منوعات

نقابة الفنانين السوريين: صراعات ما بعد تعيين النقيب/ نضال قوشحة

10 مارس 2025

أعاد تعيين الممثل مازن الناطور نقيباً للفنانين السوريين قبل أيام، فتح أحد أكثر الملفات إثارة للجدل في الوسط الفني السوري: من يجب أن يدير النقابة؟ ما هي صلاحياتها؟ ما هي علاقتها بالسلطة الحاكمة، بعد عقود من سيطرة حزب البعث عليها وعلى قيادتها؟

وكانت قد تعالت أصوات الفنانين السوريين مراراً في السنوات الأخيرة، مطالبةً بانتخابات حرة لنقابة الفنانين، تعكس إرادتهم الحقيقية، وتوفر لهم الحماية المهنية وظروف عمل عادلة. وارتفعت حدة هذه المطالبات بعد سقوط نظام بشار الأسد في الثامن من ديسمبر/ كانون الأول الماضي، وحلّ حزب البعث العربي الاشتراكي، الذي كان يهيمن فعلياً على جميع النقابات المهنية في البلاد.

نشأة نقابة الفنانين وسيطرة البعث

تأسست نقابة الفنانين في سورية في أوائل ستينيات القرن العشرين بمبادرة من عدد من رواد الفن السوري، من بينهم رفيق سبيعي، وعمر حجو، ودريد لحام. في بداياتها، جرت انتخابات مجالسها بشكل حر، لكن مع تصاعد نفوذ حزب البعث في الثمانينيات، تغيرت قواعد اللعبة النقابية، خاصة بعد الصدام الذي وقع بين حافظ الأسد ونقابتي المحامين والمهندسين، ما أدى إلى إحكام الحزب قبضته على النقابات المهنية.

الفنان الراحل رفيق سبيعي روى في حديث صحافي قديم كيف جرى التلاعب بانتخابات النقابة عام 1984: “رشّحت نفسي، لكن في الليلة التي سبقت الانتخابات، استُدعيت إلى مقر القيادة القطرية لحزب البعث، حيث طُلب مني الانسحاب لمصلحة المرشح الحزبي سهيل كنعان، وإلا فإن النقابة ستُحرم من أي مكتسبات مستقبلاً”. وأضاف: “رفضت الانسحاب، وفزت بالانتخابات، لكن القيادة أصدرت برقية تفيد بأن أعضاء فرقة فنية سورية كانوا في الجزائر (40 شخصاً) قد صوّتوا لصالح كنعان، وهو أمر مخالف لقانون النقابة، لكنه أُقر ليصبح كنعان نقيباً للفنانين”.

هذه السيطرة تعززت لاحقاً، كما أوضح زهير رمضان، النقيب الأسبق، حين قال في بدايات الثورة السورية إنه سيعمل على “محاسبة وفصل كل الفنانين الذين أيدوا الاحتجاجات”، وهو ما حصل بالفعل.

منذ تأسيسها، كان وضع النقابة ملتبساً من ناحية التبعية الإدارية. فعلى الرغم من صدور قانون رسمي يربطها بوزارة الثقافة، كان مكتب النقابات في القيادة القطرية لحزب البعث يتابع شؤونها ويشرف على انتخاباتها. الانتخابات نفسها كانت تُجرى في مقر حزب البعث بدمشق، بحضور رئيس مكتب الإعلام والثقافة في القيادة القطرية، وهو الأمر الذي استمر حتى تشكيل آخر مجالسها.

التعيين أم الانتخاب؟

لم يكن تشكيل مجلس جديد للنقابة بعد سقوط النظام السوري أمراً بسيطاً، إذ انقسم الفنانون حول المسألة بين مطالبين بانتخابات حرة وآخرين مؤيدين لفكرة تعيين مجلس انتقالي. وأدى هذا الجدل إلى ظهور عدة تيارات داخل المشهد الفني السوري، حاول كل منها استقطاب المزيد من المؤيدين لكسب المعركة الانتخابية المحتملة، لكن السلطات الجديدة حسمت الجدل عبر تعيين مجلس مؤقت لإدارة النقابة، وهو ما أثار موجة اعتراضات جديدة.

الفنان السوري مهند قطيش الذي اعتقله النظام السوري لسنوات بتهم ملفقة، عبّر عن رفضه لقرار التعيين على مواقع التواصل الاجتماعي، قائلاً: “كنتُ أتمنى أن يكون سلوكُكم شفافاً كما كانت أفكارُكم قبل التحرير. ستقولون: مجلسٌ مؤقت، كما قالوا قبلكم: حكمٌ مؤقت، والنتيجةُ واضحة للجميع… زملائي، أطلبُ منكم أن تُقدِّموا استقالتَكم وتُعلنوا عن انتخاباتٍ تجمعُ كلَّ الفنانين. فإن كنا اليومَ نُصنَّف بين معارضٍ أو موالٍ، فإننا تحت سقفِ النقابةِ جميعاً فنانين!”.

من جهتها، كتبت الفنانة المسرحية نورا مراد موقفاً مشابهاً: “تحرك أعضاء النقابة باتجاه تنظيم عدة مبادرات، حيث انتخبوا لائحة بأسماء ممثليهم، وعقدوا لقاءات تمت تغطيتها في الصحافة، والتقوا بالمكتب السياسي، وكل ذلك تلبية لنداء الحكومة بالتشارك وبناء الثقة. وقرار التعيين، برأيي، هو رد صريح وواضح على تلك المبادرات”.

وجهة نظر مؤيدي التعيين

في المقابل، دافع النقيب الجديد مازن الناطور، المعروف بمواقفه المعارضة للنظام السابق، عن قرار التعيين، موضحاً أن “تشكيل المجلس الجديد لنقابة الفنانين جاء كحل إسعافي وضروري لضمان استمرار عمل النقابة وعدم تعطيل شؤون أعضائها، خاصة في ما يتعلق بمعالجة الملفات العاجلة، مثل الرواتب المتأخرة للفنانين الفاعلين والمتقاعدين، إضافة إلى قضايا خدمية وإدارية أخرى”، وفق ما كتب.

أما الفنانة أمل حويجة التي أصبحت جزءاً من المجلس التنفيذي للنقابة، فقد أكدت موقفاً مشابهاً قائلة: “أدعم بكل قوة الانتخابات، وأكثر ما أكره هو التعيينات، لكنني قبلت بهذا الدور المؤقت لأن الهدف هو تقديم تصور جديد لمفهوم العدالة والحقوق ولدور النقابة في حماية الفنانين العاملين في التلفزيون وشركات الإنتاج، والإذاعة واستديوهات الدوبلاج، والمسارح. أعد الجميع أنني سأنسحب من هذا الدور فوراً إذا وجدت أن العمل لا يسير باتجاه بناء نقابة حرة تقوم على الانتخابات وعلى وجود أشخاص أَكْفاءٍ في إدارتها”.

وما بين تأييد التعيين والمطالبة بانتخابات حرة، تبقى نقابة الفنانين في سورية أمام مفترق طرق، حيث يتحدد مستقبلها بناءً على مدى قدرة الفنانين السوريين على فرض استقلالية نقابتهم عن أي وصاية سياسية أو حزبية. فهل ستتمكن النقابة من استعادة دورها الحقيقي بصفتها مدافعاً عن حقوق الفنانين، أم أنها ستبقى رهينة السلطة السياسية؟

العربي الحديد

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى