 23 يوليو/ تمّوز 1952، وقبل سقوط النظام الملكي في العراق عام 1958، وقبل وصول حزب البعث بجناحيه السوري والعراقي بانقلابَين عسكريَّين عامي 1963 و1968 وما تلا ذلك في القاهرة وبغداد ودمشق من سريان وبائي لحركة التأميمات وهروب رؤوس الأموال، فوصلت نسبة منها إلى بيروت. أيضاً وقبل استفحال حركة التأميمات، كانت قوة النقد اللبناني قد وصلت إلى الذروة، فانخفض الدولار الأميركي من 360 قرشاً عام 1953 إلى 300 قرشاً عام 1961، بحسب دراسة نشرتها مجلة الرائد العربي في أغسطس/ آب 1961، وكتبت المجلة نفسها، في عددها في فبراير/ شباط 1961، عن اتجاه لتحويل العملة اللبنانية عملةً إقليميةً في مساحة المشرق العربي كلّه. وعلى هذه الحال، كان النقد اللبناني يخطو نحو العالمية، إذ أصدر القسم المالي في هيئة الأمم المتحدة تقريراً نشرته “الحياة” (20/2/1965) عن أوضاع البلدان الستّة في الفئة العالمية الأولى، من حيث الودائع والقوة المالية، وقد احتل لبنان بين البلدان الستّة المقام الرابع، والأول في الشرق الأوسط. ولتُتبِعه بتقرير آخر بعنوان “النقد اللبناني يصبح عالمياً”، وتُضمِّن اهتمام “الأوساط المالية والتجارية والاقتصادية والصناعية بتقرير رئيس الحكومة حسين العويني عن سلامة النقد اللبناني ومعاملته على قدم المساواة مع الدولار، بعد اتفاق مع السوق الأوروبية المشتركة والولايات المتحدة، وجاء هذا الاتفاق بعد قبول لبنان عضواً معاوناً في السوق الأوروبية، وسيصبح لبنان الجسر العالمي، الذي تروح إليه وتجيء المصالح الاقتصادية العالمية في أوروبا وأميركا والشرق الأوسط وأفريقيا”.

ما يُراد من هذا السرد القول إن البيئة الاستثمارية اللبنانية، والموقع المالي المتقدّم لبيروت، والنظام الاقتصادي الحرّ، جذبت قسماً من الأموال العربية الهاربة من أوطانها، وأسهمت في رفد هذه البيئة بنجاحات إضافية. وإذا كان لا بدّ من الإقرار بأن الأموال الفلسطينية من دون غيرها، وقبل التأميمات العربية، كان لها نصيب وافر في مؤازرة البيئة اللبنانية جرّاء عوامل عدّة، منها الإحتلال الصهيوني، والقربى العائلية بين كبار المتموّلين اللبنانيين والفلسطينيين والشراكات المالية والتجارية بينهم، وسهولة الانتقال الساحلي بين بيروت وعكّا وحيفا ويافا، فيما التدفّقات المالية غير الفلسطينية لم تكن ذا باع طويل، كما يُحكى ويُقال، إذا قيست بحجم رأس المال النقدي للبنانيين. ومن معطيات ذلك، أن انهيار بنك إنترا عام 1966 لم ينعكس سلباً على قيمة العملة اللبنانية، رغم ما يشاع عن أن هذا المصرف كان يستحوذ على أكثر من 30% من الودائع المصرفية، “فلبنان أكبر بكثير من أن يهدّده توقّف بنك عن الدفع”، كما نسبت “الحياة” إلى اقتصاديّ كبير لم تسمّه في 23/12/1966.

وفيما قطع لبنان تداعيات حرب حزيران (1967) و”الانقلاب الانتخابي” الذي قاده اليمين اللبناني، أو ما يُعرف بـ”الحلف الثلاثي”، على النهج الشهابي عام 1968، والصدامات المسلّحة بين الجيش اللبناني والمقاومة الفلسطينية، ومضاعفات حرب أكتوبر (1973)، فالعملة الوطنية استمرّت في ثباتها، واستُؤنفت المباحثات حول انضمام لبنان إلى السوق الأوروبية المشتركة، مثل ما ذكرت صحيفة الأنوار (14/12/1972)، وانخفض الدولار أمام الليرة في 18 مايو/ أيار 1973، مثل ما ورد في صحيفة النهار، وليخلص تقرير البنك الدولي، في منتصف مايو/ أيار 1975، إلى أن لبنان يسير نحو مستوىً معيشيٍّ يضارع مستوى دولة أوروبية منخفضة الدخل.

توارت تلك العلامات الفارقة للتجربة اللبنانية إثر اندلاع الحرب الأهلية، فخرج قسم كبير من الودائع المصرفية المحلّية والأجنبية، وإذ كادت دورة المال والأعمال تستعيد أنفاسها في تسعينيّات القرن الماضي، إلا أن تلك الأنفاس انقطعت بعد عام 2005 عقب اغتيال رفيق الحريري، وما زالت مقطوعةً، فمن أين الأربعين مليار دولار أو الستّين ملياراً التي تحدّث عنها رئيس النظام السوري السابق بشّار الأسد، واستعاد الأرقام إياها الرئيس الانتقالي أحمد الشرع؟

في أحاديث بيروت، حجم الانهيار المالي اللبناني الضارب أطنابه منذ عام 2019 يقارب 85 مليار دولار، لا تتعدّى فيه الودائع السورية أكثر من ثلاثة مليارات دولار، وإذ تذهب تقديرات مصرفية إلى الجدال قائلةً لو جرى توسيع الافتراض بأن الودائع السورية مقدّرة بـ10% من إجمالي الودائع كلّها، فالأمر حينذاك يتجاوز ثماني مليارات بقليل. وحول لغة الأرقام، قد يكون من المناسب القول إن النسب المتداولة حول حجم الودائع المصرفية في لبنان منذ عام 1996، لغير المقيمين، تقارب 25%، أكثر من نصفها للبنانيين مغتربين، ويبقى النصف الآخر لجنسيات غير لبنانية، أي لسوريين وغير سوريين، وهذه النسبة لو سُيّلت أرقاماً لن تقترب من قريب أو من بعيد من الأرقام التي أطلقتها دمشق القديمة وتطلقها دمشق الجديدة.

ما الحل؟… من بداهة القول إن الودائع السورية هي من حقّ السوريين، كما هي حقوق المودعين الآخرين، لبنانيين وغير لبنانيين، لكن من الضروي القول أيضاً إن تلك الودائع ليست أموالاً للدولة السورية، وإنما هي أموال أفراد، تماماً مثل الأفراد اللبنانيين، ولا يمكن اعتماد التجزئة طريقاً لحلّ تعقيدات هذا الملفّ العالق، فالحلّ يكون شمولياً، والشمولية مطلوبة ومستحبّة في هذا المجال… والله المستعان.

العربي الجديد

——————

سوريون بتركيا في شتات العودة أو البقاء/ غزوان الميداني

08 مارس 2025

تتجهز عائلة أبو محمد للانطلاق، في اليوم التالي، من ساحة تقسيم وسط مدينة إسطنبول نحو الحدود التركية السورية.

تلملم أم محمد ما تبقى من متاع عائلتها لتحشو به آخر متسع من حقيبة كبيرة امتلأ بطنها بأهم ما يلزم في حال تأخر ما أرسلته إلى سوريا عبر الشحن.

أفراد العائلة هم من بين أكثر من 133 ألف سوري قرروا العودة إلى وطنهم عقب سقوط نظام بشار الأسد في الثامن من ديسمبر 2024، وفق ما أعلنه الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، في السادس من مارس الحالي.

وحتى عام 2024 سجلت الأمم المتحدة 2.9 ملايين سوري على الأراضي التركية. لكن بعضهم يتردد بالعودة.

حقيبة ممتلئة أخرى ترافق عائلة أبو محمد، لكنها ليست لأغراض مادية، بل افتراضية تعج بذكريات سنوات ثمان عاشوها في تركيا.

“منذ لحظة الإعلان عن سقوط النظام في دمشق قررنا العودة إلى سوريا”، تقول أم محمد وهي تحاول أن تغالب دموع الفرح التي تملأ عينيها.

“ما زلتُ لا أصدق أنني سأعود إلى سوريا، سأزور قبر ولدي مرة أخرى” تضيف لموقع الحرة وقد تحولت صوتها إلى نحيب يكسر القلب.

أم محمد المرأة الخمسينية عاشت مع زوجها وأولادها في حي القابون الدمشقي خلال الحرب السورية وعانت من الحصار والجوع وتحت قصف البراميل المتفجرة فقدت ابنها البكر.

خرجت العائلة من دمشق باتجاه الشمال السوري إثر اتفاقية التهجير التي فرضها نظام الأسد على مقاتلي الجيش الحر في الحي عام 2017، لتصل إلى إسطنبول وتبقى فيها تحت الحماية المؤقتة.

“لم ننسَ يوماً وطننا، ولولا وجود الأسد ما فكرنا قط بأن نتركه”، تتابع راسمة ابتسامة من بين الدموع، “سقوط النظام منحنا الأمل بالعودة وإعادة بناء ما تهدم”.

“لم نشعر يوماً بالاستقرار هنا، نحن نعيش الحالة (الحماية) المؤقتة على أمل العودة منذ ثماني سنوات، أما اليوم فلم يعد هناك سبب لبقائنا هنا، ورغم التحديات التي تنتظرنا هناك، لا شيء يعادل دفء الوطن ولمة الأسرة تحت سمائه”.

لكن هنالك من اللاجئين السوريين من يتردد في المغادرة. رغم أن تركيا أعلنت في نهاية 2024 عن خطة تهدف إلى تمكين المهاجرين من التخطيط بشكل أفضل لعودتهم إلى بلدهم.

وثيقة لوزارة الداخلية التركية ذكرت حينها أن البرنامج يسمح لأرباب الأسر السورية بزيارة سوريا ثلاث مرات بين يناير ويونيو هذا العام.

يُذكر أن 35 ألف سوري غادروا تركيا في الأسابيع الثلاثة الأولى بعد الإطاحة بالأسد، إذ تخلوا عن حق العودة إلى تركيا بعد التوقيع على وثيقة العودة الطوعية.

وفي الفترة بين سقوط الأسد وأواخر يناير غادر 81576 لاجئ سوري من تركيا، وفق إحصائيات ذكرها وزير الداخلية التركي، علي يرلي قايا. ولم يتضح عدد الذين وقعوا قبل المغادرة على وثيقة العودة الطوعية في يناير.

وجهة نظر أخرى

عائلات كثيرة في تركيا ترى أنه من المبكر جداً العودة إلى سوريا، خصوصاً وأنهم بنوا حياة جديدة خارج حدود وطنهم.

أما الأسباب لامتناع أفراد تلك العائلات عن العودة إلى سوريا تتعدد، منها، على الأقل، ينطبق على الوقت الحالي.

فالكثير من أطفال اللاجئين السوريين الذين يعيشون في تركيا منذ سنوات يدرسون في المدارس التركية التي توفر لهم بيئة تعليمية مستقرة.

بينما يُعد انتقال الأطفال إلى نظام دراسي يعتمد على اللغة العربية تحديًا كبيرًا يتطلب إعادة تأهيل شاملة لمناهجهم ومستوى لغويا جديدا، وهو ما يصعب تحقيقه في ظل الظروف الراهنة في سوريا.

“هناك الكثير من التحديات الأخرى إذا ما تجاوزنا موضوع دراسة الأطفال،” يقول عامر محمود متحدثاً للحرة عن الأسباب التي تجعله لا يفكر مع عائلته بالعودة “طوعياً” إلى سوريا في الوقت الحالي.

محمود سيضطر إلى استئجار منزل بعد أن دمرت الحرب منزله.

“كيف سأدفع إيجار المنزل وأعيش وأسرتي في بلد اقتصاده مدمر تماماً ومعدل الرواتب لا يتجاوز الـ 100 دولار في حال نفذت الحكومة المؤقتة وعدها برفع الرواتب 400%؟”، يتساءل.

البنية التحتية المدمرة، وعدم توفر الخدمات الأساسية كالكهرباء والإنترنت والبطالة، غيرها من الأسباب التي يعددها محمود.

“أنا في تركيا منذ عشر سنوات، بنيت خلالها واقعاً جديداً لحياتي، من الصعب أن أعود لأبني حياة جديدة من الصفر في سوريا”.

وفي نفس الوقت، هناك تساؤلات بشأن إمكانية المكوث في تركيا،”لا ندري كيف سيكون مصيرنا وكيف ستتعامل معنا السلطات التركية ابتداءً من مطلع شهر يوليو القادم، الموعد الذي حددته دائرة الهجرة لانتهاء الإجازات الممنوحة للسوريين الراغبين في استطلاع الأوضاع في سوريا تمهيداً للعودة”.

الحصول على الجنسية التركية يبقى أملاً لدى الكثير من السوريين الذين منحوا “الحماية المؤقتة” للاستقرار في تركيا كخيار أفضل من العودة إلى مستقبل مجهول في سوريا.

و”الحماية المؤقتة” هو إجراء منحته تركيا للمواطنين السوريين، فضلا عن الأشخاص عديمي الجنسية واللاجئين من سوريا، الذين جاؤوا إلى تركيا بسبب الأحداث في سوريا بعد 28 أبريل 2011.

وتشمل “الحماية المؤقتة” 2.9 مليون سوري وفقا لأرقام المديرية العامة لإدارة الهجرة في تركيا حتى 26 ديسمبر عام 2024.

لكن حتى الحفاظ على “الحماية المؤقتة” ليس أمرا مضمونا عقب سقوط الأسد، وفقا لمراقبين.

ماذا بعد؟

الصحفي التركي، إسماعيل جوكتان، المُطَّلع على ملف اللاجئين السوريين في تركيا، لا يستبعد إلغاء تركيا “الحماية المؤقتة” للسوريين “مع دخول الصيف القادم وانتهاء العام الدراسي الحالي”.

إردوغان واجه ضغوطًا انتخابية كبيرة بشأن اللاجئين السوريين، يقول جوكتان، لكنه رفض إعادتهم قسرًا عندما كان الأسد في الحكم، “أما الآن فقد سقط سبب منح الحماية المؤقتة مع سقوط النظام”.

وتراجعت حدة استغلال المعارضة التركية لقضية اللاجئين السوريين بعد سقوط نظام الأسد، ولكن هذا التخفيف مرتبط تماماً بسرعة وحجم عودة السوريين إلى ديارهم، يضيف.

كما أن الأوساط المدنية والإعلامية والسياسية تتفق على ضرورة عودة السوريين و”الاستراتيجية الأوضح ستكون تشجيع العودة الطوعية”، على حد تعبيره.

رأي قانوني

نظام الحماية المؤقتة منصوص عليه في المادتين 91 و96 من قانون الأجانب والحماية الدولية التركي رقم 6458 ويُطبق على الأشخاص الذين لا يمكنهم العودة إلى بلدانهم بسبب حرب أو انتهاكات جماعية، وفق ما ذكرته المحامية التركية زينب إرتيكين، المتخصصة في قضايا الهجرة واللاجئين.

هذا النظام يشمل الغالبية العظمى من السوريين في تركيا منذ 2014، ويضمن لهم إقامة مؤقتة، مع حق الوصول إلى الخدمات الأساسية كالتعليم والصحة، تضيف إرتيكين.

وفي حال إعلان الحكومة أن الوضع قد استقرّ بشكل دائم، يجب أن يصحب ذلك خطة واضحة لضمان انتقال اللاجئين إلى أنظمة إقامة بديلة تحمي حقوقهم الأساسية.

ولذلك ترى أن قرار إنهاء الحماية المؤقتة ليس مجرد إعلان حكومي يعتمد على تغيّر الأوضاع الأمنية في سوريا، بل مسألة تتطلب تقييمًا شاملًا للواقع الإنساني لكل فرد.

أما إلغاء الحماية، إن تم إقراره، سيكون تدريجيا، “ولن يكون مفاجئا”، وفق إرتيكين، لأنه سيعتمد على عدة عوامل، منها انتهاء النزاع وتحسن الوضع الإنساني بالإضافة إلى تقييم فردي لكل حالة من أجل ضمان عدم تعرّض أي شخص للخطر.

راحة وتحديات

عائلة أبو محمد وصلت إلى سوريا، تحدثنا مع أم محمد بعد أسبوع من رحلة العودة، لتصف “تحديات قاسية” من غياب للخدمات الأساسية والضرورية.

الكهرباء نادرة، والمياه شحيحة، والإنترنت شبه معدوم، مما زاد من صعوبة حياتهم رغم فرحة العودة.

“الصعوبات كانت متوقعة، ولا ننكر أننا شعرنا بالفرق بين الحياة في دمشق والحياة في إسطنبول”، تقول أم محمد.

“لكن رغم كل شيء نشعر براحة افتقدناها، فنحن أخيرا في وطننا وبين أهلنا”.

غزوان الميداني

الحرة

—————————

مفاوضات بين موسكو ودمشق للحفاظ على القواعد العسكرية الروسية/ إنجي مجدي

شملت المحادثات استثمارات في حقول الغاز والموانئ واعتذاراً محتملاً من دورها في قصف المدنيين بينما رفضت مناقشة طلب تسليم الأسد

السبت 8 مارس 2025

بدأت المناقشات عندما وصل نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف ومبعوثها إلى سوريا ألكسندر لافرينتييف إلى البلاد في يناير (كانون الثاني) الماضي. وبينما كانت نيتهما ​​التفاوض على مستقبل قاعدة حميميم الجوية والقاعدة البحرية الروسية في طرطوس، سرعان ما نمت المحادثات لتشمل علاقات اقتصادية أوسع.

كشفت صحيفة “وول ستريت جورنال” عن مساعٍ روسية لإبرام اتفاق مع الحكومة السورية الموقتة للحفاظ على قواعدها العسكرية في سوريا وتوسيع وجودها الاقتصادي داخل البلاد.

وتحدثت مصادر للصحيفة الأميركية عن تقارب بين موسكو والقيادة الجديدة في دمشق، على رغم الدور الذي قام به الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في دعم نظام الأسد خلال 14 عاماً من الحرب الأهلية، إذ إن روسيا استخدمت قواعدها العسكرية على طول الساحل السوري لضرب أهداف المتمردين، بما في ذلك المواقع التي يحتلها حكام سوريا الجدد. كما أن بشار الأسد وعائلته حصلوا بعد الفرار من البلاد على وضع اللجوء الإنساني في موسكو.

وتشمل المفاوضات الخاصة بين الطرفين مجموعة من القضايا، بما في ذلك مليارات الدولارات نقداً واستثمارات في حقول الغاز والموانئ واعتذار محتمل من جانب موسكو من دورها في قصف المدنيين، وحتى طلب من السلطات السورية الجديدة بتسليم الأسد. لكن وفقاً لمسؤولين أوروبيين وسوريين مطلعين على المحادثات رفض الجانب الروسي مناقشة طلب تسليم الرئيس السابق.

وبدأت المناقشات عندما وصل نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف ومبعوثها إلى سوريا ألكسندر لافرينتييف إلى البلاد في يناير (كانون الثاني) الماضي. وبينما كانت نيتهما ​​التفاوض على مستقبل قاعدة حميميم الجوية والقاعدة البحرية الروسية في طرطوس، سرعان ما نمت المحادثات لتشمل علاقات اقتصادية أوسع، وفق أشخاص مطلعين على المفاوضات.

وفي واحدة من أولى العلامات الملموسة على تحسن العلاقات بين الجانبين سلمت روسيا الشهر الماضي ما يعادل 23 مليون دولار بالعملة السورية بأسعار رسمية إلى البنك المركزي في دمشق. وأفاد مسؤولون سوريون وأوروبيون الصحيفة بأن موسكو طبعت الأوراق النقدية للاقتصاد السوري المتعطش للنقد عندما رفضت غالبية الدول الأخرى بسبب الخوف من العقوبات. وأشارت المصادر إلى أن قطر امتنعت عن تقديم المساعدات المالية التي ناقشتها سابقاً مع النظام الجديد في انتظار توضيح من واشنطن حول ما إذا كانت العقوبات الأميركية ضد الجهاديين السابقين الذين يتولون السلطة في سوريا الآن سترفع.

ويرى مراقبون أن غموض موقف إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب حيال سوريا يوفر فرصة غير متوقعة لروسيا ليس للحفاظ على وجودها فحسب، بل كذلك تعزيزه. كما أن موسكو التي تخضع هي نفسها لعقوبات أميركية وأوروبية بسبب حربها في أوكرانيا، لا تشعر بالمخاوف ذاتها التي لدى غيرها من الدول الداعمة للنظام الجديد في سوريا. وقالت الزميلة لدى معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدني آنا بورشفسكايا إن “ميزة روسيا في التفاوض مع سوريا هي أنها لا تعوقها أية مخاوف أخلاقية في التعامل معها، ويمكنها تنفيذ القرارات من دون الحاجة إلى الإجماع. والسؤال الرئيس هو كيف سيقدم الغرب نفسه لسوريا لتقليل أسباب الاعتماد على روسيا”.

وتقول الصحيفة إن الاتفاق الواسع النطاق بين روسيا وسوريا من شأنه أن يعيد كثيراً من الروابط التي رسخت العلاقة بين البلدين. ففي عهد الأسد كانت سوريا واحدة من أكثر الدول ولاء لروسيا، في حين كانت روسيا من بين أكبر الشركاء التجاريين لسوريا. وفي ذلك الوقت كانت لدى الشركات الروسية استثمارات بمليارات الدولارات شملت ضخ النفط من الحقول السورية ومعالجة الغاز الطبيعي للتصدير.

واكتسبت العلاقة الموقتة بين روسيا وزعماء سوريا الجدد زخماً بعد فترة وجيزة من إجراء بوتين وأحمد الشرع أول مكالمة هاتفية بينهما ناقشا خلالها العلاقات السياسية والتجارية والاقتصادية، بما في ذلك استعداد روسيا “لتحسين الوضع الاجتماعي والاقتصادي في سوريا”، كما جاء في بيان الكرملين، وأرسلت موسكو الطائرة المحملة بالأوراق النقدية بعد بضعة أيام من الاتصال.

وبعد مكالمة بوتين مع الشرع قالت الرئاسة السورية إن بوتين دعا وزير خارجيتها إلى زيارة موسكو وذكرت دمشق أن الرئيس الروسي أبدى استعداده لمناقشة شروط الاتفاقات الموقعة بين روسيا وسوريا الأسد، وهو مطلب رئيس للحكومة السورية الجديدة، وفقاً لأشخاص مطلعين على المحادثات.

وتشمل هذه العقود مرحلة جديدة في بناء ميناء طرطوس الذي عُلق العمل ضمنه وتطوير حقول غاز طبيعي بحرية ومناجم الفوسفات وحقول الهيدروكربون في منطقة تدمر، إضافة إلى بناء مصنع للأسمدة في حمص وسط سوريا.

وتورد “وول ستريت جورنال” أن سوريا تستمد دوافعها نحو روسيا جزئياً من رغبتها في تنويع حلفائها خارج تركيا التي اضطلعت بدور فاعل في دعم “هيئة تحرير الشام”، وأرسل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان رجال أعمال ومسؤولين إلى دمشق بعد أيام من سقوط الأسد ونشر جيشه في أجزاء من شمال البلاد.

——————————–

إيران والخطر الآتي من تركيا/ حسن فحص

اتهام طهران لأنقرة بلعب دور سلبي في التطورات السورية لم يغب عن مواقف كبار المسؤولين في النظام

07 مارس ,2025

المسار الذي اتخذته التطورات الإقليمية ما بعد سقوط الأسد عززت الشعور والاعتقاد لدى القيادة الإيرانية، بأن الاستهداف أو النكسة التي أصيب بها المشروع الإقليمي لإيران لا يقتصر على إجبارها على الانسحاب والانكفاء داخل حدودها، بل يسعى إلى إحلال تركيا لتكون القوة الإقليمية البديلة لإيران في المنطقة.

كلام وزير الخارجية التركي هاكان فيدان مع إحدى الفضائيات العربية عن الدور الإقليمي لإيران ومحاولاتها استخدام وتوظيف الحساسيات القومية والمذهبية والطائفية لبسط نفوذها وفرض هيمنتها ودورها، لا يمكن اعتباره موقفاً مستجداً أو كشفاً جديداً للوزير التركي، بل يمكن تصنيفه في خانة تصاعد حدة الخلافات التي بدأت تظهر على سطح العلاقة بين البلدين، والتباين في مواقفهما حيال ما يتعلق بالتطورات التي تشهدها منطقة غرب آسيا، والتي أخذت بعداً جديداً ما بعد الثامن من ديسمبر (كانون الأول) 2024 مع سقوط نظام بشار الأسد وسيطرة جماعة “هيئة تحرير الشام” المدعومة من أنقرة على العاصمة السورية دمشق، فالاتهام الإيراني للجار التركي بلعب دور سلبي في التطورات السورية لم يغب عن مواقف كبار المسؤولين في النظام، سواء المرشد الأعلى للنظام الذي أبدى حذراً في تسمية الحكومة التركية، مكتفياً بالإشارة إلى دولة إقليمية عند الحديث عن المؤامرة الأميركية – الإسرائيلية على سوريا، وما يعنيه ذلك من استهداف للعمق الإستراتيجي لإيران بالقضاء على الحلقة الرئيسة في مشروعها الإقليمي، في حين كانت القيادات السياسية والعسكرية وحتى الصحافة المتحدثة باسم النظام أكثر وضوحاً في تسمية تركيا، واتهامها بالتآمر على إيران في سوريا، ولعلّ كلام كبير مستشاري المرشد علي أكبر ولايتي جاء معبراً عما ما لم يرغب المرشد في الحديث عنه.

والمسار الذي اتخذته التطورات الإقليمية ما بعد سقوط الأسد عزز الشعور والاعتقاد لدى القيادة الإيرانية بأن الاستهداف أو النكسة التي أصيب بها المشروع الإقليمي لإيران لا يقتصر على إجبارها على الانسحاب والانكفاء داخل حدودها، بل يسعى إلى إحلال تركيا لتكون القوة الإقليمية البديلة لإيران في المنطقة، وأن الأمور لن تقف عند هذه الحدود بل من المتوقع أن تتوسع وتشمل مناطق أخرى في غرب آسيا، تشكل مساحة اشتباك بين طهران وأنقرة.

وأمام هذه التطورات والمتغيرات كان من الصعب على النظام الإيراني التسليم بالمعادلات الجديدة أو الإحلال التركي على حساب الدور الإيراني في سوريا وامتداده إلى الساحتين اللبنانية والفلسطينية، وبالتالي فُرض على إيران العمل على مسار آخر قد يساعد في كبح الطموحات التركية من خلال توظيف بعض المخاوف العربية حيال تنامي دور أنقرة كمشروع نفوذ إقليمي بديل على حساب المصالح العربية والإيرانية على حد سواء.

ومن هنا يمكن فهم التعاون الذي مارسه “حزب الله”، حليف إيران، على الساحة اللبنانية خلال تعاطيه مع استحقاق انتخاب رئيس للجمهورية العماد جوزاف عون، ومن ثم لاحقاً في وصول رئيس الوزراء نواف سلام والتعاون لتسهيل مهمته في تشكيل الحكومة الجديدة، وهذا التعاون ربما يشكّل رسالة إيرانية إلى السعودية للتعاون الإيجابي مع الرياض في التوصل إلى تسويات للأوضاع الإقليمية، وأن عودة النشاط للدبلوماسية السعودية، سواء على الساحة السورية والتعامل مع الوضع المستجد فيها، أو على الساحة اللبنانية والعودة لاحتضان لبنان، يسهم بصورة كبيرة في قطع الطريق على الطموحات التركية التي تسعى إلى أن تكون اللاعب الإقليمي الممسك بأوراق المنطقة على حساب اللاعب العربي، إضافة إلى ما يعنيه ذلك من استكمال حلقة إضعاف ومحاصرة الدور الإيراني.

الإصرار الإيراني على تعميق وتوسيع وتعزيز التعاون مع السعودية في الملفات الإقليمية، والإيجابية السعودية المعلنة في رفض أي تصعيد قد يتحول إلى عسكري بين طهران والولايات المتحدة الأميركية، لا يعني بالضرورة أن تتخلى إيران عن محاولاتها ترميم مواقعها على الساحة السورية، بخاصة أنها لم تتردد على لسان قيادات عسكرية من “حرس الثورة” بالكشف عن خططها للعودة لسوريا في ظل أي من السيناريوهات الثلاثة التي وضعتها لما ستكون عليه الأمور في سوريا الجديدة، إن كانت دولة موحدة أو مقسمة، أو الدخول في حال من التشرذم والصراعات الداخلية.

وقد تكون طموحات العودة الإيرانية لسوريا، وبالتالي إعادة ترميم أوراقها الإقليمية في إطار مساعيها إلى إعادة تعريف دورها وإستراتيجيتها في المنطقة، هي الدفاع في التصعيد الكلامي الذي صدر عن وزير الخارجية التركي الذي وصف السياسات الإيرانية في سوريا بأنها “سياسات خاطئة”، وأن سياسة دعم طرف داخلي في سوريا لزعزعة الاستقرار، وأن الأطراف الأخرى، في إشارة إلى تركيا التي تملك أيضاً أوراقاً وجماعات، يمكن أن تؤدي الدور نفسه في زعزعة الاستقرار الداخلي لإيران.

المواقف التصعيدية لأنقرة ووصف النظام الإيراني ببيت من زجاج وعليه ألا يرمي الآخرين بالحجارة، دفع الخارجية الإيرانية نحو اعتبار هذا الكلام بمثابة “الطعن في الظهر” من قبل التركي الذي انقلب على كل التفاهمات التي كانت قائمة بينه وبين طهران وكل” مسار أستانا”، وعلى رغم هذه المواقف وما فيها من تصعيد غير مسبوق لكن يبدو أنها لن تذهب إلى حدّ المواجهة والقطيعة، وبخاصة من الجانب الإيراني الذي يدرك حساسية وأهمية العلاقات التي تربطه بالدولة التركية على المستوى الاقتصادي وحتى السياسي الذي يمتد على مساحة منطقة غرب آسيا، فالظروف الحالية التي يمر بها النظام وحال الانكفاء التي يعيشها بعد خساراته في الشرق الأوسط تفرض عليه التريث والتروي في اعتماد أي مواقف تصعيدية مفتوحة على احتمالات سلبية مع أي من دول الجوار الإقليمي.

وإذا ما كان الانفتاح الإيراني على التعاون والإيجابية تجاه الجوار الخليجي، وتحديداً السعودي، فإنه في المقابل قد يكون مجبراً على التهدئة مع الجانب التركي الذي يملك كثيراً من الأوراق التي قد يستخدمها لخنق النظام اقتصادياً وحتى سياسياً، ويضعه في مواجهة متغيرات جيوسياسية لا تخدم مصالحه الإستراتيجية والجيو-اقتصادية في المستقبل.

وفي ظل الانتكاسة التي أصيبت بها المساعي الرسمية إلى إعادة الحرارة على خط التفاوض مع الإدارة الأميركية الجديدة، والسقف المرتفع الذي وضعه المرشد أمام الحكومة برفض أي تفاوض في ظل الضغوط القصوى والعودة للعقوبات المشددة، فإنه يبدو أن طهران ستكون مجبرة على الاكتفاء بالمواقف الكلامية التي أعلنتها في الرد على كلام الوزير التركي، فالتصعيد المفتوح قد لا يكون في مصلحة إيران، وبخاصة إذا ما لجأت أنقرة إلى إعادة تفعيل مساعيها لإقامة “ممر زنكزور” البري الذي يربطها بدولة أذربيجان داخل الأراضي الأرمينية، والذي يفرض على إيران القبول بالتغييرات الجيوسياسية في منطقة القوقاز الجنوبي وخسارتها الطريق البري الذي يربطها بأوروبا، وهو خطر قد يفتح بين الطرفين “حرب ممرات” قد تسهم في تضييق الحصار على إيران خلال هذه المرحلة الحساسة والدقيقة، فضلاً عن إمكان تخلي تركيا عن تقديم التسهيلات الاقتصادية لإيران التي تساعدها في الالتفاف على العقوبات الأميركية، إضافة إلى إمكان تراجع التبادلات التجارية التي تطمح بالوصول إلى مستوى 30 مليار دولار سنوياً.

* نقلا عن ” اندبندت عربية”

————————–

من هم أعداء سوريا اليوم؟/ د. فيصل القاسم

تحديث 08 أذار 2025

لا شك أن أعداء سوريا اليوم كثيرون، لهذا علينا أن نتعرف عليهم، على مبدأ: «اعرف عدوك» وعندما تعرف عدوك تكون بذلك قد أنجزت كثيراً من المعركة.

لا يخفى على أحد أن هناك أنظمة عربية عديدة لا يروق لها أبداً أن ترى ثورة شعبية عربية وقد حققت أهدافها، ليس فقط بإسقاط رأس النظام، كما حدث في تونس ومصر واليمن وليبيا والسودان، بل بكنس النظام كاملاً، فكما هو معلوم، فإن الثورة السورية نجحت في اجتثاث النظام من جذوره، على عكس بقية الثورات، لهذا أخذت وقتاً أطول وقدمت أضعافاً مضاعفة من التضحيات في سبيل ذلك، لم يقدمها من قبل أي شعب عربي لا في مواجهة الطاغوت الداخلي ولا حتى الغازي والمحتل الخارجي. وهذا الانتصار التاريخي لثورة شعب لا شك يزعج ويخيف الكثير من الأنظمة العربية التي شارك معظمها في الثورات المضادة لإجهاض الثورات وتكبيدها خسائر فادحة بحيث لا يفكر أي شعب عربي لاحقاً في الثورة على الأنظمة، لكن مع ذلك فإن الثورات المضادة قد فشلت، بدليل أن الشعب السوري لم تثنه كل الثورات المضادة عن تحقيق هدفه في نهاية المطاف. باختصار، فحتى الأنظمة التي باركت للقيادة الجديدة في سوريا بالنصر، لا تُخفي قلقها مما حصل في سوريا، وباتت تتحسس رؤوسها بأن ما حدث في سوريا قد يتكرر عندها، وبالتالي، فهي لا شك تضمر الشر لنا، وتتمنى أن تفشل ثورتنا كما فشلت بقية الثورات. لهذا يجب التعامل مع كل الأنظمة المتوجسة من نجاح الثورة السورية بحذر شديد، مهما تظاهرت بالتأييد والدعم، ولا تتفاجأوا إذا اكتشفتم أنها تدعم الفلول هنا وهناك.

ولا ننسى طبعاً الغزاة والمحتلين الإيرانيين والروس الذين خسروا الكثير من جراء سقوط عميلهم في دمشق، خاصة وأن إيران كانت تستثمر بالبقاء في سوريا لعدة عقود، وكانت تعتبر سوريا درة التاج الفارسي الذي تربط مستعمراتها في العراق ولبنان. وهذه الدرة قد اختفت واختفى معه الاستثمار الإيراني المزمن في الأرض الشامية، وبالتالي لو تابعتم التعليقات الإيرانية ستجد كم هي محشوة بالمرارة والحسرة والحقد والانتقام بعد أن تطهرت سوريا من الرجس الفارسي. وهذا يدعو السوريين شعباً وقيادة للحذر الدائم من مؤامرات وقذارات الفرس. أما روسيا فتحاول أن تنقذ ما يمكن إنقاذه من مكاسبها الضائعة في سوريا بالتنسيق مع إسرائيل. وكلنا يعرف أن الإسرائيليين ينسقون مع الروس اليوم للحفاظ على وجود عسكري روسي في سوريا خدمة للمصالح الإسرائيلية.

ولعل الخاسر الأكبر من سقوط النظام في سوريا هي إسرائيل. إياكم أن تصدقوا الأكاذيب والخزعبلات التي تتحدث عن دور إسرائيلي في إسقاط النظام وتسليم سوريا للقيادة الجديدة، فهذه مجرد فبركات وسخافات إسرائيلية لإيهام السوريين وغيرهم بأن إسرائيل لعبت دوراً في إنقاذهم من النظام الساقط. وهذا طبعاً هراء بهراء. لم يسقط النظام السوري بضوء أخضر إسرائيلي بل رغماً عن إسرائيل، فقبل سقوط بشار الأسد بأيام كان المسؤولون الإسرائيليون يقولون للصحافيين: لا تحلموا بسقوط نظام الأسد، فهو قوي جداً، ولن نسمح أبداً بسقوطه، وفي السابع من ديسمبر من العام الماضي أي قبل سقوط النظام بيوم واحد جرت اتصالات مكثفة بين إسرائيل وروسيا. وقد ضغط الإسرائيليون على الروس لمساعدة النظام وحمايته، وعرضوا عليهم تدخل الجيش والطيران الإسرائيلي لحماية نظام الأسد من السقوط، لكن الروس قالوا لهم: النظام هش جداً ولا أحد يستطيع أن يحميه ويمنع سقوطه، فالشعب السوري كله صار ضده، ولا تتعبوا أنفسكم بحمايته، لكن الإسرائيليين كانوا متأكدين أن النظام لن يسقط، وهم لا يريدون سواه. لكن في اليوم التالي سقط النظام كأحجار الدومينو رغم الاعتراض والأمنيات الإسرائيلية.

وقد خرج نتنياهو قبل أيام ليقول إن إسرائيل تلقت ضربة موجعة جراء سقوط الأسد، لهذا لم تترك موقعاً عسكرياً سورياً إلا ودمرته بعد سقوط النظام لأن الجيش السوري لم يكن يشكل أي تهديد لإسرائيل تحت قيادة الأسد وكانت إسرائيل تعتبر أن السلاح السوري في أيد أمينة، لكن عندما سقط بشار وجيشه راحت إسرائيل تقصف المواقع العسكرية السورية بكثافة بعد أن خرجت من أيدي بشار وأصبحت في أيدي قيادة جديدة. وهذا يعني أن حتى إسرائيل نفسها أساءت التقدير. ولا تنسوا أن الاتحاد الأوروبي كان يعمل على إعادة تأهيل النظام قبل أيام فقط من سقوطه. باختصار من الخطأ الاعتقاد أن أجهزة الاستخبارات الدولية تعرف كل شيء، وفي أحيان كثير تسيء التقدير والتوقعات.

وبما أن إسرائيل باتت تشعر بأنها خسرت كثيراً جراء سقوط الأسد وهروبه إلى روسيا، فهي بلا شك ستلجأ إلى كل الأساليب القذرة لوضع العصي في عجلة سوريا الجديدة، وقد عبرت تل أبيب عن قلها بالأمس مما أسمته «عملية توحيد سوريا تحت قيادة إسلامية» وهذا يعني ضمناً أنها ستفعل المستحيل لتفتيت سوريا وتمزيقها إلى دويلات وكانتونات وأقاليم على أسس مناطقية وطائفية وعرقية متناحرة كي تنام إسرائيل قريرة العين. وكلنا يرى اليوم كيف تحرض إسرائيل المكونات السورية على الانفصال والتمرد على الدولة السورية الجديدة، وهي بلا شك الداعم الأول للقوى الانفصالية في بعض المناطق، لا بل تريد أن تفرض الحماية على الجنوب السوري، مع أن الجنوب لم يطلب منها ذلك ولا يريد حمايتها أصلاً، وقد أعلنها الجميع بمن فيهم سماحة الشيخ حكمت الهجري رئيس الهيئة الروحية للموحدين الدروز في السويداء الذي قال إن سوريا كل لا يتجزأ ولا أحد يريد الانفصال عنها.

وللأسف لم يقف الأمر عند التدخلات والمحاولات الإسرائيلية القديمة الجديدة لتفكيك سوريا، بل هناك من يساعدها داخلياً. نحن اليوم إذاً نواجه عدوين شرسين، الأول خارجي، والثاني عدو داخلي يخدم العدو الخارجي بشكل مباشر أو غير مباشر من خلال التصدي للأمن العام وزعزعة الاستقرار وإشغال الدولة بقضايا جانبية، إضافة إلى تشجيع التناحر الداخلي وإثارة القلاقل وزرع الفتن، ويظهر ذلك جلياً في مواقع التواصل الاجتماعي حيث ينتشر الاقتتال الإلكتروني والتشبيح القذر وشيطنة الآخرين، ولا يقتصر الأمر فقط على بعض السوريين من كل المكونات، بل هناك أيضاً ذباب إلكتروني تدعمه وتحرضه الجهات الخارجية نفسها التي تعمل على تفخيخ الداخل السوري من خلال ضرب المكونات السورية بعضها ببعض ودق الأسافين بينها بهدف تفكيك البلد وشرذمته خدمة لمصالحها. لهذا علينا الحذر والانتباه جيداً لما يُحاك لنا، وبدل التناحر، تعالوا ندفن سواطيرنا وأحقادنا التي زرعها فينا النظام الساقط، ونبدأ ببناء وطن جديد يحتضن الجميع دون تمييز، وكل من يحاول أن يشد اللحاف في اتجاهه، فليعلم أن اللحاف سيتمزق عاجلاً أو آجلاً وسيصبح كل السوريين عراة مكشوفين بلا أي غطاء يحميهم. للمرة الألف نقول: كلنا في مركب واحد ومن يحاول أن يثقب المركب، يجب أن يعلم أنه سيغرق مع الغارقين.

القدس العربي

———————————

مختبر المستقبل في سوريا بين الفدرلة والتفكك/ سامح المحاريق

تحديث 08 أذار 2025

غيرت الإمبراطورية العثمانية التنظيمات الإدارية في المشرق العربي لأكثر من مرة، وأعادت ترسيم الولايات والمتصرفيات والسناجق، التي كانت تحتضن مراكز حكم محلية، إلا أن هذه الفترة شهدت انشغال الإمبراطورية بالحروب على أكثر من جبهة، بحيث تركت هذه التقاسيم خاضعة لحكام محليين يتنافسون في توريد الضرائب لإسطنبول، من غير إشراف حقيقي على التفاعلات الاجتماعية والاقتصادية التي تحدث داخلها، ومع انهيار الدولة العثمانية بدأت الدول الأوروبية التي انتدبت نفسها نيابة عن المجتمع الدولي، لتؤسس دولا حديثة في المنطقة، عملية تقسيم أخرى عملت على تأسيس دول أكثر منطقية في بنيتها وحدودها، إلا أنها لم تتركها من غير أن تفخخها بمشاكل محتملة مستقبلا، فالفرنسيون الذين انشغلوا ببناء لبنان وضمان استقلاليته، طرحوا من غير كثير من الجهود والتكريس الفكري والسياسي دويلات أخرى للدروز والعلويين في سوريا.

خرجت فرنسا وبريطانيا من المنطقة بعد الحرب العالمية الثانية، وخلفتا وراءهما تركة ثقيلة من المشكلات وهياكل إدارية وبيروقراطية غير قادرة على إدارة المجتمعات المحلية بالصورة اللائقة، وكان خيار الأنظمة العسكرية التي تولت عملية سد الفراغ، أن تعزز من السيطرة على حساب التنمية، واللجوء إلى المركزية، التي تتطلب وجودا ثقيلا في العاصمة والمدن الرئيسية، على حساب المناطق الريفية والجبلية والزراعية، ما يفسر ضخامة الحجم النسبي للعاصمة في الدول العربية بشكل عام، فالفرص لا توجد إلا في العاصمة، حيث يتوجب أن تتحصل الدولة بأجهزتها على الولاء الكامل، وبحيث يصبح الجميع في حالة تربص وترقب بالجميع، وبقيت المشكلات تتمدد مع الإهمال المتواصل للمناطق الأقل حظاً من التنمية والفرص، تحت طائلة الاستنزاف لمصلحة نخب العواصم والمدن الكبرى.

لم تكن هذه النخب تمتلك الرؤية اللازمة، ولا الخبرة الكافية لقيادة المجتمع في دول كبيرة نسبيا، فسوريا التي تعتبر متوسطة الحجم بين الدول العربية، تزيد مساحتها عن الدنمارك وهولندا وبلجيكا وسويسرا، وجميعها دول ثرية ومتقدمة اقتصاديا، ومنها ما لا يمتلك باستثناء المياه أي ثروات طبيعية مهمة، وبقيت المشكلات تتفاعل من غير اهتمام، وفي الجيل الثاني من الجيوش الوطنية، أخذ أبناء هذه المناطق المهمشة يتوجهون للخدمة العسكرية، لأنها توفر فرصة الحد الأدنى من الحياة الكريمة، التي تنقذهم من الفقر، وتشكل الفرصة الوحيدة المجدية للخروج من حالة الإهمال في مناطقهم، فكان أبناء الأنبار في العراق، والعلويون في سوريا، لتحدث حالة انقلابية تدفع بهذه المناطق إلى السيطرة من خلال أبنائها، الذين أداروا ظهورهم لمناطقهم الأصلية، وأخذوا يتصارعون على السلطة في العاصمة ومناصبها ومكتسباتها. فشلت السلطة في دمشق، بغض النظر عن هويتها، من الارتقاء بمستويات الحياة في جميع مناطق سوريا، بل أصبحت الإدارة هي الصراع على دمشق، ومع واقع طائفي كان من السهل دائما أن يتم تحشيده وتحريكه بالخوف، وخلق العداء المتبادل، أصبحت سوريا من جديد أمام الميراث المرير للدولة العربية المركزية، التي لم تجد خلال فترة نهوضها الفرصة من أجل بناء أدوات حقيقية وفاعلة، ولذلك حدثت حالة من الانفصال بين النظام السابق والسوريين، الذين رأوا رغبته في السيطرة والاستحواذ من غير أن يقدم لملايين السوريين المبررات المقنعة لذلك، سوى فوهة البندقية والزنازين في سجون مرعبة.

العارض في أحداث الساحل وتحركات الدروز هو الاشتباكات العسكرية المتفرقة التي يمكن أن تتحول إلى وقائع سياسية واسعة مع الوقت، في حال تطورت إلى الاقتتال الأهلي الواسع، أما الجوهري، فهو في عدم قدرة سوريا وغيرها من الدول العربية على بناء نموذج حقيقي للدولة تقوم على أسس المواطنة ضمن عملية تنموية شاملة وعادلة، وهذه أزمة حتى في الدول التي لا تتوفر داخلها الافتراقات الطائفية، أو العرقية مثل مصر، ففي الحالة المصرية كانت الأرياف هي الحاضنة الرئيسية لحركة الإخوان المسلمين المناهضة للحكم في القاهرة وممارسته وقناعته، للدرجة التي دفعت الصحافي وائل عبد الفتاح لوصف حسن البنا بالمخلص القادم من الأرياف! ما زال كثيرون ينظرون إلى الشرع بوصفه الرجل الذي أتى بعد سقوط الأسد، وأن آل الشرع سيشكلون السلالة الجديدة في سوريا ما بعد الأسديين، وعلى الرئيس الشرع أن يثبت المفهوم المغاير، وأن يفكر خارج الصندوق التقليدي للدولة العربية، فسوريا أقرب ما يمكن لتطبيق نموذج فيدرالي تلتزم فيه كل منطقة بأن تعمل من أجل مصالحها، وأن تؤدي للدولة ما يلزم لتتمكن من قيام بالوظائف الأساسية لكل منطقة، وأن تتعهد جميع المناطق بألا تعمل مع أي قوة خارجية ضد الدولة المركزية، وإذا كانت هذه الحالة تحتاج نضوجا في البنى الإدارية والمجتمعية، فالحل الآخر، أن يتم العمل على إشاعة فرص شاملة في سوريا في عملية نهضوية تشجع الزخم السكاني على حراك واسع ضمن مجتمعات جديدة مفتوحة ومتوازنة. البقاء على الوضع الراهن من غير الانفتاح على الأسئلة الكبرى، يمكن أن يؤدي إلى نتائج كارثية تتحول سوريا خلالها إلى رقعة شطرنج تشغل القوى الخارجية خاناتها المختلفة، بحيث تصبح أرضا قلقة مهددة أمنيا على الدوام، وتعمل على تصدير الأزمات إلى جوارها ومحيطها الأوسع.

هل يمكن للسوريين أن ينتبهوا لهذه المشكلة، أم أنهم سيعملون على استعادة نموذج للدولة السورية نشأ في ظروف مرتبكة، وكأنه الغاية النهائية، ليجدوا أنفسهم مع الوقت مستمرين في إنتاج مظلوميات اجتماعية وفئوية جديدة لا تلبث أن تعبر عن نفسها بالصدام والعنف من جديد، خاصة أن سوريا الهادئة والجميلة لم توجد أصلًا إلا لسنوات قليلة خلال أكثر من قرن من الزمن أتبع نشأتها كدولة حديثة.

كاتب أردني

القدس العربي

——————————

في رحيل مُنشد الثورةِ السوريةِ: الغناء بإحساسِ المُقاومِ النَبيلْ/ أنور محمد

8 مارس 2025

الغناءُ أو الشَدُو في حالة أبو وطن قاسم جاموس (1989-2025)، أحد أبرز الأصوات في ساحات وميادين التظاهر السورية منذ انطلاق شرارتها في 25 آذار/مارس 2011، مؤدِّيًا أهازيج وأناشيد ثورية مستمدَّة من الفلكلور الحوراني، والذي رَحَلَ إِثْرَ حادثِ سيارةٍ كان يقودها مساء 3 آذار/ مارس 2025 على طريق دمشق بلودان؛ هو توليدٌ للشجاعة لهزمِ الألمِ والخوفِ الذي سبَّبَهُ حُكْمُ العائلة الوحشية للسوريين أكثر من خمسين عام. فقد برز إلى جانب رفاقه مثل سميح شقير، وإبراهيم القاشوش الذي غنّى: “يا يُمَّا بثوب جديد… زِفِّيني جيتك شهيد… يا يُمَّا”، وعبد الباسط الساروت الذي من أغنياته: “حَانِنْ للحريَّة حَانِنْ، يا شَعب بِبيتو مِشْ آمنْ”، وعبد الوهاب ملّا وأبو ماهر صالح وأبو الجود وأبو مالك الحموي وخاطر ضَوَّا وأحمد القسيم. ومن المنافي وبلدان الاغتراب: الموسيقار مالك جندلي الذي حوَّل أغنية إبراهيم القاشوش “يَلاَّ ارْحَلْ يا بشَّار” إلى سيمفونية تجريدية من عزف البيانو، والمنشد يحيى حوَّا ووصفي المعصراني. وكل هؤلاء شكَّلوا حالةً غنائية ثورية رجولية في الزلزال السوري وبغاية الروحانية والعقلانية.

أبو وطن قاسم جاموس كان يقود المظاهرات بغنائه، ومن أغنياته: جاي النصر وأقسمنا بالله وغيرهما، كان يغني بحماسة، وبصوتٍ لاهب، كَأنَّ حواسَه وأعصابَه تكادُ تنفجر من شدَّة إحساسه بالألم الذي عشناه طيلة تلك السنين. كان يغني ويحوِّل ُغناءه إلى متعةٍ ربَّانية وبقلب طفولي، ومرحٍ بديهي وهو يغرفُ بصوته ألحانَه من أشدِّ ينابيع اللاشعور في أعماقه حزنًا وجمالًا، ونرى كيف يتصاعد حزنه وحتى خوفَه ويتحوَّلُ إلى غضبٍ سامٍ؛ غضبُ الثائرين حين يغدرُ بهم حاكِمُهم الذي هو مُواطنهم، والذي وعَدَهم وأقسمَ على القرآن بأن يَحميهم ويَحمي سورية ولم يَحْمِهِما. بل رماهم بالبراميل المتفجِّرة وبالكيماوي وذوَّبَهُم بالأسيد.

غناءُ أبو وطن الذي كان آخرُ ظهورٍ له في ساحة الكرامة بمحافظة السويداء؛ لَهُ سطوةٌ روحيةٌ على سَمَعِ السوريين، ففي غنائِه تصعيدٌ ورفعٌ لمعنوياتهم المُنكسِرة والجريحة المُذَلَّة التي تعرَّضت للإخضاع، رغم أنَّه غناءٌ من كلام بسيط وعفوي: أهزوجات وعدِّيات وأمثولات يتداولها السوريون في حياتهم الاجتماعية. إنَّما في غناء أبو وطن قاسم جاموس صار كلامًا مشحونًا بطاقةٍ أيديولوجية تدفع عند سماعها إلى تغذية الإحساس بالتمرُّد على العبودية وعيًا وفعلًا. وهذا النوع من الغناء على ديباجته وعفويته اللغوية- غير غناء القصيدة الشعرية؛ يقوم بدورٍ تحريضي؛ بل يصير لعبةً عذبةً رقيقة، فنصير لحظة سماعها أشدُّ إرهافًا وتوهجًا بسوريتنا.

لقد كان الغناء في حالة الثورة السورية التي قام بشار الأسد بمحاولة وئدها بعد أشهر من قيامها، حاجةً معنوية؛ حاجةً روحية، وإنَّه غناءٌ مبعثه الحزن والألم، غناءٌ يُعبِّر عن انفعالات السوريين؛ ما شكَّلَ قوَّةً أخلاقية، قوَّةً فاعلةً ربما أكثر من الشعر والرواية والرسم والمسرح والسينما. فكان المُغني أبو وطن قاسم جاموس في أدائه مثل جريح معركة دمه ينزفُ ولكنَّه يُغني ويُغني بإحساسِ المُقاومِ النبيل. ومثلُ هذا الغناء الذي لا ضابط موسيقي له- عفوي وارتجالي، يُعبِّرُ برأيي عند أبو وطن والساروت والقاشوش وشقير وبقية المغنين عن سموُّ المعاناة التراجيدية. فالموسيقى كما بقية الفنون والآداب إنَّما هي مثلُ جسورٍ نعبرُ فوقها إلى المعرفة والحريَّة. أبو وطن في أغانيه هو يُعبِّر عن إحساسه المتوهِّج بالحياة؛ غناءٌ لا لتفريغ شحنةٍ عاطفية، بل هو تحفيزٌ للفكر، هو إزالة القشرة الباردة نحو النواة الأكثر التهابًا، وكأنَّ الغناء عاصفة/ عواصف جنونية بالحريَّة التي افتقدناها أكثر من نصف قرن.

لقد عشنا حياة الكدِّ والتعب والحرمان والاحتقار والإذلال والفساد والإفساد والتفسيد طويلًا، وصار حزننا مُتحجِّرًا- تحجَّرَ من كثرة القهر والتقهير والتعهير السياسي والاقتصادي. لقد حَجَرَ علينا الحكَّام الوحوش ورموا بنا في أعماق الوجود بل في العدم كأنَّنا حيوانات؛ فيما نحنُ بشرٌ- والله بشر؛ وفي حالةِ يقظةٍ وما فوقَ اليقظة، يَقَظَة تُوقظُنا فيها الموسيقى من السُكْرِ بالخوفِ من الحاكمِ المستبدِّ الذي يغتصبُ الوجود. غناء – وإن كان عند أبو وطن قاسم جاموس يأخذُ منحىً عنيفًا في الأداء، حتى في حركات جذعه ويديه ورأسه من شدَّة فرحه وألمه معًا، وانفعالهِ بالحريَّة – انفعالٌ ترى فيه جسدَه وهو يرتج من كثرة- ربَّما انخطافه بمعنى الحريَّة وهو يغني/ يشدو.

أبو وطن؛ المُغني قاسم جاموس، والوطنُ كان في أشدِّ لحظات الإصغاء لغنائه فلا يتلعثم ولا يتعثَّر، وحبَّات العرق تقطر من على جبينه، كان الكلامُ وهو يشدو به إنَّما يبعثه من روحه ليمسك بعدها بالروحِ، فلا تروح.

ضفة ثالثة

——————————–

نساء سوريا بين الأمس واليوم: “بين الزند و الترند”/ ضحى الدرويش

السبت 2025/03/08

لطالما كانت الجدّات السوريات نساء من نارٍ وطين، يلدنَ الأبطال والشعراء والفلاسفة، وينجبنَ الخيول قبل الرجال. كنّ يحترفن تدوير الأيام، يقمن بثورات في المطابخ، ويخضنَ حروبًا شرسة ضد القدر والمجتمع، بينما كان رجالهن يتجادلون في المقاهي حول “حقوق المرأة”، من دون أن يسمحوا لنسائهم بالخروج بلا إذن رسمي مختوم بالخوف والعار. أما اليوم، فقد “تحررت” المرأة السورية، أو هكذا يُقال! أصبحت حرة بقدر ما يسمح لها الإنترنت، ترتدي حجابًا أو لا، تضع المكياج أو تلعنه، تناقش قضايا النسوية بين منشور وآخر، ثم تخرج لتجد أن عقدها الاجتماعي ما زال معلقًا بين “اذهبي لبيتكِ” و”أنتِ ناقصة عقل”. الفرق الوحيد أنها اليوم لم تعد في حاجة إلى مصباح علاء الدين، فلديها “إنستغرام” و”تيك توك” كبديل عصري عن سحر الماضي.

يأتي يوم المرأة العالمي إلى العالم العربي كما يدخل الضيف الثقيل إلى بيت شرقي، عبر الأبواب الخلفية، على استحياء، محاطًا بنظرات الريبة والتوجس، بينما يتساءل الجميع “وهل كانت النساء بحاجة إلى يوم خاص بهن؟ ألا تكفيهن أيام السنة كلها؟”

استقبله البعض، في البداية، وكأنه فكرة غريبة مستوردة، كعلبة شوكولاتة أجنبية، غلافها برّاق لكن طعمها مشكوك فيه. آخرون رأو فيه مؤامرة كونية تهدف إلى تفكيك الأسرة، بينما اعتبره البعض الآخر مجرد فرصة لالتقاط صور مع موظفات الشركات تحت شعار “نحن نحترم المرأة”، قبل أن يعودوا في اليوم التالي كي يديروا نقاشاً حول خطورة دخول النساء في سوق العمل. ففي زمن ما، كانت المرأة السورية ترفع إبريق النحاس بيدها اليمنى، وتسكب القهوة بيدها اليسرى، وهي تمسح الأرض بطرف ثوبها، وتصغي بانتباه لحكمة جدتها، وتحفظ الشعر الحلبي كما تحفظ وصايا أمها حول “الشرف”، ذاك الصنم المقدس الذي ظلّ حارسًا على حياتها أكثر من أي دستور.

أصبحت المرأة السورية اليوم أيقونة الحداثة: وزيرة، شاعرة، موظفة، مؤثرة في السوشيال ميديا، لكنها ما زالت تحسب خطواتها جيدًا حتى لا تسقط في فخ العيب أو الحرام، أو “ماذا سيقول الناس؟”. صارت تكتب عن الحرية، لكنها تعود لتمحو تعليقاتها خوفًا من مجتمع يوزع صكوك الشرف بأثر رجعي. كانت تُجلد إذا أحبت، واليوم تُحارب إذا لم تحب. بالأمس، كانت تُحاكم بتهمة السحر إذا ما تجرأت على قراءة كتاب، واليوم تُحاكم بتهمة الجهل إن لم تحفظ أسماء ماركس وبرنارد شو ودوستويفسكي. الفرق أن السوط أصبح “الهاشتاغ”، والسجن تحول إلى غرفة فايسبوكية يقطنها قضاة افتراضيون. ثم جاء الإعلام العربي، فأخذ المناسبة وأعاد تدويرها كما يفعل مع أي قضية خصص لها برامج تلفزيونية. يبكي الإعلام على معاناة المرأة، ثم يدعو إلى استضافة “خبير اجتماعي” (لا خبيرة) كي يشرح بحزم أن “تكريم المرأة لا يحتاج إلى يوم عالمي، بل إلى رجل حقيقي يرعاها”، لتنتهي الفقرة بوَصلة من التصفيق الحار!

أما أمي، فلم تكن تعلم أن هناك يومًا عالميًا للمرأة. كانت تعتقد أن الأيام كلها متشابهة، تبدأ مع شروق الشمس، ولا تنتهي إلاّ مع انطفاء آخر شمعة من شقاء النهار. لم يكن لديها وقت لمتابعة البيانات الأممية، ولا لقراءة المقالات عن “تمكين المرأة”. كانت منهمكة بتمكين العائلة من البقاء على قيد الحياة، وبإدارة دولة منزلية صغيرة، موازنتها صفر، ومسؤولياتها بلا حدود. أنا أيضاً، لم أكن أعلم أن هناك يومًا عالميًا للمرأة، ولم أسمع بتلك الجمعيات النسوية التي تتحدث عن حقوقها حتى وقت متأخر. كنت أظن أن المرأة تحصل على حقوقها بالصبر والكدّ والتعب، لا عبر الاجتماعات والتقارير والبيانات الصحافية. كنت أظن أن العدالة تُكتسب مثل الخبرة، ولا تُمنح مثل الهدايا. لكنني اكتشفت لاحقًا أن هناك من يحتفل بها كل عام، يتبادلون الشعارات، يوزعون عبارات الدعم، ثم يطوون المناسبة كما يُطوى منشور قديم لم يعد يجلب التفاعل.

أما مواقع التواصل الاجتماعي، فقد احتفت باليوم على طريقتها: منشورات منمقة، صور لنساء يبتسمن بتكلف، إقتباسات مستعارة من كتب لم يقرأها أحد، ومقالات طويلة تبدأ بـ”المرأة نصف المجتمع” وتنتهي بلائحة محظورات على هذا النصف البائس. ومع مرور الزمن، باتت نساء عربيات يحيين هذا اليوم كما يحيين أعياد الميلاد بانتظار الهدايا الرمزية، وبعض الورود البلاستيكية، وكلمات منمقة تُنسى مع أول نقاش حول “حقوق الطلاق” أو “الوصاية”. أما البقية، فقد واصلن حياتهن كما كنّ يحاربن في المطابخ، يدرسن في الجامعات، يكتبن الشعر، ويُسكتن العالم بضحكة ساخرة من كل هذا الضجيج. دخل يوم المرأة العالمي إلى العالم العربي مثل فكرة ما زالت تبحث عن مقعد لها، يُحتفل بها في العلن، وتُناقش خلف الأبواب المغلقة، تُرفع لها الشعارات، لكنها لم تصل بعد إلى القلوب والعقول التي تحتاجها حقًا.

وهكذا، يأتي يوم المرأة العالمي كضيف ثقيل، يحتفي به الجميع بالورود والكلمات الرنانة، بينما الواقع يواصل الضحك من خلف الستار. في الماضي، كانت المرأة السورية ملكة بلا تاج، واليوم هي “ترند” بلا عرش!

لكن، وبالرغم من كل شيء، تبقى النساء السوريات كما كنّ دائمًا: أقوى من كل قيد، وأذكى من كل مؤامرة اجتماعية، وأجمل من كل نظريات التحرير، يواصلن السير في درب طويل، حيث الحرية ليست شعارًا، بل معركة تبدأ مع كل ولادة جديدة.

المدن

———————————-

سُفن معاقبة ومشبوهة دولياً تنقل الديزل إلى المرافئ السورية!/ فراس دالاتي

08.03.2025

التدقيق في المصادر المفتوحة يكشف وجود ناقلتي نفط، الأولى صرّحت عن وصولها السلطات في سوريا والثانية لم تُذكر أبداً، كلتا الناقلتين خاضعة للعقوبات الأميركية والأوروبية ومتورّطة في تهريب النفط الروسي والتهرّب من العقوبات.

عانى نظام الأسد من عوائق جمّة في مسألة توريد النفط الخام والمكرر إلى سوريا، إثر سلسلة العقوبات القطاعية التي فُرضت أممياً وأميركياً وأوروبياً وبريطانياً على قطاع النفط، وتقلّص شبكة المورّدين، التي اقتصرت في السنوات الأخيرة على إيران، التي ورّدت معظم كميات النفط إلى سوريا برّاً عن طريق العراق، بالتعاون مع “مجموعة قاطرجي”، وروسيا بدرجة أقل، التي كانت تُرسل من حين إلى آخر ناقلات من نفط السوق السوداء بطريقة غير مباشرة عبر وسطاء.

وبُعيد سقوط النظام وقطيعة الإدارة الجديدة العلاقات كلياً مع إيران وإعلان العداء الكامل لها، توقّفت شبكات التوريد بشكل كامل، كما أعلن نائب عراقي في نهاية كانون الأول/ ديسمبر 2024، وقف تدفّق 120 ألف طن من النفط الأسود كانت تذهب إلى سوريا، إضافة إلى تجميد أعمال “مجموعة قاطرجي” وأصولها، بموجب تعميم صدر عن مصرف سوريا المركزي يوم 22 كانون الثاني/ يناير الحالي.

وفي تاريخ 31 من الشهر نفسه، قالت مصادر تجارية مطّلعة لوكالة “رويترز” إن سوريا تتّجه إلى وسطاء محليين لاستيراد النفط، بعد أن فشلت أولى المناقصات التي طرحتها حكومة تصريف الأعمال، في جذب اهتمام كبار تجّار النفط، وذلك بسبب استمرار العقوبات الدولية والمخاطر المالية. وأظهرت وثائق رسمية نُشرت على صفحة وزارة النفط والثروة المعدنية في سوريا، أن الحكومة طرحت مناقصات لاستيراد 4.2 ملايين برميل من النفط الخام، بالإضافة إلى 100 ألف طن من زيت الوقود والديزل “في أقرب وقت ممكن”.

وذكرت مصادر “رويترز” حينها أن الحكومة “تتفاوض حالياً مع شركات محلية لتلبية احتياجاتها النفطية”، ولم يتسنّ حينها لوكالة الأنباء العالمية التأكّد من أسماء الشركات المحلية، التي قد تتولّى تأمين هذه الإمدادات، أو هوية الشركات القادرة على توفير الكميات الكبيرة المطلوبة في المناقصة.

لكن في اليوم الأخير من شباط/ فبراير الفائت، أعلنت وكالة الأنباء السورية الرسمية “سانا”، وصول أول ناقلة محمّلة بمادة الديزل إلى مصب بانياس، وباتت جاهزةً للربط والتفريغ، وهي “الأولى من نوعها بعد زوال النظام البائد”، بحسب وصف الوكالة. ‏ولم تذكر وكالة الأنباء الرسمية مصدر تلك الدفعة من الديزل، كما لم تُوضح أياً من أسماء الشركات الناقلة للمادة والمستوردة لها.

خلال اليومين التاليين، غطَّى العديد من وسائل الإعلام الخبر، من دون تقديم معلومات إضافية عن الإعلان الرسمي، أبرزها “قناة الجزيرة” التي بثَّ مراسلها تقريراً ميدانياً من مرفأ بانياس، أظهر فيه السفينة إياها، بالإضافة إلى تقرير آخر لمراسل “تلفزيون سوريا” في اليوم التالي. وفي كلا التقريرين التقط مصوّرا التقرير مقطعاً بانورامياً للمياه المقابلة للمرفأ، ولم تظهر أية سفينة أو ناقلة أخرى سوى تلك الناقلة.

رغم أن السفينة الظاهرة حجبت موقعها عن أنظمة تتّبع الملاحة وحركة السفن، ولم يظهر حينها في قواعد البيانات إلا سفينة “Gas Husky” للغاز المُسال، التي ترفع علم ليبيريا والقادمة من ميناء دورتيول التركي في مدينة هاتاي؛ والتي لم تُعلن الحكومة السورية أيضاً عن مصدرها، تبيَّن لـ”درج” من خلال التدقيق في المعالم الظاهرة للسفينة وبعض الكتابات الموجودة عليها، أنها ناقلة “Prosperty” التي ترفع علم باربادوس، الأمر الذي أكَّده ظهور السفينة في بيانات تتّبع الملاحة البحرية قبالة مرفأ بانياس، وفي الوضعية الظاهرة نفسها في تقرير الجزيرة يوم الخميس 6 آذار/ مارس، أي بعد وصولها الفعلي بأسبوع، قادمة من ميناء بريمورسك في روسيا، وهو الأمر الذي أكَّدته وكالة “رويترز” لاحقاً في خبر حصري.

ناقلة Prosperity (المعروفة سابقاً باسم NS Pride وكانت ترفع علم الغابون) التي تتراوح حمولتها بين 25 و35 ألف طن متري، أُضيفت مطلع هذا العام إلى قائمة السفن المعاقبة أميركياً، بسبب ثبوت تورّطها بعمليات تحريك النفط الروسي المُعاقب قطاعياً ضمن ما يُعرف باسم “أساطيل الظل”، بينما لحقت بذلك بريطانيا والاتحاد الأوروبي وأدرجاها أيضاً نهاية شباط/ فبراير. وبحسب بيانات الملكية التابعة لمجموعة بورصة لندن، إضافة إلى بيانات مفتوحة المصدر أخرى، فإن الناقلة تُديرها شركة “فورناكس” لإدارة السفن ومقرّها دبي، وهي شركة تخضع نفسها أيضاً للعقوبات الأميركية.

وبحسب سجلات الرحلات المتاحة في قواعد بيانات المصادر المفتوحة مثل Marine Traffic وVessel Finder وShipNext، فإن رحلات الناقلة تتراوح بمعظمها ما بين الموانئ الروسية وموانئ غرب أفريقيا، إضافة إلى بعض الرحلات إلى جزر الباهاماس، وهذه هي المرة الأولى التي تسجّل رحلة إلى مرفأ بانياس السوري.

أما الناقلة الأخرى التي وصلت بانياس مؤخراً فيكتنفها مزيد من الغموض. إذ لاحظ “درج” منذ أيام، على رادارات تتّبع حركة السفن والملاحة البحرية، ناقلة مواد نفطية أخرى أصغر حجماً بحمولة صافية تبلغ 700 طن متري؛ اسمها “مالك” (MALEK) عُرفت سابقاً باسم (MYOSHO MARU NO.8) ظهرت في بعض قواعد البيانات باسم (SIDRA) التي ترفع علم تنزانيا وتحمل الرقم (9057551). وبعد تتبّع استمر لساعات في أكثر من ثلاث قواعد بيانات مختلفة ظهر أنها توقّفت أمام مرفأ بانياس، رغم عدم إعلان الحكومة السورية عن وصول الناقلة، أو تغطية وصولها من قبل وسائل الإعلام.

وصلت ناقلة “مالك” إلى مرفأ بانياس قادمة من مرفأ طرابلس اللبناني بعد رسوّها فيه منذ أيلول/ سبتمبر 2024، في الوقت الذي لم يُعلن فيه أي من الجانبين السوري أو اللبناني عن عمليات توريد – أو نقل بالعبور – للمواد النفطية بين البلدين.

ورغم أن سفينة MALEK نفسها ليست مُدرجة على لوائح العقوبات كما هو حال Prosperity، فإنها تُصنَّف على درجة الخطورة العالية بحسب قاعدة بيانات ShipNext. ووفقاً للأخيرة، فإن الشركة المالكة للناقلة هي شركة Portex Trade Limited، وهو الأمر الذي أكَّده أحد حسابات بيع السفن الذي تواصل معه “درج”، بعد ملاحظة منشور على “فيسبوك” لبيع الناقلة نفسها بقيمة 1.1 مليون دولار أميركي، قبل أن يتوقّف عن الرد على بقية الاستفسارات.

وشركة Portex Trade Limited هي شركة واجهة صورية مسجّلة في هونغ كونغ، تأسست في عام 2011، برأس مال قدره 10 آلاف دولار هونغ كونغ (حوالي 1200 دولار أميركي) اسمها السابق هو CLOUD COMPUTING INTERNATIONAL HONG KON ورقم سجلّها التجاري 58369682، أدرجتها وزارة الخزانة الأميركية على لائحة العقوبات وتجميد الأصول يوم 16 كانون الثاني/ يناير 2025 “وفقاً للأمر التنفيذي 14098، الذي يستهدف الكيانات التي تهدد السلام والأمن والاستقرار في السودان”.

وبحسب وثيقة رسمية صادرة عن السجل التجاري في هونغ كونغ، حصل “درج” على نسخة منها، وجد أن الشركة مسجّلة في عنوان Room 1502 Easey Coml Bldg, Wan Chai، المسجّلة فيه مئات الشركات الصورية الخاضع بعضها لعقوبات أوروبية وأميركية، والمُدرج نفسه على قائمة العقوبات الأميركية ككيان. كما وجد أيضاً أنه لا يوجد في الشركة مديرون مسجّلون باستثناء مدير عمليات سوداني- أوكراني الجنسية اسمه أنور أحمد محمد عبدالله، الذي أُدرج أيضاً على قائمة عقوبات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وبريطانيا، بناءً على وثائق تُفيد بتسهيله من خلال شركة Portex، شراء الأسلحة نيابة عن هيئة التصنيع الحربي، الذراع الرئيسي للمشتريات للقوات المسلحة السودانية.

وبحسب الخزانة الأميركية، فإن أحمد عبد الله، نسَّق عملية شراء طائرات بدون طيار إيرانية الصنع من شركة دفاع أذربيجانية لشحنها إلى السودان. فيما تصفه مصادر صحافية سودانية عديدة بكونه “السمسار الأول لصفقات توريد السلاح إلى الجيش السوداني من روسيا وبيلاروسيا”. ووجد “درج” في إحدى قواعد البيانات الصينية أن شركة Portex نقلت في آذار/ مارس 2023، بندقية ديكنسون بالميريوس ديلوكس جي آر 5 12/76 سم، ذات ماسورة ناعمة فائقة، إلى تركيا عبر شركة أذربيجانية أيضاً.

الجدير بالملاحظة والذكر أن هذه ليست المرة الأولى التي تنقل فيها سفينة MALEK التي تملكها شركة Portex، فبحسب بيانات تتبّع حركة السفن، فإن نظام الأسد استخدم هذه الناقلة لنقل المواد النفطية إلى مرفأ بانياس من مرفأ طرابلس في تموز/ يوليو 2024، في ذروة التضييق وشحّ الموارد قبل أشهر قليلة من سقوطه.

مصدر رفض الكشف عن اسمه حفاظاً على سلامته، وهو أحد الأفراد المقرّبين من يسار إبراهيم المستشار الاقتصادي الأول لبشار الأسد ومهندس شبكة شركاته مترامية الأطراف، التي تغوَّلت في جوانب الاقتصاد السوري كافة، قال في حديث لـ “درج”، إن الناقلة جلبت مادة الديزل إلى بانياس عبر وسطاء مرتبطين بروسيا وبيلاروسيا والإمارات، من خلال شركة “حقول” التي أسسها إبراهيم عام 2016، والتي تم تصنيفها في 4 أيلول/ سبتمبر 2019، لكونها مملوكة أو خاضعة لسيطرة محمد قاسم البزال رجل الأعمال اللبناني المقرب من “حزب الله” والمصنّف كإرهابي عالمي.

هذا ويعدّ رفع العقوبات مطلباً رئيسياً لدى الإدارة السورية الجديدة بقيادة رئيس المرحلة الانتقالية أحمد الشرع، إذ تستمر المطالبات برفعها مع زوال سبب فرضها في المقام الأول، أي الأسد ونظامه، حيث شبّه استمرارها وزير خارجية حكومة تسيير الأعمال السورية أسعد الشيباني في حواره مع وزير الخارجية البريطاني الأسبق توني بلير في منتدى دافوس “بأنك تُلقي بشخص مربوط اليدين في النهر وتطلب منه السباحة”.

من جانبه، علَّق الاتحاد الأوروبي الأسبوع الفائت عقوباته على أربع مؤسسات سورية منها: المصرف الزراعي، ومصرف التسليف الشعبي، والخطوط السورية للطيران، كما علّقت يوم أمس بريطانيا تجميد أصول 24 مؤسسة حكومية سورية في قطاعات المال والنفط، على رأسها مصرف سوريا المركزي والمصرف التجاري، فيما تبقى الولايات المتحدة ثابتة على مواقفها الرافضة لتغيير واقع العقوبات المفروضة على سوريا، أو تصنيف جماعة “هيئة تحرير الشام” على لوائح الإرهاب.

درج

————————-

إيران ورهان العودة إلى سوريا/ خيرالله خيرالله

في انتظار تبلور الموقف الأميركي الواضح من سوريا ستحاول إيران العودة إلى دمشق، وإذا لم تتمكن من استعادة دمشق نفسها ستحاول استيعاب العلويين عبر إعادة تنظيم صفوفهم في مناطقهم.

السبت 2025/03/08

أكثر من طبيعي سعي “الجمهوريّة الإسلاميّة” الإيرانية إلى العودة إلى سوريا والإمساك بها. يفسّر هذا السعي الإيراني الأحداث الخطيرة التي يشهدها الساحل السوري حيث الوجود العلوي الكثيف.

بعد ثلاثة أشهر على رحيل نظام آل الأسد، تبيّن أنّ لا مشروع توسّعيا إيرانيا في المنطقة من دون سوريا. مثل هذا المشروع التوسّعي في أساس بقاء النظام الإيراني الذي أسسه الخميني في العام 1979. لا حياة للنظام الإيراني، بشكله الحالي، في حال زوال المشروع التوسّعي الذي رفع شعار “تصدير الثورة”. يعني “تصدير الثورة” إقامة ميليشيات مذهبية في لبنان والعراق واليمن ودعم النظام العلوي الذي ورثه بشّار الأسد عن والده والذي عمّر من أواخر 1970 إلى أواخر 2024.

قضى سقوط النظام العلوي في سوريا على “الهلال الشيعي”، بالمعنيين السياسي والعسكري. ربط “الهلال الشيعي” الذي كان أوّل من تحدّث عنه بجرأة، ليس بعدها جرأة، الملك عبدالله الثاني بين طهران وبغداد ودمشق وبيروت. كان ذلك في حديث إلى صحيفة “واشنطن بوست” في تشرين الأوّل – أكتوبر 2004، أي منذ ما يزيد على 21 عاما!

إذا أخذنا في الاعتبار أنّ لا مستقبل لـ”حزب الله” من دون الوجود الإيراني في سوريا يمكن استيعاب الهجمة التي تقوم بها {الجمهوريّة الإسلاميّة} مباشرة وعبر العراق للعودة إلى دمشق

من دون السيطرة على سوريا، لا وجود إيرانيا في لبنان. من دون سيطرة على سوريا، سيتوجب على “الجمهوريّة الإسلاميّة” الدفاع عن حصنها الأخير في العراق. هذا ما يفسّر ذلك الإصرار الإيراني على الإمساك أكثر بالعراق وبحكومة محمّد شياع السوداني المدافع الشرس عن ميليشيات “الحشد الشعبي” والمعادي للرئيس السوري الجديد أحمد الشرع. أغلق أحمد الشرع، بشكل كامل تقريبا، طرقات تهريب السلاح والأموال إلى لبنان، أي إلى “حزب الله”، وطرقات تهريب المخدرات من لبنان إلى دول الخليج العربي، عبر الأراضي والموانئ السوريّة. كذلك وضع الشرع حدا لتهريب السلاح والمخدرات إلى الأردن ودول الخليج. أدّى ذلك إلى شبه قطيعة بين دمشق وبغداد وتعبئة عراقية معادية للتغيير الكبير في سوريا. بالنسبة إلى الجناح السياسي والميليشياوي المؤيد لإيران في العراق، ليس الرئيس السوري الجديد سوى “إرهابي يلبس ربطة عنق.”

إذا أخذنا في الاعتبار أنّ لا مستقبل لـ”حزب الله” في لبنان والمنطقة، من دون الوجود الإيراني المهيمن في سوريا، يمكن استيعاب تلك الهجمة التي تقوم بها “الجمهوريّة الإسلاميّة” مباشرة وعبر العراق من أجل العودة إلى دمشق. كذلك يمكن فهم التوتر في العلاقات الإيرانية – التركية في ضوء الدور الذي لعبته أنقرة في حصول التغيير السوري.

كان في العاصمة السوريّة والمناطق القريبة منها نحو مليون وربع مليون علوي انتقلوا مع عائلاتهم إلى دمشق وضواحيها. كان عدد هؤلاء يزداد مع الوقت، خصوصا منذ اندلاع الثورة الشعبية في سوريا في مثل هذه الأيام قبل 14 عاما. كان الهدف الذي عمل من أجله النظام، بدعم إيراني مباشر، تكريس واقع ديموغرافي جديد في دمشق وريفها.

مع فرار بشّار الأسد إلى موسكو في الثامن من كانون الأوّل – ديسمبر 2024، هبط عدد العلويين في دمشق ومحيطها إلى ما بين 300 و400 ألف. حصلت هجرة مضادة في اتجاه ريف حمص وريف حماة وجبال العلويين والساحل السوري. تعكس هذه الهجرة الفشل الذريع للمشروع الإيراني في سوريا التي عادت إلى حكم الأكثريّة السنّية للمرة الأولى منذ الانقلاب العسكري العلوي الذي نفّذه الضابطان صلاح جديد وحافظ الأسد في 23 شباط – فبراير 1966.

الأكيد أن “الجمهوريّة الإسلاميّة” لن تمل ولن تكلّ. ستحاول العودة إلى سوريا بطريقة أو بأخرى مستفيدة من كل الثغرات، بما في ذلك الأخطاء التي يرتكبها النظام الجديد

ترفض “الجمهوريّة الإسلاميّة” التصديق أنّ سوريا صارت في مكان آخر. يؤكد ذلك الكلام الصادر عن كبار المسؤولين الإيرانيين، بدءا بـ”المرشد” علي خامنئي. يراهن المسؤولون الإيرانيون على حصول تغيير في سوريا من منطلق أن النظام الجديد لن يستمرّ طويلا. يمكن لمثل هذا الرهان أن يكون في محلّه. يعود ذلك لسببين على الأقلّ. أولهما أنّ الإدارة السورية الجديدة ارتكبت أخطاء عدة. بين هذه الأخطاء تسريح أفراد الجيش السوري. خلق ذلك آلاف العاطلين عن العمل. معظم هؤلاء من الجنود والضباط العلويين الذين باتوا مستعدين للجوء إلى العنف والإرهاب بعدما فقدوا كل الامتيازات التي كانوا يتمتعون بها، بما في ذلك الراتب المضمون والسيارة والمنزل.

أما السبب الثاني، ففي أساسه الموقف الأميركي الذي يمنع دولا عربيّة من تقديم مساعدات لسوريا في الوقت الحاضر. لم تتخذ الإدارة الأميركية، أقلّه إلى الآن، موقفا واضحا من التغيير الذي حصل في سوريا. قد يكون مردّ ذلك إلى أن إسرائيل تعمل منذ سقوط بشّار على خطة تصبّ في تقسيم سوريا وتفتيتها والانتهاء من أيّ وجود لقوّة عسكرية ذات شأن في هذا البلد.

في انتظار تبلور الموقف الأميركي الواضح من سوريا، ستحاول إيران العودة إلى دمشق. إذا لم تتمكن من استعادة دمشق نفسها، ستحاول استيعاب العلويين عبر إعادة تنظيم صفوفهم في مناطقهم. ستعمل في الوقت ذاته على الاستفادة من الموقف الإسرائيلي المتذبذب الذي يستهدف منع قيام نظام مركزي في سوريا. الهدف الإسرائيلي في نهاية المطاف تفتيت سوريا. هذا ما يفسّر الدعم الذي قدمته الدولة العبريّة في كل وقت للنظام العلوي الذي لعب طوال ما يزيد على نصف قرن الدور المطلوب منه إسرائيليا.

الأكيد أن “الجمهوريّة الإسلاميّة” لن تمل ولن تكلّ. ستحاول العودة إلى سوريا بطريقة أو بأخرى مستفيدة من كل الثغرات، بما في ذلك الأخطاء التي يرتكبها النظام الجديد. لا يمتلك القيمون على هذا النظام خبرة في إدارة مؤسسات الدولة. اكتشف كلّ من احتكّ بهم أنّهم هواة في هذا المجال.

استثمرت إيران المليارات من الدولارات في هذا البلد، الذي من دون السيطرة عليه، سيبحث النظام عن طريقة أخرى للمحافظة على نفسه. وقد يكون ذلك بالاستسلام الإيراني أمام إدارة دونالد ترامب وقد يكون أيضا في الاستفادة من توجه إسرائيلي إلى التشجيع على تفتيت سوريا بدءا بقيام دولة في جبال العلويين وجزء من الساحل السوري… فضلا في طبيعة الحال عن تحقيق اختراقات في الجنوب السوري.

إعلامي لبناني

العرب

——————–

سوريا… عدالة انتقالية أم انتقائية؟/ أسعد الأمير أحمد

السبت 8 آذار 2025

«لا أعتقد أنني في وضع يسمح لي بأن أحكم إذا ما كانت الإجراءات أخلاقية أو غير أخلاقية، فأنا أُخضع ضميري الأخلاقي إلى حقيقة واحدة وهي أنني كنت جندياً وأنني مجرد ترس بسيط في آلة ضخمة»؛ هذه كانت إجابة المتهم أوتو أولندورف وذلك أمام المحكمة العسكرية في نورنبرغ والتي تعتبر أول سابقة قانونية في التاريخ بمحاكمة مجرمي الحرب بعد الحرب العالمية الثانية.

وقد أنشئت هذه المحكمة بموجب اتفاقية لندن في 8 آب 1945ووُضع النظام الأساسي للمحكمة العسكرية الدولية في نورنبرغ في 15/10/1945، وهي محكمة عسكرية دولية لمحاكمة كبار مجرمي المحور، وكانت الجرائم مقسمة وفقاً للمادة السادسة من نظام المحكمة إلى:

(1) جرائم السلام، وتشمل الإعداد أو البدء بشن عدوان أو حرب تشكّل انتهاكاً لاتفاقيات وضمانات دولية.

(2) جرائم الحرب، وتشمل الجرائم المسلحة والانتهاكات الخاصة بالاعتقالات والترحيل والعمليات الانتقامية.

(3) الجرائم ضد الإنسانية، وتشمل الحرب والاغتيالات والإبادة والاستعباد والترحيل وغيرها من الأفعال اللا-إنسانية المرتكبة ضد المدنيين والاضطهاد لدوافع سياسية أو عنصرية أو دينية. وكذلك شملت قائمة الجرائم الموجهين والمنظمين والمحرضين والمتدخلين الذين لهم مساهمة في التمهيد لتلك الجرائم.

هل تحققت العدالة في نورنبرغ؟ في الحرب التي كلّفت العالم أربعين مليون شخص بالحد الأدنى وتدمير أوروبا بشكل خاص، فإننا نتوقّع أن يكون المتّهمون بعشرات الآلاف ولكن ستكون المفاجأة كبيرة حين نعلم أنه لم يمثل أمام نورنبرغ سوى 22 متهماً فقط فيما حوكم 185 شخصاً في اثنتي عشرة محكمة متفرعة عن نورنبرغ.

واليوم في سوريا، بوجود مئات الآلاف من الأهالي ينتظرون تحقيق العدالة الغائبة لأبنائهم الذين لم يعودوا رغم الانتظار، فإنّ الكلمة المفتاحية لسوريا هذه الأيام هي العدالة الانتقالية ومحاكمة مجرمي الحرب عبر محاكم مختصة ونظام أساسي تقوم عليه تلك المحاكم وتفصيل لآلية عملها وتشكيلها.

ولكن كيف يمكن تشكيل محكمة مجرمي الحرب:

في سوريا بعد أن سقط النظام في 8 ديسمبر 2024، أضحى سؤال العدالة على شفاه مئات آلاف الناس. وبعد مضي أكثر من ثلاثة أشهر على استلام الإدارة الجديدة وتكرارها لعبارة العدالة الانتقالية، إلا أنه ليس واضحاً ما تفعلهُ في سبيل هذا الملف، وهل أعدّت قوائم بمجرمي الحرب، وما هي أعدادهم، ومن هم المتورّطون الحقيقيون، ومن هي المحكمة المعنيّة بمحاكمتهم، خاصّة أنها جرائم تتطلّب قوانينَ خاصة ونظام محكمة خاصاً وقضاة خاصين غير خاضعين للضغط العاطفي من الناس أو من السلطة، وأيضاً مع كثرة تداول مصطلح «فلول النظام» والذي لا معيار واضحاً تتخذه السلطة في سوريا لتحديدهم الأمر الذي يفتح الباب واسعاً لإباحة الاعتقال تحت هذا المُسمّى الآن ومستقبلاً ويشكّل طعنة في ظهر دولة العدالة التي يرغب فيها الجميع.

وعليه، إنّ الإسراع بإنشاء محكمة مؤقتة خاصة بمجرمي الحرب، على غرار محاكم نورنبرغ، هو ضرورة واقعية، خاصة مع ازدياد الانتهاكات التي تحدث من طرف أشخاص أو فصائل يُحسبون على السلطة الجديدة، سواء رغبةً منهم في تحقيق العدالة التي يظنّون أنهم يستحقونها ويخشون أن تُهدر أو بدافع الانتقام من مدنيين لا تربط بينهم وبين المجرمين إلا العقيدة أو الموقف السياسي، أو بسبب انفلات الأمن، أو بسبب الحقد المشبعة به بعض النفوس.

وعلى تلك المحكمة ألا تتحوّل إلى مسرح استعراض كما كان يحصل حين أنشأ النظام السوري محكمة مكافحة الإرهاب في عام 2012 فتحوّل قوس المحكمة إلى مسرح يستعرض عليه رئيس المحكمة بطولاته. وقد شهدتُ شخصياً في عام 2014 أحد استعراضات رئيس المحكمة حيث اتهم طالباً جامعياً كان موقوفاً بممارسة نشاطات إرهابية على الإنترنت، وحين ساد صمت في قاعة المحكمة ونحن ننتظر ما هي تلك النشاطات بينما رئيس المحكمة يُقلب في أوراق الملف كسر صمت القاعة صوته وهو ينظر إلى المتهم نظرة احتقار وقال له بكل استهزاء وسخرية: «ومعجب بصفحة الشيخ العريفي؟». كان وضع اللايك والإعجاب لصفحة «فايسبوك» جُرماً إرهابياً في سوريا، الأمر الذي جعل من تلك المحكمة مسرحية أكثر منها قانونية، وهذا ما لا يمكن له أن يحصل في دولة تدّعي أنها ستحترم الحقوق والحرّيات.

وإذا ما أخذنا في الحسبان فساد السلك القضائي السوري بنسبة كبيرة، لأنه قائم على التزلّف والخوف من السلطات القديمة والجديدة، والفساد بنسبة لا بأس بها، فهنا تكمن المهمة الصعبة للإدارة الجديدة (فيما لو أرادت تطبيق القانون والعدالة حقاً) باختيار قضاة لا يخشون في الحق لومة لائم تضعهم بحسب كفاءتهم لا ولائهم كما تفعل في عدد من مراكز القرار، إذ إنها حتى الآن تعتمد الولاء قبل أي اعتبارٍ آخر.

ومن الممكن أن تكون محكمة دولية ووطنية في آن، ضمن نظامٍ خاصّ بها، ويكون فيها قضاة مشهود لهم بالعلم والنزاهة والحياد، سواء من البلدان العربية أو الأجنبية، وهذا الأمر قد يعتبره البعض مسّاً بالسيادة الوطنية إلا أن هذا الكلام غير صحيح قانونياً، فالدولة حين تدخُل في اتفاق دولي مع دول أو منظمات هي لا تُنقص من سيادتها ولا تُقيدها، بل في حقيقة الأمر هي تُحقّقها، وسابقة المحاكم الدولية قد حصلت في الكثير من البلدان، أقربها زمانياً المحكمة الخاصة باغتيال رفيق الحريري، رئيس الوزراء اللبناني، وقبلها المحكمة الخاصة برواندا، ويوغوسلافيا، وطوكيو، ونورنبرغ.

حق الدفاع

بالعودة إلى مقدمة هذا المقال وما قاله أوتو أولندورف، فإنّ هذه الحجة الرئيسية التي قام عليها دفاعه لم تفلح لأن نظام المحكمة العسكرية في نورنبرغ قد ردّ على هكذا ادعاءات في المادة الثامنة منه والتي رفضت الأخذ بمبدأ أن المتهم يقوم بإطاعة أوامر رئيسه لإعفائه من المسؤولية، ولكن تركت أمر النظر في تخفيف الحكم للمحكمة إذا رأت ذلك. وهذه الحجة ستظهر في دفاع أي متهم في جرائم الحرب في سوريا، خاصة أننا نعرف أن مخالفة الأوامر العسكرية والأمنية قد تودي بصاحبها ليصير ضحية بدلاً من أن يكون الجلاد، وسيقول لم أكن إلا مجرد ترس بسيط في آلة ضخمة.

وإنّ المادة الثامنة من نظام محكمة نورنبرغ ينبغي تطبيقها في نظام أي محكمة سورية ستأتي، ويُسمح للمحكمة بتخفيف الحكم إذا رأت ذلك، لأن لكل فرد ظرفه الخاص وحسب الفعل الذي قام به، دون أن يغيب أن البعض هو مصدر الأوامر لا متلقيها، وهنا سيشتد الخلاف الأخلاقي حول ما فعل المرؤوس بأمر رئيسه، وستتعرّض المحكمة لضغوط هائلة من ذوي الضحايا الذين قد يعتبرون أن أي فعل لمرؤوس يمثّل جريمة بغض النظر عن فداحته أو خطورته. وهذا الخطر الآخر الذي يهدّد حياد القضاة ونزاهتهم. ورغم أن محاكمات نورنبرغ كانت تحاكم أشخاصاً تسببوا في قتل الملايين، إلا أن النظام الأساسي للمحكمة أعطاهم كامل الحق بالدفاع عن أنفسهم بموجب المادة 16 منه، سواء من حيث الرد على لائحة الاتهام أو توكيل المحامين أو طلب الشهود أو تقديمهم لأدلتهم أو استجوابهم باللغة التي يفهمونها.

وحق الدفاع هذا لا يتعلق بالمتهمين فقط بل حتى بالضحايا لكي يفهموا الآلية التي كان يتم تحت ظلّها ارتكاب الجرائم والكيفية لذلك، وكيف استطاع القتلة أو المعذبون في الأفرع الأمنية القيام بتلك المهمة الدنيئة دون أن يخالجهم شعور العار أو وخز الضمير. هل كانوا وحوشاً حقاً؟ لا، لم يكونوا وحوشاً، هذه المفاجأة المدوية سيقولها لنا المدعي العام بينجامين فيرينز في محاكم نورنبرغ في لقاء معه على التلفزيون الألماني DW في عام 2015: «افتراض أن هؤلاء وحوش بشرية هو افتراض غير صحيح، لا يمكن تمييزهم عن أشخاص تلتقيهم في أي مكان، إنهم مثقفون ولطفاء مع حيواناتهم الأليفة وربما آباء جيدون، ولكنهم اعتقدوا أن واجبهم الوطني والبطولي هو قتل الآلاف من الأطفال». كان بعض المجرمين يعتقدون أنهم يقومون بأدوار بطولية تحت منظومة تعمل لحمايتهم وفقاً لعقيدة أو أيديولوجية عملت على تغييب ضميرهم الأخلاقي. وفي هذا المجال ينبغي فهم تلك الحالة لكي لا يتكرر هذا الحدث ثانيةً ولكي لا يتم تعليق الضمير الأخلاقي وتغييبه لأي شخص دعماً لأي سلطة فيتحوّل إلى مجرم.

العدالة

قبل الخوض بالحديث في العدالة علينا أن نسأل أنفسنا كيف تحوّل بعض السوريين إلى جناة ومجرمين؟ هل كان الأفراد الذين يقومون بالقتل يفعلون ذلك من أجل تنفيذ الأوامر أم من أجل العقيدة أم من أجل أنفسهم؟ هذا السؤال قد يُخطئ القانون بالإجابة عنه لكن عالم النفس هيربرت كيلمان يُجيب فيقول إن الوازع الأخلاقي ضد الفظائع يميل للاختفاء بمجرد تحقق ثلاثة شروط، وهي: التفويض باستخدام العنف عبر الأوامر الرسمية، وتنميط العمل أي مأسسته ضمن منظومة توزع الأدوار بشكل دقيق، وثالث الشروط وهو أهمّها تجريد الضحايا من الصفات الإنسانية وتوصيفهم بأيديولوجيات وتوصيفات تفقدهم كل صفة إنسانية جديرة بالتعاطف معهم.

وهكذا يتحوّل المرؤوس من ترس صغير في آلة ضخمة إلى آلة بذاته يقيم العقاب بذاته ولذاته ويستطيع بعد أن يقتل طفلاً في الصباح أن يذهب ويعانق أطفاله في المساء ويلعب معهم، وهذا ما يُمكن تسميته بالمسافة الأخلاقية بين الفعل والعاطفة أو تحويل الجريمة إلى وظيفة عامة أو مهنة، فيعتبر عمله بالتعذيب أو القتل بمنزلة الوظيفة العامة يذهب إليها يؤدي واجبه ثم يعود إلى بيته يمارس حياته الطبيعية، يعانق زوجته وأطفاله وقد أنهى واجبه اليومي الذي يتكرر في اليوم التالي ذاته.

إن العدالة، وإن كانت غاية في ذاتها، إلا أنها ينبغي أن تتحول إلى وسيلة ردع للآخرين لارتكاب مثل هذه الأفعال، وينبغي أن تتم على كل مرتكب لجريمة حرب رأى في إنسانٍ ضعيف عدواً ينبغي قتله. وعليه، فعلى السلطة الجديدة أن تُفهم عناصرها أن واجبهم يقتصر على القبض على المجرم لا ضربه أو تعنيفه أو محاكمته كما نرى في عشرات الفيديوهات على وسائل التواصل الاجتماعي لكي لا نعيد المأساة مرة ثانية، ولأن واجبهم يقتصر على ذلك فلا ينبغي التعدّي على واجب القضاء بتقرير الحكم وتنفيذه، وهذا ما جرى مرات عدة تحت مسمّى الأخطاء الفردية فقد كان أكبر آلام المجتمع هو التعذيب وعلى هذا السلوك أن يتم ترويضه حتماً.

هل هي انتقالية أم انتقائية؟

هل في التاريخ ما يثبت أن المنتصر حاكم مجرميه كما فعل بالخاسر، هل قامت دول الحلفاء بسؤال الولايات المتحدة عن إلقاء القنبلتين النوويتين في هيروشيما وناكازاكي؟ هذا سؤال سيبدو من العبث البحث عنه، وهذا أمر يُحيلنا إلى عدالة المنتصر. كانت هذه أحد الانتقادات التي واجهتها محاكمات نورنبرغ، فهي إذاً عدالة انتقائية، تنتقي الطرف الخاسر لتقيم له المحاكمات بينما المنتصر يحتفل بانتصاره.

وبما أن السوريين قد ظهر فيهم جناة من طرفي الحرب، سواء من كان تحت سلطة النظام أو من كان تحت سلطة المعارضة، فلكي تكون عدالة انتقالية لا تورث الجروح والندوب فعليها أن تكون انتقالية تشمل الجميع لتُشفي الجميع. إنّ الإحساس بالعدالة هو المطلب لدى الشارع العام لتهدئة النفوس وإنهاء الشعور بالغضب الذي لا يخدشه شيء أكثر من حسّ الظلم الذي لم يُجبر، والذي سيحوّله شيئاً فشيئاً إلى حدث عنيف في المستقبل. وبالتالي إذا كان علينا نحن السوريون أن نبني وطناً ينبغي أن نبني عدالته أولاً. والعدالة على الجميع وللجميع، وهكذا يُمكن للجيل الذي لم يشهد الحرب ألا يخوضها ويُجرّبها كما فعلنا نحن، مع الأخذ في الحسبان أن العدالة الكاملة لا يُمكن تحقيقها مهما بذل من جهد لذلك، ولكن يُمكن للمجتمع الإحساس بتحقيقها.

إذاً، هل تحققت العدالة في نورنبرغ؟ يجيب المدعي العام في محاكم نورنبرغ بينجامين فيرينز تلخيصاً للحقيقة القاسية والمؤلمة: «من بين ثلاثة آلاف شخص قاضيت اثنين وعشرين فقط. ما الذي حدث للثلاثة آلاف الباقين؟ لا شيء، العدالة لم تتحقق إذاً، لقد كان ذلك مجرد رمز للعدالة، على أمل أن يمنع هذا آخرين من ارتكاب مثل هذه الجرائم في المستقبل».

* محام سوري

الاخبار

———————————-

هل تعليق العقوبات الأوروبية على سوريا فاعل؟/ حسن الشاغل

7/3/2025

فرض الاتحاد الأوروبي منذ عام 2011 سلسلة من العقوبات على سوريا ردًا على سياسات النظام العنيفة تجاه الاحتجاجات السلمية.

شملت هذه العقوبات حظر الأسلحة وحظر استيراد النفط والمنتجات النفطية السورية، وقيودا مالية تضمنت تجميد أصول البنك المركزي السوري ومنع المؤسسات المالية من فتح فروع في أوروبا، بالإضافة إلى قيود على تصدير المعدات والتكنولوجيا التي قد تُستخدم في القمع الداخلي أو لمراقبة الاتصالات.

كما استهدفت العقوبات مئات الأفراد والكيانات المرتبطة بالنظام السوري، وشملت تجميد الأصول وحظر السفر.

وفي 24 فبراير/شباط 2025، أعلن الاتحاد الأوروبي تعليقًا للعقوبات المتعلقة بقطاعات الطاقة والبنوك والنقل. وأوضح مجلس الاتحاد، في بيان، أنه قرر “تعليق الإجراءات التقييدية في قطاعي الطاقة بما في ذلك النفط والغاز والكهرباء والنقل”.

كما قرر المجلس “رفع 5 جهات هي المصرف الصناعي، ومصرف التسليف الشعبي، ومصرف الادخار، والمصرف الزراعي التعاوني، ومؤسسة الطيران العربية السورية، من قائمة الجهات الخاضعة لتجميد الأموال والموارد الاقتصادية”.

وقرر المجلس أيضا “السماح بوضع الأموال والموارد الاقتصادية (لتلك الجهات) تحت تصرف البنك المركزي السوري”. ويسعى الاتحاد الأوروبي -كما يقول- للمساعدة في إعادة بناء سوريا بعد سنوات من الحرب الداخلية وتمكن الثوار من الإطاحة ببشار الأسد  في الثامن من ديسمبر/كانون الأول الماضي.

واقترحت الدول الأوروبية أن يكون رفع العقوبات تدريجيًا، مع الإبقاء على بعض العقوبات المتعلقة بانتهاكات حقوق الإنسان وتجارة المخدرات والأسلحة.

قطاع الكهرباء

تعليق العقوبات الأوروبية على سوريا قد يساعد في تخفيف أزمة الكهرباء، لكنه لن يكون حلاً فوريا أو كاملا لأن هناك عدة عوامل تؤثر على تطوير قطاع الكهرباء في سوريا.

ويقول يونس الكريم الخبير في الاقتصاد السوري ومدير منصة اقتصادي المتخصصة، في تصريح للجزيرة نت، إن تعليق العقوبات الأوروبية جاء بما يتطابق مع الترخيص 24 الذي هو جزء من قانون قيصر، الذي يهدف إلى إزالة المخاطر عن المواطنين وتخفيف عبء العقوبات عنهم خاصة بعد سقوط نظام بشار الأسد في 8 ديسمبر/كانون الأول 2024.

يهدف الترخيص 24 إلى ضمان عدم إعاقة العقوبات للخدمات الأساسية المتعلقة بالحكم في سوريا بعد سقوط بشار الأسد، بما في ذلك توفير الخدمات العامة أو بعض المعاملات المتعلقة بالطاقة أو التحويلات الشخصية.

كما يسمح للشركات ببيع وتوريد أو التبرع بموارد الطاقة لسوريا بما في ذلك النفط والغاز. ويسمح الترخيص أيضا بتسهيل التحويلات الشخصية غير التجارية.

ويستمر هذا الترخيص لمدة 6 أشهر، حيث تواصل الحكومة الأميركية مراقبة الوضع المتطور على الأرض.

ويرى الكريم أنه اصبح بإمكان الدولة السورية الاستفادة من تعليق العقوبات الأوروبية بإبرام عقود لتطوير إنتاج الكهرباء، لكنها تصدم بقانون سيزر، الذي يتضمن استثناءات يمكن الاستفادة منها بمساعدة مكتب محاماة مختص.

وأشار الكريم إلى أن جزءا كبيرا من محطات توليد الكهرباء هي مولدات أوروبية، وبالتالي تستطيع الدول الأوروبية توفير قطع الصيانة والتكنولوجيا لرفع قدرة إنتاجها.

وأوضح الكريم أن سوريا لا تستطيع استيراد قطع الصيانة مباشرة من الدول الأوروبية، بل يجب أن تعتمد على طرف ثالث بسبب العقوبات الأوروبية وقانون قيصر.

قطاع الطاقة

تتمركز احتياطات النفط في منطقة شرقي سوريا، وهي تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية “قسد” والإدارة الذاتية التابعة لها، وهي مناطق غير مشمولة بالعقوبات الأوروبية ولا قانون قيصر، إضافة لبعض مناطق شمالي غربي سوريا.

وقال الكريم إن احتياطات النفط السوري توجد في شرق الفرات، وهي منطقة غير مشمولة بالعقوبات الأوروبية وقانون قيصر، لذلك لن تكون الشركات التي تنوي الدخول للاستثمار في قطاع النفط السوري عرضة للعقوبات الأميركية والأوروبية.

ويرى حسن المروان، وهو باحث في الاقتصاد السياسي، أن تعليق العقوبات قد يشجع الشركات الأوروبية مثل شل وتوتال على العودة للاستثمار في النفط السوري لاسيما في حقلي الرميلان وعمر، أكبر حقول البلاد.

لكن يونس الكريم يرى أن تعليق العقوبات له أبعاد سياسية تتمثل في رغبة دول الاتحاد الأوروبي في الضغط على الحكومة السورية لإشراك “قسد” والإدارة الذاتية في العملية السياسية، بمعنى أن رفع العقوبات محاولة للتدخل السياسي الأوروبي في سوريا.

وأكد المروان أن الحكومة السورية قد لا تستفيد كثيرا من رفع العقوبات على قطاع الطاقة في الوقت الحالي لاستمرار سيطرة قوات “قسد” على احتياطات النفط، ويعد ذلك أكبر تحدي يواجه الحكومة السورية.

وبحسب تقرير منشور على الجزيرة نت، يواجه قطاع الطاقة في سوريا تحديات عدة إلى جانب العقوبات، وتعرضت آبار النفط للتخريب وتحتاج لصيانة واسعة، كما أن توقف إنتاج الحقول لمدة زمنية له عواقب على عملية الإنتاج، حيث يصبح من الصعب عودتها إلى الحالة الإنتاجية القديمة إلا بعد إعادة تهيئة الحقول.

قطاع النقل

يقول الكريم إنه من المستحيل أن يتم تطوير قطاع الطيران مع تعليق العقوبات الأوروبية لعدة أسباب:

    لأن قانون سيزر يفرض عقوبات على الشركات التي تتعامل مع الدولة السورية في قطاع الطيران، ويمنع الشركات من إمداد سوريا بقطع الصيانة وتطوير الطيران. لذلك لن تغامر أي شركة للتعامل مع الدولة السورية خوفا من العقوبات الأميركية.

    عدم قدرة البنك المركزي على القيام بالمعاملات المالية مع الشركات الدولية التي ستتولى إمداد سوريا بقطع الصيانة.

     استمرار الأوضاع غير المستقرة في سوريا يفرض على شركات الطيران أن تدفع مبالغ إضافية لتأمين الرحلات الجوية، مما قد يعيق تسيير رحلات إلى سوريا بشكل مكثف.

سوريا ما زالت مقيدة بالعقوبات

يؤكد الكريم أن التعليق الأوروبي للعقوبات لم يشمل رفع الحظر عن البنك المركزي والبنك التجاري، وهو البنك المخول تنفيذ المعاملات والحوالات التجارية الخارجية والاعتمادات والكفالات المالية.

فإذا رغبت الدولة السورية في استيراد معدات لقطاع الطاقة أو لقطاع آخر فهي بحاجة إلى اعتماد مستندي، أو بالكاش عبر البنوك، وكلاهما غير متوفر للاستخدام بسبب العقوبات. وبالتالي سوريا ما زالت محرومة من التعاملات التجارية الخارجية.

ويؤكد المروان أن تعليق العقوبات إذا لم يشمل البنك المركزي السوري، ستبقى البلاد مقيدة في تعاملاتها الخارجية في كافة القطاعات التي تتطلب إبرام تعاقدات خارجية.

ويمكن تسليط الضوء على أبرز التحديات التي تواجه الحكومة السورية الجديدة فيما يتعلق بالعقوبات:

    عدم وجود مكاتب محاماة وعلاقات عامة تابعة للدولة السورية في دول الاتحاد الأوروبي تتابع ملف العقوبات، وتحاول إزالة بنود العقوبات وتضغط لتخفيفها.

    عدم وجود فريق اقتصادي معتمد من قبل الحكومة قادر على التعامل مع ملف العقوبات.

    عدم وجود طبقة من التجار الموالين للحكومة الجديدة يقومون بعمليات تجارية خارجية بأسمائهم ولصالح الحكومة.

    لا تتوفر لدى الدولة أرصدة مالية تمكّنها من تطوير مؤسسات.

المصدر : الجزيرة

————————————–

تفاصيل الحراك في دير الزور وأهم مطالبه/ بشير العباد

8/3/2025

دير الزور – في ظل ما تشهده مناطق الساحل السوري، وخاصة قرب جبلة وريف اللاذقية وطرطوس، من هجمات مسلحة نفَّذها موالون للنظام السابق يوم الخميس الماضي، أسفرت عن مقتل العشرات من عناصر الأمن العام السوري وإصابة آخرين، خرجت مظاهرات بعدة مدن سورية لاسيما في دير الزور احتجاجا على ممارسات قوات سوريا الديمقراطية (قسد) ودعمًا للأمن السوري العام.

وكانت وزارة الدفاع السورية قد أعلنت النفير العام على خلفية هذه العمليات، وأمرت بإرسال تعزيزات عسكرية إلى الساحل لملاحقة “فلول النظام السابق”، حسب وصفها.

وشملت هذه المجموعات فصائل سبق أن انضمت إلى وزارة الدفاع السورية، أبرزها “جيش الشرقية” و”أحرار الشرقية” و”درع الشرقية”، والتي ينحدر معظم مقاتليها من محافظة دير الزور، وسط مطالب شعبية بتنظيم مظاهرات ووقفات بساحة المدلجي هناك.

أهم المطالب

وتزامنا مع المظاهرات التي نظمها الحراك المدني في دير الزور بعد صلاة الجمعة أمس، خرجت احتجاجات بمناطق سورية أخرى، مطالبة بمحاسبة المسؤولين عن الهجمات على القوات الأمنية، ودعت الحكومة السورية لتحرير مناطق شرق الفرات من سيطرة قوات “قسد”.

وقال جمعة سراي الجاسم، أحد المشاركين في المظاهرات، للجزيرة نت إنه جاء دعما للاستقرار والأمان في سوريا بعد 14 عامًا من الصراع. وأكد أن المتظاهرين طالبوا بالوقوف إلى جانب الجيش السوري، والعمل على تحرير المناطق التي لا تزال خارج سيطرة الدولة، وعلى رأسها الرقة والحسكة، والتي تسيطر عليها “قسد”.

وقال متظاهر آخر يدعى حاتم فيحان للجزيرة نت إنه استجاب لدعوات الحراك عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وأكد أنهم تظاهروا لمحاسبة المتورطين بأحداث الساحل، إضافة لإنهاء سيطرة قوات “قسد” على باقي مناطق سوريا، مشيرا إلى انتهاكات ارتكبتها تلك القوات، وأبرزها حملات الاعتقال التي طالت عشرات الشبان بمناطق سيطرتها بحجة الانضمام لتنظيم الدولة الإسلامة والتجنيد الإجباري بصفوفها.

وذكر مناف الخالد، أحد الموجودين بالحراك الشعبي، أن المتظاهرين هتفوا ضد فلول النظام وقوات سوريا الديمقراطية بعبارات “يا مظلوم سماع (استمع) سماع هاي (هذه) الدير وكلها سباع وهاي الدير وما تنباع” و”لا علوية ولا شيعية.. سوريا وحدة وطنية” وغيرها من الشعارات، كما رددوا أناشيد ثورية.

رسائل

وقدم نضال الجابر، متظاهر آخر، من مسجد عثمان بن عفان في مدينة دير الزور بعد صلاة الجمعة سيرا على الأقدام مع عدد من المتظاهرين إلى ساحة المدلجي للمشاركة في الحراك المطالب بدعم الحكومة وتحرير المحافظات الثلاث من سيطرة “قسد”.

وقال الجابر للجزيرة نت إن أهالي المحافظة أجَّلوا مظاهرات كثيرة احتفاء بالنصر والخلاص من نظام بشار الأسد، إلا أن فرحتهم لن تكتمل إلا بتحرير باقي المحافظات السورية من سيطرة “قسد”.

من جهته، قال المثني عيد، أحد منسقي الحراك المدني في دير الزور، إن الحراك يحمل عدة رسائل، أبرزها دعم الحكومة السورية الجديدة في ملاحقة من وصفهم بـ”فلول النظام المجرم الذين هاجموا قوات الأمن في الساحل السوري محاولين استعادة نفوذهم”.

وثمة رسالة أخرى يضيف عيد، في حديثه للجزيرة نت، موجهة إلى الإدارة الأميركية، تطالبها بوقف دعم مليشيات حزب العمال الكردستاني (بي كي كي) ووحدات حماية الشعب (واي بي جي)، مؤكدًا أن هذه الفصائل لا تمثل الأكراد السوريين الوطنيين الذين يُنظر إليهم كشركاء في بناء سوريا المستقبل، كما دعا الحكومة السورية لتكثيف جهودها لتحرير مناطق شرق الفرات من سيطرة هذه الفصائل.

دعم رسمي

وفي السياق، قال عضو مكتب الشؤون السياسية في دير الزور أكرم عسَّاف للجزيرة نت إن الحراك المدني طالب بتنظيم مظاهرات ردًا على هجمات الساحل السوري، وأنهم في المكتب السياسي استجابوا لهذه الدعوات، وعملوا على تنسيقها لضمان سلامة المتظاهرين، وأوضح أن المكتب تواصل مع الأمن العام وشركة الكهرباء لتوفير الخدمات اللوجيستية خلال المظاهرات.

وأكد عسَّاف أن مطالب المتظاهرين تمحوَّرت حول محاسبة المتورطين بأحداث الساحل، واستكمال تحرير محافظة دير الزور والرقة والحسكة من سيطرة قوات سوريا الديمقراطية.

المصدر : الجزيرة

————————————

عن مكالمة هاتفية لم تحدث بين البيت الأبيض وقصر الشعب/ علي سفر

2025.03.08

في وقت ما، كنت أسمع أحد أقاربي ممن عملوا في الشأن العام، وانتسبوا إلى العمل السياسي المعارض، يكرر دائماً أن إسقاط حافظ الأسد هو نصف المهمة، لكن النصف الثاني أخطر من الأول، إذ إنه بعد دقائق من الإطاحة بالدكتاتور، سيرن الهاتف على طاولة الرئيس الجديد حيث سيجد على الطرف الآخر من المكالمة الرئيس الأمريكي مهنئاً ويسأل عما سيفعله المنتصرون!؟

لم يستطع السوريون إنهاء حكم الطاغية الأب، وعانوا 14 سنة حتى استطاعوا الإطاحة بالدكتاتور القاتل الابن! وحتى هذه اللحظة لم يصدر عن قصر الشعب أي خبر، ولا حتى إيحاءٌ بأن الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، قد اتصل أو تواصل مع الرئيس أحمد الشرع.

الفرضية التي كان يحكيها قريبي، ورغم وجود جزء مجازي فيها، كانت صالحة بحرفيتها للعقود الأخيرة في القرن العشرين، لكن في وقتنا الحالي دخلت إلى الحقل السياسي التقليدي، حشرات وقوارض مختلفة، سريعة وتعمل من باطن الأرض، فتفسد المزروعات من داخلها، بحيث أنك تراها عادية وصالحة، لكنها فارغة وربما متعفنة من الداخل! ضمن هذا التشبيه، يمكن تفسير طبيعة العلاقات الدولية الراهنة، على أنها قدرة الجميع على التفاهم، وترتيب المصالح، بنزاهة ومن دون غش، أي أنه لا يجب على أحد أن يخدع الآخرين، بل يجب أن يكون واضحاً وصريحاً!

الاتصال الأميركي لم يحدث علانية حتى اللحظة، لكن في الفناء الخلفي ثمة ترتيبات تجري، من دون أن يعلن عنها شيئاً، وربما ينبئنا عنها الإحساس بالطمأنينة لدى الرئيس الشرع ووزير خارجيته أسعد الشيباني، في سياق تصريحاتهما، ولاسيما تلك التي تقدم التعهدات للدول الإقليمية وللدول الكبرى، وكذلك للمؤسسات الدولية، والتي يمكن تلخيصها بالقول إن سوريا الجديدة لن تكون دولة مافيوية! وأن كل الانطباعات السابقة التي كرسها الأسدان طوال 54 سنة، يجب أن تمحى طالما أن مصالح البلد تُحترم من قبل الآخرين!

كيف يمكن لهذه المعادلة أن تتحقق، والوضع السوري الراهن هو أقرب من أي وقت للانفجار الداخلي، بحكم الأزمات المكرسة، وبحكم الأصابع الإقليمية، العابثة بالشؤون المحلية، سياسياً وعسكرياً؟

يظن بعض فلول النظام، أن ثمة إمكانية لإثارة الدول الإقليمية، أو القوى الدولية، ضد السلطة الجديدة، فيملؤون مساحات التواصل الاجتماعي بأخبار غير موثقة، عن انتهاكات تحصل بحق الأقليات، وحين لا تثمر هذه الدسائس، يقررون تفجير الوضع عسكرياً، فتحصل اشتباكات، هنا وهناك، ويسقط القتلى!

ولعل ما يسترعي الانتباه خلال هذه الأحداث، أن السوريين لا يشعرون بالقلق من هذه التحركات، إذ ثمة يقين بأن الأسدية كمرحلة تتضمن همجية النظام و”رعاعية” مؤيديه من الشبيحة قد انقضت بلا رجعة، ولا أحد يريد أن يتورط في الدفاع عمن أقاموا السجون الإبادية في سوريا، وأكبر دليل على هذا، إنما هو ذهاب التصريحات الروسية بمجملها إلى عتبة بناء علاقة جديدة ومختلفة وربما أكثر دفئاً، بين الكرملين وقصر الشعب بحكامه الجدد في الفترة القادمة.

وعلى مستوى آخر، ورغم إعلان وكالة أخبار تتبع الحرس الثوري عن إطلاق ما سميت بـ”جبهة المقاومة الإسلامية في سوريا”، فإن الهاجس الراهن بوجود خطر إيراني، بات يضمحل أكثر فأكثر، لعلم المتابعين بأن ما يفعله أتباع الولي الفقيه في هذا الشأن ليس أكثر من محاولة التمسك بقشة نجاة، بعد أن غرقوا في بحر الخسارات!

التركيز في المحصلة، لابد أن ينصب على شكل العلاقة مع إسرائيل، وقبله طريقة التعاطي مع إدارة ترمب الحالية.

في اليومين الماضيين، ظهرت على السطح مقالة للسفير الأميركي السابق في سوريا ودراسة أعدها مركز أبحاث إسرائيلي. في المقالة يتحدث روبرت فورد عن حيثيات تتناقض مع الصيغة التي اتبعتها الولايات المتحدة سابقاً في سوريا، حيث كرّست دعمها لقوات سوريا الديمقراطية بذريعة محاربة تنظيم الدولة، فيقول: “أنه مع زوال نظام الأسد، يمكن للولايات المتحدة أن تختار العمل مع شريك أكثر نفوذا وفعالية في المعركة ضد بقايا تنظيم الدولة: الحكومة السورية الجديدة في دمشق. ومن الممكن أن يعزز التعاون الأكبر، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، مع هذه الحكومة الوليدة الأمن الإقليمي، ويساعد في إنهاء القتال الدائر في شرقي سوريا ويسمح للولايات المتحدة بتخصيص موارد أقل للبلاد. وفي السياق يشير إلى “أنه لطالما أبدى الرئيس دونالد ترمب أسفه على التورط الأميركي في الصراعات الخارجية وبخاصة في الشرق الأوسط. ومن شأن الشراكة مع الحكومة الانتقالية الجديدة في دمشق أن تسمح للولايات المتحدة بمغادرة سوريا بشروطها الخاصة”.

والخلاصة من هذه المقبوسات، تقول بأن ثمة استراتيجية مختلفة، محتملة في المرحلة القادمة، سيتغير معها شكل العلاقة بين دمشق وواشنطن، وأما فيما يخص الإبقاء على التحالف الخاص بمحاربة داعش فإن ثمة طروحات تتم مناقشتها حالياً، من بينها مقترح أوروبي، أشبه بحقيبة تتضمن حلولاً لعدة إشكاليات!

الاعتراضات الإسرائيلية العلنية حالياً، التي تترافق مع عمليات توغل وتهديدات، وادعاءات بحماية بعض المكونات السورية، لا تبدو قابلة للترجمة على الأرض، في ظل عدم رغبة الولايات المتحدة بالتدخل، وهذا ما تؤكده الورقة البحثية التي أعدها مركز دراسات الأمن القومي الإسرائيلي (INSS)، الثلاثاء الماضي، وقام موقع تلفزيون سوريا بنشرها قبل أيام، والتي تضمنت أفكاراً تدفع نحو “آلية للتعاون مع دول عربية وتركيا وقوى دولية، تتضمن تحجيم الدور التركي النافذ في سوريا ويمنع الاحتكاك مع إسرائيل، مع الإشادة بدور أنقرة والتعاون معها لضبط الأمن في سوريا من دون أن يكون لها استئثار في سوريا الجديدة. وتهدف كذلك إلى “منع إيران من استعادة نفوذها في سوريا. وتقترح خطة دولية لإعادة الإعمار الاقتصادي ما يمنح سوريا استقرارا ويمنعها من تهديد جوارها”.

وبحسب تحليل الورقة فإنه من اللافت أنها “تشير إلى أفضلية عدم مشاركة تل أبيب بهذا الآلية والاكتفاء بطرح الفكرة على واشنطن، مع التأكيد على أن الهدف هو حماية مصالح إسرائيل الحيوية”.

ربما يمكن القول بعد إلقاء نظرة على هذه الطروحات، إن التغيير الذي طرأ في آلية التواصل الأمريكي مع المشهد السوري، لن يتيح بناء علاقة واضحة المعالم، طالما أن سيد البيت الأبيض لا يرى في المكان فائدة ذات أهمية لسياسته الموجهة داخلياً، لكن هذا المعيار يمكن أن يتغير في حال ظهرت ضمن المشهد السوري أعراض خطر ما، من نوع تسلسل فئات خارجة عن السيطرة (تتبع الفصائل السورية أو الإيرانية) صوب المنطقة منوعة السلاح، بين سوريا والجولان المحتل، أو تقدم تنظيم الدولة مجدداً.

وكل ما سبق يبدو بعيداً، رغم انشغال الحكومة الحالية بالأزمات في الساحل السوري أو السويداء أو غيرهما.

*يتحدث الباحثان ديفورا مارغولين، وهارون ي. زيلين من معهد واشنطن في الدراسة الحديثة “خطوات ما بعد مؤتمر باريس في سوريا قد تكون حاسمة” التي قدماها حول المقترحات لمرحلة ما بعد الانسحاب الأمريكي من سوريا حيث ” اقترحت أنقرة تشكيل مجموعة إقليمية

تلفزيون سوريا

——————————–

============================

======================

عن نداء الله “الكردي” “عبدلله أوجلان” بإلقاء السلاح -مقالات وتحليلات

——————–

تحديث 08 أذار 2025

«الحل الكردي» أسير الغموض: تركيا لا تكشف خطواتها/ محمد نور الدين

السبت 8 آذار 2025

لا يزال الغموض يلفّ مسار حلّ المشكلة الكردية في تركيا، عقب النداء الذي وجّهه زعيم «حزب العمال الكردستاني»، عبد الله أوجالان، لحلّ الحزب وإلقائه السلاح. وما يزيد من ذلك الغموض، امتناع السلطة عن الخوض في أيّ نقاشات حول ملامح الحلّ المفترض، فضلاً عن المواقف المتناقضة في الأوساط الكردية مما جرى ويجري. ولعلّ أبرز تلك المواقف، ما قاله أخيراً القيادي في «الكردستاني»، مصطفى قره صو، من أن الحزب «لن يتبخّر»، إذ إنه «ليس مجرّد حزب، بل شعب، وسيبني بصورة سلميّة كل المؤسّسات الضرورية»، كما إنه «لن يعطي السلطة التركية أيّ ذريعة لعدم التقدُّم في عملية حلّ المسألة الكردية». وأكد القيادي «(أنّنا) سنطبّق إجراءات ترك السلاح وحلّ الحزب بالكامل، من أجل التحوّل الديموقراطي. وستكون معركتنا أكثر قوّة وتأثيراً». لكنه شدّد في المقابل على أنه سيكون «على الدولة أن توقف إطلاق النار، وإلّا فإنها تقول إنها لا تريد الحلّ».

ورغم مطالبة الأكراد بإطلاق سراح أوجالان لقيادة عملية الحلّ، استبعد عبد القادر سيلفي (الكاتب المقرّب من الرئيس رجب طيب إردوغان)، في صحيفة «يني شفق»، أن يحصل ذلك، متوقعاً أن يعقد «الكردستاني» مؤتمره لحلّ نفسه في نيسان المقبل. ووفقاً لآخر استطلاع للرأي حول مسار الحلّ، ذكر مركز «آريدا يورفاي» أن 58% من الأتراك اعتبروا نداء أوجالان إيجابيّاً، في مقابل 48% قالوا إن «الكردستاني» لن يلقي سلاحه، و15% فقط رأوا أنه سيتخلّى عن العمل المسلّح، فيما دعا 70% إلى مواصلة الجيش التركي عملياته في سوريا والعراق.

ومن جهة الكتاب والناشطين الأكراد، رأى الكاتب جمعة تشيتشيك أن «الرأي العام يلفّه شعور بعدم الوضوح إزاء ما يجري، ولكنه يعتقد أن الدولة لديها خريطة طريق محدّدة جدّاً، وكذلك الأمر بالنسبة إلى أوجالان، وهما يتفاوضان عليهما». واعتبر «عدم توضيح ما يجري مقصوداً، وذلك من أجل منْع تعثّر العملية»، لافتاً إلى أن «عملية الحلّ الآن ليست جديدة، وقد سبقتها محاولة في غاية الجدّية مع اتفاق دولماباهتشه في 28 شباط 2015. واتُّفق، في حينه، على أن يوجه زعيم الكردستاني دعوةً إلى ترك السلاح في ربيع العام نفسه. لكن العملية ماتت قبل أن يوجّه أوجالان الدعوة». ووفقاً لتشيتشيك، فإن «العملية الحالية لا تهدف إلى العمل مباشرةً على الحلّ، بل إلى تشكيل أرضية تمهيداً له»، إذ «يُراد الانتقال من مرحلة أساسها العنف، إلى مرحلة أساسها السياسة والقانون».

ومع هذا، «لا يبدو أن الدولة مستعدّة لاتّخاذ مواقف معيّنة قبل حسْم مسألة نزع السلاح. وهي لا تريد أن تخلق حماسة شعبية واسعة قبل اتضاح الأمور. كما إنها غير متعجّلة لاتّخاذ خطوات كبيرة، ولكنها قد تبادر إلى خطوات رمزية، من مثل إعادة أحمد تورك إلى منصبه كرئيس لبلدية ماردين، بعدما أقالته منها، أو إطلاق سراح معتقلين مرضى، أو غيرها من الخطوات التي لها علاقة باللغة الكردية». وأعرب عن اعتقاده بأنه «لكي تنجح عملية نزع السلاح، يجب أن تعقبها إصلاحات ديموقراطية وقانونية تضاعف الثقة لدى الرأي العام. وحتى الآن، تسير الأمور بصورة مقبولة، وعلى الجميع بذل كل الجهود اللازمة لإنجاح العملية».

واعتبرت الناشطة الحقوقية الكردية، توركان أصلان آغاتش، من جانبها، أنه «لا يمكن ترك عملية الحلّ تحت رحمة الدولة، بل يجب اتّخاذ خطوات متعدّدة، من بينها إنشاء لغة سياسية جديدة بعيدة من لغة الاستقواء والاستبعاد، تعزّز الحوار بين مكونات المجتمع، وأيضاً إطلاق سراح أوجالان الذي عليه أن يقود عملية الحلّ». ورأت أيضاً أن هناك ضرورة لـ«إعداد دستور جديد ديموقراطي بمشاركة الشعب، يضمن المساواة بين المواطنين وحماية الهويات والفوارق المعتقدية والثقافية».

وفي صحيفة «يني أوزغور بوليتيكا»، أبدت غولجان ديريلي، بدورها، تفاؤلها بمسار التطوّرات، بعدما «طويت ستارة عمرها 50 عاماً، بل حتى 100 عام، وفتحت ستارة جديدة. وما لم تتعرّض العملية لضربة، فإننا سنستيقظ على بلد وشرق أوسط جديدَين»، في حين اعتبر فائق أوزغور إرول، المحامي الذي رافق وفد «حزب المساواة والديموقراطية للشعوب» للقاء أوجالان في الـ27 من شباط الماضي، أنه «لكي تنجح عملية الحلّ، يجب إطلاق سراح أوجالان، ومن بعده نرى ما الذي ستكون عليه الخطوات المقبلة».

وتوقف رمزي كارتال، أحد رموز الحركة الكردية في تركيا ورئيس منظمة «كونغرا غيل»، من جهته، عند نداء أوجالان، قائلاً إن «النداء ليس النهاية، بل بداية جديدة، وهو يحمّل كل الأطراف مسؤوليتها»، داعياً الدولة التركية إلى أن تحدّد، خلال الأسابيع المقبلة، موقفاً واضحاً من عملية الحل، إذ إن «استمرار الهجمات المسلّحة للدولة، يخالف روح هذه العملية»، مذكراً أيضاً بأن «المنطقة كلّها تمرّ بمرحلة دقيقة جداً يعاد فيها تشكيل الدول من جديد. وتركيا ليست خارج هذه المخاطر. عملية الحلّ المقترحة من قبل أوجالان تشكّل فرصة كبيرة لتركيا وكل شعوبها، وفي حال العكس، فإن تركيا ستكون أمام مخاطر التقسيم».

الاخبار

———————-

صدى رسالة أوجلان في سوريا.. التخادم الإيراني الإسرائيلي/ سمير صالحة

2025.03.08

المتبقي بيد طهران للرد على السياسة التركية التي تواصل دكّ تحصينات النفوذ والتمدد الإيراني في سوريا، هو تسهيل مهمة إسرائيل لمواجهة أنقرة هناك نيابة عن الطرفين.

بدلًا من تقليد موسكو، التي تمضي في فتح نافذة حوار مع القيادة السورية الجديدة رغم كل الخلافات والتباعد، تتمسك القيادة الإيرانية بنبرة التحدي والتصعيد والتهديد عند اللزوم، ثم تعبّد الطريق أمام المخطط الإسرائيلي الناشط في جنوب سوريا، والراغب في التمدد نحو شرق الفرات، والاقتراب من الحدود الشمالية لمواجهة الشراكة التركية-السورية الصاعدة في الإقليم.

لا أحد يتحدث عن تنسيق إيراني-إسرائيلي مباشر طبعًا، بل يدور الحديث عن تخادم متبادل بينهما بسبب مقتضيات المصالح ووجودهما في خندق واحد منذ الثامن من كانون الأول المنصرم، مع سقوط نظام بشار الأسد، حليف طهران وفرصة تل أبيب في المنطقة.

نجاح أنقرة في قطع الطريق على محاولة تسهيل مهمة تل أبيب في ملء الفراغ الإيراني في سوريا هو ما يغضب الطرفين ويدفعهما إلى تحريك أكثر من ورقة نفوذ في مواجهة أنقرة ودمشق. لا أحد يستغرب إذا ما ذهبت التحليلات باتجاه وقوف طهران وراء عرقلة اللقاءات السورية-العراقية، التي لن تدوم طويلًا، لأن العواصم العربية التي تريد استرداد سوريا إلى الحضن العربي لن تسمح بذلك. ولا أحد يستبعد أن تدعم طهران حركات تمرد وإشعال فتن في الداخل السوري، فهي قادرة على ذلك بسبب خيوطها وخلاياها هناك. لكن السؤال هو: ما الذي ستجنيه من خلال ذلك غير المزيد من الابتعاد عن سوريا الجديدة وتفاقم عزلتها الإقليمية، التي قد تقودها إلى الانفتاح على إسرائيل كمنفذ وحيد متبقٍّ لها؟

ناورت إيران لسنوات على خط دمشق–السليمانية في مواجهة أنقرة وهي تلعب بورقة الملف الكردي. رسالة أوجلان، التي فتحت أنقرة الطريق أمامها، قلبت حساباتها رأسًا على عقب. تريد الاستقواء بالتصعيد الإسرائيلي على خط جنوب سوريا وشرق الفرات لتصفية الحسابات مع القيادات التركية والسورية. ابتسامة تركية واحدة في اتجاه تل أبيب، بطلب من التفاهم الأميركي-الروسي القادم، ستحمل لطهران خيبة أمل أكبر في سوريا والمنطقة.

هدف أردوغان، من خلال تسهيل الحوار مع أوجلان وحزب “ديم”، هو تعزيز صفوف الجبهة الداخلية في مواجهة الأخطار الإقليمية المحدقة، وسحب ورقة حزب العمال من يد قوى إقليمية، وإسقاط مشروع البعض في شرق الفرات. لكن المشكلة أن أطرافًا إقليمية ودولية عديدة تشعر أن مصالحها تضررت من الحراك التركي الأخير، وأن عليها توحيد الصفوف في مواجهة خطة السلام التركي-الكردي في الإقليم، التي ستغير خارطة التحالفات والتوازنات على أكثر من جبهة.

تفاوض أنقرة على جبهتين: أوجلان وحزب “ديم”. من يدعمها في الحراك هو “تحالف الجمهور”، وأربيل، والعديد من العواصم الإقليمية والعربية. في المواجهة، تجلس القيادات الإسرائيلية والإيرانية المتضررة. لذلك، فاجأ الحراك التركي الأخير على خط الملف الكردي، بشقيه المحلي والإقليمي، الكثيرين. لكن أكثر المتضررين من هذه الخطوة هما إيران وإسرائيل. من هنا، على أنقرة أن ترفع من مستوى احتياطاتها تحسبًا لردٍّ محتمل من قبلهما عبر تحريك أكثر من جبهة أو مجموعات متضررة مما يجري. فالهدف هنا أبعد من إجلاس “قسد” في حضن إسرائيل بدعم أميركي وضوء أخضر إيراني.

إعلان قائد “قوات سوريا الديمقراطية” مظلوم عبدي أن دعوة أوجلان لحلّ حزب العمال وإلقاء السلاح تتعلق بالحزب ولا علاقة لها بسوريا، ووصف “قسد” لهذه الدعوة بأنها نهاية مرحلة وبداية مرحلة جديدة، كما أن ترجمة قيادات قنديل لفحوى رسالة أوجلان على طريقتها الخاصة، كل ذلك يعزّز سيناريو ولادة حركة تمرد وعصيان كردي، على شكل حركة تصحيحية جديدة على خط قنديل–السليمانية–القامشلي، بدعم ورعاية إيرانية-إسرائيلية.

أطاحت رسالة أوجلان، ومن أسهم في إعدادها، بالمشروع الإسرائيلي الإقليمي الهادف إلى لعب الورقة الكردية في المنطقة، وبفرص إيران في الإمساك بالعديد من خيوط الملف. لذلك، سيكون هناك من يعترض على الواقع الإقليمي الجديد، الذي يحاول الأتراك والأكراد صناعته على طريق مراجعة السياسات والمواقف في التعامل مع ملف مزمن، والحؤول بعد الآن دون انتقاله من يد إلى أخرى.

عرقلة قنديل لطلب أوجلان ستكون بهدف صناعة انشقاقات في صفوف حزب العمال، بإرادة أطراف إقليمية مؤثرة لا تريد أن ينتهي الصراع التركي-الكردي في الإقليم، أكثر من كونها مجرد مناورة لانتزاع تنازلات سياسية من الجانب التركي.

تقول القيادات التركية إن رسالة أوجلان موجهة إلى حزب العمال، لكن الواقع يقول إنها تعني الأتراك بقدر ما تعني الأكراد، داخل تركيا وخارجها. احتمال كبير أن يكون أوجلان قد وصل إلى قناعة بأن أميركا ترامب لن تعبأ سوى بمصالحها وما تريده، وأنها جاهزة للمتاجرة بالورقة الكردية في المنطقة، بالشكل والطريقة التي تخدم مصالح إسرائيل، التي قررت الدخول السريع على خط الملف عبر شرق الفرات.

ستكون الأنظار مشدودة نحو قنديل والقامشلي وطريقة تعاملهما مع ما يدعو إليه أوجلان، لكنها ستكون أيضًا باتجاه من سيحاول تحريكهما في تل أبيب وطهران.

فحصة “قسد” و”مسد” في رسالة أوجلان موجودة، شئنا أم أبينا. من يقدم السلاح والمال والغطاء السياسي سيطالب بشراء المواقف والقرارات أيضًا. لا فصل بين فحوى رسالة أوجلان بشقها التركي والسوري، حتى ولو حاولت قيادات “قسد” تحييد نفسها.

تلفزيون سوريا

——————————-

هل تحمل رسالة أوجلان هندسة جديدة للمنطقة؟/ شفان ابراهيم

08.03.2025

أثر رسالة أوجلان على القضية الكردية مرتبط بمتغيّرات عدة أهمها طبيعة استجابة كوادر “العمال الكردستاني” وقيادته للمبادرة، والموقف التركي القانوني، ناهيك بردة فعل الحزب في سوريا والعراق، والدور الدولي الأمركي والفرنسي في سوريا وموقفها من “قسد”.

دعا زعيم حزب “العمال الكردستاني” عبد الله اوجلان رفاقه في الحزب إلى ترك السلاح وحلّ الحزب، والانخراط ضمن المجال السياسي السلمي، والاندماج مع الدولة والمجتمع. خطوة مفصلية في تاريخ الحزب وتركيا، سواء على مستوى المنطقة التي ينشط فيها ضمن تركيا، أو المساحات التي يُسيطر عليها في سوريا.

 الانعطافة المفصلية  التي صرّح أوجلان أنه يتحمّل “مسؤوليتها التاريخية”، تُصيب بُنية الحزب نفسه أكثر من باقي الأطراف؛ كونه تحوّل إلى فاعل ما دون دولة، خاصة في سوريا، وفي مناطق ريفية من كردستان العراق، وفي بعض المناطق ضمن المنطقة الكردية في تركيا.

 سينعكس هذا القرار على مسار الحزب العسكري والسياسي، وبطبيعة الحال الأيديولوجية التنظيمية والنظرية، كونه تمكّن من التغلغل في المجتمع المحلي ضمن شمال شرق سوريا بشكل فاعل، مستخدماً كوابح كثيرة لضبط إيقاع حركة القواعد الاجتماعية، ولم يكن العنف غريباً عن تلك الأدوات.

اللافت في ردود الفعل على الرسالة، هو كثافة التأييد المحلي والإقليمي والدولي والعالمي، سواء من تأييد عارم لكرد تركيا لهذه المبادرة، خصوصاً من حزبي “العدالة والتنمية” و”الحركة القومية”، ألد الخصوم السياسيين لحزب “العمال الكردستاني”، سواء على مستوى الانتخابات بمختلف مناسباتها، أو الصراع والمواجهات العسكرية والبرلمانية.

ظهر التأييد أيضاً في رسائل التهنئة والدعم من قِبل قيادات ومؤثرين فاعلين ضمن العراق، كوزير خارجيتها فؤاد حسين، أو في كردستان العراق مثل الرئيس مسعود البارزاني، وصولاً إلى البيت الأبيض، والأمم المتحدة، وترحيب الجميع بهذه الرسالة يضع “العمال الكردستاني” أولاً، وتركيا نفسها ثانياً، أمام توازنات اللحظة الحرجة، وضرورة مهارة الطرفين بتدوير الزوايا، وربما سيبقى لموقف إيران دور واضح في المعادلة.

تحدّيات تاريخ العنف

شكّل العنف المتبادل بين الطرفين الكردي والتركي، هويّة واضحة في طبيعة التعامل والتخاطب ولغة الحوار، ولم تنجح الحروب والمعارك في قهر أي طرف للآخر، لكن بقيت الجغرافيا الكردية في تركيا، وخاصة في مجالات التنمية والتطور العمراني والتعليم، هي الضحية الأكبر، ولعلها أحد التفسيرات التي تشرح أسباب انتصار حزب “العدالة والتنمية” أو غيره، في المناطق الكردية في أغلب الانتخابات البرلمانية والبلديات عدا رئاسة الجمهورية التركية.

يمكن القول أيضاً إن سنوات الصراع والكفاح المسلح، لم تعد تتناسب والجيل الكردي الجديد في تركيا، الذي راح ينسلخ عن هويّته، ولجأ إلى اللغة التركية عوضاً عن الكردية، وإن لا يجوز التعميم. وغالباً نجحت الحكومة التركية في اقتناص التوجّهات الجديدة للأجيال، التي رفضت السير في الدروب الوعرة للحياة، وفضّلت العيش في كنف التكنولوجيا والتعليم والبحث عن فرص العمل على لغة السلاح والدم والحرب.

الوضع في تركيا غالباً سيتّجه إلى الحل، ويجب أن يتمتّع أنصار “العمال الكردستاني” وعناصره، بكل الحقوق السياسية والاقتصادية التي تجعل منهم مواطنين متساوين مع المواطنين الأتراك، وهذا يحتاج إلى مواد دستورية، والإقرار بالقومية الكردية، والقيام بخطوات عملية على رأسها إطلاق سراح المعتقلين وإصدار عفو عام، وغيرها من الخطوات التي يتوجّب على الطرفين القيام بها.

المشكلة المتوقّعة أمام المضي بخطوات صلبة لعملية السلام، هي الديناميات القانونية، والجيوسياسية والأمنية، والهيكل الحوكمي للدولة التركية الموحّدة، خاصة ضمن سياسات وقوانين مكافحة الإرهاب.

ورغم أن أوجلان بدأ الخطوة الأولى، وهي الأهم والأكثر لزومية، لكن الحل ليس بهذه البساطة، فالقضية بالنسبة إلى تركيا لا تنتهي بالإعلان عن رسالة أوجلان فحسب، بل ستطلّب إنهاءً لفروع الحزب في سوريا أيضاً، خاصة وأن الوضع الميداني حالياً ل”قوات سوريا الديمقراطية”، ليس كسابق عهده إبان محاربة الإرهاب المتمثّل بـ”داعش”، وقدرتها على المناورة بين واشنطن وموسكو ودمشق “النظام السابق”.

والمشكلة الثانية وجود أربع مواد غير قابلة للتغيير في الدستور التركي، الأولى منها تتحدّث عن شكل الدولة التركية على أنها جمهورية، وتتحدّث المادة الثانية عن خصائص هذه الجمهورية على أنها دولة قانون ديمقراطية وعلمانية واجتماعية، في إطار فهم السلام الاجتماعي والتضامن الوطني والعدالة، واحترام حقوق الإنسان، والتمسّك بقومية أتاتورك، في حين أن الثالثة تركّز على سلامة الدولة ولغتها الرسمية وعلمها ونشيدها الوطني.

هذه المواد الثلاث لا يجوز المساس بها وفقاً للمادة الرابعة، هذه المواد الأربعة هي وفقاً للعمق السياسي والعسكري التركي، ضمانة للبنية الموحّدة للبلاد وحماية لها، وفي هذا السياق فإنه لا يجوز للكرد في تركيا المطالبة بأي خصوصية في شكل الدولة، أو نظام الحكم مثل الفدرالية أو الحكم الذاتي أو الإدارة الذاتية أو حتى الهويّة السياسية المنفصلة عن البقية، أو الخصوصية الهويّاتية، ما يعني أن مطالب “العمال الكردستاني” التي رددها مراراً تُعدّ مستحيلة دستورياً، وغالباً فإن بعض بنود رسالة أوجلان حول إبعاد أي مطلب قومي أو خصوصية هويّاتية، جاءت ضمن هذا الاتجاه.

العقبة الأخرى أمام هذه اللحظة التاريخية الفارقة، تكمن في مضامين التحوّل السياسي المطلوب ضمن الإطار  الدستوري وآلياته، حيث إن النظام القانوني الجنائي وتشريعات مكافحة الإرهاب في تركيا، يضعان الكثير من العقبات أمام إعادة إندماج عناصر “العمال الكردستاني” ضمن المجتمع التركي، وغير مستبعد ردّ فعل شعبياً سلبياً من عملية منح العفو، في حين أن قضية محاكمتهم ستكون رادعة ومُنهية لدعوة أوجلان.

الأزمة في سوريا

يُشكّل الوضع السوري إحدى العقبات أمام تسريع عملية السلام “الأوجلانية” إن جاز التعبير، التي ستنعكس بشكل كبير ومباشر على المشهد السوري. فالمفاوضات الجارية بين “قسد” وإدارة أحمد الشرع، مستمرّة.

 ويبدو أن تصريح مظلوم عبدي قائد “قوات سوريا الديمقراطية” الذي أكّد أن الدعوة تتعلّق بعناصر “الكردستاني” داخل تركيا ولا تشمل قواته، رغم تأكيده أهمية الرسالة وإيجابيتها، وجاءت لتعزيز محاولات “قسد” التأكيد على البعد الوطني السوري لها.

 بالمقابل فإن طبيعة ردّة فعل كوادر “العمال الكردستاني” في شمال شرق سوريا، هي التي ستحدد موقف الحكومة السورية الحالية، وموقف أنقرة أيضاً، فعدم قبولها دعوة أوجلان قد يقود إلى عملية عسكرية جديدة ضد مناطق سيطرة “قسد”، الأمر الذي لا ترغب فيه أطراف الموضوع جميعها، من إقليم كردستان، و”قسد”، ودمشق، وربما أنقرة نفسها.

فلا يُمكن إنكار المدّ الروحي لأوجلان وفلسفته وأفكاره على “مجلس سوريا الديمقراطية” و”قوات سوريا الديمقراطية” والإدارة الذاتية في شمال شرق سوريا، لهذا فإن هذه الرسالة تكتسب أهمية كونها حمّالة أوجه، فقد تُشكّل قوة ضاغطة على قيادات “العمال الكردستاني” وعناصره من جهة، ومن جهة ثانية تمنح “قسد” ورقة قوية للتقدّم في المفاوضات مع حكومة دمشق، وبقاء ذوي الهويّات السورية الواضحة.

بالمختصر، في ما يخص تأثيرات رسالة أوجلان على القضية الكردية في سوريا، فإنها رهينة متغيّرات واضحة، أهمها طبيعة استجابة كوادر “العمال الكردستاني” وقيادته للمبادرة، وهناك مساعٍ بين ممثلي الإدارة الأميركية والفرنسية وإقليم كردستان و”قسد”، لإنجاز ذلك الإخراج.

لن يُطبّق الحل النهائي خلال أيام قليلة، ويبقى السؤال الأهم هل ستتمكّن “قسد” من الحفاظ على وضعها الراهن، من حيث التسمية أو الهيكلية أو مناطق الانتشار والسيطرة، أو أن ارتدادات نتائج الرسالة والوضع السياسي والأمني والعسكري الجديد سيشملها أيضاً؟ خاصة وأن الضامن الأكبر لكل هذه العملية هو الإدارة الأميركية، وهذه الأخيرة تمتاز بصلابة موقفها تجاه مصير “قوات سورية الديمقراطية”.

درج

———————————

أقليات الشرق الأوسط… من الصراع إلى بناء الدولة/ محمد الرميحي

لا تكاد دولة من دول الشرق الأوسط إلا وبها أقلية عرقية أو طائفية أو مذهبية أو دينية أو لغوية، وفي كثير منها تشعر تلك الأقلية بأن لها حقوقاً مجهضة، أكان هذا الشعور حقيقياً أم متخيلاً، وبعضهم حمل السلاح ضد الدولة، من أجل أن يحقق شيئاً من حقوقه، كما يعتقد.

الأقدم في الصراع هو المجموعات الكردية في كل من تركيا والعراق وسوريا وإيران، وكثيراً ما لعبت دول إقليمية الشيء ونقيضه في هذا الملف، مثلاً شجع شاه إيران كُرد العراق ضد دولتهم في وقت ما من أجل الضغط على النظام العراقي، ولكنه في الوقت نفسه لم يتخلَّ عن حرمان سياسي للأكراد الإيرانيين، وكذلك الطائفة الشيعية، فقد شعرت بالغبن في العراق، وإلى حد ما في لبنان، وشجعتها إيران على تجاوز حقائق الوطن، في كل من العراق ولبنان، مستغلة شعوراً (قد يكون حقيقياً أو متخيلاً) بوقوع اضطهاد ما عليها.

القطبة المخفية هنا أن دول الإقليم، بسبب نزعة في التوسع، أو جمع أوراق الضغط، شجعت ما تعتقد أنه (ذراع لها) من أجل، أولاً فصله عن الوطن، وثانياً إلحاقه بأجندتها، أياً كانت!

ولم يكن أكراد تركيا بعيداً عن ذلك، على الرغم من أننا يجب أن نتحفظ على التعميم، فشيعة العراق ولبنان، اندمجت شريحة منهم في الوطن، وكذلك كرد سوريا وتركيا، الحديث هنا عن القوة الفاعلة.

شكل حزب العمال الكردستاني (PKK) في تركيا محوراً رئيسياً في الصراعات المسلحة التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط، وخصوصاً في تركيا والعراق وسوريا، وكان صراعه هو الأطول والأكثر دموية. تأسس الحزب في عام 1978، في مرحلة (هوس الثورات)، وكان هدفه الرئيسي تحقيق الحكم الذاتي للأكراد، إلا أنه أقام، أو بعض منه، تحالفات مرة مع سوريا (الأسد)، وأخرى مع الولايات المتحدة، وعلى أقل تقدير سقط من كرد تركيا في هذا الصراع نحو ثلاثين ألف قتيل.

على مر السنين، تحول النزاع بين الحزب والحكومات التركية إلى صراع مستمر، وأدى إلى تهجير الملايين. ولكن مع تطور الأحداث السياسية والضغوط الدولية، أصبح إلقاء حزب العمال الكردستاني للسلاح، خطوة محورية في تحقيق السلام والاستقرار في المنطقة، مسايرة للتغير السريع.

فقد تسهم تلك الخطوة في تعزيز الحوار السياسي بين الأكراد والحكومات المحلية، خصوصاً الحكومة التركية. وكذلك أكراد سوريا، وبقية الأقليات، وقد بدأت المحادثات حول حقوق الأكراد الثقافية والسياسية والاجتماعية تأخذ منحى أكثر جديّة وإيجابية، بعيداً عن العنف.

وبفضل هذه الخطوة، أصبحت هناك فرصة حقيقية لتحقيق تسوية سياسية شاملة تضمن حقوق الأكراد، وتعترف بدورهم في المنطقة، دون أن يمزق النسيج الوطني التركي، وينسحب ذلك على كرد سوريا وشيعة لبنان وسنة العراق.

ولم يكن النزاع بين حزب العمال الكردستاني والحكومات المحلية يؤثر فقط على المجال السياسي، بل امتد تأثيره إلى المجالات الاجتماعية والاقتصادية. إذ أدَّى النزاع إلى تدمير كثير من القرى والمدن، وتردي الأوضاع الاقتصادية في المناطق المتأثرة بالصراع، وأيضاً تعطل نمو الاقتصاد التركي. ومع إلقاء السلاح، يمكن أن تبدأ عملية إعادة بناء البنية التحتية، وتحسين الخدمات الأساسية، مما يسهم في تحقيق الانتعاش الاقتصادي، ورفع مستوى المعيشة للسكان المحليين.

كما يمكن أن يسهم بشكل كبير في تحسين الوضع الأمني في المنطقة. فقد تنخفض معدلات العنف واستخدام السلاح، ويصبح هناك استقرار نسبي في الدول، التي كانت تشهد صراعاً دائماً بين مكوناتها. كما يساعد ذلك في تعزيز التعاون الأمني بين تركيا وجيرانها، مما يؤدي إلى تقليل التوترات الإقليمية، وتحسين العلاقات الثنائية بين الدول المتجاورة، وقد يطول ذلك كُرد سوريا أيضاً.

ورغم الفوائد الكبيرة التي قد يحققها إلقاء حزب «العمال الكردستاني» للسلاح، فإن هناك كثيراً من التحديات التي لا تزال تواجه المنطقة. من أبرز هذه التحديات ضمان استدامة السلام، ومنع عودة الصراع مرة أخرى من خلال جماعات مزايدة، كما أن استكمال مسيرة السلام في سوريا وأيضاً في لبنان، قد يدعم التوجه إلى الاستقرار في المنطقة.

إلقاء حزب «العمال الكردستاني» للسلاح درس يجب تفهم معانيه بالنسبة للأقليات الأخرى في الشرق الأوسط، والتي أخذتها زعاماتها، تحت شعارات ملتبسة، إلى مناصبة مجتمعها العداء، على أساس أنها سوف تقدم لهم بديلاً أفضل! ولم تفعل!

آخر الكلام: لفترة طويلة في صراع الأقليات مع مجتمعاتها في منطقتنا، كانت تُستخدم، عرفت أم لم تعرف، مخفر حراسة متقدماً للدولة الداعمة لها، وعندما تحقق تلك الدولة أهدافها، تبيعها برخص التراب.

الشرق الأوسط

———————————-

الأقليات في سوريا: مجموعات ضعيفة أم ثغرات سياسية

معالجة المخاوف تستوجب خطوات جريئة وحاسمة لبناء سوريا شاملة.

2025/03/08

حقوق الأقليات ضرورية لتعزيز مستقبل تعددي وديمقراطي

رغم التطمينات بمستقبل تعددي وديمقراطي التي وجهتها القيادة الجديدة، لا تزال الأقليات في سوريا متشككة. وهمش الحوار الوطني الذي انعقد مؤخرا في سوريا مكونات أقلية ما يعزز المخاوف.

دمشق – أثار سقوط دكتاتورية عائلة الأسد التي استمرت لعقود من الزمن في ديسمبر 2024 الآمال في سوريا أفضل. ولكن هل جلبت الأمل لجميع السوريين؟

وأظهر اندلاع الاحتجاجات السلمية في سوريا في عام 2011 رغبة الشعب السوري في حكومة تمثلهم حقا. ومع صعود الجماعات المتطرفة في سوريا في السنوات الأولى من الحرب الأهلية التي تلت ذلك، وأبرزها داعش الذي سيطر على أجزاء كبيرة من سوريا، رأى العديد من الناس أن البديل لنظام الأسد كارثي.

واستخدم النظام صعود داعش وحتى دعّم بقاءه في محاولة لتصنيف جميع قوى المعارضة السورية على أنها “إرهابية”.

وكانت إستراتيجية الأسد فعالة، وحظي بدعم محلي ودولي من خلال دفع فكرة أن الأقليات العرقية والدينية في سوريا سوف تتعرض للاضطهاد بدونه ونظامه.

ولعبت التركيبة السكانية العرقية والدينية المتنوعة في سوريا ــ مثل الآشوريين والأرمن والأكراد والمسيحيين والدروز والإسماعيليين والعلويين ــ دورا رئيسيا في نجاح هذه الإستراتيجية. فقد وقعت هذه المجتمعات في معضلة الحياة والموت، حيث بدا الحكم الدكتاتوري المألوف، على الرغم من قمعه، أفضل من حالة عدم اليقين التي يفرضها تنظيم داعش الإرهابي.

الأقليات الدينية والعرقية في سوريا لعبت منذ فترة طويلة دورا محوريا في تشكيل ديناميكيات المشهد السياسي

ولكن في الثامن من ديسمبر من العام الماضي، تغير السيناريو بشكل كبير. فقد فرّ الأسد إلى موسكو وانهار نظامه. وأما الحكومة الجديدة بقيادة زعيم هيئة تحرير الشام، الرئيس المؤقت أحمد الشرع، فتقدم واقعا مختلفا تماما.

وقال الشرع “نحن نعمل على حماية الطوائف والأقليات من أيّ اعتداء، سواء أكان من الداخل أو من قوى خارجية تحاول استغلال الوضع لإثارة الفتنة الطائفية.”

ويقول مانوج عنتابي، الباحث في مركز دراسات الصراع والعمل الإنساني، في تقرير نشره موقع “مونيتور الشرق الأوسط” إنه مع ذلك، فإن الأقليات في سوريا لم تنظر إلى مثل هذه التصريحات على أنها ضمانة لحمايتها، ويرجع ذلك أساسا إلى التاريخ المقلق للرئيس المؤقت وجماعته السابقة المرتبطة بتنظيم القاعدة.

وبالتالي، أصبحت قضية الأقليات وحمايتها موضوعا مركزيا للنقاش في سوريا وتلك البلدان التي تخطط لإقامة علاقات مع الحكومة في دمشق.

وهذا أعطى قضية الأقليات أهمية خاصة، وشكل أول اختبار رئيسي للشرع في المجال السياسي. ومع ذلك، لا يمكن حل القضية ببساطة من خلال الظهور العلني والتصريحات حول ما ستفعله حكومته أو لن تفعله.

ومن الواضح أن حماية الأقليات في سوريا تشكل أهمية بالغة لإرساء الديمقراطية في سوريا. وفضلا عن ذلك، فإنها تشكل أهمية أعظم بالنسبة إلى الشرع وحكومته، لأن شرعيته داخل سوريا وعلى الساحة الدولية تعتمد عليها، إذ أن شرعية الأسد كانت متجذرة في قدرته على تقديم مظهر الوحدة والتماسك بين الأقليات في سوريا.

واستغلت القوى الإقليمية والدولية الساعية إلى تعزيز مصالحها في سوريا أو الضغط على الشرع للموافقة على مطالبهم وضعية الأقليات.

ويتجلى هذا في أمثلة مجموعتين أقليتين في سوريا، الدروز، الذين يشكلون ثلاثة في المئة من السكان، والأكراد، الذين يشكلون عشرة في المئة.

ويتركز أغلب أفراد الطائفة الدرزية في المناطق الجنوبية من سوريا. ورغم أن الزعيم الروحي الدرزي الشيخ حكمت الهاجري دعا شعبه إلى “حماية الممتلكات العامة والخاصة كواجب وطني وأخلاقي، ومنع أعمال التخريب وعرقلة أيّ محاولة لتقويض الأمن والاستقرار في السويداء،” فإن قضية الدروز كانت بمثابة خرق أمني خطير لسوريا.

وأظهرت إسرائيل استعدادها لحماية الدروز، بحجة أن القوات السورية كانت تهاجم الأقلية. وأصرت إسرائيل على أنها “لن تسمح للنظام الإرهابي للإسلام المتطرف في سوريا بإيذاء الدروز،” فـ”إذا أذى النظام الدروز، فسوف نؤذيهم.”

وغزت القوات الإسرائيلية واحتلت المناطق الجنوبية من سوريا، وحذرت دمشق من أن القوات السورية يجب ألا تدخل تلك المناطق.

إستراتيجية الأسد كانت فعالة وحظيت بدعم محلي ودولي من خلال دفع فكرة أن الأقليات العرقية والدينية في سوريا سوف تتعرض للاضطهاد

ويمثل الأكراد حالة مماثلة. فقد قال مظلوم عبدي، قائد قوات سوريا الديمقراطية – وهي جماعة مسلحة يقودها الأكراد وتدعمها الولايات المتحدة وتعارض الأسد – إن حكومة الشرع “تقدم فرصة لبناء سوريا جديدة قائمة على الديمقراطية والعدالة التي تضمن حقوق جميع السوريين.”

ومع ذلك، فقد طلب من الرئيس الأميركي دونالد ترامب إبقاء القوات الأميركية في سوريا لمنع عودة ظهور داعش في فراغ السلطة في سوريا.

وتم لعب ورقة الأقلية مرتين في الواقع، لأن قوات سوريا الديمقراطية لديها أيضا مقاتلون مسيحيون.

ونتيجة لذلك، بقيت القوات الأميركية في شرق سوريا، رسميا لدعم قوات سوريا الديمقراطية، ولكن في الواقع للاستفادة من موارد سوريا ومضاعفة وجودها العسكري، وبالتالي تحدي سيادة البلاد.

ولعبت الأقليات الدينية والعرقية في سوريا منذ فترة طويلة دورا محوريا في تشكيل المشهد السياسي في البلاد، إلا أن موقفها لا يزال محفوفا بالمخاطر في ظل حالة عدم الاستقرار المستمرة.

وفي حين ينظر إليها البعض باعتبارها ضرورية لتعزيز مستقبل تعددي وديمقراطي، ينظر إليها آخرون باعتبارها أدوات للضغط السياسي من جانب الجهات الفاعلة المحلية والأجنبية على حد سواء.

ولمعالجة هذه القضية بشكل فعال، يتعين على الرئيس المؤقت وحكومته اتخاذ خطوات جريئة وحاسمة لبناء سوريا شاملة، حيث لا يكون الحوار الوطني رمزيا فحسب، بل وأيضا ذا معنى وتحوّل حقيقي.

————————-

 الدروز والأكراد وفلول الأسد.. أبرز التحديات الأمنية أمام الشرع

منذ وصوله إلى السلطة، وجّه أحمد الشرع رسائل طمأنة إلى الأقليات، وطالب قواته بضبط النفس محذراً من الطائفية

 بيروت – (أ ف ب)

08 مارس ,2025

تواجه الإدارة السورية الجديدة، التي تتصدى حالياً لمسلحين موالين للحكم السابق في محافظة اللاذقية، تحديات أمنية كبيرة تحول دون بسط نفوذها على كامل التراب السوري، مع وجود مجموعات مسلحة متعددة الولاءات.

أدناه أبرز تلك المجموعات ومناطق نفوذها.

الموالون للأسد في الساحل

يشكّل الساحل السوري معقل الأقلية العلوية التي تنتمي إليها عائلة الأسد. وينظر إلى تلك المنطقة بوصفها حاضنة عائلة الأسد التي حكمت سوريا بقبضة من حديد لأكثر من خمسة عقود.

وكان للعلويين، الذين يشكلون نحو 9 بالمئة من سكان سوريا ذات الغالبية السنية، حضورهم خلال الحكم السابق في المؤسسات العسكرية والأمنية التي لطالما اعتمدت الاعتقال والتعذيب لقمع أي معارضة.

وبعد الإطاحة بالأسد، شهدت مدينة اللاذقية توترات أمنية مع تنفيذ السلطات حملات أمنية فيها، ما أثار مخاوف من عمليات انتقامية.

ورغم أن حدة التوترات كانت قد تراجعت في الآونة الأخيرة، استمر تسجيل هجمات عند حواجز تابعة للقوى الأمنية من وقت إلى آخر، ينفذها أحياناً مسلحون موالون للأسد أو عناصر سابقون في الجيش السوري.

وتضم المنطقة الساحلية عدداً كبيراً من الموالين للأسد من أفراد الجيش السوري السابق الذين ما زالوا يحتفظون بسلاحهم.

ومنذ وصوله إلى السلطة، وجّه أحمد الشرع رسائل طمأنة إلى الأقليات، وطالب قواته بضبط النفس محذراً من الطائفية.

المقاتلون الأكراد

في شمال شرق سوريا، يشكل وجود المقاتلين الأكراد تحدياً آخر للسلطة الانتقالية مع إصرارهم على الحفاظ على مكتسبات الإدارة الذاتية التي بنوها خلال سنوات النزاع، ورفضهم حل أنفسهم كشرط للانضمام إلى الجيش الجديد.

