دوافع وكواليس الاتفاق بين “قسد” وحكومة الجمهورية العربية السورية مقالات وتحليلات تتحدث يوميا

تحديث 12 أذار 2025
————————–
لمتابعة مكونات الملف اتبع الرابط التالي
دوافع وكواليس الاتفاق بين “قسد” وحكومة الجمهورية العربية السورية
هل يصمد اتفاق قسد والإدارة السورية؟/ عمر كوش
12/3/2025
جاء الاتفاق بين الإدارة السورية الجديدة وقوات سوريا الديمقراطية (قسد) في وقت تحتاج فيه سوريا إلى الخروج من آثار الأحداث الدامية التي شهدتها مناطق في الساحل السوري، وذهب ضحيتها مئات السوريين، من عسكريين ومدنيين، وفجرتها هجمات قامت بها عصابات من بقايا نظام الأسد البائد، استهدفت فيها قوى الأمن العام، وكانت تهدف إلى إشعال الفتنة، وضرب الوحدة الوطنية بين أبناء الشعب السوري، وتمزيق الجسد السوري عبر السعي إلى فصل منطقة الساحل عنه.
وبالتالي تأتي أهمية الاتفاق من كونه يشكّل ضربة لكل المشاريع الانفصالية في سوريا، التي تقف وراءها قوى خارجية، وفي مقدمتها إيران وإسرائيل، إضافة إلى أن يشكل مدخلًا لإنهاء حالة القطيعة بين مناطق الجزيرة السورية، وباقي المناطق السورية، التي تمتد إلى أكثر من عشر سنوات خلت. ولعل الأهم هو أن الاتفاق عكس تلهف الشارع بمختلف أطيافه ومكوناته إلى توحيد الأرض السورية، وذلك بعد الخلاص من نظام الأسد الاستبدادي.
مزايا الاتفاق
تكمن أهمية الاتفاق في مزاياه وأبعاده المختلفة، خاصة على الصعيد الداخلي، والتي يمكن تحديدها فيما يلي:
أولًا، يعدّ الاتفاق خطوة تاريخية بالنسبة للكرد السوريين من الناحيتين السياسية والاجتماعية، وبالنسبة لجميع السوريين، كونه يفتح المجال أمام السوريين لبناء سوريا موحدة.
ثانيًا، يعتبر الاتفاق نقطة تحول بارزة في مسار بناء الدولة السورية الجديدة بعد سقوط نظام الأسد البائد، بالنظر إلى أنه يفتح المجال أمام مرحلة جديدة تستعيد فيها الدولة سيطرتها على الموارد الطبيعية في مناطق شرقي الفرات، وإعادة إدماجها ضمن الاقتصاد الوطني.
ثالثًا، يسهم الاتفاق في استعادة الثقة فيما بين جميع السوريين، حيث قدمت الإدارة الجديدة العديد من فرص بناء الثقة لكل الأطراف، بواسطة التعاون معها، وإظهار سعيها لإدارة المرحلة الانتقالية بإشراك جميع المكونات، فابتعدت بذلك عن استخدام القوة الخشنة مع “قسد”، وبالافتراق مع سلوك وممارسات السلطة الاستبدادية لنظام الأسد البائد التي تسعى إلى الهيمنة.
رابعًا، يرتكز الاتفاق إلى مبدأ ضمانة حقوق كل السوريين في التمثيل والمشاركة في العملية السياسية، وجميع مؤسسات الدولة بناء على الكفاءة بغض النظر عن خلفياتهم الدينية والعرقية، حسبما نص عليه الاتفاق، ما يعني إشراك الجميع في القرار السوري، إضافة إلى تأكيده على أن المجتمع الكردي مجتمع أصيل في الدولة السورية، وتضمن الدولة السورية الجديدة حقه في المواطنة وكافة حقوقه الدستورية.
ينبغي الإشارة هنا إلى أن التوقيع على الاتفاق يعكس تحولات في مواقف قيادات قوات سوريا الديمقراطية، وكل الأجسام الأخرى المدنية والعسكرية، المسيطرة على مناطق شرقي الفرات، عبر قبولها بدمجها كلها ضمن الدولة السورية، بما فيها المعابر الحدودية والمطار وحقول النفط والغاز.
كما يترجم تغليب الطرفين لغة الحوار وسعيهما وحرصهما على الابتعاد عن الاحتكام إلى لغة السلاح، ما يعني توفر العزم على جمع شتات الدولة والجغرافيا السورية وتوحيدها للانطلاق في عملية بناء سوريا الجديدة.
وبالتالي فإن ما كل سبق يشير إلى أن الاتفاق يشكل بداية تفاهم إستراتيجي طويل الأمد، شريطة أن يتم تنفيذه دون معيقات، والأمر منوط بإرادة القوى الفاعلة في قسد، ويتوقف على إمكانات وصلاحيات اللجان المشكلة من الطرفين للإشراف على تنفيذه، ضمن نطاق زمني، حدده الاتفاق بحدود نهاية العام الجاري، وبمدى تخلي قسد عن شروطها القديمة للاندماج في الجسم السوري الجديد.
فرص النجاح
قد يكون من المبكر الحكم على مصير الاتفاق، خاصة أن آليات تنفيذه لم تتضح تفاصيلها بعد، ومع ذلك يمكن القول إنه يتملك فرصًا عديدة للنجاح، وتتجسد ممكنات نجاحه في:
الدعم الشعبي الواسع، الذي عبر عنه بنزول السوريين إلى شوارع وساحات مختلف المدن السورية، تعبيرًا عن فرحتهم بالتوصل إلى الاتفاق، الذي يلبي طموحات جميع السوريين، ويحظى بتأييدهم جميعًا.
النضج السياسي الذي توفر لدى الإدارة الجديدة وقيادة قوات سوريا الديمقراطية، حيث تمكنت الإدارة السورية الجديدة من امتصاص الدعوات الانفصالية التي كانت تصدر من بعض قادة قسد، خاصة أولئك المرتبطين بحزب العمال الكردستاني التركي، فيما تخلت بالمقابل قسد عن مشاريعها الانفصالية.
الدور الإيجابي الذي لعبته قوى إقليمية ودولية، خاصة الدور الأميركي والتركي، حيث إن الاتفاق ما كان له أن يرى النور لولا دفع الولايات المتحدة قسد نحو التفاهم مع الإدارة الجديدة، وبما يتسق مع مخرجات الحوار الأميركي- التركي حول مستقبل منطقة شرقي الفرات.
الدعم العربي والدولي للإدارة الجديدة، الذي شكّل أحد عوامل الضغط على قسد وقيادتها كي تقبل بالانضواء والاندماج مع الدولة السورية، وأفضى إلى مسارعة العديد من الدول العربية والأوروبية للترحيب به، الأمر الذي يزيد من فرص نجاحه، وذلك على الرغم من مواقف كل من النظام الإيراني وإسرائيل الهادفة إلى إفشال مساعي الإدارة الجديدة، وتفتيت سوريا وتقسيمها إلى كانتونات، وبما يكرس تحويلها مناطق نفوذ موزعة على أساس طائفي أو ديني أو مذهبي.
المعيقات
بالرغم من توفر فرص نجاح الاتفاق، فإن هناك عوامل يمكن أن تعيق تطبيقه، وربما تؤدي إلى فشله، والتي يمكن تحديدها بالنقاط التالية:
كيفية اندماج قسد في الجيش السوري الجديد: هل سيتم دمجها ككتلة موحدة، أم يعاد تشكيلها من جديد تحت مظلة وزارة الدفاع، لأن هناك أصواتًا تطالب بضرورة الحفاظ على هيكليتها التنظيمية، وبقائها على ما هي عليه. فضلًا عن أن المكون الأساسي في قسد هي “وحدات حماية الشعب”، التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي في سوريا، والتي تضم عددًا كبيرًا من المقاتلين الأجانب حيث تطالب الإدارة السورية بإبعادهم عن الأراضي السورية.
مواقف المكونات الأخرى في مناطق سيطرة قسد، ويشمل ذلك العرب والسريان والآشوريين، الذين يطالبون بوجود تمثيل لهم، وهو أمر يمكن التفاهم حوله. إضافة إلى أن هناك أحزابًا كردية لا تعتبر قسد ممثلة لها، وتختلف مواقفها عنها.
شكل الحكم في سوريا، حيث إن قسد لم تتخلَّ عن دعوتها لإقامة حكم ذاتي في مناطق شرقي الفرات، واعتماد نظام لا مركزي. والسؤال هو: هل ستقبل بنظام لا مركزي على المستوى الإداري أم ستصرّ على لا مركزية على المستوى السياسي؟
سجون مقاتلي تنظيم الدولة والمخيمات التي تصر قسد على الاستمرار في إدارتها، فيما تقتضي موجبات سيادة الدولة السورية أن تكون تحت سلطتها وإدارتها. إضافة إلى علاقة قسد مع قوات التحالف الدولي لمجابهة تنظيم الدولة، ومصير القواعد الأميركية في سوريا، التي ربما سيحسم مصيرها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، والذي سبق أن أعلن عن رغبته بسحب القوات الأميركية من سوريا.
يأمل غالبية السوريين نجاح الاتفاق، وأن تنعكس تداعياته الإيجابية على إبرام توافقات أخرى مع القوى الفاعلة في الجنوب السوري. وهو ما بدأت بوادره في الظهور مع السويداء، وذلك كي يتكلل نجاح الإدارة الجديدة في تجاوز عقبات أساسية، بعدما تجاوزت محاولة عصابات بقايا نظام الأسد، وأحبطت مخططهم في السيطرة على الساحل.
ومن المهم أن يُستتبع كل ذلك بترجمة مقابلة على المسار السياسي، وخاصة الإعلان الدستوري وتشكيل حكومة انتقالية جامعة، واستكمال حل الفصائل وانضوائها في مؤسسة الجيش الوطني الجديد.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
كاتب وباحث سوري
الجزيرة
—————————–
بديل كردي لمجازر الساحل السوري/ أرنست خوري
12 مارس 2025
ليس صحيحاً أن المذابح الطائفية في اللاذقية وطرطوس كانت حتمية بالنظر إلى ما راكمه نظام الأسد من مظلوميات طائفية وكراهية بين السوريين 53 عاماً. لو كان البشر محكومين بالثأر إلى الأبد، وذاكرتهم ذاكرة فِيَلة لا تنسى ولا تُصالح ولا تغفر ولا تعقد اتفاقات ولا تسويات ولا تقدّم تنازلات، لكان الأوروبيون يتبادلون المذابح إلى اليوم انتقاماً لحروب المائة عام والثلاثين عاماً وحربين عالميتين، أوقعت ثانيتهما وحدها ما بين 60 و85 مليون قتيل. لو كانت المجازر الطائفية قَدَر السوريين كما يقول خبثاء في معرض تبرير قتل مسلحين تابعين للحكومة أو مليشيات حليفة لها 420 مدنياً غالبيتهم علويين بين يومي الجمعة والاثنين الماضيين، حسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان، لما وقّعت السلطة ممثلة في الرئيس أحمد الشرع اتفاقاً مساء الاثنين مع قائد قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، مظلوم عبدي لدمج أجهزة الإدارة الذاتية الكردية و”قسد” في الشرق السوري ضمن الدولة السورية أو ما تبقى منها، وفي مؤسّساتها المأمول ترميمها وجيشها الذي لا يزال تجمّعاً لفصائل.
والسلطة السورية، وإن لم تخطط لمجازر الساحل أو تأمر بارتكابها، فإنها تتحمل المسؤولية عنها، أولاً لأنها هي السلطة، وثانياً لأن من ارتكب الجريمة يتبع لها مباشرة أو بالواسطة. فلنتذكّر بعض ما فعلته وما لم تفعله السلطة خلال الأشهر الثلاثة الماضية: ــ أدارت البلد بحكومة من لون طائفي وعسكري وعقائدي واحد. ــ عيّنت محافظين من اللون المذهبي والعقائدي نفسه، معظمهم من النواة الصلبة المتشددة لهيئة تحرير الشام، حتى في مناطق لها هوية طائفية يناصبها الفكر التكفيري العداء وهي تبادله إياه، كاللاذقية وطرطوس. ــ حلت الجيش والشرطة بدل إطاحة قادتهما الملطخة أيديهم بدماء السوريين، والإبقاء على صغار الضباط والجنود فيهما، والنتيجة قتال على نمط “الفزعة” العشائرية في الساحل بلا قيادة ولا انضباط ولا هرمية ولا خطط، فصائل مستقلة تحارب فلول النظام ثم تقتل مدنيين وعلى طريقها تنهب وتعتدي. ــ صرفت عشرات الآلاف من الموظفين الحكوميين فأوجدت جيشاً من العاطلين من العمل ومن شباب علويين لا ينقصهم الشعور بالمظلومية ليرتموا فقراءَ في أحضان عصابات بقايا نظام الأسد. ــ لم تُحاسب أي مسؤول عن أحداث استفزاز طائفي واعتداءات متفرّقة حصلت في مناطق سكان سوريين علويين طوال الأشهر الثلاثة الماضية في حمص والساحل. ــ أحجمت عن تسمية رموز النظام الأسدي المطلوبين للمحاكمة لكي يكون واضحاً أن هؤلاء حصراً هم المعنيون بالمحاسبة، ولكي يصبح للآية “لا تزر وازرة وزر أخرى” ترجمة سياسية في الحالة السورية تبرئةً للعلويين من جرائم إرهابيين قتلوا وعذّبوا ودمّروا واستبدوا زوراً باسم طائفة حملوا اسمها. ــ لم تحدّد جدولاً زمنياً لإجراءات العدالة الانتقالية ولمحاكمة رموز النظام السابق، فلا تصوّر لديها لكيفية فعل ذلك، ولا جهاز قضائياً بتصرّفها، بما أن تسريح الموظفين وحل المؤسسات لم يستثنِ القضاة. ــ لم تستغل الترحيب الشعبي في اللاذقية وطرطوس بسقوط النظام، فلم تلجم الخطاب الطائفي التكفيري لأوساط محسوبة عليها وتعيش في كنفها. ــ لم تبعد أجانب الفصائل الجهادية في سورية معروف أنهم الأكثر تشدّداً وطائفيةً ودموية، وكان لهم دور بعضه مصوّر بالفيديو في مجازر الساحل.
هذا شيء من مسؤولية السلطة عن مجازر الساحل. أما إخبارنا عن إجرام “الفلول” وعن عددهم الكبير (أربعة آلاف مسلح كما أخبرنا محافظ اللاذقية ليس كبيراً بالمناسبة) وعن دور أجنبي ما في ما حصل، فإنه لا يقدّم جواباً لأي سؤال جدّي يتعلق بمحدودية الأفق السياسي الوطني والحكيم والخلّاق لدى السلطة في دمشق.
وكأنّه كان على مجازر الساحل السوري أن تحصل لكي يستعجل أحمد الشرع ومظلوم عبدي توقيع الاتفاق الذي سيكون تاريخياً في حال تنفيذ بنوده، لأنه سيحول دون اندلاع حرب أهلية أخرى ومجازر وكوارث وتقسيم واجتياح تركي. أيام ويظهر ما إذا كان أحد ما قد تعلم شيئاً من مجازر الساحل، فيعمل بحسن نية حتى نهاية العام (مدّة تنفيذ الاتفاق مع “قسد”)، ويصدُق في اللجان المتفق عليها بين دمشق والقامشلي، ويضغط حقاً على تركيا لتترك السوريين عرباً وكرداً يعالجون مشكلتهم العويصة، وينفتح على إحقاق الأكراد في الدستور وفي تقاسم الثروة وفي المساواة الكاملة بالمواطنة والحقوق الثقافية والسياسية، ولا ينطلق في مفاوضاته بالاستعاذة من الشيطان في حال سمع كلمة فيدرالية أو لامركزية، ولا من رفض مسبق لتحويل اسم البلد من الجمهورية العربية السورية إلى الجمهورية السورية.
العربي الجديد
——————————
اتفاق الشرع ـ عبدي: تاريخي ينتصر لسوريا موحدة مجتمعة
تحديث 12 أذار 2025
بينما كانت غالبية أبناء سوريا تضمد الجراح العميقة التي خلفتها محاولة انقلاب قادتها مجموعات من فلول النظام البائد، واقترنت بمواجهات مسلحة وإراقة دماء وأعمال عنف طائفية، تلقى السوريون نبأ سعيداً من أحمد الشرع الرئيس الانتقالي ومظلوم عبدي قائد «قوات سوريا الديمقراطية ــ قسد» أفاد بتوقيع اتفاق يصحّ اعتباره تاريخياً.
ولعل أولى دلالات نظرة تحليلية مبدئية إلى نصّ الاتفاق سوف تفيد بأن ترتيب بنوده الثمانية يراعي أولويات التنفيذ اساساً، بحيث تبدأ من «ضمان حقوق جميع السوريين في التمثيل والمشاركة في العملية السياسية» وفي مؤسسات الدولة كافة استناداً إلى الكفاءة وبغض النظر عن خلفيات المواطنين الدينية والعرقية. وفي هذا تشديد على حقوق مكوّنات المجتمع السورية المتنوعة، إثنية كانت أم دينية أم مذهبية.
وثمة مغزى خاص في أن البند الثاني ينتقل مباشرة إلى مخاطبة «المجتمع الكردي» من حيث إنه «أصيل في الدولة السورية» التي يتوجب أن تضمن «حقه في المواطنة وكافة حقوقه الدستورية». واستخدام مفردة المجتمع هنا، بدل الأقلية مثلاً أو حتى المكوّن، يشدد على فضيلة الانتماء إلى الاتحاد السوري المجتمعي أكثر من ائتلاف جماعات تتكاتف على أسس مناطقية أو إثنية أدنى من سقف المواطنة الجامع.
وكما كان منتظراً، تناولت البنود اللاحقة وقف إطلاق النار على الأراضي السورية كافة، ودمج المؤسسات المدنية والعسكرية في شمال شرق سوريا ضمن إدارة الدولة السورية الواحدة، بما في ذلك المعابر الحدودية والمطار ومحطات الثروة الوطنية من نفط وغاز. كما يضمن بند عودة المهجرين إلى بلداتهم وقراهم، على أن تتكفل الدولة السورية بحمايتهم، ويؤكد بند آخر على جوهر الانحياز الوطني والسياسي لهذا الاتفاق من زاوية «دعم الدولة السورية في مكافحتها فلول الأسد وكافة التهديدات التي تهدد أمنها ووحدتها» فيستكمله بند لاحق يشدد على «رفض دعوات التقسيم وخطاب الكراهية ومحاولات بث الفتنة بين كافة مكونات المجتمع السوري».
وأن يكون الاتفاق تاريخياً أمراً يستوجب أيضاً عدم التغافل عن حقيقة أولى مركزية، هي أن مصاعب تطبيقه ليست قليلة ولا هيّنة، والزمن المحدد للتنفيذ قصير فعلياً حتى إذا امتد على تسعة أشهر، ومبدأ كمون الشيطان في التفاصيل يظل احتمالاً وارداً. ذلك لأن الخلفيات كثيرة ومعقدة، بينها ردّ مظالم الأكراد السوريين التي تراكمت على امتداد حكم حزب البعث، وشملت الإحصاء الجائر الذي يُسقط المواطنة، أو التهجير من قرى كاملة في الشمال الشرقي من سوريا، أو القمع العسكري المباشر.
وإذا كانت «قسد» قد انتصرت إجمالاً لردّ مظالم الأكراد، فإن ارتباطها بالتحالف الأمريكي انقلب أحياناً إلى ارتهان لقوة احتلال أجنبية، وهذا سهّل ارتكاب انتهاكات واسعة رصدتها منظمات حقوقية دولية، كما أفسح المجال أمام ممارسات الهيمنة والوصاية وتعطيل بعض المؤسسات الوطنية وشيوع الفساد المالي.
وقد يجوز الافتراض بأن اتفاق الشرع وعبدي لا يسفر عن رابح أو خاسر بينهما، لأن الفائز الوحيد هو سوريا موحدة مجتمعة، في المبتدأ وآخر المطاف.
القدس العربي
—————————–
في أهمية اتفاق الشرع وعبدي/ غازي دحمان
12 مارس 2025
برّد اتفاق الرئيس السوري أحمد الشرع وقائد قوات سوريا الديمقراطية (قسد) مظلوم عبدي شيئاً من النار التي اشتعلت في صدور السوريين بعد حالة الإحباط الشديدة التي سبّبتها إدارة معركة الساحل مع فلول نظام الأسد، والتي نتجت عنها مذبحة طائفية بحقّ مئات السوريين العلويين، الأمر الذي أشاع اليأس في نفوس سوريين كثيرين، سواء الذين اعتبروا أن الصورة التي ظهرت بها الدولة التي تمثل ثورة السوريين لا تشبه طموحاتهم ولا تصوّراتهم عن سورية المستقبلية، أو نتيجة شيوع الخوف من تقسيم سورية، في ظل وجود ثلاث بؤر توتّر في شرق سورية وغربها وجنوبها، ووجود داعمين خارجيين لها.
يكشف الفرح السوري عن حجم إدراك غالبية السوريين المخاطر التي وقفت سورية على عتبتها في الأيام الأخيرة، وفي ظل سقوط أقنعة بعض الأطراف المحلية والخارجية وكشف نياتها في تأييد مشاريع التقسيم وإعادة هندسة سورية وفق مخطّط بدا أنه مرغوب من فاعلين خارجيين، تتقدّمهم إسرائيل وإيران.
أهمية “قسد” في هذا السياق أنها تشكّل أكبر الكتل العسكرية خارج وزارة الدفاع التي شكّلتها الحكومة السورية المؤقّتة، حيث ينضوي تحت لوائها حوالي مائة ألف مقاتل يعتبرون الأكثر تنظيماً وتدريباً في سورية، فضلاً عن امتلاكهم أسلحة حديثة، وسيطرتهم على أهم مناطق الثروة في سورية، والتي تشكّل عودتها إلى سورية فرصةً أكيدةً لتحسين الوضع الاقتصادي الذي وصل إلى وضع مزرٍ يُنذر باحتمالات هز الاستقرار الهشّ أصلاً.
الأهم أن إدماج “قسد” في هياكل الدولة والجيش السوري ينهي الرهانات التي بنتها أطرافٌ محليةٌ وخارجيةٌ في إمكانية أن يشكّل الأكراد قاطرة لقيادة أحلامهم في تقسيم سورية، أو على الأقل لتحويل سورية إلى دولةٍ فيدراليةٍ تسمح للفاعلين الخارجيين بتحقيق السيطرة على جزء من سورية بدون حروب وصراعات وضمان بقاء المركز في دمشق ضعيفاً وغير مؤثّر، ما يعني أن هذا الاتفاق سيدفع الفاعلين المذكورين إلى إعادة حساباتهم، وحتى تعديلها للتكيّف مع التطور الجديد الحاصل بعد الاتفاق.
وكانت إسرائيل قد حذّرت من احتمال حصول اتفاقٍ بين القامشلي ودمشق، الذي رأت فيه ضربةً لمشروعها الجيوسياسي وخططها في سورية، الذي يرتكز على التخوف على مصير الأقليات في سورية، ولا سيّما الأقليات العرقية ممثلة بالأكراد، التي ستقع بين نار أردوغان في الشمال والشرع في الجنوب، وبخلاف الدروز في الجنوب والعلويين في الغرب، فإن للكرد علاقات واسعة مع الغرب، كما أنهم عرقية مختلفة عن العرب، وبالتالي يملكون بعض المشروعية في الاستقلال بمناطقهم، أو الحصول على وضع يحفظ لهم إدارة شؤونهم الذاتية التي أسّسوها منذ السنوات الأولى للثورة السورية.
ينطوي اتفاق الشرع عبدي على مؤشّر مهم جدّا يتمثل بوجود موافقة أميركية على الاتفاق، وهو أمر جاء من خارج سياق التوقعات، ولا سيما أن إدارة ترامب تتخذ موقفاً سلبياً من الإدارة السورية الجديدة، عبّرت عنها تصريحات نائب الرئيس جي دي فانس، الذي شكّك بانتصار الثوار على نظام الأسد، وشبه هذا الانتصار بالتقدم الذي حققه الجهاديون في السابق، والذي نجمت عنه انتهاكات لحقوق الإنسان طاولت الأقليات، وخاصة المسيحيين، وكذلك تصريحات وزير الخارجية ماركو روبيو بعد أحداث الساحل السوري وإدانته لما وصفه بـ”الإرهاب الإسلامي”، وإعلان وقوفه إلى جانب الأقليات في سورية.
يؤكّد الاتفاق مقولة ترامب بعدم أهمية سورية بالنسبة لأميركا، لأنها لا تضيف شيئاً مهماً لها، لكنه في الوقت نفسه يعني أن أميركا لن تنخرط بمشروع تقسيم سورية أو عرقلة إعادة دمجها في المحيطين الإقليمي والدولي، صحيح أن واشنطن ما زالت تمسك بورقة العقوبات التي بدون رفعها ستعاني سورية كثيراً في المرحلة المقبلة وقد ينتج عن استمرارها تهديد للسلم الأهلي بشكل فعلي، حسب تقرير نشرته مجلة الإيكونومست والتي حذرت من المخاطر القادمة على سورية، التي يركع اقتصادها على ركبتيه، حسب وصف الصحيفة، والنتائج الاجتماعية الخطيرة لاستمرار هذا الوضع.
وثمّة أهمية للاتفاق، تتمثل بمصداقية الدول العربية في احتضان سورية وإخراجها من أوضاعها المزرية والحفاظ على وحدتها وحمايتها من التقسيم، إذ ثمّة دور لعبته السعودية، التي تملك خطوط اتصال مع قيادة “قسد” في سياق مساعي السعودية إلى ترسيخ قيادتها الإقليمية، وتعزيز دورها في لحظة إقليمية ودولية، تحاول بعض الأطراف عبرها إعادة تشكيل المنطقة وتوجهاتها السياسية وصياغة أدوارها المستقبلية.
ولكن لا يمكن فصل هذا التطور عن النداء الذي وجّهه الزعيم التاريخي لحزب العمّال الكردستاني عبد الله أوجلان، المؤثر الأكبر على فكر قيادة “الإدارة الذاتية” الكردية في شرق سورية ونهجها، إذ يأتي الاتفاق نتيجة مفاعيل التحوّل الحاصل لدى “العمّال الكردستاني”، واحتمال التوصل إلى اتفاق مع تركيا، وبالتالي إخماد الصراع الذي استمرّ عقوداً.
يمكن القول إن الاتفاق بين الشرع وعبدي خطوة مهمّة في طريق معافاة سورية وخروجها من دائرة الخطر، لكن هذه الخطوة، على أهميتها، ستبقى ناقصةً إذا لم يتم تصحيح السياسات التي تؤدّي إلى تهميش بعض المكونات السورية، واستبعاد فئات كثيرة من المشاركة في صنع القرار، وإعادة تنظيم القوى الأمنية والعسكرية بشكل احترافي، حتى لا يجري تكرار الأخطاء التي وقعت في الآونة الأخيرة، وكادت أن تودي بمستقبل سورية ووحدتها.
العربي الجديد
————————–
تحولات سورية.. تمرد الساحل والاتفاق مع قسد/ عدنان علي
2025.03.12
التطورات المتسارعة على الساحة السورية، سواء من جهة تمرد الفلول في الساحل السوري، أم الاتفاق المفاجئ بين الرئيس أحمد الشرع وقائد قوات “قسد” مظلوم عبدي بشأن انخراط قواته في الدولة، وإن كانت تشير إلى أن الوضع السوري ما زال بعيداً عن الاستقرار، لكنها تؤكد في الوقت نفسه قدرة القيادة في دمشق على التعامل مع الملفات الساخنة والصعبة، بالرغم مما تحمله من تحديات، محلية وخارجية.
لقد شكل تمرد الفلول أقصى اختبار للدولة الوليدة التي كان عليها تحقيق المعادلة الأصعب لجهة التعامل بسرعة وحزم مع هذا التطور لتطويقه ومنع توسعه من جهة، وبحكمة وتعقل من جهة أخرى، وسط الكثير من المحاذير المحلية ذات البعد الطائفي، والخارجية التي تراقب عن كثب سلوك السلطة، ومدى تقيده بالمعايير الحقوقية والأخلاقية، مع ربط كل ذلك ضمناً باستكمال الاعتراف بالسلطة الجديدة، ورفع العقوبات المفروضة على البلاد.
ورغم حدوث بعض الانتهاكات التي أقرتها السلطة، وشكلت لجان تحقيق فيها، إلا أن أداء الحكومة كان مقبولاً بشكل عام، واستطاعت بما تملكه من إمكانيات محدودة، القيام بدرو الدولة المسؤولة عن كل مواطنيها، وليس عن جزء منهم فقط.
ولا شك أن الحكم على أداء الدولة لن يستكمل إلا بعد صدور نتائج لجان التحقيق التي تشكلت، على أمل أن تكون جدية ومقنعة، وبعيدة كلياً عن صورة لجان مماثلة تشكلت في عهد النظام المخلوع.
والتطور الأهم، والذي قد يكون على صلة غير مباشرة بالتطور الأول، هو الاتفاق بين قسد ودمشق، والذي جاء ثمرة مفاوضات غير معلنة بين الجانبين استمرت لأسابيع، تحت رعاية أميركية وتركية، وربما شاركت فيها أيضاً أطراف إقليمية أخرى.
وهذا الوقت المديد الذي استغرقته المفاوضات، أتاح لكلا الجانبين التعرف بدقة على مطالب الجانب الآخر، وتمييز ما هو أساسي وجوهري في هذه المطالب، عما هو شكلي أو “تفاوضي” مع اختبار نقاط قوته، ومدى صلابة تحالفاته المحلية والخارجية. ومن هنا، يصح القول: إنه اتفاق ناضج إلى حد بعيد، ولم يجر سلقه تحت ضغط ظروف طارئة.
ولكن يصح القول أيضاً إنه اتفاق ضرورة لكلا الطرفين، ذلك أن قيادة قسد، وفي قراءاتها للمشهد الدولي، لا بد أنها لمست ميلا أوروبيا ودوليا يدعم استقرار الوضع في سوريا، بينما لا يظهر حليفها الأميركي اكتراثاً كبيراً بهذا الوضع، مع احتفاظ الرئيس دونالد ترمب برغبته القديمة في سحب قوات بلاده من سوريا التي يرى فيها من منظوره الاقتصادي “تجرة خاسرة”، لن تستفيد منها واشنطن بشيء، بغض النظر عمن يحكم البلاد، ذلك أن استمرار الوجود الأميركي في سوريا، كان بناء على طلبات ونصائح من بعض مسؤولي البنتاغون والخارجية الأميركية، إضافة إلى إسرائيل التي لديها مآرب أخرى من هذا الوجود، لا تتصل بتحقيق المصالح الأميركية، بل بمساعيها لدوام إضعاف الدولة السورية، عبر حرمانها من ثروة النفط، وإثارة صراع عربي كردي يستنزف هذه الدولة، ويغري مناطق سورية أخرى بتقديم مطالب مماثلة.
لا شك أن هذا الاتفاق سوف يعيد تشكيل التحالفات داخل سوريا وحولها، على المديين المباشر والطويل، لأنه يجمع أكبر قوتين في سوريا ضمن جسم واحد، ما يشكل إضافة نوعية للدولة الجديدة، في حال أخذ طريقه للتطبيق، برغم العقبات العديدة المتوقعة، عند الوصول إلى التفاصيل.
المكسب الأكبر الذي يغري قسد في تنفيذ الاتفاق هو تضمنه لبند خاص بوقف كل أشكال الحرب في سوريا، بما يشمل وقف هجمات الفصائل المدعومة من تركيا على مناطق سيطرة قسد، ووقف الهجمات التركية نفسها، بما فيها الغارات الجوية، إضافة لانتزاع اعتراف الإدارة بدمشق بسلطة قسد كممثل للأكراد في سوريا، سيكون لها حصة في إدارة مناطقها وفي المؤسسات المركزية في دمشق، مثل الجيش والبرلمان المقبل والحكومة، والإدارات المختلفة.
أما الحكومة المركزية في دمشق، فإن الإتفاق سيتيح لها بسط سلطة الدولة على كامل الأراضي السورية، بما فيها حقول النفط والغاز والمعابر الحدودية، فضلا عن إشراك قوات قسد التي ستنضم للجيش السوري في محاربة “فلول الأسد” وكل التهديدات التي تهدد أمن البلاد ووحدتها، وهو ما قد يثير التكهن بإمكانية الاستعانة بقوات كردية الى جانب الأمن العام، لضبط الأمن في مناطق الساحل، ما يخفف من حدة الاحتقان هناك، نظرا لعدم وجود حساسية طائفية من جانب أبناء الساحل إزاء المكون الكردي.
كما أن هذا الاتفاق سوف يسهل على الإدارة في دمشق إحراز تفاهمات مماثلة في الجنوب السوري، خاصة إذا تكللت بالنجاح خطوات اندماج قوات قسد بالجيش السوري، ما سيضيف قوة نوعية لهذا الجيش، ستمكن إيرادات النفط المتوقعة من تحسين قدراته، ودفع رواتب منتسبيه.
وفي الخلفية، سوف يسهم الاتفاق في تجريد قسد من مكونها العربي، حيث إن غالبية المنتسبين إليها هم من العرب، وإن كانت قيادتها الفعلية بيد المكون الكردي، وهذا سيضيف للجيش قوة مدربة وموثوقا بها إلى حد بعيد.
والخلاصة، أن الاتفاق هو نصر سوري خالص، سوف يسهم أيضاً إلى حد بعيد في تحييد محاولات بعض القوى الخارجية للعبث بالوضع الداخلي السوري، وخاصة إسرائيل، التي عرضت غير مرة خدماتها لبعض المكونات السورية، على أمل تفتيت الدولة السورية، ومنع وحدتها.
تلفزيون سوريا
———————-
دمشق و”قسد”: اتفاق الضرورة ومواكبة المتغيرات/ أدهم جابر
الأربعاء 2025/03/12
لم تكد تمضي أيام على دعوة زعيم “حزب العمال الكردستاني” عبدالله أوجلان حزبه إلى نبذ العنف والتخلي عن السلاح، حتى أثمرت اتفاقاً بين قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، والإدارة السورية الجديدة، لتصدق التوقعات التي كانت أشارت إلى تأثير إيجابي لتلك الدعوة على إعادة تموضع الأكراد في سوريا.
يمكن القول إن الاتفاق، يعكس تبدّل المفاهيم لدى الأكراد، الذين وجدوا، بعد عقود من النزاع، أن استقرار مناطقهم ومصلحتهم العامة، يجب أن يتقدّما على أي أحلام تتعلق بالانفصال وتشكيل كيانٍ داخل الأراضي السورية، لن يجلب لهم سوى الحرب وما يرافقها من قتل وخراب ودمار.
بذرة أوجلان وعوامل أخرى
وإذا كانت دعوة أوجلان، شكّلت البذرة التي أسست لاقتناع الأكراد بالتحوّل، فإن عوامل أخرى لعبت دوراً في حياكة الاتفاق أهمها:
أوّلاً، ما يتعلق بالتاريخ، إذ أمضى الأكراد سنوات طويلة تحت مظلة نظام البعث البائد، تخللتها واحدة من أسوأ تجاربهم، حيث جرى التعامل معهم في تلك الحقبة على أنهم أقلية غير مرغوب فيها، في ظل محاولات حثيثة وعملية لإخراجهم من جلدهم وإلباسهم عباءة العروبة رغماً عنهم. من هنا وجد الأكراد أنفسهم أمام معضلة، فإمّا الذهاب إلى حرب أوسع، أو خوض تجربة مختلفة كلياً عمّا عاشوه، مع حكم جديد من خلال الاستثمار في التقارب الذي نشأ مع سلطة دمشق، بعد سلسلة من المشاورات والمحادثات المتكررة، فكان الخيار الثاني وذهب الأكراد إلى إبرام الاتفاق.
ثانياً، الأحداث التي تشهدها المناطق الساحلية في سوريا، وتخللتها اشتباكات وانتهاكات ذهب ضحيتها الآلاف من المدنيين ومن رجال الأمن السوريين. فهذا المشهد شكّل حالة من الهلع والخوف لدى كل المكونات السورية، وليس العلويين فقط، خصوصاً في ظل الجنون الدموي لبعض الفصائل، وعلى رأسها “العمشات” و”الحمزات”، والتي أسرفت في القتل من دون حسيب أو رقيب، وكأنها تستغل بذلك حالة الاحتضان العربي لسلطة الرئيس أحمد الشرع، بالإضافة إلى احتضان شعبي تمثّل في طائفة معينة، كانت ترى نفسها حتى الأمس القريب مقموعة ومقهورة، وعانت ما عانته من نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد، وجاءتها الفرصة لتحقيق انتقامها وإن على يد “الأجنبي” القادم إلى سوريا لـ “الجهاد” انطلاقاً من خلفية دينية تكفيرية، لا ترى في الآخر سوى مشروع قتل وسبي وهدر دم. هذه التطورات وما رافقها من مشاهد غلبت على المشهد الكردي، ففضّل الأكراد الجنوح إلى السلم فجنح الشرع معهم.
ثالثاً، أحداث الساحل نفسها، أجبرت أنقرة على إعادة النظر في سياساتها تجاه الأكراد، ولو مرغمةً، فهي من ناحية لا تريد التنازل والاعتراف بأي حق كردي في تأسيس دولة مستقلة، وفي الوقت نفسه، لا ترغب بانفلات الأوضاع الداخلية في سوريا والانزلاق إلى حرب أهلية قد يكون أول المتضررين منها، الإدارة السورية الجديدة، وهذا ما سينعكس بدوره على نفوذها في سوريا، وتراجعه لمصلحة إسرائيل التي سارعت إلى تبني حماية “الأقلية” الدرزية، فيما تعمل تركيا منذ سنوات على تكريس حكم في دمشق، يؤمن لها مصالحها القومية والاستراتيجية. وعلى ذلك ترجمت أنقرة تنازلاتها بإشارات إلى الشرع، جعلته يسرّع في توقيع الاتفاق، لكن ضمن خطوط حمراء تركية بأن لا دولة كردية مجاورة مهما بلغ أو كلّف الأمر.
رابعاً، التحوّلات التركية تلتقي في جانب منها مع الرغبة والمساعي العربية الهادفة، إلى المحافظة على وحدة سوريا وأمنها واستقرارها. فالعرب، وإن اختلفوا في بعض التفاصيل، لكنهم لا يرغبون برؤية سوريا ذات لون طائفي واحد، بل على العكس تماماً إن عدم استقرار سوريا، ودخولها في حرب أهلية، لن ينعكس فقط على الداخل السوري، وإنما على المنطقة العربية ككل، وبالتالي لا مصلحة لهم، أقله في الوقت الراهن، في رؤية بلاد الشام مقسّمة ومفتتة إلى دويلات طائفية ومذهبية تعيش حالة من التناحر والاقتتال في ما بينها، ويمكن استغلالها من قبل أطراف خارجية، ما يهدد الأمن والسلم العربيين، وبالتالي فإن الهدف هو المحافظة على سوريا المتعددة طائفياً، على أساس أن التنوّع غنى وأنه يمكن اعتبار الطوائف نعمة بدلاً من نقمة الطائفية.
قراءة المشهد
إذاً، بالنسبة إلى الأكراد السوريين، فقد قرأوا المشهد العام بعناية، وأدركوا أن مواكبة المتغيرات الإقليمية والعربية والدولية، في سبيل مستقبل أفضل والمصلحة العامة، خير من الاستمرار في حرب لا متكافئة في مواجهة سلطة كشّرت عن أنيابها، من أجل تثبيت حكمها بالبارود والنار. وهنا فإن ما فعله الأكراد يمكن النظر إليه بأنه مبادرة لحماية “الذات”، ومن ناحية ثانية، مسعى لتجنيب المكوّنات الأخرى، وبينهم العلويون ضمناً، المذابح التي تُرتكب بحقهم، وإجهاض أي محاولة من قبلهم للمطالبة بالانفصال أو طلب الحماية الدولية لمواجهة النظام الإسلامي الوليد في سوريا. بالإضافة إلى كونها محاولة لمساعدة الدولة السورية على تحقيق الأمن والاستقرار لكل المواطنين، من خلال إرساء نظام حكم لا يتّخذ من القتل سبيلاً لتعزيز أركانه، في وقت يمكنه اعتماد الحوار والتفاهم من أجل إبرام اتفاقات تعزز اللحمة السورية. وعليه يمكن القول إن الأكراد وتحديداً “قسد”، قدّمت خدمة إلى السلطة السورية الجديدة هي في أمس الحاجة إليها، في ظل أحداث الساحل الدموية، وهذا يفرض على السلطات استغلال التطورات وإجراء مراجعة سريعة لما جرى في غرب سوريا، وأخذ الدروس والعبر منه، والبناء عليه في رحلة البحث عن اتفاق مع العلويين مشابه للذي أبرم مع الأكراد.
لا شكّ أن التقارب العلوي مع السلطة الجديدة، دونه تحديات يتعين على دمشق معالجتها أولاً، والمتمثلة بأن من يتصدّر المشهد في الساحل حالياً هي جماعات وفلول تناكف الشرعية السورية، فيما الحاجة هي إلى ممثل جامع للعلويين يكون مستعداً للاتفاق مع الشرع. وفي المقابل، فإن العلويين مطالبون بمواكبة التطورات إذ لا يجب قراءة الاتفاق الكردي بأنه تخل عن الحقوق، ولكن اعتباره بمثابة تحوّل ضروري لانتهاج السبل السياسية والوسائل السلمية واعتماد الوفاق في نسج العلاقات بين السلطة والمكونات، من ناحية، والمكونات في ما بينها من ناحية أخرى، وكل ذلك من أجل الوصول إلى سوريا سيدة حرة مستقرة تجمع السوريين ولا تفرقّهم.
المدن
—————————-
هل حرّكت طهران خلاياها في الساحل لإفشال خطة واشنطن؟/ علي تمي
2025.03.12
بعد إجازة طويلة، عاد المبعوث الأميركي إلى سوريا، سكوت بولز، إلى الحسكة حاملًا في جعبته ملفات حساسة تتعلق بخطة إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب للتعامل مع منطقة شرق الفرات، التي باتت شبه مستقلة عن حكومة دمشق بعد سقوط نظام الأسد المخلوع.
خلال زيارته، التقى بولز بقوات سوريا الديمقراطية (قسد) والمجلس الوطني الكردي في 3 آذار المنصرم، حيث أبلغهم برؤية الإدارة الأميركية لسوريا المستقبلية: لا نظام فيدرالياً، لا نظام أقاليم، وانسحاب قسد من سد تشرين في أقرب وقت ممكن، مع دعم واشنطن للحكومة المركزية في دمشق وضمان حقوق الكرد الثقافية والسياسية ضمن سوريا الجديدة.
ما إن انتهى هذا اللقاء في القامشلي، حتى سارعت إيران إلى التحرك على المستويين السياسي والميداني، محاولةً استغلال الفرصة قبل فوات الأوان.
تحرك إيراني غامض
منذ سقوط بشار الأسد قبل نحو ثلاثة أشهر بيد الفصائل المعارضة، لم تُخفِ طهران رفضها للوضع الجديد. فقد أكد المرشد الأعلى علي خامنئي في عدة خطابات أن المناطق السورية التي وصفها بـ”المحتلة” سيتم “تحريرها بلا شك على أيدي الشباب السوري الشجاع”.
وفي 3 يناير، كرر موقفه دون الإشارة إلى الحكام الجدد في دمشق، لكنه حذّر من مغبة “الاغترار بالقوة الحالية”.
متابعة تصريحات القادة الإيرانيين بعد سقوط نظام الأسد تشير إلى أن طهران كانت تطبخ على نار هادئة للإطاحة بالحكومة الجديدة في دمشق عبر تحريك خلاياها في مختلف المناطق، إلا أن الرياح جاءت بما لا تشتهي السفن.
فقد وجّه وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، تحذيرًا مباشرًا لإيران قائلًا: “من بنى بيته من الزجاج، عليه ألا يرمي بيوت الآخرين بالحجارة”.
بعض المراقبين اعتبروا هذا التصريح مجرد رسالة تحذيرية، لكن الأحداث سرعان ما كشفت عن المستور، وتبيّن أن الرجل كان يعلم جيدًا ما يدور في الخفاء.
بعد 24 ساعة فقط، شهدت سوريا تحركًا انقلابياً منظمًا في الساحل وشرق الفرات، بقيادة مشتركة. إلا أن الاستعجال في تنفيذ المخطط أدى إلى كشفه، مما سمح لواشنطن وأنقرة بإحباطه سريعًا.
فالمعلومات تشير إلى أن ماهر الأسد، الذي قاد العمليات من داخل العراق، فشل في تحريك الجبهات بسبب التحرك الأميركي-التركي المشترك، وتحذير الميليشيات الإيرانية من أي تحرك قرب الحدود العراقية سيتم استهدافه، وبالتالي وجد الانقلابيّون أنفسهم محاصرين في الساحل دون وصول الدعم من الجبهة الشرقية والبادية السورية .
ما علاقة موسكو بهذا التحرك؟
روسيا، التي كانت تسيطر على كامل الجغرافيا السورية من طرطوس إلى القامشلي، وجدت نفسها في مأزق بعد سقوط النظام المخلوع.
فقد وجدت نفسها بين نارين: إما الانسحاب من سوريا، أو مواجهة الحكومة الجديدة المدعومة من الغرب، ودول الخليج، وتركيا. لذلك، دعمت إيران بشكل غير مباشر في محاولتها تغيير قواعد اللعبة على الأرض من جديد.
السبب الآخر لدعم موسكو للتحرك الإيراني هو الضغط الذي مارسته الحكومة الجديدة في دمشق لإعادة السيطرة على ميناء طرطوس، واسترجاع الأموال السورية المجمدة في المصارف الروسية. ورغم إعادة موسكو جزءًا من هذه الأموال، إلا أن الموقف شكّل لها إحراجًا دوليًا.
كما حاولت موسكو الضغط على دمشق لقبول اتفاقية جديدة تضمن بقاء قواعدها العسكرية داخل سوريا. ويبدو أن القيادة السورية وافقت على هذا الأمر، مما يفسر غياب الدعم الجوي الروسي للانقلابيين في الساحل.
المعلومات المتداولة تشير إلى أن الرياض لعبت دور الوسيط في هذا الملف، حيث جرى الاتفاق على بقاء قاعدة حميميم، مقابل عدم مشاركة الطيران الحربي الروسي في العمليات الجوية لمساندة فلول النظام المخلوع في الساحل.
خلاصة القول
طهران خسرت المعركة مجددًا، وأخطأت في حساباتها. إعادة ضبط الأوضاع في الساحل أصبحت مسألة وقت فقط، وستعود الأمور إلى الأمان والاستقرار. أما التغيير المفاجئ في خطاب قسد تجاه دمشق، فجاء مباشرة بعد فشل الانقلاب، إذ أعلنت أنه “لا وجود لفلول النظام المخلوع في مناطق سيطرتها”، مؤكدةً أن الحل الوحيد للأزمة السورية هو الحوار السوري-السوري.
يبدو أن قسد فهمت الدرس وقرأت المشهد جيدًا، وأدركت أن التعويل على تحريك ورقة الساحل والسويداء، بناءً على تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، لم يعد مجديًا، وأن هناك توافقًا دوليًا وإقليميًا على دعم الحكومة الجديدة في دمشق. كما أن إدارة ترامب تتجه نحو التقارب مع موسكو وأنقرة لتشكيل تحالف عسكري وسياسي، في إطار مواجهة التمدد الصيني في شمال شرق آسيا وأفريقيا، حيث تسعى بكين لمنافسة واشنطن في سوق السلاح العالمي، خصوصًا في القارة الأفريقية.
في المحصلة، فشل الانقلاب الإيراني في الساحل، وانتهت معه محاولات طهران للسيطرة على الموانئ البحرية السورية.
عقارب الساعة في سوريا لن تعود إلى الوراء بعد الثامن من كانون الأول/ديسمبر 2024، مهما كانت المخططات والمؤامرات، لأن الشعب السوري قال كلمته: لن يسمح لإيران بالعودة إلى المشهد السوري عبر أذرعها مهما كلّف، ووجودها العسكري في سوريا أصبح من الماضي.
تلفزيون سوريا
——————————
تفاهمات “قسد” ودمشق… اتفاق تأسيسي لـ”سورية الجديدة”/ محمد أمين
12 مارس 2025
وقّع الرئيس السوري أحمد الشرع، أول من أمس الاثنين، اتفاقاً مع قائد قوات سوريا الديمقراطية (قسد) مظلوم عبدي، يُجمع كثر على وصفه بالتاريخي والتأسيسي لسورية الجديدة، خصوصاً أنه ترافق أيضاً مع حراك على خط السويداء تخلله اجتماع بين الشرع وعدد من نشطاء السويداء. وأهمية تفاهمات “قسد” ودمشق تحديداً، لا تنبع فحسب مما تضمنه الاتفاق من بنود تعترف لأول مرة بـ”المجتمع الكردي مكوّناً أصيلاً في الدولة السورية، وضمان حقوقه الدستورية وحق المواطنة” فضلاً عن وقف إطلاق النار ودمج “قسد” في مؤسسات الدولة، بل لما تضمنه أيضاً من بنود أخرى كلّها تدفع باتجاه وحدة البلاد، وهو ما من شأنه إذا ما أضيف إلى تسريبات اتفاق السويداء، قطعُ الطريق أمام محاولات أطلّت بُعيد سقوط نظام بشار الأسد المخلوع في الثامن من ديسمبر/كانون الأول الماضي، لتحويل البلاد إلى “كانتونات” طائفية وعرقية متحاربة.
أهمية تفاهمات “قسد” ودمشق
وتكتسب تفاهمات “قسد” ودمشق أهميتها أيضاً من توقيتها بعد أيام من جرائم طائفية واسعة النطاق، تزامنت مع هجوم فلول النظام على الأمن في الساحل السوري، وما تبع ذلك من حملة عسكرية أطلقتها وزارة الدفاع لمطاردة الفلول، تخللتها عمليات قتل طائفي استهدفت مدنيين، ما أثار مخاوف جميع الأقليات، كما يأتي الاتفاق بعد دعوة زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان أواخر الشهر الماضي للحزب بحل نفسه وإلقاء السلاح، والذي ينتظر أن يترجم ليس في تركيا فحسب، بل في أماكن انتشار الحزب، بما في ذلك في سورية والعراق.
وفيما أدت الولايات المتحدة دوراً في تسهيل التفاوض الذي بدأ قبل فترة على الاتفاق، وترجم بأكثر من زيارة لمظلوم عبدي إلى دمشق، تزامن توقيت الاتفاق مع الموقف الأميركي الذي يميل للانسحاب من سورية. ويساعد الاتفاق، إذا ما انتقل إلى مرحلة التطبيق، على قطع الطريق أمام محاولات تقسيم البلاد ودفعها إلى سيناريوهات دموية أكثر عنفاً، فضلاً عن كونه أعاد نحو ثلث البلاد الغني بالثروات إلى سلطة الحكومة المركزية في دمشق، وهو ما يتطلب ليس إرادة محلية للأطراف السورية فحسب، بل دعماً أيضاً من تركيا على وجه التحديد، لا سيّما أن الأخيرة لم تتوقف عن التلويح بعملية عسكرية في شمال سورية ضد “قسد” و”وحدات حماية الشعب” الكردية، خصوصاً أن الجانب التركي يعتبر هذه القوات نسخة سورية من حزب العمال الكردستاني.
ورداً على تفاهمات “قسد” ودمشق أعلن مسؤول تركي، لوكالة رويترز أمس الثلاثاء، أن أنقرة تشعر “بتفاؤل حذر” تجاه الاتفاق بين “قسد” والسلطات السورية، مضيفاً أن تركيا تريد رؤية كيف سيُنفّذ الاتفاق أولاً، وقال: “لقد قدم التنظيم الإرهابي وعوداً من قبل أيضاً، لذلك نحن ننظر إلى التنفيذ بدلاً من التعبير عن النيّات هنا”، وأعلن أن الاتفاق “لم يغيّر من عزم تركيا على مكافحة الإرهاب”، وقال: “من غير المقبول أن يدخل هؤلاء الأشخاص (وحدات حماية الشعب) المؤسسات السورية دون كسر تسلسل قيادتهم. ثم هناك تسلسل قيادي داخل سلسلة قيادية. من المهم بالنسبة لهم أن يكونوا مندمجين، لا يدخلون مع الاستمرار في كونهم وحدات حماية الشعب”، مشدداً على أن أنقرة ما زالت مصرة على مطلبها، وهو تفكيك ونزع سلاح “الوحدات”.
وفي وقت لاحق، اعتبر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أمس، في كلمة له خلال مأدبة إفطار أقيمت في أنقرة مع مواطنين فلسطينيين، على أن “أي جهد يبذل لتطهير سورية من الإرهاب هو خطوة في الاتجاه الصحيح”. وأضاف الرئيس التركي أن “التنفيذ الكامل للاتفاق الذي تم التوصل إليه أمس سيخدم أمن سورية”.
ثمانية بنود في الاتفاق
وتضمن الاتفاق بين الشرع وعبدي ثمانية بنود هي “ضمان حقوق جميع السوريين في التمثيل والمشاركة في العملية السياسية ومؤسسات الدولة كافة بناء على الكفاءة بغض النظر عن خلفياتهم الدينية والعرقية”، و”التأكيد على أن المجتمع الكردي مكوّن أصيل في الدولة السورية، وضمان حقوقه الدستورية وحق المواطنة”، كما أعلن الاتفاق وقفاً لإطلاق النار، و”دمج المؤسسات المدنية والعسكرية في شمال وشرق سورية كافة ضمن إدارة الدولة، بما يشمل المعابر الحدودية والمطارات وحقول النفط والغاز”، فضلاً عن ضمان عودة المهجرين السوريين كافة إلى بلداتهم وقراهم وتأمين حمايتهم من الدولة السورية، ودعم الدولة السورية في مكافحتها لفلول الأسد وكل التهديدات التي تهدد أمنها ووحدتها، ورفض دعوات التقسيم وخطاب الكراهية ومحاولات بث الفتنة بين مكونات المجتمع السوري كافة. وأخيراً نص على أن تعمل وتسعى اللجان التنفيذية على تطبيق الاتفاق، بما لا يتجاوز نهاية العام الحالي. في المقابل لم يتطرق الاتفاق إلى مصير السجون الخاضعة لسيطرة “قسد” التي تضم مقاتلي تنظيم داعش.
وفي إطار تفاهمات “قسد” ودمشق فإنه من المفترض “تطبيق الاتفاق في مدة لا تتجاوز نهاية العام الحالي من خلال لجان تنفيذية مختصة”، في محاولة للتغلب على التحديات التي من المتوقع أن تواجه الاتفاق. وكتب عبدي، في منشور على منصة إكس مساء أول من أمس، أن “الاتفاق فرصة حقيقية لبناء سورية جديدة تحتضن جميع مكوّناتها وتضمن حسن الجوار”، مضيفاً أنه “في هذه الفترة الحسّاسة، نعمل سوياً لضمان مرحلة انتقالية تعكس تطلعات شعبنا في العدالة والاستقرار”. وتحدث الاتفاق عن عناوين عامة عالقة بين الإدارة الجديدة و”قسد”، ولم يخض بالتفاصيل، وتركها للجان مشتركة منوط بها البتّ في هذه التفاصيل، من المفترض تشكيلها خلال الأيام القليلة القادمة وفق مصادر مطلعة في دمشق. وهناك العديد من القضايا الشائكة التي يمكن أن تواجه تفاهمات “قسد” ودمشق لعل أبرزها مصير السلاح الذي تمتلكه قوات سوريا الديمقراطية، الذي قُدّم لها من التحالف الدولي لمحاربة “داعش”، وكان التحالف شكّل هذه القوات في عام 2015 وجعل من وحدات “حماية الشعب” الكردية على رأسها، خاصة لجهَتي القيادة والتوجيه، وخاضت هذه القوات، تحت غطاء ناري من طيران التحالف، حرباً طويلة الأمد مع التنظيم بدأت في ذلك العام، وانتهت مطلع 2019. وخرجت هذه القوات من الحرب لاعباً بارزاً في المشهد العسكري السوري، فشكلت “إدارة ذاتية” للإشراف على المناطق التي باتت تحت سيطرتها في محافظات الرقة ودير الزور والحسكة وبعض ريف حلب والتي تعد “سلّة غذاء” سورية ومستودع الثروات، وكان عبدي قد كشف، في حديث صحافي، أواخر العام 2019، أنّ عدد هذه القوات هو 80 ألفاً، إضافة إلى 30 ألفاً من قوات الأمن الداخلي.
تعزيز لوحدة الأراضي السورية
واعتبر رياض درار، وهو الرئيس السابق لمجلس سوريا الديمقراطية (الجناح السياسي لقسد)، في حديث مع “العربي الجديد”، في تفاهمات “قسد” ودمشق تعزيزاً لـ”وحدة الأراضي السورية وضمان حقوق جميع المكونات”، كما اعتبر الاتفاق “خطوة جادة من الطرفين”، مشيراً إلى أن تنفيذه “يعتمد على مشاركة جميع المكونات وتأكيد تطبيق حقوق الإنسان”، غير أن درار رأى أن “هذا الاتفاق ربما يتسبب في الضرر لبعض الأطراف والمصالح”، مشيراً إلى أن أبرز هذه الأطراف “فلول النظام السابق التي كانت تستفيد من حالة الانقسام والفوضى لتحقيق مصالحها، خاصة أن الاتفاق ينص على دعم الدولة في مكافحة فلول الأسد والتهديدات كافة التي تمس أمن ووحدة سورية”. وأعرب عن اعتقاده أن “الجماعات المتطرفة والتنظيمات المتشددة والفصائل المسلحة قد تجد نفسها محاصرة مع توحيد الجهود العسكرية تحت مظلة الدولة”، وبرأيه فإن “الاتفاق قد يهدد مصالح القوى الأجنبية التي كانت تستفيد من استمرار حالة عدم الاستقرار في سورية، خاصة إذا كانت تدعم فصائل أو جماعات معينة لتحقيق أجنداتها”.
ولطالما كانت “قسد” في مرمى استهداف القوات التركية، التي شنت ضدها أكثر من عملية برية، فضلاً عن الحرب الجوية المفتوحة منذ سنوات عدة، ومن المفترض أن تُخرج “قسد” كل العناصر الأجنبية من الأراضي السورية لتسهيل تنفيذ هذا الاتفاق الذي “رحّب به كل السوريين”، وفق المحلل السياسي المقرب من “الإدارة الذاتية” إبراهيم مسلم، الذي اعتبر، في حديث مع “العربي الجديد”، أن تفاهمات “قسد” ودمشق “خطوة للسلام في كل سورية”، وأعرب عن اعتقاده أن تنفيذ تفاهمات “قسد” ودمشق “يتوقف على الطرفين”، مشيراً إلى أن الاتفاق “ليس عسكرياً فحسب”، داعياً للاستفادة من تجربة “الإدارة الذاتية” في مؤسسات الدولة، خاصة في مجالات المجتمع المدني والمرأة، مضيفاً: أنّ هناك تحديات ستكون أمامه خاصة موقف تركيا منه. ويبدو أن الخشية من تعرضها لخطر يستهدف وجودها كلّه في حال الانسحاب الأميركي من شمال شرقي سورية، وتفادي أي هجوم بري تركي وفصائل سورية متهمة بارتكاب تجاوزات وعمليات قتل خارج القانون، كان المحرك والدافع الرئيس أمام القيادات الكردية للاتجاه غرباً إلى دمشق، والتفاهم مع الرئاسة السورية على تسليم الشمال الشرقي من البلاد للسلطات.
ووصف المحلل السياسي فريد سعدون، في تصريح لـ”العربي الجديد”، الاتفاق بـ “التاريخي”، مشيراً إلى أن تفاهمات “قسد” ودمشق “تخدم السلم الأهلي وتحافظ على الأمن والاستقرار”، مضيفاً: لأول مرة في تاريخ سورية يُعتَرف بحقوق الشعب الكردي في البلاد، كان حزب البعث ينكر أي وجود للأكراد في سورية، وتابع: الآن كما أعتقد الأمور تأخذ المنحى الصحيح على هذا الصعيد، وبيّن أن الاتفاق “حدد الخطوط العريضة للتوصل لاتفاق شامل يحفظ حقوق الشعب الكردي وينهي مشكلة السلاح”، معرباً عن اعتقاده أن العراقيل أمام الاتفاق “ستكون خارجية”، مضيفاً: هناك جهات ليس لها مصلحة في استقرار سورية، وأعتقد أن طريقة دخول “قسد” إلى الجيش السوري تحتاج لوقت حتى يجري التوصل لاتفاق.
من جانبه، رأى الصحافي هوشنك حسن، في تصريح لـ”العربي الجديد”، أن الطرفين خرجا من تفاهمات “قسد” ودمشق بـ”مكاسب من الاتفاق”، ذلك أن الحكومة كسبت عودة الموارد الاقتصادية إلى الخزينة، و”قسد” حصلت على اعتراف رسمي بكونها قوة في شمال شرقي سورية، وأعرب عن اعتقاده أن تعهد “قسد” وفق الاتفاق بـ”دعم الدولة السورية في مواجهة التهديدات التي تمسّ أمنها ووحدتها”، يعني أنه من الممكن مشاركة هذه القوات بمهام خارج نطاق نفوذها لمحاربة فلول للنظام.
ولا يستبعد البعض أن يواجه الاتفاق معارضة تيار متشدد في وحدات “حماية الشعب” الذراع العسكرية لحزب الاتحاد الديمقراطي، يرفض أي اتفاق مع دمشق لا يُبقي هذه الوحدات سلطةَ أمرٍ واقع في شمال شرقي سورية، خاصة في محافظة الحسكة، مع العلم أن حزب الاتحاد الديمقراطي أعلن، في بيان أمس الثلاثاء، دعمه للاتفاق، واعتبر أن تفاهمات “قسد” ودمشق خطوة أولى نحو بناء سورية المستقبل. وأشار إلى أن “هذا الاتفاق يأتي ثمرةً لنضال الشعوب والثورة السورية، وإفشال جميع المؤامرات التي استهدفت وحدة سورية وعيشها المشترك”، معتبراً أن “المرحلة الراهنة تتطلب التحول الديمقراطي والتغيير لتحقيق آمال وتطلعات السوريين”، مشيداً بدور أوجلان في إطلاق مبادرة السلام وخريطة الطريق بتاريخ 27 فبراير/شباط الماضي، بالإضافة إلى جهود الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية في إحلال السلام وحل القضايا بالحوار والسبل السلمية”، وأكد أن “الاتفاق وضع قضايا جميع المكونات على طريق الحل وفق أسس قانونية ودستورية، مع التركيز على ضمان حقوق جميع السوريين، وحل القضية الكردية، وعودة المهجرين، ووقف إطلاق النار في الأراضي السورية كافة، وإنهاء مرحلة الإقصاء والتهميش”.
وساد المناطقَ التي تقع تحت سيطرة “قسد” تفاؤل حذر بعد توقيع الاتفاق، تجلّى في خروج المواطنين في تظاهرات ابتهاج، معتبرين أن تفاهمات “قسد” ودمشق جنّبت القسم الأهم من بلادهم دورات عنف جديدة، لكن إبراهيم العبود، وهو من سكان ريف الرقة الغربي، عبّر في حديث مع “العربي الجديد”، عن خشية من وجود عقبات على طريق تنفيذ الاتفاق، وأضاف: أنا مرتاح جداً بعد الاتفاق، لكن ننتظر التنفيذ، ونريد عودة مؤسسات الدولة كلها إلى المنطقة خاصة التعليمية، ورأى أن هناك شبكات فساد ونفوذ ستكون “أكثر المتضررين من هذا الاتفاق”، مشيراً إلى أنها ستلعب دوراً سلبياً لعرقلة تنفيذه أو على الأقل تأخير هذا التنفيذ.
وفي السياق، رأى عدنان الحسن، في حديث مع “العربي الجديد” وهو من القاطنين في مدينة الرقة، أن الاتفاق “وضع حداً لكل حملات التحريض بين مكونات المنطقة خاصة العرب والأكراد”، مبدياً تفاؤلاً بتطبيق الاتفاق خلال العام الحالي، مضيفاً: هذا الاتفاق مفيد لكل الأطراف، وآمَلُ أن ينعكس إيجاباً على حياة السوريين، وتابع: موارد المنطقة ستعود إلى خزينة الدولة وهذا سيكون له أثر كبير على تحسّن الحالة المعيشية للناس.
وفي القامشلي في أقصى الشمال الشرقي من سورية، هناك “ترحيب بالاتفاق من الشارع الكردي”، وفق مصطفى حاج أحمد، الذي أشار في حديث مع “العربي الجديد” إلى أن “قسد” لا تمثّل كل الأكراد في سورية، مضيفاً: هذا اتفاق مع فصيل عسكري وليس اتفاقاً سياسياً مع القوى الفاعلة في المشهد الكردي برمته. إلّا أن حاج أحمد رأى أن الاعتراف بالأكراد “مكوناً أصيلاً” في الدولة “بارقة أمل في وضع حد لكل الأصوات التي ارتفعت بعد سقوط نظام الأسد داعية إلى تقسيم البلاد”.
إلى ذلك، رحّب رديف مصطفى، نائب رئيس رابطة الأكراد المستقلين في سورية، بالاتفاق، مشيراً، في حديث مع “العربي الجديد”، إلى أنه “سيسهم في بناء سورية الحرة الموحدة أرضاً وشعباً بعيداً عن نموذج المحاصصة الفاشل، ويؤكد على المشاركة السياسية الوطنية دون تمييز”، مضيفاً: هناك ترحيب شعبي واسع، ورأى أن “الاعتراف بالحقوق الثقافية والاجتماعية للأكراد السوريين ودسترتها، مسألة مهمة”، معرباً عن اعتقاده أن الاتفاق “سيواجه بعض العراقيل لأن الشيطان دائماً يكمن في التفاصيل”، مبدياً الخشية من دور إيراني في عرقلة الاتفاق وتخريبه “عبر قيادات من حزب العمال الكردستاني تابعين لها”، مضيفاً: هؤلاء لهم أتباع سواءً داخل “قسد” أو “الإدارة الذاتية”.
العربي الجديد
—————————
سوريا إلى أين؟ تكرارٌ للسؤال/ جلبير الأشقر
تحديث 12 أذار 2025
طرحنا السؤال قبل ثلاثة شهور وحاولنا الإجابة عنه بالتأكيد على استحالة اتفاق جميع الفصائل المتواجدة في سوريا على الخضوع لسلطة واحدة، وبإبداء الشك في تحوّل «هيئة تحرير الشام» (هتش) من السلفية الجهادية إلى الديمقراطية الشاملة لكافة مكونات الشعب السوري («سوريا إلى أين؟» 10/12/2024). وقد شهدت الأيام الأخيرة أحداثا قد توحي بسير الأمور في اتجاهين معاكسين بالنسبة لما توقعنا.
فإن مؤتمر «الحوار الوطني السوري» الذي دعت إليه سلطة هتش، بعد أن نصّبت نفسها حكومة لكامل الأراضي السورية ونصّبت زعيمها أحمد الشرع رئيساً للبلاد، إنما جاء غير مقنع على الإطلاق، تذمّرت شتى أطراف المعارضة السورية التاريخية من حيثيات الدعوة إليه. بل أكدت طريقة عقد المؤتمر نيّة هتش في السيطرة الكاملة على سيرورة إعادة بناء مؤسسات الدولة السورية وصياغة دستورها الجديد. وإذ حظي الشرع بدعم إقليمي عربي تجلّى في الزيارات التي قام بها، لم يحظَ بثقة أو بدعم مماثل من بعض مكونات الشعب السوري الأساسية، سواء أكانت سياسية، أو طائفية، أو إثنية، أو مناطقية.
والحقيقة أن الشرع يتصرّف وكأنه سيّد الموقف بينما قوات هتش بعيدة عن أن يكون تعدادها كافياً للسيطرة على كامل الأراضي السورية، حتى لو استثنينا الجولان المحتل. فإزاء هذا الواقع الجلي، يسعى الشرع نحو تحييد المنافسين والأخصام كسباً للوقت، مراهناً على حصول هتش على دعم وتمويل يسمحان لها بناء قوة عسكرية تفوق قوة سائر الأطراف المسلّحة المتواجدة في شتى أنحاء الأراضي السورية. وفي هذا الانتظار، يقوم عادةً السلوك المنطقي على مهادنة القوي ريثما تتوفّر القدرة على التغلب عليه، مع استفراد الضعيف في هذه الأثناء.
وتأتي في هذا الإطار المجازر الطائفية البشعة التي وقعت في الأيام الأخيرة في المنطقة الساحلية والتي ذهب ضحيتها ما يزيد عن ألف من المدنيين العلويين حسب تقارير «المرصد السوري لحقوق الإنسان» وقد تناقلت شبكات التواصل الاجتماعي صوراً وفيديوهات مروّعة عن بشاعة المجزرة. وإذ ادّعت هتش أن جماعات غير منضبطة هي التي ارتكبت المجازر، يبقى أنها رعت هذه الجماعات المتطرّفة وتتحمّل مسؤولية أفعالها بالتالي، وقد انتهزت الفرصة كي تبسط سيطرتها على منطقة الساحل. أما إلقاء مسؤولية ما جرى على «فلول» نظام الأسد، فلا يجيب عن حقيقة أن هذه «الفلول» امتنعت عن القتال دفاعاً عن النظام البائد ولم تتحرك من جديد انتصاراً له، بل دفاعاً عن أهل طائفتها. بمعنى آخر، من يوصَمون اليوم بأنهم «فلول» إنما باتوا قوة طائفية على غرار ما لدى الطائفة الدرزية، وعلى غرار هتش نفسها التي هي قوة طائفية بامتياز، ناهيك من القوة الإثنية-القومية الكُردية.
أما الحدث الوحيد الذي قد يوحي بالسير على درب توحيد البلاد ديمقراطياً، فهو الاتفاق الذي أُبرِم يوم الإثنين الماضي بين أحمد الشرع ومظلوم عبدي، قائد «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) والذي ينص نظرياً على دمج قسد في إطار الدولة السورية الجديدة التي تهيمن هتش عليها. والحقيقة أنه من المرجّح أن يلحق هذا الاتفاق بالقائمة الطويلة من الاتفاقات التي لم تشهد تطبيقاً لها، أو تكاد، وانتهى بها الأمر في طي النسيان. ذلك أن ما أدّى إلى هذا الاتفاق، بعد وعيد الشرع نفسه بفرض هيمنة دولته على الشمال الشرقي السوري، هما أمران: الأول هو إدراك الشرع أن لدى قسد من القوة العسكرية ما يفيض عمّا لدى هتش اليوم، ناهيك من الدعم الأمريكي الذي تحظى به قسد حتى الآن. والثاني هو ضوءٌ أخضر تركي متعلّق بالخطوات القائمة داخل تركيا لإنهاء الحرب مع «حزب العمال الكردستاني» بعد دعوة زعيم الحزب، عبد الله أوجلان، إلى إلقائه السلاح.
لذا يبدو اتفاق يوم الإثنين الماضي وكأنه أقرب إلى هدنة مؤقتة مما هو إلى خطوة فعلية نحو رسم معالم سوريا جديدة، تسمح بإعادة اندماج حقيقية للبلاد على قاعدة ديمقراطية تشمل درجة من اللامركزية الإدارية، بما يتيح لشتى مكونات الشعب السوري التعايش بسلام وإعادة الانصهار بعد عقود من القهر القومي والعرقي والطائفي بإشراف النظام البعثي المخلوع.
كاتب وأكاديمي من لبنان
القدس العربي
—————————-
تركيا والكرد بعد نداء أوجلان: السلاح مقابل السياسة/ فرهاد أهمه
12.03.2025
ربما تشعر تركيا الآن بنوع من الانتصار، وهي ترى نفسها أمام مشهد إنهاء تمرّد مسلّح مستمر منذ أربعين عاماً. لكن ما ينبغي أن تعيه تركيا، هو أن هذا التحوّل لا يمثّل المطالب التي انطلق من أجلها التمرّد المسلّح، بل مراجعة عقلانية بيّنت أن السياسة توصل إلى الهدف بتكلفة أقل، وعبر طرق تخلق أقل قدر من الشروخ بين الشعوب.
لم يكن جوهر رسالة عبد الله أوجلان، التي نُشرت للرأي العام الكردي والتركي في ٢٧ شباط/ فبراير ٢٠٢٥، مفاجئاً للكرد، إذ سبق نشر الرسالة الكثير من اللقاءات، التي قام بها فريق من محامي أوجلان، وقياديون من حزب “ديم” الكردي، مع القيادات السياسية في تركيا وكردستان العراق.
رشح عن هذه التحركات، أن جوهر النداء الذي سيوجّهه أوجلان، سيكون الطلب من حزب “العمال الكردستاني”، أن يُوقف الكفاح المسلح بشكل نهائي ويُلقي السلاح، في خطوة تُنهي أطول تمرّد كردي مسلّح في تركيا.
نداء أوجلان لم يكن فقط طلباً لإلقاء السلاح، بل تضمّن مراجعة مقتضبة لمسيرة حزب “العمال”، وظروف تشكّله، والقطع مع الإرث المطلبي لهذا الحزب الذي طالب في بداياته، بتأسيس كردستان مستقلّة.
يرفض أوجلان في ندائه الأخير المطالبات بالفيدرالية، أو الإدارة الذاتية كحل للمشكلة القومية الكردية. هذه القراءة، وبالرغم من صدمة الكثير من الكرد بها، تأتي اعترافاً بالوقائع المتغيّرة في تركيا، وانسداد الأفق السياسي أمام حل واضح، “وبضربة واحدة” للمسألة الكردية فيها.
من هذا المنطلق، تأتي خطوة إلقاء السلاح، كتثبيت للحاجة الكردية في تركيا إلى العودة إلى ممارسة السياسة، بعد التخلّص من إرث الحرب وسمة الإرهاب والمضايقات التركية، لمعظم أشكال النشاط المدني الكردي، تحت حجّة ارتباط هذه النشاط بحزب “العمال الكردستاني”، وبالتالي بالإرهاب.
تأمل تركيا أن تتحرر من التبعات والتكاليف المادية والبشرية للصراع العسكري، واحتواء الكرد تحسباً لأي متغيّرات كبيرة في الإقليم، قد تُحسّن من موقع الكرد وفرصهم في الحصول على وضع خاص بهم.
الكرد من جهتهم يرون في هذه الخطوة، مدخلاً لحماية مكتسباتهم السياسية ومراكمتها تدريجياً، إذا تفرّغوا بشكل كلي للانخراط في العمل السياسي، وبناء مؤسسات مدنية، والتركيز على العامل البشري بدلاً عن العسكرة.
بحسب استطلاع رأي أجراه مركز “راويست للدراسات” في مدينة دياربكر، يؤيّد ٦٥ في المئة من الكرد قرار ترك الكفاح المسلّح، بينما عبّر نحو٢٠ في المئة عن تحفّظاتهم حيال ذلك، في ظل عدم وضوح الخطوات المقابلة التي ستنفّذها تركيا، في حين أبدى ١٥ في المئة رفضه القرار.
تعرّف الكرد في السنوات الأخيرة وبشكل متزايد، على قدرتهم في التأثير السياسي داخل تركيا، إذ تمكّنت القائمة الكردية في بعض الانتخابات البرلمانية من الفوز بـ ٨٠ مقعداً، وكذلك الفوز بأكثر من مائتي بلدية في الانتخابات المحلية.
فتحت الانتصارات السياسية للكرد باب الحضور في المشهد السياسي التركي الرسمي، وإدارة البلديات بشكل يلبّي ليس فقط الاحتياجات الخدمية للسكان، بل أيضاً يُراعي الثقافة المحلية، ويشجّع على استخدام اللغة الكردية، وفتح الكثير من المشاريع الثقافية الواعدة.
لكن الدولة التركية، كانت وبشكل مستمر، تنزع الحصانة عن الكثير من البرلمانيين الكرد، وتعتقل رؤساء البلديات المنتخَبين، وتعيّن بدلاً عنهم أوصياء منتدَبين من الحكومة، بحجّة ارتباطهم بحزب “العمال الكردستاني”. رأى الكرد كذلك أن السلاح يُرسل أفضل الكفاءات البشرية الكردية إلى السجون أو المنافي. الآن، يأمل الكرد أن فسحة العمل السياسي ستتوسّع، وستسقط حجّة الإرهاب التي استخدمتها تركيا لتقليص النجاحات السياسية الكردية، ورمي الكرد خارج دائرة التأثير السياسي في تركيا.
بهذا المعنى، فإن العودة إلى حقل السياسة، هي عودة إلى ملعب يستطيع فيه الكرد إحراز الكثير من النقاط، من دون أن تتمكّن تركيا من انتزاعها منهم.
تتزامن هذه الرغبة الكردية مع شكّ كبير في مستوى جدّية الدولة التركية، التي حافظت حتى الآن، على خطابها المعتاد بوصف ما يجري على أنه قضاء على الإرهاب، واستسلام غير مشروط لحزب “العمال”. كذلك فإن فشل الجولات الماضية من التفاوض بين الحزب وتركيا، وردّة الفعل التركية القاسية بعد انهيار المحادثات الأخيرة للسلام في عام ٢٠١٥، يعززان من هذه الشكوك.
ويعتقد قطاع واسع من الكرد أن تركيا غير جادّة، وتريد فقط كسب الوقت وضبط المشاكل الداخلية، حتى يتبيّن ما ستؤول إليه الأوضاع في سوريا والإقليم، قبل أن تنقضّ على الاتفاق حالما ترى الأوضاع في صالحها.
يستند المشككون الكرد على إرث من الفشل في التوصّل إلى اتفاق مع تركيا، مصحوباً بنزعة تركية لمحاصرة أية تطلّعات كردية داخل تركيا وخارجها. من هذه الزاوية، يتّفق الشارع الكردي في تركيا، على ضرورة حماية التجربة الكردية الناشئة في سوريا، وضمان أن يحصل الكرد هناك، على نوع من الإدارة الذاتية، وهو مُنجز غير قابل للتحقيق حالياً في تركيا. يرى الكرد في تركيا في كفاح الكرد السوريين ضد “داعش”، وتأسيس إدارات ذاتية، وانتهاج سياسة لغوية جعلت من اللغة الكردية لغة تعلّم وتعليم إلى جانب اللغات المحلية الأخرى، مُنجزاً يخصّهم أيضاً، ورافعة يمكن الاستناد عليها في الحصول على وضع أفضل في تركيا. كذلك يُجمعون على ألا تكون تبعات نزع السلاح في تركيا، قاسية على “قوات سوريا الديمقراطية/ قسد”.
نظرت تركيا دائماً بحذر شديد إلى ما يجري على الجانب الآخر من الحدود لدى كرد سوريا، ويُرجّح الكثيرون أن نجاح المقاتلين الكرد في سوريا في التصدّي لـ”داعش”، وتأسيس الإدارات الذاتية، والتحوّل إلى شريك قوي للتحالف الدولي لمحاربة “داعش”، كان السبب الجوهري أمام فشل عملية السلام بين تركيا وحزب “العمال الكردستاني” في عام ٢٠١٥.
تنظر تركيا الآن أيضاً إلى “قوات سوريا الديمقراطية”، كفرع لحزب “العمال”، وتقول إن نداء نزع السلاح يشمل هذه القوات أيضاً. وصف مظلوم عبدي، قائد “قوات سوريا الديمقراطية” نداء عبد الله أوجلان “بالتاريخي”، مع تأكيده على أن “قسد” قوات سورية، وغير معنية بهذا النداء، ولن تُلقي سلاحها، بل ستسعى للاندماج في الجيش السوري، ضمن صيغة يتمّ الاتفاق عليها مع دمشق.
وفي الحقيقة فإن “قسد” جيش كبير موجود على الأرض، ويسيطر على مساحات واسعة من سورية، وليس مجموعة من “الكريلا” المتمركزين في الجبال، كما هو الحال لدى حزب “العمال”. كذلك فإن الحالة السورية، تسمح لـ “قسد” بالوصول إلى اتفاق مع دمشق، ينظّم عملية اندماجها في الجيش السوري الجديد كفيلق أو فرقة.
لكن، ومع الاختلاف في الوضع العسكري لحزب “العمال” و”قسد”، يظهر أن “قسد” تتبنّى الجوهر السياسي لنداء عبد الله أوجلان، وهو الاندماج في الدول القائمة، والولوج في حقلها السياسي، وتركيز الجهود على التغيير الديمقراطي في هذه البلدان.
يرى الكرد في سوريا أن اندماج “قسد”، وكذلك اندماج الكرد ممكن في سوريا. ليس كما هو الأمر عليه في تركيا بنزع السلاح، بل بالاندماج المنظّم للقوة العسكرية (قسد) والاعتراف بإدارة لا مركزية للكرد، تسهّل اندماجهم الأوسع في الحياة السياسية في سوريا، وتفسح المجال أمامهم ليكونوا مؤثّرين في رحلة السوريين نحو الديمقراطية والمساواة.
ربما تشعر تركيا الآن بنوع من الانتصار، وهي ترى نفسها أمام مشهد إنهاء تمرّد مسلّح مستمر منذ أربعين عاماً. لكن ما ينبغي أن تعيه تركيا، هو أن هذا التحوّل لا يمثّل المطالب التي انطلق من أجلها التمرّد المسلّح، بل مراجعة عقلانية بيّنت أن السياسة توصل إلى الهدف بتكلفة أقل، وعبر طرق تخلق أقل قدر من الشروخ بين الشعوب.
سترى تركيا نفسها أمام كفاح سياسي، ينخرط فيه عدد أكبر من الذين انخرطوا في العمل العسكري. فقد نجح الكرد في السنوات الماضية؛ وحتى مع استمرار ضغط تهمة الإرهاب، في خلق تيار سياسي يجمع الكثير من الفئات في تركيا. الآن، إذا اقتنصت تركيا هذه اللحظة التاريخية، ولم تعرقل الحراك السياسي الكردي، سيصبح الكرد عبر السياسة، أكثر قدرة على مساعدة أنفسهم ومساعدة تركيا أيضاً، في أن تصبح مكاناً أفضل لكل سكانها.
درج
————————————
سوريا رقم لا يقبل القسمة/ علي قاسم
رغم ما حدث خلال الأيام الماضية في منطقة الساحل السوري لن تجد بين أبناء الطائفة العلوية من يتحدث عن دولة علوية مستقلة ويصرون على رؤية أنفسهم جزءا لا يتجزأ من الكيان السوري.
الأربعاء 2025/03/12
مشاهد تثلج الصدر
قبل الكتابة عن أحداث الساحل السوري وعن توقيع الاتفاق مع الأكراد لدمج مؤسسات الإدارة الذاتية في إطار الدولة السورية، لي طلب بسيط أوجهه للرئيس أحمد الشرع، أن يعمل على إصدار قرار يحدث تبدلا كبيرا في الطريقة التي ينظر فيها العالم إلى الحكومة السورية الجديدة.
القرار هو رفع اللثام الذي يضعه عناصر من الجيش السوري والأمن العام على وجوههم خلال تنقلاتهم، لأن هذا اللثام يدفع إلى الربط بينهم وبين المقاتلين من الفصائل.
شخصيا، ليست لي مشكلة مع اللثام ورمزيته، ولكن أفضل ويفضل السوريون رؤية وجوههم والاستبشار بها، وأكاد أجزم أنهم شباب وُسَماء يمكننا أن نباهي بوجوههم الأمم.
تكفي الملابس العسكرية الرسمية لتمييزهم. إنهم نجوم سوريا، ومن حقهم أن يتباهوا وينالوا الشهرة التي يستحقونها.
أكتفي بهذا، لأتحدث عن مفاجأة لا تقل بوقعها عن مفاجأة انهيار نظام الأسد وهروبه خارج سوريا، وهي توقيع الرئيس السوري أحمد الشرع وقائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي الاثنين على اتفاق يقضي بدمج كافة المؤسسات المدنية والعسكرية التابعة للإدارة الذاتية الكردية في إطار الدولة السورية.
حتى الدقائق الأخيرة، كان رهان الجميع على التقسيم، خاصة مع الأحداث الدامية التي شهدتها منطقة الساحل السوري. الرئيس الشرع نفسه تحدث عن الأضرار التي ألحقتها هذه التجاوزات بما تحقق من إنجازات على صعيد علاقة الحكومة السورية الجديدة مع دول العالم ومنظماته، مضيفا أن العمل على ترميم هذه الأضرار سيحتاج إلى وقت طويل.
بالنسبة إليّ، الحدث لم يكن مفاجأة، لأنني لم أراهن يوما على تقسيم سوريا. فسوريا رقم لا يقبل القسمة.
قبل ساعات من الإعلان عن الاتفاق، كتبت مقالا تحت عنوان “سوريا: الحل بالتسامح وتجاوز ثقافة الانتقام”، عرضت في المقال ما جاء على لسان ديفيد شينكر مساعد وزير الخارجية الأميركي السابق، من أن سوريا لا تبدو متجهة نحو نظام فيدرالي، بل نحو دولة مركزية موحدة، ويتعين على قوات سوريا الديمقراطية أن تصبح جزءا من الجيش التابع للحكومة السورية في دمشق، وتعمل تحت قيادتها.
واليوم يؤكد مظلوم عبدي بعد توقيع الاتفاق أن الإدارة الأميركية نصحت قيادة قسد بالتوصل إلى اتفاق مع الإدارة السورية الجديدة.
إنها مسألة أيام قليلة قبل أن يتم التوصل إلى اتفاق ينظم العلاقة مع منطقة الجنوب السوري، ينهي التدخل الإسرائيلي ويضع حدا للإشاعات حول رغبة أبناء الجنوب في الانفصال عن سوريا، وهي إشاعات لا تؤيدها أي حقائق على الأرض. أبناء الجنوب يعتزون بانتمائهم إلى سوريا، ووطنيتهم لا يشك فيها. إنهم أحفاد سلطان باشا الأطرش القائد العام للثورة السورية الكبرى التي اندلعت عام 1925 وساهمت في إخراج الاستعمار الفرنسي من سوريا.
رغم ما حدث خلال الأيام الماضية في منطقة الساحل السوري، لن تجد بين أبناء الطائفة العلوية من يتحدث عن دولة علوية مستقلة، ويصرون على رؤية أنفسهم جزءا لا يتجزأ من الكيان السوري.
من منكم لم يشاهد صور ومشاهد الاحتفالات التي نقلتها الفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعي لآلاف السوريين الذين خرجوا في المدن السورية كلها، من الحسكة إلى القامشلي إلى دير الزور والرقة وحلب ودمشق وحمص وطرطوس واللاذقية، قبل أن يجف الحبر الذي استخدم للتوقيع على القرار.
إنها مشاهد تثلج الصدر، وتخفف من الألم الذي تسببت به صور القتلى المدنيين الأبرياء، وعبور الآلاف من سكان مدن وقرى ريف الساحل نهر الكبير الشمالي إلى لبنان هربا من القتل.
السؤال الآن يتركز على ما المطلوب عمله لإعادة الثقة وبث الطمأنينة في نفوس أبناء الطائفة العلوية، وأنهم ليسوا مطاردين ومدانين إلى أن تثبت براءتهم؟
هناك حل واحد، هو أن تبادر الحكومة لإعداد قائمة بأسماء كبار المطلوبين والمتهمين بتعذيب وقتل السوريين خلال حكم الأسد، حتى لا يشعر كل فرد عمل يوما ضمن سلك الجيش والأمن أنه مطلوب ومستهدف.
أبناء الطائفة العلوية ليسوا هم الوحيدون الذين عملوا مع النظام البائد، هناك أسماء يعرفها الجميع، من بين كل الطوائف والأقليات، عملت مع النظام، أياديها ملطخة بدماء السوريين.
بعد التوقيع على الاتفاق مباشرة، قفز سعر الليرة السورية 20 في المئة أمام الدولار. إنها علامة ثقة، تفسيرها الوحيد أن سوريا سائرة على طريق الاستقرار، وأن الاستقرار هو كل ما يحتاجه السوريون لينهضوا ببلدهم من جديد. وهم يستحقون الفرصة التي هيئت لهم.
كاتب سوري مقيم في تونس
العرب
——————————
سوريا الواقع والافتراض/ طارق الحميد
تحديث 12 أذار 2025
أحسن الرئيس أحمد الشرع في الخطوات التي اتخذها من أجل نزع فتيل أزمة خطرة، تهددت سوريا في بضعة أيام بشكل لافت ودراماتيكي، لأن مستصغر الشرر بأحداث الساحل وقفت خلفه رياح عاتية من التحريض والتضليل.
ولا يمكن الاستخفاف بالدم والقتل والأعمال الانتقامية، ولو وقعت بحق إنسان واحد، وليس مائة، أو مئات، فحقن الدماء مقدم على كل شيء، وأياً كانت الدماء سواء لمواطنين أو رجال أمن، كما أن نبذ الطائفية أمر واجب في الدولة، أي دولة.
نزع الرئيس الشرع فتيل الأزمة، واتخذ إجراءات مهمة فاقت تصور داعميه من السوريين، وهي إجراءات عقلانية لخَّصها بقوله إن المخطئ سيُحاسب ولو كان قريباً منه، وتوَّج جهوده تلك بحكمة نتج عنها إبرام اتفاق مع «قسد».
وهو ما يعني أن الشرع، وبكل حكمة، استعاد جغرافياً ثلث الدولة، وبتوقيت مهم، ورغم أن أصواتاً كثراً كانت تطالبه بمواجهة الأكراد، فإنه فضَّل الحكمة والمفاوضات. والإشكالية أن كل ذلك لا يعني أن سوريا قد تجنبت الأزمات.
والسبب أن هناك واقعاً بسوريا، وأن هناك عالماً افتراضياً يؤطر الأحداث فيها. والقصة ليست قصة وسائل التواصل، أو الإعلام، بل أكبر. فمنذ اندلاع أحداث الساحل السوري أجد سؤالاً واحداً على لسان كل مَن ألتقيه أو أتواصل معه.
والسؤال هو: «ما حقيقة ما يحدث بسوريا»؟ وعندما تشرح تأتي الإجابة أيضاً واحدة: «الآن فهمت». وهو سؤال السعودي، والسوري، واللبناني، والمصري، والغربيين. وقد يقول القارئ: ومَن يقول إنك تملك الإجابة الصحيحة؟
وهذا سؤال مهم، والسبب أن التضليل على سوريا كبير، وهو استمرار لما شهدناه من تضليل فيما عُرف زوراً بـ«الربيع العربي»، بل وتطور في آليات التضليل. فمنذ «الربيع العربي»، وبقيادة الرئيس الأميركي الأسبق أوباما، بدأ التضليل حول سوريا حين سمّاها «الحرب الأهلية».
ورغم أن السوريين لم يرفعوا السلاح، وإنما كانت مطالبهم مشروعة، إلى أن بدأ «القمع الأسدي»، ثم التدخل الإيراني و«حزب الله» وكذلك التدخل الروسي، وباقي القصة معروف. ومن حينها لم يتوقف التضليل تجاه سوريا.
واختلطت الأوراق عندما اعتقد البعض أن هناك «كتالوج» موحد للمنطقة، وكل ما له علاقة بالإسلام السياسي، والدليل أن أحداً لم يلحظ كيف صمت الإسلاميون حول التدخلات الإسرائيلية بسوريا، بينما هَبُّوا بقصة تهجير غزة!
وعليه، هناك واقع في سوريا اليوم يتم تجاهله، وهناك عالم افتراضي يتم تداوله، والأمثلة كثيرة، فرغم كل ما قدمت سوريا الجديدة من خطوات إيجابية، وفي ظرف 3 أشهر، فإننا نجد تشكيكاً ممنهجاً.
يخرج فلول الأسد بالسلاح، وبمساعدة من «حزب الله» وإيران، وبالأشكال كافة، ومنها الإعلامي، فتجد صوتاً عالياً يحدثك عن «مجزرة» و«طائفية»، وتنتشر الصور المزيفة بوسائل التواصل، وتنطلق المطالبات بتدخل خارجي.
ومطالبات بإطالة أمد العقوبات، وزيادتها، ومن أشخاص طالما أشغلونا بالمواطنة، واستعادة الدولة، ووقفنا معهم سابقاً، وتحديداً في العراق ولبنان، لكن اتضح أنهم ينطلقون من منطلقات طائفية، وتحت غطاء «حماية الأقلية».
وعليه، فخير ما يمكن فعله لسوريا اليوم هو دعمها، بحمايتها من تدخل بعض دول الجوار. وهذا يتطلب موقفاً حقيقياً من أصدقاء سوريا الجديدة.
الشرق الأوسط
————————
اتفاق تاريخي بين أكراد سوريا وحكومتها.. هل يطفئ نيران التاريخ؟/ عبد الوهاب المرسي
11/3/2025
في 27 ديسمبر/كانون الأول، وبعد أقل من 20 يوما على هروب بشار الأسد وسقوط نظامه، أعرب قائد قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، مظلوم عبدي، عن استعداد قواته للاندماج في مؤسسات الحكومة السورية الجديدة بشروط.
اشترط عبدي آنذاك أن يكون ذلك من خلال عملية تفاوضية مع سلطة دمشق، لحسم العديد من النقاط الخلافية، وعلى رأسها رغبته في احتفاظ قواته بهيكل خاص داخل وزارة الدفاع السورية، الأمر الذي يتطلب نمطا من الحكم اللامركزي في سوريا الجديدة يحافظ على قدر من الإدارة الذاتية داخل الشمال الشرقي لسوريا، وهو ما بادر وزير الدفاع السوري مرهف أبو قصرة برفضه رفضا باتا.
وفي مساء العاشر من مارس/آذار 2025، وبعد قرابة شهرين من المفاوضات بين الجانبين، أعلنت الرئاسة السورية أخيرا توقيع اتفاق يقضي باندماج قوات سوريا الديمقراطية ضمن مؤسسات الدولة، وأوضحت الرئاسة أن الاتفاق ينص على دمج المؤسسات المدنية والعسكرية شمال شرقي سوريا ضمن إدارة الدولة السورية بما في ذلك المعابر الحدودية والمطار وحقول النفط والغاز، مع وقف إطلاق النار فوق كافة الأراضي السورية.
يقودنا ذلك لتساؤلات مهمة: كيف تُوجت مسيرة شهرين من المفاوضات بين قسد والإدارة السورية الجديدة بتوقيع الاتفاق؟ وما دور السياقات الإقليمية والدولية في تحفيز هذا التوافق الصعب والتاريخي؟ وهل يمكن اعتباره حلا نهائيا للمسألة الكردية المعقدة في سوريا والتي يعود تاريخها إلى قرابة 8 عقود على الأقل؟
أكراد سوريا.. قيود الجغرافيا والتاريخ
تضرب جذور المسألة الكردية السورية بعمقها في الجغرافيا والتاريخ كليهما. تاريخيا، تنتمي المناطق الكردية في سوريا الحديثة تحديدا إلى ما كان يعرف باسم “بلاد ما بين النهرين العليا” والمعروفة أيضًا باسم “الجزيرة”، وهي المنطقة الواقعة بين نهري الفرات ودجلة من منابعهما حتى بغداد، وتضم أيضا أجزاء من جنوب شرق تركيا وشمال غرب العراق الحاليين، وفي أعقاب توقيع اتفاقية سايكس بيكو عام 1916، ضمها المهندسون الأنجلو فرنسيون للنظام الإقليمي الجديد إلى سوريا.
جغرافيًا تمتد حدود المعضلة الكردية اليوم إلى أبعد من سوريا بكثير، حيث يتوزع الأكراد اليوم بين سوريا وإيران وتركيا والعراق، وقد توافقت هذه الدول ضمنيا على منع قيام كيان سياسي مستقل للأكراد لأن ذلك كان يعني السماح بتحركات انفصالية على أراضيها. نشأ هذا التوافق بعد أن بدأ الأكراد في التحرك لتحقيق طموحاتهم الانفصالية، وقد وقعت إحدى أبرز هذه التحركات بين عامي 1927- 1930 بغية تأسيس ما سُميت “جمهورية أرارات” الكردية شرقي تركيا بقيادة إحسان نوري الباشا.
وعلى إثر ذلك، وقّعت العراق والجمهورية التركية التي تشكلت حديثا، إلى جانب إيران وأفغانستان معاهدة سعد آباد في عام 1937، وهي معاهدة عدم اعتداء أكدت على التزامها بمنع الأكراد من “زعزعة استقرار النظام الإقليمي الجديد” ومنعهم من إقامة دولة مستقلة.
وبالفعل لم يتمكن الأكراد من تحقيق حلم الانفصال طويل الأمد، سوى في تجربة “جمهورية مهاباد” التي أسسها الأكراد الإيرانيون بدعم من الاتحاد السوفياتي في عام 1946، ولكن الاتحاد سرعان ما انسحب من شمال غرب إيران بعد 11 شهرا، تاركا الجمهورية الوليدة فريسة للجيش الإيراني الذي اقتحمها وشنق قائدها قاضي محمد بتهمة الخيانة، قاضيا على الحلم الانفصالي الكردي في مهده.
في سوريا، كان الأكراد أكثر انسجاما في النسيج المجتمعي للبلاد، وحسبما يرصد تقرير لمؤسسة “جيوبوليتيكال فيوتشرز”، فقد برز إبراهيم هنانو، الكردي من قرية كفر تخاريم التابعة لمحافظة إدلب الحالية، مدافعا قويا عن استقلال سوريا أثناء الانتداب الفرنسي، وجرى الاعتراف به رمزا وطنيا. كما كان لسوريا 3 رؤساء من أصل كردي بين عامي 1949 و 1954 هُم: حسني الزعيم، وفوزي سلو، وأديب الشيشكلي.
ولكن بعد صعود نجم الرئيس المصري جمال عبد الناصر بوصفه زعيما قوميا عربيا في منتصف الخمسينيات من القرن الماضي، وتحمس العديد من السوريين للاندماج مع مصر تحت قيادته، عارض الأكراد تلك الوحدة، وفي عام 1957 طالب الحزب الديمقراطي الكردي الذي تشكل حديثا في سوريا بالاعتراف بالهوية الوطنية الكردية، وبعد تشكيل الجمهورية العربية المتحدة بين مصر وسوريا في عام 1958، حظر عبدالناصر الحزب.
ومع أن الجمهورية العربية المتحدة قد جرى حلها في عام 1961، فإن هذا لم يخفف من مخاوف الأكراد بشأن القومية العربية. وتبنى القادة الجدد في دمشق الجمهورية العربية السورية اسما رسميا للبلاد تأكيدا على توجهها العربي رغم فض الوحدة مع مصر، وفي العام التالي، أجرت الحكومة تعدادا طارئا في محافظة الحسكة ذات الأغلبية الكردية، وألغت جنسية 120 ألف كردي في سوريا، بزعم أنهم دخلوا البلاد بشكل غير قانوني من العراق وتركيا.
أدى الانقلاب الذي وقع في دمشق عام 1963 والذي أسس الحكم البعثي القومي إلى تفاقم معضلة الأكراد السوريين، وخاصة بعد اكتشاف النفط في نفس العام في شمال شرق البلاد، ورغم أن معظم الاكتشافات النفطية كانت في مناطق عربية فإن قربها من مناطق الوجود الكردي عزز مخاوف القادة السوريين من تمرد محتمل، فأرسل الحكام الجدد لسوريا قوات لمساعدة الجيش العراقي في سحق التمرد الكردي في شمال العراق ومنع انتشاره إلى منطقة الجزيرة.
وفي عام 1980، قرر الرئيس السوري السابق حافظ الأسد إنشاء حزام أمني بطول 375 كيلومترًا على طول الحدود السورية مع العراق وتركيا، واستخدم قانون الإصلاح الزراعي لتهجير 140 ألف كردي من منطقة الحدود وتوطين أبناء القبائل العربية مكانهم.
تسببت هذه الممارسات في وأد أي طموحات استقلالية للأكراد ليس في سوريا وحدها، ولكن في المنطقة بأسرها. استمر الحال كذلك حتى عام 1992، حين تشكلت حكومة إقليم كردستان العراق -في ظروف استثنائية- في أعقاب تطورات حرب الخليج الأولى وضعف السلطة السياسية والعسكرية في بغداد، مما منح القوميين الأكراد في سوريا وتركيا دفعة كبرى لإحياء طموحاتهم القومية الانفصالية.
وتعززت المشاعر الانفصالية بصفة خاصة بعد الحملة العسكرية التي قادها النظام السوري ضد الأكراد بعد أحداث شغب انطلقت في القامشلي عام 2004، والتي بدأت بعد أن تحولت مباراة كرة قدم بين فريقين كردي وعربي إلى أعمال عنف، وهي اللحظة التي يرجح عدد من المراقبين أنها شهدت تأسيس النواة الأولى لوحدات حماية الشعب بشكل سري.
الأكراد في زمان الثورة
أعطت سنوات الثورة السورية، وانسحاب القوات الحكومية من الشمال الشرقي، دفعات إضافية من الأمل للحركات الانفصالية الكردية، وبحلول عام 2012 أُعلن عن تأسيس وحدات حماية الشعب (YPG) رسميا، بوصفها الجناح المسلح لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي ذي التوجهات اليسارية.
وفي مطلع عام 2015، أحرزت المجموعة انتصارًا بارزا على تنظيم الدولة الإسلامية في مدينة عين العرب (كوباني)، حيث بدأت المجموعة بتلقي الدعم الجوي والبري من الولايات المتحدة وغيرها من دول التحالف الدولي للحرب على تنظيم الدولة الإسلامية (داعش).
وفي أكتوبر/تشرين الأول عام 2015، قامت المجموعة بتأسيس قوات سوريا الديمقراطية التي جرى الترويج لها بوصفها مجموعة وطنية جامعة يمكن أن يندمج خلالها العرب والأقليات على نحو أفضل في جهود الحرب ضد الإرهاب، لكن في الحقيقة هيمن المكون الكردي بأغلبية كبيرة على تركيبة القوة، رغم مشاركة بعض العشائر العربية والآشورية/السريانية والتركمانية فيها.
لاحقا، في مارس/آذار عام 2016 أعلنت قوى كردية في سوريا تأسيس نظام فدرالي في مناطق سيطرتهم شمال شرق البلاد، تحت اسم “الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا”، ويميل القوميون الأكراد إلى تسمية هذه المنطقة من محافظات الحسكة والرقة ودير الزور باسم “روج آفا” وتعني بالكردية “غرب كردستان”.
خلال هذه المسيرة، استفادت الوحدات الكردية من الدعم الذي قدمته الولايات المتحدة بالسلاح والمعلومات الاستخباراتية. وبفضل هذا الدعم، باتت قوات سوريا الديمقراطية تسيطر فعليا على ربع الأراضي السورية.
وفي حين لا توجد أرقام دقيقة عن أعداد قوات قسد، فإن متحدثا باسم وحدات حماية الشعب قال لرويترز في أغسطس/آب 2015 إن وحدات حماية الشعب لديها ما يقرب من 40 ألف مقاتل، وقبلها ذكرت شبكة إن بي سي نيوز في عام 2014 أن وحدات حماية الشعب لديها أيضا قوات نسائية (وحدات حماية المرأة – YPJ) تضم نحو 7 آلاف مقاتلة.
وقالت “مجموعة الأزمات الدولية” إن وحدات حماية الشعب تدفع رواتب شهرية تبلغ نحو 150 دولارا لما بين 25 و30 ألف مقاتل، وإنهم يتلقون 3 أشهر من التدريبات في واحدة من تسع أكاديميات عسكرية تتوزع على المناطق الكردية الثلاث في سوريا.
لكن رغم هذا التزايد الكبير في قوتها، أثبتت التطورات أن ثمة قيودا كبيرة حدّت طموحات قسد الانفصالية في مقدمتها المخاوف الإقليمية من تغذية التحركات الانفصالية الكردية في بلدان مجاورة أهمها تركيا التي شعرت بقلق كبير من ارتباط وحدات حماية الشعب الكردية وقوات قسد بحزب العمال الكردستاني الذي كان خاض “تمردا” انفصاليا طويلا ضد الحكومة التركية.
لذلك، ومنذ اللحظات الأولى لنجاح وحدات حماية الشعب من إخراج تنظيم الدولة من عين العرب (كوباني) في عام 2015، أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أنه لن يتسامح مع حكومة إقليمية كردية في سوريا مماثلة لحكومة إقليم كردستان في العراق.
على إثر ذلك شنت تركيا 3 عمليات عسكرية حاسمة في شمال سوريا بدأت في عام 2016، ووقعت ثانيتها في عام 2018 تحت اسم “غصن الزيتون” وأسفرت عن خسارة الأكراد لعفرين، وهي بلدة حدودية إستراتيجية في طريقهم للوصول إلى البحر المتوسط.
وبعد أن أمر الرئيس الأميركي دونالد ترامب بانسحاب القوات الأمريكية من شمال سوريا في أكتوبر/تشرين الأول 2019، شنت تركيا هجومًا آخر، باسم عملية “نبع السلام”، مما أدى إلى خسائر واسعة لوحدات حماية الشعب وسيطرة تركيا على مساحة تبلغ 115 كيلومترًا بين تل أبيض ورأس العين.
خلال هذه العمليات كان الدعم الذي قدمته واشنطن لقسد أقل ما يكون، وهو ما كشف النقاب عن حدود العلاقة بين الولايات المتحدة وحلفائها الأكراد. لقد بدا واضحا قبل سقوط الأسد بسنوات أن مسألة دعم انفصال الأكراد السوريين لا تقع ضمن أولويات الأجندة الأميركية في الشرق الأوسط، وأن العلاقة الحميمة بين الطرفين لم تكن تتجاوز رغبة الأميركان في إيجاد شريك محلي في الحرب على تنظيم الدولة، ثم لاحقا في إدارة السجون ومخيمات الاحتجاز التي تضم عشرات الآلاف من أسرى مقاتلي التنظيم الذين تحتجزهم قوات سوريا الديمقراطية، منهم ما يقرب من 50 ألفا في مخيم الهول بمحافظة الحسكة السورية.
وإذا توصلت الولايات المتحدة لتسوية مع أي طرف آخر لضمان عدم هروب هؤلاء المحتجزين فليس ثمة مصلحة إستراتيجية أخرى في الاحتفاظ بدعم قوات قسد على ما يبدو.
الانصياع لسلطة دمشق.. مجددا
يخبرنا هذا الاستعراض التاريخي بحقيقة واضحة وهي أن الطموحات الانفصالية الكردية غالبا ما ووجهت برفض شديد من قبل الجيران، بلغ حد التدخل العسكري لتقويضها في مهدها. الحقيقة الثانية التي يبدو أن القيادات الكردية بدأت تدركها هي أن التحولات الإقليمية لا تصب في صالحهم ما يعني أن عليهم إظهار مرونة أكبر بخصوص مطالبهم وهو ما عكسته البنود الثمانية المعلنة للاتفاق، والتي تشي -رغم عموميتها وعدم وضوحها- بقبول قسد بالانضواء بشكل كامل تحت السلطة السياسية والعسكرية الجديدة في دمشق.
أول هذه المتغيرات هي طبيعة السلطات الجديدة في دمشق نفسها، والدعم الواضح التي تحظى به من تركيا، المعارض الشرس للطموحات الانفصالية التركية. أما ثانيها فهو الدعوة التاريخية التي أطلقها زعيم حزب العمال الكردستاني المحتجز في تركيا عبد الله أوجلان لأعضاء حزبه مطالبا إياهم بإلقاء السلاح، ووقف مسيرة العمل المسلح ضد الحكومة التركية والمستمرة منذ أكثر من 5 عقود، حيث يُعتقد على نطاق كبير أنّ حزب العمال الكردستاني قدم دعما واسعا عبر التسليح والتدريب لمقاتلي وحدات حماية الشعب.
ورغم أن مظلوم عبدي كان قد سارع بعد بيان أوجلان مباشرة بالقول إن دعوته موجهة لأعضاء حزبه في تركيا فقط ولا شأن لقسد بها، فإنه من المؤكد أن هذا المتغير التاريخي أثر معنويا وماديا على قسد وأحبط كثيرا من تطلعاتها الانفصالية.
علاوة على ذلك، لا يزال مستقبل الوجود العسكري للولايات المتحدة في سوريا غير واضح في عهد الرئيس دونالد ترامب. حاليًا، لدى الولايات المتحدة نحو ألفي جندي منتشرين في شمال سوريا تحت دعوى منع عودة ظهور تنظيم الدولة، وقالت وكالة رويترز -نقلا عن مسؤولين في البنتاغون- إن وزارة الدفاع الأميركية تعد خططا مدتها 30 يوما و60 يوما و90 يوما لسحب جميع القوات من سوريا، رغم أن قوات سوريا الديمقراطية تزعم أنها لم تُبلَّغ رسميا بانسحاب الولايات المتحدة.
ومن جانب آخر، أدى تجميد إدارة ترامب للمساعدات الخارجية لمدة 90 يوما إلى توقف بعض الدعم الإداري والأمني الذي تقدمه وزارة الخارجية الأميركية للمقاتلين الأكراد الذين يعملون في حراسة سجون ومخيمات احتجاز مقاتلي وعائلات تنظيم داعش في سوريا.
ويعني ذلك، وفقا لمركز ستراتفور، أن إعطاء تركيا الأولوية القصوى لاستكمال إنهاء التهديد الانفصالي الكردي داخل وخارج حدودها، تزامن مع احتمالية تقليص الدعم الأميركي لقوات سوريا الديمقراطية وهو ما أضعف موقف الحركة بشدة في المفاوضات مع سلطة دمشق.
ففي فترة ولاية ترامب الأولى في عام 2019، عندما أعلن عن خطط لسحب القوات الأميركية من مواقع في شمال شرق سوريا، بادرت تركيا على الفور بشن هجوم عسكري في المنطقة، وقد يكون حدث ذلك بتفاهم بين الجانبين.
ومن ثم إذا انسحبت الولايات المتحدة مجددا من مواقع إضافية في سوريا خلال فترة ولاية ترامب الحالية، فمن المرجح أن تقوم تركيا رفقة الجيش السوري الجديد بعملية عسكرية أكثر ضراوة ضد قوات سوريا الديمقراطية، وهو ما يدفع الأخيرة لاستباق هذه الخطوة بالتفاهم مع سلطة دمشق لضمان موقفها في النظام السياسي الجديد والتحوط ضد احتمالات خوض مواجهة منفردة مع تركيا، دون غطاء أميركي.
على الجهة المقابلة، من المرجح أن تجني الحكومة السورية بعض الفوائد من هذا الاتفاق. فمن ناحية، يوفر الاتفاق مع قسد في هذه اللحظة الحرجة من عمر الانتقال السوري، فرصة لتفرغ قوات الجيش المحدودة لمواجهة التحديات الأمنية شديدة الخطورة، حيث تواجه الإدارة تمردا لبقايا نظام الأسد كاد أن يستقل بمحافظات الساحل حيث تقطن الأقلية العلوية بكثافة، كما تواجه أيضا تحديات أمنية مركبة في السويداء والقنيطرة ودرعا جنوبا، من جانب بعض دعاة الإدارة الذاتية من الدروز، فضلا عن التوغل الإسرائيلي المستمر، والفصائل المنفلتة.
كما أن الاتفاق يخفف من حدة انتقادات دولية جرى توجيهها لقوات السلطة الجديدة بارتكاب جرائم جماعية بحق مدنيين أثناء محاولتها السيطرة على التمرد، وفي وقت تحوم فيه الأنباء حول عقد مجلس الأمن لعقد جلسة علنية بشأن تطورات الساحل السوري بعد عقده جلسة مغلقة شهدت إجماعا نادرا في السنوات الأخيرة على إدانة أحداث الساحل، يعيد الاتفاق مع قسد في هذه الساعات الحساسة التوازن لصورة الإدارة السورية الجديدة، ويظهرها بمظهر الحريص على السلم الأهلي، والقادر على إدارة التنوع في سوريا سلميا.
فضلا عن أن تفاهم حكومة دمشق مع قسد سيتيح لها الاستفادة من عوائد حقول النفط والغاز التي تسيطر عليها بشكل أفضل، خاصة في حال تخفيف العقوبات الغربية على القطاع النفطي والمالي في البلاد.
وعلى هذا النحو، فقد تكون الحكومة السورية أيضا قد أبدت استعدادا لتقديم بعض التنازلات السياسية والثقافية لقوات سوريا الديمقراطية، مثل الاحتفاظ ببعض المناصب البلدية أو المناصب التشريعية للتمثيل الكردي بالإضافة إلى الحفاظ على بعض حقوق اللغة الكردية والاعتراف بها لغة ثانية للبلاد، في مقابل تلبية مطالب دمشق العسكرية والأمنية.
وعلى أية حال، ما زال هناك متسع من الوقت قبل أن تتكشف التفاصيل الفنية الدقيقة للاتفاق، الذي من المقرر أن يجري تنفيذه على مراحل خلال عام 2025، وخاصة النقاط شديدة الإشكال مثل المسؤولية عن حماية سجون ومخيمات تنظيم الدولة، ومصير المقاتلين الأجانب المطلوبين لتركيا، وغير ذلك مما سيحدد مدى صلابة الاتفاق أو هشاشته، وما إذا كان خطوة حقيقية نحو حل القضية الكردية في سوريا أم مجرد تحرك تكتيكي مؤقت فرضته الظروف الراهنة، فيما لا تزال النيران مشتعلة تحت الرماد.
المصدر : الجزيرة
——————————–
كيف تنظر أنقرة إلى اتفاق دمشق وقوات قسد؟/ زيد اسليم
12/3/2025
أنقرة- أثار الاتفاق الذي وقعته دمشق لدمج قوات سوريا الديمقراطية “قسد” في مؤسسات الدولة نقاشا واسعا في تركيا، فبينما كان يُنظر إلى القوات الكردية كتهديد مباشر للأمن القومي التركي، فإن إعادة دمجها تحت سلطة دولة باتت حليفة لأنقرة يفتح الباب أمام سيناريوهات جديدة قد تؤثر على موازين القوى في المنطقة.
وتتباين المواقف في أنقرة بين من يرى في الاتفاق فرصة لتقليص النفوذ الأميركي شرق الفرات دون تدخل عسكري، وبين من يحذر من تحديات محتملة، أبرزها استمرار الدعم الإسرائيلي لقسد والتدخلات الخارجية، كما يظل السؤال مطروحا حول ما إذا كانت تركيا ستقبل بالاتفاق دون ضمانات واضحة تمنع “قسد” من إعادة تشكيل نفوذها داخل مؤسسات الدولة السورية.
الموقف التركي
لم تعلّق أنقرة رسميا حتى الآن على الاتفاق بين الحكومة السورية وقسد، لكن وكالة رويترز نقلت عن مسؤول تركي قوله إن أنقرة تشعر بتفاؤل حذر تجاه الاتفاق بين الحكومة السورية وقوات سوريا الديمقراطية، لكنها تريد رؤية آلية تنفيذه قبل إصدار موقف نهائي.
وأضاف أن الاتفاق لا يغيّر من التزام تركيا بمكافحة الإرهاب أو تمسكها بحل وحدات حماية الشعب الكردية التي تعتبرها أنقرة امتدادا لحزب العمال الكردستاني.
ويرى الباحث في الشأن التركي علي أسمر أن الصمت التركي تجاه الاتفاق قد يكون إشارة إلى الرضا أو تحفظ حذر، لكنه يرجّح أن أنقرة كانت على علم بالمفاوضات بين دمشق وقسد وواشنطن، إلا أنها فضلت البقاء في موقع المراقب، منتظرة كيفية تنفيذ الاتفاق قبل تحديد موقفها النهائي.
ويستبعد أسمر أن يكون تزامن الاتفاق مع دعوة عبد الله أوجلان مجرد مصادفة، معتبرا أن هذه التطورات تعكس تحولات في موازين القوى شمال سوريا، خاصة في ظل الحديث عن انسحاب أميركي وشيك.
ويضيف -في حديث للجزيرة نت- أن الهدف قد يكون إعادة ترتيب التحالفات الإقليمية وفرض وقائع جديدة، للحد من سيناريوهات التقسيم التي كانت مطروحة سابقا.
وعلى الرغم من أن بنود الاتفاق شددت على وحدة الأراضي السورية ومكافحة تنظيم الدولة الإسلامية، وهو ما قد يخدم المصالح التركية، إلا أن الإشكالية -وفقا لأسمر- تكمن في عدم وضوح آلية دمج “قسد” في مؤسسات الدولة.
ويحذر من أن دمج “قسد” دون تفكيكها قد يؤدي إلى وجود “جيش داخل جيش” شبيه بالحشد الشعبي في العراق، مما قد يهدد أمن سوريا واستقرارها، وينعكس سلبا على تركيا التي قد تجد نفسها مضطرة إلى اتخاذ إجراءات لحماية أمنها، مثل إقامة منطقة عازلة على حدودها.
مكاسب مشتركة
يرى الباحث في مركز سيتا للأبحاث كوتلوهان قورجو أن الاتفاق بين دمشق وقسد يحمل دلالات سياسية مهمة، حيث لم يُرفع خلال مراسم التوقيع سوى العلم السوري، ولم يُلقب قائد قسد مظلوم عبدي بـ”جنرال” بل تمت الإشارة إليه فقط بـ”السيد مظلوم عبدي” وهو ما يعتبره إشارة إلى تراجع رمزية “قسد” ككيان مستقل وإعادة تأطيرها ضمن النظام السوري.
كما أن غياب أي إشارة إلى الحكم الذاتي أو الفدرالية في بنود الاتفاق يُعد مكسبا سياسيا لكل من دمشق وأنقرة، ويعكس تغيرا في خطاب “قسد” السياسي.
ويؤكد قورجو -في حديث للجزيرة نت- أن الاتفاق لم يكن مفاجئا لأنقرة، إذ كانت على دراية بالمفاوضات عبر قنوات دبلوماسية غير معلنة مع دمشق، لكنها لم تكن طرفا مباشرًا في المحادثات.
ويقول الباحث السياسي إن الاتفاق أضعف النفوذ الإسرائيلي شمال سوريا، إذ كانت إسرائيل تسعى لاستخدام قسد والطائفة الدرزية كأوراق ضغط ضد دمشق، لكن الأطراف المحلية اختارت المصالحة مع الحكومة السورية بدلا من التوجه نحو إسرائيل، حيث يرى أن هذا التحول قد يعزز استقرار شمال سوريا، لكنه قد يدفع إسرائيل للبحث عن أدوات جديدة لتعزيز نفوذها الإقليمي.
أما فيما يتعلق بالمخاوف الأمنية، فيحذر قورجو من أن عدم خروج العناصر المرتبطة بحزب العمال الكردستاني، أو استمرار أي تهديد أمني، قد يدفع أنقرة إلى إعادة النظر في موقفها، مؤكدا أن الخيار العسكري سيظل حاضرا إذا لم يتحقق الهدف الرئيسي من الاتفاق، وهو تفكيك البنية العسكرية للقوات الكردية، مشيرا إلى أن تركيا عززت وجودها العسكري على حدودها استعدادا لأي تطورات قد تهدد أمنها القومي.
أبرز التحديات
ورغم أن الاتفاق بين دمشق و”قسد” يمثل تحولا مهما في المشهد السوري، إلا أن نجاحه ليس مضمونا في ظل التعقيدات الأمنية والسياسية المحيطة به.
وفي هذا السياق، يرى المحلل الأمني مراد أصلان أن الاتفاق بين دمشق و”قسد” يمثل خطوة إيجابية لسوريا والسوريين، مؤكدا أن البنود المعلنة تصب بشكل واضح في مصلحة الحكومة السورية، حيث تمنحها سيطرة أكبر على الشمال الشرقي وتساهم في إعادة دمج المكونات العسكرية والإدارية تحت مظلتها.
ومع ذلك، يشير أصلان -في حديث للجزيرة نت- إلى أن التحديات أمام تنفيذ الاتفاق لا تزال قائمة، وأبرزها استمرار الدعم الإسرائيلي لقسد، والذي قد يشكل عامل إعاقة رئيسي في حال لم تكن أسس الاتفاق قوية بما يكفي لمواجهة الضغوط الخارجية.
وبرأيه، فإن نجاح الاتفاق يعتمد على قدرة دمشق وحلفائها، وعلى رأسهم أنقرة، على تحصينه ضد أي تدخل خارجي، مشددا على أهمية منع أي محاولة إسرائيلية أو دولية للتأثير على مسار الاتفاق، سواء عبر الضغط السياسي أو محاولات تأجيج الانقسامات داخل قسد نفسها.
المصدر : الجزيرة
—————————
لوموند عن اتفاق الشرع- عبدي: يشكل بادرة حسن نية لترامب ويكبح مساعي إسرائيل وإيران وطموحات تركيا
تحديث 12 أذار 2025
اعتبرت صحيفة لوموند أن الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع كان بحاجة إلى تنفيذ ضربة سياسية لبث حياة جديدة في رئاسته بعد عمليات قتل المدنيين العلويين على أيدي قوات الأمن، وقد أعطاه قائد قوات سوريا الديمقراطية (قسد) ذات الأغلبية الكردية، مظلوم عبدي، انتصاراً يطالب به، من خلال مجيئه إلى دمشق يوم الاثنين 10 مارس/ آذار، لتوقيع اتفاق اعتبر تاريخياً ينص على دمج جميع المؤسسات المدنية والعسكرية التابعة للإدارة الذاتية الكردية في شمال شرق سوريا ضمن الدولة.
الصحيفة أضافت أن هذا الاتفاق الذي تم توقيعه بوساطة الولايات المتحدة، يُعدّ إشارة قوية للوحدة في أعقاب محاولة غير مسبوقة لزعزعة استقرار السلطات في دمشق من قبل أنصار الرئيس المخلوع بشار الأسد. فهو (الاتفاق) يرفض “الدعوات إلى الانقسام” في الوقت الذي يُكافح فيه النظام السوري الجديد، المُنبثق من الفصائل الإسلامية التي أطاحت بالأسد في 8 ديسمبر/ كانون الأول 2024، يُكافح من أجل فرض سلطته في جميع أنحاء البلاد.
كما أن الاتفاق يتعارض مع الضغوط التي تمارس، ولا سيما من جانب إسرائيل وإيران، بهدف تعميق الانقسامات الداخلية، توضح الصحيفة، مشيرة إلى استهداف غارات إسرائيلية، مساء الاثنين، مواقع عسكرية شمال محافظة درعا جنوبي سوريا، تزامناً مع الإعلان عن توقيع هذا الاتفاق.
عدم ثقة ترامب
وتابعت لوموند أن هذا الاتفاق هو بادرة حسن نية موجهة إلى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي ما يزال يزال يبدي شيئا من عدم الثقة تجاه السلطات الجديدة في دمشق، ولم يعلن حتى الآن تأييده لرفع العقوبات التي تخنق الاقتصاد السوري وتمنع أحمد الشرع من الشروع في إعادة إعمار البلاد. كما يمكن لترامب أن يقرر بسرعة سحبا -أو على الأقل- تقليص عدد القوات الأمريكية البالغ 2000 جندي، الموجودين إلى جانب القوات الكردية، مما سيترك هذه الأخيرة دون حماية في مواجهة تهديدات الهجوم التركي.
وأوضحت الصحيفة أن الإدارة الأمريكية مارست ضغوطا شديدة على السيد مظلوم عبدي للتوصل إلى اتفاق مع الرئيس السوري الانتقالي. وكذلك فعلت فرنسا، بحكم قربها الكبير من القوات الكردية، التي دعمتها مع الأمريكيين في إطار التحالف الدولي لمحاربة “داعش”، دون انتظار صدور القرار النهائي بشأن الانسحاب الأمريكي.
يدعو الاتفاق إلى وقف لإطلاق النار يُنظر إليه، من الجانب الكردي، على أنه وعدٌ بإنهاء العمليات العسكرية لتركيا، التي شنت الفصائل السورية المدعومة من قبلها، بعد سقوط بشار الأسد، هجوما جديدا ضد قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، التي تتهمها أنقرة بالارتباط بحزب العمال الكردستاني (PKK)، الذي تصنّفه كمنظمة إرهابية.
كبح الطموحات التركية
مضت صحيفة لوموند موضحة أنه في حين تتركز المعارك حول سد تشرين، تم كبح الطموحات التركية تحت ضغط واشنطن وإصرار أحمد الشرع على التوصل إلى حل سياسي. من جهته، صرّح مظلوم عبدي بالتزامه بمغادرة الأعضاء الأجانب في حزب العمال الكردستاني من سوريا في حال تم التوصل إلى هدنة. وقد منحه نداء زعيم حزب العمال الكردستاني، عبد الله أوجلان، في 27 فبراير/ شباط لحلّ الحزب والتخلي عن الكفاح المسلح، حرية التحرك.
وأشارت الصحيفة الفرنسية إلى أن مظلوم عبدي، الذي تم نقله بواسطة مروحية تابعة للجيش الأمريكي من الحسكة إلى دمشق، استبدل زيه العسكري ببدلة رسمية، ليوقع مع الرئيس السوري المؤقت على خطاب نوايا يضم ثمانية بنود، سيتم تحديد آليات تنفيذها بحلول نهاية العام الجاري 2025 داخل لجان تنفيذية. وقد تكون العملية صعبة فيما يتعلق ببعض القضايا الأساسية التي ستحدد ملامح مستقبل الدولة السورية، تشدد صحيفة لوموند.
يؤكد خطاب النوايا الموقّع عليه أن الأكراد تخلّوا عن مطالبهم الأولية بالحكم الذاتي الإداري والعسكري. فبفضل الحرب الأهلية التي اندلعت عام 2011، أقامت القوات الكردية إدارةً ذاتية على الأراضي الشاسعة التي تسيطر عليها في شمال شرق سوريا، الغنية بالقمح والنفط والغاز، والتي تضم سكانا من الأكراد والعرب، مع مؤسسات تعليمية واجتماعية وعسكرية خاصة بها، تُذكّر الصحيفة الفرنسية.
وخلال لقائه الأول مع مظلوم عبدي في ديسمبر/ كانون الأول 2024، رفض أحمد الشرع طلب قائد قسد بإقامة نظام فيدرالي على غرار إقليم كردستان العراق. وينص الاتفاق على “دمج جميع المؤسسات المدنية والعسكرية في شمال شرق سوريا ضمن إدارة الدولة السورية، بما في ذلك المعابر الحدودية مع العراق وتركيا، ومطار القامشلي، وحقول النفط والغاز”.
وتابعت لوموند بالإشارة إلى أن النص لا يوضح ما إذا كان سيتم النظر في شكل من أشكال اللامركزية الإدارية، ولا كيف سيتم دمج قوات سوريا الديمقراطية في الجيش السوري الجديد؛ مع العلم أن مظلوم عبدي كان قد دافع عن دمج قوات قسد على أساس جماعي، وهو ما رفضه الشرع.
كما يستبعد الاتفاق أيضا إنشاء حصص عرقية وطائفية في توزيع المناصب داخل الدولة السورية، إذ ستتولى قوات الأمن السورية تأمين السجون التي يُحتجز فيها أكثر من 9500 عضو مشتبه بانتمائهم إلى تنظيم ”داعش”، بالإضافة إلى المخيمات التي تستقبل أكثر من 55 ألف سوري وأجنبي من عائلات مرتبطة بالتنظيم الجهادي. وأوضح المتحدث باسم قوات سوريا الديمقراطية، فرهاد شامي، أن انتشارهم لم يكن مخططا له في هذه المرحلة، باستثناء الانتشار في المعابر الحدودية، ولم يطرأ أي تغيير حتى الآن على ملفات النفط، أو تأمين السجون، أو مكافحة تنظيم “داعش”.
ضمان حقوق المواطنة للأكراد
أشارت لوموند إلى أن المسؤولين الأكراد شعروا بالإساءة لهم بعد إقصائهم من مؤتمر الحوار الوطني الذي تم تحت إشراف أحمد الشرع في 25 من فبراير/ شباط لرسم معالم سوريا الجديدة. واليوم، يضع الاتفاق الجديد الأسس للعلاقات المستقبلية بين دمشق و المجتمع الكردي، الذي يُنظر إليه على أنه “مكوّن أساسي من مكوّنات الدولة السورية”، يُضمن له الحق في المواطنة وكامل حقوقه الدستورية، ولا سيما الحقوق الثقافية واللغوية، التي حُرم منها في ظل حكم عائلة الأسد.
كما ينص الاتفاق على عودة الأكراد الذين تم تهجيرهم خلال الحرب، ولا سيما الذين طُردوا من عفرين على يد الفصائل السورية المدعومة من تركيا في عام 2018.
القدس العربي
——————————–
“العربي الجديد” يرصد آراء الشارع الكردي في سورية باتفاق الشرع وعبدي/ سلام حسن
12 مارس 2025
لاقى الاتفاق الذي جرى بين الرئيس السوري أحمد الشرع وقائد “قوات سورية الديمقراطية” (قسد) مظلوم عبدي، ردود فعل واسعة محلياً وإقليمياً وعالمياً، حيث تباينت الآراء في مناطق سيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” شمال شرقي سورية، ولا سيما في المناطق ذات الغالبية الكردية، والتي تعتبر الحاضنة الشعبية لتلك القوات، وحاول “العربي الجديد” استطلاع مجموعة آراء للعاملين في الشأن العام من حقوقيين وصحافيين ومثقفين وكتاب ومهتمين بالشأن السياسي.
وقال الباحث الاجتماعي في الحسكة أحمد البرو لـ”العربي الجديد”، إن الاتفاق من حيث المبدأ إيجابي ويؤسس لحالة من الاستقرار السياسي والأمني والمجتمعي ويمنح الكرد السوريين اعترافاً بوجودهم كمكون أصيل في سورية باعتراف أعلى مستويات القيادة في الدولة، وهو ما كان متعذراً قبل ذلك. وأردف بالقول: “صحيح أن الاتفاق ما زال غير واضح في بعض نقاطه، ولكنه اتفاق جيد ويحقق الكثير من تطلعات الأكراد السوريين، وما زال على القيادات الكردية خوض مفاوضات جادة وشاقة مع السوريين للاعتراف الكامل بحقوقهم الثقافية والسياسية والدستورية وإزالة كل المعوقات القانونية والثقافية التي كانت تحول دون ممارسة الشعب الكردي دوره في بناء سورية سياسياً وأمنياً وعسكرياً”.
بينما قال الصحافي عمر كوجري لـ”العربي الجديد” إن الاتفاق مبدئي، وليس اتفاقاً منجزاً ككل، بمعنى أنه ثمة لجان ستتشكل لتطبيقه خلال مدة ليست قريبة، ولا مأمولة، وربما ثمّة اتفاقات وتفاهمات متممة للنقاط الثماني التي صدرت على الإعلام. وأضاف: “السوريون، وكأنهم كانوا جاهزين لإعلان الاتفاق فبمجرد ما أُعلن عنه، حتى سارعت الجماهير في العديد من المحافظات السورية للخروج إلى الشوارع والاحتفال وإطلاق الرصاص بغزارة، بما فيها المناطق الكُردية التي شهدت مسيرات بالسيارات عارمة، ولاقى الاتفاق ارتياحاً من الأوساط السياسية الكردية، ومن شخص رئيس إقليم كردستان السيد نيجيرفان بارزاني”.
واستدرك بالقول: “لكن هل بنود الاتفاق تلبي طموحات الأكراد؟ أعتقد لا، وباعتقادي أن السيد مظلوم عبدي قائد قوات قسد، غير مخوّل لتوقيع اتفاق في طياته يبدو سياسياً وكذلك عسكرياً، وهناك أحزاب كُردية من المتوجب أن يكون لها دورها الواضح في تفسير هذه البنود التي تحتاج إلى توضيح وتفسير، وكانت هناك جهود لتشكيل وفد كردي موحد يذهب إلى دمشق، ويتفاوض على حقوق الأكراد في سورية الجديدة، بمعنى ربما هذا الاتفاق يسهم في نسف تشكيل الوفد الذي للآن لم يتشكل”. ورأى أن الاتفاق كما يبدو لا يتحدث عن أية خصوصية كُردية، وربما لم يستطع عبدي المجاهرة في هذا البعد، كون “قسد” يحوي العرب والسريان والتركمان وغيرهم، وهو تنظيم عسكري لا سياسي.
بدوره، رأى الناشط الإعلامي جان علي في حديث لـ”العربي الجديد” أن الاتفاقية هي “لإطالة عمر السلطتين اللتين هما سلطتا أمر واقع”، واعتبر أن ما جرى في دمشق قبل أيام في مؤتمر الحوار الوطني “كان من لون وشكل واحد، وما يجري في دمشق يماثله في شمال وشرق سورية وما تقوم به الإدارة الذاتية وقسد وجناحها السياسي مسد”.
وأضاف: “بالنسبة لمضمون الاتفاقية فهو مقبول وخاصة في ما يتعلق بإيقاف الحرب وإيقاف أي عملية اشتباك في سورية بشكل عام وخاصة في المناطق التي يوجد فيها الأكراد في شمال وشرق سورية. ومن الجانب الآخر هناك ملاحظات خاصة في ما يتعلق بمصطلح المجتمع الكردي فنحن شعب ولسنا مجتمعا، فالشعب الكردي هو شعب أصيل يعيش على أرضه التاريخية منذ آلاف السنين، فمصطلح المجتمع عليه تحفظات من المكون الكردي في سورية (…) نجد أنفسنا سوريين كما نرى أنفسنا شعبا يعيش على أرضه ومن حقنا المشاركة في سورية المستقبل لأننا كنا محرومين من جميع الحقوق وفي مقدمتها الجنسية السورية”.
في حين اعتبرت المترجمة بهار مراد من القامشلي أن الاتفاق هو “تعويم لأحمد الشرع بعد أيام من ارتكاب الفصائل المنضوية في وزارة الدفاع السورية مجازر بحق أحد المكونات السورية في الساحل”، مؤكدةً أنها “لا تثق بالحكومة المركزية لأنها في الثلاثة أشهر السابقة بعد سقوط النظام السابق تفردت بالحكم سياسياً وعسكرياً، وفي مؤتمر النصر انضمت فصائل قادتها ملطخة أيديهم بدم الشعب الكردي”.
وأكدت أنه في ما يتعلق ببنود الاتفاق “هناك نقاط يتحفظ عليها الشعب السوري كاعتماد مصطلح المجتمع الكردي بدلاً من الشعب الكردي، وأيضاً ليس هناك أي إشارة إلى صيغة الدولة السورية الجديدة. هل ستكون نظام حكم مركزي أو إدارة محلية أو فدرالية أو لامركزية. وأخيراً عندما وقع أحمد الشرع على الاتفاق كتب رئيس الجمهورية العربية السورية هذا يعني أنه ليس هناك غير العرب في سورية وهو تجاهل لباقي مكونات الشعب السوري”.
وكان الرئيس السوري أحمد الشرع وقائد “قوات سوريا الديمقراطية” مظلوم عبدي وقعا يوم الاثنين اتفاقاً نص على ضمان حقوق جميع السوريين في التمثيل والمشاركة، ودمج كل المؤسسات المدنية والعسكرية في شمال شرق سورية ضمن الدولة، ودعم الدولة السورية في مكافحة فلول نظام بشار الأسد المخلوع والتهديدات الأخرى، ورفض دعوات التقسيم وخطاب الكراهية ومحاولات بث الفتنة.
العربي الجديد
——————————–
توحيد جهود دمشق والأكراد ضد تنظيم «الدولة»… ونتائج التحقيق بأحداث الساحل خلال شهر
هبة محمد
خلال شهر ستعلن لجنة تقصي الحقائق التي شكلتها دمشق للتحقيق بأحداث الساحل السوري، نتائج عملها، فيما أنهت بالفعل اللجنة المكلفة بكتابة مسودة الإعلان الدستوري مهمتها، وذلك في وقت انعكس الاتفاق بين السلطة الجديدة و”قوات سوريا الديمقراطية”، والذي أشادت به تركيا، بعمليات مشتركة ضد تنظيم “الدولة الإسلامية”. ووسط هذا المشهد تواصل إسرائيل تهديداتها وتدخلاتها في الشأن السوري.
وقال المتحدث الرسمي باسم لجنة تقصي الحقائق المحامي ياسر الفرحان في لقاء مع “القدس العربي” إن اللجنة وضعت سياساتها ورسمت استراتيجيتها، وباشرت بعملها فعلا للتقصي والوقوف على الانتهاكات، متعهداً بعدم إفلات الجناة وبأن “لن يكون أحد فوق القانون”.
وتابع: بدأت اللجنة بإجراء اللقاءات الرسمية اللازمة التي تؤمن وتسهل عملها من ناحية وتضمن استقلاليتها من ناحية ثانية، ضمن خطوات سبقت المؤتمر الصحافي الذي شهدته العاصمة دمشق، حيث بنت اللجنة من خلال هذه اللقاءات منهجية العمل وحضّرت جميع اللوائح والقوائم سواء للضحايا أو الشهود أو المتهمين.
وحول الخطوة المقبلة قال: سوف تنتقل لجنة تقصي الحقائق إلى مسرح الجريمة في مدن الساحل، وذلك بعد جدولة الاستماع للشهود والبحث في تأمين الأماكن الأنسب لذلك، وآلية وطرق الحفاظ على خصوصية الشهود.
وذكرت اللجنة خلال مؤتمر صحافي أن التحقيقات، التي ستنتهي خلال 30 يوما، تشمل الأحداث التي وقعت أيام 6 و7 و8 من الشهر الجاري.
جاء ذلك في وقت تحدثت فيه مصادر عن الانتهاء من كتابة مسودة الإعلان الدستوري من قبل اللجنة المكلفة، وسيتم تقديمها إلى رئيس المرحلة الانتقالية أحمد الشرع اليوم الأربعاء.
وفيما يخص الاتفاق بين دمشق و”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) الذي تم برعاية أمريكية، فيبدو أنه سينعكس تعاوناً بما يخص مواجهة تنظيم “الدولة الإسلامية”، إذ أن مصدرا كرديا قال لـ”فرانس برس” إن عمليات مشتركة ستنطلق في الأيام المقبلة في البادية السورية لمحاربة تنظيم “الدولة الإسلامية”، موضحاً أن الاتفاق تم توقيعه برعاية أمريكية.
فيما صرح مسؤول في أحد أحزاب “الإدارة الذاتية” لـ” القدس العربي”، بأن الاتفاق حظي بدعم عربي، وأنه “ما كان ليتم من دون علم تركيا”.
——————————
ما هي حقول النفط التي ستنتقل إدارتها من قسد إلى الدولة السورية؟
11 مارس 2025
كانت حقول النفط والغاز بنداً أساسياً في الاتفاق الذي وقعه الرئيس السوري أحمد الشرع وقائد “قوات سوريا الديموقراطية” (قسد) مظلوم عبدي، الاثنين، والذي يقضي بدمج كل المؤسسات المدنية والعسكرية التابعة للإدارة الذاتية الكردية في إطار الدولة السورية. ونشرت الرئاسة السورية بياناً وقعه الشرع وعبدي جاء فيه أنه جرى الاتفاق على “دمج كل المؤسسات المدنية والعسكرية في شمال شرق سورية ضمن إدارة الدولة السورية، بما فيها المعابر الحدودية والمطار وحقول النفط والغاز”. فما هي الحقول التي كانت تسيطر عليها قسد؟ وما حجم إنتاجها؟
في عام 2015، تأسست “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، وعمودها الفقري وحدات حماية الشعب الكردية، وضمنها فصائل عربية وسريانية مسيحية، وباتت تعد اليوم بمثابة الجناح العسكري للإدارة الذاتية. وتعد “قسد” التي شكّلت رأس حربة في القتال ضد “داعش”، ثاني قوة عسكرية تمسك بالأرض بعد جيش النظام السوري. وتسيطر على نحو ربع مساحة البلاد، حيث يقيم نحو ثلاثة ملايين شخص، أكثر من ثلثهم من الأكراد.
حقول النفط تحت سيطرة قسد
وتشمل مناطق سيطرة تلك القوات اليوم محافظة الحسكة (شمال شرق) حيث توجد قوات النظام في بضعة أحياء عبر مؤسسات في مدينتي القامشلي والحسكة. كما تسيطر على غالبية محافظة الرقة بما فيها المدينة التي شكلت لسنوات معقلاً لتنظيم “داعش”. كما تسيطر على نصف محافظة دير الزور وعلى أحياء في شمال مدينة حلب ومناطق محدودة في المحافظة.
وتقع تحت سيطرة “قسد” أبرز حقول النفط السورية وبينها العمر، وهو الأكبر في البلاد، والتنك وجفرا في دير الزور، فضلاً عن حقول أصغر في الحسكة والرقة. وكذلك حقلا كونيكو للغاز في دير الزور والسويدية في الحسكة.
وتنتشر قوات أميركية ضمن التحالف الدولي بقواعد عدة في مناطق سيطرة الأكراد. كما تنتشر جنوبي سورية في قاعدة التنف التي أنشئت عام 2016، وتقع بالقرب من الحدود الأردنية العراقية، وتتمتع بأهمية استراتيجية كونها تقع على طريق بغداد دمشق.
تفاصيل حقول النفط التابعة لقسد
ووفق وثيقة لقوات سورية الديمقراطية، اطلعت عليها “العربي الجديد” سابقاً حول توزع الآبار جغرافياً والإنتاج في فترة ما قبل الثورة وحالياً، كانت حقول محافظة دير الزور تنتج في الماضي حوالي 130 ألف برميل يومياً، مما شكل ثلث الإنتاج النفطي السوري حينذاك، بينما يُقدر إنتاج الحقول الواقعة في المحافظة تحت سيطرة “قسد” حوالي 15 ألف برميل يومياً، أما الحقول التي كانت تحت سيطرة النظام في المحافظة ذاتها، فيُقدر إنتاجها بحوالي سبعة آلاف برميل يومياً.
أهم هذه الحقول حقل العمر النفطي: يقع على بعد 10 كيلومترات شرق مدينة الميادين. ويُعد من أكبر الحقول النفطية في سورية، وبلغ إنتاجه حوالي 80 ألف برميل يومياً في التسعينيات، بينما حالياً يُقدر إنتاجه بحوالي 20 ألف برميل يومياً ويقع تحت سيطرة “قسد”.
يليه حقل “كونيكو” الواقع شرق مدينة دير الزور وتسيطر عليه “قسد” وكان يُستخدم في السابق لإنتاج الغاز الطبيعي بمعدل 13 مليون متر مكعب يومياً، لكنه حالياً متوقف عن الإنتاج.
حقل الجفرة ويقع شرقي مدينة دير الزور أيضاً، وهو حقل ذو إنتاج قليل، وكان قبل الثورة ينتج نحو ألفي برميل يومياً، واليوم نحو ألف برميل، ويقع تحت سيطرة “قسد”.
أما آبار ومواقع إنتاج النفط في محافظة الحسكة، فتكشف وثيقة “قسد” أن حقول الرميلان التي تقع في أقصى شمال شرق سورية، تأتي أولاً. وهي تضم حوالي 1322 بئراً نفطية و25 بئر غاز في حقول السويدية المجاورة، كان إنتاجها نحو 90 ألف برميل، بينما تراجع إنتاجها مجتمعة إلى نحو 9 آلاف برميل يومياً، في حين ينتج معمل غاز السويدية 13 ألف أسطوانة غاز يومياً، و500 ألف متر مكعب تغذي محطات توليد الكهرباء.
كما تضم محافظة الحسكة حقول الجبسة التي كان إنتاجها السابق بنحو 2500 برميل نفط يومياً، تراجع اليوم إلى نحو ألفي برميل، إلى جانب معمل الغاز المتوقف. ووفق الوثيقة فإن كافة الحقول في محافظة الحسكة، تحت سيطرة “قسد”.
وتتوزع مواقع النفط في محافظة الرقة (شمال وسط سورية)، على حقل الثورة النفطي، الواقع جنوب غربي محافظة الرقة، وحقول الوهاب والفهد ودبيسان والقصير وأبو القطط وأبو قطاش، جنوب غربي الرقة، قرب بلدة الرصافة، وهي آبار ذات إنتاج قليل بالماضي ويقدر إنتاجها حالياً مجتمعة بنحو ألفي برميل يومياً.
الإنتاج النفطي
تقول مصادر غير رسمية أن إنتاج سورية من النفط، أكثر بكثير مما كان يعلنه النظام البائد، بيد أنه في البيانات الرسمية قبل الثورة عام 2011 ونقلاً عن وزير النفط والثروة المعدنية في حكومة الأسد، وقتذاك، سفيان العلاو: بلغ إنتاج سورية خلال عام 2010 ما يقارب 141 مليون برميل من النفط، بمعدل يومي يصل إلى 386 ألف برميل، وبزيادة قدرها 9407 براميل يومياً مقارنة مع عام 2009.
وتحتل سورية المرتبة الـ31 عالميًا في احتياطيات النفط، وتمثّل 0.2% من إجمالي احتياطي النفط العالمي البالغ 1.6 تريليون برميل، بحسب أرقام رصدتها منصة الطاقة في سورية، لكن تسليم نظام بشار الأسد المخلوع حقول النفط بعد الثورة للتنظيمات الكردية، والصراع على تلك المنطقة وتهديم بنى الحقول، تسبب في تراجع الإنتاج.
وقُدّر إنتاج حقول النفط في سورية لعام 2021 بنحو 31.4 مليون برميل، بمتوسط إنتاج يومي 85.9 ألف برميل، يصل منها 16 ألف برميل إلى المصافي، بحسب بيانات وزارة النفط السورية.
وتبدلت خريطة مواقع النفط، بعد أن كانت جميع مواقع وآبار النفط والغاز تتبع لنظام الأسد المخلوع، فمنذ اندلاع الثورة السورية في آذار/مارس عام 2011، سيطرت الفصائل على مناطق إنتاج النفط، بعد انسحاب قوات بشار الأسد عام 2012 من مناطق شمال شرق سورية، ليسيطر تنظيم “داعش” أواسط عام 2013 على مناطق إنتاج الطاقة، ويتقاسم لاحقاً السيطرة والإنتاج مع الجماعات الكردية المسلحة حتى سبتمبر 2017 وقت سيطرت “قوات سورية الديمقراطية” على مدن الحسكة والرقة بالكامل وشرقي دير الزور، التي تضم أكبر 11 حقلاً للنفط في سورية.
وتعاني سورية، منذ سنوات، من أزمتي شحّ القمح والنفط، فيما تسيطر “قسد” على أكثر من 90% من آبار النفط وعلى معظم أراضي إنتاج الحبوب في مدن الحسكة والرقة ودير الزور.
العربي الجديد
——————————-
“قسد” تحاول اعتقال مقاتلين من الجيش السوري رغم الاتفاق مع دمشق/ محمد كركص
12 مارس 2025
شنت “قوات سورية الديمقراطية” (قسد)، حملة مداهمات في ريف دير الزور الشرقي، استهدفت منازل عدد من الشبان المنضمين إلى صفوف الجيش السوري، وذلك رغم الاتفاق الموقع بين الرئيس السوري أحمد الشرع وقائد “قسد” مظلوم عبدي، لدمج القوى الكردية في مؤسسات الدولة.
وقال الناشط في دير الزور وسام العكيدي، لـ”العربي الجديد”، إن اشتباكات اندلعت بين الأهالي وأفراد دورية تابعة لـ”قسد” عقب مداهمتهم منازل مقاتلين من الجيش السوري دخلوا من (بادية الشامية) التي تُسيطر عليها قوات الحكومة السورية، إلى مناطق سيطرة الأكراد (بادية الجزيرة) عبر ضفاف نهر الفرات، دون تنسيق مسبق مع القوات الكردية.
وأشار العكيدي إلى أن المداهمات استهدفت منازل خالد حسين الحردان، وعويد حسين الحردان، وحمود الحسين الحردان، ورياض العواد في بلدة الكشكية، إضافة إلى منازل طريف الفرج وجمعة الفرج في بلدة أبو حمام بريف دير الزور الشرقي. ولم تتوفر معلومات عن تمكن “قسد” من اعتقال هؤلاء الأشخاص، ما يُشير إلى فشلها في تحقيق هدفها خلال العملية.
وتأتي هذه المداهمات بعد أيام قليلة من توقيع اتفاق الاندماج بين الحكومة السورية في دمشق، و”قسد” في شرق وأجزاء من شمال سورية. وشهدت مدن دير الزور والرقة والحسكة احتفالات شعبية ابتهاجاً بهذا الاتفاق، ما دفع “قسد” إلى شن حملة مداهمات جديدة استهدفت المشاركين في هذه الاحتفالات.
يُشار إلى أن “قسد” كانت قد شنت، قُبيل توقيع الاتفاق، حملات اعتقال واسعة وممنهجة في أرياف دير الزور والرقة والحسكة بتهم تتعلق بالتخابر لصالح الجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا، بالإضافة إلى اتهامات كيدية بالتعامل مع تنظيم “داعش”، ما يثير مخاوف من استمرار “قسد” في توظيف الاعتقالات كأداة لتعزيز نفوذها الأمني والسياسي في المناطق التي تُسيطر عليها.
وكان الشرع وعبدي قد وقّعا يوم الاثنين الفائت اتفاقاً تاريخياً يقضي باندماج القوات الكردية ضمن مؤسسات الجمهورية العربية السورية. وأكد الاتفاق على تعزيز وحدة الأراضي السورية ورفض محاولات التقسيم. وقد لاقى الاتفاق ترحيباً من عدد من الدول العربية والخليجية التي أعربت عن دعمها لهذه الخطوة لتعزيز الأمن والاستقرار وبناء دولة المؤسسات والقانون في سورية.
وشهدت عدة محافظات سورية، منها دمشق وحمص وحماة وإدلب والرقة ودير الزور والحسكة، احتفالات واسعة وسط نزول الأهالي إلى الشوارع فرحاً بالاتفاق، معتبرين أنه يمثل مرحلة جديدة من الوحدة الوطنية تحت قيادة واحدة تشمل كافة الأراضي السورية وشعوبها وطوائفها وقومياتها.
العربي الجديد
————————————
الاتفاق بين السلطات السورية والأكراد: أي مصالح يحققها الطرفان
بموجب الاتفاق ستبسط دمشق نفوذها على منطقة جغرافية واسعة غنية بالنفط والقمح، فيما يمنح الأكراد اعترافا بدورهم وهويتهم.
الأربعاء 2025/03/12
مبادرة لاقت ترحيبا في انتظار تنزيلها
دمشق – يحقق اتفاق وقعته الرئاسة السورية والقيادة الكردية الاثنين، ويقضي بدمج مؤسسات الإدارة الذاتية في إطار الدولة السورية، مصالح يحتاجها الطرفان في مرحلة حساسة من تاريخ البلاد.
وينصّ أبرز بنود الاتفاق الذي وقعه الرئيس الانتقالي أحمد الشرع وقائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي في دمشق على “دمج كافة المؤسسات المدنية والعسكرية في شمال شرق سوريا ضمن إدارة الدولة السورية، بما فيها المعابر الحدودية والمطار وحقول النفط والغاز.”
ولم يتحدث الاتفاق عن حل قوات سوريا الديمقراطية، الذراع العسكرية للإدارة الذاتية المدعومة أميركيا، أو تسليم سلاحها، بخلاف ما كانت السلطة السورية قد اشترطته للانضواء تحت مظلة الجيش الجديد.
ويتضمن الاتفاق الاعتراف بالمكون الكردي الذي عانى طيلة عقود خلال حكم آل الأسد من تهميش وإقصاء، بوصفه “مجتمعا أصيلا في الدولة السورية.” وينص على “ضمان حقوق جميع السوريين في التمثيل والمشاركة في الحياة السياسية وكافة مؤسسات الدولة،” في موازاة “رفض دعوات التقسيم وخطاب الكراهية.” والاتفاق المؤلف من ثمانية بنود، هو بمثابة خريطة طريق يُّفترض أن تعمل لجان مشتركة على نقاشها ووضع آليات تنفيذها بمهلة لا تتجاوز نهاية العام.
ووصف عبدي الاتفاق بأنه “فرصة تاريخية” لبناء سوريا جديدة، بينما عمّت احتفالات شوارع مدن عدة في أنحاء البلاد. ويتعهد الأكراد بموجب الاتفاق “دعم الدولة السورية في مكافحتها لفلول الأسد وكافة التهديدات التي تهدد أمنها ووحدتها” في إشارة ضمنية الى أعمال العنف في الساحل السوري.
وجاء توقيع الاتفاق على وقع أعمال عنف شهدتها المنطقة الساحلية في غرب سوريا، راح ضحيتها أكثر من ألف قتيل مدني، غالبيتهم الساحقة من العلويين، على أيدي قوات الأمن ومجموعات رديفة لها، وفق المرصد السوري لحقوق الانسان.
وشكّل التصعيد اختبارا مبكرا للشرع الساعي الى ترسيخ سلطته على كامل التراب السوري، بعدما كان تعهد مرارا بالحفاظ على السلم الأهلي وإشراك كافة المكونات السورية، بمن فيها الأقليات، في إدارة المرحلة الانتقالية.
ويرى الباحث في الشأن الكردي موتلو جيفير أوغلو أن الشرع الذي يواجه ضغوطا دولية كبرى خصوصا بعد أعمال القتل بحق العلويين، “يدرك ضرورة الانخراط مع الأكراد لتقوية موقفه،” إذ يمكّنه ذلك من “تقديم نفسه كقائد ملتزم بضمان تمثيل جميع الهويات في مستقبل سوريا” ومن “تخفيف الضغوط” عنه.
وتحقق دمشق أهدافا أخرى عبر الاتفاق، أبرزها بسط شرعية الدولة على منطقة جغرافية واسعة غنية بالنفط والقمح، وتحتاج السلطات مواردها بشدة على وقع انهيار اقتصادي يعصف بالبلاد بعد 13 عاما من نزاع مدمر.
وتقع تسعون في المئة من حقول النفط في مناطق سيطرة الأكراد، وفق الباحث في الشأن السوري فابريس بالاش الذي يؤكد أنهم يستحوذون كذلك على حصة أساسية من سلة القمح الغذائية. ويكسب الجيش عبر الاتفاق قوة كردية عسكرية منظمة ومدربة، يمكنه التنسيق معها في مواجهة أي تحديات أمنية.
وأشار مصدر من قوات سوريا الديمقراطية الى عمليات مشتركة ستنطلق في الأيام المقبلة في البادية السورية لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية الذي حذرت خمس دول الأحد، بينها سوريا وتركيا، من خطر عودته وتعهدت العمل معا لمواجهته.
اقرأ أيضا:
سلوك لجنة تقصي الحقائق يختبر آفاق الانتقال في سوريا
ولم يتضح مصير إدارة السجون التي يتولاها الأكراد وتضم الآلاف من مقاتلي التنظيم، والتي قال عبدي الشهر الماضي إن سلطات دمشق تريدهم تحت مسؤوليتها. ومنذ وصول السلطة الجديدة الى دمشق، أبدى الأكراد انفتاحا تجاهها، فرفعوا علم الاستقلال ذي النجوم الثلاث فوق مقراتهم، وأعربوا عن استعدادهم الانضمام إلى الجيش، دون حل قواتهم.
لكن السلطة الجديدة استبعدتهم من المشاركة في العملية السياسية وفي مؤتمر حوار وطني عقد الشهر الماضي في دمشق وحدد عناوين المرحلة الانتقالية، بذريعة أنهم لم يلبّوا دعوة الشرع للتخلي عن سلاحهم وحل قواتهم، على غرار ما فعلته فصائل مسلحة أخرى.
ويبدو أن الأكراد نجحوا في الحفاظ على تنظيمهم العسكري، وهو شرط رئيسي تمسكوا به خلال محادثاتهم مع دمشق. ويقول بالانش “لن تندمج قوات سوريا الديموقراطية بالطبع مع هيئة تحرير الشام” الفصيل الذي تزعمه الشرع وقاد الهجوم الذي أطاح الأسد، لكنها “ستحاول التنسيق معها ضد تنظيم الدولة الإسلامية على سبيل المثال ومنع أي قتال بين الطرفين.”
والاتفاق الذي تم توقيعه برعاية أميركية وفق ما قال مصدر كردي، يمنح الأكراد، الأقلية العرقية الأكبر في البلاد والأكثر تنظيما عسكريا وسياسيا، اعترافا بدورهم وهويتهم. ويوضح جيفير أوغلو أنه بعد توقيع الاتفاق “لم يعد ممكنا تهميش الأكراد في صياغة مستقبل سوريا.”
ونما نفوذ الأكراد بعد اندلاع النزاع عام 2011، وإنشائهم إدارة ذاتية، سرعان ما توسّعت مساحتها بعدما شكلوا بدعم أميركي قوة رئيسية في دحر تنظيم الدولة الإسلامية من مناطق واسعة في شمال وشرق البلاد. لكن توسعهم قرب الحدود مع تركيا جعلهم عرضة لهجمات دامية شنتها أنقرة مع فصائل سورية موالية لها منذ 2016 لإبعادهم عن حدودها، ما أحدث موجات نزوح واسعة.
ويأمل المسؤولون الأكراد إعادة سكان عفرين ومناطق أخرى إلى بلداتهم، بموجب الاتفاق. ويأملون أيضا أن يجنبهم المزيد من هجمات تركيا، التي لطالما اعتبرتهم امتدادا لحزب العمال الكردستاني. وجاء توقيع الاتفاق على وقع المحادثات بين تركيا وحزب العمال الكردستاني، الذي أعلن زعيمه عبدالله أوجلان الشهر الماضي، وقف النار مع تركيا وحل الحزب.
——————————
عقبات على الطريق.. ماذا بعد اتفاق قسد والشرع؟/ محمد الصباغ
11 مارس 2025
ثمانية بنود كانت عنوان الاتفاق الموقع بين قوات سوريا الديمقراطية (قسد) والإدارة السورية الجديدة، الذي يقضي بدمج القوات الكردية التي تسيطر على مناطق واسعة شمال شرقي سوريا، ضمن مؤسسات الدولة.
جاء التوقيع في اجتماع بين رئيس المرحلة الانتقالية أحمد الشرع، وقائد قوات “قسد” مظلوم عبدي، وتضمن الاتفاق ضرورة وقف إطلاق النار في كافة الأراضي السورية، ودعم “قسد” لإدارة المرحلة الانتقالية في مواجهتها لما سمتها “فلول الأسد”.
وكان أول بنود الاتفاق “ضمان حقوق جميع السوريين في التمثيل والمشاركة في العملية السياسية وكافة مؤسسات الدولية بناء على الكفاءة بغض النظر عن خلفياتهم الدينية”.
هذا الاتفاق وفق محللين، بمثابة لحظة سياسية جديدة وفرصة لتجنيب البلاد خطر الانزلاق نحو موجة عنف جديدة، لكنه يواجه عددا من التحديات التي قد تعيق تنفيذه.
وأكد عبدي على حسابه بمنصة “إكس”، بعد التوقيع، التزامه بالعمل على تحقيق مرحلة انتقالية تعكس تطلعات الشعب السوري نحو العدالة والاستقرار.
وقال إن “الاتفاق الذي تم التوصل إليه يشكل فرصة حقيقية لبناء سوريا جديدة تحتضن جميع مكوناتها، وتضمن حسن الجوار”.
ويرى المحلل السوري فاضل خانجي، أن الاتفاق “فرصة حقيقية لتجنيب سوريا خطر حدوث موجات عنف جديدة”، مضيفا في حديثه لموقع الحرة أنه “يأتي في ظل مساعي لتشكيل آلية اقليمية بين دول جوار سوريا مع دمشق لمكافحة خطر داعش، وإدارة معضلة السجون ذات الصلة، وهو ما اتضح جليا البارحة في قمة عمان”.
واستضافت العاصمة الأردنية عمّان، الأحد، اجتماعا لمسؤولين من سوريا ودول الجوار الأردن والعراق ولبنان وتركيا، حذّر المشاركون في ختامه من خطر عودة تنظيم الدولة الإسلامية، وأكدوا اتفاقهم على التعاون والتنسيق للتصدي للتنظيم المتطرف.
مدير قسم تحليل السياسات في مركز حرمون للدراسات المعاصرة، سمير العبد الله، قال في حديث لموقع الحرة، إنه “منذ سقوط نظام الأسد، بدأت المفاوضات بين قسد والحكومة الجديدة في دمشق بوساطة أميركية وفرنسية، وكان سقف الطلبات من جانب الطرفين عاليا جدا، لذلك لم يتم التوصل لاتفاق”.
وتابع العبد الله: “لكن مع وصول (الرئيس الأميركي دونالد) ترامب للسلطة، ووعده بالانسحاب من سوريا، شكل ذلك قلقاً وعامل ضغط على قسد للقبول بشروط الحكومة الجديدة”.
ولم يستبعد أيضا أن “الوساطة الغربية والدعم العربي والإقليمي للحكومة الجديدة ساهما في إنضاج الاتفاق”.
تحديات ومخاوف
أصدر مجلس سوريا الديمقراطية، الجناح السياسي لـ(قسد) بيانا، الاثنين، اعتبر فيه أن الاتفاق “كخطوة نحو الحلّ السياسي، نجاحه مرهون بمدى التزام جميع الأطراف بروح التغيير الحقيقي، والعمل على بناء دولة ديمقراطية حديثة تحترم إرادة شعبها، وتحقق طموحاته، وتكون جزءًا من العالم الحر الذي يؤمن بالعدالة وحقوق الإنسان”.
خانجي أشار إلى أن الاتفاق يمثل “حدثا مفصليا ومهما على المستوى السياسي، لكن لا شك أنه سوف يواجه العديد من التحديات”.
الشرع وعبدي بعد توقيع الاتفاق
تشمل “مكافحة فلول الأسد”.. الشرع و”قسد” يوقعان اتفاق اندماج من 8 بنود
أعلنت رئاسة المرحلة الانتقالية في سوريا، الاثنين، توقيع اتفاق يقضي باندماج “قوات سوريا الديمقراطية” ضمن مؤسسات الدولة.
وأوضح أن أبرزها تتمثل في “مقاومة الكوادر الأجانب لحزب العمال الكردستاني لتنفيذ الاتفاق، بجانب التفاصيل التقنية المتعلقة بشكل دمج قسد ومؤسساتها المدنية بالحكومة السورية، ككتلة واحدة أو بإعادة هيكلة أو بشكل هجين”.
من جانبه قال العبد الله، إن الاتفاق “بخطوطه العامة جيد، ويلبي طلبات الطرفين، لكن المشكلة أن بنوده خطوط عامة، ولم يتم الإعلان عن التفاصيل بعد، أو عن الآليات التي يتم من خلالها الاندماج وعودة الحكومة السورية لمنطقة الجزيرة السورية”.
ونصت بنود الاتفاق على أن “المجتمع الكردي مجتمع أصيل في الدولة السورية وتضمن الدولة السورية حقه في المواطنة وكافة حقوقه الدستورية”.
وإلى جانب وقف إطلاق النار، ينص على “ضمان عودة كافة المهجرين السوريين إلى بلداتهم وقراهم وتأمين حمايتهم من الدولة السورية”.
وبموجب الاتفاق، تدعم “قسد” إدارة المرحلة الانتقالية في مواجهتها لما سمتها “فلول الأسد” و”كافة التهديدات التي تهدد أمنها (الدولة) ووحدتها”.
وينص الاتفاق أيضا على “رفض دعوات التقسيم وخطاب الكراهية ومحاولات بث الفتنة بين كافة مكونات المجتمع السوري”.
وأسند البند الأخير للاتفاق مهمة تطبيقه في أجل لا يتجاوز نهاية العام الحالي.
الموقف الأميركي حاسم
كشف تقرير الشهر الماضي، أن وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) تعمل على وضع خطط لسحب القوات الأميركية من سوريا.
وقال مسؤولان في وزارة الدفاع لشبكة “إن بي سي” الأميركية، إن الرئيس دونالد ترامب ومسؤولين مقربين منه أعربوا مؤخرا عن اهتمامهم بسحب القوات الأميركية من سوريا، مما دفع مسؤولي البنتاغون إلى البدء في إعداد خطط للانسحاب الكامل خلال 30 أو 60 أو 90 يوما.
والشهر الماضي، قال ترامب خلال مؤتمر صحفي، إن واشنطن ستتخذ قررا بشأن سوريا فيما يتعلق ببقاء القوات الأميركية هناك، من دون أن يفصح عن مزيد من التفاصيل.
وأكد أن الولايات المتحدة ليست منخرطة في سوريا، قائلا إن “لديها مشاكلها الخاصة وما يكفي من الفوضى، وأن لا حاجة إلى تدخل بلاده هناك”.
يرى العبد الله أن الموقف الأميركي سيلعب دورا كبيرا في دفع الأمور نحو تنفيذ الاتفاق بين قسد والإدارة السورية.
وقال إن الاتفاق يواجه “مجموعة من التحديات على رأسها مواقف بعض المعارضين للاتفاق وعلى رأسهم بعض القيادات القنديلية (من حزب العمال الكردستاني) المتواجدة مع قسد، وكذلك إيران وبعض الدول الراغبة في إثارة المشكلات للحكومة الجديدة، بجانب آليات التطبيق وتشابك الملفات وتعقيدها”.
لكنه لفت إلى أن “تجاوز هذه التحديات متوقف على الموقف الأميركي ومدى رغبته بإنجاح هذا الاتفاق، والتنسيق مع تركيا اللاعب المهم بهذا الملف”.
أما خانجي فاعتبر أن قسد لا تمتلك “خيارا أفضل، في ظل تنامي الشرعية الدولية للحكومة السورية، والانسحاب المحتمل للقوات الأميركية”.
وفي ديسمبر، أعلن البنتاغون أن حوالي ألفي جندي أميركي ينتشرون في سوريا، وهو أكثر من ضعف العدد المعلن لسنوات، الذي كان حوالي 900 جندي.
ووصف متحدث باسم البنتاغون القوات الإضافية البالغ عددها 1100 جندي في ذلك الوقت بأنها “قوات دورية مؤقتة” لفترات تتراوح بين 30 و90 يوما، في حين أن الـ900 جندي الآخرين كانوا “قوات أساسية” يتم نشرهم هناك لمدة تصل إلى عام تقريبا.
ويؤكد البنتاغون أن المهمة العسكرية الأميركية في سوريا تهدف إلى إضعاف تنظيم داعش ودعم الشركاء المحليين هناك، وأبرزهم قوات سوريا الديمقراطية.
محمد الصباغ
الحرة
————————————
لحظة سورية تاريخية وفارقة/ رامي الخليفة العلي
12 مارس ,2025
في لحظة تاريخية حاسمة، أظهرت سوريا للعالم بأسره، أن وحدتها الوطنية هي السد المنيع أمام كل المؤامرات ومحاولات التقسيم. حين سعت قوى الظلام سواء فلول نظام الأسد أو الميليشيات المنتشرة في المنطقة وكذا دول المنطقة التي لا تخفي رغبتها في إعادة سوريا إلى حالة الفوضى وإلى تمزيق النسيج الاجتماعي عبر إذكاء نيران الفتنة الطائفية، ارتفعت سوريا فوق الجراح، وصمدت بشموخ بفضل دماء أبنائها التي روت أرضها الطاهرة. تلك الدماء لم تكن مجرد تضحيات، بل كانت نداءً صارخًا لكل السوريين كي يلتفوا حول وطنهم، بعيدًا عن الانقسامات المصطنعة والولاءات الضيقة. إن القوى الأمنية والعسكرية التي واجهت قوى الغدر والانقلاب لم تكن مجرد أدوات للقتال، بل جسدت رمز السيادة وحامي الأرض والشعب. في المقابل، فإن الفصائل التي خرجت عن السيطرة وساهمت في إشعال نار الفوضى، وسواء بشكل واعٍ أو بشكل غير واعٍ، فإنها لم تكن إلا أذرعًا لأجندات خارجية تلاقت مع الفلول، حيث يعمل هؤلاء من أجل تفكيك البلاد. لذلك، فإن إعادة بناء جيش وطني موحد، يضم كل الطاقات تحت رايته، بات ضرورة ملحة. وهذا ما عكسه الاتفاق الأخير الذي أفضى إلى دمج قوات سوريا الديمقراطية (قسد) ضمن صفوف الجيش، ليؤكد أن السلاح يجب أن يُوجَّه إلى العدو الحقيقي، لا إلى صدور أبناء الوطن. لقد حاول البعض استغلال التنوع السوري لإشعال الفتن، لكنه أثبت أي هذا التنوع في النهاية أنه أحد أعظم نقاط القوة في البلاد. الكردي والعربي، السرياني والآشوري، العلوي والدرزي، وكل مكونات الشعب السوري، أثبتوا أنهم ليسوا إلا خيوطًا متماسكة في نسيج الوطن الواحد. فالضحايا الذين سقطوا دفاعًا عن وحدة البلاد لم تذهب دماؤهم هدرًا، بل كانوا الشعلة التي أنارت الطريق نحو مستقبل أكثر تلاحمًا. إرادة الحياة التي تسري في عروق سوريا كانت وستظل أقوى من كل المؤامرات. رغم المحاولات المستميتة لإغراقها في مستنقع الفوضى، استطاعت سوريا أن تنهض مجددًا، لترسم ملامح فصل جديد من الصمود والعزة. القيادة المسؤولة التي أظهرها الرئيس أحمد الشرع والقائد عبدي مظلوم في لحظة الأزمة جسّدت نموذجًا فريدًا في الحنكة السياسية، حيث اختارا نهج الحوار والتفاهم بدلاً من التصعيد، وأثبتا أن القرارات المصيرية تحتاج إلى قادة بحجم الوطن. الاتفاق الذي جمع بين الشرع مظلوم عبدي لم يكن مجرد خطوة سياسية، بل رسالة واضحة للعالم أجمع: سوريا لن تنكسر. أبناؤها قادرون على تجاوز خلافاتهم وحل مشاكلهم بأنفسهم، بعيدًا عن أي تدخل خارجي يهدف إلى تفتيت البلاد. غير أن هذا الاتفاق ليس نهاية الطريق، بل بداية جديدة تمهد لمستقبل أكثر إشراقًا. إنه مستقبل تُبنى فيه دولة قوية عادلة، تحتضن جميع أبنائها دون استثناء، وتعوضهم عن سنوات الحرب والدمار، لتعود شامخة من جديد، رمزًا للصمود والوحدة في وجه كل التحديات.
* نقلا عن “عكاظ”
—————————
هذا ما يقسم سوريا/ رستم محمود
الحاكمون الجدد لا يُظهرون سلوكيات ذات قطيعة جذرية مع سوريا التي كانت
آخر تحديث 12 مارس 2025
نعم سوريا دولة قابلة للتقسيم، سواء بشكل “شرعي” ناجز، أو عملي على أرض الواقع. فمثل كل الكيانات الأخرى، يُمكن لسوريا أن تفقد مقوماتها كدولة موحدة، كما حدث في مرات لا تُعد عبر التاريخ. أو قد تكون عُرضة لأشكال من التطلعات والاستراتيجيات الأجنبية، الإقليمية والدولية، التي قد تحرض وتدفع لحدوث ذلك، تبعا لمصالحها ورؤاها.
لكن إمكانية حدوث ذلك الأمر موضوعيا ومنطقيا بشكل مجرد شيء، وتحققه وتحوله إلى حقيقة سياسية وجغرافية على أرض الواقع، شيء آخر تماما.
بين الأمرين ثمة العامل المحلي، المتكون من مجموع الساسة ونُخب العمل العام وقادة الرأي، لكن أولا ثنائية القائمين على السلطة الحاكمة والسيادة العامة، وإلى جانبهم مؤسسات وأجهزة الدولة.
فإذا كانت كل دول العالم قابلة للتقسيم من حيث المبدأ، وثمة دون شك من يُحرض ويدفع لذلك، فإن حدوث الأمر وتحققه نادرا ما يجري على أرض الواقع، بين مرحلة تاريخية وأخرى، هو نتيجة العمل الدؤوب والفعال الذي يقوم به الفاعلون الداخليون، من خلال إنتاج شبكة لا متناهية من المصالح المادية والأواصر الرمزية بين أبناء شعب هذه الدولة أو تلك، ليصيروا حسبها ممتلئين بحس الأمان المتبادل ووحدة الحال وحتمية المصير المشترك، ويستشعرون خوفا مضمرا من إمكانية تفكك تلك الروابط عبر تقسيم بلادهم المشتركة.
في سوريا اليوم، لا يبدو ذلك الفاعل الداخلي بأحسن أحواله قط. بل على العكس تماما، يبدو أقرب لإتمام دائرة العوامل المحرضة والمتطلعة للإطاحة بالكيان السوري.
فإذا كانت أطراف إقليمية ودولية، لا تُحصى لكثرتها، تريد الاستثمار في الهشاشة السياسية والجغرافية والأمنية السورية الراهنة، لأن سوريا دولة بموقع جيوسياسي عُقدي استثنائي، وجامعة لعدد كبير من الحساسيات السياسية والجماعات الأهلية، وواقعة في هذا الظرف التاريخي الخاص، تُغوي كل الطامحين لمراكمة أدوات النفوذ وأعتدة السيطرة عليها، فإن القائمين على سلطاتها الحاكمة وسيادتها العامة اليوم، يبدون وكأنهم يفعلون كل شيء لأن تتحول تلك التطلعات الخارجية إلى أمر واقع على الأرض، وربما حقائق سياسية وشرعية في المستقبل المنظور.
فالحاكمون الجدد الذين صعدوا إلى السلطة في البلاد بعد ستة عقود من الاستبداد السياسي والشمولية الأمنية، لا يُظهرون سلوكيات وتطلعات وخطابات ذات قطيعة جذرية مع سوريا التي كانت. وتاليا يثبتون مجموعة الحقائق والوقائع التي أنتجتها وأفرزتها حقبة الاستبداد الأسدي، من تفرد بالسلطة وتأميم للسياسة ومركزية في الحكم وواحدية في الرؤية الأيديولوجية، التي استولدت متضامنة كل هذه القابلية السورية للتفتت.
فما معنى أشياء مثل أن “يُنتخب” رأس هرم السلطة الجديدة من مجموعة قادة الفصائل المسلحة، الذين اختارهم هو بنفسه ودعاهم لانتخابه؟ أو رفض السلطة الجديدة محادثة أو محاورة أي من القوى السياسية في البلاد، حتى التي قضت جُل سيرتها السياسية في مقارعة ومعارضة النظام السوري، والإصرار على أن العمل السياسي بالنسبة لها هو مجرد نقاش بين السلطة ومجموعة من الأفراد فحسب. أو عدم اعتدادها بهواجس أبناء الجماعات الأهلية الأقل عددا. أو الذهاب بعيدا في الولاء والارتباط مع طرف إقليمي جامح في تطلعاته للسيطرة على سوريا. وإلى جانبها أشياء من مثل: الهيمنة التامة على كل مؤسسات الحكم التنفيذية والتشريعية والقضائية، واحتكار تفسير الثورة السورية والاستحواذ على ثروات البلاد المادية وتركتها الرمزية، والتهرب المستدام من أي التزام قانوني تجاه المؤسسات الدولية، تحديدا الأمم المتحدة، وفيض من العسكرة في أشكال الحياة العامة، وحوار وطني شكلي، ولجنة وإعلان دستوري مطابق لما كانت عليه مواثيق الأسد… إلخ.
موضوعيا، هل يفعل مجموع تلك التوجهات والممارسات شيئا غير زيادة “الهشاشة الوطنية” وتفتيت أواصر الثقة المتبادلة بين السوريين ومؤسسات دولتهم ومستقبل عيشهم المشترك؛ وتاليا تقزيم قدرتهم على المناعة الذاتية تجاه كل تطلع أو محاولة أجنبية.
ولأن الكيان السوري حسب ذلك، يكون كيانا مملوكا ومحكوما من جماعة أهلية سورية واحدة فحسب- وعمليا من فئة صغيرة من أبناء تلك الجماعة- وفقير الخيال والقدرة على الاستيعاب، ومتخما بروح العسكرة والقسر، وغير قابل لأن يُعيد ترتيب نفسه في مواجهة التحديات.
في خمسينات القرن المنصرم، شهدت سوريا مرحلة هشاشة داخلية طويلة، جرت خلالها انقلابات عسكرية متتالية، مع نفوذ واضح لكل من مصر والعراق على الحزبين الرئيسين في البلاد، إلى جانب صراع طائفي ومناطقي مستتر على حُكم البلاد. مع كل ذلك، بقيت الوحدة الكيانية لسوريا مصانة تماما. حدث ذلك بفضل قوة مؤسسات الدولة وسعة صدر النخبة الحاكمة ورحابة الحياة العامة في البلاد.
بعد سنوات قليلة، حوّلت الأسدية سوريا إلى كتلة صماء، مغلقة على نفسها تماما، واحدية الرؤية وشديدة العسكرة والمركزية، فصنعت كل أسباب التفتت السوري.
————————–
ضربة معلّم: الشرع يصوّب على التقاطع الإسرائيلي الإيراني/ ابراهيم ريحان
2025-03-12
تسعى إسرائيل إلى فرض شروطٍ سياسيّة وأمنيّة على القيادة السّوريّة الجديدة. تدخلُ هذه الشّروط في إطار “تغيير الشّرق الأوسط” الذي أعلنَه قبل أيّام قليلة رئيس…
news
الكاظمي في العراق: هل وصل الطّوفان إلى بغداد؟
ماذا وراء عودة رئيس الوزراء العراقيّ السّابق مصطفى الكاظمي إلى بغداد؟ هل يحملُ مشروعاً سياسيّاً؟ وهل لعودته ارتباطٌ بوصولِ “زلزال الشّرق الأوسط” الذي ضربَ لبنان…
news
إسرائيل في جنوب سوريا.. بداية “حلف دويلات الأقلّيّات؟”
ماذا تُريد إسرائيل من جنوب سوريا؟ ولماذا أعلن رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو تقديم “الحماية” للأقلّيّة الدّرزيّة هناك مُطالباً بعدم دخول قوّات الجيش الجديد المنطقة؟ …
كيف وجّه الرّئيس السّوريّ أحمد الشّرع ضربةً لتقاطع مصالح إسرائيل وإيران في سوريا؟ وما هي الأسباب التي أدّت إلى الاتّفاق بينه وبين قائد قوّات سوريا الدّيمقراطيّة مظلوم عبدي؟
ضربَ الرّئيس السّوريّ أحمد الشّرع مُخطّط تقسيم بلاده بحجر الاتّفاق مع قوّات سوريا الدّيمقراطيّة. جاءَت الصّورة التي جمَعَت الشّرع وقائد “قسد” مظلوم عبدي عقبَ توقيع اتّفاقٍ تاريخيّ يقضي بدمج قوّات “قسد” بالجيش السّوريّ ورفضِ التّقسيم بشكلٍ واضح، في توقيت يصلُحُ فيه أن تصحّ تسمية الاتّفاق بـ”ضربة معلّم”.
قبل توقيع الاتّفاق بين الشّرع وعبدي، كانَت الأحداث في جنوب سوريا وشمالها الشّرقيّ وساحلها تشير إلى أنّ تقسيم البلاد التي مزّقتها سنوات الصّراع مع حكم آل الأسد آتٍ لا محالة.
يقول مصدرٌ في الإدارة السّوريّة لـ”أساس” إنّ بصمات إيران كانت واضحة في أحداث السّاحل السّوريّ، وإنّ ما حصلَ في السّاحل من محاولةٍ انقلابيّة لإنشاء دويلة علويّة هناك كانَ بدعمٍ من الحرس الثّوريّ الإيرانيّ. كذلكَ رصدَت الإدارة السّوريّة وتركيا محاولات إيرانيّة لاستغلال الملفّ الكرديّ في شمال شرق سوريا لتحريك جماعات مرتبطة بحزب العمّال الكُردستانيّ.
يكشف المصدر أنّ ما جرى في السّاحل كانَ مخطّطاً له أن يبدأ في منتصف الأسبوع الجاري، لكنّ انكشاف خليّةٍ لفلول النّظام السّابق في منطقة جبلة أدّى إلى تحرّك بقيّة الخلايا في مناطق السّاحل في طرطوس واللاذقيّة وبانياس.
ضربَ الرّئيس السّوريّ أحمد الشّرع مُخطّط تقسيم بلاده بحجر الاتّفاق مع قوّات سوريا الدّيمقراطيّة
تتقاطع إيران مع إسرائيل في مُخطّط التقسيم في سوريا على الآتي:
تطمحُ إسرائيل إلى إنشاء دويلة درزيّة في جنوب سوريا تكون منطقةً عازلةً عن حدود الجولان السّوريّ المُحتلّ، وصورةً مُكبّرةً عمّا كانَ عليه جيش “لبنان الجنوبي” بقيادة أنطوان لحد في جنوب لبنان.
إيران بدورها تُحاول إنشاء دويلة للعلويّين لسببَيْن:
الأوّل: جغرافيا السّاحل السّوريّ عند البحر الأبيضِ المُتوسّط، وهو ما تراهُ طهران بديلاً عن الخطّ البرّيّ (طهران – بغداد – دمشق – بيروت) بعد انقطاعهِ بسقوط بشّار الأسد. ولذلك تكونُ شواطئ السّاحل السّوريّ معبراً جديداً لنفوذ إيران نحوَ ساحل المُتوسّط وتمرير السّلاح والأموال إلى سوريا ولبنان.
الثّاني: استخدام الدّويلة العلويّة مبرّراً لتدخّلها في سوريا تحت عنوان “حماية الأقليّة الشّيعيّة” بجميع مُتفرّعاتها (الاثني عشريّة، العلويّة، والإسماعيليّة).
تتقاطع طهران وتل أبيب على دعمِ الانفصال الكُرديّ. إذ تريدُ إسرائيل بذلك تبرير تدخّلها في سوريا تحت عنوان “حماية الأقليّتَيْن الكُرديّة والدّرزيّة”، وترى إيران في الانفصال الكُرديّ عنواناً مُناسباً لدعم الانفصال العلويّ في السّاحل السّوريّ.
الأهمّ أنّ إسرائيل كانت تطمح إلى أن يكونَ نفوذها في “الدّويلة الكُرديّة” عند حدود تركيا التي باتَ نفوذها على حدود إسرائيل في دمشق. وترى إيران في دعمِ الانفصاليين الأكراد في سوريا ردّاً على دور أنقرة في الإطاحة بنظام بشّار الأسد وما تلاه من ضربِ نفوذها على الجغرافيا السّوريّة وضربِ الحجر الأساسِ في “الهلال الشّيعيّ” الذي عمِلَت إيران على تحقيقه منذ سقوط نظام صدّام حسين في العراق في ربيع عام 2003.
إسرائيل كانت تطمح إلى أن يكونَ نفوذها في “الدّويلة الكُرديّة” عند حدود تركيا التي باتَ نفوذها على حدود إسرائيل في دمشق
كيف ضُرِبَ التّقاطع الإيرانيّ – الإسرائيليّ؟
أوّل ضربةٍ لأطماع تل أبيب وطهران كانت عبر النّداء الذي أصدره زعيم حزب العمّال الكُردستاني عبدالله أوجلان لإلقاء السّلاح واللجوء إلى الحلّ السّياسيّ للقضيّة الكُرديّة. فأوجلان الكُرديّ كانَ مُتحالفاً طوال سنوات تمرّده ضدّ تركيا مع نظام حافظِ الأسد حتّى توقيع اتّفاق أضنة بين دمشق وأنقرة الذي أخرجه من سوريا. كانَ أوجلان يعملُ تحت إشراف جميل الأسد وبالشّراكة مع زعيم ميليشيا “المقاومة السّوريّة في لواء إسكندرون” علي كيّالي (معراج أورال)، وهو كُرديّ – علويّ.
هذا يعني أنّ بيان أوجلان لم يُشكّل ضربةً فقط في شمال شرق سوريا، بل حتّى لفلول النّظام الذين كانوا يُراهنون على انضمام الانفصاليين الأكراد في معركتهم ضدّ الإدارة السّوريّة.
الضّربة الثّانية كانَت وأد المحاولة الانفصاليّة في السّاحل السّوريّ. وعلى الرّغم من وقوع تجاوزات طالَت العديد من أبناء الطّائفة العلويّة، إلّا أنّه يُسجّل لأحمد الشّرع اعترافه بوقوع هذه التجاوزات، وتعهّده بشكلٍ شخصيّ بإجراء تحقيقات ومحاسبة المُرتكبين.
الضّربة الثّالثة جاءَت في اتّفاق الشّرع – عبدي. وهي ضربة قاسية لمشاريع التقسيم في سوريا، إذ يقطع هذا الاتّفاق الطّريق على نوايا طهران وتل أبيب لزعزعة استقرار سوريا وإنشاء “دويلات” على أرضها.
في هذا الإطار، علم “أساس” أنّ القيادة السّوريّة تعملُ على إبرام اتّفاقٍ مع الفاعليّات الدّرزيّة في جنوب سوريا يضمنُ عدم التّعرّض للدّروز واندماجهم في الدّولة، مع إمكانيّة الأخذ في الاعتبار إنشاء نظام ضريبيّ لامركزيّ. ولا تنفي المصادر إمكانيّة أن تتّخذ الإدارة السّوريّة خطوات من شأنها إعادة الاستقرار إلى السّاحل السّوريّ وطمأنة المواطنين العلويّين.
أوّل ضربةٍ لأطماع تل أبيب وطهران كانت عبر النّداء الذي أصدره زعيم حزب العمّال الكُردستاني عبدالله أوجلان لإلقاء السّلاح واللجوء إلى الحلّ السّياسيّ للقضيّة الكُرديّة
ما هي الأسباب التي أدّت إلى إبرام الاتّفاق بين الشّرع وعبدي؟
لعبت المُتغيّرات الإقليميّة والدولية دوراً مركزيّاً في تسريع إبرام الاتّفاق بين الإدارة السّوريّة و”قسد”، وأبرزها:
شكّلَ وصول دونالد ترامب إلى السّلطة في الولايات المُتّحدة دافعاً أساسيّاً في إبرام الاتّفاق. إذ إنّ الرّئيس الأميركيّ، على عكس سلفهِ جو بايدن، تجمعه علاقة متينة بالرّئيس التّركيّ رجب طيّب إردوغان، الذي كان يُلوّح بعمليّة عسكريّة ضدّ “قسد” منذ ما قبل سقوط بشّار الأسد.
التّصريحات التي أطلقها الرّئيس ترامب أكثر من مرّة، والتي تؤكّد عدم إيلائه اهتماماً بالملفّ السّوريّ. وهذا من شأنِه أن يرفع منسوب القلق لدى الأكراد من أن يشنّ إردوغان عمليّة عسكريّة من دون ردعٍ أميركيّ.
الجهودُ التي بذلها زعيم الحزب الدّيمقراطي الكردستانيّ مسعود البارزاني بين أنقرة ومظلوم عبدي لتجنّب العمليّة العسكريّة التّركيّة.
الدّور غير المُعلَن للاستخبارات البريطانيّة MI6، إذ تطمحُ لندن أن تكونَ مناطق شمال شرق سوريا مُستقرّة، نظراً لاهتمامات لندن بإعادة عمل الشّركات البريطانيّة في حقول النّفط السّوريّة في الحسكة ودير الزّور. وهنا تجدرُ الإشارة إلى العلاقة المتينة للاستخبارات البريطانيّة مع الطّرفيْن الأساسيَّيْن في الصّراع في شمال شرق سوريا، أنقرة و”قسد”.
أساس ميديا
——————————
سوريا أمام تحدٍ: الوحدة أو صراع بين السلطة والأقليات!/ جورج حايك
2025-03-12
تمر سوريا في مرحلة مصيريّة ستحدّد هويتها المستقبليّة ما بين خيارين: الوحدة أو الصراع بين السلطة الجديدة التي يمثّلها الرئيس أحمد الشرع واستمرار الفوضى وحالة عدم الاستقرار، ولعل الأحداث في الأيام القليلة الماضية بين الجيش السوري وفلول نظام بشار الأسد المنتمين إلى الطائفة العلوية في الساحل السوري، دقّت ناقوس الخطر، بصرف النظر عن ارتباط هذه الفلول بإيران و”حزب الله” من جهة، والمجازر التي ارتكبت بحق المدنيين من جهة أخرى.
منذ سقوط نظام الأسد، كان الهاجس الأول للأقليات العلوية والمسيحية والكردية والدرزية والشيعية، مدى قدرة السلطة الجديدة على استيعاب هذا التنوّع وحمايته، وكان هذا أيضاً الهمّ الأول لدى المجتمع الدولي.
للوهلة الأولى قدّم الشرع خطاباً ايجابياً مطمئناً لهذه الأقليات التي كانت لها تجربة غير موفّقة مع “هيئة تحرير الشام” التي تزعّمها الشرع، بسبب الانتهاكات التي ارتكبتها الفصائل في شمال غرب سوريا قبل أن تغيّر سلوكها في الأعوام الأخيرة.
لا شك في أن حكومة الشرع المؤقتة تمثّل الأغلبية السنية في سوريا لأول مرة منذ أكثر من 45 عاماً من الحكم الذي هيمنت عليه الأغلبية العلوية التي كان ينتمي إليها حافظ الأسد، وربما الثغرة الأساسية في السلطة الجديدة هي عدم ضبطها للأرض جيداً، بحيث ينتشر بعض الفصائل المتطرفة الذي ينشر خطاب الكراهية، ليتبيّن أنه بين كلام الشرع الايجابي وبعض الممارسات الشاذة هوة كبيرة، والمؤسف أن بعض الدول الاقليمية والدولية تتسلل للإستثمار في هذا الموضوع الحسّاس، مستغلّة حالة “المظلومية” لدى بعض الأقليات لإثارة المشكلات وخصوصاً إيران التي لم تهضم بعد خسارتها للورقة السورية.
واللافت أن ايران ليست الجهة الوحيدة التي ترى مصلحة لها في إضعاف السلطة الجديدة وبقاء سوريا في حالة عدم استقرار، بل إن اسرائيل التي استغلت منذ فترة المواجهات بين سلطة الشرع والدروز في السويداء، يهمّها أن تجد تبريرات لوجودها في سوريا وقد أبدت استعدادها أخيراً لحماية الدروز في أي مواجهة مع الجيش السوري الجديد.
ويرى الصحافي السوري مازن البدوي المقيم في الخارج أن سوريا يتنازعها تياران اليوم: الأول يتمثّل في بعض الأقليات الذي يريد الخروج عن إطار الدولة الحديثة والتوجّه نحو الدويلات الطائفية والعرقية أي نوع من الفيدرالية أو حتى التقسيم. والثاني الذي يتمثّل في الشرع وحكومته اللذين يريدان سوريا موحّدة في إطار دولة قانون ومؤسسات حديثة وديموقراطية.
لا شك في أن تدخلات ايران وتركيا واسرائيل وتذرّعها بحماية الأقليات في سوريا، تُلحق الضرر بالمجموعات الطائفية والعرقية، بدلاً من مساعدة السوريين في بناء دولة تقوم على المواطنة المتساوية. وهدف هذه الدول أولاً وأخيراً التدخل السياسي والاقتصادي وتفتيت البلد وشعبه، وفق البدوي.
ما حصل منذ أيام من معارك في الساحل يؤكّد أن بعض الأطراف الخارجية كإيران ضالع فيه، وهذا خطأ من الفئة المسلّحة العلوية التابعة للأسد، أما السلطة فارتكبت خطأ لا يقل خطورة عندما خرج بعض العناصر عن انضباطه وتسبب في مقتل ما لا يقل عن 1300 شخص، ثلاثة أرباعهم من المدنيين.
ووفقاً لـ “المرصد السوري لحقوق الإنسان”، تبيّن أن المجازر ارتكبت من كلا الجانبين، وكان من بين الضحايا رجال ونساء وأطفال وكبار السن، ومن بين القتلى عائلات بأكملها.
وقد اعترف الشرع بالأخطاء التي ارتكبت وكلّف لجنة استقصاء حقائق لمعرفة المعتدين، ولم ينفِ أن هذه المعارك أخّرت مسيرة بناء الدولة الجديدة، وأفقدت الثقة بالشرع نفسه، بحيث أصبحت طمأنته للأقليات غير موثوقة، وباتت الثقة الآن في أدنى مستوياتها، وأنظار المجتمع الدولي تتجه إلى طريقة تعامل الشرع مع أنصاره المتطرفين وإنزاله أقصى العقوبات في حقّهم.
ويشير البدوي إلى أن سوريا تحتاج إلى مؤتمر حوار وطني، يتم فيه اختيار ممثلين عن جميع القوى السياسية والأحزاب والمثقفين، بما في ذلك المتدينين، ما سيمهّد الطريق لعملية الانتقال وتشكيل لجان لصياغة دستور جديد للبلاد ومناقشة العديد من القضايا الملحة.
لكن الرئيس الشرع أقدم على خطوة استراتيجية ذكية بعد الأحداث المؤسفة التي سبّبت امتعاضاً دولياً، وهي توقيعه اتفاقاً مشتركاً مع قائد “قوات سوريا الديموقراطية” أي الأكراد مفاده اندماج قوات “قسد” ضمن مؤسسات الدولة السورية وضمان حقوق جميع السوريين في التمثيل والمشاركة السياسية ومؤسسات الدولة كافة بناءً على الكفاءة، بغض النظر عن خلفياتهم الدينية والعرقية.
نص الاتفاق على الاعتراف بالمجتمع الكُردي كجزء أصيل في الدولة السورية، وضمان حقوقه الدستورية والمواطنة الكاملة، ووقف إطلاق النار في الأراضي السورية كافة، ودمج كل المؤسسات المدنية والعسكرية في شمال شرق سوريا ضمن إدارة الدولة السورية، بما فيها المعابر الحدودية والمطارات وحقول النفط والغاز.
من جهة أخرى، يوضح الصحافي البدوي أن الشرع قد يُقدم على اتفاقيات أخرى في المستقبل القريب مع الدروز والمسيحيين والعلويين. وهذا ما سيسمح له بالعمل بهدوء خلال المرحلة الانتقالية التي يتوقّف نجاحها على مبدأ التشاركية، بحيث ينبغي إشراك جميع مكونات المجتمع السوري، والافادة من الكفاءات الوطنية في إدارة البلاد. ومن هذا المنطلق، فإن تشكيل هيئة استشارية واسعة، تضم شخصيات من مختلف الأطياف والخلفيات، سيكون خطوة ضرورية لضمان عملية انتقالية أكثر توازناً.
كل ذلك، لن يجنّب سوريا بعض المشكلات، لأن جزءاً من الأزمة يتعلّق بالتدخلات الأجنبية، وفق البدوي، فهناك إسرائيل المجاورة، التي استهدفت الجيش السوري مباشرة بعد سقوط الأسد، واتخذت مواقع إضافية في مرتفعات الجولان، وتقدم نفسها كمدافع عن الأقليات السورية. تنظر إسرائيل إلى النفوذ التركي المتزايد في دمشق بريبة، وخصوصاً بعد موقف أنقرة القوي بشأن غزة. ولا تزال روسيا تتفاوض على مصير قواعدها البحرية والجوية في سوريا، وتحديداً في المنطقة التي اندلعت فيها الاضطرابات. والمفارقة أن إسرائيل تفضل وجود روسيا على حدودها بدلاً من تركيا.
ولا بد من الاعتراف بأن “القلّة بتولّد النقار”، والوضع الاقتصادي في سوريا ليس على ما يُرام، ولن يتحسّن إلا بعد رفع العقوبات الأميركية والدولية عنه، وهذه الخطوة لن تحصل إلا بعدما تُثبت السلطة مصداقيتها في المحافظة على الشعب السوري بكامل أطيافه.
—————————-
اتفاقية آذار – سوريا/ صلاح علمداري
تحديث 12 أذار 2025
في العاشر من آذار عام 2025 أُبرِمت بالخطوط العريضة و في عرف بروتوكولي رسمي اتفاقية تاريخية بين إدارة شمال شرق سوريا و الحكومة المؤقتة في دمشق , وقع عليها كل من الرئيس السوري للمرحلة الانتقالية أحمد الشرع و قائد قوات سوريا الديمقراطية الجنرال مظلوم عبدي , و قد تم ذلك بحضور شهود و وسطاء دوليين …..
هكذا سيسجل في كتب التاريخ .
الاتفاق – من وجهة نظري – هو مبدئي و بالخطوط العريضة , بنوده هي خلاصة النقاشات التي تمت في أكثر من لقاء ستتحول الى تفاصيل من خلال لجان متخصصة محكومة بسقف زمني مذكور في الاتفاق نفسه .
قد تسير الأمور بسلاسة و قد تتعثر في التفاصيل لكنها في جميع الأحوال وثيقة مهمة جداً بمعناها و طابعها البروتوكولي الرسمي بين طرفين نِدّين مع تسجيل ملاحظة سالبة هنا هي : تزامن التوقيع مع مجازر الساحل السوري التي هي محل سخط و إدانة رغم أن الاتفاق جاهز منذ شهر على الأقل كما تقول التسريبات .
لا أخفي سعادتي ككردي و كسوري من رؤية الأطراف السورية تُغلِّب لغة الحوار و التفاوض على لغة التصعيد و العنف, تتفاوض و تتصافح .. بغض النظر عن ملاحظاتي على هذا و ذاك ,عن خطاب و سلوكيات هذا الطرف أو ذاك .
على الصعيد الوطني , يشكل الاتفاق (اذا صدقت النوايا ) علامة فارقة و محطة تاريخية في حياة السوريين , إذ سيوثّق عُرى الشراكة و يعزز مفهوم الوطنية , سيسرع من وتيرة النهوض , سيضع حدا للشكوك بنوايا “الكرد” و “قسد” و سيُحرج المحرضين و تجار الكلام , العنصريين و المتطرفين , سيخفف من لهجة العداء المستشرية بين المكونات السورية و يعزز لغة الحوار و يضخ في الشارع الوطني دفأ و أملا بعد عقد ونصف من الدمار و الانكسار…
على الصعيد الكردي : يعد هذا الاتفاق أول وثيقة رسمية مزيّلة بتوقيع رئيس للجمهورية , تُقرّ بخصوصية الكرد السوريين و تضمن كامل حقوقهم الدستورية , فهي من حيث المردود السياسي ترتقي إلى سوية إتفاق الحكم الذاتي لكردستان العراق الموقع بين صدام حسين و الملا مصطفى البارزاني عام 1970 و الصدفة أنه كان في 11آذار , يدعو الاتفاق أيضاً إلى تيسير و ضمان إعادة المهجرين الكرد إلى مدنهم و قراهم و هذا يعني إفشال جزئي على الأقل لمشروع التغيير الديمغرافي الذي دأبت تركيا خلال السنوات الماضية على تنفيذه , تعزيز شعور الانتماء السوري لدى الكردي و إعادة الاعتبار لشخصيته التي تعرضت للطعن و الإساءة على مدار عقود في الخطاب الرسمي كما في فضاءات نخبوية خارج السلطة…. ناهيكم عن أن الاتفاق سيغلق باب الحروب و يضع حداً للتهديدات التركية بالاجتياح مع تسجيل ملاحظة هنا هي أن الجنرال مظلوم يخوض معركة تقرير المصير بمفرده أيضاً , أو بمعية دائرته الضيقة , كأية معركة عسكرية , ربما يبلي فيها حسناً أيضاً , لكن دقة المرحلة كانت تقتضي الاستفادة من استشارات سياسية و قانونية ضمن الدائرة الكردية الأوسع بل و مرجعية يعود إليها.
على صعيد الحكومة الانتقالية في دمشق , يعد الاتفاق انتصاراً لعقلية الدولة على عقلية العصبيات و الفصائلية , يضمن عودة ثلث مساحة سوريا و سلة غذاء السوريين للالتحام مع الكل , إلى التابعية للمركز بأقل الخسائر ( و هذا يسجل للفريق الحاكم ) بعد انقطاع دام أكثر من عقد من السنين , الاتفاق مع قسد و الكرد سيسهل مفاوضات دمشق مع أهلنا في السويداء و الجنوب و لاحقا مع أهل الساحل إضافة إلى أن التوقيع على هذا الاتفاق و في هذا التوقيت قد يخفف السهام الموجهة من دول العالم و المنظمات الإنسانية للرئيس الشرع نفسه و لأركان حكمه بعد مغامرتهم غير المحسوبة في الساحل و الجرائم التي ارتكبتها حشودهم غير المنضبطة ضد المدنيين منذ ايام .
نعتقد أن جميع الأطراف مستفيدة من الاتفاق رغم وجود ثغرة هنا و عبارة مبهمة هناك و أن الشهور القادمة كفيلة برسم التفاصيل التي نتمنى ألا تكون مخيبة .
————————
الاتفاق بين السلطات السورية والأكراد: أي مصالح يحققها الطرفان؟
يتضمن الاعتراف بالمكون الكردي الذي عانى طيلة عقود خلال حكم آل الأسد من تهميش وإقصاء
أ ف ب
الأربعاء 12 مارس 2025
الاتفاق المؤلف من 8 بنود بمثابة خريطة طريق يفترض أن تعمل لجان مشتركة على نقاشها ووضع آليات تنفيذها بمهلة لا تتجاوز نهاية العام.
يحقق اتفاق وقعته الرئاسة السورية والقيادة الكردية، أول من أمس الإثنين، ويقضي بدمج مؤسسات الإدارة الذاتية في إطار الدولة السورية، مصالح يحتاجها الطرفان في مرحلة حساسة من تاريخ البلاد.
فما أبرز بنود الاتفاق، وما المكاسب التي يجنيها الطرفان في حال تطبيقه بحلول نهاية العام؟
ينص أبرز بنود الاتفاق الذي وقعه الرئيس أحمد الشرع وقائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي في دمشق على “دمج كل المؤسسات المدنية والعسكرية في شمال شرقي سوريا ضمن إدارة الدولة السورية، بما فيها المعابر الحدودية والمطار وحقول النفط والغاز”.
ولم يتحدث الاتفاق عن حل قوات سوريا الديمقراطية، الذراع العسكرية للإدارة الذاتية المدعومة أميركياً، أو تسليم سلاحها، بخلاف ما كانت السلطة السورية قد اشترطته للانضواء تحت مظلة الجيش الجديد.
ويتضمن الاتفاق الاعتراف بالمكون الكردي الذي عانى طيلة عقود خلال حكم آل الأسد من تهميش وإقصاء، بوصفه “مجتمعاً أصيلاً في الدولة السورية”.
وينص على “ضمان حقوق جميع السوريين في التمثيل والمشاركة في الحياة السياسية وكل مؤسسات الدولة”، في موازاة “رفض دعوات التقسيم وخطاب الكراهية”.
والاتفاق المؤلف من ثمانية بنود، بمثابة خريطة طريق يفترض أن تعمل لجان مشتركة على نقاشها ووضع آليات تنفيذها في مهلة لا تتجاوز نهاية العام. ووصف عبدي الاتفاق بأنه “فرصة تاريخية” لبناء سوريا جديدة، بينما عمت احتفالات شوارع مدن عدة في أنحاء البلاد.
ويتعهد الأكراد بموجب الاتفاق “دعم الدولة السورية في مكافحتها لفلول الأسد وكل التهديدات التي تهدد أمنها ووحدتها” في إشارة ضمنية إلى أعمال العنف في الساحل السوري.
جاء توقيع الاتفاق على وقع أعمال عنف شهدتها المنطقة الساحلية في غرب سوريا، راح ضحيتها أكثر من 1000 قتيل مدني، وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان.
بسط شرعية الدولة
يرى الباحث في الشأن الكردي موتلو جيفيرأوغلو أن الشرع “يدرك ضرورة الانخراط مع الأكراد لتقوية موقفه”، إذ يمكنه ذلك من “تقديم نفسه كقائد ملتزم بضمان تمثيل جميع الهويات في مستقبل سوريا”.
وتحقق دمشق أهدافاً أخرى عبر الاتفاق، أبرزها بسط شرعية الدولة على منطقة جغرافية واسعة غنية بالنفط والقمح، وتحتاج السلطات مواردها بشدة على وقع انهيار اقتصادي يعصف بالبلاد بعد 13 عاماً من نزاع مدمر.
وتقع 90 في المئة من حقول النفط في مناطق سيطرة الأكراد، وفق الباحث في الشأن السوري فابريس بالاش الذي يؤكد أنهم يستحوذون كذلك على حصة أساسية من سلة القمح الغذائية.
ويكسب الجيش عبر الاتفاق قوة كردية عسكرية منظمة ومدربة، يمكنه التنسيق معها في مواجهة أي تحديات أمنية.
وأشار مصدر من قوات سوريا الديمقراطية إلى عمليات مشتركة ستنطلق في الأيام المقبلة في البادية السورية لمحاربة تنظيم “داعش” الذي حذرت خمس دول، الأحد الماضي، بينها سوريا وتركيا، من خطر عودته وتعهدت العمل معاً لمواجهته.
ولم يتضح مصير إدارة السجون التي يتولاها الأكراد وتضم الآلاف من مقاتلي التنظيم، والتي قال عبدي الشهر الماضي، إن سلطات دمشق تريدهم تحت مسؤوليتها.
اعتراف بدور الأكراد وهويتهم
منذ وصول السلطة الجديدة إلى دمشق، أبدى الأكراد انفتاحاً تجاهها، فرفعوا علم الاستقلال ذا النجوم الثلاث فوق مقراتهم، وأعربوا عن استعدادهم الانضمام إلى الجيش، من دون حل قواتهم.
لكن السلطة الجديدة استبعدتهم من المشاركة في العملية السياسية وفي مؤتمر حوار وطني عقد الشهر الماضي في دمشق وحدد عناوين المرحلة الانتقالية، بذريعة أنهم لم يلبوا دعوة الشرع للتخلي عن سلاحهم وحل قواتهم، على غرار ما فعلته فصائل مسلحة أخرى.
ويبدو أن الأكراد نجحوا في الحفاظ على تنظيمهم العسكري، وهو شرط رئيس تمسكوا به خلال محادثاتهم مع دمشق.
والاتفاق الذي تم توقيعه برعاية أميركية وفق ما قال مصدر كردي، يمنح الأكراد، الأقلية العرقية الأكبر في البلاد والأكثر تنظيماً عسكرياً وسياسياً، اعترافاً بدورهم وهويتهم.
ويوضح جيفيرأوغلو أنه بعد توقيع الاتفاق “لم يعد ممكناً تهميش الأكراد في صياغة مستقبل سوريا”.
هجمات تركية
نما نفوذ الأكراد بعد اندلاع النزاع عام 2011، وإنشائهم إدارة ذاتية، سرعان ما توسعت مساحتها بعدما شكلوا بدعم أميركي قوة رئيسة في دحر تنظيم “داعش” من مناطق واسعة في شمال وشرق البلاد.
لكن توسعهم قرب الحدود مع تركيا جعلهم عرضة لهجمات دامية شنتها أنقرة مع فصائل سورية موالية لها منذ 2016 لإبعادهم عن حدودها، مما أحدث موجات نزوح واسعة.
ويأمل المسؤولون الأكراد إعادة سكان عفرين ومناطق أخرى إلى بلداتهم، بموجب الاتفاق. ويأملون أيضاً أن يجنبهم مزيداً من هجمات تركيا، التي لطالما عدتهم امتداداً لحزب “العمال الكردستاني”.
وجاء توقيع الاتفاق على وقع المحادثات بين تركيا وحزب “العمال الكردستاني”، الذي أعلن زعيمه عبدالله أوجلان الشهر الماضي، وقف النار مع تركيا وحل الحزب.
—————————–
========================