عن التدخل الاسرائيلي السافر في سورية الجديدة، ملف تناول “شهية إسرائيلية لتفتيت سوريا” – تحديث 09 أذار 2025

متابعة للتدخل الاسرائيلي السافر في سورية الحديدة
سياسة إسرائيل تجاه سورية بعد سقوط نظام الأسد
المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات
09 مارس 2025
تصاعدت الاعتداءات الإسرائيلية على الأراضي السورية منذ سقوط نظام بشار الأسد في 8 ديسمبر/ كانون الأول 2024. وخلال الأيام الثلاثة التي أعقبت دخول فصائل المعارضة السورية دمشق، شنت إسرائيل مئات الغارات الجوية والضربات الصاروخية التي استهدفت تدمير القدرات العسكرية التي خلفها جيش النظام السابق. واستغلت إسرائيل انسحاب هذا الجيش من القنيطرة، وعموم مناطق الجنوب السوري، لاحتلال أراضٍ جديدة بحجّة أن اتفاق فصل القوات بين إسرائيل وسورية لعام 1974 لم يعد قائماً، لعدم وجود طرف ينفذه على الجانب السوري. وفي حين تتوغل قوات الاحتلال يوميّاً في الأراضي السورية بحجة البحث عن سلاح منتشر في المنطقة، تحاول حكومة بنيامين نتنياهو فرض منطقة منزوعة السلاح تشمل الجنوب السوري كله، مع محاولات لتفتيت الدولة السورية على أسس طائفية وعرقية وجهوية.
خلفيات السياسة الإسرائيلية في سورية وأهدافها
كان موقف إسرائيل من الثورة السورية التي انطلقت في مارس/ آذار 2011 سلبياً. وعندما حوّل نظام بشار الأسد الثورة إلى نوع من الحرب الأهلية بردّ فعله الحربي الذي أجّج مظاهر سلبية عديدة، ومنها الطائفية، اتخذت إسرائيل استراتيجية تقوم على إطالة أمد الحرب أطول مدة ممكنة لإضعاف الدولة السورية والعمل على تجزئتها. وقد حدّدت إسرائيل خطوطاً حمراء لنظام الأسد، شملت منع استخدام الأراضي السورية لنقل أسلحة متطورة كاسرة للتوازن إلى حزب الله في لبنان، ومنع وجود قوات عسكرية تابعة لإيران أو لحزب الله أو لميليشيات أخرى موالية لهما في جنوب سورية في المنطقة القريبة من الجولان السوري المحتلّ، ومنع التموضع العسكري الإيراني، ومنع إنتاج الصواريخ المتطورة في سورية.
ومنذ يناير/ كانون الثاني 2013 وحتى سقوط نظام الأسد، استباحت إسرائيل الأراضي السورية وشنت مئات الغارات على أهداف مختلفة فيها، ومما شجعها على الاستمرار في ذلك امتناع نظام الأسد، وحلفائه، عن الرد على هذه الاعتداءات.
وتواصل إسرائيل توغلها في الأراضي السورية، على الرغم من أن سقوط نظام الأسد واستيلاء هيئة تحرير الشام على السلطة أنهى الوجود العسكري الإيراني وأوقف نقل الأسلحة إلى حزب الله، ملغيًا تبريرات إسرائيل في مهاجمة الأراضي السورية، وعلى الرغم أيضًا من عدم وجود تهديد عسكري في جنوب سورية ضد إسرائيل، فضلًا عن الموقف الذي اتخذته الإدارة السورية الجديدة، بقيادة الرئيس أحمد الشرع، الذي أكد أن سورية لا تريد المواجهة مع إسرائيل، وأنها لن تكون نقطة انطلاق لمهاجمتها، ولن تسمح أن تستعمل أراضيها لتهريب السلاح إلى لبنان أو إلى دولة أخرى، وأنها تتمسك باتفاقية فصل القوات. وقد طالب الشرع بانسحاب الجيش الإسرائيلي من المنطقة السورية العازلة ومن المناطق التي احتلها بعد سقوط النظام.
من الواضح أن سورية والإقليم كله يواجه مرحلة جديدة من سياسات القوة الإسرائيلية. وترى إسرائيل في الظروف الراهنة فرصة مهمة لتحقيق جملة من الأهداف، أهمها:
1. إضعاف الدولة السورية من خلال ضرب كل قدراتها العسكرية وتدميرها، ومنع تمكين السلطة الجديدة، أو سيطرتها على أي أسلحة مهمة كان يمتلكها النظام السابق.
2. احتلال مناطق جديدة في جنوب غرب سورية.
3. محاولة تجزئة البلاد على أسس طائفية وعرقية وجهوية.
4. تقديم إسرائيل نفسها بوصفها دولة إقليمية قوية، تحرص على حماية الأقليات الطائفية والعرقية، من دون أن تطلب منها هذه الأقليات حمايتها.
5. محاولة فرض منطقة أمنية في جنوب غرب سورية تحت النفوذ الإسرائيلي، يحظر على الجيش السوري دخولها، وتشمل هذه المنطقة أجزاء من محافظات القنيطرة ودرعا والسويداء ومنطقة جبل الشيخ وأجزاء من ريف دمشق.
احتلال المنطقة العازلة
تابعت إسرائيل باهتمام كبير العملية العسكرية التي أطلقتها فصائل المعارضة السورية في 27 نوفمبر/ تشرين الثاني 2024. ومع اتضاح مصير نظام الأسد، خاصة بعد تحرير مدينة حماة، وتوجه قوات المعارضة نحو دمشق، عقد الكابينت السياسي-الأمني الإسرائيلي في 7 ديسمبر/ كانون الأول اجتماعاً قرّر خلاله احتلال المنطقة السورية المنزوعة السلاح، وهي منطقة أُنشِئَت بموجب اتفاقية فصل القوات لعام 1974، وتبلغ مساحتها 235 كيلومترًا مربعًا، وتمتد بطول يبلغ نحو 75 كيلومتراً من قمة جبل الشيخ في أقصى شمال هضبة الجولان إلى أقصى جنوبها، وبعرض يراوح بين بضع مئات من الأمتار إلى 14 كيلومتراً. وفي 8 ديسمبر/ كانون الأول، أعلن نتنياهو، في أثناء زيارته الجولان السوري المحتل، إن اتفاقية فصل القوات قد انهارت، وإن الجيش السوري أخلى مواقعه العسكرية، وقال إن إسرائيل “لن تسمح لأيِّ قوة معادية التمركز على حدودنا”.
لا تتوفر معلومات دقيقة عن مساحة الأراضي التي احتلها الجيش الإسرائيلي خارج المنطقة السورية العازلة، ولا عن المواقع والتحصينات العسكرية التي ينشئها فيها. ففي حين تذكر مصادر أنه احتل مساحة 440 كيلومتراً مربعاً بما فيها المنطقة العازلة، تفيد مصادر أخرى بأنه احتل مساحة 600 كيلومتر مربع. ولا ينشر الجيش الإسرائيلي معلوماتٍ عن عدد السكان السوريين الذين تمسكوا ببقائهم في نحو 15 بلدة وقرية في المنطقة العازلة، ولا عن عدد السكان السوريين الذين يخضعون لاحتلال الجيش الإسرائيلي خارجها.
تدمير قدرات الجيش السوري
شنّ سلاح الجو الإسرائيلي في 8 و9 ديسمبر/ كانون الأول 2024 مئات الغارات على مواقع الجيش السوري، أسفرت عن تدمير الغالبية العظمى لقدراته العسكرية، وشملت أهداف هذه الغارات قواعد الجيش ومطاراته المنتشرة في أنحاء سورية ومختلف أنواع الطائرات العسكرية بما فيها ميغ 29 وسوخوي والمروحيات والمسيرات وكذلك منظومات الدفاع الجوي التي تشمل الرادارات وبطاريات صواريخ أرض- جو، وأسلحة الجيش الثقيلة كالدبابات والمجنزرات، إلى جانب مخازن الأسلحة والذخيرة ومواقع إنتاج الأسلحة والمختبرات العلمية. كما هاجمت البحرية الإسرائيلية قطع سلاح البحرية السورية ودمرت قسمًا كبيرًا منها.
احتلال جديد وطويل
تشير تصريحات قادة إسرائيل ونشاطات الجيش الإسرائيلي في الأراضي السورية التي احتلها بعد سقوط نظام الأسد، إلى أن إسرائيل تخطط لوجود طويل فيها. ففي أثناء زيارة نتنياهو، ووزير الأمن، يسرائيل كاتس، صحبة رئيس الأركان السابق، هرتسي هاليفي، في 17 ديسمبر، لقمة جبل الشيخ، التي احتلتها إسرائيل قبل ذلك بأيام، صرح كاتس بأن “قمة جبل الشيخ هي عيون دولة إسرائيل التي ترى الأخطار القريبة والبعيدة”، وأن الجيش الإسرائيلي سيقيم تحصينات عسكرية في المناطق التي احتلها حديثًا من أجل البقاء فيها فترة طويلة. وفي 23 فبراير/ شباط 2025، صرّح نتنياهو إن الجيش الإسرائيلي سيبقى في جبل الشيخ وفي المنطقة السورية المنزوعة السلاح لفترة غير محددة، وأنه لن يسمح لقوات النظام الجديد في سورية بالدخول إلى المنطقة الواقعة في جنوبي دمشق، وطالب بأن تبقى محافظات القنيطرة ودرعا والسويداء منزوعة السلاح.
ولا تستند حكومة نتنياهو في اعتداءاتها إلى حالة الضعف التي تعيشها سورية بعد 14 عاماً من الصراع فحسب، بل تعول أيضًا على دعم إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي أعرب عن مفاجأته، خلال محادثاته في واشنطن مع نتنياهو، من عدم استغلال إسرائيل للوضع، واحتلال أراضٍ جديدةٍ في الجولان السوري أكثر من التي احتلتها في أعقاب سقوط نظام الأسد.
ويبدو أن الجيش الإسرائيلي، بحسب المعلومات المتوفرة، يتجه إلى التمركز على نحو دائم في المنطقة العازلة وفي التلال الواقعة إلى الشرق منها، حيث ينشئ القواعد والتحصينات العسكرية فيها. ويتوغل يوميًا، تقريبًا، شمال جبل الشيخ وفي أجزاء من ريف دمشق الجنوبي ومناطق في محافظتي القنيطرة ودرعا، بحثًا عما يقول إنها أسلحة، ثم لا يلبث أن ينسحب، خاصة عندما يُواجَه بمقاومة من السكان المحليين.
تجدر الإشارة إلى أن الجيش الإسرائيلي احتل عددًا من السدود المائية في محافظة القنيطرة، وأهمها سد المنطرة، الذي يقع داخل المنطقة العازلة وتبلغ سعته نحو 40.2 مليون متر مكعب، وسد الرويحنية الذي يقع عند الحدود الشرقية للمنطقة العازلة وتبلغ سعته نحو مليون متر مكعب، وسد بريقة الذي يقع بمحاذاة المنطقة العازلة وتبلغ سعته 1.1 مليون متر مكعب، وسد كودنا الذي يقع شرق المنطقة العازلة، وتبلغ سعته نحو 31 مليون متر مكعب. إن استمرار سيطرة جيش الاحتلال الإسرائيلي على هذه الموارد المائية يشكل خطرًا ليس على المجتمع المحلي في داخل المنطقة العازلة فحسب، وإنما أيضًا على مجمل سكان محافظة القنيطرة ويهدد أمنهم المائي والغذائي.
غطاء للتجزئة والتوسع
لا تخفي إسرائيل استمرارها في السعي إلى تجزئة سورية على أسسٍ طائفيةٍ وإثنيةٍ وجهوية. وقد استغلت الأوضاع الراهنة، وكثفت دعوتها هذه لعرقلة بسط سلطة الدولة السورية على البلاد، وللتغطية على احتلال أراضٍ جديدة، بحيث يصبح موضوع الجولان المحتل في أي مفاوضات مقبلة من الماضي.
ومن غرائب الأمور، أن تأتي تصريحات ادعاء حماية الأقليات من حكومة ترتكب جرائم الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني، وما انفكت ترتكب جرائم حربٍ وجرائم ضد الإنسانية، ولا تأبه بالقوانين والمواثيق الدولية وخاصة تلك المتعلقة بحقوق الإنسان بما في ذلك حقوق الأقليات، وترفض السلام مع جيرانها وتشن الحرب عليهم وتتوسع في أراضيهم.
وفي هذا السياق، تبذل إسرائيل جهوداً لدى إدارة الرئيس دونالد ترامب من أجل إبقاء القوات العسكرية الأميركية التي يقدر عددها بنحو ألفي جندي في شمال شرق سورية. فقد أراد ترامب في فترة رئاسته الأولى سحب هذه القوات، بيد أنه عدل عن القيام بذلك في أعقاب معارضة إسرائيل ودوائر في وزارة الدفاع والكونغرس. تراهن إسرائيل على أن استمرار وجود القوة العسكرية الأميركية في شمال شرق سورية يحمي القوات الكردية ويعرقل بسط الدولة السورية سيطرتها على هذه المنطقة. وفي حال انسحبت القوات الأميركية، فمن المستبعد أن تتمكن إسرائيل من التدخل عسكريًا لحماية القوات الكردية في المنطقة التي تسيطر عليها. ويبدو أن التصريحات الإسرائيلية بشأن الكرد هدفها الضغط على إدارة ترامب بعدم سحب القوات الأميركية من ناحية، ولتعزيز مطالب قوات سورية الديمقراطية الكردية وعرقلة اندماجهم في الدولة السورية من ناحية أخرى.
خاتمة
استغلّت إسرائيل سقوط نظام الأسد لتحقيق مجموعة من الأهداف، وفي مقدمتها احتلال أراضٍ جديدة، بهدف خلق منطقة نفوذ في جنوب غربي سورية، وعرقلة بسط سيطرة النظام الجديد على الأراضي السورية كافة. وفي هذا السياق، تستمر إسرائيل في تعزيز سيطرتها والتوغل بين الفينة والأخرى في محافظتي القنيطرة ودرعا وريف دمشق الجنوبي، وتستمر كذلك في شن الغارات الجوية على أهداف مختلفة في سورية من أجل إضعاف النظام الجديد والمسّ بهيبته.
قدرة سورية على مواجهة هذا التحدي تتم بتوحيد السوريين في إطار الدولة السورية من خلال المشاركة السياسية الممثلة لجميع أطياف المجتمع، وكذلك تشكيل تحالفات إقليمية ودولية لمواجهة التوحش الإسرائيلي.
العربي الجديد
———————————
عن وليد جنبلاط وخصومه/ سلمان عز الدين
7 مارس 2025
في عام 2005، إثر اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، شن خصوم وليد جنبلاط هجومًا شرسًا عليه، متهمين إياه بالارتماء في الحضن الإسرائيلي إذ “وقف في صف 14 آذار ضد محور المقاومة والممانعة”.
وفي العام 2011، إثر انطلاق الثورة السورية، جدد هؤلاء هجومهم وبضراوة أكبر، حتى أن شيخًا ما محسوبًا عليهم خرج على قناة “الدنيا”، سيئة الذكر، ليقول إن جنبلاط “عميل للصهيونية”، وذلك لأن الرجل، وببساطة، كان قد أعلن انحيازه للثورة ووقوفه ضد بشار الأسد.
واليوم، وبعد أن خرج الزعيم اللبناني ليحذر من “مخطط إسرائيلي يستهدف سوريا ويرمي إلى جرها، والمنطقة برمتها، إلى حروب أهلية لا تنتهي”، يعود خصومه أنفسهم (هم هم ما غيرهم) إلى مهاجمته، بل لعنه، في حملة نهلت بغزارة من قاموس الهجاء، وتفننت في نحت الشتائم. غير أن شتيمة واحدة كان غيابها لافتًا عن هذه الحملة المسعورة. إذ لم يقل أي من هؤلاء إن وليد جنبلاط عميل لإسرائيل والصهيونية.. أليس الأمر غريبًا؟! فهل اكتشف خصوم وليد جنبلاط أن الرجل بريء من هذه التهمة وبالتالي كانوا يفترون عليه؟ أم أنهم اكتشفوا أن العمالة لإسرائيل ليست تهمة أصلًا، ليست عملًا يستحق الإدانة؟!
لغة التخوين رديئة، سامة ومؤذية، والرد على التخوين بالتخوين يندرج تحت الصفات السيئة نفسها. غير أن خصوم وليد جنبلاط ينطبق عليهم ما كان قاله زعيم مصري عن بعض خصومه: “دول لازم يتحاكموا بتهمة الغباء السياسي”.
وليد جنبلاط زعيم حزب لبناني، ولكنه زعيم طائفة أيضًا، وربما كان هذا هو التوصيف الأكثر مطابقة للواقع. وإذا كان الرئيس السابق للحزب النقدمي الاشتراكي قد اشتهر ببراغماتيته الشديدة، وبتقلباته بين مواقف تبدو متناقضة أحيانا، فإن المنافحين عنه كانوا يسارعون إلى تبرير ذلك بالقول: “إنه يحمي طائفته، الدروز”. و”حماية الطائفة” ليس مما يسهل تبريره، أو الإعجاب به، لا سيما إذا كان المراقب يصدر عن موقف وطني وعن مفهوم حداثي للسياسة، حيث تغدو الطوائف وشؤونها جزءًا من عصر ما قبل السياسة، عصر الملل والنحل والهويات الضيقة دون الوطنية. ومع ذلك فالرجل يملك شعبية تتجاوز طائفته، بل وتتجاوز بلده لبنان، وهو يجد له معجبين في أوساط يسارية وقومية وليبرالية (وإسلامية حتى)، وهؤلاء جميعًا من المفترض أنهم أعداء للطائفية وللزعماء الطائفيين، أو على الأقل هم لا يعبأون بشؤون الطوائف ولا بزعمائها.
لا تكفي “الكاريزما الخاصة” لتفسير هذه المفارقة. على الأرجح هناك سبب آخر، سبب ربما يكمن في مفهوم جنبلاط عن “حماية الطائفة”. والمقارنة قد تساعد هنا في تقديم توضيح: وئام وهاب زعيم طائفي آخر، وهو ينافس “وليد بك” على زعامة الدروز، وطريقه إلى المنافسة يمر عبر تقديم نفسه على أنه الأكفأ في حماية “الجماعة”. نظرية زعيم حزب التوحيد بسيطة للغاية: نحن نعيش في عالم أشبه بالغابة، ليس فيه إلا عشائر وطوائف متصارعة، وبالطبع فالطوائف الكبيرة سوف تنهش الصغيرة حتى تفنيها. وبما أن الدروز أقلية فلا بد لهم من التأهب والاستنفار الدائمين ومن العيش داخل أسوار منيعة، وإذا خرجوا منها فليبحثوا عن أقليات أخرى يتحالفون معها لتفادي خطر الأكثرية المحدق دومًا! ولقد تجسدت نظرية وهاب الفذة إبان الثورة السورية، عندما سارع إلى وضع نفسه تحت تصرف بشار الأسد وصار أداته في تحريض الدروز السوريين على مجابهة مواطنيهم الثائرين، والانخراط في قتالهم، بذريعة أنهم “سنّة متطرفون سيلتهمون الأقليات حال خلاصهم من النظام”. جال وهاب على القرى الدرزية في السويداء وجبل الشيخ. سلّح وموّل وأسس ميلشيات طائفية، وما دخل مكانًا إلا وجلب إليه مصيبة وأشعل فيه فتنة.
حماية الطائفة عند جنبلاط تتحقق عبر طريق آخر محتلف تمامًا، فمن أجل الحفاظ على وجودهم لا بد للدروز من أن يصبحوا جزءًا أصيلًا من محيطهم. “الدروز عرب أولًا وأخيرًا”، وانتماؤهم العروبي هو حصنهم وملاذهم، وكونهم أقلية فعليهم السعي الدائم نحو إيجاد القواسم المشتركة مع الأكثرية، مع مواطنيهم وشركائهم.
هذا حديث طائفي أيضًا، ولكن شتان بين الحديثين. ففي رؤية وهاب، وشيخ طريقته موفق طريف، على الأقلية الدرزية أن لا تكتفي بالانسلاخ عن محيطها وانتمائها الأوسع وحسب، بل أن تخوض حربًا أبدية ضد هذا المحيط وهذا الانتماء. وفي حرب “وجودية” كهذه يغدو التحالف مع الشيطان من لوازم التكتيك الحربي. والانتماء الطائفي هنا تتم ترقيته إلى مصاف هوية كاملة منجزة ونهائية، لا هوية بعدها أو فوقها.
بالمقابل، إذا كانت رؤية جنبلاط لا تطابق الحلم المنشود في المواطنة وصياغة هوية وطنية، فإنها، في السياق السوري تحديدًا، لا تمنع هذا الحلم. تبقيه احتمالًا قائمًا.. على الأقل.
بعد أن قرر اعتزال العمل السياسي لقضاء شيخوخة هادئة، ها هو وليد جنبلاط يعود إلى الواجهة. حدسه المشهود له يخبره بأن العاصفة اليوم ستكون أشد من أي وقت مضى، وأن رؤيته لحماية طائفته سوف تتعرض لأخطر تهديد. أما خصومه، في إسرائيل ولبنان وسوريا، فهم يتوزعون بين الخبث والغباء، وإذا كان الخبثاء بارعين في التخطيط، فإن الأغبياء بارعون أيضًا في التنفيذ. فماذا سيفعل جنبلاط، وماذا سيفعل حليفه المستجد في “قصر الشعب”؟.
الترا سوريا
—————————
كاتب إسرائيلي: محظور علينا الخروج إلى مغامرة في سوريا
تحديث 09 أذار 2025
لندن- “القدس العربي”: يحذر الكاتب الإسرائيلي إيال زيسر، في مقال نشرته صحيفة “إسرائيل اليوم”، من مخاطر تورّط إسرائيل في مغامرة عسكرية في سوريا، معتبراً أن حكومة نتنياهو ارتكبت خلال الأشهر الثلاثة الماضية “كل خطأ ممكن” في تعاملها مع الوضع السوري الجديد بعد سقوط نظام بشار الأسد.
يبدأ زيسر مقاله بتشخيص الوضع الإقليمي، حيث يرى أن إسرائيل تواجه تحديات على عدة جبهات: في غزة حيث “رمّمت حماس قوتها وعادت لتحكم بيد عليا القطاع وسكانه” تحت ظل وقف إطلاق النار، وفي لبنان حيث استعاد “حزب الله” قدراته رغم “التواجد الرمزي” للجيش الإسرائيلي على طول الحدود.
ويتساءل الكاتب باستغراب عن توجيه “طاقة دولة إسرائيل” نحو مغامرة في سوريا يصفها بأنها “سخيفة وعديمة المنطق السياسي والعسكري” ستلحق الضرر بإسرائيل في المستقبل، بدلاً من التركيز على تصفية “حماس” أو هزيمة “حزب الله”.
التحول السياسي في سوريا
يشير الكاتب إلى التغيير الكبير الذي حصل في سوريا مطلع ديسمبر 2024 حين انهار نظام بشار الأسد، الذي وصفه بـ”شيطاننا المعروف والمحبب” لأنه “حرص على الحفاظ على الهدوء على طول الحدود، لكنه سمح لإيران أن تتموضع في بلاده وساعدها على أن تجعل “حزب الله” تهديداً هاماً لإسرائيل”.
ويوضح أن من حل محل الأسد هو أحمد الشرع، المعروف سابقاً بـ”أبي محمد الجولاني”، زعيم “جبهة تحرير الشام”، التنظيم ذي الجذور المرتبطة بالقاعدة وداعش. ويلفت إلى أن الشرع “لا يمر يوم دون أن يبعث لنا برسائل تهدئة، بل وحتى مصالحة”، وأن متحدثين باسمه “تنبأوا بإمكانية إقامة سلام” مع إسرائيل.
كيف تعاملت إسرائيل مع الوضع الجديد؟
يعدد زيسر ما يراها أخطاء ارتكبتها إسرائيل في سوريا: احتلال أراضٍ داخل سوريا “دون أي حاجة أمنية، بل بمجرد أنه ممكن ولأن صورة الأمر تبدو جميلة”. إعلان “فارغ من المضمون” عن إقامة منطقة مجردة من السلاح جنوبي دمشق، وهو أمر “غير عملي”. والإعلان عن التدخل لنجدة الدروز “الذين لا يريدون نجدتنا على الإطلاق”.
ويشرح أن “الدروز في سوريا مثل إخوانهم في لبنان وفي إسرائيل، يرون أنفسهم جزءاً لا يتجزأ من الدولة التي يعيشون فيها”، وأنهم “لا يريدون أن يوصم مستقبلهم بوصمة التعاون مع إسرائيل”.
يحذر الكاتب من أن إسرائيل “بأيدينا أنفسنا نحن ندفع سوريا إلى أذرع تركيا، ومن لا يريد الشرع سيتلقى أردوغان”.
ويرى أن هذه السياسات أدت إلى تشويه صورة إسرائيل في نظر “كثيرين من السوريين” الذين اعتبروها “حتى كعنصر إيجابي وعاطف، وبالتأكيد في ضوء الضربات التي أوقعتها على حزب الله”.
أما الآن، فقد عاد “الجميع لأن يروا فيها، في سوريا، وفي أوساط أصدقائنا في الخليج، أزعر كلّ رغبته استعراض القوة، التوسع والاستيلاء على أراض ليست له”.
ويختتم زيسر مقاله بالقول: “عن إسرائيل ندافع من أراضي إسرائيل. لو كنا فعلنا هذا في 7 أكتوبر، ما كانت لتقع الكارثة.” ويضيف: “عن إسرائيل ندافع بتشخيص القدرات العسكرية للعدو وإبادتها. لو كنا فعلنا هذا قبل الأوان في لبنان، لوفّرنا على أنفسنا مشاكل كثيرة.” و”عن إسرائيل لا ندافع بتصريحات عليلة وبخطوات علاقات عامة – لا تخدم أمننا القومي بل فقط تمس به.”
———————-
=======================