وتسيطر قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، المدعومة أميركياً والتي تشكل الذراع العسكرية للإدارة الذاتية، على مساحات شاسعة في شمال شرق سوريا فيها أبرز حقول القمح والنفط والغاز التي تحتاج سلطات دمشق بشدة إلى مواردها في المرحلة المقبلة.

إلى الآن لم تحقّق محادثات عقدت بين الطرفين أي تقدم، مع إصرار الأكراد على الحفاظ على وجودهم ككيان عسكري مقابل تحقيق غالبية طلبات دمشق.

ويقول الباحث في الشأن السوري فابريس بالانش لوكالة “فرانس برس”: “طالما أن القوات الأميركية موجودة في شمال شرق سوريا، فإن قوات سوريا الديمقراطية لن تتفكك”.

وشكّلت واشنطن، التي تنشر المئات من قواتها في مناطق سيطرة الأكراد، داعماً رئيسياً لهذه القوات في حربها ضد تنظيم داعش خلال سنوات النزاع.

ويشكل العرب أكثر من 60 بالمئة من سكان الإدارة الذاتية، وفق بالانش الذي يقول إن هؤلاء باتوا يريدون “التخلص من الهيمنة الكردية” منذ تولي الشرع السلطة.

الدروز

يشكّل الدروز، ومعقلهم الرئيسي في سوريا محافظة السويداء (جنوب)، حوالي 3 بالمئة من سكان سوريا.

بعيداً عن الدفاع عن أنفسهم في مواجهة هجمات في المناطق التي يعيشون فيها، نأى دروز سوريا إلى حد كبير بأنفسهم عن النزاع الذي بدأ عام 2011. وتمكن العديد منهم من تجنب التجنيد الإجباري في الجيش.

وأبدى فصيلان عسكريان رئيسيان مطلع العام، استعدادهما للاندماج تحت مظلة جيش وطني، لكن حتى اللحظة لم يسلم أي منهما سلاحه إلى السلطة الجديدة.

وأحدثت تصريحات إسرائيلية مؤخراً بلبلة في سوريا، بعدما قال وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس مطلع الشهر الحالي، إنه “إذا أقدم النظام على المساس بالدروز فإننا سنؤذيه”، وذلك إثر اشتباكات محدودة في مدينة جرمانا الواقعة في ضاحية دمشق والتي يقطنها دروز ومسيحيون.

وأبدى قادة ومرجعيات دينية درزية رفضهم للتصريحات الإسرائيلية.

وأكدوا تمسكهم بوحدة سوريا، وهو ما أكده الشرع بدعوته المجتمع الدولي إلى الضغط على إسرائيل للانسحاب “الفوري” من مناطق توغلت فيها في جنوب سوريا.

وفي منشور على منصة “إكس”، قال الباحث تشارلز ليستر: “في الوقت الحالي، يبدو أن محاولات إسرائيل استغلال دروز سوريا قد جاءت بنتائج عكسية، لكن لا تتوقعوا أن تتوقف التهديدات والإجراءات العسكرية”.

—————————

عن مكالمة هاتفية لم تحدث بين البيت الأبيض وقصر الشعب/ علي سفر

2025.03.08

في وقت ما، كنت أسمع أحد أقاربي ممن عملوا في الشأن العام، وانتسبوا إلى العمل السياسي المعارض، يكرر دائماً أن إسقاط حافظ الأسد هو نصف المهمة، لكن النصف الثاني أخطر من الأول، إذ إنه بعد دقائق من الإطاحة بالدكتاتور، سيرن الهاتف على طاولة الرئيس الجديد حيث سيجد على الطرف الآخر من المكالمة الرئيس الأمريكي مهنئاً ويسأل عما سيفعله المنتصرون!؟

لم يستطع السوريون إنهاء حكم الطاغية الأب، وعانوا 14 سنة حتى استطاعوا الإطاحة بالدكتاتور القاتل الابن! وحتى هذه اللحظة لم يصدر عن قصر الشعب أي خبر، ولا حتى إيحاءٌ بأن الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، قد اتصل أو تواصل مع الرئيس أحمد الشرع.

الفرضية التي كان يحكيها قريبي، ورغم وجود جزء مجازي فيها، كانت صالحة بحرفيتها للعقود الأخيرة في القرن العشرين، لكن في وقتنا الحالي دخلت إلى الحقل السياسي التقليدي، حشرات وقوارض مختلفة، سريعة وتعمل من باطن الأرض، فتفسد المزروعات من داخلها، بحيث أنك تراها عادية وصالحة، لكنها فارغة وربما متعفنة من الداخل! ضمن هذا التشبيه، يمكن تفسير طبيعة العلاقات الدولية الراهنة، على أنها قدرة الجميع على التفاهم، وترتيب المصالح، بنزاهة ومن دون غش، أي أنه لا يجب على أحد أن يخدع الآخرين، بل يجب أن يكون واضحاً وصريحاً!

الاتصال الأميركي لم يحدث علانية حتى اللحظة، لكن في الفناء الخلفي ثمة ترتيبات تجري، من دون أن يعلن عنها شيئاً، وربما ينبئنا عنها الإحساس بالطمأنينة لدى الرئيس الشرع ووزير خارجيته أسعد الشيباني، في سياق تصريحاتهما، ولاسيما تلك التي تقدم التعهدات للدول الإقليمية وللدول الكبرى، وكذلك للمؤسسات الدولية، والتي يمكن تلخيصها بالقول إن سوريا الجديدة لن تكون دولة مافيوية! وأن كل الانطباعات السابقة التي كرسها الأسدان طوال 54 سنة، يجب أن تمحى طالما أن مصالح البلد تُحترم من قبل الآخرين!

كيف يمكن لهذه المعادلة أن تتحقق، والوضع السوري الراهن هو أقرب من أي وقت للانفجار الداخلي، بحكم الأزمات المكرسة، وبحكم الأصابع الإقليمية، العابثة بالشؤون المحلية، سياسياً وعسكرياً؟

يظن بعض فلول النظام، أن ثمة إمكانية لإثارة الدول الإقليمية، أو القوى الدولية، ضد السلطة الجديدة، فيملؤون مساحات التواصل الاجتماعي بأخبار غير موثقة، عن انتهاكات تحصل بحق الأقليات، وحين لا تثمر هذه الدسائس، يقررون تفجير الوضع عسكرياً، فتحصل اشتباكات، هنا وهناك، ويسقط القتلى!

ولعل ما يسترعي الانتباه خلال هذه الأحداث، أن السوريين لا يشعرون بالقلق من هذه التحركات، إذ ثمة يقين بأن الأسدية كمرحلة تتضمن همجية النظام و”رعاعية” مؤيديه من الشبيحة قد انقضت بلا رجعة، ولا أحد يريد أن يتورط في الدفاع عمن أقاموا السجون الإبادية في سوريا، وأكبر دليل على هذا، إنما هو ذهاب التصريحات الروسية بمجملها إلى عتبة بناء علاقة جديدة ومختلفة وربما أكثر دفئاً، بين الكرملين وقصر الشعب بحكامه الجدد في الفترة القادمة.

وعلى مستوى آخر، ورغم إعلان وكالة أخبار تتبع الحرس الثوري عن إطلاق ما سميت بـ”جبهة المقاومة الإسلامية في سوريا”، فإن الهاجس الراهن بوجود خطر إيراني، بات يضمحل أكثر فأكثر، لعلم المتابعين بأن ما يفعله أتباع الولي الفقيه في هذا الشأن ليس أكثر من محاولة التمسك بقشة نجاة، بعد أن غرقوا في بحر الخسارات!

التركيز في المحصلة، لابد أن ينصب على شكل العلاقة مع إسرائيل، وقبله طريقة التعاطي مع إدارة ترمب الحالية.

في اليومين الماضيين، ظهرت على السطح مقالة للسفير الأميركي السابق في سوريا ودراسة أعدها مركز أبحاث إسرائيلي. في المقالة يتحدث روبرت فورد عن حيثيات تتناقض مع الصيغة التي اتبعتها الولايات المتحدة سابقاً في سوريا، حيث كرّست دعمها لقوات سوريا الديمقراطية بذريعة محاربة تنظيم الدولة، فيقول: “أنه مع زوال نظام الأسد، يمكن للولايات المتحدة أن تختار العمل مع شريك أكثر نفوذا وفعالية في المعركة ضد بقايا تنظيم الدولة: الحكومة السورية الجديدة في دمشق. ومن الممكن أن يعزز التعاون الأكبر، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، مع هذه الحكومة الوليدة الأمن الإقليمي، ويساعد في إنهاء القتال الدائر في شرقي سوريا ويسمح للولايات المتحدة بتخصيص موارد أقل للبلاد. وفي السياق يشير إلى “أنه لطالما أبدى الرئيس دونالد ترمب أسفه على التورط الأميركي في الصراعات الخارجية وبخاصة في الشرق الأوسط. ومن شأن الشراكة مع الحكومة الانتقالية الجديدة في دمشق أن تسمح للولايات المتحدة بمغادرة سوريا بشروطها الخاصة”.

والخلاصة من هذه المقبوسات، تقول بأن ثمة استراتيجية مختلفة، محتملة في المرحلة القادمة، سيتغير معها شكل العلاقة بين دمشق وواشنطن، وأما فيما يخص الإبقاء على التحالف الخاص بمحاربة داعش فإن ثمة طروحات تتم مناقشتها حالياً، من بينها مقترح أوروبي، أشبه بحقيبة تتضمن حلولاً لعدة إشكاليات!

الاعتراضات الإسرائيلية العلنية حالياً، التي تترافق مع عمليات توغل وتهديدات، وادعاءات بحماية بعض المكونات السورية، لا تبدو قابلة للترجمة على الأرض، في ظل عدم رغبة الولايات المتحدة بالتدخل، وهذا ما تؤكده الورقة البحثية التي أعدها مركز دراسات الأمن القومي الإسرائيلي (INSS)، الثلاثاء الماضي، وقام موقع تلفزيون سوريا بنشرها قبل أيام، والتي تضمنت أفكاراً تدفع نحو “آلية للتعاون مع دول عربية وتركيا وقوى دولية، تتضمن تحجيم الدور التركي النافذ في سوريا ويمنع الاحتكاك مع إسرائيل، مع الإشادة بدور أنقرة والتعاون معها لضبط الأمن في سوريا من دون أن يكون لها استئثار في سوريا الجديدة. وتهدف كذلك إلى “منع إيران من استعادة نفوذها في سوريا. وتقترح خطة دولية لإعادة الإعمار الاقتصادي ما يمنح سوريا استقرارا ويمنعها من تهديد جوارها”.

وبحسب تحليل الورقة فإنه من اللافت أنها “تشير إلى أفضلية عدم مشاركة تل أبيب بهذا الآلية والاكتفاء بطرح الفكرة على واشنطن، مع التأكيد على أن الهدف هو حماية مصالح إسرائيل الحيوية”.

ربما يمكن القول بعد إلقاء نظرة على هذه الطروحات، إن التغيير الذي طرأ في آلية التواصل الأمريكي مع المشهد السوري، لن يتيح بناء علاقة واضحة المعالم، طالما أن سيد البيت الأبيض لا يرى في المكان فائدة ذات أهمية لسياسته الموجهة داخلياً، لكن هذا المعيار يمكن أن يتغير في حال ظهرت ضمن المشهد السوري أعراض خطر ما، من نوع تسلسل فئات خارجة عن السيطرة (تتبع الفصائل السورية أو الإيرانية) صوب المنطقة منوعة السلاح، بين سوريا والجولان المحتل، أو تقدم تنظيم الدولة مجدداً.

وكل ما سبق يبدو بعيداً، رغم انشغال الحكومة الحالية بالأزمات في الساحل السوري أو السويداء أو غيرهما.

*يتحدث الباحثان ديفورا مارغولين، وهارون ي. زيلين من معهد واشنطن في الدراسة الحديثة “خطوات ما بعد مؤتمر باريس في سوريا قد تكون حاسمة” التي قدماها حول المقترحات لمرحلة ما بعد الانسحاب الأمريكي من سوريا حيث ” اقترحت أنقرة تشكيل مجموعة إقليمية

تلفزيون سوريا

——————————–

=========================

عن التدخل الاسرائيلي السافر في سورية الجديدة، ملف تناول “شهية إسرائيلية لتفتيت سوريا” -ملف متجدد يوميا

——————————

تحديث 08 أذار 2025

——————————-

حليفتا ترامب في الشرق الأوسط على حافة المواجهة في سوريا

ربى خدام الجامع

2025.03.08

في الوقت الذي يسعى أصحاب المصلحة الإقليميون والدوليون لعقد اتفاق بشأن الحرب في غزة، تتصاعد حالة تنافس خطرة ما بين دولتين حليفتين للولايات المتحدة في سوريا، وهما تركيا وإسرائيل، مع استمرار النزاع الجيوسياسي بعد ثلاثة أشهر من سقوط بشار الأسد.

بعد الجسارة التي تملكت إسرائيل بعد حربها على حماس وانتصارها على حلفاء حماس الإيرانيين في المنطقة، استغلت إسرائيل الفوضى الحاصلة بعد سقوط الأسد لتحتل مزيداً من الأراضي في الجنوب السوري المتاخمة لمرتفعات الجولان التي احتلتها منذ أمد بعيد، فأقامت هناك منطقة عازلة جديدة لمواجهة أي خطر من أي عدو محتمل. كما كثفت القوات الإسرائيلية غاراتها الجوية التي استهدفت مواقع عسكرية سورية، وسعت لتمتين علاقاتها مع الدروز والأكراد في سوريا.

ومع تعاظم دور تركيا كقوة إقليمية بوصفها عضواً في حلف شمال الأطلسي الذي تتزعمه الولايات المتحدة، أقامت تركيا لنفسها قواعد في الشمال وعملت على الاستفادة من العلاقات الوثيقة التي تربطها بفصائل المعارضة السورية وذلك لتعزيز موقفها في ظل غياب حلفاء الأسد، أي إيران وروسيا اللتين تراجع نفوذهما بعد طرد الأسد، وذلك بفضل هجوم شنته المعارضة بزعامة إسلامية في شهر كانون الأول الماضي. ومؤخراً، عقدت أنقرة اتفاقاً لوقف إطلاق النار سعياً لتهدئة التمرد الذي استمر عقوداً والذي أشعله حزب العمال الكردستاني من سوريا والعراق.

مواجهة مرتقبة

أعرب الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن إعجابه بكل من رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، والرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، واعتبر كلاً منهما لاعباً محورياً ضمن رؤيته للشرق الأوسط، ولكن مع دخول الرجلين الآن في مقارعة متقلبة الظروف، حذر بعض المراقبين من احتمال حدوث اشتباك قريب بينهما في حال لم يقم كل منهما بإدارة مصالحه التي تتضارب مع الطرف الآخر في سوريا.

تعلق على ذلك إفرات أفيف وهي أستاذة مشاركة في جامعة بار-إيلان، ومن كبار الباحثين لدى مركز بيغين-سادات للدراسات الاستراتيجية، فتقول: “سأعبر عن ذلك بحذر من دون أن أدعي بأني أتنبأ للمستقبل، إذ أعتقد بأن مواجهة ستنشب بين إسرائيل وتركيا خلال مرحلة من المراحل، ولو على نطاق عسكري ضيق”.

سوريا بين الشك والأمل

تربط كل من تركيا وإسرائيل بين سوريا ومصالحهما الأساسية، وذلك نظراً لقرب تلك الدولة وتاريخها الحديث مع الاضطرابات، إذ بسبب الحرب التي عصفت بها منذ عام 2011، انجرت سوريا إلى معركة أوسع بين إسرائيل و”محور المقاومة” الذي تترأسه إيران، وهذا ما أشعل حرب غزة التي بدأت في تشرين الأول من عام 2023.

في الوقت الذي لم تشارك سوريا مباشرة في الحرب ضد إسرائيل، تحولت إلى مركز مهم للعمليات التي نفذتها ميليشيات تابعة لإيران بقيت تدعم نظام الأسد سنين طويلة في حربه ضد المعارضة بالداخل. وفي اليوم نفسه الذي وقعت إسرائيل وحزب الله على اتفاق وقف إطلاق النار بعد معارك ضارية في لبنان خلال شهر تشرين الثاني الماضي، اشتعلت الجبهات الداخلية التي كانت مجمدة في سوريا وانطلقت في عملية عسكرية شنتها هيئة تحرير الشام التي سرعان ما سيطرت على أهم وأكبر المدن السورية.

في البداية، عمل الانهيار السريع لحكم حزب البعث في سوريا والذي استمر لنصف قرن من الزمان خلال مدة تقل عن أسبوعين على إحياء الأمل بنشر الاستقرار في هذا البلد، ولكن سرعان ما حل الشك محل التفاؤل بسبب توجهات الحكومة الجديدة التي يترأسها أحمد الشرع، فضلاً عن تنافس القوى المجاورة على النفوذ في سوريا.

تبنى الشرع موقفاً حذراً تجاه إسرائيل، فقد دان هجماتها لأراض سورية واحتلالها لها، مع تأكيده على أن حكومته لا تمثل أي تهديد لعدو سوريا اللدود. وفي تلك الأثناء، سعت الإدارة السورية الوليدة إلى تقديم ضمانات أمنية أكبر لتركيا.

أسباب التوتر بين تركيا وإسرائيل

بقيت سياسة تركيا غامضة تجاه هيئة تحرير الشام التي حلها الشرع اليوم، لكنها بقيت تدعم وعلى الملأ الجيش الوطني السوري المؤلف من تحالف لفصائل ثورية تقف ضد الهيئة. بيد أن العلاقات المتوترة بين أنقرة ودمشق شهدت تحسناً هائلاً منذ الانتصار المشترك الذي حققه الثوار في شهر كانون الأول الفائت.

وترى أفيف الآن بأن تعاظم الدور التركي في سوريا والذي ترفده مليارات الدولارات التي أتت على شكل استثمارات، هو ما جدد قلق إسرائيل، وتعلق على ذلك بقولها: “بفضل تلك الاستثمارات الكبيرة، قد تطالب تركيا بنفوذ عسكري في سوريا، خاصة في ظل الضعف الذي تعانيه سوريا بسبب هذا الوضع الهش، الأمر الذي قد يمثل تهديداً لإسرائيل، كما أن تركيا لا تريد أن ترى كل ما يفسد رؤيتها في سوريا، ولهذا طالبت إسرائيل بالانسحاب إلى ما بعد الحدود وزعمت بأن إسرائيل تزعزع استقرار الشرق الأوسط عبر قيامها بذلك، كما هدد أردوغان بعمل عسكري ضد إسرائيل مرتين على الأقل. ثم إن إسرائيل أبدت عظيم قلقها حيال علاقة تركيا بحماس والدعم التركي الجلي والمعروف الذي تقدمه لحماس”.

وكما حرصت إسرائيل في مرات كثيرة على تشبيه حماس بتنظيم الدولة، ذكرت أفيف أن إسرائيل ما تزال ترى في الشرع الذي يحكم سوريا الآن “عضواً تابعاً لتنظيم الدولة”، وقالت: “يمثل الكرد حالياً حليفاً تثق إسرائيل به” في سوريا، كما يمكن للدروز أن يلعبوا دوراً مهماً “عبر التواصل مع الطائفة الدرزية في إسرائيل، عندئذ يمكن تجديد التحالف الأخوي الذي بوسعه أن يضمن حماية الحدود المشتركة بفضل وجود المصالح نفسها”.

أثار هذا الكلام مخاوف في سوريا بشأن تقسيم قد يحدث فيها بحكم الأمر الواقع في وقت قسمت البلد بالفعل ما بين الحكومة المركزية التي تشكلت مؤخراً، والسيطرة التركية الموجودة في الشمال، والوجود الإسرائيلي في الجنوب، والإدارة الذاتية لقوات سوريا الديمقراطية الكردية المدعومة أميركياً في شمال شرقي سوريا.

أسباب التوتر بين تركيا وأميركا

بقيت القوات الأميركية الموجودة في مناطق سيطرة قسد نقطة خلاف بين واشنطن وأنقرة منذ أمد بعيد، بما أن أنقرة تعتبر قسد وحزب الاتحاد الديمقراطي التابع لها وكذلك وحدات حماية الشعب أذرعاً ترتبط مباشرة بحزب العمال الكردستاني. وفي السابق، أمر ترامب بسحب القوات الأميركية من سوريا خلال فترة ولايته الأولى عقب توقيعه لاتفاق مع أردوغان، ولهذا تشير التقارير إلى احتمال سعي الرئيس الأميركي إلى تنفيذ عملية الإجلاء بالكامل هذه المرة.

والآن، ومن منظور تركيا، فإن محاولات إسرائيل لعقد تحالفات جديدة في سوريا جعلت من نتنياهو “عنصراً فاعلاً متطرفاً” بحسب ما يراه مراد أصلان، وهو أستاذ مشارك في جامعة حسن كاليونجو ومن كبار الباحثين لدى مؤسسة الأبحاث السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وهذا ما دفعه إلى القول: “لقد غير سقوط الأسد الموقف الإسرائيلي، ويعود أحد أسباب ذلك إلى فلسفتها التي خرجت بها بعد السابع من تشرين الأول وللأجندة المحافظة التي يترأسها نتنياهو، ولهذا رأت إسرائيل في الثغرة التي فتحت في سوريا فرصة لتدمير المخزون العسكري السوري، ولتوسيع احتلالها للأراضي شرقاً، مع تشجيع الدروز وحزب الاتحاد الديمقراطي التابع لحزب العمال الكردستاتي على إقامة كيان وكيل موال لإسرائيل”.

وفي وجه هذه الاستراتيجية الواضحة، يرى أصلان أن: “تركيا ستلتزم بالصبر إلى أن تصل إلى آخر درجات التحمل”، لكنه حذر من أنه: “في حال مواصلة إسرائيل لتصعيدها، قد يظهر عمل منسق مع دمشق من خلال نهج يتم تطبيقه على مراحل”.

وفي الوقت الذي يعتبر أصلان المواجهة العسكرية المباشرة بمنزلة “الملاذ الأخير” لأنقرة، يرى أن هنالك احتمالاً لظهور: “أساليب وأصول دفاعية وردعية أخرى تعتمد على تكاليف أقل ولا يشبه بعضها بعضاً، كما يمكن تنفيذها بسهولة” من أجل إبقاء إسرائيل تحت السيطرة، ويضيف: “مهما اختلفت الظروف، فإن التقييم النهائي في تركيا يرى بأن الأمن الإسرائيلي يعتمد على إسناد وتأمين هويات أخرى، وبمجرد أن تصعد إسرائيل أكثر فأكثر، فستظهر حلقة مفرغة من العنف لن تنتهي على مر العصور”.

منذ شهر كانون الثاني ظهرت تحذيرات تجاه احتمال وقوع نزاع بين تركيا وإسرائيل جرت على لسان أعضاء هيئة الحكومة الإسرائيلية التي يتزعمها رئيس الأمن القومي السابق يعقوب ناغل، إذ حذر تقريرها من: “الخطر المباشر للأعمال العدائية التركية-الإسرائيلية” في حال تحقيق أردوغان: “للحلم التركي المتمثل بإعادة الأمجاد السابقة للتاج العثماني”.

تهديدات متبادلة

قبل ذلك، أعلن نتنياهو بأنه لا مصلحة لبلده في مواجهة سوريا عقب سقوط الأسد، وأتى تصريحه ذاك عقب أعنف الغارات التي شنتها إسرائيل على عشرات الأهداف العسكرية والتي شملت بوارج حربية وطائرات ومستودعات للصواريخ وترسانة الأسلحة الكيماوية، فضلاً عن التوغل البري الذي شنته إسرائيل في الأراضي المقفرة الواقعة خلف خط الهدنة الموقعة عام 1974 عند مرتفعات الجولان.

أكد رئيس الوزراء الإسرائيلي على موقفه خلال الشهر الماضي حين طالب: “بإخلاء عسكري كامل للجنود التابعين للنظام السوري الجديد من الجنوب السوري، وتحديداً من محافظات القنيطرة ودرعا والسويداء” وأكد أن إسرائيل: “لن تتسامح مع أي تهديد يطول الطائفة الدرزية في الجنوب السوري”.

قوبلت تلك التصريحات بمظاهرات خرج بها دروز سوريا حاملين العلم السوري الجديد وطالبوا بالانسحاب الإسرائيلي من البلد، غير أن شكلاً أخطر من أشكال الاضطرابات تجلى يوم الجمعة الماضي بعد مقتل ضابط أمن سوري في ضاحية جرمانا ذات الغالبية الدرزية والمسيحية، ما أدى إلى إرسال مزيد من قوات الأمن إلى هناك في وقت لاحق.

هدد وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، بالتدخل يوم الأحد الماضي، وأعلن أن الجيش الإسرائيلي: “لن يسمح لنظام إرهابي إسلامي متطرف في سوريا بتوجيه أي أذى للدروز”، وأكد أنه تم إصدار توجيهات لقواته بفرض مهلة نهائية.

ويوم الإثنين، هدد أردوغان: “الساعين للاستفادة من انعدام الاستقرار في سوريا” وتعهد بأن تركيا: “لن تسمح لهم بتقسيم سوريا كما يتصورون”، فما كان من الجيش الإسرائيلي إلا أن نفذ سلسلة جديدة من الغارات على سوريا بُعيد ذلك.

قوى متناحرة تتناهب سوريا

في الوقت الذي تصور إسرائيل نفسها على أنها حامية لحقوق الأقليات في سوريا، قدمت تركيا نفسها على أنها القوة الرائدة التي ستنشر الاستقرار والوحدة هناك، إذ ذكر مسؤول من السفارة التركية في الولايات المتحدة أن: “تركيا تعطي الأولوية لأمن سوريا وأمانها، بما يحفظ وحدة الأراضي السورية ووحدة البلد السياسية، ومن هذا المنظور نقف ضد جميع المحاولات الساعية لتقويض سيادة سوريا ووحدة أراضيها”.

وأضاف ذلك المسؤول التركي: “نأمل أن نرى السوريين يعيشون في بلد مستقر يوفر الرفاهية لمواطنيه، ويضمن وجود نظام سياسي جامع، ولا يشكل الإرهاب الصادر من هذا البلد أي تهديد على الشعب السوري وعلى جيران سوريا، ولهذا تتعاون تركيا مع الدول الإقليمية، مثل الأردن والعراق، في مساعدة سوريا بحربها ضد الإرهاب”.

وتحدث ذلك المسؤول عن العلاقات القديمة التي تربط بلده بالمعارضة السورية، وعن رغبة أنقرة في إعادة تأهيل الحكومة الجديدة بدمشق على المستوى العالمي والأثر الذي خلفه النزاع السوري على الداخل التركي، بما أن تركيا تؤوي قرابة ثلاثة ملايين لاجئ سوري، فأصبحت بذلك الدولة التي استضافت أكبر عدد من اللاجئين على مستوى العالم، وهذا ما دفعه إلى القول: “وقفت تركيا إلى جانب الشعب السوري في نضاله طول السنوات الأربع عشرة الماضية، وهي مستعدة لمساعدة السوريين على تحقيق السلام والازدهار مستقبلاً”، وأضاف: “لهذا السبب أعطت تركيا الأولوية لتعاونها مع الإدارة السورية الجديدة وشجعت المجتمع الدولي على أن يحذو حذوها من خلال رفع العقوبات، والاستثمار في جهود إعادة الإعمار، وإعادة بناء مستقبل يعيش فيه كل السوريين بسلام، ومن خلال هذا المنظور، ما تزال عملية تسهيل عودة ملايين السوريين المهجرين أولوية”.

في تلك الأثناء تصاعد التشاؤم في سوريا حيال التهديد الذي يلوح بالنسبة لتجدد النزاع والذي بوسعه أن يحرفها عن مسارها الذي تسعى للمضي عليه مستقبلاً.

يعلق على ذلك بسام بربندي، وهو دبلوماسي سوري سابق يعمل حالياً محرراً لدى موقع Syria Update، فيقول: “تركيا ليست مستعدة ولا قادرة على حماية سوريا من العمليات الإسرائيلية” في حين: “يجب على إسرائيل إبداء التزام حقيقي بالسلام بدلاً من الدخول في نزاع آخر قد يمتد طويلاً”.

وشكك بربندي في تورط كلا الطرفين فعلاً في مواجهة مباشرة، لكنه حذر أيضاً من الأثمان المترتبة على ذلك في وقت: “لا يرغب السوريون ولا يمكنهم تحمل أثمان هذا النزاع، بما أن بلدهم مدمر بالأصل”.

ولتجنب كل ذلك، حث بربندي الحليف المشترك لكل من تركيا وإسرائيل على لعب دور يعتمد على مزيد من تحركات استباقية وذلك للتفاوض على إقامة سلام ما بين سوريا وإسرائيل، وقال:”لا بد للولايات المتحدة أن تتبنى نهجاً أشد فاعلية في التوسط من أجل صياغة تفاهم بين سوريا وإسرائيل، لكن ذلك قد يحتاج من القيادة الجديدة لسوريا أن تبدي استعدادها لإعطاء الأولوية لمصالح البلد الأساسية وتفضيلها على النزاعات الأيديولوجية”.

حتى الآن، لم يبد ترامب أي رغبة للتعاون مع الشرع، بل صرح عوضاً عن ذلك بأنه يجب على الولايات المتحدة ألا تتدخل بالنزاعات الداخلية لسوريا بما أن نظام الأسد انهار قبل أسابيع من تنصيبه رئيساً للولايات المتحدة في واشنطن، كما شكك نائب الرئيس فانس بانتصار الثوار، وشبه هذا الانتصار بالتقدم الذي حققه الجهاديون في السابق والذي نجم عنه انتهاكات لحقوق الإنسان طالت الأقليات، وخاصة المسيحيين.

وخلال الفترة نفسها، أعلن ترامب أن أردوغان “يمتلك مفاتيح” ما سيحدث مستقبلاً في سوريا، ووصف الرئيس التركي بأنه ذكي وقال إنه يحترمه، ومنذ ذلك الحين انصب اهتمام البيت الأبيض بالنسبة لسياسة الشرق الأوسط على غزة التي يتشاور بشأنها ترامب مع نتنياهو عن قرب.

من جانبه، رثى بربندي لحال سوريا التي وقعت من جديد في مرمى نيران دول تتنافس على مد نفوذها، وقال: “من منظور سوري، لا نتمنى أن نرى بلدنا قد تحولت إلى ساحة قتال أمام القوى الإقليمية المتناحرة”.

———————————

إزالة علم سوريا وتلميحات من نتنياهو.. ماذا يحدث في السويداء؟/ وائل علوان

7/3/2025

في مشهد لم يعد غريبًا؛ سمحت الحرية التي تتمتع بها ساحة الكرامة في مدينة السويداء جنوب سوريا بخروج مظاهرات يمكن وصفها أنها “عكس التيار”، تجمَّع فيها العشرات صباح الخميس 6 مارس/ آذار 2025، ممن جاءت بهم دعوات عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

أزال المتظاهرون علم البلاد عن مبنى المحافظة، واضعين مكانه العلم الديني لطائفة الموحدين الدروز المعروف باشتماله الرامز إلى حدود الدين الخمس، وردّدوا عبارات التأييد للشّيخ حكمت الهجري، أحد أبرز المرجعيات الدينية في السويداء، وحملوا صورًا للشيخ موفق طريف، أحد أبرز المرجعيات الدينية للدروز في إسرائيل.

مظاهرة السويداء والمجلس العسكري الجديد

معظم المتظاهرين كانوا من المنتسبين أو الداعمين لـ “المجلس العسكري في السويداء” الذي يرأسه العقيد طارق الشوفي المنشق في وقت سابق عن جيش الأسد، وهذا المجلس تأسس في 24 فبراير/ شباط 2025، ليضم عسكريين وضباطًا منشقين عن النظام السابق، وعسكريين وضباطًا كانوا ضمن ملاك القوى الأمنية والعسكرية لنظام الأسد حتى سقوطه يوم 8 ديسمبر/ كانون الأول 2024.

في المقابل كان الشيخ الهجري الذي نادت المظاهرة بتأييده قد نفى أي علاقة له بالمجلس العسكري بعد تأسيسه، كما نفى العقيد الشوفي مجموعة واسعة من الاتهامات التي وجهت إلى المجلس، أبرزها ارتباطه بإسرائيل ومشاريعها الانفصالية، وتنسيقه مع قوات سوريا الديمقراطية “قسد”، والتخطيط معها لدعم اللامركزية في السويداء، كما شمال شرق سوريا.

تنافس القوى المختلفة في السويداء

السويداء ليست على قلب رجل واحد، فكما كانت منقسمة بين المؤيدين لنظام الأسد والمناهضين له خلال العقد الماضي، فإنها اليوم منقسمة في الموقف من الحكومة السورية الجديدة والتعامل معها، وربما ليس من المصادفة أن يتشكل المجلس العسكري، وتخرج المظاهرة من المنتسبين له الذين أزالوا علم البلاد عن مبنى المحافظة بعد استقبال الرئيس أحمد الشرع في دمشق لقائدي أهم التشكيلات العسكرية في السويداء، وهما ليث البلعوس، وسليمان عبدالباقي.

في حين إذا صحت المعلومات بأن المجلس العسكري مرتبط فعلًا بالشيخ الهجري، فهذا يعني أن الشيخ الهجري وصل إلى قناعة أن المكانة الدينية لم تعد كافية بتأثيرها ودورها على توازنات المشهد الداخلي في السويداء، والتنافس الخفي للزعامة فيها، حيث في مجتمع مثل السويداء من الطبيعي أن تتنازع الحوامل الاجتماعية التقليدية، وأهمها المرجعيات الدينية مع الحوامل المجتمعية الناشئة خلال سنوات الثورة، وأهمها الفصائل والمجموعات العسكرية.

من هم الفاعلون في السويداء؟

كانت السويداء قبل الثورة التي انطلقت عام 2011، تركن في قرارها مجتمعيًا إلى المرجعية الدينية المتمثلة بمشيخة العقل، والتي توارثتها ثلاث عائلات، هي: الهجري والحناوي، والجربوع، غير أن الثورة السورية بما حملته من ضغوطات أمنية ومجتمعية خلال سنواتها الممتدة، أوجدت قوى جديدة منافسة، ومختلفة مع القوى المرجعية التقليدية، أهمها:

قوات شيخ الكرامة بقيادة ليث البلعوس، وحركة رجال الكرامة بقيادة يحيى حجار، وتجمع أحرار جبل العرب بقيادة سليمان عبدالباقي، ولواء الجبل بقيادة شكيب عزام، وتجمع أبناء الجبل بقيادة لؤي أبو فاعور، ولواء “القاهرون” بقيادة عميد جريره، وقوات العليا بقيادة سامر بالي، وتجمع اللواء بقيادة سامر أبو العز، وسرايا الجبل بقيادة وائل أبو قنصول، وبقايا قوة مكافحة الإرهاب الذراع العسكرية لحزب اللواء السوري.

العلاقة مع إسرائيل

لا يمكن إنكار التواصل المستمر بين فاعلين في السويداء وإسرائيل، لكن هناك تضخيمًا كبيرًا وصورة نمطية غير دقيقة لحجم هذا التواصل وطبيعته وأهدافه ثم لمآلاته، وما قد ينتج عنه، نعم تحاول إسرائيل كسب حلفاء لها في السويداء، وفي غيرها من المناطق جنوب سوريا، لكن الاستجابة للمحاولات الإسرائيلية حتى اليوم محدودة جدًا.

بينما التواصل الذي تقوم به بعض المجموعات والقوى في السويداء، بدأ من طبيعة التواصل الدرزي السوري، مع الدرزي في إسرائيل، في مقابل التواصل الذي تقوم به مجموعات أخرى في المحافظة بطبيعة التواصل الدرزي السوري، مع الدرزي اللبناني، وهما – كما لا يخفى على أحد – مساران متضادان في الاتجاه.

المسار الأول الذي يبني على التنسيق الدرزي السوري مع الدرزي الإسرائيلي يقوده من طرف إسرائيل الشيخ موفق طريق، وبدأ تحت عنوان حماية المكون، بينما تنتشر المليشيات الطائفية في جنوب سوريا، ويتهم هذا المسار بأنه داعم للضغط الإسرائيلي الهادف إلى إبقاء سوريا ضعيفة ومفككة، الأمر الذي يتعارض مع المسار الثاني الذي يتصل مع الزعيم وليد جنبلاط في لبنان، وهدفه أن يحمي خصوصية السويداء والمكون الدرزي فيها، لكن ضمن سيادة الدولة السورية الجديدة.

السويداء والعلاقة مع الحكومة في دمشق

بعيدًا عن التصريحات الرسمية التي تجامل في المواقف، وغالبًا ما توارب في التوجهات، فإن هناك تنافسًا داخليًا في السويداء على الزعامة والمرجعية يعززه التواصل والتنسيق مع الأطراف الخارجية، وهو أمر جوهري يغلب طبيعة العلاقة مع العاصمة دمشق بصرف النظر عن الجهة التي تحكمها.

وربما لا يظهر التنافس في المرجعيات الدينية التقليدية بين الأسر الثلاث: الهجري والحناوي، والجربوع، إلا أن التنافس واضح بينها وبين القوى الناشئة، وخاصة رجال الكرامة، وشيخ الكرامة، ورجال جبل العرب، والتي بدورها أعلنت ولاءها للحكومة الجديدة التي يقودها الرئيس أحمد الشرع في دمشق.

ليس من المرجح أن تكون السويداء في طليعة أي مشروع مناهض للإدارة الجديدة في دمشق، أو أن تكون السويداء جزءًا صريحًا فيه، إلا أن العامل الخارجي المرتبط بجزء منه مع مشاريع مناهضة للإدارة الجديدة، قد يستثمر حساسية الوضع مع المكون الدرزي لتمرير الضغوطات، أو حتى التهديدات للإدارة في دمشق.

خصوصية يحترمها الجميع

وبعيدًا عن الصراعات السياسية والتنافس المحلي الجهوي، فإن ثَمة رأي الشارع في السويداء، وهو وإن كان متأثرًا بالفاعلين الدينيين أو السياسيين، إلا أنه يُجمع معهم على أن للمحافظة خصوصية من العادات والتقاليد والأعراف يجب أن تحترم وأن تقدر.

وقد أدركت الحكومة الجديدة في دمشق هذا الأمر، ويعتقد أنها تراعيه، أو أنها مضطرة إلى أن تراعيه بشكل جيد؛ لأنه جزء من ضمان السلم الأهلي والاستقرار المحلي، فالمحافظة لها ثقافتها في حل مشكلاتها، وإدارة المجتمع بما يتوافق مع الأطر المجتمعية والدينية للمحافظة.

ليس هناك مشروع جادّ انفصالي أو حتى شبه انفصالي للسويداء، لكن هناك خصوصية تطلبها المحافظة، ومن السهل أن تحصل عليها وتتمتع بها ضمن العقد الاجتماعي الجديد الذي تنتظره سوريا.

في المقابل فإن هناك نزاعًا داخليًا وتنافسًا ينعكسان على الموقف من القوى المحلية الأخرى، ومن ذلك العلاقة مع الحكومة السورية الجديدة، ويعزز المشكلة استثمار القوى الخارجية لهذه الحالة، وتحديدًا إسرائيل.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

باحث مختص في الشأن السوري

الجزيرة

———————————

صدى رسالة أوجلان في سوريا.. التخادم الإيراني الإسرائيلي/ سمير صالحة

2025.03.08

المتبقي بيد طهران للرد على السياسة التركية التي تواصل دكّ تحصينات النفوذ والتمدد الإيراني في سوريا، هو تسهيل مهمة إسرائيل لمواجهة أنقرة هناك نيابة عن الطرفين.

بدلًا من تقليد موسكو، التي تمضي في فتح نافذة حوار مع القيادة السورية الجديدة رغم كل الخلافات والتباعد، تتمسك القيادة الإيرانية بنبرة التحدي والتصعيد والتهديد عند اللزوم، ثم تعبّد الطريق أمام المخطط الإسرائيلي الناشط في جنوب سوريا، والراغب في التمدد نحو شرق الفرات، والاقتراب من الحدود الشمالية لمواجهة الشراكة التركية-السورية الصاعدة في الإقليم.

لا أحد يتحدث عن تنسيق إيراني-إسرائيلي مباشر طبعًا، بل يدور الحديث عن تخادم متبادل بينهما بسبب مقتضيات المصالح ووجودهما في خندق واحد منذ الثامن من كانون الأول المنصرم، مع سقوط نظام بشار الأسد، حليف طهران وفرصة تل أبيب في المنطقة.

نجاح أنقرة في قطع الطريق على محاولة تسهيل مهمة تل أبيب في ملء الفراغ الإيراني في سوريا هو ما يغضب الطرفين ويدفعهما إلى تحريك أكثر من ورقة نفوذ في مواجهة أنقرة ودمشق. لا أحد يستغرب إذا ما ذهبت التحليلات باتجاه وقوف طهران وراء عرقلة اللقاءات السورية-العراقية، التي لن تدوم طويلًا، لأن العواصم العربية التي تريد استرداد سوريا إلى الحضن العربي لن تسمح بذلك. ولا أحد يستبعد أن تدعم طهران حركات تمرد وإشعال فتن في الداخل السوري، فهي قادرة على ذلك بسبب خيوطها وخلاياها هناك. لكن السؤال هو: ما الذي ستجنيه من خلال ذلك غير المزيد من الابتعاد عن سوريا الجديدة وتفاقم عزلتها الإقليمية، التي قد تقودها إلى الانفتاح على إسرائيل كمنفذ وحيد متبقٍّ لها؟

ناورت إيران لسنوات على خط دمشق–السليمانية في مواجهة أنقرة وهي تلعب بورقة الملف الكردي. رسالة أوجلان، التي فتحت أنقرة الطريق أمامها، قلبت حساباتها رأسًا على عقب. تريد الاستقواء بالتصعيد الإسرائيلي على خط جنوب سوريا وشرق الفرات لتصفية الحسابات مع القيادات التركية والسورية. ابتسامة تركية واحدة في اتجاه تل أبيب، بطلب من التفاهم الأميركي-الروسي القادم، ستحمل لطهران خيبة أمل أكبر في سوريا والمنطقة.

هدف أردوغان، من خلال تسهيل الحوار مع أوجلان وحزب “ديم”، هو تعزيز صفوف الجبهة الداخلية في مواجهة الأخطار الإقليمية المحدقة، وسحب ورقة حزب العمال من يد قوى إقليمية، وإسقاط مشروع البعض في شرق الفرات. لكن المشكلة أن أطرافًا إقليمية ودولية عديدة تشعر أن مصالحها تضررت من الحراك التركي الأخير، وأن عليها توحيد الصفوف في مواجهة خطة السلام التركي-الكردي في الإقليم، التي ستغير خارطة التحالفات والتوازنات على أكثر من جبهة.

تفاوض أنقرة على جبهتين: أوجلان وحزب “ديم”. من يدعمها في الحراك هو “تحالف الجمهور”، وأربيل، والعديد من العواصم الإقليمية والعربية. في المواجهة، تجلس القيادات الإسرائيلية والإيرانية المتضررة. لذلك، فاجأ الحراك التركي الأخير على خط الملف الكردي، بشقيه المحلي والإقليمي، الكثيرين. لكن أكثر المتضررين من هذه الخطوة هما إيران وإسرائيل. من هنا، على أنقرة أن ترفع من مستوى احتياطاتها تحسبًا لردٍّ محتمل من قبلهما عبر تحريك أكثر من جبهة أو مجموعات متضررة مما يجري. فالهدف هنا أبعد من إجلاس “قسد” في حضن إسرائيل بدعم أميركي وضوء أخضر إيراني.

إعلان قائد “قوات سوريا الديمقراطية” مظلوم عبدي أن دعوة أوجلان لحلّ حزب العمال وإلقاء السلاح تتعلق بالحزب ولا علاقة لها بسوريا، ووصف “قسد” لهذه الدعوة بأنها نهاية مرحلة وبداية مرحلة جديدة، كما أن ترجمة قيادات قنديل لفحوى رسالة أوجلان على طريقتها الخاصة، كل ذلك يعزّز سيناريو ولادة حركة تمرد وعصيان كردي، على شكل حركة تصحيحية جديدة على خط قنديل–السليمانية–القامشلي، بدعم ورعاية إيرانية-إسرائيلية.

أطاحت رسالة أوجلان، ومن أسهم في إعدادها، بالمشروع الإسرائيلي الإقليمي الهادف إلى لعب الورقة الكردية في المنطقة، وبفرص إيران في الإمساك بالعديد من خيوط الملف. لذلك، سيكون هناك من يعترض على الواقع الإقليمي الجديد، الذي يحاول الأتراك والأكراد صناعته على طريق مراجعة السياسات والمواقف في التعامل مع ملف مزمن، والحؤول بعد الآن دون انتقاله من يد إلى أخرى.

عرقلة قنديل لطلب أوجلان ستكون بهدف صناعة انشقاقات في صفوف حزب العمال، بإرادة أطراف إقليمية مؤثرة لا تريد أن ينتهي الصراع التركي-الكردي في الإقليم، أكثر من كونها مجرد مناورة لانتزاع تنازلات سياسية من الجانب التركي.

تقول القيادات التركية إن رسالة أوجلان موجهة إلى حزب العمال، لكن الواقع يقول إنها تعني الأتراك بقدر ما تعني الأكراد، داخل تركيا وخارجها. احتمال كبير أن يكون أوجلان قد وصل إلى قناعة بأن أميركا ترامب لن تعبأ سوى بمصالحها وما تريده، وأنها جاهزة للمتاجرة بالورقة الكردية في المنطقة، بالشكل والطريقة التي تخدم مصالح إسرائيل، التي قررت الدخول السريع على خط الملف عبر شرق الفرات.

ستكون الأنظار مشدودة نحو قنديل والقامشلي وطريقة تعاملهما مع ما يدعو إليه أوجلان، لكنها ستكون أيضًا باتجاه من سيحاول تحريكهما في تل أبيب وطهران.

فحصة “قسد” و”مسد” في رسالة أوجلان موجودة، شئنا أم أبينا. من يقدم السلاح والمال والغطاء السياسي سيطالب بشراء المواقف والقرارات أيضًا. لا فصل بين فحوى رسالة أوجلان بشقها التركي والسوري، حتى ولو حاولت قيادات “قسد” تحييد نفسها.

تلفزيون سوريا

—————————-

من هم أعداء سوريا اليوم؟/ د. فيصل القاسم

تحديث 08 أذار 2025

لا شك أن أعداء سوريا اليوم كثيرون، لهذا علينا أن نتعرف عليهم، على مبدأ: «اعرف عدوك» وعندما تعرف عدوك تكون بذلك قد أنجزت كثيراً من المعركة.

لا يخفى على أحد أن هناك أنظمة عربية عديدة لا يروق لها أبداً أن ترى ثورة شعبية عربية وقد حققت أهدافها، ليس فقط بإسقاط رأس النظام، كما حدث في تونس ومصر واليمن وليبيا والسودان، بل بكنس النظام كاملاً، فكما هو معلوم، فإن الثورة السورية نجحت في اجتثاث النظام من جذوره، على عكس بقية الثورات، لهذا أخذت وقتاً أطول وقدمت أضعافاً مضاعفة من التضحيات في سبيل ذلك، لم يقدمها من قبل أي شعب عربي لا في مواجهة الطاغوت الداخلي ولا حتى الغازي والمحتل الخارجي. وهذا الانتصار التاريخي لثورة شعب لا شك يزعج ويخيف الكثير من الأنظمة العربية التي شارك معظمها في الثورات المضادة لإجهاض الثورات وتكبيدها خسائر فادحة بحيث لا يفكر أي شعب عربي لاحقاً في الثورة على الأنظمة، لكن مع ذلك فإن الثورات المضادة قد فشلت، بدليل أن الشعب السوري لم تثنه كل الثورات المضادة عن تحقيق هدفه في نهاية المطاف. باختصار، فحتى الأنظمة التي باركت للقيادة الجديدة في سوريا بالنصر، لا تُخفي قلقها مما حصل في سوريا، وباتت تتحسس رؤوسها بأن ما حدث في سوريا قد يتكرر عندها، وبالتالي، فهي لا شك تضمر الشر لنا، وتتمنى أن تفشل ثورتنا كما فشلت بقية الثورات. لهذا يجب التعامل مع كل الأنظمة المتوجسة من نجاح الثورة السورية بحذر شديد، مهما تظاهرت بالتأييد والدعم، ولا تتفاجأوا إذا اكتشفتم أنها تدعم الفلول هنا وهناك.

ولا ننسى طبعاً الغزاة والمحتلين الإيرانيين والروس الذين خسروا الكثير من جراء سقوط عميلهم في دمشق، خاصة وأن إيران كانت تستثمر بالبقاء في سوريا لعدة عقود، وكانت تعتبر سوريا درة التاج الفارسي الذي تربط مستعمراتها في العراق ولبنان. وهذه الدرة قد اختفت واختفى معه الاستثمار الإيراني المزمن في الأرض الشامية، وبالتالي لو تابعتم التعليقات الإيرانية ستجد كم هي محشوة بالمرارة والحسرة والحقد والانتقام بعد أن تطهرت سوريا من الرجس الفارسي. وهذا يدعو السوريين شعباً وقيادة للحذر الدائم من مؤامرات وقذارات الفرس. أما روسيا فتحاول أن تنقذ ما يمكن إنقاذه من مكاسبها الضائعة في سوريا بالتنسيق مع إسرائيل. وكلنا يعرف أن الإسرائيليين ينسقون مع الروس اليوم للحفاظ على وجود عسكري روسي في سوريا خدمة للمصالح الإسرائيلية.

ولعل الخاسر الأكبر من سقوط النظام في سوريا هي إسرائيل. إياكم أن تصدقوا الأكاذيب والخزعبلات التي تتحدث عن دور إسرائيلي في إسقاط النظام وتسليم سوريا للقيادة الجديدة، فهذه مجرد فبركات وسخافات إسرائيلية لإيهام السوريين وغيرهم بأن إسرائيل لعبت دوراً في إنقاذهم من النظام الساقط. وهذا طبعاً هراء بهراء. لم يسقط النظام السوري بضوء أخضر إسرائيلي بل رغماً عن إسرائيل، فقبل سقوط بشار الأسد بأيام كان المسؤولون الإسرائيليون يقولون للصحافيين: لا تحلموا بسقوط نظام الأسد، فهو قوي جداً، ولن نسمح أبداً بسقوطه، وفي السابع من ديسمبر من العام الماضي أي قبل سقوط النظام بيوم واحد جرت اتصالات مكثفة بين إسرائيل وروسيا. وقد ضغط الإسرائيليون على الروس لمساعدة النظام وحمايته، وعرضوا عليهم تدخل الجيش والطيران الإسرائيلي لحماية نظام الأسد من السقوط، لكن الروس قالوا لهم: النظام هش جداً ولا أحد يستطيع أن يحميه ويمنع سقوطه، فالشعب السوري كله صار ضده، ولا تتعبوا أنفسكم بحمايته، لكن الإسرائيليين كانوا متأكدين أن النظام لن يسقط، وهم لا يريدون سواه. لكن في اليوم التالي سقط النظام كأحجار الدومينو رغم الاعتراض والأمنيات الإسرائيلية.

وقد خرج نتنياهو قبل أيام ليقول إن إسرائيل تلقت ضربة موجعة جراء سقوط الأسد، لهذا لم تترك موقعاً عسكرياً سورياً إلا ودمرته بعد سقوط النظام لأن الجيش السوري لم يكن يشكل أي تهديد لإسرائيل تحت قيادة الأسد وكانت إسرائيل تعتبر أن السلاح السوري في أيد أمينة، لكن عندما سقط بشار وجيشه راحت إسرائيل تقصف المواقع العسكرية السورية بكثافة بعد أن خرجت من أيدي بشار وأصبحت في أيدي قيادة جديدة. وهذا يعني أن حتى إسرائيل نفسها أساءت التقدير. ولا تنسوا أن الاتحاد الأوروبي كان يعمل على إعادة تأهيل النظام قبل أيام فقط من سقوطه. باختصار من الخطأ الاعتقاد أن أجهزة الاستخبارات الدولية تعرف كل شيء، وفي أحيان كثير تسيء التقدير والتوقعات.

وبما أن إسرائيل باتت تشعر بأنها خسرت كثيراً جراء سقوط الأسد وهروبه إلى روسيا، فهي بلا شك ستلجأ إلى كل الأساليب القذرة لوضع العصي في عجلة سوريا الجديدة، وقد عبرت تل أبيب عن قلها بالأمس مما أسمته «عملية توحيد سوريا تحت قيادة إسلامية» وهذا يعني ضمناً أنها ستفعل المستحيل لتفتيت سوريا وتمزيقها إلى دويلات وكانتونات وأقاليم على أسس مناطقية وطائفية وعرقية متناحرة كي تنام إسرائيل قريرة العين. وكلنا يرى اليوم كيف تحرض إسرائيل المكونات السورية على الانفصال والتمرد على الدولة السورية الجديدة، وهي بلا شك الداعم الأول للقوى الانفصالية في بعض المناطق، لا بل تريد أن تفرض الحماية على الجنوب السوري، مع أن الجنوب لم يطلب منها ذلك ولا يريد حمايتها أصلاً، وقد أعلنها الجميع بمن فيهم سماحة الشيخ حكمت الهجري رئيس الهيئة الروحية للموحدين الدروز في السويداء الذي قال إن سوريا كل لا يتجزأ ولا أحد يريد الانفصال عنها.

وللأسف لم يقف الأمر عند التدخلات والمحاولات الإسرائيلية القديمة الجديدة لتفكيك سوريا، بل هناك من يساعدها داخلياً. نحن اليوم إذاً نواجه عدوين شرسين، الأول خارجي، والثاني عدو داخلي يخدم العدو الخارجي بشكل مباشر أو غير مباشر من خلال التصدي للأمن العام وزعزعة الاستقرار وإشغال الدولة بقضايا جانبية، إضافة إلى تشجيع التناحر الداخلي وإثارة القلاقل وزرع الفتن، ويظهر ذلك جلياً في مواقع التواصل الاجتماعي حيث ينتشر الاقتتال الإلكتروني والتشبيح القذر وشيطنة الآخرين، ولا يقتصر الأمر فقط على بعض السوريين من كل المكونات، بل هناك أيضاً ذباب إلكتروني تدعمه وتحرضه الجهات الخارجية نفسها التي تعمل على تفخيخ الداخل السوري من خلال ضرب المكونات السورية بعضها ببعض ودق الأسافين بينها بهدف تفكيك البلد وشرذمته خدمة لمصالحها. لهذا علينا الحذر والانتباه جيداً لما يُحاك لنا، وبدل التناحر، تعالوا ندفن سواطيرنا وأحقادنا التي زرعها فينا النظام الساقط، ونبدأ ببناء وطن جديد يحتضن الجميع دون تمييز، وكل من يحاول أن يشد اللحاف في اتجاهه، فليعلم أن اللحاف سيتمزق عاجلاً أو آجلاً وسيصبح كل السوريين عراة مكشوفين بلا أي غطاء يحميهم. للمرة الألف نقول: كلنا في مركب واحد ومن يحاول أن يثقب المركب، يجب أن يعلم أنه سيغرق مع الغارقين.

القدس العربي

——————————-

مختبر المستقبل في سوريا بين الفدرلة والتفكك/ سامح المحاريق

تحديث 08 أذار 2025

غيرت الإمبراطورية العثمانية التنظيمات الإدارية في المشرق العربي لأكثر من مرة، وأعادت ترسيم الولايات والمتصرفيات والسناجق، التي كانت تحتضن مراكز حكم محلية، إلا أن هذه الفترة شهدت انشغال الإمبراطورية بالحروب على أكثر من جبهة، بحيث تركت هذه التقاسيم خاضعة لحكام محليين يتنافسون في توريد الضرائب لإسطنبول، من غير إشراف حقيقي على التفاعلات الاجتماعية والاقتصادية التي تحدث داخلها، ومع انهيار الدولة العثمانية بدأت الدول الأوروبية التي انتدبت نفسها نيابة عن المجتمع الدولي، لتؤسس دولا حديثة في المنطقة، عملية تقسيم أخرى عملت على تأسيس دول أكثر منطقية في بنيتها وحدودها، إلا أنها لم تتركها من غير أن تفخخها بمشاكل محتملة مستقبلا، فالفرنسيون الذين انشغلوا ببناء لبنان وضمان استقلاليته، طرحوا من غير كثير من الجهود والتكريس الفكري والسياسي دويلات أخرى للدروز والعلويين في سوريا.

خرجت فرنسا وبريطانيا من المنطقة بعد الحرب العالمية الثانية، وخلفتا وراءهما تركة ثقيلة من المشكلات وهياكل إدارية وبيروقراطية غير قادرة على إدارة المجتمعات المحلية بالصورة اللائقة، وكان خيار الأنظمة العسكرية التي تولت عملية سد الفراغ، أن تعزز من السيطرة على حساب التنمية، واللجوء إلى المركزية، التي تتطلب وجودا ثقيلا في العاصمة والمدن الرئيسية، على حساب المناطق الريفية والجبلية والزراعية، ما يفسر ضخامة الحجم النسبي للعاصمة في الدول العربية بشكل عام، فالفرص لا توجد إلا في العاصمة، حيث يتوجب أن تتحصل الدولة بأجهزتها على الولاء الكامل، وبحيث يصبح الجميع في حالة تربص وترقب بالجميع، وبقيت المشكلات تتمدد مع الإهمال المتواصل للمناطق الأقل حظاً من التنمية والفرص، تحت طائلة الاستنزاف لمصلحة نخب العواصم والمدن الكبرى.

لم تكن هذه النخب تمتلك الرؤية اللازمة، ولا الخبرة الكافية لقيادة المجتمع في دول كبيرة نسبيا، فسوريا التي تعتبر متوسطة الحجم بين الدول العربية، تزيد مساحتها عن الدنمارك وهولندا وبلجيكا وسويسرا، وجميعها دول ثرية ومتقدمة اقتصاديا، ومنها ما لا يمتلك باستثناء المياه أي ثروات طبيعية مهمة، وبقيت المشكلات تتفاعل من غير اهتمام، وفي الجيل الثاني من الجيوش الوطنية، أخذ أبناء هذه المناطق المهمشة يتوجهون للخدمة العسكرية، لأنها توفر فرصة الحد الأدنى من الحياة الكريمة، التي تنقذهم من الفقر، وتشكل الفرصة الوحيدة المجدية للخروج من حالة الإهمال في مناطقهم، فكان أبناء الأنبار في العراق، والعلويون في سوريا، لتحدث حالة انقلابية تدفع بهذه المناطق إلى السيطرة من خلال أبنائها، الذين أداروا ظهورهم لمناطقهم الأصلية، وأخذوا يتصارعون على السلطة في العاصمة ومناصبها ومكتسباتها. فشلت السلطة في دمشق، بغض النظر عن هويتها، من الارتقاء بمستويات الحياة في جميع مناطق سوريا، بل أصبحت الإدارة هي الصراع على دمشق، ومع واقع طائفي كان من السهل دائما أن يتم تحشيده وتحريكه بالخوف، وخلق العداء المتبادل، أصبحت سوريا من جديد أمام الميراث المرير للدولة العربية المركزية، التي لم تجد خلال فترة نهوضها الفرصة من أجل بناء أدوات حقيقية وفاعلة، ولذلك حدثت حالة من الانفصال بين النظام السابق والسوريين، الذين رأوا رغبته في السيطرة والاستحواذ من غير أن يقدم لملايين السوريين المبررات المقنعة لذلك، سوى فوهة البندقية والزنازين في سجون مرعبة.

العارض في أحداث الساحل وتحركات الدروز هو الاشتباكات العسكرية المتفرقة التي يمكن أن تتحول إلى وقائع سياسية واسعة مع الوقت، في حال تطورت إلى الاقتتال الأهلي الواسع، أما الجوهري، فهو في عدم قدرة سوريا وغيرها من الدول العربية على بناء نموذج حقيقي للدولة تقوم على أسس المواطنة ضمن عملية تنموية شاملة وعادلة، وهذه أزمة حتى في الدول التي لا تتوفر داخلها الافتراقات الطائفية، أو العرقية مثل مصر، ففي الحالة المصرية كانت الأرياف هي الحاضنة الرئيسية لحركة الإخوان المسلمين المناهضة للحكم في القاهرة وممارسته وقناعته، للدرجة التي دفعت الصحافي وائل عبد الفتاح لوصف حسن البنا بالمخلص القادم من الأرياف! ما زال كثيرون ينظرون إلى الشرع بوصفه الرجل الذي أتى بعد سقوط الأسد، وأن آل الشرع سيشكلون السلالة الجديدة في سوريا ما بعد الأسديين، وعلى الرئيس الشرع أن يثبت المفهوم المغاير، وأن يفكر خارج الصندوق التقليدي للدولة العربية، فسوريا أقرب ما يمكن لتطبيق نموذج فيدرالي تلتزم فيه كل منطقة بأن تعمل من أجل مصالحها، وأن تؤدي للدولة ما يلزم لتتمكن من قيام بالوظائف الأساسية لكل منطقة، وأن تتعهد جميع المناطق بألا تعمل مع أي قوة خارجية ضد الدولة المركزية، وإذا كانت هذه الحالة تحتاج نضوجا في البنى الإدارية والمجتمعية، فالحل الآخر، أن يتم العمل على إشاعة فرص شاملة في سوريا في عملية نهضوية تشجع الزخم السكاني على حراك واسع ضمن مجتمعات جديدة مفتوحة ومتوازنة. البقاء على الوضع الراهن من غير الانفتاح على الأسئلة الكبرى، يمكن أن يؤدي إلى نتائج كارثية تتحول سوريا خلالها إلى رقعة شطرنج تشغل القوى الخارجية خاناتها المختلفة، بحيث تصبح أرضا قلقة مهددة أمنيا على الدوام، وتعمل على تصدير الأزمات إلى جوارها ومحيطها الأوسع.

هل يمكن للسوريين أن ينتبهوا لهذه المشكلة، أم أنهم سيعملون على استعادة نموذج للدولة السورية نشأ في ظروف مرتبكة، وكأنه الغاية النهائية، ليجدوا أنفسهم مع الوقت مستمرين في إنتاج مظلوميات اجتماعية وفئوية جديدة لا تلبث أن تعبر عن نفسها بالصدام والعنف من جديد، خاصة أن سوريا الهادئة والجميلة لم توجد أصلًا إلا لسنوات قليلة خلال أكثر من قرن من الزمن أتبع نشأتها كدولة حديثة.

كاتب أردني

القدس العربي

——————————

عن مكالمة هاتفية لم تحدث بين البيت الأبيض وقصر الشعب/ علي سفر

2025.03.08

في وقت ما، كنت أسمع أحد أقاربي ممن عملوا في الشأن العام، وانتسبوا إلى العمل السياسي المعارض، يكرر دائماً أن إسقاط حافظ الأسد هو نصف المهمة، لكن النصف الثاني أخطر من الأول، إذ إنه بعد دقائق من الإطاحة بالدكتاتور، سيرن الهاتف على طاولة الرئيس الجديد حيث سيجد على الطرف الآخر من المكالمة الرئيس الأمريكي مهنئاً ويسأل عما سيفعله المنتصرون!؟

لم يستطع السوريون إنهاء حكم الطاغية الأب، وعانوا 14 سنة حتى استطاعوا الإطاحة بالدكتاتور القاتل الابن! وحتى هذه اللحظة لم يصدر عن قصر الشعب أي خبر، ولا حتى إيحاءٌ بأن الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، قد اتصل أو تواصل مع الرئيس أحمد الشرع.

الفرضية التي كان يحكيها قريبي، ورغم وجود جزء مجازي فيها، كانت صالحة بحرفيتها للعقود الأخيرة في القرن العشرين، لكن في وقتنا الحالي دخلت إلى الحقل السياسي التقليدي، حشرات وقوارض مختلفة، سريعة وتعمل من باطن الأرض، فتفسد المزروعات من داخلها، بحيث أنك تراها عادية وصالحة، لكنها فارغة وربما متعفنة من الداخل! ضمن هذا التشبيه، يمكن تفسير طبيعة العلاقات الدولية الراهنة، على أنها قدرة الجميع على التفاهم، وترتيب المصالح، بنزاهة ومن دون غش، أي أنه لا يجب على أحد أن يخدع الآخرين، بل يجب أن يكون واضحاً وصريحاً!

الاتصال الأميركي لم يحدث علانية حتى اللحظة، لكن في الفناء الخلفي ثمة ترتيبات تجري، من دون أن يعلن عنها شيئاً، وربما ينبئنا عنها الإحساس بالطمأنينة لدى الرئيس الشرع ووزير خارجيته أسعد الشيباني، في سياق تصريحاتهما، ولاسيما تلك التي تقدم التعهدات للدول الإقليمية وللدول الكبرى، وكذلك للمؤسسات الدولية، والتي يمكن تلخيصها بالقول إن سوريا الجديدة لن تكون دولة مافيوية! وأن كل الانطباعات السابقة التي كرسها الأسدان طوال 54 سنة، يجب أن تمحى طالما أن مصالح البلد تُحترم من قبل الآخرين!

كيف يمكن لهذه المعادلة أن تتحقق، والوضع السوري الراهن هو أقرب من أي وقت للانفجار الداخلي، بحكم الأزمات المكرسة، وبحكم الأصابع الإقليمية، العابثة بالشؤون المحلية، سياسياً وعسكرياً؟

يظن بعض فلول النظام، أن ثمة إمكانية لإثارة الدول الإقليمية، أو القوى الدولية، ضد السلطة الجديدة، فيملؤون مساحات التواصل الاجتماعي بأخبار غير موثقة، عن انتهاكات تحصل بحق الأقليات، وحين لا تثمر هذه الدسائس، يقررون تفجير الوضع عسكرياً، فتحصل اشتباكات، هنا وهناك، ويسقط القتلى!

ولعل ما يسترعي الانتباه خلال هذه الأحداث، أن السوريين لا يشعرون بالقلق من هذه التحركات، إذ ثمة يقين بأن الأسدية كمرحلة تتضمن همجية النظام و”رعاعية” مؤيديه من الشبيحة قد انقضت بلا رجعة، ولا أحد يريد أن يتورط في الدفاع عمن أقاموا السجون الإبادية في سوريا، وأكبر دليل على هذا، إنما هو ذهاب التصريحات الروسية بمجملها إلى عتبة بناء علاقة جديدة ومختلفة وربما أكثر دفئاً، بين الكرملين وقصر الشعب بحكامه الجدد في الفترة القادمة.

وعلى مستوى آخر، ورغم إعلان وكالة أخبار تتبع الحرس الثوري عن إطلاق ما سميت بـ”جبهة المقاومة الإسلامية في سوريا”، فإن الهاجس الراهن بوجود خطر إيراني، بات يضمحل أكثر فأكثر، لعلم المتابعين بأن ما يفعله أتباع الولي الفقيه في هذا الشأن ليس أكثر من محاولة التمسك بقشة نجاة، بعد أن غرقوا في بحر الخسارات!

التركيز في المحصلة، لابد أن ينصب على شكل العلاقة مع إسرائيل، وقبله طريقة التعاطي مع إدارة ترمب الحالية.

في اليومين الماضيين، ظهرت على السطح مقالة للسفير الأميركي السابق في سوريا ودراسة أعدها مركز أبحاث إسرائيلي. في المقالة يتحدث روبرت فورد عن حيثيات تتناقض مع الصيغة التي اتبعتها الولايات المتحدة سابقاً في سوريا، حيث كرّست دعمها لقوات سوريا الديمقراطية بذريعة محاربة تنظيم الدولة، فيقول: “أنه مع زوال نظام الأسد، يمكن للولايات المتحدة أن تختار العمل مع شريك أكثر نفوذا وفعالية في المعركة ضد بقايا تنظيم الدولة: الحكومة السورية الجديدة في دمشق. ومن الممكن أن يعزز التعاون الأكبر، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، مع هذه الحكومة الوليدة الأمن الإقليمي، ويساعد في إنهاء القتال الدائر في شرقي سوريا ويسمح للولايات المتحدة بتخصيص موارد أقل للبلاد. وفي السياق يشير إلى “أنه لطالما أبدى الرئيس دونالد ترمب أسفه على التورط الأميركي في الصراعات الخارجية وبخاصة في الشرق الأوسط. ومن شأن الشراكة مع الحكومة الانتقالية الجديدة في دمشق أن تسمح للولايات المتحدة بمغادرة سوريا بشروطها الخاصة”.

والخلاصة من هذه المقبوسات، تقول بأن ثمة استراتيجية مختلفة، محتملة في المرحلة القادمة، سيتغير معها شكل العلاقة بين دمشق وواشنطن، وأما فيما يخص الإبقاء على التحالف الخاص بمحاربة داعش فإن ثمة طروحات تتم مناقشتها حالياً، من بينها مقترح أوروبي، أشبه بحقيبة تتضمن حلولاً لعدة إشكاليات!

الاعتراضات الإسرائيلية العلنية حالياً، التي تترافق مع عمليات توغل وتهديدات، وادعاءات بحماية بعض المكونات السورية، لا تبدو قابلة للترجمة على الأرض، في ظل عدم رغبة الولايات المتحدة بالتدخل، وهذا ما تؤكده الورقة البحثية التي أعدها مركز دراسات الأمن القومي الإسرائيلي (INSS)، الثلاثاء الماضي، وقام موقع تلفزيون سوريا بنشرها قبل أيام، والتي تضمنت أفكاراً تدفع نحو “آلية للتعاون مع دول عربية وتركيا وقوى دولية، تتضمن تحجيم الدور التركي النافذ في سوريا ويمنع الاحتكاك مع إسرائيل، مع الإشادة بدور أنقرة والتعاون معها لضبط الأمن في سوريا من دون أن يكون لها استئثار في سوريا الجديدة. وتهدف كذلك إلى “منع إيران من استعادة نفوذها في سوريا. وتقترح خطة دولية لإعادة الإعمار الاقتصادي ما يمنح سوريا استقرارا ويمنعها من تهديد جوارها”.

وبحسب تحليل الورقة فإنه من اللافت أنها “تشير إلى أفضلية عدم مشاركة تل أبيب بهذا الآلية والاكتفاء بطرح الفكرة على واشنطن، مع التأكيد على أن الهدف هو حماية مصالح إسرائيل الحيوية”.

ربما يمكن القول بعد إلقاء نظرة على هذه الطروحات، إن التغيير الذي طرأ في آلية التواصل الأمريكي مع المشهد السوري، لن يتيح بناء علاقة واضحة المعالم، طالما أن سيد البيت الأبيض لا يرى في المكان فائدة ذات أهمية لسياسته الموجهة داخلياً، لكن هذا المعيار يمكن أن يتغير في حال ظهرت ضمن المشهد السوري أعراض خطر ما، من نوع تسلسل فئات خارجة عن السيطرة (تتبع الفصائل السورية أو الإيرانية) صوب المنطقة منوعة السلاح، بين سوريا والجولان المحتل، أو تقدم تنظيم الدولة مجدداً.

وكل ما سبق يبدو بعيداً، رغم انشغال الحكومة الحالية بالأزمات في الساحل السوري أو السويداء أو غيرهما.

*يتحدث الباحثان ديفورا مارغولين، وهارون ي. زيلين من معهد واشنطن في الدراسة الحديثة “خطوات ما بعد مؤتمر باريس في سوريا قد تكون حاسمة” التي قدماها حول المقترحات لمرحلة ما بعد الانسحاب الأمريكي من سوريا حيث ” اقترحت أنقرة تشكيل مجموعة إقليمية

تلفزيون سوريا

——————————–

لماذا باتت السويداء عقدة للإدارة السورية الجديدة؟/ إبراهيم العلبي

8/3/2025

تصدرت محافظة السويداء السورية المشهد السوري في الآونة الأخيرة، مع تصاعد المشكلة القائمة بين بعض الفصائل الدرزية المسلحة وقادة روحيين في المحافظة من جهة، وحكومة دمشق من جهة أخرى.

تعد السويداء المحافظة السورية الوحيدة التي تقطنها غالبية من الطائفة الدرزية، وتتلخص مشكلة المحافظة في مطالبة بعض الفصائل الدرزية بأن تتمتع بنوع من الإدارة اللامركزية أو حتى الحكم الذاتي. وفي التقرير التالي نستعرض كيف بدأت المشكلة وكيف تطورت وإلى أين وصلت.

السويداء ساحة للفصائل المسلحة

شهدت محافظة السويداء على الصعيد الأمني تطورات متباينة على مدى السنوات الماضية، حيث بدأت بحراك متواضع في إطار الثورة السورية، لتتطور لاحقًا إلى تشكيل فصائل مسلحة رفضًا لتجنيد أبناء المحافظة في الحرب، قابلها النظام السابق بتشكيل مليشيات موالية له لمواجهتها.

في عام 2013 تأسست حركة رجال الكرامة على يد الشيخ وحيد البلعوس -الذي اغتيل في 2015- في إطار معارضة تجنيد الشبان الدروز ورفض مشاركتهم في الحرب السورية، ورفع مؤسس الحركة حينها شعار “دم السوري على السوري حرام”، إضافة لحماية الدروز من الاعتقالات والضغط لأجل الإفراج عن المعتقلين.

شهدت الحركة عدة انشقاقات، حيث انبثقت عنها حركة “شيخ الكرامة”، على يد ليث وفهد من أبناء الشيخ وحيد البلعوس، وحملت خطابا معاديا بشكل أوضح للنظام السابق وروسيا، وشاركت أيضًا في الهجوم على مجموعات محلية تعمل بتجارة المخدرات والخطف وتتبع لقوات النظام الأمنية.

ولاحقا، تأسس تجمع أحرار جبل العرب بالتنسيق بين بعض رجال الدين في السويداء، حيث يعرف قائده الشيخ سليمان عبد الباقي بقربه من الشيخ حكمت الهجري، أحد أبرز شيوخ العقل في المحافظة.

شارك تجمع أحرار الجبل حركة “شيخ الكرامة” في حملاتها ضد المجموعات الأمنية للنظام السابق، وأسهم في حماية المظاهرات السلمية وكان قائده سليمان عبد الباقي من المؤسسين لحراك ساحة الكرامة.

في المقابل، عمل النظام السابق على مواجهة الوضع الأمني الاستثنائي في السويداء بتشكيل مجموعات مسلحة بدعم من أفرعه الأمنية وإيران، إلى جانب مليشيا “الدفاع الوطني” و”كتائب البعث” و”نسور الزوبعة” التابعة لـ”الحزب القومي السوري” التي كانت موجودة بالفعل.

وشملت هذه المجموعات الجديدة “حركة قوات الفجر” بقيادة راجي الفلحوط و”قوات الفهد”، وقوات تابعة لفرع الأمن العسكري في المحافظة، والمخابرات الجوية وفرع أمن الدولة ومكتب أمن الفرقة الرابعة.

في عام 2022، تعرضت القوات والمليشيات الموالية للنظام السابق وإيران لضربات متتالية على يد فصيلي “شيخ الكرامة” و”أحرار الجبل”.

خلاف بعد اتفاق

في السادس من ديسمبر/كانون الأول 2024، أعلنت فصائل السويداء المعارضة تشكيل غرفة عمليات موحدة مع فصائل درعا والقنيطرة باسم “غرفة عمليات الجنوب” للمساهمة في تحرير المحافظات الجنوبية الثلاث من قوات النظام السابق، بالتنسيق مع إدارة العمليات العسكرية التي كانت قد وصلت إلى مشارف حمص في إطار معركة “ردع العدوان”.

بعد سقوط النظام وتولي هيئة تحرير الشام السلطة في دمشق، أجرت اتصالات مع الدروز من خلال إرسال موفدين إلى السويداء للحوار مع شيوخ العقل لا سيما حكمت الهجري، وأصدر الهجري بيانا دعا فيه السلطة الجديدة إلى اتباع خريطة طريق لبناء دولة مدنية.

ومع صدور تصريحات رسمية من قائد الإدارة السورية الجديدة آنذاك أحمد الشرع تؤكد ضرورة حل الفصائل المسلحة وتسليم سلاحها للدولة، رفض الهجري ذلك، مشترطا بناء الدولة وكتابة دستور وقال “تسليم السلاح أمر مرفوض نهائيا لحين تشكيل الدولة وكتابة الدستور لضمان حقوقنا”.

بالتوازي مع تصريحات الهجري، وفيما يبدو استدراكا على الرئاسة الروحية، أعلن كل من فصيل “لواء الجبل” و”رجال الكرامة”، استعدادهما “للاندماج ضمن جسم عسكري يشكل نواة لجيش وطني جديد”، بعد الإطاحة بنظام بشار الأسد.

وشدد الإعلان، الذي طرح خريطة طريق لـ”بناء وطن قائم على العدالة وسيادة القانون”، على أن حمل السلاح كان “دفاعًا عن أهل السويداء بكافة أطيافهم”، وأنه “وسيلة اضطرارية وليس غاية”، وأكد أن دمشق “ستبقى العاصمة الأبدية” لسوريا، في تأكيد على عدم القبول بأي مشروع للانفصال.

تطور الخلاف حول الإدارة والأمن

في الاتصالات التي أجرتها السلطات الجديدة مع قادة الدروز في السويداء طرح الهجري اسم محسنة المحيثاوي لتعيينها كمحافظة للسويداء، وبعد تداول قرار تعيينها بشكل رسمي لأيام خرجت في تصريحات نفت خلالها هذا التعيين وأكدت أن الأمر لا يزال قيد التداول.

وبعد يوم من تداول قرار التعيين، شهدت المحافظة تطورا أمنيا سيكون له ما بعده، حيث قامت فصائل مسلحة في السويداء بمنع رتل تابع للأمن العام كان متجها إلى مركز المحافظة قادما من دمشق، بتوجيه من الرئيس الروحي للدروز حكمت الهجري، مما اضطر الرتل إلى التجاوب والعودة إلى دمشق.

وفي تعليقه على الحادثة، قال الهجري إن منع الرتل كان سببه عدم التنسيق بين القيادة في دمشق وغرفة العمليات المشتركة في السويداء، مؤكدا في تصريحات منفصلة أن الاتفاق مع دمشق كان على الحفاظ على الإدارة المدنية القائمة في المحافظة كما هي.

وفي إجراء بدا على أنه محاولة من إدارة أحمد الشرع لاستيعاب الخصوصية التي تتمتع بها محافظة السويداء، قام الشرع بالتنسيق مع الرئاسة الروحية بتعيين مصطفى البكور مبعوثا للإدارة السورية إلى المحافظة مكلفا بإدارة شؤونها، ريثما يتم حسم الملفات العالقة.

وفي خطوة عمقت الخلافات، رفض شيخ عقل الدروز حكمت الهجري فتح مراكز لتسوية أوضاع عناصر الجيش والأمن السابقين في المحافظة، على غرار ما جرى في سائر المحافظات السورية.

ورغم ذلك، تمكن البكور من حلحلة بعض الملفات، مثل تفعيل الشرطة في المحافظة بمختلف أقسامها، كما وعد السكان بتلبية مطالبهم المختلفة، ما خلق ارتياحا شعبيا في السويداء إزاء مهمته.

عمقت ما قيل إنها عمليات تسريح بعض الموظفين، ومراوحة الأمور مكانها من حيث الإدارة والخدمات، من تعقيد المشهد في السويداء، مما جعل تيارا من أهالي المحافظة، وعلى رأسهم اللجنة السياسية للحراك الشعبي التي قادت تظاهرات عام 2024 يجنح نحو المطالبة بإدارة ذاتية، في مقابل تيار لا يزال متمسكا بالانضواء تحت كنف المركز في دمشق.

تدخل إسرائيلي

لطالما عبر الهجري عن شكوك تجاه الإدارة الجديدة، رغم تأكيده مد اليد للتنسيق والتعاون، إلا أنه لم يخف رغبته بأن تحظى المحافظة بنوع من الإدارة اللامركزية، وطالب بتدخل دولي للإشراف على العملية الانتقالية في سوريا.

وفي 23 فبراير/شباط الماضي، وجه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تحذيرات للإدارة الجديدة في سوريا، وطالب بجعل جنوب سوريا “منزوع السلاح بالكامل”.

وأكدا نتنياهو بأن تل أبيب لن تسمح لقوات الإدارة الجديدة بالانتشار جنوب العاصمة دمشق، وقال “لن نتسامح مع أي تهديد للطائفة الدرزية في جنوب سوريا”.

تزامنت هذه التهديدات مع تشكيل مجلس عسكري من فصائل مغمورة في السويداء يطالب بحكم ذاتي، رجح بعض المراقبين أن عدد مقاتليها لا يتجاوز ألف مقاتل، فيما ذكرت تقارير أن معظم هؤلاء هم ضبّاط وجنود من النظام السابق بعضهم كانوا على رأس عملهم حتى سقوط النظام.

لقيت التهديدات الإسرائيلية بالتدخل رفضا شعبيا في عموم سوريا وتحديدا في محافظة السويداء التي شهدت مظاهرات شاركت فيها فعاليات نقابية ومهنية وأهلية، احتجاجا وتنديدا بالتصريحات الإسرائيلية الأخيرة ورفضا للتدخل بشؤون سوريا الداخلية.

    View this post on Instagram

    A post shared by الجزيرة (@aljazeera)

تخوف وتوتر

أثارت تهديدات إسرائيل ومزاعمها بحماية الدروز، إلى جانب إعلانها تقديم تسهيلات لهم لدخول الجولان المحتل للعمل فيه، مخاوف من محاولات تأجيج القلاقل والتوترات في السويداء. واعتُبرت هذه التحركات محاولة لاستغلال الأوضاع المعيشية الصعبة التي تعيشها البلاد لصالح أجندات سياسية.

وفي سياق التداعيات المرتبطة بالتحريض الإسرائيلي، شهدت بلدة جرمانا في ريف دمشق -التي يقطنها مزيج من الدروز وممثلين عن طوائف أخرى، وتنتشر فيها فصائل مسلحة أبرزها “درع جرمانا”- حادثة أمنية في 28 فبراير/شباط الماضي، إذ أطلق حاجز تابع لـ”درع جرمانا” النار على عنصر من الأمن السوري العام، مما أدى إلى مقتله، وأثار توترات كبيرة في المنطقة.

استغلت إسرائيل هذا التصعيد عبر تصريحات تحريضية جديدة، حيث زعمت أن نتنياهو أمر الجيش بالاستعداد لحماية جرمانا والدروز.

ولكن المشكلة انتهت ببيان من وجهاء البلدة أكد أن الحادث الأليم وقع على يد “مجموعة غوغائية غير منضبطة لا تنتمي إلى عرفنا، ولا إلى عاداتنا أو تقاليدنا”، وشاركت فصائل درزية من السويداء في جهود التهدئة، التي أدت في نهاية المطاف إلى دخول قوات الأمن العام السوري إلى البلدة وإزالة الحواجز التي كانت تقيمها المجموعات المسلحة.

ولم تمض أيام على مشكلة جرمانا حتى أقدم أشخاص غير معروفين على رفع علم إسرائيل في إحدى ساحات السويداء، ليسارع الأهالي لاحقا إلى إنزال العلم وإحراقه، بحسب مقاطع مصورة نشرت عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

وفي 6 مارس/آذار الجاري، أقدم عشرات المتظاهرين في مدينة السويداء على إنزال العلم السوري من أعلى مبنى المحافظة، ورفعوا علم الطائفة الدرزية وصور الشيخ حكمت الهجري وأيضا الشيخ موفق طريف الرئيس الروحي للطائفة في إسرائيل، مطلقين هتافات تأييد لهما، وهو ما أدانه عدد من المثقفين والناشطين الدروز، مؤكدين أن المتظاهرين لا يمثلون إلا أنفسهم.

ضغوط شعبية

أدت مجمل التطورات الأخيرة على الصعيد الدرزي في سوريا، وخاصة التدخل الإسرائيلي، إلى تعالي بعض الأصوات المحذرة من الانسياق خلف المشروع الإسرائيلي، فقد حذر الزعيم الدرزي اللبناني وليد جنبلاط في 2 مارس/آذار الجاري أحرار سورية من المكائد الإسرائيلية.

وقال جنبلاط “إذا كانت قلة قليلة تريد جرّ سورية الى فوضى، فلا أعتقد أن الذين وحدّوا سورية سيستجيبون لدعوة نتنياهو”، في إشارة إلى دور الدروز في إطلاق الثورة السورية ضد الاحتلال الفرنسي بقيادة سلطان باشا الأطرش.

وتصاعدت الانتقادات من المثقفين الدروز السوريين لشيخ العقل حكمت الهجري، حيث عبر الناشط السياسي ماهر شرف الدين عن اعتراضه على طريقة الهجري ومن حوله في إدارة شؤون السويداء، وحذر من أن الاستمرار بالتفرد بإدارة الأمور وما سماها “المواقف المواربة” سيقود إلى مزيد من تفكك المحافظة.

من جهتها، وجهت الناشطة حنان معروف من السويداء انتقادات شديدة للهجري، وقالت إنه يقود المحافظة إلى مزالق خطيرة، وطالبته بالكف عن الاستقواء بالخارج والتراجع عن الطريق التي يسلكها والتي ستجر السويداء وسوريا بشكل عام إلى الهاوية والاحتلال.

وفي ما يبدو ردا على هذه الانتقادات، أكد الهجري في عبارات فضفاضة دون التطرق لخطر التهديدات الإسرائيلية وموقفه منها، أن مشروعهم “وطني يعتمد على وحدة سوريا أرضا وشعبا”.

المصدر : الجزيرة

———————–

إسرائيل وملفات سوريا الداخلية… حضور بالسلاح والتحريض/ اسماعيل درويش

تزداد مخاوف نتنياهو من تأثير الأتراك في القيادة الجديدة بدمشق ويطالب واشنطن بالضغط على أنقرة

السبت 8 مارس

واصلت إسرائيل استهداف سوريا براً وجواً، وتحدثت تقارير عن رغبة حكومة بنيامين نتنياهو مواجهة النفوذ التركي في سوريا، في حين قدمت مراكز الدراسات الإسرائيلية مقترحاً بأن يُدعم استقرار سوريا بالتعاون مع الدول العربية.

منذ اللحظات الأولى لسقوط نظام بشار الأسد في دمشق غطى الطيران الإسرائيلي السماء السورية بغارات هي الأشد عنفاً من قبل إسرائيل على هذا البلد العربي، فدمرت خلالها ما تبقى من الجيش النظامي والبنية التحتية التابعة له من القنيطرة حتى البوكمال، وشمل ذلك الأسطول البحري.

لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل توغلت القوات الإسرائيلية براً لتسيطر على مناطق واسعة في الجنوب السوري، بما في ذلك جبل الشيخ الاستراتيجي. أما على الصعيد السياسي، فرحبت بسقوط نظام الأسد من دون أن تدعم الحكام الجدد للبلاد على خلاف الموقف الرسمي الإقليمي والدولي.

خلال الأشهر الثلاثة الماضية تتكرر التصريحات الإسرائيلية التي تنتقد الحكومة السورية الجديدة، وتواصل انتهاك الأراضي السورية براً وجواً وسط إدانات من دمشق وعواصم عربية ودولية.

في الضفة المقابلة منذ اللحظات الأولى لإسقاط النظام السابق أعلنت سوريا الجديدة أنها ليست بصدد فتح جبهة أو حرب ضد أحد في رسالة مباشرة إلى إسرائيل فحواها بأن “سوريا الجديدة ستركز على التنمية وإعمار البلاد وازدهارها، وهي بعيدة كل البعد من تهديد أي من دول الجوار، أو الانضمام إلى أية حركة من حركات المقاومة، أو تصدير الثورة خارج البلاد”، إلا أن هذا الخطاب الذي لقي ترحيباً عربياً واسعاً لم يقنع حكومة نتنياهو على ما يبدو، فيطرح السؤال نفسه ما الذي تريده إسرائيل من سوريا؟

أهداف لا شروط

الباحث في مركز جسور للدراسات وائل علوان قال في حديثه إلى “اندبندنت عربية”، “لا نستطيع أن نتحدث عن شروط حتى الآن، إذ لا يوجد هناك طاولة مفاوضات بين إسرائيل والحكومة الجديدة في دمشق، لكن يمكننا الحديث عن هدف عام يريده نتنياهو في سوريا، وهو تدمير البنى التحتية للقوى العسكرية السورية، إذ إن النظام السابق كان مضموناً بالنسبة إليها وسلاحه موجه فقط ضد شعبه، ولن يدخل في أية مواجهات معها، لكن خروجه من الحكم جعلها تدمر القوى العسكرية بصورة شبه كاملة”. وتابع، “أما التوغل الإسرائيلي على الأرض فهو للتفاوض مستقبلاً، أو لخلق مساحة كبيرة خالية من السلاح ومن أي وجود عسكري، وجعل هذه المنطقة عازلة فعلياً، ويحصل لاحقاً انسحاب جزئي منها عندما تكون هناك مفاوضات، وعندما يقدم لإسرائيل مقابل عن هذا الانسحاب”.

هذا الرأي يتطابق جزئياً مع تقرير نشرته صحيفة “إسرائيل هيوم” في الثالث من مارس (آذار) الجاري تقول فيه إن “إسرائيل تضغط على الولايات المتحدة لبقاء سوريا ضعيفة ومفككة، في حين حذرت الولايات المتحدة من ازدياد النفوذ التركي في هذا البلد بعد سقوط نظام الأسد، ولدى حكومة نتنياهو مخاوف من السلطة الجديدة في دمشق، المدعومة من أنقرة لأنها قد تشكل تهديداً للحدود الشمالية”.

وأوضح التقرير أنه “مع تدهور العلاقات بين إسرائيل وتركيا بسبب حرب غزة تزداد مخاوف نتنياهو من تأثير الأتراك في القيادة الجديدة بسوريا، وتطلب تل أبيب من واشنطن الضغط على أنقرة لمنع تشكيل تنظيمات معادية لإسرائيل في سوريا مثل (حماس) وغيرها، لذلك يجب ضمان بقاء سوريا في حال ضعف وتفكك”.

بديل إيجابي عن إيران

مصادر تركية قالت في تصريحات خاصة إن “الخلاف التركي – الإسرائيلي في سوريا لن يصل بأي صورة من الصور إلى الصدام العسكري”، مشيرة إلى أن “إسرائيل قد تتعاون مع تركيا لضمان ألا تشكل سوريا تهديداً لها. كما أن الوجود التركي في سوريا لا يقلق إسرائيل كالوجود الإيراني”.

وذكرت المصادر أن “إسرائيل وإيران في حال حرب وعداء مستمرة، أما العلاقات بين أنقرة وتل أبيب فهي ذات صورة أخرى، فهناك اعتراف متبادل بين البلدين وتمثيل دبلوماسي تاريخي، وتركيا محسوبة على الدول الغربية ذات العلاقات الإيجابية مع إسرائيل”.

وأوضحت المصادر أنه “بالنسبة إلى الانتقادات شديدة اللهجة التي وجهتها تركيا لإسرائيل بسبب حرب غزة، فإن مثل هذه الانتقادات صدرت أيضاً في مجلس الأمن الدولي، وعلى لسان عدد من كبار المسؤولين الأوروبيين، وحتى بعض الأميركيين، لكن يبقى النفوذ التركي في سوريا أكثر طمأنة لإسرائيل من غيره لأن الحوار بين أنقرة وتل أبيب ممكن، ولولا حرب القطاع لكانت علاقات البلدين حالياً في عصرها الذهبي”.

ومضت المصادر في حديثها، “قبل أسابيع قليلة من بدء حرب السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 التقى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونتنياهو في نيويورك، وكان هناك برنامج لأردوغان لزيارة إسرائيل، لكن أُلغي بسبب الحرب، بمعنى آخر يمكن القول إن حكومة نتنياهو قد تتعاون مع أنقرة في دعم استقرار سوريا”.

مقترح إسرائيلي لدعم سوريا

ينسجم هذا الرأي مع ورقة سياسية نشرها معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي في الرابع من مارس الجاري تقترح إنشاء آلية دولية لدعم الاستقرار في سوريا تمنع الاحتكاك العسكري في المستقبل بين البلدين.

المعهد التابع لجامعة تل أبيب يعد أحد أهم مخازن التفكير في إسرائيل، ويعتمد صناع القرار هناك على دراساته في كثير من القرارات الاستراتيجية التي يتخذونها.

وتضمنت “الورقة السياسية” أنه ينبغي “الدفع نحو آلية للتعاون مع دول عربية وقوى دولية تتضمن تحجيم الدور التركي النافذ في سوريا ويمنع الاحتكاك مع إسرائيل مع الإشادة بدور أنقرة والتعاون معها لضبط الأمن من دون أن يكون لها استئثار في سوريا الجديدة، وبهذه الآلية تُمنع إيران من استعادة نفوذها هناك”.

وبحسب الورقة فإنه ستكون هناك خطة دولية لإعادة إعمار سوريا بهدف استقرارها ومنعها من تهديد دول الجوار. وتقترح الورقة أن يشارك في هذه الخطة كل من “السعودية وقطر والإمارات ومصر والأردن وتركيا وروسيا وفرنسا وألمانيا وبريطانيا والأمم المتحدة، وتكون بقيادة الولايات المتحدة”.

نشوة المنتصر

الباحث السوري محمد السكري عبر عن اعتقاده أن “إسرائيل لا تبحث عن أية طمأنة أو بوادر إيجابية من الحكومة السورية. إسرائيل هي فاعل إقليمي مركزي منتصر في الإقليم بعد صدمة أكتوبر، ولديها نشوة كبيرة، خصوصاً بعد كل المجازر التي ارتكبتها في غزة، وأيضاً الاغتيالات التي طاولت مستويات رفيعة في إيران، ثم حربها في لبنان وما فعلته بـ(حزب الله) من تفجيرات البيجر وغيره، ثم إسقاط نظام الأسد، وكل هذه هزائم متتالية لحقت بـ(محور المقاومة)، لذلك تبدو إسرائيل منتشية من حيث الانتصار، وهي اليوم ببساطة تريد استخدام هذا الانتشاء بالزمان والمكان اللذين تريدهما”.

وأوضح السكري، “لهذا لا تبحث إسرائيل عن ضمانات، سواء أمنية أو سياسية أو غيرها من الحكومة السورية، بل تريد أن تبقى سوريا غير مستقرة، بحيث تفعل كل ما تريد في الداخل والدخول والخروج إلى ومن الأراضي السورية متى تشاء، ومن جانب آخر هناك هاجس إسرائيلي من إعادة بناء السلطة السورية الجديدة، وتشكيل تحالفات جديدة في المنطقة تؤدي إلى انهيار التحالفات التقليدية، وهذا ما سيضع الإقليم أمام توازنات جديدة”. ومضى في شرحه بالقول، “على سبيل المثال يمكننا ذكر ما لمحت إليه كل من الحكومتين السورية والتركية من إمكان توقيع اتفاق دفاعي مشترك. هنا لا نتحدث عن تحالف سوري إيراني أو روسي، وإنما سوري – تركي، وهذا النوع من التحالف (بين دمشق وأنقرة) بهذه الصورة غائب منذ نحو 100 عام، بالتالي فإن عودة مثل هذا التحالف الإقليمي الذي يتسم بأبعاد ثقافية وجيوسياسية ومصيرية، بكل تأكيد يشكل هاجساً كبيراً لدى إسرائيل في التعاطي مع صورة السلطة السورية الجديدة”. وتابع، “التحالف السوري التركي له أثره المباشر في إسرائيل، إذ إن دمشق بهذه الحال تصبح حليفة لأنقرة العضو في (الناتو)، والتي تعد واحدة من أهم دول الإقليم مثلها في ذلك مثل السعودية”. وذكر أنه “لمواجهة النفوذ التركي تحاول إسرائيل إعادة النظر في العلاقات السورية – الروسية، وتريد عودة موسكو إلى المنطقة الجنوبية في الأقل لضمان ألا يكون هناك تهديد في المستقبل البعيد لإسرائيل من هذه الجبهة أو حتى من قبل تركيا، ولفعل كل هذا تعمل تل أبيب على استخدام جميع الوسائل المتاحة، بما في ذلك الكارت الطائفي، والهدف الأساس تعزيز حال اللااستقرار في سوريا”.

أقلية داخل أقلية

أحد أبناء الطائفة الدرزية في الجنوب السوري فضل عدم الكشف عن اسمه لحساسية الموضوع قال إن “دروز سوريا يدركون أن إسرائيل ليست حريصة عليهم بالصورة التي تُدَّعى، وليس هناك مؤهلات قانونية لها للتدخل في سوريا بحجة حماية الأقليات، لذلك تستخدم ورقة الأقليات لتحقيق أهداف أخرى”.

أما بالنسبة إلى التجاوب مع دعوات إسرائيل فإن المجتمع الدرزي شهد نوعاً من الانقسام في الرأي بخصوص التعامل معها، فالغالبية العظمى ترفض أي تدخل من هذا النوع في شؤونهم، وترفض الحديث عن التقسيم، بل حتى فكرة الفيدرالية، لكن هناك أقلية ضمن الأقلية الدرزية تتجاوب مع دعوات حكومة نتنياهو، وتصدق ما تسمعه من تصريحات إعلامية تدَّعي أن من دمر غزة حريص على حماية الدروز في سوريا.

تغذية الكيانات العرقية والدينية

أما الباحث في مركز “أبعاد” للدراسات فراس فحام فأكد أنه “باختصار إسرائيل لا تريد أن تتأسس هياكل دولة قوية في سوريا لأن لديها تخوفات من عودة السلطة إلى الشعب السوري وهو بغالبيته عربي، ولديه موقف داعم لفلسطين، ولذا تريد تغذية كيانات عرقية ودينية تقوض سلطة الدولة، إضافة إلى أنها رافضة تأسيس جيش قوي”.

وذكر فحام أن “العقيدة الأمنية الإسرائيلية تقوم على التحوط من التيارات القومية العربية والإسلامية، وتعدهما تهديدين، وهي لديها مشكلة مع خلفيات الحكومة السورية الحالية، ولديها مشكلة مع التموضع السوري الجديد وكونها عقدة ربط بين الخليج العربي وتركيا، ويمكن أن تؤسس أرضية لتحالف عربي – تركي مهم لا يخدم مصالح إسرائيل، وكانت مرتاحة من هذا الهاجس في ظل سيطرة نظام أقلَّوي علاقاته متوترة من الخليج وأنقرة غالباً”.

بالمحصلة تبدو إسرائيل لديها مخاوف جدية من أن تشكل سوريا تهديداً، لكن هذا التهديد يكون على المدى البعيد وليس على المتوسط أو القريب، لأن دمشق حالياً منهكة خارجة من حرب تعد واحدة من أوحش حروب العصر الحديث، إلا أن غالب المؤشرات الصادرة من الإدارة السورية الجديدة تشير بوصلتها إلى أن المنهج الذي تريده هو العمل على الاقتصاد والتنمية، واستنساخ أجزاء من نماذج مختلفة مثل سنغافورة وماليزيا وتركيا والدول الخليجية الصاعدة، بحيث يتم التركيز على التنمية خلال العقدين المقبلين في أقل تقدير، وقد يكتب لهذه الخطة النجاح في حال وُجدت مباركة أميركية.

—————————–

هل تعود روسيا إلى سوريا من بوابة حماية الأقليات؟/ مصطفى رستم

قد تضغط موسكو باستصدار قرار من مجلس الأمن لإنهاء حال الإرهاب بالتوافق مع إدارة ترمب

السبت 8 مارس 2025

طالب مدنيون في الساحل السوري بالحماية الروسية، وعبر عشرات من أهالي الساحل إثر تجمع أمام قاعدة مطار “حميميم” عن مخاوفهم من تصاعد الاقتتال الداخلي، وسط مناشدات بالتدخل لحقن الدماء، ودعوات إلى الأمم المتحدة وروسيا والمجتمع الدولي لحمايتهم.

فوق تلال الجبال الساحلية المطلة على البحر المتوسط في سوريا، لا صوت يعلو على صوت الرصاص، بعد معارك ضروس أدخلت الرعب في نفوس السكان، بينما قرار حظر التجوال لا يزال سارياً، وبدا واضحاً أنه لا مكان لصوت الحكمة حقناً لدماء السوريين بعدما فجرها كمين لمجموعة مسلحة من فلول النظام أسفر عن 16 قتيلاً من أفراد الأمن العام الحكومية.

وللمرة الأولى منذ اندلاع الحرب السورية عام 2011 تقصف قرى في اللاذقية عبر مروحيات الجيش السوري، بعدما ظلت هذه المروحيات تقصف الشمال في إدلب، وأماكن تجمعات النازحين قسراً من بيوتهم، هكذا يقول مصدر ميداني من أفراد الجيش الحكومي كان شاهداً على معركة السادس من مارس (آذار) الجاري.

هجوم (بيت عانا)

وفي التفاصيل وبعد متابعة من قوات الأمن وملاحقتها لشخصيات بارزة في الجيش والأمن بنظام الأسد شن أفرادها حملة أمنية في قرية بيت عانا، وهي مسقط رأس جنرال سابق في الجيش السوري وقائد الفرقة 25 مهام خاصة، ودار اشتباك واسع، ولصعوبة الموقف تدخل للمرة الأولى الطيران المروحي الحربي للمشاركة في الحملة، حيث تمكن أفراد القوى الأمنية من اعتقال رئيس الإدارة العامة في جهاز الاستخبارات الجوية السابق، إبراهيم حويجة (برتبة لواء).

ورغم التزام الجيش الروسي الصمت والحياد حيال التطورات الأخيرة في سوريا بعد هرب بشار الأسد، وسقوط النظام في الثامن من ديسمبر (كانون الأول) الماضي، شوهدت أثناء العملية العسكرية طائرات حربية روسية على علو منخفض في أماكن الحملة الأمنية، ويبدو أنها أرغمت المروحيات الحربية على الانسحاب، بينما انتقلت الاشتباكات العنيفة إلى المناطق الواقعة بقاعدة حميميم الروسية بريف جبلة، باللاذقية تخللها قصف مدفعي مع سماع لأصوات صفارات الإنذار من داخل القاعدة الروسية.

مناشدات حقن الدماء

في غضون ذلك طالب مدنيون في الساحل السوري بالحماية الروسية، وعبر عشرات من أهالي الساحل إثر تجمع أمام قاعدة مطار “حميميم” عن مخاوفهم من تصاعد الاقتتال الداخلي، وسط مناشدات بالتدخل لحقن الدماء، ودعوات إلى الأمم المتحدة وروسيا والمجتمع الدولي لحمايتهم، كما جاء في بيان لعلماء الطائفة “نتوجه إلى شيخ عقل المسلمين الموحدين الدروز الشيخ حكمت الهجري بطلب مساندتنا ورفع الظلم عنا”.

وحول إمكانية تدخل روسيا لتأمين الحماية في الساحل تحدث من موسكو لـ”اندبندنت عربية” مدير مركز “جي أس أم” للدراسات، آصف ملحم، حيث يرى أنه “بعد سقوط النظام لم يعد الشعب في صراع مع النظام بل بات اليوم في صراع مع نفسه”، ولا يستبعد إمكانية تدخل روسيا في حال تطورت الأمور.

يقول ملحم، “من الممكن أن تضغط روسيا باستصدار قرار من مجلس الأمن الدولي لإنهاء حال الإرهاب في سوريا رغم أن قرار المجلس 2254 ينص بوضوح على أنه لا بد من إنهاء الإرهاب في سوريا لا سيما وجود المقاتلين الأجانب ومجموعات لا تزال مصنفة دولياً على أنها منظمات إرهابية، ولم تزل ضمن قوائم الإرهاب حتى بعد سقوط النظام، ولذلك فإن الفرصة الوحيدة أمام موسكو هو تفعيل هذا القرار بشكل أو بآخر، بالتوافق مع الولايات المتحدة الأميركية، وخصوصاً أن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب ضد كل الجماعات المتطرفة”.

ويرى مدير مركز الأبحاث الروسية أنه “إذا حظي هذا التحرك بإجماع عربي ودولي، لا سيما من قبل دول محورية مثل مصر والسعودية والعراق، بالتأكيد يمكن أن تتدخل روسيا الاتحادية عسكرياً بعد اجتماع مجلس الأمن الدولي”.

في المقابل يستبعد العقيد عبدالجبار العكيدي، وهو من أوائل الضباط المنشقين عن جيش النظام السابق في حديث خاص، قبول روسيا طلب الحماية من الطائفة العلوية وهي حالياً منتظمة في مرحلة مفاوضات مع الحكومة السورية لإبقاء قواعدها العسكرية في سوريا.

وتدور مفاوضات بين دمشق وموسكو تتمحور بصورة مباشرة حول ديون سوريا المستحقة سدادها لروسيا الاتحادية، وتراوح ما بين 20 و23 مليار دولار، ومن المرجح حل المعضلة عبر إلغاء الديون المستحقة أو في الأقل إعادة هيكلتها، وتعديل شروطها مقابل انفتاح على استمرار الوجود العسكري الروسي في البلاد، بالتوازي مع إجراء مكالمة هاتفية بين الرئيس السوري، أحمد الشرع ونظيره الروسي فلاديمير بوتين.

إزاء ذلك يدور الحديث عن دعم خارجي يتلقاه شخصيات النظام السابق الأمنية أدت إلى تشكيل مجلس تحرير سوريا، وسبقه لواء درع الساحل، ومعظم عناصره رفضوا تسليم السلاح للسلطات، ويبرر مراقبون للشأن السوري حدوث ذلك باتهامهم بأعمال تصفية، وأعمال عنف بعد عام 2011 وسط معلومات واردة عن مطالب بفتح حدود لبنان للهرب، بينما تحدثت مصادر عن إمكانية السماح لهذه الشخصيات باللجوء إلى القاعدة الروسية.

ويضع الباحث في القانون الدولي فراس حاج يحيى، التدخلات الخارجية في سلم العوامل المسببة لإثارة الفوضى من بعض الدول الإقليمية بهدف التشويش على عملية الانتقال السياسي في سوريا التي لا تزال مستمرة.

ويعتقد حاج يحيى بدور إيراني من خلال أذرعها في سوريا، وكذلك إسرائيل وبعض حلفائها مستغلين حال ضعف العهد السوري الجديد عسكرياً، وتشتته على أربعة محاور، الأول داخلي لبسط الأمن في مختلف المحافظات السورية والثاني جبهة شمال شرقي سوريا مع (قسد) والثالث جنوب سوريا واليوم محور جديد في الساحل بإيعاز إيراني على ما يبدو، ودور روسي لا يزال غير معلن بهدف زعزعة الاستقرار في سوريا ومحاولة تفتيتها بادعاء حماية الأقليات، بحسب رأيه.

حكومة لون واحد

يعتقد الباحث آصف ملحم أن ما يحدث في الساحل السوري يشير إلى حال احتقان بسبب عدم إيفاء الحكومة الحالية بوعودها، وفصلها أعداداً كبيرة من الموظفين، وقسم كبير منهم لم يتلق أجورهم، فضلاً عن ملاحقة المطلوبين وتعامل أفراد الأمن العام باقتحام المنطقة بطريقة مرعبة للمدنيين وهذا ما حصل في قرية عين الشمس، بحسب قوله.

وأضاف، “اعتقلوا طلاب جامعة لا علاقة لهم بالنظام السابق، وباتت عبارة (فلول النظام) تهمة جاهزة، إضافة للظروف المعيشية المعقدة والصعبة، لهذا من الطبيعي أن نشهد تحرك بعض من أبناء الطائفة العلوية التي تتعرض للظلم والاضطهاد أكثر من غيرها من أبناء مكونات الشعب السوري لا سيما الدروز في الجنوب، أو الأكراد في الشمال والشمال الشرقي إذ لم تقتحم كل تلك المناطق”.

إلى ذلك يتفق الباحث بالقانون الدولي فراس حاج يحيى حول ما أكده ملحم منوهاً إلى تقصير الحكومة الجديدة لكنه يبرر ذلك بأن العهد الجديد لديه ملفات متعددة يعمل عليها في مرحلة بناء الدولة الجديدة الخارجة من أتون حرب طويلة، ولديه ملفات داخلية وخارجية معقدة لا يمكن أن نطلب منه في ثلاثة أشهر حل مشكلات 14 عاماً من الحرب والمشكلات الاقتصادية والأمنية والعقوبات وغيرها.

وأردف “مؤتمر الحوار شابه بعض الملاحظات لكن مخرجاته كانت على مسافة واحدة من كل السوريين وحضره سوريون من كل الأطياف وفي كل المحافظات، وسبقه جلسات حوار امتدت فترة جيدة من الزمن وإن لم تكن طويلة، وعلى أي الأحول فالحكومة الحالية هي حكومة تصريف أعمال، والتعويل على الحكومة الانتقالية القادمة بأن تكون شاملة وتضم كل مكونات الشعب السوري”.

—————————–

استهداف صاروخي يطول منزل الشيخ سليمان عبد الباقي في السويداء

2025.03.08

استهدف مجهولون، بعد منتصف الليل، منزل الشيخ سليمان عبد الباقي، قائد “تجمع أحرار جبل العرب”، في مدينة السويداء بقذيفة صاروخية.

وذكر مراسل تلفزيون سوريا أن الهجوم أعقبه إطلاق نار من داخل المنزل باتجاه مصدر القذيفة، من دون معرفة الجهة المسؤولة عن الاستهداف.

من جهتها، أشارت مصادر محلية إلى أن المعلومات الأولية تفيد بوقوع إصابتين طفيفتين داخل المنزل المستهدف، إضافة إلى أضرار مادية، من دون أن تعلن أي جهة مسؤوليتها عن الهجوم حتى الآن.

ويُذكر أن الشيخ سليمان عبد الباقي كان قد تعرض لمحاولة اغتيال سابقة قبل سقوط نظام الأسد، حيث أصيب بجروح خطيرة آنذاك.

من هو الشيخ سليمان عبد الباقي؟

الشيخ سليمان عبد الباقي هو قائد “تجمع أحرار جبل العرب” في السويداء، وقد برز كأحد الشخصيات القيادية في الحراك الشعبي ضد نظام بشار الأسد.

خلال فترة حكم النظام السابق، عُرف الشيخ سليمان بمناهضته للمشروع الإيراني في سوريا، حيث رفض محاولات التغلغل الإيراني في المنطقة.

بعد سقوط نظام الأسد، أبدى الشيخ سليمان دعمه للدولة السورية برئاسة أحمد الشرع، مؤكداً على ضرورة بناء دولة قانون وعدل.

وفي مواجهة محاولات إثارة الفتنة بين أبناء الطائفة الدرزية، عمل على تعزيز الوحدة الوطنية ورفض أي دعوات للتقسيم أو الفتنة، كما رفض التصريحات الإسرائيلية التي تدعو إلى حماية دروز سوريا أو منحهم حكماً ذاتياً، مؤكداً أن الدروز جزء لا يتجزأ من النسيج السوري، وأنهم يرفضون أي تدخل خارجي في شؤونهم الداخلية.

وفي شباط 2025، استقبل الرئيس السوري أحمد الشرع وفداً من دروز السويداء، ضم الشيخ سليمان عبد الباقي.

———————————

الأقليات في سوريا: مجموعات ضعيفة أم ثغرات سياسية

معالجة المخاوف تستوجب خطوات جريئة وحاسمة لبناء سوريا شاملة.

2025/03/08

حقوق الأقليات ضرورية لتعزيز مستقبل تعددي وديمقراطي

رغم التطمينات بمستقبل تعددي وديمقراطي التي وجهتها القيادة الجديدة، لا تزال الأقليات في سوريا متشككة. وهمش الحوار الوطني الذي انعقد مؤخرا في سوريا مكونات أقلية ما يعزز المخاوف.

دمشق – أثار سقوط دكتاتورية عائلة الأسد التي استمرت لعقود من الزمن في ديسمبر 2024 الآمال في سوريا أفضل. ولكن هل جلبت الأمل لجميع السوريين؟

وأظهر اندلاع الاحتجاجات السلمية في سوريا في عام 2011 رغبة الشعب السوري في حكومة تمثلهم حقا. ومع صعود الجماعات المتطرفة في سوريا في السنوات الأولى من الحرب الأهلية التي تلت ذلك، وأبرزها داعش الذي سيطر على أجزاء كبيرة من سوريا، رأى العديد من الناس أن البديل لنظام الأسد كارثي.

واستخدم النظام صعود داعش وحتى دعّم بقاءه في محاولة لتصنيف جميع قوى المعارضة السورية على أنها “إرهابية”.

وكانت إستراتيجية الأسد فعالة، وحظي بدعم محلي ودولي من خلال دفع فكرة أن الأقليات العرقية والدينية في سوريا سوف تتعرض للاضطهاد بدونه ونظامه.

ولعبت التركيبة السكانية العرقية والدينية المتنوعة في سوريا ــ مثل الآشوريين والأرمن والأكراد والمسيحيين والدروز والإسماعيليين والعلويين ــ دورا رئيسيا في نجاح هذه الإستراتيجية. فقد وقعت هذه المجتمعات في معضلة الحياة والموت، حيث بدا الحكم الدكتاتوري المألوف، على الرغم من قمعه، أفضل من حالة عدم اليقين التي يفرضها تنظيم داعش الإرهابي.

الأقليات الدينية والعرقية في سوريا لعبت منذ فترة طويلة دورا محوريا في تشكيل ديناميكيات المشهد السياسي

ولكن في الثامن من ديسمبر من العام الماضي، تغير السيناريو بشكل كبير. فقد فرّ الأسد إلى موسكو وانهار نظامه. وأما الحكومة الجديدة بقيادة زعيم هيئة تحرير الشام، الرئيس المؤقت أحمد الشرع، فتقدم واقعا مختلفا تماما.

وقال الشرع “نحن نعمل على حماية الطوائف والأقليات من أيّ اعتداء، سواء أكان من الداخل أو من قوى خارجية تحاول استغلال الوضع لإثارة الفتنة الطائفية.”

ويقول مانوج عنتابي، الباحث في مركز دراسات الصراع والعمل الإنساني، في تقرير نشره موقع “مونيتور الشرق الأوسط” إنه مع ذلك، فإن الأقليات في سوريا لم تنظر إلى مثل هذه التصريحات على أنها ضمانة لحمايتها، ويرجع ذلك أساسا إلى التاريخ المقلق للرئيس المؤقت وجماعته السابقة المرتبطة بتنظيم القاعدة.

وبالتالي، أصبحت قضية الأقليات وحمايتها موضوعا مركزيا للنقاش في سوريا وتلك البلدان التي تخطط لإقامة علاقات مع الحكومة في دمشق.

وهذا أعطى قضية الأقليات أهمية خاصة، وشكل أول اختبار رئيسي للشرع في المجال السياسي. ومع ذلك، لا يمكن حل القضية ببساطة من خلال الظهور العلني والتصريحات حول ما ستفعله حكومته أو لن تفعله.

ومن الواضح أن حماية الأقليات في سوريا تشكل أهمية بالغة لإرساء الديمقراطية في سوريا. وفضلا عن ذلك، فإنها تشكل أهمية أعظم بالنسبة إلى الشرع وحكومته، لأن شرعيته داخل سوريا وعلى الساحة الدولية تعتمد عليها، إذ أن شرعية الأسد كانت متجذرة في قدرته على تقديم مظهر الوحدة والتماسك بين الأقليات في سوريا.

واستغلت القوى الإقليمية والدولية الساعية إلى تعزيز مصالحها في سوريا أو الضغط على الشرع للموافقة على مطالبهم وضعية الأقليات.

ويتجلى هذا في أمثلة مجموعتين أقليتين في سوريا، الدروز، الذين يشكلون ثلاثة في المئة من السكان، والأكراد، الذين يشكلون عشرة في المئة.

ويتركز أغلب أفراد الطائفة الدرزية في المناطق الجنوبية من سوريا. ورغم أن الزعيم الروحي الدرزي الشيخ حكمت الهاجري دعا شعبه إلى “حماية الممتلكات العامة والخاصة كواجب وطني وأخلاقي، ومنع أعمال التخريب وعرقلة أيّ محاولة لتقويض الأمن والاستقرار في السويداء،” فإن قضية الدروز كانت بمثابة خرق أمني خطير لسوريا.

وأظهرت إسرائيل استعدادها لحماية الدروز، بحجة أن القوات السورية كانت تهاجم الأقلية. وأصرت إسرائيل على أنها “لن تسمح للنظام الإرهابي للإسلام المتطرف في سوريا بإيذاء الدروز،” فـ”إذا أذى النظام الدروز، فسوف نؤذيهم.”

وغزت القوات الإسرائيلية واحتلت المناطق الجنوبية من سوريا، وحذرت دمشق من أن القوات السورية يجب ألا تدخل تلك المناطق.

إستراتيجية الأسد كانت فعالة وحظيت بدعم محلي ودولي من خلال دفع فكرة أن الأقليات العرقية والدينية في سوريا سوف تتعرض للاضطهاد

ويمثل الأكراد حالة مماثلة. فقد قال مظلوم عبدي، قائد قوات سوريا الديمقراطية – وهي جماعة مسلحة يقودها الأكراد وتدعمها الولايات المتحدة وتعارض الأسد – إن حكومة الشرع “تقدم فرصة لبناء سوريا جديدة قائمة على الديمقراطية والعدالة التي تضمن حقوق جميع السوريين.”

ومع ذلك، فقد طلب من الرئيس الأميركي دونالد ترامب إبقاء القوات الأميركية في سوريا لمنع عودة ظهور داعش في فراغ السلطة في سوريا.

وتم لعب ورقة الأقلية مرتين في الواقع، لأن قوات سوريا الديمقراطية لديها أيضا مقاتلون مسيحيون.

ونتيجة لذلك، بقيت القوات الأميركية في شرق سوريا، رسميا لدعم قوات سوريا الديمقراطية، ولكن في الواقع للاستفادة من موارد سوريا ومضاعفة وجودها العسكري، وبالتالي تحدي سيادة البلاد.

ولعبت الأقليات الدينية والعرقية في سوريا منذ فترة طويلة دورا محوريا في تشكيل المشهد السياسي في البلاد، إلا أن موقفها لا يزال محفوفا بالمخاطر في ظل حالة عدم الاستقرار المستمرة.

وفي حين ينظر إليها البعض باعتبارها ضرورية لتعزيز مستقبل تعددي وديمقراطي، ينظر إليها آخرون باعتبارها أدوات للضغط السياسي من جانب الجهات الفاعلة المحلية والأجنبية على حد سواء.

ولمعالجة هذه القضية بشكل فعال، يتعين على الرئيس المؤقت وحكومته اتخاذ خطوات جريئة وحاسمة لبناء سوريا شاملة، حيث لا يكون الحوار الوطني رمزيا فحسب، بل وأيضا ذا معنى وتحوّل حقيقي.

————————–

 الدروز والأكراد وفلول الأسد.. أبرز التحديات الأمنية أمام الشرع

منذ وصوله إلى السلطة، وجّه أحمد الشرع رسائل طمأنة إلى الأقليات، وطالب قواته بضبط النفس محذراً من الطائفية

 بيروت – (أ ف ب)

08 مارس ,2025

تواجه الإدارة السورية الجديدة، التي تتصدى حالياً لمسلحين موالين للحكم السابق في محافظة اللاذقية، تحديات أمنية كبيرة تحول دون بسط نفوذها على كامل التراب السوري، مع وجود مجموعات مسلحة متعددة الولاءات.

أدناه أبرز تلك المجموعات ومناطق نفوذها.

الموالون للأسد في الساحل

يشكّل الساحل السوري معقل الأقلية العلوية التي تنتمي إليها عائلة الأسد. وينظر إلى تلك المنطقة بوصفها حاضنة عائلة الأسد التي حكمت سوريا بقبضة من حديد لأكثر من خمسة عقود.

وكان للعلويين، الذين يشكلون نحو 9 بالمئة من سكان سوريا ذات الغالبية السنية، حضورهم خلال الحكم السابق في المؤسسات العسكرية والأمنية التي لطالما اعتمدت الاعتقال والتعذيب لقمع أي معارضة.

وبعد الإطاحة بالأسد، شهدت مدينة اللاذقية توترات أمنية مع تنفيذ السلطات حملات أمنية فيها، ما أثار مخاوف من عمليات انتقامية.

ورغم أن حدة التوترات كانت قد تراجعت في الآونة الأخيرة، استمر تسجيل هجمات عند حواجز تابعة للقوى الأمنية من وقت إلى آخر، ينفذها أحياناً مسلحون موالون للأسد أو عناصر سابقون في الجيش السوري.

وتضم المنطقة الساحلية عدداً كبيراً من الموالين للأسد من أفراد الجيش السوري السابق الذين ما زالوا يحتفظون بسلاحهم.

ومنذ وصوله إلى السلطة، وجّه أحمد الشرع رسائل طمأنة إلى الأقليات، وطالب قواته بضبط النفس محذراً من الطائفية.

المقاتلون الأكراد

في شمال شرق سوريا، يشكل وجود المقاتلين الأكراد تحدياً آخر للسلطة الانتقالية مع إصرارهم على الحفاظ على مكتسبات الإدارة الذاتية التي بنوها خلال سنوات النزاع، ورفضهم حل أنفسهم كشرط للانضمام إلى الجيش الجديد.

وتسيطر قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، المدعومة أميركياً والتي تشكل الذراع العسكرية للإدارة الذاتية، على مساحات شاسعة في شمال شرق سوريا فيها أبرز حقول القمح والنفط والغاز التي تحتاج سلطات دمشق بشدة إلى مواردها في المرحلة المقبلة.

إلى الآن لم تحقّق محادثات عقدت بين الطرفين أي تقدم، مع إصرار الأكراد على الحفاظ على وجودهم ككيان عسكري مقابل تحقيق غالبية طلبات دمشق.

ويقول الباحث في الشأن السوري فابريس بالانش لوكالة “فرانس برس”: “طالما أن القوات الأميركية موجودة في شمال شرق سوريا، فإن قوات سوريا الديمقراطية لن تتفكك”.

وشكّلت واشنطن، التي تنشر المئات من قواتها في مناطق سيطرة الأكراد، داعماً رئيسياً لهذه القوات في حربها ضد تنظيم داعش خلال سنوات النزاع.

ويشكل العرب أكثر من 60 بالمئة من سكان الإدارة الذاتية، وفق بالانش الذي يقول إن هؤلاء باتوا يريدون “التخلص من الهيمنة الكردية” منذ تولي الشرع السلطة.

الدروز

يشكّل الدروز، ومعقلهم الرئيسي في سوريا محافظة السويداء (جنوب)، حوالي 3 بالمئة من سكان سوريا.

بعيداً عن الدفاع عن أنفسهم في مواجهة هجمات في المناطق التي يعيشون فيها، نأى دروز سوريا إلى حد كبير بأنفسهم عن النزاع الذي بدأ عام 2011. وتمكن العديد منهم من تجنب التجنيد الإجباري في الجيش.

وأبدى فصيلان عسكريان رئيسيان مطلع العام، استعدادهما للاندماج تحت مظلة جيش وطني، لكن حتى اللحظة لم يسلم أي منهما سلاحه إلى السلطة الجديدة.

وأحدثت تصريحات إسرائيلية مؤخراً بلبلة في سوريا، بعدما قال وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس مطلع الشهر الحالي، إنه “إذا أقدم النظام على المساس بالدروز فإننا سنؤذيه”، وذلك إثر اشتباكات محدودة في مدينة جرمانا الواقعة في ضاحية دمشق والتي يقطنها دروز ومسيحيون.

وأبدى قادة ومرجعيات دينية درزية رفضهم للتصريحات الإسرائيلية.

وأكدوا تمسكهم بوحدة سوريا، وهو ما أكده الشرع بدعوته المجتمع الدولي إلى الضغط على إسرائيل للانسحاب “الفوري” من مناطق توغلت فيها في جنوب سوريا.

وفي منشور على منصة “إكس”، قال الباحث تشارلز ليستر: “في الوقت الحالي، يبدو أن محاولات إسرائيل استغلال دروز سوريا قد جاءت بنتائج عكسية، لكن لا تتوقعوا أن تتوقف التهديدات والإجراءات العسكرية”.

—————————

=============================

===================

عن الأحداث التي جرت في الساحل السوري أسبابها، تداعياتها ومقالات وتحليليلا تناولت الحدث

تحديث 08 أذار 2025

————————–

في تفكيك بنية العنف الرمزي لدى السوريين العلويين… وضدّهم/ سمر يزبك

08 مارس 2025

تداخلت في المشهد السوري الحالي، إثر سقوط نظام الأسد، الهُويّات الاجتماعية والسياسية في شبكةٍ معقّدةٍ من المعاني والتصوّرات المتضاربة، فلم تعد الطوائف مجرّد كياناتٍ دينية أو إثنية، بل باتت رموزاً شديدة التداخل داخل بنية القوة والهيمنة. هنا، يصبح الحديث الفجّ (مهما بلغت درجة فجاجته) عن العلويين ليس مجرّد نقاشٍ عن جماعةٍ دينية، بل محاولة لفهم كيف تحوّلت هذه الجماعة حاملاً اجتماعياً لمعانٍ تتجاوزها، وكيف حمّلت عبء السلطة، ثمّ أقصيت من إمكانية إعادة تعريف ذاتها خارج هذا الإطار.

ومنذ اندلاع الثورة السورية، تموضع العلويون (مجموعة متخيّلة اجتماعياً) داخل خطابيْن متناقضين: اختزلهم الأول في امتداد النظام الحاكم، وطالبهم الثاني بالتحرّر من إرث الدولة القمعية، من دون أن يمنحهم مساحةً للظهور فاعلين مستقلّين. وهكذا، وُضِعوا في مأزقٍ مزدوج، فهم، من جهة، متّهمون بأنهم كانوا أداة الدولة في ممارسة العنف، ومن جهة أخرى، مطالبون بتقديم اعتذار جماعي عن جرائم لم يقرّرها معظمهم، بل مورست باسمهم. يعكس هذا الاختزال القسري آليات السلطة الرمزية التي تعمل على تحويل الفاعلين الاجتماعيين رموزاً تحمل دلالاتٍ متضخّمةً تفوق حقيقتها الموضوعية. العلوي، في هذا السياق، ليس فرداً يملك استقلاليّة قراره، بل هو علامة مشحونة بالمعاني السياسية، فحين انضمّ بعض المثقّفين والسياسيين السوريين العلويين إلى الثورة، كان من المفترض أن يسقط هذا الوهم التصنيفي، وبدلاً من ذلك، طُلب منهم الاعتذار، وكأن الذات العلوية محكومة مسبقاً بجُرمٍ أصلي لا فكاك منه.

إعادة التفكير في الطائفة

ليس المهمّ هنا البحث عن “حقيقة” السوريين العلويين، بل مساءلة الخطابات التي تُنتجهم كياناً متجانساً، وتعيد تدويرهم داخل سرديات سياسية صلبة، فـ”الدولة” مفهوماً لم تكن سوى جهاز لإنتاج الطوائف، لا بوصفها كياناتٍ حيّة ومتغيّرة، بل بوصفها وحدات ساكنة، يمكن استثمارها سياسياً. وهكذا، حين تآكلت الدولة أمام الثورة، لم تسقط السلطة الطائفية، بل أعيد إنتاجها بشكل مقلوب؛ فبدل أن يكون العلويون “امتدادَ السلطة”، صاروا “بقاياها”، وبدل أن يكونوا جزءاً من الهيمنة، باتوا “الآخر” المرفوض داخل مشروع “التطهير الرمزي” للسردية الوطنية الجديدة.

لا يعبّر هذا الإقصاء عن عملية عدالةٍ انتقالية، بل عن تكرارٍ لديناميكيات الإقصاء ذاتها، وإنْ تغيّرت وجهتها. فكما كان النظام يُسكِت معارضيه عبر تهم الخيانة، نجد اليوم أطيافاً من المعارضة تفرض على العلويين الدخول في طقس الاعتراف القسري، ليس أفراداً لهم مساراتهم الخاصة، بل جماعةً يجب أن تخضع لتصفيةٍ رمزيةٍ تتيح للنظام الجديد تثبيت سرديّته الأخلاقية. ولكن ليس من حقّ كائنٍ من كان اختزال البشر في تمثيلاتهم السياسية، فالعلويُّ، كغيره، ليس مُنتَجاً جاهزاً لصياغات القوة، بل ذاتاً قيد التشكّل المستمرّ، قد يصطفّ مع السلطة أو يقاومها، لكنه في النهاية يرفض أن يُختزل في دور واحد. وإذا كان الخطاب السائد يطلب من العلويين أن يتبرّأوا من إرث النظام، فإن السؤال الأكثر إلحاحاً هو: من يمنح الحقّ لأي خطابٍ بأن يُطالِب جماعة بأكملها بالتطهّر السياسي؟ أليس في ذلك إعادة إنتاج لصيغ الوصاية ذاتها التي خرجت الثورة أصلاً لتقويضها؟

المجتمع السوري اليوم أمام مفترق طرق، حيث يمكن إعادة التفكير في الطوائف، لا باعتبارها بنىً ميتافيزيقيةً ثابتة، بل فضاءات اجتماعية ديناميكيّة، قابلة لإعادة التشكّل خارج ثنائية التبرئة والإدانة. وكما أن النظام استثمر الطائفيّة في بناء سلطته، فإن تفكيك هذا الاستثمار لا يكون بإنتاج طائفيةٍ مضادّة، بل بفهم أن الجماعات ليست مجرّد امتدادٍ لسياسات الدول، بل هي كياناتٌ متداخلةٌ معقّدة لا يمكن قراءتها إلا ضمن سياقٍ اجتماعيٍّ تاريخي متحرّك.

وبذلك، ليس السؤال كيف يعتذر السوريون العلويون على “انتمائهم السياسي المفترض”، بل كيف يمكن تفكيك بنية الخطاب الذي جعلهم رهائن لهذه الجدلية أصلاً؟ هذا هو التحدّي الحقيقي الذي يواجه مشروع بناء سورية جديدة، تتجاوز التصنيفات العنيفة التي استخدمها النظام ثم ورثها عنه بعض معارضيه من دون وعي.

السوريون والتغييب المتبادل

لم يكن التغييب الذي عانى منه السوريون (جميع السوريين) مجرّد غيابٍ للمعلومات أو نقصاً في التواصل، بل كان نتاج بنيةٍ سلطويةٍ أعادت إنتاج التجزئة بشكلٍ منهجي. في هذا السياق، لم تكن الطوائف والإثنيات والمناطق تعيش في “جهل” بعضها بعضاً، بقدر ما كانت محكومةً بأنماط إدراكٍ محدّدة رسمتها السلطة، حيث جرى تحويل التنوّع إلى حدودٍ غير مرئية، وأُعيد تشكيل الانتماءات لتكون عناصر وظيفية داخل ماكينة الهيمنة السياسية. لم يكن هذا التغييب لم يكن محض مصادفة، بل هو جزءٌ من مشروع طويل لإنتاج مواطنين محاصرين داخل هُويَّات مُحدّدة مسبقاً، إذ لا يظهر “الآخر” إلا خصماً افتراضياً أو تهديداً رمزياً. هنا، لا يكون الحديث عن الطائفية مجرّد محاولةٍ لتوصيف الواقع، بل هو تفكيكٌ لبنية الإدراك التي جعلت هذه الطائفية ممكنةً ومفعّلةً في الوعي الجمعي.

ليس من الدقّة النظر إلى الطائفية معطىً ثابتاً أو حقيقةً صلبةً داخل المجتمع السوري، بقدر ما هي خطاب بُني ووظّف وحمّل معاني محدّدة عبر عقود. لم يكن النظام مجرّد مستفيد من الطائفية، بل كان منتجاً لها، لا بوصفها مجرّد أداة قمع، بل آليةً تنظيميةً داخل الفضاءين السياسي والاجتماعي. بالتالي، لا يعني الحديث عن الطائفية الاعتراف بها حقيقةً ثابتةً، وإنما مواجهتها أداةَ تحكّم، آليةَ فصلٍ ومستودعاً للخوف والولاءات القسرية. في هذا السياق، لا تعني تسمية الأشياء بمسمّياتها تكريس الانقسام، وإنما كشف الأسس التي أعادت تشكيله عقوداً، وتحديد من الذي يملك سلطة تعريف الهُويَّات وتوزيع المواقع في داخلها. في غياب مشروع دولة المواطنة، لم يكن هناك إطارٌ جامعٌ يمكن أن ينظّم العلاقات بين الأفراد والجماعات على أساس قانوني ومؤسّساتي. في هذه الحالة، يصبح الانتماء العضوي (الطائفي، الإثني، العشائري) الملاذ الوحيد أمام الأفراد في لحظات الانهيارين السياسي والاجتماعي. شهد التاريخ الحديث للمكونات السورية دائماً علاقة ملتبسة مع السلطة، لكن التماهي العلوي مع الأسد كان أكثر تعقيداً من أنه مجرّد تحالف براغماتي. لم يكن هذا التماهي مجرّد انحيازٍ سياسي، بل كان إعادة إنتاج هُويَّة الطائفة نفسها داخل قالب السلطة. لم يكن العلويُّ في الدولة مجرّد مواطن، بل كان جزءاً من جهاز الدولة، وليس من مجتمعها. وحين يكون النظام المخرجَ الوحيدَ المتاح للجماعة من تاريخها المهمّش يصبح أكثر من مجرّد سلطة، بل يتحوّل إلى قَدَر. لم يمنح النظام العلويين خياراً آخر، بل جعلهم يشعرون بأنهم إذا لم يكونوا في موقع القوة سيكونون، بالضرورة، في موقع الضحية، كما أن النظام لم يحكم عبر المواطنة، بل عبر إعادة إنتاج الهُويَّات الأولية، ومنحها دوراً وظيفياً داخل منظومته. لم يكن العلويون وحدهم في هذا المسار؛ فقد عاد الجميع إلى جماعتهم الأوّلية حين فقدت الدولة قدرتها على تقديم أيّ معنى شامل للمواطنة؛ كلّ الجماعات، وحتى المكوّن الأكبر للشعب السوري أو ما صار يطلق عليه تجنّياً المكوّن “العربي السُنّي” للأسف، عاد بدوره تحت وقع المجازر (ارتكبها النظام) إلى جماعته الأوليّة غير الموجودة سابقاً في الوعي الوطني السوري. غير أن الفارق الأساس هنا أن العلويين كانوا في موقعٍ شديد الحساسية، لأنهم “وحدهم” تحوّلوا من موقع القوة الظاهرية (المتخيّلة) إلى موقع الخطر الفعلي مع تفكّك النظام. لم يكن خوفهم هنا فقط من “الآخر”، بل كان خوفاً من الفراغ، من فقدان دورهم الاجتماعي الذي حُدّد لهم، من مواجهة واقعٍ لم يُمنحوا يوماً فرصةَ التفكير فيه.

تطويع العلويين: كيف أصبح الخوف سياسةً، كيف حوّلهم النظام حرّاساً قلقين؟

للمرّة الأولى في تاريخهم الحديث، وجد العلويون أنفسهم في موقع القوة بعد عقودٍ من الإقصاء، لكن هذه القوة لم تكن سيادية، بل كانت مُدارةً من بنيةٍ سلطويةٍ أوسع. لم يكونوا ممثَّلين داخل النظام طائفةً، بل أدواتٍ داخل مشروع الدولة الأمنية، وكان هذا التماهي مشروطاً بالخوف الدائم من فقدان المكتسبات أكثر منه تعبيراً عن اقتناعٍ بالشرعية السياسية للنظام. والخوف هنا ليس مجرّد إحساسٍ فردي، بل هو بنية اجتماعية تُنتََج ويُعاد تدويرها عبر أدوات السلطة. بالنسبة للعلويين، كان الخوف المادة الأولية التي بُنيت عليها علاقتهم بالنظام، لا حاميَ لهم، بل حاجزاً بينهم وبين العالم الخارجي. لقد تمّت إعادة تدوير الخوف لديهم باستمرار، ليس من خطر الإبادة الجماعية فقط، الذي لوّح به النظام في أكثر من محطّة، ولكن أيضاً من إمكانية انهيار الامتيازات التي منحها لهم ولو جزئياً. … بهذا، لم يعُد الخوف مجرّد إحساس، بل تحوّل نمط تفكير وميكانيزم جماعياً للنجاة، فلم يعد السؤال: “ما الذي نريده؟”، بل أصبح: “ما الذي نخشى أن نفقده؟”. وبالتالي، لم تكن عملية تطويع العلويين خلال عقودٍ طويلةٍ مجرّد أفكار أيديولوجية، بل كانت مشروعاً عميقاً لتدجينهم داخل ماكينة السلطة، عبر آليات متعدّدة: التوظيف داخل الأجهزة الأمنية والعسكرية، استنزافهم في حروبٍ لا خيار لهم فيها، تجريدهم من أيّ بدائل سياسية، وجعلهم متواطئين قسراً مع خطاب السلطة، حتى حين لا يؤمنون به. لم يُترَك لهم خيار الرفض إلا بوصفه خيانة، ولم يُسمَح لهم بأن يكونوا شيئاً آخر خارج النموذج الذي رسمه النظام لهم: حرّاساً خائفين على امتيازات هشّة، رهائن لسردية نجاة لا يملكون التحكّم فيها. التماهي العلوي مع الأسد ليس مجرّد ولاء سياسي، بل هو استجابة لبنيةٍ تاريخيةٍ من العنف المُعاد إنتاجه عبر الأجيال. لم يكن العلويون في موقع يسمح لهم بالتصرّف جماعةً سياسيةً مستقلّةً، لأنهم لم يملكوا يوماً فضاءً خارج السلطة يسمح لهم بتشكيل هُويَّة جماعية غير مشروطة بالخوف. في السياقات السلطوية، يتم استثمار الذاكرة الجماعية بوصفها أداة ضبط: يصبح الماضي المخيف المبرّر المستمرّ للولاء الحاضر. العنف الذي تعرّض له العلويون تاريخياً، سواء في شكل تهميش اقتصادي أو اضطهاد ديني، لم يكن مجرّد أحداث معزولة، بل تحوّل سرديةً مؤسّسةً لطريقة فهمهم موقعهم في داخل المجتمع. حين جاء الأسد الأب، لم يكن فقط من صعد بالعلويين إلى السلطة، بل كان من أعاد تعريف علاقتهم بالخوف. بدلاً من أن يكون الخوف هاجساً من الماضي، جعله حافظ الأسد أداةً مستقبليةً: أنتم هنا بفضل النظام، وإذا سقط، سيعود التاريخ إلى الانتقام.

حين مات حافظ الأسد، لم يكن هناك خطرٌ مباشر على السوريين العلويين في المدن. لم يتعرّضوا لأيّ تهديد، ولم تصدر وقتها أيّ دعواتٍ إلى الثورة على النظام، لكن ما دفعهم إلى العودة فوراً إلى قراهم، فيما بدا هروباً جماعياً، لم يكن خطراً مادّياً، بل كان خوفاً رمزياً متجذّراً في اللاوعي الجماعي. لقد بُني وعي العلويين السياسي على فكرة أن وجودهم في المدن وفي مؤسّسات الدولة وفي الجيش كان مشروطاً بوجود النظام نفسه. كانت هذه فكرةً لم تُناقش علناً، لكنّها كانت تعمل حقيقةً ضمنيةً داخل البنية الاجتماعية. لهذا، حين مات الأسد (الأب) بدا أن العقد غير المُعلَن بين الطائفة والنظام قد انكسر، وكأنّ العلويين سيجدون أنفسهم فجأة مكشوفين أمام مجتمع لم يعد هناك من يحكمه باسمهم. لم يكن الخوف من الانتقام فقط، بل كان خوفاً من مواجهة الأسئلة التي لم يُسمح لهم بطرحها يوماً. السؤال الحقيقي ليس لماذا تماهى العلويون مع الأسد، بل لماذا لم يكن لديهم بديلٌ آخر؟ كيف يمكن لمجتمعٍ أن يُجبَر على أن يكون طرفاً في معادلةٍ سياسيةٍ من دون أن يملك حقّ التفكير خارجها؟

إعادة تعريف العلويين أنفسهم جماعةً دينيةً وثقافية واجتماعية، وليس ملحقاً أمنياً للنظام فقط، تحدٍّ لم يُسمَح لهم به عقوداً. ولن يكون الطريق إلى ذلك عبر معاقبتهم طائفةً، بل عبر تفكيك الإرث السياسي الذي جعلهم رهائنَ داخل معادلةٍ لم يصنعوها، لكنّها فُرضت عليهم خياراً وحيداً.

هل العلويون جماعة بلا صوت

بدايةً، لا يمكن التعامل مع السوريين العلويين (ولا مع غيرهم) وحدةً متجانسةً، لأنهم في الواقع شريحةٌ مجتمعيةٌ تتوزّع عبر طبقات ومواقع اقتصادية وسياسية متباينة. إذا كان النظام قد استغلّهم قاعدةً سلطويةً، فهذا لا يعني أنهم كانوا جميعاً مستفيدين، بل إن الأغلبية ظلّت رهينةَ بنية اقتصادية مغلقة، فلم يكن الامتياز الطائفي سوى غطاءً هشّاً يُخفي هشاشةً اجتماعيةً واقتصاديةً أعمق. تحليل العلويين طبقةً واحدةً هو إعادة إنتاج الصورة التي أرادها النظام عنهم، باعتبارهم كتلةً موحّدةً، فيما الحقيقة أكثر تعقيداً: هناك العلوي الريفي والعلوي المديني، هناك المثقّف والمعارض، هناك الضابط والجندي، وهناك الفقير الذي لا يملك حتى رفاهية التفكير في موقعه السياسي. وحين يُطرح السؤال مثلاً عن موقف العلويين من مجازر النظام، فإن المشكلة تكمن في الافتراض المسبق بأن هناك موقفاً واحداً يمكن أن يُنسَب إلى جماعة بأكملها. هنا، يجب تفكيك التصوّر القائل إن الطوائف تمتلك إرادة موحّدة، أو أنها تنتج مواقف أخلاقية متجانسة. في واقع الأمر، كان العلويون (كغيرهم من السوريين) موزّعين داخل طبقاتٍ من التلقّي والتفاعل مع العنف، لكن ما يميّزهم عن غيرهم أنهم لم يكونوا مجرّد مشاهدين، بل فُرِض عليهم أن يكونوا شركاء في السردية الرسمية. لم يكن دعم النظام بالنسبة لكثيرين خياراً، بل كان استجابة لبنيةٍ من الخوف والتلقين والتطويع.

قبل وصول حافظ الأسد إلى الحكم، لم يكن للعلويين مؤسّسة دينية موحّدة تعبر عنهم، وكان مشايخهم موزّعين بين قرى وجماعات صغيرة، لكلّ منها قراءتها الخاصّة للهُويَّة العلوية. ومع صعود السلطة، تم تصفية أي صوت مستقلّ، مع غياب تام للمشيخة التقليدية، ليصبح المشايخ المقبولين من أفرع المخابرات مجرّد امتداد لجهاز الدولة، وليسوا مرجعية روحية لها. لم يكن هذا الغياب عرضياً، بل جزءاً من عملية تفكيك أيّ بنية قد تخلق ولاءً غير مرتبط بالنظام. لم يُسمَح للعلويين أيضاً بتطوير خطاب ديني مستقل، لأن ذلك كان سيؤسّس لإمكانية وجود هُويَّة غير سياسية للطائفة، وهو ما كان النظام يخشاه. في هذا السياق، تحوّل السوري العلوي من فرد داخل طائفة لها تنوّعها الديني والفكري، إلى مجرّد “جندي في خدمة الدولة”، بلا حقّ في إعادة التفكير بهُويَّته خارج منظومة الأسد. لم تترك عمليات الإقصاء والتطويع وإعادة تشكيل النخب هذه الفرصة لظهور قيادة علوية مستقلة، لأن النظام كان يدرك أن أي تمثيلٍ حقيقيٍّ للطائفة خارج المنظومة الأمنية والسياسية للدولة سيهدّد احتكاره للسلطة. القيادات العلوية البديلة تم تصفيتها رمزياً ومادّياً على مدار عقود، سواء من خلال التهميش أو عبر الاستيعاب داخل أجهزة السلطة، بحيث باتت أيُّ محاولة لإيجاد مسار قيادي مستقل تواجَه بتخوين مزدوج: من النظام الذي يرى فيها تهديداً، ومن الطوائف الأخرى التي ترى فيها مجرّد امتداد له. بالتالي، لم يكن غياب القيادة ناتجاً من قصور داخلي، بل من إستراتيجية ممنهجة حرصت على أن يبقى السوريون العلويون من دون صوتٍ مستقلّ، كي يُستدعون كتلةً متجانسةً فقط، عند الحاجة السياسية. في المقابل، مُنع العلويون من ممارسة التعبير رسمياً عن هويتهم الدينية علناً أو جماعياً، لأن السلطة التي حَكمت باسمهم كانت قد صادرت هذا التعبير، مستبدلةً إيّاه بهُويَّة سياسية أمنية مُصنّعة. لم يُسمح لهم بأن يكونوا جماعةً دينيةً مستقلّةً، لأن النظام لم يكن يرى فيهم إلا امتداداً لأجهزته الأمنية. كان العلوي “الرسمي” هو الجندي، والضابط، والمسؤول، وليس المتصوّف أو الفقيه. هكذا جُرّد العلويون من هُويَّتهم الروحية، ولم يُترَك لهم سوى الهُويًَّة الأمنية، التي فُرِضت عليهم بوصفها خيارهم الوحيد داخل النظام.

وحين بدأ النظام في التفكّك، وحين تعرّض ضريح الخصيبي للانتهاك، وجد العلويون أنفسهم للمرّة الأولى أمام حقيقة أن “الهُويَّة الدينية” التي لم تكن جزءاً من وعيهم اليومي عادت فجأة عاملَ صراعٍ، ليس لأنهم سعوا إليها فقط، بل لأن الآخرين رأوا فيهم طائفةً دينيةً قبل أن يروا فيهم أيّ شيء آخر، لقد كانت مظاهرات الاحتجاج على إحراق مقام الخصيبي المرّة الأولى التي ينظر فيها العلويون إلى أنفسهم وهم يعبّرون عن مطلب جماعي بحرّية بعيداً عن القسر الذاتي الذي عاشوه زمن النظام، ولم يطُل بهم الأمر حتى نزلوا إلى الشوارع ثانيةً في مطالب اجتماعية، سواء المتعلّقة برفض عمليات التسريح الجماعي أو رفض الجرائم المرتكبة في حقّهم تحت عنوان “التصرّفات الفردية”، وهذا ما يحيلنا على السؤال التالي.

لحظة الفرصة الضائعة: لماذا لم ينخرط العلويون في الثورة؟

في بداية الثورة السورية، كان يمكن للعلويين أن يتّخذوا خياراً تاريخياً يغيّر مصيرهم بالكامل، لكنّ عقوداً من الخوف الممنهج جعلت هذا الخيار مستحيلاً. حين اندلعت الثورة، لم يكن العلويون مجرّد متفرّجين، بل كانوا مشدودين بين روايتَين: الأولى، أن هذه فرصة للتغيير والاندماج في مشروع وطني جديد، والثانية، أن هذا التغيير بداية للإبادة الجماعية ضدّهم. هنا، لم يكن بشّار الأسد بحاجة إلى قمع العلويين لإبقائهم في صفّه، بل كان يكفي أن يذكّرهم بما زرعه في وعيهم عقوداً “إمّا أنا أو الفناء”. كانت هذه المعادلة كفيلةً بشلّ أي محاولةٍ للانشقاق الجماعي عن النظام. لكن فشل هذه اللحظة التاريخية لم يكن مسؤولية الخوف الداخلي فقط، بل أيضاً نتيجة عوامل كثيرة بحاجة إلى معالجةٍ منفصلة، لا يفسّرها غياب خطاب ثوري فقط، يكون قادراً على فهم حجم اختراق النظام حدود الإرادة لدى العلويين، وقادر على منافسة سردية النظام، وآلة دعايته، في وسط الطائفة في الوقت ذاته، إضافة إلى عامل مهم، هو غياب القدرة لدى أبناء الطائفة على امتلاك صوتٍ مستقل، بعيداً من آليات السلطة. يضاف إلى ذلك الخوف أن تكون ردّة فعل الأسد على معارضيه العلويين أعنف، لأن المعارضة القادمة من قلب الدائرة الأكثر قرباً للنظام هي الأخطر عليه، ليس لأنها فقط تملك شرعيةً سياسيةً يصعُب نزعُها بسهولة، ولكن لأنّها تهدّد أساس السردية التي يقوم عليها النظام نفسه.

هل يمكن كسر الحلقة؟

السؤال الذي يفرض نفسه هنا ليس فقط كيف وصل السوريون العلويون إلى هذا المأزق، بل كيف يمكن تفكيك هذه البنية التي حوّلتهم إلى رهائن داخل سردية ليست لهم؟ هل يمكنهم أن يكونوا خارج موقع الحارس والخائف في آن؟ هذا هو التحدّي الحقيقي الذي يجب تفكيكُه في أي محاولةٍ لإعادة بناء المعادلة السورية بعيداً من استقطاباتها القسرية. هناك أسئلةٌ كثيرةٌ لن تجد إجاباتها بسهولة، لكنّها تمثل المدخل الضروري لإعادة التفكير بمصير العلويين بعد أن اكتشفوا أن البقاء في السلطة لم يكن انتصاراً، بل كانت المأساة والفخ الأكبر في تاريخهم الحديث. أخيراً وفي مقاربة تفكيكية أكثر عمقاً للعنف الرمزي، الذي أورثه نظام الأسد للسوريين، يمكننا القول إن تجاوز التصنيفات القسرية التي حُصر فيها العلويون لا يكون بإحلال سرديةٍ بديلةٍ تحاول استبدال موقعهم في الخطاب السائد، بل عبر تفكيك البنية التي جعلتهم “موضوعاً” يُحمّل دلالاتٍ سياسيةً مغلقة. هذا يتطلّب النظر إليهم، ليس كتلةً متجانسةً، بل نسيجاً اجتماعياً متغيّراً، موزّعاً عبر تجارب فردية وجماعية متباينة، تتفاعل مع السلطة الجديدة، والمجتمع السوري بكامل أطيافه، والذاكرة الجمعية بطرق متعدّدة. تفكيك العنف الرمزي ضدّ العلويين ولديهم، لا يتم بمجرّد استبدال الخطابات المهيمنة، بل عبر التشكيك في مجمل التصوّرات التي تجعلهم محصورين بين ثنائية القامع والمقموع، أو بين الانتماء القسري والقطيعة المستحيلة، فالهُويَّات ليست جوهريةً، بل متحرّكةً، تُنتَج وتُعاد صياغتها باستمرار داخل فضاءات الصراع والتفاعل الاجتماعي. بناءً على ذلك، لا يكون تحرير العلويين من سرديات السلطة والمعارضة على حدّ سواء عبر مطالبتهم بتقديم اعتذار تاريخي أو نفي أيّ علاقة لهم بالسلطة، بل عبر تمكينهم من استعادة صوتهم الخاص، وحقّهم في إنتاج هُويَّتهم بعيداً من التوظيف السياسي القسري.

من هنا، ليس تجاوز العنف الرمزي مسألةَ تصحيح سرديات، بل هو إعادة توزيع للسلطة على مستوى إنتاج المعنى ذاته. إذ لا يمكن لأي خطابٍ يدّعي التحرّر أن يُعيد إنتاج الآليات الإقصائية نفسها التي مارسها النظام عبر فرض تصوّرات جامدة على جماعة كاملة. بناء سورية جديدة لا يتم عبر استبدال طائفية بأخرى، بل عبر تفكيك منطق التصنيفات القسْرية الذي حكم الحياة السياسية والاجتماعية عقوداً. حينها فقط، يصبح بالإمكان إعادة التفكير في العلويين، لا امتداداً لسلطة سابقة أو ضحيةً لسرديات مضادّة، بل مجتمعاً يملك إمكاناته الخاصّة في إعادة تعريف ذاته خارج كلّ القوالب المسبقة.

العربي الجديد

——————————–

لماذا أعلن «الفلول» تمرّدا في الساحل السوري؟

تحديث 08 أذار 2025

جرت هجمات متزامنة ومنظمة في الساحل السوري أدت لسيطرة قوات موالية لنظام رئيس النظام السابق بشار الأسد على مدن اللاذقية وجبلة وبانياس وطرطوس والقرداحة، حصدت المعارك الناجمة عنها أرواح العشرات (تحدّثت مصادر عن سقوط 124 قتيلا من المسلحين والمدنيين).

يعيش في المناطق التي وقعت فيها الهجمات سكان من الطائفة العلوية، التي كان ضباط كبار منها يديرون الآلة الأمنية والعسكرية للنظام المخلوع، وأعلن عن تلك الهجمات بيان نشره ما يسمّى «المجلس العسكري لتحرير سوريا» عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ممهور بتوقيع غياث دلا، القيادي السابق في «الفرقة الرابعة» التي كان يقودها ماهر الأسد، شقيق رئيس النظام السابق.

سبقت تلك الأحداث إشارات إلى قرب حدوثها، منها تأكيد مصادر سياسية وإعلامية عن تشكيل ميليشيات محلية سورية، واشتباك دبلوماسي وإعلامي بين تركيا وإيران إثر تصريحات وزير خارجية الأولى، هاكان فيدان، عن سعي إيراني لـ»إحداث فوضى» في سوريا، وهو ما عزته صحيفة «آرمان امروز» الإصلاحية إلى خسارة طهران لإحدى ركائزها الجيوسياسية في الشرق الأوسط، والتوتّرات بين الجانبين في الجزء الكردي من سوريا.

حسب الموقع الحقوقي «مع العدالة» فإن قائد التمرد كان من «أبرز الموالين للمحور الإيراني داخل نظام الأسد» وأنه سبق أن نسق عملياته مع الميليشيات التابعة لإيران بصورة وثيقة في معارك الزبداني والمليحة وأحياء دمشق، وأنه ضم عددا من عناصر تلك الميليشيات وعناصر «حزب الله» خلال مهمة له في منطقة القنيطرة جنوب سوريا عام 2018.

جاء الحدث أيضا بعد نداء لعبد الله أوجلان، زعيم حزب العمال الكردستاني، طالب فيه حزبه بعقد مؤتمر يعلن حلّه وإلقاء السلاح، ورغم إعلان مقابل من مظلوم عبدي، رئيس «قوات سوريا الديمقراطية» ترحيبه بالنداء، واعتباره، في الوقت نفسه أنه يتعلق بحزب العمال في تركيا، فإن الحدث حرّك ديناميّة جديدة.

سبقت ذلك أيضا حادثة عنف في مدينة جرمانا القريبة من دمشق، تبعتها تصريحات من بنيامين نتنياهو يتعهد فيها بحماية الدروز فيها، وإدلاء الزعيم اللبناني وليد جنبلاط بتصريحات تتهم موفق طريف، شيخ العقل لطائفة الدروز في إسرائيل بمحاولة استغلال الأحداث بادعاء تمثيل الدروز في المنطقة، وتأكيد مصادر أن قريبا للزعيم الديني حكمت الهجري في السويداء، التي تعتبر مركز الدروز في سوريا، قام باجتماع مع مسؤولين أمريكيين في شهر شباط/فبراير الماضي يعرض خطة تنفيذ تمرد مسلح على الحكومة الحالية، بمشاركة من «قوات سوريا الديمقراطية» ومجموعات علوية من الساحل السوري، وبدعم إسرائيلي.

أدت هجمات الساحل إلى ما يشبه المجزرة بحقّ عناصر الأمن العام، الذين قتل منهم أكثر من مئة شخص أغلبهم من المتطوّعين الشباب الجدد، كما أدى، حسب «المرصد السوري لحقوق الإنسان» إلى مجزرة أيضا في قريتي الشير والمختارية العلويتين، وتداولت صفحات وسائل التواصل أنباء عن حدوث أعمال انتقام عديدة.

على المستوى السياسي أنهى التمرّد الآنف قرار حكومة أحمد الشرع في دمشق تفادي دخول مناطق العلويين وعزز، بفضل وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي المنفلتة العقال، مشاعر التجييش والتحريض والكراهية الطائفية وأعمال الانتقام، وهو ما يعني أن من خططوا له، وأغلبهم ليسوا موجودين في مناطق الساحل أصلا، قد نجحوا فعلا في ما أرادوه: تأجيج عناصر حرب أهلية.

مفهوم طبعا أن هناك ظروفا موضوعية شديدة القسوة تدفع مجتمعات مفقرة، ومهمّشة سياسيا على مدى عقود، وتعاني من أعطاب اجتماعية وإنسانية وأخلاقية إلى ردود فعل غير محسوبة لكنّ المأمول، من نظام جديد، تمتّع حتى الحدث الأخير، بكثير من الحكمة في التعامل مع الخارج، أن يراجع الأسباب الآنية الداخلية للأحداث، وأن يمتلك وعيا سياسيا دولتيا وفوق طائفي، يحاسب «الفلول» الذين قاموا بالأعمال الإجرامية، ويعمل بصرامة على منع أعمال الانتقام وكسب الجمهور العام من العلويين (والأقليات) بحماية أرواحهم وممتلكاتهم، بحيث لا تتحول المكاسب السياسية التي جناها من الرد على مؤامرات حفنة من القادة المتعاملين مع الخارج، إلى خسائر لا يمكن تعويضها بين السوريين أنفسهم.

قدّم مسلسل سوري، قبل سنوات، عنوانه «ابتسم أيها الجنرال» تصويرا لجرائم العائلة الحاكمة السابقة في سوريا، والأغلب، بعد الأحداث الأخيرة، أن الأسد المختبئ في موسكو، وجنرالاته، يبتسمون لما حدث!

القدس العربي

———————–

كي لا تضيع سوريا: هيبة الدولة باحتضان الجميع/ منير الربيع

السبت 2025/03/08

سريعاً، يمكن أن يتحول “الأمل” إلى “فزع”. حدث واحد يتكفل بزرع الرعب في الأرجاء المختلفة. كان انتصار الثورة السورية وسقوط نظام بشار الأسد، فرصة حقيقية لتصحيح مسار التاريخ الذي أصيب بأعطاب كثيرة. لكن الفرصة يمكن أن تضيع. يمكن للخوف أن يجتاحك على حساب الفرح. ويمكن للدولة أن تتلاشى لصالح دويلات أو كيانات موازية. إن أخطر ما تعيشه سوريا اليوم هو حالة التهديد الوجودي لها، كدولة مركزية واستراتيجية في المشرق العربي. أي احتراب داخلي فيها لا بد له أن ينعكس على جوارها. ولبنان الذي استشعر أملاً بسقوط النظام، يمكنه أن يكون أكثر الخائفين والمتضررين. هنا تختلط القراءات في كل الحسابات. بين مصالح الدول وصراعاتها، ومخاوف الشعب السوري وهذا المجتمع الحيوي، الذي يمكنه أن يغرق في حمام دم جديد.

تجارب كثيرة

إن أخطر ما يجري في سوريا، هو تحولها إلى قنبلة موقوتة قابلة لأن تنفجر بشكل متكرر من الداخل، وبالمجتمع، وأن تطال شظاياها دول المنطقة. تجد سوريا نفسها اليوم أمام تجارب كثيرة، من بينها التجربة العراقية أو اللبنانية. علماً أن ما يمكن الاستفادة منه لبنانياً، هو “الحوارات” والاستناد إلى “قوة التوازن” لا توازن القوة وموازين القوى، والتي يمكن لجهات دولية وإقليمية كثيرة أن تتداخل في تغيير مساراتها والتأثير فيها. يمكن للتنوع السوري أن يكون منطلقاً لإرساء نموذج جديد على مستوى المنطقة، بالاستفادة من كل طاقات المجتمع السوري على اختلاف مكوناته. أما الخيار البديل، فلا بد أن يشرّع البلاد على عواصف كثيرة، فتهب عليها رياح متعددة الاتجاهات، تعصف بما تبقى من كيان ومن مرتكزات لأسس الدولة.

ما ورد من صور وفيديوهات للاشتباكات التي اندلعت في اليومين الماضيين في الساحل السوري ولا سيما في جبلة، ينبئ بالخطر الأكبر. فللحرب أصول، لا يجدر فيها تنفيذ الاعدامات الميدانية، ولا إذلال الأسير، وذلك سيجعل الأحقاد متناسلة ومتوالدة، ومن شأنه تأبيد الصراع بدلاً من حلّه. مثل هذه المشاهد والأساليب لا يمكنها أن تضبط وضعاً أمنياً أو عسكرياً، ولا يمكن للقوة أن تكون عنصراً وحيداً في حماية سوريا من الداخل. كما أن محاولة عزل مكون أو أكثر، تطويقه، أو تجويعه، أو استهدافه عسكرياً، ستنجم عنه صراعات لا تنتهي. وذلك ليس من مصلحة لا الإدارة الجديدة، ولا أبناء الطائفة العلوية، ولا الدروز ولا الأكراد.

زرع الأحقاد

منذ الأيام الأولى لسقوط النظام، لم يحصل أي اندماج سياسي فعلي لكل مكونات المجتمع السوري في المرحلة الجديدة. استفاقت مواجع كثيرة، كان نظام الأسد قد عمل على تغذيتها لسنوات طويلة، فعرف كيف يزرع الأحقاد ويبعد السوريين عن بعضهم البعض، كما ارتكب المجازر ضمن استراتيجية “إدارة التوحش” ودبّ الرعب في نفوس السوريين، ليتمكن من السيطرة، واستكمل مسار حربه المستعرة القائمة على المجازر والتهجير طوال سنوات مساعيه لسحق الثورة، فمزّق سوريا طائفياً ومذهبياً وديمغرافياً، وقضى على كل مقومات الدولة ومرتكزاتها.

سقط النظام، وصلت الإدارة الجديدة التي تسعى إلى إعادة تعزيز منطق الدولة والمؤسسات، لكن الممارسة بقيت تنطوي على اختلالات كثيرة، خصوصاً بما يتصل بالأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية بالنسبة إلى المكونات الأخرى، ولا سيما أبناء الطائفة العلوية الذين يعتبرون أنهم قد كُسروا بسقوط النظام، وخسروا الكثير من الامتيازات التي كانوا يحظون بها طوال السنوات الماضية. هنا تستفيق مواجع تاريخية حول الصراع الطبقي، أو صراع أهل الساحل وأهل المدن الأخرى، أو صراع أهل الريف والمدينة.

الاحتضان

يوم استفاق أهل الساحل، أو “العلويون” على خبر هروب بشار الأسد من سوريا إلى روسيا، حطّ الطير على رؤوسهم، استشعروا الهزيمة وشعروا بالمهانة، وبالتأكيد أيقنوا حجم الخسارة الكبيرة، لا سيما أن الأسد كان قد أدخلهم في حرب لمصلحته السياسية، والتي ألبسها لبوساً طائفياً ومذهبياً، فوضع العلويين بوجه كل مكونات الشعب السوري ولا سيما الأكثرية. ولطالما خرجت صرخات بأن الأسد أحرق البلد وأحرق الطائفة أيضاً، وقتل شبانها في سبيل السلطة. استفاقوا صبيحة الثامن من كانون الأول 2024 ليجدوه قد غادر متخلياً عن الجميع. فهؤلاء حتماً لا يصبّ في مصلحتهم تكرار التجربة، وإن كان هناك من يحاول الاستثمار في كل النزاعات والصراعات أو حرب التهميش، لإدخالهم في صراعٍ جديد من شأنه أن يسهم في توسيع الفوضى على كل الجغرافيا السورية. ثمة مسؤولية عليهم يدركونها بالتأكيد، لنبذ أي تكتلات تتخذ البعد الطائفي او المذهبي وتسلك مسار الصراع العسكري. لكن المسؤولية الأكبر أيضاً على الإدارة الجديدة، التي لا بد لها أن تشكّل حضناً يتّسع لكل السوريين، بمختلف انتماءاتهم ومكوناتهم.  المسألة لا تتصل هنا بالانتماء المذهبي والطائفي. خصوصاً أن سوريا المنهكة عسكرياً، سياسياً، اقتصادياً، اجتماعياً، مالياً، ومعيشياً، لا بد للإنتماء أن يتحقق فيها بقدر ما يتوفر من إنماء. هذا الإنماء السياسي والمعيشي والاجتماعي وحده الكفيل في استيلاد الانتماء لهذه السوريا الجديدة.

النظام الجديد

سقط نظام الأسد نعم. لكن الثورة لن تحقّق انتصارها الكامل إلا في إعادة بناء الدولة. وكان الرئيس أحمد الشرع قد تحدث بوضوح عن الانتقال من مرحلة الثورة إلى مرحلة الدولة. تلك الدولة التي يفترض بها أن تحتضن الجميع، وتساوي ما بين مختلف المكونات، وإزالة كل الفوارق أو المميزات السياسية أو العسكرية أو الاقتصادية التي عمل النظام السابق على تعزيزها. انتصرت الإدارة الجديدة باسم الثورة في هذه المعركة. انتهى نظام بشار الأسد، ويُفترض أنه أصبح من الماضي، على الرغم من وجود مؤيدين له إما بالمعنى السياسي أو بالمعنى المصالحي أو بنتيجة الانتماء المذهبي. وهو ما يجدر بالدولة الجديدة أو الإدارة أن تعمل على إعادة جمعهم على قاعدة “لمّ الشمل”، والمشاركة في كل الاستحقاقات.

سقط النظام، انتصرت الثورة، ولكن ثمة نظاماً جديداً يُفترض أن يُولد. وهو يواجه تحديات كثيرة داخلية وخارجية، ويعاني من معاندات كثيرة، ومواجهات مع قوى داخل سوريا تعتبر نفسها متضررة من سقوط نظام الأسد، ومن تضارب المصالح الإقليمية والدولية، خصوصاً لدى الارتكاس إلى نظرية الصراع الدائم على سوريا، والتي تتداخل فيها حسابات دول كثيرة، بينما مواجهة ذلك لا تتحقق إلا من خلال تعزيز البنية الداخلية.

مع سقوط النظام أقدمت الإدارة الجديدة على “منح الأمان” لكل البيئة الحاضنة له، لكن مسار العمل لم يُستكمل وفق مقتضيات تحقيق النمو السياسي القائم على التكامل، بدلاً من التنابذ. طبعاً هناك جهات لا تزال مرتبطة بالنظام السابق، وقد تدخل عليها جهات أخرى مصلحتها إعادة دبّ الفوضى في سوريا، لكن آلية العمل لا تكون بالنبذ أو العزل، بل في القدرة على استقطاب الحاضنة الأوسع من هذه البيئة، وتعزيز مسألة الانتماء للدولة أو الوطن، بدلاً من الانتماء إلى الطائفة أو المذهب أو العشيرة أو الملّة، التي ستصبح بكليتها تخوض حرباً وجودية لا تنتهي، وهو ما يرتكز على فتح كل خطوط التواصل والتفاهم مع أبناء هذه البيئة وغيرها، للاستعانة بهم على كيفية دمج “الملة” بالدولة، لا تركها بيئة منعزلة أو مهمشة، ولا بيئة متروكة تعمل “فلول النظام السابق” على سوقها وفق حساباتها ومقتضياتها، لا بد للدولة الجديدة أن تشكل حضناً بديلاً لهؤلاء وعدم تركهم للفلول أو لأي مجموعات مسلحة.

حوار وطني فعلي

لم يكن يجدر الانخراط في الحلّ الأمني أو العسكري وحده، ولا مواصلة معركة التهميش أو قطع الرواتب وتجميد آلاف الموظفين عن العمل. كان ذلك يحتاج أولاً إلى حلول سياسية واجتماعية. أخذت المعركة الطابع العسكري والذي يمكنه أن يتحول في أي لحظة إلى صراع أهلي مديد، ويمكن أن يكون قابلاً للانتشار في مناطق أخرى ومع جهات عدة. حتماً، ثمة حاجة لضبط الوضع الأمني والعسكري وإعادة تكريس الاستقرار، وفرض هيبة الدولة السورية. ولكن ذلك لا يمكن أن يتحقّق من دون خطة سياسية واضحة، وحوار وطني فعلي وحقيقي، وإشراك كل البنى الاجتماعية السورية في ذلك، سياسياً واجتماعياً. ثمة حاجة فعلية لطمأنة كل الخائفين من شرائح المجتمع السوري وذلك لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال إقدام الرئيس السوري أحمد الشرع على الدعوة إلى حوار وطني عام وشامل تطرح فيه كل الجهات هواجسها ومشاكلها، وتصدر عنه مقررات واضحة يتم العمل على وضع جدول زمني لتطبيقها وتحقيقها، فيشعر السوريون بأنهم شركاء وأصحاب دور في صناعة هذا المستقبل، والاستفادة من هذه الفرصة، ما دون ذلك يمكن للفرصة أن تضيع، ولسوريا أن تضيع أيضاً.

المدن

————————-

ما يحدث في سوريا ليس قدراً لا مهرب منه/ عمر قدور

السبت 2025/03/08

ما حدث ليلة السابع من هذا الشهر لم يكن تمرّداً طائفياً عاماً في الساحل ضد المركز، لكن ما حدث يُعدّ الأخطر أمنياً منذ ثلاثة شهور؛ هي عمر السلطة الحالية. وزاد من منسوب الفزع لدى الخائفين قيامُ البعض بإنزال العلم السوري، ورفع راية الحدود الدرزية بدلاً منه على مبنى حكومي في السويداء، بالتزامن مع شيوع أخبار عن تنسيق البعض مع تل أبيب. وكانت قد سبقت ذلك بأيام قليلة تصريحات إسرائيلية تنص على دعم جرمانا التي شهدت إشكالاً أمنياً بين فصائلها المحلية وقوات الأمن العام، تم تطويقه سريعاً بلا معارك. وقبل ذلك كانت واضحة تصريحات نتنياهو بتحذير حكومة الشرع من نشر قواتها جنوب دمشق.

هي مجموعة حوادث لا يصحّ التهوين منها، ولا تضخيمها على نحو يعمي البصائر. إذ لا شك في أن وراء ما يحدث رسائل يجب الانتباه إليها وقراءتها جيداً من قبل السلطة، ومن قبل عموم السوريين. ومن ضمن القراءة عدم الجزم (على الأقل) بأن ما حدث محاولة انقلابية جادة على الحكم في دمشق، أو محاولة انفصال بالساحل عن سوريا، يواكبها انفصال السويداء ومناطق سيطرة قسد.

اليوم هناك سلطة جديدة في دمشق، ورثت فيما ورثت عن العهد البائد ضعفَه، وهذا واقع ينبغي الاعتراف به. المعيار ليست الشعبية بالمقارنة مع سلَفٍ فقد شعبيته لدى أقرب المقرّبين إليه، باستثناء شبيحته. المعيار نراه في حال الدولة السورية المنهارة، والواقعة تحت ضغوط متعددة ومتضاربة، بحيث يصعب على السلطة الجديدة إقامة التوازنات المطلوبة والضرورية إقليمياً أو دولياً.

انهارَ العهد البائد دولياً قبل سقوطه النهائي في دمشق، ولم يكن ذلك استجابة لتطلعات السوريين المعلن عنها بثورة صريحة، وإنما بسبب التوافق على إخراج إيران من سوريا، إلا أن القوى المتفقة على ذلك غير متوافقة بعدُ على طريقة ملء الفراغ الإيراني. طهران بدورها تحاول تجاوز صدمة خسارة حزب الله في لبنان، والنظام الإيراني لا يستطيع أمام شعبه الإقرار بالخسارة المطلقة في لبنان وسوريا.

إثارة الفوضى بمثابة ضرورة لنظام الملالي، فمن خلالها يوهم الداخل بأنه لم يخسر نهائياً، ويفاوض في الخارج على أنه لم يفقد أوراقه كافة. ولا شك في أن الساحة السورية هي المفضَّلة حالياً للإيراني، ولو كانت العين على لبنان، فطهران لا تحلم باسترجاع نفوذها السوري، واستخدامها ما تبقى من شبيحة الأسد لا يُعدّ تضحية منها بهم على غرار تضحيات الحزب التي لها قيمة أعلى.

ضمن هذا الهامش المحدود، قد لا ترى تل أبيب ضيراً في التحركات الإيرانية، ما دامت تساهم في إضعاف الجار الجديد، خصوصاً أن آفاق التسوية في غزة غير واضحة بعد، بما فيها ارتداداتها الإقليمية. ومن جهة ثانية، لا تمانع تل أبيب في أن تثير طهران المتاعب لأنقرة في سوريا، فإسرائيل لا تريد نفوذاً تركياً يرث النفوذ الإيراني فوق مناطق النفوذ السابقة في الشمال، وليست الآن في وارد التصدي له بينما هي منشغلة بالحرب على غزة.

التهويل وصل في الأيام الأخيرة إلى حد تداول خريطة سوريا ما بعد التقسيم، من دون تمعّن في الاحتمالات الراديكالية التي ينطوي عليها ذلك. فبدءاً من الشمال الشرقي، لا تشرح الخرائط كيف ستقبل أنقرة بإقامة دولة كردية مستقلة على حدودها، مع التذكير بأنها تصدّت بحزم لمحاولة إعلان استقلال إقليم كردستان العراق، وهو مستقلّ عملياً، ولا يصعب الجزم بأنها ستنظر إلى أي كيان كردي جنوبها كتحدٍّ وجودي.

ثم، لا تشرح فرضية التقسيم أسباب ودعائم نشوء وبقاء كيان علوي في الساحل، وحتى الكلام عن مظلة روسية لا يعني سوى أن يكون الكيان المزعوم قاعدة بحرية وجوية روسية، وإلى جوارها دويلة خدمات تُؤدَّى للقاعدتين. أما انسلاخ السويداء عن سوريا، وفق التصور ذاته، فلا يملك فرصاً الحياة أكثر من دولة الساحل المزعومة، وربطه بالكيان الكردي في الشمال أشبه بالنكتة. أما تل أبيب فأغلب الظن أنها لا تريد تحمّل العبء الاقتصادي لكيان تصطنعه، ولا يُستبعد أن يصبح عبئاً أمنياً عليها في المستقبل.

استبعاد التقسيم لا يُقصد به التهوين من شأن ما دونه، واليوم واحد من المخاطر التي لا تزال ماثلة أن يكون العهد الجديد قد ورث العهدَ البائد من النقطة التي انتهى عندها. لقد نالت السلطة الجديدة في البداية ترحيباً دولياً وإقليمياً واسعاً، وانتهى شهر العسل من دون أن تظهر آثار عملية له، فلا المساعدات الموعودة وصل منها ما يُحدِث فرقاً معيشياً، ولا تعليق بعض العقوبات كان كافياً كي يغامر بعض الدول اقتصادياً ومالياً في دعم الحكم. ومن الملاحظ أن الإجراءات التي اتخذتها السلطة مؤخراً لم تحظَ بأدنى اهتمام أو تشجيع خارجيين؛ هكذا كان حال مؤتمر الحوار الوطني، ثم تشكيل اللجنة المكلّفة بصياغة الإعلان الدستوري.

واحد من أسوأ الاحتمالات أن تبقى سوريا كما كانت قبل الثامن من كانون الأول/ديسمبر، بما في ذلك ألا تمضي قُدماً على طريق تغيير سياسي حقيقي وفعلي. ولئن لم يكن مطلوباً من السلطة قطع أشواط على طريق قيادة التغيير، فالمأمول هو وضعُ القدَم على الطريق، وإعلان توجّهات واضحة فيما يخص نواياها المستقبلية، أما القول إنها ليست مفوَّضة بمثل هذا الإعلان فلا يستقيم مع تصريحات لمسؤولي السلطة تُستشفّ منها نية البقاء طويلاً.

واليوم، مع التصدي لشبيحة العهد البائد المتمردين، لا يُستبعد أن ينطوي النصر على معطيات جديدة ليست في صالح المضي إلى الأمام. في طليعة ذلك أن يُقرأ الاصطفاف حول السلطة، من أجل التصدي للشبيحة، بوصفه تفويضاً شعبياً يغنيها عن نيل تفويض شعبي سياسي بالطرق السياسية الاعتيادية. ولا بأس بالتذكير هنا بأن الوطنية التي تُبنى على عصبية حربية معرَّضة لتنزلق بسهولة إلى الفاشية، بخلاف الوطنية التي تتكون في السياسة وعمادها المواطن.

أيضاً، قد يُضعف النصرُ العهدَ الجديد، في الوقت الذي يظهر فيه على السطح حزمه وقوته، فضلاً عن التأييد الشعبي. وقد رأى كثر تسجيلات فيديو موثّقة لانتهاكات قامت بها القوات المهاجمة؛ بعضها ضد الأسرى من المتمردين، وبعضها الآخر ضحاياه من المدنيين العزّل. ولا نريد التفصيل في هذا، فالأهم أنه من السهل أن تجد التسجيلات طريقها إلى الدول المعنية بسوريا، ما يجعل السلطة في موقع ضعيف في ميزان العلاقات الدولية؛ الضعف الذي سيرتدّ تالياً على البلد بأكمله، والغالبية الساحقة من مختلف السوريين لا تتمنى عواقبه.

ما يحدث في سوريا ليس قدَراً لا مهرب منه، رغم هشاشة الوضع الداخلي والضغوط الخارجية التي تستقوي بضعف الداخل ككل، فيما إذا بشّر النصر على المتمردين بتجاوز الأسباب الداخلية للتمرد. هناك غالبية عظمى تودّ هذا، فللسوريين تجربة مريرة سابقة مع لعب السلطة على تمايزاتهم، ومن السيء جداً أن يمثُل كتاب العهد المنصرم في الأذهان بين الحين والآخر، لكن حتى هذا يمكن (متى توفرت الإرادة) أن يكون أمثولة تحضر كي لا يُحتذى بها، لا على وجه الإجمال ولا بأصغر تفصيل.

المدن

————————–

ما تحتاجه سوريّة/ بيار عقيقي

08 مارس 2025

آخر ما تحتاجه سورية في الفترة الحالية استنزافها في صراعات طائفية، رغماً عن أبنائها أو بإرادتهم. في ذلك مقتل حقيقي لمفهوم “الثورة السورية”. من الواضح أن كلّ مرحلة انتقالية متأتية بعد 14 عاماً من القتال، ومن عقود من الحكم المطلق، ستكون مليئة بالتحديات والاضطرابات. وفي الحالة السورية، لا تستلزم المسألة الطائفية، التي اتخذت طابعاً هُويَّاتياً أيام حكم الأسدين، باسم “حلف الأقلّيات”، “ثأراً” من جانب الحكام الجدّد، ولا “توجّساً” ممّن يصنّف نفسه في خانة الأقلّيات. في ذلك جزء من لبننة فاقعة وعرقنة مدمّرة وبلقنة تقسيمية. يتمحور المشهد في سورية في هذه الأيام حول ثلاث مناطق: الجنوب حيث الدروز، والساحل موئل العلويين، والشمال موطن الأكراد. وليست موروثات تلك المناطق السلبية ناجمةً من هيئة تحرير الشام وغيرها من التنظيمات، أحببنا ذلك أم لا، بل ممّا صاغه نظام الأسد سابقاً، المُستنِد في حينه أيضاً إلى دعم سنّي، شئنا أم أبينا.

يشبه الأمر ما خلّفه الاتحاد السوفييتي بعد تفكّكه في عام 1991 من أزمات ديمغرافية وعرقية، بفعل سياسة نقل السكّان من بلاد إلى أخرى. وكان سقوطه إيذاناً باشتعال حروب، أهلية وقومية، في قرغيزستان وطاجكستان وجورجيا، وبين أرمينيا وأذربيجان، وصولاً إلى الشيشان وداغستان، وغيرها. الفارق أن سورية أصغر بكثير من الاتحاد السوفييتي السابق، وحتى أنها قادرة على تجميع قواها في إطار الدولة الواحدة، مهما كان نظام الحكم. لكن نقطة الانطلاق لمثل هذه الخطوة تستلزم شجاعةً من الحاكم، على اعتبار أن احتضان الجميع، لا تغييب المصالحة والمصارحة، يُعدّ مدخلاً لتفاهم سوري واسع، يتجاوز الخلفيات الطائفية والإثنية.

غير ذلك، ستعذّب سورية “اللبنانية” أهلها كثيراً، بل سيعبرون طريقاً طويلاً من التشرذم والانفكاك، ثم يعودون ويرون أن الاختلافات ستبقى، لكن إدارتها تبقى الأساس للحفاظ على بنية الدولة الواحدة. في الحالة اللبنانية، على الرغم من كلّ الكوارث والمآسي، وجديدها أخيراً العدوان الإسرائيلي على لبنان، إلا أن اللبنانيين مقتنعون في مكان ما بأنه لا يُمكن تجزئة لبنان ولا تقسيمه، كما أنهم غير قادرين على الذوبان في عقائد اللبناني “الآخر” وأفكاره، وكلّ اللبنانيين هم “الآخر” في عيون بعضهم بعضاً. بالتالي، الحلّ الأفضل والأنسب للجميع هو الاقتناع بأنه لا جدوى من تغيير عقلية “الآخر”، لكن يُمكن التفاهم معه تحت سقف قوانين محدّدٍ ضمن دولة واحدة.

تحتاج سورية ذلك، خصوصاً أن الاندفاعة العربية والدولية الداعمة لها يُفترض أن تشكّل محطةَ انطلاق لتجميع السوريين في سياق نظام يحتضن الجميع، وليس لنظام يبحث عن “البقاء إلى الأبد”. لطالما كان “الأبد” محفّزاً لكلّ الثورات، من سورية إلى آخر العالم، والنظام المولود من ثورة يُفترَض أن يكون قد فهم ذلك أيضاً. في المقابل، لا يُمكن لأيّ عاقل التسليم بأن إيران ستقبل الخروج من سورية من دون ردّة فعل، ولو بشكل غير مباشر. المفارقة أن طهران تتّفق مع تلّ أبيب على العداء للنظام السوري الحالي، وهو أمر يسمح في استنباط ثغرات أمنية، يُفضي ضجيجُها إلى نسيان من كان البادئ أو المحرّض فيها. ولفهم ذلك، يكفي النظر إلى السلوك الإسرائيلي في الجنوب السوري، سواء بالتوغّلات الميدانية، أو بقول رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إن “إسرائيل ستحمي الدروز”. أمّا الإيرانيون، فتعهّدوا وتوعّدوا بـ”المقاومة في سورية”. وهي بالمناسبة ليست مقاومة ضد إسرائيل.

لاحتواء مثل هذا الوضع، يحتاج الحكم الانتقالي في سورية لاعتماد مقاربة الحلول السياسية أكثر من الحلول الأمنية. الأولى تبقى دائماً مضمونة، خصوصاً أن المبادر هو الحاكم، فيما خطورة الثانية تكمن في تعدّد اللاعبين، الإقليميين تحديداً، القادرين على أداء دور سلبي فيها، وهو ما يفرّغ المرحلة الانتقالية من مضمونها، وتعود سورية إلى عهود الظلام التي سادت طوال الفترات الماضية.

العربي الجديد

—————————

التطييف وبناء الوطنية السورية/ رانيا مصطفى

08 مارس 2025

أحسنت السلطات السورية الجديدة التعاطي مع حالة التجييش الطائفي، على أثر جريمة قتلٍ ارتكبها خارجون عن القانون في مدينة جرمانا بريف دمشق، بحقّ عنصر من الأمن العام، بأن حقنت الدماء استجابةً لطلب الهيئة الروحية في المدينة، التي رفعت الغطاء عن المجرمين وطالبت بملاحقتهم وبعودة مؤسّسات الدولة إلى المدينة، وذلك بمساعٍ من قادة فصائلَ قدموا من السويداء. مثل هذه الحوادث الفردية كانت تحصل في زمن النظام البائد، وتُحلّ بالطريقة نفسها، من دون أن يرافقها تضخيمٌ إعلامي أظهر المدينة، هذه المرّة، وكأنَّها خارجةٌ عن سيطرة الدولة، وزادت الطين بِلَّة التصريحات الإسرائيلية بأنهم معنيون بحماية الدروز والأقلّيات، وتحذيراتهم للحكومة السورية بألا تدخل جرمانا، وهي أوّل مدن الغوطة الشرقية، وتضمّ لفيفاً كبيراً من السوريين لجأوا إليها خلال سنوات الحرب.

في استعراضٍ رمزي للوحدة الوطنية ولقوة السلطة الجديدة، دخلت أرتالٌ من الأمن العام إلى المدينة برفقة شبَّان من الدروز يرفعون البيارق الدرزية، ما شكّل أيضاً ردّاً وطنياً على الاستفزازات الإسرائيلية الصارخة تجاه السوريين. بات واضحاً أن السلطات السورية الجديدة تميل إلى التهدئة، وهي تجيدُ هذا الأمر، وكذلك العقلاء في المجتمعات الأهلية يتصرّفون بحكمةٍ لمنع إراقة الدماء، ولا أحد في سورية يريد اليوم العودة إلى حمّام الدَّم، والجميع يتطلّعون إلى توحيد الأراضي السورية، عدا قلّة من الموتورين أو المطلوبين بتهم ارتكاب جرائم أو تجارة المخدّرات في عهد نظام الأسد. بمعنى أنّ السوريين اليوم راغبون في تجاوز ما يثير الفتن، والبدء ببناء دولة جديدة؛ لكن هذه الرغبة لا تكفي لمنح المجتمع السوري حصانةً ضدّ مشاريع تسييس الهُويَّات الدينية، والتي تلوحُ تهديداتُها اليوم من دولة الكيان الإسرائيلي خصوصاً، فليس بمقدورنا تجاهل تداعيات سنوات الحرب السورية، وما رافقها من تمزيق للنسيج الاجتماعي، عدا عن أنّ الدولة في ظلّ نظام الأسدَين لم تكن مدنيةً يوماً، ولم تبنِ مجتمعاً حصيناً ضدّ التطييف، بل كان تسييس الهُويَّات الفرعية إحدى أدوات السلطة لترسيخ نموذج حكم العسكر.

سورية اليوم ضعيفةٌ وهشَّة، ومنكشفة أمام مشاريع تسييس ديني أسوأ من نموذج نظام الأسد الشمولي، تمثّل تهديداً وجودياً لوحدة سورية، إذ اجتاحت دولة الكيان الإسرائيلي أراضي سورية جديدة، وبتبرير عالمي، بحجَّة حماية حدودها من خطر التطرّف الديني، ودمّرت مقدرات الجيش السوري كلّها، وهي اليومَ تستغلّ الحساسيات الدينية، ويُطلق رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، ووزير أمنه يسرائيل كاتس، ووزير خارجيته جدعون ساعر، كلاماً عن حماية الدروز وإقامة منطقة منزوعة السلاح في الجنوب السوري، بالتزامن مع الإعلان عن مجلس عسكري درزي في الجنوب، تبرَّأ منه أهالي السويداء وفصائلُها العسكرية الوازنة، وخرج المُحتجُّون في كلّ الجنوب السوري، وفي دمشق وجرمانا، للتنديد بالتصريحات الإسرائيلية، والتأكيد على وحدة الأراضي السورية. وكانت قد تردَّدت طروحاتٌ بالإدارة الذاتية منذ بدء انتفاضة السويداء في صيف 2023، وتمَّت محاصرتُها ومنعُها من الأهالي المُحتجِّين طيلة عامٍ ونصف قبل سقوط نظام الأسد، ولا تزال هذه الطروحات مرفوضةً في المدينة. بالتأكيد، الاحتلال الإسرائيلي غير معني بحماية الأقلّيات في سورية، وغير جادٍّ في تخوُّفه من حكمٍ إسلامي على حدوده، وقد حطّم القدرات العسكرية السورية، ويدرك أن الحُكّام الجدد منشغلون في ترتيب حكمهم وتسويق صورة معتدلة لهم أمام الرأي العام العالمي، ولرفعهم من قوائم الإرهاب، ورفع العقوبات عن سورية. الكيان المحتلّ معنيٌ بتفتيت سورية، خاصةً أنَّه يعتبرها صارت منطقة نفوذٍ تركية، ولا ترضيه المصالحة بين دمشق وقسد بترتيب تركي، وبالأصل لا يريد لهذا البلد التعافي.

السوريُّون اليوم معنيون بإعادة بناء هُويَّتهم الوطنية، وتحصين مجتمعاتهم ضدّ التدخّلات الخارجية التي تهدف إلى التطييف. استعراضات الوحدة الوطنية بالتوافق بين الحكومة والوجهاء والهيئات الروحية لا تكفي لبناء وعي وطني، وهي إن نجحت في درء الفتنة في جرمانا أو أماكن أخرى، فنجاحُها غير مضمون مستقبلاً، خاصّة أنَّ حصر الاعتماد على الزعامات الدينية في التعبير عن رعيَّتها، أمنياً وسياسياً ومطلبياً، يعمّق الهُويَّات الدينية، في تناقضٍ مع الهُويَّة الوطنية الأوسع، وليس العكس، في ظلّ غياب الدولة المدنية القائمة على مبدأ المواطنة. إنّ إعادة بناء هُويَّة وطنية جامعة للسوريين تحتاج إلى مشروع وطني متكامل، لا يقتصر على ترسيخ الديمقراطية والحرّيات الفردية وحرّية الاعتقاد والتجمّع وحرّية تشكيل الأحزاب والنقابات وفصل السلطات، وتطبيق العدالة الانتقالية، بل يتخطاها إلى مشروعٍ اقتصادي تنموي بالضرورة، يُركّز على الاستثمار في الإنسان السوري، أي إشراكِه في عملية التنمية الاقتصادية وإعادة الإعمار عبر خلق مؤسَّسات اجتماعية واقتصادية مُنتِجة، قائمة على أساس التضامن والتكافل بين فئات المجتمع، وتخلق فرص عملٍ، وتخلق بيئات تتجاوز الحساسيات الدينية، وتُشعر المواطن الفرد بأهمّيته ودوره في عملية البناء، وانتمائه إلى الدولة التي يبنيها.

لا تبشّر خطوات الحكومة بأنها تمتلك ذلك المشروع الوطني القائم على إشراك السوريين كلّهم في عملية البناء، وإشاعة شعورٍ جديد بالولاء للوطن، فمؤتمر الحوار الوطني كان شكلياً سريعاً، كأنّه صورة ملوّنة قُدّمت للخارج، واختارت السلطة بنفسها الشخصيات التي حضرت، ولم تكن في معظمها تمثِّل كفاءاتٍ سورية، بل في غالبها تمثيلات ما دون وطنية، عشائرية ودينية وإثنية، وصدر بيانُه غير الملزم بسرعة فائقة، وكأنه مُعدٌّ مسبقاً. كان المؤتمر وتوصيات بيانه الختامي (غير الملزم للحكومة) مخيباً للآمال، خاصة لجهة خلوّه من أيّ إشارة إلى الديمقراطية. ثم شُكلت لجنةٌ لكتابة الإعلان الدستوري الذي يسدّ فراغ غياب الشرعية الدستورية للحكومة في المرحلة الانتقالية، وتبيّن ممّا تسرّب لوسائل الإعلام أنَّه أقرب إلى الدستور بتحديده هُويَّة الدولة وعلمها ودين الرئيس، من دون استفتاءٍ شعبي، وأنه سيتبنَّى الفقه الإسلامي مصدراً للتشريع، أيّ تشريعٍ، أي إقحام المقدّس في السياسة، وبالتالي لا نقاش في أحكامه، وهذا إشكالٌ سيعيد تجربة حكم الفرد على كلّ السوريين. كما سيكلّف الرئيسَ وحده بتعيين مجلس تشريعي، أي من دون انتخاب ومن دون مشاركة مع باقي السوريين.

ما سبق كلّه يُنبئ بأننا أمام حكم اللون الواحد، أي لون هيئة تحرير الشام، ومن تثق بهم، في هذه المرحلة، وهذا التوجّه سيصعِّب انضمام المناطق الخارجة عن سيطرة الدولة، خاصّة شرق الفرات. ويُعزِّز هذا الرأيَ تعيين حكومة تسيير الأعمال أوصياء تابعين لها في مؤسّسات الدولة كلّها، حتى النقابات يتم تعيينها، وطريقة تشكيل الجيش من فصائل إسلامية، ورفع الدعم عن أسعار الخبز والمحروقات، وطرد مئات آلاف الموظفين من دون أسباب واضحة، وفرض سياسات نقدية شلّت اقتصاد البلاد، والأسوأ من ذلك طرح النيوليبرالية المتطرّفة وصفةً للاقتصاد قائمةً على حرّية السوق والخصخصة غير المدروسة، والمراهنة الوحيدة هي على رفع العقوبات ومجيء الاستثمارات. هذا يعني غياب أيّ أفق لحلّ مشكلة المجاعة، ما يفتح على انفجاراتٍ اجتماعية تهدّد استقرار البلاد، وقبول كلّ أشكال التطييف السياسي والتقسيم إذا أصرّت السلطة الحاكمة على عنادها في تغييب مشروع وطني للسوريين كلّهم.

العربي الجديد

———————-

إيران ورهان العودة إلى سوريا/ خيرالله خيرالله

في انتظار تبلور الموقف الأميركي الواضح من سوريا ستحاول إيران العودة إلى دمشق، وإذا لم تتمكن من استعادة دمشق نفسها ستحاول استيعاب العلويين عبر إعادة تنظيم صفوفهم في مناطقهم.

السبت 2025/03/08

أكثر من طبيعي سعي “الجمهوريّة الإسلاميّة” الإيرانية إلى العودة إلى سوريا والإمساك بها. يفسّر هذا السعي الإيراني الأحداث الخطيرة التي يشهدها الساحل السوري حيث الوجود العلوي الكثيف.

بعد ثلاثة أشهر على رحيل نظام آل الأسد، تبيّن أنّ لا مشروع توسّعيا إيرانيا في المنطقة من دون سوريا. مثل هذا المشروع التوسّعي في أساس بقاء النظام الإيراني الذي أسسه الخميني في العام 1979. لا حياة للنظام الإيراني، بشكله الحالي، في حال زوال المشروع التوسّعي الذي رفع شعار “تصدير الثورة”. يعني “تصدير الثورة” إقامة ميليشيات مذهبية في لبنان والعراق واليمن ودعم النظام العلوي الذي ورثه بشّار الأسد عن والده والذي عمّر من أواخر 1970 إلى أواخر 2024.

قضى سقوط النظام العلوي في سوريا على “الهلال الشيعي”، بالمعنيين السياسي والعسكري. ربط “الهلال الشيعي” الذي كان أوّل من تحدّث عنه بجرأة، ليس بعدها جرأة، الملك عبدالله الثاني بين طهران وبغداد ودمشق وبيروت. كان ذلك في حديث إلى صحيفة “واشنطن بوست” في تشرين الأوّل – أكتوبر 2004، أي منذ ما يزيد على 21 عاما!

إذا أخذنا في الاعتبار أنّ لا مستقبل لـ”حزب الله” من دون الوجود الإيراني في سوريا يمكن استيعاب الهجمة التي تقوم بها {الجمهوريّة الإسلاميّة} مباشرة وعبر العراق للعودة إلى دمشق

من دون السيطرة على سوريا، لا وجود إيرانيا في لبنان. من دون سيطرة على سوريا، سيتوجب على “الجمهوريّة الإسلاميّة” الدفاع عن حصنها الأخير في العراق. هذا ما يفسّر ذلك الإصرار الإيراني على الإمساك أكثر بالعراق وبحكومة محمّد شياع السوداني المدافع الشرس عن ميليشيات “الحشد الشعبي” والمعادي للرئيس السوري الجديد أحمد الشرع. أغلق أحمد الشرع، بشكل كامل تقريبا، طرقات تهريب السلاح والأموال إلى لبنان، أي إلى “حزب الله”، وطرقات تهريب المخدرات من لبنان إلى دول الخليج العربي، عبر الأراضي والموانئ السوريّة. كذلك وضع الشرع حدا لتهريب السلاح والمخدرات إلى الأردن ودول الخليج. أدّى ذلك إلى شبه قطيعة بين دمشق وبغداد وتعبئة عراقية معادية للتغيير الكبير في سوريا. بالنسبة إلى الجناح السياسي والميليشياوي المؤيد لإيران في العراق، ليس الرئيس السوري الجديد سوى “إرهابي يلبس ربطة عنق.”

إذا أخذنا في الاعتبار أنّ لا مستقبل لـ”حزب الله” في لبنان والمنطقة، من دون الوجود الإيراني المهيمن في سوريا، يمكن استيعاب تلك الهجمة التي تقوم بها “الجمهوريّة الإسلاميّة” مباشرة وعبر العراق من أجل العودة إلى دمشق. كذلك يمكن فهم التوتر في العلاقات الإيرانية – التركية في ضوء الدور الذي لعبته أنقرة في حصول التغيير السوري.

كان في العاصمة السوريّة والمناطق القريبة منها نحو مليون وربع مليون علوي انتقلوا مع عائلاتهم إلى دمشق وضواحيها. كان عدد هؤلاء يزداد مع الوقت، خصوصا منذ اندلاع الثورة الشعبية في سوريا في مثل هذه الأيام قبل 14 عاما. كان الهدف الذي عمل من أجله النظام، بدعم إيراني مباشر، تكريس واقع ديموغرافي جديد في دمشق وريفها.

مع فرار بشّار الأسد إلى موسكو في الثامن من كانون الأوّل – ديسمبر 2024، هبط عدد العلويين في دمشق ومحيطها إلى ما بين 300 و400 ألف. حصلت هجرة مضادة في اتجاه ريف حمص وريف حماة وجبال العلويين والساحل السوري. تعكس هذه الهجرة الفشل الذريع للمشروع الإيراني في سوريا التي عادت إلى حكم الأكثريّة السنّية للمرة الأولى منذ الانقلاب العسكري العلوي الذي نفّذه الضابطان صلاح جديد وحافظ الأسد في 23 شباط – فبراير 1966.

الأكيد أن “الجمهوريّة الإسلاميّة” لن تمل ولن تكلّ. ستحاول العودة إلى سوريا بطريقة أو بأخرى مستفيدة من كل الثغرات، بما في ذلك الأخطاء التي يرتكبها النظام الجديد

ترفض “الجمهوريّة الإسلاميّة” التصديق أنّ سوريا صارت في مكان آخر. يؤكد ذلك الكلام الصادر عن كبار المسؤولين الإيرانيين، بدءا بـ”المرشد” علي خامنئي. يراهن المسؤولون الإيرانيون على حصول تغيير في سوريا من منطلق أن النظام الجديد لن يستمرّ طويلا. يمكن لمثل هذا الرهان أن يكون في محلّه. يعود ذلك لسببين على الأقلّ. أولهما أنّ الإدارة السورية الجديدة ارتكبت أخطاء عدة. بين هذه الأخطاء تسريح أفراد الجيش السوري. خلق ذلك آلاف العاطلين عن العمل. معظم هؤلاء من الجنود والضباط العلويين الذين باتوا مستعدين للجوء إلى العنف والإرهاب بعدما فقدوا كل الامتيازات التي كانوا يتمتعون بها، بما في ذلك الراتب المضمون والسيارة والمنزل.

أما السبب الثاني، ففي أساسه الموقف الأميركي الذي يمنع دولا عربيّة من تقديم مساعدات لسوريا في الوقت الحاضر. لم تتخذ الإدارة الأميركية، أقلّه إلى الآن، موقفا واضحا من التغيير الذي حصل في سوريا. قد يكون مردّ ذلك إلى أن إسرائيل تعمل منذ سقوط بشّار على خطة تصبّ في تقسيم سوريا وتفتيتها والانتهاء من أيّ وجود لقوّة عسكرية ذات شأن في هذا البلد.

في انتظار تبلور الموقف الأميركي الواضح من سوريا، ستحاول إيران العودة إلى دمشق. إذا لم تتمكن من استعادة دمشق نفسها، ستحاول استيعاب العلويين عبر إعادة تنظيم صفوفهم في مناطقهم. ستعمل في الوقت ذاته على الاستفادة من الموقف الإسرائيلي المتذبذب الذي يستهدف منع قيام نظام مركزي في سوريا. الهدف الإسرائيلي في نهاية المطاف تفتيت سوريا. هذا ما يفسّر الدعم الذي قدمته الدولة العبريّة في كل وقت للنظام العلوي الذي لعب طوال ما يزيد على نصف قرن الدور المطلوب منه إسرائيليا.

الأكيد أن “الجمهوريّة الإسلاميّة” لن تمل ولن تكلّ. ستحاول العودة إلى سوريا بطريقة أو بأخرى مستفيدة من كل الثغرات، بما في ذلك الأخطاء التي يرتكبها النظام الجديد. لا يمتلك القيمون على هذا النظام خبرة في إدارة مؤسسات الدولة. اكتشف كلّ من احتكّ بهم أنّهم هواة في هذا المجال.

استثمرت إيران المليارات من الدولارات في هذا البلد، الذي من دون السيطرة عليه، سيبحث النظام عن طريقة أخرى للمحافظة على نفسه. وقد يكون ذلك بالاستسلام الإيراني أمام إدارة دونالد ترامب وقد يكون أيضا في الاستفادة من توجه إسرائيلي إلى التشجيع على تفتيت سوريا بدءا بقيام دولة في جبال العلويين وجزء من الساحل السوري… فضلا في طبيعة الحال عن تحقيق اختراقات في الجنوب السوري.

إعلامي لبناني

العرب

————————-

مختبر المستقبل في سوريا بين الفدرلة والتفكك/ سامح المحاريق

تحديث 08 أذار 2025

غيرت الإمبراطورية العثمانية التنظيمات الإدارية في المشرق العربي لأكثر من مرة، وأعادت ترسيم الولايات والمتصرفيات والسناجق، التي كانت تحتضن مراكز حكم محلية، إلا أن هذه الفترة شهدت انشغال الإمبراطورية بالحروب على أكثر من جبهة، بحيث تركت هذه التقاسيم خاضعة لحكام محليين يتنافسون في توريد الضرائب لإسطنبول، من غير إشراف حقيقي على التفاعلات الاجتماعية والاقتصادية التي تحدث داخلها، ومع انهيار الدولة العثمانية بدأت الدول الأوروبية التي انتدبت نفسها نيابة عن المجتمع الدولي، لتؤسس دولا حديثة في المنطقة، عملية تقسيم أخرى عملت على تأسيس دول أكثر منطقية في بنيتها وحدودها، إلا أنها لم تتركها من غير أن تفخخها بمشاكل محتملة مستقبلا، فالفرنسيون الذين انشغلوا ببناء لبنان وضمان استقلاليته، طرحوا من غير كثير من الجهود والتكريس الفكري والسياسي دويلات أخرى للدروز والعلويين في سوريا.

خرجت فرنسا وبريطانيا من المنطقة بعد الحرب العالمية الثانية، وخلفتا وراءهما تركة ثقيلة من المشكلات وهياكل إدارية وبيروقراطية غير قادرة على إدارة المجتمعات المحلية بالصورة اللائقة، وكان خيار الأنظمة العسكرية التي تولت عملية سد الفراغ، أن تعزز من السيطرة على حساب التنمية، واللجوء إلى المركزية، التي تتطلب وجودا ثقيلا في العاصمة والمدن الرئيسية، على حساب المناطق الريفية والجبلية والزراعية، ما يفسر ضخامة الحجم النسبي للعاصمة في الدول العربية بشكل عام، فالفرص لا توجد إلا في العاصمة، حيث يتوجب أن تتحصل الدولة بأجهزتها على الولاء الكامل، وبحيث يصبح الجميع في حالة تربص وترقب بالجميع، وبقيت المشكلات تتمدد مع الإهمال المتواصل للمناطق الأقل حظاً من التنمية والفرص، تحت طائلة الاستنزاف لمصلحة نخب العواصم والمدن الكبرى.

لم تكن هذه النخب تمتلك الرؤية اللازمة، ولا الخبرة الكافية لقيادة المجتمع في دول كبيرة نسبيا، فسوريا التي تعتبر متوسطة الحجم بين الدول العربية، تزيد مساحتها عن الدنمارك وهولندا وبلجيكا وسويسرا، وجميعها دول ثرية ومتقدمة اقتصاديا، ومنها ما لا يمتلك باستثناء المياه أي ثروات طبيعية مهمة، وبقيت المشكلات تتفاعل من غير اهتمام، وفي الجيل الثاني من الجيوش الوطنية، أخذ أبناء هذه المناطق المهمشة يتوجهون للخدمة العسكرية، لأنها توفر فرصة الحد الأدنى من الحياة الكريمة، التي تنقذهم من الفقر، وتشكل الفرصة الوحيدة المجدية للخروج من حالة الإهمال في مناطقهم، فكان أبناء الأنبار في العراق، والعلويون في سوريا، لتحدث حالة انقلابية تدفع بهذه المناطق إلى السيطرة من خلال أبنائها، الذين أداروا ظهورهم لمناطقهم الأصلية، وأخذوا يتصارعون على السلطة في العاصمة ومناصبها ومكتسباتها. فشلت السلطة في دمشق، بغض النظر عن هويتها، من الارتقاء بمستويات الحياة في جميع مناطق سوريا، بل أصبحت الإدارة هي الصراع على دمشق، ومع واقع طائفي كان من السهل دائما أن يتم تحشيده وتحريكه بالخوف، وخلق العداء المتبادل، أصبحت سوريا من جديد أمام الميراث المرير للدولة العربية المركزية، التي لم تجد خلال فترة نهوضها الفرصة من أجل بناء أدوات حقيقية وفاعلة، ولذلك حدثت حالة من الانفصال بين النظام السابق والسوريين، الذين رأوا رغبته في السيطرة والاستحواذ من غير أن يقدم لملايين السوريين المبررات المقنعة لذلك، سوى فوهة البندقية والزنازين في سجون مرعبة.

العارض في أحداث الساحل وتحركات الدروز هو الاشتباكات العسكرية المتفرقة التي يمكن أن تتحول إلى وقائع سياسية واسعة مع الوقت، في حال تطورت إلى الاقتتال الأهلي الواسع، أما الجوهري، فهو في عدم قدرة سوريا وغيرها من الدول العربية على بناء نموذج حقيقي للدولة تقوم على أسس المواطنة ضمن عملية تنموية شاملة وعادلة، وهذه أزمة حتى في الدول التي لا تتوفر داخلها الافتراقات الطائفية، أو العرقية مثل مصر، ففي الحالة المصرية كانت الأرياف هي الحاضنة الرئيسية لحركة الإخوان المسلمين المناهضة للحكم في القاهرة وممارسته وقناعته، للدرجة التي دفعت الصحافي وائل عبد الفتاح لوصف حسن البنا بالمخلص القادم من الأرياف! ما زال كثيرون ينظرون إلى الشرع بوصفه الرجل الذي أتى بعد سقوط الأسد، وأن آل الشرع سيشكلون السلالة الجديدة في سوريا ما بعد الأسديين، وعلى الرئيس الشرع أن يثبت المفهوم المغاير، وأن يفكر خارج الصندوق التقليدي للدولة العربية، فسوريا أقرب ما يمكن لتطبيق نموذج فيدرالي تلتزم فيه كل منطقة بأن تعمل من أجل مصالحها، وأن تؤدي للدولة ما يلزم لتتمكن من قيام بالوظائف الأساسية لكل منطقة، وأن تتعهد جميع المناطق بألا تعمل مع أي قوة خارجية ضد الدولة المركزية، وإذا كانت هذه الحالة تحتاج نضوجا في البنى الإدارية والمجتمعية، فالحل الآخر، أن يتم العمل على إشاعة فرص شاملة في سوريا في عملية نهضوية تشجع الزخم السكاني على حراك واسع ضمن مجتمعات جديدة مفتوحة ومتوازنة. البقاء على الوضع الراهن من غير الانفتاح على الأسئلة الكبرى، يمكن أن يؤدي إلى نتائج كارثية تتحول سوريا خلالها إلى رقعة شطرنج تشغل القوى الخارجية خاناتها المختلفة، بحيث تصبح أرضا قلقة مهددة أمنيا على الدوام، وتعمل على تصدير الأزمات إلى جوارها ومحيطها الأوسع.

هل يمكن للسوريين أن ينتبهوا لهذه المشكلة، أم أنهم سيعملون على استعادة نموذج للدولة السورية نشأ في ظروف مرتبكة، وكأنه الغاية النهائية، ليجدوا أنفسهم مع الوقت مستمرين في إنتاج مظلوميات اجتماعية وفئوية جديدة لا تلبث أن تعبر عن نفسها بالصدام والعنف من جديد، خاصة أن سوريا الهادئة والجميلة لم توجد أصلًا إلا لسنوات قليلة خلال أكثر من قرن من الزمن أتبع نشأتها كدولة حديثة.

كاتب أردني

القدس العربي

——————————

الرئيس الشرع: سنستمر في حصر السلاح بيد الدولة وحماية المدنيين واجبنا

2025.03.08

أكد رئيس الجمهورية العربية السورية، أحمد الشرع، أن بعض فلول النظام السابق حاولوا اختبار سوريا الجديدة التي يجهلونها، لكنهم اليوم يرونها موحدة من شرقها إلى غربها، ومن شمالها إلى جنوبها، حيث تتداعى المحافظات لنصرة أي منطقة تتعرض للخطر.

وفي كلمة له تعليقاً على أحداث الساحل السوري، أشار الشرع إلى أن سوريا اليوم لا فرق فيها بين سلطة وشعب، بل هي مسؤولية الجميع في الحفاظ عليها.

وأضاف الرئيس أن الدولة، في معركتها، تسعى لحماية جميع المواطنين، مؤكداً أن الهدف ليس إراقة الدماء، بل الحفاظ على أمن البلاد واستقرارها.

وأوضح أن من يواجهون الدولة ما زالوا يسيرون على نهجهم القديم، رغم منحهم فرصاً عديدة للعودة إلى حضن الوطن.

كما شدد على أن الاعتداءات التي طالت المدنيين وقوات الأمن، واقتحام المستشفيات وترويع الآمنين، تُعدّ جرائم لا تُغتفر، وقد جاء الرد عليها سريعاً وحاسماً.

الحملة الأمنية ضد فلول النظام المخلوع تتوسع وقلق أممي وحقوقي إثر وقوع انتهاكات

ودعا من يحملون السلاح إلى تسليم أنفسهم قبل فوات الأوان، مشيداً بروح الشعب السوري، الذي أثبت ولاءه لبلاده في مواجهة هذه التحديات.

“حماية المدنيين واجبنا”

ووجّه الرئيس الشرع التحية لقوى الجيش والأمن على التزامهم بحماية المدنيين أثناء ملاحقة فلول النظام السابق، مشدداً على ضرورة عدم السماح بأي تجاوزات أو ردود فعل غير محسوبة، لأن ما يميز الدولة عن خصومها هو التزامها بمبادئها وأخلاقها.

كما أكد أن القانون يحمي الأسرى، وأن معاملتهم يجب أن تتم وفقاً للقواعد الإنسانية، بعيداً عن أي ممارسات انتقامية.

وأكد الرئيس أن الدولة ستواصل ملاحقة كل من يصرّ على الفوضى ويرتكب الجرائم بحق الشعب السوري، مشدداً على أن السلاح سيظل محصوراً بيد الدولة، ولن يُسمح بانتشاره بشكل غير منضبط، كما أشار إلى أن كل من يتعدّى على المدنيين أو يأخذ أبرياء بجريرة غيرهم سيُحاسب بشدة.

وفي ختام كلمته، شدد الرئيس الشرع على أن سوريا لن تتراجع إلى الوراء، بل ستواصل مسيرتها نحو الأمام، متعهداً بحماية جميع المواطنين وضمان السلم الأهلي، رغم كل التحديات.

كلمة رئيس الجمهورية العربية السورية حول الأحداث الأخيرة في الساحل السوري

كلمة الرئيس السوري أحمد الشرع كاملةً

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين.

ثم أما بعد، لقد سعى بعض فلول النظام الساقط لاختبار سوريا الجديدة التي يجهلونها، وها هم اليوم يتعرفون عليها من جديد، فيرونها واحدة موحدة من شرقها إلى غربها، ومن شمالها إلى جنوبها. إذا مست محافظة منها بشوكة، تداعت لها سائر المحافظات لنصرتها وعزتها. إن سوريا اليوم لا فرق فيها بين سلطة وشعب، فسوريا تعني الجميع، وهي مسؤولية الجميع في الحفاظ عليها ونصرتها، وهذا ما تجسد ليلة الأمس. فلا خوف على بلد فيه مثل هذا الشعب وهذه الروح.

يا أيها الفلول، إننا في معركة التحرير قاتلناكم قتال الحريص على حياتكم، رغم حرصكم على مماتنا. فنحن قوم نريد صلاح البلاد التي هدمتموها، ولا غاية لنا في سفك الدماء. نحن قوم نقاتل وفي صدورنا شرف القتال، وأنتم تقاتلون بلا شرف. وليس بالغريب عنكم ما فعلتموه، فقد أوغلتم في الدم السوري خلال عقود من الزمن، ولا زلتم على النهج ذاته، رغم تغليبنا لحالة العفو تجنباً للوقوع في مثل هذا المشهد. وإني لأجزم بجهلكم بما نقول، ولكن ما على الرسول إلا البلاغ.

إنكم بفعلكم الشنيع، بقتل من يحمي سوريا ويسهر على خدمتها، واقتحام المشافي، وترويع الآمنين، قد اعتديتم على كل السوريين، وإنكم بهذا قد اقترفتم ذنباً عظيماً لا يُغتفر. وقد جاءكم الرد الذي لا صبر لكم عليه، فبادروا إلى تسليم سلاحكم وأنفسكم قبل فوات الأوان.

أيها السوريون، لقد رأى العالم لهفتكم على بلدكم، وحبكم لها، وشعوركم بالانتماء إليها، وهذا ما يليق بكم وبأصلكم. فبغير هذا الحب لا تُبنى الأوطان. وإني أبارك لقوى الجيش والأمن على التزامهم بحماية المدنيين وتأمينهم أثناء ملاحقتهم لفلول النظام الساقط، وسرعتهم في الأداء.

وأؤكد عليهم ألّا يسمحوا لأحد بالتجاوز أو المبالغة في رد الفعل، وأن يعملوا على منع ذلك، فإن ما يميزنا عن عدونا هو التزامنا بمبادئنا. ففي اللحظة التي نتخلى فيها عن أخلاقنا، نصبح وعدونا على صعيد واحد. إن فلول النظام الساقط تبحث عن استفزاز يفضي إلى تجاوز، يستجدون من ورائه.

وأذكّركم بأن الله قد جعل منزلة الأسير بمنزلة اليتيم والمسكين: “ويُطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً”. فقد وضعه في موضع الإحسان والشفقة، فلا ينبغي إهانة الأسير، ولا تعريضه للضرب، فإن ذلك منافٍ لأمر الله، ثم لقانون البلاد.

وختاماً، سنبقى نلاحق فلول النظام الساقط، من أبى إلا أن يستمر في غيّه وطغيانه، ومن ارتكب منهم الجرائم بحق الشعب، ومن يسعى منهم إلى تقويض الأمن والسلم الأهلي. وسنقدّمهم إلى محكمة عادلة، وسنستمر في حصر السلاح بيد الدولة، ولن يبقى سلاح منفلت في سوريا بإذن الله.

وسيحاسَب حساباً شديداً كل من يتجاوز على المدنيين العزل، ويأخذ أقواماً بجريرة آخرين. فإن أهلنا في الساحل، في مناطق الاشتباك، جزء من مسؤوليتنا، والواجب علينا حمايتهم وإنقاذهم من شرور عصابات النظام الساقط.

ورغم ما تعرضنا له من غدر، فإن الدولة ستبقى ضامنة للسلم الأهلي، ولن تسمح بالمساس به على الإطلاق. وأطالب جميع القوى التي التحقت بمواقع الاشتباك بالانصياع الكامل لقادة العسكريين والأمنيين هناك، وأن يتم على الفور إخلاء المواقع لضبط التجاوزات الحاصلة، وليتسنى للقوى الأمنية والعسكرية إكمال عملها على أتم وجه.

سوريا سارت إلى الأمام، ولن تعود خطوة واحدة إلى الوراء. فاطمئنوا عليها، فهي في حفظ الله ورعايته. الرحمة لشهدائنا الأبرار، وأسأل الله أن يتقبلهم في هذا الشهر الكريم. والحمد لله رب العالمين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

تلفزيون سوريا

————————-

أحداث الساحل السوري… فلول نظام الأسد وتحريض وأخطاء وطائفية/ حسام رستم و جلنار العلي

08 مارس 2025

الهجمات الأخيرة بالساحل السوري كانت منظمة ومنسقة وسط غليان شعبي

لا يمكن إغفال المعطيات المتداولة عن مخطط لإشعال الأوضاع في الساحل

تبرز في المشهد أيضاً حملات التحريض عبر وسائل التواصل الاجتماعي

تتداخل مجموعة من العوامل الداخلية والخارجية التي دفعت نحو تفجّر معارك الساحل السوري وعودة المواجهات بين فلول النظام المخلوع وقوات الحكومة، في انعكاس واضح لحجم التحديات والمخاطر التي تحيط بسورية واستقرارها بعد ثلاثة أشهر من إطاحة نظام بشار الأسد. وتؤكد السلطات السورية أن الهجوم الذي بدأ منذ أيام يأتي في إطار مخطط يجري العمل عليه منذ فترة من قِبل فلول النظام المخلوع بدعم من أطراف خارجية، خصوصاً مع بروز أسماء قيادات في النظام السابق بوصفها أطرافا أساسية في إشعال هذا الصراع وقيادته ومنها التابعة للعقيد السابق في جيش النظام سهيل الحسن في اللاذقية، ووسط اتهامات لإيران وأطراف أخرى بدعم هذه الأحداث بهدف إرباك الحكم الحالي، ووضع عقبات في طريق تثبيت حكمه، على أمل أن يؤجج ذلك حالة التمرد لتعم بقية المناطق، خصوصاً في جنوبي البلاد، وشمالها الشرقي.

وبدا واضحاً أن المشهد في الأيام الماضية تخطى الأحداث المحدودة التي كانت تسجل في الأسابيع الماضية مما ساعد على احتوائها السريع. فالهجمات الأخيرة في الساحل السوري كان جلياً أنها منظّمة ومنسقة ضمن خطة معدة سلفاً وتم تنفيذها في لحظة غليان شعبي في محاولة لتوظيف عوامل عدة، من بينها مخاوف أقليات وتضخيم تجاوزات جرى تسجيلها خلال العمليات الأمنية في الساحل إلى جانب الاستياء الذي يتسع من تسريح آلاف الموظفين. كما يأخذ البعض على السلطات الجديدة عدم المسارعة بإطلاق عملية العدالة الانتقالية عبر محاسبة المسؤولين عن قتل السوريين أو سجنهم وتعذيبهم في السنوات الماضية بشكل قانوني وواضح، وإطلاق مسار تسويات مع فلول النظام كان ناقصاً ولم يمنع بقاء سلاح بيد فلول النظام السابق. كل ذلك تضاف إليه حملات تحريض وتجييش عبر وسائل التواصل الاجتماعي خلال الأشهر الأخيرة ضد الحكم وبدوافع طائفية واتهامات باستهداف فئات معينة من الشعب السوري، ليفتح هذا الخليط المجال أمام اشتعال الأوضاع في الساحل السوري ويضع السلطات الجديدة في واحد من أخطر التحديات التي تواجهها منذ ثلاثة أشهر والتي تتزامن مع استهداف إسرائيلي لا يتوقف للأراضي السورية ومخططات علنية لإضعاف الدولة السورية وحتى تفكيكها.

خلفيات معارك الساحل السوري

وتواصلت المواجهات في الساحل السوري بين قوات الأمن وأنصار النظام السابق أمس الجمعة في مناطق مختلفة، ولا سيما في محافظة اللاذقية التي شهدت ليلة ساخنة الخميس ـ الجمعة، خصوصاً منطقتي جبلة والقرداحة، أسفرت عن مقتل العشرات من الطرفين، إضافة إلى محافظتي طرطوس وحمص، وهي المحافظات الثلاث التي تعد الحاضنة الرئيسية لنظام الأسد. ووصلت تعزيزات كبيرة من مناطق مختلفة إلى الساحل السوري، في إطار جهود قوات الأمن العام ووزارة الدفاع السورية لملاحقة العناصر المسلحين الذين سيطر المئات منهم على العديد من البلدات والقرى والمراكز الحكومية والعسكرية، قبل أن تتمكن قوات الحكومة من استعادة الكثير منها.

وبالنسبة للأحداث الحالية في الساحل السوري فقد بدأت خلال حملة تمشيط منطقة الدعتور في محافظة اللاذقية يوم الثلاثاء الماضي، حيث انتشر فيديو لعنصر في سيارته يوجه شتائم وعبارات طائفية لأهل المنطقة، ليصدر تصريح عن جهاز الأمن الداخلي في اللاذقية بأنه تم إيقاف هذا الشخص وتحويله إلى لجنة المتابعة ليتم اتخاذ الإجراءات اللازمة بحقه. وتبع ذلك الاعتداء على دورية للأمن العام في محيط قرية بيت عانا، ثم توسعت الاعتداءات لتشمل مناطق عدة. وتحدث مصدر أهلي من مدينة جبلة لـ”العربي الجديد” عن وجود معلومات باستنفار عناصر خارجة على القانون قبيل شهر رمضان لتنفيذ هجمات واسعة على الأمن العام، وبدأت الأحداث يوم الجمعة 28 فبراير/شباط الماضي بعد أن حضر عناصر الأمن العام إلى قرية الدالية لإلقاء القبض على أحد المطلوبين، فرفض الأهالي تسليمه، وقام بعض المسلحين باستعصاء وهجوم على سيارات الأمن، فيما تطوّرت الأمور لتصل إلى اشتباكات داخل المدينة، كانت نتيجتها سقوط ضحايا ومحاصرة مستشفيات من قبل المسلحين الخارجين على القانون، كالمستشفى الوطني ومستشفى النور، وهذا ما أدى إلى تحويل إحدى الصالات التي تتبع لجامع أبي بكر إلى مستشفى ميداني. وأشار المصدر إلى أن التحريض الذي جرى على صفحات “فيسبوك” خلال الأشهر الماضية، أسهم في زرع فكرة الانفصال لدى الكثير من المواطنين، لأسباب طائفية.

ولا يمكن إغفال المعطيات المتداولة عن وجود مخطط في الساحل السوري يُحضّر له منذ فترة غير قصيرة لإشعال الأوضاع هناك، خصوصاً بعد عودة أحد قادة “الفرقة الرابعة” (التي كان يقودها ماهر الأسد) غياث دلا إلى واجهة الأحداث، معلناً قبل أيام تشكيل ما سماه “المجلس العسكري لتحرير سوريا”، وبدء التنسيق مع قيادات أخرى في جيش النظام السابق. وتشير المعطيات أيضاً إلى تنسيق مع أطراف خارجية، لتتجه أصابع الاتهام إلى إيران التي صدرت من مسؤوليها تصريحات عديدة ضد الإدارة الجديدة في دمشق ومنها قول مستشار المرشد الإيراني علي أكبر ولايتي، قبل أيام، إن هناك احتمالية لاندلاع حرب أهلية في سورية في أي لحظة.

لحظة صفر للتمرد

وأرجع الناشط الإعلامي في مدينة جبلة مهيار بدرة، في حديث لـ”العربي الجديد”، أسباب الوضع الحالي في الساحل السوري إلى تعمّد البعض استغلال سياسات السلطة المحقة بإعادة هيكلة المؤسسات، ليصطادوا ببعض الأخطاء التي يجري تضخيمها من قبل الضباط الهاربين وبعض الناشطين المشبوهين على وسائل التواصل الاجتماعي، وذلك في إطار مخطط يجري العمل عليه منذ شهرين وتم التجهيز لما يسمى لحظة الصفر لاحتلال مدن اللاذقية وجبلة وطرطوس. ورأى بدرة أنه لن يتم تجاوز خطورة الوضع الراهن، من دون تسليم القادة الفعليين لهذا التمرد المسلح وتقديم المجرمين للعدالة، مشدداً على أن تعزيز السلم الأهلي يبدأ بمحاسبة المجرمين من ضباط الجيش السابق وفروع الأمن وتقديمهم للعدالة وحصر السلاح تماماً بيد الدولة.

ورأى المحامي عمار عز الدين أن فلول النظام السابق تسعى إلى زعزعة الاستقرار والأمن، خصوصاً في المناطق التي كانت تعتبر حاضنة شعبية وخزاناً بشرياً لنظام الأسد، فهؤلاء الفلول متورطون في ارتكاب الانتهاكات والجرائم بحق السوريين، ما يجعل من مصلحتهم إثارة الفوضى لأنه مع استقرار الوضع سوف يساقون للمحاسبة والمساءلة أمام القضاء. وأضاف في حديث مع “العربي الجديد” أن هؤلاء تعودوا على حياة السرقة والنهب التشبيح منذ عهد النظام البائد، ما يجعل من الصعب عليهم الالتزام بالقانون. ورأى أن المطلوب فوراً هو سحب السلاح من هؤلاء من خلال حملات أمنية وتفتيش دوري للقبض على وإحالتهم للقضاء حتى قبل صدور قانون العدالة الانتقالية وذلك بالاستناد إلى قانون العقوبات السوري.

من جهة أخرى، يتحدث آخرون عن أخطاء ارتكبتها السلطات في دمشق. وشرح الصحافي كمال شاهين من محافظة اللاذقية، لـ”العربي الجديد”، كيف أنه في الأيام الأولى لسقوط نظام الأسد، استقبل أهالي الساحل عناصر الأمن بالترحاب، حيث دخلوا إلى مدينة القرداحة وكل القرى الساحلية بسلاسة وهدوء، ولم يتعرض عناصر الأمن هناك لأي اعتداءات على الرغم من قلة أعدادهم، لكن ما جرى أخيراً في بعض المناطق مثل عين شمس في ريف حماة، والدعتور في اللاذقية غيّر هذه الصورة، وخفف من تأييد المجتمعات المحلية للحكم الجديد. واعتبر شاهين أن التطورات الأخيرة ليست لها خلفيات أمنية فقط، وإنما محصلة لما جرى خلال الأشهر الثلاثة الماضية، من فصل آلاف الموظفين الذين كانوا يتقاضون أجوراً لا تتجاوز 20 دولاراً، إلى تأخر صرف رواتب الموظفين القائمين على رأس عملهم، والمتقاعدين المدنيين والعسكريين، إضافة إلى وجود محاولة واضحة لوضع مديرين وموظفين من محافظة إدلب مكان عدد من الخبرات الموجودة في محافظتي طرطوس واللاذقية، فيما اعتبر بعض أهالي المنطقة ما يجري محاولة لتعديل ميزان وظائف الدولة في منطقة الساحل، واستخفافا بالخبرات الموجودة في تلك المنطقة. وأشار إلى فصل 361 ممرضة من المستشفى الوطني في اللاذقية، يشكلن العمود الفقري للمستشفى، لتغدو أقسام التخدير والتعقيم والأمراض المزمنة خالية من الممرضات. واعتبر شاهين أنه كان بإمكان الدولة السورية تفادي ما يجري في الساحل، عبر الانتقال إلى مرحلة العدالة الانتقالية والبدء بعمليات جبر الضرر بشكل قانوني، عن طريق وجود أجهزة قضائية تتابع ذلك، فمن شارك بقتل السوريين أو سجنهم أو اعتقالهم، تجب محاسبته بشكل قانوني وواضح، وليس كما يجري الآن والذي يؤدي إلى زعزعة السلم الأهلي والمجتمعات المحلية، وفق تعبيره.

من جهته، اعتبر المهندس ظهير صالح المنحدر من اللاذقية، وهو متابع للوضع العام، في حديث لـ”العربي الجديد” أن الاحتقان في الساحل السوري ليس وليد اليوم بل ازداد بعد سقوط النظام وذلك لأسباب كثيرة، منها: طرق تعامل عناصر الأمن خلال إلقاء القبض على فلول النظام، سواء كانوا عسكريين أو فاسدين قطعت أرزاقهم بعد سقوط النظام، علماً أن هؤلاء يستمرون في تحريض الشارع والتجييش والاحتقان، باستخدام أشياء موجودة على أرض الواقع، منها الفصل التعسفي للموظفين، وبعض الإهانات الطائفية. ورأى أن الدولة لم تستوعب مخاوف أبناء الطائفة العلوية.

حملات تحريض

أما المحامي عبد السلام الخوجة، وهو أحد الناشطين في مبادرات السلم الأهلي باللاذقية، فوصف الوضع بالخطير جداً ويهدد بانقسام كبير في المجتمع، ودعا جميع الأطراف لضبط النفس وعدم الانجرار وراء التهويل والشائعات وخطابات الكراهية التي تملأ الفضاء الالكتروني. ورأى الخوجة في حديث لـ”العربي الجديد” أن هناك الكثير من الأسباب التي أدت إلى وصول الأوضاع إلى نقطة الانفجار، أولها تهاون السلطة الجديدة في ملاحقة الضباط البارزين ومرتكبي جرائم الحرب وعدم ضبط الأمور أمنياً والتساهل مع بعض مفتعلي المشكلات الطائفية من كلا الطرفين على الرغم من دعوات بعضهم العلنية للتدخل الخارجي والتقسيم، حتى وصل الحال إلى حدوث توتر في أي عملية أمنية يقوم بها الأمن العام في هذه القرى. وأضاف الخوجة أن هناك اصطفافاً طائفياً واضحاً ساهمت فيه مجموعة من الأشخاص معظمهم يقيم خارج البلاد من خلال تزوير بعض الحوادث وتهويل بعضها الآخر. كما ساهم الوضع الدولي المعقّد والتدخّل الإسرائيلي في الشأن السوري في تجرؤ البعض على سلطة الدولة والاستقواء بالأطراف الخارجية لاسيما إيران. ووضع جملة حلول لتجنب الفوضى ومزيد من الدماء أبرزها التسريع بتحسين الوضع الاقتصادي ومراجعة سياسة فصل العاملين في الدولة والتمهل بها أكثر وإشراك “المكون العلوي” في صنع القرار ضمن الحكومة الجديدة، وإقامة حوار فعال بين الأشخاص الوطنيين في المحافظة لضبط الأمور.

وتبرز في المشهد أيضاً حملات التحريض عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وهو ما أشارت إليه الكاتبة السورية رشا عمران، التي لفتت في منشور لها على “فيسبوك” إلى انسياق الكثير من أبناء الساحل خلف حملات التحريض والتجييش التي يطلقها محرضون يعيشون في الخارج ويرتبطون بإيران وبإسرائيل، وهذا تم التأكد منه فعلاً. وأضافت أن هذه الصفحات تضخّم كل حدث فردي أو شخصي يرتكب ضد علوي وتضعه في خانة الثأر الطائفي، مشيرة إلى أن هذا التهويل اليومي منع كثرا من العلويين من الانتباه إلى أن إجراءات التسريح وتأجيل صرف الرواتب تطبّق في كل سورية وليس في الساحل فقط. ورأت عمران أنه مع هذه الظروف والفقر الشديد، بات البعض ينساق لدعوات التسليح ليكونوا من جديد وقودا لمطامع كبار مجرمي النظام من الضباط وتجار الكبتاغون المرتبطين أصلا بأجندة إيرانية.

العربي الجديد

———————————-

ما التحديات الأمنية التي يواجهها الشرع في سوريا؟

تتصدى الإدارة الحالية لمسلحين موالين للنظام والمسلحون الأكراد مصرون على احتفاظهم بمكتسبات الإدارة الذاتية

  أ ف ب

السبت 8 مارس 2025

بعد إطاحة بشار الأسد، شهدت مدينة اللاذقية توترات أمنية مع تنفيذ السلطات حملات أمنية فيها، وفي شمال شرقي سوريا، يشكل وجود المسلحين الأكراد تحدياً آخر للسلطة مع إصرارهم على الحفاظ على مكتسبات الإدارة الذاتية التي بنوها خلال أعوام النزاع.

تواجه الإدارة السورية التي تتصدى حالياً لمسلحين موالين للنظام السابق في محافظة اللاذقية تحديات أمنية كبيرة تحول دون بسط نفوذها على كامل التراب السوري، مع وجود مجموعات مسلحة متعددة الولاءات.

ويشكّل الساحل السوري معقل الأقلية العلوية التي تنتمي إليها عائلة رئيس النظام السابق بشار الأسد، وينظر إلى تلك المنطقة بوصفها حاضنة عائلة الأسد التي حكمت سوريا بقبضة من حديد لأكثر من خمسة عقود.

وكان للعلويين الذين يشكلون نحو تسعة في المئة من سكان سوريا ذات الغالبية السنية، حضورهم خلال الحكم السابق في المؤسسات العسكرية والأمنية التي لطالما اعتمدت الاعتقال والتعذيب لقمع أية معارضة.

توترات أمنية في اللاذقية

وبعد إطاحة الأسد، شهدت مدينة اللاذقية توترات أمنية مع تنفيذ السلطات حملات أمنية فيها، تزامنت مع تكرار حصول حوادث خطف وإطلاق نار، مما أثار مخاوف العلويين من عمليات انتقامية.

وعلى رغم أن حدة التوترات كانت قد تراجعت في الآونة الأخيرة، استمر تسجيل هجمات عند حواجز تابعة للقوى الأمنية من وقت إلى آخر، ينفذها أحياناً مسلحون موالون للأسد أو عناصر سابقون في الجيش السوري، وفق “المرصد السوري” لحقوق الإنسان.

وتضم المنطقة الساحلية عدداً كبيراً من الموالين للأسد من أفراد الجيش السوري السابق الذين لا يزالون يحتفظون بسلاحهم والعاملين في المؤسسات العامة، والذين صرفتهم السلطة الجديدة من وظائفهم. وبات هؤلاء عاطلين عن العمل ومتروكين لمصيرهم.

“هشاشة الحكومة”

وتظهر الاشتباكات الدامية المستمرة منذ أول من أمس الخميس في المنطقة، وفق ما يقول الباحث في مؤسسة “سنتشوري إنترناشونال” آرون لوند “هشاشة الحكومة” التي لا تملك للتعامل مع المسلحين العلويين “إلا سلطة القمع”، مضيفاً “لذا عندما تقع هجمات، تنطلق هذه الجماعات لتجوب القرى العلوية، لكن تلك القرى مليئة بالمدنيين الضعفاء وبالعسكريين السابقين المسلحين”، مما يجعلها أشبه بـ”قنبلة موقوتة”.

ومنذ وصوله إلى السلطة، وجه الرئيس السوري أحمد الشرع رسائل طمأنة إلى الأقليات، على وقع مطالبته من المجتمع الدولي بإشراك المكونات كافة في إدارة المرحلة الانتقالية، وطالب قواته بضبط النفس محذراً من الطائفية، إلا أن ذلك لا يجد على الأرجح صدى لدى مختلف الفصائل التي تعمل بإمرته، والتي تشكل حالياً وفق لوند “جيش سوريا وشرطتها”.

وجود المسلحين الأكراد تحدّ آخر للسلطة

في شمال شرقي سوريا، يشكل وجود المسلحين الأكراد تحدياً آخر للسلطة مع إصرارهم على الحفاظ على مكتسبات الإدارة الذاتية التي بنوها خلال أعوام النزاع، ورفضهم حل أنفسهم كشرط للانضمام إلى الجيش الجديد.

وتسيطر “قوات سوريا الديموقراطية”، المدعومة أميركياً، والتي تشكل الذراع العسكرية للإدارة الذاتية، على مساحات شاسعة في شمال شرقي سوريا فيها أبرز حقول القمح والنفط والغاز التي تحتاج سلطات دمشق بشدة إلى مواردها في المرحلة المقبلة.

إلى الآن لم تحقّق محادثات عقدت بين الطرفين أي تقدم، مع إصرار الأكراد على الحفاظ على وجودهم ككيان عسكري مقابل تحقيق غالبية طلبات دمشق.

ويقول الباحث في الشأن السوري فابريس بالانش “طالما أن القوات الأميركية موجودة في شمال شرقي سوريا، فإن (قوات سوريا الديمقراطية) لن تتفكك”.

وتشكل واشنطن التي تنشر المئات من قواتها في مناطق سيطرة الأكراد، دعماً رئيساً لهذه القوات في حربها ضد تنظيم “داعش” خلال أعوام النزاع.

ويوضح بالانش “يقبلون بعودة الإدارة المدنية السورية، بما في ذلك الخدمات الصحية والتعليم، لكنهم يرفضون دخول القوات العسكرية التابعة لـ(هيئة تحرير الشام)” الفصيل الذي قاد الهجوم الذي أطاح الأسد، ويضيف “يريدون الاحتفاظ باستقلالهم الإداري والحفاظ على نظام المقاطعات الذي بنوه”.

ويشكل العرب أكثر من 60 في المئة من سكان الإدارة الذاتية، وفق بالانش الذي يقول إن هؤلاء باتوا يريدون “التخلص من الهيمنة الكردية” منذ تولي الشرع السلطة.

نأى دروز سوريا إلى حد كبير بأنفسهم عن النزاع

كما يشكّل الدروز ومعقلهم الرئيس في سوريا محافظة السويداء (جنوب)، حوالى ثلاثة في المئة من سكان سوريا.

بعيداً عن الدفاع عن أنفسهم في مواجهة هجمات في المناطق التي يعيشون فيها، نأى دروز سوريا إلى حد كبير بأنفسهم عن النزاع الذي بدأ عام 2011، وتمكّن عدد منهم من تجنب التجنيد الإجباري في الجيش. وأبدى فصيلان عسكريان رئيسان، مطلع العام، استعدادهما للاندماج تحت مظلة جيش وطني، لكن حتى اللحظة لم يسلّم أي منهما سلاحه إلى السلطة الجديدة.

وأحدثت تصريحات إسرائيلية، أخيراً، بلبلة في سوريا، بعدما قال وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس مطلع مارس (آذار) الجاري إنه “إذا أقدم النظام على المساس بالدروز فإننا سنؤذيه”، وذلك على إثر اشتباكات محدودة في مدينة جرمانا الواقعة في ضاحية دمشق التي يقطنها دروز ومسيحيون.

وأبدى قادة ومرجعيات دينية درزية رفضهم للتصريحات الإسرائيلية وأكدوا تمسكهم بوحدة سوريا، وهو ما أكده الشرع بدعوته المجتمع الدولي إلى الضغط على إسرائيل للانسحاب “الفوري” من مناطق توغلت فيها في جنوب سوريا.

وفي منشور على “إكس”، قال مدير برامج سوريا ومكافحة الإرهاب والتطرف بـ”معهد الشرق الأوسط” تشارلز ليستر “في الوقت الحالي، يبدو أن محاولات إسرائيل استغلال دروز سوريا قد جاءت بنتائج عكسية، لكن لا تتوقعوا أن تتوقف التهديدات والإجراءات العسكرية”.

—————————–

التصعيد في غرب سوريا.. بين حسابات الداخل وتدخلات الخارج

الحرة – واشنطن

08 مارس 2025

في وقت تتصاعد حصيلة أعداد القتلى والجرحى بين صفوف الموالين لنظام بشار الأسد المخلوع وعناصر قوات الأمن وغيرهم من المدنيين، تباينت ردود الفعل الإقليمية والدولية حول ما يجري في غرب سوريا من اشتباكات تعد الأعنف منذ الإطاحة ببشار الأسد في الثامن من ديسمبر.

فالسلطات السورية أوضحت أن البلاد تواجه “حربا خفية” وكشفت عن تورط قيادات عسكرية وأمنية تتبع نظام الأسد المخلوع. في وقت عبرت الأمم المتحدة عن قلقها من الاشتباكات وعمليات القتل وسط تقارير “مقلقة للغاية عن وقوع ضحايا مدنيين”.

وحذرت الخارجية الإيرانية من أن العنف في سوريا قد يؤدي إلى عدم استقرار إقليمي. أما إسرائيل فقد حذرت بدورها من تصاعد أعمال العنف وراتكاب ما وصفته بـ “مجزرة” بحق العلويين، مؤكدة أنها “ستحمي نفسها من أي تهديد قادم من سوريا”.

وفي وقت سابق، أعربت السعودية عن إدانتها “للجرائم التي تقوم بها مجموعات خارجة عن القانون واستهدافها القوات الأمنية.” وأكد الأردن من جهته، دعم سوريا “في كل ما تتخذه من إجراءات لحماية أمنها ورفضه أي تدخل خارجي أو محاولات لدفع البلاد نحو الفوضى.”

تركيا دخلت على خط المواجهة وأرسلت تعزيزات عسكرية من مناطق شرق سوريا لدعم القوات السورية التي اتجهت إلى اللاذقية لبسط الأمن هناك. أما مصر فرفضت “أي تحركات من شأنها أن تمس أمن وسلامة واستقرار الشعب السوري الشقيق”.

وفي ظل هذا التصعيد الخطير، تثار العديد من التساؤلات حول الأسباب الحقيقية وراء هذه الاشتباكات، وهل يمكن أن تكون هذه الأحداث نتيجة لتمرد منسق؟ كما يبقى السؤال مفتوحًا حول كيف ينظر السوريون إلى ما يحدث، وما إذا كانت هذه الأحداث تشير إلى تحول كبير في الوضع السوري.

العلويون سوريون وليسوا موالين للأسد

الكاتب والصحفي بسام يوسف، الذي ينتمي إلى الطائفة العلوية، رفض أن يتم وصف مناطق اللاذقية وطرطوس بأنها مناطق “موالية للأسد”، موضحًا أن هذه المناطق كانت تحت سيطرة النظام، تمامًا كما كانت العاصمة دمشق، التي لم يتم تصنيفها على أنها “موالية”.

وأكد أنه لم يتم استخدام الأسلحة الثقيلة في الاشتباكات التي وقعت في اللاذقية، مشيرًا إلى أن الأسلحة المتوسطة تم استخدامها في منطقة القرداحة، التي تعد معقل عائلة الأسد.

يوسف أشار إلى أنه لم يكن هناك أي تنسيق بين الأطراف التي قاتلت القوات السورية في تلك الاشتباكات، موضحًا أن هذه الاشتباكات حدثت في فترات متفرقة، وانتقلت من منطقة إلى أخرى.

ورغم اعترافه بوجود أطراف تسعى لإثارة الفتن والنزاعات، ووجود تورط إيراني في هذا السياق، إلا أنه أرجع السبب الرئيسي لما حدث إلى حالة الاحتقان الموجودة لدى الأهالي، نتيجة الانتهاكات التي ترتكب بحق العلويين بعد سقوط نظام الأسد.

وأوضح يوسف أن القوات السورية كانت متواجدة في المنطقة منذ سقوط النظام، وأنه لم تحدث أي اشتباكات مسلحة طوال تلك الفترة. لكنه أضاف أن جهات قد تكون مرتبطة بإيران أو إسرائيل أو نظام الأسد استغلت حالة الاحتقان هذه لتأجيج الأزمة.

قسد والميليشيات الإيرانية: الأيادي الخفية

السياسي الكردي عبد العزيز تمو، وجه اتهاماته لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) والفصائل التابعة لحزب العمال الكردستاني بتأجيج الصراع في المنطقة.

تمو أشار إلى أن قسد قامت باحتضان العديد من الجنود والضباط السوريين الذين كانوا في صفوف جيش نظام الأسد المخلوع، وأنها سهلت انتقال آخرين من هؤلاء إلى العراق.

كما تحدث عن وجود نحو 7 آلاف جندي وضابط في منطقة الحسكة، كانوا ينتمون إلى جيش النظام، بالإضافة إلى ميليشيات إيرانية تمركزت في مناطق الجزيرة في دير الزور والرقة والحسكة وعلى الحدود مع العراق.

تمو أضاف أن هناك تنسيقًا مستمرًا بين قسد والميليشيات الإيرانية و”بقايا جيش النظام” الذين انضموا إلى قسد مع كامل أسلحتهم. واعتبر أن هذا التنسيق دليل على أن قسد “تلعب بالنار” وتحاول زعزعة الاستقرار في سوريا.

كما أوضح أن ما يحدث ليس مرتبطًا بالمكون الكردي أو العلويين أو الدروز أو بقية فئات المجتمع السوري، بل هو نتيجة لوجود أطراف ذات أجندات خارجية، لها علاقة بالنظام السوري المخلوع، وتعمل على نشر الفوضى وتؤجج الحرب الأهلية في البلاد.

تواجه الإدارة السورية الانتقالية التي تتصدى حاليا لمسلحين موالين للحكم السابق في محافظة اللاذقية، تحديات أمنية كبيرة تحول دون بسط نفوذها على كامل التراب السوري، مع وجود مجموعات مسلحة متعددة الولاءات.

مخاوف “درزية” من سلطة الشرع

مروان كيوان، أحد شيوخ الطائفة الدرزية في السويداء، تحدث عن ما وصفه بانتقال السلطة في ديسمبر 2024 بعد سقوط نظام الأسد، مشيرًا إلى أن هذا لم يكن انتصارًا للثوار السوريين، بل كان “اغتصابًا للسلطة من قبل داعش”.

وأوضح أن من يسيطر على سوريا الآن يتصرف وكأنه هو الدولة، ويمارس القتل والتدمير.

كيوان حذر من أن الانضمام المستمر لعناصر مسلحة تقدر بحوالي مئة ألف عنصر، ومن بينهم قيادات أجنبية من الشيشان وأوزبكستان، إلى المنظومة الأمنية الجديدة في سوريا، يزيد من حالة القلق، متهما هذه العناصر بارتكاب “المجازر” ضد العلويين، بالإضافة إلى التنكيل بالمسيحيين والأكراد.

كما أشار إلى أن موقف الدروز من الأوضاع في سوريا واضح، حيث اتهم الجهات التي دخلت طرفا في السطلة السورية الجديدة بالعمل على “تشويه صورة الدروز” وزعزعة وحدتهم.

وأضاف أن معظم الدروز كانوا ضد نظام الأسد وكانوا ضحايا لهذا النظام، لكن موقفهم الرافض للسلطة الجديدة في سوريا يعود إلى مخاوفهم من الأجندات التي تحملها هذه السلطة، خصوصًا في ما يتعلق بالتعامل مع الأقليات.

مسيحيو سوريا: مع نظام يحمي الحقوق

كبريل موشي، المسؤول في المنظمة الآشورية الديمقراطية، تحدث عن موقف المسيحيين في سوريا بعد سقوط نظام الأسد، مشيرًا إلى أنهم، مثل باقي السوريين، يتطلعون إلى بناء دولة مستقرة تعتمد على الشراكة بين جميع مكونات الشعب السوري.

وأدان موشي العنف الذي تشهده اللاذقية، داعيًا إلى استخدام لغة العقل وضبط النفس في التعامل مع الأوضاع الحالية.

وأوضح أنه من حق السلطات أن تتخذ إجراءات ضد أي حالة تمرد، لكنه دعا السلطات السورية الجديدة إلى اتباع وسائل أخرى غير تلك التي اتبعها نظام الأسد.

موشي اتهم الموالين لنظام الأسد السابق بحمل السلاح والوقوف ضد السلطة السورية الجديدة، وحذر من التدخل الإيراني في الشأن السوري.

كما أشار إلى أن هناك أطرافًا تحاول “إعادة عقارب الساعة إلى الوراء”، موضحًا أن هذه المحاولات هي “معركة خاسرة” للأطراف التي تسعى إلى عودة النظام السابق.

في وقت برز اسم العميد في النظام السوري السابق، غياث دلا، كأحد منسقي وقادة التمرد المسلح ضد قوات الإدارة السورية الجديدة في الساحل السوري، تثار تساؤلات عن بقية المسؤولين والضباط الكبار الذين اختفوا فجأة مع هروب بشار الأسد إلى موسكو.

هل بدأت “ساعة الصفر”؟

مراسل الحرة أوضح أن السلطات السورية مددت حظر التجوال إلى يوم السبت وأرسلت تعزيزات اضافية، مشيرا إلى أن السلطات أكدت أن الهجوم على القوات الأمنية كان منظما سيما بعد انتشار بيانات لموالين لنظام الأسد على مواقع التواصل الاجتماعي تشير إلى بدء “ساعة الصفر”.

واشار إلى أن السلطات السورية بسطت سيطرتها من جديد على بعض المناطق في اللاذقية في حين مازالت مناطق أخرى سيما السلسة الجبلية غير مؤمنة بسبب طبيعتها الجغرافية.

ولم يقتصر هذا التصعيد على اللاذقية في غرب سوريا، بل شهدت مناطق أخرى في ضواحي العاصمة دمشق ودرعا مواجهات مسلحة.

مراقبون وصفوا ما يحدث في اللاذقية بأنه “تمرد منظم يشتم منه رائحة دعم إيراني” وسط مخاوف من تورط طهران وجهات لدعم الموالين للرئيس السوري المخلوع من أجل قيادة تمرد ضد الحكومة السورية الجديدة لافشال المرحلة الانتقالية بعد تعرض إيران لضربة قوية بعد سقوط نظام الأسد.

وقال رئيس المرحلة الانتقالية في سوريا أحمد الشرع الجمعة في أول تعليق له بعد أعمال العنف في المناطق الساحلية بالبلاد إن سوريا ستلاحق “فلول” نظام بشار الأسد المخلوع وستقدمهم للمحاكمة.

وتشكل المعارك مؤشرا على حجم التحديات التي تواجه الرئيس الانتقالي أحمد الشرع لناحية بسط الأمن في عموم سوريا، مع وجود فصائل ومجموعات مسلحة ذات مرجعيات مختلفة بعد 13 عاما من نزاع مدمر.

الحرة – واشنطن

—————————–

الأقليات في سوريا: مجموعات ضعيفة أم ثغرات سياسية

معالجة المخاوف تستوجب خطوات جريئة وحاسمة لبناء سوريا شاملة.

2025/03/08

حقوق الأقليات ضرورية لتعزيز مستقبل تعددي وديمقراطي

رغم التطمينات بمستقبل تعددي وديمقراطي التي وجهتها القيادة الجديدة، لا تزال الأقليات في سوريا متشككة. وهمش الحوار الوطني الذي انعقد مؤخرا في سوريا مكونات أقلية ما يعزز المخاوف.

دمشق – أثار سقوط دكتاتورية عائلة الأسد التي استمرت لعقود من الزمن في ديسمبر 2024 الآمال في سوريا أفضل. ولكن هل جلبت الأمل لجميع السوريين؟

وأظهر اندلاع الاحتجاجات السلمية في سوريا في عام 2011 رغبة الشعب السوري في حكومة تمثلهم حقا. ومع صعود الجماعات المتطرفة في سوريا في السنوات الأولى من الحرب الأهلية التي تلت ذلك، وأبرزها داعش الذي سيطر على أجزاء كبيرة من سوريا، رأى العديد من الناس أن البديل لنظام الأسد كارثي.

واستخدم النظام صعود داعش وحتى دعّم بقاءه في محاولة لتصنيف جميع قوى المعارضة السورية على أنها “إرهابية”.

وكانت إستراتيجية الأسد فعالة، وحظي بدعم محلي ودولي من خلال دفع فكرة أن الأقليات العرقية والدينية في سوريا سوف تتعرض للاضطهاد بدونه ونظامه.

ولعبت التركيبة السكانية العرقية والدينية المتنوعة في سوريا ــ مثل الآشوريين والأرمن والأكراد والمسيحيين والدروز والإسماعيليين والعلويين ــ دورا رئيسيا في نجاح هذه الإستراتيجية. فقد وقعت هذه المجتمعات في معضلة الحياة والموت، حيث بدا الحكم الدكتاتوري المألوف، على الرغم من قمعه، أفضل من حالة عدم اليقين التي يفرضها تنظيم داعش الإرهابي.

الأقليات الدينية والعرقية في سوريا لعبت منذ فترة طويلة دورا محوريا في تشكيل ديناميكيات المشهد السياسي

ولكن في الثامن من ديسمبر من العام الماضي، تغير السيناريو بشكل كبير. فقد فرّ الأسد إلى موسكو وانهار نظامه. وأما الحكومة الجديدة بقيادة زعيم هيئة تحرير الشام، الرئيس المؤقت أحمد الشرع، فتقدم واقعا مختلفا تماما.

وقال الشرع “نحن نعمل على حماية الطوائف والأقليات من أيّ اعتداء، سواء أكان من الداخل أو من قوى خارجية تحاول استغلال الوضع لإثارة الفتنة الطائفية.”

ويقول مانوج عنتابي، الباحث في مركز دراسات الصراع والعمل الإنساني، في تقرير نشره موقع “مونيتور الشرق الأوسط” إنه مع ذلك، فإن الأقليات في سوريا لم تنظر إلى مثل هذه التصريحات على أنها ضمانة لحمايتها، ويرجع ذلك أساسا إلى التاريخ المقلق للرئيس المؤقت وجماعته السابقة المرتبطة بتنظيم القاعدة.

وبالتالي، أصبحت قضية الأقليات وحمايتها موضوعا مركزيا للنقاش في سوريا وتلك البلدان التي تخطط لإقامة علاقات مع الحكومة في دمشق.

وهذا أعطى قضية الأقليات أهمية خاصة، وشكل أول اختبار رئيسي للشرع في المجال السياسي. ومع ذلك، لا يمكن حل القضية ببساطة من خلال الظهور العلني والتصريحات حول ما ستفعله حكومته أو لن تفعله.

ومن الواضح أن حماية الأقليات في سوريا تشكل أهمية بالغة لإرساء الديمقراطية في سوريا. وفضلا عن ذلك، فإنها تشكل أهمية أعظم بالنسبة إلى الشرع وحكومته، لأن شرعيته داخل سوريا وعلى الساحة الدولية تعتمد عليها، إذ أن شرعية الأسد كانت متجذرة في قدرته على تقديم مظهر الوحدة والتماسك بين الأقليات في سوريا.

واستغلت القوى الإقليمية والدولية الساعية إلى تعزيز مصالحها في سوريا أو الضغط على الشرع للموافقة على مطالبهم وضعية الأقليات.

ويتجلى هذا في أمثلة مجموعتين أقليتين في سوريا، الدروز، الذين يشكلون ثلاثة في المئة من السكان، والأكراد، الذين يشكلون عشرة في المئة.

ويتركز أغلب أفراد الطائفة الدرزية في المناطق الجنوبية من سوريا. ورغم أن الزعيم الروحي الدرزي الشيخ حكمت الهاجري دعا شعبه إلى “حماية الممتلكات العامة والخاصة كواجب وطني وأخلاقي، ومنع أعمال التخريب وعرقلة أيّ محاولة لتقويض الأمن والاستقرار في السويداء،” فإن قضية الدروز كانت بمثابة خرق أمني خطير لسوريا.

وأظهرت إسرائيل استعدادها لحماية الدروز، بحجة أن القوات السورية كانت تهاجم الأقلية. وأصرت إسرائيل على أنها “لن تسمح للنظام الإرهابي للإسلام المتطرف في سوريا بإيذاء الدروز،” فـ”إذا أذى النظام الدروز، فسوف نؤذيهم.”

وغزت القوات الإسرائيلية واحتلت المناطق الجنوبية من سوريا، وحذرت دمشق من أن القوات السورية يجب ألا تدخل تلك المناطق.

إستراتيجية الأسد كانت فعالة وحظيت بدعم محلي ودولي من خلال دفع فكرة أن الأقليات العرقية والدينية في سوريا سوف تتعرض للاضطهاد

ويمثل الأكراد حالة مماثلة. فقد قال مظلوم عبدي، قائد قوات سوريا الديمقراطية – وهي جماعة مسلحة يقودها الأكراد وتدعمها الولايات المتحدة وتعارض الأسد – إن حكومة الشرع “تقدم فرصة لبناء سوريا جديدة قائمة على الديمقراطية والعدالة التي تضمن حقوق جميع السوريين.”

ومع ذلك، فقد طلب من الرئيس الأميركي دونالد ترامب إبقاء القوات الأميركية في سوريا لمنع عودة ظهور داعش في فراغ السلطة في سوريا.

وتم لعب ورقة الأقلية مرتين في الواقع، لأن قوات سوريا الديمقراطية لديها أيضا مقاتلون مسيحيون.

ونتيجة لذلك، بقيت القوات الأميركية في شرق سوريا، رسميا لدعم قوات سوريا الديمقراطية، ولكن في الواقع للاستفادة من موارد سوريا ومضاعفة وجودها العسكري، وبالتالي تحدي سيادة البلاد.

ولعبت الأقليات الدينية والعرقية في سوريا منذ فترة طويلة دورا محوريا في تشكيل المشهد السياسي في البلاد، إلا أن موقفها لا يزال محفوفا بالمخاطر في ظل حالة عدم الاستقرار المستمرة.

وفي حين ينظر إليها البعض باعتبارها ضرورية لتعزيز مستقبل تعددي وديمقراطي، ينظر إليها آخرون باعتبارها أدوات للضغط السياسي من جانب الجهات الفاعلة المحلية والأجنبية على حد سواء.

ولمعالجة هذه القضية بشكل فعال، يتعين على الرئيس المؤقت وحكومته اتخاذ خطوات جريئة وحاسمة لبناء سوريا شاملة، حيث لا يكون الحوار الوطني رمزيا فحسب، بل وأيضا ذا معنى وتحوّل حقيقي.

——————————-

كيف أفضى “الحوار الوطني” السوري إلى معارك الساحل؟/ عبد الحليم سليمان

محللون: كان من المفترض به إنتاج الحل السياسي لكن أطرافاً عدة رفضت مقرراته واتهمته بالإقصاء والآن دخلت البلاد منعطفاً خطراً

السبت 8 مارس 2025

على رغم أن الملف السوري الداخلي يعج بالأزمات المعقدة والفجوات بين الأطراف المختلفة والصدوع التي تشكل معظمها في فترة الأسد وحربه، فإن أكبر ملفاتها هو القضية الكردية التي كانت تلقي بظلالها الثقيلة على الخلافات بين دمشق وقوات سوريا الديمقراطية وأجنحتها السياسية والإدارية، لكن التطورات الأخيرة في هذه القضية في تركيا تبعث بعض الآمال لدى المسؤولين وصناع القرار داخل سوريا، وهو ما من شأنه تخفيف وطأة الانقسام بين المسؤولين الجدد في العاصمة ونظرائهم في شمال شرقي سوريا.

بعد مضي ثلاثة أشهر على سقوط نظام الأسد وتسلم قائد “هيئة تحرير الشام” أحمد الشرع رئاسة المرحلة الانتقالية في البلاد، توجهت أنظار السوريين إلى الخطوات التي أعلن عنها الشرع في خطاب توليه منصبه الجديد، التي كان أولها البدء بحوار وطني يجمع السوريين لرسم ملامح المرحلة الجديدة في سوريا، ومن ثم تشكيل لجنة لوضع إعلان دستوري وحكومة سورية شاملة.

لكن تشكيل اللجنة التحضيرية لمؤتمر الحوار الوطني المؤلفة من سبعة أشخاص اصطدم بانتقادات واسعة من قبل السوريين، على أنها كانت من “لون واحد” ولا تعكس إرادة السوريين ومشاركتهم المتنوعة دينياً وعرقياً وحتى فكرياً حيث يوجد فيها خمسة مقربين من “هيئة تحرير الشام” بحسب مراقبين سوريين، ليأتي عقد مؤتمر الحوار الوطني يومي الـ24 والـ25 من فبراير (شباط) الماضي ليزيد من الانتقادات والانقسامات حوله بين السوريين من مختلف التوجهات والأطراف.

فالمؤتمر أعد وعقد بناءً على معايير تستثني التمثيلات العسكرية والكيانات السياسية السورية المشاركة في مداولته، وكانت على شكل ست ورشات عمل تناولت العدالة الانتقالية والبناء الدستوري وإصلاح وبناء المؤسسات وقضايا الحريات الشخصية والحياة الإنسانية ودور منظمات المجتمع المدني والمبادئ الاقتصادية، ونوقشت جميع هذه الملفات على ست طاولات نقاشية بين المؤتمرين الذين بلغ عددهم نحو 600 شخص وخلال اليوم الثاني من المؤتمر.

مقاطعون ورافضون ومهمشون

عقب انتهاء الفعاليات ازداد انقسام السوريين حول مجرياته وتوصيات المؤتمر، ففي وقت اعتبره أنصار الحكومة الجديدة خطوة نحو بناء دولة جديدة بعد سقوط الأسد، اعتبرته قوى سياسية وشخصيات مخيباً للآمال ونزوعاً نحو نظام حكم جديد لا يختلف عن سابقه من ناحية المركزية وعدم الاعتراف بالمكونات السورية المختلفة.

ولعل أبرز المعترضين على عقد المؤتمر بشكله الحاصل كانت الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا وتشكيلاتها السياسية خصوصاً مجلس سوريا الديمقراطية، الذي أعلن أن “نتائج المؤتمر لا تمثلهم وأنهم غير معنيين بها كثيراً ما لم يحضروا”، إلى جانب عدم دعوة المجلس الوطني الكردي الذي كان عضواً في الائتلاف السوري المعارض حتى سقوط نظام الأسد، إضافة إلى الاتحاد السرياني.

كما اعترضت مكونات دينة ومذهبية على المؤتمر، لا سيما الدرزية والعلوية منها، الذين لم يوجد لهم ممثلون في اللجنة التحضيرية، ناهيك بجدل في أوساط المسيحيين حول مشاركة بعض رجال الدين فيه، فيما انتقدت أحزاب وتجمعات سياسية العملية برمتها بسبب إقصائهم من مداولات الحوار والتحضير له والشكل الذي خرج به.

في حديثه إلى “اندبندنت عربية” يقول الكاتب والباحث السوري حازم نهار، إن السلطة الحالية تعاملت بخفة أو باستهتار مع فكرة المؤتمر الوطني، “ربما لأنها لا تريد مشاركة غيرها فعلياً، أو ربما بسبب نقص الخبرة”.

وأضاف أن السلطة في دمشق نزلت بفكرة المؤتمر من “المؤتمر الوطني السوري” إلى “مؤتمر الحوار الوطني”، الذي لا يمتلك صلاحيات سوى إصدار التوصيات، لكن الأمر لم يقف عند هذا الحد، “بل إن تعاملها مع مؤتمر الحوار الوطني ذاته كان يوحي بنظرتها إليه وكأنه مؤتمر هامشي”، معلقاً “ليس معقولاً أن تبلغ المشاركين قبل يوم واحد من المؤتمر، وبعضهم خارج سوريا، وليس منطقياً أن تكون مدة المؤتمر يوماً واحداً فحسب، فهذا أقرب إلى عمل منظمة مجتمع مدني مبتدئة ولا تملك الخبرة”.

وشدد نهار على أن النقطة الأساس “الواضحة” هي عدم قناعة السلطة على ما يبدو بضرورة عقد مؤتمر وطني سوري حقيقي وصاحب قرار، ولو وجدت مثل هذه القناعة لاختلفت طريقة التحضير والإعداد للمؤتمر، وفق تعبيره.

ويرى الباحث السوري أن سوريا في حاجة إلى مؤتمر على شاكلة المؤتمر السوري الكبير، الذي استمرت أعماله عاماً وثلاثة أشهر وأعلن تأسيس سوريا في الثامن من مارس (آذار) 1920، بخاصة أن سوريا اليوم في خطر، وخرجت من مرحلة قاسية استمرت 14 عاماً من الحرب.

مؤتمر الفرصة الضائعة

يمثل سقوط النظام بداية مرحلة جديدة للسوريين، فمعها استعدت مختلف انتماءاتهم السياسية والإثنية والدينية للولوج في المرحلة الجديدة. يقول الباحث السوري حازم نهار إن “ثمة استحقاقات سياسية مطلوبة على مستوى الوطن السوري كله، وهذه الاستحقاقات تحتاج إلى حل سياسي”، موضحاً أن الحلول العسكرية والأمنية “قاصرة وخطرة”، ولن يكتب لها النجاح في حصر السلاح بيد الدولة والحفاظ على السلم الأهلي، فالحل المطلوب هو حل سياسي، وهذا بيد السلطة بصورة أساس.

ويختتم نهار حديثه بأن “المؤتمر الوطني السوري” كان فرصة مهمة لإنتاج هذا الحل ولكنها ضاعت، “لذلك يفترض أن يقدم الإعلان الدستوري أساسيات هذا الحل السياسي: التعهد ببناء نظام سياسي ديمقراطي لا مركزي، والتعهد ببناء جيش وطني سوري لا يتدخل في الحياة السياسية، وإنشاء الهيئة السورية للعدالة الانتقالية، إضافة إلى التعهد بأن يصاغ الدستور المقبل من قبل جمعية سورية تأسيسية منتخبة”.

وعلى رغم أن الملف السوري الداخلي يعج بالأزمات المعقدة والفجوات بين الأطراف المختلفة والصدوع التي تشكل معظمها في فترة الأسد وحربه، فإن أكبر ملفاتها هو القضية الكردية التي كانت تلقي بظلالها الثقيلة على الخلافات بين دمشق وقوات سوريا الديمقراطية وأجنحتها السياسية والإدارية، لكن التطورات الأخيرة في هذه القضية في تركيا تبعث بعض الآمال لدى المسؤولين وصناع القرار داخل سوريا، وهو ما من شأنه تخفيف وطأة الانقسام بين المسؤولين الجدد في العاصمة ونظرائهم في شمال شرقي سوريا.

ففي وقت ينتظر الأكراد في تركيا خطوات عملية من لدن حكومتهم تجاه عملية السلام وبدء التفاوض بعد “نداء السلام والمجتمع الديمقراطي” الذي أطلقه أوجلان، والذي يعتبر خريطة طريق للحل في البلاد تنتهي بحزبه “العمال الكردستاني” إلى ترك السلاح والتحول إلى النشاط السلمي والمدني، ينتظر الأكراد السوريون أن تنعكس مآلات هذا الحل على أوضاعهم أيضاً، لا سيما أن تركيا تؤخر توافقهم مع دمشق، ويرزحون تحت وطأة هجمات تركيا والفصائل السورية الموالية لها من جهة أخرى.

يقول الرئيس السابق لحزب الاتحاد الديمقراطي عضو هيئتها الرئاسية الحالية، صالح مسلم، إن نداء أوجلان يفتح المجال أمام الحل السياسي للقضية الكردية، ولا شك أن هذا سيكون له تأثير في الشرق الأوسط ككل، “وفي سوريا نتعرض للاعتداءات التركية بسبب أن لدينا علاقتنا مع العمال الكردستاني وفق اتهام تركيا لنا”، مضيفاً أنه إذا تصالح الأتراك مع حزب العمال الكردستاني فإن الأتراك “سيخففون حدة عدائهم لنا في سوريا أيضاً، وكذلك لن يتدخلوا بشؤون الحكومة السورية التي تتلقى أوامرها من تركيا بصورة أو بأخرى”، حسب تعبيره.

لكن مسلم الذي يشكل حزبه أبرز أحزاب الإدارة الذاتية يبدي تفاؤله في حال إنجاز الخطوة من قبل تركيا، بأنه حتى إذا تلقت الحكومة السورية الجديدة أوامرها من تركيا سيكون بمقدور دمشق التصالح مع الكرد في سوريا بداعي القول لحليفتها تركيا “إنكم تتصالحون مع أكرادكم، ونحن أيضاً نريد التصالح مع الكرد في سوريا”، فالمهم بحسب السياسي الكردي أن هذه العملية تفتح المجال أمام الحل السياسي في سوريا أيضاً.

المنعطف الساحلي الخطر

منذ الخميس الماضي دخلت البلاد منعطفاً خطراً مع اندلاع معارك هي الأعنف في مناطق الساحل السوري بين القوات الحكومية وفلول نظام الأسد في محافظتي اللاذقية وطرطوس إضافة إلى حمص، حيث اشتدت المعارك تزامناً مع صدور بيان “المجلس الإسلامي العلوي الأعلى” في سوريا والمهجر، الذي طالب بوقف فوري للحملة العسكرية والأمنية في المنطقة، وذلك بعد “تأكد المجلس من تعرض منازل المدنيين لقصف الطيران الحربي ونزوح الأهالي من قرية الدعتور”، كما دعا مجلس الطائفة إلى اعتصام سلمي في الساحات، إذ أظهرت مقاطع فيديو متظاهرين يطالبون بالإفراج عن المعتقلين جراء الحملات الأمنية الحكومية ضد عناصر النظام السابق، إضافة إلى شعارات تدعو إلى رحيل الشرع عن سدة الحكم في البلاد.

وبحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان فإن ما يقارب 150 شخصاً قتلوا جراء الاشتباكات العنيفة التي ما زالت جارية في مناطق متفرقة في الساحل، خصوصاً بعد وصول تعزيزات حكومية من دون إعلان رسمي عن انتهاء العمليات، ويخشى كثير من السوريين أن تنزلق الأوضاع نحو حرب أهلية ذات طابع طائفي بين السنة، الذين يمثلون السلطة الجديدة في البلاد، والعلويين الذين يعتبر معظم فلول النظام من طائفتهم.

هذه التطورات السريعة والمفاجئة دفعت عديداً من السوريين، جهات وأفراداً إلى الدعوة لوقف دائرة العنف، إذ وجه الباحث في شؤون الحوكمة زيدون الزعبي، رسائل إلى الأطراف المنتظمة في الصراع الدائر في الساحل عبر حسابه على “فيسبوك”، أولها إلى أبناء الطائفة العلوية خصوصاً أولئك الذين يدعون إلى حمل السلاح في وجه أجهزة الدولة الجديدة، محذراً من استغلالهم من قبل مسؤولي النظام السابق المتورطين في أعمال عنف خلال الأعوام السابقة للهرب من وجه العدالة التي يطمح لها السوريون.

كما انتقد الباحث من سماهم المنتفضين من ذوي أفراد جهاز الأمن العام الذين قتلوا في هجمات بالريف الساحلي، مبيناً أن “حملهم للسلاح والتوجه نحو مناطق الساحل للقتال يؤكد أن الدولة بأجهزتها في حال ضعف، لا سيما أنها لم تطلب دعماً من أي جهة، وهذا السلوك يفتح الباب أمام حرب أهلية، والخطاب الطائفي والمحرض على العنف سيطيح الانتصارات التي حققها الشعب السوري حتى الآن”، داعياً إلى نشر خطاب التسامح الناس.

الزعبي الذي شغل مهمة الإشراف على طاقم الميسرين في “مؤتمر الحوار الوطني” قبل أسبوعين، طالب قيادة الدولة بالإسراع بتشكيل حكومة شاملة لجميع المكونات والأطراف السورية “لا إقصاء فيها لأحد كي لا يتذرع بها الفلول”، محذراً من نفاد الوقت وضيقه لا سيما مع الأحداث الأخيرة، ومشدداً على أن “الإقصاء يجلب الأجنبي ويقوي موقف المحرضين”.

وعلى رغم ترحيب عدد قليل من الدول العربية بعقد “الحوار الوطني” السوري، مثمنين إنجاز الخطوة ومقرراتها فإن غالبية الدول التي على علاقة مع السلطة في دمشق تدعوها إلى إنجاز عملية سياسية شاملة بما فيها اللجان التحضيرية لعقد وإنجاز مختلف المراحل، وعلى هامش القمة العربية غير العادية في شأن فلسطين التي عقدت بالقاهرة في الرابع من مارس الجاري، التقى الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي نظيره السوري أحمد الشرع، إذ أكد السيسي للشرع “حرص مصر على دعم الشعب السوري وتحقيق تطلعاته ومراعاة إرادته واختياراته لتحقيق الاستقرار والتنمية، ونوه بأهمية إطلاق عملية سياسية شاملة تتضمن كل مكونات الشعب السوري ولا تقصي طرفاً”، وفق ما نقل عن اللقاء المتحدث الرسمي باسم الرئاسة المصرية السفير محمد الشناوي.

———————————-

إسرائيل وملفات سوريا الداخلية… حضور بالسلاح والتحريض/ اسماعيل درويش

تزداد مخاوف نتنياهو من تأثير الأتراك في القيادة الجديدة بدمشق ويطالب واشنطن بالضغط على أنقرة

السبت 8 مارس

واصلت إسرائيل استهداف سوريا براً وجواً، وتحدثت تقارير عن رغبة حكومة بنيامين نتنياهو مواجهة النفوذ التركي في سوريا، في حين قدمت مراكز الدراسات الإسرائيلية مقترحاً بأن يُدعم استقرار سوريا بالتعاون مع الدول العربية.

منذ اللحظات الأولى لسقوط نظام بشار الأسد في دمشق غطى الطيران الإسرائيلي السماء السورية بغارات هي الأشد عنفاً من قبل إسرائيل على هذا البلد العربي، فدمرت خلالها ما تبقى من الجيش النظامي والبنية التحتية التابعة له من القنيطرة حتى البوكمال، وشمل ذلك الأسطول البحري.

لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل توغلت القوات الإسرائيلية براً لتسيطر على مناطق واسعة في الجنوب السوري، بما في ذلك جبل الشيخ الاستراتيجي. أما على الصعيد السياسي، فرحبت بسقوط نظام الأسد من دون أن تدعم الحكام الجدد للبلاد على خلاف الموقف الرسمي الإقليمي والدولي.

خلال الأشهر الثلاثة الماضية تتكرر التصريحات الإسرائيلية التي تنتقد الحكومة السورية الجديدة، وتواصل انتهاك الأراضي السورية براً وجواً وسط إدانات من دمشق وعواصم عربية ودولية.

في الضفة المقابلة منذ اللحظات الأولى لإسقاط النظام السابق أعلنت سوريا الجديدة أنها ليست بصدد فتح جبهة أو حرب ضد أحد في رسالة مباشرة إلى إسرائيل فحواها بأن “سوريا الجديدة ستركز على التنمية وإعمار البلاد وازدهارها، وهي بعيدة كل البعد من تهديد أي من دول الجوار، أو الانضمام إلى أية حركة من حركات المقاومة، أو تصدير الثورة خارج البلاد”، إلا أن هذا الخطاب الذي لقي ترحيباً عربياً واسعاً لم يقنع حكومة نتنياهو على ما يبدو، فيطرح السؤال نفسه ما الذي تريده إسرائيل من سوريا؟

أهداف لا شروط

الباحث في مركز جسور للدراسات وائل علوان قال في حديثه إلى “اندبندنت عربية”، “لا نستطيع أن نتحدث عن شروط حتى الآن، إذ لا يوجد هناك طاولة مفاوضات بين إسرائيل والحكومة الجديدة في دمشق، لكن يمكننا الحديث عن هدف عام يريده نتنياهو في سوريا، وهو تدمير البنى التحتية للقوى العسكرية السورية، إذ إن النظام السابق كان مضموناً بالنسبة إليها وسلاحه موجه فقط ضد شعبه، ولن يدخل في أية مواجهات معها، لكن خروجه من الحكم جعلها تدمر القوى العسكرية بصورة شبه كاملة”. وتابع، “أما التوغل الإسرائيلي على الأرض فهو للتفاوض مستقبلاً، أو لخلق مساحة كبيرة خالية من السلاح ومن أي وجود عسكري، وجعل هذه المنطقة عازلة فعلياً، ويحصل لاحقاً انسحاب جزئي منها عندما تكون هناك مفاوضات، وعندما يقدم لإسرائيل مقابل عن هذا الانسحاب”.

هذا الرأي يتطابق جزئياً مع تقرير نشرته صحيفة “إسرائيل هيوم” في الثالث من مارس (آذار) الجاري تقول فيه إن “إسرائيل تضغط على الولايات المتحدة لبقاء سوريا ضعيفة ومفككة، في حين حذرت الولايات المتحدة من ازدياد النفوذ التركي في هذا البلد بعد سقوط نظام الأسد، ولدى حكومة نتنياهو مخاوف من السلطة الجديدة في دمشق، المدعومة من أنقرة لأنها قد تشكل تهديداً للحدود الشمالية”.

وأوضح التقرير أنه “مع تدهور العلاقات بين إسرائيل وتركيا بسبب حرب غزة تزداد مخاوف نتنياهو من تأثير الأتراك في القيادة الجديدة بسوريا، وتطلب تل أبيب من واشنطن الضغط على أنقرة لمنع تشكيل تنظيمات معادية لإسرائيل في سوريا مثل (حماس) وغيرها، لذلك يجب ضمان بقاء سوريا في حال ضعف وتفكك”.

بديل إيجابي عن إيران

مصادر تركية قالت في تصريحات خاصة إن “الخلاف التركي – الإسرائيلي في سوريا لن يصل بأي صورة من الصور إلى الصدام العسكري”، مشيرة إلى أن “إسرائيل قد تتعاون مع تركيا لضمان ألا تشكل سوريا تهديداً لها. كما أن الوجود التركي في سوريا لا يقلق إسرائيل كالوجود الإيراني”.

وذكرت المصادر أن “إسرائيل وإيران في حال حرب وعداء مستمرة، أما العلاقات بين أنقرة وتل أبيب فهي ذات صورة أخرى، فهناك اعتراف متبادل بين البلدين وتمثيل دبلوماسي تاريخي، وتركيا محسوبة على الدول الغربية ذات العلاقات الإيجابية مع إسرائيل”.

وأوضحت المصادر أنه “بالنسبة إلى الانتقادات شديدة اللهجة التي وجهتها تركيا لإسرائيل بسبب حرب غزة، فإن مثل هذه الانتقادات صدرت أيضاً في مجلس الأمن الدولي، وعلى لسان عدد من كبار المسؤولين الأوروبيين، وحتى بعض الأميركيين، لكن يبقى النفوذ التركي في سوريا أكثر طمأنة لإسرائيل من غيره لأن الحوار بين أنقرة وتل أبيب ممكن، ولولا حرب القطاع لكانت علاقات البلدين حالياً في عصرها الذهبي”.

ومضت المصادر في حديثها، “قبل أسابيع قليلة من بدء حرب السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 التقى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونتنياهو في نيويورك، وكان هناك برنامج لأردوغان لزيارة إسرائيل، لكن أُلغي بسبب الحرب، بمعنى آخر يمكن القول إن حكومة نتنياهو قد تتعاون مع أنقرة في دعم استقرار سوريا”.

مقترح إسرائيلي لدعم سوريا

ينسجم هذا الرأي مع ورقة سياسية نشرها معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي في الرابع من مارس الجاري تقترح إنشاء آلية دولية لدعم الاستقرار في سوريا تمنع الاحتكاك العسكري في المستقبل بين البلدين.

المعهد التابع لجامعة تل أبيب يعد أحد أهم مخازن التفكير في إسرائيل، ويعتمد صناع القرار هناك على دراساته في كثير من القرارات الاستراتيجية التي يتخذونها.

وتضمنت “الورقة السياسية” أنه ينبغي “الدفع نحو آلية للتعاون مع دول عربية وقوى دولية تتضمن تحجيم الدور التركي النافذ في سوريا ويمنع الاحتكاك مع إسرائيل مع الإشادة بدور أنقرة والتعاون معها لضبط الأمن من دون أن يكون لها استئثار في سوريا الجديدة، وبهذه الآلية تُمنع إيران من استعادة نفوذها هناك”.

وبحسب الورقة فإنه ستكون هناك خطة دولية لإعادة إعمار سوريا بهدف استقرارها ومنعها من تهديد دول الجوار. وتقترح الورقة أن يشارك في هذه الخطة كل من “السعودية وقطر والإمارات ومصر والأردن وتركيا وروسيا وفرنسا وألمانيا وبريطانيا والأمم المتحدة، وتكون بقيادة الولايات المتحدة”.

نشوة المنتصر

الباحث السوري محمد السكري عبر عن اعتقاده أن “إسرائيل لا تبحث عن أية طمأنة أو بوادر إيجابية من الحكومة السورية. إسرائيل هي فاعل إقليمي مركزي منتصر في الإقليم بعد صدمة أكتوبر، ولديها نشوة كبيرة، خصوصاً بعد كل المجازر التي ارتكبتها في غزة، وأيضاً الاغتيالات التي طاولت مستويات رفيعة في إيران، ثم حربها في لبنان وما فعلته بـ(حزب الله) من تفجيرات البيجر وغيره، ثم إسقاط نظام الأسد، وكل هذه هزائم متتالية لحقت بـ(محور المقاومة)، لذلك تبدو إسرائيل منتشية من حيث الانتصار، وهي اليوم ببساطة تريد استخدام هذا الانتشاء بالزمان والمكان اللذين تريدهما”.

وأوضح السكري، “لهذا لا تبحث إسرائيل عن ضمانات، سواء أمنية أو سياسية أو غيرها من الحكومة السورية، بل تريد أن تبقى سوريا غير مستقرة، بحيث تفعل كل ما تريد في الداخل والدخول والخروج إلى ومن الأراضي السورية متى تشاء، ومن جانب آخر هناك هاجس إسرائيلي من إعادة بناء السلطة السورية الجديدة، وتشكيل تحالفات جديدة في المنطقة تؤدي إلى انهيار التحالفات التقليدية، وهذا ما سيضع الإقليم أمام توازنات جديدة”. ومضى في شرحه بالقول، “على سبيل المثال يمكننا ذكر ما لمحت إليه كل من الحكومتين السورية والتركية من إمكان توقيع اتفاق دفاعي مشترك. هنا لا نتحدث عن تحالف سوري إيراني أو روسي، وإنما سوري – تركي، وهذا النوع من التحالف (بين دمشق وأنقرة) بهذه الصورة غائب منذ نحو 100 عام، بالتالي فإن عودة مثل هذا التحالف الإقليمي الذي يتسم بأبعاد ثقافية وجيوسياسية ومصيرية، بكل تأكيد يشكل هاجساً كبيراً لدى إسرائيل في التعاطي مع صورة السلطة السورية الجديدة”. وتابع، “التحالف السوري التركي له أثره المباشر في إسرائيل، إذ إن دمشق بهذه الحال تصبح حليفة لأنقرة العضو في (الناتو)، والتي تعد واحدة من أهم دول الإقليم مثلها في ذلك مثل السعودية”. وذكر أنه “لمواجهة النفوذ التركي تحاول إسرائيل إعادة النظر في العلاقات السورية – الروسية، وتريد عودة موسكو إلى المنطقة الجنوبية في الأقل لضمان ألا يكون هناك تهديد في المستقبل البعيد لإسرائيل من هذه الجبهة أو حتى من قبل تركيا، ولفعل كل هذا تعمل تل أبيب على استخدام جميع الوسائل المتاحة، بما في ذلك الكارت الطائفي، والهدف الأساس تعزيز حال اللااستقرار في سوريا”.

أقلية داخل أقلية

أحد أبناء الطائفة الدرزية في الجنوب السوري فضل عدم الكشف عن اسمه لحساسية الموضوع قال إن “دروز سوريا يدركون أن إسرائيل ليست حريصة عليهم بالصورة التي تُدَّعى، وليس هناك مؤهلات قانونية لها للتدخل في سوريا بحجة حماية الأقليات، لذلك تستخدم ورقة الأقليات لتحقيق أهداف أخرى”.

أما بالنسبة إلى التجاوب مع دعوات إسرائيل فإن المجتمع الدرزي شهد نوعاً من الانقسام في الرأي بخصوص التعامل معها، فالغالبية العظمى ترفض أي تدخل من هذا النوع في شؤونهم، وترفض الحديث عن التقسيم، بل حتى فكرة الفيدرالية، لكن هناك أقلية ضمن الأقلية الدرزية تتجاوب مع دعوات حكومة نتنياهو، وتصدق ما تسمعه من تصريحات إعلامية تدَّعي أن من دمر غزة حريص على حماية الدروز في سوريا.

تغذية الكيانات العرقية والدينية

أما الباحث في مركز “أبعاد” للدراسات فراس فحام فأكد أنه “باختصار إسرائيل لا تريد أن تتأسس هياكل دولة قوية في سوريا لأن لديها تخوفات من عودة السلطة إلى الشعب السوري وهو بغالبيته عربي، ولديه موقف داعم لفلسطين، ولذا تريد تغذية كيانات عرقية ودينية تقوض سلطة الدولة، إضافة إلى أنها رافضة تأسيس جيش قوي”.

وذكر فحام أن “العقيدة الأمنية الإسرائيلية تقوم على التحوط من التيارات القومية العربية والإسلامية، وتعدهما تهديدين، وهي لديها مشكلة مع خلفيات الحكومة السورية الحالية، ولديها مشكلة مع التموضع السوري الجديد وكونها عقدة ربط بين الخليج العربي وتركيا، ويمكن أن تؤسس أرضية لتحالف عربي – تركي مهم لا يخدم مصالح إسرائيل، وكانت مرتاحة من هذا الهاجس في ظل سيطرة نظام أقلَّوي علاقاته متوترة من الخليج وأنقرة غالباً”.

بالمحصلة تبدو إسرائيل لديها مخاوف جدية من أن تشكل سوريا تهديداً، لكن هذا التهديد يكون على المدى البعيد وليس على المتوسط أو القريب، لأن دمشق حالياً منهكة خارجة من حرب تعد واحدة من أوحش حروب العصر الحديث، إلا أن غالب المؤشرات الصادرة من الإدارة السورية الجديدة تشير بوصلتها إلى أن المنهج الذي تريده هو العمل على الاقتصاد والتنمية، واستنساخ أجزاء من نماذج مختلفة مثل سنغافورة وماليزيا وتركيا والدول الخليجية الصاعدة، بحيث يتم التركيز على التنمية خلال العقدين المقبلين في أقل تقدير، وقد يكتب لهذه الخطة النجاح في حال وُجدت مباركة أميركية.

—————————–

هل تعود روسيا إلى سوريا من بوابة حماية الأقليات؟/ مصطفى رستم

قد تضغط موسكو باستصدار قرار من مجلس الأمن لإنهاء حال الإرهاب بالتوافق مع إدارة ترمب

السبت 8 مارس 2025

طالب مدنيون في الساحل السوري بالحماية الروسية، وعبر عشرات من أهالي الساحل إثر تجمع أمام قاعدة مطار “حميميم” عن مخاوفهم من تصاعد الاقتتال الداخلي، وسط مناشدات بالتدخل لحقن الدماء، ودعوات إلى الأمم المتحدة وروسيا والمجتمع الدولي لحمايتهم.

فوق تلال الجبال الساحلية المطلة على البحر المتوسط في سوريا، لا صوت يعلو على صوت الرصاص، بعد معارك ضروس أدخلت الرعب في نفوس السكان، بينما قرار حظر التجوال لا يزال سارياً، وبدا واضحاً أنه لا مكان لصوت الحكمة حقناً لدماء السوريين بعدما فجرها كمين لمجموعة مسلحة من فلول النظام أسفر عن 16 قتيلاً من أفراد الأمن العام الحكومية.

وللمرة الأولى منذ اندلاع الحرب السورية عام 2011 تقصف قرى في اللاذقية عبر مروحيات الجيش السوري، بعدما ظلت هذه المروحيات تقصف الشمال في إدلب، وأماكن تجمعات النازحين قسراً من بيوتهم، هكذا يقول مصدر ميداني من أفراد الجيش الحكومي كان شاهداً على معركة السادس من مارس (آذار) الجاري.

هجوم (بيت عانا)

وفي التفاصيل وبعد متابعة من قوات الأمن وملاحقتها لشخصيات بارزة في الجيش والأمن بنظام الأسد شن أفرادها حملة أمنية في قرية بيت عانا، وهي مسقط رأس جنرال سابق في الجيش السوري وقائد الفرقة 25 مهام خاصة، ودار اشتباك واسع، ولصعوبة الموقف تدخل للمرة الأولى الطيران المروحي الحربي للمشاركة في الحملة، حيث تمكن أفراد القوى الأمنية من اعتقال رئيس الإدارة العامة في جهاز الاستخبارات الجوية السابق، إبراهيم حويجة (برتبة لواء).

ورغم التزام الجيش الروسي الصمت والحياد حيال التطورات الأخيرة في سوريا بعد هرب بشار الأسد، وسقوط النظام في الثامن من ديسمبر (كانون الأول) الماضي، شوهدت أثناء العملية العسكرية طائرات حربية روسية على علو منخفض في أماكن الحملة الأمنية، ويبدو أنها أرغمت المروحيات الحربية على الانسحاب، بينما انتقلت الاشتباكات العنيفة إلى المناطق الواقعة بقاعدة حميميم الروسية بريف جبلة، باللاذقية تخللها قصف مدفعي مع سماع لأصوات صفارات الإنذار من داخل القاعدة الروسية.

مناشدات حقن الدماء

في غضون ذلك طالب مدنيون في الساحل السوري بالحماية الروسية، وعبر عشرات من أهالي الساحل إثر تجمع أمام قاعدة مطار “حميميم” عن مخاوفهم من تصاعد الاقتتال الداخلي، وسط مناشدات بالتدخل لحقن الدماء، ودعوات إلى الأمم المتحدة وروسيا والمجتمع الدولي لحمايتهم، كما جاء في بيان لعلماء الطائفة “نتوجه إلى شيخ عقل المسلمين الموحدين الدروز الشيخ حكمت الهجري بطلب مساندتنا ورفع الظلم عنا”.

وحول إمكانية تدخل روسيا لتأمين الحماية في الساحل تحدث من موسكو لـ”اندبندنت عربية” مدير مركز “جي أس أم” للدراسات، آصف ملحم، حيث يرى أنه “بعد سقوط النظام لم يعد الشعب في صراع مع النظام بل بات اليوم في صراع مع نفسه”، ولا يستبعد إمكانية تدخل روسيا في حال تطورت الأمور.

يقول ملحم، “من الممكن أن تضغط روسيا باستصدار قرار من مجلس الأمن الدولي لإنهاء حال الإرهاب في سوريا رغم أن قرار المجلس 2254 ينص بوضوح على أنه لا بد من إنهاء الإرهاب في سوريا لا سيما وجود المقاتلين الأجانب ومجموعات لا تزال مصنفة دولياً على أنها منظمات إرهابية، ولم تزل ضمن قوائم الإرهاب حتى بعد سقوط النظام، ولذلك فإن الفرصة الوحيدة أمام موسكو هو تفعيل هذا القرار بشكل أو بآخر، بالتوافق مع الولايات المتحدة الأميركية، وخصوصاً أن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب ضد كل الجماعات المتطرفة”.

ويرى مدير مركز الأبحاث الروسية أنه “إذا حظي هذا التحرك بإجماع عربي ودولي، لا سيما من قبل دول محورية مثل مصر والسعودية والعراق، بالتأكيد يمكن أن تتدخل روسيا الاتحادية عسكرياً بعد اجتماع مجلس الأمن الدولي”.

في المقابل يستبعد العقيد عبدالجبار العكيدي، وهو من أوائل الضباط المنشقين عن جيش النظام السابق في حديث خاص، قبول روسيا طلب الحماية من الطائفة العلوية وهي حالياً منتظمة في مرحلة مفاوضات مع الحكومة السورية لإبقاء قواعدها العسكرية في سوريا.

وتدور مفاوضات بين دمشق وموسكو تتمحور بصورة مباشرة حول ديون سوريا المستحقة سدادها لروسيا الاتحادية، وتراوح ما بين 20 و23 مليار دولار، ومن المرجح حل المعضلة عبر إلغاء الديون المستحقة أو في الأقل إعادة هيكلتها، وتعديل شروطها مقابل انفتاح على استمرار الوجود العسكري الروسي في البلاد، بالتوازي مع إجراء مكالمة هاتفية بين الرئيس السوري، أحمد الشرع ونظيره الروسي فلاديمير بوتين.

إزاء ذلك يدور الحديث عن دعم خارجي يتلقاه شخصيات النظام السابق الأمنية أدت إلى تشكيل مجلس تحرير سوريا، وسبقه لواء درع الساحل، ومعظم عناصره رفضوا تسليم السلاح للسلطات، ويبرر مراقبون للشأن السوري حدوث ذلك باتهامهم بأعمال تصفية، وأعمال عنف بعد عام 2011 وسط معلومات واردة عن مطالب بفتح حدود لبنان للهرب، بينما تحدثت مصادر عن إمكانية السماح لهذه الشخصيات باللجوء إلى القاعدة الروسية.

ويضع الباحث في القانون الدولي فراس حاج يحيى، التدخلات الخارجية في سلم العوامل المسببة لإثارة الفوضى من بعض الدول الإقليمية بهدف التشويش على عملية الانتقال السياسي في سوريا التي لا تزال مستمرة.

ويعتقد حاج يحيى بدور إيراني من خلال أذرعها في سوريا، وكذلك إسرائيل وبعض حلفائها مستغلين حال ضعف العهد السوري الجديد عسكرياً، وتشتته على أربعة محاور، الأول داخلي لبسط الأمن في مختلف المحافظات السورية والثاني جبهة شمال شرقي سوريا مع (قسد) والثالث جنوب سوريا واليوم محور جديد في الساحل بإيعاز إيراني على ما يبدو، ودور روسي لا يزال غير معلن بهدف زعزعة الاستقرار في سوريا ومحاولة تفتيتها بادعاء حماية الأقليات، بحسب رأيه.

حكومة لون واحد

يعتقد الباحث آصف ملحم أن ما يحدث في الساحل السوري يشير إلى حال احتقان بسبب عدم إيفاء الحكومة الحالية بوعودها، وفصلها أعداداً كبيرة من الموظفين، وقسم كبير منهم لم يتلق أجورهم، فضلاً عن ملاحقة المطلوبين وتعامل أفراد الأمن العام باقتحام المنطقة بطريقة مرعبة للمدنيين وهذا ما حصل في قرية عين الشمس، بحسب قوله.

وأضاف، “اعتقلوا طلاب جامعة لا علاقة لهم بالنظام السابق، وباتت عبارة (فلول النظام) تهمة جاهزة، إضافة للظروف المعيشية المعقدة والصعبة، لهذا من الطبيعي أن نشهد تحرك بعض من أبناء الطائفة العلوية التي تتعرض للظلم والاضطهاد أكثر من غيرها من أبناء مكونات الشعب السوري لا سيما الدروز في الجنوب، أو الأكراد في الشمال والشمال الشرقي إذ لم تقتحم كل تلك المناطق”.

إلى ذلك يتفق الباحث بالقانون الدولي فراس حاج يحيى حول ما أكده ملحم منوهاً إلى تقصير الحكومة الجديدة لكنه يبرر ذلك بأن العهد الجديد لديه ملفات متعددة يعمل عليها في مرحلة بناء الدولة الجديدة الخارجة من أتون حرب طويلة، ولديه ملفات داخلية وخارجية معقدة لا يمكن أن نطلب منه في ثلاثة أشهر حل مشكلات 14 عاماً من الحرب والمشكلات الاقتصادية والأمنية والعقوبات وغيرها.

وأردف “مؤتمر الحوار شابه بعض الملاحظات لكن مخرجاته كانت على مسافة واحدة من كل السوريين وحضره سوريون من كل الأطياف وفي كل المحافظات، وسبقه جلسات حوار امتدت فترة جيدة من الزمن وإن لم تكن طويلة، وعلى أي الأحول فالحكومة الحالية هي حكومة تصريف أعمال، والتعويل على الحكومة الانتقالية القادمة بأن تكون شاملة وتضم كل مكونات الشعب السوري”.

—————————–

دس الأنف فى سوريا/ سليمان جودة

08 مارس ,2025

حضر أحمد الشرع، الرئيس الانتقالى السورى، قمة فلسطين فى القاهرة ٤ مارس، وعندما سألوه عما يراه فى العلاقة بين مصر وبلاده، قال إن البلدين جناحان لطائر واحد.

ولا بد أن الذين يتابعون خطواته قبل أن يتولى السلطة فى دمشق ٨ ديسمبر ثم بعد ذلك، قد أخذوا كلامه بحرص وحذر. ولكن عمر بن الخطاب كان يقول دائمًا: أظهروا لنا أحسن ما عندكم والله أعلم بالسرائر.

ويبدو أن إجابته على السؤال لم تعجب الذين لا يسعدهم أن تقوم علاقة بين مصر وسوريا، فضلًا عن أن تكون هذه العلاقة «جناحان فى جسد طائر واحد». فما كاد الرجل يعود من القمة إلى بلاده حتى كانت الدنيا قد انقلبت هناك، وتابعنا قبل ساعات كيف أن اشتباكات عنيفة جرت بين قوات الأمن السورية وجماعات قيل إنها من فلول نظام بشار الأسد.

الاشتباكات كانت على طول الساحل السورى، وشملت عددًا من المدن السورية الشهيرة مثل اللاذقية وطرطوس وحمص، وانطلقت فى توقيت واحد وكأن «مايسترو» لا نراه كان يحركها ويوجهها، وقد كانت هى الأكبر والأعنف فى البلاد منذ أن سقط نظام الأسد الابن، ووصلت فى عنفها وتمددها إلى حد إعلان حظر التجول فى المدن الثلاث.

ولا توجد معلومات مؤكدة عن طبيعة الطرف أو الأطراف التى كانت وراء مايسترو تحريك الجماعات ووقوع الاشتباكات بهذا الحجم وعلى هذا النطاق الواسع، ولكن الذين يتابعون الشأن السورى منذ فرار الأسد يعرفون أن دولتين فى المنطقة لم يسعدهما ما جرى فى سوريا بفرار الأسد، وأن هاتين الدولتين هما إيران وإسرائيل.

ولم تشأ إيران أن تُخفى ذلك ولا إسرائيل، فقرأنا لمسؤولين إيرانيين كبار أن المقاومة فى سوريا لن تقف ساكتة أمام التحول الذى جرى فى ٨ ديسمبر، وقرأنا للحكومة الإسرائيلية حديثها عن أنها مستعدة لحماية الدروز فى سوريا، رغم أن درزيًا سوريًا واحدًا لم يطلب حمايتها ولا دعاها إلى دس أنفها فى أرض الشام!.

والحقيقة أن طهران تدس أنفها فى سوريا ليس حبًا فى السوريين ولا من أجل سواد عيونهم، ولكن لأنها لا تزال لا تصدق أن تخسر نفوذها هناك بسقوط الأسد بهذه السرعة وبهذه السهولة. أما تل أبيب فهى تدس أنفها هى الأخرى لا حبًا فى السوريين بالتأكيد ولا من أجل مصلحتهم، ولكن يؤرقها أن تكون علاقة النظام الجديد بتركيا قوية.. ولا رهان فى الموضوع كله إلا على وعى السوريين، وقد ظهر هذا الوعى فى جانب منه عندما خرجت رموز درزية تنصح إسرائيل بالابتعاد، وتقول لها إن الدروز سوريون قبل أن يكونوا دروزًا، وكذلك فعل يهود دمشق. وكانت «الرسالة» أن ما تقوله إسرائيل وتفعله لا ينطلى على سورى واحد كما أنه مكشوف!.

* نقلا عن ” المصري اليوم “

—————————-

 الدروز والأكراد وفلول الأسد.. أبرز التحديات الأمنية أمام الشرع

منذ وصوله إلى السلطة، وجّه أحمد الشرع رسائل طمأنة إلى الأقليات، وطالب قواته بضبط النفس محذراً من الطائفية

 بيروت – (أ ف ب)

08 مارس ,2025

تواجه الإدارة السورية الجديدة، التي تتصدى حالياً لمسلحين موالين للحكم السابق في محافظة اللاذقية، تحديات أمنية كبيرة تحول دون بسط نفوذها على كامل التراب السوري، مع وجود مجموعات مسلحة متعددة الولاءات.

أدناه أبرز تلك المجموعات ومناطق نفوذها.

الموالون للأسد في الساحل

يشكّل الساحل السوري معقل الأقلية العلوية التي تنتمي إليها عائلة الأسد. وينظر إلى تلك المنطقة بوصفها حاضنة عائلة الأسد التي حكمت سوريا بقبضة من حديد لأكثر من خمسة عقود.

وكان للعلويين، الذين يشكلون نحو 9 بالمئة من سكان سوريا ذات الغالبية السنية، حضورهم خلال الحكم السابق في المؤسسات العسكرية والأمنية التي لطالما اعتمدت الاعتقال والتعذيب لقمع أي معارضة.

وبعد الإطاحة بالأسد، شهدت مدينة اللاذقية توترات أمنية مع تنفيذ السلطات حملات أمنية فيها، ما أثار مخاوف من عمليات انتقامية.

ورغم أن حدة التوترات كانت قد تراجعت في الآونة الأخيرة، استمر تسجيل هجمات عند حواجز تابعة للقوى الأمنية من وقت إلى آخر، ينفذها أحياناً مسلحون موالون للأسد أو عناصر سابقون في الجيش السوري.

وتضم المنطقة الساحلية عدداً كبيراً من الموالين للأسد من أفراد الجيش السوري السابق الذين ما زالوا يحتفظون بسلاحهم.

ومنذ وصوله إلى السلطة، وجّه أحمد الشرع رسائل طمأنة إلى الأقليات، وطالب قواته بضبط النفس محذراً من الطائفية.

المقاتلون الأكراد

في شمال شرق سوريا، يشكل وجود المقاتلين الأكراد تحدياً آخر للسلطة الانتقالية مع إصرارهم على الحفاظ على مكتسبات الإدارة الذاتية التي بنوها خلال سنوات النزاع، ورفضهم حل أنفسهم كشرط للانضمام إلى الجيش الجديد.

وتسيطر قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، المدعومة أميركياً والتي تشكل الذراع العسكرية للإدارة الذاتية، على مساحات شاسعة في شمال شرق سوريا فيها أبرز حقول القمح والنفط والغاز التي تحتاج سلطات دمشق بشدة إلى مواردها في المرحلة المقبلة.

إلى الآن لم تحقّق محادثات عقدت بين الطرفين أي تقدم، مع إصرار الأكراد على الحفاظ على وجودهم ككيان عسكري مقابل تحقيق غالبية طلبات دمشق.

ويقول الباحث في الشأن السوري فابريس بالانش لوكالة “فرانس برس”: “طالما أن القوات الأميركية موجودة في شمال شرق سوريا، فإن قوات سوريا الديمقراطية لن تتفكك”.

وشكّلت واشنطن، التي تنشر المئات من قواتها في مناطق سيطرة الأكراد، داعماً رئيسياً لهذه القوات في حربها ضد تنظيم داعش خلال سنوات النزاع.

ويشكل العرب أكثر من 60 بالمئة من سكان الإدارة الذاتية، وفق بالانش الذي يقول إن هؤلاء باتوا يريدون “التخلص من الهيمنة الكردية” منذ تولي الشرع السلطة.

الدروز

يشكّل الدروز، ومعقلهم الرئيسي في سوريا محافظة السويداء (جنوب)، حوالي 3 بالمئة من سكان سوريا.

بعيداً عن الدفاع عن أنفسهم في مواجهة هجمات في المناطق التي يعيشون فيها، نأى دروز سوريا إلى حد كبير بأنفسهم عن النزاع الذي بدأ عام 2011. وتمكن العديد منهم من تجنب التجنيد الإجباري في الجيش.

وأبدى فصيلان عسكريان رئيسيان مطلع العام، استعدادهما للاندماج تحت مظلة جيش وطني، لكن حتى اللحظة لم يسلم أي منهما سلاحه إلى السلطة الجديدة.

وأحدثت تصريحات إسرائيلية مؤخراً بلبلة في سوريا، بعدما قال وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس مطلع الشهر الحالي، إنه “إذا أقدم النظام على المساس بالدروز فإننا سنؤذيه”، وذلك إثر اشتباكات محدودة في مدينة جرمانا الواقعة في ضاحية دمشق والتي يقطنها دروز ومسيحيون.

وأبدى قادة ومرجعيات دينية درزية رفضهم للتصريحات الإسرائيلية.

وأكدوا تمسكهم بوحدة سوريا، وهو ما أكده الشرع بدعوته المجتمع الدولي إلى الضغط على إسرائيل للانسحاب “الفوري” من مناطق توغلت فيها في جنوب سوريا.

وفي منشور على منصة “إكس”، قال الباحث تشارلز ليستر: “في الوقت الحالي، يبدو أن محاولات إسرائيل استغلال دروز سوريا قد جاءت بنتائج عكسية، لكن لا تتوقعوا أن تتوقف التهديدات والإجراءات العسكرية”.

—————————

عملية أمنية واسعة في الساحل السوري ضد فلول النظام.. ما الذي حدث في اللاذقية وطرطوس ومن يقف خلفه؟

عربي بوست

2025/03/07

يشهد الساحل السوري توتراً هو الأعنف منذ الإطاحة بنظام بشار الأسد في ديسمبر/كانون الأول 2024، وذلك بعد مقتل عدد من عناصر الأمن في كمائن شنها موالون للنظام البائد.

وبحسب وكالة الأنباء السورية “سانا”، فإن إدارة الأمن العام أعلنت حظراً للتجوال في مدينتي اللاذقية وطرطوس، وبدء عمليات تمشيط واسعة في مراكز المدن والقرى المحيطة.

وأكد مصدر أمني للوكالة السورية أن عمليات التمشيط سوف تستهدف فلول نظام الأسد، ومن قام بمساندتهم ودعمهم.

ما الذي حدث في الساحل السوري؟

في 6 مارس/آذار 2025، نفذ مسلحون كمائن وهاجموا عدة مواقع للأمن العام قرب بلدة بيت عانا بريف اللاذقية، ما أدى إلى مقتل نحو 16 عنصراً من قوات الأمن.

ونقلت وكالة سانا عن مصدر أمني أن “مجموعات الفلول” قامت أيضاً باستهداف سيارات الإسعاف التي حاولت إجلاء المصابين.

وبحسب المصدر، فإنه “بعد استقدام تعزيزات أمنية إلى المنطقة، قامت فلول ميليشيات الأسد بالتمركز داخل بلدة بيت عانا وبدأت باستهداف قواتنا بشكل مباشر”.

وقال مدير إدارة الأمن العام في محافظة اللاذقية، المقدم مصطفى كنيفاتي، إن الهجوم كان “مدروساً ومعداً مسبقاً”، حيث استهدفت المجموعات المسلحة عدة نقاط وحواجز أمنية، إضافة إلى دوريات في منطقة جبلة وريفها.

وأضاف كنيفاتي أن المباني الحكومية والممتلكات العامة والخاصة في جبلة ومحيطها تعرضت للتخريب والتكسير جراء الهجمات، ما استدعى استنفاراً كاملاً من القوات الأمنية لاحتواء الهجوم في ريف جبلة.

    🎥- اشتباكات بين الأمن العام السوري وفلول النظام المخلوع في ريف #طرطوس pic.twitter.com/mWeILudLmX

    — عربي بوست (@arabic_post) March 7, 2025

وخلال الحملة التي نفذتها في جبلة، أعلنت إدارة الأمن العام “اعتقال اللواء المجرم إبراهيم حويجة، رئيس المخابرات الجوية السابق في سوريا”، والمتهم باغتيال المئات خلال حكم حافظ الأسد.

لكن الهجمات سبقها توتر في بلدة عانا، مسقط رأس سهيل الحسن، بعد منع قوات الأمن من توقيف مطلوب بتهمة تجارة السلاح، وفق المرصد السوري، ما تطور لاحقاً إلى اشتباكات بين العناصر ومسلحين.

ومنذ يومين، قُتل عنصران من وزارة الدفاع السورية في كمين مسلح نفذه عناصر يتبعون لـ”فلول النظام” في منطقة الدعتور باللاذقية، بحسب وكالة سانا.

وفي 2 مارس/آذار 2025، أعلنت وزارة الداخلية القبض على عدد من المطلوبين من عناصر النظام السابق في بلدة عين شقاق بريف مدينة جبلة.

وسبق ذلك حملات أمنية للجيش السوري في مناطق الساحل السوري، حيث عثرت القوات على أسلحة، وأعلنت مديرية أمن حمص ضبط مستودع يحتوي على قذائف هاون بمختلف العيارات في بلدة كفر عبد بريف حمص الشمالي.

وفي 26 ديسمبر/كانون الأول 2024، أعلنت وزارة الداخلية السورية أن 14 عنصراً من الوزارة قُتلوا على يد “فلول” نظام الأسد في ريف طرطوس، بعد فرض حظر التجوال فيها وفي عدد من المحافظات إثر خروج مظاهرات واندلاع أعمال شغب.

من يقف خلف الهجمات في الساحل السوري؟

تقول السلطات في سوريا إن من يقف خلف الهجمات وإثارة الفوضى في البلاد هم “فلول ميليشيات الأسد”.

وأعلنت قوات الأمن أنها تخوض اشتباكات مع مجموعات مسلحة تابعة للعقيد السابق سهيل الحسن.

وانتشر على وسائل التواصل الاجتماعي بيان منسوب إلى الضابط في جيش النظام السابق، العميد الركن غياث سليمان دلا، يعلن فيه “إنشاء وانطلاق المجلس العسكري لتحرير سوريا”.

ويزعم هذا المجلس أنه يهدف إلى “إسقاط النظام القائم، وإعادة بناء مؤسسات الدولة على أسس وطنية وديمقراطية”.

ونقلت قناة الجزيرة عن مصدر أمني أن مجلس دلا بدأ في توسيع نفوذه على الأرض، وأنشأ تحالفات مع قيادات سابقة في جيش نظام الأسد البائد.

    مشاهد على طريق اللاذقية تظهر رتل عسكري لوزارة الدفاع يرد على مصادر النيران pic.twitter.com/sC79jIzHo3

    — قتيبة ياسين (@k7ybnd99) March 7, 2025

ومن ضمن الشخصيات التي أقام معها دلا تحالفاً ياسر رمضان الحجل، الذي كان قائداً ميدانياً ضمن مجموعات سهيل الحسن.

وبحسب مصادر الجزيرة، فإن دلا هو اليد التنفيذية لماهر الأسد، القائد السابق للفرقة الرابعة، في العمليات الجارية حالياً في الساحل السوري.

ما الإجراءات التي اتخذتها قوات الأمن السورية؟

وقالت وزارة الداخلية إن مؤازرات عديدة من محافظات عدة، إضافة إلى استقدام تعزيزات عسكرية من وزارة الدفاع، وصلت إلى الساحل السوري.

ومع انتشار خبر مقتل عناصر من قوات الأمن، الذين ينحدر معظمهم من إدلب، تصاعد التوتر في المدينة، حيث تجمع حشد من الشبان وسط المدينة دعماً للقيادة العسكرية. كما دعت مساجد عبر مكبرات الصوت إلى “الجهاد” ضد المسلحين في الساحل السوري.

وقال مصدر أمني لقناة الجزيرة إن قوات وزارة الدفاع قضت على الكمائن التي نصبها فلول النظام المخلوع على طريق إدلب-اللاذقية خلال الليل.

كما أعلنت إدارة الأمن العام في مدينتي اللاذقية وطرطوس فرض حظر التجوال العام، مرجعة ذلك إلى “التوجيهات الأمنية والاحتياطات اللازمة لسلامة المواطنين”.

وقبل ساعات من الإعلان عن فرض حظر التجوال في اللاذقية وطرطوس، تم الإعلان عن إجراء مماثل في حمص، التي شهدت هجمات من جانب موالين للنظام السابق قبل أسابيع.

وقالت وزارة الدفاع إنها تمكنت من دخول مدينة طرطوس دعماً لقوات الأمن العام ضد “فلول ميليشيات الأسد” ولإعادة الاستقرار والأمن للمنطقة.

ونقلت وكالة سانا عن مصدر قيادي بإدارة الأمن العام أن عمليات تمشيط واسعة بدأت في مراكز المدن والقرى والبلدات والجبال المحيطة في الساحل السوري.

    🎥- تعزيزات أمنية وعسكرية من مناطق سورية عدة لدعم جهود التصدي للهجوم الواسع الذي تشنه مجموعات عدة من فلول مليشيات الأسد بمنطقة جبلة وريفها في محافظة #اللاذقية شمال غرب البلاد. pic.twitter.com/0HAEciXpeR

    — عربي بوست (@arabic_post) March 6, 2025

احتجاجات داعمة وأخرى مناهضة للحكومة

والليلة الماضية، خرجت مظاهرات حاشدة في مدن دمشق وريفها، وحمص، وحماة، وحلب، ودرعا، ودير الزور، والبوكمال، دعماً لعمليات السلطات ضد “فلول النظام السابق”.

فيما دعا “المجلس الإسلامي العلوي الأعلى في سوريا والمهجر”، الذي يقول إنه يمثل الطائفة العلوية في سوريا، إلى الاحتجاجات ضد الحكومة في الساحل السوري.

عربي بوست

————————–

 الفلول في الساحل تتحرك وإيران الخطر الأكبر/ أحمد مظهر سعدو

2025.03.08

لم تكن غير متوقعة تحركات فلول المجرم بشار الأسد في جبلة والساحل السوري، بل لعلها اختارت التوقيت المناسب لها، بتوجيه مباشر من قادتها في طهران، ليتزامن ذلك مع تحركات أخرى في الجنوب، بتوجيهات إسرائيلية، وأخرى في شمال شرقي سورية، بدعم من إيران في السلاح والعتاد.

وإذا كانت إيران واضحة في إعلان عدائها لانتصار ثورة السوريين منذ ديسمبر/ كانون الأول الماضي، وهي التي سبق وأن أعلنت أكثر من مرة على لسان قادتها وضباطها في الحرس الثوري الإيراني أنها بصدد دعم ما أسمته بالمقاومة في سوريا، فإنها مازالت تعتمل أحقادها وتحتسي كأس السم بعد هزيمتها المتكررة في سوريا ولبنان، وكنس وجودها بكليته، من مجمل الجغرافيا السورية.

لكن فلول النظام السوري الذين توهموا أن تحركاتهم تلك، ودعم إيران لهم، سوف يعيد لهم حالة خطفهم للوطن السوري التي طالت مايقرب من 54 عامًا قبل أن يفر رئيسهم بشار الأسد إلى موسكو، فإنهم قد تورطوا ووضعوا أنفسهم كفلول لآل الأسد وإجرامه، في مكان ليس المكان الصحيح، وهو المرفوض من العاقلين في الطائفة العلوية بمجموعهم، وهو الذي سيجعل من الدولة الجديدة تعمل على تغيير حالة الهدوء والروية التي طالما تم التعامل بها منذ ثلاثة أشهر مضت، وسوف تتغير الأساليب ويكون هناك خطة أمنية صارمة للمحاسبة، ووأد الفتنة، التي لا يريدها كل السوريين، بكافة طوائفهم وكافة إثنياتهم، وسوف يكون ما بعد 7 آذار / مارس ليس كما قبله.

لكن ما حدث في جبلة وماحولها يعيد طرح المسألة وطنياً عن المطلوب الآن من الإدارة الجديدة ومن ثم ضرورة الإسراع به، وقطع جميع الطرق على العابثين بأمن واستقرار سوريا الجديدة، سواء كانوا من الداخل أو الخارج سواء كانوا إيرانيين أم روسًا أم سواهم.

ولعل إعادة طرح قضية الحلول المطلوبة باتت عاجلة وضرورية، ومنها بالضرورة الإسراع ما أمكن في تنفيذ مخرجات مؤتمر الحوار الوطني، وإحقاق متطلباته الوطنية المهمة للجميع، وهي الاشتغال بالحل السياسي، بما يتجاوز الحل الأمني الإسعافي والضروري هو الآخر، ويؤسس لإعادة بناء سوريا الجديدة على أسس وبناءات وطنية ديمقراطية، يشارك بها كل السوريين بلا استثناء، وينتج بالضرورة حكومة انتقالية متعددة الطيف السياسي والأيديولوجي والإثني والطائفي والجندري كذلك، وإرسال الرسائل الضرورية للداخل والخارج من أن العهد الجديد معني تمامًا وموضوعيًا بمشاركة كل أنواع اللون والطيف السياسي وغير السياسي، وهو معني بشكل جدي في قطع الطريق على أي حكومة قادمة ذات لون واحد مهما كان هذا اللون معبرًا عن حجم التمثيل، مهما كان أكثريًا واقع حكومة الآن أو غير ذلك.

كما لابد من إنتاج الاعلان الدستوري السوري المنتظر والمتوافق عليه وطنيًا، والذي يؤسس لإعادة صياغة دستور وطني سوري جديد يعبر عن الجميع، جميع السوريين ويضمن حقوق كل السوريين، ضمن آلية تطبيقية وتنفيذية لاتتيح المجال مطلقًا لأي كان، في عملية إعاقة إنفاذ الدستور الوطني وكل القوانين الوضعية التي تمتلك السيادة، ولاسيادة أبدا لأي كان فوق الدستور أو القانون مهما علا شأنه، ومهما امتلك من شعبية انتخابية أو سوى ذلك، إن سوريا القادمة والجديدة لابد أن تكون قد اتكأت في عملية بنائها الأساسية إلى أرضية وطنية سورية متينة تسمح بتطبيق مبدأ وفكرة العدالة الانتقالية بكل محدداتها، وتعيد إنتاج الواقع السوري وفق متطلبات حيوات الناس ومستقبلهم كل ذلك ضمن حالة قطيعة كلية مع الماضي، الذي استطاع السوريون أن يضعوه على الرف، بعد إنجازهم التاريخي في شهر كانون أول / ديسمبر الفائت.

إن الالتفات إلى الناس كل الناس وتلبية الحاجات الخدمية اليومية، بات ضرورة قوية، ولعل عودة القسم الكبير من الناس السوريين المهجرين قسرًا إلى بلاد الله الواسعة، مرهونة بالضرورة في تأمين الخدمات الضرورية وإنجاز حالة الاستقرار والأمن الذي يتطلبه الوطن السوري بقضه وقضيضه.

الواقع يقول إن إنجاز جميع متطلبات المرحلة الانتقالية يسهم بشكل مباشر، أو غير مباشر، في لجم ووأد جميع تحركات الداخل والخارج، التي لاتريد لسوريا أن تستقر وتحيا على أسس جديدة وحضارية، وهو الذي سوف يحاصر كل الفلول وكل أدواتهم في عقر دارهم، ويمنع التعديات على مصائر السوريين.

من يتابع المجريات يرى أن الإيرانيين وكذلك فلول بشار الأسد سوف لن ولايمكن أن يتوقفوا عن محاولاتهم المستمرة لإقلاق راحة الوضع السوري الجديد، لأن هزيمة إيران في سوريا كانت هزيمة كبرى بكل المقاييس، ولايمكن للإيرانيين أن يبتلعوها بعد أن تم قطع طريق (طهران بغداد دمشق بيروت) ووجدت إيران نفسها كريشة في مهب الريح، إبان طردها من سوريا، لكن مايحاصر وسوف يحاصر كل تحركات إيران وفلول الأسد هو المزيد من الاشتغال في عملية التغيير الوطني الديمقراطي في سوريا، وإعطاء الحقوق لأصحابها والإسراع في عمليات التنمية على جميع الصعد، وتأمين الخدمات، وإشراك كل الطيف السياسي في مؤسسات ومنعرجات الحكومة القادمة والتهيئة العملية نحو انتخابات ديمقراطية تشرك الجميع، وتتيح للجميع ذاك الدور الوطني الذي يريدونه، من دون أية موانع أو أساليب للقمع أو الكبت لأي أحد.

ويبقى أن الأمل مازال موجودًا في إمكانية تحقيق المبتغى وقطع الطريق نهائيًا على كل فلول بشار الأسد وإيران التي تحميهم، وكذلك التعاطي الممكن مع دور إسرائيل الخطر في تفتيت وتقسيم الواقع الجغرافي السوري، وبالتالي العمل الحثيث نحو إنجاز جدي لبناء الدولة السورية المبتغاة الملتزمة بالقوانين الداخلية والعالمية، والاحتماء بفكرة العدالة والحرية والقانون وسيادته، وإقامة العلاقات الجيدة مع المحيط العربي والإسلامي والدولي لتحقيق بناءات جديدة، لدولة وطنية سورية ديمقراطية، طالما حلم بها كل السوريين عل اختلاف طوائفهم وإثنياتهم وأيديولوجياتهم.

تلفزيون سوريا

————————————

سياسة إيران المشبوهة.. خطر يهدد الاستقرار الإقليمي/ علي أسمر

2025.03.07

تثير السياسة الإيرانية في المنطقة، ولا سيما تجاه تركيا، العديد من التساؤلات حول أهدافها الحقيقية ومدى انسجامها مع المتغيرات الإقليمية المتسارعة.

تصريحات وزير الخارجية التركي هاكان فيدان بشأن إيران لم تأتِ من فراغ، بل جاءت استنادًا إلى معطيات ومعلومات متراكمة تؤكد تورط إيران في أنشطة مشبوهة تهدد استقرار المنطقة، وخصوصًا في سوريا والعراق.

إيران ودعم الميليشيات.. نهج مستمر رغم التحولات

على مدى العقود الماضية، تبنّت إيران سياسة تعتمد على دعم الفصائل المسلحة كأداة رئيسية لتعزيز نفوذها الإقليمي. يبرز هذا النهج بوضوح في العراق وسوريا ولبنان واليمن، حيث قامت طهران بتمويل وتسليح جماعات موالية لها لتحقيق مصالحها الجيوسياسية. لكن المتغيرات الحالية تجعل من هذا النهج مخاطرة كبيرة، خصوصًا مع تصاعد الضغوط الأميركية والإسرائيلية وتزايد الاستياء الإقليمي من سياسات إيران التوسعية.

تقارير استخباراتية وإعلامية متعددة تؤكد أن الحرس الثوري الإيراني يعقد اجتماعات سرية في شمال العراق تهدف إلى زعزعة استقرار الحكومة السورية الجديدة بقيادة أحمد الشرع، بالإضافة إلى تقديم دعم متجدد لبقايا النظام السابق. هذا التدخل الإيراني يعكس استمرار الرهان على الفوضى كوسيلة للحفاظ على النفوذ، في وقت بدأت فيه معظم القوى الإقليمية تتجه نحو الاستقرار وإعادة الإعمار.

ليس هذا جديدًا على السياسة الإيرانية، فقد سبق أن سمعنا عن تزويد الحرس الثوري الإيراني لحزب العمال الكردستاني بطائرات مسيّرة، وهي خطوة تعكس بوضوح استهداف أنقرة بشكل غير مباشر. فإيران، رغم تعاونها الرسمي مع تركيا في عدة ملفات، تتبنى في المقابل سياسات مزدوجة تضعها على مسار التصادم مع المصالح التركية. من هنا، يمكن فهم زيارة مدير جهاز المخابرات التركية إبراهيم كالن إلى طهران قبل شهر، والتي يبدو أنها جاءت في محاولة لفهم طبيعة هذه التحركات الإيرانية المشبوهة وتقييم مدى خطورتها على تركيا والمنطقة.

المعادلة الإقليمية الجديدة.. إيران في مأزق استراتيجي

اليوم، تقف إيران أمام واقع إقليمي مختلف، حيث لم يعد بإمكانها الاعتماد على نفس أدوات الماضي للحفاظ على نفوذها. الآن يوجد توافق دولي على أن “حقبة الميليشيات انتهت”، وهذا التوافق الدولي يحمل دلالات عميقة تتجاوز الموقف التركي، إذ يعكس تغيرًا في النظرة الإقليمية إلى الدور التخريبي الذي تلعبه إيران عبر دعم الجماعات المسلحة.

التحولات في السياسة الأميركية أيضًا تلعب دورًا مهمًا في تضييق الخناق على إيران، فالإدارة الأميركية الحالية تتبنى نهجًا أكثر صرامة تجاه طهران، وهو ما قد يدفع إسرائيل إلى تصعيد ضرباتها ضد المواقع الإيرانية في اليمن والعراق. في هذه الحالة، لن تجد إيران دعمًا إقليميًا، بما في ذلك من تركيا، التي قد تنأى بنفسها عن أي مواجهة محتملة بين طهران والغرب.

ومع عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، تتجه السياسة الأميركية نحو نهج أكثر صرامة وعدائية تجاه إيران، حيث تعهدت الإدارة الجديدة بإعادة فرض الضغوط القصوى على طهران، مستهدفة برنامجها النووي ونفوذها الإقليمي المتنامي. العقوبات الاقتصادية قد تعود بقوة، مع احتمال تصعيد عسكري غير مباشر عبر دعم أوسع لحلفاء واشنطن في المنطقة. كما أن العلاقة المتوترة بين إيران وإسرائيل قد تشهد مزيدًا من التصعيد بدعم أميركي أكبر. في ظل هذه التطورات، تبدو طهران أمام خيارات صعبة بين المواجهة أو التفاوض وفق شروط أكثر صرامة.

التناقض الإيراني.. خطاب معادٍ لإسرائيل وسياسات تزعزع الاستقرار في سوريا

المفارقة في السياسة الإيرانية أنها ترفع شعار مناهضة إسرائيل، لكنها في الوقت نفسه تساهم في زعزعة الاستقرار في سوريا الجديدة، كما تفعل إسرائيل عبر غاراتها الجوية. هذا التناقض يضع إيران في موقف حرج، إذ كيف يمكن لها تبرير دعمها لميليشيات تقوّض الحكومات الوطنية بينما تدّعي الدفاع عن سيادة الدول؟ هذا السؤال يتطلب من طهران إجابة واضحة، خاصة في ظل انكشاف أنشطتها المشبوهة في العراق وسوريا.

هل تعيد إيران حساباتها؟

العلاقات التركية-الإيرانية تتسم دائمًا بمسارين متوازيين: الأول دبلوماسي إيجابي وظاهر للعلن، والثاني متوتر وخفي، يظهر بين الحين والآخر في شكل أزمات سياسية وأمنية. وبينما تحاول أنقرة الحفاظ على قنوات التواصل مع طهران، فإنها في الوقت ذاته لن تتساهل مع أي تهديد مباشر لمصالحها الأمنية.

وعليه، فإن المرحلة القادمة تتطلب من إيران إعادة تقييم استراتيجياتها بما يتوافق مع المتغيرات الإقليمية الجديدة. فالاعتماد على الميليشيات لم يعد وسيلة فعالة للنفوذ، خصوصًا مع تنامي الضغوط الدولية والإقليمية ضد هذا النهج. إذا استمرت طهران في سياساتها الاستفزازية في سوريا والعراق، فإنها قد تجد نفسها في عزلة متزايدة، وحتى حلفاؤها التقليديون قد يضطرون إلى اتخاذ مسافة من سياساتها.

في ظل هذه المتغيرات، على إيران أن تدرك أن اللعبة القديمة لم تعد مجدية. استمرارها في دعم الميليشيات ومحاولة زعزعة الاستقرار في الدول المجاورة سيؤدي في النهاية إلى تصعيد سياسي وعسكري لن تكون قادرة على تحمله. تركيا، بدورها، لن تبقى صامتة إذا شعرت بأن المصالح الإيرانية تتعارض مع استقرارها وأمنها القومي.

لذا، فإن إعادة النظر في الاستراتيجيات والتكيف مع الشروط الجديدة باتت ضرورة حتمية لطهران، فالعالم اليوم لا يحتمل المزيد من الفوضى، وأي دولة تواصل الرهان على دعم الجماعات المسلحة ستجد نفسها في عزلة تامة.

—————————

عن مكالمة هاتفية لم تحدث بين البيت الأبيض وقصر الشعب/ علي سفر

2025.03.08

في وقت ما، كنت أسمع أحد أقاربي ممن عملوا في الشأن العام، وانتسبوا إلى العمل السياسي المعارض، يكرر دائماً أن إسقاط حافظ الأسد هو نصف المهمة، لكن النصف الثاني أخطر من الأول، إذ إنه بعد دقائق من الإطاحة بالدكتاتور، سيرن الهاتف على طاولة الرئيس الجديد حيث سيجد على الطرف الآخر من المكالمة الرئيس الأمريكي مهنئاً ويسأل عما سيفعله المنتصرون!؟

لم يستطع السوريون إنهاء حكم الطاغية الأب، وعانوا 14 سنة حتى استطاعوا الإطاحة بالدكتاتور القاتل الابن! وحتى هذه اللحظة لم يصدر عن قصر الشعب أي خبر، ولا حتى إيحاءٌ بأن الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، قد اتصل أو تواصل مع الرئيس أحمد الشرع.

الفرضية التي كان يحكيها قريبي، ورغم وجود جزء مجازي فيها، كانت صالحة بحرفيتها للعقود الأخيرة في القرن العشرين، لكن في وقتنا الحالي دخلت إلى الحقل السياسي التقليدي، حشرات وقوارض مختلفة، سريعة وتعمل من باطن الأرض، فتفسد المزروعات من داخلها، بحيث أنك تراها عادية وصالحة، لكنها فارغة وربما متعفنة من الداخل! ضمن هذا التشبيه، يمكن تفسير طبيعة العلاقات الدولية الراهنة، على أنها قدرة الجميع على التفاهم، وترتيب المصالح، بنزاهة ومن دون غش، أي أنه لا يجب على أحد أن يخدع الآخرين، بل يجب أن يكون واضحاً وصريحاً!

الاتصال الأميركي لم يحدث علانية حتى اللحظة، لكن في الفناء الخلفي ثمة ترتيبات تجري، من دون أن يعلن عنها شيئاً، وربما ينبئنا عنها الإحساس بالطمأنينة لدى الرئيس الشرع ووزير خارجيته أسعد الشيباني، في سياق تصريحاتهما، ولاسيما تلك التي تقدم التعهدات للدول الإقليمية وللدول الكبرى، وكذلك للمؤسسات الدولية، والتي يمكن تلخيصها بالقول إن سوريا الجديدة لن تكون دولة مافيوية! وأن كل الانطباعات السابقة التي كرسها الأسدان طوال 54 سنة، يجب أن تمحى طالما أن مصالح البلد تُحترم من قبل الآخرين!

كيف يمكن لهذه المعادلة أن تتحقق، والوضع السوري الراهن هو أقرب من أي وقت للانفجار الداخلي، بحكم الأزمات المكرسة، وبحكم الأصابع الإقليمية، العابثة بالشؤون المحلية، سياسياً وعسكرياً؟

يظن بعض فلول النظام، أن ثمة إمكانية لإثارة الدول الإقليمية، أو القوى الدولية، ضد السلطة الجديدة، فيملؤون مساحات التواصل الاجتماعي بأخبار غير موثقة، عن انتهاكات تحصل بحق الأقليات، وحين لا تثمر هذه الدسائس، يقررون تفجير الوضع عسكرياً، فتحصل اشتباكات، هنا وهناك، ويسقط القتلى!

ولعل ما يسترعي الانتباه خلال هذه الأحداث، أن السوريين لا يشعرون بالقلق من هذه التحركات، إذ ثمة يقين بأن الأسدية كمرحلة تتضمن همجية النظام و”رعاعية” مؤيديه من الشبيحة قد انقضت بلا رجعة، ولا أحد يريد أن يتورط في الدفاع عمن أقاموا السجون الإبادية في سوريا، وأكبر دليل على هذا، إنما هو ذهاب التصريحات الروسية بمجملها إلى عتبة بناء علاقة جديدة ومختلفة وربما أكثر دفئاً، بين الكرملين وقصر الشعب بحكامه الجدد في الفترة القادمة.

وعلى مستوى آخر، ورغم إعلان وكالة أخبار تتبع الحرس الثوري عن إطلاق ما سميت بـ”جبهة المقاومة الإسلامية في سوريا”، فإن الهاجس الراهن بوجود خطر إيراني، بات يضمحل أكثر فأكثر، لعلم المتابعين بأن ما يفعله أتباع الولي الفقيه في هذا الشأن ليس أكثر من محاولة التمسك بقشة نجاة، بعد أن غرقوا في بحر الخسارات!

التركيز في المحصلة، لابد أن ينصب على شكل العلاقة مع إسرائيل، وقبله طريقة التعاطي مع إدارة ترمب الحالية.

في اليومين الماضيين، ظهرت على السطح مقالة للسفير الأميركي السابق في سوريا ودراسة أعدها مركز أبحاث إسرائيلي. في المقالة يتحدث روبرت فورد عن حيثيات تتناقض مع الصيغة التي اتبعتها الولايات المتحدة سابقاً في سوريا، حيث كرّست دعمها لقوات سوريا الديمقراطية بذريعة محاربة تنظيم الدولة، فيقول: “أنه مع زوال نظام الأسد، يمكن للولايات المتحدة أن تختار العمل مع شريك أكثر نفوذا وفعالية في المعركة ضد بقايا تنظيم الدولة: الحكومة السورية الجديدة في دمشق. ومن الممكن أن يعزز التعاون الأكبر، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، مع هذه الحكومة الوليدة الأمن الإقليمي، ويساعد في إنهاء القتال الدائر في شرقي سوريا ويسمح للولايات المتحدة بتخصيص موارد أقل للبلاد. وفي السياق يشير إلى “أنه لطالما أبدى الرئيس دونالد ترمب أسفه على التورط الأميركي في الصراعات الخارجية وبخاصة في الشرق الأوسط. ومن شأن الشراكة مع الحكومة الانتقالية الجديدة في دمشق أن تسمح للولايات المتحدة بمغادرة سوريا بشروطها الخاصة”.

والخلاصة من هذه المقبوسات، تقول بأن ثمة استراتيجية مختلفة، محتملة في المرحلة القادمة، سيتغير معها شكل العلاقة بين دمشق وواشنطن، وأما فيما يخص الإبقاء على التحالف الخاص بمحاربة داعش فإن ثمة طروحات تتم مناقشتها حالياً، من بينها مقترح أوروبي، أشبه بحقيبة تتضمن حلولاً لعدة إشكاليات!

الاعتراضات الإسرائيلية العلنية حالياً، التي تترافق مع عمليات توغل وتهديدات، وادعاءات بحماية بعض المكونات السورية، لا تبدو قابلة للترجمة على الأرض، في ظل عدم رغبة الولايات المتحدة بالتدخل، وهذا ما تؤكده الورقة البحثية التي أعدها مركز دراسات الأمن القومي الإسرائيلي (INSS)، الثلاثاء الماضي، وقام موقع تلفزيون سوريا بنشرها قبل أيام، والتي تضمنت أفكاراً تدفع نحو “آلية للتعاون مع دول عربية وتركيا وقوى دولية، تتضمن تحجيم الدور التركي النافذ في سوريا ويمنع الاحتكاك مع إسرائيل، مع الإشادة بدور أنقرة والتعاون معها لضبط الأمن في سوريا من دون أن يكون لها استئثار في سوريا الجديدة. وتهدف كذلك إلى “منع إيران من استعادة نفوذها في سوريا. وتقترح خطة دولية لإعادة الإعمار الاقتصادي ما يمنح سوريا استقرارا ويمنعها من تهديد جوارها”.

وبحسب تحليل الورقة فإنه من اللافت أنها “تشير إلى أفضلية عدم مشاركة تل أبيب بهذا الآلية والاكتفاء بطرح الفكرة على واشنطن، مع التأكيد على أن الهدف هو حماية مصالح إسرائيل الحيوية”.

ربما يمكن القول بعد إلقاء نظرة على هذه الطروحات، إن التغيير الذي طرأ في آلية التواصل الأمريكي مع المشهد السوري، لن يتيح بناء علاقة واضحة المعالم، طالما أن سيد البيت الأبيض لا يرى في المكان فائدة ذات أهمية لسياسته الموجهة داخلياً، لكن هذا المعيار يمكن أن يتغير في حال ظهرت ضمن المشهد السوري أعراض خطر ما، من نوع تسلسل فئات خارجة عن السيطرة (تتبع الفصائل السورية أو الإيرانية) صوب المنطقة منوعة السلاح، بين سوريا والجولان المحتل، أو تقدم تنظيم الدولة مجدداً.

وكل ما سبق يبدو بعيداً، رغم انشغال الحكومة الحالية بالأزمات في الساحل السوري أو السويداء أو غيرهما.

*يتحدث الباحثان ديفورا مارغولين، وهارون ي. زيلين من معهد واشنطن في الدراسة الحديثة “خطوات ما بعد مؤتمر باريس في سوريا قد تكون حاسمة” التي قدماها حول المقترحات لمرحلة ما بعد الانسحاب الأمريكي من سوريا حيث ” اقترحت أنقرة تشكيل مجموعة إقليمية

تلفزيون سوريا

——————————–

====================

تطور الأحداث في الساحل السوري

—————————-

غياث دلا.. ذراع ماهر الأسد الضاربة يعود عبر مجلسه الغامض/ ضياء الصحناوي

08 مارس 2025

قاد عدة مجازر ضد السوريين كان أبرزها في داريا بريف دمشق

في عام 2017 أسس غياث دلا مليشيا “الغيث” بدعم إيراني

وضعت واشنطن غياث دلا على قائمة العقوبات منذ خمس سنوات

عاد اسم العميد غياث دلا للتداول في سورية في أعقاب الأحداث الأمنية التي جرت في الساحل السوري في الأيام الأخيرة، وكان من أبرز ضباط الفرقة الرابعة المدرعة التي كانت تحت قيادة ماهر الأسد، شقيق رئيس النظام السوري السابق بشار الأسد الذي فرّ إلى روسيا فجر 8 ديسمبر/كانون الأول 2024، وكان النظام المخلوع لقب دلا بـ”أسد الغوطتين”.

 مسار دموي: من داريا إلى المليحة

وينحدر غياث دلا من بلدة بيت ياشوط بريف اللاذقية، والتحق باللواء 42 في “الفرقة الرابعة” مع صعود نجم ماهر الأسد، وارتقى دلا سريعاً في السلم العسكري ليتسلم منصب رئيس أركان الفرقة الرابعة عام 2004. وأصبح دلا التلميذ النجيب وأحد أبرز أذرع ماهر التنفيذية في قمع النظام للثورة السورية التي انطلقت في مارس/آذار 2011، واكتسب لقب ذراع ماهر الأسد الضاربة بفضل تكتيكاته الوحشية التي طاولت المدنيين.

وعلى مدار 13 عاماً من المواجهات العسكرية مع السوريين أصبح غياث دلا رمزاً من رموز القمع في سورية. وقاد في أغسطس/آب 2012 هجوماً على مدينة داريا بريف دمشق راح ضحيته 700 مدني، بينهم عائلات كاملة. كما شهدت المدينة آنذاك حرقاً وتنكيلاً بجثث الضحايا من المدنيين. وبعد 7 أشهر، في مارس/آذار 2013، أشرف على حملة الفرقة الرابعة ضد مدينة معضمية الشام، المجاورة لداريا، وطبق على المدينة حصاراً مشدداً مانعاً عن سكانها دخول الطعام والأدوية وخلفت حملته 2000 قتيل و3000 جريح من المدنيين، بينهم 60 من النساء و100 من الأطفال. ولم يكتفِ بذلك، ففي 2014 قاد معركة المليحة التي استمرت 40 يوماً ودُمرت فيها البلدة بالكامل، بينما هجّر لاحقاً أهالي حي القابون الدمشقي وحوّله إلى ركام انتقاماً لدورهم في الثورة.

مليشيا “الغيث”.. ذراع إيراني بثوب نظامي

في عام 2017 أسس غياث دلا مليشيا “الغيث”، المكونة من 500 مقاتل، وجاء إنشاؤها بدعم إيراني، وشاركت مليشيا الغيث في معارك بجنوب دمشق، واستخدمت فيها صواريخ “جولان” العشوائية ما أدى إلى تهجير 150 ألف مدني من بلدة حرستا وتدميرها. كما ضمّ دلا عناصر من حزب الله والمليشيات الإيرانية كـ”لواء الإمام الحسين” إلى صفوف مقاتليه ومنحهم زيّاً عسكرياً مشابهاً لقواته للتعتيم على دور طهران. وخاضت “الغيث” عمليات عسكرية عديدة منها معارك في وادي بردى والغوطة الغربية، وصولاً إلى حملات القمع في درعا بعد المصالحات القسرية التي تمت بدعم روسي عام 2018.

وضعت واشنطن غياث دلا على قائمة العقوبات منذ خمس سنوات بسبب دوره في قمع الثورة السورية، لكن ذلك لم يمنعه من الاستمرار بما كان يفعله، بل حوّله إلى “ظل” تعتمد عليه إيران في حروب الوكالة. ويُجسّد دلا نموذجاً على التعقيدات في جيش النظام السوري السابق، فهو قاتل تحت علم النظام ضد الشعب السوري ثم أنشأ مليشيا خاصة به وتحالف مع طهران مع بقائه ضمن الجيش وفي الفرقة الرابعة، وبعد المعارك التي شنها على الشعب السوري طيلة السنوات السابقة أعلن تمرده على القيادة الجديدة بذريعة نصرة السوريين، بل ينادي بشعارات “التحرير” ذاتها التي رفعها من أزهق أرواحهم.

غياث دلا يبدأ فصلاً جديداً

بعد فرار الأسد، في ديسمبر 2024، اختفى غياث دلا عن الأنظار مثله مثل عشرات القادة الأمنيين. لكنه عاد للظهور عبر بيان صدر عن ما سماه “المجلس العسكري لتحرير سوريا” يوم الخميس الماضي، مُعلناً العزم على “تحرير” سورية من “المحتلين” و”إسقاط النظام الجديد”، في مفارقة مثيرة لرجل قضى حياته مدافعاً عن نظام كان يحكم البلاد بالقمع والدم. ويرجّح نشطاء ومهتمون بالشأن السياسي والعسكري في سورية أن البيان محاولة لإعادة تشكيل تحالفات تحت مظلة جديدة مستفيداً من علاقات كان أنشأها مع مليشيات أخرى تابعة لإيران بعد إرساله عام 2018 إلى القنيطرة و”مثلث الموت” لمواجهة فصائل “الجيش الحر”.

وكشفت شبكة الجزيرة في تقرير نشرته على موقعها عن توسع نفوذ “المجلس العسكري” بقيادة غياث دلا عبر تحالفات مع قيادات سابقة في جيش نظام الأسد، مثل  محمد محرز جابر قائد مليشيا “صقور الصحراء” ، وياسر رمضان الحجل من مجموعات سهيل الحسن. بعد أنباء عن مغادرة الأخير العراق قبل يومين إلى روسيا مع رئيف قوتلي لمقابلة بشار الأسد. فيما تزامنت هذه التحالفات مع هجمات مسلحة مكثفة بريف اللاذقية، أسفرت عن مقتل 15 عنصراً من قوات الأمن، ما دفع وزارتي الدفاع والداخلية لإطلاق عمليات أمنية واسعة. كما تلقى “المجلس” وفقاً للجزيرة دعماً مالياً من حزب الله والمليشيات العراقية، وتسهيلات لوجستية من قسد. الأمر الذي اعتبرته الإدارة السورية الجديدة محاولة لإعادة تشكيل نفوذ طهران وموسكو في الساحل السوري، عبر استغلال الفراغ الأمني، لتقوم بناء على ذلك بتكثيف حملتها العسكرية لاحتواء هذا التصعيد.

وفيما لا تُعرف حقيقة “المجلس العسكري لتحرير سوريا”، الذي أعلنه دلا تحت ذريعة حماية العلويين، ومدى حجمه الحقيقي على الأرض، قالت السلطات السورية إنه جاء لخدمة أجندة خارجية وتنفيذ انقلاب على العهد الجديد، ويبدو أن دلا الذي شارك في تهجير الملايين، وسبّب مجازر جماعية، يحاول الآن كتابة فصل جديد من سيرته، بينما تظل صورته في الذاكرة الجمعية للسوريين مرتبطة بتاريخ دموي أبرز من يشهد عليه مجازر داريا والمعضمية والمليحة.

العربي الجديد

————————–

تراجع وتيرة الاشتباكات في الساحل السوري مع استمرار الفوضى/ حسام رستم

08 مارس 2025

هاجم موالون للنظام السابق فجر اليوم مرفأ اللاذقية ومشفى فيها

انتهى الهجوم باعتقال عدد من المهاجمين وعودة الهدوء للاذقية

في جبلة سلم موالون للنظام السابق أنفسهم لقوات الأمن

تراجعت وتيرة الاشتباكات في محافظتي اللاذقية وطرطوس غربي سورية خلال الساعات الأخيرة بعد يومين من معارك عنيفة شهدتها مناطق الساحل السوري بين مسلحين موالين للنظام السابق والجيش السوري، وهاجم مسلحون موالون للنظام السابق فجر اليوم السبت مشفى ابن سينا في مدينة اللاذقية ومرفأ اللاذقية، وقالت مصادر أمنية إن الهجوم انتهى باعتقال عدد من المهاجمين، وعدا ذلك شهدت المدينة هدوءاً نسبياً وانتشاراً واسعاً لدوريات الأمن العام.

وقال قيادي في إدارة الأمن العام السوري، السبت، إنه “نتيجة زعزعة الاستقرار والأمن التي نتجت عن أفعال فلول النظام البائد، انتشرت عمليات السرقة بشكل كبير في عدة مناطق بالساحل السوري” وأضاف القيادي بحسب وكالة الأنباء السورية (سانا) أنه تم توجيه قوات الأمن العام لـ”ضبط الأمن في مدن جبلة وطرطوس واللاذقية وما حولها، وتم حتى الآن استعادة عدد كبير وكميات ضخمة من المسروقات واعتقال العديد من اللصوص”، وطلب من الأهالي “في جميع المناطق بالإبلاغ بشكل فوري عن أي حالة سرقة أو اعتداء تطالهم عبر أرقام التواصل المعروفة، أو عن طريق إبلاغ أقرب نقطة أمنية”.

وكان عدد من المسلحين الموالين للنظام السابق سلموا أنفسهم لقوات الأمن في مدينة جبلة، جنوبي اللاذقية، بعد اشتباكات بالمدينة التي عانت من الفوضى وعمليات السرقة والنهب قبل وصول تعزيزات كبيرة للأمن العام وسيطرتهم على الوضع، ويعاني سكان المدينة من انقطاع المياه والكهرباء وسط دعوات عاجلة لإيصال المساعدات والأدوية. ونقلت صحيفة الحرية الرسمية، اليوم السبت، عن مصدر في إدارة الأمن العام تأكيده مصادرة أكثر من مئتي آلية كان سرقها مَن أسماهم “ضعاف النفوس واللصوص مِن مدينة جبلة وما حولها مستغلين حالة عدم الاستقرار، وأكد اعتقال عدد كبير من اللصوص وإعادة الآليات إلى أصحابها أصولاً”.

وشهد طريق جبلة – اللاذقية، السبت، اشتباكات متقطعة، بينما بدأ الأمن العام بإغلاق الطرق المؤدية إلى الساحل السوري وإعادة الأشخاص غير المكلفين بمهام عسكرية، وكانت وكالة سانا نقلت أمس الجمعة عن مصدر في وزارة الداخلية قوله إنه “بعد قيام فلول النظام البائد باغتيال العديد من عناصر الشرطة والأمن توجهت حشود شعبية كبيرة غير منظمة للساحل ما أدى لبعض الانتهاكات الفردية، ونعمل على إيقاف هذه التجاوزات التي لا تمثل عموم الشعب السوري”.

وفي محافظة طرطوس الساحلية هاجم مسلحون موالون للنظام رتلاً عسكرياً للجيش السوري على طريق طرطوس – حمص وسط أنباء عن سقوط قتلى وجرحى، فيما شهد ريف مدينة بانياس اشتباكات متقطعة، وقال مصدر أمني في اللاذقية لـ”العربي الجديد” إن وزارة الدفاع السورية وقوى الأمن العام ستبدأ المرحلة الثانية لملاحقة فلول النظام السابق بعد تأمين مراكز المدن، مضيفاً أن الجيش تمكن، السبت، من قتل ستِّ مجموعات من مليشيا “درع الساحل 313” في جبال الساحل.

وكانت الشبكة السورية لحقوق الإنسان وثقت، في تقرير صدر أمس الجمعة، انتهاكات جسيمة حصلت جراء العمليات الأمنية بمحافظتي اللاذقية وطرطوس في الساحل السوري، إذ قُتل ما لا يقل عن مئة عنصر من قوات الأمن الداخلي نتيجة هجمات نفذتها مجموعات مسلحة مرتبطة بفلول نظام الأسد السابق خلال الفترة بين 6 و7 مارس/ آذار الحالي.

كما رصدت الشبكة مقتل نحو 15 مدنياً نتيجة استهداف مسلحين لمركباتهم على أطراف مدينة جبلة، كما قُتل قرابة 125 مدنياً على يد قوات الأمن، إذ نفذت قوات مشتركة تابعة لوزارتي الدفاع والداخلية حملة أمنية واسعة في عشرات القرى بريف اللاذقية وطرطوس وحماة شملت مداهمات عشوائية للمنازل وإطلاق نار مباشر على الأهالي، وفق التقرير.

—————————-

ردود الأفعال العربية والدولية على تطور الأحداث في الساحل السوري

 الإمارات تدين هجمات فلول النظام المخلوع على قوات الأمن السورية

2025.03.08

دانت دولة الإمارات الهجمات المسلحة التي شنتها فلول النظام المخلوع في سوريا ضد القوات الأمنية، مؤكدة رفضها لأي محاولات لزعزعة الاستقرار في البلاد.

وجددت وزارة الخارجية الإماراتية، في بيان لها، التأكيد على موقف الإمارات الثابت في دعم استقرار سوريا وسيادتها على كامل أراضيها، ووقوفها إلى جانب الشعب السوري الشقيق، إضافة إلى دعمها جميع المساعي الهادفة إلى تحقيق الأمن والسلام والاستقرار والحياة الكريمة.

ماذا يحدث في الساحل السوري؟

نفّذت مجموعات مسلّحة من فلول نظام الأسد المخلوع، الخميس، هجوماً منظماً وكمائن على مواقع لقوى الأمن الداخلي التابعة لوزارة الداخلية السورية، وتشكيلات عسكرية تابعة لوزارة الدفاع المدني، ما أدى إلى سقوط قتلى وجرحى في صفوف العناصر الأمنية والعسكرية، وذلك في محافظتي اللاذقية وطرطوس.

وفي إثر الهجوم المباغت للمجموعات الخارجة عن القانون، سيطرت على مواقع عديدة في أرياف محافظتي اللاذقية وطرطوس، فضلاً عن تصفية ميدانية بحق عناصر من “جهاز الأمن الداخلي”.

ومع فجر أمس الجمعة، دفعت وزارة الدفاع السورية بتعزيزات عسكرية ضخمة إلى منطقة الساحل السوري، تمكنت في إثرها من بسط السيطرة على مناطق نشاط المجموعات المسلّحة في حي “الدعتور” في مدينة اللاذقية، وأحياء مدينة بانياس في ريف طرطوس، في حين شنت هجوماً هو الأعنف لتمشيط مدينة جبلة وأريافها.

الكويت والبحرين تؤكدان تضامنهما مع سوريا وإدانة جرائم الخارجين عن القانون

2025.03.08

أعربت الكويت والبحرين عن تضامنهما ودعمهما لجهود وإجراءات الحكومة السورية في مواجهة التحديات الأمنية، ودانتا جرائم المجموعات الخارجة عن القانون، واستهدافها للقوى الأمنية.

وقالت وزارة الخارجية الكويتية إن دولة الكويت “تعرب عن إدانتها واستنكارها الشديدين للجرائم التي ترتكبها مجموعات خارجة عن القانون في الجمهورية العربية السورية الشقيقة، واستهدافها للقوات الأمنية ومؤسسات الدولة”.

وفي بيان لها، أكدت الخارجية الكويتية على وقوف دولة الكويت إلى جانب سوريا، ودعمها لكافة الجهود والإجراءات التي تتخذها الحكومة السورية لحفظ أمنها واستقرارها الوطني.

    بيان صادر عن وزارة الخارجية

    الجمعة 7 مارس 2025

    تعرب وزارة الخارجية عن إدانة دولة الكويت واستنكارها الشديدين للجرائم التي ترتكبها مجموعات خارجة عن القانون في الجمهورية العربية السورية الشقيقة، واستهدافها للقوات الأمنية ومؤسسات الدولة.

    وتؤكد الوزارة وقوف دولة الكويت إلى جانب… pic.twitter.com/QYasFlK4Mv

— وزارة الخارجية (@MOFAKuwait)

March 7, 2025

اقرأ أيضاً

الخارجية المصرية

مصر تؤكد دعم الدولة السورية في مواجهة التحديات الأمنية وتدشين عملية سياسية شاملة

من جانبها، أعربت مملكة البحرين عن “إدانتها واستنكارها بشدة للجرائم التي تقوم بها مجموعات خارجة عن القانون في الجمهورية العربية السورية الشقيقة، واستهدافها للقوات الأمنية، ومحاولتها زعزعة الأمن والسلم الأهلي”.

وفي بيانها، أكدت وزارة الخارجية البحرينية على موقف المملكة “الراسخ في تضامنها مع الحكومة السورية في حفظ أمن البلاد واستقرارها وسيادتها ووحدة وسلامة أراضيها، وتلبية تطلعات الشعب السوري الشقيق نحو التعايش السلمي والتنمية والازدهار المستدام”.

ماذا يحدث في الساحل السوري؟

وأول أمس الخميس، نفّذت مجموعات مسلّحة من فلول نظام الأسد المخلوع هجوماً منظماً وكمائن على مواقع لقوى الأمن الداخلي التابعة لوزارة الداخلية السورية، وتشكيلات عسكرية تابعة لوزارة الدفاع المدني، ما أدى إلى سقوط قتلى وجرحى في صفوف العناصر الأمنية والعسكرية، وذلك في محافظتي اللاذقية وطرطوس.

وفي إثر الهجوم المباغت للمجموعات الخارجة عن القانون، سيطرت على مواقع عديدة في أرياف محافظتي اللاذقية وطرطوس، فضلاً عن تصفية ميدانية بحق عناصر من “جهاز الأمن الداخلي”.

ومع فجر أمس الجمعة، دفعت وزارة الدفاع السورية بتعزيزات عسكرية ضخمة إلى منطقة الساحل السوري، تمكنت في إثرها من بسط السيطرة على مناطق نشاط المجموعات المسلّحة في حي “الدعتور” في مدينة اللاذقية، وأحياء مدينة بانياس في ريف طرطوس، في حين شنت هجوماً هو الأعنف لتمشيط مدينة جبلة وأريافها.

الأمم المتحدة تعرب عن قلقها إزاء التوترات الأمنية في سوريا وتدين كل أعمال العنف

2025.03.08

أعرب الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، عن القلق إزاء الاشتباكات الأخيرة والتوترات الأمنية في الساحل السوري، ودان كل أعمال العنف في البلاد، مشيراً إلى التقارير التي تحدثت عن عمليات قتل خارج نطاق القضاء وسقوط ضحايا من المدنيين.

وفي مؤتمر صحفي في نيويورك، قال المتحدث باسم الأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، إن الأمين العام “يدين بشدة كل أعمال العنف في سوريا”، داعياً الأطراف إلى حماية المدنيين ووقف الأعمال العدائية”.

وأشار المسؤول الأممي إلى أن “الأمين العام يشعر بالقلق إزاء خطر تصعيد التوترات بين المجتمعات في سوريا، في وقت ينبغي أن تكون فيه المصالحة والانتقال السياسي السلمي على رأس الأولويات، بعد 14 عاما من الصراع، فالسوريون يستحقون السلام المستدام والازدهار والعدالة”.

حاجة فورية لضبط النفس

وسبق تصريحات الأمين العام، أن أعرب المبعوث الأممي إلى سوريا، غير بيدرسن، عن “القلق العميق” إزاء التقارير التي تفيد بوقوع اشتباكات عنيفة وعمليات قتل في مناطق الساحل السوري، بين القوات الحكومية وعناصر موالية للنظام المخلوع.

وفي بيان له، قال بيدرسن إن “إن التقارير الواردة مقلقة للغاية عن سقوط ضحايا من المدنيين”، مضيفاً أنه “في حين يظل الوضع متقلباً، وما زلنا نعمل على تحديد الحقائق الدقيقة، فمن الواضح أن هناك حاجة ملحة لضبط النفس من جانب جميع الأطراف، والاحترام الكامل لحماية المدنيين وفقاً للقانون الدولي”.

وطالب المبعوث الأممي جميع الأطراف “بالامتناع عن اتخاذ أي إجراءات من شأنها أن تزيد من تأجيج التوترات، وتصعيد الصراع، وتفاقم معاناة المجتمعات المتضررة، وزعزعة استقرار سوريا، وتعريض الانتقال السياسي الموثوق والشامل للخطر”.

بريطانيا تحذّر من تفاقم الأوضاع في سوريا وتدعو إلى ضبط النفس

2025.03.08

حذّرت بريطانيا من تصاعد التوتر في الساحل السوري، مشددةً على ضرورة ضبط النفس والالتزام بالحلول السياسية لضمان مستقبل مستقر وشامل للجميع.

وقال وزير شؤون الشرق الأوسط في وزارة الخارجية والتنمية البريطانية، هيمش فولكنر، مساء الجمعة: “يمكن لسوريا أن تحظى بمستقبل يسوده السلام والشمول، ولكن ذلك ممكن فقط في حال تجنب العنف لصالح الحلول السياسية”.

وأضاف: “نهيب بجميع الأطراف ممارسة ضبط النفس في هذه الأوقات الصعبة والمفصلية في تاريخ سوريا”، وفقاً لما نشرته وزارة الخارجية والتنمية البريطانية

على منصة “إكس”.

من جهتها، وصفت المبعوثة البريطانية الخاصة إلى سوريا، آن سنو، التطورات الأخيرة في البلاد بأنها “مقلقة للغاية”، مشددةً على أن “ضبط النفس واتباع نهج واضح نحو المساءلة والعدالة الانتقالية ضروريان لتحقيق انتقال سياسي سلمي يشمل الجميع، وهو ما يستحقه كل السوريين”.

مصر تؤكد دعم الدولة السورية في مواجهة التحديات الأمنية وتدشين عملية سياسية شاملة

2025.03.08

أكدت مصر على موقفها الداعم للدولة السورية ومؤسساتها الوطنية في مواجهة التحديات الأمنية، داعية إلى تدشين عملية سياسية انتقالية شاملة.

وفي بيان لها، أعربت وزارة الخارجية المصرية عن “القلق البالغ” إزاء المواجهات التي شهدتها مناطق الساحل السوري، مما أسفر عن سقوط عدد من الضحايا والمصابين.

وقال البيان إن مصر “تؤكد على موقفها الداعم للدولة السورية ومؤسساتها الوطنية واستقرارها، في مواجهة التحديات الأمنية”، مشدداً على رفض القاهرة “لأية تحركات من شأنها أن تمس أمن وسلامة واستقرار الشعب السوري الشقيق”.

وأضاف البيان أن مصر “تعيد التأكيد على أهمية مكافحة كافة أشكال العنف، وضرورة إعلاء المصلحة الوطنية السورية فوق كل اعتبار، والعمل على تجاوز هذه المرحلة الانتقالية الدقيقة في سوريا”.

وأكد بيان الخارجية المصرية على “أهمية تدشين عملية سياسية شاملة، تضمن مشاركة جميع أطياف الشعب السوري، من دون إقصاء، وتضمن حقوق جميع الطوائف في سوريا الشقيقة”.

    pic.twitter.com/HvAJyxOobo

— Egypt MFA Spokesperson (@MfaEgypt)

March 7, 2025

وأدانت دولة قطر بأشد العبارات “الجرائم التي ترتكبها مجموعات خارجة عن القانون واستهدافها القوات الأمنية في الجمهورية العربية السورية الشقيقة”.

وأكدت وزارة الخارجية، في بيان اليوم، تضامن دولة قطر ووقوفها مع الحكومة السورية ودعمها لكل ما تتخذه من إجراءات لتوطيد السلم الأهلي وحفظ الأمن والاستقرار في البلاد.

وجدّدت الوزارة دعم دولة قطر الكامل لسيادة سوريا واستقلالها ووحدة وسلامة أراضيها وتحقيق تطلعات شعبها في الحرية والتنمية والازدهار.

    بيان | قطر تدين بأشد العبارات جرائم المجموعات الخارجة عن القانون وتؤكد دعمها للحكومة السورية #الخارجية_القطرية pic.twitter.com/BDIvOjH0Wq

    — الخارجية القطرية (@MofaQatar_AR) March 7, 2025

من جانبه، أكد الأردن، دعمه لسوريا في كل ما تتخذه من إجراءات لحماية أمنها، معربا عن رفضه أي تدخل خارجي أو محاولات لدفع البلاد نحو الفوضى.

وقالت الخارجية الأردنية في بيان اليوم الجمعة، إن المملكة “تقف مع الجمهورية العربية السورية وأمنها واستقرارها ووحدتها وسيادتها”.

وتخوض قوات الأمن السورية معارك لليوم الثاني على التوالي ضد فلول لنظام الأسد بعد تنفيذ هؤلاء هجمات منظمة أسفرت عن مقتل وإصابة العشرات من عناصر الأمن، في أكبر تحد تواجهه الإدارة الجديدة منذ سقوط رئيس النظام المخلوع بشار الأسد في 8 ديسمبر/كانون الأول الماضي.

وأدانت الوزارة “كل المحاولات والمجموعات والتدخلات الخارجية التي تستهدف أمن سوريا الشقيقة وسلمها ومؤسساتها الأمنية، وتحاول دفع سوريا نحو الفوضى والفتنة والصراع”.

كما أكدت الخارجية على “وقوف الأردن إلى جانب الحكومة السورية في كل ما تتخذه من إجراءات لحماية أمن سوريا واستقرارها وسلامة شعبها، ولحفظ القانون والسلم الأهلي”.

وشدّدت على “ضرورة تكاتف كل الجهود؛ لدعم سوريا في عملية إعادة بناء الدولة السورية الجديدة على الأسس التي تحمي وحدتها وأمنها واستقرارها وسيادتها، وتحفظ حقوق كل أبناء الشعب السوري الشقيق”.

السعودية وتركيا

وفي وقت سابق اليوم، أكدت كل من السعودية وتركيا دعمهما للحكومة السورية الانتقالية، مشددتين على ضرورة الحفاظ على الأمن والاستقرار ومنع أي تصعيد قد يهدد مستقبل البلاد.

وفي بيانين صادرين عن وزارتي الخارجية فيهما، حذرت الدولتان من تفاقم العنف في سوريا بعد اندلاع اشتباكات في اللاذقية ومحيطها بين القوات الأمنية السورية ومسلحين موالين للرئيس المخلوع بشار الأسد، مما أسفر عن سقوط عشرات القتلى والجرحى.

الموقف العراقي

من جانبها قالت وزارة الخارجية العراقية إنها تتابع بقلق بالغ التطورات الأمنية الجارية في سوريا، وتؤكد موقف العراق الثابت والداعي لضرورة حماية المدنيين وتجنيبهم ويلات النزاع.

وشددت الوزارة في بيان صدر في وقت مبكر من صباح السبت على ضرورة تغليب لغة الحوار واعتماد الحلول السلمية بدلا من التصعيد العسكري، محذرة من أن استمرار العنف سيؤدي إلى تفاقم الأزمة وتعميق عدم الاستقرار في المنطقة.

وجددت الخارجية العراقية دعوتها لدعم مسارات الحل السياسي التي تضمن وحدة سوريا وسلامة شعبها، كما جددت دعوتها للمجتمع الدولي إلى تكثيف الجهود الرامية إلى إنهاء المعاناة الإنسانية في سوريا.

من جانبه، تقدم وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني اليوم الجمعة بالشكر للدول الشقيقة والصديقة التي عبرت عن دعم الحكومة السورية في مواجهة فلول الأسد.

وقال الشيباني إنّ بلاده تواجه حربا خفية ومعلنة لكسر إرادة الشعب من خلال بث الفوضى ومحاولة الإغلاق السياسي في الخارج.

كما أشار إلى أنّ الشعب السوري أظهر وعيا فريدا وحسا وطنيا بتكاتفه ووقوفه خلف قيادته خصوصا في المناطق التي راهن الخارج عليها.

وأكّد الشيباني أنّ القيادة السورية الجديدة ممثلة بالرئيس أحمد الشرع اتخذت خطوات لتعزيز الأمن والاستقرار والسلم الأهلي.

وفي 8 ديسمبر/كانون الأول 2024، بسطت فصائل سورية سيطرتها على دمشق بعد مدن أخرى، منهية 61 عاما من نظام حزب البعث، و53 سنة من حكم عائلة الأسد.

وعقب ذلك، فتحت السلطات السورية مراكز للتسوية مع عناصر النظام المخلوع لتسليم السلاح، واستجاب آلاف الجنود، فيما رفض ذلك بعض الخارجين عن القانون لا سيما في منطقة الساحل معقل كبار ضباط الأسد، واختاروا الهروب والاختباء في المناطق الجبلية ونصب الكمائن للقوات الحكومية.

– الشيباني: نشكر موقف الدول الداعم لسوريا في مواجهتها فلول الأسد

2025.03.07

أكد وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، أن الشعب السوري تمكن من كسر محاولات الفوضى وزعزعة الأمن التي تمارسها فلول النظام المخلوع في البلاد، موجهاً الشكر للدول التي عبرت عن دعمها الحكومة السورية في عمليتها العسكرية ضد فلول الأسد في الساحل.  

وقال وزير الخارجية السوري عبر سلسلة تدوينات على منصة إكس، اليوم الجمعة: “كنا وما زلنا نواجه منذ اليوم الأول حرباً خفية ومعلنة لكسر إرادة الشعب السوري وهزيمته في ميدان الأمن والسياسة والحوكمة من خلال بث الفوضى من جهة، ومحاولات الإغلاق السياسي في الخارج من جهة أخرى”.

    كنا ولا زلنا نواجه منذ اليوم الأول حربا خفية ومعلنة لكسر إرادة الشعب السوري وهزيمته في ميدان الأمن والسياسة والحوكمة من خلال بث الفوضى من جهة، ومحاولات الإغلاق السياسي في الخارج من جهة أخرى.

    — أسعد حسن الشيباني (@Asaad_Shaibani)

    March 7, 2025

وأردف الشيباني: “إلا أننا كسرنا هذه المحاولات مرات عديدة وأعدنا سوريا إلى مكانتها في المنطقة والعالم، كما أظهر الشعب السوري وعياً فريداً وحساً وطنياً بتكاتفه وحمايته للمصالح الوطنية ووقوفه خلف قيادته، وخاصة في المناطق التي كان الخارج يراهن عليها”.

وأوضح أنه “منذ اليوم الأول لسقوط نظام الأسد، اتخذت القيادة السورية الجديدة ممثلة بالرئيس أحمد الشرع خطوات رشيدة تعزز الأمن والاستقرار والسلم الأهلي”.

“الجيش السوري هو الشعب ذاته”

وقال الشيباني: “لقد استعاد الشعب السوري حكم بلاده بعد أكثر من خمسين سنة من الإقصاء والاستبداد، وضحى كل بيت سوري لأجل هذه اللحظة بكل ما يملك، وما جرى يوم أمس (التصدي للفلول في الساحل) لا يمكن أن ينجح في دولة جيشها هو الشعب ذاته”، بحسب تعبيره.

وتابع: “في الوقت الذي أُطمئن شعبنا فيه بأن سوريا اليوم تجاوزت الاختبار مرة جديدة وتشق طريقها نحو المستقبل بقوة وثبات، أشكر الدول الشقيقة والصديقة التي عبرت عن موقفها الداعم للحكومة السورية في مواجهتها لفلول الأسد.

وختم الوزير الشيباني عباراته بالقول: “نترحّم على شهداء مؤسستينا الأمنية والعسكرية، والشفاء العاجل للجرحى، والعقاب والحساب لمن تورط بهذه الخيانة العظمى”.

———————————–

دمشق تستعيد الساحل السوري من «الفلول»

قواتها تسيطر على طرطوس واللاذقية بالكامل بعد اشتباكات عنيفة

دمشق: سعاد جروس

8 مارس 2025 م

اجتاز الحكم السوري الجديد، برئاسة أحمد الشرع، اختباراً خطيراً لسلطته مع نجاحه في احتواء «هبَّة» مفاجئة لما وصفتها وزارة الدفاع السورية بـ «فلول» نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد بقيادة «مجلس عسكري» حاول السيطرة على مناطق الساحل السوري.

ولا تزال الأجواء متوترة في مناطق الساحل بعد ليلة عصيبة عاشها السوريون عموماً مع تفجر التوتر الأمني.

وشنّت السلطات حملات أمنية في محافظتي اللاذقية وطرطوس، وفرضت حالة حظر تجول في مناطق واسعة، بعد اشتباكات عنيفة أوقعت أكثر من 140 قتيلاً. وأعلن الناطق باسم وزارة الدفاع السورية، حسن عبد الغني، أمس، فرض السيطرة الكاملة على مدينتي طرطوس واللاذقية. ونقلت «وكالة الأنباء السورية» عنه قوله: «تواصل قواتنا التعامل مع ما تبقى من بؤر للمجرمين، ونسلّم جميع المتورطين إلى الجهات الأمنية المختصة لضمان محاسبتهم وفق القانون».

وقال مصدر في وزارة الدفاع: «تنفّذ قواتنا الآن عمليات نوعية دقيقة بالتنسيق مع قوى الأمن العام ضد فلول النظام البائد التي غدرت بقواتنا وأهلنا في مدينة القرداحة»، مسقط رأس الأسد.

——————————-

 توثيق مقتل 140 مدنيا.. تنديد سوري بانتهاكات وإعدامات ميدانية في الحملة ضد الفلول

2025.03.07

وثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان مقتل قرابة 140 مدنياً على يد فلول النظام والقوات الحكومية ضمن الحملة العسكرية في الساحل السوري، وندد ناشطون سوريون بالتقارير الواردة عن انتهاكات وإعدامات ميدانية بحق مدنيين، وقال مصدر أمني في وزارة الداخلية إن هذه الانتهاكات “فردية” ويتم العمل على إيقافها.

ورصدت الشبكة السورية لحقوق الإنسان مقتل نحو 15 مدنياً نتيجة استهداف مسلحين لمركباتهم على أطراف مدينة جبلة، ومقتل قرابة 125 مدنياً على يد قوات الأمن في محافظتي اللاذقية وطرطوس.

ووثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان مقتل ما لا يقل عن 100 عنصر من قوات الأمن الداخلي نتيجة هجمات نفذتها مجموعات مسلحة مرتبطة بفلول نظام الأسد السابق في محافظتي اللاذقية وطرطوس، خلال الفترة بين 6 و7 آذار 2025.

وقالت الشبكة السورية لتلفزيون سوريا: “في 7 آذار، نفذت قوات مشتركة تابعة لوزارتي الدفاع والداخلية حملة أمنية واسعة في عشرات القرى بريف اللاذقية وطرطوس وحماة، شملت مداهمات عشوائية للمنازل وإطلاق نار مباشر على الأهالي. تخلل الحملة عمليات إعدام ميداني واسعة بحق شبان ورجال تراوحت أعمارهم من 18 عاماً فما فوق، دون تمييز واضح بين المدنيين وغيرهم. وثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان الحالات التالية:

•    مقتل نحو 40 مدنياً في قرية المختارية بريف اللاذقية، أُعدموا جماعياً في موقع واحد وتُركت جثثهم في المكان.

•    مقتل نحو 10 أشخاص في بلدة الحفة بريف اللاذقية، وتُركت جثثهم في شوارع البلدة.

•    مقتل نحو 5 مدنيين في قرية بستان الفندارة بريف مصياف بمحافظة حماة، تُركت جثثهم في الطرقات.

•    مقتل نحو 10 مدنيين في بلدة أرزة بريف حماة الغربي، وتُركت جثثهم في شوارع البلدة.

•    قيام مجموعات من المدنيين والمسلحين بمهاجمة قريتي أرزة وقمحانة بريف حماة الغربي، وحرق الممتلكات والمنازل، والاعتداء على السكان المحليين.

أما في مدينة بانياس بمحافظة طرطوس، وثقت الشبكة السورية إعدامات ميدانية طالت مدنيين داخل منازلهم بشكل عشوائي. ورصدت الشبكة مقتل ما يزيد عن 50 مدنياً نتيجة هذه الإعدامات، أغلبهم من عائلات أطباء من سكان حي القصور، قتلوا داخل منازلهم من دون أي محاكمة أو توجيه اتهامات واضحة لهم.

وقال الباحث السوري أحمد أبازيد في تغريدة: “الانتهاكات مدانة بذاتها، وليس بسبب هوية مرتكبها أو من وقعت عليه أو لأنها صُوّرت. إلقاء اللوم على وجود فزعات شعبية لم يمكن ضبطها لا يكفي، ما حصل اليوم يحتاج تحقيقاً واسعاً من الدولة بشأن الفيديوهات التي سُربت والتأكد من أي انتهاكات وقعت خارج إطار المواجهة العسكرية ضد مسلحين”.

وقال مصدر أمني في وزارة الداخلية لوكالة الأنباء السوري: “بعد قيام فلول النظام البائد باغتيال العديد من عناصر الشرطة والأمن توجهت حشود شعبية كبيرة غير منظمة إلى الساحل مما أدى إلى بعض الانتهاكات الفردية، ونعمل على إيقاف هذه التجاوزات التي لا تمثل عموم الشعب السوري”.

واستنكر الناشط عمر الحريري التجاوزات وطالب قيادة الجيش السوري والأمن العام بمحاسبة “كل من قتل أو تجاوز ضد مدني لم يشارك بالمحاولة الانقلابية، وعدم التهاون مع المجرمين لأن العدالة وحدها التي تحافظ على السلم الأهلي”

وقال الحريري: “كل ماجرى هو نتيجة تأخير تطبيق العدالة الانتقالية ومحاسبة المجرمين منذ البداية لايمكن كبح غضب ذوي الضحايا ممن قتلوا على مدار ثلاثة عشر عاما على يد من قام بالمحاولة الانقلابية بالأمس”.

ورصد تلفزيون سوريا تسجيلات مصورة لإعدامات ميدانية لم يتمكن من التحقق من صحتها، يظهر فيها مسلحون يطلقون النار مباشرة على أشخاص غير مسلحين، في حين أوضح إعلاميون يرافقون قوات الأمن والجيش في حملة الساحل السوري أن معظم التسجيلات المنشورة على وسائل التواصل الاجتماعي هي بحق فلول النظام المخلوع.

ونشر مواطنون من الساحل السوري نعوات لعائلاتهم وذويهم، قالوا إنهم قتلوا ميدانياً برصاص الأمن والجيش.

وقال الباحث أسامة أبو زيد في تغريدة: بالتأكيد ليس مقبولاً أن تحدث أي انتهاكات والحكومة التي ندعمها للقضاء على محاولات الخونة لإعادة الساعة إلى الوراء مطالبة بفتح تحقيق للوقوف على ملابسات أي انتهاك وتجاوز وقع بحق مدنيين أبرياء ومحاسبة المسؤولين عنها. السير باتجاه الجمهورية الجديدة وسوريا

موحدة وقوية يستلزم تعالياً على الجراح ونبذ الثأر وإنفاذ العدالة وتحقيقاً لوحدة وطنية وصف داخلي سوري متماسك.

وطالبت الصحفية السورية صبا مدور بالتحقق من أي معلومة أو فيديو قبل تداوله ونشره

وقالت في تغريدة: لا توجد حرب في العالم دون هامش خسائر أو انتهاكات من الطرفين، لكن السؤال: ما حجم هذه الممارسات وعددها بالنسبة لعدد المقاتلين والمدنيين ككل؟

وشددت مدور على أن “كل ممارسة تنتهك حقوق الإنسان مرفوضة، بغض النظر عن مرتكبها وضحيتها، وندينها جميعا بلا استثناء. لكن كفوا عن التنظير والتعميم والتشويه والتضخيم، فالوضع في سوريا خطير جدا، وكل كلمة تُقال اليوم نُحاسب عليها أضعافا مضاعفة غدا”.

وأعلن المتحدث باسم وزارة الدفاع السورية اليوم الجمعة، استعادة السيطرة الكاملة على مدينتي طرطوس واللاذقية الواقعتين على الساحل السوري غربي البلاد. مشيراً إلى أن العملية العسكرية ضد فلول نظام الأسد يفصلها “ساعات قليلة فقط” عن إعلان إتمامها.

في تلك الأثناء، تقدمت قوات وزارة الدفاع إلى مشارف جبلة بريف اللاذقية وخاضت معارك عنيفة مع فلول النظام المخلوع، بينما استسلمت مجموعات مسلّحة بعد محاصرتها في محيط المدينة. كما تمكن الجيش السوري وجهاز الأمن العام من ضبط كميات من الأسلحة، وإلقاء القبض على مسلحين من فلول النظام الذين يتحصنون في مناطق آهلة بالسكان، ما يستدعي جهوداً خاصة للحفاظ على سلامة المدنيين.

وصباح اليوم الجمعة، انطلقت عمليات التمشيط في الساحل السوري ومداهمة مواقع وأوكار فلول النظام المخلوع بعد ليلة دامية قتل وأصيب فيها العشرات من قوى الأمن والجيش بكمائن الفلول وانطلاق تعزيزات كبيرة من كافة المناطق السورية.

وباشرت إدارة الأمن العام عمليات تمشيط مكثفة في مراكز اللاذقية وطرطوس، إضافة إلى القرى والبلدات والجبال المحيطة، مستهدفةً فلول النظام المخلوع وكل من قدّم لهم الدعم والمساندة. كما دعت عناصر النظام السابق الراغبين في تسليم سلاحهم وأنفسهم للقضاء إلى التوجه لأقرب نقطة أمنية.

وقال مصدر عسكري في وزارة الدفاع لتلفزيون سوريا إن قوات الجيش تتعامل بحذر مع مصادر نيران الفلول التي تتخذ من المدنيين دروعاً بشرية في مدن وبلدات اللاذقية وطرطوس، ويعتمد الجيش على المسيرات في استهداف مواقع وتجمعات الفلول، حيث ألحقت بهم خسائر واسعة، وساهم ذلك في تحقيق تقدم ميداني ملحوظ في مدن اللاذقية وجبلة وبانياس والقرداحة.

————————-

المرصد: قوات الأمن السورية “أعدمت 162 مدنيا علويا

الحرة – واشنطن

07 مارس 2025

أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان بأن قوات الأمن السورية “أعدمت” الجمعة 162 مدنيا علويا في معقل هذه الطائفة المنتمي إليها الرئيس المخلوع بشار الأسد، وذلك خلال عملية تمشيط واسعة النطاق في غرب البلاد.

وأشار المرصد إلى وقوع “خمس مجازر منفصلة أودت بحياة 162 مدنيا في المنطقة الساحلية السورية، الجمعة، بينهم نساء وأطفال”.

وأوضح أن “الغالبية العظمى من الضحايا تم إعدامهم بإجراءات موجزة على يد عناصر تابعين لوزارتي الدفاع والداخلية”. وبذلك ترتفع الحصيلة الإجمالية للقتلى منذ اندلاع أعمال العنف الخميس إلى أكثر من 250 شخصا منذ اندلاع أعمال العنف الخميس.

وقال ناشطان من الطائفة العلوية والمرصد السوري لحقوق الإنسان نقلا عن مصادر ومقطع فيديو إن مسلحين قتلوا 20 رجلا على الأقل من سكان بلدة علوية في منطقة ريفية ساحلية بسوريا اليوم الجمعة.

وتمكنت رويترز من التحقق من موقع تصوير مقطع الفيديو في المختارية قرب طريق سريع باستخدام مضاهاة للطريق وبنايات وأشجار ومرافق تظهر في صور للأقمار الصناعية للبلدة.

وأظهر المقطع جثث 20 رجلا على الأقل مسجاة قرب بعضها البعض وعدد منها ملطخ بالدماء على جانب الطريق في وسط البلدة.

ولم يتسن بعد التحقق من تاريخ التصوير بالضبط أو ممن قام بالتصوير، لكن اتجاه الظل أظهر أن وقت التصوير صباحا خلال الشهرين الماضيين. ولم تتمكن رويترز من التأكد بشكل مستقل مما حدث في الموقع.

وقال ناشطان علويان طلبا عدم الكشف عن هويتهما نظرا لحساسية الأمر إن عمليات القتل حدثت اليوم الجمعة واتهما مسلحين تابعين لإدارة البلاد الجديدة.

وقالت الوكالة العربية السورية للأنباء نقلا عن مصدر أمني “بعد قيام فلول النظام البائد باغتيال العديد من عناصر الشرطة والأمن توجهت حشود شعبية كبيرة غير منظمة للساحل مما أدى لبعض الانتهاكات الفردية”.

وأرسلت قوات الأمن تعزيزات إلى المنطقة الساحلية من معقلها في إدلب والمناطق المجاورة لمواجهة مسلحين تقول إنهم مرتبطون بالأسد.

ويشكل العلويون نحو تسعة في المئة من سكان سوريا ذات الغالبية السنية. وشاركوا خلال حكم عائلة الأسد لأكثر من خمسة عقود، خصوصا في المؤسسات العسكرية والأمنية التي لطالما اعتمدت الاعتقال والتعذيب لقمع أي معارضة.

الحرة – واشنطن

————————

المرصد السوري: كل ساعة نكتشف مجزرة جديدة في الساحل

الحرة – دبي

08 مارس 2025

قال مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان، رامي عبد الرحمن، السبت،  إن عدد القتلى في الساحل السوري جراء  ما وصفه بـ”المجازر الأخيرة” قد ارتفع إلى 340 شخصا من أبناء الطائفة العلوية.

وأضاف أن عمليات القتل مستمرة، وقد يتجاوز العدد الإجمالي 1000 قتيل مع استمرار توثيق الضحايا.

وقال عبد الرحمن: “كل ساعة نكتشف مجزرة جديدة في الساحل السوري”، مؤكدا أن القتلى سقطوا نتيجة إطلاق نار مباشر من قبل المقاتلين الذين تم جلبهم إلى المنطقة.

ووفق الأرقام التي وثقها المرصد، فقد قُتل في مدينة بانياس وحدها 60 مدنيا، بينهم 10 نساء و5 أطفال، بينما شهدت قرية التويمة سقوط 31 ضحية، بينهم 9 أطفال.

وأما في الصنوبر بريف جبلة، فقد شملت قائمة “الضحايا” أيضًا نساءً وأطفالًا.

وأكد مدير المرصد أن عمليات التوثيق لا تزال مستمرة، مشيراً إلى أن التوتر الأمني لم ينتهِ تماماً رغم الإعلان عن انتهاء ما وصف بـ”التمرد العسكري” الذي قاده بعض عناصر جيش النظام السوري السابق.

شهد الساحل السوري تصعيدا خطيرا في حدة الاشتباكات منذ مساء الخميس، حيث اندلعت معارك قوية بين قوات الأمن العام ووزارة الدفاع التابعة للإدارة السورية الجديدة من جهة، وبين جماعات مسلحة محسوبة على النظام السابق من جهة أخرى.

وشدد عبد الرحمن على ضرورة وقف سفك الدماء، قائلاً: “أسقطنا نظام بشار الأسد لإيقاف القتل بحق أبناء الشعب السوري، وليس لخلق فتنة بينهم”، داعياً إلى تحرك عاجل لوقف العنف في المنطقة.

واندلعت، الخميس، اشتباكات بين قوات الأمن ومجموعات مسلحة مرتبطة بالحكم السابق في محافظة اللاذقية ذات الغالبية العلوية، الأقلية الدينية، التي ينتمي إليها الأسد.

وتعد المعارك الأعنف منذ إطاحة الأسد في الثامن من ديسمبر، وقد أشار المرصد الى أن المنطقة تشهد، السبت “هدوءا نسبيا”، لكن القوات الأمنية تواصل عمليات “الملاحقة والتمشيط في الأماكن التي يتحصن فيها المسلحون” وأرسلت تعزيزات إضافية.

قال المرصد السوري لحقوق الإنسان إن أكثر من 240 شخصا قتلوا في ظروف مختلفة يوم الجمعة جراء الاشتباكات التي تعد الأعنف بين قوات الأمن السورية والمسلحين الموالين للرئيس السابق بشار الأسد في غرب البلاد، في وقت ذكرت وكالة فرانس برس في إحصائية لها ارتفاع الحصيلة الإجمالية للقتلى منذ اندلاع أعمال العنف الخميس إلى أكثر من 250 شخص.

من جهتها، أفادت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) فجر السبت عن تصدي قوات الأمن “لهجوم من قبل فلول النظام البائد” استهدف المستشفى الوطني في مدينة اللاذقية.

وكان الرئيس السوري الانتقالي، أحمد الشرع، حضّ المسلحين ليل الجمعة على تسليم أنفسهم “قبل فوات الأوان”.

وقال الشرع “لقد اعتديتم على كل السوريين وإنكم بهذا قد اقترفتم ذنبا عظيما لا يغتفر وقد جاءكم الرد الذي لا صبر لكم عليه فبادروا إلى تسليم سلاحكم وأنفسكم قبل فوات الأوان”، وذلك في خطاب بثّته قناة الرئاسة السورية على منصة تليغرام.

وتابع “سنستمر بحصر السلاح بيد الدولة ولن يبقى سلاح منفلت”.

ومنذ إطاحة الأسد، نفّذت السلطات الجديدة حملات أمنية بهدف ملاحقة “فلول النظام” السابق، شملت مناطق يقطنها علويون خصوصا في وسط البلاد وغربها.

وتخلل تلك العمليات اشتباكات وحوادث إطلاق نار، يتهم مسؤولون أمنيون مسلحين موالين للأسد بالوقوف خلفها.

ويفيد سكان ومنظمات بين حين وآخر بحصول انتهاكات تشمل اعمالا انتقامية بينها مصادرة منازل أو تنفيذ إعدامات ميدانية وحوادث خطف، تضعها السلطات في إطار “حوادث فردية” وتتعهد ملاحقة المسؤولين عنها.

الحرة – دبي

——————————–

محافظ اللاذقية يكشف آخر تطورات العمليات الأمنية في الساحل السوري

2025.03.08

قال محافظ اللاذقية، محمد عثمان، في لقاء حصري مع تلفزيون سوريا، إن القوات الأمنية والعسكرية فكّت الحصار عن المراكز الأمنية والشرطية في محافظة اللاذقية، الذي فرضته مجموعات مسلحة تابعة لفلول النظام المخلوع والخارجين عن القانون.

وأكد المحافظ أن وحدات من وزارة الدفاع والأمن دخلت المدينة منذ الصباح الباكر، وتمكنت من استعادة السيطرة على المواقع المستهدفة، مشيراً إلى أن العمليات الأمنية مستمرة لضمان الاستقرار في المنطقة.

وأضاف أن الأجهزة الأمنية عززت انتشارها في المدينة لمنع تكرار مثل هذه الاعتداءات، مشدداً على أن قوى الأمن تمكنت من قتل عدد من المسلحين وإلقاء القبض على آخرين، فيما ستبدأ القوات غداً عمليات ملاحقة موسعة لاستئصال فلول النظام السابق نهائياً.

اشتباكات عنيفة وجهود لاستعادة الأمن

وأشار عثمان إلى أن “الاشتباكات التي شهدتها اللاذقية منذ يوم أمس أسفرت عن استشهاد أكثر من 70 عنصراً من قوى الأمن والجيش”، مؤكداً أن السلطات تدرس إمكانية إنهاء حظر التجوال غداً، إذ أظهر المدنيون استجابة إيجابية للقرارات الأمنية.

وأوضح المحافظ أن بعض المسلحين الذين تم قتلهم كانوا قد أجروا تسويات سابقة، غير أنهم عادوا لزعزعة الأمن، لافتاً إلى أن عناصر من الفلول أقدموا على تنفيذ عمليات إعدام ميداني بحق مدنيين.

وأكد عثمان أن الدولة ما زالت تفتح أبوابها أمام من يريد العودة إلى رشده وتسليم نفسه للقضاء، موضحاً أن السلطات ستتعامل بحزم مع كل من يصر على زعزعة الأمن، كما شدد على أن بعض الضباط والمسؤولين السابقين في النظام المخلوع شجعوا على هذه الأعمال التخريبية، مؤكداً أن محاسبتهم ستكون حتمية.

وحول سياسة الدولة في التسويات، قال عثمان إن الحكومة قدمت العديد من الفرص للمسلحين لتسوية أوضاعهم والاندماج مجدداً في المجتمع، مؤكداً أن الأغلبية التزموا بالقوانين، في حين استغل البعض هذه الفرصة للعودة إلى أعمالهم التخريبية، وهو ما أدى إلى ضرورة التدخل الأمني الحاسم.

——————————–

عبد الغني: من يرفض تسليم سلاحه سيأتيه ردنا عملياً على الأرض

2025.03.07

أكد المتحدث باسم وزارة الدفاع السورية العقيد حسن عبد الغني، استمرار قوات الجيش بملاحقة فلول الأسد المخلوع في الساحل، مشيراً إلى تحقيق تقدّم ميداني سريع.

وقال عبد الغني في كلمة نقلتها وكالة الأنباء السورية (سانا): “حققت قوات وزارة الدفاع تقدماً ميدانياً سريعاً، وأعادت فرض السيطرة على المناطق التي شهدت اعتداءات غادرة ضد رجال الأمن العام”.

وحذر فلول النظام المخلوع من “العواقب الوخيمة للاستمرار في الغدر”، مؤكداً أن “كل من يرفض تسليم سلاحه للدولة سيواجه رداً حاسماً لا تهاون فيه”. وقال عبد الغني: “من يراهن على الفوضى لم يدرك بعد أن عهد الاستبداد انتهى وأن البعث دفن إلى غير رجعة وأن طغيانه دُمر تحت إرادة الشعب السوري، ولمن لم يفهم ذلك بعد سنعيد توضيحه عملياً على الأرض”.

تطويق بؤر الفلول وتسليم المطلوبين

ووأوضح عبد الغني أن قوات الدفاع السورية “نفذت عمليات تطويق محكمة ما أدى إلى تضييق الخناق على العناصر المتبقية من ضباط وفلول النظام البائد، فيما تستمر القوات في تقدمها وفق الخطط العملياتية”.

وأضاف: “تواصل القوات التعامل مع ما تبقى من بؤر للمجرمين، وتسليم جميع المتورطين إلى الجهات الأمنية المختصة لضمان محاسبتهم وفق القانون”.

ودعا عبد الغني المدنيين من أبناء المناطق التي تشهد عمليات عسكرية ضد فلول نظام الأسد في الساحل إلى العودة إلى منازلهم. وقال: “نوجه لأهلنا الكرام الذين هبّوا لمؤازرة إخوانهم دعوة للعودة إلى مناطقهم، فالأوضاع تحت السيطرة الكاملة والعمليات مستمرة وفق الخطة بدقة، ولا داعي للقلق”.

————————

دعماً للعمليات الأمنية ومؤسسات الدولة.. مظاهرات تعم المدن السورية

2025.03.07

عمت مظاهرات شعبية، اليوم الجمعة، مدناً وبلدات سورية، عقب دعوات من ناشطين سوريين على مواقع التواصل، تأييداً للعمليات الأمنية والعسكرية ضد فلول النظام المخلوع في منطقة الساحل السوري، وتأييداً للدولة السورية في محاربة المجموعات الخارجة عن القانون.

مظاهرات مركزية

ورصد موقع تلفزيون سوريا خروج مظاهرات في مدن وبلدات في محافظات حلب وحماة وحلب والقنيطرة ودرعا وإدلب وحمص وريف دمشق.

وخرجت مظاهرات في مراكز مدن دمشق وحماة وحمص وحلب، في حين خرجت مظاهرة في مدينة أريحا بريف إدلب الجنوبي، وكذاك في بلدات ومدن “جاسم وبلدة جباب ومليحة العطش” في ريف محافظة درعا.

تشييع ورفض للطائفية في حماة

وفي مدينة سلمية بريف حماة، تظاهر مئات من أبناء المدينة، استجابةً لدعوات أطلقتها كل من “هيئة العمل المدني” و”الهيئة الإسلامية في سلمية”، للمشاركة في وقفة تضامنية مع القوى الأمنية والجيش، بعد التطورات الأخيرة في مدن الساحل السوري.

كما شهدت بلدتا “شيزر وخطاب” بريف حماة، خروج مظاهرات مؤيدة للدولة السورية وداعمة للعمليات الأمنية في الساحل السوري.

وشهدت مظاهرة مدينة حماة المركزية في ساحة العاصي، تشييعاً لـ”شهداء الغدر الذي ارتقوا يوم أمس بعد مهاجمة مواقعهم الأمنية في الساحل السوري من قبل فلول النظام البائد”، بحسب ما نشرت معرّفات محافظة حماة الرسمية.

ودعا ناشطون وأهالٍ على مواقع التواصل الاجتماعي، في وقتٍ سابق، إلى مظاهرات مركزية في المدن السورية، اليوم عقب صلاة الجمعة دعماً للدولة السورية والعمليات الأمنية والعسكرية في محافظتي اللاذقية وطرطوس.

وتداول ناشطون دعوات لمظاهرات في مراكز المدن السورية منها حمص وحماة وحلب وإدلب ودرعا، بالتزامن مع استمرار العمليات العسكرية والأمنية في ملاحقة فلول النظام المخلوع في ريفي طرطوس واللاذقية.

مظاهرة في مدينة سلمية رفضاً للخطاب الطائفي وتضامنا مع الدولة

تظاهر مئات من أبناء مدينة سلمية بريف حماة الشرقي، استجابةً لدعوات أطلقتها كل من “هيئة العمل المدني” و”الهيئة الإسلامية في سلمية”، للمشاركة في وقفة تضامنية مع القوى الأمنية والجيش، بعد التطورات الأخيرة في مدن الساحل السوري.

ورفع المشاركون لافتات ترفض الخطاب الطائفي وتقف مع الدولة السورية، ودان المتظاهرون الهجمات التي نفذتها فلول النظام المخلوع في محافظتي اللاذقية وطرطوس.

وقال متظاهرون لموقع تلفزيون سوريا، إنهم يقفون مع وحدة الدولة السورية وضرورة حصر السلاح بيدها، ونددوا باستهداف قوات الأمن العام، مطالبين بمحاسبة المجرمين والخارجين عن القانون، ومشددين على أن تحقيق السلم الأهلي وبناء دولة عادلة للجميع لا يمكن أن يتم دون نبذ العنف وتطبيق العدالة وحصر السلاح بيد الدولة.

وأشار المتظاهرون إلى أن منطقة سلمية كانت من أوائل المستجيبين لتسليم السلاح، داعين جميع المناطق إلى الالتزام بتسليم الأسلحة وتعزيز الأمن والاستقرار الوطني.

وتأتي هذه المظاهرة وسط توتر متصاعد في المنطقة، عقب الأحداث الأمنية التي شهدتها مدن الساحل، والتي أثارت ردود فعل شعبية واسعة رافضة للخطاب الطائفي ودعوات التقسيم.

وشهدت عدة مدن سورية مظاهرات مساء أمس واليوم الجمعة، دعما للإدارة السورية الجديدة وللأمن العام والجيش السوري، وشدد المشاركون على رفضهم للتحريض والخطاب الطائفي والتقسيم، مؤكدين على وحدة الأراضي السورية.

وانطلقت صباح اليوم الجمعة عمليات التمشيط في الساحل السوري ومداهمة مواقع وأوكار فلول النظام المخلوع بعد ليلة دامية، قضى فيها أكثر من 20 عنصراً من قوى الأمن والجيش بكمائن الفلول وانطلاق تعزيزات كبيرة من كافة المناطق السورية.

وباشرت إدارة الأمن العام عمليات تمشيط مكثفة في مراكز اللاذقية وطرطوس، إضافة إلى القرى والبلدات والجبال المحيطة، مستهدفةً فلول النظام المخلوع وكل من قدّم لهم الدعم والمساندة.

كما دعت عناصر النظام السابق الراغبين في تسليم سلاحهم وأنفسهم للقضاء إلى التوجه لأقرب نقطة أمنية.

وقالت مصادر عسكرية وأمنية لتلفزيون سوريا إن عمليات تمشيط الغابات والحراش في الساحل السوري بدأت فجر اليوم، بمشاركة الطائرات المسيرة من طرازات شاهين، وتمكنت قوى الأمن والجيش من قتل أكثر من 50 عنصراً من الفلول واعتقال آخرين.

———————————

وزير الدفاع الإسرائيلي يستغل أحداث الساحل للتدخل في الشأن السوري

2025.03.07

علق وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، على العمليات العسكرية التي تنفذها القوات الأمنية في سوريا ضد فلول النظام المخلوع في منطقة الساحل، وجدد الإعلان أن بلاده لن تنسحب من المناطق التي احتلتها في الجنوب “لتحمي نفسها من أي تهديد” ومن تصاعد العنف في سوريا، على حد زعمه.

وقال كاتس، في بيان نشره عبر منصة “إكس”، إن إسرائيل “ستحمي نفسها من أي تهديد قادم من سوريا”، مشددًا على أن “الجيش الإسرائيلي سيبقى في مناطق الأمن ومرتفعات جبل الشيخ، وسيواصل حماية مستوطنات الجولان والجليل”.

وأضاف أن بلاده ستعمل على إبقاء جنوبي سوريا خاليا من الأسلحة والتهديدات، متعهدا بـ”حماية السكان الدروز في المنطقة، ومن يمسّهم سيدفع الثمن”. على حد تعبيره.

وحذر كاتس من تصاعد العنف في سوريا، زاعماً أن القوات الحكومية ترتكب “فظائع ضد المدنيين العلويين”،

في حين، دانت العديد من الدول العربية بأشد العبارات الجرائم التي ترتكبها مجموعات خارجة عن القانون واستهدافها القوات الأمنية في الجمهورية العربية السورية.

تمشيط الساحل السوري

وفي وقت سابق اليوم، قالت مصادر أمنية وعسكرية لتلفزيون سوريا إن قوات الأمن والجيش استعادت السيطرة على مدينة جبلة بعد اشتباكات عنيفة استمرت طول اليوم مع فلول النظام المخلوع.

وأعلن المتحدث باسم وزارة الدفاع السورية، استعادة السيطرة الكاملة على مدينتي طرطوس واللاذقية الواقعتين على الساحل السوري غربي البلاد. مشيراً إلى أن العملية العسكرية ضد فلول نظام الأسد يفصلها “ساعات قليلة فقط” عن إعلان إتمامها.

وصباح اليوم، انطلقت عمليات التمشيط في الساحل السوري ومداهمة مواقع وأوكار فلول النظام المخلوع بعد ليلة دامية قتل وأصيب فيها العشرات من قوى الأمن والجيش بكمائن الفلول وانطلاق تعزيزات كبيرة من جميع المناطق السورية.

وباشرت إدارة الأمن العام عمليات تمشيط مكثفة في مراكز اللاذقية وطرطوس، إضافة إلى القرى والبلدات والجبال المحيطة، مستهدفةً فلول النظام المخلوع وكل من قدّم لهم الدعم والمساندة. كما دعت عناصر النظام السابق الراغبين في تسليم سلاحهم وأنفسهم للقضاء إلى التوجه لأقرب نقطة أمنية.

———————————–

القوات الروسية تسمح لفلول نظام الأسد بدخول قاعدة حميميم- (فيديو)

دمشق: أفادت تقارير محلية أن العشرات من المدنيين وفلول النظام السوري السابق مع عوائلهم دخلوا إلى قاعدة حميميم بريف اللاذقية.

وأشارت مصادر إلى أن المدنيين وفلول النظام انتظروا ساعات قبل أن تسمح لهم القوات الروسية بدخول القاعدة.

https://www.alquds.co.uk/%D8%A7%D9%84%D9%82%D9%88%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D9%88%D8%B3%D9%8A%D8%A9-%D8%AA%D8%B3%D9%85%D8%AD-%D9%84%D9%81%D9%84%D9%88%D9%84-%D9%86%D8%B8%D8%A7%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B3%D8%AF-%D8%A8/?ocid=Nabd_App

—————————————

قائد “قسد” ينفي وجود أفراد من فلول الأسد شمال وشرق سوريا

8/3/2025

نفى قائد ما تعرف بـ”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) مظلوم عبدي وجود أي أفراد من فلول نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد في مناطق شمال وشرق سوريا.

وقال عبدي في تصريحات نشرت مساء أمس الجمعة إنّه لا يمكن حل الأزمة السورية إلا بالحوار السوري السوري، وقال إنّه اتفق مع دمشق على استبعاد الحل العسكري في التعامل مع جميع القضايا العالقة.

وأعلن قائد قوات سوريا الديمقراطية أنّه سيتم تشكيل وفد من أهالي المنطقة للحوار مع دمشق حول مستقبل المنطقة والدولة السورية.

ولا تزال قوات “قسد” تسيطر على مناطق واسعة من شمال شرقي سوريا وجزء من محافظة دير الزور (شرق)، وتخضع هذه المناطق للإدارة الذاتية التي أنشأها الأكراد.

ودعت الإدارة السورية الجديدة “قوات سوريا الديمقراطية” إلى الاندماج تحت مظلة وزارة الدفاع والجيش الجديد، رافضة أي نوع من الحكم الذاتي في مناطق الأكراد.

——————————-

معارك وأعمال انتقام بعد تمرّد مسلّح تؤدي لمقتل وجرح المئات/ هبة محمد

تحديث 08 أذار 2025

بعد هجمات منظمة هي الأولى من نوعها بعد سقوط نظام الأسد المخلوع، قالت إدارة الأمن العام في سوريا إن قواتها احتوت حادثة “تمرد” واسعة، استهدفت مواقع عسكرية وأمنية حساسة في الساحل، وشنت حملة تمشيط واسعة في ريف اللاذقية الشمالي والشرقي وأوتوستراد “أم فور” باتجاه مدينة جبلة، كما فكت حصارا كان مفروضا على عناصرها في القرداحة.

وقال فضل عبد الغني مدير “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” إن “عصابات موالية لنظام الأسد قتلت 100 من قوات الأمن و15 مدنيا”.

يجري ذلك وسط معارك عنيفة في جبلة والقرداحة في ريف اللاذقية، وفرض حظر للتجوال (ينتهي اليوم السبت) في ثلاث محافظات هي اللاذقية وطرطوس وحمص، ووصول تعزيزات ضخمة للجيش من معظم المحافظات إلى منطقة الساحل، بالتوازي مع ردة فعل جماهيرية جارفة، وحراك شعبي بدأ منذ ليل الجمعة، ومظاهرات حاشدة تحت شعار “جمعة الوفاء لدماء الأحرار”.

مصدر في وزارة الدفاع قال لوكالة الأنباء الرسمية “سانا” إن قواتنا بدأت بالانتشار في مدينتي اللاذقية وطرطوس دعماً لقوات إدارة الأمن العام ضد فلول ميليشيات الأسد، ولإعادة الاستقرار والأمن للمنطقة.

وزاد: “تمكنت قواتنا من فك الحصار المفروض من قبل فلول النظام البائد على مقاتلينا بمحيط مدينة القرداحة، بعد اشتباكات عنيفة في المنطقة”.

وأوضح أن فلول النظام المخلوع اتخذت من أبنية ومرتفعات مدينة القرداحة وكراً لها، وتستهدف قوات الجيش، مؤكداً أن الجيش ينفّذ الآن “عمليات نوعية دقيقة بالتنسيق مع قوى الأمن العام ضد فلول النظام المخلوع التي غدرت بقواتنا وأهلنا في مدينة القرداحة”.

وحسب مصادر عسكرية مسؤولة تحدثت لـ “القدس العربي” فإن “الهجوم الواسع هو الأول من نوعه، من حيث التنسيق بين قيادات وقوات نظام الأسد المخلوع مع بعضها، حيث تتلقى هذه المجموعات دعما وإشرافا داخليا وخارجيا، إذ بدأت الهجمات بشكل منظم مستهدفة مواقع عسكرية وأمنية حساسة، نفذ خلالها المهاجمون عدة كمائن بموازاة اشتباكات متزامنة في أكثر من موقع”.

وقال مصدر أمني في وزارة الداخلية، وفق ما نقلت عنه وكالة الأنباء الرسمية “سانا”، إنه “بعد قيام فلول النظام البائد باغتيال العديد من عناصر الشرطة والأمن توجهت حشود شعبية كبيرة غير منظمة للساحل مما أدى لبعض الانتهاكات الفردية”.

وأفاد” المرصد السوري لحقوق الإنسان” عن إقدام “عناصر من قوات الأمن على إعدام 90 شابا ورجلا علويا” خلال أعمال انتقام.

وأعلنت محافظة اللاذقية السورية، الجمعة، انقطاع التيار الكهربائي عن جميع أرجائها، إثر أعمال تخريبية نفذتها فلول النظام المخلوع.

وأشارت على قناتها الرسمية في منصة تلغرام، إلى “فصل عام للكهرباء في معظم أرجاء اللاذقية، بسبب انقطاع في خط الـ 230 ك.ف المغذي للاذقية” .

وأرجعت سبب ذلك إلى “الأعمال التخريبية الناتجة عن العمليات الإرهابية التي نفذتها فلول النظام البائد” .

من جهة أخرى، جددت إسرائيل، أمس الجمعة، عزمها على مواصلة احتلال مناطق في سوريا وصفتها بـ”الأمنية”، وأعادت التلويح بورقة الدروز في سياق تدخلها في الشأن السوري. وفي منشور عبر منصة إكس، واصل وزير الحرب الإسرائيلي يسرائيل كاتس تصريحاته العدائية ضد سوريا في ظل الإدارة الجديدة التي تولت السلطة بعد سقوط نظام الأسد في 8 ديسمبر/ كانون الأول 2024.

وفي إشارة إلى مزيد من التدخلات الإسرائيلية في سوريا، توعّد كاتس بأن تل أبيب “ستعمل على ضمان أن يكون جنوب سوريا منزوع السلاح وخاليا من التهديدات” .

ولم يكتف بذلك، بل قال أيضا: “سنحمي السكان الدروز هناك”، في خطوة تعكس استغلال إسرائيل للورقة الطائفية، وسط رفض سوري واسع لهذه التصريحات.

——————————————-

 سوريا: تراجع الاشتباكات في الساحل.. وإجراءات صارمة لمنع التجاوزات

المدن – عرب وعالم

السبت 2025/03/08

تراجعت وتيرة الاشتباكات والمعارك في الساحل السوري، صباح اليوم السبت، بعد يومين على مواجهات دامية خلّفت عشرات القتلى والجرحى، فيما اتخذت وزارة الدفاع السورية وإدارة الأمن العام، إجراءات لمنع حدوث انتهاكات جديدة بحق المدنيين العلويين في الساحل حتى مدينة حمص.

هجومان جديدان

وقالت مصادر متابعة لـ”المدن”، إن فلول نظام الأسد، شنّت هجومين جديدين خلال ساعات ليل الجمعة/السبت، استهدف الأول المشفى الوطني في مدينة اللاذقية، أدّى إلى مقتل عناصر من الأمن العام، ومحاصرة الأطباء والمرضى في المشفى، قبل أن تتمكن القوى الأمنية من السيطرة على المشهد، وتحاصر المجموعة المهاجمة، بينهم قناص “محترف” من قوات نظام الأسد.

وسبق هجوم المشفى، هجوم من قبل فلول النظام، استهدف الكلية البحرية في مدينة جبلة بريف اللاذقية، لكن القوى الأمنية تمكنت من السيطرة عليه سريعاً، وسط تعزيزات جديدة دفعت وزارة الدفاع إلى الكلية. وكان عدد كبير من عناصر الأمن والجيش السوري، قد حاصرتهم مجموعات من الفلول مع بداية هجماتهم قبل يومين، قبل أن يتم فك الحصار عنهم.

مشاهد مرعبة

وبعد انتهاء الهجومين، عاد الهدوء إلى مراكز المدن الساحلية التي شهدت هجمات من قبل فلول نظام الأسد، اللاذقية وطرطوس وجبلة، بينما لا تزال قوى الأمن ووزارة الدفاع تلاحق الفلول في جبال اللاذقية والقرداحة.

وكشف الهدوء مع ساعات صباح اليوم، عن مشاهد مرعبة حول حجم المواجهات وأضرارها، إذ شوهدت سيارات مدنية وأخرى تابعة للأمن العام، ولا يزال أصحابها بداخلها، وذلك بعد استهدافها من قبل مجموعات الفلول على الطرق الواصلة إلى جبلة وطريق حلب-اللاذقية، كما أظهرت بعضها احتراق جثث أصحابها بداخلها.

إجراءات لمنع الانتهاكات

وقالت مصادر متابعة لـ”المدن”، إن وزارة الدفاع وجهاز الأمن العام، بدأوا باتخاذ إجراءات صارمة لمنع حدوث أي انتهاكات أو تجاوزات، وذلك عبر بإغلاق كل الطرق المؤدية إلى الساحل السوري واعادة الاشخاص ممن لا يحملون مهمة عسكرية.

وأضافت أن شخصيات رفيعة من وزارة الدفاع السورية، أصبحت هي من تتحكم بمشهد إدارة عمليات مواجهة فلول نظام الأسد وملاحقتهم، أبرزهم رئيس هيئة الأركان السورية اللواء علي النعسان. ومن المقرر أن يفتح جهاز الاستخبارات السوري تحقيقات بشأن الانتهاكات، فيما تتحدث بعض التقارير عن القبض على أشخاص قاموا بالانتهاكات.

وسبق ذلك، قيام الأمن العام بحماية عدة أحياء يقطنها علويون في مدينة حمص، لمنع أي انتهاكات، بينما تطوع ناشطون وإعلاميون سوريون لتهدئة خوف مناطق سكن العلويين في دمشق وريفها، في إطار حملات للحفاظ على السلم الأهلي، بعد الانتهاكات التي جرى ارتكابها خلال مواجهات الفلول في الساحل السوري.

وتتجه وزارة الدفاع السورية إلى التعامل بحزم مع مجموعات الفلول التي ترفض تسليم نفسها، مع تقديم فرصة جديدة لآخرين لتسليم أنفسهم، وهو ما قاد اليوم السبت، إلى تسليم عدد منهم لأنفسهم في جبلة.

المدن

————————–

لعنة الدم تلاحق مدينة عبدالحليم خدام!

اللاذقية – المدن

السبت 2025/03/08

ليس بإمكان أي عابر للساحل السوري أن يمر دون أن يلحظ بقعةً جغرافية تمتد على مساحة 581 كيلومتراً مربعاً، تحمل اسم بانياس، المدينة التي طواها الإهمال في التاريخ الحديث رغم مكانتها العريقة في الأزمنة الغابرة.

منذ عصور عبادة البعول، حظيت بانياس بقدسية خاصة، وظلت شاهداً على صراعات كبرى، كان أبرزها معركة “فانيون” بين السلوقيين والبطالمة، حيث سُفكت الدماء بغزارة على أرضها قبل أن ينتصر السلوقيون ويفرضوا سيطرتهم. ومع مرور الزمن، تحولت المدينة إلى نقطة استراتيجية تحت الحكم الروماني، مستفيدةً من موقعها الساحلي ومينائها البحري الهام، الذي جعلها محطةً رئيسية في شبكة التجارة البحرية للمنطقة.

ورغم هذا التاريخ الحافل، تقف بانياس اليوم على هامش الاهتمام، مدينةً منسية بين صفحات الماضي وإهمال الحاضر… ولعنة الدماء التي تلاحقها.

في موقع استراتيجي مطل على البحر، اختار عبد الحليم خدام، نائب الرئيس حافظ الأسد، إقامة قصره الفخم، الذي يمتد على مساحة 5 آلاف متر مربع، ضمن أرض شاسعة تبلغ 18 دونماً، أُضيفت إليها 10 دونمات من الأملاك البحرية، تم استئجارها بعقد طويل الأمد لمدة 99 عاماً.

ولم يكتفِ خدام بالموقع الفريد لقصره، بل ضمّ إليه مرفأً خاصاً، يعزز من خصوصيته ويمنحه منفذاً بحرياً مباشراً، ليصبح القصر تحفةً معمارية تعكس النفوذ السياسي والاقتصادي الذي تمتّع به الرجل في ذروة سلطته.

القصر الذي عُرض للبيع ب40 مليون دولا بعد انشقاق صاحبه، تمت محاصرته قبل الانشقاق من قبل المواطنين الغاضبين اللذين تجمعوا قبالته محاولين احراقه كنوع من السخط على صمته لما ارتُكب من مجازر بحق أهله من قبل النظام البائد.

ليعيش سكان المدينة مجدداً مشاعر مماثلة منذ ليلة البارحة، بعد أن تحولت مدينة بانياس إلى ساحة لمجازر مروعة، مع دخول أرتال من القوات التابعة لوزارة الدفاع في الإدارة السورية الجديدة، لملاحقة فلول نظام الأسد، وفقاً لتقرير صادر عن المرصد السوري لحقوق الإنسان.

التصعيد، الذي وصفه المرصد بالخطير ضد المدنيين، يأتي في ظل تطورات متسارعة على الأرض، وسط مخاوف متزايدة من انتهاكات جسيمة بحق السكان، ما يثير تساؤلات حول طبيعة العمليات العسكرية وأهدافها الحقيقية.

في تطور دامٍ، كشف المرصد السوري لحقوق الإنسان عن وقوع أكبر حصيلة للضحايا في مدينة بانياس بريف طرطوس، حيث قُتل 164 مدنياً خلال هجوم مكثف وإعدامات جماعية بالرصاص.

ومع تجدد العنف صباح اليوم، تصاعدت المشاهد المروعة التي تناقلها الأهالي عبر بث مباشرة، تضمنت نداءات استغاثة، حيث أكد المدنيون أنهم ليسوا من فلول النظام، مستجدين التدخل لإنقاذهم. إحدى الطفلات، بصوت مرتجف، قالت: “بعرف رح نموت”، بينما طالب آخرون بعدم ترك دمائهم تذهب هدراً، داعين للدعاء لهم في حال قُتلوا.

ورغم وعود الرئيس الانتقالي أحمد الشرع بمحاسبة الفاعلين، إلا أن عمليات القتل تخطت ما وُصف بتفلّت الفصائل، ليتحول إلى نهج ممنهج قائم على قاعدة “تربية الناس بالناس”، وسط تساؤلات متزايدة حول الجهات المسؤولة وصمت المجتمع الدولي عن هذه الفظائع.

يستحضر المشهد الراهن في بانياس، نسخةً مأساوية من مجازر ماضية ارتُكبت خلال حقبة النظام البائد، وعلى رأسها مجزرة البيضا، التي نفذتها قوات بشار الأسد عام 2013، تاركةً وراءها 248 ضحية، وفقاً لمنظمة هيومن رايتس ووتش.

شهادات الناجين من المجزرة لا تزال شاهدةً على وحشية تلك الحقبة، حيث يروي بعضهم كيف أعدمت قوات النظام وأجهزته الأمنية، إلى جانب ميليشياته المعروفة محلياً بـ”الشبيحة”، أهالي القرية بدم بارد، قبل أن تحرق جثثهم أو تخفيها، في محاولة لطمس آثار الجريمة.

اليوم، ومع تصاعد الأحداث الدامية في بانياس، يطالب الأهالي والحكومة الجديدة بمحاسبة مرتكبي تلك الفظائع، مؤكدين أن العدالة وحدها قادرة على طي صفحة الماضي دون أن تُمحى من الذاكرة.

يشكل العلويون نحو 9% من سكان سوريا ذات الغالبية السنية، لكن دورهم تجاوز نسبتهم العددية ليترك بصمته بوضوح في المشهد السياسي والأمني للبلاد، خصوصاً خلال حكم عائلة الأسد الذي امتد لأكثر من خمسة عقود.

فمنذ وصول حافظ الأسد إلى السلطة عام 1970، تزايد نفوذ الطائفة داخل المؤسسات العسكرية والأمنية، حيث اعتمد النظام على الأجهزة الأمنية كأداة رئيسية لترسيخ سلطته، مستخدماً الاعتقال والتعذيب لقمع أي شكل من أشكال المعارضة.

——————————–

دمشق: إيران تقف وراء أحداث الساحل

رئيس الإستخبارات يؤكد إنخراط جهات خارجية في أحداث القتل

تحديث 08 أذار 2025

إيلاف من دمشق: قال مدير العلاقات العامة بوزارة الإعلام السورية، علي الرفاعي، مساء يوم الجمعة، إن السلطات تمكنت من تحرير جميع الأسرى الذين أسروا من قبل فلول نظام بشار الأسد.

وأضاف علي الرفاعي أن ضباطا بالنظام السابق هم من تولوا القيام بالعمليات ضد الدولة السورية بدعم إيراني، وفق ما نقلته “الإخبارية السورية”.

وشدد مدير العلاقات العامة على الرفض التام للطائفية التي زرعها النظام السابق بين السوريين.

كما أكد الرفاعي أنهم لن يقبلوا بتقسم سوريا بأي ثمن وأن الدولة السورية ستبقى موحدة بكافة مواطنيها.

من جهته، وجه رئيس جهاز الاستخبارات العامة في سوريا أنس خطاب أصابع الاتهام إلى قيادات عسكرية وأمنية سابقة من النظام البائد لوقوفها وراء أحداث الساحل، فيما عمت تظاهرات غاضبة معظم المدن السورية وفي المقدمة منها العاصمة وريفها القريب.

وأكد رئيس جهاز الاستخبارات العامة في سوريا خلال تدوينات على منصة “إكس” على “أنه ومنذ اللحظة الأولى لتحرير مدينة حلب وحتى تحرير العاصمة دمشق، كنا في إدارة العمليات العسكرية نوجه جميع وحداتنا المنتشرة في المحافظات إلى ضرورة ضبط النفس وحسن التعامل مع الآخرين، وما زلنا حتى اللحظة ندعو إلى ذلك، فالمصالح العليا مقدمة على كل شيء”.

وبين أن “بعضا من ضعاف النفوس والمجرمين استغلوا الأوضاع السابقة والظروف الصعبة التي مرت بها البلاد، حيث ورثنا نظاما فاسدا مجرما بكل المقاييس، فراحوا يخططون ويجهزون لمحاولة ضرب الوجه الجديد لسوريا المستقبل الذي آلمهم زهوه وازدهاره”.

وذكر أنه “وحسب التحقيقات الأولية، فإن قيادات عسكرية وأمنية سابقة تتبع للنظام البائد تقف وراء التخطيط والتدبير لهذه الجرائم، عبر توجيهها من قبل بعض الشخصيات الفارة خارج البلاد والمطلوبة للعدالة والقضاء”.

وقال: “بعد مضي 90 يوما على تحرير العاصمة دمشق، ظن بعض الحمقى والمغفلين أنهم قادرون على إسقاط إرادة شعبنا العظيم في تحديد مصيره ومستقبله الذي يضمن لهم حياة حرة كريمة، فأطلقوا عمليتهم الغادرة التي راح ضحيتها العشرات من خيرة رجالنا في الجيش والأمن والشرطة”.

ومحذرا فلول النظام السابق قال أنس خطاب: “إلى الذين لم يقرأوا تحذيراتنا لهم في وقت سابق بشكل صحيح أقول لقد ورطتكم أياد خبيثة بما تفعلونه اليوم، ولن نسامح من تلطخت أيديهم بدماء رجالنا الطاهرة، وليس أمامكم سبيل إلا أن تسلموا أنفسكم وأسلحتكم لأقرب جهة أمنية”.

ايلاف

————————

أول تحرك للجيش السوري بعد “مجازر” الساحل

يمان السيد

08 مارس 2025

أعلنت وزارة الدفاع السورية، السبت، إغلاق كل الطريق المؤدية إلى منطقة الساحل‏ غربي البلاد لمنع “التجاوزات” ضد المدنيين، غداة يوم قتل فيه العشرات من المدنيين في معقل الطائفة العلوية حسب المرصد السوري لحقوق الإنسان.

وأعلن مصدر في وزارة الدفاع لوكالة الأنباء الرسمية السورية سانا “بالتنسيق مع إدارة الأمن العام، إغلاق الطرق المؤدية إلى منطقة الساحل، وذلك لضبط المخالفات ومنع التجاوزات وعودة الاستقرار تدريجيا إلى المنطقة”.

وقال إن الوزارة “شكلت سابقا لجنة طارئة لرصد المخالفات، وإحالة من تجاوز تعليمات القيادة خلال العملية العسكرية والأمنية الأخيرة إلى المحكمة العسكرية”.

وقال المرصد إن 340 مدنيا علويا قتلوا على يد قوات الأمن السورية ومجموعات رديفة لها خلال عمليات تمشيط واشتباكات مع موالين للأسد بدأت قبل يومين في الساحل.

وتعد الاشتباكات التي اندلعت الخميس، الأعنف منذ إطاحة الأسد في الثامن من ديسمبر، وتشكّل مؤشرا على حجم التحديات التي تواجه الرئيس الانتقالي أحمد الشرع لناحية بسط الأمن في سوريا، مع وجود فصائل ومجموعات مسلحة ذات مرجعيات مختلفة بعد 13 عاما من نزاع مدمر.

وأورد المرصد “مقتل 340 مدنيا علويا في مناطق الساحل السوري وجبال اللاذقية على يد قوات الأمن ومجموعات رديفة لها” منذ الخميس.

وتحدث المرصد عن “عمليات تصفية على أساس طائفي ومناطقي” و”عمليات إعدام ميدانية” ترافقت مع “عمليات نهب للمنازل والممتلكات”.

وأكد المصدر أن من بين القتلى أكثر من 60 مدنيا بينهم “10 نساء و5 أطفال” في مدينة بانياس بمحافظة طرطوس “أُعدموا رميا بالرصاص”.

وارتفعت الحصيلة الاجمالية منذ بدء الاشتباكات إلى 524 قتيلا، بينهم 213 مسلحا من الطرفين، بحسب المرصد الذي أحصى 93 قتيلا من “الأفراد العسكريين في وزارتي الداخلية والدفاع”، و”120 عنصرا مسلحا” من الموالين للأسد.

وأكد مدير إدارة الأمن العام في محافظة اللاذقية المقدم مصطفى كنيفاتي “التزامنا التام بحماية السلم الأهلي وضمان أمن جميع المواطنين، ولن يكون هناك أي تهاون في هذا المبدأ.”

وقال في تصريحات نقلتها وكالة سانا: “كما نلاحق فلول النظام البائد وضباطه لن نسمح بأي أعمال انتقامية تحت أي ظرف. سوف نحاسب كل من يثبت تورطه في الاعتداءات سواء من فلول النظام أو من اللصوص والعابثين بالأمن.”

    مدير إدارة الأمن العام في محافظة #اللاذقية المقدم مصطفى كنيفاتي:

    1️⃣ نؤكد التزامنا التام بحماية السلم الأهلي وضمان أمن جميع المواطنين، ولن يكون هناك أي تهاون في هذا المبدأ.#الساحل_السوري #سانا

    — الوكالة العربية السورية للأنباء – سانا (@SanaAjel) March 8, 2025

وتشهد المنطقة السبت “هدوءا نسبيا”، لكن القوات الأمنية تواصل عمليات “الملاحقة والتمشيط في الأماكن التي يتحصن فيها المسلحون” وأرسلت تعزيزات إضافية، بحسب المرصد.

من جهتها، أفادت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) فجر السبت عن تصدي قوات الأمن “لهجوم من قبل فلول النظام البائد” استهدف المستشفى الوطني في مدينة اللاذقية.

وبدأ التوتر الخميس في قرية ذات غالبية علوية في ريف اللاذقية على خلفية توقيف قوات الأمن لمطلوب، وما لبث أن تحول إلى اشتباكات بعد إطلاق نار من مسلحين علويين، وفق المرصد.

وقالت السلطات في اليوم الأول إنها تواجه مجموعات مرتبطة بسهيل الحسن، أحد أبرز ضباط الجيش السوري السابق.

وإثر تعرض قوة تابعة لها لكمين في محيط بلدة جبلة، أوقع 16 قتيلا، أرسلت قوات الأمن تعزيزات عسكرية إلى الساحل وفرضت حظر تجول.

“مجازر”

وأفاد المرصد إثر ذلك عن وقوع “مجازر” أودت بحياة مدنيين في منطقة الساحل منذ الخميس.

ونشر مستخدمون وناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي خصوصا موقع فيسبوك، منشورات تتحدّث عن قتل لمدنيين من أفراد عائلات وأصدقائهم ينتمون إلى الطائفة العلوية في المنطقة، لم تتمكّن فرانس برس من تأكيدها بشكل مستقل. وقالت ناشطة إن والدتها وأخوتها “ذبحوا جميعهم في منزلهم”.

ووجه سكان من مدينة بانياس نداءات استغاثة للتدخل من أجل حمايتهم، بحسب منشورات على فيسبوك كذلك.

وشارك ناشطون والمرصد السوري الجمعة مقاطع فيديو تظهر عشرات الجثث بثياب مدنية مكدسة قرب بعضها بعضا في باحة أمام منزل، وقرب عدد منها بقع من الدماء، بينما كانت نسوة يولولن في المكان.

وفي مقطع آخر، يظهر عناصر بلباس عسكري وهم يأمرون ثلاثة أشخاص بالزحف على الأرض، واحدا تلو الآخر، قبل أن يطلقوا الرصاص عليهم من رشاشاتهم من مسافة قريبة. ويظهر في مقطع ثالث مقاتل بلباس عسكري وهو يطلق الرصاص تباعا من مسافة قريبة على شاب بثياب مدنية في مدخل مبنى قبل أن يريده قتيلا.

ولم تتمكن فرانس برس من التحقق من مقاطع الفيديو.

وتتركز الأقلية العلوية التي ينتمي إليها آل الأسد في منطقة الساحل، وتتواجد كذلك في مناطق أخرى خصوصا الوسط. وينظر الى الساحل بوصفه حاضنا للعائلة التي حكمت البلاد بقبضة من حديد لأكثر من خمسة عقود.

وكان للعلويين الذين يشكلون نحو تسعة في المئة من سكان سوريا ذات الغالبية السنية، حضورهم خلال الحكم السابق في المؤسسات العسكرية والأمنية التي اعتمدت الاعتقال والتعذيب لقمع أي معارضة.

وحضّ الرئيس الانتقالي أحمد الشرع المقاتلين العلويين ليل الجمعة على تسليم أنفسهم “قبل فوات الأوان”.

    كلمة رئيس الجمهورية العربية السورية حول الأحداث الأخيرة في الساحل السوري#رئاسة_الجمهورية_العربية_السورية pic.twitter.com/DvWnIwwVET

    — رئاسة الجمهورية العربية السورية (@G_CSyria) March 7, 2025

وقال الشرع “لقد اعتديتم على كل السوريين وإنكم بهذا قد اقترفتم ذنبا عظيما لا يغتفر وقد جاءكم الرد الذي لا صبر لكم عليه فبادروا إلى تسليم سلاحكم وأنفسكم قبل فوات الأوان”، وذلك في خطاب بثّته قناة الرئاسة السورية على منصة تلغرام.

وتابع “سنستمر بحصر السلاح بيد الدولة ولن يبقى سلاح منفلت”.

ومنذ إطاحة الأسد، نفّذت السلطات الجديدة حملات أمنية بهدف ملاحقة “فلول النظام” السابق، شملت مناطق يقطنها علويون خصوصا في وسط البلاد وغربها.

وتخلل تلك العمليات اشتباكات وحوادث إطلاق نار، يتهم مسؤولون أمنيون مسلحين موالين للأسد بالوقوف خلفها.

ويفيد سكان ومنظمات بين حين وآخر بحصول انتهاكات تشمل اعمالا انتقامية بينها مصادرة منازل أو تنفيذ إعدامات ميدانية وحوادث خطف، تضعها السلطات في إطار “حوادث فردية” وتتعهد ملاحقة المسؤولين عنها.

يمان السيد

الحرة / وكالات – واشنطن

——————-

سوريا: ضبط كميات من الأسلحة والذخيرة بأوكار فلول النظام السابق في اللاذقية

مسلحون سلّموا أنفسهم للسلطات بعد الاشتباكات… وتسيير أرتال إضافية لحماية أهالي الساحل من أي تجاوزات

دمشق: «الشرق الأوسط»

8 مارس 2025 م

أفاد «تلفزيون سوريا»، اليوم (السبت)، بأن مسلحين من فلول النظام السابق سلموا أنفسهم لقوات الأمن بعد اشتباكات في مدينة جبلة باللاذقية بالساحل السوري.

من جهتها، أفادت وكالة الأنباء السورية (سانا) بأن إدارة الأمن العام ضبطت كميات من الأسلحة والذخائر المتنوعة بأحد أوكار فلول النظام البائد في مدينة اللاذقية.

وأوضح مصدر بإدارة الأمن العام لـ«سانا» أنه تمت «مصادرة أكثر من 200 آلية كانت قد سُرقت من قبل ضعاف النفوس واللصوص من مدينة جبلة وما حولها، مستغلين حالة عدم الاستقرار بسبب أفعال فلول النظام البائد، حيث تم اعتقال عدد كبير من اللصوص، وسيتم إعادة الآليات إلى أصحابها أصولاً».

    إدارة الأمن العام تضبط كميات من الأسلحة والذخائر المتنوعة بأحد أوكار فلول النظام البائد في مدينة #اللاذقية.#سانا pic.twitter.com/QrQgHsF6Lw

    — الوكالة العربية السورية للأنباء – سانا (@SanaAjel) March 8, 2025

وكتبت وكالة «سانا»، في منشور عبر منصة «إكس»: «ضمن جهود إعادة الأمن والاستقرار في محافظة اللاذقية، قوى الشرطة والأمن تضبط عدداً من المسروقات من ممتلكات الأهالي بعد حالة الفوضى والتجاوزات التي تسببت بها هجمات فلول النظام البائد».

كما أعلن الأمن العام السوري اليوم أنه يقوم بتسيير أرتال إضافية لحماية أهالي الساحل من أي تجاوزات. وتحدث الجهاز أيضاً عن اعتقال مجموعة عسكرية غير منضبطة ارتكبت انتهاكات بحق مدنيين، وفق ما نقله «تلفزيون سوريا».

وقال الأمن العام إن الجيش يقوم بإغلاق الطرق المؤدية إلى الساحل وإعادة الأشخاص غير المكلفين بمهام عسكرية.

ونقلت وكالة الأنباء السورية أيضاً عن مصدر بوزارة الدفاع القول إن الوزارة شكلت لجنة لرصد المخالفات وإحالة المتجاوزين لتعليمات القيادة للمحكمة خلال العملية الأمنية الأخيرة.

وأعلنت وزارة الدفاع، بالتنسيق مع إدارة الأمن العام، إغلاق الطرق المؤدية إلى منطقة الساحل السوري، «لضبط المخالفات ومنع التجاوزات وعودة الاستقرار تدريجياً» إلى المنطقة، حسب المصدر.

وأظهرت صور نشرتها الوكالة الرسمية انتشار قوات الأمن العام في الشوارع والساحات العامة في محافظة طرطوس للحفاظ على الأمن والاستقرار وحماية المدنيين.

    انتشار قوات الأمن العام في الشوارع والساحات العامة في محافظة طرطوس للحفاظ على الأمن والاستقرار وحماية المدنيين.#سانا pic.twitter.com/SxpuEyMYtk

    — الوكالة العربية السورية للأنباء – سانا (@SanaAjel) March 8, 2025

ودعت لجنة التحقيق الدولية المستقلة الخاصة بسوريا، في وقت سابق اليوم، جميع الأطراف، في البلاد إلى ضبط النفس لتجنب المزيد من العنف مع تصاعده في اللاذقية وطرطوس وحماة.

ودفعت وزارة الدفاع السورية، أمس (الجمعة)، بتعزيزات عسكرية تضم دبابات وعربات مصفحة إلى مناطق الاشتباكات في الساحل السوري، بعد سقوط قتلى وجرحى في الاشتباكات مع فلول النظام السابق.

وقال الرئيس السوري أحمد الشرع، الجمعة، إن قوات الأمن ستستمر في ملاحقة فلول النظام السابق لتقديمهم للمحاكمة، مؤكداً أن فلول النظام يسعون لتقويض الأمن في البلاد.

وأضاف الشرع، في كلمة مسجلة، حول الاشتباكات الحالية بين قوات الأمن وفلول النظام السابق في مناطق، منها اللاذقية وطرطوس، أن فلول النظام سعوا لـ«اختبار سوريا الجديدة التي يجهلونها».

وشهدت مناطق سورية، منها الساحل السوري، اشتباكات بين قوات الأمن وفلول النظام السابق؛ ما أدى إلى سقوط قتلى وجرحى، وأعلن الناطق باسم وزارة الدفاع السورية حسن عبد الغني، أمس، فرض السيطرة الكاملة على مدينتَي طرطوس واللاذقية.

الشرق الأوسط

————————————

نزوح كثيف من الساحل السوري إلى شمال لبنان

عبر معابر غير شرعية وفي ظل غياب أي إجراءات أمنية

بيروت: بولا أسطيح

8 مارس 2025 م

تشهد الحدود الشمالية للبنان منذ أيام حركة نزوح كثيفة باتجاه الأراضي اللبنانية، وبالتحديد باتجاه منطقة عكار الحدودية، إذ يهرب مئات السكان من مناطق الساحل السوري بعد المواجهات الأمنية التي حصلت بين القوات الحكومية السورية ومناصرين للنظام السابق، ويلجأ الفارون إلى قرى في شمال لبنان.

لا إجراءات على الحدود

وكان النائب اللبناني سجيع عطية أول مَن رفع الصوت للتنبيه مما يحصل، متحدثاً عن «موجات كبيرة جداً» من النزوح عند الحدود الشمالية بين سوريا ولبنان، وتحديداً في عكار. وأشار عطية في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «الآلاف يصلون إلى 5 أو 6 قرى علوية في عكار، بحيث بات المنزل الواحد يعيش فيه العشرات»، لافتاً إلى أن «عدد الوافدين في يوم واحد بلغ 10 آلاف، بحيث إن النازحين من الساحل السوري يصلون وفوداً عبر الحدود غير الشرعية». وأضاف: «حالياً لا معابر شرعية بيننا وبين سوريا في شمال لبنان. فإسرائيل قصفت المعابر الثلاثة (الشرعية) وهي العريضة والعبودية والبقيعة، ومن ثم لا أمن عام لضبط حركة النزوح. كما أن الجيش اللبناني لا يتصدى لهذه الموجات».

وشدد عطية على وجوب قيام الدولة اللبنانية بواجباتها واتخاذ الإجراءات المناسبة لجهة إحصاء الداخلين وتنظيم دخولهم، مستهجناً عدم التعلم من تجربة النزوح السابقة. وقال: «إذا استمر الوضع على ما هو عليه، فإن مليون نازح سوري جديد سيضافون إلى مليونين وصلوا قبل سنوات».

وأشار إلى أن «عكار، التي تكاد تكون منطقة نازحة في لبنان، أصبحت تستضيف آلاف النازحين، كما أن نحو ألفي نازح وصلوا مؤخراً إلى منطقة جبل محسن في طرابلس (عاصمة الشمال اللبناني)»، موضحاً أنه أطلع نائب رئيس الحكومة طارق متري على هذه المعطيات ليقوم بدوره بإبلاغ رئيس الحكومة نواف سلام بها «لاتخاذ الإجراءات اللازمة».

مليون نازح سوري جديد

ووفق المعلومات، لا تقوم مفوضية اللاجئين بأي دور في مجال إحصاء الداخلين حديثاً من المعابر الشمالية أو تقديم المساعدات لهم.

ويستهجن العميد المتقاعد ابن منطقة عكار الحدودية، جورج نادر، تحويل لبنان إلى بلد لجوء، قائلاً: «كلما اهتز الاستقرار في سوريا توافد مئات الآلاف إلى لبنان». وتساءل: «هل نستطيع استيعاب مليون سوري جديد ينزحون من الساحل السوري لينضموا إلى مليوني سوري كانوا قد نزحوا منذ 2011 وحتى قبل ذلك في إطار النزوح الاقتصادي إلى لبنان؟ عندها وبالإضافة إلى اللاجئين الفلسطينيين الموجودين لدينا سيصبح عدد كل هؤلاء أكثر من عدد اللبنانيين! هل يقبل أي بلد في العالم واقعاً مثل هذا؟».

ويُشدد نادر -في تصريح لـ«الشرق الأوسط»- على وجوب أن «تتحمل الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية مسؤولياتهما في هذا المجال. فلا اقتصادياً يمكن أن نتحمل تبعات ما يحصل ولا ديموغرافياً ولا اجتماعياً ولا البنية التحتية قادرة على استيعاب المزيد».

الواقع السوري في لبنان

ووفق البيانات الرسمية اللبنانية، يتجاوز عدد النازحين السوريين المليونين، علماً بأنه تم تسجيل عودة نحو 300 ألف منهم بعد سقوط نظام بشار الأسد في سوريا. إلا أن الآلاف عادوا مجدداً إلى لبنان نتيجة الأوضاع الاقتصادية الصعبة في سوريا.

وحاول رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي، خلال زيارة قام بها إلى دمشق في يناير (كانون الثاني) الماضي، التقى خلالها الرئيس السوري أحمد الشرع، الدفع قدماً بملف العودة، إلا أنه منذ ذلك الوقت لم يتم تحقيق أي خرق في هذا المجال. وكذلك بحث رئيس الجمهورية العماد جوزيف عون بهذا الملف مع الشرع، على هامش اجتماع جامعة الدول العربية في مصر. وتم الاتفاق على التنسيق عبر لجان مشتركة تُشكَّل بعد تأليف الحكومة السورية الجديدة، كما تم «تأكيد ضرورة ضبط الحدود بين البلدين لمنع كل أنواع التجاوزات».

————————–

الجيش يضبط 4 ملايين دولار أثناء تهريبها من سوريا إلى لبنان

تحقيقات سرّية تحيط بالعملية ورجل أعمال يزعم امتلاكه للأموال

بيروت: يوسف دياب

8 مارس 2025 م

لم يمض أسبوعٌ واحدٌ على عملية ضبط مبلغ 2.5 مليون دولار يعتقد أنها كانت مرسلة من إيران إلى لبنان عبر مطار رفيق الحريري الدولي، ويرجّح أنه عائدٌ إلى «حزب الله»، حتى كُشِف النقاب عن عمليات مماثلة تحصل عبر الحدود البرّية، إذ أعلن مصدر رسمي لبناني عن إحباط عملية تهريب مبلغ 4 ملايين دولار من سوريا إلى لبنان عبر الحدود البرية الشمالية مع سوريا. وأكد المصدر لـ«الشرق الأوسط» أن «سيارة كانت تحاول الدخول من سوريا إلى لبنان من خلال معبر غير شرعي معدّ للتهريب عند حدود لبنان الشمالية، تفاجأت بحاجز للجيش اللبناني الذي سارع إلى الإطباق عليها، حيث ترك ركاب السيارة آليتهم وفرّوا هاربين». وقال: «خلال مطاردة الأشخاص المجهولين وتفتيش السيارة عثر بالقرب منها على مبلغ 4 ملايين دولار أميركي كان موضباً داخل عدد من الأكياس، حيث لم يتمكن المهربون من الفرار بالأموال إثر مطاردتهم».

لم تنته القصة عند هذا الحدّ، فعلى غرار ما فعل المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الذي أرسل كتاباً إلى القضاء أعلن فيه أن «الأموال المضبوطة في مطار بيروت تعود له وطالب باستردادها»، أشار المصدر الرسمي إلى أن «رجل أعمال لبنانياً مقرّباً من سياسي شمالي بارز كان حليفاً لنظام بشار الأسد، تدخل مدعياً ملكيته للأموال وأنها جزء من ثروته التي جناها من استثماراته في سوريا، طالباً تسليمه المبلغ المالي، كما دخل على الخط وزير سابق محسوب على السياسي الشمالي محاولاً الإفراج عن الأموال، لكنّ محاولاتهما باءت بالفشل، إذ جرى حجز المبلغ والتحفّظ عليه بقرار من النيابة العامة التمييزية».

ولم يحدد المصدر الرسمي توقيت ضبط مبلغ الـ4 ملايين دولار، مشيراً إلى أن «المعلومات محاطة بكثير من السرّية». وأوضح مصدر أمني لـ«الشرق الأوسط» أن «الأجهزة الأمنية في الشمال لم تجر تحقيقاتها الأولية بهذا الشأن، وتلقت تعليمات بنقل الأموال فوراً إلى مقرّ وزارة الدفاع، لضبطها وإجراء التحقيقات بشأنها بإشراف النائب العام التمييزي القاضي جمال الحجار والنيابة العامة العسكرية»، مشيراً إلى أن «الأموال ستبقى مضبوطة إلى أن يصدر قرار من المحكمة بمصادرتها لصالح الخزينة اللبنانية».

وعلى غرار ما حصل على الحدود الشمالية مع سوريا، تكرر المشهد على معبر غير شرعي عند الحدود الشرقية في منطقة البقاع، وأكد المصدر الرسمي أن «عناصر الجيش المكلفة حراسة الحدود مع سوريا، ومنع التهريب بالاتجاهين، ضبطت عملية تهريب أموال بمئات آلاف الدولارات، وجرى تدخل سريع من رجل أعمال لبناني، شقيق لنائب شمالي، أكد أن هذا المبلغ جزء من أمواله الموجودة في سوريا ومن الأرباح التي يحصل عليها من أعماله التجارية هناك». وأكد المصدر نفسه أن «المبلغ المالي سلّم لرجل الأعمال المذكور بقرار من قاضية في النيابة العامة، من دون التحقق ما إذا كانت مزاعم رجل الأعمال صحيحة أم لا».

ولم تحسم التحقيقات الأولية مصدر الأموال المضبوطة وإلى أي جهة لبنانية مرسلة، وتباينت المعلومات عمّا إذا كانت أموالاً إيرانية مرسلة إلى «حزب الله» برّاً عبر العراق، ومن ثمّ سوريا، بعد منع الطائرات الإيرانية من الهبوط في مطار بيروت الدولي، وتشديد الرقابة على القادمين من إيران والعراق ولو عبر دولة أخرى، أو أن هذا المبلغ قد يكون لشخصيات سياسية كانت لديها علاقات مالية وتجارية مع رموز النظام السوري السابق، وفيما أشار المصدر الأمني إلى أن التحقيق «لم يثبت حتى الآن مصدر الأموال وما إذا كانت أموالاً إيرانية مرسلة إلى (حزب الله) أم عائدة لجهات أخرى».

وأكد مصدر قضائي لبناني لـ«الشرق الأوسط» أنه «لا يمكن لأي شخص، سواء كان رجل أعمال أو سياسياً، أن يدعي أن الأموال المهربة تعود إليه». وسأل: «إذا كانت هذه المبالغ شرعية، لماذا لم يجر إدخالها من المعابر الشرعية بطريقة عادية والتصريح عنها مسبقاً؟»، معتبراً أن «ما يحصل عبارة عن عمليات تبييض أموال يعاقب عليها القانون».

وأفاد المصدر بأن «القضاء لا يتردد في اتخاذ قرار بمصادرة أي مواد مهربة من لبنان إلى سوريا وبالعكس»، مشيراً إلى أن «الأمر لا يتوقف على الأموال فحسب، بل هناك العشرات من الصهاريج التي كانت تحاول تهريب المحروقات إلى سوريا جرى حجزها ومصادرتها فوراً لصالح الجيش اللبناني، من دون انتظار إجراء تسوية عليها».

————————–

ماذا يعني تكتيك قطع الطرق إلى مدن الساحل في سوريا؟ الفلاحي يجيب

8/3/2025

قال الخبير العسكري والإستراتيجي العقيد الركن حاتم كريم الفلاحي إن قرار وزارة الدفاع السورية إغلاق الطرق المؤدية إلى الساحل غربي سوريا يعكس تكتيكيا يهدف إلى منع عمليات التسلل وضبط الأمن في منطقة تشهد اضطرابات متصاعدة.

وأضاف الفلاحي -في تحليل للمشهد العسكري بسوريا- أن هذه الخطوة تشير إلى رغبة الحكومة في إحكام السيطرة على المناطق الجبلية الحاكمة، التي تعدّ ذات أهمية إستراتيجية في أي عملية عسكرية.

وأوضح الفلاحي أن تأمين المداخل والمخارج الإستراتيجية هو إجراء أساسي يهدف إلى منع تحركات المسلحين غير النظاميين، خصوصا خلال الفترات التي تكون فيها القوات الأمنية في حالة ارتخاء.

كما لفت إلى أن الطبيعة الجغرافية الوعرة للساحل السوري، ووجود مناطق مرتفعة وتقاطعات طرق حاكمة، كل ذلك يجعل السيطرة عليها ضرورة أمنية، لا سيما أن هذه المناطق يمكن أن تشكل ملاذًا للعناصر المسلحة.

ويأتي هذا التطور بعد إعلان وزارة الدفاع السورية اليوم السبت إغلاق الطرق المؤدية إلى مدن الساحل لضبط المخالفات ومنع التجاوزات، وذلك بعد تعرض قواتها لهجمات جديدة من مسلحين موالين للنظام المخلوع.

وأكدت الوزارة أنها نسّقت مع إدارة الأمن العام لاتخاذ هذا الإجراء، في حين أفادت تقارير بأن المسلحين غير النظاميين ارتكبوا انتهاكات ضد المدنيين، مما دفع السلطات إلى اتخاذ تدابير مشددة لإعادة الاستقرار إلى المنطقة.

وأشار الفلاحي إلى أن الكمائن التي وقعت مؤخرا على طريق بانياس طرطوس والتي أسفرت عن مقتل عنصر أمني، تؤكد أن هذه العمليات ليست فردية أو عشوائية، بل تعكس عملا منظمًا يستفيد من طبيعة المنطقة الجبلية وكثافة الأشجار التي تسهل الاختباء والمباغتة.

وأوضح أن القوات الأمنية لا يمكنها الانتشار في جميع أنحاء البلاد، ولذلك تركز على السيطرة على النقاط الإستراتيجية لمنع تكرار مثل هذه الهجمات.

دعم خارجي

وحول طبيعة المواجهة العسكرية، كشف الفلاحي عن وجود غرف عمليات تابعة للمسلحين داخل سوريا وخارجها، تعمل بشكل منظم وتستفيد من دعم لوجيستي مستمر، رغم عدم وضوح حجم هذه الارتباطات بشكل رسمي حتى الآن.

وأكد أن هذه الجماعات تمتلك أسلحة متطورة، مما يجعل المواجهة أكثر تعقيدا، خاصة مع استمرار تمركزهم في المناطق الريفية والجبلية المحيطة بالساحل.

وفيما يتعلق بإمكانية القضاء على هذه الجماعات، اعتبر الفلاحي أن الأمر مسألة وقت، مشيرا إلى أن وزارة الدفاع السورية اتخذت إجراءات صارمة لمنع دخول أي عناصر إلى المنطقة دون تكليف رسمي.

كما أن الفصائل المنضوية تحت قيادة وزارة الدفاع أعلنت جاهزيتها للتدخل في أي وقت، مما يعزز فرص نجاح العمليات الأمنية.

وأكد الفلاحي أن التضاريس الصعبة تشكل تحديا كبيرا أمام القوات الحكومية، إذ إن الطبيعة الجبلية تسمح بعمليات الكر والفر، مما يستوجب إجراءات دقيقة لضمان عدم امتداد الهجمات إلى المناطق الآمنة.

وأضاف أن المتطوعين المدنيين الذين انخرطوا في العمليات الأمنية يفتقرون إلى الخبرة العسكرية الكافية، إلا أن الحكومة تركز حاليا على تعزيز قواتها الرسمية لضمان السيطرة الميدانية.

ويرى الفلاحي أن استمرار العمليات العسكرية في الساحل السوري سيعتمد على مدى قدرة الحكومة على تأمين المناطق الجبلية وعزل المسلحين عن خطوط الإمداد.

وأشار إلى أن المواجهة مع هذه الجماعات قد تمتد لفترة، لكنها لن تكون مستدامة في ظل التحركات العسكرية المكثفة لضبط الأمن والاستقرار في المنطقة.

وفي خطاب للسوريين، حث الرئيس أحمد الشرع القادة الميدانيين على عدم السماح بأي تجاوزات، وحذر من أن مرتكبي الانتهاكات ضد المدنيين سيحاسبون بشدة.

وبعد الإطاحة بالرئيس المخلوع بشار الأسد في الثامن من ديسمبر/كانون الأول الماضي، تواجه الإدارة الانتقالية تحديات أبرزها استعادة الأمن والتصدي لمحاولات عرقلة التغيير في سوريا.

المصدر : الجزيرة

————————–

الأمن السوري يلاحق فلول النظام باللاذقية ويغلق طريق الساحل

8/3/2025

قال مدير إدارة الأمن العام في محافظة اللاذقية مصطفى كنيفاتي إن قوات الأمن تلاحق فلول النظام البائد وضباطه ولن تسمح بأي أعمال انتقامية، وستتم محاسبة كل من يثبت تورطه بالاعتداءات من فلول النظام أو من اللصوص.

وأكد كنيفاتي على عدم السماح بإثارة الفتنة أو استهداف أي مكون من مكونات الشعب السوري، مشددا على أن سيادة القانون هي الضامن الوحيد لتحقيق العدالة.

ودعا المسؤول الأمني المواطنين إلى عدم الانجرار وراء أي دعوات تحريضية وترك الأمر للمختصين لملاحقة القتلة وفلول نظام بشار الأسد البائد.

في غضون ذلك، أفاد مصدر أمني للجزيرة بأن قوات الأمن العام الداخلي بدأت تسيير أرتال أمنية نحو ريف اللاذقية لحماية الأهالي والحفاظ على ممتلكاتهم، وأنه تم اعتقال مجموعة عسكرية من القوى الشعبية بسبب مخالفتها التعليمات الأمنية، وارتكابها انتهاكات بحق المدنيين أثناء ملاحقة فلول نظام الرئيس المخلوع في محافظة اللاذقية.

كما قال المصدر الأمني إن قوى الأمن أغلقت منذ فجر اليوم الطرق المؤدية إلى الساحل السوري، وتقوم بمنع كل من لا يحملون تكليفا بمهمة عسكرية رسمية من الذهاب إلى الساحل.

يأتي هذا، فيما أفاد مصدر أمني للجزيرة بالعثور على جثث لعناصر الأمن العام قتلهم فلول النظام بريف اللاذقية خلال اليومين الماضيين.

وفي وقت سابق اليوم، قال مصدر أمني للجزيرة إنه تم اعتقال مجموعة عسكرية من القوى الشعبية بسبب مخالفة التعليمات الأمنية، وارتكاب انتهاكات بحق المدنيين أثناء ملاحقة فلول النظام السابق في محافظة اللاذقية.

وأعلنت وزارة الدفاع السورية، اليوم السبت، إغلاق الطريق المؤدية إلى منطقة الساحل غربي سوريا لمنع التجاوزات ضد المدنيين، حيث تعرضت قواتها لهجمات جديدة من مسلحين موالين للنظام المخلوع.

من جانبها، ذكرت وكالة الأنباء السورية أن وزارة الدفاع شكلت سابقا لجنة طارئة لرصد المخالفات وإحالة من تجاوز تعليمات القيادة خلال العملية العسكرية والأمنية الأخيرة إلى المحكمة العسكرية.

ويأتي الإعلان عن قرار إغلاق الطرق المؤدية إلى الساحل وسط تقارير عن قيام مسلحين غير نظاميين قدموا من عدة مناطق سورية بقتل عشرات المدنيين من الأقلية العلوية ردا على مقتل عناصر أمن تابعين للحكومة في الهجمات الأخيرة.

وفي خطاب للسوريين، حث الرئيس السوري أحمد الشرع القادة الميدانيين على عدم السماح بأي تجاوزات، وحذر من أن مرتكبي الانتهاكات ضد المدنيين سيحاسبون بشدة.

وتأتي الهجمات الجديدة من جانب المسلحين الموالين للنظام المخلوع بعد أن أعلنت القوات العسكرية والأمنية السورية بسط سيطرتها إلى حد كبير على معظم المناطق التي شهدت اضطرابات في اليومين الماضيين.

المصدر : الجزيرة

————————-

ضباط من نظام الأسد متهمون بالتصعيد في سوريا.. من هم؟

الحرة – دبي

08 مارس 2025

شهد الساحل السوري تصعيدا خطيرا في حدة الاشتباكات منذ مساء الخميس، حيث اندلعت معارك قوية بين قوات الأمن العام ووزارة الدفاع التابعة للإدارة السورية الجديدة من جهة، وبين جماعات مسلحة محسوبة على النظام السابق من جهة أخرى.

وفيما تحاول السلطات فرض الأمن، وفق الروايات الرسمية، فقد وُجّهت اتهامات مباشرة لعدد من الشخصيات العسكرية والأمنية السابقة التي أطلق عليها “الفلول” بالوقوف خلف تلك المعارك التي نجم عنها  سقوط عشرات وربما مئات القتلى.

في الوقت نفسه، أشارت تقارير حقوقية إلى عمليات قتل بحق مدنيين ارتكبها قوات الأمن في مناطق الساحل السوري.

اللاذقية شهدت وصول تعزيزات وحظرا للتجوال بسبب الاشتباكات

وفي أوج الاشتباكات، برزت أسماء لقيادات وضابط من النظام السوري السابق، اتهمتها دمشق بالوقوف خلف الهجمات التي استهدفت قوات الأمن.

“النمر..  وسياسة الأرض المحروقة

يُعتبر سهيل الحسن، الملقب بـ “النمر”، أحد أكثر القادة العسكريين إثارة للجدل خلال الحرب السورية.

وُلد عام 1970 في إحدى قرى مدينة جبلة بالساحل السوري، وتخرج في أكاديمية القوات الجوية عام 1991، لينضم بعدها إلى دائرة الاستخبارات التابعة للقوات الجوية.

اشتهر الحسن باستخدام تكتيكات قاسية في العمليات العسكرية، حيث كان أول من أدخل البراميل المتفجرة كسلاح رئيسي في معارك جيش النظام السوري، ما تسبب في دمار واسع ومقتل آلاف المدنيين.

واعتمد الأسد عليه بشكل كبير في الحملات العسكرية، وبرز اسمه خلال المعارك في الغوطة الشرقية وإدلب وحلب.

كما كان الحسن معروفا بإخلاصه المطلق لبشار الأسد، وكان الضابط الوحيد الذي رافقه في لقائه بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين في قاعدة حميميم الجوية عام 2017، وهو ما أثار تكهنات حول اعتباره “رجل روسيا” داخل الجيش السوري.

وعاد اسم الحسن إلى الواجهة مؤخرا، حيث تشير مصادر استخباراتية إلى تورطه في تنظيم تحركات عسكرية تهدف إلى استعادة السيطرة على الساحل السوري، مستخدما بقايا القوات الخاصة السابقة التي قادها.

حويجة.. رجل “الاغتيالات”

إبراهيم حويجة هو أحد الشخصيات التي لعبت دورا أساسيا في الملفات الأمنية الحساسة داخل سوريا ولبنان خلال فترة حكم عائلة الأسد.

فقد تولى رئاسة إدارة المخابرات الجوية عام 1987، بعد أن كان من أبرز ضباط الاستخبارات السورية في فترة حافظ الأسد.

وارتبط اسمه بعمليات استخباراتية قمعية، كان من بينها حملات الاعتقال والتعذيب ضد المعارضين، إضافة إلى تنفيذ اغتيالات سياسية في لبنان، حيث كان يشرف على الملف الأمني خلال فترة الوجود العسكري السوري هناك.

ويعد حويجة أحد المقربين من رفعت الأسد، الذي قاد الحملة العسكرية ضد مدينة حماة عام 1982، وهي المجزرة التي قُتل فيها عشرات الآلاف من المدنيين.

وتشير تقارير إلى أن حويجة كان ضمن الفريق الأمني الذي نفّذ عمليات القتل والقمع بحق المعارضين خلال الاحتجاجات الشعبية ضد بشار الأسد.

أعضاء من قوات الأمن السورية

وكان اغتيال الزعيم اللبناني كمال جنبلاط عام 1977 من أبرز العمليات التي ارتبط بها اسم حويجة، حيث كان في ذلك الوقت ضابطًا في المخابرات الجوية.

وخلال جلسة استماع أمام المحكمة الدولية الخاصة بلبنان عام 2015، كشف وليد جنبلاط أن مكتب المخابرات السورية في بيروت، الذي كان يديره حويجة، هو الذي نفذ عملية الاغتيال.

بعد إقالته من منصبه عام 2002 ضمن محاولات الأسد الابن لتقليص نفوذ الحرس القديم، ظل حويجة بعيدًا عن الأضواء.

لكنه عاد مجددًا بعد انهيار النظام السابق، حيث تم اعتقاله مؤخرًا من قبل السلطات السورية الجديدة، وسط اتهامات له بالتورط في زعزعة الاستقرار في الساحل السوري.

دلا.. قائد “قوات الغيث”

يعد غياث دلا أحد أكثر القادة العسكريين ولاء لإيران وحزب الله اللبناني خلال فترة حكم بشار الأسد، وقاد “قوات الغيث” التابعة للفرقة الرابعة، والتي كانت تحت قيادة ماهر الأسد.

خاض دلا معارك رئيسية في مناطق مثل المليحة، والزبداني، وأحياء دمشق، حيث كان يتعاون بشكل وثيق مع الميليشيات الإيرانية، مثل لواء الإمام الحسين، وحزب الله اللبناني، حيث قام بدمج عناصر من هذه الميليشيات داخل قواته، مانحًا إياهم زيًا عسكريًا سوريًا للتمويه.

في منتصف عام 2018، تم إرساله إلى منطقة القنيطرة و”مثلث الموت” في جنوب سوريا، حيث قاد حملة عنيفة ضد فصائل المعارضة.

بعد انهيار نظام الأسد، فقد دلا سلطته العسكرية، لكنه عاد إلى المشهد مؤخرًا مع ورود تقارير عن قيادته مجموعات مسلحة تحت مسمى “المجلس العسكري”.

 فتيحة.. و”درع الساحل”

يعتبر مقداد فتيحة من الأسماء التي برزت حديثًا، حيث كان ضابطًا في الجيش السوري قبل انهيار النظام، واعتاد بث مقاطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي، يعلّق فيها على سير المعارك بين المعارضة آنذاك وقوات الأسد، قبل أن ينتهي الأمر بإسقاط النظام وسيطرة المعارضة على مقاليد الحكم.

وفي فبراير 2025، أعلن فتيحة عن تشكيل “لواء درع الساحل”، وهو فصيل عسكري مسلح مكوّن من بقايا القوات الخاصة للجيش السوري المنحل، وادّعى أنه يسيطر على 90 بالمئة من الساحل السوري.

واعتاد فتيحة دعوة أبناء الساحل إلى الاحتفاظ بأسلحتهم والانضمام إليه للقتال ضد قوات السلطة في دمشق.

 لكن في المقابل، تؤكد التقارير الرسمية أن قوات الأمن السورية الجديدة تمكنت من استعادة السيطرة على مدينتي طرطوس واللاذقية، رغم استمرار فتيحة في بث تسجيلاته عبر منصات التواصل الاجتماعي، في محاولة للتأثير على الرأي العام في الساحل.

ميدان الاشتباكات

ميدانيا، قال المرصد السوري لحقوق الإنسان إن أكثر من 240 شخصا قتلوا في ظروف مختلفة الجمعة جراء الاشتباكات التي تعد الأعنف بين قوات الأمن السورية والمسلحين الموالين للرئيس السابق بشار الأسد في غرب البلاد.

وذكرت وكالة فرانس برس في إحصائية لها ارتفاع الحصيلة الإجمالية للقتلى منذ اندلاع أعمال العنف الخميس إلى أكثر من 250 شخصا.

    #المرصد_السوري

    240 قـ ـتـ ـلـ ـوا وقـ ـضـ ـوا واستشهدوا في ظروف مختلفة في 7 آذار pic.twitter.com/36X79tD0yo

    — المرصد السوري لحقوق الإنسان (@syriahr) March 7, 2025

وأضاف المرصد، الذي يتخذ من بريطانيا مقرا له، وقوع “إعدامات ميدانية وعمليات قتل ممنهجة”، وأن الساحل السوري شهد “5 مجازر مروعة أزهقت أرواح 162 مدنيا، متهما عناصر تتبع لوزارة الدفاع السورية بارتكاب معظم هذه الانتهاكات،وفقا للمرصد.

وبحسب وكالة أسوشييتد برس، لا تزال ضواحي المدن الساحلية تحت سيطرة الموالين للأسد، كما هو الحال في مسقط رأس الأسد، “قرداحة”، في الجبال المطلة على الساحل.

الحرة – دبي

————————

تاريخ العلويين في سوريا.. من هم وبماذا يؤمنون؟

الحرة – واشنطن

08 مارس 2025

على مدى يومين تعرضت مناطق الساحل السوري، التي تقطنها الأقلية العلوية، لأعمال عنف قتل خلالها أكثر من 340 شخصا بينهم نساء وأطفال، على يد مسلحين وقوات أمن مرتبطة بالإدارة الجديدة في سوريا، وفقا للمرصد السوري لحقوق الإنسان.

وحصلت عمليات القتل هذه بعد اندلاع اشتباكات، الخميس، بين قوات الأمن ومجموعات مسلحة مرتبطة بالحكم السابق في محافظة اللاذقية ذات الغالبية العلوية، الأقلية الدينية التي ينتمي إليها رئيس النظام السوري المخلوع بشار الأسد.

شملت عمليات القتل الواسعة النطاق مناطق جبلة وبانياس وأخرى محيطة بمناطق تمركز العلويين.

امتلأت صفحات سوريين على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، السبت، بصور ومنشورات نعي لأشخاص من المنطقة الساحلية من الأهل والأصدقاء الذين قالوا إنهم قتلوا.

شنت السلطة الحاكمة الجديدة حملة صارمة على ما قالت إنها بذرة تمرد من مسلحين مرتبطين بنظام الأسد، بعد أن قتلوا عشرات من أفراد قوات الأمن في اشتباكات، الخميس.

وأقر مسؤولون سوريون بوقوع “انتهاكات” خلال العملية، وألقوا باللوم فيها على حشود غير منظمة من المدنيين والمقاتلين الذين سعوا إما إلى دعم قوات الأمن الرسمية أو ارتكاب جرائم وسط فوضى القتال.

لكن مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبد الرحمن قال لرويترز إن “ما يحدث لا علاقة له بتأييد أو معارضة نظام الأسد السابق.. هذه المذابح طائفية تهدف إلى طرد السكان العلويين من منازلهم”.

ومنذ وصولها إلى السلطة في الثامن من ديسمبر، تحاول القيادة الجديدة في سوريا طمأنة الأقليات. لكن يخشى العلويون من ردود فعل عنيفة ضدهم لارتباطهم الطويل بعائلة الأسد.

أين يسكن العلويون؟

تتركز الأقلية العلوية التي ينتمي إليها آل الأسد في منطقة الساحل، وتتواجد كذلك في مناطق أخرى خصوصا الوسط. وينظر الى الساحل بوصفه حاضنا للعائلة التي حكمت البلاد بقبضة من حديد لأكثر من خمسة عقود.

يبلغ تعداد العلويين نحو 1.7 مليون نسمة، ويشكّلون نحو تسعة في المئة من سكان سوريا ذات الغالبية السنية.

وعلى مدى العقود الماضية في عهد الرئيس الراحل حافظ الأسد ونجله بشار، اعتُبِر العلويون ركيزة أساسية للحكم، وحضروا في مراكز أساسية في القطاع العام والمؤسسات العسكرية والأمنية التي لطالما اعتمدت الاعتقال والتعذيب والترهيب أساليب لقمع أي معارضة.

أبرز المناطق التي يسكن فيها لعلويون هي محافظتي اللاذقية وطرطوس، إضافة إلى مناطق في حمص وحماة وريف دمشق.

يتميز العلويون بارتباطهم التاريخي بالجبال الساحلية وبتأثيرهم الثقافي والاجتماعي في تلك المناطق، ويُعتبرون جزءاً مهماً من النسيج المتنوع الذي يُميز سوريا.

خرج من العلويين الكثير من الشخصيات المعروفة مثل الشيخ صالح العلي أحد رموز الثورة السورية ضد الاحتلال الفرنسي.

في العام 1920، أسست فرنسا التي كانت في ذلك الحين قوة منتدبة، منطقة حكم ذاتي للعلويين.

وبهدف تشجيعهم على الاندماج في الدولة المستقبلية، حصلوا على فتوى في تلك الفترة من الحاج أمين الحسيني، مفتي الديار الفلسطينية، تعترف بالعلويين كمسلمين، وتدعو المسلمين من المذاهب الأخرى إلى التعاون معهم “على البر والتقوى”.

انخرطت بعدها أعداد كبيرة من العلويين في الأكاديميات العسكرية خلال فترة الخمسينيات، وتبنت أفكار العروبة وعلمانية حزب البعث، قبل أن يصلوا للحكم بعد انقلابين عسكريين للحكم في سوريا عامي 1963 و1966.

تاريخ العلويين

تأسس المذهب العلوي في القرن التاسع الميلادي على يد محمد بن نصير الذي يقول العلويون إنه كان تلميذا للحسن العسكري الأمام الحادي عشر لدى الشيعة الإثنى عشرية، وهو ما جعل البعض يلقبهم بالنصيريين.

يؤمن العلويون بتناسخ الأرواح، وتعتبر فكرة الثالوث المكون من النبي محمد والإمام علي وسلمان الفارسي من أهم مبادئ الطائفة التي أفرد برنامج “مختلف عليه” على قناة الحرة حلقة خاصة لها.

يتهمهم خصومهم، سواء من الشيعة أو السنة، بأنهم يؤلهون الإمام علي، ولكنهم ينفون هذه التهم ويقولون إنهم يؤمنون أن هناك “مسحة آلهية” في الإمام علي وأنه يمثل “التجلي الأخير لله على الأرض”.

تعرضت الفرقة العلوية لعمليات قتل واضطهاد على مر التاريخ ولم تجد فسحة من الراحة سوى في فترة الدولة الحمدانية التي كانت متبنية لمذهبهم.

تختلف أفكار الطائفة العلوية في سوريا عن أولئك الموجودين في تركيا، فالأولى تعتبر نفسها جزء من الشيعة الاثني العشرية، بينما الثانية ترى نفسها أقرب للصوفية.

التوحيد والعدل والنبوة والإمامة والمَعَاد تعتبر الأصول الخمسة للدين لدى العلويين، وأيضا توجد ثلاث شخصيات تحظى بالقدسية لديهم وهم النبي محمد والإمام علي بن أبي طالب والصحابي سلمان الفارسي.

“وتحظر الطائفة العلوية الإفصاح عن الأسس التي تقوم عليها، تحت طائلة الإعدام، علما أن العلويين الذين يؤمنون بالتقمص لا مساجد لهم، وهم لا يؤدون واجب الصيام لدى المسلمين ولا الحج، ويسمحون بشرب الكحول، فيما أن نساءهم لا يضعن الحجاب، كما أنهم يحتفلون بأعياد المسلمين والمسيحيين أيضا”، وفقا لفرانس برس.

الحرة – واشنطن

—————————

 الأمن السوري يعتقل المتورطين في انتهاكات ضد المدنيين بالساحل السوري

مصدر بالأمن العام: مصادرة أكثر من 200 آلية سرقها اللصوص بشمال غرب سوريا

العربية.نت

08 مارس ,2025

أعلن الأمن العام السوري اعتقال مجموعات غير منضبطة بسبب ارتكابها انتهاكات بحق المدنيين في الساحل السوري، كما أرسل أرتالا إضافية لحماية الأهالي من أي تجاوزات.

من جهته، أمر الجيش السوري بإعادة غير المكلفين بمهام عسكرية من مناطق الساحل لتقتصر العمليات على فرق الجيش وقوى الأمن العام. كما أغلق الجيش مجموعة من الطرق المؤدية إلى الساحل.

ونقلت الوكالة العربية السورية للأنباء (سانا)، اليوم السبت، عن مصدر بإدارة الأمن العام إفادته بـ”مصادرة أكثر من 200 آلية كانت قد سرقت من قبل ضعاف النفوس واللصوص من مدينة جبلة وما حولها مستغلين حالة عدم الاستقرار بسبب أفعال فلول النظام البائد”.

وأشار إلى أنه “تم اعتقال عدد كبير من اللصوص، وسيتم إعادة الآليات إلى أصحابها أصولاً”.

وفي وقت سابق، أشار مراسل “العربية” و”الحدث”، السبت، إلى هدوء حذر في مدن الساحل السوري، مؤكداً أن قوات الجيش السوري تمشط ريفي طرطوس واللاذقية.

وكشف مراسل “العربية” و”الحدث” عن استسلام إحدى مجموعات الفلول لقوات الجيش في مدينة جبلة، ومن المقرر انتهاء حالة حظر التجوال صباح اليوم في اللاذقية وطرطوس.

وقبلها، قال مصدر بوزارة الدفاع السورية لوكالة الأنباء الحكومية، إن القواتِ العسكريةَ والأمنية، تقوم بعملياتٍ نوعيةٍ دقيقة ضد فلول نظامِ الرئيس المخلوع بشار الأسد، في مدينةِ القرداحة، مسقطِ رأس عائلة الأسد.

مراسل “العربية” و”الحدث”، أشار إلى أن الاشتباكات العنيفة بين إدارة العمليات السورية وفلول النظام السابق تواصلت في مدينة اللاذقية السورية، وأكد أن أفرادا من النظام السابق يحتمون في أحد الأبنية قرب مستشفى الوطنية.

ومع انتشار قوات الأمن السورية في مدن الساحل الكبرى وضبط الأمن فيها، اندلعت اشتباكات محدودة ليلا في محيط مستشفى ابن سينا في اللاذقية، بعد استهداف نفذته فلول نظام الأسد وفق ما كشفت مصادر أمنية لوكالة سانا.

وكان مراسلُ “العربية” و”الحدث” أكدَ دخولَ الجيش السوري لمدينةِ جبلة واستعادةَ السيطرةِ الكاملة على الكلية البحرية.

إلى ذلك أفادت مصادر “العربية” و”الحدث” بوقوع أكثر من 90 قتيلا في صفوف الجيش والأمن السوري و160 من فلول النظام بمعركة الساحل.

وأفادت المصادر أن 44 عنصرا من الجيش سقطوا في كمائن تعرض لها خلال تقديم الدعم لقوات الأمن والبقية من الأمن والشرطة.

وشهد أحد أحياء مدينة اللاذقية السورية اشتباكات عنيفة بين الأمن السوري وفلول النظام السابق، وذلك ضمن حملة ملاحقة واسعة لفلول النظام.

    مباشر من #قناة_العربية | استمرار الاشتباكات في الساحل السوري.. والشرع يطالب فلول الأسد بتسليم أنفسهم https://t.co/JJenDPDgwq

    — العربية (@AlArabiya) March 8, 2025

ودعا الرئيس السوري، أحمد الشرع، فلول النظام السابق إلى تسليم السلاح فورا وقبل فوات الأوان وفق تعبيره. وعبر الرئيس السوري عن استنكاره لاعتداءات وقتل واقتحام للمستشفيات، حسب قوله.

وأكد الشرع أهمية مواصلة ملاحقة فلول النظام السابق وكل من اعتدى على حقوق السوريين، موضحا أن هذه الخطوة تهدف إلى محاسبتهم قانونيا، وحصر السلاح بيد الدولة.

كما طالب الرئيس السوري أحمد الشرع الجيش بضبط النفس في تعاملهم مع فلول النظام السوري، موضحا أن أفرادا من فلول النظام السابق يتعمدون استفزاز الجيش السوري.

وأكد المتحدث باسم وزارة الدفاع السورية، حسين عبد الغني، في تصريح للعربية، أن القوات المسلحة تتعامل مع البؤر الخارجة عن القانون في طرطوس واللاذقية، مشيرا إلى تعزيز قوات الأمن لاستعادة الاستقرار في مدينة جبلة.

ماذا يحدث في الساحل السوري؟

وكان الساحل السوري سجل في الساعات الأخيرة أكبر حملة أمنية ضد فلول نظام الأسد منذ سقوطه.

وفيما الاشتباكات تواصلت في محيط جبلة، أرسلت وزارة الدفاع تعزيزات ضخمة إلى محافظتي اللاذقية وطرطوس لتأمين المنطقة وبدء عمليات تمشيط واسعة في مراكز المدن والجبال المحيطة.

أرتال عسكرية ضخمة دفعت بها وزارة الدفاع إلى الساحل السوري في تحرك نفت أن يكون موجها ضد طائفة معينة بل لبسط الأمن ومنع التقسيم فللساحل وضع خاص.

واجهة بحرية وحيدة

الواجهة البحرية الوحيدة لسوريا تمتد على طول مئة وثلاثة وثمانين كيلومترا غرب البلاد على البحر المتوسط بمساحة تقدر بأكثر من أربعة آلاف كيلومتر مربع.

تضاريس الساحل معقدة مما يصعب عملية التمشيط وملاحقة عناصر النظام السابق. فهو شريط سهلي ضيق بسبب اقتراب الجبال الشديد من الشاطئ. ويضم محافظتي طرطوس جنوبا واللاذقية شمالا وهي أكبرهما.

الأولى أي طرطوس تنقسم إلى خمس مناطق أساسية ويتبعها أكثر من أربعمئة قرية. هي طرطوس والشيخ بدر ودريكيش وصافيتا وبانياس. غير أن ثقل المواجهات وضعته فلول النظام في بانياس شمال المحافظة والتي تسجل دخول أرتال من قوات الأمن لتأمينها.

أما اللاذقية فتقسم إلى أربع مناطق إدارية يتبعها 440 قرية اللاذقية والحفة والقرداحة وجبلة.

التعزيزات دخلت إلى القرداحة مسقط رأس عائلة الأسد وأيضا جبلة التي يتحصن فلول النظام في أحراشها وشهدت اشتباكات عنيقة استخدمت فيها الأسلحة المتوسطة والثقيلة.

غالبية علوية

يقطن المحافظتين غالبية علوية شكلت حاضنة للنظام السابق طوال عقود، بالإضافة لمزيج سني ومسيحي علما أن عدد السكان في المحافظتين بلغ قبل الحرب مليون وثمانمئة ألف شخص، لكن أرقام الصليب الأحمر تقدر النازحين إليها بأكثر من مليون.

وفي الساحل، مواني سوريا الثلاثة التي كانت تحت اليد الروسية بحكم اتفاقيات مع الأسد الابن أكبرها ميناء اللاذقية، يليه ميناء طرطوس فميناء بانياس المختص بتصدير النفط إلى الخارج.

—————————

عشرات المدنيين ضحايا العنف في الساحل.. ودعوات لتشكيل لجنة تحقيق في الانتهاكات/ سامر القطريب

2025.03.08

تصاعدت التحذيرات من زيادة حدة الانتهاكات بحق المدنيين في سوريا، وسط عمليات تصفية ميدانية واختفاء قسري في مناطق الساحل، ما قد يفاقم التوترات ويهدد بإشعال موجات انتقامية جديدة. ووثّقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان مقتل أكثر من 125 مدنيا في عدة مناطق، بينما تتحدث مصادر عن استهداف عشوائي لمدنيين على خلفيات مناطقية وطائفية.

وفي ظل غياب المحاسبة، تتزايد الدعوات لتشكيل لجنة تحقيق مستقلة تكشف المسؤولين عن هذه الجرائم، لضمان المساءلة ومنع تفاقم دوامة العنف، ومنع انزلاق البلاد في موجة من الاحتقان الطائفي.

من يرتكب الانتهاكات؟

الصحفية السورية هنادي زحلوط خسرت ثلاثة من أخوتها في الأحداث الأخيرة، وتقول لموقع تلفزيون سوريا، إن ثلاثة من إخوتها “استشهدوا” على يد فصيل عسكري سوري معارض في بلدة الصنوبر بريف جبلة أمس الجمعة، مشيرة إلى أن الفصيل العسكري اختطف أيضا ثلاثة من أبناء أختها من دون معرفة وجهتهم، حيث أصبحوا مختفين قسريا، وأضافت أنها تواصلت مع إدارة الأمن العام الذين جمعوا المعلومات وعلموا اسم الفصيل المسؤول عن عملية التصفية، مشددة تحفظها على ذكر اسمه.

وأكدت أن أخوتها معلمون ولم يحملوا السلاح إطلاقا، وأضافت أنها لا تُحمّل طائفة بعينها مسؤولية الجريمة، لأن ذلك ما يسعى إليه النظام المخلوع وأذرعه، مؤكدة على ضرورة محاسبة مرتكبي الجرائم ضد المدنيين في المنطقة لإنهاء حالة الاحتقان.

وقالت الصحفية السورية إنهم وثقوا عشرات الأسماء لضحايا معظمهم مدنيون تمت تصفيتهم ميدانيا في الحي نفسه، وأكدت على أن العدالة الانتقالية تبدأ من خلال “محاسبة الضباط الكبار ومنع خلق مظلومية جديدة في سوريا وعبر الحديث عن الحقيقة وكشفها”.

ووجهت زحلوط نداء لعدم استخدام الخطاب التحريضي والطائفي في وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي والتأكيد على الهوية السورية الجامعة لبناء البلد بعد سنوات من الحرب.

وتشير مصادر متقاطعة إلى وقوع قتلى في بانياس وجبلة، هم معارضون ومعظمهم أكاديميون وأطباء ومثقفون، لافتة إلى أنه “لا يمكن الجزم بوجود استهداف ممنهج لهذه الشريحة”.

انتهاكات يقابلها تضامن مجتمعي

وفي جبلة أكدت مصادر محلية حدوث عمليات اقتحام للمنازل وسرقتها وتصفية أهلها في قرية بسيسين من عائلة زريقة، وقالت المصادر إن أهالي المنطقة من العائلات “السنية” ساعدت العائلات “العلوية” وحمتها، ولفتت إلى وجود جثث مرمية في الشوارع.

وتحدثت مصادر محلية لموقع تلفزيون سوريا عن وقوع انتهاكات اليوم في مدينة بانياس الساحلية، وأشارت مصادر عدة إلى وجود جماعات مسلحة غير معروفة، لا تنتمي إلى الأمن العام أو إلى الجيش السوري.

وأضافت أن الشيخ المعروف أنس عيروط يحاول تهدئة الأوضاع وحماية المدنيين بجميع طوائفهم في بانياس، وتؤكد المصادر أن الأهالي “علويون وسنة” لا اقتتال طائفي بينهم وهم متعايشون، ومن يقوم بارتكاب عمليات القتل جهات غير معروفة.

وأضافت المصادر أنه مع دخول قوات الأمن العام إلى جبلة وعلى رأسها ساجد لله الديك القيادي في الأمن العام، بدأت الأمور تهدأ تدريجيا، بعد عمليات قتل وسرقة عمت المنطقة.

وقال مصدر في وزارة الدفاع السورية لوسائل إعلام رسمية إنه جرى إغلاق الطرق المؤدية إلى منطقة الساحل وذلك لضبط “المخالفات ومنع التجاوزات” وعودة الاستقرار تدريجيا إلى المنطقة.

وأضاف “نؤكد أن وزارة الدفاع شكلت سابقا لجنة طارئة لرصد المخالفات، وإحالة من تجاوز تعليمات القيادة خلال العملية العسكرية والأمنية الأخيرة إلى المحكمة العسكرية”.

وقال الرئيس السوري أحمد الشرع، في خطاب بثه التلفزيون في وقت متأخر من أمس الجمعة، إنه في حين يؤيد الحملة الأمنية، فإنه ينبغي على قوات الأمن “عدم السماح لأحد بالتجاوز والمبالغة برد الفعل… ما يميزنا عن عدونا هو التزامنا بمبادئنا”.

وأضاف “في اللحظة التي نتنازل فيها عن أخلاقنا نصبح على نفس المستوى معهم”، مضيفا أنه ينبغي عدم إساءة معاملة المدنيين والأسرى.

تشكيل لجنة تحقيق أصبح ضرورة

من جهته قال رئيس الشبكة السورية لحقوق الإنسان فضل عبد الغني لموقع تلفزيون سوريا، إنه يرفض تسمية (الفلول)، مشيرا إلى أنها “عصابات مسلحة هاجمت قوات الأمن العام البارحة واليوم وقتلت حوالي 100 عنصر من الأمن العام، وهو رقم مرعب عبر كمائن وأعتقد أنها هجمات منظمة، وقتلت 15 مدنيا في جبلة وبالتالي تحرك الأمن العام للرد وكان الإعلان عن ملاحقة فلول النظام وأكرر أنني أسميهم العصابات التابعة للنظام، ولكن وقع كم كبير من الانتهاكات خلال العملية بحق المدنيين، المدني إذا حمل سلاحا لمدة دقيقة واحدة يصبح مسلحا، ولكن نحن نتكلم عن تصفية مدنيين لم يحملوا السلاح، وهذا بحاجة لإجراء تحقيق وتشكيل لجنة”.

وأضاف “إدارة العمليات العسكرية عبر العمليات التي جرت في سوريا فترة التحرير لم تقتل مدنيا واحدا وقد كانت العناصر شديدة الانضباط، لكن الآن نتيجة حل جهاز الأمن والشرطة بشكل كامل تقريبا استجلبت عناصر من فصائل الشمال وأجرت دورات تدريبية لضم عناصر غير مدربة، بالتالي هؤلاء بشكل أساسي من ارتكب الانتهاكات، إضافة لأشخاص حملوا السلاح وتوجهوا لمساعدة الأمن العام بدافع أنه قتل من أهلهم وأصدقائهم على يد نظام الأسد وقواته أو بسب عمليات التحشيد والتأجيج التي حصلت”.

مقتل عشرات المدنيين في حصيلة أولية

ويوضح عبد الغني أنه بالحصيلة الأولية  فقد وثقت الشبكة السورية “مقتل 125 مدني في قرية المختارية والحفة والفندارة بريف حماة الغربي وفي أرزة وفي قمحانة وفي حي القصور بمدينة بانياس”.

وأوضح أن “الجثث تركت في مكانها مطالبا وزارة الداخلية وإدارة الأمن العام بفتح تحقيقات جدية لمحاسبة من ارتكبوا هذه الجرائم والانتهاكات والاعتذار عنها وإذا لم يتم الأمر سيفتح الباب أمام عمليات انتقامية ويؤسس لدوامة عنف طائفي، لأن هذه العصابات أعدادهم محدودة وغالبية الطائفة العلوية ضدهم وهم لا يتجاوزون 1500 شخص، ولكن إذا لم تتم المحاسبة سيزداد التحشيد والتحريض وسيزداد عددهم وبالتالي قد تدخل البلاد في صراع طائفي لا تحمد عقباه”.

وأضاف أنه بعد خطاب الرئيس السوري، جرى تطور مهم بناء بدأ يطبق على الأرض من قبل وزارة الداخلية التي أعنلت اعتقال عناصر غير منضبطة، ويتابع “هذا إقرار بالانتهاكات وبوجود عناصر ارتكبت هذه الجرائم ولم ينكروا ذلك”.

التحريض والأخبار المزيفة على وسائل التواصل

ويشير عبد الغني إلى “الكم الهائل” من إنكار الهجوم وعمليات القتل على وسائل التواصل الاجتماعي، رغم توثيقها من قبل الشبكة السورية لحقوق الإنسان، ويعلق على ذلك “هناك تساؤل عن منهجية عملنا طبعا لدينا منهجية نحن نعمل بالتوثيق منذ 14 عاما وهناك معايير نتبعها للتأكد من حصيلة الضحايا وما هو تصنيفهم مدنيون مقاتلون إلخ.. ومنهجيتنا منشورة على الموقع وهذه ليست أول حالة نوثقها، ليقول لنا البعض ربما خدعتم بفيديو.. ليس من السهول أن يتم خداع فريقنا نحن متأكدون من الإحصائيات التي أصدرناها.. هناك معلومات عن استهداف سيارات لمجرد أنها تحمل لوحة إدلب.. ومن قتل بداخلها مدنيون وليسو من الأمن العام وأيضا الأمن العام والفصائل العسكرية التي جاءت من الشمال والمسلحون الأفراد ارتكبوا نتهاكات وسجلنا مقتل 125 مدنيا كحصيلة أولية بينهم 9 نساء و7 أطفال وسننشر التفاصيل في تقرير لاحقا”.

ونشر مستخدمون وناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي خصوصا موقع فيس بوك، منشورات تتحدّث عن قتل مدنيين من أفراد عائلات وأصدقائهم ينتمون إلى الطائفة العلوية في المنطقة، وبينهم عائلات معارضة سياسيا للنظام المخلوع، في ظل غياب معلومات رسمية مفصلة من الإدارة السورية الجديدة، وسط انتظار التحقق من المعلومات بشكل مستقل من قبل الشبكات الحقوقية.

 ————————————-

 الحملة الأمنية ضد فلول النظام المخلوع تتوسع وقلق أممي وحقوقي إثر وقوع انتهاكات

2025.03.07

حضّ الرئيس السوري أحمد الشرع فلول النظام المخلوع على تسليم سلاحهم وأنفسهم “قبل فوات الأوان”، مشددا على ضرورة حماية المدنيين، في وقت انتشرت فيه تقارير تفيد بوقوع انتهاكات وجرائم في الساحل السوري.

وقال الشرع مخاطبا الفلول “قد اعتديتم على كل السوريين وإنكم بهذا قد اقترفتم ذنبا عظيما لا يغتفر وقد جاءكم الرد الذي لا صبر لكم عليه فبادروا إلى تسليم سلاحكم وأنفسكم قبل فوات الأوان”.

وأضاف الشرع أن الدولة، في معركتها، تسعى لحماية جميع المواطنين، مؤكداً أن الهدف ليس إراقة الدماء، بل الحفاظ على أمن البلاد واستقرارها.

من جهته، أعرب الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، عن القلق إزاء الاشتباكات الأخيرة والتوترات الأمنية في الساحل السوري، ودان كل أعمال العنف في البلاد، مشيراً إلى التقارير التي تحدثت عن عمليات قتل خارج نطاق القضاء وسقوط ضحايا من المدنيين.

وفي مؤتمر صحفي في نيويورك، قال المتحدث باسم الأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، إن الأمين العام “يدين بشدة كل أعمال العنف في سوريا”، داعياً الأطراف إلى حماية المدنيين ووقف الأعمال العدائية”.

ووثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان مقتل قرابة 140 مدنياً على يد فلول النظام والقوات الحكومية ضمن الحملة العسكرية في الساحل السوري، وندد ناشطون سوريون بالتقارير الواردة عن انتهاكات وإعدامات ميدانية بحق مدنيين، وقال مصدر أمني في وزارة الداخلية إن هذه الانتهاكات “فردية” ويتم العمل على إيقافها.

ورصدت الشبكة السورية لحقوق الإنسان مقتل نحو 15 مدنياً نتيجة استهداف مسلحين لمركباتهم على أطراف مدينة جبلة، ومقتل قرابة 125 مدنياً على يد قوات الأمن في محافظتي اللاذقية وطرطوس.

ووثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان مقتل ما لا يقل عن 100 عنصر من قوات الأمن الداخلي نتيجة هجمات نفذتها مجموعات مسلحة مرتبطة بفلول نظام الأسد السابق في محافظتي اللاذقية وطرطوس، خلال الفترة بين 6 و7 آذار 2025.

استعادة السيطرة أمنيا على جبلة وطرطوس واللاذقية

ميدانيا، أعلن محافظ اللاذقية، أن القوات الأمنية والعسكرية فكّت الحصار عن المراكز الأمنية والشرطية في المحافظة، الذي فرضته مجموعات مسلحة تابعة لفلول النظام المخلوع والخارجين عن القانون.

ومددت السلطات حظر التجول في مدينتي طرطوس واللاذقية في ظل اشتباكات اندلعت الخميس وتعدّ “الأعنف” منذ إطاحة الأسد في الثامن من كانون الأول الماضي.

وقالت مصادر أمنية وعسكرية لتلفزيون سوريا إن قوات الأمن والجيش استعادت السيطرة على مدينة جبلة بعد اشتباكات عنيفة استمرت طوال اليوم مع فلول النظام المخلوع.

وأعلن المتحدث باسم وزارة الدفاع السورية الجمعة، استعادة السيطرة الكاملة على مدينتي طرطوس واللاذقية الواقعتين على الساحل السوري غربي البلاد. مشيراً إلى أن العملية العسكرية ضد فلول نظام الأسد يفصلها “ساعات قليلة فقط” عن إعلان إتمامها.

في تلك الأثناء، تقدمت قوات وزارة الدفاع إلى مشارف جبلة بريف اللاذقية وخاضت معارك عنيفة مع فلول النظام المخلوع، بينما استسلمت مجموعات مسلّحة بعد محاصرتها في محيط المدينة. كما تمكن الجيش السوري وجهاز الأمن العام من ضبط كميات من الأسلحة، وإلقاء القبض على مسلحين من فلول النظام الذين يتحصنون في مناطق آهلة بالسكان، ما يستدعي جهوداً خاصة للحفاظ على سلامة المدنيين.

تمشيط الساحل السوري

وصباح اليوم الجمعة، انطلقت عمليات التمشيط في الساحل السوري ومداهمة مواقع وأوكار فلول النظام المخلوع بعد ليلة دامية قتل وأصيب فيها العشرات من قوى الأمن والجيش بكمائن الفلول وانطلاق تعزيزات كبيرة من كافة المناطق السورية.

وباشرت إدارة الأمن العام عمليات تمشيط مكثفة في مراكز اللاذقية وطرطوس، إضافة إلى القرى والبلدات والجبال المحيطة، مستهدفةً فلول النظام المخلوع وكل من قدّم لهم الدعم والمساندة. كما دعت عناصر النظام السابق الراغبين في تسليم سلاحهم وأنفسهم للقضاء إلى التوجه لأقرب نقطة أمنية.

وقالت مصادر عسكرية وأمنية لتلفزيون سوريا إن عمليات تمشيط الغابات والحراش في الساحل السوري بدأت فجر اليوم، بمشاركة الطائرات المسيرة من طرازات شاهين، وتمكنت قوى الأمن والجيش من قتل أكثر من 50 عنصراً من الفلول واعتقال آخرين.

وأفاد مراسل تلفزيون سوريا بأن قوى الأمن والجيش دخلت مدينة طرطوس لإعادة الأمن إليها وتستعد لدخول مدينة جبلة التي شهدت الليلة الماضية الاشتباكات الأعنف مع الفلول، فيما أعلنت إدارة الأمن العام فرض حظر تجوال في مدينتي اللاذقية وطرطوس، داعيةً المدنيين إلى التزام منازلهم والإبلاغ الفوري عن أي تحركات مشبوهة.

مؤازرة القوات السورية في حملتها ضد الفلول

وانطلقت الليلة الماضية آلاف السيارات العسكرية لقوى الأمن والجيش من كافة المناطق السوري في تعزيزات كبيرة إلى الساحل السوري، تلبية لعشرات المظاهرات التي دعت لضبط الأمن في الساحل السوري ومحاسبة المجرمين والفلول.

وبدأت قوات الأمن والوحدات العسكرية تنفيذ عمليات ميدانية لإعادة الاستقرار إلى المنطقة، تزامناً مع حشد مقاتلي العمليات الليلية تمهيداً لتنفيذ خطط عسكرية على الأرض. وبالتزامن مع التصعيد العسكري، شهدت عدة مدن سورية احتجاجات داعمة للجيش السوري في حملته ضد المجموعات المسلحة في الساحل.

تلفزيون سوريا

——————————-

====================

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى