الأحداث التي جرت في الساحل السوريسقوط بشار الأسد، الرئيس الفار والمخلوعسياسة

عن الأحداث التي جرت في الساحل السوري أسبابها، تداعياتها ومقالات وتحليلات تناولت الحدث تحديث 11 أذار 2025

تحديث 11 أذار 2025

—————————

سورية: في الحاجة إلى تصحيح المسار/ برهان غليون

11 مارس 2025

عاشت منطقة الساحل السوري في اليومين الأخيرين أحداثا مأساويةً، راح ضحيتها مئات المواطنين من العسكريين والمدنيين، وانتشرت فيها كثير من عمليات النهب والسلب والاعتداء على المواطنين الآمنين. وأول ما تذهب إليهم قلوبنا وأفكارنا الأبرياء من المدنيين الذين قضوا اليوم، كما قضى إخوانهم بالأمس، ضحية حروبٍ ليس لسورية والسوريين من كل الفئات أي مصلحة فيها.

والواقع، ليس هناك وسيلة أفضل لتقويض شرعية الحكم الجديد وقطع الطريق على أي تحوّل سياسي، يفضي إلى تثبيت منطق الدولة وإطلاق عجلة البناء والتنمية التي يحلُم بها جميع السوريين، من إعادة البلاد إلى دائرة الحرب الطائفية. هذه كانت سنة النظام البائد. في المقابل، كان رفضها والتحرّر منها، أي التحرّر من منطق الثأر والانتقام والقتل على الهوية، مصدر الشرعية الرئيسي للثورة السورية المجيدة ونبراسها. والقضاء على هذا الأمل في تحرّر المجتمع من كوابيس الماضي البغيض وأشباحه هو ما هدف إليه مخطّطو التمرّد العسكري الذي شهدته منطقة الساحل ومدنها في الأيام الثلاثة الماضية من أحداث مأساوية بكل المعاني، شكّلت نكسة خطيرةً على طريق التعافي وخروج سورية من دائرة العنف والانقسامات والنزاعات الداخلية إلى الحياة السلمية والبحث في إعادة بناء أسس الدولة الجديدة الديمقراطية التي تساوي بين جميع مواطنيها، وتؤلف بينهم على قاعدة المساواة والعدالة والحرية التي ألهمت كفاحهم الطويل والعنيد ضد الاستبداد المديد، والتي لا تعني شيئاً إن لم تكن حرّية جميع السوريين وكرامتهم بالتساوي.

تقع المسؤولية، بالدرجة الأولى، في تفجير دورة العنف الدموي الجديدة هذه على فلول النظام البائد، ومن ورائهم القيادة السياسية في طهران، وما تبقى من فلول أحزابها ومليشياتها المهزومة في العراق ولبنان، فهم الذين نظّموا وسلّحوا وخطّطوا لهذا التمرّد العسكري الذي كان الهدف منه جرّ سكان المنطقة إلى صراع طائفي في أكثر المناطق حساسية، وقطع الطريق أمام السلطات السورية الجديدة لبسط الأمن وإعادة توحيد البلاد وإرساء أسس الانتقال السياسي. وكان توريط المدنيين في هذا الصراع جزءاً من هذا المشروع الذي لم تُخف تأييدَها له قوى النظام السابق وحلفاؤها الرئيسيون.

وتقع المسؤولية، في الدرجة الثانية، على الإدارة الأميركية التي حرصت منذ انهيار النظام القديم على التمسّك بالعقوبات الاقتصادية التي فرضتها من قبل على حكومة الأسد، للضغط على النظام الجديد وإجباره على العمل حسب أجندتها الشرق أوسطية، في وقتٍ تعاني فيه سورية من اختناقٍ اقتصادي يحرم الحكومة من القدرة على دفع رواتب موظفيها، ويضع الشعب أمام ضائقة معيشية مستحيلة الحل، يهدّد استقرار شعبها النفسي والحيوي.

ولكن مسؤولية السلطة السورية الجديدة تظلّ الأساسية في ما يتعلق بالطريقة التي واجهت فيها هذا التمرّد الذي لا أعتقد أنه سوف يقف عند هذه الحلقة، فسوف يستمر. ولن تستسلم القوى التي خسرت مصالحها مع تغيير النظام السياسي، الداخلية منها والخارجية، وتسلّم بالأمر الواقع. وعلى النظام الجديد، الذي بدا متفائلاً جدّاً في قدرته على كسب المعركة الكبرى لإخراج البلاد من دوامة الحرب الإقليمية والدولية، والحد من مخاطر انفجار الأوضاع الأمنية الداخلية، أن يعيد النظر في عديد من خططه، وإصلاح مكامن الضعف التي أظهرتها الأشهر الثلاثة الماضية من عمره، على جميع المستويات، وبشكلٍ خاص في ما حصل في المواجهة الدموية أخيراً في الساحل التي تحوّلت إلى مأساةٍ راح ضحيتها مئات الضحايا من المدنيين، اعترف رئيس الدولة بمسؤولية بعض الفصائل التي ساهمت فيها عن جزءٍ منها.

بالإضافة إلى ما يشير إليه هذا الاعتراف من واجب الاعتذار عما حدث، وطلب الصفح من أهالي الضحايا وتعويض ذويهم، وهم مواطنون من مذاهب مختلفة، عما أصابهم، فهو يشكل فرصة لإعادة النظر في الخيارات التي قادت مسيرة الحكومة المؤقتة على طريق الانتقال السياسي، والتي اظهرت علائم ضعفٍ عديدة، سواء ما تعلق منها بإدارة الملفّ السياسي أو الملفّ العسكري أو بناء الدولة ومؤسّساتها أو الملف الإعلامي والتفاعل بين الحكومة والشعب، أو ملف المؤتمر الوطني الذي أصبح اكثر إلحاحا اليوم بعد اختتام أعمال مؤتمر الحوار الوطني مما كان عليه من قبل.

وفي اعتقادي، تشكّل هذه المراجعة حلقةً لا غنى عنها لإعادة إطلاق مسيرة الانتقال السياسي على أسس صحيحة وثابتة، وقطع الطريق على المفاجآت والعنعنات والصيد في الماء العكر لأصحاب النيّات السيئة في الداخل والخارج. وهي الوسيلة الوحيدة لتعويض الخسائر الإنسانية والمعنوية التي تسبّبت فيها المواجهات، حتى لا تذهب دماء الضحايا من أبنائنا سدى، مثل ما هي ضرورة لتقريب الحكومة من الشعب، وإعادة الثقة بين السلطة القائمة، وقطاعات واسعة من أصحاب الرأي السوريين، وبشكل خاص من العرب والأجانب الحريصين على إنجاح تجربة الانتقال السياسي، وتجنيب سورية خطر السقوط من جديد في دوّامة العنف والاقتتال والانقسام. وأبرز ما ينبغي على السلطة أن تعالجه بهذه المناسبة هو:

أولا، إعادة النظر في طريقة تفاعلها وتواصلها مع الجمهور، وعدم ترك الرأي العام السوري، والدولي أيضاً، ضحية لإشاعات وأخبارٍ مبتسرةٍ ودعاياتٍ مغرضةٍ تبثّها وسائل التواصل الاجتماعي المخترقة من أجهزة استخباراتية لدول وحكومات معادية عديدة. وهذا يستدعي إعادة تشغيل الأجهزة الإعلامية، وتشكيل كادر إعلامي احترافي على مستوى المسؤولية الملقاة على عاتقه، في مرحلةٍ استثنائيةٍ وخطيرة من التحوّل الداخلي السوري، في إطار أوضاع إقليمية ودولية متوتّرة وانفجارية، فلا يمكن ترك ساحة الإعلام والتواصل الحيوية هذه لمؤثّري وسائل التواصل الاجتماعي الذين يستقون أخبارهم المجتزأة من وسائل إعلام أجنبية، أو من رواياتٍ لا مصداقية لها لهؤلاء وأولئك. لا يترك غياب هذه الوسائل التواصلية المباشرة بين الحكومة والجمهور المجال سائبا لاستغلال أصحاب النيات السيئة فحسب، ولكنه يُضعف أيضا صدقية الحكومة والدولة الجديدة نفسها.

ثانياً، تشكيل لجنة تحقيق مستقلة فورية لتقديم صورة حقيقية عما حدث في الأيام الماضية في الساحل، وتقديم تقريرها للحكومة وللرأي العام. وبهذا تظهر السلطة الجديدة قدرتها على تحمّل مسؤوليتها، والكشف عن الأخطاء ومعالجة التجاوزات وتأكيد سلطة القانون وإصلاح الأخطاء وتحقيق العدالة للضحايا. هذه خطوة أساسية لتعزيز بناء الدولة وتأكيد سلطة القانون الذي هو جوهرها.

ثالثاً، وفي سبيل إعادة الثقة العامة وإطلاق مسيرة الانتقال السياسي الذي لم يكن للتمرّد العسكري غرضٌ آخر سوى تعطيله وزجّ البلاد في حربٍ أهلية، ووضعها في نفقٍ مسدود، لا أعتقد أن من الممكن تجنّب العمل لتنظيم وإطلاق حوار وطني موسّع برعاية لجنة مدنية لا رسمية، تعمل عليه وتُحييه نخبة مستقلة من شخصيات اجتماعية معروفة بمواقفها الحرّة وسمعتها الاجتماعية والتزامها السياسي والأخلاقي وولائها الوطني. لا ينبغي أن يكون هدف هذه اللجنة إنتاج أوراق أو وثائق، وإنما السعي إلى كسر الحواجز التي تحول دون تفاهم السوريين، وفتح الحوار المقفل بين أبناء مجتمع لم يُحرَم عقوداً طويلة من التعرّف إلى نفسه والتعبير عن مشاعره والنقاش في ما يؤرّقه من مشكلاتٍ فحسب، وإنما جرى تفخيخه بكل الوسائل، وتحويله إلى حقل ألغام قابلٍ، في أي لحظة، للاشتعال والتفجير. هذا هو السبيل الوحيد لنزع الألغام وإعادة بناء الثقة والتواصل الطبيعي والسليم بين الجميع، وتقريب وجهات النظر والبحث عن الحلول الوسط للمسائل الخلافية، ومن ثم لتعزيز الوحدة الوطنية وإحياء إرادة العيش المشترك.

رابعاً، وفي السياق ذاته، لا ينبغي الإبطاء أكثر في تشكيل هيئة العدالة والمصالحة الوطنية، ومحكمة جرائم الحرب، لمعالجة ذيول الحقبة الثورية المأساوية الماضية، وإجراء التحقيقات والبتّ بجميع الجرائم التي ارتُكبت بحقّ المدنيين، وإنزال العقوبة بالمذنبين، والتعويض المعنوي والمادي للضحايا. وفي هذا السياق، ينبغي سنّ قوانين لمكافحة جميع مظاهر الكراهية وأي دعوة إلى الثأر أو الانتقام، طائفية أو عنصرية، ومعاقبة الداعين إليها ومرتكبيها أفراداً أو جماعات.

خامساً، الإسراع في تشكيل حكومة انتقالية فعّالة من الخبراء، جامعة وتعدّدية، تعكس وحدة سورية بالفعل، وتردّ على اليأس المتفاقم من تحسّن الأوضاع المعيشية وقرب الخروج من الحصار. ويمثل تشكيل هذه الحكومة الامتحان الأكبر للسلطات الجديدة أمام الرأي العام، السوري والدولي. وهي الوحيدة التي تستطيع أن تبدّد، كما نأمل، المخاوف والشكوك التي أبدتها بعض القوى المحلية والدولية، وأن تفتح الباب أمام رفع العقوبات الاقتصادية التي تقيّد الدولة والمجتمع، لإطلاق عجلة الحياة الاقتصادية الواقفة.

سادساً وأخيراً، لا بد من إعادة النظر في منهج بناء القوات المسلحة التي أظهرت الأحداث أخيراً أنها لا تزال في بداياتها، وأن الفصائل لا تزال القوة الرئيسية التي يمكن الاعتماد عليها. وقد أثبتت الوقائع أن السلطة المركزية لن تستطيع أن تحقق هذه المعجزة، أعني تفكيك الفصائل ودمجها في إطار عسكري نظامي ومؤسّسي، من دون التقدّم في الإصلاحات السياسية والقانونية والاجتماعية السابق ذكرها، والتي تعزّز فكرة الدولة واستقلال مؤسّساتها وتفاعلها، والجيش في مقدّمها. ولعل استعادة آلاف الضباط المنشقّين والمسرحين الوطنيين وإدماجهم في هذه العملية إشارة إيجابية قوية على إرادة الخروج من روح الفصائلية، والرغبة في غرس منطق المؤسّسة الوطنية الجامعة في صفوف الجيش الجديد.

التقدم في تحقيق هذه المهام والإصلاحات بشكل مواز هو الذي يساعد على تذليل الصعوبات التي لا تزال تعيق التقدّم على المسارات جميعا، السياسية والعسكرية والاقتصادية والخاصة بالعلاقات الدولية أيضا، بالرغم من الشعبية الكبيرة التي يحظى بها الوضع الجديد، والتضحيات الكبيرة التي يظهر الشعب استعدادَه لتقديمها من أجل إنجاح تجربة الانتقال السياسي، وتثبيت الوضع الجديد، وإحباط أي محاولة للعودة إلى الوراء أو لزعزعة الاستقرار. وليس هناك سوى رؤية هذا التقدّم، ولو بخطى بطيئة، ما يساهم في تخفيض حدّة التوتر السياسي والاجتماعي والأيديولوجي المتزايد، وتعزيز الثقة في المستقبل وفي بسط الأمن والسلام في ربوع سورية من دون تمييز، وطمأنة السوريين، على مختلف مذاهبهم وطبقاتهم وقومياتهم، على حقوقهم المتساوية، ومن ثم في قطع دابر النزعات الانقلابية والانفصالية والانقسامية، وتعبيد الطريق نحو سورية الجديدة التي يتطلّع لمعانقتها ملايين السوريين في الداخل والخارج.

العربي الجديد

——————————

انتبهوا وتعلّموا من بانياس/ عمر قدور

الثلاثاء 2025/03/11

كان يوم الجمعة الأسود أشدّ وطأة بحصيلته الدامية على مدينة بانياس من بين العديد من المجازر التي شهدها الساحل السوري، وذهب ضحيتها مدنيون من منبت علَوي. ومن المعلوم أن أحداث الأسبوع الماضي بدأت بتمرد لشبيحة العهد البائد، وبأعمال عنف أودت أولاً بعناصر من قوات الأمن المنتشرة في الساحل، ثم أتت تعزيزات عسكرية لقمع التمرد، وقامت فصائل لم تُحدَّد هويتها بعدُ باستباحة أحياء وقرى بأكملها يقطنها العلويون، ونال حي القصور في مدينة بانياس نصيباً كبيراً من استباحة الأرواح والممتلكات.

يوم السبت كتب سمير على حسابه في فيسبوك: أهلنا السُنّة في بانياس خاطَروا بحياتهم لإنقاذ عشرات العائلات من سكان حي القصور العلويين، واستضافوهم في منازلهم، وتمّ إنقاذي في الدقائق الأخيرة. عصام، من حي القصور أيضاً، كتب كلاماً مشابهاً عن السنّة الذين استقبلوه في بيوتهم. إلا أن العشرات من المدنيين في الحي لم يواتِهم الحظ نفسه فقُتلوا، وكان سمير قبل إنقاذه قد كتب على حسابه عن مقتل اثنين من أشقائه المدنيين وابن لواحد منهما.

في الثالث من أيار المقبل يصادف مرور اثني عشر عاماً على ارتكاب شبيحة الأسد مجزرة بانياس والبيضا الثانية، بعد سنتين تماماً من ارتكابهم المجازر الأولى التي انتشرت تسجيلات لها، وكانت من أوائل الفيديوهات التي تُثبت قيام الأسد بجرائم جماعية. يومها كتبنا في جريدة المستقبل مقالاً بعنوان: عودة القتلة إلى مكان جريمتهم الأولى. وعدنا فيه إلى حادثة اعتقال شباب بانياس من السُنّة، واحتجازهم والتنكيل بهم في الملعب البلدي. وجاء في السياق: “معارضان ينحدران من القسم المؤيد في المدينة أتيح لهما رؤية ما يجري بعد اعتقالهما لبضع ساعات، وضمهما إلى بقية المعتقلين، عرفهم الباقون من صوتيهما لأن العيون كانت معصوبة، فكانت فرحة وجودهما، الفرحة المريرة بالطبع، بلسماً للجرح الطائفي البغيض”.

تشاء السخرية المُرّة للقدر في يوم الجمعة الفائت الأسود أن يُقتل شقيقان لواحد من هذين المعارضَيْن، فضلاً عن آخرين من عائلتيهما؛ كلهم من المدنيين العزّل. آلة القتل الطائفية العمياء لم تكن لتميّز هذه المرة بين معارض وشبيح، كما هو حال آلة القتل الطائفية العمياء سابقاً. هذا مثَلٌ يعبّر عن العماء الطائفي، لكنه لا يختزل الاستباحة التامة، استباحة الأرواح والممتلكات التي ارتُكِبت في الأمس واليوم، من دون الدخول في مقارنات عددية بين الماضي والحاضر.

الصورة قاتمة جداً؟ نعم، بالتأكيد.

الواقع يدعو إلى اليأس؟ نعم، مع الأسف. لكن تعالوا ننتبه قليلاً إلى بانياس، ونتعلمْ منها.

تسببت مجازر بانياس والبيضا عام 2013 بنزوح عدد كبير من الأهالي، وحسب التقديرات أيامها كانت المجازر الأسبق قبل سنتين قد تسبب بتهجير حوالى ثلثي السكان “السُنّة” من مدينة بانياس والبيضا وسهم البحر والمرقب وغيرهم. ومن المتوقع أن العودة الأكبر للأهالي المهجّرين حدثت بعد سقوط الأسد، وقسم من هؤلاء ربما شارك في إنقاذ العلويين الذين استُهدفوا بالقتل في الأيام الأخيرة.

خلال ثلاثة شهور، بعد سقوط الأسد، لم تحدث عملية انتقام واحدة في بانياس. مهلاً، يُرجى عدم التسرّع في القراءة، والانتباه جيداً إلى مغزى القول. في مدينة صغيرة، وفي مجتمع مكشوف، حيث لا يصعب إطلاقاً على ضحية الأمس معرفة الشبيح من أبناء المدينة ذاتها؛ لم تحدث عملية ثأر واحدة.

نحن إزاء احتمالين، إما أن الأهالي (السُنّة) غلّبوا طوعاً وتلقائياً عوامل العيش المشترك على عوامل التفرقة والثأر، أو أن المتضررين منهم (وهم كثر) كظموا غيظهم، وانتظروا أن تأخذ العدالة الموعودة مسارها. ما نجزم به هو أن الأهالي لم يشاركوا في عمليات الثأر الطائفي التي حدثت في حي القصور، وأن أصحاب الثأر المزعوم أتوا من خارج منطقة الساحل، وعماؤهم الطائفي ينطوي على جهل مركّب (في أحسن الظنون)، لأنهم لم يستهدفوا الحي الذي يُعرف بأنهم كان يأوي العدد الأكبر من الشبيحة، وهو ليس حي القصور المنكوب، لكن الأخير ربما أكثر إغراء لجهة استباحة الممتلكات بعد الأرواح.

بانياس ليست استثناء، فمدينة جبلة المجاورة لم تشهد أيضاً أعمال عنف طائفية بعد سقوط الأسد. ميزة بانياس في رمزيتها السورية العامة، جراء المجازر التي أشرنا إليها. على العموم لم نشهد خلال ثلاثة شهور أعمال عنف طائفية بين أهالي كل مدينة أو منطقة على حدة، والعنف أو الانتهاكات أتت دائماً من خارج البيئة الأهلية المباشرة. بانياس نفسها شهدت تجاوزات فقط عندما طاردت السلطة مطلوباً، وقامت القوات التي طاردته بمصادرة أجهزة محمول من بعض السكان، وتم قطع الماء عن حي القصور، وهذا نمط من التجاوزات تكرر بكثرة في الأيام الأخيرة.

في تفسيرنا لعدم حدوث أعمال ثأر، نميل إلى الاعتقاد بأنه كلما كان الخصم أبعد كلما كان قتله أسهل على قاتله. نحن تلقائياً نستنكر أعمال العنف كلما صدرت عن الأقربين، ومن الشائع استنكار أعمال الذبح مثلاً أكثر من القتل بالرصاص، لا لأنها تؤلم القتيل بل لأن قرب القاتل من القتيل لم يردعه عن القتل. هكذا أمكن لدارسي العنف في الحروب فهم تلك اللامبالاة التي يتعاطى بها الطيارون مثلاً وهم يلقون بصواريخهم على مناطق سكنية، أو أولئك الذي يجلسون في قاعدة للصواريخ ويتسامرون ويتضاحكون وهم يضغطون على الأزرار التي تذهب بصواريخهم لتدمّر مدناً بأكملها.

يصحّ في حالتنا، قياساً على ما سبق، الاعتقاد بأن المباعدة الاجتماعية-الثقافية تسهّل القتل. فالقاتل الذي يحمل في رأسه صورة نمطية عن خصمه، من دون أن يعرفه عن كثب، هو أكثر جهوزية لقتله. الجهل كله مباعدة، والجهل بالخصم هو بمثابة مباعدة بين القاتل والقتيل، على غرار المباعدة التي أحدثتها الأسلحة الحديثة بينهما وجعلت من القتل أخفّ وطأة على بعض النفوس. وعندما نتحدث عن الجهل نؤكد على عدم تبريره، فلا ننسى أن الجهل المتسبب بمجازر طائفية يستند إلى خطابات طائفية معممة، وإلى أنساق ثقافية رثّة تبرر هذا النوع من الجهل بذرائع مختلفة، ومنها ما كان يصلح أصلاً قبل زمن الانترنت ووسائل التواصل، فاليوم لا عذر مثلاً للجاهل المستعدّ لترويج الأكاذيب على السوشيال ميديا، من دون أن يكلف نفسه البحث عن المعلومة الحقيقة من مصادر موثوقة على محركات البحث.

في كل الأحوال، نحن إزاء واقع دون وطني ودون دولتي، وحتى تتعزز قيم المواطنة والوطنية والدولة سيبقى من الواقعية الاعتماد على ما هو إيجابي ومفيد حالياً من أجل السلم الأهلي. نعني تحديداً ما يتعلق بأمرين، المصالحة بين السوريين انطلاقاً من الأماكن المعنية بالتماس الطائفي أو الإثني، ومساهمة الأهالي في ضبط الأمن بمناطقهم لأنهم أدرى بشعابها من سوريين على غير دراية بالحساسيات المحلية. وسيكون من المكابرة الجوفاء تجاهل هذا الواقع بذريعة تغليب ما هو وطني، لأن بلداً يحاول النهوض من تحت الصفر لا يستقيم الزعم فيه بوجود وطنية ناجزة.

رغم كل ما حدث مؤخراً، وهو ليس بقليل، يمكن القول أن المصالحة الوطنية السورية غير مستحيلة، ولا تبدأ مما دون الصفر، فيما لو انتبه جيداً المعنيون بها إلى الدرس الذي قدّمته بانياس مرتين وتعلّموا منه؛ مرة عندما لم تحدث أعمال ثأر طائفي بين الأهالي، ومرة ثانية عندما بادر السُنة إلى إنقاذ واحتضان العلويين. لقد كان جزءٌ لا يُستهان به من المشكلة مع العهد البائد أنه استثمر في الاختلافات المجتمعية، ونجح في اصطناع العداوات، والمرجوّ اليوم ألا تستعاد تلك السياسة فلا يُفسَد نموذج بانياس وغيرها، بل يُبنى عليه، وانطلاقاً من كل منطقة على حدة صوناً للسلم المجتمعي، على الأقل حتى يتم الانتهاء من ملف العدالة الانتقالية.

على امتداد المناطق المختلطة، من بانياس والحولة ومصياف والقدموس وصولاً إلى الجزيرة، هناك بنات وأبناء للمدن والبلدات قادرون على فعل الكثير من أجل السلم الأهلي، ونعلم أن الموجودين منهم في الساحل لم يقصّروا قبل الأحداث الأخيرة، ومن خلال مبادرات مستقلة لم تلقَ اهتماماً من السلطة. اليوم، إذا كانت الأخيرة راغبة في تجاوز ما حدث، فهي بالتأكيد ستجد شركاء غيورين على سلمهم وسلم أهاليهم، ما يتطلب منها التخلّي عن منطق الوصاية والتفرّد بالقرار، لأن المصالحة والسلم تحديداً لن يأتيا من فوق.

الآن، ونحن نقترب من ذكرى مجزرتَيْ بانياس في 2011 و2013، (راجع النص هنا في موقع “صفحات سورية”) يجدر التفكير بتكريم ضحاياهما. جزء من تكريم ضحايا الأمس أن يُكرَّم الضحايا المدنيون الذين قُتلوا في الأيام الأخيرة، فلا تكون ثمة مفاضلة بين دماء الضحايا.

المدن

———————————

إنذارات الخطر: الفاعلية المجتمعية وتفعيل القانون/ جمال الشوفي

2025.03.11

رغم انتصار الثورة وسقوط النظام لكن البلد ليست بخير بعد! فاستقرار الدولة وإعادة بناء مؤسساتها، خاصة العدلية والقضائية والإدارية وتثبيت الأمن والأمان والاستقرار المادي والمعنوي يعاني من تحديات كبرى. فإن كانت مشاريع الفتنة الخارجية ومحاولة تقويض الاستقرار العام عبر فلول النظام التي مازالت طليقة لليوم هي الأخطر والأكثر تهديداً وإعاقة في البناء والتقدم؛ لكن ما جرى بالساحل السوري يدق ناقوس الخطر المحدق. وذلك سواء من تحقيق العدالة الانتقالية ومحاكمة مجرمي الحرب، أو من خلال تثبيت مؤسسات الدولة خاصة الشرطية والأمن العام وحصر السلاح بيدها، أو من خلال الأوضاع الاقتصادية العامة التي تمر بها البلاد والتدهور العام فيها وانعكاساته السلبية على المجتمع بعامته.

وإذ تبدو هذه المخاطر تتباين بين مؤشرات التغذية الخارجية للفلول والطامعين بوهم عودة السلطة لملكيتهم الأبدية، وبين عدم الوضوح والاستقرار الداخلي بين أطياف المجتمع السوري على آليات الاستقرار والاعتدال، وهنا يبدو الخطر الأكثر تحدياً. فدول الخارج ستبقى تحاول زعزعة الاستقرار والتلاعب بالوضع الداخلي عبر أدواتها القديمة والجديدة بآن، سواء كانوا من الفلول أو من المستفيدين من زعزعة الاستقرار وعدم سواد القانون الذي سيعمل على محاسبتهم قضائياً أو من الطامعين من مكاسب خاصة ناتج الفوضى. مؤكدة قناعتنا بأن الوضع السوري الداخلي هو أساس الاستقرار واستبعاد الأيادي الخارجية من العبث فيه.

في هذا السياق، ثمة دلالات مهمة لاضطراب الداخل السوري يستلزم علاجها قبل تطورها بما لا يتحمد عقباه:

    ضبابية المشهد في مجريات الساحل السوري، وتعدد مصادر النقل وتضاربها.

    غياب الإعلام الرسمي عن المشهد السوري عامة ومنها مجريات الأيام الماضية.

    وسائل التواصل الاجتماعي تلعب أدواراً سلبية في التحريض والتحريض المضاد، ومثلها إيجابية بنقل بعض الحقائق التي لا تكفي لغرض التحقق والإثبات.

    التأخير في تشكيل هيئة قضائية للعدالة الانتقالية سمح لكثيرين من مرتكبي الجرائم العامة أو الإدارية من التمتع بحرية العمل والتحريض على زعزعة الاستقرار المطلوب والمفترض.

    رغم أن مؤتمر الحوار الوطني أقرّ بضرورة تشكيل حكومة انتقالية وتحديد صلاحياتها ومدتها الزمنية، لكن التأخير بها يلقي بأعبائه على الوضع الاقتصادي والأمني العام.

    ومثل ذلك التأخير بالإعلان الدستوري يحيل الدولة لفراغ تشريعي وقانوني يملؤه الاجتهاد الفردي والعرف العام، وهذا قد يصيب وقد يخطأ، وفي جميع الحالات ليس محط توافق عام.

    التأخير في تشكيل الضابطة العدلية وجهاز الشرطة والقضاء العام أتاح المجال الواسع لمزيد من الانتهاكات والتجاوزات سواء بحق المدنيين العزل أو عناصر الأمن العام، والتي كانت توصف بالفردية، وباتت اليوم توصف بالجماعية!

    رغم محاولات بث الطمأنينة العامة بعدم اللجوء للحالات الانتقامية المجتمعية، لكن لم تتم معالجة أسبابها سواء قانونياً، وتردي الحوار المجتمعي عن الوصول لنقاط إسناد فعلية في كيفية تجاوزها.

    الأمر ذو المؤشر الخطر هو بقاء ذوي السوابق من تجار السلاح والمخدرات والخطف والخطف المضاد من دون عقاب أو ملاحقة قانونية أو قضائية، والذين يسهمون بافتعال الفتن المتنقلة على كل الرقعة السورية. وكثير منها يحدث بين الجيران كالسويداء ودرعا والعشائر، وأحداث جرمانا الماضية، ولولا تعقل المجتمع المحلي لتفاقمت لما يشبه أحداث الساحل.

يمكن تعداد كثير من السلبيات العامة التي تجري على الساحة السورية، وكل منها يحتاج لملف خاص لعلاجه، ما يزيد من تعقيدات المشهد وتحدياته الجسام. وبالضرورة، وحسب مقتضيات الواقع وضعف بنى الدولة ومؤسساتها المحدثة، خاصة العدلية والقضائية، فإنه من الإجحاف القول بأن بإمكانها حل جميع المشكلات التي يعاني منها المجتمع بمفردها. ويتطلب تدخلاً ومشاركة فعلية من فعاليات المجتمع السوري الحية مع القائمين في هذه المؤسسات للعمل المشترك على جملة من الخطوط المتوازية، والتي أثبتت التجارب أنها كفيلة بجلب نتائج سريعة في حل كثير من المشكلات العامة. فحماية وأمن المدنيين السلميين أولوية أولى في القانون المدني والمجتمعي، وتحريم القتل والتحريض عليه هو قيمة عمومية وجدت بالأديان قبل الشرعة الدولية لحقوق الإنسان والقانون الوضعي، الأمر الذي يتطلب التعاون الفعلي بين مؤسسات الدولة الناشئة والفاعليات المجتمعية، ينتج عنه:

    التحقيق الشفاف والعلني في أي حادث يؤدي لإزهاق الأرواح أو التسبب بالضرر المادي أو المعنوي لهم.

    محاسبة المتورطين في جرائم ضد المدنيين العزل من كافة الجهات.

    التعاون في تقديم المطلوبين للقضاء والجهات القانونية الرسمية ومحاسبتهم.

    التعاون في نزع السلاح المنفلت والعشوائي وضمان حصره بيد مؤسسات الدولة. على أن تبدي مؤسسات الدولة حرصها الكامل والمطلق على حماية المجتمع والمدنيين من دون تمييز، والتي هي مهمتها التي وجدت لها بالأساس.

    تغليب وتوطين الحوار المجتمعي بين أطياف الشعب السوري مهمة وطنية واجتماعية ومدنية سورية، وذلك للتعبير الواضح عما يعانيه أفراده وجماعته من مشكلات واجبٌ على مؤسسات الحكومة الاستجابة لها وحلها.

    القانون وضعي بتطبيقه لكنه مستمد من القيم المجتمعية العامة، ما يحيل، خاصة في هذه المرحلة القلقة من عمر سوريا، لضرورة ترافق القيم المجتمعية مع الضابطة العدلية، سواء بتذليل عقبات الواقع المتشنج والتخفيف من آثاره

من نافل القول أن الأفكار المطروحة أعلاه نظرية، فهي وحسب المزاج السائد اليوم، لم تؤيد الحكومة المؤقتة في تعاملها الأمني مع أحداث الساحل، وبالمقابل لم تتضامن مع أبناء الساحل أيضاً وبشكل مطلق، في حين أنها تفترض آليات للتعامل مع هذا الواقع والوقائع. فجميعنا يمتلك تصوراً ورؤى عنها لكن تنفيذها بآليات عمومية ومقننة تحتاج لجهود وخبرات. وهنا يمكنني أن أستعير مقاربة بسيطة للحدث الذي تعرضت له أنا ومجموعة من الرفاق في أثناء عودتنا من تشييع جثمان أبو وطن قاسم الجاموس منشد الثورة وساحات سوريا عامة. فما طرح أعلاه بعامه يتلخص في ذات المشهد، وعواقبه السيئة المحتملة كامنة فيه، وأيضاً طرق الحل الإيجابية التي تستبعد العنف والتصعيد أيضاً. حيث إن:

عملية خطفنا تمت من قبل مجموعة شباب خُطف لهم أخ على يد خارجين عن القانون في السويداء. وظناً منهم أنهم يمكن أن يبادلونا به، أقدموا على هذا الفعل، ولم يدركوا خطأهم به. وأيضاً عدم تفعيل الضابطة العدلية وإمكانية تحرير المخطوف بقوة القانون وبقاء السلاح المنفلت والعشوائي وعدم محاسبة الخارجين عنه، خاصة وأن مرتكبي هذه الأفعال، سواء بدرعا أو السويداء، من أصحاب السوابق بالخطف وتجارة المخدرات وغيرها. كما وتأجيج نزعة الكراهية الطائفية عند أمثالهم كادت تؤدي لإشعال فتنة كبيرة. في حين أن قيم الكرامة والاحترام المتبادلة والمتوارثة بين الأهلين في السهل والجبل وتدخل الشرفاء وهم الغالبية، بجوار نواة الضابطة العدلية وقادة الشرطة، كان له الأثر الإيجابي بحل الأشكال، والذي لم يكن سهلاً كما توقع بعضهم. فقد مارس أبناء درعا الحوار طويل النفس مع الخاطفين مع التحذير من عواقبه لساعات. بالمقابل كان هناك استنفار عام بين جميع الفعاليات بالسويداء تتابع الموضوع وتمنع القيام بالخطف المضاد كما هو معتاد بأحداث سابقة أيام النظام.

القانون وضعي بتطبيقه لكنه مستمد من القيم المجتمعية العامة، ما يحيل، خاصة بهذه المرحلة القلقة بعمر سوريا، لضرورة ترافق القيم المجتمعية مع الضابطة العدلية، سواء بتذليل عقبات الواقع المتشنج والتخفيف من آثاره، وبتكريس دور الدولة ومؤسساتها مرة أخرى في الاستقرار وسواد الأمن والأمان.

ذاكرة الناس حية لا تموت، ترصد الواقع وتستقي من التاريخ جيداً وتنقله من جيل لأخر قيماً تحافظ عليها قولاً وفعلاً، وتلازم القيمة والقانون فعل فارق في مسيرة اليوم وغداً، وانفكاكهما عن بعض مؤشر خطر كبير.

تلفزيون سوريا

—————————

كما لو أنّه اليوم التالي لمجزرة: الاتفاق مع قسد منعطفاً تاريخياً أم دماً على ورق؟/ ياسين السويحة

11-03-2025

        مع انطواء نهار أمس الإثنين، وفيما كان استمرار تدفّق الأنباء عن تواصل الانتهاكات في بعض قرى الساحل يُزعزع ثقة الإعلانات عن توقّف استباحة حيوات وأملاك علويي المنطقة، وفي حين لم يُتَح حصرُ أعداد ضحايا المذبحة بعد، عداك عن دفن جثامين القسم الأكبر منهم وإغاثة الهائمين على وجوههم في الأحراش هرباً من «أبطال المجزرة» وتأمين عودتهم لمنازلهم، إن بقيت؛ تظهر صورةٌ لأحمد الشرع مع مظلوم عبدي، ويُنشر نصُّ اتفاقٍ بخطوطٍ عريضة بين «الدولة السورية» وقوات سوريا الديمقراطية. على وسائل التواصل فرحٌ كثير هنا، وحزنٌ عميقٌ هناك؛ وقبل هذا جزعٌ مخلوطٌ بأمل وبعده تفاؤلٌ مُتداخلٌ مع يأسٍ وتساؤلات. الكثير من التساؤلات… لعلّ «الصباح رباح».

        لكن كيف يشرق صباح اليوم التالي للمجزرة؟

        بصياغات بنوده العريضة، وتاريخيته التي لا تُنكر، لا يكاد نصّ اتفاق الشرع – عبدي يُجيب على أيّ تساؤلٍ عملي حول مستقبل المسألة الكردية في سوريا. هو إعلانٌ رسميٌّ لنوايا ستحتاج إلى الكثير من الوقت والتفاصيل لكي تتوضّح في صياغاتٍ وسياسات واقعيّة؛ وتقبع خلف هذه النوايا المُعلنة توافقاتٌ إقليمية ودولية ستحتاج هي الأخرى وقتاً لكي يتوضّح أثرها على مجمل الوضع السوري، والعين دوماً نحو الأفق الغربي حيث واشنطن وعقوباتها. لكن لماذا وُقِّع الاتفاق يوم الإثنين تحديداً، مع كل ما جرى في الأيام الأربعة السابقة؟ لعلّ الإجابة على هذا السؤال ستكون آخر ما يتوضّح من تفاصيل هذا الاتفاق – الإطار. العريض. العريض جداً.

        عريضٌ، أيضاً، هو السؤال عن مدى فاعلية اللجنة التي عيّنها الشرع للتحقيق في «أحداث الساحل»، وعن مدى قدرتها على إنجاز تحقيقٍ لائقٍ بحجم الهول الذي حصل خلال شهرٍ اعتباراً من يوم تشكيلها، وهو شهرٌ مضى منه يومان لم يُتمكّن حتى من إيقاف الانتهاكات خلالهما، عداك عن أن تباشر اللجنة أيّ عملٍ فعلي عدا الاجتماع بالرئيس بعد إعلان توقيعه الاتفاق مع مظلوم عبدي بحوالي ساعة. لربما تعتقد أوساط السلطة أن شهراً هو زمنٌ كافٍ لكي تمضي المجزرة وتذوب وسط تعقيدات سوريا التي يُؤمل أن تتخلّلها أخبارٌ جيدة، دبلوماسية أو اقتصادية. في سيرورة التسعين يوماً الماضية، وفي تجربة إدلب قبلها، ما يدعو حقيقةً للقلق حول جدّية ما سيخرج من هذا التحقيق.

        لم يأخذ أحمد الشرع سلامةَ الإطار القانوني لحُكمه بجدّية، خصوصاً في ما يتعلّق بهيكلية وآليات الملاحقة والمحاسبة لأركان النظام السابق وبقايا أمنه وقوّاته. انطلق، كما علمنا من كلامه في العديد من المناسبات، من ترتيبات معركته الأخيرة والتسويات التي توصل إليها مع بعض رؤوس النظام البائد («طرائق النصر»، كما أسماها في خطاب «مؤتمر الحوار الوطني») ليمضي في مسارٍ غير واضح الشكل من التمشيطات والمداهمات في مناطق حمص وحماة والساحل، تخللتها الكثير من «التجاوزات الفردية»، دون وجود هيئة عدالةٍ انتقالية تضبط ملاحقات مجرمي النظام الأسدي، ودون مجلسٍ قضائيٍّ أعلى مؤقّت يضمن وجود قضاءٍ فاعلٍ ونزيهٍ وموثوق، ودون حتى قائمة مطلوبين علنية تُخرج الناسَ من حيرة إعلانات «دار أبي سفيان» لحظة التحرير، والتي أسست لضبابيةٍ لا مطلوبين واضحين فيها، ما يجعل أيّ عَلويٍّ مُتّهماً لحظة يريد أحد «المنتصرين».

        وكل هذا وشادي الويسي وزيرٌ للعدل… وكلّ هذا حصل في سياق مسارٍ سياسي سِمته الأساسية قلة الاكتراث بسلامة الإجراءات وغياب الأطر الناظمة للانتقال السياسي. شغل الشرع القصر الجمهوري وهو «قائد» لأسابيع طويلة، قبل أن يُعلنه «مؤتمر النصر» المنقول تلغرامياً رئيساً للبلاد؛ مؤتمرٌ جلست فيه فصائل تمرّغت بالدم العَلوي المُراق في الساحل السوري طوال الأيام الماضية، وزَهَا عناصرها بجرائمهم، وتولّت قنواتها الرسمية وشبه الرسمية على تلغرام ووسائل التواصل مهمة نقل المجزرة بشكلٍ شبه آني. وتلا التنصيب العسكري مؤتمر «حوارٍ وطني» هزيل وأشبه بالغفلة، فقيرٌ بتمثيليّته، لا سيما عَلوياً ودرزياً وكردياً؛ سبقه عملُ لجنةٍ تحضيريةٍ ليتها لم تكن. وها نحن هنا، الآن، بانتظار إعلانٍ دستوري سُرّبت مواده بعد ساعةٍ من تعيين لجنته التحضيرية، وبانتظار حكومة.

        الوضع في سوريا مُعقّد، والدولة مُنهارة، وتركةُ نظام الأسدين ثقيلةٌ بشكلٍ قاتل، ولعلّ غياب العنف الانتقامي المنفلت في الأشهر الثلاثة الماضية كان هو المعجزة، وما حصل الآن كان من شبه المُحال ألا يحصل ما يشابهه في لحظةٍ ما… لكن لا شكّ أن إطاراً قانونياً أفضل للوضع الراهن، بلجنة عدالةٍ انتقالية حقيقية وبمجلسٍ قضائيٍّ أعلى فاعل؛ وحواراً مجتمعياً وسياسياً أعمق وأشمل؛ وعمليةً سياسيةً أكثر احتراماً لعموم السوريين والسوريات وأعمق إدماجاً لهم-ن، كانت ستكون عوامل مُساعِدة لتعاملٍ أفضل مع ما جرى.

        بإمكان الاتفاق مع قسد أن يكون مفصلاً تاريخياً بحق، وفيه بلا شك كمونُ أن يكون أعظم لحظةٍ في سوريا المعاصرة بعد سقوط نظام الأسد؛ وبإمكانه أيضاً أن يكون حبراً على ورق، نتذكّره بسخرية بعد حين ونحن نرى راجمات أبو عمشة عائدةً إلى تخوم سدّ تشرين وسط دندناتنا المُتحسّرة للأغنية إياها. شرط تاريخية الاتفاق هو أن يكون جزءاً من تحوّلٍ عميقٍ وحاسم في وِجهة «سوريا الجديدة»؛ تغييراً جذرياً في المسار ينبع من قناعةِ من يَحْكمون أنه تحريكٌ للدفّة لكي تكون لهم فرصةٌ في حكم هذا البلد. ولا تحوّلٌ عميقٌ ممكن دون التعامل مع ما حصل دون أي طمس: لقد أدّى هجومٌ حقيرٌ شنّته فلول قوّات الأسد إلى مقتل عددٍ كبيرٍ من قوات الأمن والمدنيين في الساحل، ما أُخِذ كذريعةٍ لانفلات فصائل ومجموعات مسلّحة عشوائية، تحت غطاء نُصرة القوى الأمنية المُستهدفة، لارتكاب مجزرة جينوسايدية الطابع بحق علويي الساحل السوري، بوصفهم علويين، ولأنهم علويون؛ مجزرة استمرّت أياماً عديدة وسط تقصيرٍ و/أو عجزٍ عن وقفها (دون الانتقاص من جهود عناصر كثُر من الأمن العام فعلوا كل ما بوسعهم لحماية مواطنيهم، ومنهم من قضى في كمائن فلول قوات الأسد ثمناً لذلك)، ووسط تأييدٍ فاشيِّ الطابع من أوساطٍ شعبية طائفية لا يُستهان بها. هذا واقعٌ لا يمضي بالتقادم. يوم المجزرة يبقى هو ذاته مهما تتالت الشموس والأقمار عليه. من المؤلم كم تعرف سوريا هذا الأمر.

        من شأن كشف كل الحقائق، ومحاسبة كلّ الجناة، وتكريم كل الضحايا، أن يجعل يوم المجزرة يمضي، ولو ببطءٍ وكمد، نحو نهارٍ جديد. ولأن العلويين استُهدفوا وذُبحوا بوصفهم علويين، فعلى الدولة السورية، وعلى رأسها الشرع، أن تخاطبهم كعلويين، وأن تجبر خاطرهم كعلويين. لم يفعل الشرع ذلك في خطاباته التي بدتْ وكأنها استمرارٌ لإعطاء هذه الجماعة الأهلية بالذات ظهره. ربما يمكن حكمُ جموع إنكاريي المجزرة هكذا، ولكن الشرع يريد أكثر، يريد أن يحكم سوريا كلها، وأن يحكمها طويلاً.

موقع الجمهورية

——————————–

في علاقة إيران بأحداث الساحل السوري/ إياد الدليمي

11 مارس 2025

كنت في زيارة قصيرة إلى دمشق، في العام 2006. التقيت فيها زميلاً عراقياً جمعني بزميل ثالث سوريّ، كان يعمل ضمن فريق تأسيس قناة الدنيا، التي لم تكن قد انطلقت بعدُ. كنّا يومها، نحن العراقيين، لا نعرف كيف يمكن للسوريين أن يكونوا مع المقاومة العراقية (السُنّية)، وأن يكونوا أيضاً جزءاً من محور إيران، خاصّة بعدما شاهدنا كيف كانت صور أمين عام حزب الله حسن نصر الله تُرفع في البيوت، وليس في الأماكن العامّة فقط، مرفقةً بعلم الحزب الأصفر.

حاول زميلنا السوري أن يفكّك طلاسم هذه العلاقة المتناقضة، فزاد بالشرح، وحاول أن يحدّثنا أن الشعب السوري مع مبدأ المقاومة، مقاومة كلّ محتل، بغض النظر عن الطرف الذي يقاوم، ثم راح شيئاً فشيئاً يكشف لنا ما اعتبرناه يومها سرّاً. قال إن هناك معسكرات للحرس الثوري الإيراني خارج دمشق، بُنيت منذ ثمانينيّات القرن الماضي، وهي مناطق محظورة لا يمكن الاقتراب منها أو التصوير، إذ يدرّب عناصر ومستشارون في الحرس الثوري مجاميعَ مسلّحةً، فلسطينية ولبنانية، وبعد ذلك ضمّت عناصر عراقية… على الرغم من الاختلاف الأيديولوجي بين النظامين (يتبنّى النظام السوري القومية العربية العلمانية، بينما اعتمد النظام في إيران على الإسلام الشيعي أساساً لسياساته)، إلا أن المصالح المشتركة طغت على هذه التناقضات، فدعمت دمشق طهران خلال الحرب العراقية الإيرانية (1980 – 1988)، ما جعلها الدولة العربية الوحيدة التي تقف إلى جانب طهران في هذا الصراع، وهو ما عزّز الثقة المتبادلة بين البلدين.

قبل أيّام، كانت سورية على موعد مع موجة عنف ومواجهات شنّتها فلول النظام السابق، أدّت إلى مقتل مئات، وسط حديث عن أدوار خارجية لعبتها دول في التخطيط لهذه العملية، تبدأ من دعم لوجستي قدّمه العراق، إلى التخطيط الإيراني والإدارة عبر المستشارين، بالإضافة إلى قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، التي يبدو أنها ما زالت ترفض استيعاب الواقع الجديد. قد لا يحتاج الحديث عن الدور الإيراني في أحداث الساحل السوري إلى كثير أدلّة. يمكن أن تُراجع فقط التصريحات الإيرانية التي صدرت من أعلى رأس الهرم، المرشد علي خامئني، مروراً بالرئيس ووزير الخارجية، وصولاً إلى قادة كبار في الجيش الإيراني، لتدرك أن طهران لم تتقبّل بعد خسارة 40 عاماً من الاستثمار في سورية، بدأتها بتعاون أمني وتنسيق عسكري بعد قيام ثورة 1979 في إيران، وصولاً إلى أن تكون إيران الفاعل الأول في سورية في المجالات كافّة.

لقد شكّل سقوط نظام بشّار الأسد صدمةً كبيرة لإيران، بل يمكن القول إنها كانت الضربة الأكثر تأثيراً، ففقدت إيران أحد أكثر أوراقها أهمية، التي لطالما استخدمتها في مفاوضاتها مع الغرب بشأن ملفّاتٍ عدّةً لعلّ في صدارتها النووي الإيراني. بل أكثر من ذلك، حاولت إيران، ومع الأيام الأولى لتغيير النظام، أن تتكيّف مع الوضع الجديد من خلال تصريحات بدت مرنةً، إلا أن سادة دمشق الجدد في ما يبدو لم يردّوا التحية الإيرانية.

طوال أكثر من أربعة عقود، عُرف عن إيران أنها تمارس سياسةً براغماتيةً بحتة في مختلف القضايا، وهي غالباً ما كانت تُظهر شيئاً وتُبطن خلافه. فعلى سبيل المثال، عندما بدأت الحشود العسكرية الأميركية والبريطانية تستعدّ لغزو العراق، كانت طهران تُعلن ليل نهار أنها ضدّ الغزو الأميركي، بل كانت قناة العالم الإيرانية (الناطقة باللغة العربية) تتحدّث بلسان النظام العراقي، بينما واقع الحال كان خلاف ذلك، إذ كان النظام ينسّق مع الأميركان، وفقاً لما كشفه السفير الأميركي زلماي خليل زاده، وكانت إيران تُدرّب المليشيات العراقية في أراضيها من أجل أن تدخل العراق، فضلاً عن لقاءاتٍ جرت بين مسؤولين أميركيين وإيرانيين منذ 1998، للتنسيق لعملية غزو العراق.

هذه إيران، وهكذا كانت تتعامل مع قضايا المنطقة، إلا أن تعاملها مع سورية بعد التغيير كان مختلفاً تماماً، فلم تتمكّن من كبح جماح شعورها المرير بالخسارة، وكانت التصريحات من قادتها عدائيةً بالكامل، إذ تخلّت عن لغة الدبلوماسية والازدواجية، وراحت تعلن عداوتها الواضحة للواقع السوري الجديد، حتى خرجت تصريحات تَعِد الإيرانيين بأن سورية ستعود قريباً إلى “محور المقاومة”. وتشير المعلومات والتقارير الإعلامية المنشورة بشان ما جرى في مدن الساحل السوري بأصابع الاتهام إلى إيران، خاصّة في ما يتعلّق بالتخطيط والتنفيذ، ناهيك عن إدارتها حرباً إعلامية رافقت العمليات التي جرت في سورية خلال الأيام الماضية.

ويبقى السؤال المثير للاهتمام: لماذا تخلّت إيران عن سياستها التي اعتادت عليها في التعامل مع قضايا المنطقة، السياسة الباطنية؟ هل لأن الأمر متعلّق بسورية وشعورها بعظيم ما فقدت، أم أن للأمر علاقة بتصدّعات داخل كيان النظام الإيراني حيال الطريقة التي يجب التعامل بها مع المتغيّرات التي شهدتها المنطقة، وأيضاً الوعيد الأميركي الذي يمثّله الرئيس دونالد ترامب؟ … ما يمكن قوله، حتى الساعة، إن إيران بدأت تشعر بعِظَم تحدّيات المرحلة المقبلة، وهو ما قد يدفعها إلى التخلّي عن لغتها الدبلوماسية حيال قضايا عديدة، فضلاً عمّا بات يرشح من وجود خلافات بين كبار ساسة النظام، دفعت مستشار الرئيس محمد جواد ظريف إلى تقديم استقالته.

العربي الجديد

————————-

السوري العلوي المُذنِب حتى تثبت براءته/ حسام أبو حامد

11 مارس 2025

مع انطلاق الثورة السورية (2011)، أقسمت الراحلة فدوى سليمان، ومجموعةٌ من السوريين، متعهّدةً وإياهم بالحفاظ على سورية حرّة مُحبّة موحّدة. اختارت حمص، حيث الديمغرافيا تلخّص تنوّع السوريين، علّها تكسر الصورة النمطية عن هُويَّة السوري العلوي مرادفةً لدعم النظام، وتتحدّى السرديات المتطرّفة الساعية الى تعريف الولاء الوطني على أسس طائفية.

ليست فدوى “العلوية” الوحيدة التي شاركت في الثورة السورية، بل انتمى إلى صفوفها ناشطون علويون، أفراداً لا من خلال مرجعيتهم الدينية طائفةً، كما طُلب منهم، في تغافلٍ عن طبيعة الاجتماع العلوي المتشكّل تاريخياً. ظُلم العلويون بالإصرار على معاملتهم طائفةً دينيةً تقليديةً تنتج تصوّرات جماعية مشتركة متماسكة، وظُلموا حين نظر سوريون إلى المنخرطين منهم في الثورة أفراداً لا يمثّلون الطائفة، رغم إصرارهم على محاسبتهم جماعياً.

تاريخياً، نال العلويون في أحسن الأحوال تسامحاً، وفي أسوأها اضطهاداً أو إهمالاً، ورسمت سلسلة فتاوى تكفّرهم نهج التعامل معهم. فتوى مفتي فلسطين، الحاج أمين الحسيني، التي أكّدت أنهم مسلمون، عرضت عليهم (1932) معاملةً متساويةً ضمن نسيج مجتمع وليد يشقّ طريقه نحو الاستقلال، لكنّها ظلّت من دون إقناع الأغلبية السُنّية بأن العلويين ليسوا “زنادقة”. خضعت الطائفة العلوية في مسار متعرّج، لانقسامات عمودية وأفقية، فاخترقتها العشائرية. ومع إغلاق “الدعوة”، توضّح التمايز بين الديني والدنيوي، فبدت جماعةً علمانيةً (بالمعنى الأصلي للعلمانية)، فاحتكر “الإكليروس” أسرار العقيدة، ولم تُعطَ لأعضاء الجماعة (الذكور فقط) إلا وفق شروط، وتقلّص حضور الدين في الفضاء العام. ذرّرها حافظ الأسد، بإعادة تدوير نُخَبها في “البعث” والدولة، وتفريغ كفاءاتها لمصلحة الجيش والأمن، ونكّل بقاداتها التقليديين، وهمّش عائلاتها النافذة، ومنع انتقال الزعامة الروحية بالوراثة أو التلقّي، فأخضع “الإكليروس” للأجهزة الأمنية، مقدّماً نفسه زعيماً سياسياً، وروحياً عارفاً بالكلّيات وأسرار الطائفة الباطنية، لينتج عقيدةً علويةً أسدية، متمحورةً حول فكرة الاضطهاد السُنّي، وما قام عليها من سرديات المظلومية، فصار حامي الجماعة من “الوحش السُنّي”. مجازر “الطليعة المقاتلة” بحقّ الطائفة جعلت العلويين (وأقلّيات أخرى) ترى في الأسد ضرورةً موضوعيةً للحماية والبقاء، فوظّف منهم آلاتٍ للانتقام والقتل تُوطّد أركان حكمه. تكرّر ذلك في ظلّ أسلمة “الربيع السوري”، وتكاثر فصائل الجهادية السلفية، واستعادة فتاوى تكفير العلويين.

كانت مشاركة العلويين طائفةً ضرباً من مستحيل، لا سيّما أنهم في صفوف الثورة تحدّروا من خلفيات فكرية يسارية (العمل الشيوعي، 23 شباط، الشيوعي – المكتب السياسي…)، ولم يدخلوا الثورة بمرجعياتهم الدينية، ولم يكونوا قادرين على جرّ الطائفة معهم إلى مشروعهم الثوري في ثورةٍ افترضوها مدنيةً لا دينيةً كما أرادها أصحاب السرديات الطائفية، الذين كانوا على استعداد للنظر إلى داعمي نظام الأسد من طوائف أخرى بوصفهم أفراداً مجرّدين من انتمائهم الطائفي. سقط احتمال انضمام العلويين طائفةً أمام خطاب الكراهية وفتاوى التكفير والإصرار على ربطهم عضوياً بالنظام، فبقي العلوي مداناً حتى تثبت براءته، بل كانت براءة الطائفة شرطاً لبراءته الشخصية.

لم تُخفِ السورية “العلوية” سمر يزبك إحساسها بالذنب تجاه عائلتها في الساحل السوري، الذين واجهوا بسبب مواقفها السياسية المعارضة للنظام ذُلّاً وإهانةً وطرداً من العمل، طوال سنوات الثورة، فإذا بهم محاصرون، ينتظرون مصيراً مجهولاً في خضمّ حمّام دم طائفي (كما كتبت في “فيسبوك” السبت الماضي). رأت سمر (“العربي الجديد”، 8/3/2025)، قبل ساعات من مجازر الساحل السوري، أن العلوي ظلّ “علامة مشحونة بالمعاني السياسية”، فرغم انضمام علويين إلى الثورة، لم يسقط “الوهم التصنيفي، بل طُلب منهم الاعتذار، وكأن الذات العلوية محكومةٌ مسبقاً بجُرمٍ أصلي لا فكاك منه”، وتحوّل العلويون بعد سقوط النظام إلى “الآخر” المرفوض داخل مشروع “التطهير الرمزي” للسردية الوطنية الجديدة. ليس المهم، كما تقول، البحث عن “حقيقة” العلويين، بل “مساءلة الخطابات التي تُنتجهم كياناً متجانساً، وتعيد تدويرهم داخل سرديات سياسية صلبة”.

كأن الروائية السورية استشرفت ما كان غداً. نعم، من دون مساءلة تلك الخطابات، سنشهد جولات أخرى من القتل الطائفي في سورية الجديدة.

العربي الجديد

————————–

أحداث الساحل السوري اختبار للعهد الجديد وإجراءات لازمة للاستقرار

تحديث 11 أذار 2025

شنت مجموعات من فلول نظام الأسد في الساحل السوري، هجمات ضد قوى الأمن العام ومنتسبي وزارة الدفاع السورية ومدنيين نجم عنها ضحايا بالمئات. لم تكن هذه الهجمات الأولى من نوعها عقب سقوط نظام الأسد، إلا أنها الأعنف والأوسع انتشاراً جغرافياً لغاية الآن، والأخطر لناحية حملات التجييش الطائفية التي رافقتها، وما نجم عنها من انتهاكات بحق مدنيين تبعاً لتقارير حقوقية، فضلاً عن المخاطر العالية القائمة لانتقالها إلى مناطق متداخلة طائفياً في الداخل السوري. صحيح أن حدة الاشتباكات ونطاقها الجغرافي قد تراجعت، إلا أن الأحداث الأخيرة تحمل في طياتها مؤشرات في غاية الخطورة، تتطلب من إدارة العهد الجديد أخذها على محمل الجد، واتخاذ إجراءات لدعم الاستقرار في الساحل كجزء من خارطة طريق لاستقرار سورية.

سورية في قلب العاصفة

سبقت أحداث الساحل اشتباك إقليمي حول سورية بين قوى مؤيدة ومناهضة للعهد الجديد، يمكن تلمسها بالسجال التركي_ الإيراني كذلك التركي_ الإسرائيلي حول سورية. كذلك تدخل “إسرائيل” في السياسة السورية الداخلية لإضعاف السلطة المركزية، عبر تصريحاتها المؤيدة للأقليات من جهة، وتحركات جيشها في الجنوب السوري من جهة أخرى. أيضاً، تأتي هذه الأحداث في ظل حالة إحباط لدى أهل الساحل من الطائفة العلوية، ممن تضرروا اقتصادياً جراء إعادة هيكلة القطاع العام ومؤسسات الدولة. هذا ولا يمكن فصل ما حدث عن سياق التوتر الذي نشب بين العهد الجديد والدروز في جرمانا والسويداء، تم احتواؤه لحين، بالوقت الذي لم يتم التوصل فيه بعد لاختراقات نوعية في المفاوضات مع قسد فيما يتعلق بقضايا العسكرة والحوكمة بانتظار الموقف الأمريكي الحاسم. في ظل هذه البيئة من التنافس الإقليمي على سورية واتساع الهوة بين الأطراف والعهد الجديد، جاء تحرك مجموعات من فلول النظام لزعزعة استقرار الساحل أمنياً ومجتمعياً، بشكل منظم وبغطاء خارجي بحسب مصدر أمني للجزيرة.

اختبار العهد الجديد

يشير تحليل أولي للاشتباكات في الساحل إلى فارق ملحوظ في ميزان القوى بين فلول النظام والقوى العسكرية والأمنية للعهد الجديد، يميل لصالح الأخيرة. يدلل على ذلك عدم تمكن المجموعات المهاجمة من فرض سيطرتها وإدامتها على قطاعات جغرافية أو مراكز نوعية في الساحل، كذلك فشلها لغاية الآن في جر قوات الأمن العام ومقاتلي وزارة الدفاع السورية إلى حرب عصابات متكاملة الأركان، تستنزفهم في بيئة مواتية لمثل هذا النوع من الحروب. بالمقابل، لا يمكن تجاهل وجود أهداف أخرى سعت فلول النظام وداعميهم إليها، تتمثل في إحداث فتنة طائفية بين السنة والعلويين لإرباك العهد الجديد، وتصدير ضعف قدرته على الالتزام بالخطوط الحمراء دولياً وإقليمياً لسورية ما بعد الأسد ومنها؛ حماية الأقليات وعدم تحول سورية إلى مصدر تهديد لجوارها. ما يعزز هذا الاستنتاج تحذير مستشار المرشد الإيراني للشؤون الدولية علي أكبر ولايتي من احتمالية اندلاع حرب أهلية في سورية، ووجود مقدمات لتفكيك الدولة السورية قبيل أيام من أحداث الساحل. أيضاً، لا يمكن تجاهل محاولات تصدير سردية أحادية اللون للعهد الجديد، وبأنه ذا هوية دينية واضحة لا تمثل جميع المكونات السورية، في محاولة لضرب شرعيته الداخلية وتقويض استقرار سورية عبر تعميق الشرخ مجتمعياً وسياسياً على أساس طائفي. لذلك كان لا بد من افتعال أحداث أمنية لشد العصب الطائفي، الأمر الذي ظهر للأسف في خطابات التحشيد الطائفية على مواقع التواصل المجتمعية، وهتافات بعض المظاهرات المؤيدة للعهد الجديد، كذلك حدوث انتهاكات بحق مدنيين على أساس طائفي خلال ملاحقة فلول النظام بحسب تقارير حقوقية.

مخاطر وإجراءات لازمة

على الرغم من إعلان عدد من الدول العربية دعمها لإدارة العهد الجديد في مواجهة فلول النظام، وما تضمنه خطاب الرئيس الشرع من نقاط علامة لضبط التجاوزات واستعادة الأمن والحفاظ على السلم الأهلي، إلا أن هنالك مخاطر كامنة وتداعيات سلبية لأحداث الساحل لا يمكن إغفالها، تستوجب اتخاذ قرارات وإجراءات عاجلة لصيانة استقرار سورية، منها:

    الخشية من تمدد أحداث الساحل إلى مناطق داخلية وأحياء متداخلة طائفية، الأمر الذي يتطلب من قوى الأمن العام تعزيز الإجراءات الأمنية لحماية تلك المناطق والحيلولة دون تمدد الاشتباكات لها، إلى جانب تفعيل المشاركة المجتمعية في جهود حفظ الأمن؛

    الخشية من تضرر صورة العهد الجديد خارجياً، وإظهار عجزه عن الالتزام بمتطلبات استقرار سورية وحماية مكوناتها، وهو ما يتطلب حملة إعلامية ودبلوماسية لشرح حقيقة ما حدث مدعماً بالأدلة، وتشكيل لجنة رسمية للتحقيق بالانتهاكات التي حدثت ومحاسبة مرتكبيها تبعاً لإجراءات قضائية متاحة للجمهور، على أن يتكامل ذلك المجهود بتفعيل آليات مؤسساتية ومجتمعية للعدالة الانتقالية، لمحاسبة مرتكبي الجرائم ومنتهكي حقوق الإنسان من رجالات نظام الأسد البائد؛

    الخشية من تعزيز سردية طوائف في مواجهة بعضها في مرحلة ما بعد الأسد، الأمر الذي يمكن احتوائه بترتيبات عدة لتعزيز السلم الأهلي والمصالحات المجتمعية، تبدأ بإجراء حوارات بين المجتمعات المحلية لتفكيك خطاب الكراهية والتحشيد الطائفي، ولا يعفي ذلك إدارة العهد الجديد من مسؤولية إطلاق حوارات جدية مع الأطراف (المجتمعات المحلية) لتفهم هواجسها، والعمل على زيادة مساحات العمل المشتركة معها من خلال بوابة الإدارة المحلية، وما يتطلبه ذلك من تضمين أكبر للسكان المحليين في إدارة شؤونهم المحلية بإشراف السلطة المركزية. أيضاً، من المهم التصدي لخطاب الكراهية والتجييش الطائفي، عبر تجريم مثل هذا الخطاب ومحاسبة القائمين عليه، على أن يتم الاستعانة بخبرات منظمات المجتمع المدني ذات الباع في مجال السلم الأهلي وبناء السلام.

عمران

———————————-

حين تكون المظلوميات ملاذ الضمائر اليابسة/ حسن النيفي

2025.03.11

في تفسير وتتبّع نشوء المظلوميات لدى الجماعات يشير علماء الاجتماع إلى تركيز أصحاب سرديات التظلُّم – سواء أكانوا جماعاتٍ  أم أفراداً – على الجانب الأكثر درامية من قصصهم موازاةً مع الابتعاد عن السياقات التاريخية والواقعية التي أفضت إلى تلك المظلوميات، ذلك أن المراد في هذه الحالة هو التأثير وإيجاد رأي عام ينتصر للقضية فقط، بعيداً عن معرفة السياقات والأسباب التي أنتجتها، طالما أن الهدف من بلورة المظلوميات هو استثمارها سياسياً أو اجتماعياً أو اقتصادياً، وبالطبع هذا لا يعني افتقاد المظلوميات المُتشكّلة إلى حيثياتها التاريخية والاجتماعية كما لا يعني غياب شروط تبلورها كالظلم والاضطهاد وجميع أشكال انتهاك الحقوق والإقصاء التي تطال الجماعات والأفراد، ولكن على الرغم من ذلك لا يمكن الركون إلى كل ما تحيل إليه العناصر الدرامية الحاملة لتلك القصص، لأنها غالباً ما تعتمد على المبالغة والتضخيم الإعلامي والتجييش بغيةَ التأثير على الرأي العام.

تُعدّ الحالة السورية، وتحديداً الحقبة الأسدية الممتدّة إلى أكثر من نصف قرن، المناخ الأكثر نضجاً لبروز مظلوميات متعدّدة تتجاوز حدود الأفراد، لتطول جماعات بأكملها ( عرقية – دينية – طائفية )، ولعل مردّ ازدهارها وشيوعها أمران اثنان: يتجلى الأول بتوافر جميع أسباب الظلم والإقصاء والتعدّي على الحقوق والحريات، إلى درجة اختزال الدولة كاملةً بشخص الحاكم ومشيئته ومصالحه، مقابل حالة سحقٍ شديدة للمواطن الذي بات مصير حياته ومستقبله مرهوناً بمصلحة السلطة الحاكمة. ويتجسّد الأمر الثاني بفشل القوى المجتمعية في تحقيق عملية التغيير نتيجة إخفاقها في مواجهة التوحّش السلطوي المتمثّل بشتى وسائل القمع والتنكيل، بل والاستئصال لأي حركة اجتماعية تسعى إلى التحرّر من عبودية السلطة وتتطلع إلى حياة أفضل، الأمر الذي جعل من القضية السورية جرحاً نازفاً ومأساةً متجدّدة أفضت إلى إزهاق أرواح مئات الآلاف من المواطنين واعتقال وتغييب أمثالهم في العدد، وتهجير ونزوح الملايين، فضلاً عن حالة الخراب الفظيع الذي حلّ ببنية الدولة السورية.

ولئن كان من الصحيح أن يوم ( 8 – 12 – 2024 ) كان لحظة حاسمة ومفصلية في تاريخ سوريا الحديث من جهة زوال السلطة الأسدية واندحارها عسكرياً نتيجة عملية ( ردع العدوان 27 تشرين الثاني – 8 كانون الأول)، إلّا أن مشاعر النشوة التي هيمنت على نفوس معظم السوريين طيلة الأشهر الثلاثة الماضية، كانت تخفي في تضاعيفها مزيداً من القلق والتوجّس، بل ربما المزيد من الشك في قدرة السوريين على تجاوز ( الإرث الأسدي) بكل تداعياته الأمنية والسياسية والاجتماعية، ربما لإيمانهم بأن عبور سوريا إلى ضفةٍ أكثر أمناً واستقراراً إنما هو مرهون بقدرتهم على التأسيس لعهد جديد يتيح لهم تداول السياسة وامتلاك شأنهم العام والمبادرة في صياغة حاضرهم ومستقبلهم انطلاقاً من المصالح الوطنية المشتركة للجماعات والأفراد. واقع الحال يؤكّد أنْ أكثر السوريين تفاؤلاً لم يكن يرقى به تفاؤله إلى درجة العبور الآمن من الحقول الأسدية المكتظة بالألغام نحو ضفاف أكثر أمناً، وبالفعل كان اليوم السادس من آذار الجاري لحظة مفصلية أخرى في تاريخ السوريين، كونها تجسّد تحدّياً آخر لا يقل أهمية عن التحديات المصيرية السابقة. ونعني بذلك الهجوم العسكري الذي بادرت به مجموعات مسلحة في مدن وبلدات وقرى الساحل السوري، مُستهدِفةً قوى وعناصر الأمن العام، إذ لم يكن هذا الهجوم ناتجاً عن حالةٍ عَرَضيةٍ أو نزاع آنيٍ أو نتيجة لسلوك طرف استفزّ الطرف الآخر، بل هي عملية انبثقت عن خطط سابقة وتقف وراءها جماعات أقل ما يقال عنها، إنها ترى في زوال السلطة الأسدية زوالاً لمصالحها ونفوذها، هذه الجماعات لا ينقصها السلاح والعتاد ولا تفتقر إلى التأطير، بل إن الصورة التي ظهرت بها تدلّ على أنها حاملة لمشروع ليس بالضرورة أن يكون ناجزاً وقابلاً للتحقق، ولكنه يمكن أن يكون مُعطّلاً وعائقاً لمشروع التغيير الوطني في سوريا. هذه الجماعات المسلّحة التي أُطلق عليها (فلول النظام) ظهرت تحت مسمّيات واضحة الدلالة والأهداف(جبهة المقاومة السورية – درع الساحل – المجلس الإسلامي العلوي…) كما حظيت بتغطية وإسناد إعلامي إيراني على مدار الساعة، عبر شبكة (مهر) الإعلامية الإيرانية، من جهتها لم تكن قوات الأمن العام التي تجسّد دور (الشرطة) التابعة للحكومة السورية الرسمية تمتلك القدرة الكافية للتصدّي لتلك الفلول، الأمر الذي جعلها تتكبّد خسائر في الأرواح نتيجة الكمائن والهجمات المباغتة التي تعرّضت لها، ما دفعها للاستعانة بقوات الجيش المؤلفة من فصائل عسكرية تدافعت نحو مدن وبلدات وقرى الساحل السوري، لمؤازرة قوات الأمن العام، وهي في أثناء قيامها بهذه المهمة ارتكبت أخطاء ومارست انتهاكات عديدة بحق مدنيين، وفي ظل غياب جهات إعلامية رسمية أو أخرى موثوقة تتقصّى حقيقة ما يجري وتبيّن للرأي العام دقائق الأمور، أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي هي الفضاء الذي يستطلعه الجميع للوقوف على حقيقة ما يجري.

لا يتسع سياق هذه المقالة للحديث عن مسؤولية الأطراف التي قصّرت في كبح حالة الانفلات المسلّح في الساحل السوري، ولكن ما يمكن تأكيده هو أن الدور المُنتظر ليكون فاعلاً وحاضراً في هكذا حالة هو الصوت الوطني المتمثّل بالفاعليات الثقافية والفكرية والسياسية وكذلك الرموز الاجتماعية، باعتبارها الأقدر على فهم ما يمكن تسميته بالاستعصاءات المُتوقعة في هذه المرحلة العصيبة، كما كان من المُنتَظر أن يكون صوت (النخب السورية) مُغايراً للسعير الإعلامي الذي تعج به السوشيال ميديا، ونعني بذلك التغاير، أن يطغى الصوت المطالب بالعدالة الانتقالية ومبدأ المحاكمات العادلة وتقصّي الحقائق كما هي على الأرض على الضخّ والتحشيد الأعمى والاصطفاف الطائفي، إلّا أن واقع الحال قد أظهر خلاف ذلك، إذ سرعان ما تحوّل كثير من المثقفين بل ممن كانوا يتدافعون لتصدّر المشهد، ومن المتنطّعين لمسائل التنظير الوطني وضروب الديمقراطية والعلمانية إلى أبطال في عالم الفيسبوك ونجوم في بث مقاطع الفيديو التي لا تختلف في محتواها ومضامينها وأهدافها عن سعير التجييش والتعبئة العمياء التي لا تؤدي سوى إلى المزيد من التمتّرس الطائفي.

لا شك – والحال كهذه – أننا أمام منعطف جديد يحاول كل طرف فيه تكوين رأي عام وحيازة شطر كبير من الأنصار والمؤيدين ليس بناءً على معايير الحق وعدالة القضية والمشروعية الأخلاقية التي تُبنى على المصداقية والدقة في تقصّي الأحداث وبالتالي بناء موقف عقلاني وصادق، بل بناءً على الضخّ الفيسبوكي وتحقيق نسبة هائلة من المشاركات واللايكات والمضي في اجتياح مساحات كبيرة وشاسعة ولو كانت سوداء مليئة بكل ما هو غث ومقرف، وبالتالي هل نحن أمام فاتحة عهد جديد لبناء المظلوميات كحلّ بديل عن فشلنا – نحن السوريين –  في القدرة على الحوار والتفاهم على قضايانا الحياتية والمصيرية؟

ما هو مؤسف بالفعل، بل ما هو باعث على الإحباط والخيبة تلك النزعة الإنسانوية التي تطفح على ألسنة ونشاط العديد ممّن تدّعي النخبوية وتعدّ نفسها أو يسوّق لها كثيرون على أنها شخصيات عامة، سواء أكانت شخصيات فنية أو سياسية أو ثقافية، ذلك أن تلك النزعة الإنسانوية التي تختزل المشكلة في الجانب الذي تختاره، بينما تخفي الجزء الآخر من المشكلة وراء جبنها ونفاقها، مُطلقةً لنفسها الحق في الحديث مطولاً عن حقوق الإنسان والتنديد بالانتهاكات والتجاوزات ووو، لدى طرف واحد وبالطريقة التي تستوجب إخراجاً محدّداً ليؤدي وظيفته الاستثمارية بالشكل المطلوب، بينما تنكمش ألسنتها وتغيب ضمائرها عن تلك الحقوق والانتهاكات والتجاوزات لدى الطرف الآخر، لعلنا بالفعل أمام تحوّل فظيع نتيجة شيوع ثقافة (الكيوت) لدى أبطال النخب المزعومة.

ما هو شديد التأكيد: إن الذي تردعه ولاءاته الطائفية والعرقية والإيديولوجية عن قول الحق ورواية الحقائق كما هي، لا ينبغي أن يجعل من نفسه وصيّاً على العدالة، ذلك أن تشويه الحقائق وتزييف الوقائع سواءٌ من خلال الضخ الإعلامي أو النشاط الفيسبوكي أو أي وسيلة أخرى، بغيةَ التأسيس لسرديات أو مظلوميات جديدة، إنما هو إهانة لأرواح الضحايا وتفريط بحقوقها قبل أي شيء آخر.

تلفزيون سوريا

—————————-

هنادي زحلوط لـ”المدن”: العمشات قتلوا عائلتي.. وأرفض الحماية الأجنبية

مصطفى محمد

الثلاثاء 2025/03/11

تصدرت الكاتبة والناشطة السورية المعارضة هنادي زحلوط اهتمام السوريين خلال موجة العنف شهدتها مدن الساحل السوري مؤخراً.

زحلوط المعروفة بلقب “بنت الثورة”، نعت إخوتها الثلاثة، أحمد وعلي وعبد المحسن زحلوط، الذين أعدموا بعد اقتيادهم من منازلهم في قرية “صنوبر” جبلة.

واتهمت الكاتبة، فصيل سليمان شاه (العمشات)، بالمسؤولية عن مقتل إخوتها وعدد من رجال القرية. وبعد ذلك، اتصل بها الرئيس السوري أحمد الشرع، وقدم لها العزاء، والوعود بمحاسبة الفاعلين.

“المدن” أجرت مقابلة عبر الهاتف، مع زحلوط المقيمة في فرنسا. وفيما يلي نصها:

أعلنت وزارة الدفاع عن انتهاء العمليات العسكرية في الساحل بعد موجة عنف “غير مسبوقة” منذ سقوط النظام، هل سيصمد الاستقرار النسبي طويلاً في الساحل؟

المشهد الطائفي في الساحل من الهشاشة بمكان، ولا يمكن حجب الشمس بغربال. العنف خلفت الكثير من الجروح، ومع ذلك نأمل أن يدوم الاستقرار طويلاً، وأن تكون هذه المدة كافية لوضع أسس أولية لبناء الدولة.

العنف نكأ الجرح الطائفي في سوريا، وترميمها يحتاج الوقت، والعمل الطويل، نحن بحاجة إلى إعادة إنتاج خطاب مواطنة لكل السوريين، والأهم أن كل ذلك يتطلب إجراءات ثقة.

الرئيس السوري أحمد الشرع، أعلن عن تشكيل لجنة تحقيق “مستقلة” لتقصي الحقائق في الساحل السوري، ولجنة عليا للحفاظ على السلم الأهلي، هل يمكن إدراج الخطوات هذه في إطار “إجراءات الثقة” التي طالبت بها، وهل هي كافية؟

يجب التمسك بها، لأنها لا زالت في إطار الوعود، ولا بد من معرفة نتائجها للحكم عليها. ويجب انتظار النتائج التي ستصدر عن لجنة التحقيق، ومعرفة الظروف التي ستعمل بها اللجنة وهل ستتمتع بالشفافية، وبعد ذلك يجب معرفة قناعة أهالي الضحايا بالنتائج، لأنهم هم من سيحكمون على عمل اللجنة.

من حيث المبدأ هل تعتقدين أن الإجراءات هذه كافية، وأنت من موقع أهالي الضحايا؟

مبدئياً، أنا أرى أنها كافية، خصوصاً أن حكومة دمشق قد أعلنت عن وقف العمليات العسكرية، وهذا سيساعد اللجنة، لأن أي تحقيق في قضية ما يستوجب اكتمالها، بمعنى أنه يجب وقف الانتهاكات حتى يتم التحقيق فيها، لذلك من الواجب اليوم على الدولة أن تبسط سيطرتها على المنطقة كاملة وأن تنتهي من ملاحقة الفلول، حتى تبدأ اللجنة بعملها.

من يتحمل مسؤولية الأحداث الدامية بالدرجة الأولى؟

المسؤولية عن مقتل إخوتي الثلاثة يتحملها فصيل سليمان شاه (العمشات)، لأن المعلومات موجودة لدى الأمن العام الذي بات يعلم الفصيل الذي اقتحم بيت العائلة وارتكب المجازر في قرية صنوبر جبلة، في ريف اللاذقية.

أما مسؤولية الأحداث الدامية، تتحملها فلول النظام، حيث كانت الأخيرة السبب لوقوع هذه الأحداث، ولكن كان الجو العام في الساحل غير منضبط، وكانت تصرفات بعض الفصائل غير معقولة وغير مقبولة. وبالتالي نأمل الانتهاء من وجود هذه الفصائل، وأن يكون هناك جسد عسكري حقيقي لعدم تكرار هذه الأحداث.

بعد ما جرى، كناشطة سورية ومدافعة عن حقوق الإنسان، هل تخشين على سوريا من سيناريو التقسيم؟

رغم الأحداث الدامية والنعرات الطائفية، لا أعتقد أن سوريا ذاهبة نحو التقسيم، عاشت سوريا الكثير من الأحداث ذات اللون الطائفي، ومع ذلك تجاوزتها، وبقيت موحدة.

سوريا البلد المختلطة والمتداخلة طائفياً بشكل معقد، لا تحتمل التقسيم، وليست مجهزة لهذا السيناريو، لذلك ليس هناك أي مخاوف، نحن كسوريين “مالنا غير بعض”.

لكنك، أشرت في بداية المقابلة إلى “جروح طائفية يصعب ترميمها”!

حصلت خلال الثورة العديد من الصدمات الطائفية، واستطاعت سوريا تجاوزها. لو نظرنا إلى المرحلة التي تلت إسقاط النظام، سنخرج بحقيقة مفادها أن السوريين على استعداد للتعايش، في ظل حماية معقولة. وعليه، نعم نحتاج إلى الوقت للترميم، لكن لا خوف من التقسيم.

في الساحل نشهد دعوات لحماية دولية للطائفة العلوية، أو وصاية البعض يطلبها روسية، مع أو ضد؟

طبعاً أنا ضد، لا نحتاج في سوريا لوصاية أو حماية أحد، لدينا من الروابط والتاريخ والقيم ما يكفي لحماية بعضنا، ما نحتاجه هو بعض الوقت حتى نفهم بعضنا، وحتى نضع تصوراتنا للعيش المشترك.

تلقيت اتصالاً من الرئيس أحمد الشرع بعد مقتل أفراد عائلتك، ماذا جرى خلال الاتصال، وبماذا وعدك الشرع؟

الرسالة الأهم في الاتصال هي الرمزية، أي الرئيس اتصل بواحدة من عائلات الضحايا.

في الاتصال، قدم الرئيس واجب العزاء لعائلتي وكل عائلات الضحايا، وأكد خلال الاتصال على محاسبة الفاعلين. رغم الألم، كان الاتصال إيجابياً، وأنا على قناعة أن الوقت الآن هو يجب أن يوجه نحو لملمة جراح كل السوريين.

المهم الآن هو وقف إطلاق النار، حتى يتمكن الأهالي من دفن الضحايا، وبعد ذلك نستطيع نحن أهالي الضحايا تأسيس رابطة تدعم لجان التحقيق.

هل ستزورين سوريا قريباً، ربما للمشاركة في “لملمة الجراج”؟

نعم، والأمر متعلق ببعض الأوراق وإجراءات السفر، وأتقدم عبر”المدن” بالتعازي لكل عائلات ضحايا الساحل السوري.

المدن

————————————-

كيف أثر غياب “الإعلام الرسمي” على مجريات الأحداث في الساحل السوري؟/ باسل المحمد

2025.03.11

في ظل غياب الإعلام الرسمي تحوّل الساحل السوري وما شهده من أحداث خلال الأيام القليلة الماضية، إلى مسرح للتكهنات والروايات المتضاربة حول حقيقة ما يجري على الأرض، ففي هذا الفراغ الإعلامي انتشرت تقارير وبيانات صادرة عن مسؤولين في الإدارة الجديدة عن عمليات ملاحقة فلول النظام في تلك المناطق، وفي المقابل انتشرت أنباء عن انتهاكات وتجاوزات بحق المدنيين دون التأكد من مصادرها، مما أدى إلى حالة من الضبابية والارتباك في المشهد الإعلامي بشكل عام.

هذه الضبابية لم تؤثر فقط على فهم حقيقة ما يجري في الواقع، بل فتحت الباب أمام التلاعب بالسرديات، حيث تسعى كل جهة لفرض روايتها الخاصة، إذ عمدت حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي، يُعتقد أنها تدار من جهاتٍ منظمة، إلى تضخيم الأحداث عبر التركيز على مزاعم بوجود عمليات تصفيةٍ على أساسٍ عرقي وطائفي، متجاهلةً السياق الكامل لما جرى.

وسط هذا المشهد بدت الأسئلة عن أسباب غياب الإعلام الرسمي، وآثار ذلك على الواقع الاجتماعي والسياسي مُلحة ومحقة في نفس الوقت بالنسبة للسوريين، الذين كانوا بأمس الحاجة لمعرفة حقيقة ما يجري بعيداً عن تهويل وتزييف وسائل الإعلام، ومواقع التواصل الاجتماعي.

تزوير وتضليل

ومع بدء عمليات قوات الأمن العام، ووزارة الدفاع في ملاحقة فلول الأسد، بدأت حسابات على وسائل التواصل الاجتماعي بنشر مقاطع فيديو وصور ادّعت أنها توثق انتهاكات ارتكبها عناصر الأمن والجيش.

بعض الجهات والمواقع الإعلامية المتعاطفة مع فلول النظام بدأت بتصوير ما حدث على أنه “حرب أهلية”، مستخدمة طرق ووسائل متعددة لتشويه الحقيقة، وتضليل الرأي العام، وبث أخبار كاذبة حول حدوث مجازر أو استهداف مدنيين من قبل الأمن العام والجيش، بهدف كسب تعاطف دولي وتشويه صورة الحكومة الجديدة.

كما نُشرت صور وأسماء لبعض الأشخاص الذين زُعم أن السلطات الجديدة في سوريا قتلتهم خلال الحملة الأمنية على فلول الأسد في الساحل السوري، فعلى سبيل المثال نشرت صفحة “اللاذقية نيوز” على “فيسبوك” صورة ادّعت أنها توثّق مجازر ارتكبها الأمن السوري والجيش في الساحل، مشيرة إلى سقوط عشرات الضحايا من الأطفال والنساء وكبار السن، ولكن بعد التحقق، ثبت أن الصورة بالفعل من سوريا، لكنها تعود لمجزرة “الكيماوي” التي ارتكبتها قوات الأسد بحق أهالي الغوطة الشرقية في عام 2013.

إلى جانب ذلك نشرت حسابات صورا لمقتل أطفال قالت إنها من فعل قوات الأمن العام السوري ولكن بعد عملية البحث تبين أن الصور قديمة وتعود لعام 2013 من مجزرة بانياس التي ارتكبها شبيحة الأسد.

من جانبها نشرت منصات مهتمة بالتحقق من صحة المعلومات على مواقع التواصل الاجتماعي، مثل “تأكد، إيكاد، مسبار”، عشرات الادعاءات المضللة التي انتشرت ضمن سيل من المنشورات المضللة التي تهدف إلى التحريض واستغلال الأحداث.

وفي حسابها الرسمي على قناة تلغرام حذّرت وزارة الإعلام السورية، الأحد الماضي من حملات تحريضية، بهدف إثارة الفوضى ونشر التضليل.

وبينت الوزارة السورية أنها “رصدت خلال اليومين الماضيين، محاولات ممنهجة لإعادة تداول صور ومقاطع مصورة قديمة، يعود بعضها إلى سنوات سابقة وأخرى مأخوذة من خارج البلاد”. وأردفت أن ذلك “بهدف التلاعب بالرأي العام، وتقديمها على أنها أحداث جارية في الساحل السوري، في محاولة واضحة لإثارة الفتنة وزعزعة الاستقرار”.

حسابات وهمية

مع تصاعد حدة الاشتباكات في الساحل السوري برزت ظاهرة الحسابات المجهولة على وسائل التواصل الاجتماعي، والتي تروج لمعلومات مغلوطة أو مشوهة، والعديد من هذه الحسابات كان يحمل أسماء وهمية.

وتتسم هذه الحملات الإعلاميّة التي تدار من قبل حسابات مجهولة بأنها غير عشوائية وتتركز على أهداف محددة ما يرجح أنها ممنهجة وتدار بشكل ممنهج، وتقوم بشكل مباشر على تضخيم الأحداث بالدرجة الأولى، إضافة إلى اختلاق معلومات مضللة.

وتأكيداً لوجود مثل هذه الحسابات أشار المسؤول الأمني في الساحل السوري ساجد لله الديك إلى أن “جيوشاً إلكترونية من العراق ولبنان وشرق الفرات وتل أبيب تتناوب على نشر أخبار تهدف للفتنة الطائفية في سوريا”.

وعن تأثير غياب الإعلام الرسمي في مواجهة هذه الحملات، يرى الإعلامي أحمد الهواس أن غياب للتلفزيون الرسمي، وعدم وجود ناطق رسمي باسم الحكومة أو الرئاسة كان له دور مباشر في فتح المجال لنشاط هذه الحسابات المضللة.

ويشير الهواس في حديثه لموقع تلفزيون سوريا إلى أن هذا الغياب أدى لأن تحتل وسائل تواصل اجتماعي الصدارة في توجيه الرأي العام، وتم رصد حسابات من داخل إسرائيل ومن داخل إيران أو من لبنان ودول الجوار تشوه حقيقة ما يجري في الساحل السوري.

وبحسب الهواس فقد ركزت الآلاف من الحسابات المجهولة ولكنها واسعة الانتشار ولها آلاف المتابعين على بث الفتن الطائفية وتصوير أن ما يجري في الساحل هي “مذابح يتعرض لها العلويين” على يد الأمن العام، أو على يد جهات مجهولة سمحت لها الدولة السورية بالقيام بهذه الانتهاكات.

وتحذيراً من الحرب الإعلامية المضللة التي كانت تقودها هذه الحسابات طالبت الوزارة في بيانها وسائل الإعلام العربية والغربية بـ”التعامل بدقة ومصداقية مع الأحداث الجارية، وعدم الوقوع في فخاخ الشائعات، التي يتم ضخها على مواقع التواصل الاجتماعي بشكل متصاعد وممنهج”.

أسباب غياب الإعلام الرسمي

بعد سقوط النظام وسيطرة الإدارة السورية الجديدة على مبنى “الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون”، عُيِّن محمد الشيخ مسؤولاً عن الإذاعة في سوريا، وفي مدة قصيرة، اتخذ القرار الأول بإعادة إذاعة “دمشق” العريقة للعمل، فيما كان القرار الثاني وقف إذاعتي “صوت الشباب” و”سوريانا” وبذلك تكون إذاعة “دمشق” هي الوسيلة الوحيدة المستمرة في العمل من داخل مبنى “الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون” بدمشق.

أما بالنسبة للتلفزيون الرسمي فقد اقتصر عمله في الأيام الأولى للتحرير على عرض أناشيد قبل أن يتوقف عن ذلك ويقتصر بثه على عرض صور ثابتة للقرارات وبيانات القيادة العسكرية، هذا التوقف شمل أيضا القنوات التابعة للتلفزيون ومواقع الصحف الرسمية، إلى جانب الموقع الرسمي لوكالة الأنباء السورية، ورغم توقف موقع الوكالة، لم يُعيق ذلك إعادة تنشيط حسابات الوكالة على وسائل التواصل الاجتماعي، التي أصبحت تحت إدارة جديدة، وبدأت في نشر الأخبار المتعلقة بالبيانات الرسمية.

ولطالما وعد المسؤولون في وزارة الإعلام السورية الحالية بانطلاق الإعلام الرسمي، حيث أشار معاون المدير العام للهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون، محمد السخني، في حديث له مع صحيفة تشرين في العاشر من كانون الثاني الماضي، إلى أن التلفزيون السوري يستعد لاستئناف بثه قريبًا، وأن الانطلاقة الجديدة ستكون “مختلفة شكلًا ومضمونًا” وتهدف إلى “مواكبة نصر الثورة السورية”.

وحول أسباب تأخر هذه الانطلاقة أكد مصدر في وزارة الإعلام لموقع تلفزيون سوريا (غير مخول بالتصريح) أن الأمر يتعلق بالنواحي الفنية والتقنية، وهو ما يتم العمل عليه حالياً، إذ كانت الأدوات والأمور اللوجستية المتعلق بالبث تعاني من حالة ترهل وفساد أيام النظام البائد، وأغلبها قديم، ومن ناحية أخرى -يضيف المصدر- يتعلق الأمر بتهيئة الكوادر الوطنية وإعدادها لتحل مكان الكوادر التي كانت تدير هذه المؤسسات قبل سقوط النظام.

ويضيف المصدر أن من أسباب التأجيل أيضاً هو ما يتعلق بوضع سوريا بشكل عام والتحديات التي العسكرية والاقتصادية والأمنية التي تواجهها، وتأثير هذه التحديات على صياغة خطاب إعلامي وطني منضبط.

وحول موعد انطلاق بث التلفزيون الرسمي والقنوات التابعة له كالإخبارية السورية أوضح المصدر أن الأسبوع القادم سيشهد انطلاق هذه القنوات، ليتبعها بعد ذلك تفعيل وكالة “سانا”.

إلا أن المدير العام السابق للتلفزيون السوري، ممتاز الشيخ، استبعد في تصريحات صحفية وجود أي عائق تقني يحول دون مواصلة البث التلفزيوني الرسمي، وأشار إلى أن عدم توفر النهج الإعلامي أو خطة بديلة لتغطية ساعات البث بالنسبة لأعضاء السلطة الجديدة، يمكن أن يكون السبب الرئيسي في تأخير البث.

من يملأ الفراغ؟

أدى انهيار المؤسسات الإعلامية الرسمية بعد سقوط النظام البائد في 8 ديسمبر/كانون الأول إلى فراغ إعلامي، وهو ما جعل المواطنين يعتمدون على مصادر غير موثوقة للحصول على المعلومات، ما فتح الباب واسعاً أمام التلاعب بالمحتوى المنشور على مواقع التواصل الاجتماعي، الذي باتت من المصادر الرئيسية للأخبار بالنسبة للسوريين.

وفي وسط هذا الغياب للإعلام الرسمي كان هناك مصدران وحيدان للأخبار فيما يخص الأحداث التي شهدتها منطقة الساحل: الأول كان الفيديوهات التي صورها المقاتلون الذين شاركوا في عمليات التصدي لفلول النظام، والذين تم اتهام مجموعات منهم بارتكاب انتهاكات بحق المدنيين، وانتشرت هذه المقاطع بشكل كبير على تليغرام وواتساب، أما المصدر الثاني فكان شهادات الناجين أو أقارب الضحايا أو المواطنين المحاصرين الذين استخدموا مواقع التواصل الاجتماعي لمناشدة العالم التدخّل لحمايتهم من مجزرة محتملة.

وتعليقاً على هذا الواقع يرى الإعلامي نورس العرفي مدير وكالة المصدر الإخبارية أن غياب الإعلام الرسمي يفسح المجال لأشباه الإعلاميين أو للإعلاميين أصحاب الأجندات، إذ يرون المجال أمامهم مفتوح، ويرون الظروف مواتية لكي يقوموا بنقل الوقائع وفقا لأجنداتهم تحت غطاء الموضوعية في نقل الأحداث.

ويشدد العرفي في حديثه لموقع تلفزيون سوريا أن غياب هذا الإعلام يفتح الباب للتأويلات، ويعطر فرصة كبيرة لوسائل الإعلام التي بالفعل لديها أجنداتها الخاصة، أما لو كان هناك إعلام رسمي يستطيع أن يصحح المغالطات ويستطيع أن ينقل الصورة بدقتها وخاصة مع وجود مراسلين على الأرض ينقلون الحقائق للعالم، فإن ذلك سيكون كفيلاً إلى درجة كبيرة بملء هذا الفراغ، وقطع الطريق على كثير من محاولات التشويه والتضليل.

تلفزيون سوريا

—————————

فلول.. أم انقلاب.. أم صراع محاور إقليمية ودولية؟/ محمود عثمان

2025.03.11

في 2 مارس/آذار 2025 اعتقلت السلطات السورية عناصر موالية للأسد في بلدة عين شقاق بجبلة، وصادرت أسلحتهم قبل إحالتهم إلى القضاء، ثم بدأت حملة تمشيط في منطقة الدعتور بريف اللاذقية، فقامت فلول النظام البائد بنصب كمين أسفر عن مقتل عنصرين أمنيين.

في 3 مارس/آذار 2025، أعلنت ميليشيا جديدة تدعى “أولي البأس”، عن تأسيسها مؤكدة في بيانها تبنيها نهجًا معاديًا للغرب، ويحمل شعارها صورة ذراع مرفوعة تحمل بندقية، في تصميم مشابه لشعارات الفصائل المرتبطة بطهران، مما يعزز الروايات بأن الميليشيا الجديدة جزء من استراتيجية طهران للحفاظ على نفوذها عبر قوى بالوكالة.

في 4 مارس/آذار 2025، أنهت قوات الأمن عملية في مدينة الصنمين بمحافظة درعا، استمرت 24 ساعة ضد مجموعة مسلحة يقودها محسن الهيمد. وقد أسفرت المواجهات عن مقتل 15 شخصًا، وأعلنت قوات الأمن السيطرة الكاملة على المدينة، مع استمرار الإجراءات الأمنية المشددة.

في غضون ذلك، تصاعد التوتر في السويداء، حيث رفع انفصاليون دروز علمهم فوق مبنى المحافظة، مرددين هتافات ذات طابع طائفي تطالب بإقالة المحافظ، ما زاد من حدة التوتر في المنطقة.

في 5 مارس/آذار، تقدمت القوات الإسرائيلية داخل مدينة البعث، مستخدمة الدبابات والمعدات الثقيلة لتدمير الطرق وتجريف الأراضي الزراعية والسيطرة على المباني الحكومية. وزع الجنود مساعدات تشمل الأرز والبطانيات والزيت، وعرضوا فرص عمل زراعية داخل إسرائيل على السكان المتضررين، في حين شنت القوات الجوية الإسرائيلية غارات على مستودعات أسلحة في القرداحة.

في 6 مارس/آذار 2025، اشتدت المواجهات في المنطقة الساحلية عقب مقتل وئام خضور، القائد السابق لميليشيا “درع الساحل” الموالية للنظام، حيث نصبت فلول النظام البائد كمينا استهدف دورية للشرطة السورية في جبلة، ما أسفر عن مقتل 13 عنصرا على الأقل.

في غضون ذلك، سيطر موالون للنظام البائد على مدينة القرداحة، ما دفع القوات الأمنية إلى التدخل، وأسفرت الاشتباكات عن مقتل العشرات من المسلحين وبعض المدنيين.

بالتزامن مع تمرد القرداحة، شنت فلول النظام البائد هجومًا مسلحًا على مبنى محافظة طرطوس، ما أدى إلى اشتباكات مع قوات الأمن الداخلي. سارعت الأجهزة الأمنية إلى تطويق المنطقة لاحتواء الهجوم وإعادة فرض النظام.

في 7 مارس / آذار 2025، بدأت قوات الأمن عمليات تمشيط واسعة ضد فلول النظام البائد في اللاذقية وطرطوس، لترسيخ سيطرتها على المحافظتين، حيث باشرت الوحدات العسكرية بالتقدم نحو الأرياف بعد سلسلة كمائن نفذتها فلول النظام البائد.

مصادر محلية ذكرت أن عدة طائرات روسية أقلعت من قاعدة حميميم الجوية، تزامنًا مع اندلاع اشتباكات عنيفة بين القوات الحكومية السورية وبقايا فلول النظام البائد قرب جبلة. حيث يشير هذا التحرك إلى حرص موسكو على تأمين أصولها ومراقبة الصراع المتصاعد.

في تطور لافت، وصلت تعزيزات ضخمة من شمالي سوريا، مع تحرك أرتال عسكرية من إدلب والأتارب، حيث تم إعلان التعبئة العامة، مما دفع الآلاف للانضمام إلى جبهات القتال في الساحل.

مع حلول الليل، تمكنت القوات المشتركة من تأمين الخطوط الأمامية على الساحل، واستعادت السيطرة على نقاط تفتيش استراتيجية، بما في ذلك محيط قاعدة حميميم الجوية، من خلال عملية أمنية كبيرة.

صراع المحاور الدولية والإقليمية في سوريا

من أجل فهم حجم التدخل الخارجي في أحداث الساحل الأخيرة، لا بد من العودة إلى التصريحات الإيرانية التي دعت السوريين إلى العصيان.

وكذلك تصريحات وزير الخارجية التركي هاكان فيدان التي اتهم فيها إيران بالعمل على زعزعة الأوضاع في المنطقة، وما تبع ذلك من تراشق إعلامي تركي-إيراني.

ثم التصريحات المتتالية من المسؤولين الإسرائيليين، ابتداء من نتنياهو، وليس انتهاء برئيس لجنة الأمن القومي في الكنيست، الذي زعم فيها بأن سوريا يجب أن تكون من دون قدرات عسكرية، مضيفا بأنهم ⁠لن يسمحوا بظهور قوة عسكرية في سوريا.

ثم جاء تصريح وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، الذي اتهم فيه قوات الأمن السورية بشكل مباشر، وكذلك بيان  الخارجية الأميركية الذي قال : “تقف الولايات المتحدة إلى جانب الأقليات الدينية والعرقية في سوريا، بما في ذلك المجتمعات المسيحية والدرزية والعلوية والأكراد، وتقدم تعازيها للضحايا وأسرهم”. لتؤكد حجم التدخل الخارجي في الأحداث الأخيرة.

ما هي أهداف التدخل الخارجي؟

لا يخفى على المتابع للشأن السوري، بأن عملية تمرد فلول النظام البائد، كانت عملية محكمة ومخطط لها دولياً وبدقة عالية، ليكون هدفها الأول، تأسيس مرجعية دينية علوية، برئاسة الشيخ غزال غزال وباسل الخطيب، ثم يتم الإعلان عن تأسيس مجلس علوي إسلامي، يتبعه حشد وتجييش إعلامي كبير عبر وسائل التواصل الاجتماعي، تقوم به شخصيات مشهورة أمثال مقداد فتيحة وغيره.

في المرحلة التالية، وبعد الحصول على ما يسمونه “حق الانفصال”، يتم الإعلان على ما سماه فتيحة ساعة الصفر، بالتنسيق مع ميليشيات “قسد” في منطقة شرق الفرات، وبعض “مشايخ العقل” في السويداء، فتكتمل حلقات حصار الإدارة الجديدة في دمشق.

إذن، ما حدث بالساحل السوري هو مخطط خارجي، المراد منه في حال نجاح الخطة، عزل الساحل عسكرياً، مما يؤدي بشكل طبيعي إلى تفكيك سوريا، وتقسيمها إلى أربع مناطق.

أما في حال فشل الخطة، فسيتم اللجوء إلى حملات المظلومية بذريعة حماية الأقليات في سوريا، وهذا ما بدأنا نشهد بوادره مؤخرا، حيث بدأت تتعالى الأصوات التي تطالب المجتمع الدولي بالتدخل، وهذا معناه تعطيل عملية رفع العقوبات المفروضة على سوريا، مما سيؤدي إلى تفاقم معاناة الشعب السوري الذي يعاني أصلا من حالة صعبة مركبة من الركود والفقر والحصار.

أخيرا

لا شك بأن الشعب السوري الذي هب هبة رجل واحد، وهرع من كل حدب وصوب للوقوف إلى جانب قوات الأمن في الساحل، سوف يظل صمام الأمان لوحدة التراب السوري، ولن يسمح للمتربصين بتحقيق أطماعهم في تقسيم سوريا.

وهنا لا بد من الإشارة إلى أن الشعب السوري ليس وحيدا في معركة الوجود والبقاء التي يخوضها، فهناك عمقه العربي، الذي لن يترك سوريا نهبا للأطماع العدوانية والتقسيم، وهناك عمقه الإسلامي أيضا، وفي مقدمته تركيا، التي تعتبر أمن سوريا واستقراها من أمن تركيا واستقرارها.

لابد من دعم عربي حقيقي عاجل لسوريا، ولابد من دعم تركي حقيقي عاجل لسوريا، ولا بد من توسيع دائرة المشورة، والاستفادة من الخبرات الوطنية لدى الإدارة الجديدة بقيادة الرئيس أحمد الشرع، من أجل دحر الأطماع الخارجية، وبسط هيبة الدولة على كامل التراب السوري.

تلفزيون سوريا

——————————-

مسؤولية الشرع لإنقاذ سوريا: معاقبة المرتكبين وحل الفصائل/ منير الربيع

الإثنين 2025/03/10

لا قوة لعاقل، أو قدرة على متابعة “الفيديوهات” والصور التي ترد من الساحل السوري. لا احتمال لسماع مناجاة النساء أو الأطفال أو الرجال الذين واجهوا عمليات قتل ممنهجة. ولا قدرة على التطلع بأعين هنادي زحلوط تلك المعارضة السورية وزهرة الثورة ضد نظام الأسد، وهي تنعي اخوتها الثلاثة. ولا تُحتمل لحظات الحصار التي عاشها سمير حيدر في بانياس وهو المعتقل السابق في سجون نظام الأسد، والذي خسر شقيقه المعتقل أيضاً في سجون نظام الأسد. ولا قدرة على قراءة رسالة تصل من إحدى نساء الساحل، بلغ قلبها حنجرتها، فاختنق كلامها وهي تقول إنها قد خسرت والدها وشقيقها و11 شخصاً من جيرانها. كانت الثورة السورية ضد “الأسدية” بكل صنوفها وصفوفها، وأخلاقها وممارساتها. لذا لا يمكن العودة إلى تكرار ممارسات “الأسدية”. ومن يريد محاكمة مرتكبي مجزرة البيضاء أو التضامن أو غيرها من المجازر، لا يُفترض به أن يسمح بتكرار أي عمل مشابه.

عقلية الدولة

لا يمكن التقليل من خطورة ما حصل، ولا يمكن حصره باعتباره “مؤامرة خارجية” فقط. وإن كانت هناك جهات في الخارج ستستثمر بكل هذه التناقضات، أو تعمل على تغذية الصراع وتأجيجه. هناك حاجة ماسة لمعرفة حقيقة المجتمع السوري، والتعامل معه بعقلية الدولة، لا عقلية الثأر أو الحرب. وهو ما يفرض على السلطة الجديدة التغيير من وضعيتها من قوة تسيطر على الحكم، إلى قوة قادرة فعلياً على بناء الدولة. وفرضاً، لو حمّلت الإدارة الجديدة مسؤولية بدء المعركة لـ”فلول النظام” بوصفهم ارتكبوا جريمة بحق عناصر الأمن العام، فلا يمكن لهذه السلطة أن تردّ بما هو أفظع وأشنع، ولا أن تسمح لفصائل كثيرة بالدخول إلى مناطق المدنيين وبيوتهم وارتكاب المجازر بحقهم. بل مسؤولية الإدارة الجديدة حماية كل السوريين، ولا سيما أهل الساحل من الفلول، وليس ارتكاب المجازر بحقهم لوضع الطائفة العلوية ككل في موضع مواجهة “حرب وجودية”، كما لا يجدر بالسلطة الجديدة أن تسمح لأي جهة محسوبة عليها بشنّ عمليات بأسلوب “إدارة التوحش” لإخافة العلويين أو إخافة مكونات أخرى في سوريا بالمشاهد التي جرى تعميمها في الساحل.

مسؤولية الشرع

ما جرى أطاح بأيام التحرير الأبيض، والصورة الإيجابية التي طبعت منذ إطلاق عملية ردع العدوان وصولاً إلى الدخول إلى دمشق بعد هروب بشار الأسد. حجم ما جرى هو أكبر وأخطر من كل ما يمكن أن يحصل، وهو ما يستدعي اتخاذ مواقف استثنائية وجريئة جداً، من مسؤولية الرئيس السوري أحمد الشرع الإقدام عليها. وذلك لتحويل ما جرى إلى فرصة لمحاسبة المرتكبين، وإعادة توحيد البندقية تحت إمرة جيش وطني موحد، ولأجل استعادة اللحمة الوطنية. وذلك يفترض أن يبدأ بالدعوة لحوار وطني عام وشامل بمشاركة كل القوى الاجتماعية والسياسية، وتشكيل حكومة جديدة من خلال إشراك مختلف المكونات، واستدعاء قوى المعارضة السياسية التي تم استبعادها عن المشاركة في النشاط السياسي طوال الفترة الماضية، من أجل العودة والمشاركة الجدية والفعلية في صوغ مستقبل سوريا.

إلى جانب الإجراءات العملانية وأهمها:

– حلّ التنظيمات المتطرفة.

– إخراج المقاتلين الأجانب من سوريا.

– توحيد كل القوى العسكرية ضمن جيش وطني له ضوابطه وقواعد عمله، ويخضع من ينتمي إليه إلى تدريبات شاملة، وتأهيل سياسي وحقوقي.

– محاسبة المسؤولين عن ارتكاب الجرائم تماماً كما يتم العمل على ملاحقة فلول النظام السابق.

– بذل كل الجهود الكبيرة لإصلاح العلاقة مع أهل الساحل السوري، والتعويض الذي يجب أن يبدأ بتحقيق العدالة السريعة للسكان والأهالي.

– منع فرض الطقوس الاجتماعية أو الدينية على مختلف شرائح المجتمع السوري واتخاذ قرارات حاسمة بهذا الشأن.

– الانفتاح على كل القوى في مختلف المناطق، والعمل في سبيل عقد مؤتمر وطني عام بمشاركة الجميع فعلياً، تُرسم فيه ملامح المستقبل السوري.

لا بد لكل الأقوال التي ترد على لسان المسؤولين -وعلى رأسهم الشرع- أن تُقرن بالأفعال، وتنعكس في السلوك من خلال محاكاة هواجس كل القوى الاجتماعية والسياسية في سوريا، ومنع تكرار ما جرى في الساحل في مناطق أخرى.

ما دون ذلك، يمكن لسوريا أن تتحول إلى النموذج الليبي، أو العراقي أو اللبناني أيام الحرب الأهلية. وأي استخفاف في الوقوف بمسؤولية أمام كل ما جرى من مجازر ومخاطر وارتكابات بحق المدنيين، سيسهل ويسرّع الطريق نحو الحرب الأهلية.

المدن

——————————-

سوريا وتجاوز الفتنة والتقسيم: الاتفاق مع الأكراد خطوة أولى/ منير الربيع

الثلاثاء 2025/03/11

كان متوقعاً أن يكون التفاعل الدولي مع الجرائم التي ارتكبت في الساحل السوري سريعاً. بخلاف ما كانت عليه الحال عندما أقدم نظام الأسد على ارتكاب المجازر بحق الشعب السوري. هذا التفاعل الدولي له أسبابه الكثيرة، لا سيما أنه على الرغم من الاحتضان الدولي الكبير لسوريا ما بعد الأسد، إلا أن المواقف المرحبة والفرصة الممنوحة للإدارة الجديدة، لم تقترن بالأفعال وخصوصاً على صعيد رفع العقوبات. رسائل كثيرة وصلت إلى الإدارة السورية الجديدة تفيد بأن هناك “فترة اختبار” لتعاطيها مع الداخل ومع الخارج، على أن تبقى سياسة “الخطوة مقابل خطوة” هي السائدة. تعددت المواقف الدولية التي صدرت تجاه ما يجري في سوريا، بين من سارع إلى إدانة المجازر التي ارتكبت، ومن عبّر عن رفضه لأي محاولة إخلال بالوضع السوري، ومن حمّل مسؤولية ما جرى لفلول الأسد، مع غمز من قناة دول إقليمية.

دخلت الإدارة السورية في سباق مع الوقت ومع القوى الإقليمية والدولية في محاولة للملمة التداعيات، وذلك من خلال الاتفاق مع الأكراد، بما يرسل إشارات طمأنة إلى الأميركيين.

بين روسيا وإسرائيل

جاء ذلك بعدما تحركت روسيا في اتصالاتها مع الولايات المتحدة الأميركية لعقد اجتماع لمجلس الأمن الدولي، لبحث تطورات الوضع السوري. بينما كانت فرنسا تسعى إلى عقد جلسة مغلقة لمجلس الأمن. في المداولات التي جرت بين الدول، كان هناك اقتراح روسي نوقش مع بعض الدول الغربية لاتخاذ موقف أو قرار عملاني، يصل إلى استخدام الجو السوري للتحرك والتدخل لمنع حصول مجازر بحق طائفة بعينها. بينما كانت بعض المواقف الغربية تركز على ضرورة حماية الأقليات. حاولت موسكو التقارب والتقاطع مع واشنطن حول هذا الهدف، كما هناك تقاطع مع إسرائيل لتقويض نفوذ الشرع وسلطته. يأتي ذلك بعد تصريحات إسرائيلية كثيرة تشير إلى ضرورة أن تبقى سوريا خاضعة “للمدى الحيوي الإسرائيلي”، وأن تكون تل أبيب صاحبة اليد العليا، مع الإشارة إلى أن مشروعها يرتكز على الأقليات، أو تقسيم سوريا إلى أقاليم.

القلق العربي واللبناني

جدياً، تقف سوريا أمام مفترق طرق خطير، المعالجة السريعة أو استمرار التوترات واتساعها ما سيهدد بتقسيمها إلى مناطق نفوذ. وهو ما يتعارض مع الهدف الإستراتيجي الذي أعلنه الرئيس السوري أحمد الشرع، ومع مواقف كل الدول العربية التي شددت على التمسك بوحدة الأراضي السورية. خصوصاً أن هناك قناعة لدى جهات عديدة، بأن أي مشروع لتقسيم سوريا أو خلق اهتزاز أمني دائم ومستمر فيها بما يكرس مناطق النفوذ الموزعة على أساس طائفي أو ديني أو مذهبي، فإنه سيكون نموذجاً يطال كل الدول المجاورة. وهو حتماً سيكون مشروعاً يلبي الطموح والهدف الإستراتيجي الإسرائيلي في جعل دول المنطقة والكبيرة منها خصوصاً معرضة لاهتزازات، أو مقسمة إلى أقاليم، ما يجعل إسرائيل تتجاوز “عقدة مساحتها” وتكرّس أكثر منطق “يمينية الدولة ويهوديتها من الناحية القومية”.

إطالة أمد الاهتزاز، الصراع، الاقتتال، والجرائم في سوريا، لا بد له أن ينعكس على لبنان أيضاً، شمالاً وبقاعاً، وهو سيسهم في تقويض مشروع الدولة في لبنان كما في سوريا. كما أن الجرائم التي ارتكبت، والتجاوزات التي حصلت، ونفذتها فصائل عديدة ضد أبناء الطائفة العلوية، سيجعل أبناء الطوائف الأخرى متمسكين بسلاحهم ويسعون إلى البحث عن جهات خارجية لدعمهم. الأمر نفسه سينطبق على الواقع اللبناني الذي يتأثر إلى حدود بعيدة بما يجري في سوريا. كما أن ذلك سيدفع حزب الله في لبنان إلى التمسك بسلاحه تحت شعار قديم جديد وهو حماية وجوده ووضعه على الحدود اللبنانية السورية، ما سيسهم أيضاً في تقويض مشروع الدولة في لبنان، خصوصاً في ظل الإصرار الإسرائيلي على الإمعان في الاعتداءات الأمنية، والعسكرية، ومواصلة الاحتلال البري لنقاط عديدة في جنوب لبنان.

فرصة للإدارة السورية

تجد سوريا نفسها مهددة من الداخل والخروج. فجنوباً هناك التهديد الإسرائيلي المستمر والاعتداءات المتواصلة وعملية القضم المستمرة. بالإضافة إلى المحاولات الإسرائيلية الساعية إلى الاستثمار بالصراعات الداخلية لاستمالة مجموعات مختلفة من الشعب السوري. هذا الأمر واجهه الشرع بالتقارب مع قوات سوريا الديمقراطية، والاتفاق الذي أُبرم، وسط معلومات كشفت عنها “المدن” تتصل بالعمل على اتفاق مماثل مع السويداء. بذلك يكون الشرع قد نجح في تجاوز عقبات أساسية، أبرزها إجهاض محاولة “فلول الأسد” للسيطرة على الساحل، وفتح قنوات التنسيق مع قسد ومع الدروز، على أن يُستتبع ذلك بمسار سياسي كامل حول اكتمال عقد السلطات وتشكيل الجيش الوطني وحلّ كل الفصائل.

أي خطر يتهدد سوريا، سينعكس على لبنان الذي يواجه تحديات من الجنوب إسرائيلياً، ومن الحدود الشرقية والشمالية، بنتيجة ما يجري في سوريا وانعكاسه على البيئات اللبنانية المختلفة.

لا تزال هناك فرصة دولية وإقليمية ممنوحة للإدارة السورية الجديدة، مع إطلاق الكثير من إشارات الضغط، بالإضافة إلى تأخير مسار رفع العقوبات عن دمشق، وخصوصاً من قبل الإدارة الأميركية. وهو على ما يبدو يرتبط بالالتزامات التي يُفترض بالإدارة السورية تقديمها للخارج. في المقابل، هناك حاجة سورية لمواجهة مسار ما تسعى إسرائيل إلى فرضه، من خلال خلق مظلة إقليمية وعربية ودولية توفر لها الغطاء اللازم للمواجهة. والأهم، هناك حاجة إلى إعادة تعزيز الوحدة الوطنية السورية، وذلك من خلال السعي لإيجاد طريقة خلاقة لحلّ كل الإشكاليات العالقة، مع سكان الساحل واستدامة الاتفاق مع قسد، ومع الدروز وكل المكونات الأخرى.

ما خسرته الإدارة الجديدة إثر المجازر، يحاول الشرع تحويله إلى فرصة بدأها بالتفاهم مع قسد، وسيعمل على توسيعها. لذا، هناك عملية سياسية يفترض أن تنطلق سريعاً برعاية عربية، إقليمية، ودولية، ومع الأمم المتحدة، للتصدي للمخططات الإسرائيلية واحتضان كل السوريين، ووضع تصور حول تكريس الوحدة الوطنية السورية، التي لا تكون قائمة على منطق الغلبة من أي طرف على حساب الأطراف الأخرى، خصوصاً أن السوريين الذين خرجوا في الثورة كان هدفهم أن يكونوا شركاء في صناعة مستقبلهم السياسي، لا أن يكونوا مهمشين أو تابعين مع صيغة لامركزية تكون مقبولة من مختلف المكونات. وهؤلاء بانخراطهم وشراكتهم يُفترض بهم تقوية الإدارة الجديدة لا إضعافها، ولا البحث عن جهات خارجية تساعدهم للاستقواء على الإدارة الجديدة، أو اكتفاء الأخيرة بالسيطرة في دمشق والوسط والشمال، بينما يبقى الجنوب والشمالي الشرقي والساحل بحالة تفلت دائمة.

المدن

——————————-

هل تعود روسيا إلى سوريا من بوابة حماية الأقليات؟/ مصطفى رستم

قد تضغط موسكو باستصدار قرار من مجلس الأمن لإنهاء حال الإرهاب بالتوافق مع إدارة ترمب

طالب مدنيون في الساحل السوري بالحماية الروسية، وعبر عشرات من أهالي الساحل إثر تجمع أمام قاعدة مطار “حميميم” عن مخاوفهم من تصاعد الاقتتال الداخلي، وسط مناشدات بالتدخل لحقن الدماء، ودعوات إلى الأمم المتحدة وروسيا والمجتمع الدولي لحمايتهم.

فوق تلال الجبال الساحلية المطلة على البحر المتوسط في سوريا، لا صوت يعلو على صوت الرصاص، بعد معارك ضروس أدخلت الرعب في نفوس السكان، بينما قرار حظر التجوال لا يزال سارياً، وبدا واضحاً أنه لا مكان لصوت الحكمة حقناً لدماء السوريين بعدما فجرها كمين لمجموعة مسلحة من فلول النظام أسفر عن 16 قتيلاً من أفراد الأمن العام الحكومية.

وللمرة الأولى منذ اندلاع الحرب السورية عام 2011 تقصف قرى في اللاذقية عبر مروحيات الجيش السوري، بعدما ظلت هذه المروحيات تقصف الشمال في إدلب، وأماكن تجمعات النازحين قسراً من بيوتهم، هكذا يقول مصدر ميداني من أفراد الجيش الحكومي كان شاهداً على معركة السادس من مارس (آذار) الجاري.

هجوم (بيت عانا)

وفي التفاصيل وبعد متابعة من قوات الأمن وملاحقتها لشخصيات بارزة في الجيش والأمن بنظام الأسد شن أفرادها حملة أمنية في قرية بيت عانا، وهي مسقط رأس جنرال سابق في الجيش السوري وقائد الفرقة 25 مهام خاصة، ودار اشتباك واسع، ولصعوبة الموقف تدخل للمرة الأولى الطيران المروحي الحربي للمشاركة في الحملة، حيث تمكن أفراد القوى الأمنية من اعتقال رئيس الإدارة العامة في جهاز الاستخبارات الجوية السابق، إبراهيم حويجة (برتبة لواء).

ورغم التزام الجيش الروسي الصمت والحياد حيال التطورات الأخيرة في سوريا بعد هرب بشار الأسد، وسقوط النظام في الثامن من ديسمبر (كانون الأول) الماضي، شوهدت أثناء العملية العسكرية طائرات حربية روسية على علو منخفض في أماكن الحملة الأمنية، ويبدو أنها أرغمت المروحيات الحربية على الانسحاب، بينما انتقلت الاشتباكات العنيفة إلى المناطق الواقعة بقاعدة حميميم الروسية بريف جبلة، باللاذقية تخللها قصف مدفعي مع سماع لأصوات صفارات الإنذار من داخل القاعدة الروسية.

مناشدات حقن الدماء

في غضون ذلك طالب مدنيون في الساحل السوري بالحماية الروسية، وعبر عشرات من أهالي الساحل إثر تجمع أمام قاعدة مطار “حميميم” عن مخاوفهم من تصاعد الاقتتال الداخلي، وسط مناشدات بالتدخل لحقن الدماء، ودعوات إلى الأمم المتحدة وروسيا والمجتمع الدولي لحمايتهم، كما جاء في بيان لعلماء الطائفة “نتوجه إلى شيخ عقل المسلمين الموحدين الدروز الشيخ حكمت الهجري بطلب مساندتنا ورفع الظلم عنا”.

وحول إمكانية تدخل روسيا لتأمين الحماية في الساحل تحدث من موسكو لـ”اندبندنت عربية” مدير مركز “جي أس أم” للدراسات، آصف ملحم، حيث يرى أنه “بعد سقوط النظام لم يعد الشعب في صراع مع النظام بل بات اليوم في صراع مع نفسه”، ولا يستبعد إمكانية تدخل روسيا في حال تطورت الأمور.

يقول ملحم، “من الممكن أن تضغط روسيا باستصدار قرار من مجلس الأمن الدولي لإنهاء حال الإرهاب في سوريا رغم أن قرار المجلس 2254 ينص بوضوح على أنه لا بد من إنهاء الإرهاب في سوريا لا سيما وجود المقاتلين الأجانب ومجموعات لا تزال مصنفة دولياً على أنها منظمات إرهابية، ولم تزل ضمن قوائم الإرهاب حتى بعد سقوط النظام، ولذلك فإن الفرصة الوحيدة أمام موسكو هو تفعيل هذا القرار بشكل أو بآخر، بالتوافق مع الولايات المتحدة الأميركية، وخصوصاً أن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب ضد كل الجماعات المتطرفة”.

ويرى مدير مركز الأبحاث الروسية أنه “إذا حظي هذا التحرك بإجماع عربي ودولي، لا سيما من قبل دول محورية مثل مصر والسعودية والعراق، بالتأكيد يمكن أن تتدخل روسيا الاتحادية عسكرياً بعد اجتماع مجلس الأمن الدولي”.

في المقابل يستبعد العقيد عبدالجبار العكيدي، وهو من أوائل الضباط المنشقين عن جيش النظام السابق في حديث خاص، قبول روسيا طلب الحماية من الطائفة العلوية وهي حالياً منتظمة في مرحلة مفاوضات مع الحكومة السورية لإبقاء قواعدها العسكرية في سوريا.

وتدور مفاوضات بين دمشق وموسكو تتمحور بصورة مباشرة حول ديون سوريا المستحقة سدادها لروسيا الاتحادية، وتراوح ما بين 20 و23 مليار دولار، ومن المرجح حل المعضلة عبر إلغاء الديون المستحقة أو في الأقل إعادة هيكلتها، وتعديل شروطها مقابل انفتاح على استمرار الوجود العسكري الروسي في البلاد، بالتوازي مع إجراء مكالمة هاتفية بين الرئيس السوري، أحمد الشرع ونظيره الروسي فلاديمير بوتين.

إزاء ذلك يدور الحديث عن دعم خارجي يتلقاه شخصيات النظام السابق الأمنية أدت إلى تشكيل مجلس تحرير سوريا، وسبقه لواء درع الساحل، ومعظم عناصره رفضوا تسليم السلاح للسلطات، ويبرر مراقبون للشأن السوري حدوث ذلك باتهامهم بأعمال تصفية، وأعمال عنف بعد عام 2011 وسط معلومات واردة عن مطالب بفتح حدود لبنان للهرب، بينما تحدثت مصادر عن إمكانية السماح لهذه الشخصيات باللجوء إلى القاعدة الروسية.

ويضع الباحث في القانون الدولي فراس حاج يحيى، التدخلات الخارجية في سلم العوامل المسببة لإثارة الفوضى من بعض الدول الإقليمية بهدف التشويش على عملية الانتقال السياسي في سوريا التي لا تزال مستمرة.

ويعتقد حاج يحيى بدور إيراني من خلال أذرعها في سوريا، وكذلك إسرائيل وبعض حلفائها مستغلين حال ضعف العهد السوري الجديد عسكرياً، وتشتته على أربعة محاور، الأول داخلي لبسط الأمن في مختلف المحافظات السورية والثاني جبهة شمال شرقي سوريا مع (قسد) والثالث جنوب سوريا واليوم محور جديد في الساحل بإيعاز إيراني على ما يبدو، ودور روسي لا يزال غير معلن بهدف زعزعة الاستقرار في سوريا ومحاولة تفتيتها بادعاء حماية الأقليات، بحسب رأيه.

حكومة لون واحد

يعتقد الباحث آصف ملحم أن ما يحدث في الساحل السوري يشير إلى حال احتقان بسبب عدم إيفاء الحكومة الحالية بوعودها، وفصلها أعداداً كبيرة من الموظفين، وقسم كبير منهم لم يتلق أجورهم، فضلاً عن ملاحقة المطلوبين وتعامل أفراد الأمن العام باقتحام المنطقة بطريقة مرعبة للمدنيين وهذا ما حصل في قرية عين الشمس، بحسب قوله.

وأضاف، “اعتقلوا طلاب جامعة لا علاقة لهم بالنظام السابق، وباتت عبارة (فلول النظام) تهمة جاهزة، إضافة للظروف المعيشية المعقدة والصعبة، لهذا من الطبيعي أن نشهد تحرك بعض من أبناء الطائفة العلوية التي تتعرض للظلم والاضطهاد أكثر من غيرها من أبناء مكونات الشعب السوري لا سيما الدروز في الجنوب، أو الأكراد في الشمال والشمال الشرقي إذ لم تقتحم كل تلك المناطق”.

إلى ذلك يتفق الباحث بالقانون الدولي فراس حاج يحيى حول ما أكده ملحم منوهاً إلى تقصير الحكومة الجديدة لكنه يبرر ذلك بأن العهد الجديد لديه ملفات متعددة يعمل عليها في مرحلة بناء الدولة الجديدة الخارجة من أتون حرب طويلة، ولديه ملفات داخلية وخارجية معقدة لا يمكن أن نطلب منه في ثلاثة أشهر حل مشكلات 14 عاماً من الحرب والمشكلات الاقتصادية والأمنية والعقوبات وغيرها.

وأردف “مؤتمر الحوار شابه بعض الملاحظات لكن مخرجاته كانت على مسافة واحدة من كل السوريين وحضره سوريون من كل الأطياف وفي كل المحافظات، وسبقه جلسات حوار امتدت فترة جيدة من الزمن وإن لم تكن طويلة، وعلى أي الأحول فالحكومة الحالية هي حكومة تصريف أعمال، والتعويل على الحكومة الانتقالية القادمة بأن تكون شاملة وتضم كل مكونات الشعب السوري”.

———————————–

الشرع: قتل العلويين يهدد الوحدة وسأعاقب المسؤولين حتى لو كانوا «أقرب الناس»

 دمشق: «الشرق الأوسط»

10 مارس 2025 م

قال الرئيس السوري، أحمد الشرع، إن عمليات القتل الجماعي لأفراد من الطائفة العلوية، التي ينتمي لها الرئيس المخلوع بشار الأسد، تشكل تهديداً لجهوده للمّ شمل البلاد التي مزقتها الحرب، وتعهّد بمعاقبة المسؤولين عنها حتى لو كانوا «أقرب الناس» إليه، وفق ما نقلته وكالة «رويترز» للأنباء.

وفي أول مقابلة يجريها مع وكالة أنباء عالمية بعد 4 أيام من الاشتباكات العنيفة بين أفراد من الطائفة العلوية وقوات أمن تابعة للحكومة الجديدة، حمّل الشرع جماعات موالية للأسد يدعمها أجانب مسؤولية إشعال الأحداث الدامية، لكنه أقر بأن أعمال قتل انتقامية وقعت في أعقاب ذلك.

وكان الشرع يتحدث لـ«رويترز» من القصر الرئاسي في دمشق حيث مقر إقامة الأسد حتى أطاحته قوات يقودها الشرع في 8 ديسمبر (كانون الأول) 2024 مما أجبره على الفرار إلى موسكو.

وقال الشرع: «سوريا نحن أكدنا أنها دولة قانون. القانون سيأخذ مجراه على الجميع». وأضاف: «نحن بالأساس خرجنا في وجه هذا النظام وما وصلنا إلى دمشق إلا نصرة للناس المظلومين… لا نقبل أن تكون هناك قطرة دم تُسفك بغير وجه حق، أو أن يذهب هذا الدم سدى دون محاسبة أو عقاب. مهما كان، حتى لو كان أقرب الناس إلينا، أو أبعد الناس إلينا… لا فرق في هذا الأمر. الاعتداء على حرمة الناس… الاعتداء على دمائهم أو أموالهم، هذا خط أحمر في سوريا».

وفي مقابلة تناولت كثيراً من الملفات، قال الشرع أيضاً إن حكومته لم تُجرِ أي اتصالات مع الولايات المتحدة منذ تولي الرئيس دونالد ترمب منصبه. وكرر مناشدة واشنطن رفع العقوبات التي فرضتها على دمشق في عهد الأسد.

وطرح أيضاً احتمال استعادة العلاقات بموسكو التي دعمت الأسد طوال الحرب وتحاول الاحتفاظ بقاعدتين عسكريتين مهمتين في سوريا.

ورفض الشرع انتقادات إسرائيل التي استولت على أراضٍ في جنوب سوريا منذ إطاحة الأسد. وقال إنه يسعى إلى حل الخلافات مع الأكراد؛ بما في ذلك عبر الاجتماع مع قائد «قوات سوريا الديمقراطية» التي يقودها الأكراد وتدعمها واشنطن منذ مدة طويلة.

وحمّل الشرع وحدة عسكرية سابقة موالية لشقيق الأسد وقوى أجنبية مسؤولية اندلاع العنف في الأيام الماضية، لكنه أقر بأن «أطرافاً عديدة دخلت الساحل السوري وحدثت انتهاكات عديدة».

وقال إن ذلك «أصبح فرصة للانتقام» من مظالم مكبوتة منذ سنوات، لكنه أضاف أن الوضع جرى احتواؤه إلى حد كبير منذ ذلك الحين.

وذكر الشرع أن 200 من أفراد قوات الأمن قُتلوا في الاضطرابات، في حين رفض الإفصاح عن إجمالي عدد القتلى في انتظار التحقيق الذي ستجريه لجنة مستقلة أعلن عنها، أمس الأحد، قبل المقابلة.

وقال «المرصد السوري لحقوق الإنسان»، وهو جماعة تراقب الحرب مقرها بريطانيا، إنه حتى مساء الأحد قُتل ما يصل إلى 973 مدنياً علوياً في هجمات انتقامية، بعد اشتباكات قُتل فيها أكثر من 250 مقاتلاً علوياً، وما يزيد على 230 من أفراد قوات الأمن.

وقال الشرع (42 عاماً) من داخل المقر الفخم للسلطة: «بصراحة؛ يضيق قلبي في هذا القصر. في كل زاوية منه، أستغرب كيف خرج كل هذا الشر منه تجاه هذا المجتمع».

والاضطرابات في الأيام القليلة الماضية، التي تعدّ أشد موجات العنف دموية منذ إطاحة الأسد، أكبر انتكاسة له في سعيه للحصول على الشرعية الدولية، لرفع العقوبات الأميركية وغيرها من العقوبات الغربية بالكامل، وتأكيد حكمه بلداً مزقته حرب استمرت نحو 14 عاماً.

وأقر الشرع بأن العنف الذي شهدته الأيام الماضية يهدد بعرقلة مساعيه للمّ شمل سوريا. وقال: «الحدث الذي حصل من يومين سيؤثر على هذه المسيرة… وسنعيد ترميم الأوضاع إن شاء الله بقدر ما نستطيع».

ولتحقيق هذه الغاية شكل الشرع «لجنة مستقلة»، وهي أول هيئة يشكلها تضم علويين، للتحقيق في عمليات القتل في غضون 30 يوماً وتقديم الجناة للمساءلة.

وأضاف أنه شُكّلت لجنة ثانية للمحافظة على السلم الأهلي والمصالحة بين الناس؛ «لأن الدم يأتي بدم إضافي».

ورفض الشرع الرد على سؤال بشأن ما إذا كان المقاتلون الأجانب أو الفصائل الإسلامية المتحالفة أو أفراد قوات الأمن الحكومية تورطوا في عمليات القتل الجماعي، وقال إن الأمر متروك للتحقيق.

وهزت أعمال القتل اللاذقية وبانياس وجبلة، وهي المدن الساحلية السورية الرئيسية؛ مما أجبر الآلاف من العلويين على الفرار إلى القرى الجبلية أو عبور الحدود إلى لبنان.

وقال الشرع إن موالين للأسد كانوا ينتمون إلى «الفرقة الرابعة» من الجيش السوري المنحل، التي كان يقودها ماهر شقيق بشار الأسد، وقوة أجنبية متحالفة، هم من أشعلوا فتيل الاشتباكات، يوم الخميس، لإثارة الاضطرابات وخلق الفتنة الطائفية؛ «لكي يصلوا إلى حالة من زعزعة الاستقرار والأمان في داخل سوريا».

ولم يحدد القوة الأجنبية، لكنه أشار إلى الأطراف التي خسرت من الواقع الجديد في سوريا، في إشارة واضحة إلى إيران حليفة الأسد منذ مدة طويلة، التي لا تزال سفارتها في دمشق مغلقة.

وقال الشرع إن الأمن والازدهار الاقتصادي مرتبطان بشكل مباشر برفع العقوبات الأميركية التي فُرضت على نظام الأسد. وقال أيضاً إن موسكو ودمشق اتفقتا على مراجعة كل الاتفاقات السابقة بين الدولتين، لكن لم يتوفر الوقت الكافي حتى الآن للخوض في التفاصيل.

وأضاف: «لا نريد أن تكون هناك قطيعة بين سوريا وروسيا، ولا نريد أن يكون الوجود الروسي في سوريا يسبب خطراً أو تهديداً لأي دولة في العالم، ونريد أن نحافظ على هذه العلاقات الاستراتيجية العميقة».

——————————-

سوريا وفراغ السياسة: هل الخبراء والمنظمات غير الحكومية بديل الأحزاب؟/ عمر الأسعد

تحديث 11 أذار 2025

ما زالت تهدد الكيان السوري المحطم جملة من التحديات، فالمسار الصعب نحو نجاة البلاد وأهلها، يتطلب جهداً أبعد من الخُطب الإنشائية، ومشاعر التفاؤل والتشاؤم، التي تجري الإحالة إليها من خارج الوقائع العيانية والسياسية.

فالمجتمع الذي لم يتعافَ من صراعاته النازفة بعد، يمكن للعنف أن يواصل جولاته فيه، وينفجر بطابعه الأهلي المعلوم في سوريا ومحيطها الإقليمي، على وقع أزمة اقتصادية تهدد حرفياً بالمجاعة، وغياب الأمن وتواتر الانتهاكات، وعدم وضوح إجراءات العدالة الانتقالية أو بناء الثقة. من هنا تأتي الحاجة إلى تعزيز دور السياسة، بما هي أداة للتعبير عن مصالح فئات متنوعة في المجتمع، وتوسيع المشاركة الشعبية في اتخاذ قرارات تمسُّ مستقبل بلدٍ مدمر، ليس على صعيد مؤسسات دولته وبنيته التحتية فحسب، بل على صعيد بناه الاجتماعية وروابط السياسة بين أفراده.

لكن والحال هذه، هل يمكن بناء الدولة على أنقاض نظام ديكتاتوري، كالذي عرفته سوريا، دون فضاء سياسي مفتوح، يتيح التعددية ويعزز المشاركة الفاعلة في النقاش واتخاذ القرارات؟ ولو سلّمنا جدلاً بأن الحرب انتهت، على ما يرغب الجميع، فهل يُعقل أن تدار المرحلة الانتقالية بعقلية فئوية؟ بينما يفترض أن يكون الهدف إعادة صياغة العلاقة بين المجتمع والسلطة على أسس جديدة، تقطع مع الاستبداد، وتنهي حكم الميليشيات. أليس تحييد الأحزاب والكيانات السياسية والنقابات، وتفضيل التعامل مع أفراد مقدمة جديدة لاحتكار السلطة؟ وتحويل السياسة إلى إدارة تقنية على يد منظمات مختصة، وخبراء مُلمَّعين يتقنون كتابة الوصفات الجاهزة بمعزل عن إرادة الناس.

الظاهر أن الواقع القائم حتى الآن هو عكس المطلوب، ففي بيانها بتاريخ 29 كانون الثاني/ يناير 2025 اتخذت فصائل إدارة العمليات العسكرية مجموعة من القرارات من ضمنها “حل حزب البعث العربي الاشتراكي، وأحزاب الجبهة الوطنية التقدمية، وما يتبع لهما من مؤسسات ومنظمات ولجان، ويحظر إعادة تشكيلها تحت أي اسم آخر، على أن تعود جميع أصولها للدولة السورية”. من المفهوم اتخاذ قرار بحل حزب البعث وجبهته الوطنية كواجهات للتركيبة الأمنية العسكرية الحاكمة سابقاً، مع العلم أن قيادة الحزب المليوني الذي “وحّد الأحرار والشعب العظيم” على ما يقول نشيده الرسمي، سبق لها تعليق عملها برسالة عبر تطبيق واتساب وصلت لقياداته. بيد أن المساواة التامة بين البعث والأحزاب الملتحقة بجبهته تستحق النقاش أكثر، فرغم صمتها المخزي عن الجريمة، إلا أن هذه الأحزاب يجب أن تُساءل وتخضع للتدقيق في امتيازاتها، وشبكات تمويلها، وفساد قياداتها المحتمل، ومحاكمة بعض رموزها، فيما يتعلق بارتباطاتهم الأمنية، وتشكيل ميليشيات تورطت في انتهاكات، لذا كان من الأفضل أن تشمل البعث وأحزاب الجبهة عملية تحقيق ومحاكمات واضحة، فليست كل هذه الأحزاب على السوية نفسها والسلوك والتأثير.

من ناحية أخرى، يجب عدم التغاضي عن منعها من تشكيل نفسها تحت أي مسمى كما يشير القرار، خشية أن يتمدد المنع والحل بعدها ليشمل أحزاب وتجمعات متعددة في تدرجاتها داخل الخريطة السياسية السورية، وصولاً إلى أحزاب معارضة ولها تاريخها في مواجهة الاستبداد. ولو واصلنا البند السادس سابق الذكر من بيان الفصائل مع البند السابع، الذي يقول: “استكمالاً لنضالها وتعزيزاً لدورها في بناء الدولة السورية الجديدة، تحل جميع الفصائل العسكرية والأجسام الثورية السياسية والمدنية وتدمج في مؤسسات الدولة” إذا اعتبرنا أن الفصائل التي سيطرت على السلطة بعد سقوط النظام من الطبيعي أن تسعى للاندماج والعمل المشترك، فما معنى حل جميع الأجسام الثورية السياسية والمدنية ودمجها في مؤسسات الدولة، هل هذا يعني أن جميع التجمعات والأحزاب التي تشكلت في سوريا قبل إسقاط النظام، أو بعده بقليل مستغلة هامش الحرية البسيط، الذي أتيح في البلاد تعتبر منحلة وممنوعة من العمل السياسي؟ وكيف يمكن لأحزاب أو تجمعات الاندماج في الدولة أصلاً على ما يشير القرار، إذ ليس من مهمة الأحزاب ولا الدولة أن يندمجا معاً بالأساس.

مرّ هذان البندان في زحمة الأحداث السورية ولم يثيرا ما يستحقانه من نقاش وتخوفات، ذاك أن بيان النصر وصل للناس عبر تلغرام، وتبعه في اليوم التالي خطاب لتخفيف حالة الاستياء، ثم بدأت فعاليات الحوار الوطني الأسرع بتاريخ الدول، بعدما تم تخفيض رتبته من مؤتمر تأسيسي دائم الانعقاد، يخرج بقرارات تتعلق بالدستور، ونظام الحكم، وطبيعة علاقة السلطات ببعضها، وعلاقتها بالمجتمع، إلى مؤتمر حوار بتوصيات غير ملزمة، افتقد التحضير له معايير الشفافية والوضوح، وانتهى ببيان تبدو بنوده الـ18 وقد أعدت بمعزل عن نقاش اللجان، وجهد أصحاب النوايا الطيبة والجادة من المدعوين والمدعوات.

يتوازى ما سبق مع تجاهل أي صيغة تشاركية جدية، فمع تصاعد أزمة تسريح العمال، تجري عمليات تعيين لمجالس النقابات المهنية من الأعلى، رغم أن بعض الجدية في العلاقة مع النقابات والتجمعات المهنية، تتيح للسلطة قنوات تواصل مع فئات اجتماعية متضررة، وتسمح بتخفيف الاحتقان الاجتماعي الحاصل، والذي يهدد بالانفجار. وعلى المنوال نفسه يمكن التعاطي مع المجالس المحلية في المدن والبلدات، فهذا على الأقل يضمن تواصلاً مع فئات تمثيلية لمجتمعاتها، وهو بالتأكيد أفضل من سياسة الأعيان والمكونات التي يجري اعتمادها، والتي تؤسس إلى شبكات زبائنية جديدة ومحسوبيات ووساطات.

في المقابل لا تحبذ السلطة القائمة العمل مع السياسيين والأحزاب، فالواضح تبنّي الفهم التقني للسياسة، بما يكتنف هذا الفهم من إضعاف للديمقراطية الغائبة أصلاً عن كل بياناتها وخطاباتها، ويتجاهل الديناميكيات الأيديولوجية والاجتماعية التي تدفع المجتمعات اتجاه التغيير السياسي، في سياق هذا الفهم، تطفو مصطلحات مثل الحوكمة، والخصخصة، والخبراء، واللجان، وأوراق السياسات، وكأنها بدائل العمل السياسي الفعلي، وأفضل من يقدم العروض فيها هم أفراد يقدمون بوصفهم “خبراء” دون هويات سياسية، يضاف إليهم منظمات مختصة، كسبت السلطة دستةً منها بعد سقوط النظام، وجرى اختزال المجتمع المدني فيها بصيغة مشوشة، لا تعني أكثر من منظمات غير حكومية تغطي على الفراغ السياسي، ولا يمكنها ملؤه، فهذه بالأساس هياكل غير ديمقراطية وغير منتخبة، ولا تخضع للمحاسبة السياسية أو الامتثال لقواعد العمل السياسي، في خلط واضح للمصالح، ولذلك بعض هذه الهياكل كان مطواعاً إلى جانب النظام السابق، ضمن مشروع الأمانة السورية للتنمية مثلاً.

في هذا السياق، لا يمكن الاستغناء عن السياسة اليوم في مجتمع سوريا المدمر، بما هي عملية تفتح باب التشاركية لأوسع الفئات الاجتماعية، بهدف طرح المشكلات صراحة، واستنباط حلول لها على طريق الخروج من حالة الحرب المديدة وتركتها، ووقف التهديدات الخارجية، غير أن الواضح إلى الآن هو الاكتفاء بترحيل الأزمات إلى وقت لاحق، ما يعني تعميقها وقابليتها الدائمة للانفجار.

كاتب وصحافي سوري

القدس العربي

—————————-

الانتقاد بين المشروع والتضليل/ فوّاز حداد

11 مارس 2025

مهما كانت الانتقادات الموجهة للسلطة الجديدة في سورية، سواء أكانت محقّة وضرورية، أمّ متحاملة ومُبتذلة، فإنّها تشكّل في جوهرها مؤشراً على مناخ صحي وحيوي افتقدناه لما لا يقلّ عن ستة عقود. فالاعتراض، بصرف النظر عن دوافعه، دليل على بدايات حياة سياسية يمكن للناس من خلالها التعبير عن آرائهم، وهذا بحد ذاته مكسب لا يمكن التقليل من شأنه.

سواء أُخذت هذه الانتقادات بالحسبان أو لم تُؤخذ، فهي تعكس انقساماً واضحاً بين فئتين: الأولى تريد المشاركة في بناء سورية جديدة عبر تصويب الأخطاء وتقديم البدائل، والثانية لا تريد المشاركة إلا بشرط الاستئثار بالبلد، ما يعني عملياً محاولة إرجاع عقارب الساعة إلى الوراء، وإن تحت شعارات براقة، لن تكون إلا في انتظار قوى إقليمية ودولية تتصارع على النفوذ في سورية، كما كان الحال عندما تحوّلت البلاد إلى ساحة للمساومات بين إيران وذراعها حزب الله، وروسيا وأميركا، وبالطبع إسرائيل.

في الماضي، كانت سوريا قابلة للتقاسم بين هذه القوى، وملكية خاصة لعائلة تعاملها كأنّها مزرعة شخصية. واليوم، ثمّة فرصة لمنح البلاد إكسير الحياة عبر الانفتاح، عوضًا عن الاستمرار في الدوران في فلك الاصطفافات والاتهامات المتبادلة.

بعيداً عن هذه التصورات الكبرى، لا يمكن إنكار أن الانتقادات كثيرة ومتنوعة، بعضها في محله تماماً، لكنّ المبالغة في الطرح، والشطط في الاتهام، والتهويل في التوقعات، وتكهن النيات، يُفقد هذه الانتقادات قيمتها. وإن كان من السهل الوقوع في فخ الشعارات الفضفاضة التي تستمرئ الشائعات وتعتمد على ترويج الأقاويل غير المدققة. لعل أصحاب هذه الانتقادات لو التزموا بقدر من العقلانية، أو تخلوا عن بعض الادعاءات، لكانت آراؤهم أكثر تأثيراً، وحظيت بنقاشات مثمرة يمكن أن تسهم في تطوير الأداء السياسي، بدلاً من أن تتحوّل إلى التحريض والانفعال، وربّما إلى اضطرابات لا يمكن تقدير عواقبها.

يومياً، وعلى مدار الساعة، يطالعنا “فيسبوك” بسيل لا ينضب من هذه الانتقادات، التي تراوح بين تعليقات عابرة ومقالات مطولة، لكنها في أغلبها لا تتجاوز كونها تدريباً على بث التشاؤم. فهناك من ينشغل بالبحث عن الأخطاء، وكأنه في سباق لإثبات أن السلطة الجديدة محكومة بالفشل لا محالة، سواء لأنها تتجاوز صلاحياتها أو لأنها لا تستعملها كما يجب. المهم أن أي خطوة تُقدم عليها السلطة، في نظرهم، هي بالضرورة خطوة خاطئة!

لكنّ المهارة الحقيقية لا تكمن في رفع سقف التوقّعات إلى مستويات تعجيزية، ثم التحريض عند عدم تحقّقها، بل في تقدير الأمور بواقعية، والمطالبة بالممكن فالممكن فالممكن. من حسن الحظ، لا تخلو الساحة من هؤلاء الذين يمتلكون هذا الوعي، لكنّهم في العادة لا يبالغون في الضجيج ولا ينجرفون وراء استعراضات جوفاء تدّعي أنّ المجتمع يمكن أن يتحوّل بين ليلة وضحاها إلى نموذج مثالي.

من هذا المفهوم الهلامي لمجتمع “مثالي”، يستعير بعض المنتقدين فكرة الوصاية على سورية والسوريّين، إذ ينطلقون من قناعة أنّهم أصحاب الرأي الصحيح، لكنّهم لا يأخذون بالحسبان أنّ البلاد تخرج من تركة مُثقلة بالجرائم والانقسامات، وأن البناء يحتاج إلى وقت وصبر، وإلا صادر نقدُ الواقع والمنطق، وحتى العقل. صحيح أنّه لن يؤدي إلى تغيير مؤثّر، لكنّه قادر على التضليل ونشر البلبلة.

كما يصادفنا أصناف من “الجهابذة” الذين لا يعبّرون عن آرائهم بقدر ما يكشفون عن عُقدهم الشخصية، من خلال ثرثرة تهدف فقط إلى تضخيم ذواتهم. بعضهم يتحدّث بثقة مفرطة عن أمور يجهلها، لكن ذلك لا يمنعه من الإفتاء فيها، وبعضهم يفترض مسبقاً أنَّ السلطة تقصد كذا وكذا، ثم يندفع في الهجوم عليها، وكأنّ افتراضاته حقيقة ثابتة.

هل هذا مرض سوري؟ لا، إنّه من أمراض البشر عموماً، لكنه يزداد تفشّياً في المجتمعات التي خرجت حديثاً من عهود القمع الطويل، حيث كان المواطنون لا يتكلّمون إلا همساً، أو يفضلون الصمت خوفاً من العواقب. لا عجب إذن أن تتدفق الآراء اليوم بهذا الكمّ الهائل، بعد أن كانت سورية بلد الخوف والموت.

ما بين الإفراط في الصمت والإفراط في الضجيج، تظلّ الحكمة في إيجاد المساحة الوسطى: نقدٌ يهدف إلى التصويب، ومطالباتٌ تستند إلى الممكن. عندها فقط يمكننا الحديث عن معارضة حقيقية، لا عن مجرد صدى لضجيج بلا معنى.

* روائي من سورية

العربي الجديد

—————————-

قبة حديدية سورية في مواجهة طوفان التزييف/ راشد عيسى

تحديث 11 أذار 2025

هل يمكن أن يكون الواقع السوري اليوم، بعد الأحداث المروعة التي عاشها الساحل السوري، ومناطق أخرى، نسخة مما صنعه الإعلام، الرسمي كما البديل؟

يمكن القول إننا نعيش، حرفياً، في قلب طوفان من الأخبار المزيفة، ولا يمر يوم، وربما ساعة، من دون أن نتلقى خبراً مزيفاً، وقد نقع في فخاخها بالفعل، من شدة الإلحاح وقوة وسرعة التداول. فخاخ لن ينجو منها إلا من أغلق كل أجهزته وقنوات تواصله مع العالم.

ليس غريباً أن تكون سوريا، وكل الدول المتأثرة بالتطورات فيها، هدفاً كبيراً للأخبار المضللة، فليس من السهل على محور الممانعة أن يخسر تلك البقعة «العزيزة»، طريق السلاح وغدق الأموال والكبتاغون، وما خسروه بقوة الثورة وأحلام الحرية والسلاح سيجهدون على استعادته بشتى الطرق الممكنة.

منذ ما بعد الثامن من ديسمبر/كانون الأول نعيش فعلياً، إن لم نقل نغرق، في طوفان الأكاذيب، وبالطبع لم تكن تلك لتنطلي لو كان هناك من اليقظة ما يكفي عن جمهور السوشال ميديا. ولقد أثبت تطور الوقائع في الساحل السوري أخيراً حيث انقلاب الفلول الخبيث واللئيم على الدولة أن التزييف أتى أكله، وأن الأرض سهلة لتصديق أي شيء. هناك عدد هائل من الصفحات المزورة التي نالت حظاً كبيراً من المتابعة، وهناك وجوه وألسنة مشهود لها بالكذب والتلفيق والإنكار تحظى بآلاف أو مئات الآلاف من المتابعات والمشاهدات من دون أن تجد من يقول لها كفى، من دون أن يعاقبها أحد حتى بمجرد المقاطعة.

لم نرد أن نصدق، أو ربما لم نكترث كثيراً، أن أكياس القمامة تلك في طريقنا ستتحول إلى كومة هائلة راسخة بعد حين، وربما سنسأل أنفسنا من أين جاءت!

كان من السهل، في الأيام الأخيرة، أن نصدق أي فيديو، أو «سكرين شوت»، بالقدر نفسه الذي ننكر فيه أي فيديو، إذ بات لدينا الإيمان الكافي أن للذكاء الاصطناعي، للمؤامرات الصنعية، قوة هائلة على اختراع أي حقيقة، وجعلها تمشي على الأرض فوراً ككائن فرانكنشتاين.

تأخرنا في استيعاب وتكان من السهل، في الأيام الأخيرة، أن نصدق أي فيديو، أو ‘سكرين شوت’، بالقدر نفسه الذي ننكر فيه أي فيديو، إذ بات لدينا الإيمان الكافي أن للذكاء الاصطناعي قوة هائلة على اختراع أي حقيقة.صديق انقلاب الفلول، إلى أن بتنا نشاهد نعوات أصدقاء لنا لأبنائهم وأعزائهم ممن استشهدوا في كمائن هنا وهناك، كما تأخرنا في تصديق حدوث مجازر، إلى أن باتت عائلات أسماء معروفة موثوقة، وعلى ضفة المعارضة، ضحايا الاقتياد والقتل في الشارَع.

وما زلنا، مع ذلك، حتى الساعة، ضحايا سيل لا يتوقف من التزييف.

وقد حذّرت وزارة الإعلام السورية، بالفعل من حملات تحريضية، بهدف إثارة الفوضى ونشر التضليل. وتحدّثَ بيانٌ لها عن «تكثيف جهات معادية حملاتها التحريضية، عبر وسائل الإعلام، بهدف إثارة الفوضى ونشر التضليل». وأنها «رصدت خلال اليومين الماضيين، محاولات ممنهجة لإعادة تداول صور ومقاطع مصورة قديمة، يعود بعضها إلى سنوات سابقة وأخرى مأخوذة من خارج البلاد». وأن ذلك «بهدف التلاعب بالرأي العام، وتقديمها على أنها أحداث جارية في الساحل السوري، في محاولة واضحة لإثارة الفتنة وزعزعة الاستقرار». كما دعت الوزارة المواطنين إلى «التحلّي بالوعي وعدم الانجرار وراء الأخبار المضللة، التي تستهدف النسيج الاجتماعي.، وأكدت على «ضرورة الاعتماد على المصادر الرسمية للحصول على المعلومات الدقيقة، لما لذلك من أهمية في الحفاظ على الأمن والسلم الأهلي».

مطالبة صادقة تعكس مقدار ما أصابته الأخبار المزيفة من ضحايا، ولكن هل تكفي مطالبة الحكومة الجديدة للمواطنين باليقظة والانتباه حتى يتيقظ المواطنون وينتبهوا بالفعل؟ أليس من الواجب دعم تلك اليقظة بالمعلومات والكافية وبإعلام رصين يستحق الثقة؟

فما الذي فعلته الحكومة على صعيد الإعلام خلال شهور ما بعد سقوط النظام؟ حتى الآن الشاشات التلفزيونية الرسمية معطلة، ويجري بدلاً منها الاعتماد على إعلاميين قليلي الكفاءة (اللهم إلا براعة التقاط النجوم وصور السيلفي)، وعلى صفحاتهم على فيسبوك، وتيلغرام، كما لو أنها تنظيم مطارد لا دولة. فالخبر الأول، والمقابلة الأولى، والسبق الإعلامي يعطى لقناة بعينها، لا لمرة واحدة، بل طوال الوقت. فهمنا ورضينا بمحاولات كسب جهات عربية وعالمية مؤثرة وحاسمة للعب دور في معيشة السوريين، ولكن ليس إلى حد احتقار إعلامنا المحلي. وعلى أي حال، ليس الغرض الآن لا إعلاء الشأن، ولا الاستخفاف، بل أن تأخذ كل تلك الوسائل دورها في وصول المعلومة الموثقة، بالصورة والصوت، بكل ما أمكن من أدوات.

ثم أين هم الخبراء السوريون في الإعلام؟ لماذا أصواتهم تملأ كل قنوات وشاشات وصحف العالم إلا حيث يجب أن تكون؟ في إدارة مؤسسات إعلامية ذي كفاءة على الأرض السورية.

لقد كان من أبرز إنجازات الثورة السورية أنها صنعت جيلاً رائعاً من إعلاميين وسينمائيين، خصوصاً في مجال الفيلم الوثائقي، وإذا أضفت إليهم الحقوقيين ومنظماتهم التي يشار إلى إنجازاتها بالبنان، سيكون لدينا قبة حديدية لا يستهان بها في مواجهة الأكاذيب.

معلوم أن إنجاز الثورة الأول، ومنذ لحظة انطلاقها، اجتراحُ أساليب مبتكرة في التوثيق، فلأن حجم إنكار النظام البائد كان هائلاً، وكذلك إنكار مؤيديه، فقد جاءت قوة التوثيق على قدره وأكثر. ولعلنا نذكر تلك القصاصات من صحف النظام اليومية التي يظهر فيها تاريخ ذلك اليوم، توضع بارزة في أول فيديو المظاهرة، وتكاد ترن في آذاننا الآن أصوات مصوري الفيديوهات، تلهج بأسماء القرى والمدن المنتفضة.

إذن لماذا نضيّع الإنجاز، ونصر على البدء من الصفر، ما دام هناك تجربة متراكمة وخبرات بعضها يناشدكم الاستفادة من خبراته.

الميديا الاجتماعية كانت الأرض الأكثر خصوبة لأخبار مزيفة هدفها استثارة النزعات الطائفية وخطاب الكراهية، ظلوا ينفخون بهذا الصُور، إلى أن أرفقوه أخيراً بانقلاب الفلول الدموي، فاشتعل فتيل التحريض والطائفية لدى البعض. وما ظللنا ننفيه، وبحق، عقداً بحاله، من شعارات طائفية مزعومة ألصقت بظهر الثورة، خرّبه فيديو لمجموعة متطوعين يوزعون وجبات على الصائمين، مع عبارة طائفية في منتهى البغض.

في خلفية المجزرة الرهيبة في رواندا، حيث أفظع صور القتل، والكراهية، والتحريض على جريمة التي ارتكبها الجيش ومعه الشرطة والميليشيات، كانت الإذاعة البغيضة تحرّض علناً على القتل، ولا تتردد في وصف التوتسي بالصراصير، ولا تكفّ عن الشحن، إلى حد أن الإدانة كانت من نصيب الإذاعة، تماماً كما ميليشيا الشبيحة والجنرالات وسواهم.

«إن القتل حرام، وجميع أنواع القتل يعاقب عليها القانون، إلا إذا نفخ في الصور فيصبح القتل بالآلاف مباحاً». بعبارة فولتير هذه يقدم جوشوا أوبنهايمر فيلمه الوثائقي المذهل «the act of killing».

أما كيف ينفخ في صور التحريض، فهذا له ألف طريقة وطريقة، وقد تبدأ بالسؤال (وفي ظل المجزرة!): «وين كنتوا لما؟».

القدس العربي

——————————

لجنة تقصي الحقائق بشأن أحداث الساحل السوري: ملتزمون بضمان عدم إفلات أي من الجناة من العقاب

11 مارس 2025

أعلنت اللجنة بأنها تسعى لإنهاء التحقيقات خلال 30 يوماً

التحقيقات تشمل الأحداث التي وقعت أيام 6 و7 و8 من الشهر الجاري

باشرت اللجنة عملها باجتماع عقده معها الرئيس السوري أحمد الشرع

أعلنت لجنة تقصي الحقائق بشأن الانتهاكات التي وقعت في الساحل السوري، اليوم الثلاثاء، التزامها بضمان عدم إفلات أي من الجناة من العقاب، مشيرة إلى أنها تسعى لإنهاء التحقيقات خلال 30 يوماً. وذكرت اللجنة خلال مؤتمر صحافي أن التحقيقات، تشمل الأحداث التي وقعت أيام 6 و7 و8 من الشهر الجاري، مشددة على أنه “لا أحد فوق القانون”.

وأضافت: “سنعمل على توثيق وبناء ملفات الأدلة بكل شفافية، وسنفحص مقاطع الفيديو المنتشرة للانتهاكات من مختصين، وسنحيل نتائج التحقيقات إلى رئاسة الجمهورية والمحاكم المختصة”.

وقال ياسر الفرحان المتحدث باسم اللجنة الوطنية المستقلة للتحقيق وتقصي الحقائق في أحداث الساحل السوري بقاعة المؤتمرات بوزارة الإعلام، إنه” نتيجة للأحداث الأليمة التي وقعت في الساحل السوري يوم السادس من آذار، وما تلاها من اعتداءات على عناصر الأمن العام، أودت بحياة عدد منهم، فُجع السوريون، وظهر عمق ما حفرته المأساة السورية على مدى 14 عاماً وأكثر بكثير في وجدانهم الجمعي”.

ولفت الفرحان إلى أن رئيس الجمهورية أحمد الشرع أصدر قراراً بتشكيل لجنة وطنية مستقلة للتقصي والتحقيق في الحوادث المرتكبة، تتكون من خمسة قضاة وعميد أمن جنائي، ومحام مدافع عن حقوق الإنسان، جميعهم خبراء مختصين في قضايا التوثيق والعدالة.

وأوضح أنه “يناط باللجنة مهام الكشف عن الأسباب والظروف والملابسات التي أدت إلى وقوع تلك الأحداث؛ والتحقيق في الانتهاكات التي تعرض لها المدنيون، وتحديد هوية الجناة؛ والتحقيق في الاعتداءات على المؤسسات العامة ورجال الأمن والجيش وتحديد هوية المسؤولين عنها؛ وإحالة من يثبت تورطهم بارتكاب الجرائم والانتهاكات إلى القضاء”.

وتابع في هذا السياق: “باشرت اللجنة عملها باجتماع عقده معها رئيس الجمهورية، أكد خلاله أهمية دورها في كشف الحقيقة، والتزام الدولة بمحاسبة المتورطين وإنصاف الضحايا”.

ولفت الفرحان: “تؤكد اللجنة في هذا الصدد أن الشعب السوري، الذي قدم أغلى التضحيات في سبيل حقوقه، بإصرار منقطع النظير على كشف الحقيقة ونيل الكرامة والحرية، قادر على تجاوز هذه المحنة”.

كما شدد على أن سورية الجديدة عازمة على ترسيخ العدالة وسيادة القانون، وحماية حقوق وحريات مواطنيها، ومنع الانتقام خارج إطار القانون، وضمان عدم الإفلات من العقاب.

الأمم المتحدة: عائلات بأكملها قُتلت خلال أعمال العنف

من جانبها، قالت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان اليوم الثلاثاء، إن عائلات بأكملها قُتلت بمنطقة الساحل السوري في أعمال عنف على أساس طائفي وقعت خلال عملية عسكرية شنها الجيش ضد فلول النظام السابق. وقال المتحدث باسم مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان ثمين الخيطان “في عدد من الحالات المثيرة للقلق البالغ، قُتلت عائلات بأكملها، بمن في ذلك النساء والأطفال والأفراد العاجزون عن القتال، وذلك خصوصاً في المدن والقرى ذات الغالبية العلوية”.

وأضاف “وثقت المفوضية السامية لحقوق الإنسان مقتل 111 مدنياً حتى اليوم، إلا أن عملية التحقق ما زالت مستمرة، ويُعتقد أن العدد الفعلي للقتلى أعلى من ذلك بكثير”.

وذكر خلال إفادة صحفية في جنيف أن القتلى المدنيين بينهم 90 رجلاً و18 امرأة وثلاثة أطفال. وقال “العديد من الحالات التي تم توثيقها هي حالات إعدام بإجراءات موجزة. ويبدو أنها نُفذت على أساس طائفي… وقد أخبرنا بعض الناجين أن الكثير من الرجال قُتلوا بالرصاص أمام أعين عائلاتهم”.

وأضاف أن مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك رحب “بإعلان سلطات تصريف الأعمال عن تشكيل لجنة تحقيق مستقلة، ويدعوها إلى ضمان أن تبقى التحقيقات التي تجريها سريعة وشاملة ومستقلة ونزيهة”.

—————————–

قراءة روسية وأوكرانية لأحداث الساحل السوري/ بسام مقداد

الثلاثاء 2025/03/11

كما كل إعلام في العالم، يتابع الإعلام الروسي الموالي للكرملين الأحداث التي تدور في الساحل السوري، ويكاد يجمع بأنها بداية لأحداث كبرى في سوريا، بما فيها عودة الحرب الأهلية.

موقع Lenta الإلكتروني الروسي واسع الانتشار، عنون نصه عن الأحداث في 8 الجاري بالقول “المسيحيون والمسلمون الشيعة يثورون ضد السلطات السورية الجديدة. لقد جاؤوا إلى القاعدة العسكرية الروسية طلباً لحمايتهم من الإبادة الجماعية”. وأرفقه بعنوان ثانوي “السلطات السورية ترتكب مجازر بحق العلويين والمسيحيين في شرق وجنوب سوريا”.

وكالة نوفوستي الرسمية عنونت نصها في 7 الجاري بالقول “خبير يصف أحداث اللاذقية بأنها بداية صراع أكثر خطورة في سوريا”.

كبرى صحف الأعمال الروسية vedomosti تساءلت في عنوان نص نشرته في 10 الجاري “هل تؤدي الانتفاضة السورية إلى مزيد من إراقة الدماء؟” التهديد الذي تتعرض له الأقليات العرقية والدينية يجعل تجدد الحرب الأهلية أمراً ممكناً.

طرحت “المدن” عدة أسئلة على عدد من الخبراء الروس والأوكران بشؤون الشرق الأوسط ، وكانت ردودهم المختصرة كالتالي.

خبير المجلس الروسي للعلاقات الدولية RIAC والمستشرق Kirill Semenov قال إنه من الصعب تحديد من ساعد المجموعات المحلية في ما أقدمت عليه في الساحل السوري. لكنه أشار إلى مجموعات من العراق شاركت المجموعات المحلية في تنفيذ مخططها. وينفي الخبير أي علاقة لروسيا بالأحداث، بل يرى أن المجموعات المحلية تلك استهدفت روسيا أيضاَ، وكانت تسعى لتخريب الحوار بين موسكو ودمشق. ويرى أن مستقبل سوريا محزن، وما أقدمت عليه السلطة من مجازر في ردها على مجازر المجموعات المحلية سيلقى ردود فعل شاجبة في العالم، ولن تستطيع دمشق بعد هذا أن تأمل برفع العقوبات عنها.

في رده على السؤال بشأن من يقف وراء أحداث الساحل السوري، قال Igor Subbotin، المتابع لشؤون الشرق الأوسط في صحيفة NG الاتحادية الروسية إن من الصعب تحديد المستفيد الفعلي من الصدامات في الساحل السوري. ويعتقد أن عدداً من العوامل تضافرت هنا: نشاط المجموعات المحلية المعارضة للحكومة الانتقالية في دمشق، عدم السيطرة على المجموعات القريبة من هذه الحكومة، يضاف إليها حملة تحريض واضحة من قبل تلك القوى التي فقدت نفوذها في سوريا مع انهيارنظام الأسد. ويأتي هذا العنف نتيجة تضافر مجموعة من الظروف التي نشأت عن الصدامات المستمرة بين الحكومة الانتقالية ومعارضيها.          

وإلى أين يمكن أن تقود سوريا هذه الأحداث، وهل تتجدد الحرب الأهلية؟ لا يعتقد Subbotin أن الحرب الأهلية يمكن أن تتجدد، “فالتقاتل قد أرهق السوريين، وهذا واضح للعيان”. لكنه يرى أن من المتوقع جداً أن يتعزز ميل بعض المناطق للتمسك بحقها في الحكم الذاتي وسواه من الحقوق الخاصة، وهذا ينطبق على شمال شرق سوريا وجنوبها.

وعن إمكانية أن تمد إسرائيل يد المساعدة من الجو للعلويين كما يفترض خبراء روس آخرون، قال الخبير إنه لا يعتقد أن لإسرائيل مصلحة في دعم العلويين بالذات. لكن حكومة نتنياهو قد ترى في الأحداث الجارية فرصة جيدة لتكثيف نشاطها في المنطقة العازلة وما وراءها. وتشكل المذبحة على الساحل السوري دعماً لدعوة إسرائيل لحماية الأقليات السورية، التي أعلنت عنها القيادة الإسرائيلية هذا العام.

وعن شبهة دور روسي في الأحداث، طالما أن مفتعلي الشغب في الساحل السوري يصفون أنفسهم “أنصار الأسد”، والأسد لاجئ في موسكو، قال الخبير إنه ليس من المؤكد بأن معارضي الحكومة الانتقالية الذين ارتكبوا المجزرة في الساحل مرتبطون بالأسد. وقد تكون هذه القوى معارضة للأسد والشرع معاً. ويبدو أنهم رأوا الفرصة سانحة الآن بعد أن بدأت دمشق في بناء جيشها الخاص، وحاولوا القيام “بشيء ما” للسيطرة على المنطقة الساحلية وفصلها عن الجسم السوري. وعندما رفضت بعض المناطق قبول خطة هذه المجموعات تعرضت للهجوم. وفي مطلق الأحوال، ليس للأحداث الجارية تأثير يذكر على الجانب الروسي.

في ردها على السؤال الأول حول من يقف وراء ما حدث في الساحل السوري، رأت الصحافية الروسية المستقلة Yulia Yuzik أن تركيا تقف وراء الأحداث. وإذا فتحنا “الصندوق الجيوسياسي الأسود” قد نعثر فيه على دول مثل بريطانيا والولايات المتحدة وغيرها. ومن الواضح أننا سنعثر على اللاعب الاخر في الصراع السوري: إسرائيل. وهي تحاول فرض سيطرتها على الدروز والأكراد والأراضي الواقعة جنوب دمشق. وتدور أحاديث في إسرائيل عن إنشاء كونفدرالية إسرائيلية مع الدروز والأكراد الذين يعيشون في سوريا.

وإلى أين يمكن أن تودي بسوريا هذه الأحداث، رأت الصحافية أنها ستؤدي إلى تقسيم سوريا وخلق بؤرة توتر إقليمي هناك، يحمل تهديداً لإيران وتطهير الساحة السورية من روسيا كلاعب جدي سابق.

وعن احتمال مساعدة إسرائيل للعلويين من الجو، قالت Yuzik بأنها لا تأخذ على محمل الجد الحديث عن مساعدة إسرائيل للعلويين. لكنها تستدرك وتقول إن ذلك يمكن أن يتم فقط كجزء من اتفاق مع روسيا، “لمرة واحدة وبشكل استعراضي”. وترى أن المذبحة السورية اليوم تلعب لصالح إسرائيل، التي تستغل الأعمال الدموية السابقة لهيئة تحرير الشام لتطرح وضع الدروز والأكراد تحت حمايتها العسكرية.

وعن شبهة دور روسي في الأحداث، ترى الصحافية أن روسيا تبدو خاسرة في سوريا، وهو ما يأخذه الكرملين على محمل الجد. لكن يبرز سؤال هنا: ماذا لو كان الكرملين قد ضحى بسوريا مقابل شيئ ما في إطار اتفاقيات سرية، وكان هذا “الشيء ما” أوكرانيا بالذات، التي تعني بالنسبة لبوتين أكثر من أي شيء آخر.

المدير التنفيذي لمركز دراسات الشرق الأوسط في كييف Igor Semivolos، وفي رده على السؤال من يقف وراء الأحداث، قال إن من يقف وراء الأحداث في اللاذقية إيران وحزب الله وبقايا الموالين للأسد، الذين احتفظوا بقسم من الوحدات العسكرية وقياداتها. ويبقى الدور الروسي برأيه غير واضح، لكنه يفترض وجوده على مستوى تنسيق الجهود بين طهران وموسكو، حيث هذه الصلة واضحة للعيان.

يرى الخبير الأوكراني ستة أهداف لهذا “التمرد: 1) محاولة سلخ اللاذقية عن سوريا؛ 2) إثارة ردود فعل عنيفة من جانب السنة، وتدمير جهود الشرع في تحقيق الاستقرار في البلاد؛ 3)؛ خلق انقسامات في صفوف قوات الأمن السورية ومنع تشكيل قوات مسلحة موحدة؛ 4) تعزيز النزعات الانفصالية بين الأكراد والدروز والعلويين؛ 5) خلق الظروف الملائمة للحفاظ على القواعد العسكرية الروسية؛ 6) تأمين ممر لإمدادات الأسلحة الإيرانية لحزب الله في لبنان.

ونجاح هذا السيناريو كان يفترض أن يفضي إلى تدخل خارجي في سوريا يلعب الدور الرئيسي فيه الإيرانيون والروس. وقد يبدو الأمر غير قابل للتصديق تقريبًا في ضوء الوضع الحالي اليوم، ولكن مثل هذا الخيار يمكن اعتباره بمثابة مكافأة. كما أن لإسرائيل مصلحتها في زعزعة الاستقرار السوري.

وإلى أين يمكن أن تودي بسوريا أحداث الساحل، قال الخبير إن خطر تجدد الحرب الأهلية يتزايد بالفعل، لكنه ليس حتمياً. فالكثير يعتمد على تصرفات الحكومة، وهي “على ما نرى”، تصرفات موزونة بشكل عام وفي وقتها المناسب. وتشهد على ذلك التصريحات الأخيرة لأحمد الشرع، وتشكيل لجنة للتحقيق في الأحداث التي جرت، مكونة من محامين مستقلين عن السلطات.

وبشأن احتمال مساعدة إسرائيل للعلويين، لا يراه وارداً الآن. أما في ما يتعلق بالخطاب الإسرائيلي، فيشير الخبير إلى تأجيج الكراهية الدينية في الإعلام الإسرائيلي. وأقصى ما يمكن أن تقوم به إسرائيل على الأرض، يقتصر على جنوب سوريا في منطقتي القنيطرة وحرمون.

المدن

——————————————

نزوح سوري غير مسبوق بيومين إلى عكار: تجدد المخاوف/ مايز عبيد

الإثنين 2025/03/10

مع اشتعال المواجهات الدامية في مناطق الساحل السوري شهد شمال لبنان موجة نزوح سريعة ومباغتة باتجاه عكار وقراها الحدودية وتحديداً القرى العلوية منها. وهي موجة لم تكن في حسبان أهالي المنطقة، الذين يرددون أنهم استقبلوا كل هذا النزوح، الذي ناهز الـ 10 آلاف، بين شبان وأطفال ورجال ونساء وكبار سن، لأسباب ودوافع إنسانية بحتة وليس لأسباب طائفية ومذهبية كما يُشاع.

لم تحصل موجات النزوح هذه المرة عبر منطقة وادي خالد كما كان في السابق. النزوح الآن مسرحه قرى في سهل عكار وتحديداً ذات الأغلبية العلوية. لعكار وطرابلس “في كل عرسٍ سوري قرص”، بحسب المثل الشعبي الذي يردده الأهالي حالياً. هاتان المنطقتان قد كتب عليهما أن يعيشا الأزمة السورية منذ بداية الثورة السورية في العام 2011 وحتى الآن، ليس فقط نزوحًا ومخيمات وضغوط، إنما أيضًا توترات، بعضها اتّخذ ويتخذ الطابع المذهبي على غرار ما يجري في سوريا.

في التفاصيل، يمكن اختصار مشهد النزوح الجديد من الساحل السوري إلى عكار، بالآتي: منذ الخميس الفائت، عائلات انتقلت بالسيارات على سقف النهر الكبير الجنوبي وجسره التاريخي، وعائلات أخرى استخدمت الدراجات النارية، وهناك من عبر مياه النهر الكبير الجنوبي الفاصل بين البلدين مشيًا على الأقدام، وصولاً إلى لبنان لكي يصبحوا في مأمن. قبل ذلك كان يحصل نزوح من الساحل السوري، لكن بأعداد قليلة جداً يمكن اعتبارها عبوراً لاشخاص ولو بطرق غير شرعية، لاسيما وأن المعابر الشرعية التي تربط عكار بسوريا لا تزال مدمّرة منذ استهدفها القصف الإسرائيلي إبان حرب إسناد غزة. أكثر من 7 قرى من الجانب السوري في محافظة طرطوس، ترتبط بحدود مع قرى في الجانب اللبناني. وانتقل العشرات من سكان الساحل السوري إلى الضفة اللبنانية في قرية حكر الضاهري، التي استقبلت العدد الأكبر من النازحين، مع قرية المسعودية. يشار إلى أن هاتين القريتين، وبجزءٍ واسع من حدودهما، لا يفصلهما عن سوريا إلا سياج أرض ومجرى النهر فقط.

تسهيلات غير شرعية

ولكي تتمكّن العائلات القادمة من اجتياز الحدود بأمان، عمد شبّان من المسعودية والحكر وبحسب مصادر لـ”المدن”، على تنظيف الحد الفاصل على النهر الكبير من الحشائش والأغصان، وفتحوا طريقًا صغيرًا يسمح بمرور الأشخاص والدراجات النارية باتجاه حكر الضاهري أو المسعودية ومنها يتوزعون أيضًا في قرى كالسماقية وتلبيرة وغيرها، فيما قصدت أعدادٌ أقل، لاحقًا، منطقة جبل محسن في طرابلس، خصوصًا من كان لديهم أقارب هناك وذلك لأن القرى العكارية لم تعد تحتمل المزيد من النزوح بحسب ما يؤكد الأهالي.

ومع ساعات الفجر الأولى ليوم السبت، عاد بعض الأشخاص إلى طرطوس، بحسب المصادر، وذلك بناءً على الأنباء التي تحدثت عن تراجع حدّة التوتر، مع سيطرة قوات الأمن السورية على الأوضاع، وإفشالها العملية الإنقلابية في مناطق الساحل.

وفي حين يسيّر الجيش اللبناني دورياته بانتظام، فإن الأهلي في القرى العكارية ذات الأغلبية العلوية، يؤكدون “عدم وجود مقاتلين بين من نزحوا، لاسيما وأن علاقات طيبة تجمع مناطق العلويين في عكار مع الجوار السني، ولم تهتز هذه العلاقات البتة، منذ 2011 وحتى اليوم على عكس ما جرى في طرابلس وأحداث جبل محسن وباب التبانة”. ويشددون على أنهم استقبلوا هؤلاء النازحين لأسباب إنسانية بحتة. تجدر الإشارة إلى أن قرى عكار ذات الطابع العلوي، يقطنها نازحون سوريون من الطائفة السنية منذ الـ 2011.

في السياق يلفت مصدر أمني شمالي : “إن الأمن العام ومخابرات الجيش على تنسيق كامل، وهناك متابعة حثيثة لما يجري. نحن موجودن على الأرض، ولا معلومات أبدًا عن تغلغل مقاتلين أو مسلّحين بين المتواجدين في قرى السهل أو من اتجهوا إلى جبل محسن حتى اللحظة، ونحن نرصدهم بالمعطيات والأهالي من عكار أو طرابلس، واعون ولا يريدون أي احتكاك مع المحيط السني”.

مجموعة وادي خالد

ما يحصل، وإن كان مضبوطًا حتى اللحظة بقبضة أمنية، الاّ أنه يدفع إلى التخوّف من إنقلات الأمور مذهبيًا وعدم القدرة على لجمها. ويتخوّف بعضهم من أفعال ارتدادية على القادمين من سوريا أو أن حتى أن يتحمس آخرون بالدخول إلى سوريا للمشاركة في القتال. وفي السياق،  خرجت مجموعة من وادي خالد – عشيرة “الغنام” في مقطع فيديو بُثّ على وسائل التواصل الاجتماعي، وأعلنت عن استعدادها لمؤازرة إدارة العمليات العسكرية في سوريا. ومع أن الجيش اللبناني تعامل مع المجموعة سريعاً وقام باعتقال أفرادها، وأصدرت فاعليات وادي خالد بياناً أكدت فيه أنها إلى جانب الجيش اللبناني في كل خطواته، غير أن أحدًا لا يمكنه أن يتوقّع بقاء الوضع الأمني تحت السيطرة، إذا ما استمرت الأوضاع في الداخل السوري بانفلاشها، وقررت مجموعات من وادي خالد الدخول إلى سوريا عبر الحدود المشتركة من نواحي تلكلخ وحمص. المصدر الأمني عينه يجيب: “لا نقول أن الأمور سهلة، لكننا نؤكد إنها إلى الآن تحت السيطرة. وتردنا مواقف من مختلف الأفرقاء في الجانبين السني والعلوي من عكار وطرابلس، تؤكد التزامها الوقوف خلف الدولة وأجهزتها في تعاطيها مع هذا الملف. المشكلة أن الحدود بين عكار وسوريا واسعة جداً، تزيد عن 100 كلم، ومسألة ضبطها بالكامل تحتاج إلى عديد وتجهيزات اكبر وإلى تنسيق دائم بين الطرفين اللبناني والسوري، وهو ما ليس قائمًا بشكل متواصل”.

النازحون فقراء وليسوا مسلّحين

يتحدث مختار حكر الضاهري علي العلي عن مشاهد النزوح، ويشير إلى ضغط كبير وغير متوقّع. ويضيف: “قمنا باستقبال النازحين في بيوتنا في البداية، ومع اشتداد الضغط، في المحال التجارية، فتحنا المدارس أيضاً. ومع هذا الضغط بتنا أمام مسألة إنسانية ملحّة، وقد تعاطينا مع الأمر من الجانب الإنساني البحت، وأؤكد أن الوافدين هم أشخاص عاديين ومزارعين، وأناس فقراء يحتاجون شتى أنواع المساعدة”.

في المقابل تؤكد المصادر “أن حركة المنظمات الدولية لا تزال معدومة، وسط مناشدات الأهالي لها. فاعليات قرى السهل تتحرك باتجاهها، علّها تؤمّن حاجيات مثل البطانيات وحليب الأطفال وخلافه. الاّ أن المنظمات لم تبد حماسة تجاه ما يجري ومن يتواصل مع مكاتبها في القبيات يسمع إجابة واحدة: “إنها موجة عابرة”.

المدن

———————————-

التغريبة العلويّة: مياه مغاسل الموتى تروي الفارين من البطش

الثلاثاء 2025/03/11

في روايته الشهيرة “لا سكاكين في مطابخ هذه المدينة”، يسرد الروائي السوري الراحل خالد خليفة، الذي كان مغرماً بمدينة اللاذقية واشترى فيها بيتاً مطلاً على البحر أطلق عليه اسم “شاليه الندم”، تاريخ مدينة حلب الحديث.

في هذه الرواية، يركّز خليفة على انقلاب البعث عام 1963، الذي شكّل نقطة تحوّل محوريّة في تاريخ المدينة، حيث كان بداية التغيير الذي مسّ ملامحها الاجتماعية والاقتصادية والثقافية. لكن خليفة، الذي أحب اللاذقية واختارها موطناً دائماً له، لم يكن يعلم أن الأيام السوداء ستأتي عليه فيها، حين يصبح الدم أكثر وفرة من الماء… حيث لا مياه في مطابخ هذه المدينة.

مأزق حقيقي

بعد اندلاع المجازر والاشتباكات العنيفة، تجد المدينة نفسها في مأزق حقيقي، إذ تكاد الحياة تتوقف بسبب قطع المياه عن الأحياء. فالماء، الذي يُعدّ أساس الحياة، يصبح في هذا السياق ترفاً بعيد المنال، ما يجعل العطش يتحول إلى معركة يومية ضد الموت.

في هذه المدينة المعتمة التي فقدت ملامحها، يصبح العطش ليس فقط نتيجة لفقدان الموارد، بل أيضاً وجها آخر من أوجه الموت الذي يطارد سكّانها في ظل العنف المستمر والدماء التي تسيل في شوارعها.

في مواجهة أوجاعهم وآلامهم النفسية، يلجأ سكان المدينة إلى حبوب المهدئات التي قد تهدئ قليلاً من نوبات الهلع والخوف التي تسيطر عليهم، لكن ابتلاعها يصبح تحدياً في ظل نقص المياه، كما يروي أحد سكان المدينة لـ”المدن”، فقد تم تفريغ الخزّانات الاحتياطية على الأسطح بالكامل، ليبدأ بعدها شجار عنيف باستخدام السكاكين على عبوات الماء المتبقية، خصوصاً في ظل فرض حظر التجوال الذي أغلق المتاجر ومنع الوصول إلى صناديق المياه.

في هذه الظروف القاسية، لم يعُد هنالك مجال للاستحمام أو الطبخ أو حتى شرب مياه نظيفة. بدلاً من ذلك، تمتلئ الشوارع بالجثث التي لا تجد من يدفنها، في انتظار حفر جماعية قد لا تصلها حتى قدسية الموت. وفي مشهد مروّع، أصبح من تبقى على قيد الحياة مضطراً للشرب من مياه مغاسل الموتى، حيث يقفون في طابور طويل، كما يقول أحدهم لـ”المدن” بمرارة: “نشرب مياه الموتى… فنحن أيضاً لم نعد أحياء”.

هذا الواقع المرير لا يعكس فقط انعدام المياه، بل تحوّلها إلى رمز جديد للموت الذي يحيط بالمدينة من كل زاوية، ليُجسّد الصراع اليومي بين الحياة والموت في أبشع صوره… كيف لا والمجاز تلاحقها.

تاريخ أسود

في 26 تموز/يوليو من عام 1516، وقعت واحدة من أبشع الجرائم التي شهدتها الأراضي السورية في العصور الوسطى، إذ تمّت مذبحة جماعية في منطقة “التل”، بالقرب من قلعة حلب. في تلك الأيام، جمع السلطان العثماني سليم الأول آلافاً من المدنيين العلويين، من رجال، أطفال، نساء وكبار السن، في ساحة معروفة.

تم تنفيذ عملية تطهير عرقي شاملة، وتحوّلت الساحة إلى تلال من الجثث التي تم إحراقها، ما جعل تلك المنطقة تحمل اسم “ساحة التل”. كان المشهد مرعباً إذ غطّت الدماء الأرض، وأمضى الجنود العثمانيون أياماً طويلة في قتل العزل.

في رسالته الشهيرة إلى السلطان سليمان القانوني، نقل سليم الأول تفاصيل الجريمة المروّعة قائلاً: “قتلنا كل من وقع علينا من القرى السورية، من قرى النصيرية وصولاً إلى أدغال الجسر وباب النسر. قد كُتب لنا النصر، ولن يكون لهم وجود على مرّ الزمان بعد الآن، فقد أكلت بقايا جثثهم وحوش الجبال وتماسيح الغابات”.

هذه المذبحة كانت واحدة من أفظع الأمثلة على وحشية الحروب في تلك الحقبة، وتشكّل علامة فارقة في تاريخ المنطقة، إذ لُوحِظَ التطهير العرقي ضد مجموعة عرقية ودينية من العلويين الذين تعرضوا للاضطهاد والقتل على يد السلطنة العثمانية.

بعد مذبحة “التل” في 1516، التي ارتكبها السلطان العثماني سليم الأول، فرّ ما تبقى من العلويين الذين نجوا من الموت المحتّم إلى جبال اللاذقية، إنها “التغريبة العلوية” وقد اصطدموا بمصير مجهول. كان عليهم أن يختبئوا في أحراش تلك الجبال الوعرة التي كانت تسكنها الوحوش البرية، بحثاً عن الأمان بعيداً عن أعين الجلادين.

الجبال التي تضم بين ثناياها قصصاً من التشرّد والمعاناة، تحولت إلى ملاذٍ للمئات الذين نجوا من المجزرة. عاش هؤلاء في أحوال صعبة للغاية، بنوا بيوتهم من الطين، مُتحدّين الطبيعة القاسية والتحديات الاقتصادية. ووسط العوز والفقر، كانوا يُعرفون بـ”المرابعيين” بسبب اعتمادهم على الزراعة البدائية للعمل على الأراضي التي استعصت عليهم. في تلك الحقبة، كان بعض الرجال يُستخدمون لفلاحة الأرض بدلاً من الحيوانات، وكانت الزراعة تقتصر في معظمها على زراعة الدخان الأسود.

وتشير بعض الروايات إلى أن العائلات كانت تُرسل بناتها في سن السابعة للعمل كخادمات في بيروت، هرباً من واقع الحياة الصعبة في الجبال، حيث لم يكن أمامهم خيار سوى السعي وراء لقمة العيش بأي طريقة.

معاناة القرون

لم يكن هذا سوى جزء من محنة العلويين الذين عاشوا معاناة استمرت لقرون، قبل أن تتغير أحوالهم تدريجياً. ففي أواخر عام 1936، ومع تأسيس الدولة العلوية، بدأ هؤلاء يعودون تدريجياً إلى الحياة السياسية والاجتماعية، ليصبحوا جزءاً من الكيان السوري الموحد. لكن، رغم مرور السنين، بقيت تلك الذكريات ماثلة في الذاكرة الجماعية لشعبٍ عانى طويلاً.

يبدو أن التاريخ يعيد نفسه، ففي الوقت الذي يمرّ فيه العلويون اليوم بمشاهد مشابهة لتلك التي شهدوها في مذبحة “التل”، يضطر العديد منهم للهروب مجدداً إلى الجبال والأحراش في محاولة للبقاء على قيد الحياة. يعيش هؤلاء في خوفٍ ورعبٍ، حيث تغيب الأمانة عن أعينهم، وتطاردهم ذكريات المجازر السابقة، بينما تسود المشهد فيديوهات لمجاهدين يردّدون أن “اللاذقية أصبحت التل مجدداً”، في إشارة إلى المجزرة الشهيرة التي أودت بحياة الآلاف قبل أكثر من خمسة قرون.

قرى مهجورة

تتزايد مشاهد القرى التي تحولت إلى مناطق مهجورة، حيث كانت بيوتها الفقيرة في الماضي مليئة بالحركة والضجيج، أما اليوم فقد أصبحت فارغة، تنانير الطين التي كانت تُستخدم لصنع الخبز لم تعد تنبعث منها رائحة التنور، وأصبحت تلك القرى شاهدة على ألم متجدد. في تلك الأماكن، لا يزال بعض السكان لم يغادروا قراهم ولم يزوروا اللاذقية المدينة أبداً، ولا يعرفون شكل الحياة المدنية بعيداً عن الفقر والعزلة.

أيديهم التي اعتادت قطف الغار وبيع الكيلو منه بمئتي ليرة سورية، تهتز من البرد والخوف مرة أخرى في الجبال التي احتضنتهم في لحظات الهروب السابقة. في تلك الأرجاء، تملأ صور الشهداء الذين سقطوا أيام النظام السابق، جدران القرى، في تذكير مؤلم بما عانوه من استغلال وانتهاكات.

وكيف لا، وقد استخدمهم “القائد الخالد” كما يسميه مؤيدوه، وقوداً لآلة الحرب التي دمرت البلاد! استثمر في الفقر واليأس، وساعد في تأسيس عصبية طائفية دعمت وجوده في السلطة، معتمداً على سرديات تاريخية قاسية جعلت من العلويين حائط صدّ في مواجهة أعدائه. وحينما كانت عائلته، التي هاجرت إلى القرداحة، تعاني من الفقر المدقع، لم يتردد في استغلال الوضع الاجتماعي لأبناء طائفته من أجل تجنيدهم في صفوفه.

استمرت هذه الديناميكية خلال حكم الابن الوريث، بشار الأسد، وأخيه ماهر، حيث تكررت ذات السياسات عبر تشكيل قوات أمنية مثل “سرايا الدفاع” في عهد الأب، ثم الفرقة الرابعة في عهد الابن. وفي ظل هذا الوضع، أصبح العلويون مرتهنين بشكل غير مباشر للفقر والخوف، ليصبحوا في النهاية وقوداً للفتن القادمة التي تعصف بالبلاد.

هنا كانت ضحكات الفقراء ورائحة خبزهم وترحيبهم بالضيوف في بيوت معدمة… هنا كانت السنابل التي أحرقها النظام البائد قبل أن تحرقها العناصر المنفلتة… هنا كانت الذكريات التي لا تموت.

——————————-

سوريا تغرق في فوضى التضليل ووزارة الإعلام تكتفي بالتحذير

“حملة إسناد” إعلامية سعودية على إكس للحكومة الجديدة تثير الجدل.

الثلاثاء 2025/03/11

صارت الأخبار والصور والفيديوهات المفبركة عنوان المرحلة الحالية في سوريا، في حين أن وزارة الإعلام السورية تحذر من التضليل والشائعات دون تقديم مصدر موثوق للتحقق من المعلومات، مع استمرار غياب المنابر الرسمية وأهمها التلفزيون.

دمشق – حذرت وزارة الإعلام السورية من الحملات الإعلامية المضللة لإعادة تداول صور ومقاطع فيديو قديمة، بهدف التلاعب بالرأي العام وإثارة الفوضى ونشر التضليل في البلاد، وذلك بالتزامن مع توتر أمني خطير يستوجب حضورا فاعلا للإعلام الرسمي الذي لا يزال الغائب الأبرز عن المشهد.

ومع تصاعد العنف في الساحل السوري قبل مدة قصيرة عاش السوريون في عتمة إعلامية وسيل من الشائعات والأخبار الكاذبة، ما أعاق وصولهم الى الحقيقة، فيما المصدر الرسمي شبه غائب.

ووسط تضارب الأرقام وتحوير الحقائق بات من الصعب التمييز بين الدعاية والواقع، ويجري تبرير الجرائم كدفاع مشروع وتغيب الحقائق بين الفوضى المعلوماتية.

وقالت وزارة الإعلام السورية في بيان إنه تم خلال المدة الأخيرة رصد “محاولات ممنهجة لإعادة تداول صور ومقاطع فيديو قديمة، يعود بعضها إلى سنوات سابقة وأخرى مأخوذة من خارج البلاد، بهدف التلاعب بالرأي العام وتقديمها على أنها أحداث جارية في الساحل السوري، في محاولة واضحة لإثارة الفتنة وزعزعة الاستقرار.”

وأضافت “نهيب بالمواطنين التحلي بالوعي وعدم الانجرار وراء الأخبار المضللة التي تستهدف النسيج الاجتماعي.”

كما أكدت الوزارة على “ضرورة الاعتماد على المصادر الرسمية للحصول على المعلومات الدقيقة، لما لذلك من أهمية في الحفاظ على الأمن والسلم الأهلي.”

الحكومة الانتقالية تسير على نهج النظام السابق بتجاهل دور الإعلام وترك الأمر للناشطين والمؤثرين المنحازين

ونوهت بأن “وسائل الإعلام العربية والغربية تتحرى التعامل بدقة ومصداقية مع الأحداث الجارية وعدم الوقوع في فخاخ الشائعات التي يتم ضخها على مواقع التواصل الاجتماعي بشكل متصاعد وممنهج.”

غير أن وزارة الإعلام لم تقدم خطة أو منهجا للتعامل مع هذه الشائعات كما لم يتم البدء ببث التلفزيون السوري والقنوات التابعة له، ما صعّب مهمة البحث والتقصي وجعل بيانها فاقد الفاعلية بعدم وجود ما تستند عليه أو مصادر موثوقة يمكن للمواطن الاعتماد عليها.

وسارت الحكومة الانتقالية على نهج النظام السابق من حيث تجاهل دور الإعلام وترك الأمر للناشطين والمؤثرين المنحازين.

وساهمت الأحداث الأخيرة داخل البلاد في رفع منسوب التجييش الإلكتروني على مواقع التواصل الاجتماعي، ففي تصعيد غير مسبوق نفذت فلول النظام السابق في 6 مارس الحالي هجوما هو الأكبر من نوعه منذ سقوط نظام الأسد، مستهدفة دوريات ونقاطا أمنية في منطقة الساحل السوري ما أدى إلى سقوط قتلى.

وإثر ذلك استقدم الجيش السوري تعزيزات كبيرة إلى اللاذقية وطرطوس وأطلق عملية عسكرية من أجل القبض على فلول الأسد، فيما انتشرت أخبار ومقاطع مصورة على بعض وسائل الإعلام الدولية ومواقع التواصل الاجتماعي لمجموعات مسلحة تستهدف العديد من المدنيين في المنطقة.

ونشبت معركة افتراضية بالتوازي مع المعارك على الأرض ضمت كما هائلا من الأخبار والصور ومقاطع الفيديو المضللة والكاذبة، وعلق ناشط:

Omar_Madaniah@

حتى صور شهداء الأمن العام الذين قتلوا على يد فلول الأسد في الساحل، ومن ثم تم حرقهم، سرقتها الصفحات المضللة وجعلت منها صورا لمدنيين سقطوا على يد الأمن العام!

ومع احتدام الجدال على مواقع التواصل الاجتماعي حول التطورات في سوريا دخل ناشطون عرب في الجدال، واعتبر سعوديون أنه بغياب الإعلام السوري الفعال تقع على عاتقهم مهمة المشاركة في الدفاع عن أحد الأطراف. وجاء في تعليق:

Columbuos@

يا سعوديين هذا ملعبكم…

اطحنوا “الفلول والذيول” في منصة إكس.

وكتب مغرد:

dr_khalidalsaud@

الشقيقة #سوريا بخير وأمن وأمان ولله الحمد والمنة، وما يُطرح بخلاف ذلك في بعض المنصات الإخبارية المشبوهة مُجرد “أمان خبيثة ” مصدرها فلول النظام البعثي البائد ومؤيده.

وقد ظهر الفراغ الإعلامي وتبعاته الكارثية جليا خلال الأيام الماضية؛ فلا توجد وسائل إعلام ولا صحافيون محليون تمكنوا من الوصول إلى المدن والبلدات التي شهدت المجازر، بينما كان ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي -اشتهروا خلال سنوات الثورة بتغطية المجازر الوحشية لنظام الأسد وحلفائه- يردّدون رواية واحدة عن فلول النظام، من دون ذكر الجرائم التي ارتكبها مقاتلو الفصائل، ما فتح الباب واسعاً أمام التلاعب بالمحتوى المنشور على مواقع التواصل الاجتماعي، سواء من خلال استخدام صور قديمة وإعادة نشرها على اعتبارها حديثة، أو بث أخبار عاجلة غير صحيحة، زادت من حدة التجييش الطائفي والرعب بين المدنيين.

أما وكالة الأنباء الرسمية، وهي المؤسسة الإعلامية الحكومية الوحيدة التي واصلت عملها بعد سقوط الأسد، فاكتفت بنقل بيانات التنديد الإقليمية والدولية لهجمات فلول الأسد على الأمن، من دون أخبار ولا توثيق لباقي الجرائم في الساحل.

وصار هناك مصدران وحيدان للأخبار: أولا، الفيديوهات التي صورها المقاتلون الذين ارتكبوا المجازر في الساحل، فانتشرت على تليغرام وواتساب، ومنصات أخرى. وثانيا، شهادات الناجين أو أقارب الضحايا أو المواطنين المحاصرين الذين استخدموا مواقع التواصل الاجتماعي لمناشدة العالم التدخّل لحمايتهم من مجزرة محتملة.

وعلى منصتَي فيسبوك وإنستغرام صُور الضحايا مع أسمائهم، والمهن التي كانوا يعملون فيها قبل قتلهم، في محاولة لتأكيد هويتهم المدنية. من هذه المنشورات بدأ توثيق أسماء الضحايا، في ظل غياب أي توثيق رسمي لأسمائهم من السلطات الرسمية.

ومنذ سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر 2024، شهدت سوريا انتشارًا واسعًا للأخبار الكاذبة والمضللة، ما زاد من حالة الارتباك وعدم الاستقرار في البلاد. واستغلت جهات متعددة هذا الفراغ لنشر معلومات مضللة حول قضايا متنوعة، بهدف تعزيز الانقسامات والتوترات الاجتماعية.

وأدى انهيار المؤسسات الرسمية إلى فراغ إعلامي، وهو ما جعل المواطنين يعتمدون على مصادر غير موثوقة للحصول على المعلومات. بينما سعت بعض الجهات إلى نشر معلومات مضللة لدعم أجنداتها الخاصة وزعزعة الاستقرار في البلاد.

وساهمت الأخبار المضللة في تعزيز الانقسامات الطائفية والعرقية وزيادة التوترات بين مختلف مكونات المجتمع. وأدت الشائعات إلى خلق حالة من الذعر والقلق بين المواطنين حول مستقبل البلاد ومصيرهم.

ويؤكد متابعون أنه في ظل المرحلة الانتقالية التي تمر بها سوريا، يصبح التصدي لظاهرة الأخبار الكاذبة أمرًا بالغ الأهمية لضمان استقرار المجتمع وبناء مستقبل مبني على الحقائق والمعلومات الموثوقة.

——————————

هذه مؤامرة على سوريا!/ خالد بن حمد المالك

ما يجري في سوريا بين النظام الجديد وفلول نظام بشار الأسد من مواجهات مسلحة، يدمي القلب، ويؤكد على أن المؤامرة على سوريا مُبيتة ومُخطط لها، ولها في أجندتها نَفسٌ خارجي متآمر على أمن واستقرار سوريا.

* *

فلول النظام ممن غدروا بالأمن هم أساساً مطلوبون للعدالة، ومدانون بجرائم سابقة خلال فترة بشار الأسد، ضد عدد من المواطنين، تنفيذاً لأوامر النظام الدموي السابق.

* *

الآن يتصدى الجيش والأمن لهذه المجموعات المسلحة في معارك شرسة، وهي لا تعدو مسألة وقت ويتم القضاء عليها، حتى مع الدعوات الخارجية التي يُشم منها دعم هذه المجموعات الخارجة على القانون، وإن لم تفصح مصادر هذه الدعوات تماماً عن مواقفها، بينما كان عليها تجريم ما فعله المسلحون المناوئون للسلطة الجديدة الذين فقدوا امتيازاتهم بسقوط بشار الأسد.

* *

وحسناً فعلت القوات السورية بعمل مسح شامل لحدودها على مدى الـ24 ساعة لمنع تهريب السلاح والرجال إلى الداخل السوري، وبالتالي تحييد الدول المؤيدة للخارجين على النظام من أن تقوم بدعمهم بالرجال والسلاح.

* *

على أن ما ينبغي التأكيد عليه أن سوريا في غضون هذه الفترة القصيرة منذ هروب بشار الأسد تواجه تحديات كثيرة، أبرزها العدوان الإسرائيلي على المواقع العسكرية السورية، وأين ما كان هناك سلاح يمتلكه الجيش، والعقوبات التي لم يتم رفعها، وغيرها كثير.

* *

لكن التمرد على سلطة الدولة، من فلول نظام الأسد هو الأسوأ، وكأنه تآمرٌ ودعمٌ للمتربصين شراً بسورياً، وما يجري في الساحل السوري وغيره، هو شرارة لنار كبيرة هدفها تمزيق سوريا، وتعريض مصالحها للخطر، وجرها إلى حرب أهلية لا تبقي ولا تذر.

* *

لكن لدى السلطة الجديدة من القدرات العسكرية التي تملكها ما سوف يفشل هذه المؤامرة، وإن كان هذا سيترتب عليه تضحيات وخسائر كان يمكن تفاديها، وإبقاء التركيز على الدفاع عن سوريا، لا تحييدها لتمرير المؤامرة والخيانة ضد سوريا ومصالح شعبها.

* *

لقد هلل وكبَّر كل سوري حُر بزوال نظام الأسد، وفرحوا بقيام نظام جديد أعلن منذ اليوم الأول عن إشراك كل فئات الشعب ومكوناته ومذاهبه وقومياته، ودون استثناء، في إدارة شؤون الدولة، غير أن المتآمرين يصعب عليهم قبول هذا التوجه، وقد فقدوا ما كانوا يتمتعون به من امتيازات في عهد الرئيس المخلوع.

* *

لقد رأت المملكة أن ما يجري في سوريا من جرائم هو عمل ضد السلم الأهلي، معربة عن إدانتها لما تقوم به مجموعات خارجة عن القانون في سوريا من استهداف للقوات الأمنية، مؤكدة وقوفها إلى جانب الحكومة السورية لحفظ الأمن والاستقرار.

* *

بيان المملكة ينطلق من ثوابت سياساتها في رفض أي عمل يخل باستقرار الدول الشقيقة، ورفض أي تصرف يكون خارج إطار القانون، وهي مع الأنظمة الشرعية في حفظ السلم الأهلي، كما هو بيان وزارة خارجية المملكة.

* *

ولابد من القول: إن ما يجري في سوريا هو مؤامرة، وأن هناك قوى خارجيةً تغذيها وتدعمها، وإن لم تعلن عن نفسها، بهدف إحداث فوضى بالبلاد، وجرها إلى أتون حروب أهلية، بما يجعلها في حالة من عدم الأمن والاستقرار، وهو مشروع استعماري خبيث، انطلى على بعض السوريين، ووجدته بعض الميليشيات غير السورية المتواجدة في سوريا فرصتها للانقضاض على الدولة وعلى النظام الجديد.

الجزيرة السعودية

————————

سوريا في الطريق الصحيح/ ممدوح المهيني

11 مارس 2025 م

قبل أن نصل إلى ما جرى في الساحل السوري، يجب أن نعود بالأحداث السورية إلى بدايتها كي تتضح الصورة كاملة.

ربما يعد إسقاط الشرع ورفاقه لنظام الأسد أهم حدث في هذا العقد، وربما عقود أخرى لسوريا ولمنطقة الشرق الأوسط. أُسقط نظام الأسد الذي جمع أسوأ ما في الأنظمة. قتل وهجّر ملايين من أبناء الشعب السوري. انزوى الأسد في قصره، وأخذ يجمع في سنواته الأخيرة الأموال التي هرب بها إلى موسكو في ليلة مظلمة. لم تعد هناك دولة بالمعنى الحقيقي، وتحولت إلى أداة بوليسية وظيفتها القمع، واقتصادها قائم على تجارة المخدرات التي أغرقت بها الدول العربية، وخصوصاً الخليجية. النسيج الاجتماعي تفكك والخريطة الجغرافية تقسمت. استراتيجياً، وقع النظام تحت نفوذ إيران بشكل كامل وميليشياتها، وأصبح ممراً ومخزناً لنقل الأسلحة إلى «حزب الله». كانت سوريا الأسد هي الجزء الأهم والحيوي في الهلال الإيراني الممتد من طهران وحتى بيروت. كان محور «المقاومة» منتصراً وهو يضع سوريا في جيبه، وقواته تستعرض في ساحات دمشق. هذا كان المشهد قبل بضعة أشهر. بلد فاشل، وشعب فقير ومقسم بالداخل وهارب إلى الخارج، ورئيس معزول وضعيف. بدأ المجتمع الدولي يتقبل نظام الأسد وكأنه يغمس يديه مجبراً في الدم.

أتى أحمد الشرع ورفاقه وقاموا بشيء أشبه بالمستحيل. فرّ الأسد، وانسحب الإيرانيون، وغادرت الميليشيات الطائفية. للمرة الأولى يشعر السوريون منذ عقود أن لهم دولة تحتضنهم بلا تمييز. لا تبتزّهم، ولا تلقي بهم في السجون، ولا تطلب منهم الرشى. وللمرة الأولى يشعر العرب (أو الدول المعتدلة) أن سوريا لم تعد مصدر تهديد لهم وإثارة مشاكل. تحولت من عدوة إلى حليفة. كان هناك تخوف مشروع من خلفيات الحكومة الجديدة الفكرية، ولكنها استطاعت أن تبددها. قدمت خطاباً معتدلاً متسامحاً واقعياً. لم تقم بعمليات انتقام، ولكنها تبنت نهجاً وطنياً. وفي خطابات الشرع وحواراته تحدث بلغة رجل الدولة وليس زعيم الميليشيات. استطاع أن يقدم نفسه فوق الطوائف والانقسامات، وتحدث بلغة حكيمة تجمع السوريين ولا تفرقهم. حققت دمشق الجديدة نجاحاً لافتاً دبلوماسياً واقتصادياً. كان عنوانها الصحيح التنمية أولاً وأخيراً.

كل المخاوف تلاشت، وظهر فعلاً أن سوريا تستعيد مكانتها، ولكنها بحاجة إلى الوقت. ما عدا أصحاب المواقف المسبقة، كان الشرع يظهر بصورة تكنوقراطية واقعية أكثر أحياناً من المتوقع. ووقعت قبل أيام أحداث الساحل، ولكن العملية الهدف منها تخريب كل هذه المجهودات الكبيرة، وتعطيل هذا المسار؛ لأهداف متعددة. فلول الأسد يريدون أن يستعيدوا نفوذهم وسطوتهم، والقوى الإيرانية والتابعة لها تريد خلق فوضى لتحقيق أهدافها، وتلطيخ صورة حكومة الشرع، وجرها لحرب أهلية، وتصويرها بأنها غير قادرة على بسط هيمنتها وفرض سيادتها.

التجاوزات وعمليات القتل والعنف مروعة وأحداث مؤسفة، ولكنها خارج كل السياق الذي ذكرناه سابقاً. ولا تعبر عن حكومة الشرع وخطابها وسياستها على أرض الواقع. أعمال مارقة خارجة، والتصرف الصحيح، كما أعلنت الحكومة، محاسبة المتورطين في دماء الشعب السوري، ومنع تكرارها. سوريا ليست سويسرا. لقد ورثوا بلداً مدمراً ومفككاً ومشحوناً بالجروح العميقة. وأدير بطريقة حكيمة، وبحاجة لمزيد من الوقت والصبر. ومن المتوقع أن تواجه سوريا تحديات، ولكنها تسير في الطريق الصحيح لتتحول إلى دولة ناجحة رغم محاولات التخريب والتشغيب. ولكن قادة الدول، خصوصاً في الظروف الصعبة، يعملون على قوة الدولة وبسط نفوذها بالحكمة والواقعية والقوة وبالقانون، وإلا فستكون عرضة للتفكك والانهيار. نجاح سوريا الجديدة سياسياً واقتصادياً هو نجاح ليس فقط للسوريين، ولكنه نجاح لمنطق الاعتدال والعقلانية في المنطقة التي نكبها ودمّرها لفترات طويلة أصحاب الرايات الصفر والسود.

الشرق الأوسط

—————————

تقرير حقوقي يوثق مقتل أكثر من 800 شخص في انتهاكات بسوريا

11/3/2025

وثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان مقتل 803 أشخاص خلال انتهاكات وقعت في الفترة الممتدة من 6 إلى 10 مارس/آذار الحالي، وتركز معظمها في محافظات اللاذقية وطرطوس وحماة.

وذكرت الشبكة في تقرير نشر اليوم الثلاثاء أن مجموعات مسلحة مرتبطة بنظام الرئيس المخلوع بشار الأسد شنت هجمات منسقة استهدفت مواقع أمنية وعسكرية تابعة لوزارتي الدفاع والداخلية، مما دفع القوات الحكومية الرسمية إلى شن عمليات أمنية موسعة لملاحقة المهاجمين.

وأوضحت الشبكة أن القوات الحكومية رافقتها “فصائل عسكرية محلية، وتنظيمات إسلامية أجنبية منضوية شكليا تحت مظلة وزارة الدفاع دون أن تندمج معها تنظيميا بصورة فعلية، بالإضافة إلى مجموعات محلية من المدنيين المسلحين الذين قدموا الدعم للقوات الحكومية دون أن تكون لهم تبعية رسمية لأي تشكيل عسكري محدد”.

انفلات أمني

وقالت إن العمليات الأمنية لم تقتصر على ملاحقة المتورطين مباشرة في الهجمات، بل تحولت إلى مواجهات عنيفة “ارتُكبت خلالها انتهاكات جسيمة واسعة النطاق، اتّسم معظمها بطابع انتقامي وطائفي، وكان للفصائل المحلية والتنظيمات الإسلامية الأجنبية التابعة شكليا لوزارة الدفاع الدور الأبرز في ارتكابها”.

وأوضح التقرير أن الانتهاكات تضمنت عمليات قتل خارج نطاق القانون، “شملت إعدامات ميدانية وعمليات قتل جماعي ممنهجة بدوافع انتقامية وطائفية، إضافة إلى استهداف المدنيين، بمن فيهم أفراد الطواقم الطبية والإعلامية والعاملون في المجال الإنساني. كما طالت الانتهاكات المرافق العامة وعشرات الممتلكات العامة والخاصة، متسببة في موجات نزوح قسري طالت مئات السكان، فضلًا عن اختفاء عشرات المدنيين وعناصر من قوى الأمن الداخلي، الأمر الذي أدى إلى تفاقم حاد في الأوضاع الإنسانية والأمنية في المناطق المتضررة”.

وسجلت الشبكة مقتل 172 عنصرا على الأقل من القوات الأمنية والشرطية والعسكرية، إضافة إلى مقتل ما لا يقل عن 211 مدنيا، بينهم أحد العاملين في المجال الإنساني، على يد فلول النظام السابق.

كما وثقت الشبكة مقتل ما لا يقل عن 420 شخصا من المدنيين والمسلحين من منزوعي السلاح، بينهم 39 طفلا و49 سيدة و27 من الكوادر الطبية، وذلك على يد من وصفتها بالفصائل والتنظيمات غير المنضبطة التي تتبع شكليا وزارة الدفاع.

من المسؤول؟

وحملت الشبكة السورية لحقوق الإنسان مسؤولية الانتهاكات لجميع الأطراف التي ارتكبتها أو أسهمت فيها، وقالت إن المواجهات كشفت عن ضعف واضح في قدرة الأجهزة الأمنية والقوات العسكرية الحكومية على التعامل مع التحديات الأمنية الواسعة النطاق، نتيجة لنقص التدريب القانوني وسوء التخطيط العملياتي، وتحدثت عن عجز الحكومة الانتقالية عن فرض السيطرة المركزية على المجموعات المسلحة الموالية لها، مما أسهم في تصاعد الانتهاكات الميدانية بشكل كبير.

وثمنت الشبكة قرار الرئيس السوري أحمد الشرع تشكيل لجنة للتحقيق، وأوصت بإشراك ممثلين عن منظمات حقوقية مستقلة، وأعضاء من الطائفة العلوية، وممثلين عن المناطق المتضررة التي شهدت الانتهاكات، بالنظر إلى الطابع الطائفي الواضح للعديد من هذه الجرائم، وهو ما يُعزّز الثقة بنتائج التحقيق ويضمن حيادية اللجنة واستقلاليتها.

كما دعت إلى توسيع النطاق الجغرافي لأعمال اللجنة ليشمل جميع المناطق التي شهدت انتهاكات جسيمة، وعدم اقتصار التحقيق على منطقة الساحل فقط. وطالبت الشبكة كذلك بتمديد الإطار الزمني لعمل اللجنة لأكثر من 30 يومًا، نظرًا لتعقيد الأحداث المُراد التحقيق فيها وتعدد الأطراف المتورطة في ارتكاب الانتهاكات، مما يتطلب وقتًا كافيًا لجمع الأدلة بشكل دقيق ومتكامل، وأكدت استعدادها للتعاون مع اللجنة عبر تقديم البيانات الموثّقة والمعلومات التي تمتلكها، إلى جانب الخبرات الفنية والتقنية لفرقها المختصة في عمليات التوثيق والتحقق.

المصدر : الجزيرة

———————–

الانقلاب الفاشل: التاريخ يعيد نفسه في آذار/ فراس السقال

9/3/2025

الاشتباكات في اللاذقية وطرطوس في الساحل السوري وكالة سانا

استهدفت الهجمات المجرمة قوات الأمن السورية ما أدّى إلى استشهاد العديد منها في الساحل السوري (وكالات)

شهد الساحل السوري في 6 مارس/ آذار 2025، في اللاذقية وطرطوس وجبلة وبانياس، هجمات مُنسقة نفذها مسلحون موالون لنظام المخلوع بشار.

وقد استهدفت هذه الهجمات المجرمة قوات الأمن السورية، ما أدّى إلى استشهاد العديد من قوّات الأمن في تلك المناطق. وردًا على ذلك أطلقت السلطات السورية عملية أمنية واسعة النطاق لملاحقة فلول النظام المخلوع، حيث تم إرسال تعزيزات عسكرية وأمنية إلى المنطقة، وفرض حظر تجول في اللاذقية وطرطوس وبانياس وجبلة.

وفي 15 يوليو/ تموز 2016، شهدت تركيا محاولة انقلابية نفذتها مجموعة من الضباط المنتمين لمنظمة “غولن”، بهدف الإطاحة بالحكومة المنتخبة ديمقراطيًا.

بدأت المحاولة بإغلاق جسور رئيسية في إسطنبول، والسيطرة على مبنى التلفزيون، وقصف مواقع إستراتيجية كالبرلمان ومقر الاستخبارات؛ إلا أن تدخّل المواطنين الأتراك الذين نزلوا إلى الشوارع استجابة لدعوة الرئيس “أردوغان”، بالإضافة إلى موقف الأحزاب السياسية الرافض للانقلاب، أدّى إلى فشل المحاولة في أقل من 24 ساعة.

    كانت الفئة الانقلابية في تركيا عناصر من الجيش والأمن تابعة لمنظمة “غولن”، بالتعاون مع أقلّيّات من وحدات كردية، وبعض الجهات الخارجيّة من بينها إسرائيل

أوجه الشبه بين الحادثتين

    استهداف النظام القائم: في كلتا الحالتين كانت هناك محاولات للإطاحة بالنظام الحاكم؛ ففي تركيا حاولت مجموعة انقلابيّة الإطاحة بالحكومة المُنتخبة، بينما في سوريا شنّ موالون للنظام السابق والشبيحة هجمات ضدّ قوات الأمن، للنيل من الاستقرار الذي تحقق بعد الإطاحة بنظام المخلوع بشار الأسد.

    الاستجابة السريعة: في كلتا الحادثتين استجابت السلطات بسرعة لمحاولات زعزعة الاستقرار؛ ففي تركيا قامت القوّات الحكومية من جيش وأمن بالتصدّي للهجوم ودعم الحكومة، بينما في سوريا أطلقت السلطات عملية أمنية واسعة لملاحقة فلول وعصابات النظام السابق.

    العامل الشعبي: في كلتا المحاولتين كان سبب الفشل الرئيس استجابة الشعب؛ ففي تركيا قام الشعب التركي بالنزول إلى الشوارع لحماية حكومته ورئاسته، والشيء نفسه حصل في سوريا، حيث نزل الشعب السوري بأسره إلى الشوارع يتظاهر لحماية قيادته الجديدة، والدفاع عن وطنه، بل تطوّع الآلاف من شبان سوريا لمحاربة عصابة الانقلابيين.

    تركيا وسوريا ليستا دولتين جارتين فحسب، بل هناك العديد من أوجه التشابه تجمع بينهما تاريخيًا وثقافيًا واجتماعيًا ومصيريًا، وقد وصلت أوجه التشابه إلى وحدة الروح الشعبية المتمسّكة بسلطتها العادلة، وكذلك كون العدو واحدًا في البلدين

    الانقلابيون: كانت الفئة الانقلابية في تركيا عناصر من الجيش والأمن تابعة لمنظمة “غولن”، بالتعاون مع أقلّيّات من وحدات كردية، وبعض الجهات الخارجيّة من بينها إسرائيل. وكذلك في سوريا كان الانقلابيون من الأقلّيات النصيرية، بالتعاون مع وحدات pkk الكرديّة (قسد)، وهناك أخبار تقول إنّ قادة الانقلاب اجتمعوا شمالي شرقي سوريا مع عناصر “قسد” في القامشلي، وحضرت يد الداعم الخارجي من إيران وإسرائيل.

    فرض حظر التجول: ففي سوريا فرضت السلطات حظر تجوّل في المناطق المتأثرة لضمان الأمن، وهو إجراء مشابه لما قد تتخذه الحكومات خلال محاولات الانقلاب لضبط الأمن.

    تقوية السلطة الحاكمة: في كلتا المحاولتين أدّت المحاولة الانقلابية إلى تقوية السلطة الحاكمة داخليًا وخارجيًا، وكذلك صدور تصريحات مستنكرة قومية ودولية للمحاولة، وكذلك إخماد صوت المعارضين للحكومة الرسمية.

تركيا وسوريا ليستا دولتين جارتين فحسب، بل هناك العديد من أوجه التشابه تجمع بينهما تاريخيًا وثقافيًا واجتماعيًا ومصيريًا، وقد وصلت أوجه التشابه إلى وحدة الروح الشعبية المتمسّكة بسلطتها العادلة، وكذلك كون العدو واحدًا في البلدين. وبعد هذه التوأمة بين البلدين فلا غرابة في مدّ تركيا يدَ العون لسوريا وحكومتها، وكذلك تعاطف الشعب السوري بأسره مع تركيا في ليلة 15 يوليو/ تموز.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

أستاذ جامعي في جامعة تركية، ماجستير في العلوم الإسلامية والعربية

الجزيرة 

——————————

هكذا تصدت القوات السورية لهجوم الساحل/ معاذ العباس

10/3/2025

دمشق- بدأ فلول النظام المخلوع تحركات عسكرية منظمة في الساحل السوري، نفذوا من خلالها عمليات قتل وتصفيات ميدانية بحق عناصر من الشرطة وقوات الأمن الداخلي ومدنيين، بالإضافة إلى أسر عشرات العناصر في مناطق جبلة واللاذقية وطرطوس وبانياس وغيرها من قرى وبلدات الساحل.

وبعد ساعات من انطلاق عمليتهم، فرضوا سيطرتهم على عدد من المناطق العسكرية الإستراتيجية مثل قيادة الكلية البحرية ومطار إسطامو والقطعة العسكرية في قمة النبي يونس، كما انتشروا على الجسور والطرق التي تربط باقي المحافظات مع الساحل السوري الذي أصبح تقريبا “خارج سلطة الدولة”.

وقبل ساعات من بداية الهجوم، أُعلن فجأة عن تشكيل “المجلس العسكري لتحرير سوريا” بقيادة اللواء الركن غياث سليمان دلا الضابط السابق في النظام المخلوع وقائد أركان الفرقة الرابعة التي كان يقودها ماهر الأسد، وأعلن عن أهدافه التي منها “تحرير كامل التراب السوري وإسقاط النظام الحالي”، ودعا السوريين للانضمام إلى صفوفه وناشد المجتمع الدولي لدعمه.

في هذه المادة، تقف الجزيرة نت على حقيقة التطورات الأمنية والعسكرية في الساحل السوري والأطراف التي تقف خلفها.

كيف بدأت الأحداث بالساحل السوري؟

في ليلة الخميس 6 مارس/آذار الجاري، بدأت القوات التي أطلقت على نفسها درع الساحل وفلول النظام، بشكل منظم وبوقت واحد في مناطق عدة من الساحل السوري، استهداف عناصر من الشرطة وقوات الأمن الداخلي والعناصر التابعين لوزارة الدفاع، كما طال الاستهداف أي مدني يقود سيارة تحمل رقم “إدلب”.

قتلت هذه القوات مع بداية العملية نحو 75 عنصرا من قوى الأمن الداخلي وعناصر الشرطة ومدنيين، وأسرت قرابة 200 عنصر وأصيب العشرات من قوات الدولة السورية والمدنيين بينهم صحفي.

سيطرت عناصرها على معظم الساحل السوري ومواقعه الإستراتيجية والعسكرية ووصلت إلى قاعدة حميميم ومطار اسطامو والكلية البحرية واللواء 107، بالإضافة للجسور والمداخل والمخارج المؤدية إلى مدن الساحل، وانتشرت على طريق “إم 4” (M4) لقطع الطريق على القادمين من مناطق إدلب.

كيف امتصت الحكومة السورية الصدمة؟

امتصت الحكومة السورية الهجوم المنظم من قبل فلول النظام السابق، وبدأت عملية استعادة المواقع التي سيطروا عليها من قبل وحدات الأمن الداخلي وبمساندة وزارة الدفاع في مدن اللاذقية وطرطوس وجبلة.

وبعد ساعات دخلت القوات الحكومية إلى مدينتي اللاذقية وطرطوس ومن ثم انتقلت إلى بانياس وجبلة. وبعد فرض السيطرة عليهما وتطويق الفلول، انتقلت إلى القرداحة واستطاعت تطهير المدن منها وفرض سيطرتها عليها.

وقال العقيد حسن عبد الغني الناطق باسم وزارة الدفاع -في تصريح نشر على مواقع التواصل- إن قوات الوزارة حققت تقدما ميدانيا سريعا وأعادت فرض السيطرة على المناطق التي شهدت هجمات “غادرة” ضد قوات الأمن الداخلي، “من خلال عمليات تطويق محكمة أدت لتضيق الخناق على فلول النظام البائد، وتتابع قواتنا تقدمها وفق الخطط العملياتية المعتمدة للتعامل مع ما تبقى من بؤر للمجرمين”.

بالوقت الذي أعلن فيه اللواء غياث دلا عن المجلس العسكري وبدأ العمليات العسكرية ضد الحكومة السورية، “سارع الإعلام الإيراني إلى وصف فلول الأسد بـ “المقاومة” وقوات الأمن والحكومة بـ”عناصر الجولاني”، فيما ذكرت مصادر أن التمرد الذي قاده دلا مدعوم من قبل قوات إيرانية ولبنانية بالإضافة إلى تسهيلات لوجستية من قبل قوات سوريا الديمقراطية (قسد).

وقال مقداد فتيحة، وهو أحد أبرز الوجوه التي تقود مجموعات الفلول المسلحة، في تسجيل صوتي نُسب له، إن “عملهم والقتال، الذي بدأ لتحرير الساحل السوري هو بدعم روسي”.

وبعد ساعات من فشل الهجوم العسكري، قالت موسكو إنها “لن تتدخل وإنما تراقب الأوضاع من بعيد”، في الوقت الذي فتحت فيه أبواب قاعدة حميميم لاستقبال عناصر من فلول النظام السابق وعوائلهم الهاربين من مطاردة الحكومة السورية.

وأضاف فتيحة أن “الكرملين وافق على دعمهم عسكريا جوا وبرا، وإذا استطاعوا الصمود خلال 24 ساعة سوف يحصلون على اعتراف ودعم دولي”.

هل الهدف هو تقسيم سوريا؟

ذكرت مصادر أن المخطط الذي بدأ به اللواء دلا هو بالتنسيق مع بعض القوات المنتشرة في السويداء جنوبي سوريا (الدروز) وقوات سوريا الديمقراطية، على أن تعلن كل هذه القوات انفصالها بعد طرد القوات الحكومية من الساحل لتصبح أقاليم خارج الدولة السورية.

وهذا ما أكده الرئيس أحمد الشرع -في تصريحه- “أن لا سلاح خراج الدولة”، في إشارة إلى عدم السماح بتقسيم البلاد واقتطاع أقاليم كدويلات في غرب وجنوب وشرق سوريا.

وقال الشرع “لقد سعى بعض فلول النظام الساقط إلى اختبار سوريا الجديدة التي يجهلونها، وهاهم اليوم يتعرفون عليها من جديد، فيرونها واحدة موحدة من شرقها إلى غربها ومن شمالها إلى جنوبها، سنستمر في حصر السلاح بيد الدولة ولن يبقى سلاح منفلت في سوريا”.

ما تداعيات أحداث الساحل السوري على أداء الحكومة المؤقتة؟

في ظل التحديات التي تواجهها الحكومة السورية المؤقتة من وضع اقتصادي منهار وتدمير الترسانة العسكرية جراء الحرب على مدى 14 عاما وتدمير الكثير من المواقع بالقصف الإسرائيلي، تحاول القيادة الجديدة التماسك والمُضي في تثبيت حكمها وبناء العلاقات السياسية والاقتصادية مع الدول العربية والإقليمية، وإزالة العقوبات.

وقال قائد مجموعة في وزارة الدفاع -فضل عدم ذكر اسمه- للجزيرة نت إن حركة العصيان والتمرد من قبل فلول النظام السابق جاءت بعد فقدهم سلطتهم التي كانوا يمارسونها على الشعب السوري بالسرقات وفرض الإتاوات في المناطق التي كانوا يسيطرون عليها ويهجرون سكانها.

وأضاف أن هؤلاء يعملون كمرتزقة هدفهم إثارة الفوضى من خلال عملياتهم التي كانت فردية بقتل عناصر من الأمن أو الشرطة أو وزارة الدفاع، و”لكن هذه المرة كانت عمليتهم منظمة ومدعومة من قبل الرئيس المخلوع بشار الأسد وشقيقه ماهر وروسيا”.

كيف أنهت الحكومة المؤقتة الهجوم؟

بعد الساعات الأولى من إعلان الهجوم وقتل نحو 200 شخص وأسر قرابة 250 شخصا من عناصر شرطة وأمن ومدنيين وصحفيين، أرفدت وزارة الداخلية قواتها إلى الساحل السوري وساندتها وزارة الدفاع بالقوات العسكرية لإنهاء التمرد والعصيان.

وبعد مرور حوالي 24 ساعة، أعلنت الحكومة عن فرض سيطرتها الأمنية على مدن اللاذقية وطرطوس وجبلة وبانياس وتأمين حماية المدنيين والانتقال لملاحقة الفلول الهاربين إلى الجبال.

كما لاحقت واعتقلت عددا من المسلحين غير المنظمين إلى الأمن الداخلي ووزارة الدفاع الذين ارتكبوا تجاوزات بحق المدنيين في الساحل السوري خلال الهجوم وقدمتهم للقضاء، بالوقت الذي صادرت فيه كميات كبيرة من ممتلكات المواطنين التي سُرقت وأعادتها لأصحابها.

رجل ريفي من إدلب شارك بالحملة في الساحل السوري لجانب قوات الأمن من أجل فك أسر أبنه الي يعمل في الشرطة وتم أسره في جبلة

مواطن من إدلب شارك بعملية الساحل السوري إلى جانب قوات الأمن لتحرير ابنه الأسير في جبلة (مواقع التواصل)

ما التجاوزات بحق المدنيين في الساحل السوري؟

شهدت العملية الأمنية في الساحل تجاوزات من خلال قتل مدنيين وعمليات سرقة من قبل عناصر مسلحة قالت الحكومة “إنها غير منتمية لوزارة الدفاع”، إلى جانب استغلال الفلول هذه الفرصة وتنفيذهم عمليات باسم الأمن العام الداخلي والوزارة.

من جانبه، قال محافظ اللاذقية محمد عثمان -في تصريح صحفي- إنهم سيقدمون كل الذين قاموا بتجاوزات -خلال العملية العسكرية- إلى محاكمات عادلة.

وأضاف أن التجاوزات التي حدثت جاءت من عناصر غير منتمية لوزارة الدفاع وتخللتها عمليات قتل، وأنهم أوقفوا لصوصا قاموا بسرقة ممتلكات خاصة خلال الأحداث الأخيرة، واعتقلوا أعدادا من المتورطين في الهجمات على قوات الأمن ويجري التحقيق معهم وفق القانون.

بدوره، صرح الناطق باسم وزارة الدفاع العقيد حسن عبد الغني بأنه “يُمنع الاقتراب من أي منزل أو التعرض لسكانه إلا وفق الأهداف المحددة”.

ماذا كان دور الحشود الشعبية خلال أحداث الساحل السوري؟

تداولت مواقع التواصل صورة لرجل شارك في هذه الحملة ضد الفلول وهو بلباسه الريفي “الكلابية والجزمة” بعد أن علم أن ابنه الذي يعمل كعنصر في الشرطة قد وقع في الأسر بعد اقتحام الفلول مركز الشرطة في مدينة جبلة، ليظهر بعد ساعات بصورة مع ابنه بعد تحريره.

وشهدت الكثير من المدن والبلدات في إدلب وريف حلب وحماة وحمص توجه جموع شعبية كبيرة إلى مناطق الساحل لمساندة قوات الأمن العام الداخلي ووزارة الدفاع.

ووجه الرئيس الشرع كلمة شكر للأهالي لوقوفهم إلى جانب الدولة، قائلا “يا أيها السوريون قد رأى العالم لهفتكم على بلدكم وحبكم لها وشعور الانتماء لها وهذا ما يليق بكم وبأصلكم، فبغير هذا الحب لا تُبنى الأوطان”.

بدوره، قال العقيد حسن عبد الغني “نوجه إلى أهلنا الكرام الذين هبوا لمؤازرة إخوانهم في الحكومة السورية دعوة بالعودة إلى مناطقهم، فالأوضاع أصبحت تحت السيطرة الكاملة والعمليات مستمرة فلا داعي للقلق”.

أما وزير الخارجية أسعد شيباني فأكد “ما جرى يوم أمس لا يمكن أن ينجح في دولة جيشها هو الشعب ذاته”.

ما الردود العربية والدولية على تمرد فلول النظام المخلوع؟

أعلنت عدد من الدول العربية -من خلال بيانات تضامن- عن وقوفها إلى جانب الحكومة السورية ودعمها حالة الاستقرار وفرض الأمان في سوريا، كالتالي:

    أدانت دولة قطر بأشد العبارات “الجرائم التي ترتكبها مجموعات خارجة عن القانون واستهدافها القوات الأمنية في الجمهورية العربية السورية”.

    أدانت وزارة الخارجية السعودية “الجرائم التي تقوم بها مجموعات خارجة عن القانون في الجمهورية العربية السورية واستهدافها القوات الأمنية”.

    أعلنت وزارة الخارجية الأردنية وقوفها مع الجمهورية العربية السورية وأمنها واستقرارها ووحدتها وسيادتها.

    أعربت مصر عن قلقها إزاء التطورات في سوريا، وعن مواقفها الداعمة للدولة السورية ومؤسساتها الوطنية واستقرارها في مواجهة التحديات الأمنية.

    أدانت الإمارات الهجمات التي تقوم بها المجموعات المسلحة وأكدت موقفها الثابت بدعم استقرار سوريا وسيادتها.

    أعلن العراق عن “قلقه البالغ” من التطورات الأمنية ودعا إلى ضرورة حماية المدنيين وتجنيبهم ويلات النزاع.

    أعربت تركيا عن دعمها للحكومة السورية الانتقالية، مشددة على ضرورة الحفاظ على الأمن والاستقرار ومنع أي تصعيد قد يهدد مستقبل البلاد.

المصدر : الجزيرة

———————————-

4 مخاطر كبرى تهدد سوريا الآن.. ما هي؟/ كمال أوزتورك

10/3/2025

ربما تكون سوريا من بين الدول صاحبة التاريخ الأكثر مأساوية في الإقليم. فقد عاش شعبها 61 عامًا تحت وطأة قمع أسرة الأسد الوحشي، ثم قاسى خلال 13 عامًا ويلات الحرب الأهلية، حيث قتل أكثر من مليون شخص، وهُجِّر 12 مليونًا آخرون من ديارهم، وتحولت مدن بأكملها إلى أنقاض.

وأخيرًا، تمكّن أبناء الشعب السوري من الإطاحة بالطاغية الأسد والوصول إلى السلطة، لكن معاناتهم لم تنتهِ بعد. إذ لا تزال سوريا تواجه الاحتلال الإسرائيلي الفعلي، إلى جانب الاحتلال الأميركي لشمال البلاد عبر مليشيات PYD. كما أن العمليات الإرهابية التي تغذيها هاتان الدولتان أصبحت في الأيام الأخيرة من أبرز الأزمات التي تهدد استقرار الحكومة الجديدة في دمشق.

يبدو أن إسرائيل، بمجرد أن تكون جارًا لها دون أن تكون صديقًا، تفرض عليك هذا المصير. فلبنان وغزة ومصر جميعها عانت من أزمات لا تنتهي، ويعود ذلك، ولو جزئيًا، إلى كونها دولًا تحد إسرائيل.

وبالنسبة للإدارة السورية الجديدة، فإن أكبر التحديات التي تواجهها بطبيعة الحال هو الاحتلال الإسرائيلي وسياسته العدوانية، ولكن هناك مشكلات أخرى لا تقل خطورة. والآن لنلقِ نظرة عليها واحدةً تلو الأخرى.

1- الاحتلال الإسرائيلي وسياسات زعزعة الاستقرار

إذا كنت جارًا لإسرائيل، ولا تنفذ أوامرها بحذافيرها، فليكن الله في عونك. عليك أن تتوقع أسوأ أنواع الشرور التي ستُمارس ضدك. والواقع أنه حتى توقيع اتفاقيات معها، والسعي إلى التوافق، والانصياع لما تمليه، قد لا يكون كافيًا لإنقاذك. فمصر والأردن، وهما من الدول التي لا تشكل تهديدًا لإسرائيل، ووقعتا معها اتفاقيات، تواجهان اليوم تهديدًا بترحيل مليوني فلسطيني إلى أراضيهما.

مشكلة الشرق الأوسط الكبرى هي إسرائيل، وهذه المشكلة تؤثر على جيرانها بشكل مباشر. إن التاريخ حافل بالأمثلة التي تثبت هذا الواقع المرير. ولهذا، فإن إسرائيل تمثل أكبر تهديد للثورة السورية.

منذ اندلاع الثورة، قامت إسرائيل بقصف البنية التحتية العسكرية لسوريا، واحتلت أراضيها الإستراتيجية، ولا تزال توسع احتلالها حتى الآن.

وإلى جانب الاحتلال الفعلي، بدأت في الشهر الأخير بتنفيذ سياسة جديدة لزعزعة استقرار سوريا. فمن خلال إشعال المواجهات بين الطوائف المختلفة، كان لإسرائيل دور واضح في الأحداث التي شهدتها اللاذقية والساحل، حيث اصطدم الدروز والعلويون مع الحكومة في دمشق.

لم تحقق إسرائيل نجاحًا كبيرًا في استمالة الدروز كما كانت تأمل، لكنها حاولت تحريض العلويين عبر تحريك فلول جيش الأسد المجرم، الذين بدؤوا تنفيذ عمليات إرهابية.

ورغم أن هذه الهجمات لا تملك فرصة حقيقية لإسقاط الحكومة، فإن إسرائيل تدرك ذلك تمامًا. غايتها الحقيقية ليست إسقاط النظام، بل خلق فوضى تمنع استقرار سوريا وتعافيها.

يجب على حكومة دمشق أن تتخذ تدابير لمواجهة سياسات زعزعة الاستقرار التي تنتهجها إسرائيل. ومن بين القضايا الأكثر إلحاحًا، والتي يمكن أن تكون مدخلًا سهلاً للتدخل الإسرائيلي، هي قضية الأقليات.

2- الأقليات كخط صدع هشّ

كما رأينا خلال الشهر الأخير، فإن إسرائيل والولايات المتحدة وإيران جميعها تمتلك القدرة على التأثير على التوازن الهش للأقليات في سوريا. فسوريا، بتركيبتها المجتمعية المتنوعة، تحتضن عشرات المجموعات العرقية والدينية.

قد لا يكون الكلدان والإيزيديون والتركمان من الفئات التي يمكن استغلالها بسهولة، لكن هناك مجموعات أخرى أكثر عرضة للتأثر بالمؤثرات الخارجية، مثل الأكراد والدروز والعلويين.

في شمال سوريا، تسيطر قوات PYD المدعومة من الولايات المتحدة وإسرائيل على مساحة شاسعة من الأراضي، بما في ذلك مناطق غنية بالنفط، وأراضٍ زراعية خصبة، ومصادر مياه رئيسية.

ورغم أن القائد المؤسس لحزب العمال الكردستاني عبدالله أوجلان دعا هذه المليشيات إلى التخلي عن السلاح، فإنهم رفضوا ذلك، لأنهم يتلقون أوامرهم من الولايات المتحدة وإسرائيل. وهذه القوة العسكرية، رغم أنها لا تمثل كل الأكراد السوريين، تشكل تهديدًا حقيقيًا للحكومة في دمشق.

التعامل مع هذه الأزمة لا يمكن أن يتم عبر مواجهة عسكرية مباشرة، لأن أي صدام مع PYD سيعني إعطاء إسرائيل مبررًا لتسريع احتلالها مناطق الجنوب السوري. لذا، يجب أن تتحرك الحكومة السورية وفق إستراتيجية متعددة المحاور:

أولًا، يجب أن تتخذ إجراءات عاجلة لضمان حقوق الأكراد الثقافية والسياسية، وتعزيز اندماجهم في المجتمع السوري، وتسريع العمل على الدستور الجديد لتحقيق ذلك.

ثانيًا، ينبغي العمل على عزل PYD جغرافيًا عبر قطع طرق الإمداد التي لا تزال مفتوحة أمامها، خصوصًا عبر العراق، بالتنسيق مع الحكومة العراقية.

ثالثًا، يجب أن تمتنع الحكومة السورية عن الدخول في مواجهة مباشرة مع تركيا إذا قررت الأخيرة التدخل ضد PYD، بل يمكنها حتى أن تساعد في ذلك بشكل غير مباشر، نظرًا لأن أنقرة تعتبر PYD تهديدًا أمنيًا رئيسيًا، وقد أعلنت أنها لن تتردد في التدخل عسكريًا إذا لم تتخلَّ هذه المليشيات عن السلاح.

أما بالنسبة للدروز، فرغم أنهم أظهروا في الأحداث الأخيرة عدم استعدادهم للانجرار إلى صراع مع دمشق، فإنهم لا يزالون يمثلون نقطة ضعف حساسة. لذا، يجب على الحكومة أن تضمن في الدستور الجديد ترتيبات تجعلهم يشعرون بأن الدولة السورية هي دولتهم، وتستجيب لمطالبهم بما لا يهدد وحدة البلاد.

3- الجرح الذي لم يلتئم: الصراع الطائفي

إحدى أخطر الكوارث التي خلفها حكم عائلة الأسد هي الطائفية التي زرعها في المجتمع السوري. فقد حكمت الأقلية العلوية البلاد لمدة 61 عامًا، مسيطرةً على 90% من السكان عبر دكتاتورية قمعية. وعندما اندلعت الثورة، حول التدخل الإيراني وحزب الله النزاع إلى حرب طائفية بكل معنى الكلمة.

العناصر الأكثر ولاءً للأسد من جيشه الملطخ بالدماء لم تختفِ تمامًا، بل تحولت إلى العمل السري، والآن، وبدعم من إسرائيل وإيران، بدأت تعود إلى السطح من جديد، ناشرةً الفوضى والإرهاب. في الأحداث الأخيرة، قُتل أكثر من 700 شخص في أعمال عنف، ورغم أن الحكومة تمكنت من احتواء الوضع، فإن الخطر لا يزال قائمًا.

إذا أرادت دمشق إبطال الورقة الطائفية التي تستخدمها إسرائيل وإيران، فعليها أن تضمن عدم تكرار أخطاء الأسد، وألا تكتفي ببناء نظام قائم على سيطرة الأغلبية السنية.

يجب أن تعمل على تحسين الظروف الاقتصادية للأقليات، وإشراك الشخصيات العلوية غير المتورطة في جرائم الأسد في الحكم، وتقديم ضمانات دستورية لحقوقهم، حتى لا تترك مجالًا لاستغلالهم من قبل القوى الخارجية.

4- الدستور والانتخابات: مفتاح الاستقرار أم خطر التأجيل؟

إن التغلب على جميع هذه المخاطر ليس أمرًا سهلًا بالنسبة لدولة خرجت حديثًا من حرب مدمرة، وتعاني من انهيار اقتصادي، ودمار في بنيتها التحتية، وفقدان كامل لقوتها العسكرية تحت الضربات الإسرائيلية.

بيد أن ما يمنح الحكومة السورية الجديدة فرصة للنهوض هو تمكنها من كسب دعم السعودية وقطر ومصر وتركيا في الوقت ذاته، فضلًا عن حصولها على تأييد كامل من الجامعة العربية ومعظم الدول الإسلامية. إن استثمار هذا الدعم يمكن أن يجعل عملية التعافي أسهل وأسرع.

لا يمكن تنظيم انتخابات في بلد نزح منه 12 مليون شخص، ولكن تأجيلها لمدة أربع سنوات قد ينطوي على مخاطر جسيمة. لهذا، فإن الشرط الأول لتسريع العملية الانتخابية هو الإسراع في اعتماد الدستور الجديد. حاليًا، هناك لجنة تعمل على إعداد الدستور، لكن لم يتم تحديد جدول زمني لإنجازه، ومع ذلك، فمن الضروري الإسراع في إتمام هذه العملية.

إن الطريقة الأهم لحماية البلاد من الانقسامات العرقية والطائفية تكمن في إدخال الإصلاحات الدستورية المناسبة، ولهذا السبب، ينبغي تكثيف الجهود لإنهاء هذه المهمة في أقرب وقت ممكن.

عودة اللاجئين المنتشرين في الخارج إلى سوريا فورًا ليست بالأمر الممكن حاليًا، والانتخابات مرتبطة جزئيًا بهذه المسألة. لكن من الممكن إيجاد حلول تتيح مشاركة هؤلاء اللاجئين في العملية الانتخابية، وذلك من خلال توفير آليات للتصويت خارج البلاد. ويمكن تحقيق ذلك في تركيا والأردن، حيث تتواجد أكبر نسبة من اللاجئين السوريين. ومن خلال هذه الإجراءات، سيكون من الممكن تقديم موعد الانتخابات.

أيام صعبة تنتظر السوريين قبل أن تنتهي معاناتهم الطويلة، لكن على الدول الإقليمية أن تدرك أن استمرار عدم الاستقرار في سوريا يشكل خطرًا كبيرًا عليها أيضًا. لهذا، يجب عليها تقديم المزيد من الدعم لسوريا. وقد كان الاجتماع الأخير الذي عُقد في عمّان مثالًا جيدًا على ذلك.

اجتماع عمّان كان بداية جيدة

إن توصل كل من تركيا والعراق وسوريا والأردن ولبنان إلى اتفاق بشأن محاربة تنظيم الدولة يمثل تطورًا بالغ الأهمية. فهذه هي المرة الأولى التي تقرر فيها دول إسلامية إنشاء كيان مشترك فيما بينها لمحاربة تنظيم الدولة، بعيدًا عن التدخلات الخارجية.

وسيتم إنشاء مركز عمليات في سوريا، وستكون إدارته تحت إشراف الحكومة السورية، مما سيتيح محاربة التنظيم ضمن إطار إقليمي، دون الحاجة إلى تدخل القوى الغربية.

إن تأسيس هذا الكيان يشير إلى إمكانية إنشاء هياكل تعاون أخرى مستقبلًا، وهو ما يجعله مبادرة بالغة الأهمية. كما أن هذه الخطوة تعدّ تقدمًا إيجابيًا نحو تمكين سوريا من الوقوف على قدميها، وتقليل نفوذ الدول الغربية في المنطقة.

نأمل أن يكون هذا الاجتماع مجرد بداية لمزيد من التعاون في المستقبل.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

كاتب وصحفي تركي

الجزيرة

——————————

كيف يتعامل حزب الله مع خسارة شريان إمداده؟

أسرار شبارو – بيروت

11 مارس 2025

مرّت نحو 3 أشهر على سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، الحدث الذي غيّر المعادلات، ليس فقط في سوريا، بل في الإقليم وخاصة لبنان، حيث فقد حزب الله فقد شريانه الرئيسي.

فمع انهيار هذا الحليف الاستراتيجي، وجد الحزب، المصنف جماعة إرهابية، نفسه أمام واقع جديد يفرض عليه تحديات غير مسبوقة عسكرياً ومالياً.

ولم يكن سقوط الأسد مجرد انتكاسة لحزب الله، بل جاء عقب هزيمة ثقيلة تكبّدها في حربه الأخيرة مع إسرائيل، ما اضطره إلى القبول باتفاق وصفه البعض بأنه “اتفاق استسلام”، حيث يفرض عليه تنفيذ القرارين 1701 و1559، مما يعني التخلي عن سلاحه والحدّ من قدرته على إعادة التسلّح كما كان يفعل سابقاً، مستفيداً من الغطاء السوري.

وزاد الطين بلّة بالنسبة للحزب، أن قوات الأمن السورية الجديدة شنّت حملة أمنية على الحدود مع لبنان، لإغلاق المعابر غير الشرعية التي كانت شريان الحزب الأساسي للتهريب.

اليوم، يقف حزب الله أمام واقع لم يعهده من قبل، والسؤال المطروح: هل سيحاول استعادة نفوذه في سوريا عبر دعم فصائل موالية له؟ أم أن عجلة الزمن لن تعود إلى الوراء، ليجد نفسه أمام خيار التأقلم مع معطيات المرحلة الجديدة؟

الخسارة الاستراتيجية الكبرى؟

“سقوط نظام الأسد يشكل الخسارة الاستراتيجية الأهم للحزب”، كما يؤكد الباحث في الشأن السياسي، نضال السبع.

وقال السبع، لموقع “الحرة”، “يعتمد الحزب منذ عام 1982 بشكل رئيسي على سوريا لتمرير الأسلحة والأموال، بعد الحرب السورية، نقل جزءاً من قدراته التصنيعية إلى الداخل السوري، حيث أنشأ مصانع لإنتاج الصواريخ والأسلحة، ما جعله أكثر ارتباطاً بالبنية العسكرية في سوريا”.

ومع سقوط نظام الأسد، فقد حزب الله هذا الدعم الحيوي، سواء “من حيث خطوط الإمداد أو المصانع التي كانت تمده بالسلاح”، مشيراً إلى أن “الحزب اليوم يدرك أن أي صاروخ يطلقه لن يكون قادراً على تعويضه بسهولة، مما يزيد من حجم التحديات التي يواجهها”.

كذلك يشير القائد السابق للفوج المجوقل في الجيش اللبناني، العميد المتقاعد جورج نادر، أن “سقوط نظام بشار الأسد سيحرم حزب الله من طريق إمداداته الأساسي من إيران، الذي يشمل السلاح والذخيرة والأموال”.

وأوضح نادر، لموقع “الحرة”، أن سوريا اليوم تعاني من حالة عدم استقرار.. مما زاد من انتشار عصابات التهريب”، مشيرا إلى أن هذه العصابات “لا تهتم بالجهة التي تعمل لصالحها، سواء كان حزب الله أو غيره، ما قد يدفع الحزب إلى الاعتماد عليها لتهريب ما يحتاجه عبر الحدود السورية”.

ورأى نادر أن “الحزب قد يلجأ إلى التهريب البحري عبر عصابات منظمة، بعدما فقد شريانه البري الرئيسي. أما تهريب السلاح جواً فهو أمر مستبعد، خصوصاً في ظل التهديدات الإسرائيلية التي تواجه مطار بيروت في حال استقباله طائرات إيرانية”.

وتتهم إسرائيل طهران باستخدام الرحلات الجوية التجارية لتحويل الأموال إلى الجماعة المسلحة، ما يجعل إعادة تمويل الحزب “مسألة بالغة الصعوبة”، وفق نادر “ويضعه في موقف ضعيف على صعيد التسليح والتمويل والإمداد البشري”.

من جانبه، أكد مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان، رامي عبد الرحمن، أن “عمليات التهريب عبر الحدود السورية اللبنانية لا تزال نشطة ولم تتوقف، حتى في الأيام الأولى التي تلت سقوط نظام بشار الأسد، حيث استمر المهربون في نشاطهم رغم بعض الارتباك الأولي”.

وأوضح عبد الرحمن، لموقع “الحرة”، أن المهربين لا يزالون يعملون على امتداد المنطقة الحدودية، التي كانت معروفة سابقاً بعمليات التهريب، مشيراً إلى أن “تهريب الأموال بين الجانبين مستمر دون انقطاع، رغم احتمال تراجع تهريب السلاح مقارنة بالفترات السابقة ليس عبر المعابر الرسمية، وإنما عبر مسارات التهريب غير الشرعية”.

وأشار إلى أن أحد الأسماء البارزة في بلدة المرج البقاعية في لبنان، الذي تربطه علاقات وثيقة برموز النظام السوري، يواصل إدارة عمليات التهريب عبر مجموعات مسلحة.

أزمة مالية خانقة

“الأولوية لدى الحزب اليوم لم تعد فقط تأمين السلاح”، كما رأى السبع “بل تأمين الرواتب واستمرارية مؤسساته، خاصة أن لديه شبكة واسعة من المؤسسات الاجتماعية والخدماتية والإعلامية وغيرها”.

وقال إن “لا خيارات واضحة أمام الحزب، فالوضع أصبح أكثر تعقيداً، حتى على صعيد التمويل”، وأشار إلى أن “حزب الله يتمتع بقاعدة بشرية كبيرة، إذ سبق أن أعلن أمينه العام السابق، حسن نصر الله، أن عدد مقاتليه يبلغ 100 ألف عنصر، ما يعني تأمين رواتب لعشرات الآلاف من العائلات”.

وتابع “إذا افترضنا أن كل عنصر يعيل أسرة مكونة من خمسة أفراد، فهذا يعني أن هناك نحو نصف مليون شخص يعتمدون على رواتب الحزب. ومع قرار الحكومة اللبنانية منع الطائرات الإيرانية من الوصول إلى مطار بيروت ووقف إيصال الأموال، فإن الأزمة المالية لحزب الله ستزداد حدة”.

كما لفت إلى أن “إعادة الإعمار في المناطق المتضررة من الحرب مع إسرائيل تمثل تحدياً إضافياً، إذ رغم مطالبة الأمين العام لحزب الله، نعيم قاسم، الدولة اللبنانية بتحمل مسؤولياتها، إلا أن الحزب كان يعتمد على الدعم الإيراني في هذا المجال. ولكن مع منع الطائرات الإيرانية من الهبوط في بيروت، بات هذا الدعم مهدداً”.

وكانت صحيفة “وول ستريت جورنال” كشفت في 23 فبراير أن لجاناً تابعة لحزب الله قيّمت مئات الآلاف من المنازل المتضررة، وأصدرت تعويضات بقيمة 630 مليون دولار عن الخسائر، وفقاً لمسؤول في مؤسسة “القرض الحسن”.

وكان الأمين العام للحزب، نعيم قاسم، قد وعد في ديسمبر الماضي بتقديم 12 إلى 14 ألف دولار سنوياً كبدل إيجار لكل متضرر من الحرب الأخيرة مع إسرائيل.

إلا أن الصحيفة ذاتها أفادت بأن “القرض الحسن” (المؤسسة المالية الأساسية للحزب) جمدت مؤخراً صرف شيكات التعويضات التي سبق إصدارها، ما يعكس أزمة مالية متصاعدة. كما ذكرت صحيفة “واشنطن بوست” أن المؤسسة أوقفت دفع التعويضات لمدة خمسة أيام في أوائل فبراير، مبررة ذلك بـ”صعوبات فنية”.

يذكر أن ميزانية حزب الله كانت تقدّر في السنوات الماضية بحوالي مليار دولار سنوياً، تخصص لدفع الرواتب والمزايا، دون احتساب النفقات العسكرية، لكن التطورات الأخيرة تشير إلى ضغوط مالية غير مسبوقة قد تؤثر على قدرة الحزب في الوفاء بالتزاماته المالية، سواء تجاه مقاتليه أو قاعدته الشعبية.

هل يستطيع استعادة نفوذه؟

بعد الضربة التي تلقاها حزب الله بسقوط نظام الأسد، تثار تساؤلات حول مستقبله في سوريا في ظل المتغيرات الإقليمية المتسارعة.

وفي هذا السياق، أكد السبع أن “الحزب، إلى جانب الإيرانيين، متواجد في سوريا عسكرياً وأمنياً منذ عام 2012، وهو على دراية بالجغرافيا السورية، كما تربطه علاقات مع ضباط سابقين في الأمن والجيش، بالإضافة إلى العشائر والعائلات في مختلف المناطق”.

وأضأف أن “حزب الله والإيرانيين خاضوا معارك في مختلف أنحاء سوريا، وخلال وجودهم هناك جندوا عناصر محلية، خصوصاً من قبل الإيرانيين. لذلك، من المحتمل أن تدفع طهران خلال المرحلة المقبلة باتجاه إعادة التواصل مع هذه العناصر في محاولة لإعادة عقارب الساعة إلى الوراء، من خلال إحداث تغيير في المعادلة الداخلية، لأن استمرار الوضع الحالي لا يخدم أهدافها الاستراتيجية في المنطقة، وخاصة مشروعها الإقليمي الذي يعتمد بشكل أساسي على حزب الله”.

أما فيما يتعلق بوجود أسلحة تابعة لحزب الله داخل الأراضي السورية، فلم يستبعد عبد الرحمن هذا الاحتمال، مشيراً إلى إمكانية وجود مخازن غير معروفة، قد يتم استخدامها في المستقبل.

في المقابل، يستبعد نادر سيناريو إعادة انتشار حزب الله في سوريا، مؤكداً أن “الحزب يدرك حجم العداء الذي يواجهه هناك، لدرجة أن البلدات التي كانت تدعمه شهدت نزوحاً واسعاً لسكانها إلى لبنان، مما يجعل فرص إعادة انتشاره شبه معدومة”.

أما بشأن احتفاظه بمواقع داخل سوريا، فيعتبره نادر أمراً مشكوكاً فيه، مشدداً “هذه نهاية حزب الله في سوريا، لكنها ليست نهايته بشكل عام”.

ويختتم نادر حديثه بالإشارة إلى أن “الحزب، الساعي لاستعادة قوته، لا يمكنه الاعتماد على عصابات التهريب وحدها، بل يحتاج إلى دعم دولة، وهو أمر غير متاح حالياً”.

وأكد أن الحزب بات يواجه خيارات محدودة للغاية، وليس أمامه سوى “الحلول الدبلوماسية والسياسية التي تفرض عليه الالتزام بالقرارات الدولية وتسليم سلاحه للدولة اللبنانية”.

أسرار شبارو

الحرة

—————————

تلاحقهم اتهامات القتل بـ”الساحل”.. من هم المقاتلون الأجانب في سوريا؟/ ضياء عودة

11 مارس 2025

شهادات لذوي ضحايا في أحداث الساحل السوري وشهود عيان، توالت خلال الأيام الماضية، لتشير إلى مشاركة “مقاتلين أجانب” في الاشتباكات وأعمال العنف التي ارتُكبت في كل من محافظتي طرطوس واللاذقية، والقرى والبلدات التابعة لهما.

وفي حين تتجه الأنظار إلى نتائج التحقيقات التي ستصل إليها اللجنة المكلفة من رئيس المرحلة الانتقالية في البلاد، أحمد الشرع، تثار تساؤلات عن طبيعة هؤلاء المقاتلين الأجانب وانتماءاتهم، والتشكيلات التي يتبعون لها ومناطق توزعهم.

تساؤلات أخرى تفرض نفسها أيضا، حول ما إذا كان لهؤلاء دور فعلي في أعمال العنف التي راح ضحيتها أكثر من ألف شخص، حسب “المرصد السوري لحقوق الإنسان”.

وتشير العديد من الشهادات المحلية التي ضجت بها مواقع التواصل الاجتماعي، نقلا عن شهود عيان من بينهم فنانين وصحفيين كانوا في مناطق الساحل منذ يوم السابع من مارس، إلى ضلوع “أجانب” في تنفيذ “المجازر” المرتكبة.

ومن بين هؤلاء، الممثلة السورية نور علي، التي تحدثت عبر حسابها في تطبيق إنستغرام عما حدث في منطقة جبلة بالساحل السوري.

وأوضحت في مقطع فيديو أنها تعرضت لإطلاق نار أثناء تصوير مجريات الأحداث بجوار منزلها. وشهدت كما تقول “عمليات ذبح” للمدنيين اتُهم مقاتلون سوريون وأجانب بتنفيذها، قبل دخول قوات الأمن العام.

وقالت “اقتحموا البيوت: شيشان وأجانب وتكفيريين. ناس انذبحت من كل الطوائف”.

وفي رسالة موجهة إلى سلطات المرحلة الانتقالية، قالت علي: “يا بدكن سوريا السلام يا أما بلاها كلها البلد ما تحررنا لنعيش الحرب والرعب.. هل مضطرة أخاف من شيشاني على الحاجز مثل ما كنتم بتخافوا من الروسي والإيراني؟”.

ومع ذلك لا يوجد أي توثيق باستثناء هذه الإقرارات، كفيديو مثلا أو صورة، كما الحالة التي أكدها مقاتلون سوريون بأنفسهم، بعدما وثقوا عمليات الإعدام الميداني التي نفذوها في الساحل بكاميرا هواتفهم.

وقالت “الشبكة السورية لحقوق الإنسان”، إن العمليات العسكرية التي رافقت تنفيذ “المجازر” في الساحل السوري، شارك فيها إلى جانب القوات الرسمية “فصائل عسكرية محلية، وتنظيمات إسلامية أجنبية منضوية شكليا تحت وزارة الدفاع، دون وجود اندماج تنظيمي فعلي”.

كما شملت “مجموعات محلية من المدنيين المسلحين، الذين قدموا الدعم للقوات الحكومية، دون أن يكون لديهم انتماء رسمي لأي تشكيل عسكري محدد”.

وأوضحت الشبكة في تقرير حقوقي لها، الثلاثاء، أن العمليات الأمنية التي انطلقت بعد سلسلة هجمات منسقة من “فلول نظام الأسد”، “لم تقتصر على ملاحقة المتورطين المباشرين، بل سرعان ما تحولت إلى مواجهات عنيفة”.

وترافق مع هذه المواجهات، وقوع انتهاكات جسيمة واسعة النطاق، اتسمت معظمها بطابع انتقامي وطائفي، فيما لعبت الفصائل المحلية والتنظيمات الإسلامية الأجنبية المنضوية شكليا تحت وزارة الدفاع الدور الأبرز في ارتكابها، حسب الشبكة الحقوقية.

من هم المقاتلون الأجانب؟

لا تُعتبر قضية المقاتلين الأجانب، والذين يحملون أفكارا متشددة، جديدة على مشهد سوريا.

فمنذ سنوات ينشط هؤلاء ضمن تشكيلات عسكرية في مناطق شمال غربي البلاد.

كما أنهم طالما كانوا في دائرة الضوء العالمية، من منطلق الأخطار التي أحاطت بتحركاتهم عندما قاتلوا في سلسلة عمليات عسكرية إلى جانب “هيئة تحرير الشام” (النصرة سابقا) المصنفة إرهابية في أميركا ودول أخرى، والتي حلّها الشرع بعد استلامه زمام السلطة في البلاد.

ويقول الباحث في شؤون الجماعات المتشددة، حسن أبو هنية، لموقع “الحرة”، إن معظم هؤلاء المقاتلين “يستمدون أفكارهم من السلفية الجهادية”.

ويضيف أن أعدادهم ضمن التشكيلات التي يتوزعون عليها، “لا تزيد عن حاجز الـ4 آلاف مقاتل وفرد من عوائلهم”.

ويبرز من بين هذه التشكيلات، “الحزب الإسلامي التركستاني”، الذي يضم قرابة 2500 من المقاتلين الإيغور وعوائلهم المقيمة في ريف إدلب الغربي وريف اللاذقية الشمالي، وفق أبو هنية.

وإلى جانبه، يوضح الباحث أن كتيبة تطلق على نفسها منذ سنوات اسم “جماعة أنصار الإسلام”، تنشط في شمال غرب سوريا.

وبينما لا يزيد عدد مقاتلي هذه الجماعة عن 100 مقاتل، يشير أبو هنية إلى أنه كانت ترتبط في السابق بتنظيم “القاعدة”.

ويشير كذلك إلى ما تسمى بـ”فرقة الغرباء”، وهي تشكيل عسكري أجنبي ينشط في غرب سوريا.

يترأس الفرقة عمر أومسن الذي تقول السلطات الفرنسية إنه “مسؤول عن تجنيد 80 بالمئة من الجهاديين الذين يتحدثون اللغة الفرنسية ممن ذهبوا إلى سوريا أو العراق”.

وعلى مدى السنوات الماضية، تصادمت “هيئة تحرير الشام” مع فرقة أومسن، وحتى أنها اعتقلته أكثر من مرة، وانسحبت هذه الحالة على عدة تشكيلات أجنبية أخرى، بينها “تنظيم حراس الدين”.

ورغم أن “حراس الدين” أعلن حل نفسه مؤخرا في سوريا، فإن الضربات التي تنفذها الولايات المتحدة لا تزال مستمرة ضده، وأسفرت منذ بداية العام الحالي عن مقتل 4 مسؤولين فيه، بشمال غرب سوريا.

“ألبان وشيشان وأوزبك”

التشكيلات التي تضم مقاتلين أجانب في شمال غرب سوريا، تشمل أيضا “كتيبة الألبان” أو كما تعرف أيضا بـ”الكتيبة الأودية”، وهو الاسم الذي اختارته لنفسها منذ سنوات.

تضم هذه الكتيبة بين 100 و150 مقاتلا في صفوفها جُلّهم من أصول ألبانية، ومن كوسوفو ومقدونيا الشمالية، ومناطق أخرى من البلقان.

وإلى جانبها، تنشط كتائب أجنبية أخرى كفصيل “أجناد القوقاز” و”مجاهدو الشيشان” و”جيش المهاجرين والأنصار” و”جند الشام”. وجميعها لا يتجاوز عدد عناصرها 200 مقاتل، وفق أبو هنية.

كما يشير الباحث إلى “كتيبة الإمام البخاري” التي تضم مقاتلين أوزبك ويصل عددهم إلى ما يقارب 300 مقاتل، وإلى “حركة مهاجري أهل سنة إيران” أيضا، التي تضم مقاتلين من أصل فارسي وكردي ومن البلوش.

كيف يتعامل معهم الشرع؟

بعد سقوط نظام بشار الأسد، وفي أعقاب شروع الإدارة السورية الجديدة بالخطوات المتعلقة بالاندماج العسكري بين الفصائل المسلحة، تسلطت الأضواء كثيرا على وضع المقاتلين الأجانب والمصير الذي سينتظرهم.

“هل سيدينون بالولاء للدولة السورية في مرحلة لاحقة، أم قد يظلّون على عقيدتهم العابرة للحدود؟”.. كان هذا السؤال أكثر ما تردد منذ تلك الفترة.

وجاء طرحه بعدما أثارت إدارة الشرع جدلا بإصدارها قرارات، رفعّت بموجبها رتب العديد من القادة الأجانب.

وكان من بين أولئك القادة، عبدل بشاري، قائد “جماعة الألبان”، وعمر محمد جفتشي (تركي الجنسية)، والمصري علاء محمد عبد الباقي، وعبد العزيز داوود خدابردي الذي ينحدر من الأقلية التركستانية في الصين.

بالإضافة إلى مولان ترسون عبد الصمد، وهو طاجيكي الجنسية، وعبد الرحمن حسين الخطيب الذي منح رتبة عميد، ويقال إنه أردني الجنسية، فضلا عن “ذو القرنين” زنور البصر عبد الحميد الملقب بعبد الله الداغستاني، وهو قائد “جيش المهاجرين والأنصار”.

ويقول الباحث في شؤون الجماعات المتشددة، عرابي عرابي، إن “المجازر التي حصلت في الساحل السوري، قبل أيام، وقعت على يد أشخاص ومقاتلين سوريين موتورين”، على حد تعبيره، دون أن يستبعد ضلوع بعض المقاتلين الأجانب.

ويضيف عرابي لموقع “الحرة”: “من ارتكب المجازر هي شخصيات محلية وليست أجنبية، إضافة إلى بعض العناصر من الفصائل المحلية التي قامت بالانتهاكات بعيدا عن الانضباط العسكري”.

ما مصيرهم؟

أدانت الولايات المتحدة مقتل أشخاص غربي سوريا على يد من وصفتهم بـ”الإرهابيين الإسلاميين المتطرفين”، مطالبة إدارة المرحلة الانتقالية بـ”محاسبة مرتكبي المجازر ضد الأقليات”.

وقال وزير الخارجية الأميركي، ماركو روبيو، في بيان الأحد، إن “الولايات المتحدة تدين الإرهابيين الإسلاميين المتطرفين، بمن فيهم الجهاديون الأجانب، الذين قتلوا أشخاصا في غرب سوريا في الأيام الأخيرة”.

الباحث السوري في مركز “حرمون للدراسات المعاصرة”، نوار شعبان، يؤكد بدوره وجود إشكالية في ملف هؤلاء المقاتلين، معتبرا أنها “تكمن بالمفاهيم”.

ويقول لموقع “الحرة”: “قد يتغير عقلهم لاحقا بناء على تغير المفاهيم التي كانوا يسيرون بموجبها.. وبالتالي قد يلجؤون للتلاقي مع تنظيم داعش”.

وبعد الاتفاق الذي أبرم بين الشرع وقائد “قوات سوريا الديمقراطية”، مظلوم عبدي، يرى الباحث السوري أنه “من الضروري مراقبة نشاط داعش، وما إذا كان لهذا التنظيم قدرة على استقطاب المقاتلين الأجانب من جديد أم لا”.

ضياء عودة

الحرة

——————–

سوريا العادلة أفضل بيت لمكوناتها/ غسان شربل

10 مارس ,2025

يزورك الخوفُ حين تتابع من بيروتَ ما يجري في سوريا. محاولةُ إعادة عقاربِ الساعة إلى الوراء بالغة الخطورة. كان سقوط نظام بشار الأسد مفاجأةً مدويةً باغتت حلفاءَه وخصومه معاً. في الداخل هناك من يرفض أن يصدّقَ أنَّ زمنَ السلطة والتسلط قد فرَّ من يده. وهناك في الخارج من يرفض التصالح مع فكرة أنَّ سوريا اختارت مصيرها وطريقَها ويصرُّ على إمكان استعادتها أو تفجيرها لإغراق سوريا الجديدة بالدم.

ومصير سوريا لا يعنيها وحدها. هذه كانت أمثولة العقد الثاني من هذا القرن. حين تندلع النارُ في العروق السورية يتعذَّر كبحُها واعتقالها داخل الأرض السورية. يضخُّ الاقتتال السوري – السوري التوترَ في عروق دول الجوار. يضخُّ أيضاً أمواجاً من اللاجئين. وإذا كانت سوريا الخائفة مشكلة فإنَّ سوريا المخيفة مأساة لشعبها ومحيطها. تفجير سوريا لا يقل خطورة عن إسقاط نظام صدام حسين. إنَّه أكبر من قدرة المنطقة على الاحتمال.

أخطر ما يمكن أن تصابَ به بلادٌ هو أن يحاول الحكم العزفَ على مخاوف مكوناتها كما حدث في سوريا تحت حكم الأسد. أن يقدّم الغلبةَ على العدالة والمساواة. وأن يلغيَ كلَّ الجسور والضمانات ليكون المرجع الوحيدَ الممسكَ بالأعناق والأرزاق. وأن يتحوَّل الدستور موظفاً صغيراً في القصر. وأن يغيبَ البرلمان إلا حين يستدعى للتصفيق. وأن يتركَ الناسُ في عهدة مطابخ الأمن وممارسات مافياوية فظة.

علمتني المهنة أن أخافَ عند المنعطفات. أخاف حين يتوارى الرجل الممسك بكلّ الخيوط وكلّ المصائر والأقدار. وحين يتبخَّر جيشٌ أقام طويلاً وأعطى للخريطة نكهةَ السجن. وحين يفرُّ قساة الأجهزة مخلفين وراءَهم جيشاً من الجثث وسلسلة من المقابر الجماعية. أخاف من غضب الناسِ حين يتحرَّكون رداً على الممارسات الوحشية التي ملأت آبار الكراهية حتى فاضت. وأخاف من الناس حين يقعون في قبضة باعة الأوهام فيرفضون تجرّع الخسارة وينزلقون إلى مغامرات تهدد سلامتهم وربما وجودهم.

أخاف من لاعبين خارجيين يتحيَّنون هذه الفرص للانقضاض على سوريا الجديدة. تتصرَّف إسرائيلُ وكأنَّ سوريا ساحة لا دولة. تتحدَّث عن أمن الدروز وتلمح أيضاً إلى أوضاع الأكراد. يوحي هذا السلوك برغبة إسرائيلية في تفجير سوريا وتقسيمِها أو دفعها على الأقل إلى العيش على نار حرب المكونات.

يحلم غيرُها أيضاً باستعادة ما فقد من نفوذ في سوريا بأي وسيلة ممكنة. قرار الرئيس السوري أحمد الشرع تشكيلَ لجنة تحقيق مستقلة في أحداث الساحل يقطع الطريق على الأطرافِ الساعية لاستغلال ما جرى للإيحاء بوجود حرب مكونات.

تكرَّرت في الأسابيع الأخيرة أسئلة مقلقة عن الدروز والأكراد والعلويين. والحقيقة هي أنَّ الجوابَ الوحيد على كل هذه الأسئلة هو أنْ لا حلَّ في سوريا غير الدولة السورية التي تتَّسع للجميع. تفجير سوريا مأساة لها ولجوارها. إغراق سوريا في حرب مكوناتٍ سيقلق لبنانَ والأردنَ والعراقَ وتركيا ودولَ المنطقة. والمسألة شديدة الخطورة.

استقرار سوريا مفتاحُه دولة تتَّسع لكل مكوناتها وعلى قاعدة العدالة والمساواة في ظل حكم القانون. كلُّ عودة إلى الماضي يجب أن تقتصر على التعلم منه لضمان عدم تكرار الأخطاء.

غداة سقوط نظام الأسد نجحت سوريا الجديدة في تفادي انهيارٍ كبيرٍ يدفعها إلى بحيرات الدم. وتصرَّف الرئيس الشرع بواقعية مركزاً على عودة سوريا إلى عائلتها العربية استعداداً للعيش في ظلّ الدستور وحكم القانون. حرص على الإيحاء أنَّ هاجسَ سوريا الأول هو إعادة الاستقرار والإعمار والعيش كدولة طبيعية بعيداً عن فرض نموذج يهزُّ ركائزَ وحدتها. أوحى أنَّ سوريا الجديدة لا تريد تصدير نموذجِها والتسلّل إلى داخل خرائط جيرانها.

أعطتِ الأحداثُ الدموية الحالية انطباعاً أنَّ الصراع على سوريا لم يتوقف في الداخل ولم يتوقف في الإقليم. أي محاولة خارجية لإعادة عقارب الساعة السورية إلى الوراء تنذر بتصعيد حرب الأدوار على المسرح السوري وحوله.

سوريا أصلاً دولة قلقة. لم تتمكَّن على مدار ستة عقود من استعادة الجولان الذي تحتلّه إسرائيل. لم تستطع أن تكونَ دولة طبيعية في الداخل. وكانت تشعر بالقلق من تركيا الإردوغانية بعباءتها الإسلامية والأطلسية. ومن العراق في ظلّ القيادة الصدّامية. ومن الاعتدال الأردني والمظلة الدولية التي تحميه. ومن لبنانَ الذي أفلت من وصايتها. سوريا «البعثية» القلقة تحوَّلت دولةً مقلقة حين راحت تحاول امتلاكَ أوراق مؤثرة على أمن جيرانها واستقرارهم وتحريكها. زادت قدرتها على الإقلاق بعدما صارت ساحة لميليشيات إيرانية المرجع والقرار.

الحل عودة سوريا إلى سوريا. عودة الدولة الطبيعية التي تحفظ الوحدة مع ضمان احترام الخصوصيات والاختلافات تحت سقف التعايش والقانون. وحدها الدولة الطبيعية تطوي صفحة سوريا القلقة وسوريا المقلقة. سوريا العادلة أفضل بيتٍ لمكوناتها.

نقلا عن الشرق الأوسط

——————————

نصفهم على يد فلول النظام.. توثيق مقتل 803 أشخاص خلال أحداث الساحل السوري

2025.03.11

وثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان في تقرير أولي صدر اليوم الثلاثاء، مقتل 803 أشخاص، بينهم نساء وأطفال، خلال الهجمات التي شهدتها مناطق الساحل السوري بين 6 و10 من آذار الجاري، مؤكدة أن نحو نصف الضحايا سقطوا على يد فلول النظام المخلوع، بينما قُتل الباقون في عمليات أمنية وعسكرية نفذتها قوات تابعة للحكومة.

وأبرز التقرير أن سوريا شهدت خلال تلك الأيام تصعيداً غير مسبوق في العنف، حيث نفذت المجموعات المسلحة المرتبطة بالنظام المخلوع هجمات منسقة استهدفت مواقع أمنية وعسكرية، مما دفع القوات الحكومية إلى شن عمليات موسعة لملاحقة المهاجمين، ومع تصاعد المواجهات، تحولت العمليات إلى انتهاكات جسيمة شملت الإعدامات الميدانية والقتل الجماعي، وسط مشاركة فصائل في القتال من دون اندماج واضح مع القوات الحكومية.

وأشار التقرير إلى أن الانتهاكات طالت المدنيين، بمن فيهم الطواقم الطبية والإعلامية، إضافة إلى تدمير ممتلكات عامة وخاصة، ما أدى إلى موجات نزوح قسرية واسعة، كما سجلت الشبكة اختفاء عشرات الأشخاص، بينهم عناصر أمنية ومدنيون، في ظل تدهور الوضع الإنساني والأمني في المناطق المتضررة.

وأوضح التقرير أن تعقيد المشهد الأمني يعود إلى تعدد الأطراف المتورطة وتداخل مصالحها، مما يصعّب تحديد المسؤوليات بدقة، مشيرة إلى أنه في خطوة رسمية، أصدر الرئيس السوري أحمد الشرع قراراً بتشكيل لجنة وطنية مستقلة للتحقيق في هذه الأحداث، على أن تقدم تقريرها النهائي خلال 30 يوماً.

وثمّنت الشبكة هذه الخطوة، داعية إلى تعزيز شفافية اللجنة بإشراك ممثلين عن منظمات حقوقية مستقلة وأفراد من الطائفة العلوية والمجتمعات المتضررة لضمان حيادية التحقيق، كما أوصت بتوسيع نطاق عمل اللجنة ليشمل كل المناطق المتأثرة، ومدة فترة عملها نظراً لتعقيد الملف وتعدد الجهات المتورطة.

أعداد قتلى أحداث الساحل السوري

سجلت الشبكة مقتل 172 عنصراً أمنياً وعسكرياً على يد المجموعات المرتبطة بالنظام المخلوع، إضافة إلى 211 مدنياً، بينهم عامل في المجال الإنساني، نتيجة هجمات مباشرة، كما وثقت مقتل 420 شخصًا، بينهم كوادر طبية وصحفيون، خلال العمليات الأمنية والعسكرية الموسعة التي نفذتها الفصائل الموالية للحكومة.

وشهدت اللاذقية العدد الأكبر من القتلى، حيث سقط فيها 185 شخصاً، تلتها طرطوس بـ 183، ثم حماة بـ 49، في حين سجلت حمص ثلاث حالات قتل، كما استُهدف تسعة صحفيين في أثناء تغطية المواجهات، فيما تعرضت ستة مواقع مدنية للقصف المباشر.

وأبرز التقرير أن المواجهات كشفت عن ضعف الأجهزة الأمنية الحكومية في ضبط الأوضاع، حيث أخفقت في الحد من الانتهاكات، سواء تلك التي ارتكبتها الفصائل الموالية لها أو المجموعات المسلحة المرتبطة بالنظام المخلوع، كما زادت النزاعات ذات الطابع الطائفي من تعقيد المشهد، مما أدى إلى تفاقم معاناة المدنيين.

دعت الشبكة إلى تحقيق مستقل وشفاف لمحاسبة المسؤولين عن الجرائم، مؤكدة أن غياب المساءلة يهدد بتكرار الانتهاكات، كما أوصت الحكومة الانتقالية بضبط المجموعات المسلحة التابعة لها، وحماية المدنيين، وإعادة هيكلة الأجهزة الأمنية لضمان احترام معايير حقوق الإنسان.

وحثت الشبكة المجتمع الدولي على دعم جهود توثيق الانتهاكات، والمساعدة في تقديم الإغاثة العاجلة للسكان المتضررين، مشددة على ضرورة إنهاء حالة الإفلات من العقاب لمنع تصاعد العنف مجدداً.

——————————-

ما بين بذور شر سوريا الأسد وبذور خير سوريا الشام…/ الدكتور سمير حسن عاكوم

مع بداية الأحداث الأمنية المتفرقة بداية السبعينيات نتيجة تنازل “سلطة مصالح الامتيازات” عن السيادة في اتفاقية القاهرة لصالح الفصائل المسلحة الفلسطينيّة، تكلم أحد العمال السوريين همساً أمام رب عمله عن أسباب تركه وكل أقاربه المفاجئ عملهم في لبنان وقرارهم غير المتوقع بالعودة الى

مع بداية الأحداث الأمنية المتفرقة بداية السبعينيات نتيجة تنازل “سلطة مصالح الامتيازات” عن السيادة في اتفاقية القاهرة لصالح الفصائل المسلحة الفلسطينيّة، تكلم أحد العمال السوريين همساً أمام رب عمله عن أسباب تركه وكل أقاربه المفاجئ عملهم في لبنان وقرارهم غير المتوقع بالعودة الى القرداحة ويقول “إن هناك تحضيراً لتغيير كبير في النظام السوري وإن كل “العلويين” مطلوبون للعودة الفوريّة لأن هناك تحضيراً لنظام جديد سيحكم من خلالهم الرئيس حافظ الأسد سوريا”. لم يفهم حينها المهندس الشاب المندفع بالمحبة والانفتاح والطموح معنى “العلوية وحكم سوريا” وهو من تربى على الطيبة والعفوية والتفاني في العمل البعيد عن ألاعيب السياسة…

مع الوقت، بدأت تتوضح شيئاً فشيئاً معالم بناء نظام سادي استبدادي استغل “أقلية طائفية” بعد عزلها عن مجتمعها واعطاها امتيازات الفتك بالأكثرية ليستبد بحكمه الديكتاتوري الوراثي “إلى الأبد” بعنوان الأسد أو نحرق البلد….

من جهة أخرى أخبرني أحد العمال أن التشوهات في هيكله العظمي سببها التعذيب، وما أنجاه من مذبحة النظام في حماه بداية الثمانينيات هو “أُميّتَه” لأنه ممنوع أن يبقى متعلماً أو مثقفاً على قيد الحياة، وتقاطع صحة كلامه مع ما قاله الكثيرون بمن فيهم أحد المفكرين بأن “مجزرة حماه قضت على نخبة فكرية” تحتاج سوريا لمئات السنوات للوصول الى إنتاج مثيل لها…

ببساطة هذا القليل من خلفية ما يحدث في سوريا اليوم من خلال نظام حول سوريا من فسيفساء حب التنوع على مستوى العائلة الواحدة التي كانت تحترم وجود التنوع الناصري والبعثي والإخواني والقومي… فيها وفي محيطها، سوريا المؤمنة بختلف مكوناتها، تتقبل وبحماسة  فارس الخوري المسيحي اللبناني لرئاسة الحكومة وحتى وزير الأوقاف فيها، إلى سوريا أسد البطش وحكم سادية طائفة اقتيدت قهراً لتلعب دور سيادة اضطهاد باقى المكونات وعلى رأسهم الطائقة السنيّة.

استغرقت عمليّة زرع بذور شر نظام الأسد أكثر من عشر سنوات لتتحول الى شجرة لعينة تُستعمل ببراعة لاقتلاع ثروة أشجار غنى التنوع الشامي المؤمن بقرار “ممنوع الإبقاء على أي مفكر أو متعلم مستنير” والانتقال إلى حظيرة سوريا الأسد التي ترفع نفاقاً شعارات العداء لإسرائيل في حين أنها أعطت أسم “فلسطين” لأسوأ فرع مسلخ بشري عبر التاريخ!!!

بذور الخير غنى التنوع الحضاري راسخة في أرضها المباركة، تحتاج الى رعاية وتوجيه من أجل الوصول الى شجيرات خير مؤسسات دولة دستوريّة على قياس شعبها العظيم الذي عانى ما عاناه، ويجب تحييد شجرات الشر المجرمة وعزلها لا تبني أخلاقيّة عملها، واستبدالها سريعاً بسنابل الخير وأشجار بذور مباركة تعيد مكانة “المدنيّة المنورة” التي أرسى قواعدها يوماً ما من أسمته باسمها “إمام الشام” أي الإمام الإوزاعي الذي ساهم باستعادة كيانيتها مع ما يعنيه من تسامح العيش المشترك والمحبة بعد تجاوز مخاض مرحلة تاريخيّة مشابهة لما يحصل حالياً.

علينا أن نعي كلبنانيين خطورة وخلفيّة ما يحدث وأن لا ننجر الى عصبيات واقع أشجار بذور شر النظام البائد في كل مناطق سوريا، نحافظ على رسالتنا المتنوعة ونصرة أخواننا بالكلمة في ضعفهم وفي ردعهم عن ظلمهم إلى حين تجذر بذور الخير من جديد.

حتماً ستعود “سوريا شام التنوع” وسيحرر من تم تسخيرهم واستعبادهم لبناء مسخ “سوريا الأسد” وعلى كل اللبنانيين أن يكونوا بمستوى الإمام الأوزاعي وفارس الخوري وشكيب أرسلان وغيرهم الكثير ممن لعب دور رعاية بذور الخير لاستعادة شجرة سوريا الشام المباركة التي نحتاجها جميعاً.

النهار العربي

————————-

خلفيات مجتمعية للهجوم على العلويين… فروقات اقتصادية ونزعات ثأرية من الاستخبارات/ جاد ح. فياض

سجّل الساحل السوري المشهدية الأعنف في كتاب تاريخ سوريا الحديث، منذ سقوط نظام بشّار الأسد، إذ عادت الاشتباكات المسلّحة بين السوريين والتي أنذرت بحرب أهلية مذهبية، بعدما أخذت الصورة طابعاً طائفياً سنياً – علوياً. وإذ تعدّدت الأسئلة عمّا إن كان مشهد الساحل سيتكرر في مناطق أخرى، فإن سؤالاً برز بشأن الخلفيات المجتمعية للتصعيد الذي حصل، والتي تندرج ضمن مجموعة خلفيات دينية وسياسية

في قراءة عميقة للأسباب المجتمعية، فإنها تتنوّع بين الدينية والسياسية والعسكرية، فالاختلاف العقائدي والاتجاه المتشدّد لبعض المجموعات المنضوية تحت مظلة الإدارة الجديدة كان عاملاً دافعاً، بالإضافة إلى الهوية السياسية للعلويين لأنهم كانوا العمود الفقري للنظام السوري السابق، وامتلاك فلول هذا النظام السلاح ومحاولات التمرّد وإرساء واقع عسكري وأمني جديد في الساحل السوري.

منظور سياسي ثأري

من منظور سياسي، ثمّة صورة نمطية في الوجدان السوري تقوم على أن العلويين كانوا يحكمون سوريا، نسبةً إلى أن رئيس النظام كان علوي المذهب، لكن الأستاذ الجامعي وعضو الهيئة التأسيسية لحزب “الجمهورية” السوري محمد الأحمد لديه رؤية أخرى، إذ يقول لـ”النهار” إن هذا التعريف “سطحي”، لأن النظام السابق كان يقوم على “حكم الأوليغارشيا” التي ضمّت رأسماليين وتجّاراً من طوائف أخرى.

لكن السوريين يربطون بين الانتهاكات التي تعرّضوا لها وشريحة واسعة من العلويين، ولهذا السبب كانت الهجمات على طرطوس واللاذقية تحمل نزعة ثأرية، وبحسب الأحمد، فإن النظام السابق كان يعتمد على العنصر العلوي في الأجهزة الاستخباراتية، ومعظم عناصر هذه الأفرع كانوا علويين، ويربطها بتجارب تاريخية اعتمد فيها الحكّام على مجموعة معيّنة يضمن ولاءها.

فروقات اجتماعية

النزعة الثأرية أيضاً مرتبطة بالفروقات الاجتماعية بين العلويين والسنّة، فالعلويون كانوا يتبوّؤون المواقع الحكومية والإدارية العامة، وانخرطوا في عالم الاقتصاد والزراعة والصناعة، وإمكانياتهم المادية كانت تخوّلهم تحصيل العلوم، وفق ما يشير الأحمد، وهي ميزات يعتقد أن قيادة النظام السوري السابق كانت تمنحها لهذا المكوّن لكونها تنحدر منه، وانطلاقاً من أنّها أقلية حاكمة.

دعم دولي غائب

واقع العلويين تبدّل بعد سقوط نظام بشّار الأسد على نحو دراماتيكي وسريع،.وفي هذا السياق، يكشف الأحمد أن عدداً كبيراً من الموظفين العلويين “تعرّض للصرف، ما أدّى إلى تراجع واقعهم الاقتصادي، وليس لديهم مغتربون من أجل مساعدتهم”. والصورة النمطية بشأن السياسة “تزيد من الخطر الذي يواجهونه”، ولا جهة دولية داعمة لهم كما كانت روسيا وإيران، خصوصاً أن التحرّك الدولي اقتصر على الإدانة والدعوة لعقد جلسة لمجلس الأمن.

انطلاقاً من هذا الواقع، فإن العلويين يطالبون بمظلة دولية، وفي هذا السياق، يشدّد الأحمد على أهمّية “إرسال لجنة تحقيق ومراقبة دولية تقيم في سوريا لمدّة 6 أشهر قابلة للتمديد، تضمن حماية الأقليات”، إلى أن ترسي الدولة قوامها وفق معايير دستورية وديموقراطية.

في المحصلة، فإن أحداث الساحل تدق ناقوس الخطر، وإن كان العامل الثأري هو أحد العوامل الدافعة، لأن نسبة كبيرة من مواطني الطائفة العلوية كانت من عماد هذا النظام وأجهزته، إلّا أن ناشطين ناهضوا نظام الأسد يؤكدون وجوب ألا تكرر السلطات السورية الجديدة ممارساته، حتى لا تواجه البلاد مصيراً دموياً أسود.

النار العربي

———————————-

إلى السوريين قبل الجنون الكبير: لا حل إلا بالدولة/ مصطفى علوش

2025-03-11

“ولي بين الضلوع دم ولحم هما الواهي الذي ثكل الشباب

ولو خلقت قلوب من حديد لما حملت كما حمل العذاب

ولا ينبيك عن خلق الليالي كمن فقد الأحبّة والصحاب”

(أحمد شوقي)

لسنا نحن اللبنانيّين بالمرجع الصالح لنسدي النصح للمجانين المتفلّتين في الساحل السوري اليوم، وهنا أتحدّث عن الجميع. فنحن اللبنانيّين افتعل بعضنا ببعض كما يفعل الوحوش في صراعاتهم على الطرائد والسلطة.

لكن يمكن أن نفيد السائرين على درب الجنون بنتائج جنوننا. لم نستجب أبداً عند بداية حفلة جنوننا لأيّ من دعوات التعقّل، أكانت من الداخل أو من الخارج. وفشل، وربّما يئس، كلّ المبعوثين الذين أتوا لثنينا عن التدمير الذاتي المنهجيّ، واستمعنا وطربنا فقط لمن كان يذكي نار جنوننا ويمنحنا الدعم بالسلاح والمال، وأحياناً العقائد بمختلف أنواعها، مهما كانت طبيعة شذوذها. وفي كلّ يوم كان بعضنا يظنّ أنّه انتصر على الآخر، فكان يأتي يوم آخر ليعلن المهزوم انتصاره!

هكذا دواليك بين كرّ وفرّ وأوهام الغلبة وخدمة الخير المطلق بمواجهة الشرّ المطلق، إلى أن خسرنا كلّ شيء وتربّعنا فوق ركام منزل كان عزّنا وهو يؤوينا، رافعين رايات الحزن على من فقدناهم تحت الركام، ورايات الذلّ من الفاقة والعوز، ورايات اليأس من فقدان الرجاء. وعلى الرغم من كلّ ذلك تمسّك بعض الخاسرين برفع رايات النصر!

لا يظنّنّ أحد أنّني أقصد بالهجاء أو المديح طرفاً دون آخر، فمن كان منهم بلا خطيئة فليرمِ بأوّل حجر. وسيظهر لذوي الألباب حجم اقترافاتهم وتجاوزهم الإجرامي لمنطق العيش في مجتمع، أي ليس في الطبيعة، ولا على الطبيعة والسجيّة البشريّتين اللتين خلقتهم، ذئاب تترقّب ذئاباً أخرى خوفاً على حياتها ومواردها.

لسنا نحن اللبنانيّين بالمرجع الصالح لنسدي النصح للمجانين المتفلّتين في الساحل السوري اليوم

هذا الخوف من الترقّب المضني الدائم، كما الحاجة إلى الأمان النسبي حتّى يتمكّن الواحد منّا من النوم، دفعا البشر – الذئاب للقبول بتسليم السلاح إلى سلطة توافقوا عليها بأنّها الدولة، وتوافقوا على قواعد سمّوها أخلاقية للعيش معاً، وتعلّموا بأنّ التوافق الأخلاقي لا ينفع لوحده من دون عقاب، فسنّوا القوانين لردع الذئب الكامن والمترقّب في حال الغفلة.

لا يهمّ هنا طبيعة الحكم، على الأقلّ في البداية، وقد يظنّ الفوضويون أنّ اللاسلطة هي الفضلى بدل تعسّف السلطة وتقييدها الحرّيات. لكنّهم بالتأكيد مخطئون، وليجرّبوا ولو لساعات غياب الدولة وأدواتها، وليروا كيف تتفلّت الذئاب، بعد أن يخلع معظم الناس رداء النعاج، ومن يبقون نعاجاً، إمّا جهلاً وتجاهلاً أو ضعفاً، سيكونون، كما قال فيلسوف السياسة الأكبر توماس هوبس، طرائد للذئاب.

الدّولة أضمن بكثير

الاستنتاج الوحيد الذي يمكن أن ننصح به جيراننا السوريين هو أنّ الدولة تبقى أضمن بكثير، على الرغم من كلّ شيء، من العودة إلى زمن “كل مين إيدو إلو”. ففي الدولة يمكن تطوير الحرّيات شيئاً فشيئاً مع الحفاظ على سلطة ردع الذئاب بعضها عن البعض الآخر.

صحيح أنّ هذه الدولة قد تتحوّل بذاتها إلى وحش، وقد تكون الثورة لإسقاط هذا النوع من الدول حتمية مهما طال الزمن، لكنّ المهمّ بعد الثورة هو العودة بسرعة إلى الدولة ومرجعيّتها، والسعي إلى تطوير توازن الحرّيات مع ردعها في ظلّ المؤسّسات القابلة للتطوّر.

المهمّ بعد الثورة هو العودة بسرعة إلى الدولة ومرجعيّتها، والسعي إلى تطوير توازن الحرّيات مع ردعها في ظلّ المؤسّسات القابلة للتطوّر

لا أدّعي أنّ كلامي لا يحمل الكثير من التأويل، ولا أظنّ ولو للحظة أنّ في لبّه لا يحمل الكثير من التناقضات، لكنّني بتجربتي الشخصية في فتوّتي ظننت أنّ اللادولة أفضل من دولة لا تعجبني، لكن “من يعش ثمانين حولاً لا أبا لك يسأم” بعدما فهمت أنّ “ما الحرب إلّا ما علمتم وذقتم وما هو عنها بالحديث المرجَّم، متى تبعثوها تبعثوها ذميمةً وتضرَ إذا ضرّيتموها فتضرمِ، فتعرُكّم عرك الرحى بثفالها وتلقح كشافا ثمّ تحمِل فتُتئمِ”، وأظنّ أنّ شعر زهير بن أبي سلمى “الجاهليّ” يصحّ اليوم كما كان يصحّ أمس وسيصحّ غداً ونحن نواجه مجانين السياسة في العالم يعودون للحرب وكأنّهم لم يقرؤوا كتاب تاريخ واحد، ولم يستذكروا، مع أنّ الذكرى تنفع، أكانوا مؤمنين أم غير ذلك.

كلّما أذكر اليوم، وأنا في عقدي السابع، أيّام ثورتي وعصياني، أستذكر أوّلاً صور الأصحاب والأقرباء ورفاق المدرسة الذين ذهبوا ضحايا لفورة الجنون، من زوايا وعيي ولاوعيي، أو من بعض صور بالأبيض والأسود ما زالت معلّقة في بهو منزل لم يخلع بعد ثياب الحِداد.

لا أحسد اليوم أحمد الشرع على الإرث الذي تنطّح لمسؤوليّة إدارته، فهو يحوي أوزاراً عصيّة على الحمل تصل إلى حدّ الاستحالة. فما تركته حرب سورية المستمرّة لعقد ونصف عقد من الموت والدمار، هو نتاج مسار كارثيّ ربّما انطلق من يوم استقلال سورية، وربّما منذ تراجع ليون بلوم رئيس وزراء فرنسا اليهوديّ عن تقسيم سورية نزولاً عند رغبة الأكثرية السنّية سنة 1936 خوفاً من انحيازها إلى هتلر الصاعد، وربّما أيضاً على خلفيّة فتاوى ابن تيميّة قبل سبعمئة سنة.

لا أحسد اليوم أحمد الشرع على الإرث الذي تنطّح لمسؤوليّة إدارته، فهو يحوي أوزاراً عصيّة على الحمل تصل إلى حدّ الاستحالة

معضلات متعدّدة

لكنّ مسار سورية منذ الوحدة مع مصر، ثمّ حكم البعث سنة 1963 وحكم عائلة الأسد منذ 1970، ترك معضلات متعدّدة الأضلاع ومتشعّبة النتائج تستوجب حلّها في الوقت ذاته، في سباق مع الزمن ومع إسرائيل وإيران وتركيا وأميركا وروسيا وأهدافهم المتضاربة. هذا وعلى الشرع علاج وضع القوى التي حملته إلى السلطة، ولا أظنّ أنّه ضامن لولائها وانضباطها بشكل كامل أو حتى جزئيّ بشكل يدعو للاطمئنان. فهو بحاجة اليوم إلى تلك القوى لمواجهة قوى وازنة مدعومة من قوى إقليمية، وبيئة حاضنة ما زالت خائفة من عودة زمن الجور عليها بعدما جارت هي لعقود إلى حدّ التوحّش.

من هنا، لا أظنّ أنّ تركيبة المؤتمر الوطني السوري كانت تحمل الحدّ المقبول من البشائر للمكوّنات السورية المتمترسة وراء طوائفها وخوفها التاريخي، في مواجهة مستقبل مجهول، ووعود بالغلبة والحماية من دول تستخدم خوفها لتحقيق أهدافها بأجساد أبناء تلك الطوائف. هذا مع علمي بأنّ رئيس سورية، بغضّ النظر عمّا يعتقده أو هو مقتنع به، لم يكن بمقدوره توجيه المقرّرات بشكل يكفي لطمأنه هواجس جماعته أو الجماعات العديدة الأخرى.

من هنا، لا توجد عندي نصائح أعطيها لاجتراح لحلول، وأكتفي بعرض العوائق والمعضلات، والتمنّي على ذوي الألباب التحلّي بالحكمة في تفكيكها حبّةً حبّةً لاستيعاب وردع الجنون وأهله.

أساس ميديا

—————————-

سوريا: تحدّيات الاستقرار والوحدة/ رضوان السيد

2025-03-11

تحيط التوتّرات بالداخل ومن الخارج بالنظام السوري الجديد. هناك اضطراب كبير في مناطق الساحل ومدنه، وفي نواحي جبل العرب بالجنوب. وهناك استمرار التفاوض غير المنتج حتى الآن مع الأكراد. وهناك قبل هذا كلّه وبعده الغارات الإسرائيلية الشعواء، تارةً بالداخل السوري، وطوراً على الحدود السورية اللبنانية. سورية بحاجة إلى سياسات أخرى للإدارة، وإلى رعاية العرب والأتراك.     

ما انتظر أحدٌ منّا، نحن المهتمّين منذ عشرات الأعوام بالتطوّرات في سورية وكيف تحوّل نظام الحكم فيها إلى عبءٍ على شعبها وعلى موقعها ودورها وتأثيراته السلبية، نعم ما انتظرنا أن يتمّ التغيير الجذري بدون عقبات، فقد صمد النظام السابق حتّى يئسنا من التغيير.

توقّعنا العقبات والإعاقات من إيران وأذرُعها في سورية ولبنان والعراق. ولا تقتصر على الآلاف من الحرس الثوري، بل عشرات الألوف من الميليشيات المذهبية الأفغانية والباكستانية والعراقية. ثمّ القوّة الضاربة المتمثّلة بـ”الحزب”، وقد وصلت أعداد قوّاته بسورية إلى حوالي عشرين ألفاً في بعض السنوات.

احتلّ الإيرانيون وميليشياتهم مناطق كاملة من ضواحي دمشق إلى القلمون والقصير وحمص وحلب والميادين وقسم من البادية، وقتلوا وهجَّروا واعتقدوا أنّهم خالدون إلى حدود الطمع في التغيير الديمغرافي والمذهبي. ولديهم أيضاً وأيضاً ميليشيات سوريّة علويّة وسنّية، ولديهم ولاء الفرقة الرابعة بقيادة ماهر الأسد. كلّ هذه القوّة الهائلة، التي تشكّل جيشاً لدولة متوسّطة الحجم، اختفت من كلّ الأنحاء خلال خمسين ساعة أو أقلّ. لكن كما يقال: ذهبت السكرة وأتت الفكرة. والذي يفلس يبحث في دفاتره  القديمة.

ما أعادت إيران بالطبع الميليشيات الغريبة عن سورية، بل بدأت الاستعانة بخبرات “الحزب” ومخازنه في سورية، وبالضبّاط العلويين الذين بدأوا تنظيم أنفسهم. عندهم سلاحهم الخفيف والمتوسّط، وما يجمعهم ليس المذهب وفقد السلطة فقط، بل وانسداد الأفق بعد ذهاب الجيش أو انحلاله وإمكان جمع بعض عناصره من جديد. سقط قتلى كثيرون في اللاذقية وطرطوس وجبلة وبانياس. وذلك لأنّ التمرّد الذي حصل ما كان منظّماً وحصل قبل أوانه، خوفاً من اكتشاف السلطات الجديدة للتجمّعات السرّية. وعندما ردّت السلطات على أحداث العنف والنهب، ردّت في الأحياء التي جرى الاختباء بها فسقط مدنيون كثيرون.

ما أعادت إيران بالطبع الميليشيات الغريبة عن سورية، بل بدأت الاستعانة بخبرات “الحزب” ومخازنه في سورية، وبالضبّاط العلويين الذين بدأوا تنظيم أنفسهم

قلقٌ وخوفٌ وتهميش

أين حصل الخطأ؟ هل في حلّ الجيش السوري كما حصل في العراق، فصار الضبّاط وداعش والأفراد ميليشيات؟ أم قصّرت السلطات الجديدة في “جبر الخواطر” مع الزعامات الأهليّة، كما اقتصرت تسوياتها على الطلب من الضبّاط والميليشيات تسليم أسلحتهم أو أنفسهم إذا كانوا مرتكبين؟! قال لي “خبير” علاقات دولية من سورية إنّ حوالى خمسمئة ضابط اجتمعوا حول لواء من آل جابر وآخر من عائلة آلا دلا، لكنّهم لا يملكون السلاح الملائم بعد. والآن تتصاعد الشائعات أنّ هناك مطالب بالانفصال في بعض مناطق الساحل. وما عُرفت دعوات الانفصال عن العلويين أبداً بعد الاستقلال، وإن تحدّث بشّار الأسد وأعوانه مراراً عن “سورية المفيدة”، ويعنون بها منطقة الساحل وجبالها.

ليست مشكلة الساحل (ونصف سكّانه من السنّة) هي مطلب الانفصال أو الاستقلال. لكن بعد السطوة الكبرى منذ عام 1966 إلى أواخر عام 2024، لا يقبلون بالتهميش أو التجاهل، أو أن تسود بينهم، وهم المتسلّطون السابقون، هواجس القلق والخوف على المصير. قال لي أصدقاء منهم: لن نخضع للسنّة من جديد، وعلى أيّ حال ليس لهذا النوع من السنّة الذين تقاتلنا معهم منذ السبعينيات من القرن الماضي، وليس بيننا وبينهم إلّا قاتل أو مقتول!  فاضطُررتُ إلى القول لهم: لكنّ هناك مئات الألوف قُتلوا وملايين هُجّروا وما كانوا إلّا مقتولين ولا قتَلة بينهم! كلّ هذه الأحاديث لا تنفع، ولا بقاء بدون طمأنينة وطنيّة وإنسانية. ويحتاج ذلك إلى صبر وتفاوض وحوار وتجربة وخبرة لا يتهدّدها العنف ولا الاستقواء. هكذا كانت البداية مع بشار الأسد عام 2011 ونعرف كيف كان المجرى الفظيع والإجرامي وكيف كانت النهاية!

العراق حتّى الآن خصم للحكم الجديد. ففي السرّ يعتبر الحاكمون أنفسهم نظاماً شيعيّاً، ولا يريدون نظاماً سنّياً في سورية

المشكلة مع الدروز مشكلة مختلفة. فهم تمرّدوا على بشار الأسد في سنتَي حكمه الأخيرتين، وما جرؤ على استخدام العنف لإخماد تظاهراتهم، بل لجأ إلى الاغتيالات وأعرض عن الهجوم خوفاً من إسرائيل التي تستمتع باستخدام بعض المنتمين لهذه الفئة منذ قيام الدولة اليهودية. وعندما احتلّت  الجولان عام 1967 استولت على مناطق فيها دروزٌ أيضاً. وهي تغري دروز سورية الآن بالحماية والدويلة. وقد بدأت فئة منهم تفكّر في الحكم الذاتي، وفئة أخرى في الحماية الإسرائيلية أو الدويلة. لكنّ الأكثرية حافظت على انتمائها وعروبتها. المسألة هنا هي كيف تفكّر إسرائيل وكيف تفكّر الولايات المتحدة؟ هل يريدون تقسيم سورية وإضعافها نهائياً بالفدراليّات الواسعة؟ إذا كان التفكير كذلك فقد يتحوّل الإعراض الدرزي إلى مشكلة حقيقية. ولذلك وساطة وليد جنبلاط فرصة لسورية الموحّدة وللحكم الجديد. فها هي الفدرالية بالعراق لم تحلّ مشكلة، فكيف إذا كانت دينية أو إثنية؟!

إنّ الطريف أنّ الناحية الأكثر انفصالاً في سورية هي الفئة الكردية، التي تتحكّم بمناطق شاسعة نصف سكّانها أو أكثر من العرب السنّة. لكنّ الأكراد لا يتجبّرون لأنّهم مضطرّون إلى التخلّي عن قوّتهم الرئيسية المتمثّلة في حزب العمّال الكردستاني (التركي)، ولأنّ تركيا على رقابهم، ولأنّ الأميركيين يريدون أن يتفاوض الأكراد مع الحكومة الجديدة.

روسيا أيضاً غير مأمونة على الإطلاق. فقد كانوا يناصرون نظام بشار، وفي الوقت نفسه يسمحون لإسرائيل بالهجوم على الإيرانيين في سورية وهم حلفاؤهم. الروس ضعفوا في سورية بسبب الحرب مع أوكرانيا، لكنّهم يريدون البقاء على البحر المتوسّط، ثمّ يكون ذلك وسيلةً لمساومة أميركا، وقد يصبحون وكلاءها إذا اتّفقوا مع ترامب! الروس يبيعون ولا يشترون. ولذلك سيبقى التفاوض دائراً مع الحكم الجديد، ومستعدّون في الوقت نفسه لمجاملة إسرائيل وأميركا وإيران، وربّما تركيا.

تبقى الأولويّة في الحفظ والسلامة الداخلية على عاتق النظام الجديد. ولتثبيت الأمن والنظام لا تنفع الثوريّات ولا الانفلاتات، بل لا بدّ من التفهّم والتفاهم، واليوم قبل الغد

تفهّم وتفاهم

العراق حتّى الآن خصم للحكم الجديد. ففي السرّ يعتبر الحاكمون أنفسهم نظاماً شيعيّاً، ولا يريدون نظاماً سنّياً في سورية. ثمّ إنّ الميليشيات الحاكمة بالعراق والفصائل كان قسمٌ منها في سورية لدعم الأسد وتنفيذ تعليمات إيران. وهم الآن في الوقت الذي يزعمون فيه مناعة حدودهم، يزعمون أيضاً أنّهم يخافون من تسرّب الدواعش إليهم من سورية. وفي الحقيقة ليس لإيران سبيل للتسرّب إلى سورية إلّا من طريقهم. والاعتماد لسوء الحظ على الولايات المتحدة لمنعهم من التسرّب والاختراق إلى سورية ولبنان.

ذكرنا أبرز التحدّيات وينبغي أن نكرّر ضرورة الانتباه للخطر الإسرائيلي. وفي اجتماع دول جوار سورية بالعاصمة الأردنية يوم الأحد في 9/3/2025، عاد الأردنيّ والعراقي إلى التهويل بخطر داعش. وداعش خطر، لكنّ الأخطر بالترتيب: إيران وإسرائيل والفتن الداخلية الأخرى. والعداء الميليشياوي العراقي المتأيرن أخطر على الأمن السوري من داعش.

هل تستطيع دولة سورية الجديدة حفظ الاستقرار بدون قمع؟ وهل يستطيع العرب المتضامنون مع سورية دعمها من أجل النظام والانتظام والحفظ الوطني. هناك من يخاف من الأتراك، ولا أجد مبرّراً للخوف منهم. وهم لا يستطيعون التأثير على الأميركيين والإيرانيين. لكنّهم يستطيعون التأثير على الروس ومساعدة الإدارة الداخلية السوريّة، والتنسيق مع العرب بشأن مستقبل سورية العربية الواحدة. فالأتراك لا يريدون تقسيم سورية حتّى لا تظهر في وجههم دولة كردية. المصالح متلاقية الآن، فلا ينبغي التنكّر لها.

تبقى الأولويّة في الحفظ والسلامة الداخلية على عاتق النظام الجديد. ولتثبيت الأمن والنظام لا تنفع الثوريّات ولا الانفلاتات، بل لا بدّ من التفهّم والتفاهم، واليوم قبل الغد.

أساس ميديا

——————————

ما المطلوب من العلويين للتطهّر من “الأسديّة”؟

الثلاثاء 11 مارس 2025

فتحت “فتنة الساحل”، باب الأسئلة الذي تمنّى كثيرون ألا يُفتح، حول مصير الأقليات في سوريا في ظلّ حكم النظام الجديد. وبرغم وضوح جزء من الرؤية عن ضبابية المشهد التي سادت منذ أيام نتيجة تضارب الأخبار، وتأكّد ضلوع جهات مسلحة علوية أو من “الفرقة الرابعة” في إشعال فتيل الأحداث، إلا أنّ كثيرين من أبناء الطائفة المدنيين راحوا ضحايا لذلك العنف، دون أن يشاركوا في رفع السلاح في السابق أو اليوم، أو حتى يؤيدوه، بما في ذلك بعض المعارضين لنظام الأسد وعائلاتهم، كالكاتبة هنادي زحلوط، المعروفة بمواقفها المعارضة للنظام السابق، والتي تمت تصفية إخوانها الثلاثة المدنيين في الأحداث الأخيرة.

الأحداث أزهقت أرواح أكثر من 1،000 سوري، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان. وعلى الرغم من أنّ وزارة الدفاع أعلنت أنها سيطرت على الانفلات وأنهت عملياتها، وأنها في صدد تمشيط المنطقة وملاحقة “فلول النظام” الذين اختبؤوا في الجبال، لكن لا يبدو أنّ أحداً في الساحل يشعر بأنّ الخوف انتهى بانتهاء العمليات الأمنية المكثفة، فيوم 10 آذار/ مارس وحده، شهد نزوح 1،476 عائلةً علويةً إلى القرى العلوية في لبنان، بالإضافة إلى استمرار نداءات الاستغاثة من بعض القرى العلوية بعد إعلان انتهاء العمليات، ولعلّ ما يلخّص الرعب، هو ما قاله أحدهم على مواقع التواصل: “إذا حمل علوي السلاح، هدر دمنا جميعاً”. 

بدأت التطورات في 6 آذار/ مارس 2025، عندما هاجمت مجموعات مسلحة مواقع عسكريةً ومدنيةً في تلك المناطق. لكن البعض يرى أنّ تزامن التصعيد مع إعلان العميد السابق في الجيش السوري، غياث دلّا، تشكيل “المجلس العسكري لتحرير سوريا”، تسبب في اتخاذ إجراءات قصوى لوضع حدّ للـ”انقلاب” على الدولة كما أسماه البعض.

لم تكد صور الأحداث وفيديوهاتها وتفاصيلها تملأ مواقع التواصل، قبل نشرات الأخبار، حتى لحقتها التحذيرات القديمة شبه الشامتة التي كان يروّج لها النظام السابق بأنه “حامي الأقليات”، على شاكلة: “لقد حذّرناكم”. وهذه الأصوات ليست وحدها التي خرجت لتعلن تخوفاتها من أن تكون أسلمة الإدارة السورية الجديدة، ستأتي على حساب الأقليات، وتحديداً الطائفة العلوية التي تنتمي إليها عائلة الأسد.

من جهتها، أنكرت الحكومة التهمة السابقة، وأعلن الشرع تشكيل لجنة للتحقيق بشأنها والوقوف على الانتهاكات ومحاسبة مرتكبيها من جميع الأطراف.

خطابان غير متطابقين، بل متناقضان، خرجا في الأيام السابقة. الأول من جهة الحكومة السورية الجديدة ومن يؤيدونها، ومفاده أنّ ما حدث قمعٌ لمحاولة انفلات أمني ممن وُصفوا بـ”فلول النظام”، وأنّ الكثير من الانتهاكات بحق العلويين تمت من قبل جماعات مسلحة غير منضوية تحت لواء الحكومة. والخطاب الثاني من قبل سكان الساحل أنفسهم، من العلويين وغيرهم، ممن شاركوا صوراً وأخباراً لنعوات لا يبدو أنّ أصحابها من حملة السلاح، بالإضافة إلى فيديوهات لعناصر الأمن، وُصفت بأنها انتقامية وطائفية.

مخاوف الأقليات

خلال الحرب الأهلية السورية، اعتاد أبناء الأقليات على هوامش من الحكم الذاتي، أو لجان الحماية المحلية. لذا يبدو أنّ مخاوف هؤلاء السوريين من التهميش -الأسوأ من العنف الديني- قد تزايدت بعد المؤتمر الوطني، وثبوت أنّ الحكم في يد الأغلبية السنيّة. ويخشى أبناء هذه الطوائف اليوم، من أن يتحولوا إلى أقليات مهمشة أو مستهدفة تحت سلطة مركزية سنّية، خاصةً أنّ الطابع العام عن الإدارة الحاكمة اليوم، لا يزال مرتبطاً بالصورة التي علقت في الأذهان عنها كفصائل إسلامية مسلحة، من أفرادها وصولاً إلى رئيسها، فلم تغب بعد ذاكرة “الأعمال الإرهابية” التي ارتُكبت بحق الأقليات الدينية خلال فترة الحرب الأهلية، كالأيزيديين والعلويين والإسماعيليين.

لذا فتوجّس العلويين أكثر من غيرهم من أن يصبحوا “رعايا” لا مواطنين، في دولة قد لا تراعي خصوصياتهم في أحسن الأحوال، أو عرضةً لهجمات وإجراءات انتقامية في أسوأ الأحوال، منطقيّ إلى حد بعيد. وليسوا وحدهم من يرى ذلك، فهناك دول غربية ترفع شعار حماية الأقليات، مثل الولايات المتحدة الأمريكية التي كانت أول من طالب بتحقيق شفاف لمحاسبة المنتهكين، وأعلنت عن عدم ارتياحها وقلقها من هذا التوجه لدى الإدارة السورية الجديدة. كذلك وصفت كل من بريطانيا وفرنسا، المواجهات الدامية في الساحل بين القوات الأمنية وعدد من المسلحين الموالين للرئيس السابق بشار الأسد، بأنها “مروعة” و”غير مقبولة”، مطالبتين الإدارة الحالية بـ”ضمان حماية جميع السوريين، والإسراع في البدء بإجراءات العدالة الانتقالية”.

في لقاء معه، رأى الباحث في معهد الشرق الأوسط في واشنطن، أنّ “هذه الأحداث تعكس مشكلةً أعمق تتعلق بعلاقة الإدارة السورية بأجهزتها الأمنية والعسكرية، مشيراً إلى أنّ استمرار الحلول الأمنية من دون إصلاح حقيقي قد يؤدي إلى مزيد من الأزمات”.

وأضاف في إشارة إلى ذهنية متوارثة: “لطالما عُدّت الأجهزة الأمنية السورية بمثابة سلطة فوق الدولة، حيث تمنح حرية التصرف دون محاسبة. إذا لم تتم إعادة هيكلة هذه المؤسسات وضبط سلوكها، فسيظلّ العنف يتكرر بأشكال مختلفة، وسيصبح أي حديث عن المصالحة مجرد شعارات بلا أثر فعلي”.

الرعب الطائفي يحدق بالعلويين

يشكّل العلويون نحو 10% من سكان سوريا، ويتمركزون في محافظتَي اللاذقية وطرطوس الساحليتين​، وبعد سقوط الأسد، باتت هذه الطائفة تترقب بخوف، سلوك الحكام الجدد كمقياس لما ينتظرهم: هل سيكون هناك انتقام وفوضى أو عدالة وانتقال منظّم؟

في البداية، قدّمت الإدارة السورية الجديدة، تطمينات بأنّ أحداً لن يُستهدف دون محاكمة عادلة وأدلّة إدانة، وأصدر الشرع أوامر صريحةً لمقاتليه، عند دخول مناطق العلويين كجبال اللاذقية، بمنع أي اعتداءات انتقامية، أو نهب للممتلكات​، وقد أسفرت هذه السياسة المعتدلة -في البداية على الأقل- عن تجنّب أعمال عنف واسعة في الساحل.

حينها، تفاجأ الجميع بدخول قوات الإدارة الذاتية إلى مدينة اللاذقية، دون مواجهات كبيرة، كما قام وفد من قادة الفصائل بزيارة بلدة القرداحة، والتقى وجهاءها​، الذين وقّعوا بياناً مشتركاً للإعلان عن “دعمهم للمسار الجديد ولسوريا حرّة وطنية”، ولإشهار تعاونهم الكامل مع “السلطات الجديدة”​. وتضمّن البيان تأكيداً على وحدة الأراضي السورية وتنوعها الديني والثقافي، وطالب بالإسراع في إعادة الخدمات الحكومية وحصر السلاح بيد الدولة​.

هذه التحركات العلوية، لم تشفع لأبناء الطائفة من التهم الجاهزة التي توجه إليهم، نظراً إلى أنّ عائلة الأسد تنتمي إليها، مثل: “الفلول” و”التشبيح”، ولا شفع لهم وجود أسماء علوية معروفة ضمن الصفّ الأول لمعارضة النظام السابق منذ 2011، وعلى رأسهم أعضاء رابطة المعارضين العلويين “غد سوريا”، التي تأسست في العام 2015. 

فما هو المطلوب اليوم من أبناء هذه الطائفة وبناتها للتطهّر من الأسدية التي اصطبغوا بها؟

المدنيون يُؤخذون بجريرة السلاح

بعض التقارير أفادت ببروز حركات تمرد علويّة معارضة للحكم الجديد في ريف اللاذقية، ما أدى إلى أعنف مواجهة أمنية منذ سقوط النظام في آذار/ مارس 2025​. وصف المرصد السوري الأمر، بأنه “تمرّد ناشئ” لعناصر من الطائفة العلوية يشكّل أكبر تحدٍّ للسلطة الإسلامية الجديدة​، وهو ما عدّه البعض انحيازاً لصالح الإدارة الجديدة، وتعتيماً على جزء من الرواية. 

أما رامي مخلوف، رجل الأعمال السوري، وابن خال الرئيس السابق بشار الأسد، فقد اتّهم “الفرقة الرابعة” بالتمرّد، وخاطب مخلوف، بشار الأسد، مُتسائلاً: “ألم تكتفِ أيها الرئيس الهارب بما فعلته سابقاً من تدمير البلاد، وتقسيمها، وتدمير جيشها واقتصادها، وتجويع شعبها، وفوق كل ذلك هربت بأموال لو وُزِّعت على الشعب لما كان هناك جائع ولا فقير. وأتت اليوم حاشيتك بهذه الحركة الغبية ليقضوا على ما تبقّى من الطائفة التي ضحّت بأغلى ما عندها من شباب لكيلا تسقط الدولة”.

وأضاف في حديثه عن قوات الأمن الحكومية، أنّ هناك “مشاهد مرعبةً ومجازر مروعةً وذلّاً ممنهجاً، ومقاطع مصورةً يفتخرون فيها بكيف يعذبون، وكيف يذبحون، وكيف يطلقون النار من الأقدام إلى الرأس، ثم فجأةً يوقفون القتال لأداء صلاة المغرب والإفطار كونهم صائمين، ثم يستأنفون”، و”عوائل بأكملها أُبيدت مع نسائها وأطفالها، حتى وصل العدد إلى ما يقارب 6،000 شهيد وأكثر من 13،000 جريح، وبعد كل هذا التعذيب والقتل، تُترك الجثث في الشوارع ويُمنع دفنها! (أليس إكرام الميت دفنه؟)”.

وأيًاً كانت الرواية، يشعر كثير من العلويين بالقلق من تحولهم إلى ضحايا تصفيات أو إجراءات إقصائية، ومن أن يتعرضوا لـ”انتقام بالنيابة” عن عائلة الأسد، ومن والاها من أبناء الطائفة، حتى مع إعلان الشرع تشكيل لجنة تحقيق في الانتهاكات.

من يحمي العلويين اليوم؟

بالنسبة إلى الداعمين الخارجيين للعلويين، فقد خسروا حليفهم الرئيس بسقوط الأسد، لكن لم يُتركوا تماماً لمصيرهم. فبحسب تقارير، القوى التي ساندت النظام سابقاً (روسيا وإيران)، لا تزال تحتفظ بأوراق نفوذ في الساحل. روسيا على وجه الخصوص لها وجود عسكري مباشر عبر قاعدة حميميم الجوية في اللاذقية، ومرفأ طرطوس البحري​. وبعد تبدّل المشهد في دمشق، فتحت موسكو قنوات تواصل مع قادة هيئة تحرير الشام، لضمان استمرار وصولها إلى تلك القواعد الحيوية​، وذكرت تقارير أنّ الروس توصلوا إلى تفاهم مبدئي مع السلطات الجديدة يقضي باستمرار عمل قاعدة حميميم وميناء طرطوس، مقابل تعهّد روسيا بلجم أي تحركات انفصالية علوية، ودفع العلويين نحو الاندماج​.

عقب “فتنة الساحل”، دعت الخارجية الروسية، علانيةً، القيادات السورية كافة إلى وقف إراقة الدم في الساحل​، وتالياً يمكن القول إنّ روسيا لا تزال تلعب دور “حامي” العلويين من خلال منع التصعيد ضدهم، والسعي إلى إدماجهم سلمياً، لأنها تعدّ استقرار الساحل ضرورياً لحماية مصالحها العسكرية هناك.

أما إيران، فدعمها للعلويين أكثر تعقيداً. فبينما تربط العلويين بإيران رابطة عقائدية ضعيفة (العلويون فرقة مميزة عن الشيعة الاثني عشرية)، جمعتهم بها مصلحة سياسية خلال حكم الأسد. وبعد سقوطه، أعلنت طهران معارضتها لأي عنف يستهدف “السوريين الأبرياء من كل المجموعات”، دون تخصيص، ما قد يُفهم على أنه حذر في تبنّي موقف صارخ، لئلا تعرقل تقاربها الجاري مع تركيا وقطر مثلاً.

غير أنّ تقارير استخباريةً غربيةً، حذّرت من مساعي إيران لإبقاء شبكات نفوذ سرّية في أوساط العلويين، عبر عناصر من حزب الله وفيلق القدس، ربما تعمل على تنظيم خلايا مسلحة مما تبقّى من الشبيحة والقوات الموالية للأسد. هذه الخلايا قد تُستخدم كورقة ضغط إذا همّشت الحكومة الجديدة العلويين تماماً​.

كذلك تشير معلومات إلى وجود بعض أقارب الأسد وكبار الضباط السابقين في إيران أو لبنان، حيث قد يشكّلون نواة معارضة من الخارج بتمويل ودعم إيرانيين إذا ساءت أوضاع الساحل أكثر. بيد أنّ الدول الغربية والإقليمية تراقب ذلك عن كثب، وقد حذرت واشنطن وتل أبيب من أنه لن يُسمح لإيران بتحويل الساحل إلى بؤرة توتر جديدة.

من جهة أخرى، إسرائيل وإن كانت عدوّاً للنظام السابق، إلا أنها تفضل اليوم بقاء العلويين ضمن دولة سورية مستقرّة، على أن يتحولوا إلى ميليشيا طائفية مدعومة إيرانياً على غرار حزب الله. لذا لا تمانع تل أبيب استمرار النفوذ الروسي في الساحل لأنه يكبح إيران​، حيث ساءت علاقة الحليفتين بشكل علني في السنوات الأخيرة من حكم الأسد.

وبالطبع، أبدت فرنسا اهتماماً بمتابعة أوضاع العلويين الإنسانية. وظهرت دعوات في الإعلام الفرنسي إلى عدم “ترك العلويين لمصيرٍ قاسٍ”، وضرورة إشراكهم في أي مصالحة وطنية، على غرار ما جرى مع الكاثوليك في العراق، بعد 2003.

سيناريوهات الساحل… أيّها أقرب؟

تتقاطع السيناريوهات مع مصير سوريا عموماً. أحدها سيناريو التقسيم، أي إقامة كيان علوي مستقلّ في الجبال الساحلية. هذا الطرح كان متداولاً على استحياء منذ بدء الثورة، بل إنّ الأسد نفسه، هدد ضمنياً في أوقات ضعفه، بالانسحاب إلى “دولة مفيدة” في الساحل، إذا سقطت دمشق. اليوم، وبعد سقوطه فعلياً، عاد الحديث بقوّة عن إمكانية تمترس القوى العلوية في ملاذ أخير في جبال اللاذقية وطرطوس، خاصةً إن تعمّقت الهوّة مع الحكم الجديد.

مثل هذا الكيان سيضمّ معظم التجمّع السكاني العلوي، وقد يشمل أيضاً مدن الساحل الرئيسة. مقوماته ستكون وجود منفذ بحري (ميناء اللاذقية وطرطوس)، يتيح التواصل مع العالم الخارجي، بالإضافة إلى دعم محتمل من روسيا وإيران الراغبتين في الاحتفاظ بنفوذ عبره​.

لكن الأمور ليست بهذه البساطة، فمعوقات هذا السيناريو عديدة، أولها الرفض المحلي من كثير من العلويين أنفسهم لأي مشروع انفصالي قد يجعلهم في عزلة دولية، ويحوّل منطقتهم إلى ساحة حرب مستدامة. كذلك سترفض تركيا قطعاً قيام دولة علوية موالية لإيران على حدودها الجنوبية، وسيعارضها السنّة السوريون باعتبارها اقتطاعاً لأرض وطنهم.

والأهمّ من كل ما سبق، أنّ الاشتباكات الدامية التي عاشها الساحل في الأيام السابقة، تقول بوضوح إنّ خيار الدولة العلوية المنفصلة سيواجَه بحزم عسكري من دمشق الجديدة، وبناءً على ردود الفعل العربية والدولية سيواجَه برفض إقليمي أيضاً.

خيار آخر أقلّ حدّةً هو الكونفدرالية الأمنية، بحيث يبقى الساحل تحت سيطرة دمشق رسمياً لكن عملياً تدار مناطقه العلوية ذات الحساسية، بترتيبات خاصة، مثل أن يكون هناك حكم ذاتي محلي موسّع للاذقية وطرطوس، واتفاق أمني يكفل لروسيا والإيرانيين نوعاً من الإشراف (كضمانة)، مقابل عدم تمرّد العلويين. هذا السيناريو يندرج ضمن نموذج التقسيم الناعم، حيث تتحول سوريا إلى مناطق نفوذ: تركيا ترعى السنّة في إدلب وحلب، وأمريكا ترعى الأكراد شرقاً، وروسيا ترعى العلويين غرباً​. وقد وصف “مركز أبحاث إستراتيجيكس”، في دراسة له، هذا الأمر بـ”النموذج الكونفدرالي الأمني” الذي يقسّم البلاد جغرافياً وفق الولاءات​.

وبحسب المركز، فإنّ هذا الترتيب إن حصل، فسيكون مرحلياً وغير مستقرّ، لأنه عملياً يعني تجميد الصراع لا حلّه بشكل دائم، وهو في الغالب سيؤسس لمواجهة أطراف خارجية على الأرض السورية.

لذا يبقى أفضل السيناريوهات للعلويين، نجاح الانتقال إلى دولة وطنية ديمقراطية تضمن حقوق الجميع بلا تمييز. في هذه الحالة، سيشارك العلويون كمواطنين في الجيش والبرلمان والحكومة وفق الكفاءة والانتخابات، ويستفيدون من إعادة الإعمار شأنهم شأن باقي السوريين.

التطهّر من “الأسدية”

ارتبط اسم الطائفة العلوية بنظام الأسد على مدى خمسين عاماً، لكن هذا لم يمنع أنهم تعرضوا لكثير مما تعرّض له السوريون، من اضطهاد وقمع وإفقار، لذا كان سقوط النظام حدثاً مفصلياً قلب موازين السلطة في مناطقهم.

مطالب العلويين بعد الأسد، تنطلق أولاً من الهواجس الأمنية والمعيشية. فهم يطالبون بضمانات واضحة بألا يتعرضوا لأي أعمال انتقامية أو تمييز سلبي بسبب ارتباط طائفتهم بالنظام السابق. كما يرغبون في الاحتفاظ بدور ما في مؤسسات الدولة لضمان عدم إقصائهم تماماً من المشهد الجديد.

جانب آخر مهم؛ المطالب الاقتصادية للعلويين. فبرغم الصورة الشائعة عن تمتّع الساحل بامتيازات خلال حكم الأسد، إلا أنّ الكثير من جيوب الفقر تقع هناك، وبحسب تقرير لرويترز، تُعدّ منطقة جبال العلويين من أفقر مناطق سوريا، برغم كونها خزّاناً بشرياً لجيشها​، فقد فقدت آلاف الأسر أبناءها في الحرب وتحمّل المجتمع هناك أعباء كبيرةً، حيث لم تخلُ بلدة علوية من جنازات قتلى خلال سنوات القتال​.

يتطلع السكان إلى تحسين أوضاعهم المعيشية، كحال بقية السوريين. من ذلك مثلاً إعادة تشغيل مصفاة بانياس، ومصانع الإسمنت والمعامل التي توقفت أو تقلص إنتاجها بسبب الحرب والفساد، ما يمكن أن يوفر فرص عمل لأبناء المنطقة. كذلك يطالب المزارعون بدعم زراعتهم التقليدية، كالحمضيات والزيتون والتبغ، وتوفير أسواق لتصريف منتجاتهم التي كسدت في أثناء الحرب.

كما أنّ صيادي الأسماك في مدن الساحل ينتظرون إعادة تأهيل المرافئ الصغيرة وتزويدهم بمعدات حديثة بعد أن تضرر قطاع الصيد، أي أنّ العلويين يريدون نصيبهم من إعادة الإعمار والتنمية، خاصةً أنّ الساحل احتضن أيضاً مئات آلاف النازحين من المحافظات الأخرى، خلال الحرب، ما شكّل ضغطاً إضافياً على موارده المحدودة.

هذا في ما يخص المطالب الاقتصادية، أما على صعيد المخاوف العلوية، فقد سبق ذكر الهاجس الأمني المتعلق بالانتقام، لكنه ليس الوحيد. فهناك تخوّف عميق من فقدان الهوية، كما توجد هواجس دينية وثقافية ضمنية؛ فالعقلية السلفية التي يحملها بعض المنتصرين تثير قلق العلويين على حريتهم في ممارسة شعائرهم العلوية الباطنية التي تكتموا عليها لعقود. فإذا قام حكم إسلامي متشدّد، قد يجد العلويون أنفسهم عرضةً للتكفير أو الاضطهاد الديني.

لذا يطالب العلويون بأن ينصّ الدستور المقبل بوضوح على علمانية الدولة ومنع التمييز الطائفي، لضمان مساواتهم الكاملة في المواطنة. كذلك برز تطلع لدى نخب علوية شابة إلى إعادة الاندماج في الوطن عبر الانخراط في الأحزاب السياسية الجديدة، وعدم البقاء في عزلة طائفتهم. ويسعى هؤلاء للتأكيد على أنهم ليسوا كتلةً متجانسةً تابعةً للنظام السابق، بل لديهم تنوع سياسي وفكري، وهم مستعدون للمشاركة بإخلاص في بناء سوريا الجديدة. وأبرز تخوف علوي، يمكن تلخيصه بعبارة أحد الوجهاء في القرداحة: “نريد ضمان ألا يحمّلنا أحد وزر النظام السابق لأننا أيضاً عانينا وضحّينا”.

الموارد الاقتصادية في الساحل السوري

يُعدّ الساحل السوري من المناطق الغنية بالموارد، بالإضافة إلى موقعه الإستراتيجي الذي يجعل منه رئة سوريا على المتوسط، فميناء طرطوس خصوصاً منشأة إستراتيجية تدرّ أرباحاً عبر حركة التجارة وتعاونيات الصيد، وهو مؤجّر جزئياً لروسيا حتى 2060، ما يضمن تدفّق بعض العوائد​.

كذلك توجد في بانياس، مصفاة نفط قديمة كانت تكرر غالبية النفط السوري قبل الحرب. حالياً، تعمل المصفاة بطاقة منخفضة بسبب نقص النفط الخام، لكن إذا استقرّ الوضع يمكن أن تعود لدورها خاصةً مع احتمال استيراد النفط عبر البحر.

أيضاً يستفيد الساحل من معامل الأسمدة والإسمنت ومحطات توليد الكهرباء التي تقع فيه، والتي تؤمّن الطاقة لمناطق واسعة. بالإضافة إلى ذلك، يشتهر الساحل بزراعة الحمضيات (البرتقال والليمون)، والتفاح والزيتون والتبغ، إلى جانب الثروة السمكية. هذه القطاعات تؤمّن لقمة العيش لشريحة كبيرة من السكان.

وهناك احتمال وجود ثروات طبيعية غير مستغلّة، حيث أشارت دراسات قبل الحرب، إلى وجود حقول غاز قبالة الساحل السوري في البحر المتوسط (امتداد للحقول المكتشفة في مياه لبنان وقبرص). وبالفعل وقّع النظام السابق عقود تنقيب بحرية مع شركات روسية، لكن تعذّر التنفيذ.

وفي حال استقرار الأوضاع، قد يُستأنف التنقيب البحري ويجد العلويون أنفسهم جالسين على احتياطيات غازية مهمة قد تغير اقتصاد المنطقة. أيضاً السياحة مورد واعد؛ فمدينتان كطرطوس واللاذقية، كانتا مقصداً سياحياً محلياً (شواطئ ومنتجعات)، قبل 2011، وبالقرب منهما تقع مواقع أثرية (كقلعة صلاح الدين وأوغاريت ومصياف)، وإعادة تأهيل البنية التحتية السياحية يمكن أن تنعش الاقتصاد وتوفر وظائف جديدةً.

لكن في المدى القريب، إعادة الإعمار هي الفرصة الأهم: المناطق العلوية شهدت دماراً أقلّ نسبياً من غيرها، ما يؤهلها سريعاً لاستقبال مشاريع إعادة بناء تستفيد من موانئها وموقعها الآمن. ومشاركة أهالي المنطقة في هذه المشاريع، ستدرّ عليهم دخلاً وتنعش أسواقهم. المشكلة تكمن في الفقر المستشري في ريف الجبل، وازدحام الساحل بآلاف العائلات النازحة من إدلب وغيرها، ما يخلق تحدياً تنموياً مركّباً.

رصيف 22

——————————

الساحل السوري… الغلبة تستجلب محاولات كسرها/ أيمن شروف

الثلاثاء 11 مارس 2025

ما الذي يجري في الساحل السوري اليوم؟ سؤال ينقسم حوله السوريون بشكل جذري، انقساماً غير عابر ولا مفاجئ. الواقع المعيش في سوريا منذ عقود، يؤشر على أنّ المجتمع لم يكن لا قبل الثورة، ولا في أيامها الأولى وما تلاها، بعيداً عن شعور فئات بغلبة فئات أخرى عليها، مع ما يعنيه ذلك من بروز إحساس بالغبن، تصاعد شيئاً فشيئاً، واتّسع معه الشرخ الطائفي أكثر من أيّ أمر آخر.

فالثورة التي انطلقت وحملت شعار “واحد واحد واحد، الشعب السوري واحد”، لم تستطع أن تنفي ولا أن تُلغي واقع أنّ الغلبة لن تستجلب سوى محاولات لكسرها، انتقاماً لسنوات البؤس السابقة التي عاشتها “الطائفة المغبونة”.

الواقع الجديد الذي فرض نفسه في 8 كانون الأول/ ديسمبر الماضي، أي بعد سقوط نظام بشار الأسد، فتح الباب أمام كثير من التساؤلات التي قيل لمن يطرحها آنذاك، إنه يستعجل الحكم، وعليه أن ينتظر ويرى، قبل أن يُصدر “أحكامه المسبقة”. وعليه، كان جوٌ يمنع التفكير بما هو آت أو توقع المستقبل، سائداً، تأسيساً على تاريخ السلطة الجديدة وممارساتها في سنوات الحرب الممتدة، وفي مناطق مختلفة ومتنوعة من “القطر السوري”.

لعلّ كثيرين لم يقصدوا من خلال ممارسة الرقابة المسبقة على من يتحدث عن السلطة الجديدة، أن يكونوا قمعيين. كثرٌ منهم اعتقدوا وما زالوا يعتقدون، أو اعتقدوا وغيّروا رأيهم، أنّ التغيير الذي طرأ على المجموعات التي أسقطت النظام، وعلى قائدها، تُبشّر بالخير، خاصةً حين رأوا أنّ التعامل الذي ساد بعد سقوط النظام وفلوله، تعامل غريب على هذه المجموعات، وأنّ مغريات السلطة غيّرت من تفكير غالبيتهم بحقّ أبناء الطائفة التي كانت غالبةً، وتحديداً أبناء الطائفة التي كانت لها الغلبة.

مؤشرات واقع اليوم لم تبدأ مع كمين “فلول النظام” الذي هو استمرار وإمعان بالتمسّك وهو ما عليه اعتاد عليه النظام السابق وأزلامه. السلطة الجديدة في دمشق، ومنذ أيامها الأولى، تعاملت بشيء من الإنكار مع واقع أنها مسؤولة عن السوريين، كل السوريين. في خطابها الظاهر، كان هناك الكثير من الحديث عن وحدة سوريا، وسوريا التي لأبنائها كلهم. في الممارسة، لم يكن شيء من هذا الكلام، من تشكيل الحكومة إلى المؤتمر الوطني إلى بعض التشكيلات التي عمدت من خلالها إلى تكريس غلبة جديدة. فما جرى يؤسس في أحسن الأحوال لنزعة انتقامية من شرائح كثيرة خسرت سطوتها حين تركها الأسد تواجه مصيرها منفردةً، بعد أن كرّس، غصباً عن أبنائها، أو عن غالبيتهم، فكرة أنها مسؤولة بشكل جماعي عمّا حصل لسوريين آخرين خلال السنوات الماضية.

في المرحلة التي سبقت الأحداث الأخيرة وتلت سقوط النظام، لم تقُم السلطة الجديدة بأيّ مجهود جدّي لضمان انتقال سلس، نحو مرحلة جديدة تعكس شعارات “سوريا لكل أبنائها”. شغلت هذه السلطة نفسها بالتفكير في كيفية تثبيت حكم رأس الهرم، معتقدةً أنّ الإشارات السياسية لدول إقليمية وخارجية كانت منغمسةً في الواقع السوري، تكفي لضمان هدوء المرحلة، وأنّ العدالة بإمكانها أن تتأخر لسنوات، هذا إذا كانت هناك نية لتحقيق العدالة وجبر الضرر. وتُركت لفلول النظام مساحة ليُعيدوا تشكيل أنفسهم مع السلطة الجديدة التي راحت تهادنهم، وتُرسل إليهم إشارات متعددةً بأنّ مصالحهم مضمونة ولو بأشكال مختلفة.

فوق ذلك كله، لم يُحسب أي حساب لما يُمكن أن يجري في هذه الفترة. أمراء الحرب الذين خسروا مواقعهم، لن يعودوا إلى بيوتهم، لينتظروا أن يأتي الوقت الذي سيُحاسَبون فيه على أفعالهم بحقّ السوريين. وفي الوقت نفسه، من أمسك بالسلطة وقع في فخّ التعامي. ولعلّ هذا الأمر مُرتبط بشكل جذري بطبيعة هذه السلطة الآتية من مجموعات غالبيتها طائفية وبعضها أساساً غير سوري، اعتادت القتال تحت مسميات مختلفة، وتنظر إلى الطوائف الأخرى بشكل لا ينسجم أبداً مع شعار “سوريا لكل أبنائها”. ظهر هذا جلياً في الخطاب الطائفي الذي رافق ويرافق القتال والقتل العمد، في مدن وبلدات الساحل السوري، الذي ينتمي غالبية سكّانه إلى الطائفية العلوية.

تأجّل النقاش حول السلطة الجديدة، أو مُنع، بطريقة أو بأخرى، واليوم يُفتح الباب على نقاش فوق حمام من الدمّ. ولكنه في أحسن الأحوال ليس نقاشاً. فهناك فئات كثيرة تتعرض للظلم والقتل لانتمائها إلى الطائفة المهزومة فحسب. وحتى لو كانت هذه الفئات معارضةً للنظام السابق، وهو ما حصل فعلياً. وهناك فئات أخرى تقول بحرمة الدمّ السوري، وتحديداً الأبرياء منهم، وتستنكر عمليات الانتقام الجماعي التي تحصل.

كما هناك، من بين فئات أخرى مختلفة عن كُل ما سبق، من تحوّلوا ليصيروا يد السلطة الجديدة وجمهورها الذي يطالبها بأن تضرب بيد من حديد ونار، و”تقتل من قتلها” سابقاً، حتى لو سقط في الطريق ضحايا كُثر لا ذنب لهم في كل ما حصل ويحصل.

المشهد الفاصل بين 8 كانون الأول/ ديسمبر الماضي، والخميس المنصرم، رسم حدود المسؤولية لكلّ طرف -وأول الأطراف هذه السلطة الجديدة- في ما وصلت إليه “سوريا الجديدة”، التي لا تملك الحد الأدنى من القدرة على تحقيق العدالة الانتقالية، لا معنوياً ولا مادياً. ويقع الجزء الأكبر من المسؤولية عليها، لأنها “السلطة الشرعية”، التي قالت إنها “لكلّ السوريين”، وهو ما لم يتحقق، ولا يبدو أنه سيتحقق في المديين القريب والمتوسط، لأنّها تمارس أو تسمح بممارسة الغلبة لطائفة كانت مغبونةً، وصارت اليوم في موقع المنتقِم لا الناظم لمستقبل أقلّ حقداً وبؤساً مما كان عليه الواقع أيام حكم “البعث”.

ما يحصل في الساحل السوري ليس مجرّد ردّ على كمين لفلول النظام. ما يحصل فعل انتقام وتصفية على أساس طائفي، يجعل مسار العدالة أبعد ما يكون عن السلطة الجديدة، ويفتح الباب أمام فوضى تشارك فيها أطراف ودول كثيرة، ولن يكون للسوريين دور فيها ولا في تقرير مصيرهم، الذي على ما يبدو سيبقى معلّقاً حتى إشعار آخر، أو حتى التوصّل إلى اتفاق “من فوق”، مرةً جديدةً.

* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

رصيف 22

———————————–

نعم.. “مَن حرّرَ قرّر”/ صهيب عنجريني

تحديث 11 أذار 2025

لا نسقطُ دفعةً واحدةً، يسقطُ قبلنا ضحايا، يُنكر بعضُنا دماءهم، يتجادل بعضُنا حول هوياتهم، وقتلتهم، وأسباب قتلهم، وتوصيفهم. حصل هذا في سوريا قبلًا، ويحصل الآن.

ها نحن إذًا نخوض في سيل الدماء مرّةً أخرى. سيسمّي بعضُنا ما حصلَ في الساحل السوري “محاولة انقلاب” فحسب، ويتفوّق قسمٌ من أصحاب هذه التسمية على نفسه فيتحدّث عن “انتهاكات” تخلّلت التصدّي للمحاولة. سيتوارى بعضُنا خلف تسمية فضفاضة لتكون “أحداثًا”، ويصرّ بعضنا على تسمية الأمور بمسمّياتها، فهي “مجازر”، على أنّ الأخيرين سيختلفون أيضًا حول هويّة الجزّار.

هل تبدو ردود الفعل هذه مكرّرةً؟ فماذا عن الأفعال والمُجريات؛ أمُكرّرة بدورها؟

ليس الغرض من هذه السطور الحديث عن المجازر، فدماء ضحاياها لم تجفّ بعد، ولا كُرّمت جثامين كثير منهم بدفن لائق أو حتى غير لائق. وليست الغاية المقصودة عقد أي نوع من أنواع المقارنات، برغم أنّني خلال اليومين الأخيرين ردّدت بيني وبين نفسي مرارًا ذلك القول الشهير لهرقليطس: “لا يخطو رجل في النهر نفسه مرتين أبدًا”، ثم أتبعتُه بتعليق ساخر: “غلطان يا معلم، ليكنا عم نغطس”، غير أنّني تنبّهت فجأة إلى أنّ سوريا لا تشبه النهر في شيء.

لقد حوّل الرئيس الفار البلادَ مستنقعًا بكلّ ما في هذا التشبيه المُستهلك من معنى، لا شيء “يجري” فيها سوى البشر اللاهثين وراء كلّ شيء وبـ”أمر القيادة الحكيمة”، قبل أن يفاجئنا بهروبه الكاريكاتوري في 8 كانون الأول/ديسمبر. وكما يليق بحدث عظيم كهذا ابتهجت الجموع، وغنّت، ورقصت، لكنّ الرقصة راحت شيئًا فشيئًا تتحوّل إلى دبكة، وتسابقت نُخبٌ كثيرة للإمساك برأس الدبكة، قصدًا أو من دون قصد.

ها هم يسارعون إلى التصرّف كأن كل شيء قد انتهى والحياة باتت ورديّة، يبالغ بعضهم في الانتشاء، ويُشير بعضٌ إلى “شمس الحريّة والانتصار وقد أشرقت فوق قاسيون”، بينما يتوافد بعضهم مهنّئًا، وينشغلُ كثرٌ بِحثّنا على دعم الدولة.

في وسع المرء – بل قد ينبغي عليه – أن يقول: هذا ما يجب فعله حتمًا: “دعم الدولة”. لكن لحظة يا شباب، ألا يتوّجب قبل ذلك أن نبني الدولة؟! أنتم نُخب، هل هناك حاجةٌ لتذكيركم أن السّلطة – أي سلطة كانت – ليست الدولة؟ ألا يتوجّب تحريك هذا المستنقع قليلًا بعقولكم لا بأذرعكم وعقل السلطة؟ أم هل تكفي الخطابات الواعدة لنُسلّم بأنّ القباطنة موجودون ولا حاجة إلا للتجذيف، فهيا نُجذّف (أرجوك عزيزي المحرّر أن تنتبه جيّدًا إلى النقطة فوق حرف الذال في الكلمة المكتوبة بالبنط العريض).

على امتداد الشهور الثلاثة الماضية كنت – لسوء الحظ – شاهدًا على سجالات كثيرة، بين مجموعات من المشتغلين في الشأن العام، وعلى وجه الخصوص من نشطاء مجتمع مدني، وصحفيين وصحفيات، وكانت “من يُحرّر يقرّر” سيدة الموقف، لا باللفظ الحرفي دائمًا، لكن في صلب المعنى ذاته. المصيبة الأكبر، أنّ كثرًا ممن رفضوا العبارة لفظًا ومعنى، واحتجّوا عليها، وسخروا منها، حوّلوها في الوقت عينه إلى نهج يلتزمونه!

لا تستعيد أنهارٌ جريانها بسهولة، ولا تتحرّك مياهٌ بـ”مشيئة القيادة وحدها”، وبالطبع لا يُفيد التجذيف في المستنقعات، وحتى إن فعلنا فلن نتحرّك. قد نوهم أنفسنا بأننا نتحرّك، بيدَ أنّنا ندور في الدائرة ذاتها: أخطاء، ومتربصون، ومؤامرات، ونظريّات مؤامرة، و”خُطة بندر” بنسخٍ مُكررة تروّجها “نخب”، بينما نسير نحو فخاخٍ واضحةٍ لكل ذي بصيرة، لا نسقطُ دفعةً واحدةً، يسقطُ قبلنا ضحايا، يُنكر بعضُنا دماءهم، يرقص بعضُنا فوقها، يتجادل بعضُنا حول هوياتهم، وقتلتهم، وأسباب قتلهم، وتوصيفهم. يُفاجأ بعضُنا، يصطنعُ بعضُنا المفاجأة، يتنبّه بعضُنا إلى هول الفاجعة، يصرخُ أو يصطنع الصراخ: “قتلوكم؟! نحن آسفون.. حقكم علينا.. سامحونا”.

لا.. لا تفعلوا أرجوكم، لا تُسامحونا، لا تُسامحوا أحدًا منّا، نحن لا نستحق، فقد كنّا نعرف ما سيفعلون.

أوانه،

——————————

امتحان السلطة الجديدة في سوريا: بين مسار شفاف ونفق مظلم/ خلف علي الخلف

نتقدم بالعزاء لذوي الضحايا من المدنيين في مدن وجبال الساحل، ولضحايا الأمن العام والجيش، ونسأل المولى الرحمة والمغفرة للراحلين.

مرت سوريا بأيام مظلمة عصيبة و بطيئة، مخضبة بالدم، أعادت الانقسام إلى صفوف جمهور الثورة. البعض تمسك بمبادئه في إدانة أي انتهاك بحق العلويين، بينما تساهل آخرون تحت ذريعة المقارنة بجرائم الماضي. أما المحرِّضون، فمكانهم خارج أي نقاش إنساني.

كلفة باهظة ستدفعها البلاد

ما جرى من انتهاكات واسعة ودامية ليس مجرد مأساة آنية، بل سندفع جميعًا ثمنه على مستويات عدة:

رمزيًا: ضياع فرحة جميع المخلصين لبلادهم بإسقاط النظام دون انتقام طائفي، مما جعل مشهد السلام الذي عم البلاد يبدو متخيَّلًا أكثر منه واقعيًا.

سياسيًا: تشكيك العالم في قدرة الإدارة الحالية على فرض الأمن وحماية السكان، مما قد يطيل أمد العقوبات الاقتصادية على السوريين، ويزيد حدة التدخلات الخارجية الفجة.

اجتماعيًا: تعميق الريبة والشك بين السوريين طائفيًا ومناطقيًا، رغم بروز مواقف مشجعة من التضامن بين الطوائف خلال هذه المحنة وإشادة العلويين بالدور الذي لعبه جيرانهم من السنة، واعتراف واسع بتضحيات عناصر الأمن العام والجيش في حماية المدنيين.

السلطة أمام اختبار حاسم

يجب على السلطة الحالية أن تدرك خطورة ما حدث، سواء على استقرار البلاد أو على مستقبل التعايش بين السوريين. هذا هو أول امتحان جدي لها، وعليها الاختيار بين:

1. تحقيق نزيه وشفاف ينشر علنًا، مع محاسبة المسؤولين، وتعويض الضحايا، وتكريم ذكراهم بالتساوي بين المدنيين والمجندين باعتبارهم “شهداء الوطن”.

2. التهاون، مما سيعيد البلاد إلى نفق مظلم قد يستمر لعقود.

خطوات إيجابية ولكنها غير كافية

هناك إشارات مشجعة حتى الآن، مثل الاعتراف الرسمي بالانتهاكات، وظهور الرئيس المتكرر، وتقديم العزاء الرسمي لسيدة سورية علوية معارضة فقدت ثلاثة أخوة في تلك الأحداث وتمسكت بخطابها الوطني، إضافةً إلى تشكيل لجنة تحقيق بمشاركة علوية. لكن إعلان الحداد كان ضروريًا كرمز لاحترام دماء الضحايا جميعًا.

مسؤولية المثقفين والنخب العلوية

على المثقفين العلويين، خصوصًا من لم يوالوا النظام، أن يفكروا قليلا قبل تأجيج الكراهية. حماية أهلكم من أي انتهاك محتمل ليس بيد أمريكا أو روسيا، بل بيد جيرانكم كما أثبتت الوقائع. تصعيد الخطاب الانتقامي والإداني وشيطنة الطرف الآخر سيستدعي ذاكرة الآلاف من المجازر التي ارتُكبت ضد السنة، مما يزيد الأمور تعقيدًا.

ويجب أن لا ننسى أن شرارة هذه الأحداث انطلقت بكمائن ضد قوات الأمن والجيش، نصبتها عصابات مسلحة معلنة ومعروفة من مجرمي الساقط ونشرت ذلك علنا؛ أدت لقتل عشرات من عناصر الأمن العام والجيش الذين كانوا يحمون المناطق ويفرضون الأمن.

الخطاب المطلوب الآن من الجميع هو الاعتراف بأن ما حدث كارثة وطنية تمس الجميع، وجبر خواطر الضحايا بالمواساة والكلام الطيب، والامتناع عن الجدل حول تورط فلول النظام في قتل المدنيين العلويين، وترك الأمر للتحقيقات.

ضرورة الرقابة الشعبية

على شبكات حقوق الإنسان والفعاليات الوطنية تشكيل لجنة تحقيق موازية مشتركة واسعة نصفها من العلويين من السكان المحليين المشهود لهم بالحياد والنزاهة تجبر السلطة على النزاهة في عملها، بدلًا من اللهث وراء التمويلات الخارجية. وتسليم تقريرها للرئيس قبل إتمام لجنة التحقيق الرسمية أعمالها.

ضرورة التمسك بالسلطة الحالية

رغم كل الانتقادات، فإن التمسك بهذه السلطة ضرورة، لأن سقوطها يعني عودة حرب الفصائل وانتشار الفوضى لعقود. المطلوب الآن هو ضبط المسار نحو العدالة والمصالحة، وليس الانجرار إلى هاوية جديدة.

————————

ملاحظات

قد يضمد جرح فقدان صديقي عبد اللطيف علي Abdullatif Ali  وجود من يشبهه على الأرض.. مثل هنادي زحلوط.. Hanadi Zahlout الصديقة التي تحيا في نفس اللحظة العابرة التي أحياها.. ونوقن معا بأنها عمر مديد من القهر.. فوق أرض بلد يدعى سوريا.

بلد ليس أكثر من وهم عابر في الكون الذي لا نفهمه.. فيما نواصل إحالة مجريات حوادثه الى صانع أعطيناه من الأوصاف كل ما لا يصفه.. ونتابع الحفاظ على حماقاتنا كاملة.. ونحن نكرر ترديد تلك الصفات كأمنيات.

ابو المجد.. عبد اللطيف ومعه مجد وبشر.. ومعهم في مكان آخر.. اخوة هنادي الثلاثة.. ثم المئات غيرهم.. وكأن الجميع كانوا برحيلهم الفاجع على موعد مع اثبات ما ليس ضروريا اثباته.. بعد أن صار قانونا منذ 15-3-2011.. وهو أن “نقص الكفاءة هو توأم نقص النزاهة”.. مع تفصيل إضافي جديد هو:

غياب النزاهة حتى عدمها.. يحول المرء إلى مجرم.. وغياب الكفاءة بالمطلق يحول الانسان الى جحش.

أن تعلن قيادة عمليات تطهير الفلول براءتها من القتل الطائفي الذي تقوم به فصائل تعمل معها وتحت رعاية وزارة دفاعها.. هو الجحشنة بعينها.. فإما هي مؤتمرة بأمرها.. أو عاصية للأوامر.. فإن كانت صفتها هي الأولى.. فلا مهرب من اتهام اعلى هرم في السلطة بمسؤوليته عن الجريمة.. وإن كانت الصفة هي الثانية.. فالمصيبة أعظم.. لا براءة عندها من المسؤولية الجنائية.. مع ترافقها بالجحشنة التي تراكمت خلال 90 يوما وصنعت جدارا بين الواقع والحقيقة.. بحيث لم تعد المطالبة بالشفافية تجدي معه.

عندما وصلت بهذه الكتابة الممضة الى هنا.. لم أكن متأكدا بعد من أني سأضغط على زر ارسالها.. يكفي ما على النت من ترهات ومآسي.. لكن اذاعة عاجلة لخبر من تلفزيون سوريا القطري.. جعلني أفقد ترددي:

“اكتشاف مقابر جماعية لعناصر من الهيئة معظمهم من ادلب.. قتلتهم الفلول قرب القرداحة”.

هكذا اذن؟.

طيب.. لماذا لم يسبق هذا الإعلان المؤسف اعلان آخر عن عدد الجنود الذين فقدوا أو اختفوا دون أن يعثر على جثثهم؟.

ولماذا لا يعلن العدد بدقة؟. هل يعقل ألا يوجد رقم عسكري لأي منهم؟. هذا إن لم يطرح سؤال أعقد.. من مثل اين برمجيات التتبع التي يجب أن تربط كل فصيل بقائده خصوصا من خرج في دورية أو كان يعمل عند حاجز؟.

(تم الإعلان منذ قليل أن الجثث في الحفرة تعود لأربعة عساكر ومدني واحد).

إن كانت الحمزات والعمشات والبلوات لا زالت مستقلة عن جيش الهيئة.. فكيف يتركون على كيف كيفهم.. يمارسون من الإجرام أفظعه ويتنقلون تحت سمع ونظر الكاميرات بأسلحتهم وآلياتهم وشاحنات نهبهم وسرقاتهم؟.

تردد الإذاعة ما قاله الرئيس المؤقت: “خلل أمني”.. فأصحح أنا: “خلل عقلي”.

بل هو خلل أخلاقي.. وازدواج لنقص الكفاءة والنزاهة معا في أعلى تجلياتهما.

هل خطر ببال الذي يدير عمليات التطهير.. أن يتذكر بالإضافة للآيات والأحاديث التي تجعله بمنأى عن القوم الذين أذّن للصلاة من فوق سطح مخفرهم قبل شهر.. وتبول فوق قبر العرص المؤسس للنظام الفاجر قبل أن يحرقه.. مضيّعا تنفيذ مشروع تحويله لمتحف يزار من  جميع كارهي الظلم في العالم.؟.

هل خطر بباله ولو للحظة عابرة.. الإستعانة المكثفة بمن سبق وأعلن من أهل القرى موضوع التطهير استعداده للمساعدة في العملية؟. كونه يعرف الخفايا.. متكلا على ذاكرته وعداوته لنظام الأسد الذي اضطهده.. والذي لن يكون حتما في وارد طعنك من الظهر كما تردد محفوظاتك.. لأن الجيل والجبل اليوم غير الجيل والجبل أيام طرق القوافل والدولة المركزية في الحواضر.. والتهميش والاستعمال المجحف (لعمال المسلمين في الأرض.. وفق رواية ابن بطوطة قبل سبعمائة عام).

قبل أن أختتم بقولي اني سأصع في المرفقات روابط الألم والأمل التي تحضرني الآن.. أنوه لأن أروع ما في المقابلة القصيرة التي ردت بها هنادي زحلوط على مذيعة قناة “العربي” منذ نصف يوم.. ذكرها بشكل عارض لاتصال أحمد الشرع بها معزيا..  ذكر خال من البهارات التي تعودنا عليها من ناشطي الجهات الأربع الأصلية الذين سبق لهم أن حاوروه.. أما المريع فكان قولها بأن القوات التي قامت بالقتل لا زالت تحتل قريتها “صنوبر جبلة”..

وأن جثث الرجال والنساء والأطفال لم تدفن للآن (بعد مرور أكثر من خمسين ساعة).

تباً.. أشد مرارة من كل ما سبقها.

الفيس بوك

————————————–

ملاحظات

نحن العلويون، وعندنا أن الانتمـاء بالطائفة هو نوعٌ من أقـَدَارِ الإنسان، مـُطلَقٌ ولكنـه آيـِلٌ إلى المجتمع، ذاك الذي يـَجعـَلُه نسبيّ، أما الدولة فهي ما يـُحَيـّدُه، ووَحـْدَه الوطن ما يـُلاشـيه. كما وعندنا أن الدولةَ، إذ تضمـَنُ للمـُتـَغايرين كوناً مـُشترَكاً، آمـِناً وزاهـِراً، هيَ في آخر الأمر نـظامُ مـُغالَبة الاختلاف في عناصر المجتمع الابتدائية، ونظام التوفيق المـُنتـَصِر، فهو الوطن.

مـَزيدونَ بمفاهيمَ هكذا جوهرية عمـّا هو، بالتجريد، “الكونُ الوادِعُ معاً” وبالتطبيق هو “الاندماج الوطني”، العلويون، وكم يـُنقـِصـُنا أن نـَراه اليومَ في سوريا يـُكابدُ نجوزَه، وكم يـُنقـِصـُنا أن يـَرانا الآخرون دونـَه، فنحن المـُعتـَبرون، ومن جيلٍ إلى جيل، على أساس “السرّانية” المـُرتبطة باعتقادنا الديني والمفهومة من بعضٍ منـّا ومن بعض سوانا، على أنها مـُوجـِبـَة لاتـّقاءنا غيرِنا ثمّ لـِكـَفـِّه عنـّا، كما ونحن المـُعرَّفون، ومن حقبة إلى أخرى، بطريقة “هؤلاء هم” العلويون، وليس بطريقة “هذا نحن”.

واليومَ أخيراً، ها نحن، وحبـاً بالحياة التي يـَهمـِزُ المجهولُ أصحابـَها إذا كان قادماً إليهم، ويـُضنيهم، مثلَنا، إذا كان سائداً عنهم، وحـُبـّاً بما خـَلق الله من إنسانٍ، يـَبقى من غير شـَرَاكـة الآخـَرَ أقـَلُّ من نـَفسهِ، نـُعلِن ذاتـَنا خالصين من التقيـّة ومن الخصوصية المـُناهـِزة حـدّ الاحتجاب عن غيرنا، ونقومُ إلى المجتمعِ الذي، لكونه انتـِظامُ الحياة في اثنين وأكثر، هو سبب الحق وأساس فكرَتـَه، وأن الإنسان لو يـُوجـَدُ واحداً على الأرض لما احتاجـَهُ أصلاً، فـوَحـدُها السماءُ ما يـَعرف مفهومَ الحق من الوجـودِ في واحدٍ صـَمـَد..

من بيان الابتدار العلوي. ٢٠١٧.

أنا علوي من طرطوس، مسلم الدين، سوري الهوية

الفيس بوك

————————–

ملاحظات

Karam Shaar

1ي  ·

نسفت ممارسات الحكومة السورية الحالية كل التقدم الذي حققناه خلال شهرين كسوريين في الخارج، كما أضعفت مشروعية مطالبنا برفع العقوبات الأحادية الجانب بشكل فوري وغير مشروط، وتعليق العقوبات المرتبطة بالإرهاب بالكامل مقابل الالتزام المبدئي بأسس الحكم المدني العادل. 

برأيي، يمكن للرئيس الشرع أن يحوّل كارثة المجزرة التي تجري الآن بحق أهلنا العلويين إلى فرصة من خلال خطاب قلبي للسوريين يغطي على الأقل النقاط التالية: 

1. الاعتراف بالانتهاكات الطائفية واسعة النطاق وتحمله جزءًا من المسؤولية عنها بصفته القائد العام للجيش والأجهزة الأمنية.

2. نبذ العنف والتأكيد على المواطنة كأساس للعيش المشترك، مع تجديد رفض استخدام الانتماءات الدينية والعرقية الضيقة كمحددات للمحاسبة لا سيما خارج القانون.

3. التعهد بمحاسبة جميع منتهكي حقوق الإنسان بمن فيهم المسؤولون عن التحريض على العنف، وكذلك أولئك الذين دعوا إلى حراك عسكري منظم ضد الدولة السورية، باعتبارهم مسؤولين مباشرين عن الانفجار في العنف. 

إذا كانت هذه الرسائل صادقة، فإنها برأيي ستعزز موقف الشرع على الساحة الدولية وتحوّل الكارثة إلى فرصة، كما ستزيد من شعبيته في الداخل والخارج. أما البديل… فهو كارثة حقيقية.

الفيس بوك

———————————

ما هو المطلوب الآن

يمثل الحل السياسي السبيل الوحيد للخروج من الأزمة في سوريا، إذ لا يمكن تحقيق الاستقرار الدائم عبر الحلول العسكرية وحدها.

إن بسط الدولة لسيادة القانون أمر ضروري، لكنه لا يكفي لمعالجة جذور المشكلة، كما أظهرت الأحداث الأخيرة في الساحل السوري.

لذلك، يتطلب الوضع الحالي اتخاذ خطوات جريئة من قبل القيادة في دمشق، تتحمل فيها مسؤولياتها لإنقاذ البلاد والتوجه بها نحو مستقبل يلبي تطلعات الشعب السوري بعد 14 عامًا من التضحيات.

1. إعادة تفعيل الحوار الوطني

– يجب أن تدرك الحكومة أن تواصلها مع المجتمع السوري من خلال لجنة الحوار الوطني لم يكن فعالًا بالشكل المطلوب.

– ينبغي دعوة السوريين إلى مؤتمر حوار وطني جديد يضمن تمثيلًا حقيقيًا لكافة المناطق والمكونات السورية.

– تشكيل لجنة وطنية تحضيرية تعكس التعددية الثقافية والحضارية لسوريا، بحيث تكون قادرة على إعداد أرضية صلبة لحوار بنّاء.

2. إصلاح اللجنة الدستورية

– إعادة النظر في تشكيل اللجنة الدستورية لضمان تمثيل جميع فئات المجتمع السوري.

– ضرورة إشراك شخصيات تتمتع بخبرة قانونية وحضور مجتمعي قوي، بحيث تكون المصداقية والكفاءة أهم من مجرد إنشاء اللجنة.

3. تحقيق العدالة ومحاسبة المسؤولين عن القمع

– نشر أسماء المسؤولين في النظام الذين دعموا القمع وشاركوا في قتل المدنيين خلال الثورة.

– المطالبة بتقديمهم للمحاكمة، وطلب ملاحقتهم عبر الإنتربول وتجميد أموالهم، لضمان تحقيق العدالة وتجنب النزاعات الشخصية التي  تعطل المصالحة الوطنية.

4. تعيين ناطق رسمي محترف

– من الضروري تعيين ناطق رسمي يتمتع بالكفاءة والمصداقية، ليكون صلة الوصل بين الحكومة والمجتمع السوري والعالم الخارجي.

يمكن الاستفادة من شخصيات إعلامية سورية معروفة، مثل موسى العمر، أو من خبرات مؤسسات ذات مصداقية مثل الخوذ البيضاء.

5. تعزيز الشفافية من خلال الإعلام الدولي

– دعوة وسائل الإعلام الدولية لزيارة المناطق الساحلية وتوثيق الأحداث بشفافية.

– لا يمكن معالجة تداعيات الأحداث الأخيرة من خلال لجان غير ممثلة بشكل عادل للمجتمعات المتأثرة بها.

6. لجنة تحقيق مستقلة بالتعاون مع الصليب الأحمر الدولي

تشكيل لجنة تحقيق محايدة بالتعاون مع الصليب الأحمر الدولي لمنحها المصداقية الدولية، خصوصًا إذا رفضت الحكومة تعديل تركيبة اللجنة الحالية.

7. تحسين العلاقة بين الحكومة والمجتمع السوري

– يجب تحسين العلاقة بين الدولة والمجتمع على أسس مؤسساتية حقيقية، حيث إن الاستقرار يأتي من الداخل وليس من الخارج.

– من الضروري وقف السياسات التي تهدف إلى اكتساب الشرعية من القوى الخارجية على حساب الشعب، كما كان يفعل النظام السابق، إذ أدت هذه السياسات إلى الكوارث الحالية.

– إعادة الممتلكات المصادرة من العلويين وغيرهم من السوريين دون مبرر قانوني، فلا يمكن بناء دولة على الظلم والتمييز.

– لا يمكن مطالبة أهالي المعتقلين والمفقودين برفع دعاوى قانونية ضد المسؤولين عن اعتقالهم أو تعذيبهم، بينما يتم مصادرة ممتلكات المواطنين دون أي سند قانوني أو وضعها خارج إدارة الدولة.

-اعادة قوات الشرطة وموظفي الدولة الذين لا توجد ضدهم قضايا تتعلق بالدم السوري أو الفساد العميق

– إعادة الموظفين المفصولين وفقًا لمبدأ “لكل شخص وظيفة واحدة فقط” لضمان العدالة الوظيفية وكفاءة المؤسسات.

– فتح المحاكم بكل درجاتها و اختصاصاتها و تفعيل كل القوانين المرتبطة بصلاحيات القضاء المستقل

8. إصلاح الاقتصاد من خلال الخبرات السورية

– تشكيل لجنة من الخبراء الاقتصاديين المشهود لهم بالنزاهة والكفاءة لدراسة المبادرات الاقتصادية التي يطرحها السوريون في الخارج.وهي مبادرات جدية ممولة من السوريين

– التواصل الجاد مع أصحاب هذه المبادرات للاستفادة منها في إعادة بناء الاقتصاد السوري وتحقيق التنمية المستدامة.

9. تشكيل حكومة جديدة تعتمد على الكفاءات

– يجب أن تضم الحكومة الجديدة وزراء يتمتعون بخبرات علمية وعملية عالية.

يمكن الاستفادة من تجارب دول أخرى، مثل إيران، التي تضم في حكومتها اكثر من ١٠ وزراء خريجي جامعات غربية لديهم خبرات أكاديمية وإدارية واسعة.

في داخل سوريا، هناك شخصيات تمتلك معرفة أكاديمية وعملية عميقة بالواقع المحلي، ويمكنها تقديم مساهمات جوهرية لإدارة البلاد.

– يجب الابتعاد عن تعيين شخصيات تظهر في الإعلام فقط، والتركيز على الكفاءات الحقيقية.

– تجنب تعيين مستشارين وخبراء ساعدوا النظام السابق في التهرب من العقوبات أو التلاعب بالقوانين الدولية وبررت للنظام جرائمه ضد السوريين.

10. تعيين مسؤولين قانونيين على أسس الكفاءة

– يجب أن تعتمد التعيينات في المناصب القانونية على الكفاءة والمهنية، وليس على الولاء للنظام السابق.

على سبيل المثال، لا يمكن تعيين المستشار القانوني لوزير الخارجية، الذي كان مستشارًا سابقًا لنزار أسعد لمساعدته في تجاوز العقوبات الأوروبية، في موقع مسؤولية يتطلب النزاهة والاستقلالية.

————————-

=================

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى