دوافع وكواليس الاتفاق بين "قسد" وحكومة الجمهورية العربية السوريةسقوط بشار الأسد، الرئيس الفار والمخلوعصفحات الحوار

إحاطة بملفّ النفط السوريّ مقابلة مع الباحث والخبير الاقتصادي كرم الشعار

سليمان عبدالله

كان ملف النفط السوري مادةً للشائعات والمبالغات طوال عقود، وخاصة خلال فترة الحرب. وعادت الشائعات للانتشار بعد سقوط النظام، في إطار الحديث عن إعادة إعمار البلاد، ودور النفط والغاز فيها، وكيفية تقاسمها. للإضاءة على الحقائق المتعلقة بهذا الملف، طرحنا مجموعةً من الأسئلة على الباحث والخبير الاقتصادي كرم الشعار، في مقابلةٍ معه في شهر فبراير/شباط المنقضي.

11 آذار 2025

نص البند الرابع من الاتفاق الأوليّ بين رئيس المرحلة الانتقالية في سوريا أحمد الشرع ورئيس قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي، المعلن يوم أمس الإثنين، عن دمج كافة المؤسسات المدنية والعسكرية في شمال شرق سوريا ضمن إدارة الدولة السورية، بما في ذلك النفط والغاز. المتحدث باسم قوات سوريا الديمقراطية، فرهاد شامي، أبلغ صحفيين/ات في إحاطةٍ باللغة الكوردية لاحقاً، أنّ لجاناً مشتركة متخصصة ستتولى العمل على هذه الملفات، التي من بينها ملف البترول، نافياً بشكل غير مباشر ما أشيع عن سيطرة الحكومة المركزية المؤقتة فوريّاً على إدارتها.

كان ملف النفط السوري مادةً للشائعات والمبالغات طوال عقود، وخاصة خلال فترة الحرب. وعادت الشائعات للانتشار بعد سقوط النظام، في إطار الحديث عن إعادة إعمار البلاد، ودور النفط والغاز فيها، وكيفية تقاسمها.

للإضاءة على الحقائق المتعلقة بهذا الملف، طرحتُ مجموعةً من الأسئلة على الباحث والخبير الاقتصادي كرم الشعار، في مقابلةٍ معه في شهر فبراير/شباط المنقضي. وقد حُررّت النسخة المكتوبة بقصد الاختصار والتوضيح.

١ :هل تُعتبر سوريا، أو كانت يوماً، دولة نفطية (ذات صلة بسوق النفط العالمي) من ناحية الإنتاج والمخزون؟

هذا سؤالٌ مطاط إن صحّ التعبير، إذ أنه ليس هناك تعريفٌ للدولة النفطية، لكن النفط لعب دوراً محورياً للغاية في سوريا، دورٌ كان محلّ تشويشٍ لدى الكثيرين، ذلك أنه إن قارنتَ الكمية المنتجَة فيها قياساً بالدول المنتِجة للنفط، ستجدها كميةً صغيرة جداً. وبالتالي، فسوريا لا تعدّ لاعباً مهماً في أسواق النفط العالمية. سابقاً، كانت سوريا تنتج ما بين ٣٥٠ ألف برميل و٤٠٠ ألف برميل في اليوم، تصدّر منه حوالي ١٠٠ ألف برميل يومياً، ويُستهلَك الباقي في الداخل. وكانت هناك مشكلة تصفية في سوريا، تُصدّر كميةٌ من هذا النفط كنفطٍ خام ويُعاد استيرادها كمواد مصفاة. وفي المحصّلة، كانت سوريا دولةَ مُصدّرة، إنما هل يمكن مقارنتها بدول مثل العراق وفنزويلا ودول الخليج، أو حتى سنغافورة أو ماليزيا؟ كلا، فقد كانت الأرقام المصدرة من سوريا صغيرةً للغاية، لكن النفط لعب دوراً بالغ الأهميّة، لأن حجم الاقتصاد نفسه كان صغيراً للغاية. فبحسب تقديرات صندوق النقد الدولي، كانت إيرادات النفط تشكّل ربع إيرادات الدولة السورية تقريباً، (قرابة ١٨٪ من الناتج المحليّ الإجماليّ).

٢ :هل كان مدخول النفط جزءاً من الموازنة العامة يوماً، أم لا كما كان يُشاع على الدوام؟

هذا من الأسئلة المذهلة بالنسبة إليّ، نظراً لتكراره، كشأن الزعم بأن (ابن خال بشار الأسد) رامي مخلوف كان يسيطر على ٥٠٪ من الاقتصاد السوري، أو الزعم بأن ٨٠٪ أو ٩٠٪ من موازنة سوريا كانت مخصّصةً لوزارة الدفاع. كل هذه مزاعم خاطئة، ولا تمتّ إلى الصحة بصلة، إطلاقاً. ولا أدري كيف سمعها أحدهم مرة واعتبرها حقيقةً وواقعاً في ذاكرتنا الجمعية في سوريا. قد دخل النفط في الموازنة العامة في سوريا، وكانت أرقام إنتاج الشركات الأجنبية واضحةً وشفّافةً للغاية، وموجودةً في تقارير الشركات نفسها.

٣ : كم يبلغ الإنتاج الحالي، والمدخول السنوي المتوقع منه، مع الأخذ بعين الاعتبار أنّ عمليات الإنتاج تضرّرتْ أكثر نتيجة القصف المتكرر خلال سنوات الحرب؟

ما زالت هناك نسبةٌ من الإنتاج في مناطق سيطرة الحكومة السورية. قبل سقوط النظام، كان الإنتاج يصل إلى ما يقارب ٢٥ ألف برميل يومياً. المناطق التي ليس هناك معلومات (مؤكدة) عنها، هي الواقعة شمال شرق سوريا. وفق تقديراتي، يصل الإنتاج هناك إلى ١٢٠ ألف برميل، حتى ١٣٠ ألف برميل يومياً ،كحدٍّ أقصى. فإن جمعنا الرقمين السابقين، نتحدث هنا عن انخفاضٍ نسبته ٥٠٪ من إنتاج سوريا خلال فترة الحرب، (مقارنةً مع ٣٥٠ ألف برميل و٤٠٠ ألف برميل في اليوم قبلها).

من الصعب جداً احتساب عوائد النفط، لأننا لا نستطيع التفكير فيها ضمن سياقها العادي، ونسأل كم يبلغ سعر البرميل، لأن هناك كمية تباع بشكل مدعوم وكميات من دون دعم. هناك نسبة من النفط تُهرب إلى الخارج. ينطبق ذلك على نفط شمال شرق سوريا، الذي يُهرّب جزء منه إلى كردستان العراق. لا نعرف تلك النسبة إلى اليوم، لكنني أقدرها بخمسين ألف برميل في اليوم، وهي أحد موارد قوات سوريا الديمقراطية، المرتبطة بحزب العمال الكوردستاني. وكانت نسبةٌ منه تباع إلى شمال غرب سوريا أيضاً، بعد تصفيته بما يسمى “الحراقات” البدائية، ونسبةٌ أخرى إلى النظام السوري عبر تجارةٍ داخلية، من خلال أشخاص موجودين على طرفيّ مناطق السيطرة. هناك شخص يدعى أبو دلو، من طرف قوات سوريا الديمقراطية، تقابله عائلة القاطرجي التي كانت تستلم هذه التجارة من طرف النظام.

٤ :لماذا يستحوذ النفط على هذه الأهمية الكبرى في مستقبل سوريا، وخاصة في مرحلة إعادة الإعمار، وما هو مستقبل القطاع النفطيّ في البلاد؟

قد يكون القطاع النفطيّ، بكل تأكيد، رافعةَ التعافي الاقتصادي في سوريا، لأن إصلاحه ليس مكلفاً كثيراً، هذا في حال حدثت تسويةٌ مع شمال شرق سوريا، تسمح باستفادة الجميع من النفط، وإعادة تأهيل هذا القطاع. فالمبالغ التي يحقّقها تفوق أضعاف المبالغ التي تحصل عليها الحكومة السورية حالياً من كلّ مصادرها مجتمعة. لكن هناك عدّة معوقات.

يعاني القطاع النفطي في سوريا من مشكلةٍ مركبة، تكمن في أنه، هل ستستطيع حقول النفط إنتاج كميات ما قبل الحرب؟ برأيي، الكميات التي يمكن استخراجها انخفضت بشكل عام، لأسباب كالقصف الذي استهدف الآبار، والإنتاج بطرق غير سليمة، كعدم سد البئر كما يجب. كذلك قد يتسبب القصف بتحركات جيولوجية، ويؤدي إلى تسرّب النفط إلى طبقات لا يمكن الاستخراج منها. وقد يحدث العكس أحياناً، تصبح الكميات التي يمكن استخراجها أكبر. إنما بشكلٍ عام، تصبح الكمية أقل.

المعوق الآخر قانوني، وهو أمرٌ سنتناوله في نشرتنا المقبلة “سوريا بالأرقام” في شركتنا الاستشارية، الشعار للاستشارات، وهو أن هناك شركات توقفت عن العمل وما زالت تطالب بالعودة إلى رقعتها (بلوك) النفطية، كشأن شركة “غولف ساندز بتروليم”، في الرقعة ٢٦. من وجهة نظرهم، ما يتم استخراجه حالياً من رقعتهم غير مشروع، ومن حقهم العودة إليها. لكن هناك شركات أخرى، ذات موقفٍ مختلف ربما، يقولون إنها غادرتْ بداعي الحرب ولا تريد العودة.

وقد تكون المشكلة القانونية مركّبةً أكثر، بمعنى، هناك رقع قد تريد شركاتٌ أجنبية العودة إليها، لكن النظام السوري (سابقاً) وعد بها جهاتٍ أخرى، بالدرجة الأولى روسيّة. لكن حتى الإيرانية، على سبيل المثال، الرقعة رقم ١٢ في البوكمال، أو شركات روسية مثل بيلادا وميركوري، التي وُعدت برقع نفطية، كانت شركات أخرى تستخرج منها قبل ٢٠١١.

هناك معوق آخر أيضاً، هو العقوبات. هناك عقوباتٌ قطاعية على النفط، بمعنى، إن كان هناك شركة راغبة في العمل في سوريا، بصرف النظر عما إذا كانت معاقبة أم لا، أو تعمل مع طرف معاقب أم لا، فلن تستطيع العمل في هذا القطاع، بسبب العقوبات المفروضة على القطاع بأكمله، سواء أكان من قبل الاتحاد الأوروبي أو أمريكا. (جمد الاتحاد الأوربي بعد إجراء هذه المقابلة العقوبات القطاعية في مجال الطاقة)

٥: هناك حديثٌ عن نقاشٍ بين هيئة تحرير الشام وقوات سورية الديمقراطية التي تسيطر على مناطق إنتاج النفط، حول تقاسم الإنتاج. ما هي في رأيك القسمة العادلة بين المركز وبين الإدارة الحالية، أو أيّة إدارة قادمة للمنطقة الشرقية، التي يشكو سكانها من إهمالها على مدار عقود؟

أتوقع أن يكون شكل تسوية الحكومة المؤقتة مع قسد: لا مركزية خفيفة جداً، وقد لا تُسمى بذلك حتى. لكنني استبعد للغاية أن يتم الرضوخ لمطالب قوات سوريا الديمقراطية والإدارة الذاتية، التي تطالب بالحصول على ٥٠٪، على رغم أنّ حوالي ثلاثة ملايين شخص مقيمون في مناطقهم، مقارنةً بأكثر من ثمانية عشر مليوناً في المناطق الأخرى من سوريا. استبعد حصولهم على هكذا تنازلات، وأتوقع أن تكون تلك التنازلات شكلية.

٦ :في عام 2005، توقع صندوق النقد الدوليّ أن ينفد مخزون سوريا من النفط بين ٢٠٢٠ و٢٠٣٠. في استقراءٍ حديث ، تتوقع نضوب مخزون النفط في البلاد بحلول العام ٢٠٥٨، على ماذا اعتمدتم في استقرائكم؟

هناك عدة تنبؤات، تقوم منهجيتها على أمرين؛ الاحتياطيات المتوفرة حالياً (وقدرها ٢.٥ مليار برميل، حسب آخر تقييمٍ في عام 2010) وكمية الاستخراج، ما يعني: كم عدد السنوات التي نحتاجها، وفق مدى استخراجٍ محدد، حتى ينضب النفط بشكل كامل.

ما اعتمدنا عليه في تنبؤنا، هو حقيقة أن الإنتاج انخفض للغاية مؤخراً، وبذلك سيكون النضوب في مرحلةٍ زمنيةٍ أبعد، وتحديداً في العقد الآتي بعد عام ٢٠٥٠. لكن هناك نقطةً لم نستطع أخذها بعين الاعتبار، لأنها لا تزال غير معروفة، وهي: من المتوقع أن يكون الاحتياطيّ النفطيّ في سوريا قد انخفض بسبب القصف الذي حدث على الآبار النفطية (١.٨ مليار برميل في ٢٠٢٤).

سليمان عبدالله

صحافي سوري مقيم في ألمانيا، يكتب في مواضيع الهجرة والنقاش العامة المرتبطة بالهوية والعنصرية والفن.

كرم الشعار، باحث سوري-نيوزيلندي، يحمل شهادة الدكتوراة في الاقتصاد، يعمل كاستشاري مستقل، وكباحث خبير غير مقيم في معهد نيولاينز، وكشريك مؤسس في مرصد الشبكات السياسية والاقتصادية. عمل سابقاً كباحث غير مقيم في معهد الشرق الأوسط، وكمحلل خبير في وزارة الخزانة النيوزلندية، وكمحاضر عن السياسة في الشرق الأوسط.

حكاية ما انحكت

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى