الأحداث التي جرت في الساحل السوريسقوط بشار الأسد، الرئيس الفار والمخلوعسياسة

عن الأحداث التي جرت في الساحل السوري أسبابها، تداعياتها ومقالات وتحليلات تناولت الحدث تحديث 12 أذار 2025

لمتابعة مكونات الملف اتبع الرابط التالي

الأحداث التي جرت في الساحل السوري

—————————————-

عن أحداث الساحل السوري/ مروان قبلان

12 مارس 2025

واجهت سورية الأسبوع الماضي أحد أصعب الاختبارات وأكثرها خطورة منذ سقوط نظام الأسد، كادت تفضي إلى حرب طائفية لا تقل سوءاً عن التي شهدها العراق بين عامي 2006 و2008، عندما أشعل تفجير مرقد الإمامين العسكريين في سامراء موجة انتقامات طائفية بشعة أحرقت العراق. بدأت أحداث الساحل السوري، كما بات معروفاً، بهجمات واسعة منظّمة شنتها مجموعات من فلول النظام السابق، ممن لا يرجون تسوية أوضاعهم، بسبب هول الجرائم التي ارتكبوها في عهد النظام البائد، ما أدّى إلى مقتل عشراتٍ من قوات الأمن العام، وقع جلهم في كمائن غادرة. جاءت ردّة الفعل مرعبة، حيث ارتكبت مجموعات محسوبة على قوات الأمن مجازر طائفيةٍ ذهب ضحيّتها مئاتٌ من المدنيين من أبناء الطائفة العلوية.

ورغم فشلها في السيطرة على مراكز المدن الساحلية (اللاذقية، طرطوس، جبلة، بانياس)، كما كان مخطّطا، إلا أن الفلول نجحت في تحقيق عدة أهداف، منها جرّ فصائل محسوبة على الإدارة الجديدة إلى فخ ارتكاب مجازر طائفية، ألحقت بالغ الضرر بصورتها التي عكفت على نحتها شهوراً، باعتبارها سلطات مسؤولة، حازت إعجابا واحتراما كبيريْن لحظة سقوط النظام لنجاحها في تجنّب الفوضى، ومنع ارتكاب تجاوزات طائفية، على نطاق واسع. نجحت الهجمات في تعميق الانقسامات بين السوريين، وتعزيز شكوكهم ببعض، كما سمحت بعقد مقارناتٍ مع ممارسات النظام البائد، وهو أسوأ ما يمكن أن تقع به ثورة ضد الظلم والقهر والإجرام. خارجيّاً، عزّزت الهجمات مواقف معارضي رفع العقوبات الدولية (الأميركية خصوصاً، المشروطة أصلاً بحماية الأقليات، من بين مسائل أخرى)، كما عزّزت مواقف الساعين إلى تفتيت سورية إلى كانتونات طائفية، وفي مقدّمهم إسرائيل، التي تعزف على وتر الأقليات، وتُخوِّف من توجهات الحكم الجديد في دمشق.

أظهرت التجاوزات الطائفية ضد المدنيين عجز الحكومة عن حماية مواطنيها، وكشفت عن ضعف سيطرتها على مسلكيات الفصائل التي اندمجت أخيراً في المؤسّسة العسكرية، مقارنة بالنواة الصلبة للحكم (هيئة تحرير الشام)، ما يُبرز حجم التحدّيات التي تواجه عملية الدمج. أبانت أحداث الساحل مقدار الاحتقان الطائفي الكامن في المجتمع السوري، والذي كشف عن نفسه في موجة القتل المتبادلة التي طاولت المدنيين من الطرفين. المفارقة، أن الأحداث كشفت عن تقدّم تفكير القيادة السورية الجديدة ونضجها سياسيا (أخذاً في الاعتبار تاريخها وانتماءها الأيديولوجي) مقارنة بنخبٍ فكريةٍ وثقافيةٍ سوريةٍ برّر بعضها الانتهاكات ضد المدنيين، فيما دخل آخرون في حالة إنكار لوقوعها، أما البعض الثالث، وهو الأسوأ، فقد تورط في التحريض الطائفي، وحتى مباركة ما حصل. على النقيض من ذلك، أدركت القيادة السورية الجديدة سريعاً مقدار الضرر الذي ألحقته الانتهاكات الطائفية بها، فسارعت إلى الاعتراف بوقوعها، وتعهدت بمحاسبة المسؤولين عنها، وأنشأت لجنة للتحقيق فيها. من التداعيات السلبية لأحداث الساحل أيضا أنها قد تكون دفعت بالإدارة في دمشق إلى الهروب إلى الأمام، والقبول باتفاق مع قسد، ما كانت لتقبل به في ظروف مغايرة. وقد وجبت الإشارة إلى هذا، لعل من قام بانتهاكات الساحل وحرّض عليها وبرّرها، يدرك مقدار الضرر الذي ألحقته تصرفاته بوحدة البلاد ومستقبلها.

ما يهم الآن، وقد وقع ما وقع من ضرر، هو منع تكرار ما حصل من خلال تأكيد حقّ الدولة الأصيل في التصدّي لأي تمرّد مسلح، يستهدف السلم الأهلي، أو يعمل لانفصال جزء من البلاد، والمسارعة إلى إنهاء فوضى السلاح وحصره بيد الدولة، وحل الفصائل وإذابتها في وزارة الدفاع، والامتناع عن تجريم الطائفة العلوية بصفتها هذه، أو أي طائفةٍ أخرى، والتوقف عن شيطنتها، والعمل على الفصل بينها وبين فلول الطائفة الأسدية، لأن في ذلك مصلحة وطنية. ومن المفيد أيضاً ردّ الاعتبار للوجهاء العلويين الذين همّشهم النظام البائد، لمكانتهم في قومهم، وإشراكهم في إدارة شؤون مجتمعاتهم المحلية، والاعتماد عليهم في التواصل مع بيئاتهم. منع كل أشكال التحريض الطائفي ومعاقبة من يمارسه، إذ لا يمكن ترك مصير البلاد بيد محرّضين جهلة باحثين عن شعبية على وسائل التواصل الاجتماعي. يجب أيضاً إشراك كل مكوّنات الشعب السوري في العملية السياسية، وعدم استبعاد كل من لم تلوّث أيديهم بالدماء، وعدم أخذ بعضٍ بجريرة آخرين. ويجب كذلك الإسراع في إطلاق مسار العدالة الانتقالية حتى يأخذ كل ذي حقٍّ حقه، ووقف التسريح التعسفي فوراً لأن الناس لا تموت بالرصاص فقط، بل تموت جوعاً أيضاً. إذا فعلنا هذا نكون قد قطعنا شوطاً نحو دولة المواطنة، والقانون، وجنّبنا البلاد التقسيم والفوضى.

العربي الجديد

————————————

بديل كردي لمجازر الساحل السوري/ أرنست خوري

12 مارس 2025

ليس صحيحاً أن المذابح الطائفية في اللاذقية وطرطوس كانت حتمية بالنظر إلى ما راكمه نظام الأسد من مظلوميات طائفية وكراهية بين السوريين 53 عاماً. لو كان البشر محكومين بالثأر إلى الأبد، وذاكرتهم ذاكرة فِيَلة لا تنسى ولا تُصالح ولا تغفر ولا تعقد اتفاقات ولا تسويات ولا تقدّم تنازلات، لكان الأوروبيون يتبادلون المذابح إلى اليوم انتقاماً لحروب المائة عام والثلاثين عاماً وحربين عالميتين، أوقعت ثانيتهما وحدها ما بين 60 و85 مليون قتيل. لو كانت المجازر الطائفية قَدَر السوريين كما يقول خبثاء في معرض تبرير قتل مسلحين تابعين للحكومة أو مليشيات حليفة لها 420 مدنياً غالبيتهم علويين بين يومي الجمعة والاثنين الماضيين، حسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان، لما وقّعت السلطة ممثلة في الرئيس أحمد الشرع اتفاقاً مساء الاثنين مع قائد قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، مظلوم عبدي لدمج أجهزة الإدارة الذاتية الكردية و”قسد” في الشرق السوري ضمن الدولة السورية أو ما تبقى منها، وفي مؤسّساتها المأمول ترميمها وجيشها الذي لا يزال تجمّعاً لفصائل.

والسلطة السورية، وإن لم تخطط لمجازر الساحل أو تأمر بارتكابها، فإنها تتحمل المسؤولية عنها، أولاً لأنها هي السلطة، وثانياً لأن من ارتكب الجريمة يتبع لها مباشرة أو بالواسطة. فلنتذكّر بعض ما فعلته وما لم تفعله السلطة خلال الأشهر الثلاثة الماضية: ــ أدارت البلد بحكومة من لون طائفي وعسكري وعقائدي واحد. ــ عيّنت محافظين من اللون المذهبي والعقائدي نفسه، معظمهم من النواة الصلبة المتشددة لهيئة تحرير الشام، حتى في مناطق لها هوية طائفية يناصبها الفكر التكفيري العداء وهي تبادله إياه، كاللاذقية وطرطوس. ــ حلت الجيش والشرطة بدل إطاحة قادتهما الملطخة أيديهم بدماء السوريين، والإبقاء على صغار الضباط والجنود فيهما، والنتيجة قتال على نمط “الفزعة” العشائرية في الساحل بلا قيادة ولا انضباط ولا هرمية ولا خطط، فصائل مستقلة تحارب فلول النظام ثم تقتل مدنيين وعلى طريقها تنهب وتعتدي. ــ صرفت عشرات الآلاف من الموظفين الحكوميين فأوجدت جيشاً من العاطلين من العمل ومن شباب علويين لا ينقصهم الشعور بالمظلومية ليرتموا فقراءَ في أحضان عصابات بقايا نظام الأسد. ــ لم تُحاسب أي مسؤول عن أحداث استفزاز طائفي واعتداءات متفرّقة حصلت في مناطق سكان سوريين علويين طوال الأشهر الثلاثة الماضية في حمص والساحل. ــ أحجمت عن تسمية رموز النظام الأسدي المطلوبين للمحاكمة لكي يكون واضحاً أن هؤلاء حصراً هم المعنيون بالمحاسبة، ولكي يصبح للآية “لا تزر وازرة وزر أخرى” ترجمة سياسية في الحالة السورية تبرئةً للعلويين من جرائم إرهابيين قتلوا وعذّبوا ودمّروا واستبدوا زوراً باسم طائفة حملوا اسمها. ــ لم تحدّد جدولاً زمنياً لإجراءات العدالة الانتقالية ولمحاكمة رموز النظام السابق، فلا تصوّر لديها لكيفية فعل ذلك، ولا جهاز قضائياً بتصرّفها، بما أن تسريح الموظفين وحل المؤسسات لم يستثنِ القضاة. ــ لم تستغل الترحيب الشعبي في اللاذقية وطرطوس بسقوط النظام، فلم تلجم الخطاب الطائفي التكفيري لأوساط محسوبة عليها وتعيش في كنفها. ــ لم تبعد أجانب الفصائل الجهادية في سورية معروف أنهم الأكثر تشدّداً وطائفيةً ودموية، وكان لهم دور بعضه مصوّر بالفيديو في مجازر الساحل.

هذا شيء من مسؤولية السلطة عن مجازر الساحل. أما إخبارنا عن إجرام “الفلول” وعن عددهم الكبير (أربعة آلاف مسلح كما أخبرنا محافظ اللاذقية ليس كبيراً بالمناسبة) وعن دور أجنبي ما في ما حصل، فإنه لا يقدّم جواباً لأي سؤال جدّي يتعلق بمحدودية الأفق السياسي الوطني والحكيم والخلّاق لدى السلطة في دمشق.

وكأنّه كان على مجازر الساحل السوري أن تحصل لكي يستعجل أحمد الشرع ومظلوم عبدي توقيع الاتفاق الذي سيكون تاريخياً في حال تنفيذ بنوده، لأنه سيحول دون اندلاع حرب أهلية أخرى ومجازر وكوارث وتقسيم واجتياح تركي. أيام ويظهر ما إذا كان أحد ما قد تعلم شيئاً من مجازر الساحل، فيعمل بحسن نية حتى نهاية العام (مدّة تنفيذ الاتفاق مع “قسد”)، ويصدُق في اللجان المتفق عليها بين دمشق والقامشلي، ويضغط حقاً على تركيا لتترك السوريين عرباً وكرداً يعالجون مشكلتهم العويصة، وينفتح على إحقاق الأكراد في الدستور وفي تقاسم الثروة وفي المساواة الكاملة بالمواطنة والحقوق الثقافية والسياسية، ولا ينطلق في مفاوضاته بالاستعاذة من الشيطان في حال سمع كلمة فيدرالية أو لامركزية، ولا من رفض مسبق لتحويل اسم البلد من الجمهورية العربية السورية إلى الجمهورية السورية.

العربي الجديد

——————————

كي لا تُحدِث ثورة السوريين مظلومياتٍ جديدة/ شفان إبراهيم

12 مارس 2025

يقود ما حصل في الساحل السوري أخيراً إلى تأكيد غياب الخطوات الضرورية التي وجب القيام بها باكراً، وكانت كفيلة بتفتيت المخططات قبل تنفيذها، خاصة لجهة اقتران أقوال الطمأنة والمساواة بالأفعال، وغلبة منطق الدولة على الفاعل ما دون الدولة. وفي المحصّلة، تخسر الإدارة الحالية الوقت الذي يُمكّنها الاستفادة منه للبدء بالبناء المتين، والمعارضون لم يقبلوا بالوضع ولم يتقدّموا خطوة صوبها. وفي معمعة التجاذبات، وجدت فلول النظام السابق أفضل الفرص والمساحات للتغلغل واستغلال الفجوات. حصلت الكارثة ووقع المحظور، ولم تنجح الإدارة الحالية في فرصة اختبارها الأول، على مستوى التعامل مع المجتمع المحلي، والأكثر حرجاً أمام المجتمع الدولي والإقليمي والمتربّصَين بها، ثم عادت واستدركت الأمر عبر خطاب الرئيس أحمد الشرع، وقوله إن التمرّد الحاصل من فلول النظام، تدعمه جهاتٌ خارجية، وهو ما يعني إعادة ترتيب العلاقة بين سورية وروسيا، واستمرار قطع التواصل والعلاقة مع إيران.

النقص الحاد في الكفاءات المطلوبة لإدارة البلاد كان يُمكن سدّه عبر الاعتماد على الشخصيات النزيهة والأكاديمية وضباط الجيش المنشقين، لكن هذا كله يحتاج إلى سيولة مالية ضخمة، لا تتوافر حالياً في خزينة الدولة، وليس واضحاً متى سيبدأ ضخّ المساعدات العربية والدولية لها، ما دامت العقوبات مفروضة، ورفعها مشروط بتغيّر السلوكيات والموقف من المكونات والشراكة السياسية، لذلك المطلوب الآن فوراً وليس بعد قليل تصحيح الوضع بكل السبل، بالإضافة إلى قوننة العملين، الأمني والاجتماعي، وتحقيق العدالة الانتقالية اليوم وليس غداً؛ فالقواعد الاجتماعية متلهّفة للبدء بتطبيق مخرجات الثورة، لكنها أيضاً تطالب بصون كرامات الناس وتحقيق حقوق الضحايا، وليس تحقيق كثافة جديدة لضحايا جدد.

قال الرئيس السوري أحمد الشرع إن النظام الساقط خلّف جراحاتٍ عميقة في أثناء فترة حكمه، فرع فلسطين وصيدنايا والأفرع الأمنية والاغتصاب والكيماوي والتهجير وهدم البيوت على رؤوس ساكنيها، ذلك كله ترك جراحاً من الصعوبة بمكان أن تندمل، كان من نتائجها ما حدث أخيراً، رغم سعي الدولة، من اللحظة الأولى للانتصار، إلى منع وقوع ذلك. ما قد يُشير، بوضوح وبأسف، إلى تحويل مشاعر الكراهية والغضب إلى سلوكيات العنف المفرط ضد المدنيين، وكأن بالعقل الجمعي يسعى إلى استجرار عذابات الماضي، وتخصيص شفائها بعذابات الآخرين، وهذه أخطر الانزلاقات التي ستقود البلاد للهاوية والحتف.

فبانتهاء حقبة الأسد، من المفترض أن تبدأ معها مرحلة التغيرات السياسية المطلوبة، سواء العدالة الانتقالية، حرية الإعلام والصحافة، حركة الاقتصاد، مصادر التشريع، التعدّدية السياسية… إلى غير هذه كلها من الملفات المحظورة البتّ فيها سابقاً. علماً إنه لا تغيير حقيقياً، إن لم يكن في بنية المعتقد والأفكار والعقائد؛ فهذه العناصر ترسم دور المؤسّسات، وتقود إلى نشوء الآراء والأفعال التي تحدّد السلوك، وكل ما كان مؤدّياً أو ذاهباً باتجاه سلوكٍ مُشين أو مؤذٍ سيكون من الانتحار العودة إليه. فمنشأ الثورة السورية كان عقلانياً دُمجت أسباب التحضير لها بالعواطف والمشاعر مع المنطق العقلاني. ولذلك نجحت في التأثير في الجماهير وفي إسقاط النظام، لكن سلوك الثورة غير عقل الدولة، ولا بد أن يكون العقل جمعياً، حول إزالة مظالم نظام استبدادي مكروه، ولحاكم لا يحظى بالشعبية، أو أن أياماً سوداء ستكون في انتظار البلاد؛ لأن الثورة بُنيت على أساس المظالم والانتهاكات التي قامت بها قوات النظام السوري، ومؤسّساته وأفرعه الأمنية والسياسية. والثورة عليها يعني إزالتها من الجذر والأساس، وليس العودة إليها مُجدّداً. ولن تتمّ هذه الازالة قبل إنعاش الآمال لدى المجتمعات المحلية.

حان وقت انتهاء عقل الثورة، والفواعل ما دون الدولة، وألا تكون الثورة نقطة انطلاقة الدولة، إلا في ما يخصّ الانتصار على المظالم والفساد، فالثورات ذات النتائج العظيمة هي تلك التي تطاول السلوك والأفكار. وليس تغيير علم البلاد ونشيدها وشعار الدولة أو حتى اسمها سيكون كافياً بتغيير ذهنية شعبها. الثورات الحقيقية بنتائجها هي التي ترفض أولاً تكرّر أسباب نشوئها وتطوّر من أدائها من عشوائية السلاح إلى الانضباط والالتزام وحصر السلاح بيد الدولة واستخدامه في الأزمات. ولنعترف أن الدمار الذي ألحق بسورية وما خلّفه سلاح الجو الإسرائيلي على مختلف مراكز البحوث العلمية التي كانت تعاني أساساً من الفقر والتهميش، فإنه من شبه المستحيل أن يكون لدى السوريين جيل قادر على إنتاج ثورة علمية تحمل نتائج بعيدة المدى، والتي لا تتمكن عادة الثورات العسكرية والسياسية من إنتاجها. وعلى أساسه، لا ثورة تكنولوجيا وتطوير وتسليح متقدّم ونوعي واكتشافات في سورية عشرات الأعوام، وبعد فداحة ما خلّفته الثورة العسكرية خلال 14 عاماً، وما ارتكب حالياً من فظائع وانتهاكات في الساحل ضد المدنيين والأمن العام وصفتها وزارة الخارجية الأميركية بالمجازر ضد الأقليات، لم يبق أمام السوريين سوى الاتفاق على ثورةٍ سياسيةٍ بعيدة عن منطق العاطفة، ويقوم على أن الإيمان بالله يقود، أولاً وقبل كل شي، إلى منح حقّ الحياة. أما إذا كان المعتقد السياسي الحالي والمستقبلي سيمثل فعلاً سلبياً، يُعد ويحضر في اللاوعي، وليس للعقل أي تأثير عليه، فانه هو الآخر سيقود إلى المصائب.

ما أخشاه أن يكون السوريون مصرّين على تاريخ حافلٍ بالدمار، فعقد ونيّف من الدم يجب أن يتحوّل إلى سلوكيات الاستقرار لا الانتقام، وإذا كانت أحداث الساحل السوري تُهندس وفق فكرة أن انتصار فريقٍ سيعطيه الحق الطبيعي في السعي إلى تنظيم المجتمع وفقاً لمصالحه. وسيختلف ذلك التنظيم في تكوينه، وفقاً للفريق الفائز من العسكريين أو الراديكاليين أو المحافظين أو الوسط أو الائتلاف السياسي. وإذا ما ذهبت تلك الفكرة إلى التطبيق على أساس أنها القاعدة، حينها سيكون القانون والمؤسسات خاضعة لمصالح الفريق المنتصر. والمخيف أكثر أن تكون نتائج النصر متمّمة لنتائج الصراعات العنفية؛ لأن المنتصرين سيرمون بكامل جهاز النظام السابق ويطردونهم ويلاحقون حتى الأبرياء منهم، بل سيتطوّر العنف والانتهاك إلى أقصى الحدود، لأن الفريق المنتصر لن يبقي للمغلوب حتى الحلم بأي شكل الرأفة. وهذه القوة المطلقة التي يقوم عليها المنتصر ستقود أنصاره إلى التجاوزات المخيفة. وفي المقابل، سيجد في بدايات حكمه عناداً ومعارضة مجتمعياً ومن الرأي العام ضده، ليجد الحاكم أن الشرط الأول لاستمرار حكمه سيتركّز في عدم المبالغة في تفضيل طبقة واحدة حصراً، بل السعي إلى مصالحتها جميعاً.

إن أرادت السلطة في دمشق الاستمرار وإيصال البلاد إلى برّ الأمان، لا بد لها من التوازن بين المكوّنات والهويّات الفرعية، وبمجرد السماح لفئةٍ أن تصبح مهيمنة يعني أن تعود بالوبال والكوارث على الطبقة الحاكمة نفسها، وفي أكثر الأوضاع خطورة، وهذا القانون هو أحد أكثر قوانين علم النفس السياسي. يمكن أن يترافق انتصار السوريين بتحوّلات اجتماعية مهمّة، لكنّ المؤسف أن يكون أضعفها على صعيد السلم الأهلي، وطي صفحات الماضي، والأغلب أن ما حصل في الساحل لن يُنسى بالسهولة المتوقعة.

العربي الجديد

————————-

تصعيد معقّد.. بين تحركات الداخل وأجندات الخارج/ إبراهيم الزبيبي

2025.03.12

في ظل التعقيدات السياسية والميدانية التي تشهدها الساحة السورية تتداخل الأحداث الداخلية مع التحركات الدولية لتشكل منعطفاً حساساً قد يحمل في طياته تداعيات بعيدة المدى.

ومن بين أبرز المستجدات التحركات الروسية الأخيرة لجمع تواقيع من بعض العوائل السورية في خطوة تُفسر على أنها محاولة للتدخل السافر في سوريا ومحاولة لتعزيز الدور الروسي من جديد كحامٍ لبعض الفئات أو الأقليات، إضافة إلى فتح قاعدة حميميم العسكرية كمنطلق ومركز عمليات لفلول النظام المجرم في هجماتها ضد الدولة السورية الجديدة والسكان المدنيين.

هذه التحركات كانت سابقة أو مقدمة فيما يبدو لدعوة روسيا وواشنطن لعقد جلسة طارئة لمجلس الأمن لمناقشة الأوضاع في سوريا، وسط تصعيد إعلامي مكثف يتمثل في نشر شائعات وأخبار زائفة وتهويلات تهدف إلى خلق حالة من القلق وعدم الاستقرار.

إلى جانب ذلك تلعب إيران دوراً متزايداً تحريضياً في تأجيج الأوضاع عبر دعمها لعصابات الفلول وتقديمها دعماً يهدف إلى زيادة الاضطرابات في سوريا وضرب الدولة السورية الجديدة وتأجيج الصراع الطائفي وزرع فتيل الأزمات، هذا الدعم يُقدَّم بالتنسيق مع ميليشيا حزب الله اللبناني من خلال تقديم الدعم المالي واللوجستي للعناصر المسلحة ما يسهم في تعميق الأزمات وتفاقم الوضع الأمني. هذه التدخلات تؤدي إلى ضرر بالغ لا يقتصر على سوريا وحدها بل يمتد إلى بقية دول المنطقة حيث تُسهم في زعزعة الاستقرار الإقليمي وتعقيد الحلول السياسية.

تصعيد وتحريض داخلي

بالتوازي مع هذه التحركات الدولية برزت تصريحات الشيخ الهجري في السويداء التي تجاوزت حدود النقد إلى التحريض المباشر على التمرد مع التركيز على الساحل السوري كمحور تصعيدي جديد، وتزامنت هذه الدعوات مع توترات متزايدة في السويداء حيث استغلت بعض الفصائل هذه التصريحات كذريعة لتعزيز نفوذها وسط اتهامات بوجود دعم خارجي أو إسرائيلي لهذه التحركات. هذا التصعيد الداخلي يشكّل تحدياً للدولة السورية التي تحاول تعزيز استقرارها في مواجهة هذه الضغوط.

في الوقت ذاته تصاعدت أنباء تربط بين قوات قسد وعمليات دعم مجموعات الفلول بالسلاح، حيث تشير الوقائع إلى تورطها في تقديم دعم لوجستي للجماعات المسلحة التي تستهدف الدولة الجديدة والسكان المدنيين، هذه الأفعال تُضاف إلى التدخلات الخارجية لتزيد المشهد تعقيداً.

أثر التهويل الإعلامي على الغرب

تلعب الشائعات والتهويل الإعلامي دوراً رئيسياً في صياغة الصورة السورية داخل الإعلام الغربي، فالتغطية المشوهة للأحداث والاعتماد على مصادر غير موثوقة يعززان من النظرة الأحادية للأوضاع ما يتيح للدول الغربية تبرير مواقفها السياسية ضد الدولة السورية. هذا الزخم الإعلامي المضلل يسهم أيضاً في تضليل الرأي العام الغربي مما يمنح الحكومات ذريعة للتدخل أو فرض عقوبات من دون فهم كامل للحقيقة.

الربط بين الأطراف وتأثيراتها

التشابك بين تصريحات الهجري ودعم قسد للفلول والتحركات الروسية والإيرانية والتصعيد الإسرائيلي يُظهر وجود تنسيق غير مباشر بين الأطراف الفاعلة لزعزعة استقرار الدولة السورية، بينما تستفيد روسيا من إثارة القلق لتمرير أجنداتها في مجلس الأمن، وتعمل إيران وحزب الله على استغلال الأوضاع لإعادة نفوذهما أو خلق حالة من عدم الاستقرار في سوريا، في حين تعزز قسد وجودها من خلال دعمها لمجموعات فلول النظام المسلحة بما يشكل ضغوطاً إضافية على دمشق وفيما يبدو كخطوة سابقة على الاتفاق الذي تم الإعلان عنه يوم أمس باعتبارها ورقة تفاوضية يمكن الاستفادة منها.

في الوقت ذاته يلعب التهويل الإعلامي دوراً مزدوجاً داخلياً من خلال زعزعة الثقة بين الشعب والدولة، وخارجياً عبر تأثيره على قرارات الدول الغربية. هذه الاستراتيجيات المتشابكة ليست جديدة لكنها باتت أكثر تأثيراً في ضوء التحديات الراهنة.

استراتيجية التعامل المطلوبة

لمواجهة هذا المشهد المتشابك تحتاج الدولة السورية إلى استراتيجية متعددة الأبعاد:

أولاً: تعزيز سيطرتها على المناطق المضطربة والعمل على معالجة القضايا المحلية بحكمة مع محاسبة المحرضين على التمرد بشكل واضح وصارم.

ثانياً: التصدي لدعم قسد للفلول عبر تعزيز العمليات الأمنية والعسكرية، مع إبقاء قنوات الحوار السياسي مفتوحة لضمان وحدة الأراضي السورية.

ثالثاً: مواجهة التدخلات الإيرانية ونفوذ حزب الله بآليات دبلوماسية وعسكرية مناسبة تحول دون تعميق محاولات التدخل السافرة.

وأخيراً العمل على تحسين الأداء الإعلامي الوطني من خلال الشفافية ونشر المعلومات الموثوقة بهدف مواجهة حملات الشائعات والتحريض مع التركيز على تصحيح الصورة أمام الإعلام الغربي.

إن التطورات الراهنة تعكس تعقيد الأزمة السورية وتداخل المصالح المحلية والإقليمية، فالتعامل مع هذه التحديات يتطلب قيادة سياسية قادرة على تحقيق التوازن بين الحزم والمرونة مع التركيز على حماية الاستقرار الداخلي وتعزيز الثقة الشعبية.

سوريا اليوم بحاجة إلى استراتيجية شاملة ووحدة صف حقيقية وتوحيد للجهود للوقوف خلف الدولة الجديدة لتعزيز الأمن والاستقرار لتجاوز هذه المرحلة الحرجة بكل حكمة وقوة.

تلفزيون سوريا

—————————-

هل حرّكت طهران خلاياها في الساحل لإفشال خطة واشنطن؟/ علي تمي

2025.03.12

بعد إجازة طويلة، عاد المبعوث الأميركي إلى سوريا، سكوت بولز، إلى الحسكة حاملًا في جعبته ملفات حساسة تتعلق بخطة إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب للتعامل مع منطقة شرق الفرات، التي باتت شبه مستقلة عن حكومة دمشق بعد سقوط نظام الأسد المخلوع.

خلال زيارته، التقى بولز بقوات سوريا الديمقراطية (قسد) والمجلس الوطني الكردي في 3 آذار المنصرم، حيث أبلغهم برؤية الإدارة الأميركية لسوريا المستقبلية: لا نظام فيدرالياً، لا نظام أقاليم، وانسحاب قسد من سد تشرين في أقرب وقت ممكن، مع دعم واشنطن للحكومة المركزية في دمشق وضمان حقوق الكرد الثقافية والسياسية ضمن سوريا الجديدة.

ما إن انتهى هذا اللقاء في القامشلي، حتى سارعت إيران إلى التحرك على المستويين السياسي والميداني، محاولةً استغلال الفرصة قبل فوات الأوان.

تحرك إيراني غامض

منذ سقوط بشار الأسد قبل نحو ثلاثة أشهر بيد الفصائل المعارضة، لم تُخفِ طهران رفضها للوضع الجديد. فقد أكد المرشد الأعلى علي خامنئي في عدة خطابات أن المناطق السورية التي وصفها بـ”المحتلة” سيتم “تحريرها بلا شك على أيدي الشباب السوري الشجاع”.

وفي 3 يناير، كرر موقفه دون الإشارة إلى الحكام الجدد في دمشق، لكنه حذّر من مغبة “الاغترار بالقوة الحالية”.

متابعة تصريحات القادة الإيرانيين بعد سقوط نظام الأسد تشير إلى أن طهران كانت تطبخ على نار هادئة للإطاحة بالحكومة الجديدة في دمشق عبر تحريك خلاياها في مختلف المناطق، إلا أن الرياح جاءت بما لا تشتهي السفن.

 فقد وجّه وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، تحذيرًا مباشرًا لإيران قائلًا: “من بنى بيته من الزجاج، عليه ألا يرمي بيوت الآخرين بالحجارة”.

بعض المراقبين اعتبروا هذا التصريح مجرد رسالة تحذيرية، لكن الأحداث سرعان ما كشفت عن المستور، وتبيّن أن الرجل كان يعلم جيدًا ما يدور في الخفاء.

بعد 24 ساعة فقط، شهدت سوريا تحركًا انقلابياً منظمًا في الساحل وشرق الفرات، بقيادة مشتركة. إلا أن الاستعجال في تنفيذ المخطط أدى إلى كشفه، مما سمح لواشنطن وأنقرة بإحباطه سريعًا.

فالمعلومات تشير إلى أن ماهر الأسد، الذي قاد العمليات من داخل العراق، فشل في تحريك الجبهات بسبب التحرك الأميركي-التركي المشترك، وتحذير الميليشيات الإيرانية من أي تحرك قرب الحدود العراقية سيتم استهدافه، وبالتالي وجد الانقلابيّون أنفسهم محاصرين في الساحل دون وصول الدعم من الجبهة الشرقية والبادية السورية .

ما علاقة موسكو بهذا التحرك؟

روسيا، التي كانت تسيطر على كامل الجغرافيا السورية من طرطوس إلى القامشلي، وجدت نفسها في مأزق بعد سقوط النظام المخلوع.

 فقد وجدت نفسها بين نارين: إما الانسحاب من سوريا، أو مواجهة الحكومة الجديدة المدعومة من الغرب، ودول الخليج، وتركيا. لذلك، دعمت إيران بشكل غير مباشر في محاولتها تغيير قواعد اللعبة على الأرض من جديد.

السبب الآخر لدعم موسكو للتحرك الإيراني هو الضغط الذي مارسته الحكومة الجديدة في دمشق لإعادة السيطرة على ميناء طرطوس، واسترجاع الأموال السورية المجمدة في المصارف الروسية. ورغم إعادة موسكو جزءًا من هذه الأموال، إلا أن الموقف شكّل لها إحراجًا دوليًا.

كما حاولت موسكو الضغط على دمشق لقبول اتفاقية جديدة تضمن بقاء قواعدها العسكرية داخل سوريا. ويبدو أن القيادة السورية وافقت على هذا الأمر، مما يفسر غياب الدعم الجوي الروسي للانقلابيين في الساحل.

المعلومات المتداولة تشير إلى أن الرياض لعبت دور الوسيط في هذا الملف، حيث جرى الاتفاق على بقاء قاعدة حميميم، مقابل عدم مشاركة الطيران الحربي الروسي في العمليات الجوية لمساندة فلول النظام المخلوع في الساحل.

خلاصة القول

طهران خسرت المعركة مجددًا، وأخطأت في حساباتها. إعادة ضبط الأوضاع في الساحل أصبحت مسألة وقت فقط، وستعود الأمور إلى الأمان والاستقرار. أما التغيير المفاجئ في خطاب قسد تجاه دمشق، فجاء مباشرة بعد فشل الانقلاب، إذ أعلنت أنه “لا وجود لفلول النظام المخلوع في مناطق سيطرتها”، مؤكدةً أن الحل الوحيد للأزمة السورية هو الحوار السوري-السوري.

يبدو أن قسد فهمت الدرس وقرأت المشهد جيدًا، وأدركت أن التعويل على تحريك ورقة الساحل والسويداء، بناءً على تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، لم يعد مجديًا، وأن هناك توافقًا دوليًا وإقليميًا على دعم الحكومة الجديدة في دمشق. كما أن إدارة ترامب تتجه نحو التقارب مع موسكو وأنقرة لتشكيل تحالف عسكري وسياسي، في إطار مواجهة التمدد الصيني في شمال شرق آسيا وأفريقيا، حيث تسعى بكين لمنافسة واشنطن في سوق السلاح العالمي، خصوصًا في القارة الأفريقية.

في المحصلة، فشل الانقلاب الإيراني في الساحل، وانتهت معه محاولات طهران للسيطرة على الموانئ البحرية السورية.

عقارب الساعة في سوريا لن تعود إلى الوراء بعد الثامن من كانون الأول/ديسمبر 2024، مهما كانت المخططات والمؤامرات، لأن الشعب السوري قال كلمته: لن يسمح لإيران بالعودة إلى المشهد السوري عبر أذرعها مهما كلّف، ووجودها العسكري في سوريا أصبح من الماضي.

تلفزيون سوريا

——————————

تحولات سورية.. تمرد الساحل والاتفاق مع قسد/ عدنان علي

2025.03.12

التطورات المتسارعة على الساحة السورية، سواء من جهة تمرد الفلول في الساحل السوري، أم الاتفاق المفاجئ بين الرئيس أحمد الشرع وقائد قوات “قسد” مظلوم عبدي بشأن انخراط قواته في الدولة، وإن كانت تشير إلى أن الوضع السوري ما زال بعيداً عن الاستقرار، لكنها تؤكد في الوقت نفسه قدرة القيادة في دمشق على التعامل مع الملفات الساخنة والصعبة، بالرغم مما تحمله من تحديات، محلية وخارجية.

لقد شكل تمرد الفلول أقصى اختبار للدولة الوليدة التي كان عليها تحقيق المعادلة الأصعب لجهة التعامل بسرعة وحزم مع هذا التطور لتطويقه ومنع توسعه من جهة، وبحكمة وتعقل من جهة أخرى، وسط الكثير من المحاذير المحلية ذات البعد الطائفي، والخارجية التي تراقب عن كثب سلوك السلطة، ومدى تقيده بالمعايير الحقوقية والأخلاقية، مع ربط كل ذلك ضمناً باستكمال الاعتراف بالسلطة الجديدة، ورفع العقوبات المفروضة على البلاد.

ورغم حدوث بعض الانتهاكات التي أقرتها السلطة، وشكلت لجان تحقيق فيها، إلا أن أداء الحكومة كان مقبولاً بشكل عام، واستطاعت بما تملكه من إمكانيات محدودة، القيام بدرو الدولة المسؤولة عن كل مواطنيها، وليس عن جزء منهم فقط.

ولا شك أن الحكم على أداء الدولة لن يستكمل إلا بعد صدور نتائج لجان التحقيق التي تشكلت، على أمل أن تكون جدية ومقنعة، وبعيدة كلياً عن صورة لجان مماثلة تشكلت في عهد النظام المخلوع.

والتطور الأهم، والذي قد يكون على صلة غير مباشرة بالتطور الأول، هو الاتفاق بين قسد ودمشق، والذي جاء ثمرة مفاوضات غير معلنة بين الجانبين استمرت لأسابيع، تحت رعاية أميركية وتركية، وربما شاركت فيها أيضاً أطراف إقليمية أخرى.

وهذا الوقت المديد الذي استغرقته المفاوضات، أتاح لكلا الجانبين التعرف بدقة على مطالب الجانب الآخر، وتمييز ما هو أساسي وجوهري في هذه المطالب، عما هو شكلي أو “تفاوضي” مع اختبار نقاط قوته، ومدى صلابة تحالفاته المحلية والخارجية. ومن هنا، يصح القول: إنه اتفاق ناضج إلى حد بعيد، ولم يجر سلقه تحت ضغط ظروف طارئة.

ولكن يصح القول أيضاً إنه اتفاق ضرورة لكلا الطرفين، ذلك أن قيادة قسد، وفي قراءاتها للمشهد الدولي، لا بد أنها لمست ميلا أوروبيا ودوليا يدعم استقرار الوضع في سوريا، بينما لا يظهر حليفها الأميركي اكتراثاً كبيراً بهذا الوضع، مع احتفاظ الرئيس دونالد ترمب برغبته القديمة في سحب قوات بلاده من سوريا التي يرى فيها من منظوره الاقتصادي “تجرة خاسرة”، لن تستفيد منها واشنطن بشيء، بغض النظر عمن يحكم البلاد، ذلك أن استمرار الوجود الأميركي في سوريا، كان بناء على طلبات ونصائح من بعض مسؤولي البنتاغون والخارجية الأميركية، إضافة إلى إسرائيل التي لديها مآرب أخرى من هذا الوجود، لا تتصل بتحقيق المصالح الأميركية، بل بمساعيها لدوام إضعاف الدولة السورية، عبر حرمانها من ثروة النفط، وإثارة صراع عربي كردي يستنزف هذه الدولة، ويغري مناطق سورية أخرى بتقديم مطالب مماثلة.

لا شك أن هذا الاتفاق سوف يعيد تشكيل التحالفات داخل سوريا وحولها، على المديين المباشر والطويل، لأنه يجمع أكبر قوتين في سوريا ضمن جسم واحد، ما يشكل إضافة نوعية للدولة الجديدة، في حال أخذ طريقه للتطبيق، برغم العقبات العديدة المتوقعة، عند الوصول إلى التفاصيل.

المكسب الأكبر الذي يغري قسد في تنفيذ الاتفاق هو تضمنه لبند خاص بوقف كل أشكال الحرب في سوريا، بما يشمل وقف هجمات الفصائل المدعومة من تركيا على مناطق سيطرة قسد، ووقف الهجمات التركية نفسها، بما فيها الغارات الجوية، إضافة لانتزاع اعتراف الإدارة بدمشق بسلطة قسد كممثل للأكراد في سوريا، سيكون لها حصة في إدارة مناطقها وفي المؤسسات المركزية في دمشق، مثل الجيش والبرلمان المقبل والحكومة، والإدارات المختلفة.

أما الحكومة المركزية في دمشق، فإن الإتفاق سيتيح لها بسط سلطة الدولة على كامل الأراضي السورية، بما فيها حقول النفط والغاز والمعابر الحدودية، فضلا عن إشراك قوات قسد التي ستنضم للجيش السوري في محاربة “فلول الأسد” وكل التهديدات التي تهدد أمن البلاد ووحدتها، وهو ما قد يثير التكهن بإمكانية الاستعانة بقوات كردية الى جانب الأمن العام، لضبط الأمن في مناطق الساحل، ما يخفف من حدة الاحتقان هناك، نظرا لعدم وجود حساسية طائفية من جانب أبناء الساحل إزاء المكون الكردي.

كما أن هذا الاتفاق سوف يسهل على الإدارة في دمشق إحراز تفاهمات مماثلة في الجنوب السوري، خاصة إذا تكللت بالنجاح خطوات اندماج قوات قسد بالجيش السوري، ما سيضيف قوة نوعية لهذا الجيش، ستمكن إيرادات النفط المتوقعة من تحسين قدراته، ودفع رواتب منتسبيه.

وفي الخلفية، سوف يسهم الاتفاق في تجريد قسد من مكونها العربي، حيث إن غالبية المنتسبين إليها هم من العرب، وإن كانت قيادتها الفعلية بيد المكون الكردي، وهذا سيضيف للجيش قوة مدربة وموثوقا بها إلى حد بعيد.

والخلاصة، أن الاتفاق هو نصر سوري خالص، سوف يسهم أيضاً إلى حد بعيد في تحييد محاولات بعض القوى الخارجية للعبث بالوضع الداخلي السوري، وخاصة إسرائيل، التي عرضت غير مرة خدماتها لبعض المكونات السورية، على أمل تفتيت الدولة السورية، ومنع وحدتها.

تلفزيون سوريا

———————-

سوريا إلى أين؟ تكرارٌ للسؤال/ جلبير الأشقر

تحديث 12 أذار 2025

طرحنا السؤال قبل ثلاثة شهور وحاولنا الإجابة عنه بالتأكيد على استحالة اتفاق جميع الفصائل المتواجدة في سوريا على الخضوع لسلطة واحدة، وبإبداء الشك في تحوّل «هيئة تحرير الشام» (هتش) من السلفية الجهادية إلى الديمقراطية الشاملة لكافة مكونات الشعب السوري («سوريا إلى أين؟» 10/12/2024). وقد شهدت الأيام الأخيرة أحداثا قد توحي بسير الأمور في اتجاهين معاكسين بالنسبة لما توقعنا.

فإن مؤتمر «الحوار الوطني السوري» الذي دعت إليه سلطة هتش، بعد أن نصّبت نفسها حكومة لكامل الأراضي السورية ونصّبت زعيمها أحمد الشرع رئيساً للبلاد، إنما جاء غير مقنع على الإطلاق، تذمّرت شتى أطراف المعارضة السورية التاريخية من حيثيات الدعوة إليه. بل أكدت طريقة عقد المؤتمر نيّة هتش في السيطرة الكاملة على سيرورة إعادة بناء مؤسسات الدولة السورية وصياغة دستورها الجديد. وإذ حظي الشرع بدعم إقليمي عربي تجلّى في الزيارات التي قام بها، لم يحظَ بثقة أو بدعم مماثل من بعض مكونات الشعب السوري الأساسية، سواء أكانت سياسية، أو طائفية، أو إثنية، أو مناطقية.

والحقيقة أن الشرع يتصرّف وكأنه سيّد الموقف بينما قوات هتش بعيدة عن أن يكون تعدادها كافياً للسيطرة على كامل الأراضي السورية، حتى لو استثنينا الجولان المحتل. فإزاء هذا الواقع الجلي، يسعى الشرع نحو تحييد المنافسين والأخصام كسباً للوقت، مراهناً على حصول هتش على دعم وتمويل يسمحان لها بناء قوة عسكرية تفوق قوة سائر الأطراف المسلّحة المتواجدة في شتى أنحاء الأراضي السورية. وفي هذا الانتظار، يقوم عادةً السلوك المنطقي على مهادنة القوي ريثما تتوفّر القدرة على التغلب عليه، مع استفراد الضعيف في هذه الأثناء.

وتأتي في هذا الإطار المجازر الطائفية البشعة التي وقعت في الأيام الأخيرة في المنطقة الساحلية والتي ذهب ضحيتها ما يزيد عن ألف من المدنيين العلويين حسب تقارير «المرصد السوري لحقوق الإنسان» وقد تناقلت شبكات التواصل الاجتماعي صوراً وفيديوهات مروّعة عن بشاعة المجزرة. وإذ ادّعت هتش أن جماعات غير منضبطة هي التي ارتكبت المجازر، يبقى أنها رعت هذه الجماعات المتطرّفة وتتحمّل مسؤولية أفعالها بالتالي، وقد انتهزت الفرصة كي تبسط سيطرتها على منطقة الساحل. أما إلقاء مسؤولية ما جرى على «فلول» نظام الأسد، فلا يجيب عن حقيقة أن هذه «الفلول» امتنعت عن القتال دفاعاً عن النظام البائد ولم تتحرك من جديد انتصاراً له، بل دفاعاً عن أهل طائفتها. بمعنى آخر، من يوصَمون اليوم بأنهم «فلول» إنما باتوا قوة طائفية على غرار ما لدى الطائفة الدرزية، وعلى غرار هتش نفسها التي هي قوة طائفية بامتياز، ناهيك من القوة الإثنية-القومية الكُردية.

أما الحدث الوحيد الذي قد يوحي بالسير على درب توحيد البلاد ديمقراطياً، فهو الاتفاق الذي أُبرِم يوم الإثنين الماضي بين أحمد الشرع ومظلوم عبدي، قائد «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) والذي ينص نظرياً على دمج قسد في إطار الدولة السورية الجديدة التي تهيمن هتش عليها. والحقيقة أنه من المرجّح أن يلحق هذا الاتفاق بالقائمة الطويلة من الاتفاقات التي لم تشهد تطبيقاً لها، أو تكاد، وانتهى بها الأمر في طي النسيان. ذلك أن ما أدّى إلى هذا الاتفاق، بعد وعيد الشرع نفسه بفرض هيمنة دولته على الشمال الشرقي السوري، هما أمران: الأول هو إدراك الشرع أن لدى قسد من القوة العسكرية ما يفيض عمّا لدى هتش اليوم، ناهيك من الدعم الأمريكي الذي تحظى به قسد حتى الآن. والثاني هو ضوءٌ أخضر تركي متعلّق بالخطوات القائمة داخل تركيا لإنهاء الحرب مع «حزب العمال الكردستاني» بعد دعوة زعيم الحزب، عبد الله أوجلان، إلى إلقائه السلاح.

لذا يبدو اتفاق يوم الإثنين الماضي وكأنه أقرب إلى هدنة مؤقتة مما هو إلى خطوة فعلية نحو رسم معالم سوريا جديدة، تسمح بإعادة اندماج حقيقية للبلاد على قاعدة ديمقراطية تشمل درجة من اللامركزية الإدارية، بما يتيح لشتى مكونات الشعب السوري التعايش بسلام وإعادة الانصهار بعد عقود من القهر القومي والعرقي والطائفي بإشراف النظام البعثي المخلوع.

كاتب وأكاديمي من لبنان

القدس العربي

—————————-

خوف السوريين… أو الألم في توقّع عودة الشر/ علي سفر

الأربعاء 2025/03/12

مشاركة عبر

طيلة الأيام الماضية، كان السوريون مرضى بالخوف! لقد مرت عليهم، منذ تاريخ 08/12/2024، ثلاثة شهور “مفترجة”، فصّلها القدر على مقاس معاناتهم طيلة 14 عاماً من المذبحة الأسدية المباشرة بحقهم، و54 سنة من الحكم الديكتاتوري عموماً.

لكن المجازر التي ارتكبها مجرمون ينتمون إلى فصائل مسلحة بحق مئات الأفراد من الطائفة العلوية، على هامش هجوم منسق لفلول النظام البائد، قضت على كل الانبساط الذي كان يُرى في محيّا السوري، في بلده أو في الشتات. وعاد الشعور بالقلق ليهيمن من جهتين: الخشية من أن ينجح أزلام الأسد في استعادة موقع لهم في المشهد، والارتياع من أن يصبح القتل على الهوية ديدن بعض الجهات التي تستتر بعملها مع وزارة الدفاع في الدولة الجديدة.

كلا الأمرين شرّ، والخوف الذي سجن العقول والحواس هو “ألم ناتج عن توقع الشر”، حَسَبَ أرسطو.

يمكن للمرء أن يكون شجاعاً، حتى وإن أصيب بالمرض، بل إن قصص شجاعة المرضى في مواجهة المصائب تعدّ من أروع القصص التحفيزية للآخرين. لكن الحالة التقليدية تشترط أن يعرف الإنسان ما أصابه، فيكرّس لمواجهته كل جهوده. وفي حالة السوريين، الخوف هو ألم ناتج عن مرض غير مسمى، لكنه مفهوم. ويمكن، بقليل من اللعب بالمنطق، وضع “الشر” في مكان المرض، لتصبح الحقيقة أوضح قليلاً: لقد أصيب السوريون بشرٍّ أسديٍّ مستطير، وها هم يخافون نوبة أخرى منه بعدما ظنوا أنه غادرهم إلى غير رجعة.

المثقفون السوريون (مجموعة من الناشطين والناشطات ومنظمات المجتمع المدني، حَسَبَ البيان الرسمي)، الذين وقفوا قبل أيام في ساحة المرجة دعماً للضحايا في الساحل، قرروا أن يعلنوا تفاصيل خوفهم! طالبوا بألّا يُعاد الماضي القريب، وأن تقوم دولة الجميع بحماية جزء من الشعب. لكن هذا لم يكن كافياً ليفهم الآخرون، من الناشطين الذين جاؤوا ليحتجوا على الاحتجاج، المعاني التي حملتها اللافتات. فحصل شجار بين أصحاب الشعارات، وبين من يعتقدون أن الكلمات المكتوبة تتهم الدولة التي لم يروا منها ما يعيبها! أدى ذلك إلى تدافع بين المشاركين، وهروب كثير منهم، بينما وقع اشتباك بالأيدي ومطاردات، لم يوقفها سوى قيام أفراد من الأمن العام بإطلاق النار في الهواء، ما أدى إلى ارتداع المهاجمين!

المثقفون، والناشطون الآخرون، كلاهما يشعر بالخوف، ويتألم مما لا يمكن توقع إن كان قد حصل فعلاً أم لا. إنه الشعور بأن ثمة من يريد الاستيلاء على الحلم الذي أنفقت الجموع عمراً بأكمله لتحقيقه، أو التعريض به.

وفي ظل الوضع الطارئ، حيث تختفي مقومات التواصل والاجتماع، وحتى الفسحات المخصصة للاحتجاج، إذ لا يمكن اعتبار ساحة المرجة مكاناً مناسباً، يمكن التوقف ملياً عند التقابل الحاصل هنا. فهو ليس أمراً عابراً، بل هو جزء مما أسست له دولة القمع المدحورة، حيث كانت الريبة بين أفراد الشعب ملمحاً عاماً، والتشكيك في نوايا الآخر سلوكاً طبيعياً، طالما أن المحاسبة كانت تقوم على افتراض أن السوري خائن للنظام البعثي كاحتمال دائم. ثم أن مشهدية الاحتجاج ذاتها يكتنفها التنميط، فالمحتج حتى وإن كان صامتاً، يُعتبر مهدداً للأمن العام، إذ يؤدي إلى إثارة الجلبة حين يأتي رجال الأمن لتفريقه، ويُشعر الناس العاديين بأن السكون الذي يرومونه ليعيشوا بلا قلق يصبح مهدداً.

هل من سبيل للخروج من هذه الدوامة؟! هل يستطيع السوريون مغادرة ضفة الخوف نحو الاطمئنان بأن الماضي المزري لن يعود؟

ما زالت البلاد كلها تتهيأ لتمكين مواطنيها من ممارسة حقوقهم، والوصول إلى عتبة المواطنة والتساوي في الحقوق والواجبات. وهذا كله لن يكون قابلاً للتنفيذ طالما أن الأخطار الخارجية، كاجتياحات إسرائيل والتهديدات الإيرانية، تتساوى مع الداخلية، حيث كان الوضع قبل توقيع الاتفاقيات بين الدولة و”قسد” ووجهاء السويداء، وقبل دحر الفلول في الساحل، أقرب ما يكون إلى انفجار تتشظى بسببه البلاد إلى قطع عديدة من الصعب إعادة لصق بعضها ببعض!

يريد جزء من الخائفين على مستوى الشعب، من المثقفين والسياسيين والناشطين على حد سواء، تأجيل فعالياتهم، خشية أن يتسببوا في انقسامات جديدة. بينما يرى التيار المدني الديموقراطي في عموم البلاد أن من الواجب المشاركة في صقل العَلاقة بين الدولة والمجتمع، عبر جعل النشاط المستقل عنها أمراً طبيعياً لا يمكن قمعه أو الحجر عليه تحت أي ظرف. وهنا، يمكن التعويل على الخطوات التي أُعلنت رسمياً، وبدت كاستجابة مباشرة للمطالب الملحّة. ولعل التأسيس في الإعلان الدستوري، والإشارة إلى حقوق الناس في التعبير عن أنفسهم وأوضاعهم ومطالبهم، يخفف من أثر شعور الأفراد بأنهم مهددون دائماً بخسارة الانتصار الثوري على نظام البراميل الاستبدادي.

يتعلم السوريون من تجاربهم كما يقال؟ وكما تفرحهم النجاحات، تحزنهم الانتكاسات، لكنهم يسارعون إلى قلب الصفحة، عسى أن تكون أيامهم المقبلة أفضل مما مضى.

المدن

—————————–

قراءات متباينة في روسيا لتداعيات أحداث الساحل السوري/ رامي القليوبي

12 مارس 2025

هيمن التحفظ والحياد والدعوات إلى وقف العنف على المتابعات الروسية لمواجهات الساحل السوري التي بدأت الأسبوع الماضي إثر تمرد لفلول النظام السابق، وراح ضحيتها ما لا يقل عن 800 قتيل، بحسب آخر توثيق للشبكة السورية لحقوق الإنسان، يوم أمس الثلاثاء، مع توفير مأوى لآلاف الفارين من المجازر في قاعدة حميميم الجوية في محافظة اللاذقية، وعقد مشاورات مغلقة بمجلس الأمن (أول من أمس)، أكد مندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة، فاسيلي نيبينزيا، إجراءها بالتنسيق مع واشنطن.

وقال الكرملين، أمس الثلاثاء، إنه يريد أن يرى سورية “موحدة وصديقة، لأن عدم الاستقرار هناك قد يؤثر في المنطقة بأسرها”. وأضاف المتحدث باسم الكرملين، دميتري بيسكوف: “إنها منطقة متفجرة للغاية، بالطبع زعزعة الاستقرار، أو عدم الاستقرار في واحد من بلدان المنطقة قد تكون له تداعيات كارثية على المنطقة بأسرها. لذلك، نريد أن نرى سورية موحدة ومزدهرة ومتطورة وذات مستقبل واضح وصديقة”، لافتاً إلى أن موسكو تتواصل مع عواصم أخرى بشأن الوضع في سورية بعد أحداث الساحل. وكان بيسكوف قد دعا، أول من أمس، إلى وقف العنف في سورية، محجماً في الوقت نفسه عن التعليق على مستقبل القواعد العسكرية الروسية في هذا البلد، ومزاعم اختباء سكّان سوريين مدنيين بقاعدة حميميم الجوية في اللاذقية. وفي معرض تعليقه على تقييم الكرملين للوضع، أضاف: “ثمة مظاهر عنف (في سورية) لا يمكنها ألا تثير قلقنا البالغ”. وتابع قائلاً: “العديد من دول العالم والمنظمات الدولية، بما فيها الأمم المتحدة، تشاطرنا هذا القلق. الأهم استبعاد مثل هذه المظاهر للعنف في أسرع وقت”.

“الأسد أو نحرق البلد”

وأرجع الخبير في المجلس الروسي للشؤون الدولية، المستشرق كيريل سيميونوف، انفجار الأوضاع في الساحل السوري إلى مجموعة من العوامل، بما فيها إصرار بعض العناصر من النظام السابق على مبدأ “الأسد أو نحرق البلد”، وعزوف بعض العناصر في الجيش السوري الجديد عن الامتثال للأوامر، مفنداً ما تردد من شائعات عن وقوف روسيا خلف ما يجري.

وقال سيميونوف في حديث لـ”العربي الجديد”: “التمرد شنّته مجموعات بعضها طائفي وتضم مقاتلين لهم صلة بقوات النخبة التابعة لنظام الأسد مثل الحرس الجمهوري والفرقة الرابعة ولواء أبو الفضل عباس، ولا يجوز استبعاد الاحتمال أن هذا الحراك وقع بصورة عفوية تحقيقاً لمبدأ (الأسد أو نحرق البلد)”. وبرأيه، فقد ساهم في تأجيج الوضع “انضواء الجيش السوري الجديد على مسلحين يتحدر بعضهم من الجمهوريات السوفييتية السابقة ولوحظوا في بانياس (طرطوس)، يتحركون بلا أوامر ويعتبرون القتل الجماعي تصرفاً مقبولاً، ما يفرض على السلطات الجديدة معاقبتهم وتسريحهم من الخدمة”.

وقلّل سيميونوف من أهمية مزاعم وجود مصلحة لطهران أو موسكو في ما جرى، معتبراً أن “انهيار الدولة السورية لن يحقق أي مكاسب لإيران، بينما يقتصر الدور الروسي على استقبال الفارين من المجازر في قاعدة حميميم الجوية وتوفير مأكل ومأوى لهم، بينما تسعى قوى غربية وربما إسرائيل لإلقاء مسؤولية ما يجري على عاتق روسيا بهدف إفساد العلاقات بين موسكو ودمشق عبر تعريض الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية أحمد الشرع، لضغوط شعبية حتى يعلن إقصاء القواعد الروسية، ما سيصبّ في مصلحة الغرب الذي يبحث عن حرمان روسيا أي دور في الشؤون السورية”.

بدوره، جزم الأكاديمي السوري المعارض لنظام الأسد المقيم في موسكو، محمود الحمزة، بأن أحداث الساحل السوري لا تصبّ في مصلحة موسكو التي تسعى لتأسيس علاقات براغماتية مع السلطة السورية الجديدة، معتبراً في الوقت ذاته أن الوضع الراهن يتطلب تكاتفاً من جميع أطياف الشعب السوري من أجل تحقيق تطلعاته لغد مشرق.

واعتبر الحمزة في حديث لـ”العربي الجديد”، أن “موسكو تسعى لبناء علاقات براغماتية مع السلطات السورية الجديدة، ولم تعد تكترث لبشار الأسد وفلوله، ولا علاقة لها بعناصرها الذين باشروا بقتل أفراد الأمن والمدنيين على حد سواء”. وشدّد على أن القضية الرئيسية بالنسبة إلى روسيا “هي مستقبل قاعدة حميميم الواقعة في قلب الأحداث على مقربة من مدينة اللاذقية وجبلة، ما أدى إلى توجيه اتهامات إلى روسيا بوقوفها وراء ما يجري، ولكنني على قناعة بأنه ليست لموسكو مصلحة في أن تتدخل بالشؤون الداخلية السورية لدعم بقايا النظام، وإنما أن تبني علاقات جيدة مع دمشق”.

ومع ذلك، لم يستبعد الأكاديمي السوري المعارض، احتمال أن تكون لقوى إقليمية مثل إيران وإسرائيل يد في ما يجري، مضيفاً أن “ثمة انطباعاً بأن هناك مخططاً إقليمياً لإسقاط الحكم الجديد وإعادة سورية إلى حظيرة إيران وعهد التشبيح والطائفية. ارتكبت فلول النظام مجازر بحق المدنيين في الساحل، ولكن للأسف اعتدت بعض الفصائل غير المنضبطة على المدنيين أيضاً. الثورة مستمرة، وبناء سورية الجديدة قد بدأ، وهذه معركة الشعب السوري كلّه وبمكوناته كافة، حتى تكون سورية مستقلة موحدة”.

أحداث الساحل السوري وشرعية السلطة

من جهته، اعتبر الخبير في المجلس الروسي للشؤون الدولية والباحث غير المقيم في برنامج سورية التابع لمعهد الشرق الأوسط في واشنطن، أنطون مارداسوف، أن أحداث الساحل السوري تنسف جهود إضفاء الشرعية الدولية على السلطات السورية الجديدة، وتعرقل رفع العقوبات الأميركية المفروضة على سورية.

وأوضح مارداسوف في حديث لـ”العربي الجديد”، أن “المجازر في الساحل السوري تنسف محاولات شرعنة السلطات الجديدة، سواء أكانت مؤقتة أم دائمة، وتزيد من صعوبة الترويج لرفع العقوبات، وأقصى ما يمكن تحقيقه، تمديد فترة تعليق القيود الأميركية التي رفعت في نهايات عهد الرئيس السابق جو بايدن”، معتبراً أن “محاولات الشرع النأي بنفسه عن بعض الفصائل مفهومة ومنطقية، ولكنها لا تغير شيئاً، لأن هناك عناصر مندمجة ضمن جهاز أمنه شاركت في المجازر”.

ومع ذلك، أقرّ مارداسوف بأن أعمال الموالين للأسد كانت لها اليد الطولى في ما جرى، مؤكداً أن “عملية منسقة جرت للسيطرة على مواقع حيوية مثل الكلية البحرية ومطار استامو العسكري، ونشر الفوضى في اللاذقية وطرطوس، وبالدرجة الأولى في بانياس، ما أربك حسابات السلطات الجديدة”. ورأى أن “موقف إيران وحزب الله اللبناني لم يتضح بعد، ولكن من الواضح أن مكافحة هذه الشبكة ستحظى بالأولوية لدى دمشق، حتى مقارنة بإحباط الهجمات الإرهابية التي يدبرها تنظيم داعش”.

وعلى عكس الموقف الرسمي الذي اتسم بدرجة عالية من الحياد، حذرت القنوات الروسية على تطبيق تليغرام من تداعيات طويلة الأجل للأحداث الأخيرة في الساحل السوري، إذ توقعت قناة ريبار البالغ عدد متابعيها أكثر من 1.3 مليون، في منشور أول من أمس، أن “السلطات الحالية التي لا تسيطر إلا على جزء من الأراضي، قد تفقد ما تبقى من شرعيتها في عيون الأقليات”، مرجحة أن تواصل الطائفة الدرزية وغيرها من الأقليات تشكيل نظم أمن مستقلة تعتمد على دعم الرعاة الخارجيين. وكان نائب رئيس مجلس الاتحاد (الشيوخ) الروسي، قسطنطين كوساتشيف، قد اعتبر في منشور على قناته على “تليغرام” يوم الأحد الماضي، أنه “كما كان متوقعاً، تشهد سورية بعد الانقلاب الذي وقع في نهاية العام الماضي، اندلاعاً لحرب أهلية تتخللها الفتنة العرقية والطائفية”. واتهم كوساتشيف من قال إنهم “راديكاليون استولوا على السلطة” بتحويل سورية إلى “دولة لعرقية وطائفة واحدة”، على حد تعبيره.

العربي الجديد

———————————

دمشق و”قسد”: اتفاق الضرورة ومواكبة المتغيرات/ أدهم جابر

الأربعاء 2025/03/12

لم تكد تمضي أيام على دعوة زعيم “حزب العمال الكردستاني” عبدالله أوجلان حزبه إلى نبذ العنف والتخلي عن السلاح، حتى أثمرت اتفاقاً بين قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، والإدارة السورية الجديدة، لتصدق التوقعات التي كانت أشارت إلى تأثير إيجابي لتلك الدعوة على إعادة تموضع الأكراد في سوريا.

يمكن القول إن الاتفاق، يعكس تبدّل المفاهيم لدى الأكراد، الذين وجدوا، بعد عقود من النزاع، أن استقرار مناطقهم ومصلحتهم العامة، يجب أن يتقدّما على أي أحلام تتعلق بالانفصال وتشكيل كيانٍ داخل الأراضي السورية، لن يجلب لهم سوى الحرب وما يرافقها من قتل وخراب ودمار.

بذرة أوجلان وعوامل أخرى

وإذا كانت دعوة أوجلان، شكّلت البذرة التي أسست لاقتناع الأكراد بالتحوّل، فإن عوامل أخرى لعبت دوراً في حياكة الاتفاق أهمها:

أوّلاً، ما يتعلق بالتاريخ، إذ أمضى الأكراد سنوات طويلة تحت مظلة نظام البعث البائد، تخللتها واحدة من أسوأ تجاربهم، حيث جرى التعامل معهم في تلك الحقبة على أنهم أقلية غير مرغوب فيها، في ظل محاولات حثيثة وعملية لإخراجهم من جلدهم وإلباسهم عباءة العروبة رغماً عنهم. من هنا وجد الأكراد أنفسهم أمام معضلة، فإمّا الذهاب إلى حرب أوسع، أو خوض تجربة مختلفة كلياً عمّا عاشوه، مع حكم جديد من خلال الاستثمار في التقارب الذي نشأ مع سلطة دمشق، بعد سلسلة من المشاورات والمحادثات المتكررة، فكان الخيار الثاني وذهب الأكراد إلى إبرام الاتفاق.

ثانياً، الأحداث التي تشهدها المناطق الساحلية في سوريا، وتخللتها اشتباكات وانتهاكات ذهب ضحيتها الآلاف من المدنيين ومن رجال الأمن السوريين. فهذا المشهد شكّل حالة من الهلع والخوف لدى كل المكونات السورية، وليس العلويين فقط، خصوصاً في ظل الجنون الدموي لبعض الفصائل، وعلى رأسها “العمشات” و”الحمزات”، والتي أسرفت في القتل من دون حسيب أو رقيب، وكأنها تستغل بذلك حالة الاحتضان العربي لسلطة الرئيس أحمد الشرع، بالإضافة إلى احتضان شعبي تمثّل في طائفة معينة، كانت ترى نفسها حتى الأمس القريب مقموعة ومقهورة، وعانت ما عانته من نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد، وجاءتها الفرصة لتحقيق انتقامها وإن على يد “الأجنبي” القادم إلى سوريا لـ “الجهاد” انطلاقاً من خلفية دينية تكفيرية، لا ترى في الآخر سوى مشروع قتل وسبي وهدر دم. هذه التطورات وما رافقها من مشاهد غلبت على المشهد الكردي، ففضّل الأكراد الجنوح إلى السلم فجنح الشرع معهم.

ثالثاً، أحداث الساحل نفسها، أجبرت أنقرة على إعادة النظر في سياساتها تجاه الأكراد، ولو مرغمةً، فهي من ناحية لا تريد التنازل والاعتراف بأي حق كردي في تأسيس دولة مستقلة، وفي الوقت نفسه، لا ترغب بانفلات الأوضاع الداخلية في سوريا والانزلاق إلى حرب أهلية قد يكون أول المتضررين منها، الإدارة السورية الجديدة، وهذا ما سينعكس بدوره على نفوذها في سوريا، وتراجعه لمصلحة إسرائيل التي سارعت إلى تبني حماية “الأقلية” الدرزية، فيما تعمل تركيا منذ سنوات على تكريس حكم في دمشق، يؤمن لها مصالحها القومية والاستراتيجية. وعلى ذلك ترجمت أنقرة تنازلاتها بإشارات إلى الشرع، جعلته يسرّع في توقيع الاتفاق، لكن ضمن خطوط حمراء تركية بأن لا دولة كردية مجاورة مهما بلغ أو كلّف الأمر.

رابعاً، التحوّلات التركية تلتقي في جانب منها مع الرغبة والمساعي العربية الهادفة، إلى المحافظة على وحدة سوريا وأمنها واستقرارها. فالعرب، وإن اختلفوا في بعض التفاصيل، لكنهم لا يرغبون برؤية سوريا ذات لون طائفي واحد، بل على العكس تماماً إن عدم استقرار سوريا، ودخولها في حرب أهلية، لن ينعكس فقط على الداخل السوري، وإنما على المنطقة العربية ككل، وبالتالي لا مصلحة لهم، أقله في الوقت الراهن، في رؤية بلاد الشام مقسّمة ومفتتة إلى دويلات طائفية ومذهبية تعيش حالة من التناحر والاقتتال في ما بينها، ويمكن استغلالها من قبل أطراف خارجية، ما يهدد الأمن والسلم العربيين، وبالتالي فإن الهدف هو المحافظة على سوريا المتعددة طائفياً، على أساس أن التنوّع غنى وأنه يمكن اعتبار الطوائف نعمة بدلاً من نقمة الطائفية.

قراءة المشهد

إذاً، بالنسبة إلى الأكراد السوريين، فقد قرأوا المشهد العام بعناية، وأدركوا أن مواكبة المتغيرات الإقليمية والعربية والدولية، في سبيل مستقبل أفضل والمصلحة العامة، خير من الاستمرار في حرب لا متكافئة في مواجهة سلطة كشّرت عن أنيابها، من أجل تثبيت حكمها بالبارود والنار. وهنا فإن ما فعله الأكراد يمكن النظر إليه بأنه مبادرة لحماية “الذات”، ومن ناحية ثانية، مسعى لتجنيب المكوّنات الأخرى، وبينهم العلويون ضمناً، المذابح التي تُرتكب بحقهم، وإجهاض أي محاولة من قبلهم للمطالبة بالانفصال أو طلب الحماية الدولية لمواجهة النظام الإسلامي الوليد في سوريا. بالإضافة إلى كونها محاولة لمساعدة الدولة السورية على تحقيق الأمن والاستقرار لكل المواطنين، من خلال إرساء نظام حكم لا يتّخذ من القتل سبيلاً لتعزيز أركانه، في وقت يمكنه اعتماد الحوار والتفاهم من أجل إبرام اتفاقات تعزز اللحمة السورية. وعليه يمكن القول إن الأكراد وتحديداً “قسد”، قدّمت خدمة إلى السلطة السورية الجديدة هي في أمس الحاجة إليها، في ظل أحداث الساحل الدموية، وهذا يفرض على السلطات استغلال التطورات وإجراء مراجعة سريعة لما جرى في غرب سوريا، وأخذ الدروس والعبر منه، والبناء عليه في رحلة البحث عن اتفاق مع العلويين مشابه للذي أبرم مع الأكراد.

لا شكّ أن التقارب العلوي مع السلطة الجديدة، دونه تحديات يتعين على دمشق معالجتها أولاً، والمتمثلة بأن من يتصدّر المشهد في الساحل حالياً هي جماعات وفلول تناكف الشرعية السورية، فيما الحاجة هي إلى ممثل جامع للعلويين يكون مستعداً للاتفاق مع الشرع. وفي المقابل، فإن العلويين مطالبون بمواكبة التطورات إذ لا يجب قراءة الاتفاق الكردي بأنه تخل عن الحقوق، ولكن اعتباره بمثابة تحوّل ضروري لانتهاج السبل السياسية والوسائل السلمية واعتماد الوفاق في نسج العلاقات بين السلطة والمكونات، من ناحية، والمكونات في ما بينها من ناحية أخرى، وكل ذلك من أجل الوصول إلى سوريا سيدة حرة مستقرة تجمع السوريين ولا تفرقّهم.

المدن

—————————-

فرصة كي يثبت الشرع أنه ليس “الجولاني”…/ خيرالله خيرالله

السؤال الذي يفرض نفسه في ضوء الأحداث الأخيرة هل في استطاعة “هيئة تحرير الشام” والفصائل الحليفة لها تأسيس نظام مختلف كليا عن نظام آل الأسد بعيدا عن فكرة الانتقام.

الأربعاء 2025/03/12

التجربة الفاشلة يجب ألا تتكرر

من الطبيعي مسارعة النظام الجديد في سوريا إلى معالجة الوضع القائم في الساحل السوري بجدّية، أقله من أجل أن يظهر أنّه نظام مختلف عن نظام آل الأسد. لن تنجح هذه المعالجة سوى عبر إثبات أحمد الشرع أنّه ليس “أبومحمد الجولاني”. أي أنّه ليس “إرهابيا يضع ربطة عنق” على حد تعبير أحد أركان النظام العراقي الذي تسيطر عليه “الجمهوريّة الإسلاميّة” في إيران.

لم يعد سرّا أن العراق، الذي لجأ إليه عدد كبير من الضباط السوريين العلويين، في ضوء فرار بشّار الأسد إلى موسكو، ليس راضيا عن التطورات التي شهدتها سوريا في الأشهر الثلاثة الماضية ولدى حكومته، التي على رأسها محمّد شياع السوداني، موقف متشنّج إلى حدّ كبير من الرئيس السوري الجديد أحمد الشرع. في الواقع على الشرع إثبات أن كل ما يقال عنه في بغداد وطهران ليس صحيحا بعدما تخلّى بالفعل عن “داعش” وفكره وكلّ ما يمت إليه بصلة.

وقعت بالفعل مجازر في منطقة الساحل السوري. استهدفت المجازر، التي وقفت وراءها تنظيمات تكفيرية، العلويين. أخذت المجازر، التي ارتكبت في حقّ العلويين، أبعادا تتجاوز حدود البلد. ثمة مخاوف من تفتيت لسوريا في وقت ليس معروفا ما الذي تريده إسرائيل التي تصرفت بشكل مريب منذ اليوم الأول لسقوط نظام آل الأسد.

تؤكّد جدية تعاطي الغرب مع الحدث السوري ردود فعل العواصم الأوروبيّة المختلفة، كذلك الرد الأميركي الواضح الذي عبّر عنه وزير الخارجية ماركو روبيو. أخذ العالم ما يجري في سوريا على محمل الجدّ. ليس هناك من يريد مزيدا من المجازر في بلد عرف كيف يتخلّص من بشّار الأسد ونظامه.

لم يكتف روبيو بـ“إدانة” الجرائم التي ارتكبتها عناصر إسلامية متطرفة، بل أشار إلى وجود “جهاديين أجانب”، شاركوا في المجازر التي وقعت في منطقة الساحل السوري. بات هناك خوف من أن يكون الحكم الجديد الذي على رأسه أحمد الشرع وقع في الفخ الذي نصبه له النظام الإيراني ومجموعات علوية تابعة للنظام السابق الذي لم يعد لدى أركانه، في مقدمهم بشّار الأسد وشقيقه ماهر والضباط التابعون لهما، غير خيار الدولة العلوية.

تحصد سوريا حاليا ما زرعه حافظ الأسد الذي آمن منذ توليه السلطة في العام 1970 بأن الحكم العلوي يُبنى على ركيزتين أساسيتين. أولاهما إلغاء أي معارضة من أي نوع، خصوصا معارضة المدن السنية الكبرى، مثل دمشق وحلب وحمص وحماة، التي كان الأسد يكن كرها شديدا لها ولأهلها. استخدم الأسد الأب الحديد والنار من أجل إخضاع المدن، بما في ذلك اللاذقية التي هي في الأصل مدينة سنّية – مسيحية قبل أن يجتاحها علويو النظام الذين هبطوا عليها من الجبال.

أما الركيزة الثانية للنظام الذي أسسه حافظ الأسد، فهي ركيزة الاعتماد على إسرائيل التي حصلت منه على ضمانات من نوعين. ضمانات لأمن الدولة العبرية أولا وأخرى تتعلق بالتخلي عن الجولان المحتل. لم يرد الأسد الأب استعادة الجولان في أي يوم. رفع كلّ الشعارات “الوطنية” ولجأ إلى كل المزايدات من أجل ضمان بقاء الجولان تحت الاحتلال الإسرائيلي منذ العام 1967.

ثمة ركيزة ثالثة للنظام السوري السابق تأمنت بعد قيام “الجمهوريّة الإسلاميّة” في إيران عام 1979. تتمثل تلك الركيزة في الحلف الذي تكرّس بين النظام الإيراني والنظام العلوي. كان لبنان من ضحايا هذا الحلف الذي من نتائجه قيام “حزب الله” الذي حل سلاحه المذهبي مكان السلاح الفلسطيني بعد العام 1982.

لا شكّ أن تركة نظام آل الأسد ثقيلة جدا. لكنّ التصدي لهذه التركة يقوم قبل أي شيء على تفادي اللجوء إلى الوسائل التي اعتمدها الأسد الأب والأسد الابن طوال 54 عاما. لكنّ السؤال الذي يفرض نفسه في ضوء الأحداث الأخيرة هل في استطاعة “هيئة تحرير الشام” والفصائل الحليفة لها تأسيس نظام مختلف كلّيا عن نظام آل الأسد بعيدا عن فكرة الانتقام؟

أظهر أحمد الشرع منذ فرار بشّار الأسد إلى موسكو رغبة واضحة في الابتعاد عن الفكر الذي تحكّم بـ“هيئة تحرير الشام”. لكن الكمين الذي نصبته “فلول النظام السابق” لمجموعة عسكرية تابعة للسلطة الجديدة أدى إلى ردود فعل كان الرئيس السوري الجديد في غنى عنها. لا يمكن اللجوء إلى القتل ردّا على القتل في حال كان مطلوبا التأسيس لنظام جديد يتساوى فيه المواطنون السوريون بغض النظر عن انتمائهم المذهبي والطائفي والقومي.

ستكون الأيام المقبلة أياما حاسمة أمام النظام السوري الجديد، خصوصا أنّ إيران ستحاول وضع المسألة العلوية في سوريا في الواجهة. ليس سرّا أن الأحداث السورية تدور حاليا على خلفية منافسة شديدة بين إيران وتركيا حيث توجد أيضا أقلّية كبيرة (نحو 16 مليون علوي). صحيح أنّ هناك تمايزا بين علويي سوريا وعلويي تركيا، لكنّ الصحيح أيضا أنّ أي مجازر يتعرض لها علويو سوريا ستكون لها انعكاسات في الداخل التركي.

 تحصد سوريا ما زرعه حافظ الأسد. المهمّ بالنسبة إلى شخص مثل أحمد الشرع الاقتناع بأنّ تلك التجربة الفاشلة يجب ألّا تتكرر، لا لشيء سوى لأن ذلك كفيل بتفتيت سوريا وتنفيذ الشعار الذي رفعه بشّار الأسد والعلويون من أنصاره في بداية الثورة قبل 14 عاما، شعار “الأسد أو نحرق البلد”.

لا يمكن الاستخفاف بالتحدي الذي يواجه النظام الجديد في سوريا الذي لا يستطيع تجاهل أنّ مراقبين دوليين رفعوا علم الأمم المتحدة ذهبوا حديثا إلى مناطق المجازر الأخيرة في الساحل السوري. يشير ذلك إلى مدى خطورة الوضع السوري الذي بات تحت المجهر الدولي. يحدث ذلك في وقت توجد فيه مخاوف تركية من انعكاسات للحدث السوري على الداخل التركي. أي دور ستلعبه تركيا في جعل شخصية أحمد الشرع مقبولة عربيا وإقليميا ودوليا؟

إعلامي لبناني

العرب

————————

سوريا رقم لا يقبل القسمة/ علي قاسم

رغم ما حدث خلال الأيام الماضية في منطقة الساحل السوري لن تجد بين أبناء الطائفة العلوية من يتحدث عن دولة علوية مستقلة ويصرون على رؤية أنفسهم جزءا لا يتجزأ من الكيان السوري.

الأربعاء 2025/03/12

مشاهد تثلج الصدر

قبل الكتابة عن أحداث الساحل السوري وعن توقيع الاتفاق مع الأكراد لدمج مؤسسات الإدارة الذاتية في إطار الدولة السورية، لي طلب بسيط أوجهه للرئيس أحمد الشرع، أن يعمل على إصدار قرار يحدث تبدلا كبيرا في الطريقة التي ينظر فيها العالم إلى الحكومة السورية الجديدة.

القرار هو رفع اللثام الذي يضعه عناصر من الجيش السوري والأمن العام على وجوههم خلال تنقلاتهم، لأن هذا اللثام يدفع إلى الربط بينهم وبين المقاتلين من الفصائل.

شخصيا، ليست لي مشكلة مع اللثام ورمزيته، ولكن أفضل ويفضل السوريون رؤية وجوههم والاستبشار بها، وأكاد أجزم أنهم شباب وُسَماء يمكننا أن نباهي بوجوههم الأمم.

تكفي الملابس العسكرية الرسمية لتمييزهم. إنهم نجوم سوريا، ومن حقهم أن يتباهوا وينالوا الشهرة التي يستحقونها.

أكتفي بهذا، لأتحدث عن مفاجأة لا تقل بوقعها عن مفاجأة انهيار نظام الأسد وهروبه خارج سوريا، وهي توقيع الرئيس السوري أحمد الشرع وقائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي الاثنين على اتفاق يقضي بدمج كافة المؤسسات المدنية والعسكرية التابعة للإدارة الذاتية الكردية في إطار الدولة السورية.

حتى الدقائق الأخيرة، كان رهان الجميع على التقسيم، خاصة مع الأحداث الدامية التي شهدتها منطقة الساحل السوري. الرئيس الشرع نفسه تحدث عن الأضرار التي ألحقتها هذه التجاوزات بما تحقق من إنجازات على صعيد علاقة الحكومة السورية الجديدة مع دول العالم ومنظماته، مضيفا أن العمل على ترميم هذه الأضرار سيحتاج إلى وقت طويل.

بالنسبة إليّ، الحدث لم يكن مفاجأة، لأنني لم أراهن يوما على تقسيم سوريا. فسوريا رقم لا يقبل القسمة.

قبل ساعات من الإعلان عن الاتفاق، كتبت مقالا تحت عنوان “سوريا: الحل بالتسامح وتجاوز ثقافة الانتقام”، عرضت في المقال ما جاء على لسان ديفيد شينكر مساعد وزير الخارجية الأميركي السابق، من أن سوريا لا تبدو متجهة نحو نظام فيدرالي، بل نحو دولة مركزية موحدة، ويتعين على قوات سوريا الديمقراطية أن تصبح جزءا من الجيش التابع للحكومة السورية في دمشق، وتعمل تحت قيادتها.

واليوم يؤكد مظلوم عبدي بعد توقيع الاتفاق أن الإدارة الأميركية نصحت قيادة قسد بالتوصل إلى اتفاق مع الإدارة السورية الجديدة.

إنها مسألة أيام قليلة قبل أن يتم التوصل إلى اتفاق ينظم العلاقة مع منطقة الجنوب السوري، ينهي التدخل الإسرائيلي ويضع حدا للإشاعات حول رغبة أبناء الجنوب في الانفصال عن سوريا، وهي إشاعات لا تؤيدها أي حقائق على الأرض. أبناء الجنوب يعتزون بانتمائهم إلى سوريا، ووطنيتهم لا يشك فيها. إنهم أحفاد سلطان باشا الأطرش القائد العام للثورة السورية الكبرى التي اندلعت عام 1925 وساهمت في إخراج الاستعمار الفرنسي من سوريا.

رغم ما حدث خلال الأيام الماضية في منطقة الساحل السوري، لن تجد بين أبناء الطائفة العلوية من يتحدث عن دولة علوية مستقلة، ويصرون على رؤية أنفسهم جزءا لا يتجزأ من الكيان السوري.

من منكم لم يشاهد صور ومشاهد الاحتفالات التي نقلتها الفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعي لآلاف السوريين الذين خرجوا في المدن السورية كلها، من الحسكة إلى القامشلي إلى دير الزور والرقة وحلب ودمشق وحمص وطرطوس واللاذقية، قبل أن يجف الحبر الذي استخدم للتوقيع على القرار.

إنها مشاهد تثلج الصدر، وتخفف من الألم الذي تسببت به صور القتلى المدنيين الأبرياء، وعبور الآلاف من سكان مدن وقرى ريف الساحل نهر الكبير الشمالي إلى لبنان هربا من القتل.

السؤال الآن يتركز على ما المطلوب عمله لإعادة الثقة وبث الطمأنينة في نفوس أبناء الطائفة العلوية، وأنهم ليسوا مطاردين ومدانين إلى أن تثبت براءتهم؟

هناك حل واحد، هو أن تبادر الحكومة لإعداد قائمة بأسماء كبار المطلوبين والمتهمين بتعذيب وقتل السوريين خلال حكم الأسد، حتى لا يشعر كل فرد عمل يوما ضمن سلك الجيش والأمن أنه مطلوب ومستهدف.

أبناء الطائفة العلوية ليسوا هم الوحيدون الذين عملوا مع النظام البائد، هناك أسماء يعرفها الجميع، من بين كل الطوائف والأقليات، عملت مع النظام، أياديها ملطخة بدماء السوريين.

بعد التوقيع على الاتفاق مباشرة، قفز سعر الليرة السورية 20 في المئة أمام الدولار. إنها علامة ثقة، تفسيرها الوحيد أن سوريا سائرة على طريق الاستقرار، وأن الاستقرار هو كل ما يحتاجه السوريون لينهضوا ببلدهم من جديد. وهم يستحقون الفرصة التي هيئت لهم.

كاتب سوري مقيم في تونس

العرب

——————————

مذبحة الساحل في السياق الإقليمي: تركيا تعزّز حضورها/ حسين إبراهيم

الأربعاء 12 آذار 2025

حتى إذا صحّت رواية أن الأمن العام السوري ليس مسؤولاً عن المجازر التي ارتُكبت في الساحل، فإن من ارتكبوها ممن يُطلق عليهم «مجموعات غير منضبطة»، لم يأتوا بالمصادفة إلى تلك المنطقة، بل هم جزء بنيوي من القوى التي سيطرت على سوريا بعد سقوط الرئيس السابق بشار الأسد، وجرى إرسالهم إلى الساحل عمداً، باعتبار الأخير مكمناً محتملاً للخطر على السلطة الجديدة، انطلاقاً من أن عدداً كبيراً من قادة الجيش والأجهزة الأمنية في النظام السابق يتحدّرون منه. لكن الأشهر التي مرّت منذ سقوط النظام، وفرار أركانه إلى خارج البلاد، ممن لم يقعوا في الأسر، وقبل ذلك خروج إيران و«حزب الله» وإلى حد ما الروس من سوريا، وبعده تقبُّل العلويين للنظام الجديد… كل ما تقدّم، جعل من الصعب على فلول السلطة المنحلة تشكيل حالة يمكن أن يكون لها مستقبل في سوريا، أو أن تهدّد السلطة الجديدة.

ما حصل أن هذه الأخيرة، عبر من أرسلتهم إلى الساحل، تمادت في التنكيل بالعلويين، بحجة مطاردة فلول النظام، ولم تستجب لمطالب وجهاء الساحل ومشايخه بوضع قوائم بأسماء المجرمين الذين نكّلوا بالشعب السوري في أيام النظام السابق، ولا أقامت نظاماً واضحاً للمحاسبة، ما أبقى الطائفة العلوية بأكملها في دائرة الاتهام، وجعل الحياة غير محتملة بالنسبة إليها، وولّد احتقاناً ما كان ممكناً إلا أن يوصل إلى الانفجار الأخير.

غير أن الأحداث تتجاوز كل ذلك، وتشي بأن ثمة تواطؤاً خارجياً واكبها من جهات تريد التأثير في عملية إعادة تشكيل سوريا، والتي ما تزال بعيدة من أن تكون منجزة، وتعترضها عقبات كبيرة نتيجة الصراع الناشئ بين قوى إقليمية ودولية، يريد كل منها أن يأخذ البلاد في اتجاه يخدم مصالحه. وهنا، يمكن القول إنه لم يكن ممكناً أن يحصل ما حصل، إلا تحت إشراف تركي وثيق، باعتبار أنقرة مالكة أكبر الحصص في سوريا ما بعد الأسد؛ وتبدأ المؤشرات إلى هذا التورط، من الصمت التركي على المذبحة، بل تشجيع الفصائل المتحركة في الساحل على تأديب هذه المنطقة وجعلها عبرة لكل من يحلم بالانفصال عن دمشق، ولا تنتهي بكون تلك الفصائل نفسها التي انحلّت واندمجت في الجيش الجديد، أساسها «الجيش الوطني السوري» الذي يقع مباشرة تحت الإدارة التركية.

وليس منطلق تركيا في ما تقدم، هو أن الساحل مشروع انفصال داهم؛ إذ إن الأخير هو الأقل ميلاً إلى هذا الخيار بين مناطق سوريا المرشحة لتشكيل كانتونات، بل إنه هو الحلقة الأضعف في سوريا الجديدة. ذلك أن مشاريع الانفصال الأكثر إلحاحاً في الوقت الراهن تقع في الشمال الشرقي والجنوب، وهي محمية إسرائيلياً أو أميركياً، بما يردع أنقرة وحلفاءها في دمشق عن الاقتراب منها، ويخيف الذين نفروا إلى «الجهاد» في الساحل، ويمنعهم من الإتيان بأي حراك في المنطقتين المذكورتين، بل حتى في جرمانا على بعد كيلومترات قليلة من القصر الرئاسي في دمشق.

وإلى جانب هذا السلوك التركي، ثمة تواطؤ خليجي عكَس غض نظر أميركياً وغربياً عن مذبحة الساحل التي قلَبها الإعلام الخليجي، وخاصة القطري والسعودي، بشكل لم يسبقه إليه أحد، ليجعل الضحايا هم المذنبون، باعتبارهم من فلول النظام، حتى إن كانوا أطفالاً ونساء وشيوخاً، ويصوّر الوحوش البشرية من الأجانب الذين تفاخروا بذبح النساء والأطفال بالسكاكين في بيوتهم، على أنهم ضحايا.

على أي حال، فإن ما جرى كان بشكل أو آخر، تذكيراً عبر دماء العلويين، بمن هو المنتصر ومن هو المهزوم في ما جرى في سوريا، والذي يشكّل بدوره جزءاً من جولة القتال الأوسع بين التحالف الغربي – الإسرائيلي، ومناهضيه، والتي بدأت في 7 أكتوبر 2023، وامتدت من قطاع غزة إلى اليمن، مروراً بلبنان وسوريا والعراق؛ فيما لا بأس على هامش المذبحة الجارية، في أن يعيد المنتصرون توزيع الأنفال في ما بينهم. إذ بدا لوهلة أن إسرائيل على وشك أن تنجح في سرقة الانتصار التركي، عبر الدفع نحو تقسيم سوريا عبر مد مظلّتها الحمائية لتصل إلى أبواب دمشق في أحداث جرمانا، وكادت تجعل الوالي التركي على العاصمة السورية بلا سلطة أو تاثير في الكثير من المناطق، وتفرض واقعاً يحوّل النصر الذي حقّقته أنقرة إلى تهديد كبير لها، عبر التقسيم الذي تتصدّره المنطقة الكردية في الشمال الشرقي.

على أن العرب أيضاً، باستثناء الإمارات، لا يتحمّلون سوريا مقسّمة في جوارهم. وهم وإن كانوا غير سعداء بالهيمنة التركية على النظام الجديد، ولكن ضررها يبقى أقل بكثير مما ينطوي عليه المشروع الإسرائيلي لإعادة تشكيل الشرق الأوسط وليس سوريا فقط، من مخاطر كيانية على دولهم. وهي مخاطر تتجلى بشكل رئيسي في مخطط تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة، وربما الضفة والداخل، إلى بعض تلك الدول، واقتطاع أراضٍ من أخرى مجاورة، ما من شأنه أن يشوّه الخريطة ويضع حدود كل البلدان العربية وأنظمتها السياسية على المحك.

الاخبار

——————————–

المقتلة السورية/ أيهم السهلي

الأربعاء 12 آذار 2025

يقول عبد الرحمن الكواكبي في كتابه الخالد «طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد» إن «الله جلت حكمته قد جعل الأمم مسؤولة عن أعمال من تحكمه عليها. وهذا حق. فإذا لم تحسن أمة سياسة نفسها، أذلها الله لأمة أخرى تحكمها، كما تفعل الشرائع بإقامة القيم على القاصر أو السفيه، وهذه حكمة. ومتى بلغت أمة رشدها، وعرفت للحرية قدرها، استرجعت عزها، وهذا عدل».

لا فرق جوهرياً بين ما حدث في سوريا خلال الأيام الماضية من مقتلة، وبين ما حدث على مرّ نحو 13 عاماً ماضية، أثناء خروج الشعب السوري بثورة أو انتفاضة (سموها ما شئتم)، فقد قتل النظام بجيشه وأمنه وشبيحته بالطريقة ذاتها التي شهدتها سوريا هذه الأيام.

المقتلة مستمرة، هذه حقيقة، وربما لن تتوقف في وعي الناس وضمائرهم، فالجروح غائرة، والسلوك اليومي في البلاد يكبس الملح في هذه القلوب المتفجرة ألماً. قبل 8 كانون الأول 2024، كان هذا ينطبق على «مؤيدي» نظام بشار وحافظ الأسد، وبعد سقوطه بأشهر أو أقل بقليل، صار ينطبق على من كانوا «يعارضون» الهارب الفار إلى موسكو.

ما هو مؤسف، أن الجروح الغائرة لا تريد أن تستريح لتشفى، فتزداد شماتة بالآخرين، ومن قبل حدث ذلك. والمؤسف في الأمرين، أن هناك من لم يكترث للموت الكثير الذي حصل، وفي الأمرين كان هنا شمّاتون وشتامون للمقتولين، كأن أرواح الناس ليس لها قيمة، وليست أهلاً للحياة، ما دام أنها في الموقف الخصم.

رقصوا كثيراً فوق الجثث، وعادوا إلى بيوتهم لتدليع أطفالهم، من قبل تاريخ السقوط، وتبدلت الأدوار بعد تاريخ السقوط، التاريخ الأهم ربما في سوريا منذ أكثر من ستين عاماً. هذا الرقص الفرح الطرب، هو انتقام، والساعين وراء الانتقام ليس في وسعهم بناء دول، وليس في وسعهم الانتماء إلى أوطان، والأكثر، أنهم أكثر الأعداء عداء لأوطانهم.

والمؤسف مرة أخرى أن الناس لا يفكرون في مآل الطاغية مهما طال به الزمن، ومهما شعر بأنه إله وأشعر الآخرين بأنه خالد، هم وعائلته من بعده حكماً وتوريثاً، فالقاتل الرئيسي بشار الأسد، وريث نظام القتل عن أبيه حافظ، هرب وترك الناس، وهل هذا مستغرب؟ مستغرب فقط لدى من أخذوه بحسن الظن، فلا يمكن بأي شكل من الأشكال أن يكون الطاغية أفضل من ذلك.

ولذلك يعود اليوم عدد من الأسئلة إلى الحياة، كتلك المتعلقة بسماح العالم له بالمقتلة السورية التي راح ضحيتها مئات الآلاف من البشر على الأقل، والتي أنهت ما كان يمكن أن يكون وطناً للجميع، فكل ادعاء عن المواطنة السورية، محض شعارات بعثية فارغة، أفقدتها البراميل كل معنى، واليوم كل رصاصة أطلقت على مدني في الساحل السوري، أكملت المهمة. والأكيد أن أمام السوريين والسوريات الكثير الكثير من العمل، للوصول إلى الوطن، واستبعاد كل من يتدخل من خارج سوريا، تحت أي ذريعة وادعاء كان دينياً أو سياسياً أو غيره.

الفرق بين اليوم والأمس القريب، أن اليوم في إمكان الجميع أن يكتب، بينما من قبل، لا، كان الأمر يكلف المرء روحه، إن لم يكن في الحد الأدنى اعتقاله في أحد السجون إلى أن يشاء الله. أمّا الكلام اليوم، فليس يسيراً فعلاً، فكل كلمة في وجه المقتلة، تقابل بكلام غريب يبرر الدم المسفوح، وكأن الذي يحدث هو الطبيعي، وما عداه ليس كذلك، وكأن الوقوف في وجه القتل الآن، يعني دفاعاً أو قبولاً بالجرائم الكثيرة جداً التي ارتكبها النظام السابق. وهذا الحال، لا يفرق كثيراً عن الاعتقال أو الإعدام المعنوي بسبب الرأي، أي رأي، المدين لقتل المدنيين.

أمّا الأسوأ من ذلك بكثير، فأن تجد السلطة الحالية في سوريا نفسها في وضع يسمح لها بقمع الحريات، تحت مسميات جديدة، كالصالح العام، التآخي الاجتماعي، وغيرها من المصطلحات. فما يحدث اليوم مصغّر جداً عما حدث في حماة 1982 لمّا ارتكب النظام، برئاسة حافظ الأسد وشقيقه رفعت، المجزرة المروعة في محافظة النواعير، وما استتبع بعدها من قمع هائل في البلاد، إذ «ربّى» الأسد الأب سوريا بمجزرة حماة.

من المعلوم والمؤكد، أن كل ما سبق، سيهيج الجميع، ويجلب عليّ الشتائم من الجميع، في سوريا وخارجها. لكن إن كان لذلك إيجابية واحدة، فهي اتفاقهم، ولو على شتيمة. لكن ما لا يعلمه كثر، أن سوريا ستلملم جروحها، وستلفظ القلوبُ الطيبة السورية بغلظة كل القتلة، لن تقبلهم، ولن تسمح لهم أن يكونوا بينها، فالسوريون يعرفون بعضهم بفقرهم المديد، الفقر الذي كان يدفع الجيران لتبادل صحون الطعام بشكل شبه يومي، وتبادل التحية كل ما التقوا في الطريق أو على ناصية الدرج، الفقر الذي لم ينحرم منه بيت سوري، قادر مرة أخرى على لملمة الناس على قلب واحد، قلب سوريا الطيب.

* صحافي فلسطيني

الاخبار

—————————-

عن العنف وما يسبقه ويليه…/ حازم صاغية

تحديث 12 أذار 2025

ما شهده الساحل السوريّ بدأه عمل إرهابيّ نفّذته «فلول» النظام البائد. لكنّه سريعاً ما تعدّى ذلك، وتعدّاه كثيراً، ليطرح جملة من الأمور المُلحّة في حياتنا وسياساتنا: كيف نتعامل مع أحقاد ونزعات ثأر؟ وكيف نفكّر بالاجتماع السياسيّ في مجتمع متعدّد؟ وكيف تُردَع الأفكار المتطرّفة وأصحابها عن التحكّم وصناعة القرار؟… بيد أنّ أمراً آخر جدّدت الأحداث المؤلمة إحياءه، هو العنف واستسهال العنف في صنع حياتنا.

فهناك، والحقّ يقال، ميل راسخ يدفعنا إلى توهّم السيطرة على العنف، بحصره في مكان وحجبه عن مكان، وباستخدامه هنا وتعطيله هناك، ومن ثمّ سَوقه إلى ما يخدم أغراضاً نراها مُحقّة. والميل هذا غالباً ما تعتمده الحجج المبرّرة للعنف، فيما التيّارات السائدة في ثقافتنا السياسيّة تشجّع على معانقة ذاك التوهّم. فقبل عقود على نزع حركات الإسلام السياسيّ كلّ تأويل مجازيّ عن مفهوم «الجهاد»، تأثّرت أحزاب مشرقيّة كـ»السوريّ القوميّ» و»حركة القوميّين العرب»، بالفاشيّات الأوروبيّة، رافعةً القوّة إلى مثال. وبدوره علّمنا الطبيب المارتنيكيّ فرانس فانون، نتيجة انكبابه على الجزائر وثورتها، أنّ العنف في مواجهة المستعمِر فعلٌ علاجيّ يطهّر نفس المضطهَد. ومع الثورة الإيرانيّة في 1979 ازدهرت نظريّة تقول إنّ الخمينيّ أحدث تحويلاً كبيراً بأن نقل العنف الطقسيّ الذي يرتدّ على الذات إلى عنف يتّجه إلى «الإمبرياليّة وعميلها الشاه». ودائماً كان يظهر من يعظنا، كلّما اهتزّت أوضاع داخليّة في بلد عربيّ، بأن نوجّه البنادق إلى صدر «العدوّ الصهيونيّ».

لكنّ زمناً قصيراً نسبيّاً بدا كافياً للبرهنة على فداحة الأخطاء المقيمة في تلك التعاليم. فالجزائر لم يردعها «تطهير نفسها» بـ»مليون شهيد» عن حرب أهليّة مديدة وباهظة الكلفة بين الجزائريّين أنفسهم. وكانت كلّ قفزة تقفزها إيران الخمينيّة في التطرّف ضدّ الإمبرياليّة ترفع معدّلات العنف الموجّه إلى الذات وطقوسه. أمّا «العدوّ الصهيونيّ» فلم تزدهر الحروب والنزاعات الأهليّة، العربيّة – العربيّة، كما ازدهرت في مراحل توجيه البنادق إلى صدره…

ذاك أنّ العنف يشبه عوامل الطبيعة الجامحة التي ظنّ فلاسفة ما قبل الفلسفة أنّها مصدر العالم وسببه. فعلى عكس ما يقوله مهندسوه، يستحيل التحكّم بأشكال العنف ومجاريه، تماماً كما يستحيل التحكّم بمجاري الهواء والنار والماء وباندفاعها…

أمّا أن يكون العنف قد احتلّ موقعاً مركزيّاً في الماضي، وهذا صحيح، فليس بالحجّة الكافية لمنحه موقعاً مركزيّاً في المستقبل. فمثل هذا التسليم بأنّه سوف يبقى «قاطرة التاريخ» لأنّه كان كذلك، يُعلنُنا عطالةً سلبيّة في مواجهة العنف، عطالةً لا تنتفع بحضارة أو بتقدّم أو بتجربة.

وما دمنا ضعفاء، تعوزنا مصادر القوّة، فكلّ ما تفعله الآيديولوجيات العنفيّة هو تعويضنا ضعفَنا بإشاعة الوهم حول قوّةٍ تقيم فينا، وهو ما لا يُترجم في الواقع إلاّ تداولاً لتلك القوّة المزعومة في ما بيننا. ولئن استوطننا إحباط ناجم عن الصدام بين صورتنا عن العالم، بوصفه قتالاً ومقاتلين ينتصرون، وواقع الهزائم الفعليّة، توهّمنا مجدّداً أنّنا نعالج إحباطنا بمزيد من العنف الذي، لا محالة، سيعطينا الحقّ ويأتينا، هذه المرّة، بنصر مؤزّر.

صحيح أنّنا، في تاريخنا الحديث، عرفنا حركات سياسيّة سلميّة، ربّما كان «حزب الوفد» المصريّ قد افتتحها بثورته في 1919. وسلميّةً كانت الانتفاضة الفلسطينيّة الأولى التي انطلقت في 1987، وكذلك بدايات «الربيع العربيّ» قبل أن يطحنه بعنفهم الحكّام والإسلاميّون. لكنّ الأشكال العنفيّة كانت دائماً تستولي على المشهد، سيّما وأنّنا لم نعرف حركات سلميّة يُعتدّ بها. هكذا لم تُجفّف مصادره في حياتنا فيما السياسة مُستبعَدَة والتعبير مخنوق والعدالة التي تُنصف الضحايا منتهَكة.

فنحن لم ننجح مرّةً في التمييز بين الانتصار لفكرة والانتصار لجماعة، ولم نتمكّن من منع انتصار فكرة على فكرة أن يتحوّل انتصاراً لجماعة على جماعة. كذلك لم تُبذل جهود جدّيّة للتوفيق بين انحيازنا إلى فكرة وامتحان الفكرة هذه على إرادة غيرنا من السكّان، أو على مدى تحمّل المجتمعات لما يرتّبه انتصار فكرتنا. وإذ اجتمعت عبادة القوّة واحتكار الحقّ اللذان تبثّهما فينا وسائط عدّة، قديمة تمّ تحديثها وحديثة روحها غائرة في القِدَم، مع نظرة تآمريّة تحترف صناعة الشرّ بأيدي قوى لا تتغيّر ولا تتبدّل، وجدت القوّة والمقاومة تبريرهما بوصفهما قَدرنا وكلّ ما يتبقّى لنا.

وفي ظلّ شعارات موبوءة كـ»حرب وجود لا حرب حدود» و»رفض أنسنة العدوّ»، سُدّت الأبواب في وجه احتمال التسامح بين طرفين متنازعين، فدُفع الجميع إلى التثبّت في تركيبهم الأصليّ والعصبيّ الذي لا يليق به شيء كما يليق العنف الإباديّ.

والحال أنّ ما من قضيّة تبرّر العنف الأعمى. ولربّما جاز القول الآن، وقد أتيحت فرصة كبرى للسوريّين واللبنانيّين، بمنتصريهم وبمهزوميهم، أنّ الخيار ينتصب، كما لم يكن قبلاً، بين السياسة والعدالة وبين القوّة المُفضية إلى التوحّش، والتي تحوّل البدايات المحتملة إلى نهاياتٍ مؤكّدة.

الشرق الأوسط

—————————-

سوريا الواقع والافتراض/ طارق الحميد

تحديث 12 أذار 2025

أحسن الرئيس أحمد الشرع في الخطوات التي اتخذها من أجل نزع فتيل أزمة خطرة، تهددت سوريا في بضعة أيام بشكل لافت ودراماتيكي، لأن مستصغر الشرر بأحداث الساحل وقفت خلفه رياح عاتية من التحريض والتضليل.

ولا يمكن الاستخفاف بالدم والقتل والأعمال الانتقامية، ولو وقعت بحق إنسان واحد، وليس مائة، أو مئات، فحقن الدماء مقدم على كل شيء، وأياً كانت الدماء سواء لمواطنين أو رجال أمن، كما أن نبذ الطائفية أمر واجب في الدولة، أي دولة.

نزع الرئيس الشرع فتيل الأزمة، واتخذ إجراءات مهمة فاقت تصور داعميه من السوريين، وهي إجراءات عقلانية لخَّصها بقوله إن المخطئ سيُحاسب ولو كان قريباً منه، وتوَّج جهوده تلك بحكمة نتج عنها إبرام اتفاق مع «قسد».

وهو ما يعني أن الشرع، وبكل حكمة، استعاد جغرافياً ثلث الدولة، وبتوقيت مهم، ورغم أن أصواتاً كثراً كانت تطالبه بمواجهة الأكراد، فإنه فضَّل الحكمة والمفاوضات. والإشكالية أن كل ذلك لا يعني أن سوريا قد تجنبت الأزمات.

والسبب أن هناك واقعاً بسوريا، وأن هناك عالماً افتراضياً يؤطر الأحداث فيها. والقصة ليست قصة وسائل التواصل، أو الإعلام، بل أكبر. فمنذ اندلاع أحداث الساحل السوري أجد سؤالاً واحداً على لسان كل مَن ألتقيه أو أتواصل معه.

والسؤال هو: «ما حقيقة ما يحدث بسوريا»؟ وعندما تشرح تأتي الإجابة أيضاً واحدة: «الآن فهمت». وهو سؤال السعودي، والسوري، واللبناني، والمصري، والغربيين. وقد يقول القارئ: ومَن يقول إنك تملك الإجابة الصحيحة؟

وهذا سؤال مهم، والسبب أن التضليل على سوريا كبير، وهو استمرار لما شهدناه من تضليل فيما عُرف زوراً بـ«الربيع العربي»، بل وتطور في آليات التضليل. فمنذ «الربيع العربي»، وبقيادة الرئيس الأميركي الأسبق أوباما، بدأ التضليل حول سوريا حين سمّاها «الحرب الأهلية».

ورغم أن السوريين لم يرفعوا السلاح، وإنما كانت مطالبهم مشروعة، إلى أن بدأ «القمع الأسدي»، ثم التدخل الإيراني و«حزب الله» وكذلك التدخل الروسي، وباقي القصة معروف. ومن حينها لم يتوقف التضليل تجاه سوريا.

واختلطت الأوراق عندما اعتقد البعض أن هناك «كتالوج» موحد للمنطقة، وكل ما له علاقة بالإسلام السياسي، والدليل أن أحداً لم يلحظ كيف صمت الإسلاميون حول التدخلات الإسرائيلية بسوريا، بينما هَبُّوا بقصة تهجير غزة!

وعليه، هناك واقع في سوريا اليوم يتم تجاهله، وهناك عالم افتراضي يتم تداوله، والأمثلة كثيرة، فرغم كل ما قدمت سوريا الجديدة من خطوات إيجابية، وفي ظرف 3 أشهر، فإننا نجد تشكيكاً ممنهجاً.

يخرج فلول الأسد بالسلاح، وبمساعدة من «حزب الله» وإيران، وبالأشكال كافة، ومنها الإعلامي، فتجد صوتاً عالياً يحدثك عن «مجزرة» و«طائفية»، وتنتشر الصور المزيفة بوسائل التواصل، وتنطلق المطالبات بتدخل خارجي.

ومطالبات بإطالة أمد العقوبات، وزيادتها، ومن أشخاص طالما أشغلونا بالمواطنة، واستعادة الدولة، ووقفنا معهم سابقاً، وتحديداً في العراق ولبنان، لكن اتضح أنهم ينطلقون من منطلقات طائفية، وتحت غطاء «حماية الأقلية».

وعليه، فخير ما يمكن فعله لسوريا اليوم هو دعمها، بحمايتها من تدخل بعض دول الجوار. وهذا يتطلب موقفاً حقيقياً من أصدقاء سوريا الجديدة.

الشرق الأوسط

————————

لعنة الاستئثار بالسلطة: سوريا ومجازر الطائفيين/ رفيق خوري

خامنئي تحدث منذ اليوم الأول عن “شباب ثوري” سيتحرك لإسقاط الوضع الجديد

الأربعاء 12 مارس 2025

سوريا هي ميزان الاستقرار أو الفوضى في الشرق الأوسط، ومن هنا أهمية الحفاظ على وحدتها وسلامة أراضيها وقيام نظام ديمقراطي تعددي فيها يشرف على إعادة الإعمار والنهوض الاقتصادي والاستقرار الاجتماعي.

كان رئيس الوزراء البريطاني الراحل هارولد ويلسون يقول “أسبوع في السياسة زمن طويل”، وثلاثة أشهر على الإدارة الجديدة في سوريا هي في السياسة دهر. فما حجب تاريخ “هيئة تحرير الشام” السلفية في إدلب هو الرصيد السياسي الذي أعطي لها في الداخل والخارج من خلال أمرين مهمين، إسقاط نظام بشار الأسد وإخراج إيران وأذرعها من سوريا، بحيث جرى كسر الهلال الإيراني عبر خسارة الجسر السوري. وما كشفت عنه ممارسة السلطة هو حاجة الرئيس أحمد الشرع إلى إضافة أمور أخرى إلى الرصيد، دور التنوع السوري في السلطة وما يسميه فرانسيس فوكوياما “رأس المال الاجتماعي”، فضلاً عن حماية حدود سوريا التي تبدو فالتة في الجنوب وأماكن أخرى، وإجراء تسويات في الساحل السوري والسويداء ودرعا وشرق الفرات حيث “قوات سوريا الديمقراطية” ذات الغالبية الكردية.

ولا مفاجأة إلا في سرعة التنسيق والتخطيط والتنفيذ لعمليات عسكرية في الساحل السوري ضد الإدارة الجديدة في ذكرى استيلاء البعث على السلطة يوم الثامن من مارس (آذار) عام 1963، ولا من المألوف في الرد العسكري تداعي مجموعات مسلحة ليست ضمن إطار السلطة للقتال إلى جانب قوات الجيش والأمن العام وارتكاب مجازر ضد المدنيين على خلفيات طائفية. والباقي وقائع وتوقعات مؤكدة، فالدرس مكتوب على الجدار في التجربة الطويلة لنظام البعث وآل الأسد، لا خيار أمام أي طرف يستأثر بالسلطة وحده سوى ممارسة القمع والعنف إلى الحد الأقصى، والدرس الآخر وفي الكتب وعلى الأرض، لا حماية لأي سلطة إلا بأن تعكس التعدد والتنوع في المجتمع وتمارس الحكم الديمقراطي وشعار “لو دامت لغيرك لما وصلت إليك”.

ومن المهم إجماع الدول العربية والأجنبية على إدانة التمرد على السلطة من جانب الذين مارسوا القمع والنظام والمجازر وإدانة المجازر المروعة ضد المدنيين على خلفيات طائفية، وسط مسارعة الخطباء في إيران إلى استخدام تعبير “المقاومة ضد مسلحي تحرير الشام” والقول إن توقعات المرشد الأعلى علي خامنئي “قيد التحقيق”. لكن الأهم أن يسارع الرئيس الشرع إلى إنهاء المرحلة الانتقالية وتأليف الحكومة الشاملة بكل ما في المجتمع من تنوع، وإلا فإن مستقبل سوريا يراوح ما بين الصومال وليبيا.

فـ”هيئة تحرير الشام” أصغر من سوريا و”حكومة إدلب ليست على قياس دمشق” واندماج 18 فصيلاً مسلحاً لا يصنع جيشاً سورياً. فلا وثيقة صدرت حتى الآن ذكرت كلمة “ديمقراطية” بل بقيت في العموميات ولا استيلاء حكومة إدلب على كل مفاصل السلطة في سوريا يترك لأي حكومة شاملة، إذا جرى تأليفها، سوى العمل على طريقة الحكومات التي شكلها الأسد، الظهور في المنصب، لا ممارسة السلطة.

ومن الوهم تجاهل الأخطار والتحديات الداخلية والخارجية. فماذا تتوقع الإدارة الجديدة عندما تقرر تسريح مئات الآلاف في الجيش والأجهزة الأمنية والإدارة، كما فعل بول بريمر في العراق، حيث قوي تنظيم “القاعدة” وظهر “داعش”؟ ماذا عن الفقر الذي وصل إلى 90 في المئة من السوريين؟ وماذا عن هذا المناخ الذي تستطيع قوى خارجية استغلاله لتنفيذ مخططاتها؟

خامنئي تحدث منذ اليوم الأول عن “شباب ثوري” سيتحرك لإسقاط الوضع الجديد ومستشار المرشد الأعلى للشؤون الدولية علي أكبر ولايتي يرى “احتمال حرب أهلية” في سوريا، وإسرائيل التي دمرت كل أسلحة الجيش السوري واحتلت المنطقة العازلة وما بعدها، لا سيما مرتفعات جبل الشيخ توحي أن برنامجها المقبل هو تقسيم سوريا وأميركا تحت إدارة الرئيس دونالد ترمب تدعم حكومة بنيامين نتنياهو في كل ما تفعله في سوريا وغزة والضفة الغربية ولبنان.

وتركيا التي ربحت الحرب في سوريا عبر دعمها “هيئة تحرير الشام” والاستيلاء على السلطة تسعى إلى إكمال ما ربحته عبر ضرب “قوات سوريا الديمقراطية” والسيطرة على شرق الفرات بعد السيطرة على غربه واستخدام سوريا في دور البوابة التركية إلى العالم العربي، وروسيا تريد ما هو أكثر من الحفاظ على قاعدتي حميميم الجوية وطرطوس البحرية والعراق خائف من فوضى في سوريا تنتقل إليه ولبنان ليس في منأى عن أية مشكلة تضرب سوريا، لا بل إن سوريا هي ميزان الاستقرار أو الفوضى في الشرق الأوسط، ومن هنا أهمية الحفاظ على وحدتها وسلامة أراضيها وقيام نظام ديمقراطي تعددي فيها يشرف على إعادة الإعمار والنهوض الاقتصادي والاستقرار الاجتماعي. فلا دولة اللحى الطويلة يمكن أن تكون مستقبل سوريا ولا قول أحمد الشرع “إن سوريا ليست أفغانستان” يكفي، إذ ماذا لو كانت دمشق على الطريق إلى “نظام ’طالبان لايت‘”؟ ولا أحد يعرف ما الذي تستطيع روسيا فعله بـ”الاستعداد لتنسيق الجهود بصورة وثيقة مع الشركاء الأجانب لخفض التصعيد” في سوريا كما قال وزير الخارجية سيرغي لافروف. لكن الكل يعرف ما يستطيع الشعب السوري فعله للبلد إذا تمتع بالحرية ولم يوضع مرة أخرى في سجن نظام شمولي، سواء كان سلفياً أو مدنياً.

و”الويل لأمة تحسب المستبد بطلاً وترى الفاتح المذل رحيماً” كما قال جبران خليل جبران.

—————————-

أعلمُ كل شيء.. وأريد بناء سوريا مع العلويين/ مالك داغستاني

2025.03.12

نعم، أعلم كسوريّ، أن معظم مدّعي الدفاع عن حقوق الإنسان الطارئين اليوم، ممن ملؤوا الساحات والصفحات فجأةً، كانوا صامتين لسنوات، ولم تتحرك ضمائرهم لموت سوريين (آخرين) بمئات الآلاف، خلال أربعة عشر عاماً. ولست غبياً بما يكفي ألا أستطيع قياس درجة حرارة حقوق الإنسان لديهم، مع كل حدث بحسب طائفة الضحية.

وأعلم أيضاً أن ما جرى في الأيام الأخيرة، مخطط له من فلول الأسد، وأن المتورطين بالآلاف، وأن هناك غرف عمليات، قد يكون بعضها خارجياً، دفعتهم لما قاموا به من هجمات منسّقة بعد أن أمّنت تسليحهم. وأن هدف هؤلاء النجاة من المحاسبة، وأنا مقتنع بأن من واجب الحكومة الجديدة ملاحقتهم واجتثاثهم عن آخرهم, لقتل أي أمل لديهم ولدى داعميهم بأن سوريا ستعود لآل الأسد أو لمن يشبهونهم.

وأكثر من ذلك، أعلم، ولا أحتاج لمن يخبرني، أن شهداء الأمن العام والجيش وأعداد من المدنيين الذين وقعوا ضحايا تلك الهجمات المنسّقة، فيما بدا وكأن هناك ساعة صفر متَّفق عليها، هم شباب لهم أسماء وأمهات وآباء، وليسوا مجرد أرقام، وأكثر من ذلك أرى أن فقدهم هو خسارة إنسانية ووطنية، وأنهم قُتلوا غدراً بيد مجرمين سفلة لهم تاريخ إجرامي مع نظام الأسد.

كما وأعلم، مثلكم جميعاً، أن عدم الإسراع في تحقيق العدالة وسوق المجرمين إلى المحاكم، سيدفع أهالي الضحايا، لأخذ الانتقام على عاتقهم.

وأعلم، أو على الأقل أُقدِّر ولا أستطيع أن أنفي، أن هناك احتمالاً، يجب أخذه بالحسبان، أن يكون بعض من صفَّى مدنيين علويين في عدة حالات، هم من فلول الأسد أنفسهم.

كانت كل تلك المقدمات، نوعاً من محاولة ردٍّ على من يسخرون من رهافة حسّ بعض المعارضين الذين رفعوا صوتهم ضد قتل المدنيين في قرى الساحل. ورد على من يحاول تذكيرنا بجرائم الأسد ومواليه، باعتبارنا لا نعلم. أقول إن كل ذلك الذي أعلمه، هو ما يخيفني أكثر على سوريا الجديدة التي يريدها السوريون، والتي أريد حمايتها مثل كل سوريّ شعر بالنصر والفرح يوم سقوط الأسد.

وهذا تحديداً ما يجعلني لا أقبل بتلك الانتهاكات التي حصلت ضد مدنيين علويين أبرياء. خوفي على سوريا القادمة هو ما يجعلني أُسمّي الجريمة جريمة، حتى لو ارتكبها أقرب الناس إليّ. ويدفعني لأسمّي المختبئين خلف التبريرات والفبركات، وظنّهم أنهم يدافعون عن البلد والحكومة الجديدة بإنكار الجرائم، وأحياناً تحميلها لغير مرتكبيها. يدفعني لأسمِّي هؤلاء وأصنّفهم في خانة أعداء سوريا الجديدة، رغم أنهم يعتقدون، عاطفياً، العكس تماماً.

من المفارقة أن تتحول فجأة، لدى منكري الجريمة أو التخفيف من وقائعها، بعض فصائل القتل والارتزاق والنهب والسرقة، المعروفة بتاريخها وممارساتها في شمال غربي سوريا، أن تتحول فجأة بعد سقوط الأسد، لتكون فوق الشبهات! رغم أن هؤلاء أنفسهم قد خبروها وخبروا أفعالها وممارساتها الإجرامية، بل وقالوا فيها ما لم يقله مالك في الخمر.

كانت مأثرة لهيئة تحرير الشام ما أبداه منتسبوها، خلال أيام التحرير وحتى في الشهور التالية، من انضباط في السلوك ومعاملة المدنيين بمن فيهم حواضن الأسد، وقد حاز الأمر احتراماً بل وإشادة واسعة من السوريين وغير السوريين، ووصلت أصداؤه إلى المجتمع الدولي. فلماذا ترفضون اليوم المحافظة على تلك السمعة؟ ولماذا بدل النفي والإنكار، لا نسمي المنتهكين ونعزلهم ونقدمهم للمحاكمات، لتبقى الصورة كما كانت.

بسذاجة يظن هؤلاء، أنهم بما يفعلون إنما يساعدون الإدارة الجديدة، فيتصرفون بذات غباء إعلام الأسد، عبر إنكار الجريمة أو تحميلها للآخرين بحبكات ركيكة، وبطريقة يمكن وصفها بالجبانة، خائفين من الاعتراف بالحقائق. بل ويتهمون، بسخرية بليدة من يسمون الأشياء بمسمياتها، بأنهم من المثقفين ومن ذوي الإحساس المرهف (الصفتان الأخيرتان شتيمتان بعرف هؤلاء). كما فعلت ممثلة المرأة في القيادة الجديدة، قبل أن تسحب كلامها المخجل، وحسناً أن وُجِد هناك من أنّبها لتخجل من فعلتها.

ليسا ماءً وزيتاً لا يجتمعان، أن نتحدث وندين محاولة مجرمة قام بها الفلول أدت إلى مقتل عناصر الأمن العام والمدنيين وأشعلت الساحل، وبذات الوقت ندين جرائم قتل وإعدام ميداني ضد مدنيين علويين أبرياء ارتكبها مجرمون (لا أفضل استخدام تعبير “عناصر غير منضبطة”)، ولا معنى لأي تخندق متحجّر في جانب واحد، وإعماء العيون عما يجري في الجانب الآخر، بل وإنكاره بحجة أن بعض الصور مفبركة. نعم هناك ضخ إعلامي وفبركات، خصوصاً على وسائل التواصل لتضخيم الأعداد، لكن هذا لا ينفي وقوع المذبحة.

إخوتي (الثوار)، لست مغرقاً في الرومانسية. عركتني الحياة بقسوة مثل كثيرين. ونالت مني في الكثير من المحطات وهزمتني في بعضها، ولا أريد أن أقع اليوم فريسةً لهزيمة أخرى أمامكم، هي هزيمة أخلاقية بالدرجة الأولى. امتلاك الشجاعة لقول الحق، وامتلاك روح العدالة بدواخلنا، دون خوف ودون أن تهتز ضمائرنا أو تنزاح حسب انتماءاتنا الفرعية إن كانت دينية أو طائفية أو عرقية، لهو أمر يرتفع بنا وبإنسانيتنا وينتصر لها. يجب بناء سوريا الجديدة على أساسات ومداميك نظيفة، وليس على ركام من الكذب المكشوف، وفي أحسن الحالات على اعترافات مجتزأة تتداولونها مرغمين، بعد أن انتشرت الصور ووصلت إلى الإعلام العالمي.

صبيحة مجزرة الكيماوي في الغوطة الشرقية صيف عام 2013، ظهرت بثينة شعبان المستشارة الإعلامية الوقحة للمجرم الفار على إحدى القنوات الفضائية الدولية، وادّعت، حين لم يعد الإنكار ممكناً، أن ضحايا الكيماوي هم أطفال من الساحل، اختطفتهم العصابات الإرهابية المسلحة وقتلتهم في الغوطة. طبعاً ليس خفيّاً على أحد أن هناك جهات تعمل اليوم بدأب لتهويل ما جرى، ووصفه بمسميات حقوقية مُبالغ بها، لتحريض جهات خارجية للتدخل، مع أحلام ساذجة عن تغيير النظام الجديد. كل هذا لا يلغي أنه من البلاهة، وليس فقط من باب انعدام الضمير والأخلاق، تكرار كذبات مشابهة والقول أن كل من قتلوا في مدن وقرى الساحل، إنما قتلتهم فلول النظام.

هناك فلولٌ للأسد اليوم يناوئون الحال الجديد لسوريا الجديدة ويجب دحرهم دون شك؟ هذا صحيح، لكن بالمقابل، على الضفة الأخرى، يجب ألا يفوتنا ملاحظة أن هناك من يمكن وصفهم بأنهم ورثة جينات الأسد، وهم يحاكون اليوم، وحتى من قبل، كامل بنيته الإجرامية، ما يجعلهم نسخة طبق الأصل عنه. هؤلاء هم من ارتكبوا جريمة اليوم.

يجب الخجل ووقف هذه المهزلة، وإلّا كيف سنقطع، مرةً وإلى الأبد، مع نظام الأسد، وكانت واحدة من سماته إنكاره، بطرق غبية، لجرائمه التي طالت عموم البلد. يجب أن تتوقفوا فوراً، فليس باسم الثورة، ولا حتى باسم سوريا الجديدة، يمكنكم عقد تلك المقارنات السطحية بين ما تفعلونه اليوم وبين ما فعله إعلاميو الأسد ممن لم يمتلكوا ما يكفي من الضمير، ما جعلهم لا يرون القتلى من أهلكم! فهل تريدون أن تكونوا مثلهم بلا ضمير؟

كان أعوان الأسد ومخبروه يروجون بين العلويين أن السُّنة سيقتلونهم جميعاً فيما لو وصلوا إلى الحكم، وأن هناك سكّيناً جاهزاً لكل رقبة علوي حتى لو كان طفلاً، وحينها لن يفرقوا بين مؤيد ومعارض أو بين بريء ومجرم. فهل تريدون اليوم توجيه رسالة لمن لم يصدق الأسد من العلويين أنهم كانوا أغبياء وساذجين، بينما كان الأسد وموالوه محقّين؟ إنها وصفتكم السحرية الناجحة لتدمير البلد وتهديم أسس الدولة الناشئة.

تلفزيون سوريا

————————————

زلازل المشرق والهوية والدولة الحديثة/ حسام عيتاني

الزلازل كشفت هزال بنى المشرق السياسية والاجتماعية

آخر تحديث 11 مارس 2025

عندما تتعاقب المجازر الطائفية والمصالحات الأهلية بوتيرة سريعة، فذلك يعني أن التغييرات التي يدور الحديث عنها في المشرق منذ نهاية العام الماضي، دخلت طورا يستدعي إعادة نظر في الطريقة التي نفكر فيها بأحوالنا في هذه المنطقة، على الأقل منذ أربعة عقود.

ثمة ازدحام في الأحداث غير المتوقعة. فبعد الجرائم التي ارتكبتها فصائل محسوبة على الحكومة السورية ردا على كمائن تعرضت لها وحدات “الأمن العام” السوري في السادس من مارس/آذار، ظهر اعتقاد يلامس البداهة، يقول إن المكونات السورية الأخرى، خصوصا الأكراد الذين يملكون أكبر قوة منظمة خارج إطار الدولة الوليدة (قوات سوريا الديمقراطية)، وقسم كبير من أهالي محافظة السويداء، سيتمسكون بمواقفهم المطالبة بالحفاظ على أوضاعهم الحالية، أي الاعتراف بكياناتهم السياسية، والأمنية المستقلة عن حكومة أحمد الشرع في دمشق. ما حدث هو العكس: اتفاق على انضمام “قسد” إلى الدولة، وانباء عن تفاهم على تسوية الأوضاع في السويداء، بما يرضي الوجهاء والقوى المحلية. وليس كبير الأهمية هنا الجدال حول إذا كانت التغيرات تلك مخططا لها أو تجري ضمن سياق “التفاعل المتسلسل” الناجم عن حدث مؤسس، هو حدث السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 في غزة أو غيره.

وليس بعيدا عن الصواب القول إن ما جرى في الساحل، كان له وقع شديد السوء على صورة السلطة الجديدة، التي عجلت من مفاوضاتها مع “قسد” ووجهاء السويداء، وربما قدمت تنازلات للتوصل إلى اتفاق سريع، قادر على طي صفحة الارتكابات في مدن وبلدات العلويين.

إذا وسعنا الصورة، وانتقلنا إلى العراق، سنعثر على حكومة تعاني من تفاقم الخلافات، بين مكونات من نوع آخر. فالأحزاب والفصائل المشاركة في “الإطار التنسيقي” الشيعي تتباين مواقفها من الاستجابة للضغوط (وربما التهديدات) الأميركية الرامية إلى تفكيك التحالف العراقي– الإيراني، وعمود أساسه في بغداد هم “الإطار”. ذلك أن القوى المنضوية تحت راية الائتلاف المسيطر على الحكومة العراقية– ناهيك عن القوى غير المشاركة في الحكومة مباشرة– لا تتبنى موقفا واحدا من كيفية الاستجابة للمطالب الأميركية.

وبغض النظر عن الطابع الآني للخلاف الحالي، فإنه يُظهر أن المكون الواحد قابل للتفسخ والانهيار، في لحظة ضعف راعيه الخارجي، ونهوض التناقض بين المصالح المحلية (“الوطنية” تجاوزا) وبين مصالح الراعي، الذي عمل على تأسيس الفصائل الشيعية، خصوصا أجنحتها المسلحة، لأهدافه الخاصة التي تقاطعت في مرحلة سابقة مع رؤى القوى المحلية.

النموذج الثالث الذي يستحق النقاش هو السودان. فالعملية الانتقالية من الحكم العسكري إلى الحكومة المدنية، التي كان من المفترض أن تقود البلاد إلى سلطة، تستند إلى شرعية دستورية وانتخابية، أجهضت في انقلاب 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021 الذي نظمه الجيش مع “قوات الدعم السريع” ضد حكومة عبد الله حمدوك. والقضاء على العملية الانتقالية، تحول إلى منافسة على الامتيازات والمكاسب، انفجرت حربا أهلية بين “الدعم السريع” والجيش في 15 أبريل/نيسان 2023.

النماذج هذه، والتي يجوز إضافة لبنان إليها، كمزيج من انهيار القوى المهيمنة، بفعل التدخل الإسرائيلي والصعوبة الشديدة التي تلاقيها الدولة، التي يحاول ترميمها رئيس الجمهورية جوزيف عون، ورئيس مجلس الوزراء نواف سلام بصعوبة شديدة وبإمكانات متواضعة، تتطلب كلها التفكير فيما تعنيه “الدولة” في العالم العربي، خصوصا المشرق، الذي لم يبرأ من سلسلة من الزلازل، كشفت هزال بناه السياسية والاجتماعية الحديثة، المستمدة من إرث الاستعمار- المذموم في العلن، والمؤسس الحقيقي لدولنا في الواقع- بما فيها مؤسسات الدولة، والطبقات الاجتماعية القائمة على الإنتاج، وعلاقاته وشبكاته والأحزاب والنقابات، ووسائل الإعلام المستقلة، في مقابل بنى تقليدية راسخة، تجددها إخفاقات التيارات السياسية الحديثة، في التعبير عن المصالح والمخاوف العميقة، لشعوب تتجدد فيها الحروب الأهلية كل بضعة عقود. الصراعات الإقليمية والدولية تصب في مصلحة البنى القديمة، على ما نرى في لبنان والعراق، مثالا لا حصرا.

أمام واقعٍ هذه بعض صفاته، يقف من يسعى إلى وضع الإنسان (قبل أن يكتسي بصفة “المواطن”) في المقام الأعلى، أمام معضلة من عناوينها الهوية، وأسبقية الحفاظ عليها من الذوبان في هويات أخرى هي في الغالب، موضع احتقار وتبخيس. كما أن الخشية من الاقتلاع والفناء تحرك الهويات هذه.

بكلمات ثانية، لم تفلح التشكيلات الاجتماعية التي قالت الحداثة الأوروبية إنها هي ما يستحق التمثيل السياسي، سواء في النظام الرأسمالي أو الاشتراكي، من خلال التناوب بين أحزاب اليمين واليسار على السلطة، في عملية ديمقراطية مستقرة، في أن تجد أرضا خصبة في بلادنا، على الرغم من أن هيئات الحرفيين وجمعيات التجار، كانت شائعة في الاجتماع المشرقي والعربي منذ القدم.

هل هو صراع بين “البنى الحديثة” الطبقية والسياسية التي ترسم معالم الدول الديمقراطية– الليبرالية، وبين الهويات الموحية بالأزلية، والجمود في هذا الشرق؟ هل هناك من تسوية تتجاوز الإخفاقات التي تملأ البصر حولنا، وتعيدنا إلى الصفر كل عقدين أو ثلاثة؟ لعل من الأفضل تجنب الإجابة القاطعة والباتة في هذا المجال، والبقاء في حال من التحفز والعمل الفكري الجاد كعنصرين لازمين لتحديد المخارج من حال الاستعصاء الراهنة.

المجلة

——————————–

الأزمة السورية وبناء شخصية وطنية/ يوسف الديني

12 مارس 2025 م

شهدت سوريا خلال الأيام الفائتة واحدة من أعنف الأزمات السياسية منذ سقوط نظام الأسد الوحشي الذي لا يمكن أن تكون المقارنة معه ذريعة لتبرير ما حدث.

العنف الذي جرى والبيئة التي أخرجت الفلول لكي تحرّك الأحداث، وفق ترقب لمشاريع تقويضية منذ اللحظة الأولى للدولة السورية الجديدة؛ هو نتيجة وليس سبباً، حيث تحوّلت الاحتجاجات الشعبية إلى صراع مسلح أدى إلى تدخلات إقليمية ودولية، وزيادة حدة الاستقطاب الطائفي والاجتماعي. ومن بين أبرز المشاهد المأساوية التي شهدتها البلاد، أحداث العنف في الساحل السوري، التي طرحت تحديات كبيرة أمام السلطة الجديدة في دمشق، حول كيفية التعامل مع الماضي، وإعادة بناء الدولة على أسس وطنية جامعة.

لقد أثبتت التجربة التاريخية لأكثر من أربعين حرباً أهلية في العالم أنه لا يمكن تحقيق سلم أهلي حقيقي من دون إشراك جميع المكونات في مشروع الدولة. وقد أشار الفيلسوف السياسي الأميركي المولود في بروسيا، فرنسيس ليبر، إلى أن «غياب الشخصية الوطنية الجامعة يؤدي إلى ضعف استمرارية المجتمع السياسي؛ مما يهدّد مستقبل الدول». هذا الدرس ينطبق تماماً على الحالة السورية، حيث إن استمرار وجود مكونات مسلحة خارج إطار الدولة، سواء من المقاتلين الأجانب أو التنظيمات المتطرفة، يعرقل أي إمكانية لتحقيق مصالحة وطنية حقيقية.

إن ما جرى في الساحل السوري لا يمكن اختزاله في كونه مجرد «مؤامرة خارجية»، رغم أن هناك أطرافاً دولية استثمرت في الصراع وأسهمت في تأجيجه. ومع ذلك، فإن الخطأ الأكبر كان داخلياً، حيث فشلت القوى الجديدة في التعامل مع المجتمع السوري بمنطق الدولة، وبدلاً من ذلك، تصرفت بعض الفصائل المسلحة وفق عقلية الحرب والثأر؛ مما أدى إلى وقوع مجازر بحق المدنيين، ووضع الطائفة العلوية في موقف الدفاع عن «وجودها»؛ وهو ما يغذّي سيناريو الحرب الأهلية.

إن مهمة السلطة الجديدة لا تقتصر على فرض سيطرتها العسكرية، بل يجب أن تتجه نحو بناء دولة قائمة على العدالة والمواطنة، وليس على منطق الانتقام. وإذا كان النظام السابق قد ارتكب جرائم بحق الشعب السوري، فإن الرد لا يكون بتكرار الممارسات ذاتها، بل بمحاسبة جميع المتورطين في الانتهاكات، بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية أو الطائفية.

في هذا السياق، يجب أن تلتزم السلطة الجديدة إجراءات عملانية عدة لإعادة بناء الدولة وضمان استقرارها، ومن أولويات ذلك: حلّ التنظيمات المتطرفة التي أسهمت في تأجيج الصراع، وضمان عدم تحولها إلى ميليشيات خارجة عن القانون، والتعامل مع ملف المقاتلين الأجانب وخطابهم الذي يتم تداوله اليوم أكثر حتى من الصور الوحشية للضحايا في ظل حالة فزع تنتشر بشكل كبير في الفضاء التداولي العالمي المهتم بالملف السوري حتى بين الذين يريدون منح سوريا فرصة للبحث عن «استقرار» والتغاضي عن أخطاء البدايات.

كما يجب توحيد جميع القوى العسكرية تحت جيش وطني موحّد يخضع لضوابط قانونية وتدريبات سياسية وحقوقية، بالإضافة إلى محاسبة المسؤولين عن الجرائم بحق المدنيين بالجدية ذاتها التي تتم فيها ملاحقة فلول النظام السابق.

والأهم، ضرورة التفكير باستراتيجية صلبة وقوية لإصلاح العلاقة مع أهل الساحل السوري والتعويض عن الأضرار التي لحقت بالسكان، عبر تحقيق العدالة السريعة وضمان الأمن والاستقرار، بما في ذلك الانفتاح على جميع القوى السياسية والاجتماعية، والعمل على عقد مؤتمر وطني شامل وحقيقي غير شكلاني لرسم ملامح مستقبل سوريا.

يجب أن تدرك السلطة الجديدة أن إعادة بناء سوريا تتطلّب قرارات جريئة ومسؤولة، وأن أي محاولة لإقصاء طرف معين سيؤدي إلى تكرار السيناريوهات الكارثية التي شهدتها دول أخرى مثل العراق وليبيا ولبنان خلال الحرب الأهلية. لذا، فإن الأولوية يجب أن تكون لترسيخ مفاهيم الدولة المدنية، ومنع تكرار الفظائع التي جرت في الساحل أو أي منطقة أخرى، فالمطلوب هو بناء الثقة ليس لطمأنة أهل الساحل، بل لاستقطاب بقية المناطق التي ما زالت تشكّك وتقلق حول الانضمام إلى الجسد الوطني وهم لم يروا «الشخصية الوطنية» الجامعة.

هناك مسافة لا تخطؤها العين بين تصريحات القيادة الجريئة والمطمئنة للمحاسبة، والخطاب المضمر والمعلن للكتلة الوازنة من المقاتلين، وهي معادلة صعبة، لكن الرصيد الهائل من دعم دول الاعتدال، وفي مقدمتها السعودية، للحيلولة دون انزلاق سوريا إلى مربع الحرب الأهلية وتفكك الدولة وتقسيمها -لا سمح الله- وقدرة هذه الدول على إقناع الدول الغربية التي عادت إلى المربع الأول في مخاوفها ضمانة إذا ما اتّخذت الخطوات الجادة.

الأكيد أن سوريا اليوم أمام مفترق طرق ومنعطف تاريخي، فإما أن تسلك طريق المصالحة وإعادة البناء، وإما أن تنزلق نحو دوامة حرب أهلية لا نهاية لها. والمطلوب الآن هو إرادة سياسية قوية، وقرارات تضع المصلحة الوطنية فوق أي اعتبارات أخرى، حتى تتمكّن البلاد من تجاوز جراح الماضي، والانطلاق نحو مستقبل أكثر استقراراً وعدالة… على سوريا ببساطة ألا تدع الخارج يفاوض عنها ويبني شخصيتها لأنها فشلت في رسم تلك اللوحة المرصعة بالتنوع والثراء.

الشرق الأوسط

——————————

ضربة معلّم: الشرع يصوّب على التقاطع الإسرائيلي الإيراني/ ابراهيم ريحان

2025-03-12

تسعى إسرائيل إلى فرض شروطٍ سياسيّة وأمنيّة على القيادة السّوريّة الجديدة. تدخلُ هذه الشّروط في إطار “تغيير الشّرق الأوسط” الذي أعلنَه قبل أيّام قليلة رئيس…

news

الكاظمي في العراق: هل وصل الطّوفان إلى بغداد؟

ماذا وراء عودة رئيس الوزراء العراقيّ السّابق مصطفى الكاظمي إلى بغداد؟ هل يحملُ مشروعاً سياسيّاً؟ وهل لعودته ارتباطٌ بوصولِ “زلزال الشّرق الأوسط” الذي ضربَ لبنان…

news

إسرائيل في جنوب سوريا.. بداية “حلف دويلات الأقلّيّات؟”

ماذا تُريد إسرائيل من جنوب سوريا؟ ولماذا أعلن رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو تقديم “الحماية” للأقلّيّة الدّرزيّة هناك مُطالباً بعدم دخول قوّات الجيش الجديد المنطقة؟  …

كيف وجّه الرّئيس السّوريّ أحمد الشّرع ضربةً لتقاطع مصالح إسرائيل وإيران في سوريا؟ وما هي الأسباب التي أدّت إلى الاتّفاق بينه وبين قائد قوّات سوريا الدّيمقراطيّة مظلوم عبدي؟

ضربَ الرّئيس السّوريّ أحمد الشّرع مُخطّط تقسيم بلاده بحجر الاتّفاق مع قوّات سوريا الدّيمقراطيّة. جاءَت الصّورة التي جمَعَت الشّرع وقائد “قسد” مظلوم عبدي عقبَ توقيع اتّفاقٍ تاريخيّ يقضي بدمج قوّات “قسد” بالجيش السّوريّ ورفضِ التّقسيم بشكلٍ واضح، في توقيت يصلُحُ فيه أن تصحّ تسمية الاتّفاق بـ”ضربة معلّم”.

قبل توقيع الاتّفاق بين الشّرع وعبدي، كانَت الأحداث في جنوب سوريا وشمالها الشّرقيّ وساحلها تشير إلى أنّ تقسيم البلاد التي مزّقتها سنوات الصّراع مع حكم آل الأسد آتٍ لا محالة.

يقول مصدرٌ في الإدارة السّوريّة لـ”أساس” إنّ بصمات إيران كانت واضحة في أحداث السّاحل السّوريّ، وإنّ ما حصلَ في السّاحل من محاولةٍ انقلابيّة لإنشاء دويلة علويّة هناك كانَ بدعمٍ من الحرس الثّوريّ الإيرانيّ. كذلكَ رصدَت الإدارة السّوريّة وتركيا محاولات إيرانيّة لاستغلال الملفّ الكرديّ في شمال شرق سوريا لتحريك جماعات مرتبطة بحزب العمّال الكُردستانيّ.

يكشف المصدر أنّ ما جرى في السّاحل كانَ مخطّطاً له أن يبدأ في منتصف الأسبوع الجاري، لكنّ انكشاف خليّةٍ لفلول النّظام السّابق في منطقة جبلة أدّى إلى تحرّك بقيّة الخلايا في مناطق السّاحل في طرطوس واللاذقيّة وبانياس.

ضربَ الرّئيس السّوريّ أحمد الشّرع مُخطّط تقسيم بلاده بحجر الاتّفاق مع قوّات سوريا الدّيمقراطيّة

تتقاطع إيران مع إسرائيل في مُخطّط التقسيم في سوريا على الآتي:

    تطمحُ إسرائيل إلى إنشاء دويلة درزيّة في جنوب سوريا تكون منطقةً عازلةً عن حدود الجولان السّوريّ المُحتلّ، وصورةً مُكبّرةً عمّا كانَ عليه جيش “لبنان الجنوبي” بقيادة أنطوان لحد في جنوب لبنان.

    إيران بدورها تُحاول إنشاء دويلة للعلويّين لسببَيْن:

    الأوّل: جغرافيا السّاحل السّوريّ عند البحر الأبيضِ المُتوسّط، وهو ما تراهُ طهران بديلاً عن الخطّ البرّيّ (طهران – بغداد – دمشق – بيروت) بعد انقطاعهِ بسقوط بشّار الأسد. ولذلك تكونُ شواطئ السّاحل السّوريّ معبراً جديداً لنفوذ إيران نحوَ ساحل المُتوسّط وتمرير السّلاح والأموال إلى سوريا ولبنان.

    الثّاني: استخدام الدّويلة العلويّة مبرّراً لتدخّلها في سوريا تحت عنوان “حماية الأقليّة الشّيعيّة” بجميع مُتفرّعاتها (الاثني عشريّة، العلويّة، والإسماعيليّة).

    تتقاطع طهران وتل أبيب على دعمِ الانفصال الكُرديّ. إذ تريدُ إسرائيل بذلك تبرير تدخّلها في سوريا تحت عنوان “حماية الأقليّتَيْن الكُرديّة والدّرزيّة”، وترى إيران في الانفصال الكُرديّ عنواناً مُناسباً لدعم الانفصال العلويّ في السّاحل السّوريّ.

الأهمّ أنّ إسرائيل كانت تطمح إلى أن يكونَ نفوذها في “الدّويلة الكُرديّة” عند حدود تركيا التي باتَ نفوذها على حدود إسرائيل في دمشق. وترى إيران في دعمِ الانفصاليين الأكراد في سوريا ردّاً على دور أنقرة في الإطاحة بنظام بشّار الأسد وما تلاه من ضربِ نفوذها على الجغرافيا السّوريّة وضربِ الحجر الأساسِ في “الهلال الشّيعيّ” الذي عمِلَت إيران على تحقيقه منذ سقوط نظام صدّام حسين في العراق في ربيع عام 2003.

إسرائيل كانت تطمح إلى أن يكونَ نفوذها في “الدّويلة الكُرديّة” عند حدود تركيا التي باتَ نفوذها على حدود إسرائيل في دمشق

كيف ضُرِبَ التّقاطع الإيرانيّ – الإسرائيليّ؟

    أوّل ضربةٍ لأطماع تل أبيب وطهران كانت عبر النّداء الذي أصدره زعيم حزب العمّال الكُردستاني عبدالله أوجلان لإلقاء السّلاح واللجوء إلى الحلّ السّياسيّ للقضيّة الكُرديّة. فأوجلان الكُرديّ كانَ مُتحالفاً طوال سنوات تمرّده ضدّ تركيا مع نظام حافظِ الأسد حتّى توقيع اتّفاق أضنة بين دمشق وأنقرة الذي أخرجه من سوريا. كانَ أوجلان يعملُ تحت إشراف جميل الأسد وبالشّراكة مع زعيم ميليشيا “المقاومة السّوريّة في لواء إسكندرون” علي كيّالي (معراج أورال)، وهو كُرديّ – علويّ.

هذا يعني أنّ بيان أوجلان لم يُشكّل ضربةً فقط في شمال شرق سوريا، بل حتّى لفلول النّظام الذين كانوا يُراهنون على انضمام الانفصاليين الأكراد في معركتهم ضدّ الإدارة السّوريّة.

    الضّربة الثّانية كانَت وأد المحاولة الانفصاليّة في السّاحل السّوريّ. وعلى الرّغم من وقوع تجاوزات طالَت العديد من أبناء الطّائفة العلويّة، إلّا أنّه يُسجّل لأحمد الشّرع اعترافه بوقوع هذه التجاوزات، وتعهّده بشكلٍ شخصيّ بإجراء تحقيقات ومحاسبة المُرتكبين.

    الضّربة الثّالثة جاءَت في اتّفاق الشّرع – عبدي. وهي ضربة قاسية لمشاريع التقسيم في سوريا، إذ يقطع هذا الاتّفاق الطّريق على نوايا طهران وتل أبيب لزعزعة استقرار سوريا وإنشاء “دويلات” على أرضها.

    في هذا الإطار، علم “أساس” أنّ القيادة السّوريّة تعملُ على إبرام اتّفاقٍ مع الفاعليّات الدّرزيّة في جنوب سوريا يضمنُ عدم التّعرّض للدّروز واندماجهم في الدّولة، مع إمكانيّة الأخذ في الاعتبار إنشاء نظام ضريبيّ لامركزيّ. ولا تنفي المصادر إمكانيّة أن تتّخذ الإدارة السّوريّة خطوات من شأنها إعادة الاستقرار إلى السّاحل السّوريّ وطمأنة المواطنين العلويّين.

أوّل ضربةٍ لأطماع تل أبيب وطهران كانت عبر النّداء الذي أصدره زعيم حزب العمّال الكُردستاني عبدالله أوجلان لإلقاء السّلاح واللجوء إلى الحلّ السّياسيّ للقضيّة الكُرديّة

ما هي الأسباب التي أدّت إلى إبرام الاتّفاق بين الشّرع وعبدي؟

لعبت المُتغيّرات الإقليميّة والدولية دوراً مركزيّاً في تسريع إبرام الاتّفاق بين الإدارة السّوريّة و”قسد”، وأبرزها:

    شكّلَ وصول دونالد ترامب إلى السّلطة في الولايات المُتّحدة دافعاً أساسيّاً في إبرام الاتّفاق. إذ إنّ الرّئيس الأميركيّ، على عكس سلفهِ جو بايدن، تجمعه علاقة متينة بالرّئيس التّركيّ رجب طيّب إردوغان، الذي كان يُلوّح بعمليّة عسكريّة ضدّ “قسد” منذ ما قبل سقوط بشّار الأسد.

    التّصريحات التي أطلقها الرّئيس ترامب أكثر من مرّة، والتي تؤكّد عدم إيلائه اهتماماً بالملفّ السّوريّ. وهذا من شأنِه أن يرفع منسوب القلق لدى الأكراد من أن يشنّ إردوغان عمليّة عسكريّة من دون ردعٍ أميركيّ.

    الجهودُ التي بذلها زعيم الحزب الدّيمقراطي الكردستانيّ مسعود البارزاني بين أنقرة ومظلوم عبدي لتجنّب العمليّة العسكريّة التّركيّة.

    الدّور غير المُعلَن للاستخبارات البريطانيّة MI6، إذ تطمحُ لندن أن تكونَ مناطق شمال شرق سوريا مُستقرّة، نظراً لاهتمامات لندن بإعادة عمل الشّركات البريطانيّة في حقول النّفط السّوريّة في الحسكة ودير الزّور. وهنا تجدرُ الإشارة إلى العلاقة المتينة للاستخبارات البريطانيّة مع الطّرفيْن الأساسيَّيْن في الصّراع في شمال شرق سوريا، أنقرة و”قسد”.

أساس ميديا

——————————

سوريا أمام تحدٍ: الوحدة أو صراع بين السلطة والأقليات!/ جورج حايك

2025-03-12

تمر سوريا في مرحلة مصيريّة ستحدّد هويتها المستقبليّة ما بين خيارين: الوحدة أو الصراع بين السلطة الجديدة التي يمثّلها الرئيس أحمد الشرع واستمرار الفوضى وحالة عدم الاستقرار، ولعل الأحداث في الأيام القليلة الماضية بين الجيش السوري وفلول نظام بشار الأسد المنتمين إلى الطائفة العلوية في الساحل السوري، دقّت ناقوس الخطر، بصرف النظر عن ارتباط هذه الفلول بإيران و”حزب الله” من جهة، والمجازر التي ارتكبت بحق المدنيين من جهة أخرى.

منذ سقوط نظام الأسد، كان الهاجس الأول للأقليات العلوية والمسيحية والكردية والدرزية والشيعية، مدى قدرة السلطة الجديدة على استيعاب هذا التنوّع وحمايته، وكان هذا أيضاً الهمّ الأول لدى المجتمع الدولي.

للوهلة الأولى قدّم الشرع خطاباً ايجابياً مطمئناً لهذه الأقليات التي كانت لها تجربة غير موفّقة مع “هيئة تحرير الشام” التي تزعّمها الشرع، بسبب الانتهاكات التي ارتكبتها الفصائل في شمال غرب سوريا قبل أن تغيّر سلوكها في الأعوام الأخيرة.

لا شك في أن حكومة الشرع المؤقتة تمثّل الأغلبية السنية في سوريا لأول مرة منذ أكثر من 45 عاماً من الحكم الذي هيمنت عليه الأغلبية العلوية التي كان ينتمي إليها حافظ الأسد، وربما الثغرة الأساسية في السلطة الجديدة هي عدم ضبطها للأرض جيداً، بحيث ينتشر بعض الفصائل المتطرفة الذي ينشر خطاب الكراهية، ليتبيّن أنه بين كلام الشرع الايجابي وبعض الممارسات الشاذة هوة كبيرة، والمؤسف أن بعض الدول الاقليمية والدولية تتسلل للإستثمار في هذا الموضوع الحسّاس، مستغلّة حالة “المظلومية” لدى بعض الأقليات لإثارة المشكلات وخصوصاً إيران التي لم تهضم بعد خسارتها للورقة السورية.

واللافت أن ايران ليست الجهة الوحيدة التي ترى مصلحة لها في إضعاف السلطة الجديدة وبقاء سوريا في حالة عدم استقرار، بل إن اسرائيل التي استغلت منذ فترة المواجهات بين سلطة الشرع والدروز في السويداء، يهمّها أن تجد تبريرات لوجودها في سوريا وقد أبدت استعدادها أخيراً لحماية الدروز في أي مواجهة مع الجيش السوري الجديد.

ويرى الصحافي السوري مازن البدوي المقيم في الخارج أن سوريا يتنازعها تياران اليوم: الأول يتمثّل في بعض الأقليات الذي يريد الخروج عن إطار الدولة الحديثة والتوجّه نحو الدويلات الطائفية والعرقية أي نوع من الفيدرالية أو حتى التقسيم. والثاني الذي يتمثّل في الشرع وحكومته اللذين يريدان سوريا موحّدة في إطار دولة قانون ومؤسسات حديثة وديموقراطية.

لا شك في أن تدخلات ايران وتركيا واسرائيل وتذرّعها بحماية الأقليات في سوريا، تُلحق الضرر بالمجموعات الطائفية والعرقية، بدلاً من مساعدة السوريين في بناء دولة تقوم على المواطنة المتساوية. وهدف هذه الدول أولاً وأخيراً التدخل السياسي والاقتصادي وتفتيت البلد وشعبه، وفق البدوي.

ما حصل منذ أيام من معارك في الساحل يؤكّد أن بعض الأطراف الخارجية كإيران ضالع فيه، وهذا خطأ من الفئة المسلّحة العلوية التابعة للأسد، أما السلطة فارتكبت خطأ لا يقل خطورة عندما خرج بعض العناصر عن انضباطه وتسبب في مقتل ما لا يقل عن 1300 شخص، ثلاثة أرباعهم من المدنيين.

ووفقاً لـ “المرصد السوري لحقوق الإنسان”، تبيّن أن المجازر ارتكبت من كلا الجانبين، وكان من بين الضحايا رجال ونساء وأطفال وكبار السن، ومن بين القتلى عائلات بأكملها.

وقد اعترف الشرع بالأخطاء التي ارتكبت وكلّف لجنة استقصاء حقائق لمعرفة المعتدين، ولم ينفِ أن هذه المعارك أخّرت مسيرة بناء الدولة الجديدة، وأفقدت الثقة بالشرع نفسه، بحيث أصبحت طمأنته للأقليات غير موثوقة، وباتت الثقة الآن في أدنى مستوياتها، وأنظار المجتمع الدولي تتجه إلى طريقة تعامل الشرع مع أنصاره المتطرفين وإنزاله أقصى العقوبات في حقّهم.

ويشير البدوي إلى أن سوريا تحتاج إلى مؤتمر حوار وطني، يتم فيه اختيار ممثلين عن جميع القوى السياسية والأحزاب والمثقفين، بما في ذلك المتدينين، ما سيمهّد الطريق لعملية الانتقال وتشكيل لجان لصياغة دستور جديد للبلاد ومناقشة العديد من القضايا الملحة.

لكن الرئيس الشرع أقدم على خطوة استراتيجية ذكية بعد الأحداث المؤسفة التي سبّبت امتعاضاً دولياً، وهي توقيعه اتفاقاً مشتركاً مع قائد “قوات سوريا الديموقراطية” أي الأكراد مفاده اندماج قوات “قسد” ضمن مؤسسات الدولة السورية وضمان حقوق جميع السوريين في التمثيل والمشاركة السياسية ومؤسسات الدولة كافة بناءً على الكفاءة، بغض النظر عن خلفياتهم الدينية والعرقية.

نص الاتفاق على الاعتراف بالمجتمع الكُردي كجزء أصيل في الدولة السورية، وضمان حقوقه الدستورية والمواطنة الكاملة، ووقف إطلاق النار في الأراضي السورية كافة، ودمج كل المؤسسات المدنية والعسكرية في شمال شرق سوريا ضمن إدارة الدولة السورية، بما فيها المعابر الحدودية والمطارات وحقول النفط والغاز.

من جهة أخرى، يوضح الصحافي البدوي أن الشرع قد يُقدم على اتفاقيات أخرى في المستقبل القريب مع الدروز والمسيحيين والعلويين. وهذا ما سيسمح له بالعمل بهدوء خلال المرحلة الانتقالية التي يتوقّف نجاحها على مبدأ التشاركية، بحيث ينبغي إشراك جميع مكونات المجتمع السوري، والافادة من الكفاءات الوطنية في إدارة البلاد. ومن هذا المنطلق، فإن تشكيل هيئة استشارية واسعة، تضم شخصيات من مختلف الأطياف والخلفيات، سيكون خطوة ضرورية لضمان عملية انتقالية أكثر توازناً.

كل ذلك، لن يجنّب سوريا بعض المشكلات، لأن جزءاً من الأزمة يتعلّق بالتدخلات الأجنبية، وفق البدوي، فهناك إسرائيل المجاورة، التي استهدفت الجيش السوري مباشرة بعد سقوط الأسد، واتخذت مواقع إضافية في مرتفعات الجولان، وتقدم نفسها كمدافع عن الأقليات السورية. تنظر إسرائيل إلى النفوذ التركي المتزايد في دمشق بريبة، وخصوصاً بعد موقف أنقرة القوي بشأن غزة. ولا تزال روسيا تتفاوض على مصير قواعدها البحرية والجوية في سوريا، وتحديداً في المنطقة التي اندلعت فيها الاضطرابات. والمفارقة أن إسرائيل تفضل وجود روسيا على حدودها بدلاً من تركيا.

ولا بد من الاعتراف بأن “القلّة بتولّد النقار”، والوضع الاقتصادي في سوريا ليس على ما يُرام، ولن يتحسّن إلا بعد رفع العقوبات الأميركية والدولية عنه، وهذه الخطوة لن تحصل إلا بعدما تُثبت السلطة مصداقيتها في المحافظة على الشعب السوري بكامل أطيافه.

—————————-

توحيد جهود دمشق والأكراد ضد تنظيم «الدولة»… ونتائج التحقيق بأحداث الساحل خلال شهر

هبة محمد

خلال شهر ستعلن لجنة تقصي الحقائق التي شكلتها دمشق للتحقيق بأحداث الساحل السوري، نتائج عملها، فيما أنهت بالفعل اللجنة المكلفة بكتابة مسودة الإعلان الدستوري مهمتها، وذلك في وقت انعكس الاتفاق بين السلطة الجديدة و”قوات سوريا الديمقراطية”، والذي أشادت به تركيا، بعمليات مشتركة ضد تنظيم “الدولة الإسلامية”. ووسط هذا المشهد تواصل إسرائيل تهديداتها وتدخلاتها في الشأن السوري.

وقال المتحدث الرسمي باسم لجنة تقصي الحقائق المحامي ياسر الفرحان في لقاء مع “القدس العربي” إن اللجنة وضعت سياساتها ورسمت استراتيجيتها، وباشرت بعملها فعلا للتقصي والوقوف على الانتهاكات، متعهداً بعدم إفلات الجناة وبأن “لن يكون أحد فوق القانون”.

وتابع: بدأت اللجنة بإجراء اللقاءات الرسمية اللازمة التي تؤمن وتسهل عملها من ناحية وتضمن استقلاليتها من ناحية ثانية، ضمن خطوات سبقت المؤتمر الصحافي الذي شهدته العاصمة دمشق، حيث بنت اللجنة من خلال هذه اللقاءات منهجية العمل وحضّرت جميع اللوائح والقوائم سواء للضحايا أو الشهود أو المتهمين.

وحول الخطوة المقبلة قال: سوف تنتقل لجنة تقصي الحقائق إلى مسرح الجريمة في مدن الساحل، وذلك بعد جدولة الاستماع للشهود والبحث في تأمين الأماكن الأنسب لذلك، وآلية وطرق الحفاظ على خصوصية الشهود.

وذكرت اللجنة خلال مؤتمر صحافي أن التحقيقات، التي ستنتهي خلال 30 يوما، تشمل الأحداث التي وقعت أيام 6 و7 و8 من الشهر الجاري.

جاء ذلك في وقت تحدثت فيه مصادر عن الانتهاء من كتابة مسودة الإعلان الدستوري من قبل اللجنة المكلفة، وسيتم تقديمها إلى رئيس المرحلة الانتقالية أحمد الشرع اليوم الأربعاء.

وفيما يخص الاتفاق بين دمشق و”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) الذي تم برعاية أمريكية، فيبدو أنه سينعكس تعاوناً بما يخص مواجهة تنظيم “الدولة الإسلامية”، إذ أن مصدرا كرديا قال لـ”فرانس برس” إن عمليات مشتركة ستنطلق في الأيام المقبلة في البادية السورية لمحاربة تنظيم “الدولة الإسلامية”، موضحاً أن الاتفاق تم توقيعه برعاية أمريكية.

فيما صرح مسؤول في أحد أحزاب “الإدارة الذاتية” لـ” القدس العربي”، بأن الاتفاق حظي بدعم عربي، وأنه “ما كان ليتم من دون علم تركيا”.

——————————

حملة طبية من إدلب إلى اللاذقية: تضامن في مواجهة الأزمة الإنسانية

عبد الله السعد

12 مارس 2025

في ظل انخفاض الأحداث الأمنية التي تصاعدت في الساحل السوري، شمال غرب سورية خلال الآونة الأخيرة، شهدت محافظة اللاذقية وصول وفد طبي من محافظة إدلب، وذلك في إطار حملة طبية تهدف إلى تقديم المساعدات اللازمة للمصابين جراء الاشتباكات الأخيرة التي أسفرت عن سقوط مئات القتلى والجرحى، بما في ذلك ضحايا مدنيين، وسط أوضاع إنسانية صعبة.

وأوضح الدكتور بشير تاج الدين، مدير منظمة الجمعية الطبية السورية الأميركية “سامز”، في حديث لـ”العربي الجديد”: “اليوم نحن موجودون في مدينة اللاذقية لإطلاق حملتنا الطبية، التي بدأت بكوادر سامز في شمال غرب سورية، وانطلقت إلى مناطق الساحل السوري استجابةً للأوضاع المأساوية التي نتجت عن الاشتباكات المسلحة ضد عناصر الأمن ووزارة الدفاع، والتي راح ضحيتها للأسف عدد من المدنيين أيضاً”. وأضاف: “خلال هذه العمليات كان هناك حصار واستهداف للمستشفيات، ومن خلال تنسيقنا مع مديرية الصحة في اللاذقية ومديرية الصحة في طرطوس ووزارة الصحة، تبيّن وجود احتياجات كبيرة في الكوادر الطبية وسيارات الإسعاف، بالإضافة إلى نقص حاد في المواد والمستهلكات الطبية. لهذا السبب، أطلقنا حملة طبية مؤازرة لدعم القطاع الصحي في الساحل، بالتنسيق مع مديرتي الصحة في اللاذقية وطرطوس”.

وأشار تاج الدين إلى أن هذه المهمة الطبية تتضمن متطوعين من كوادر “سامز” في مناطق شمال غرب سورية إلى المناطق الساحلية، بهدف تقديم الخدمات الصحية ومساندة زملائهم من الكوادر الصحية في مشافي محافظتي اللاذقية وطرطوس، نتيجة النقص الكبير، ولا سيما كادر التمريض. وأكد أن الحملة تسعى أيضاً إلى تزويد المنشآت الطبية بالأدوية والمستهلكات الضرورية. وأكد أن هذه الحملة تجسد تضامن المجتمع السوري بكوادره الطبية وتكاتفهم في مختلف المناطق والمحافظات، مشدداً على واجب الكوادر الطبية الأخلاقي والمهني في تقديم الخدمات الصحية حيثما وُجد الاحتياج، بغض النظر عن المنطقة الجغرافية. كما أعرب عن شكره للكوادر الطبية التي تطوعت مع الحملة، مشيراً إلى أن هناك عدداً كبيراً من الأطباء أعربوا عن رغبتهم في الانضمام إلى هذه الجهود الإنسانية.

من جانبه، قال دريد رحمون، مشرف قطاع الصحة في اللاذقية، في حديث لـ”العربي الجديد”: “اليوم هو الخامس على التوالي الذي تستمر فيه البعثات الطبية القادمة من محافظات أخرى لرفد الكوادر الصحية في محافظة اللاذقية، استجابةً للأحداث التي وقعت مؤخراً من مساء يوم الخميس حتى تاريخه، والتي تضمنت استهداف الفلول المباشر للمدنيين والمنشآت الصحية”.

وأضاف: “حالياً، الأمور عادت إلى الاستقرار، والكوادر الصحية تواصل عملها بشكل شبه كامل. لم تعد الإصابات كثيرة، ولم تصل إلينا أي حالات جديدة اليوم في المشفى الوطني أو الجامعي. الكوادر الطبية على أتم الاستعداد لاستقبال أي إصابات جديدة، وقد تم تزويدنا بمستلزمات طبية وتجهيزات عبر عدة منظمات، بالتنسيق مع وزارة الصحة ومنظمة سامز، بالإضافة إلى منظمتي “هاند إن هاند” و”أطباء بلا حدود”. الوضع الآن هادئ، والعاملون مستمرون في تقديم الخدمات الصحية لكل المواطنين بحيادية وعدالة كاملة”.

العربي الجديد

————————

أحداث الساحل السوري مادة سجال سياسي داخل تركيا/ جابر عمر

12 مارس 2025

أثارت أحداث ومعارك الساحل السوري الأخيرة تفاعلاً في تركيا من الأطراف السياسية والشعبية، لتداخل النسيج المجتمعي بين البلدين وتأثرهما المباشر ببعضهما البعض. وتظهر المواقف انقساماً في وجهات النظر بشأن مسؤوليات مرتكبيها، لكنها متفقة على رفضها وانتقالها إلى تركيا، خشية من تداعياتها. ففي حين هاجمت المعارضة الحكومة لدعمها الإدارة السورية، وركزت على جرائم فصائل مسلحة بحق سكان القرى والأحياء ذات الغالبية من العلويين في الساحل السوري مطالبة بحمايتهم، رد المسؤولون الأتراك بتأكيد رفضهم ما يحصل من جهة، ودعم خطوات الحكومة في دمشق بالتصدي لفلول النظام السابق من جهة ثانية، فضلاً عن دعوات لعدم استغلال ذلك لمزيد من التأثيرات سواء على الصعيد السوري أو الداخلي التركي.

وقال الرئيس رجب طيب أردوغان، بعد اجتماع الحكومة في أنقرة الاثنين الماضي، إن تركيا تدين بأشد العبارات كل هجوم يستهدف وحدة سورية واستقرارها وسلمها الاجتماعي، معرباً عن ترحيبه برسائل الرئيس السوري أحمد الشرع التي تتسم بالاعتدال والتهدئة. وشدد على أن من ينظر إلى سورية ولا يرى فيها إلا الطوائف والمذاهب والأعراق فهو حبيس التعصب الأعمى. وأعرب عن ثقته بأن مكونات الشعب السوري ستتصرف بحكمة ولن يعطوا الفرصة لمن يريدون تمزيق بلدهم وجره إلى مستنقع عدم الاستقرار، منتقداً من التزموا الصمت على مدار 14 سنة بينما كان الأطفال الأبرياء يقتلون بالبراميل المتفجرة والأسلحة الكيميائية في سورية.

بدوره، قال رئيس البرلمان عن حزب العدالة والتنمية الحاكم نعمان قورطولموش، لصحافيي البرلمان أول من أمس الاثنين إنه “من غير المقبول أن يقوم بعض رجال النظام القديم بإعادة تجميع صفوفهم وتنفيذ بعض الغارات في الأيام الأخيرة لعدم ترك أي مساحة للإدارة الجديدة، ثم تحدث بعض الهجمات المضادة التي من شأنها أن تؤجج الصراعات الطائفية”. واعتبر أن “الذين أرادوا بهذه الأحداث فصل السنة عن العلويين، والأتراك عن الأكراد في تركيا، لم يتمكنوا من تحقيق أهدافهم حتى اليوم، ونوصي بألا يستخدم أحد من الآن فصاعداً الأنشطة غير القانونية المحتملة التي قد تنشأ في سورية ذريعة لإثارة الانقسام داخل تركيا من خلال المناقشات الطائفية”.

انتقاد حزب الشعب الجمهوري

بدوره، اعتبر زعيم حزب الحركة القومية دولت بهتشلي، حليف أردوغان في الحكم، عبر حسابه على منصة إكس الاثنين الماضي، أن “المؤامرة المقززة التي تثير الصراع الطائفي وتهدف إلى إشعال النار في سورية وحصار دول المنطقة أحرزت تقدماً ملحوظاً”، واتهم  حزب الشعب الجمهوري باللجوء “إلى حملة استغلال من خلال إخواننا العلويين”، مضيفاً “الاستفزاز الطائفي لحزب الشعب الجمهوري ليس فقط ضد تركيا، بل أيضاً ضد المجتمعات الإسلامية والتوازنات والديناميكيات الإقليمية”.

ومعروف أنه تاريخياً، يشكّل الأتراك العلويون جزءاً مهماً من ناخبي حزب الشعب الجمهوري، والعلويون في تركيا، ومنهم أكراد، يُعتبرون النواة الصلبة للتيار العلماني في ذلك البلد. ويتجاوز عدد العلويين في تركيا 20% حسب إحصاءات غير رسمية.

وكان حزب الشعب الجمهوري، أرسل وفداً من 10 أعضاء برئاسة القيادي علي ماهر باشارير إلى ولاية هاطاي، وألقى بياناً من على النقطة صفر من الحدود التركية السورية بمنطقة يايلاداغي المقابلة لمعبر كسب الحدودي، قال فيه: “من أجل أمن تركيا ورفاهيتها، من الضروري إرساء الاستقرار في سورية في أقرب وقت ممكن. إن الإدارة الحالية في دمشق مسؤولة عن أمن جميع المواطنين، والاعتداءات على العلويين أو المدنيين، خاصة من يستغل أخطاء النظام السابق أو ممارساته التي لا يقبلونها، أمر غير مقبول في سورية”.

أما رئيس حزب الشعب الجمهوري وزعيم المعارضة أوزغور أوزال فكشف، في حديث مع صحيفة جمهورييت الأحد الماضي، أنه تحدث مع رئيس المخابرات التركية إبراهيم قالن حول التطورات في الساحل السوري، قائلاً: “أعطى معلومات شاملة، وعبرت عن حساسيتنا وعدم ارتياحنا، كما تحدثنا عن كيف أن وضعاً مثل استهداف العلويين من شأنه أن يلحق ضرراً كبيراً بسورية وتركيا. أخبرته أننا نشعر بعدم الارتياح بسبب هذا الوضع، وأن علينا أن نفعل كل شيء لحماية العلويين”. وفي الإطار نفسه، شهدت ولاية هاطاي عدة تظاهرات، من بينها تظاهرة قال فيها الشيخ العلوي سليم نارلي، أخيراً، إنه “في حال لم تتمكن تركيا من وقف ما يجري بسورية، فإنه سيتقدم بطلب إلى إسرائيل للتدخل لحماية العلويين”، لتثير تصريحاته جدلاً في تركيا في ظل رفض لها.

انعكاس الأحداث في الساحل السوري على تركيا

وقال الكاتب والصحافي إسماعيل جوكتان، لـ”العربي الجديد”: “لا شك ان ما يجري في سورية، ينعكس فوراً على تركيا لأن هناك تشابه تام بين المجتمعين في البلدين”. وأضاف: “الأحداث الأخيرة في الساحل السوري انعكست تداعياتها على تركيا، فكان هناك ردة فعل فورية للمجتمع العلوي والمعارضة التركية التي لطالما كانت تدعم النظام السوري خلال الثورة، وذلك بمواقفها تجاه ما يحدث في الساحل السوري ذات الأغلبية العلوية، فالمعارضة التركية وجهت انتقادات للحكومة السورية والحكومة التركية معاً، واتهمت الحكومة السورية بارتكاب مجازر كبيرة ضد العلويين، بينما كانت نفس المعارضة تضغط على اللاجئين السوريين الذين لجأوا إلى تركيا، ولا شك هذه الانتقادات ستؤثر على المشهد السياسي في تركيا”.

ولفت جوكتان إلى أن “⁠هناك مخاوف من قيام بعض الأطراف السياسية بالتدخل لدعم فلول النظام، وبالتالي أن يؤثر هذا الدعم على تحجيم الجهود الرامية لحل القضية الكردية التي تزايد الأمل في حلها بعد دعوة مؤسس حزب العمال الكردستاني (عبد الله أوجلان للتخلي عن السلاح). لكن التطور الجديد في سورية أنهى هذه المخاوف، إذ تم إعلان الاتفاق بين قسد (قوات سوريا الديمقراطية) والحكومة السورية الجديدة. رغم ذلك، فإن هناك تطورات متوقعة تخص العلويين العرب في جنوب تركيا وهم يعيشون في مناطق قريبة من الحدود السورية، لأن الزعيم الديني سليم نارلي أدلى بتصريحات نارية ضد الحكومة بسبب التطورات في الساحل السوري وقال إنه في حال لم تتحرك تركيا لوقف المجازر، على حد قوله، سيوجه دعوة لإسرائيل للقيام بهذا الدور. فهناك استياء كبير ضده ومطالب بمحاسبته على خلفية تصريحاته”.

من ناحيته، قال الكاتب والصحافي جلال دمير، لـ”العربي الجديد”: “كما هو معلوم في اللاذقية ومنطقة الساحل السوري حصلت اشتباكات خطيرة بين بقايا النظام مع قوات الحكومة السورية الجديدة تشبه التمرد والانقلاب، وغالباً تمت السيطرة عليها بشكل كبير، وتركيا تراقب الحدث، وهناك تصريحات كثيرة، منها من رأس هرم الدولة وزعماء الأحزاب السياسية الحاكمة والمعارضة، وبالتالي كانت هناك ردات فعل في تركيا على هذه التطورات”. وأضاف: “كانت هناك تظاهرات من العلويين في ولاية هاطاي احتجاجاً على ما يجري. تركيا حريصة على وحدة سورية وتفكر بمصلحتها، والموقف الرسمي كان يدفع بهذا الاتجاه، والوقوف إلى جانب الإدارة الجديدة. وعلى عكس الأحزاب الأخرى التي كانت تصريحاتها مختلفة، سورية هامة بالنسبة لتركيا وهي بوابة ودرع لتركيا، قوتها ووحدتها تنعكس إيجاباً على تركيا، وستكون هذه التطورات محور أحاديث المسؤولين في تركيا واجتماعاتهم”.

العربي الجديد

———————————–

فيديو صادم لأمٍّ أمام جثث أولادها في الساحل

الأربعاء 2025/03/12

انتشر مقطع فيديو مؤلم يوثق لحظة مروعة تظهر فيها أمّ سورية واقفة أمام جثث أولادها الذين قتلوا على أيدي فصائل متشددة في الساحل السوري.

وأظهر الفيديو الذي قام المجرمون بتصويره، الأمّ وهي في حالة من الصدمة، وسط سيل من الإهانات والاتهامات لها ولأولادها بالخيانة، لترد عليهم: “لسنا خائنين”، قبل أن تدعو الله للانتقام ممّن تسببوا في مأساتها. وجاء رد أحد المسلحين قائلاً: “أنتم علويون خائنون”، قبل أن يسألها: “هل هؤلاء أولادك؟”، وعندما أكدت ذلك، أجابها بلهجة ساخرة: “إذن خذيهم الآن… أردتم الانقلاب على السنّة بعدما وثقنا بكم لكنكم خنتم هذه الثقة!”.

المشهد القاسي الذي تجسدت فيه فجيعة الأم، أثار موجة غضب واسعة في مواقع التواصل الاجتماعي، حيث عبّر السوريون من مختلف الأطياف عن صدمتهم واستيائهم من الوحشية التي عكستها هذه الجريمة. وتوالت الدعوات للمحاسبة الفورية، وسط مطالبات بتحقيق العدالة وضمان عدم إفلات الجناة من العقاب، فيما حث ناشطون على ضرورة حماية المدنيين في الساحل السوري ومنع تكرار مثل هذه الانتهاكات.

وكان الرئيس السوري أحمد الشرع أعلن في وقت سابق، تشكيل لجنة تحقيق خاصة للنظر في الجرائم التي شهدها الساحل السوري، والتي راح ضحيتها مئات المدنيين. وبحسب مصادر حكومية، أطلقت السلطات حملة اعتقالات شملت عدداً من المشتبه في تورطهم في عمليات القتل الجماعي، وسط تعهدات بتقديمهم للعدالة. وقال الشرع لوكالة “رويترز”: “سنعاقبهم حتى لو كانوا أقربائي”.

وأكدت الحكومة السورية التزامها بإجراء تحقيق مستقل لمحاسبة مرتكبي الجرائم، في خطوة تضاف إلى التحديات السياسية والأمنية المعقدة التي تواجهها دمشق منذ إطاحة نظام الأسد أواخر العام الماضي.

وانتشرت أنباء عن إرسال الأمم المتحدة وفداً للتحقيق في الانتهاكات التي شهدها الساحل السوري، لكن منسق الأمم المتحدة في سوريا، آدم عبد المولى، نفى هذه المزاعم، مؤكداً أن المنظمة لم ترسل أي بعثة، نظراً لعدم حصولها على تفويض من مجلس الأمن الدولي أو مجلس حقوق الإنسان.

ورغم ذلك، أكد عبد المولى، أن الفرق الأممية مازالت تواصل تقديم المساعدات الإنسانية وتأمين الحماية للعاملين في الميدان. كما أشار إلى أن المفوض السامي لحقوق الإنسان دعا إلى إجراء تحقيق مستقل وشفاف، في ظل تزايد المخاوف بشأن تصاعد الانتهاكات.

وشهدت مناطق الساحل تصعيداً خطيراً خلال الأيام الماضية، حيث اندلعت اشتباكات بين قوى الأمن وفلول النظام المخلوع. وأشارت تقارير ذات صلة إلى أن المواجهات بدأت بعد تنفيذ قوات تابعة لنظام الأسد المخلوع  كميناً مسلحاً ضد قوى الأمن، ما أسفر عن مقتل 200 عنصر وجرح آخرين، فما قتل مئات المدنيين أيضاً، بعد تعرضهم لعمليات تصفية ومجازر جماعية، تتهم فيها فصائل مسلحة على رأسها “الحمزات” و”العمشات”، بالوقوف وراء هذه الجرائم، إذ دخلوا الساحل السوري يوم 7 آذار/مارس، بعد إعلان النفير العام.

وفي الوقت الذي تزداد فيه مشاهد العنف، انتشرت عبر الإنترنت عشرات مقاطع الفيديو التي تحرض على استهداف فئات معينة من المجتمع السوري، بما في ذلك العلويون والدروز والأكراد، ما أثار قلقاً واسعاً بين الناشطين الحقوقيين، فيما ألقت السلطات القبض على بعض الأشخاص الذين ظهروا في فيديوهات تحريضية أو فيديوهات ينفذون فيها الانتهاكات شخصياً.

وتعهد حقوقيون برفع دعاوى قضائية ضد المحرضين على العنف، حتى أولئك المقيمين في أوروبا، حسبما أفاد ناشطون، وقد ظهر شخص مقيم في ألمانيا في مقطع فيديو يدعو فيه صراحة إلى قتل العلويين، مستشهداً بفتاوى منسوبة إلى الشيخ ابن تيمية، أحد مراجع الإسلام الجهادي.

وفي ظل هذه التطورات، أطلق ناشطون وحقوقيون سوريون حملات واسعة لمطالبة المجتمع بحماية المدنيين في الساحل السوري وملاحقة المسؤولين عن هذه الجرائم أمام العدالة. ووجه المحامي والمعارض السوري، ميشال شماس، دعوة إلى السوريين داخل البلاد وخارجها للإبلاغ عن أي محتوى تحريضي يدعو إلى العنف، سواء عبر وسائل التواصل الاجتماعي أو وسائل الإعلام، مؤكداً أن “الصمت هو ما يدفع هؤلاء للاستمرار في التحريض الطائفي”.

إلى جانب ذلك، قام مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان بإنشاء إيميل خاص لإرسال كل المعلومات حول انتهاكات حقوق الإنسان في الساحل السوري خلاله، نشره ناشطون وحقوقيون في “فايسبوك”.

المدن

————————————–

======================

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى