دوافع وكواليس الاتفاق بين “قسد” وحكومة الجمهورية العربية السورية مقالات وتحليلات تتحدث يوميا

تحديث 13 أذار 2025
———————-
لمتابعة مكونات الملف اتبع الرابط التالي
دوافع وكواليس الاتفاق بين “قسد” وحكومة الجمهورية العربية السورية
—————————–
عن إدارة الشرع وقدرته على اقتناص الفرص/ محمود علوش
2025.03.13
كان التمرد الذي قادته خلايا نظام المخلوع بشار الأسد في مناطق الساحل في السادس من مارس آذار الجاري اختباراً صعباً للرئيس أحمد الشرع على عدّة مستويات.
وحقيقة أن أهداف مؤامرة التمرد تتجاوز إخراج الدولة من مناطق الساحل إلى إسقاط الدولة السورية الجديدة وإشعال صراع طائفي وتأجيج مشاريع التقسيم التي تُهدد سوريا على الأطراف (قسد، الساحل، الجنوب) جعلت تعامل الشرع مع هذا الاختبار حاسماً ليس فقط على صعيد إظهار قدرة الدولة الجديدة في التعامل مع التحديات الأمنية الكبيرة، بل أيضاً على صعيد قدرتها في مقاربة التحدي الأمني من منظور المخاطر التي يجلبها على استقرار المرحلة الانتقالية ووحدة سوريا.
وهنا لا بُد من تسجيل بعض الخلاصات المُهمة لأحداث الساحل. الأولى أن الحكومة الجديدة ورغم أنها تبني سوريا من الصفر خصوصاً على مستوى المؤسستين العسكرية والأمنية قادرة على على التعامل بفعالية مع المخاطر الأمنية الكبيرة. والثانية، أن الحزم الذي أظهره الشرع في قمع تمرد الساحل أظهر إدراكه لمخاطر هذه المؤامرة وأهدافها الرامية إلى إشعال حرب أهلية تبدأ في الساحل وتنتشر في عموم سوريا وإلى تأجيج مشاريع التقسيم. والثالثة أن الانتهاكات المروعة التي ارتكبت بحق المدنيين في الساحل أظهرت فشل الدولة الجديدة في التعامل الاستباقي والفوري مع العوامل الذاتية التي تُساعد الأعداء الواضحين على تحقيق أهدافهم. مع ذلك، تُظهر إدارة الرئيس الشرع لاختبار الساحل براعته في تحويل الأزمات إلى فرص.
فمن جانب، نجح الشرع في تحويل مؤامرة الساحل من مؤامرة لإسقاط الدولة الجديدة إلى مؤامرة تستهدف إشعال حرب أهلية في سوريا وتُحاول توظيف المكونات السورية المختلفة كوقود لها. كما أن تأكيده على الحاجة للوحدة الوطنية وحماية السلم الأهلي كان موجّهاً بدرجة رئيسية إلى هذه المكونات لإظهار حجم المخاطر التي تُهددها. ومن جانب آخر، فإن إقرار الشرع بحدوث انتهاكات مروعة بحق المدنيين في الساحل ومسارعته إلى تشكيل لجنة تحقيق وطنية مستقلة بها وتوعّده بمحاسبة المسؤولين عنها حتى لو كانوا أقرب الناس إليه، ساعداه أولاً في التأكيد على أن هذه الانتهاكات لم تكن سياسة دولة مُمنهجة، وثانياً في إظهار التزام الدولة بالتعامل مع أحداث الساحل من منظور عقلية الدولة وليس من منظور عقلية الثأر والانتقام.
علاوة على ذلك، فإن مسارعة الشرع إلى إبرام اتفاقية مع مظلوم عبدي قائد قوات سوريا الديمقراطية لدمجها في الدولة الجديدة ثم إبرام اتفاقية مع وجهاء وأهالي محافظة السويداء الجنوبية لدمجها في الدولة أيضاً بالتزامن مع انتهاء العمليات العسكرية في الساحل، أظهرت براعته في تحويل التداعيات السلبية لأحداث الساحل على صورته وعلى صورة الدولة الجديدة إلى فرص لإظهار أن هذه الإدارة تعمل على تقليص عوامل الفوضى في سوريا لا تأجيجها، وهذا يُرسل رسائل طمأنة لبعض المكونات الداخلية المتوجسة من الإدارة الجديدة خصوصاً في الشمال والساحل والجنوب، ورسائل طمأنة أيضاً للمجتمع الدولي الذي يُراقب عن كثب كيفية إدارة الشرع لسوريا في هذه المرحلة الحساسة ولكيفية تعامله مع التحديات التي تُهدد السلم الأهلي والمجتمعي.
إن الجرائم المرتكبة بحق المدنيين في الساحل أضرت بالشرع والدولة السورية الجديدة أكثر من أي طرف آخر. ومحاسبة المسؤولين عن هذه الجرائم حاجة للشرع قبل أي طرف آخر ليست فقط من أجل إعادة ترميم صورة الشرع داخلياً وخارجياً، بل أيضاً من أجل تدشين ملف العدالة الانتقالية والمصالحة المجتمعية. إن نهج الشرع علاوة على أنه يُقدم فرصاً جديدة للتحول السوري لتحقيق أقصى مشاركة وطنية فيه ولتحقيق المصالحة المجتمعية، ساعد في إسقاط مشاريع تقسيم سوريا مثل أحجار الدومينو بعد إفشال مؤامرة إسقاط الدولة ونجاح الشرع في تمكين السلطة الجديدة. واتفاقات دمج السويداء في الدولة بعد قسد خطوة إضافية نحو تفكيك مشاريع التقسيم. ويُظهر هذا النهج أن الشرع يُدير التحديات الداخلية الهائلة والتحديات الخارجية المُحيطة لسوريا من منظور الفرص قبل المخاطر.
جلبت أحداث الساحل فرصاً مُتعددة للشرع إذا ما أحسن استثمارها. على المستوى. الداخلي، تعزيز القبول الداخلي بالسلطة الجديدة لأنها السبيل الوحيد لمواجهة مشروع الحرب الأهلية وتقديم الدولة الجديدة كدولة لجميع السوريين من خلال تحويل الأزمة إلى فرصة للشروع في تحقيق المصالحة المجتمعية ومعالجة مظالم الحرب. تفكيك مشروع “الصراع الوجودي للأقليات” وهذا يترتب عليه خطوات جريئة خارج الصندوق. وكذلك التخلص من العوامل التي ما تزال تُفسد اعتدال الشرع وثقافة الدولة. وعلى المستوى الخارجي، فإن استثماراً داخلياً صحيحاً للأحداث، يُمكّن الشرع من تعزيز القبول الدولي به كضامن لمنع انزلاق سوريا إلى حرب أهلية ومن استثمار مشروع الفوضى لإقناع المُترددين بالتعامل معه في الخارج (الولايات المتحدة خصوصا) بأنه إدارته ضمانة لمنع عودة استثمار إيران وحلفائها الإقليميين في سوريا.
إن التوجه الدولي العام في سوريا هو لدعم إدارة الشرع. في الغالب، يُنظر في الخارج إلى أحمد الشرع على أنه الزعيم السوري الوحيد القادر على قيادة سوريا إلى الوحدة والاستقرار ومنع تحولها إلى بلد مضطرب ومصدر تهديد للأمن الإقليمي والعالمي. ما يهم العالم قائد قوي يفهم طبيعة سوريا وبراغماتي. ومن مفارقات الحالة السورية أن الإرث الثقيل الذي ورثه أحمد الشرع عن المخلوع الفار إلى موسكو، تعمل كمُحفزات قوية لإنجاح تجربته وليس العكس. قدرة الشرع على استثمار هذا الإرث بشكل صحيح تُحدد حجم الفرص التي يوجدها له. وحتى الآن، يُمكن القول إنه بارع في تحويل الإرث إلى فرص.
تلفزيون سوريا
———————
هذا الحذر التركي من دمج “قسد” في الدولة السورية/ محمود علوش
13 مارس 2025
لم يكن مفاجئاً أن يُسارع الرئيس التركي، رجب طيّب أردوغان، إلى الترحيب بالاتفاقية التي أبرمها الرئيس السوري أحمد الشرع مع مظلوم عبدي قائد قوات سوريا الديمقراطية (قسد) لدمجها في الدولة السورية الجديدة. مع ذلك، لا يزال موقف أنقرة حذراً من هذه الاتفاقية لثلاثة اعتبارات: أوّلها أن الاتفاقية لم تُحدّد بوضوح شكل الاندماج، سيّما على المستويات العسكرية، حيث لم يتّضح ما إذا كان هذا الاندماج سيكون كتلةً عسكريةً أو أفراداً. كما أن أنقرة تُريد أن تُبقي على خيار التحرّك العسكري لمعالجة مُعضلة الوحدات الكردية على الطاولة، في حال فشلت الاتفاقية أو جرى تطبيقها بطريقةٍ لا تُعالِج هواجسها. والثالث أن فترة تنفيذ عملية الاندماج حتى نهاية العام الجاري قد تجلب بعض التحدّيات التي يُمكن أن تؤدّي إلى إفشالها.
ويُمكن تفسير الحذر التركي في مقاربة الاتفاقية على أنه مُصمّم بدرجة رئيسة ورقةَ ضغط على الوحدات الكردية للمضي في تنفيذ الاتفاقية، ولتحقيق مطالب أنقرة، خصوصاً فيما يتعلّق بإبعاد قيادات حزب العمال الكردستاني ومقاتليه، المنضوين في الوحدات إلى خارج سورية، فضلاً عن انتظار ما إذا كانت هذه الاتفاقية ستُفضي، في نهاية المطاف، إلى انسحاب الولايات المتحدة من سورية. على الرغم من أن الاتفاقية (تدعمها واشنطن) تُعطي مؤشّراً قوياً على قدرة أنقرة وواشنطن على تحقيق انسجام في سياستهما إزاء ملفّ الوحدات الكردية، والملفّ السوري عموماً، إلا أن الرئيس دونالد ترامب مُتقلّب، ولا توجد ضمانات لتحقيق الانسحاب الأميركي في سورية. ولا ينبغي هنا تجاهل إسرائيل عنصرَ ضغطٍ على سياسة ترامب في سورية.
مع ذلك، الاتجاه التركي العام هو لدعم الاتفاقية وإنجاحها بالنظر إلى الفوائد الكبيرة التي ترجع على تركيا، ويُمكن تلخيصها في ثلاث فوائد رئيسة. أولاً، تجنّب الخيار العسكري لمعالجة مُعضلة الوحدات الكردية، وما يترتّب عليه من مخاطر على صعيد عملية السلام الجديدة بين أنقرة وحزب العمّال الكردستاني، وعلى صعيد علاقتها مع إدارة ترامب. وثانياً، توفير ظروف مناسبة لإنجاح عملية الحلّ الجديدة مع الحزب العمّال، بالنظر إلى أن ملفّ الوحدات الكردية يُشكّل تحدّياً رئيساً لهذه العملية. وثالثاً، توفير العوامل المناسبة للرئيس أحمد الشرع لإعادة توحيد سورية، وتحقيق الاستقرار فيها، بأقل التكاليف، ولتجنّب عوامل ضغط جديدة على علاقة الإدارة السورية الجديدة بالدول الغربية، وفي مقدّمها الولايات المتحدة.
ساهمت ثلاثة سياقات مهمّة في إنتاج اتفاقية دمج “قسد” في الدولة السورية الجديدة. أوّلها الخطوات المتقدّمة التي حقّقتها عملية السلام بين تركيا وحزب العمّال الكردستاني، بدعوة عبد الله أوجلان أخيراً التنظيم إلى إلقاء السلاح وحلّ نفسه. والثاني المسار التفاوضي القائم بين أنقرة وإدارة الرئيس ترامب منذ تولّيه السلطة. والثالث المسار التفاوضي القائم منذ أشهر بين الشرع ومظلوم عبدي. وتبدو ديناميكيات هذه المسارات الثلاثة مؤثّرة في بعضها بعضاً. لذلك، يُمكن النظر إلى اتفاقية الدمج أنها نتاج مباشر لانخراط تركي أميركي في تشكيلها. ومن البديهي أن الشرع أخذ، بعين الاعتبارات، مصالح تركيا في مفاوضاته مع عبدي قبل الوصول إلى الاتفاقية.
حقيقةً، لا تزال النقاط الجوهرية في اتفاقية الدمج غير واضحة تماماً، وتحتمل كثيراً من التأويلات المتناقضة، فإن فرص نجاح الاتفاقية تتوقّف على مجموعة من العوامل، في مقدمها مسار عملية السلام الجديدة بين تركيا وحزب العمّال الكردستاني، وما إذا كانت التيّارات المناهضة لهذه العملية، سواء داخل الحزب أو داخل الوحدات الكردية، قادرة على التأثير السلبي في تحقيق الاندماج، فضلاً عن أن العوامل المُحرّكة للديناميكيات السورية المحلّية لا تزال غير مستقرّة تماماً، وستستغرق فترة كي تنضج بشكل واضح. في ضوء ذلك، يُمكن القول إن الاتفاقية ستُبعد خيارات الحسم العسكري التركي لحالة “قسد” في المستقبل المنظور. ومن شأن هذا الأمر أن يُوجِد هامشاً مناسباً أمام أردوغان للمضي في عملية السلام مع أوجلان، وفي تطوير الانسجام مع إدارة الرئيس ترامب، إلى انسجامٍ في أوسع في السياسات تجاه التحوّل السوري عموماً.
… لا تقتصر أهمية اتفاق دمج “قسد” على تعزيز فرص إعادة توحيد سورية، ومواجهة مشاريع التقسيم التي تُهدّدها في الأطراف في الشمال والساحل والجنوب، وهي مسألةُ تنظر إليها تركيا باهتمام كبير لتعزيز استفادتها من التحوّل السوري، بل تشمل أيضاً الجهود التركية لتعزيز القبول الدولي والغربي على وجه الخصوص بإدارة الرئيس أحمد الشرع، وتعزيز قدرة الأخير على التعامل مع التحدّيات الأمنية الداخلية، خصوصاً أن التمرّد الذي قادته خلايا النظام المخلوع في منطقة الساحل أخيراً، أظهر أن تحقيق الاستقرار الأمني الداخلي في نطاق واسع يواجه تحدّياتٍ كبيرة، ويُمكن لهذه التحدّيات في النهاية أن تشكّل تهديداً خطيراً لمساعي إعادة توحيد سورية ونجاح عملية التحّول. وتُظهر هذه الجوانب أن مقاربة تركيا لاتفاقية دمج “قسد” تتجاوز التعامل مع التهديد الذي تُشكّله الوحدات الكردية لها، إلى توفير العوامل المُساعدة للرئيس الشرع لتعزيز أركان السلطة الجديدة، ولتعزيز الهوامش لديه للتعامل مع تحدّيات مشاريع التقسيم وزعزعة استقرار المرحلة الانتقالية.
العربي الجديد
————————-
لماذا منح ترامب الضوء الأخضر لاتفاق الشرع وقسد؟/ دهام العزاوي
13/3/2025
في خطوة تاريخية محفوفة بالأمل والمستقبل المشرق، تمّ في العاصمة دمشق، توقيع اتفاق تاريخي بين الرئيس السوري أحمد الشرع، وقائد قوات سوريا الديمقراطية “قسد” مظلوم عبدي يوم الاثنين، 10 مارس/ آذار 2025.
هذا الاتفاق يعد بمثابة نقطة تحول هامة في تاريخ سوريا المعاصر، كونه يوحد الفرقاء ويضع الأسس لمصالحة وطنية مستدامة، وهو بمثابة رسالة قوية لكل من راهن على فشل الشعب السوري في تحقيق وحدته وأمنه، بعد سقوط نظام بشار الأسد.
وقد تزامن توقيع هذا الاتفاق مع لحظة فارقة في حياة الشعب السوري، بعد الأزمة الكبرى التي عصفت بمناطق الساحل السوري في محافظتي اللاذقية وطرطوس، حيث سعت الفلول الموالية للنظام السابق إلى إشعال فتنة طائفية تجرّ البلاد إلى حرب أهلية تهدد الجميع دون استثناء.
خلفية الاتفاق
بلا شك، لم يكن الاتفاق وليد اللحظة التي أعلن فيها. فالواضح أنه مرّ بمخاضات عسيرة ومباحثات سرية مطولة بين الجانبين، استمرت منذ سقوط نظام الأسد، حيث تم استقبال قائد “قسد” مظلوم عبدي في دمشق بمعية جنرال أميركي، رفض الشرع اللقاء به في حينه، وتم الاتفاق مع الكرد على مجموعة نقاط، والاختلاف على نقاط أخرى تبين أنها، تفصيلية تعلق بعضها بدمج القوات الكردية بوزارة الدفاع السورية، ورغبة الكرد بالحصول على اعتراف الحكومة السورية بالهوية الكردية في سوريا.
ولعل أعقد القضايا التي أجلت إعلان الاتفاق، كانت تتعلق بمستقبل سجون أفراد تنظيم الدولة الإسلامية، ولا سيما سجن “الهول” وسجن “الصناعة” في منطقة غويران بمدينة الحسكة، حيث يقبع الآلاف من أعضاء التنظيم، وبضمنهم قيادات مهمة في التنظيم، حيث بقي الموقف الكردي مترددًا في تسليم السجون، ومرتبطًا بموقف الإدارة الأميركية، والتي تعتقد أن النظام السوري الجديد، لم يقدم الضمانات الأمنية الكافية، التي تحمي تلك السجون وتمنع تعرضها لعمليات اختراق تؤدي لهروب مقاتلي تنظيم الدولة.
ولكن يبدو أن إعلان الإدارة الأميركية الجديدة عن نيتها سحب القوات الأميركية من شرق سوريا وتأييدها اتفاق السلام بين الحكومة التركية وحزب العمال الكردستاني، قد خفف العبء عن قائد قوات “قسد” مظلوم عبدي، ودفعه للموافقة على تسليم السجون، بعد أن كان قراره في السابق مرهونًا بالموافقة الأميركية.
ولا شك أن الاتفاق ستكون له انعكاسات مؤثرة على وحدة سوريا الوطنية، فهو سيعزز من قدرة النظام الجديد التفاوضية في جذب جماعات محلية أخرى، ما زالت ترى فيه تهديدًا لوجودها وهويتها، ولا سيما في مناطق الساحل العلوي، وكذلك في جبل العرب في السويداء حيث يشكل الدروز غالبية سكانه.
فالمؤمل أن ينبه الاتفاق الدروز إلى أنهم يجب ألا يكونوا الجيب المتمرد الذي تمرق منه دعوات تفكيك سوريا، ولا سيما من إسرائيل التي أعلن رئيس وزرائها قبل أسبوعين عن دعم ما يسمى (تحالف الأقليات)، الذي يضم الأكراد والدروز والعلويين وربما يشمل المسيحيين، لمواجهة النظام السوري الجديد.
كما سيعزز الاتفاق الحضور الشعبي لنظام الشرع، كونه يتوافق بكل تفاصيله مع أهداف الثورة السورية، وسعي الشرع لاستعادة وحدة سوريا، والبدء بعملية سياسية تستوعب الجميع، كما أنه جاء تأكيدًا لمخرجات مؤتمر الحوار الوطني الذي عقد في فبراير/ شباط 2025، والذي أكد على وحدة سوريا وشعبها، وعلى حق الدولة وحدها في احتكار السلاح، وبسط نفوذها على كامل التراب السوري، وبناء دولة القانون التي يتساوى في ظلها الجميع.
المواقف الإقليمية والدولية
لا شك أيضًا أن الاتفاق لم يكن وليد اتفاق داخلي بين الشرع ومظلوم عبدي فحسب. فالنوايا الصادقة لا تشفع في تمرير اتفاق تاريخي له انعكاساته الإقليمية والدولية.
وعليه، فإن الأجواء الدولية كانت من أهم العوامل التي ساندت الاتفاق الحكومي الكردي. فالولايات المتحدة أعطت الضوء الأخضر لقائد قوات “قسد” بالمضي بالاتفاق، ودمج قواته في وزارة الدفاع السورية، كجزء من إستراتيجية ترامب في التخلص من الأعباء المالية لـ”قسد”، والتي تكلف الموازنة الأميركية ما يزيد عن 500 مليون دولار سنويًا، منذ تأسيسها أميركيًا عام 2015.
والواضح أن الرؤية الأميركية أخذت ومنذ سقوط الأسد، تركز على إعادة تأهيل سوريا لكي تكون فاعلًا أساسيًا في ترتيبات الشرق الأوسط الجديد، وأن إقامة نظام جديد في سوريا مرتبط، بتدفق النفوذ الأميركي في سوريا في المستقبل المنظور، لجهة التطبيع المستقبلي مع إسرائيل، ومحاصرة مهدداتها الأمنية المتمثلة بحزب الله اللبناني، أو لجهة تعزيز الامتيازات الاقتصادية للشركات الأميركية في سوريا، في قطاعي النفط والغاز والبنى التحتية.
وعليه، أعطت إدارة ترامب الضوء الأخضر لإعادة تأهيل ومساندة النظام السوري الجديد، وتسهيل سيطرة الجيش السوري على كامل الأراضي السورية، ولهذا فمن الراجح أن تشهد المرحلة المقبلة، توجهًا أميركيًا لتخفيف أو رفع العقوبات الاقتصادية الأميركية والأوروبية، وبما يساعد في تسهيل تعاملات المصارف الدولية مع سوريا، والبدء بعلاقات دبلوماسية تمكن القيادة السورية من ضبط الواقع الأمني، وإعادة دمج سوريا في المنظومة الدولية، بعد أن تضمن أن النظام الجديد لن يكون محطة لتصدير الإرهاب، كما كان يفعل نظام بشار الأسد.
أما تركيا، فرغم قبولها الحذر بالاتفاق، إلا أن الواضح أن الاتفاق جاء كنتيجة مباشرة للإعلان التاريخي المهم لحزب العمال الكردستاني التركي، بوقف نشاطاته العسكرية ضد الجيش التركي، مما شكل دافعًا لقادة سوريا الديمقراطية، للمضي بتوقيع الاتفاق، وتسعى تركيا إلى ألا يَضمن الاتفاق مستقبلًا، أي سيطرة سياسية وأمنية لـ”قسد” في مناطق شمال وشرق سوريا، وألا يرسخ أي نوع للحكم الذاتي لأكراد سوريا، يمكن أن يهدد مستقبلًا الأمن القومي التركي.
ألغام في طريق الاتفاق
كما أسلفنا فإن الاتفاق خطوة تاريخية مهمة في سبيل استعادة وحدة سوريا، وتوحيد جيشها وتقوية اقتصادها، فانضمام قسد إلى الجيش السوري، سيعزز من قدرات الجيش القتالية، فالمقاتلون الأكراد مدربون تدريبًا عاليًا على يد القوات الأميركية، ومجهزون بأحدث الأسلحة، كما أن استعادة ما يزيد عن 27% من الأراضي السورية، وما تحوي من ثروات نفطية وحقول غاز ومعابر حدودية ومياه، ستمكن النظام السوري الجديد، اقتصاديًا، وتعينه في معالجة الكثير من مشكلات الفقر والبطالة وتنمية الاقتصاد السوري، عبر تنشيط صناعة النفط والغاز والزراعة والصناعة في مناطق شمال وشرق سوريا.
ولكن كما يقال فإن النوايا الطيبة في السياسة لا تصمد، وعليه فإن استمرار هذا الاتفاق إلى نهايته محفوف بجملة من المخاطر، لعل أهمها ما يتعلق بإعادة دمج قوات قسد في صفوف الجيش السوري، فهل سيتم دمج كل عناصرها البالغ عددهم 120 ألف مقاتل، أم سيتم قبول مجموعات وتسريح مجموعات أخرى وإحالتهم لوظائف مدنية؟
وهل سيتم قبول المقاتلين الأكراد وتسريح المقاتلين العرب في قسد؟ ثم ماذا بخصوص الأسلحة الأميركية، فهل سيقبل النظام الجديد وكذلك تركيا باحتفاظ “قسد”، بأسلحتها الأميركية المتطورة أم سيصار إلى نزعها وتحويلها لبقية فصائل الجيش السوري؟ وهل سيتم توزيع قوات “قسد” على وحدات ومناطق انتشار الجيش السوري، أم ستبقى القوات الكردية متمركزة في مناطقها الحالية؟
أما من الناحية الاقتصادية، فرغم أن الاتفاق سيفتح آفاقًا اقتصادية مهمة للاستثمار الأجنبي، ويعين في تغيير بنية الاقتصاد السوري، عبر إلغاء القوانين الاقتصادية الاشتراكية القديمة والمعرقلة للاستثمار، فإن انتزاع سيطرة قوات “قسد” على مصادر التمويل المالي الكبيرة المتحصلة من تهريب النفط والغاز والزراعة والمعابر، ليس بالأمر الهين، في ظل وجود مافيا السلاح والجريمة والمخدِرات، وفي ظل وجود جماعات كردية رافضة للاتفاق، ومجموعات منفلتة لمقاتلين أجانب، استمرأت تجارة المخدِرات وتهريب النفط والسلاح عبر الحدود.
ولاشك أن التحدي الإسرائيلي لا يزال يشكل أهم العقبات المستقبلية لعرقلة الاتفاق، فالاتفاق أعاد الأكراد لحضن الدولة السورية، مما شكل ضربة لإستراتيجية تل أبيب في تحريك ملف الأقليات في سوريا، وإضعاف نظامها الجديد.
وعليه، فمن المرجح أن تعيد إسرائيل تفعيل إستراتيجيتها، عبر دعم بعض الأطراف الكردية وغير الكردية المتضررة من هذا الاتفاق.
ختامًا، يبقى هذا الاتفاق خطوة حذرة في مسار سياسي معقد، حيث سيتحدد مستقبله على قدرة الأطراف المعنية على الموازنة بين المصالح المتضاربة وإدارة التحديات الداخلية والخارجية.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
كاتب سياسي عراقي ومؤلف كتاب “العولمة والتدخل الانساني لحماية الاقليات”
الجزيرة
———————–
سوريا بين الأيام الدموية في الساحل ولقاء الشرع وعبدي/ بكر صدقي
تحديث 13 أذار 2025
كانت نهاية دموية فاجعة تلك التي ختمت الأشهر الثلاثة الأولى من حكم السلطة الجديدة في دمشق، أكلت من الرصيد الإيجابي الكبير لحملة «ردع العدوان» التي أسقطت نظام الأسد بلا إراقة دماء تقريباً. مئات القتلى بين مدنيين أكثرهم من العلويين، وعناصر الأمن العام، نهب ممتلكات وإحراقها، إذلال وإهانات مصورة في مقاطع فيديو انتشرت على وسائل التواصل، إضافة إلى فبركات كثيرة وخطاب كراهية منتشر زادا النار أواراً. حرب أهلية مضغوطة في بضعة أيام ظن السوريون أنهم نجحوا في تجنبها في بداية عملية التحرير.
ثلاثة أشهر خسرتها سوريا بلا أي إنجاز يذكر على طريق بناء سوريا الجديدة المأمولة، وكأنها كانت في حاجة للمذبحة الكبيرة التي جرت فصولها المشينة في مدن الساحل وأريافها لتراجع السلطة نفسها وحساباتها. حكومة مؤقتة انتهى مفعولها منذ تشكيلها الأحادي، فشلت في كل شيء بما في ذلك فتح قناة تلفزيونية رسمية كمصدر موثوق لبياناتها وتصريحات أركانها وأعمالها، حتى لا نتحدث عن أي تحسين في حال الخدمات العامة كالكهرباء، بل إن الارتفاع الوهمي لسعر صرف الليرة السورية مع استمرار حالة التضخم وتفاقمها كان وبالاً على السوريين، إضافة إلى تسريح آلاف أو ربما عشرات الآلاف من وظائفهم والإلقاء بهم في هاوية الجوع. أما انعقاد ما سمي بمؤتمر الحوار الوطني فلم يتجاوز كونه بحثاً عن شرعية مصطنعة لم تكن السلطة في حاجة إليها. بالمقابل نسيت السلطة وعودها المتكررة بشأن تشكيل حكومة جديدة أوسع تمثيلاً في مطلع شهر آذار.
بالمقابل لا يمكن إنكار أن ثمة خططا مدبرة من الخاسرين من سقوط نظام الأسد، الفلول وإيران وإسرائيل نفسها، هي ما أوقعت السلطة في هذا الفخ الدموي. الكمائن التي نصبتها الفلول للأمن العام كانت الشرارة التي أطلقت سلسلة من الأخطاء كالنداء الذي أطلق للنفير العام وسمح بدخول الجهاديين الأجانب وبعض فصائل الشمال المنفلتة إضافة إلى متطوعين مدنيين ممن تحركهم أحقاد طائفية ارتكبوا بمجموعهم أكثر الفظاعات على ما تفيدنا شهادات متواترة. لقد زجت السلطة بشبان يفتقدون إلى الخبرة القتالية (الأمن العام) في معركة مطاردة شبيحة وضباط النظام السابق ممن لديهم خبرة كبيرة في القتال والانتهاكات، في مناطق جبلية يعرفون تضاريسها جيداً مقابل جهلها لدى عناصر الأمن العام الذين حصلوا على دورات عسكرية سريعة و«دورات شرعية»! فوقعوا في كمائن الشبيحة بسهولة.
أصابع إيران في تمرد الفلول لا تخفى، فقد دعا إليه المرشد علي خامنئي جهاراً نهاراً قبل أسابيع، وتم تشكيل «مقاومة شعبية» مزعومة و«درع الساحل» ومجالس عسكرية بقيادة ضباط معروفين كغياث دلا وإبراهيم حويجة ومقداد فتيحة وغيرهم. وثمة معلومات صحافية عن تنسيق محتمل مع كبار ضباط النظام الساقط الموجودين في موسكو وقد سمحت لهم السلطات الروسية باستخدام أرقامهم السورية على تطبيق واتس آب.
كان لافتاً، في هذا السياق الرسالة التي وجهها رامي مخلوف معلقاً على تلك الأحداث الدامية، فقد أشار إلى ضباط الفرقة الرابعة بصورة مباشرة متهماً إياهم بتأجيج الصراع و«المتاجرة بدماء العلويين» حسب تعبيره. وقال مخلوف إنه سيعود إلى المشهد السياسي مجدداً في الوقت المناسب وإنه على «تنسيق مباشر» في هذا الإطار من غير أن يوضح الجهة التي ينسق معها. فإذا أخذنا بسوابق من «تسويات الوضع» كحالة محمد حمشو أو فادي صقر وزير الداخلية السابق محمد الشعار، يخشى أن تكون السلطة بصدد «إدماج» مخلوف أيضاً في مرحلة «ما بعد الطوشة» في خطأ جديد لن تساهم في «طمأنة العلويين» كما قد تتوهم السلطة. فأمام هذه مروحة واسعة من الخيارات من شخصيات محترمة في «المجتمع العلوي» لم تتلوث بداء الأسدية إذا أرادت السلطة التباحث معهم بشأن تضميد الجراح وفتح صفحة جديدة. ولكن يبقى أن الطريق الأسلم إلى ذلك يمر عبر إتاحة الشروط اللازمة لقيام لجنة تقصي الحقائق بعملها بصورة جدية وأن تتمكن هذه اللجنة من تحديد المتهمين بالانتهاكات ثم تقديم هؤلاء إلى القضاء بلا أي تلاعب أو التفاف. على أن يكون هذا مقدمة لإقامة عدالة انتقالية لا يجوز تأخيرها أكثر مما حصل. فهذا هو الطريق لطي صفحة الماضي والبدء بترميم النفوس قبل إعادة إعمار المباني.
لقاء الشرع وعبدي في قصر الشعب: شكل هذا اللقاء الذي شهد توقيع الرجلين على اتفاق إطار بين السلطة المركزية وقوات سوريا الديمقراطية مفاجأة طيبة للسوريين المفجوعين بالدم الغزير الذي سال قبل أيام. فهذا الاتفاق يبشر بطي صفحة العقدة الأكثر صعوبة في بناء سوريا الجديدة، بالنظر إلى تداخل عوامل محلية وإقليمية ودولية فيها، وبالنظر إلى المساحة الجغرافية الواسعة التي تسيطر عليها قسد وتضم ثروات البلاد الزراعية والنفطية. حين انتشر خبر الاجتماع والتوقيع كان ثمة قلق بشأن الموقف التركي من هذا الحدث، لكنه سرعان ما تبدد من خلال تصريحات مؤيدة له على لسان الرئيس التركي بالذات، وهو ما لا يمكن فصله عن مسار الحل السلمي الذي تعمل عليه الدولة التركية بالشراكة مع عبد الله أوجلان الذي وجه حزب العمال الكردستاني بإلقاء السلاح وحل منظماته. يمكن القول إذن إن «طبخة» كبيرة نضجت ومن المحتمل أن تينع ثمارها سريعاً على خط دمشق ـ أنقرة ـ إيمرالي ـ قنديل مع مظلة دولية غير خافية من واشنطن وباريس. سنرى في الأسابيع القليلة القادمة كيف سينعكس ذلك إيجاباً على مختلف الملفات الداخلية في سوريا. ترى هل يتم حل «الجيش الوطني» بالتوازي مع حل «قسد»؟ هل يتم تسليم من قد تتهمهم لجنة تقصي الحقائق من عناصر فصائل الجيش الوطني للقضاء، أم نشهد صراعاً مسلحاً جديداً في الشمال لتحقيق ذلك بالقوة؟ وهل كان في تأخير تشكيل الحكومة الجديدة خيراً، وأنها قد تكون بتشكيلتها المأمولة من حيث الشمول مفاجأة ثانية تضاف إلى إنجاز الاتفاق الإطاري؟ وهل يحل مقاتلون من قسد محل شبان الأمن العام في محاربة الفلول في مناطق الساحل الوعرة، في ترجمة لأحد بنود الاتفاق الإطاري المخصص للتعاون بين الطرفين في محاربة الفلول؟
أسئلة بين أخرى كثيرة طرحها الواقع الجديد الذي ظهر بعد لقاء الشرع وعبدي، سنراقب الأجوبة عليها في الأيام والأسابيع القادمة.
الرحمة لشهداء الأيام السوداء في الساحل من مدنيين وأمن عام، القصاص العادل للقتلة.
كاتب سوري
القدس العربي
——————————-
سوريا تعيد رسم المعادلة الإقليمية: الأكراد جزء من الدولة والحلول وطنية/ بشار الحاج علي
2025.03.13
في العاشر من آذار 2025، شهدت الساحة السورية تطورًا بالغ الأهمية تمثل في الاتفاق الذي جرى بين السيد الرئيس أحمد الشرع والسيد مظلوم عبدي، وهو اتفاق يعيد صياغة المشهد السياسي السوري على أسس وطنية جامعة، ويبعث برسائل إقليمية ودولية تتجاوز حدود سوريا الجغرافية. فهذا الاتفاق، الذي يعزز وحدة البلاد، ويضمن الحقوق السياسية والاجتماعية لكل السوريين، ويؤسس إلى مرحلة جديدة من الاستقرار، يحمل أبعاداً استراتيجية تتعلق بأمن الإقليم ككل، وبتوازنات القوى الدولية في واحدة من أكثر المناطق حساسية وتأثيرًا على الأمن والسلم الدوليين.
انعكاسات الاتفاق على دول الإقليم: بين الفرص والتحديات
لا يمكن النظر إلى هذا الاتفاق بمعزل عن القضية الكردية في دول الجوار، حيث يشكل الأكراد جزءًا أساسيًا من النسيج السكاني في العراق، وإيران، وتركيا، وتواجه هذه الدول تحديات مماثلة تتعلق بإدارة التنوع القومي.
⁃ العراق، الذي يتمتع فيه إقليم كردستان بوضع خاص، لطالما شهد توترات بين بغداد وأربيل، سواء فيما يتعلق بالموازنة، وتقاسم الموارد، أو النفوذ السياسي. ويأتي الاتفاق السوري ليؤكد إمكانية دمج الأكراد ضمن الدولة الوطنية دون الحاجة إلى مشاريع انفصالية، وهو نموذج قد يشجع بغداد على تبني سياسات أكثر استيعابًا للمكون الكردي ضمن إطار الدولة العراقية.
⁃ إيران، التي تواجه تحديات مشابهة في مناطقها الغربية، تدرك أن هذا الاتفاق قد يكون إشارة إلى إمكانية معالجة المسألة الكردية بأسلوب سياسي متوازن. فرغم الحذر الذي قد تبديه طهران تجاه أي تحولات في شمال شرقي سوريا، إلا أن نجاح هذا النموذج السوري قد يدفعها إلى التفكير في حلول وطنية بديلة عن المقاربات الأمنية التقليدية.
– تركيا، التي لطالما رأت في القضية الكردية ملفًا أمنيًا، قد تجد في هذا الاتفاق فرصة لمراجعة سياساتها، لا سيما بعد خطاب زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان في شباط الماضي، والذي دعا إلى حل سياسي شامل للقضية الكردية داخل تركيا ومع تحول المزاج السياسي التركي نحو نهج أقل تصعيدًا، فإن نجاح هذا الاتفاق السوري قد يشكل نقطة انطلاق لمقاربات أكثر براغماتية في الداخل التركي.
إن أي خطوة تعزز الوحدة الوطنية، وتعيد دمج كل المكونات ضمن إطار الدولة، تعد أمرًا إيجابيًا في سياق الحفاظ على استقرار المنطقة ككل.
الترحيب العربي: دعم لوحدة سوريا وحماية الأمن القومي
يشكل هذا الاتفاق خطوة أساسية في الحفاظ على وحدة سوريا واستقرارها، وهو ما يلقى ترحيبًا عربيًا نظرًا لما تمثله سوريا من ركيزة أساسية في الأمن القومي العربي فمنذ اندلاع الثورة السورية، كانت هناك مخاوف عربية من تفتيت البلاد، وما قد يترتب على ذلك من تداعيات أمنية وجيوسياسية خطيرة. ومن هنا، فإن أي خطوة تعزز الوحدة الوطنية، وتعيد دمج كل المكونات ضمن إطار الدولة، تعد أمرًا إيجابيًا في سياق الحفاظ على استقرار المنطقة ككل.
إسرائيل واستغلال المظلومية الكردية
لطالما سعت دولة الاحتلال الإسرائيلي إلى استغلال القضية الكردية كأداة لخلق بؤر توتر داخل الدول الإقليمية، وذلك في إطار استراتيجيتها القائمة على تفتيت المنطقة إلى كيانات ضعيفة ومتخاصمة. فمنذ دعمها لانفصال كردستان العراق عام 2017، مرورًا بمحاولاتها بناء علاقات مع بعض الفصائل الكردية في سوريا، وصولًا إلى تقديم نفسها كـ”مدافع” عن حقوق الأكراد، كانت إسرائيل تسعى لتوظيف المظلومية الكردية لخدمة مشروعها التوسعي.
لكن هذا الاتفاق يضع حدًا لهذه المحاولات، حيث يؤكد على دمج الأكراد في الدولة السورية، وإعادة تعريف العلاقة بين الدولة ومكوناتها على أسس المواطنة المتساوية وبهذا تسقط ورقة طالما حاولت إسرائيل استغلالها، ويعاد ترسيخ مفهوم الحلول الوطنية كبديل عن التدخلات الخارجية المشبوهة.
الترحيب الدولي: استقرار سوريا في منطقة مفصلية للأمن العالمي
لا شك أن هذا الاتفاق سيحظى بترحيب دولي واسع، نظرًا للأهمية الجيوسياسية لسوريا في منطقة تعد إحدى أكثر المناطق تأثيرًا على الأمن والسلم الدوليين.
فمنذ اندلاع الأزمة السورية، كان المجتمع الدولي يدرك أن استقرار سوريا هو عامل حاسم في ضبط توازنات الشرق الأوسط، سواء فيما يتعلق بالحد من التهديدات الإرهابية، أو احتواء التدخلات الخارجية، أو ضمان تدفق الطاقة والتجارة العالمية.
إن تعزيز وحدة سوريا وإعادة دمج كل مكوناتها في إطار وطني جامع يوفر نموذجًا يمكن الاستفادة منه في حل النزاعات القائمة على الهويات الفرعية، ويمنح الدول الكبرى فرصة لدعم استقرار المنطقة دون الحاجة إلى تدخلات عسكرية أو سياسية مكلفة ،وبذلك يصبح هذا الاتفاق ليس مجرد خطوة داخلية، بل تحول استراتيجي يعيد رسم خريطة التأثيرات الإقليمية والدولية.
إن نجاح هذا الاتفاق لا يعني فقط انتصارًا لسوريا في مواجهة التحديات الداخلية، بل قد يشكل نقطة تحول في المشهد الإقليمي، حيث يمكن أن يكون نموذجًا لحلول وطنية تقوم على وحدة الدولة، واحتواء التنوع، ورفض التدخلات الخارجية.
فالمرحلة المقبلة تتطلب الالتفاف حول هذا المسار، ودعمه كخيار استراتيجي لاستعادة الاستقرار الوطني والإقليمي، بعيدًا عن المشاريع التي لا تخدم سوى مصالح القوى الخارجية، وإن مصير المنطقة لا تحدده العواصم الأجنبية، بل تصنعه إرادة شعوبها حين تضع مصلحة أوطانها فوق أي اعتبارات أخرى.
بهذا الاتفاق، تثبت سوريا مجددًا أن الحل يبدأ وينتهي وطنيًا، وأن وحدة البلاد هي الأساس في بناء مستقبل مستقر وآمن، ليس لسوريا فحسب، بل للمنطقة والعالم بأسره.
تلفزيون سوريا
—————————–
هآرتس: هل ينجح الشرع في ترميم سوريا بعد اتفاقه مع الأكراد والدروز؟
تحديث 13 أذار 2025
وقع أول أمس اتفاق بين مظلوم عبدي، زعيم قوات سوريا الديمقراطية، الذراع العسكري للإدارة الكردية في شمال شرق سوريا، مع الرئيس السوري أحمد الشرع. سيكون هذا الاتفاق وثيقة أساسية في دولة تناضل لإعادة بناء نفسها. انضم إلى هذه العملية أمس تقارير عن اتفاق مشابه مع الدروز في المحافظة الانفصالية السويداء جنوبي سوريا، وإن لم تتضح بعد طبيعة ودرجة قبوله في أوساط الطائفة.
إذا ما تحققت هذه الاتفاقات فستكون لها تداعيات ثقيلة الوزن على قدرة الشرع على إدارة الدولة والحصول على الشرعية، بالأساس بمساعدة دولية وعربية، وعلى مكانة تركيا في سوريا، وأيضاً تطلعات إسرائيل للاحتفاظ بمناطق محتلة في شرق هضبة الجولان وجنوبها. إضافة إلى ذلك، هذه الاتفاقات تظهر أن الشرع يعترف بصعوبة إقامة “دولة معظم أقلياتها” باستثناء الأقلية العلوية. سيطمح إلى إدارة دولته بالموافقة وليس السير في طريق الأسد الأب والابن.
لكن هناك عقبات كبيرة قابلة للانفجار، وكل منها قد تبقي هذه الاتفاقات بمثابة أوراق تاريخية تحتوي في داخلها لحظة من الاتفاق الذي لم يتحقق. الاتفاق مع الأكراد يشمل دمج كل المؤسسات العسكرية والمدنية، وكل آبار النفط والمطارات والمعابر الحدودية ووضعها تحت سيطرة الدولة. في المقابل، ربما يحصل الأكراد على حكم ذاتي ثقافي وحصة مناسبة في مؤسسات النظام ووظائف رفيعة في الجيش.
هذه العملية، التي سيحصل الجيش في إطارها على 100 ألف مقاتل كردي تقريباً، إذا انضم إليه المقاتلون الدروز، تعني إقامة جيش وطني موحد بقيادة وطنية متجانسة تضع حداً لمبنى مليشيات لقوات الأمن بقيادة الشرع. العائق الذي أخر انضمام الأكراد للجيش السوري بعد إسقاط نظام الأسد في كانون الأول، هو المطالبة بالحفاظ على إطار خاص بهم داخل الجيش السوري. من غير الواضح إذا تم الاستجابة لمطالب الأكراد، وماذا ستكون طبيعة خضوع القوات الكردية لقوات الجيش الوطني، وهل سيخدم جنودهم في المحافظات الكردية فقط كقوة دفاع أم سيعملون في أرجاء الدولة، وبالأساس كيف يمكن للاتفاق أن يدافع عن السكان الأكراد من هجمات تركيا، التي تعاملت أمس مع الاتفاق بـ “تفاؤل حذر”؟
هنا تكمن نقطة ضعف الاتفاق الأساسية؛ فهو غير منفصل عن الحاجة الكردية لتضمن لنفسها إطاراً دفاعياً ما دامت تركيا هي المسيطر على مناطق كردية وتهاجم أهدافاً ومواقع كردية. سيقتضي هذا الإطار اتفاقاً منفصلاً بين تركيا وسوريا، الذي سيحدد نطاق نشاطات تركيا وطبيعة هذه النشاطات وجدول زمني لانسحابها من سوريا. ساعدت تركيا الشرع بشكل مباشر ونشط في إسقاط نظام الأسد، وأيدته في فترة وجود “هيئة تحرير الشام”، واتحاد مليشيات المتمردين الذي أقامه الشرع وكانت قاعدته المركزية في إدلب. ثم تحولت لتكون حليفة في سوريا عندما جاءت مع رزمة وعود لمساعدة اقتصادية وبناء قوتها العسكرية.
لكن رغم الاتفاق مع الشرع، تعتبر تركيا هذه القوات الكردية التي تدعمها الولايات المتحدة، تنظيماً إرهابياً يهدد أمنها الوطني. وتطالب بنزع سلاحه وإبعاده عن مناطق الحدود. في الوقت نفسه، ثمة تقدير بأن تركيا كانت شريكة، بمعرفة وموافقة، في هذه العملية التي أدت إلى الاتفاق. يمكن الافتراض أيضاً أنها أيدتها لأنها تتساوق مع استراتيجية موازية تديرها. قبل شهر تقريباً، بدأت تركيا في عملية مصالحة مع “حزب العمال الكردستاني”، الذي يعدّ تنظيماً إرهابياً. وتدير ضده منذ الثمانينيات حرباً دموية قتل فيها 40 ألف شخص. قبل أسبوعين، في إطار عملية مصالحة، طالب رئيس حزب العمال الكردستاني، المحكوم بالمؤبد، عبد الله أوجلان، أتباعه بالتخلي عن سلاحهم وحل التنظيم الذي يعمل داخل تركيا ومن قواعد في العراق وشمال سوريا. وافقت قيادة التنظيم على وقف النار، لكنها لم توافق على نزع سلاحها، إلى حين مفاوضات تضمن حقوق الأكراد وتوقف مطاردتهم.
تعتقد تركيا أن إعلان أوجلان موجه للقوات الكردية السورية أيضاً، حيث تعتبرها جزءاً من “قوة الإرهاب” الكردية. ولكن الزعيم الكردي، عبدي، سارع إلى التوضيح بأن دعوة أوجلان لا تتعلق بهم، وأنهم سيواصلون القتال للدفاع عن أراضيهم وطائفتهم. ربما كان هذا رداً إعلانياً مطلوباً، لكن الأكراد في سوريا يعرفون جيداً أنه منذ تتويج ترامب رئيساً، فإن وقف دعم أمريكا لهم وانسحاب القوات الأمريكية من سوريا تبدو مسألة وقت. بدون المساعدة العسكرية والاقتصادية، وإزاء علاقات جيدة بين رئيس تركيا والرئيس الأمريكي، بات على عبدي أن يقرر بسرعة لحماية قواته والطائفة الكردية السورية بشكل عام.
هنا وجد لقاء مصالح بين تطلع الرئيس السوري لتوحيد الدولة وإقامة قوة عسكرية وطنية، وبين حاجات الحماية للطائفة الكردية السورية وقيادتها العسكرية والسياسية، حيث مصالح أمريكية وتركية. مصدر في الإدارة الكردية العراقية، قال إن أكراد سوريا يواجهون معضلة غير محتملة.
“هذه ليست معضلة أن يكونوا أو لا يكونوا، بل كيف سيكونون. واضح أن الركيزة الأمريكية ستتحطم في ظل ترامب، وستحصل تركيا على يد حرة للعمل في شمال سوريا، كما حصلت إسرائيل من ترامب على يد حرة للعمل في غزة”، قال. “المخرج الوحيد أمامهم هو التوصل إلى اتفاق مع النظام الجديد في سوريا، ومحاولة تحقيق كل ما يمكن تحقيقه وبسرعة”. يبدو أن تقدير المصدر الكردي تحقق جزئياً. بدون اتفاق إطار بين سوريا وتركيا وبدون تدخل أمريكا، لا سيما أمام تركيا، حيث يضمن سلامة الأكراد، من الصعوبة حينئذ رؤية كيف يمكن للأكراد تجسيد الإنجازات التي صيغت في الاتفاق الموقع عليه أول أمس.
قصة الاتفاق مع الدروز أيضاً، إذا تم التوقيع حقا على وثيقة رسمية بين قيادة الشرع وقيادتهم، لم تنته بعد. الموقف “الرسمي” الذي يطرحه حكمت الهجري، الذي يعدّ الزعيم البارز والمؤثر من بين الزعماء الثلاثة الروحانيين للطائفة في سوريا، أعلن تأييده لدولة سورية موحدة، ولا يؤيد إقامة كانتون درزي يتمتع بحكم ذاتي. ولكنه اشترط انضمام المليشيات الدرزية للجيش الوطني بأن يتم تشكيل جيش كهذا، مع صياغة دستور يضمن حقوق الدروز. يبدو أن مواقف القيادة الدرزية منقسمة وغير متجانسة، بينها وبين بعض قادة المليشيات الدرزية غير المستعدين لنزع سلاحهم والاعتماد على تعهدات الشرع، الذي عملت قواته ضد الطائفة الدرزية أثناء قيادته لجبهة النصرة.
لكن مؤخراً، أضيف للدروز “قيمة” استراتيجية قد تساعدهم في الحصول على تنازلات وإنجازات أكبر من الشرع. “الحماية” التي ألقتها عليهم إسرائيل بذريعة الدفاع عنهم، التي تستخدم أيضاً كذريعة لسيطرتها على مناطق في جنوب سوريا، تزيد قوة مساومتهم أمام الشرع.
في نهاية المطاف، في الواقع في بدايته، ترى الطائفة الدرزية نفسها جزءاً لا يتجزأ من دولة سوريا، ومستقبلها مرهون بعلاقاتها مع النظام وليس مع إسرائيل. والدليل ما نشر أمس بأن المئات من أبناء الطائفة قرروا التجند في الجيش السوري، وأجريت في الميدان الرئيسي بالسويداء مظاهرات تأييد للاتفاق الذي كما يبدو تم التوقيع عليه. والمطلوب فقط هو التعامل مع مظاهر التأييد بشكل مناسب من التشكك. فهي قد تتبدل بالاحتجاج والتمرد إذا تبين أن الورق الذي كتب عليه الاتفاق لا يترجم إلى إنجازات فعلية تضمن الحقوق السياسية والاقتصادية والثقافية، للدروز.
تسفي برئيل
هآرتس 12/3/2025
القدس العربي
———————-
عقبات مبكرة أمام اتفاق “قسد” ودمشق/ جابر عمر و سلام حسن
13 مارس 2025
لم يكد الرئيس السوري أحمد الشرع وقائد قوات سوريا الديمقراطية (قسد) مظلوم عبدي يوقعان الاتفاق مساء الاثنين الماضي، حتى بدأت تظهر عقبات أمام إمكانية تطبيق اتفاق “قسد” ودمشق بحذافيره وبسرعة، إذ إن تركيا المتوجسة من قوات سوريا الديمقراطية، التي تعتبرها امتداداً لحزب العمال الكردستاني، تمسكت بمواصلة العمليات ضد “قسد”، عبر شن غارات مكثفة على مواقع لهذه القوات في منبج، والتي كانت شنت حملة مداهمات في ريف دير الزور الشرق مستهدفة منازل شبان منضوين في صفوف الجيش السوري.
وبرز أمس الأربعاء تنفيذ سلاح الجو التركي غارات جوية باستخدام صواريخ شديدة الانفجار، استهدفت خلالها مواقع عسكرية تابعة إلى “قسد” في منطقة منبج بريف حلب الشرقي، شمال سورية، فيما أعلن مسؤول في وزارة الدفاع التركية، لوكالة رويترز، أن العمليات ضد المسلحين الأكراد في شمال سورية مستمرة. وقالت مصادر عسكرية، لـ”العربي الجديد”، إن الطائرات الحربية التركية استهدفت بنحو 10 غارات، استخدمت خلالها صواريخ شديدة الانفجار، مواقع عسكرية تابعة لـ”قسد” في قرية الشواخ بريف مدينة منبج شرقي محافظة حلب، ما أدى إلى وقوع قتلى وجرحى.
ولفتت المصادر إلى أن القصف التركي جاء رداً على اشتباكات عنيفة وقعت ليل الثلاثاء وفجر أمس الأربعاء بين “قسد” من جهة، وفصائل الجيش الوطني السوري المدعومة من تركيا من جهة أخرى، على جبهة جسر قره قوزاق وسد تشرين في محيط مدينة منبج، شرقي محافظة حلب. وكانت الطائرات الحربية التركية نفذت ليل الثلاثاء سبع غارات مستهدفة مواقع لـ”قسد” في محيط سد تشرين بريف حلب الشرقي، ما أسفر عن وقوع قتلى وجرحى في صفوف القوات المستهدفة.
وكانت “قسد” قد شنت حملة مداهمات في ريف دير الزور الشرقي، استهدفت منازل عدد من الشبان المنضمين إلى صفوف الجيش السوري. وقال الناشط في دير الزور وسام العكيدي، لـ”العربي الجديد”، إن اشتباكات اندلعت بين الأهالي وأفراد دورية تابعة لـ”قسد” عقب مداهمتهم منازل مقاتلين من الجيش السوري دخلوا من بادية الشامية التي تُسيطر عليها قوات الحكومة السورية، إلى مناطق سيطرة الأكراد (بادية الجزيرة) عبر ضفاف نهر الفرات، دون تنسيق مسبق مع القوات الكردية.
تواصل التوتر رغم اتفاق “قسد” ودمشق
وجاء تواصل التوتر على الرغم من توقيع الشرع وعبدي، في دمشق الاثنين الماضي، اتفاقاً يقضي بدمج كل المؤسسات المدنية والعسكرية شمال شرقي سورية في إطار الدولة السورية، بما فيها المعابر الحدودية، والمطار، وحقول النفط والغاز، توجهت الأنظار إلى تركيا المعنية بشرق الفرات وتهدد دوماً بأعمال عسكرية تهدف إلى نزع سلاح “وحدات الحماية الكردية” باعتبارها امتداداً لحزب العمال الكردستاني وتحظرها في البلاد. التوقيع على اتفاق “قسد” ودمشق الذي وصف بالإنجاز المهم، لاقى رد فعل إيجابياً من قبل أنقرة، حيث اعتبر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في إفطار في أنقرة، أول من أمس الثلاثاء، أن تطبيقه سيكون في خدمة سورية.
وقال وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، في بيان أمس الأربعاء، إنّ “الولايات المتّحدة ترحّب بالاتفاق الذي تمّ الإعلان عنه مؤخراً بين السلطات السورية المؤقتة وقوات سوريا الديمقراطية لدمج الشمال الشرقي في سورية موحدة”. وأكد دعم بلاده لعملية انتقال سياسي في سورية “تضمن حوكمة ذات مصداقية وغير طائفية”، باعتبارها المسار الأمثل لتجنب مزيد من الصراعات. وأضاف أن واشنطن ستواصل متابعة القرارات التي تتخذها الإدارة السورية، معرباً عن قلقه إزاء ما أسماه “أعمال العنف المميتة الأخيرة ضد الأقليات”.
ورحب مبعوث الأمم المتحدة غير بيدرسن، على منصة إكس أمس الأربعاء، بالاتفاق، معرباً عن أمله أن “يُسهم في عملية انتقال سياسي أوسع وموثوق وشامل، تماشياً مع المبادئ الأساسية لقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2254، بما في ذلك الدستور الجديد وإجراء انتخابات حرة ونزيهة”.
عناصر من قوات قسد في شمال شرق سورية، 25 يناير 2022 (فرانس برس)
مصادر تركية رفيعة المستوى تحدثت لـ”العربي الجديد” عن الرؤية التركية بشأن اتفاق “قسد” ودمشق خاصة أن أنقرة معنية به بأشكال عدة، وسبق أن كشفت عن خطط لتأهيل قوات الجيش السوري، مشيرة إلى أن الجو العام يفيد بتفاؤل إيجابي حذر، مشددة على أن أنقرة مهتمة بالتطبيق الكامل للاتفاق وما سيظهر على الأرض، أي أن النتائج هي الأهم. وأضافت أن “الاتفاق يتضمن الكثير من مطالب أنقرة، ولكن يجب ألا تبقى حبراً على ورق، بل يجب ترجمة ذلك على أرض الواقع”. وتابعت أن “موقف تركيا واضح، والتعويل على الطرف الموقع، وهو تنظيم مصنف أنه إرهابي لا يعول عليه ودائم التراجع عن تعهدات سابقة، ومن المهم معرفة رأي العناصر التركية في (حزب العمال) الكردستاني، مثل فهمان حسين (اسم الحركي باهوز إردال) والمرتبطين به، حيث تراقب أنقرة هذه المواقف، وهل ستكون هناك خطوات منسقة بين أطراف هذه التنظيمات”.
أنقرة مهتمة بالمادة الرابعة
وشددت المصادر على أن أنقرة مهتمة بالمادة الرابعة من اتفاق “قسد” ودمشق التي ترتبط باندماج جميع المؤسسات بالدولة السورية، على اعتبار ما تحمله من اعتراف بالحكم المركزي في دمشق، لكنها أشارت إلى أن هناك خشية من انتهاء “قسد” شكلياً وبقائها فعلياً بأشكال أخرى ما قد يؤدي إلى تقديمها مطالب تحت تهديد السلاح. ولفتت إلى أن أنقرة تراقب ما إذا ما كانت مسألة الاندماج العسكري ستراعي التراتبية العسكرية للقيادة من دون اللجوء إلى أي تحركات منفردة، مشددة على أن جميع هذه القضايا مهمة لمعرفة مسار التطبيق، موضحة أن دمشق لديها خطوط حمراء ترتبط بعدم وجود دولة داخل الدولة ولا جيش داخل الجيش، وهو ما تؤيده أنقرة.
وحول دور تركيا وموقفها في ما يتعلق بتأهيل الجيش السوري الجديد، قالت المصادر إن “مسألة إعادة تأهيل القوات المسلحة مسار مستمر ضمن مشاورات مع الحكومة في دمشق، وينتظر أن تقدم أنقرة على هذه الخطوات، وإن بدأت مسألة التأهيل ستكون لقوات الجيش (بمكوناته الحالية) لحين استكمال خطوات تنفيذ اتفاق “قسد” ودمشق وبناء عليه سيتم تطوير مواقف جديدة بخصوص تأهيل الجيش مع معرفة مصير القوى المسلحة لدى قسد”. وأكدت المصادر أن “المادة الأولى من الاتفاق أيضاً مهمة بالنسبة لتركيا، وهي مسألة ضمان حقوق الأعراق والأقليات، بسبب مطالبة قسد بمحاصصة في الحكومة في المؤسسات كما يحصل في العراق، وهذه المادة تقطع الطريق أمام هذا الأمر”.
أسباب فتحت الطريق أمام الاتفاق
ورأت المصادر أن هناك عدة أسباب فتحت الطريق أمام اتفاق “قسد” ودمشق بينها خطوات تركيا في مكافحة الإرهاب في العراق وسورية وقطع الطريق الواصل بين العراق وسورية أمام حزب العمال الكردستاني، فضلاً عن الواقع الجديد في سورية ودور العشائر وضغوطها على “قسد”، معتبرة أن الجهود الدبلوماسية التركية ساهمت بسحب الأوراق من قوات سوريا الديمقراطية، وخاصة في ما يتعلق بسجون تنظيم داعش، اضافة إلى أن اجتماع عمان لدول جوار سورية، وهي الأردن والعراق وتركيا ولبنان، أخيراً أدى دوراً مهماً في التنسيق بين الدول الخمس. واعتبرت أن كل هذه التطورات أجبرت عبدي على التوقيع على الاتفاقية بعد لقاء قائد قوات سنتكوم” الجنرال مايكل كوريلا.
ومن اللافت أن خطوة التوقيع على اتفاق “قسد” ودمشق جاءت بعد نحو أسبوعين من دعوة مؤسس حزب العمال الكردستاني المسجون عبد الله أوجلان لحزب العمال الكردستاني بحل نفسه وإلقاء سلاحه، وهو ما اعتبرت السلطات التركية أنه يشمل “وحدات الحماية” الكردية في سورية، فيما ترك حزب “ديم” الكردي الأمر لقوات سوريا الديمقراطية. وعقب اتفاق “قسد” ودمشق قال الرئيس المشترك لحزب “ديم” التركي الكردي تونجر بقرهان، في مؤتمر صحافي في ديار بكر أول من أمس الثلاثاء، إنه “يمكن قراءة بناء سورية الديمقراطية في هذا الاتفاق، وهو ما سيجلب أكبر فائدة لتركيا”، موضحاً أن أعضاء في الحزب سيقومون بزيارة سورية قريباً، موضحاً أن اتفاق الشرع – عبدي سيسهل عليهم هذا الأمر.
وعن كيفية قراءة تركيا اتفاق الشرع – عبدي وإن كان لها دور فيه خصوصاً أنه يُنتظر منها إعادة هيكلة الجيش السوري الجديد، قال الكاتب والباحث طه عودة أوغلو، لـ”العربي الجديد”، إن اتفاق الشرع – عبدي “مهم ويمثل تحولاً استراتيجياً في المشهد السوري بتوقيته ودلالاته، فهو جاء بعد أيام قليلة من أحداث الساحل السوري، وإعلان أوجلان التاريخي”. وأضاف: “من دون شك تركيا كانت على اطلاع على اتفاق الشرع – عبدي والترحيب به جاء حذراً، لأن تركيا تنظر له بشكل إيجابي لكن الأهم هو تنفيذ آليات الاتفاق، والعديد من البنود”. وأوضح أن “أنقرة توقفت عند البند الرابع في الاتفاق الخاص بدمج المؤسسات في الدولة، لكنها ستنتظر الفترة المقبلة” لمعرفة كيفية التطبيق.
وعن كيفية تعامل تركيا مع عناصر “قسد” في حال اندمجوا في الجيش الجديد، وتبددت المخاوف التركية بهذا الاتفاق، أعلن عودة أوغلو أن “المخاوف التركية لم تتبدد حتى اللحظة، فهناك بعض الأمور الغامضة. الاتفاق جيد ولكن هناك تفاصيل غير واضحة بشأن آليات التطبيق والاندماج وعودة الحكومة” لشمال شرق سورية. وأضاف: “عموماً أنقرة تراه مكسباً لها، خاصة أنه تحقق بعد فترة من إعلان أوجلان، إلا أنها تتريث لرؤية النتائج وهناك خشية من كسب الوقت من قسد والإدارة الأميركية، في ظل لقاءات مستمرة تتناول هذا الموضوع”. واعتبر أن “العوامل الإقليمية والدولية ساهمت في التوصل إلى اتفاق الشرع – عبدي واعتقد أن تحديات كبيرة ستواجه الاتفاق والمتعلقة بالمطلب التركي بإبعاد العناصر الأجنبية في الكردستاني إذ إن عملية الدمج ستكون دقيقة جداً”.
من ناحيته، قال الكاتب الكردي فايق بولوط، في حديث لـ”العربي الجديد”، إن “تركيا كانت مستاءة ولم ترغب بهذا الاتفاق، ولكنها وافقت، اعتباراً من فبراير/شباط الماضي وبوساطة أميركية وبريطانية، على الحوار بين الشرع وعبدي لحل المشاكل”. وتابع: “أعتقد أنه يوجد عناصر منفلتة من تركيا والجيش الوطني لا تريد اتفاق الشرع – عبدي لكن هذا الأمر لا يمنع تطبيق الاتفاق، عبر اعتماد نموذج كردستان (العراق)، حيث تتمركز القوات الكردية والعراقية في منطقة واحدة”.
العربي الجديد
———————–
كيف تنجو سوريا من «نظام الأبد»؟
شهدت سوريا، منذ السادس من الشهر الحالي، تدهورا أمنيا غير مسبوق، أدى إلى أسوأ موجة عنف منذ سقوط نظام بشار الأسد في 8 كانون أول/ ديسمبر الماضي. بدأت الأحداث مع قيام مجموعات مسلحة مرتبطة بالنظام السابق بهجمات واسعة منسقة مما أطلق عمليات دفاعية للقوات الحكومية شاركت فيها فصائل عسكرية محلية، وتنظيمات إسلامية أجنبية، بالإضافة إلى مجموعات محلية من المدنيين المسلحين الذين قدموا لدعم القوات الحكومية. تطوّرت عمليات ملاحقة المهاجمين من الموالين للأسد إلى مواجهات عنيفة ارتكبت خلالها انتهاكات جسيمة بطابع انتقامي وطائفي.
حسب «الشبكة السورية لحقوق الإنسان» فقد كان للفصائل المحلية والتنظيمات الإسلامية الأجنبية التابعة شكليا لوزارة الدفاع الدور الأبرز في ارتكابها. شمل ذلك عمليات قتل جماعي ممنهجة، واستهداف المدنيين، بمن فيهم أفراد طواقم طبية وإعلامية وعاملين في المجال الإنساني، كما طالت الانتهاكات المرافق العامة وعشرات الممتلكات العامة والخاصة، متسببة في موجات نزوح قسري طالت مئات السكان، ووثقت الشبكة عدد القتلى بين 6 و10 آذار/مارس بـ 803 أشخاص قتلوا «خارج نطاق القانون» بينهم 39 طفلا و49 سيدة، و27 من الكوادر الطبية وذلك في محافظات اللاذقية وحماة وطرطوس وحمص، فيما قدّر «المرصد السوري لحقوق الإنسان» حصيلة القتلى، حتى أمس الأربعاء، بـ1383 «غالبيتهم العظمى من العلويين».
تمثّل أحداث العنف الجارية في سوريا انفجارا فظيعا، إلى حدّ كبير، لتفاعل عوامل تراكمت خلال أكثر من نصف قرن من حكم طغيان الأسدين، الأب حافظ، والابن بشار، و14 عاما من الإجرام المهول ضد الثورة الشعبية السورية عام 2011، شكّلت الطائفية إحدى أدواته التي استهدفت بشكل ممنهج ومتقصد المكوّن الاجتماعي السنّي الذي قتلت وعذبت واختطفت منه مئات الآلاف، ودمّرت حواضره ومدنه وبلداته وقراه، ودفعت الملايين إلى اللجوء والنزوح.
أدى هذا التسعير الطائفي للسياسة والاجتماع السوريين، وانعدام الأمل بحماية دولية للسوريين (وخصوصا بعد تراجع الرئيس الأمريكي باراك أوباما عن «خطّه الأحمر» فيما يخص استخدام نظام الأسد الأسلحة الكيميائية) وإحباط جمهور الثورة من إمكانيات التغيير، في اشتداد نزعات التطرّف الديني، والوعي الطائفي، واستقواء الاتجاهات الجهادية الراديكالية، وتضافر ذلك مع عقابيل الاحتلال الأمريكي للعراق، والحرب الطائفية بين الشيعة والسنة التي تبعته، في تعزز شعبية تنظيم «القاعدة» وخلفه تنظيم «الدولة الإسلامية» الذي اجتاح شمال شرق سوريا وأعلن «خلافة» في مدينة الرقة عام 2014.
معلوم أن الرئيس السوري الحالي أحمد الشرع كان أحد «المجاهدين» الذين ذهبوا للعراق لقتال الأمريكيين وأنه بعد سجنه وإطلاق سراحه عاد إلى سوريا مع أشخاص قلائل حيث أنشأ تنظيما سلفيا مسلّحا («جبهة النصرة») ثم أعلن على التوالي انشقاقه عن تنظيمي «الدولة» و«القاعدة» (وحربه عليهما) واتخاذه اسم «هيئة تحرير الشام» التي صارت أكبر الفصائل التي حكمت محافظة إدلب وصولا إلى هجومها الكبير الذي قضى على نظام الأسد.
يظهر التدرّج الزمنيّ الآنف مسارا معقدا للتطوّر من «الجهاد ضد الاحتلال» والتطرّف السلفيّ المسلّح الكاره للعالم، إلى تصالح للتديّن الشعبي مع الوطنية السورية والعداء لنظام الأسد، وهو مسار ما زال يتطوّر باطراد، ولكن ليس من دون عوائق كبرى، داخلية، كما حصل في هجوم الفلول، أو خارجية، وهو ما تمثّله هجمات وتوغلات وتهديدات إسرائيل.
لا تصلح «جهادية» وسلفية «هيئة التحرير» والفصائل الإسلامية الأخرى، لتفسير ما يحصل حاليا، فنظام الأسد المخلوع، «العلماني» و«القومي» و«الحداثي» كما اعتادت أدبيات غربية وعربية على وصفه، كان، إضافة إلى تغوّله الطائفي، نظاما إباديا بالتعريف (يتحدث «حفار القبور» الذي شهد في محكمة ألمانية أن النظام كان يدفن قرابة 7000 شخص كل أسبوع يتم تجميعهم من سجونه ومراكز اعتقاله) كما أن أغلب التيارات السياسية العربية، قومية وشيوعية وإسلامية، تسببت بمجازر.
تشير الخطوات السريعة التي اتخذتها السلطات السورية الحالية، من إعلان لجنة للسلم الأهلي ولجنة للتحقيق في أحداث العنف الأخيرة، إلى افتراق ملحوظ عن النظام السابق، كما تشير الخطوات السياسية، السريعة أيضا، من إعلان اتفاق أولي مع الأكراد، و«محضر تفاهم» مع دروز السويداء، إلى اتجاه محمود إلى التعاطي مع المكونات السورية يقطع بشكل كبير مع ممارسات نصف القرن الماضي لحكم الأسدين.
يرغب السوريون في دولة تمثّلهم وتضمّهم جميعا، بمن فيهم العلويون والدروز والأكراد وباقي المكونات الدينية والإثنية، ويتحوّل فيها السنّة من طائفة وعصبية (بسبب مقتضيات الصراع) إلى جزء من المكوّن العام، يسهم في ضمان العدالة والتنمية والاستقرار، ليس بالمحاصصة واتفاقات الطوائف، بل بنظام مدني ديمقراطي ليعيد سوريا إلى سكّتها التاريخية العظيمة ويشرك الجميع في البناء ويوفر آليات الحراك السياسي والاقتصادي والاجتماعي وينهي «نظام الأبد» الأسدي إلى الأبد.
القدس العربي
——————
اتفاق دمشق مع قسد.. تركيا حذرة ومستعدة ميدانياً/ فراس فحام
الخميس 2025/03/13
اتضحت كواليس توقيع الاتفاق بين الحكومة السورية وقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، حيث أوضح مسؤولون في وزارة الدفاع الأميركية أن قائد القيادة الوسطى في الجيش الأميركي، ساهم بدفع قسد لتوقيع الاتفاقية، بالمقابل تدرّج الموقف التركي المعلن بين التفاؤل الحذر، وتأييد تطبيق الاتفاق واعتبار تنفيذه يصب في مصلحة السوريين.
مكاسب أولية تركية
وفقاً لما رشح من معلومات، فإن الجهد الذي بُذل من أجل التوصل إلى الاتفاق بين دمشق وقسد، كان أميركياً بالدرجة الأولى، ومرتبط بحسابات واشنطن ورغبتها في تعزيز الاستقرار من أجل خلق أرضية مناسبة لإعادة انتشارها في سوريا.
بالمقابل، فإن الترحيب الحذر التركي بالاتفاقية نابع من شعورها بتوفير الاتفاقية بعض متطلبات الأمن القومي التركي، حيث نصّ على وحدة الأراضي السورية، بالإضافة إلى الإشارة لاندماج قسد ضمن مؤسسات الدولة، وهي مطالب نادت بها أنقرة ودعمتها طيلة الفترة السابقة.
من جهة أخرى، فإن دفع واشنطن قائد قسد مظلوم عبدي للتوقيع مع أحمد الشرع بصفته رئيساً لسوريا، يعني بطبيعة الحال إقراراً أميركيا بالوضع الراهن في سوريا، وهذا تطور إيجابي بالنسبة لأنقرة التي تتعامل مع الإدارة السورية الجديدة على أنها صديقة، كما أنه يفتح الباب لموافقة واشنطن لاحقاً على تسلم الجانب الحكومي السوري لملف سجناء تنظيم داعش، وهي الورقة التي عملت قسد على ابتزاز المجتمع الدولي بها.
المكسب الثالث غير المباشر بالنسبة لأنقرة، تعزيز حالة الانقسام داخل قسد التي تضم أجنحة متعددة، حيث يُعتبر عبدي قريباً من واشنطن، ويسعى للتحرر من هيمنة عناصر حزب العمال الكردستاني، بالمقابل يوجد تيارات أخرى مثل شبيبة الثورة وجناح إلهام أحمد، وهؤلاء أقرب إلى موقف العمال الكردستاني.
وظهر الانقسام بشكل واضح من خلال تسيير مظاهرات في الرقة والحسكة مناهضة لحكومة دمشق، أشرفت عليها كوادر شبيبة الثورة، حيث تفيد المعلومات بأن الشبيبة نظرت إلى الاتفاقية على أنها تنازل من عبدي لصالح دمشق، خصوصاً فيما يتعلق باستعمال مصطلح “المجتمع الكردي” بدلاً من “الشعب الكردي”، وخلو الاتفاق من الإشارة إلى اللامركزية.
شكوك حول إمكانية التنفيذ
من الواضح وجود حالة من التشكيك بإمكانية تنفيذ الاتفاقية من طرف قسد، وهذا يتضح من خلال اللهجة التي رحبت بها تركيا بالاتفاقية، والسلوك الميداني.
وعلى الرغم من توقيع الاتفاقية التي تنص على وقف إطلاق النار في كامل الأراضي السورية، لكن الغارات الجوية والقصف المدفع التركي مستمر على مواقع قسد شمال شرق محافظة حلب، على المنطقة القريبة من سد تشرين بريف منبج.
وتفيد المعلومات بأن الحشود العسكرية التركية في المنطقة المذكورة لا تزال مستمرة، ولم يطرأ متغيرات على وضع غرفة العمليات المشتركة بين الجيش التركي والفصائل السورية المتحالفة مع أنقرة، والتي كانت تعمل سابقاً تحت مسمى الجيش الوطني السوري.
ويدور الحديث في الأوساط التركية عن وجود قرابة ألفي عنصر مرتبطين بحزب العمال الكردستاني، ضمن المناطق الخاضعة لسيطرة قسد، وبالتالي قد يتمكون بالفعل من إعاقة تنفيذ الاتفاق، كما أن أنقرة غير متأكدة فيما يبدو من الطريقة التي ستندمج بها قسد ضمن الجيش السوري، نظراً لخلو الاتفاق من تحديد آلية الاندماج، حيث ترفض أنقرة بقاء قسد كتلة واحدة ضمن الجيش، وترى أن حفظ أمنها القومي يتطلب حل التنظيم ودخوله أفراداً ضمن المؤسسات السورية.
السيناريو المرجح
في ظل المعطيات السابقة، فإن السيناريو المرجح بخصوص التعاطي التركي مع الاتفاق هو التأكيد على الموقف السياسي المرحب بحل معضلة شمال شرق سوريا سياسياً بما يحفظ وحدة الأراضي السورية، لكن بالمقابل استمرار النشاط العسكري والأمني الذي يستهدف كوادر حزب العمال الكردستاني بشكل أساسي، وهذا السلوك قد يحظى بالقبول لدى الجانب الأميركي لأنه سيساهم في إضعاف تيار العمال الكردستاني، وتحرير إرادة مظلوم عبدي بشكل أكبر وتسهيل تنفيذ المتفق عليه بشكل تدريجي، وضمن إطار زمني قد يمتد لأشهر أو أكثر من سنة.
المدن
—————————-
“كاميرا خفيّة” أم “جبر خواطر”؟/ أحمد عمر
13 مارس 2025
نام صاحبكم، في ساعات الفجر الثاني، ليلة الثامن من رمضان على كوابيس، وقد تقرّحت أجفانه بعد إعلان الفلول “درع الساحل”، وتردّد اسم إيران وروسيا، وأسماء دول عربية متربّصة بالثورة السورية المنتصرة، وهي دولٌ تعطينا من طرف اللسان حلاوةً، وتروغ منا كما يروغ الثعلب، وقرأ ذو الأجفان المسهدة في صفحات إعلاميين مشاهير، وصحافيين كبار، أن القيادة السورية وقعت في مصيدة الأقلّيات “المقدّسة”، وقرأ “المواطن الضلّيل” لرئيس تحرير صحيفة عربي تعليقاً بأنفاس رثاء الأندلس، قال فيه: وداعاً سورية، وسمع “تأبّط حزناً” تعليقات لمشاهير لهم أتباع ومشاهدين أكثر من مشاهدي الحلبة الإسبانية، بأنهم سيحرّرون دمشق من مغتصبيها، ويعيدونها إلى أيّام حكم الأسد السعيدة، وزمان الأمن والاستقرار، وتردّد خبر أن مجلس الأمن سيعقد قريباً لإصدار قانون قيصر 2، فابتهج القوم وصفّقوا، غير مبالين سوى بفقاعات القلوب في “فيسبوك”، حتى كشفت الوقائع أنهم ليسوا سوى عجيان يقدّمون عروض سيرك لا تحليلات سياسية.
استيقظ صاحبُكم في اليوم التالي ليجد إعلاناً رسمياً سورياً بانتهاء العمليات العسكرية، وتطهير الساحل من حيتان القرش وأسماك الصندوق السامة، وإعلان استباب الأمن من جديد. وفي مساء اليوم، جفل صاحبُكم من خبر سعيد، غير خبر صيد حيتان الساحل، وفشل عروض سيرك وسائل التواصل الاجتماعي، خبر توقيع الرئيس أحمد الشرع مع الجنرال مظلوم عبدي اتفاق اندماج، وتُظهر الأشعة السينية ظلال ترامب وأردوغان وراء التوقيع، وكنّا قد سمعنا عن اشتباكاتٍ بين مقاتلين (ليلة أمس) في الأشرفية، بين الجيش السوري ومقاتلين من قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وقرأنا أخباراً عن إغاثة قسدية لفلول الأسد، فعجبنا أشدّ العجب، بل إنّ طلب مظلوم عبدي من الرئيس الشرع، قبل ليلة التوقيع، التحقيق في الانتهاكات، ظاهره الشماتة، وباطنه أيضاً، فمن يفسّر لنا “التكويع” الكبير؟
تساق تفسيرات لهذا الانعطاف المفاجئ، الذي أسعد السوريين عرباً وكرداً، وامتدّ إلى بلدان الوطن العربي، مثل تفسيره بالعزم التركي على تأمين حدوده، وعمله على أمنه القومي بالنيران والسياسة، ودأبه على حلّ مشكلة حزب العمّال الكردي، وبروز رغبة صادقة لدى ترامب بالانسحاب من سورية، وتخفيف تكاليف المهام الخارجية، وابتهاج الاتحاد الأوروبي بعمليات القيادة السورية الجديدة ضدّ الفلول المدعومة من إيران وروسيا المعاديتَين للغرب، وانحباس “قسد” في الجزيرة السورية بعد انقطاع الأجور والرواتب من المركز في دمشق الجديدة، وتململ أعضاء “قسد” العرب، وتعطّل دوائر الدولة والمؤسّسات الاجتماعية والتربوية، وهزيمة الفلول في الساحل، وتحطّم درع الساحل، وانكسار “قسد” في الأشرفية، وتداعيات خطاب أوجلان، الذي أمر أتباعه بحلّ الحزب، وخوف قيادات “قسد” من تغيّر الموقف الأميركي، الذي لا يزال فيه رمقٌ أخير، ووصية مسعود البارزاني، شيخ الكرد وكبيرهم، قادة “قسد” بحلّ مشكلتهم في دمشق، فسارعت قيادة “قسد” إلى الاستسلام للقيادة السورية، التي التفّ حولها الشعب السوري، يضاف إليه يقينٌ خفيٌّ لدى قادة “قسد” باضطراب الدعم الإسرائيلي الموعود وختله، فهو محفوفٌ بالغدر، فإسرائيل قتلت جنودها ومواطنيها في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول (2023)، حسب تحقيقات صحيفة إسرائيلية وصحيفة أميركية، وقد اجتمع الشعب السوري حول قيادته، وتطوّع عشرات آلاف من الشبان ليلة “درع الساحل” لمقاومة الفلول، الذين خسروا المعركة في مدّة قصيرة، وإن المتمرّدين هزموا وهم أبناء غابات وجبال ومغاور، فكيف ستكون الحرب في سهول الجزيرة المبسوطة كراحة اليد.
إمّا أن أحمد الشرع يدبّر برامج “كاميرا خفية” ثورية وسياسية ودولية، أو أنه يعمل برنامج “جبر خواطر” شعبي ودولي، وقد وجدنا فرحةَ سورية وبهجةً أكبر من فرحة يوم التحرير، إلا المكابرين المجاحدين من كهنة وسائل التواصل، الذين وجدوا أنفسهم في حيص بيص، وشرم برم معاً، فوقع الجاحدون في حيرة من أمرهم، عاجزين عن العودة إلى الخلف، في الشارع الضيّق “اتجاه واحد”، الذي حشروا أنفسهم فيه، إنّ بعد العسر يسراً، ثمّ إنّ بعد العسر يسرا.
إذا أقبلت باض الحمام على الوتد، وإذا أدبرت بال الحمار على الأسد. وقد أقبلت على الشعب السوري، وأدبرت للأسد، الذي صدق فيه عجز البيت الشعري المذكور.
العربي الجديد
——————————
“رويترز”: واشنطن دفعت “قسد” للاتفاق مع دمشق والبنتاغون بدأ بوضع خطط للانسحاب
2025.03.12
كشفت مصادر دبلوماسية واستخبارية أميركية وسورية وإقليمية أن الولايات المتحدة الأميركية لعبت دوراً محورياً في اتفاق “قوات سوريا الديمقراطية” مع الحكومة السورية، فيما ذكر مسؤولون أميركيون أن وزارة الدفاع الأميركية بدأت بوضع خطط لانسحاب محتمل من سوريا في حال صدرت الأوامر بذلك.
ونقلت وكالة “رويترز” عن ستة مصادر قولها إن الولايات المتحدة الأميركية شجعت حلفاءها الأكراد السوريين على التوصل إلى اتفاق تاريخي مع الحكومة السورية، في اتفاق قد يمنع مزيدا من الصراع في شمالي سوريا.
وقالت ثلاثة مصادر إن قائد “قوات سوريا الديمقراطية”، مظلوم عبدي، سافر إلى دمشق لحضور توقيع الاتفاق، مع الرئيس السوري، أحمد الشرع، على متن طائرة عسكرية أميركية.
وذكر ثلاثة مسؤولون أميركيون إن الولايات المتحدة شجعت “قوات سوريا الديمقراطية” على التحرك نحو اتفاق لحل وضعها في سوريا الجديدة، وهي محور المحادثات متعددة المسارات التي بدأت بعد الإطاحة برئيس النظام المخلوع، بشار الأسد، في كانون الأول الماضي.
وقال مصدر استخباري إقليمي كبير إن “الولايات المتحدة لعبت دورا حاسما للغاية”، في حين أشارت أربعة مصادر، من بينها مصدر مقرب من الحكومة السورية، إلى أن “العنف الطائفي كان له دور في تأخير التوصل إلى الاتفاق”.
وتوقع المصدر الاستخباري ودبلوماسي آخر مقيم في دمشق أن يخفف الاتفاق الضغط العسكري التركي على “قوات سوريا الديمقراطية”، التي تعتبرها أنقرة امتداداً لحزب “العمال الكردستاني”، رغم أنها رحّبت بالاتفاق.
وأكد مسؤول في الحكومة السورية لـ “رويترز” أن الرئاسة “ستعمل على معالجة القضايا العالقة بين قوات سوريا الديمقراطية وتركيا”.
البنتاغون بدأ بوضع خطط للانسحاب
من جانب آخر، قال مسؤولون أميركيون لـ “رويترز” إن وزارة الدفاع الأميركية بدأت في وضع خطط لانسحاب محتمل من سوريا، إذا ما صدر أمر بذلك، وذلك قبل اتخاذ أي قرارات سياسية بشأن سوريا.
ومع ذلك، قال مسؤول دفاعي أميركي للوكالة إنه “لا توجد أي مؤشرات على أن الانسحاب وشيك”.
وأضاف المسؤول الدفاعي الأميركي أن قائد القيادة المركزية الأميركية، الجنرال مايكل كوريلا، ساعد في دفع “قوات سوريا الديمقراطية” نحو الاتفاق، لكن الاتفاق يتحرك بالفعل إلى الأمام.
وقال المسؤول الدفاعي الأميركي إن “التفكير في الإدارة الأميركية هو أن قوات سوريا الديمقراطية من غير المرجح أن تحتفظ بأراضيها على المدى الطويل، إذا واجهت ضغوطاً من تركيا والحكومة السورية الجديدة مجتمعتين”.
ونقلت “رويترز” عن آرون لوند، من في مركز “سينشري إنترناشونال”، وهو مركز أبحاث مقره الولايات المتحدة، قوله إن “الولايات المتحدة تبحث عن سبل للانسحاب من سوريا دون فوضى أو عواقب وخيمة، وأفضل سبيل لتحقيق ذلك هو التوصل إلى اتفاق بين الفصائل السورية”.
وأوضح لوند أن “التسليم التفاوضي أمر منطقي بالنسبة للولايات المتحدة”، مشيراً إلى أنه “الخيار الأمثل لواشنطن لتجنب الصراع بين القوات التي يقودها الأكراد والحكومة الجديدة في دمشق، ولمنع أي هجوم تركي عبر الحدود”.
ورغم أن وزير الخارجية الأميركي، ماركو روبيو، رحب بالاتفاق، رفض الجيش الأميركي التعليق على جميع جوانب الاتفاق، بما في ذلك أي دور ربما لعبه في تشجيع المحادثات، أو ما إذا كان قد قدم وسائل النقل إلى عبدي للوصول إلى دمشق.
وأكد الدبلوماسي التركي السابق والخبير في الشؤون السورية، إردم أوزان، أن الاتفاق يفيد الطرفين، مشيراً إلى أن “الشرع يكتسب مساحةً سياسيةً للتنفس بعد الاضطرابات الأخيرة في المنطقة الساحلية، في حين تتجنب قوات سوريا الديمقراطية الصدام المباشر مع تركيا، في وقتٍ لا تزال فيه السياسة الأميركية تجاه سوريا غامضة”.
—————————-
تشكيل اللجنة المركزية المعنية بتنفيذ اتفاق دمشق وقسد.. ماتفاصيلها؟
2025.03.13
قال مصدر خاص لموقع “تلفزيون سوريا” إن لجنة مركزية تضم ثمانية أعضاء، تشكلت لتنفيذ اتفاق الحكومة السورية مع قوات سوريا الديمقراطية (قسد).
وأوضح المصدر أن اللجنة تنقسم مناصفة، حيث يمثل أربعة أعضاء الحكومة السورية، وأربعة يمثلون عن قسد، مشيراً إلى أن لجاناً تخصصية عسكرية وأمنية ومدنية ستنبثق عنها، وسيتم الإعلان عنها خلال الأيام المقبلة، وفقاً للمصدر.
قسد: الاتفاق يعزز وحدة سوريا ويضمن تمثيل الجميع
وكان الناطق باسم “قوات الشمال الديمقراطي” التابعة لقسد، محمود حبيب، أكد أن الاتفاق يشمل تشكيل ثماني لجان ستبحث القضايا الأمنية والعسكرية والإدارية والحكومية، مشيراً إلى أن الهدف هو الوصول إلى “نهاية تسعد الجميع، دون غالب أو مغلوب”.
وفي حديث لقناة “المملكة” الأردنية، شدد حبيب على أن الاتفاق يؤكد وحدة الأراضي السورية ووحدة القوة العسكرية، بعد إدماج قسد ضمن وزارة الدفاع السورية. واعتبر أن الترحيب الشعبي بالاتفاق ظهر خلال الاحتفالات في الشوارع، لما له من أهمية وطنية.
وأضاف أن قوات الشمال الديمقراطي ستكون جزءاً من وزارة الدفاع السورية، لافتاً إلى أن المنطقة التي تسيطر عليها قسد تضم قرابة ثلثي الأراضي السورية، وتحتوي على معتقلات لأفراد من تنظيم داعش ومخيمات لعوائلهم.
وأشار حبيب إلى أن المنطقة يقطنها نحو ستة ملايين شخص، ولها حدود مع العراق وتركيا، مما يتطلب إمكانيات عسكرية وأمنية كبيرة لتأمينها.
وكشف حبيب أن قسد طالبت بإنشاء محكمة دولية لمحاكمة أفراد تنظيم داعش المحتجزين لديها، لافتاً إلى أنهم ينتمون إلى 60 جنسية مختلفة، ويجب محاكمتهم على جرائم الإرهاب التي ارتكبوها.
تفاصيل الاتفاق بين دمشق وقسد
وأعلنت الرئاسة السورية، الإثنين الماضي، توقيع اتفاق بين الحكومة السورية وقوات سوريا الديمقراطية، ينص على دمج المؤسسات المدنية والعسكرية في شمال شرقي سوريا ضمن مؤسسات الدولة السورية، مع التأكيد على وحدة الأراضي السورية ورفض أي محاولات للتقسيم.
وشمل الاتفاق، الذي وقّعه الرئيس أحمد الشرع وقائد قسد مظلوم عبدي، ثمانية بنود رئيسية، منها ضمان تمثيل جميع السوريين سياسياً وفق الكفاءة، والاعتراف بالمجتمع الكردي كمكون أصيل في الدولة، وضمان حقوقه الدستورية.
كما نص الاتفاق على وقف إطلاق النار في جميع أنحاء البلاد، ودمج المعابر الحدودية والمطارات وحقول النفط والغاز ضمن إدارة الدولة السورية، إلى جانب ضمان عودة جميع المهجّرين إلى مناطقهم مع توفير الحماية اللازمة لهم.
———————–
الصفقة مع “قسد” تطفئ نار مجلس الأمن…”اندبندنت عربية” تحصل على مسودة الجلسة المغلقة/ مصطفى الأنصاري
شدد القرار المرتقب على محاربة الإرهاب ووحدة البلاد وأغلق الباب أمام التدخل الدولي وثمن تشكيل لجنة التحقيق
الأربعاء 12 مارس 2025
علمت “اندبندنت عربية” من مصادر مطلعة على مداولات الجلسة السرية لمجلس الأمن حول الأحداث المأسوية في الساحل السوري بأن الدول المعنية توافقت على صيغة قرار كان يتوقع أن يكون شديد اللهجة، إلا أن الإجراءات التي اتخذتها الحكومة السورية بتشكيلها لجنة تحقيق وإحرازها الصفقة المفاجئة مع “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) جميعها دفعت إلى تخفيف حدة الخطاب وأطفأت نيران الغضب الدولي.
وذكرت المصادر التي اطلعت على المسودة أن القرار، خرج بصيغة يغلب عليها “التوازن والإنصاف لجهود الحكومة السورية الموقتة”، على رغم إدانته لأعمال العنف غير الشرعية التي شهدتها مناطق غرب سوريا وراح ضحيتها المئات، وفق أرقام دمشق نفسها.
وحتى إن جاء القرار في سياق إدانة الانتهاكات، إلا أنه وفق ما توضح المسودة التي حصلت عليها “اندبندنت عربية” تضمن تأكيداً دولياً والتزاماً بـ”استقرار سوريا ووحدة أراضيها”، وهو أمر كثيراً ما كان نقطة مركزية في قرارات الدول العربية ومواقفها نحو سوريا، فضلاً عن حكومة الشرع الذي كان صريحاً في رفض الفيدرالية أو أي تنازل باتجاه تقسيم البلاد طائفياً أو عرقياً أو جغرافياً.
وكان دبلوماسيون قالوا الأحد الماضي إن الولايات المتحدة وروسيا طلبتا من مجلس الأمن الدولي عقد اجتماع مغلق أول من أمس الإثنين لبحث تصاعد العنف في سوريا، وهو الاجتماع الذي يترقب إعلان نتائجه اليوم.
إلى ذلك تناولت المسودة الجانب الأكثر حساسية في الملف السوري وهو “الإرهاب”، إذ أكدت ضرورة “محاربة الإرهاب في سوريا”، مما تقول الحكومة إنها تسعى إليه، إلا أن انتقادات دولية وإقليمية حاصرتها حيال صدقية ذلك التوجه وهي لا تزال تضم في صفوفها مقاتلين أجانب، بعضهم ينتمي إلى خلفيات متطرفة ذكر شهود عيان أنهم خلف بعض الانتهاكات التي حدثت، لكن التحقيقات النهائية هي التي ستسفر عن التصور الموثق.
وكانت الرئاسة السورية أصدرت قراراً الأحد الماضي بتشكيل لجنة وطنية مستقلة للتحقيق وتقصي الحقائق في أحداث الساحل، فيما شدد الرئيس السوري أحمد الشرع على أن بلاده “لن تسمح لأي قوى خارجية أو محلية بجرّها إلى فوضى أو حرب أهلية”، متعهداً بأن إدارته ستقوم بـ”محاسبة كل من تسبب في أذى للمدنيين… وأنه لا يوجد خيار أمام فلول النظام السابق سوى الاستسلام على الفور”.
وتضمن قرار المجلس وفق مسودته التي اطلعت عليها “اندبندنت عربية” تثمين المجلس الخطوات التي اتخذتها دمشق في شأن إعلانها تشكيل لجنة تحقيق للمحاسبة. ولم يشِر البيان إلى أي تلميح أو تهديد بـ”تدخل دولي في سوريا”، مثلما ترغب أطراف موالية للنظام السابق تحت غطاء دعم الأقليات.
وكان مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك حض في وقت سابق على تحقيق المساءلة عن جميع الجرائم المرتكبة على الساحل السوري، ورحب بإعلان سلطات تصريف الأعمال تشكيل لجنة تحقيق مستقلة، داعياً إلى ضمان أن تبقى التحقيقات سريعة وشاملة ومستقلة ونزيهة.
ولضمان عدم تكرار مثل هذه الانتهاكات والتجاوزات المروعة، قال تورك إن “من الضروري للغاية أن تتماشى عملية التدقيق في الفصائل المسلحة ودمجها في الهياكل العسكرية السورية مع التزامات البلاد بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني” وأن تتناول بصورة كاملة مسؤولية جميع المتورطين في الانتهاكات السابقة أو الأخيرة لحقوق الإنسان في سوريا.
واستبق الاتفاق مع “قسد” قرار مجلس الأمن في أعقاب جلسته المغلقة إذ أعلنت الرئاسة السورية الاثنين الماضي أنها توصلت إلى اتفاق يقضي بدمج “كافة المؤسسات المدنية والعسكرية في شمال شرق سوريا ضمن إدارة الدولة السورية، بما فيها المعابر الحدودية والمطار وحقول النفط والغاز”.
توازن القرار له مغزى
في تصريح لـ”اندبندنت عربية”، أعرب عبدالعزيز بن صقر، رئيس مركز الخليج للأبحاث، عن أهمية قرار مجلس الأمن بشأن أحداث سوريا، مشددًا على “توازن القرار وإنصافه” في دعم جهود الحكومة السورية المؤقتة. وأوضح أن القرار “يدين الأعمال العنيفة غير الشرعية” التي أدانتها الحكومة، مؤكدًا على ضرورة الحفاظ على وحدة الأراضي السورية واستقرارها، مشيرًا إلى أن هذا التوجه يتماشى مع أهمية محاربة الإرهاب وفقًا لموقف الحكومة المؤقتة.
وأضاف بن صقر: “إن القرار يثمن الإجراءات التي اتخذتها الحكومة، بدءًا من إنشاء لجنة تحقيق ووصولاً إلى الوعود بمعاقبة أي طرف يرتكب الجرائم وضمان إرسال التعزيزات الأمنية لاستقرار الوضع”. ورجح أن تخفيف لهجة القرار كان له علاقة محورية بالوصول إلى اتفاق مع قوات قسد الكردية، مما يدل على أن التوازن في صياغة القرار ساهم في تعزيز الجهود الأمنية والتعاون اللازم لتحقيق الاستقرار في المشهد السوري.
الساحل لا يشكل تهديدًا
وفي تعقيب على ما تسرب من قرار المجلس، أكد المحلل السوري غسان إبراهيم في حديث مع “اندبندنت عربية” أن الوضع في سوريا معقد للغاية، وأن “حله ليس سهلاً بسبب تصادم الأطراف وانتشار الكراهية والطائفية”، مشيرًا إلى أن هذه المشكلات تحتاج إلى وقت لمعالجتها ولا يمكن التعامل معها بالاستعجال. وأوضح أن الرئيس الشرعي يتعامل مع الأوراق الداخلية بهدوء، “إذ يدرك أن التسرع لن يُثمر عن نتائج إيجابية، باستثناء ملف الأكراد الذي سارع في التعامل معه لإرسال رسالة واضحة للغرب بضرورة الانسحاب من سوريا وترك الشأن السوري للسوريين”.
وأضاف إبراهيم أن التحديات الأمنية في الساحل “ليست كبيرة نظرًا لقلة المقاتلين، إلا أن الاستعجال في معالجتها قد يؤدي إلى تسلل جماعات متطرفة وارتكاب جرائم تُورط النظام”. كما أشار إلى أن قضية الدروز ليست مقلقة؛ فهم لا يمتلكون هدفًا انفصاليًا ولا قوة عسكرية تهدد الاستقرار، مما يجعل الملف قابلاً للحل التدريجي.
وأوضح المحلل السوري أن التحدي الأكبر يكمن في التعامل مع الملفات الخارجية، خاصة مع الدول غير المتوافقة مع النظام؛ إذ إن استمرار العقوبات يؤدي إلى غياب إعادة الإعمار ويثير استياءً داخليًا نتيجة عدم تحقيق الوعود بتحسين الوضع الاقتصادي والخدمات. ومن هنا، يركز الشرع على تصفية هذه الملفات الخارجية باعتبارها المفتاح لرفع العقوبات، مما يعكس طبيعة “عقلية الشرع” البراغماتية في إدارة المشهد السوري.
———————-
مسؤول أميركي: إدارة ترامب أبدت اهتمامها في عقد صفقات تجارية مع الحكومة السورية
ربى خدام الجامع
2025.03.12
أفاد مسؤولان أميركيان بأن واشنطن عملت على مدار أشهر لإقناع قوات سوريا الديمقراطية (قسد) بالبحث عن سبل للتعاون مع الحكومة السورية الجديدة التي تولت السلطة في كانون الأول الماضي.
وكشف أحد المسؤولين الأميركيين لصحيفة “ميدل إيست آي” أن التدخل التركي كان جزءا من الترتيبات التي جعلت دعوة عبدالله أوجلان للقوات الكردية تأتي في سياق دفع قسد للانضمام إلى الحكومة السورية.
وأوضح المسؤول أن هذه الخطوة قد تعني تسليم السلاح وعدم السعي وراء الحكم الذاتي في المناطق التي تسيطر عليها قسد.
وأضاف أن إدارة ترامب كانت تسعى لعقد صفقات تجارية مع الحكومة السورية، تشمل الوصول إلى الموارد النفطية في شمال شرقي سوريا، كما أبدى الرئيس الأميركي دونالد ترامب اهتماما بتطوير علاقات إيجابية مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، مما يجعل هذه الاتفاقية خطوة مهمة في هذا الاتجاه.
وخلال السنة الفائتة، أعلن وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، أنه ينبغي على قوات سوريا الديمقراطية طرد جميع مقاتلي حزب العمال والانضمام إلى الدولة المركزية وذلك بهدف التوصل إلى حل سلمي مع أنقرة.
هذا وأعربت وسائل الإعلام والمحطات الإخبارية الموالية للحكومة التركية عن ابتهاجها بتوقيع الاتفاقية صباح يوم الثلاثاء، إذ أعلنت قناة TRT أن قسد خضعت لضغط تركي، في حين ذهبت صحيفة يني شفق التركية إلى القول بأن قسد وافقت على نزع السلاح.
ذكر مصدران تركيان مطلعان على طريقة تفكير الحكومة بأن الاتفاق بوسعه في نهاية المطاف تحقيق المطالب التركية، بما أنه لم يشر إلى أي حكم ذاتي أو أي دولة كردية فيدرالية ستقام في شمال شرقي سوريا، وذكر أحد المصدرين التركيين بأن الاتفاق: “يوحي إلى إمكانية قيام جيش سوري واحد موحد، بحيث يكون شمال شرقي سوريا جزءاً من دولة واحدة”.
في حين سارعت دول إقليمية مثل قطر والسعودية للترحيب بهذه الخطوة، تعين على تركيا التعليق بشكل رسمي على الموضوع، وذلك ما يعكس الحذر الذي تحس به أنقرة برأي المصدر التركي الثاني.
“نهاية مشروع الإدارة الذاتية”
من جانبه، وخلال عطلة نهاية الأسبوع، أعلن دولت باهتشلي، زعيم الحزب القومي التركي الذي أطلق حواراً مع أوجلان حول حل حزب العمال الكردستاني، بأنه ينبغي على قسد حل نفسها بموجب الدعوة التي أطلقها أوجلان.
يذكر أن أوجلان يعامل معاملة الزعيم الأيديولوجي لدى وحدات حماية الشعب الكردية التي تعتبر الجناح المسلح المهيمن على قسد.
في حين ذكر المصدر التركي الثاني بأن أنقرة ستتابع الاتفاق من كثب لتضمن طرد قسد لقوات حزب العمال الكردستاني بحسب ما تعهد به عبدي على الملأ، وأن القوات الكردية ستنضم إلى وزارة الدفاع السورية بوصفها قطعات مفردة لا قوات منفصلة.
وتعليقاً على الاتفاق، قال عمر أوزكيجيكجي، وهو أحد كبار الخبراء المختصين بالشؤون الإقليمية لدى مركز أبحاث المجلس الأطلسي: “عبر توقيع هذا الاتفاق، أعلن مظلوم عبدي عن نهاية مشروع الإدارة الذاتية في سوريا، وبذلك خفف من غلواء إحدى أهم الأمور المثيرة لقلق تركيا على أمنها القومي… فمنذ انهيار نظام الأسد، تغيرت الديناميات الإقليمية بشكل كبير لصالح تركيا، وهذا ما عزز موقفها الجيوسياسي، إذ يبدو أن كل الحظوظ أصبحت تصب في صالح تركيا”.
الضغط الأميركي
إلى جانب الدعوة التي وجهها أوجلان، ثمة عامل آخر دفع عبدي إلى توقيع هذه الاتفاقية، ألا وهو الوساطة والضغط الأميركي الذي مورس على قسد، وذلك بحسب ما أعلنه دبلوماسيون وخبراء في الشأن الإقليمي، وفي ذلك مؤشر على أن واشنطن ستسحب قواتها من سوريا خلال وقت قريب على الأرجح.
إذ أعلن مسؤولان أميركيان أن واشنطن بقيت تعمل طوال أشهر على إقناع قسد بالبحث عن مساحات للتعاون مع الحكومة السورية الجديدة التي تولت زمام البلد في كانون الأول الماضي.
وذكر مسؤول أميركي رفيع أن تركيا تدخلت ورتبت أمور الدعوة التي وجهها أوجلان مقابل تشجيع واشنطن لقسد على التعاون مع الحكومة السورية والانضمام إليها، وعلق هذا المسؤول بالقول: “قد يعني ذلك وضع السلاح وعدم التفكير بالحكم الذاتي أو ما شابهه في المناطق التي يسيطر عليها الكرد”.
وأضاف المسؤول أن إدارة ترامب أبدت اهتمامها في عقد صفقات تجارية مع الحكومة السورية الجديدة، وتشمل تلك الاتفاقيات ما يخولها الوصول إلى الموارد النفطية في شمال شرقي سوريا.
وذكر ذلك المسؤول أيضاً أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب أبدى اهتماماً في إقامة علاقات طيبة مع الرئيس رجب طيب أردوغان، وتعتبر هذه الاتفاقية خطوة في ذلك الاتجاه.
غير أن واشنطن أعربت عن قلقها تجاه مسألة حماية السجون التي تؤوي مقاتلي تنظيم الدولة وأهاليهم، بالإضافة إلى احتمال أن يؤثر دمج قسد في الجيش السوري سلباً على القدرة على مجابهة تلك الجماعة المقاتلة.
غير أن أنقرة أسست خلال الأسبوع الماضي منصة جديدة مع لبنان والأردن والعراق وذلك بهدف مواصلة وتنسيق القتال ضد تنظيم الدولة، وأبدت دمشق استعدادها لتولي أمور تلك السجون، وهذا ما ورد في أحد بنود الاتفاق.
الخطر الإسرائيلي
من جهته، أخذ رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، يدعو كرد سوريا لرفض التعاون مع تركيا، وهذا ما أغضب أنقرة على وجه الخصوص، وهنا تقول غاليا ليندينشتراوس، وهي باحثة بارزة لدى معهد دراسات الأمن القومي في إسرائيل: “في حال صمود الاتفاق، فإن موقف تركيا سيصبح أقوى بكثير بما يسمح لها بالتحكم بالتطورات في سوريا، كما سيصعب ذلك على غيرها من الجهات الفاعلة أمر رسم شكل تلك التطورات… وعلى أية حال، كان من المبالغة بالنسبة لإسرائيل أن تعمل في تلك المناطق [أي في الشمال] ولهذا لم تتغير الأمور كثيراً من الناحية العملية”.
بيد أن ليندينشتراوس أضافت أن الدينامية تختلف في الجنوب السوري حيث ظهرت محاولات إسرائيلية جلية لتحديد شكل الأوضاع، فقد قصفت طائرات حربية إسرائيلية مناطق في الجنوب السوري عند توقيع الشرع للاتفاق مع عبدي عشية يوم الإثنين.
وثمة مخاوف أخرى من أن تكون الخطوة التي قام بها عبدي محاولة أخرى لكسب الوقت في أثناء انصراف انتباه الأطراف الأخرى لأمور أخرى.
وهنا يتذكر سهيل الغازي وهو باحث قديم في الشؤون السورية بأن قسد وعبدي التقيا بمنافسهما، أي المجلس الوطني الكردي، مرات كثيرة، من دون أن تتمخض تلك اللقاءات عن أي شيء، وأضاف: “ما يزال المجلس الوطني الكردي عاجزاً عن العمل في شمال شرقي سوريا، وقد تعرض أعضاؤه للاعتقال خلال فترة من الفترات، كما أن لغة العقد فضفاضة للغاية، بحيث يمكن لكل طرف أن يفسرها على هواه، ثم إن مسألة تشكيل اللجان ليست يسيرة، وهذه الخطوة وحدها تحتاج إلى بعض الوقت”.
تلفزيون سوريا
————————–
العقوبات وتأثيرها.. كيف قد تسهل الولايات المتحدة وأوروبا انهيار سوريا المقبل؟
ربى خدام الجامع
2025.03.12
أنهى سقوط نظام بشار الأسد في الثامن من كانون الأول لعام 2024 قرابة 54 عاماً من حكم آل الأسد والحكم الديكتاتوري لسوريا، إذ قبل عشرة أيام على ذلك، شن تحالف لفصائل المعارضة المسلحة التي تمركزت في شمال غربي سوريا هجوماً سعى لإحكام السيطرة على الريف الغربي لحلب، بيد أن هذا التحرك العسكري الجسور والمنضبط تسبب بانهيار سريع على خطوط جبهات النظام تباعاً، وفي نهاية الأمر سقط نظام بشار الأسد كقصر من ورق، بعد أن اعتراه الفساد والتشتت وأفرغ من محتواه.
بعد مرور قرابة 13 عاماً على النزاع المضني الذي كان شعار نظام الأسد خلاله: (الأسد أو نحرق البلد)، تحقق كل ما قيل في ذلك الشعار بأبشع الطرق، غير أن الحرب السورية وضعت أوزارها بطريقة مفاجئة وفجة.
فقبل أسابيع على ذلك، أخذت مجموعة تضم عشر دول أوروبية تقريباً ترأستها إيطاليا تضغط بشكل كبير على الاتحاد الأوروبي من أجل إجراء مراجعة شاملة للسياسة المعنية بسوريا ومن أجل العودة للتعامل مع نظام الأسد، إذ بعد تقييم الأزمة السورية واكتشاف أنها وصلت إلى مرحلة جمود دائمة، أخذت إدارة بايدن تبحث في السر عن فرصة لعقد اتفاق يقضي بتخفيف العقوبات على نظام الأسد، وكان أساس كل ذلك هو أنه منذ ربيع عام 2023 طبعت معظم دول الشرق الأوسط علاقاتها مع الأسد بعد أن خلصت إلى أنه خرج من الحرب السورية منتصراً، وبأن الطريق الوحيد لحل كثير من الآثار الجانبية المترتبة على الأزمة السورية يعتمد على إشراك النظام نفسه في الحل.
ولكن، وفي غضون عشرة أيام، بدأت من 27 تشرين الثاني وحتى الثامن من كانون الأول، انقلبت على أعقابها تلك التقييمات الأساسية التي حددت نهج معظم دول العالم تجاه سوريا، إذ بعد سنوات من التنديد بأزمة اللاجئين المستعصية والتي ضغطت على اقتصاد الدول الإقليمية وأثارت حفيظة السياسات الشعبوية في أوروبا، فضلاً عن السخط تجاه تجارة المخدرات التي كانت تدر على النظام البائد مليارات الدولارات، وتواصل العنف واستمراره، وتزايد الاحتياجات الإنسانية، أخذ المجتمع الدولي يراقب من بعيد كيف هرب الأسد فجأة ففتح بذلك الباب أمام تطورات هائلة، إن لم تحمل تلك التطورات حلولاً لكل تلك المشكلات دفعة واحدة.
ولكن، في الوقت الذي كان رحيل الأسد بشرى خير بالنسبة لكثيرين، فإن الانتقال الذي ترتب على ذلك والذي حدث بسرعة في دمشق تم بإدارة عنصر فاعل لم يختره سوى قليلون للعب هذا الدور، وهذا العنصر ليس سوى هيئة تحرير الشام، التي كانت في السابق فرعاً لتنظيم القاعدة الذي تشكل على أعقاب سلفه أي تنظيم الدولة الإسلامية في العراق، فقد أتت الهيئة وزعيمها، أحمد الشرع، حاملين في جعبتهم كثيراً من الأمور.
غير أن الهيئة في عام 2025 هي نتاج لثماني سنوات من التطور المنطقي غير المسبوق ضمن العالم السلفي الجهادي، إذ بعد أن أعلنت عن فك ارتباطها بتنظيم القاعدة في أواسط عام 2016، تقبلت الهيئة وجود القوات العسكرية التركية في أراضيها، ووافقت ثم التزمت بوقف إطلاق النار لسنوات طويلة بضمانة روسية-تركية، ثم نجحت بالقضاء على تنظيم الدولة والقاعدة ضمن أراضيها، وخلال السنوات القليلة الماضية، دعمت الجماعة “حكومة الإنقاذ” المؤلفة من تكنوقراط في شمال غربي سوريا والتي وفرت الخدمات العامة بشكل أكبر وبكفاءة أعلى مقارنة بمناطق سورية أخرى، في الوقت الذي أخذت قياداتها تتواصل بالسر مع حكومات الدول الغربية وتتعامل معها، وذلك على المستويين الدبلوماسي والأمني، وخلال تلك السنين، تغير التوجه الأيديولوجي للجماعة بشكل نهائي بعيداً عن التوجه المحلي والعالمي، فتخلت عن “الجهاد” واعتنقت “الثورة”، والعلم الأخضر للانتفاضة الشعبية السورية.
وعلى الرغم من تلك التغيرات الملحوظة، لم يتوقع أحد لأحمد الشرع أن يقف في يوم من الأيام في القصر الرئاسي بسوريا وهو يرتدي بزة رسمية ويضع ربطة عنق في أثناء ترحيبه بوزراء خارجية الدول الأجنبية والمدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، كما لم يتخيل له أحد أن يصعد على متن طائرات الدولة الخاصة ليزور السعودية وتركيا، وأن تصله دعوة من باريس عبر الرئيس إيمانويل ماكرون. إذ بعد سنوات من الدبلوماسية والاجتماعات السرية مع الدبلوماسيين في تركيا، اعتلى وزير خارجية الشرع أسعد الشيباني (المعروف باسم زياد العطار) منصة المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس بتاريخ الثاني والعشرين من شهر كانون الثاني ليشارك في جلسة نقاش وجهاً لوجه مع طوني بلير.
في الوقت الذي سارعت الحكومات الإقليمية وأوروبا للتعامل مع فريق أحمد الشرع بدمشق، كذلك فعلت إدارة بايدن، إذ كانت بربارة ليف، مساعدة وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى، أول من التقى بهذا الفريق في دمشق في العشرين من كانون الأول، وبحسب الأخبار، فإن المبعوث الرئاسي لشؤون الأسرى، روجر كارستينس، وكبير المستشارين الذي عين حديثاً، دانييل روبنشتاين، كانا حاضرين في ذلك الاجتماع، ولكن بحسب ما ذكرته ثلاث شخصيات رفيعة من هيئة تحرير الشام، حضر الاجتماع “جنرال أميركي” أيضاً، ووفقاً لما ذكروه، ولما جاء على لسان الشرع نفسه، فإن الجنرال انفرد بالشرع بنهاية الاجتماع ووصف له كيف راقب المعركة بأكملها “عبر المسيرات والأقمار الصناعية” ووصفها بأنها أكثر عملية عسكرية “تميزاً” و”تنظيماً” شاهدها في حياته، ثم أخرج من جيبه ميدالية وقدمها للشرع مهنئاً إياه على نصره.
التعاون مع أميركا
وخلال الأسابيع التي تلت ذلك الحدث، أقامت الولايات المتحدة علاقة استخباراتية رسمية مع العملية الانتقالية التي تترأسها هيئة تحرير الشام، وذلك عبر وزارة الداخلية التابعة لها (والتي يرأسها أنس خطاب، الذي كان أمير تنظيم الدولة في العراق على الحدود السورية العراقية)، والنخبة من الأمن العام، فكانت أكبر مخططات تنظيم الدولة ارتكاب مجزرة بالمسلمين الشيعة في مقام السيدة زينب بدمشق، غير أن الأمن العام أحبط تلك العملية بفضل الاستخبارات الأميركية إلى جانب إحباطه لما لا يقل عن سبع مخططات أخرى بحسب المقابلات التي أجريت في دمشق. وبعيداً عن المستوى الاستخباراتي، مايزال الجيش الأميركي يتواصل بشكل منتظم مع العملية الانتقالية التي تترأسها الهيئة، وينسق عمليات لمحاربة تنظيم الدولة في البادية السورية، مع تسهيل المفاوضات الدورية الشخصية التي تتم بين شركاء أميركا من قوات سوريا الديمقراطية وقيادات الهيئة في قاعدة الضمير الجوية القريبة من دمشق. هذا ولقد سمح الجيش الأميركي للقرار الصادر عن شركاء أميركا من الجيش السوري الحر الموجود في قاعدة التنف بقبول الاندماج ضمن العملية التي تترأسها الهيئة والتي تسعى إلى تشكيل قوات مسلحة جديدة في سوريا.
وحالياً، ماتزال العملية الانتقالية التي تجري في سوريا اليوم تحت إدارة مجلس الوزراء وفريق من المحافظين يتألف جله تقريباً من قيادات هيئة تحرير الشام وحلفائهم الإسلاميين، وعلى رأسهم حركة أحرار الشام والجبهة الإسلامية، وبالنسبة لمعظم السوريين في مختلف أنحاء البلد، فإن هذه الحكومة المؤلفة من “لون واحد” تعتبر مصدراً للقلق، بما أن التنوع الكبير الموجود بسوريا بقي بلا أي تمثيل.
ولكن، في الوقت الذي خرج علينا الرئيس المؤقت لسوريا الذي نصب نفسه بنفسه كشخصية من المشاهير، اكتشفنا بأن شعبيته الحقيقية تتجلى من خلال حواره مع السوريين القادمين من مختلف أنحاء سوريا، فقد نشأ الشرع وترعرع ضمن بيئة دمشقية من الطبقة الوسطى العليا وكان يدرس في مدرسة خاصة بمنطقة المزة التي يسكنها النخبة، ولذلك عاد الشرع لشخصيته القديمة التي تترك أثراً آسراً على الناس، كما تحولت زوجته وأطفاله إلى شخصيات عامة اليوم، إلى جانب إظهاره لحنكة سياسية مؤثرة وتكيفه السريع مع الوضع عند تعرضه لانتقادات، وهنالك من يقول أنه عين “مستشاراً متخصصاً بالأزياء” حتى يرتب له ما ينبغي عليه ارتداؤه.
صبر السوريين لن يستمر إلى الأبد
بيد أن البراغماتية والفطنة السياسية لن تمضي معه أبعد من ذلك عندما يواجه هول التحديات التي تشهدها سوريا، إذ يقع الاقتصاد المنهار في عين كل معضلة، بعد أن دمر أكثر من 50% من البنية التحتية الأساسية لسوريا، ونزح أكثر من نصف سكان البلد، وأصبح 90% من السوريين يعيشون تحت خط الفقر وخسرت الليرة السورية 99% من قيمتها، وبلغت حدة الأزمة الاقتصادية أعلى درجاتها، كما أن المساعدات الأممية المخصصة لسوريا قد تراجعت بشكل كبير منذ رحيل الأسد، في وقت تضاعفت الحاجة للمساعدات وأصبحت أعلى مما كانت عليه في السابق. وبما أن الفرحة العارمة التي أعقبت سقوط الأسد جعلت الشعب يصبر لفترة أطول بوجود سلطات تصريف الأعمال الجديدة في سوريا، فإن هذا الكبت والصمود لن يستمر إلى الأبد، إذ تبدو الوعود الطامحة والتطمينات المكرورة جيدة، بيد أن تحقيق تقدم مطلوب بات أمراً واجباً.
وفي خضم هذا الجو السائد، أحكمت العقوبات الأميركية والأوروبية الخناق على رقبة سوريا، إذ خلال الأسابيع الأخيرة لبايدن في الرئاسة، أعلنت إدارته عن رخصة عامة تمتد لستة أشهر وتسمح للطاقة وللحوالات النقدية بالوصول إلى سوريا لفترة مؤقتة، ولكن بحسب ما ذكره بعض رجال الأعمال السوريين الموسرين والحكومات الإقليمية الساعية للاستثمار في سوريا، فإن تلك الإجراءات المؤقتة لم تقدم سوى القليل لتهدئة المخاوف القديمة وإزالة صفة الخطر عن الأوضاع داخل المؤسسات المالية التي باتت بحاجة لتسيير تلك الصفقات المالية. وفي تلك الأثناء، أوحت أوروبا بأنها منفتحة على فكرة تخفيف العقوبات طوال أسابيع، من دون أن تتخذ أي خطوات فعلية. ولهذا، فإن أي أمل ببدء الاقتصاد السوري باستعادة عافيته مايزال حلماً بعيداً عن التحقق.
معضلة قسد وحلها
وعلى مقلب آخر، كشفت الاجتماعات التي عقدت مؤخراً مع المجتمع المدني من مختلف أنحاء سوريا مدى تراجع شعبية قوات سوريا الديمقراطية التي تسيطر على شمال شرقي سوريا بإجماع السوريين من مختلف القطاعات، إذ جرى الحديث عن “احتلال” قسد لأراض سورية، و”سرقتها” للموارد الطبيعية في البلد (أي النفط والغاز والموارد الزراعية) كمشكلة تحتاج إلى حل فوري، ويفضل أن تحل بصفقة دبلوماسية أو بعمل عسكري إن لزم الأمر.
غير أن قسد ذات الغالبية الكردية عرض عليها الحصول على حقوق كاملة للمجتمع الكردي، كما عرض عليها أن تصبح الكردية اللغة الرسمية الثانية لسوريا، وأن تحظى قسد بتمثيل في جميع الجهات الحكومية الانتقالية، ولكن شريطة تسليم الموارد الموجودة ضمن المناطق الخاضعة لسيطرتها إلى دمشق، والأهم من ذلك أن تحل قسد نفسها وأن تضع مقاتليها الذين يقدر عددهم بالآلاف وبشكل كامل تحت إمرة القوات المسلحة الجديدة لسوريا، على أن يجري توزيع المقاتلين لتأدية خدمتهم في مختلف أنحاء البلد. وبعد أسابيع من مواصلة المحادثات وتوقفها ثم متابعتها من جديد، تم التوصل أخيراً إلى اتفاق بين قسد ودمشق في العاشر من آذار، وقعه في العاصمة السورية أحمد الشرع وقائد قسد مظلوم عبدي، وينص هذا الاتفاق على اندماج قسد ضمن الحكومة المؤقتة وتحت إمرتها. وفي الوقت الذي سيحتاج التنفيذ الكامل لبنود الاتفاقية إلى وقت، وفي الوقت الذي ماتزال كثير من العوائق تقف في الطريق، تحولت الاتفاقية إلى مصدر للاحتفال في عموم سوريا، كما أنها تعتبر إنجازاً مهماً للغاية بالنسبة للجيش الأميركي الذي بقي جزءاً لا يتجزأ من المفاوضات والاتفاقية.
احتمال الانهيار السوري الثاني
ومع تقدم العملية الانتقالية في سوريا، ظهرت أمامها تحديات جسيمة، إذ بالنسبة للمجتمع الدولي، فإن ضمان نجاح العملية الانتقالية يجب أن ينظر إليه على أنه فرصة تاريخية لإعادة رسم شكل الشرق الأوسط ولتوجيه ضربة قاصمة للأجندة الإقليمية الثورية التي تحملها إيران، ولكن في الوقت الذي تستعد المنطقة برمتها لتقديم دعم كبير لسوريا المدمرة التي أضحت بحاجة ماسة للمساعدة، ماتزال أوروبا بطيئة في هذا المضمار، أما إدارة ترامب فغائبة تماماً. ثم إن الحرية التي اكتشفتها سوريا منذ مدة قريبة قد تتعرض لمشكلات معقدة، وخاصة فيما يتصل بالدور القيادي الذي تلعبه هيئة تحرير الشام، غير أن الوقت ليس لصالح سوريا، ناهيك عن أن الوقت يمر بسرعة كبيرة. لذا في حال عدم رفع العقوبات، عندئذ يحق لنا أن نتهم الولايات المتحدة وأوروبا بتسهيل عملية الانهيار المحتمل بما سيفتح فصلاً آخر من فصول النزاع المرير وانعدام الاستقرار في سوريا.
وقد لمح العالم والشعب السوري شكل الانهيار الثاني في مطلع آذار من هذا العام، وذلك عندما تسببت الهجمات غير المسبوقة التي شنها مسلحون علويون موالون للأسد في إحدى الليالي بوقوع عنف مريع طوال يومين قتل خلالهما مئات المقاتلين والمدنيين في كل من اللاذقية وطرطوس. وتشير الأدلة الأولية التي تشتمل على محادثات تم اعتراضها ووثائق جرى ضبطها، إلى احتمال أن يكون لإيران دور في الهجمات الأولى، والتي كان هدفها الواضح إثارة حالة مجنونة من القتل بدافع الانتقام والثأر. وفي الوقت الذي عبرت محاولة الحكومة المؤقتة تشكيل لجنة تحقيق وآليات لإحقاق العدالة عن أولى البوادر الطيبة، فإن عجزها في السيطرة على الأحداث واحتمال تواطؤها في بعض الجرائم يمثل تهديداً وجودياً لحكمها. وفي الوقت الذي تتوق الغالبية الساحقة من السوريين للاستقرار، فإن وجود هؤلاء الأشخاص الحريصين على الرجوع إلى حالة الفوضى يجعل مستقبل البلاد في وضع متقلب لا يمكن لأحد أن يتوقع إلى أين سيفضي.
المصدر: Hoover Institution
تلفزيون سوريا
——————————
هل أنهى اتفاق الشرع وقسد مخاوف تركيا من التنظيمات الانفصالية؟!/ صالحة علام
13/3/2025
شهران كاملان من المفاوضات الصعبة أفضيا في نهاية المطاف إلى توقيع الاتفاق الذي وصف بأنه تاريخي بين رئيس المرحلة الانتقالية لسوريا أحمد الشرع، وقائد قوات سوريا الديمقراطية (قسد) مظلوم عبدي، ليسدل الستار على كافة الاحتمالات التي رجحت إمكانية حدوث مواجهات مسلحة بين النظام السوري الجديد والمسلحين الأكراد، والذهاب في طريق تقسيم البلاد، واندلاع حرب أهلية بين مختلف القوميات والعرقيات التي يضمها المجتمع السوري.
النظرة المتشائمة لتطورات الوضع على الساحة السورية تعود إلى الجدل الذي اندلع عقب إعلان قوات سوريا الديمقراطية (قسد) رغبتها في الاندماج داخل مؤسسات الجمهورية الجديدة شريطة احتفاظها بقواتها ضمن تكتل واحد داخل الجيش السوري، وهو ما يعني فرض تحديد نمط من الإدارة اللامركزية على الدولة، يسمح لها بقدر من الإدارة الذاتية في مناطق الشمال الشرقي لسوريا.
وهو الطرح الذي لاقى معارضة شديدة من الحكومة الانتقالية، التي أعلنت في تصريحات لوزير دفاعها مرهف أبو قصرة رفضها التام لهذا الطرح، واستعدادها للقتال ضد أية جهة تسعى وراء تقسيم وحدة الأراضي السورية.
ثم أعلنت الرئاسة السورية فجأة التوقيع على اتفاق من ثماني نقاط، تم بمقتضاه تحديد وضع قوات سوريا الديمقراطية، ودمجها ضمن مؤسسات الجمهورية السورية الجديدة، وتحت إدارتها، بما في ذلك حقول النفط والغاز، والمطار، والمعابر الحدودية، والاتفاق على وقف إطلاق النار في جميع أنحاء البلاد، ودمج العناصر الكردية المسلحة التي تسيطر على حوالي ربع المساحة الجغرافية لسوريا ضمن مؤسساتها، ومساعدتها في المواجهات الدائرة بينها وبين فلول نظام الأسد.
مع التأكيد على ضمان حق جميع أطياف المجتمع السوري في المشاركة في العملية السياسية والتمثيل داخل مؤسسات الدولة بناء على مؤهلاتهم العلمية وخبراتهم العملية بغض النظر عن خلفياتهم العرقية والإثنية.
إعلان الاتفاق بين الشرع وقسد جاء بعد فترة وجيزة من الدعوة التاريخية التي أطلقها عبد الله أوجلان الزعيم الروحي ومؤسس حزب العمال الكردستاني لأعضاء حزبه، الذين طالبهم بإغلاق ملف العمليات العسكرية، ووقف أية أعمال هجومية ضد الدولة التركية، وإلقاء السلاح، والانخراط في عملية سياسية تفضي إلى تحقيق مكاسب للأكراد ودمجهم ضمن المجتمع التركي.
ورغم أن قائد قوات قسد مظلوم عبدي أصدر بيانا أوضح فيه أن دعوة أوجلان موجهة إلى أعضاء حزبه، ولا علاقة لقوات سوريا الديمقراطية بها، فإنه لا يمكن إنكار أن هذه الدعوة كان لها تأثير واضح في تغيير قسد لمواقفها المتشددة، وانفتاحها على المقترحات التي طرحتها إدارة المرحلة الانتقالية، بدعم من قيادات كردستان العراق، التي سبق أن حثت قائد قوات سوريا الديمقراطية على ضرورة المشاركة في العملية السياسية خلال المرحلة الانتقالية لضمان إمكانية تحقيق مطالبهم في المستقبل.
انصياع عناصر حزب العمال الكردستاني لدعوة عبد الله أوجلان، وقبولهم إلقاء السلاح، وبدء مرحلة من المباحثات السياسية مع الدولة التركية يعني خسارة قسد ماديا ومعنويا، وفقدها لجزء لا يستهان به من قوتها العسكرية، التي طالما ارتكزت على الدعم العسكري الذي قدمه لمقاتليها عناصر حزب العمال الكردستاني.
وتجميد الإدارة الأمريكية لما تقدمه من مساعدات خارجية مدة ثلاثة أشهر، أعاق الدعم المالي العسكري والأمني الذي تحصل عليه قوات سوريا الديمقراطية من وزارتي الدفاع والخارجية الأمريكيتين، إذ يستخدم الدعم المقدم من الأولى في دفع رواتب المجندين داخل التنظيم، وتوفير احتياجاتهم اللوجستية، بينما يستخدم الدعم المقدم من الثانية في دفع أجور القائمين على حراسة المعتقلات والمخيمات التي يُحتجز فيها عناصر وعائلات تنظيم داعش.
هذا إلى جانب رغبة واشنطن الملحّة في سحب جنودها المنتشرين في مناطق الشمال السوري، البالغ عددهم حوالي ألفي جندي، وتكرار الحديث عن قيام وزارة الدفاع الأمريكية بإعداد خطة لسحب جميع القوات من سوريا، سيتم تنفيذها على ثلاث مراحل، وتصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التي أكد فيها أنه: “سيتخذ قريبا قرارا يتعلق ببقاء القوات الأمريكية الموجودة في سوريا، وأن بلاده لديها مشاكلها الخاصة، وما يكفي من الفوضى، ولا حاجة تقتضي تدخل بلاده هناك”.
تلك التصريحات أكدت لقسد أن دعم واشنطن والغرب عموما لمسألة انفصالها عن الدولة المركزية السورية لم يكن يوما أولوية لهم، ولم تتضمنه أجندتهم الخاصة بالشرق الأوسط قط، وأن الرابط الوحيد الذي ربط بينها وبينهم على مدى العقود الماضية لم يتخط في مجمله الرغبة في إيجاد عنصر على الأرض يمكن الوثوق به، والاعتماد عليه في القتال معهم ضد داعش، وتسليمه مهمة إدارة المعتقلات والمعسكرات المحتجز فيها عشرات الآلاف من مقاتلي التنظيم وأسرهم، الذين يصل عددهم إلى ما يقرب 50 ألف معتقل.
دعوة أوجلان، والموقف الأمريكي سواء المرتبط بالدعم المالي أو العسكري، أضعفا الموقف التفاوضي لقوات سوريا الديمقراطية مع الإدارة السورية المؤقتة؛ مما دفعها إلى التخلي عن تشددها، وتقديم عدد من التنازلات غير المعلنة حتى الآن، ومنحا في الوقت نفسه تركيا الفرصة الذهبية التي طالما انتظرتها للتخلص بصورة نهائية من التهديدات الانفصالية الكردية الداخلية منها والخارجية.
إذ أعرب الرئيس أردوغان عن تأييده المطلق للاتفاق الذي تم التوصل إليه بين رئيس المرحلة الانتقالية وقسد، مؤكدا أنه “خطوة في الاتجاه الصحيح”، مشيرا إلى أن التطبيق الكامل لجميع ما تم الاتفاق بشأنه أمر مهم لتحقيق الأمن والسلام سواء لسوريا وشعبها، أو لجيرانها ومحيطها الجغرافي، وأن بلاده تعطي أهمية بالغة للحفاظ على الوحدة الترابية للأراضي السورية.
على الرغم من إيجابية الموقف التركي المعلن رسميا من هذا التطور الكبير في العلاقة بين قوات سوريا الديمقراطية والحكومة السورية الجديدة، فإن هناك الكثير من المخاوف التي لا تزال تثير قلق أنقرة خاصة أن بنود الاتفاق الثمانية التي تم الإعلان عنها تبدو عمومية، وغير محددة الملامح بشكل دقيق.
فأردوغان يرغب في قيام حكومة أحمد الشرع بنزع سلاح التنظيم، وتفكيكه، وعدم الاكتفاء بمسألتي تحويل عائدات النفط والغاز إلى الحكومة المركزية في دمشق، ورفع العلم السوري رمزيا على مناطق نفوذه، مع احتفاظه بالسيطرة المطلقة على جميع موارد النفط، وعدم دخول الجيش السوري المناطق التي يفرض سيطرته عليها.
يبدو من المبكر الحكم على الاتفاق عموما، وتحديد مدى صلابته أو هشاشته قبل الإفصاح عن كافة التفاصيل الدقيقة له، وتحديد ما إذا كانت مخاوف أنقرة في محلها أم أنها مجرد أوهام لا محل لها من الإعراب، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الجانبين اتفقا على أن يتم تنفيذ بنوده على مراحل خلال العام الجاري، وخلال هذه الفترة الزمنية ستتضح كافة الحقائق خاصة تلك المرتبطة بعدد من الإشكاليات التي تمثل كل واحدة منها قضية بمفردها، كمسألتي مصير العناصر الأجنبية المسلحة التي تقاتل مع التنظيم، وتعد من أضلعه المهمة، وتحديد الجهة التي ستتولى مسؤولية إدارة المعتقلات والمخيمات الخاصة بداعش.
يحتاج الأمر إلى مزيد من الوقت حتى تتضح الصورة كاملة، ليمكن الحكم الصحيح على محتوى الاتفاق وبنوده، وما إذا كانت التنظيمات الكردية المسلحة الساعية للانفصال عن الحكومات المركزية في المنطقة قد أصبحت قضية منتهية فعلا أم أن لها فصولا جديدة سيتم كشف النقاب عنها لاحقا.
المصدر : الجزبرة مباشر
—————————
تركيا متمسكة بإخراج المقاتلين الأجانب من سوريا
أنقرة: «الشرق الأوسط»
13 مارس 2025 م
أكدت تركيا اليوم (الخميس) أنه يجب على «الإرهابيين» إلقاء السلاح، وضرورة إخراج المقاتلين الأجانب من سوريا، بعد اتفاق أبرمته السلطات السورية الجديدة مع «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) التي يقودها الأكراد، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».
وقال مصدر في وزارة الدفاع التركية: «نحن في تركيا ما زلنا مصممين على مكافحة الإرهاب». وأضاف: «لا تغيير في توقعاتنا بشأن إنهاء الأنشطة الإرهابية في سوريا، وإلقاء الإرهابيين أسلحتهم، وإخراج الإرهابيين الأجانب»، في إشارة خصوصاً إلى المقاتلين الأتراك من حزب العمال الكردستاني الناشطين في سوريا.
وتسعى السلطات السورية الجديدة بقيادة الرئيس الانتقالي أحمد الشرع، إلى حلّ الجماعات المسلّحة وبسط سيطرة الدولة على كامل أراضي البلاد منذ إطاحة بشار الأسد في ديسمبر (كانون الأول) بعد حرب أهلية استمرت أكثر من 13 عاماً.
ووقّع الشرع وقائد «قوات سوريا الديمقراطية» مظلوم عبدي، اتفاقاً الاثنين ينصّ على «دمج كافة المؤسسات المدنية والعسكرية في شمال شرقي سوريا ضمن إدارة الدولة السورية، بما فيها المعابر الحدودية والمطار وحقول النفط والغاز». ومن المفترض أن يدخل الاتّفاق حيّز التنفيذ بحلول نهاية العام.
وتسيطر «الإدارة الذاتية» الكردية المدعومة من الولايات المتّحدة على مساحات واسعة في شمال سوريا وشرقها، تضمّ أبرز حقول النفط والغاز.
و«قوات سوريا الديمقراطية» هي الذراع العسكرية لـ«الإدارة الذاتية» الكردية، وقد شكّلت رأس حربة في قتال تنظيم «داعش» إلى حين تمكنت من دحره من آخر معاقله في 2019.
ولطالما اتّهمت تركيا «وحدات حماية الشعب الكردية» التي تشكل عماد «قوات سوريا الديمقراطية»، بالارتباط بحزب العمال الكردستاني الذي تصنّفه أنقرة ودول غربية «منظمة إرهابية»، ويخوض منذ عام 1984 تمرّداً ضد الدولة التركية.
وفي فبراير (شباط) الماضي أطلق مؤسّس حزب العمال الكردستاني، عبد الله أوجلان، المسجون دعوة تاريخية حضّ فيها حزبه على إلقاء السلاح وحل نفسه.
وتضغط تركيا التي أقامت علاقات وثيقة مع الشرع، على السلطات السورية الجديدة لإيجاد حل لقضية «وحدات حماية الشعب الكردية».
وقال المصدر: «سنرى كيف سيُطبّق الاتفاق… ميدانياً»، مضيفاً: «سنتابع عن كثب نتائجه الإيجابية أو السلبية».
ورأى الرئيس التركي رجب طيب إردوغان الثلاثاء أن الاتفاق في سوريا «سيخدم السلام». وأضاف: «نعتبر كل جهد لتطهير سوريا من الإرهاب خطوة في الاتجاه الصحيح».
وذكر دبلوماسي تركي لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» أن تركيا ستستضيف قمة إقليمية في أبريل (نيسان) المقبل لبحث العمليات ضد تنظيم «داعش»، مضيفاً أن مكان وزمان انعقاد القمة لم يتم تأكيدهما بعد.
———————————
الجيش التركي: نراقب تنفيذ «اتفاق الشرع – عبدي» من كثب
خبراء يتوقعون استمرار الضغط على «قسد» والتنسيق مع أميركا بشأن الانسحاب من سوريا
أنقرة: سعيد عبد الرازق
13 مارس 2025 م
أعلن الجيش التركي أنه سيراقب من كثب تنفيذ الاتفاق الموقع بين الإدارة السورية و«قوات سوريا الديمقراطية (قسد)» بشأن اندماجها في مؤسسات الدولة، مع التمسك بالمطالبة بحل «وحدات حماية الشعب» الكردية، ومكافحة الإرهاب في سوريا.
وقال مصدر مسؤول بوزارة الدفاع التركية: «سنراقب كيفية تنفيذ الاتفاق بين الإدارة السورية و(تنظيم «قسد» الإرهابي) من كثب، وسنتابع التطورات على أرض الواقع، وسنرى مخرجاته سواء كانت إيجابية أم سلبية».
وأكد المصدر، خلال إفادة أسبوعية لوزارة الدفاع التركية، الخميس، أن الاتفاق، الذي وقع يوم الاثنين الماضي بين الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع وقائد «قسد» مظلوم عبدي، «لم يُغير التزام تركيا بمحاربة الإرهاب في سوريا».
حل الوحدات الكردية
وأضاف: «نحن في تركيا مصممون على مكافحة الإرهاب، ولا نزال على النهج نفسه ونطالب بحل (وحدات حماية الشعب) الكردية (أكبر مكونات «قسد»)، ولا نزال ملتزمين بضمان وحدة أراضي سوريا وسلامتها الإقليمية والسياسية».
ولفت المصدر إلى استقبال وزير الدفاع السوري مرهف أبو قصرة، الملحق العسكري التركي المُعين حديثاً في دمشق، الخميس، مضيفاً أن وفداً من وزارة الدفاع سيزور سوريا خلال الأيام المقبلة.
وكانت مصادر في وزارة الدفاع التركية قد أكدت، يوم الأربعاء، أن القوات التركية ستُواصل وجودها في سوريا، وستتابع التطورات بعد الاتفاق بين الإدارة السورية و«قسد»، وستراقب التطورات على الأرض، وعندما يكون هناك نشاط إرهابي فسوف تتدخل، ولن يتغير شيء في مفهوم القوات المسلحة التركية في مكافحة الإرهاب، الذي يقوم على القضاء على الإرهاب في منبعه.
وتابعت المصادر، وفق ما نقلت وسائل إعلام تركية قريبة من الحكومة، الأربعاء، أن عمليات القوات المسلحة التركية ضد «وحدات حماية الشعب» الكردية، التي تقود «قسد» مستمرة.
ولا تزال الاشتباكات والاستهدافات بين القوات التركية والفصائل السورية المسلحة الموالية لأنقرة و«قسد» على محاور شرق حلب، لا سيما في سد تشرين وجسر قره قوزاق، فضلاً عن القصف التركي على مواقع «قسد» في عين العرب (كوباني) مستمرة.
وشنَّت القوات التركية، الخميس، غارات جوية استهدفت ريف مدينة صرين في ريف عين العرب (كوباني).
موقف تركي حذر
ويرى خبراء أتراك أن الاتفاق بين الشرع وعبدي يُشكل «إطاراً» أو «إعلان نوايا»، وأن القضايا المثيرة للجدل، خصوصاً انضمام «قسد» إلى الجيش السوري والاندماج في مؤسسات الدولة، من المقرر حلها في مفاوضات تستمر حتى نهاية العام، وهو ما يجعل تركيا تنظر إلى الاتفاق بحذر رغم ترحيبها به.
ووفق مديرة برنامج السياسة الخارجية في مؤسسة أبحاث السياسة الاقتصادية التركية، غولرو جيزر، «لن تسمح تركيا بتكرار الأخطاء التي وقعت في العراق، وأن موقفها بشأن وحدة سوريا واضح وحازم».
ولفتت إلى أن تركيا ستكون قادرة دائماً على مواصلة عملياتها العسكرية ضد «قسد» إذا رأت ذلك ضرورياً، استناداً إلى حقها في الدفاع عن النفس الناشئ عن المعاهدة التأسيسية للأمم المتحدة.
وأشار الخبير المختص بشؤون تركيا، الباحث في المجلس الأطلسي للأبحاث في أميركا، عمر أوزكيزيلجيك، إلى أن تركيا تتعامل مع اتفاق «الشرع – عبدي» «بتفاؤل حذر»، وستواصل الضغط على «قسد» خلال هذه العملية، حتى لا تتمكن من التراجع عن خريطة الطريق التي حددها الاتفاق الواقع في 8 بنود.
ورأى أن أميركا طلبت من «قسد» التوصل إلى اتفاق مع دمشق قبل انسحابها من سوريا، وأن «دبلوماسية الباب الخلفي» تعمل بين أنقرة وواشنطن فيما يتعلق بهذه العملية، وأن تركيا ستكون «أكثر ارتياحاً» إذا انسحبت القوات الأميركية من سوريا.
ولفت الخبير في شؤون الشرق الأوسط، جمعة تشيشيك، إلى أن الاتفاق بين إدارة دمشق و«قسد» جرى من خلال عملية ظلت تركيا خارجها إلى حد ما، وأن التصريحات التي أوضحت أن أميركا وفرنسا وألمانيا توسطت في المفاوضات، كان تطوراً لم تتوقعه تركيا.
وأضاف أنه على الرغم من بقاء تركيا خارج العملية، فإن الأطراف أخذت حساسياتها في الاعتبار، وربما يكون أحد أسباب ترك قضايا كالحكم الذاتي والاتحاد وتقاسم السلطة مفتوحة هو القلق بشأن موقف تركيا، فلا دول المنطقة ولا أميركا، في وضع يسمح لها بالتخلي عن تركيا أو المضي قدماً رغماً عنها.
بدوره، رأى الأكاديمي التركي المختص في شؤون الشرق الأوسط، مصطفى آيدن، أن يد تركيا باتت ضعيفة، أو «مغلولة» بسبب الاتفاق بين إدارة دمشق و«قسد»، وأنها إذا أظهرت نيتها إطلاق عملية عسكرية ضدها، فإن أميركا والجهات الفاعلة الأخرى يمكن أن تمنعها، بحجة أن هناك عملية جارية، ويجب الانتظار حتى تكتمل، وأنه لا ينبغي التدخل الآن.
———————–
نداء أوجلان.. توقعات مرتفعة ومسار سياسي ينقصه الوضوح
13/3/2025
عادت مسألة حزب العمال الكردستاني وصراعه الممتد مع تركيا إلى الواجهة من جديد، إثر الدعوة التي وجهها مؤسس الحزب وزعيمه التاريخي عبد الله أوجلان في 27 فبراير/شباط 2025 لحل الحزب وإلقاء السلاح ووقف العمليات القتالية ضد أنقرة.
وتعد الدعوة -التي وُصفت بالتاريخية- الثالثة لأوجلان منذ اعتقاله عام 1999، وقد سبقتها دعوة أخرى في مارس/آذار 2013 ثم في الشهر ذاته عام 2015 بعد مسار تفاوضي سري قاده جهاز الاستخبارات التركي، وتوصل الطرفان بعده إلى إصدار ورقة من 10 مواد للوصول إلى اتفاق نهائي ينهي حالة المواجهة.
ولكن الاتفاق وصل إلى طريق مسدود بعد تطورات الأحداث في سوريا عام 2015 وإعلان حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي إدارة ذاتية بمنطقة شمال سوريا، بالتزامن مع إعلانات مشابهة في عدد من المدن شرقي تركيا وجنوبها الشرقي، مما دفع أنقرة إلى خوض حرب شوارع واستعادة السيطرة، ثم ضرب الحزب في سوريا والعراق.
وحول دلالات وتداعيات الإعلان الأخير، نشر مركز الجزيرة للدراسات ورقة تحليلية بعنوان “نداء أوجلان لحل حزب العمال.. توقعات مرتفعة ومسار سياسي ينقصه الوضوح” ناقش فيه الباحث المختص بالشأن التركي سعيد الحاج السياق الإقليمي والدولي لدعوة أوجلان وسقف التوقعات وراء المسار السياسي الجديد.
مبادرة سياسية دون تعقيب رسمي
شددت الحكومات التركية المتعاقبة بعد عام 2015 على أنه لن تكون هناك عملية تسوية جديدة بالتنسيق مع حزب العمال الكردستاني، وركزت على المواجهات الأمنية والعسكرية، وتقويض أي تطور إقليمي قد يخدم أجندة الحزب.
ولكن وساطة قيادة إقليم كردستان العراق ونداء قيادات كردية للرئيس التركي رجب طيب أردوغان “بإخراج العملية السياسية من الثلاجة” إلى جانب تطورات أخرى، عززت سبل إطلاق مسار سياسي جديد بخصوص المسألة الكردية في تركيا.
وجاء نداء أوجلان بمثابة تتويج لمسار غير معلن بدأ في أكتوبر/تشرين الأول الماضي بتصريح رئيس حزب الحركة القومية التركي دولت بهتشلي المتحالف مع أردوغان، دعا فيه للسماح لأوجلان بإلقاء كلمة أمام كتلة الحزب البرلمانية وإعلان حل حزب العمال الكردستاني والمرور إلى مرحلة “تركيا بلا إرهاب”.
ونفى المستشار القانوني للرئيس التركي أي نية لانتهاج “عملية تسوية” جديدة مع حزب العمال الكردستاني، في حين رحب أردوغان بمبادرة بهتشلي، وسمحت وزارة العدل بزيارة وفد من حزب الديمقراطية ومساواة الشعوب -الذي يُوصف بأنه الواجهة السياسية لحزب العمال الكردستاني- بزيارة أوجلان في سجنه ونقل ما دار بينهما لأحزاب أخرى في البرلمان.
وتوالت زيارات الوفد إلى أوجلان ونقل في المرة الثالثة رسالة بعنوان “نداء السلام والمجتمع الديمقراطي” جاءت فيها الدعوة إلى عقد مؤتمر عام وإلقاء السلاح نهائيا وانتهاج العمل السياسي، مؤكدا تحمله المسؤولية التاريخية عن ندائه.
وبعد يومين من الرسالة، أعلنت قيادة حزب العمال الكردستاني موافقتها على “كل ما جاء فيها” على أن يشرف أوجلان بنفسه على المؤتمر بعد “تهيئة الظروف القانونية” وهو ما عززه بهتشلي بالاتصال مع رئيس حزب الديمقراطية ومساواة الشعوب تونجار بكيرخان، ورئيس حزب الشعوب الديمقراطي السابق صلاح الدين دميرطاش للتأكيد على وقوفه وراء أي دور يخدم المسار السياسي.
طموح عالٍ
رفع نداء أوجلان الأخير من سقف التوقعات وراء العملية السياسية، فعلى عكس المبادرات السابقة لم تكتف هذا الدعوة إلى وقف القتال فحسب بل إلقاء السلاح وحل الحزب، وهو ما يمكن تصنيفه ضمن خانة المراجعات الفكرية لدى أوجلان بخصوص الهدف من وراء الحزب، فقد جاء في الرسالة أيضا تراجعه عن المشاريع الانفصالية والفدرالية والإدارة الذاتية.
وبالتزامن مع ذلك أوضح أوجلان استعداده للاضطلاع بدور إيجابي ولم يطرح أي شروط على الحكومة التركية، في حين اقتصرت رسالته على التوجه للحزب “الكردستاني” الذي لم يتأخر في تلبية النداء والموافقة على مضمون الرسالة.
وقد حظي نداء أوجلان بدعم أطراف وشخصيات فاعلة أخرى في المشهد الإقليمي الكردي مثل قيادة حزب الديمقراطية ومساواة الشعوب، والرئيس السابق لحزب الشعوب الديمقراطي، وقائد قوات سوريا الديمقراطية (قسد) مظلوم عبدي، ورئيس إقليم كردستان العراق نيجيرفان البارزاني، ورئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود البارزاني.
وفي المقابل، تأتي رمزية بهتشلي -بوصفه حليفا لأردوغان وزعيم التيار القومي في البلاد مع علاقته الوطيدة بالدولة العميقة- ضمانا على الآمال المعلقة من وراء العملية السياسية الوليدة.
وقد فُهم من تصريح بهتشلي ودعوته لإطلاق أوجلان بأن هناك توجها لدى الحكومة أو الدولة التركية بخصوص المسار السياسي، قد تُرجم بسماح أردوغان لأوجلان باستقبال الزيارات العائلية والحزبية والسماح بإذاعة رسالته في الإعلام.
وكل ما سبق يشير إلى أن جميع الأطراف المعنية في تركيا والمنطقة ترغب في انتهاج مسار سياسي، ويوحي ذلك بوجود مفاوضات وتفاهمات سابقة على التصريحات الصادرة عن مختلف الأطراف لم يعلن عنها حتى الآن، خاصة مع تغير النظام في سوريا وتصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب بخصوص سحب قواته من البلاد.
آمال ولكن..
رغم التفاؤل بمستقبل المسار السياسي الوليد لحل المسألة الكردية فإنه من الصعب توقع حلول سريعة دون عقبات، مع تداخل العوامل الإقليمية والدولية، و”فاتورة ضحايا بعشرات آلاف” حسب الأرقام الرسمية التركية.
كما قللت قيادات من “العمال الكردستاني” في جبال قنديل شمالي العراق من أهمية ما يصدر عن أوجلان بوصفه “أسيرا لا يملك قراره” كما نفذ الحزب هجوما على شركة صناعات دفاعية اليوم التالي لتصريح بهتشلي.
ورغم موافقة اللجنة التنفيذية للحزب على مضمون الرسالة فإنها طالبت بإدارة أوجلان نفسه للمؤتمر وتنفيذ حل الحزب ونزع السلاح، داعية لتوفير “السياسة الديمقراطية والأرضية القانونية” للمسار الوليد، مما يعد رفعا مبكرا لسقف الشروط.
وتحتاج أنقرة بالرغم من ذلك لاستحقاقات قانونية وسياسية تمررها عبر البرلمان لإنجاح المسار السياسي الوليد، من قبيل كيفية التعامل مع هذه المنظمة وقياداتها وكوادرها وأنصارها، وخصوصا المتهمين منهم، فضلا عن مصير أوجلان نفسه، وهي مسارات شائكة قد لا تحظى بتأييد الشارع وبعض الأحزاب السياسية.
ويضاف إلى ذلك عدم إصدار الحكومة التركية أي مبادرة محددة أو ملامح مفصلة للمرحلة القادمة، فالمبادرة حتى الآن لا تزال حبيسة رد فعل أوجلان على تصريح بهتشلي مع بقاء أردوغان بعيدا عن التعقيب المباشر والتفصيلي عن مضمون المبادرة.
وفي المحصلة، تحظى هذه المبادرة بفرصة أعظم من سابقاتها خاصة بعد بيان اللجنة التنفيذية للعمال الكردستاني الذي أكد على زعامة أوجلان والامتثال الكامل لندائه، في حين تتموضع الحكومة التركية في مساحة أكثر أريحية تفتح لها أبواب إغلاق الملف الأكثر حساسية في التاريخ التركي، في وقت لم تعلن حتى الآن عن التخلي عن الخيار العسكري والحرب الاستباقية.
[يمكنكم قراءة الورقة التحليلية كاملة من هذا الرابط]
المصدر : الجزيرة
————————————
عن المرونة السياسية لأحمد الشرع وأسطورة الطائفية/ أحمد ماهر
الصورة الأوسع نطاقا لسوريا
12 مارس 2025
يبدو واضحا أن الرئيس السوري أحمد الشرع يعي تماما حقيقة أساسية وهي أن الوحدة الوطنية أمر بالغ الأهمية لبقاء بلاده بعد سقوط الديكتاتور بشار الأسد. فالمصالحة مع الأكراد والاجتماع مع زعماء الطائفة الدرزية أمر ضروري ليس من أجل الاستقرار السياسي لنظامه الجديد فحسب، بل أيضا من أجل عمليات إعادة الإعمار في مرحلة ما بعد الصراع.
ومن خلال تصرفه السريع والحازم، أظهر الشرع قدرا كبيرا من المرونة السياسية. فهو يدرك التغير الطارئ في الرأي العام بعد ثلاثة أشهر فقط من الانقلاب الناجح على نظام الأسد، كما أنه يدرك جيدا القوى الجيوسياسية والدولية التي تراقب قراراته عن كثب.
وتتجلى هذه المرونة السياسية في خطاباته التصالحية وقراراته خلال الأيام القليلة الماضية، ومن بينها تشكيل لجنة لتقصي الحقائق في أعقاب الإعدامات الميدانية التي طالت عائلات علوية في الساحل السوري، وهو ما صورها الإعلام الغربي- كما هو متوقع– على أنها “عنف طائفي” في طبيعته وجذوره؛ وهو تصوير مفرط في التبسيط والسطحية لسوريا.
ففي حين أن العنف الطائفي هو بالفعل جانب مأساوي من حملة الأسد الوحشية على المتظاهرين السلميين ضد حكمه، فإنه ليس سوى وجه واحد من سيناريو أوسع بكثير تطور إلى حرب أهلية. فالصورة الأوسع نطاقا هي دائما سياسية لأنها تشمل ثلاثة عوامل رئيسة: السلطة والحقوق والموارد.
وقد عدّل الشرع بذكاء استراتيجياته وسياساته لإدارة الأزمة الناشئة، رافضا تصنيف السوريين في خطاباته على أنهم سنة أو “علويون” أو أكراد أو مسيحيون أو دروز.
وبذلك، يحاول الرئيس السوري دحض الأسطورة التي روّج لها نظام الأسد لعقود من الزمن بأن الصراع الطائفي أمر حتمي، وأن أي محاولات للتعايش السلمي أو المصالحة غير مجدية في حال الإطاحة به.
وتتجاهل المبالغة في تبسيط العنف في الساحل على أنه طائفي التنوع داخل هذه الجماعات ذاتها، كما أنها ترفض– بعمد أو غير عمد- الاعتراف بالعلاقات التاريخية المتبادلة والتحالفات السياسية التي تتجاوز هذه الهويات. فقبل الثورة التي تحولت إلى حرب أهلية، كان حزب “البعث”، الذي تعود جذوره إلى الطائفتين السنية والعلوية، يضم أعضاء من كلتا المجموعتين يعملون معا في مناصب مختلفة داخل الحكومة وهيكل الحزب، على الرغم من أن نظام الأسد أقرّ لاحقا سياسة مالت بشدة لصالح العلويين. بينما على مستوى المجتمع، كانت هناك العديد من حالات التزاوج بين العائلات السنية والعلوية.
فلطالما نبه مثقفون ومفكرون سوريون، مثل برهان غليون، بأن الطائفية ظاهرة مصطنعة تتأثر بالدولة والممارسات السياسية أكثر من كونها اختلافات دينية متأصلة.
وإذا نظرنا إلى الأزمة الحالية من منظور طائفي، نرى بوضوح تأثير القوى الخارجية في إصباغ الصراع والأزمات السياسية بصبغة طائفية. فقد دعمت الجهات الفاعلة الإقليمية، مثل إيران و”حزب الله” نظام الأسد، وصورته على أنه حامي الشيعة ضد التطرف السني. وقد ركبت إسرائيل هي الأخرى مؤخرا موجة الطائفية، واستخدمت التكتيك السياسي المتمثل في كونها “أقلية” في الشرق الأوسط و”حامية” الأقلية الدرزية في سوريا في ظل حكم الشرع وحكومته الإسلامية. كما قدمت تركيا، وهي دولة ذات أغلبية سنية، دعما استراتيجيا لـ”هيئة تحرير الشام” بزعامة الشرع في معارضتها الشرسة لنظام الأسد.
ولم يكن الشرع وحده الذي عكست قراراته الأخيرة فهما عميقا للديناميات الإقليمية والدولية.
ففي مقابلة مع “المجلة”، بعد الاتفاق التاريخي مع الشرع على دمج جميع المؤسسات العسكرية والمدنية في الدولة السورية، قال مظلوم عبدي، قائد “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، التي يقودها الأكراد وتدعمها الولايات المتحدة، إن الشرع هو “الرئيس”.
كما قال عبدي، الذي يسيطر على منطقة استراتيجية في سوريا في محافظات الحسكة والرقة ودير الزور، والتي تحتوي على حقول نفط وغاز حيوية، إنه لا يريد تكرار الحكم الذاتي لكردستان العراق في سوريا. وهذا يدل على ذكائه السياسي في التعامل مع المعضلة الكردية-التركية، وربما لإنهاء استهداف أنقرة قوته ووقف توغلاتها العسكرية في الأراضي السورية.
وقد لقيت سياسة عبدي السريعة والمرنة التي اتبعها صدى طيبا لدى السوريين في العاصمة دمشق، مقر الحكم. فقد خرج السوريون في احتفالات عارمة وامتلأت الأجواء بشعور بالأمل في الوحدة، إذ يأملون أن الاتفاق يمكن أن يمهد الطريق لإعادة بناء الثقة، لذا فإن عبدي يخطب أيضا ودّ العامة حال إجراء انتخابات ديمقراطية.
ويتطلب الحكم المستقر في سوريا ممارسات مستدامة من جميع الأطراف السياسية المعنية بقيادة الشرع الذي شهد هو نفسه تحولا جوهريا في منظوره الأيديولوجي، مدركا أن التطرف والعنف لا يؤديان إلا إلى إدامة الانقسام والحروب في مجتمع متعدد الأعراق. فمرونته السياسية على وجه الخصوص، لكونه الرئيس المعترف به دوليا لسوريا الجديدة، تساعد بشكل أكبر في تقليص جاذبية الأيديولوجيات المتطرفة التي تهدد التنوع في سوريا، لا سيما بعد دحر “داعش” و”القاعدة”.
ولكن هناك سببا سياسيا رئيسا آخر وراء هذا التحول الأيديولوجي الهائل للشرع: صورته. فالحاجة إلى الاعتراف الدولي والشرعية الدولية في المشهد السياسي الحالي هي دافع مهم وراء تلك المرونة السياسية التي يتمتع بها الشرع، والذي ما فتئ يتلقى رسائل دعم دولية وإقليمية. فإعادة بناء بلد ممزق بسبب الحرب مثل سوريا مهمة اقتصادية ومالية شاقة لا يمكن القيام بها دون المجتمع الدولي لزيادة شعبيته جراء الأداء الاقتصادي، ولوأد الطائفية المُسيسة في مهدها.
————————————-
الاتفاق مع الأكراد يمهد الأرضية لاتفاقات مع المكونات السورية الأخرى
هل لعبت واشنطن دوراً في الاتفاق تفادياً لتكرار الانسحاب الفوضوي من أفغانستان؟
واشنطن: إيلي يوسف
12 مارس 2025 م
مما لا شك فيه أن الاتفاق الذي وقعه، يوم الاثنين، الرئيس السوري أحمد الشرع، مع مظلوم عبدي، قائد قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، يعد تطوراً دراماتيكياً في المشهد السياسي لسوريا، رأى فيه البعض أنه يمكن أن يشكل مدخلاً للتعامل مع باقي الجماعات السورية، مثل الإعلان عن اتفاق أولي بين الحكومة السورية ووجهاء محافظة السويداء على دمج المحافظة ضمن مؤسسات الدولة، بما فيها الأجهزة الأمنية.
تآكل موقف «قسد»!
وعدّ الاتفاق انتصاراً كبيراً لدمشق في سعيها لتوحيد البلاد في لحظة حساسة، إثر الاضطرابات العنيفة التي اندلعت في الساحل الغربي، وأخذت طابعاً طائفياً في الأيام الأخيرة. في المقابل، عدّ «مخرجاً» لـ«قسد» ولإدارتها الذاتية في المناطق التي تسيطر عليها، خصوصاً أن البعض تحدث عن تنسيق أميركي ورعاية مسبقة له، وسط حالة عدم اليقين المتزايدة بشأن دور واشنطن في المنطقة، واحتمال سحب القوات الأميركية منها. ويرى هؤلاء أن القوات التي يقودها الأكراد ربما أدركت أن موقفها التفاوضي يتآكل.
ومساء الثلاثاء، رحبت الولايات المتحدة بالاتفاق، وقال وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، في بيان، إن الولايات المتحدة «ترحب بالاتفاق المعلن بين السلطات السورية المؤقتة وقوات سوريا الديمقراطية، لدمج شمال شرقي البلاد في سوريا موحدة». وأضاف روبيو أن الولايات المتحدة «تؤكد دعمها لانتقال سياسي يُظهر حوكمة موثوقة وغير طائفية كأفضل سبيل لتجنب المزيد من الصراع». وختم قائلاً: «سنواصل مراقبة القرارات التي تتخذها السلطات المؤقتة، ونلاحظ بقلق أعمال العنف الدامية الأخيرة ضد الأقليات».
دور إيران
يقول ديفيد داود، كبير الباحثين في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، المحسوبة على الجمهوريين، هناك فئات تحاول استغلال ما جرى في الساحل، وهذا سيلعب دوراً في عدم تقوية الاتفاق. وقال داود لـ«الشرق الأوسط»، إن إيران، وبعدما خسرت جراء سقوط الأسد وإضعاف «حزب الله»، كان من الواضح أن من مصلحتها محاولة إفشال الشرع. وبقدر ما يتم إضعافه يتم إفشال جهوده في إعادة بناء وتوحيد سوريا، في ظل ضعف تسليحه. ولكن في حال تمكن من ضم كل الإثنيات، سيكون أكثر قبولاً دولياً، ويظهر بأنه غادر تاريخه السابق.
ومنذ أن أطاح التحالف الذي يرأسه الشرع بسلطة بشار الأسد في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، سعت الحكومة الجديدة إلى توحيد الجماعات المسلحة المنتشرة في جميع أنحاء سوريا، وأقواها القوات التي يقودها الأكراد في شمال شرقي البلاد الغني بالنفط. ومع ذلك، ظل الوضع الأمني غير مستقر، وكانت الميليشيات الكردية من بين أكثر الجماعات تحدياً في إخضاعها للحكومة الجديدة.
شروط ترمب
لا تزال الشكوك تحيط بوعود القيادة الجديدة بإنشاء حكومة شاملة، ويتساءل المتشككون عما إذا كان الشرع قد تخلى عن آرائه الجهادية المتشددة السابقة؛ إذ لا تزال إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب ترهن تطوير علاقاتها مع الشرع ورفع العقوبات الشاملة عن سوريا، بتحقيقه تقدماً في العديد من الملفات؛ الداخلية والخارجية.
وبعدما ترددت معلومات بأن واشنطن كانت على دراية بالمفاوضات الجارية منذ مدة، بل رعتها بشكل مباشر، تحدثت تسريبات عن قيام ستيفن ويتكوف، المبعوث الرئاسي الخاص، بزيارة دمشق في الأسابيع الأخيرة. وقال داود إن إدارة ترمب «تحاول طمأنة الأكراد، لتجنب تكرار تجربة الانسحاب الفوضوي من أفغانستان». وأنها تريد ضمان مستقبلهم وتجنيبهم المجازر، والتنسيق مع تركيا، رغم إصرار أنقرة على مواصلة قتال «الإرهاب» في سوريا. وهو ما قد يكون محاولة من قبلها لمواصلة الضغط على «قسد» للاستفادة من حالة عدم اليقين التي تواجهها مع واشنطن.
ويضيف داود: «الإيرانيون لديهم مصلحة في تقويض سلطة الشرع وتوحيد البلاد، وإظهار أنه لا يزال إرهابياً، الأمر الذي يمكن أن يؤدي إلى التأثير على علاقته بإدارة ترمب وعدم رفع العقوبات عن سوريا». لكنه يقول إنه «من غير المفهوم هذا التقاطع بين جهود إيران لتقويض سلطة الشرع، وجهود إسرائيل خصوصاً بعد تدخلها في قضية الدروز، فالمساهمة في عدم توحيد سوريا، يصب في مصلحة جهود إيران».
ولسنوات، كانت «قسد» التي يقودها الأكراد، الشريك الرئيسي للولايات المتحدة في القتال ضد تنظيم «داعش»، وحققت مكاسب مهمة وباتت تدير في مناطق سيطرتها دولة «بحكم الأمر الواقع» في شمال شرقي سوريا. ولطالما سعت إلى تصوير نفسها حاميةً للأكراد السوريين الذين يشكلون نحو 10 في المائة من سكان البلاد. كما توفر الأمن في معسكرات الاعتقال التي تضم آلاف أعضاء التنظيم وعائلاتهم.
ترمب… نهج جديد
ولكن وسط حالة عدم اليقين المتزايدة بشأن دور واشنطن، كان الدعم الأميركي للميليشيات الكردية أمراً بالغ الأهمية لمواردها المالية. فقد أنفقت الولايات المتحدة عليها نحو 186 مليون دولار في عام 2024. لكن الرئيس ترمب لم يلتزم بعد بمواصلة هذا الدعم، وبعد عودته إلى البيت الأبيض، ضاعف ترمب من شعاره «أميركا أولاً»، بحجة أن سوريا ليست معركة الولايات المتحدة. وكتب على منصته «تروث سوشيال» في ديسمبر (كانون الأول)، عندما كانت قوات المعارضة تقترب من دمشق: «سوريا فوضى، لكنها ليست صديقتنا»، وحث على اتباع نهج عدم التدخل.
أسئلة معلقة
بيد أن الاتفاق لم يجب عن أسئلةٍ لا تزال معلقة. فهل سيُسمح لـ«قسد» بالاندماج داخل القوات المسلحة السورية ككتلة عسكرية مميزة، وهي نقطة خلاف رفضتها حكومة الشرع في المفاوضات السابقة؟ وكيف سيتم تنفيذ الدعوة إلى «وقف إطلاق النار على جميع الأراضي السورية»، في الوقت الذي يتواصل فيه القتال في الشمال الشرقي بين «قسد» والجماعات المسلحة المدعومة من تركيا؟ كما تساءل البعض عمّا إذا كان هذا الاتفاق يمهد لإعادة النظر في العملية السياسية التي بدأتها حكومة الشرع وتعرضت للانتقاد، بسبب ما عده البعض «استئثاراً» بالسلطة.
الشرق الأوسط
—————————-
اتفاق الشرع – عبدي ومعطيات التوقيت سورياً وكردياً/ خورشيد دلي
تحديث 13 أذار 2025
كتب، وسيكتب الكثير عن الاتفاق الذي تم توقيعه بين الرئيس السوري الانتقالي، أحمد الشرع، وقائد قوات سوريا الديمقراطية، مظلوم عبدي، في العاشر من آذار/مارس الجاري، كما سيثير هذا الاتفاق الكثير من الجدل بين مؤيد له وأخر معارض، ولعل هذا الجدل مرتبط بكيفية النظر إلى القضايا الكبرى التي لها علاقة بتطلعات الأطراف في بلدان تمر بأزمات وانقسامات في كل الاتجاهات.
ولا يخفى على أحد أن الاتفاق جاء في سياق تطورات ما بعد سقوط نظام بشار الأسد، وعوامل دولية وإقليمية، ساهمت مجتمعة في التوصل إليه، بعد اجتماعات سرية بين قيادات من “قسد” والإدارة السورية الجديدة، حيث كان لكل من الشرع وعبدي الدور الأساسي في قيادة سفينة الحوار إلى بر الأمان.
دلالات التوقيت
ثمة من يرى أن توقيت التوصل إلى الاتفاق له علاقة بمجموعة من المعطيات لعل أهمها:
1- تطورات الوضع الداخلي السوري مع تفجر الأحداث الدموية في الساحل السوري التي راح ضحيتها المئات إن لم نقل الآلاف من المدنيين وسط ارتكاب مذابح وأعمال قتل على الهوية الطائفية، وهو ما شكل تحدياً مصيرياً ليس لإدارة الشرع فحسب، بل لكل القوى المعنية بمصير سوريا، وربما كان التحدي هنا في كيفية وقف الانزلاق نحو حرب داخلية مفتوحة، فكان جواب الشرع – عبدي هو الاتفاق عبر الحوار، حيث أحيا هذا الاتفاق آمال السوريين في الانتقال إلى عهد جديد، وإمكانية تكرار مثل هذا الاتفاق في أماكن أخرى، لاسيما السويداء.
2- منذ وصول دونالد ترامب إلى سدة البيت الأبيض من جديد، لا يتوقف الرجل عن التلويح بسياسة أميركية جديدة، لا تريد الحروب، وتتجه إلى الحد من الانفاق العسكري، وتقليص الوجود العسكري الأميركي في الخارج، دون أن يعني ما سبق خسارة مناطق استراتيجية مثل سوريا التي هي على حدود إسرائيل التي تشكل أس الاستراتيجية الأميركية في الشرق الأوسط، وانطلاقاً من رؤية واشنطن التي تحاول ترتيب الوضع السوري بعد حربي غزة ولبنان وسقوط النظام السوري، ركزت الإدارة الأميركية على رعاية المفاوضات بين “قسد” والإدارة السورية من أجل اتفاق يوافق رؤيتها، وهي رؤية تقوم على توحيد الجهود السورية في محاربة “داعش”، والسعي إلى دولة مدنية تعددية، تعيش في سلام مع جيرانها، لاسيما إسرائيل، وهذه رؤية تشاركها فيها دول أوروبية كبرى، لاسيما فرنسا وألمانيا، وعليه لا يمكن النظر إلى اتفاق الشرع – عبدي بعيداً عن الجهد والرعاية والموافقة الأميركية.
3- دور مبادرة السلام التي أطلقها زعيم حزب العمال الكردستاني، عبدالله أوجلان، بعد دعوة دولت باهجلي له إلى إطلاقها، وهو ما أوحى بموقف تركي مغاير لما سبق، وإمكانية القبول بعملية سياسية بين الإدارة السورية و”قسد” تنتهي إلى اتفاق يرسخ الوحدة الجغرافية لسوريا، ويضع نهاية للمزاعم والمخاوف التركية من أن “قسد” منخرطة في أجندة انفصالية بعد أن روجت أنقرة لما سبق طويلاً، ولعل الموقف التركي الحذر من اتفاق الشرع – عبدي يوحي بأن تركيا قد تغير من سياستها تجاه “قسد” على وقع تنفيذ خطوات الاتفاق مع الإدارة السورية الجديدة، وتقدم عملية السلام مع أوجلان في الداخل التركي، دون أن يعني ما سبق التخلي عن خطابها التصعيدي لتحقيق أقصى ما يمكن من أجندتها.
الاتفاق كردياً
ثمة عبارة وردت في البند الثاني من الاتفاق، أثارت ردود فعل ناقدة في الشارع الكردي، تلك العبارة التي وصفت الكرد في سوريا بالمجتمع الكردي خلافاً لما هو السائد، أي الشعب الكردي، إذ ثمة فروق بين العبارتين، وهي فروق لها علاقة بالمفاهيم والتوصيفات القانونية والدستورية للحقوق القومية للشعوب والمكونات والمجتمعات الثقافية المختلفة، لكن بعيداً عن هذا الانتقاد يمكن التوقف كردياً عند أربع نقاط هي:
إن الاتفاق شكل منعطفاً في تاريخ الكرد في سوريا، إذ للمرة الأولى في التاريخ يجري التوقيع على اتفاق بين رئيس سوري وزعيم كردي سوري، كما للمرة الأولى يتم الاعتراف رسمياً بالكرد في سوريا، وحقوقهم الدستورية، وهو ما يعني أن هوية الكرد ولغتهم وثقافتهم ومشاركتهم في الحياة السياسية، ستصبح رسمياً جزءاً من الهوية السورية حين إنجاز الاستحقاقات السياسية المرتبطة بهذا الاتفاق وذلك بعد عقود من الإقصاء والتهميش، منذ الوحدة بين سوريا ومصر عام 1958 وصولاً إلى عهد الأسدين.
أن الاتفاق أقر بالحفاظ على “قسد” كقوة عسكرية، سيجري ربطها بوزارة الدفاع السورية وفق هيكلية معينة، وهذا يشكل انجازاً حقيقياً للكرد بوصفهم جزءاً أساسياً من هذه القوة التي أثبتت نجاعتها في الدفاع عنهم، كما باقي شعوب شمال شرق سوريا، سواء في مواجهة “داعش” أو الفصائل العسكرية التابعة لتركيا.
إن الاتفاق فتح الباب أمام عودة النازحين واللاجئين من المناطق التي احتلتها تركيا، وتسيطر عليها الفصائل المسلحة بدعم تركي، فمن رأس العين إلى عفرين مروراً بتل أبيض، هناك مئات آلاف الكرد الذين أُرغموا على النزوح من مدنهم وبلداتهم وقراهم، وسط عمليات تغيير ديمغرافي، ونهب للممتلكات، وانتهاكات واسعة، إذ ضمن الاتفاق في بنده الخامس عودة هؤلاء إلى مناطقهم الأصلية وأن تقوم الدولة السورية بتأمين الحماية، وهذا إنجاز كبير في غاية الأهمية.
إن الاتفاق يضمن للمرة الأولى رسمياً مشاركة الكرد في الحياة العامة السورية، من خلال مشاركتهم في الحكومة والبرلمان والحياة الحزبية والسياسية، ولعل الامتحان هنا، يتعلق بدرجة مشاركتهم وإشراكهم في الحكومة المقبلة التي يبدو أنه تأجّل إعلانها في انتظار انجاز اتفاق الشرع – عبدي، بعد أن كان الإعلان مقرراً مطلع آذار الجاري مع انتهاء مدة الحكومة الانتقالية.
الاتفاق سورياً
شكلت الاحتفالات العامة التي جرت في مختلف المدن السورية تعبيراً عن الفرح بعهد جديد، إلى درجة أن البعض شبه هذه الاحتفالات بتلك التي جرت عقب سقوط نظام الأسد، كما أن توقيت الاتفاق جدد آمال السوريين بخلاص بلادهم من أزماتها بعد أن كادت تتلاشى على وقع المذابح وأعمال القتل والنهب التي ارتكبت في الساحل السوري، وعليه نبه الاتفاق إلى أن الحوار السوري- السوري وحده يمكن أن يكون مخرجاً لكل المأساة السورية، وأولى الخطوات الفعلية تكمن في وقف جميع الأعمال القتالية على كافة الأراضي السورية.
وأعطى الاتفاق قوة دفع كبيرة للعملية السياسية الجارية في سوريا، وفتح الباب أمام مشاركة كافة المكونات في هذه العملية، وهو ما سيوحد الجهود السورية على شكل بداية جديدة في التعايش المشترك، والحفاظ على وحدة الأراضي السورية، وتحديد الأولويات السياسية سواء في الداخل من خلال ترتيب البيت السوري لتجاوز التحديات، وترميم الجروح، ووضع خطة استراتيجية للنهوض بالبلاد، والأهم تقوية المناعة السورية في مواجهة المشاريع الإقليمية التي تستهدف سوريا، وخارجياً من شأن هذا الاتفاق، تقوية الدبلوماسية السورية، وزيادة الاهتمام والدعم الدوليين لسوريا في تجاوز أزماتها، وصولاً إلى إمكانية رفع العقوبات عنها، إذا ما انتهجت القيادة السورية خطوات واضحة وشفافة نحو دولة مدنية تعددية بعيداً عن البعد الأيديولوجي الذي ما زال يثير المخاوف لدى العديد من الدول في المنطقة والعالم، بل وحتى من قبل مكونات في الداخل السوري، خاصة بعد كل ما جرى في الساحل السوري.
من دون شك، الاتفاق الذي وصف بالتاريخي، وفّر فرصة تاريخية لخروج سوريا من أزماتها عبر الحوار، حوار عرف قيمته كل من الشرع القادم من عمق المنظمات الجهادية، وعبدي القادم من قلب الفكر اليساري، معادلة تشير إلى أن الاختلاف الأيديولوجي لا يحول دون بناء الدول إذا ما توفر قادة حقيقيون في قيادة بلادهم وشعوبهم رغم كل التحديات والعقبات.
—————————–
غموض استراتيجية واشنطن في سوريا: رؤيتان متناقضتان؟/ يحيى شمص
ثلاثة مطالب رئيسية تريدها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب من حكومة أحمد الشرع كي تدعمها.
تحديث 13 أذار 2025
تتغير الرؤية الأميركية بشأن سوريا بشكل مستمر استجابة للمتغيرات السياسية والأمنية الطارئة، إذ أصبح الدعم العسكري الأميركي لقوات سوريا الديموقراطية (قسد) في الشمال حاجة ملحة تتماشى مع المصلحة الأميركية، رغم الاتفاق الأخير بين قسد والرئيس السوري احمد الشرع، والذي لم يبدأ الطرفان تنفيذه حتى الان.
ويتزامن التحرك الأميركي مع عمليات عسكرية إسرائيلية في الجنوب، ما يعكس، بحسب مراقبين، تنسيقاً مُسبقاً لتحقيق هدف مشترك: إعادة تشكيل خريطة الشرق الأوسط، بحيث تظل إسرائيل في المقدمة، مع تراجع أي نفوذ إقليمي أو دولي خارج نطاق السيطرة الأميركية – الإسرائيلية.
ومع تولي الشرع للسلطة، برزت تساؤلات عدة بشأن كيفية تغيّر سياسة أميركا تجاه سوريا، وعن استراتيجيتها الحالية وأهدافها ومصالحها، وعن مطالبها من الرئيس السوري الانتقالي، لا سيما بعد الاتفاق مع قسد في الشمال والتفاهمات مع القوى الدرزية في الجنوب، وترتيبات الساحل اثر المجازر الفظيعة هناك.
رؤيتان أميركيتان تجاه سوريا؟
كانت السياسة الأميركية في سوريا موضوعا للتباين في الآراء والمقاربات، وهذا يعكس عدم وجود رؤية واحدة لدى صناع القرار في واشنطن. وفي هذا السياق يسلط الكاتب والمحلل السياسي من واشنطن حسن منيمنة الضوء على رؤيتين رئيسيتين تجاه سوريا في الولايات المتحدة.
الرؤية الأولى تأتي من الطاقم السياسي القديم، الذي يركز على تحقيق الاستقرار من خلال دعم حكومة مركزية قادرة على التعامل مع الولايات المتحدة وفق معايير معينة وتحت رقابة مستمرة. وبناءً على هذا الأساس يتم الدعم ورفع العقوبات وتحقيق أمور إجرائية أخرى.
الرؤية الثانية تتبنى المنظور الإسرائيلي، وتقول إن “سوريا الأنفع” هي المشتتة والمفككة. هذا التوجه يدعم “قدس”، وربما يدعم قيام منطقة ذات وضع خاص في الجنوب السوري، وينظر بإيجابية إلى الحالة الخاصة بالساحل السوري.
وعلى الرغم من التناقض بين هذين التوجهين، يلفت منيمنة، في حديثه لــ”النهار”، إلى أن الولايات المتحدة تمضي قدما في اتباع كليهما، بحثا عن توازن يضمن لها دورا في مستقبل دمشق.
المعضلة الأساس في اتفاق الشرع وقسد؟
يرى منيمنة أن “قسد” ونظام الشرع يتمتعان بسمات مشتركة، إذ يعتمد كلاهما على قوة ذاتية مدعومة من أطراف خارجية، فبينما تعتمد “قسد” على حزب العمال الكردستاني في قضايا معينة، يعتمد نظام الشرع على القوى العسكرية الأجنبية مثل المجموعات الأوزبكية والأويغورية والشيشانية.
يحذر منيمنة من احتمال نشوب مواجهة بين “قسد” ووزارة الدفاع السورية (الفصائل التابعة للشرع)، وهو ما قد يضعف العنصر السوري في كلا الجانبين، أي يجعلهما مضطرين للاعتماد على دعم خارجي.
المعضلة الأساس تكمن في كيفية تنفيذ اتفاق الدمج بين الطرفين، والذي يتطلب موافقة جميع الأطراف المعنية، بما في ذلك الحكومة السورية. وفي حال تم تنفيذ الاتفاق بنجاح، قد يساهم ذلك في تغيير طبيعة الدولة السورية نحو دولة مركزية بدلاً من دولة إسلامية، ما يمنح الأكراد فرصة لتأمين مصالحهم بما يخدم وحدة سوريا.
يرفض منيمنة الربط بين الاتفاقات الأخيرة والمجازر في الساحل السوري، لكن توقيت هذه الأحداث قد يسهم في تسريع بناء التحالفات، ويؤكد أن نجاح الاتفاق يعتمد على نقطتين رئيسيتين:
أولاً: التحقيق الجاد في مجازر الساحل.
ثانياً: وقف المناوشات بين “قسد” ووزارة الدفاع السورية لا سيما في المناطق الكردية.
ماذا تريد واشنطن من حكومة الشرع؟
وهناك ثلاثة مطالب رئيسية تريدها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب من الحكومة السورية حتى تدعمها، وفق منيمنة، وهي:
1- المساهمة في تفكيك أي فصيل يمكن أن يصنف إرهابياً في الولايات المتحدة.
2- عدم الاعتراض على الاحتلال الإسرائيلي للجولان باعتبار أن الولايات المتحدة قد أقرت به، وعدم الاعتراض على الجنوب السوري كمنطقة نفوذ إسرائيلي.
3- سير الحكومة السورية الجديدة باتجاه تطبيع العلاقات مع إسرائيل.
تنازلات يسعى ترامب للحصول عليها من الإدارة السورية
الصحافي والكاتب المختص في الشأن الأميركي ستيفن صهيوني لا يرى صعوبة كبيرة أمام إدارة ترامب في صياغة استراتيجية جديدة تجاه سوريا. ومع ذلك، يجب عدم إغفال بأن “الرئيس الأميركي هو رجل أعمال أيضاً يسعى لتحقيق مكاسب اقتصادية من خلال تقديم تنازلات، سواء كانت تتعلق بعقود النفط والغاز أو بمعالجة القضية الفلسطينية وتطبيع العلاقات مع إسرائيل، بالإضافة إلى المكاسب الاستراتيجية الأخرى”.
وتُعتبر الطاقة عاملا أساسيا في تحديد سياسة ترامب تجاه سوريا، يقول صهيوني لــ”النهار”، والجميع يدرك حجم الثروات النفطية والغازية في البحر الأبيض المتوسط. لذا، يجب أن يكون لدى دمشق موقف متعاون تجاه الإدارة الأميركية، ما يعني أن ترامب لن يسمح بإبرام عقود لإعادة الإعمار أو استخراج النفط والغاز، إلا تحت مظلة المصالح الأميركية.
وبرأيي صهيوني، فإنّ المكسب الوحيد الذي حققته السلطات السورية من اتفاق دمشق هو توقيته، إذ كان العالم أجمع يتحدث عن المجازر في الساحل السوري، أما الطرف الأكثر استفادة هم الأكراد الذين وافقوا على هذا الاتفاق بدعم أميركي، وهناك شروط في الاتفاق تحميهم من أي عملية عسكرية كبرى من قبل القوات التركية. وعليه، لا يستطيع الأتراك تنفيذ أي عملية عسكرية ضد الأكراد بعد هذا الاتفاق، بالإضافة إلى دعوة عبد الله أوجلان لهم بوقف القتال.
تنازلات قدمها الشرع لترامب؟
قدمت الإدارة الجديدة في دمشق تنازلات نتيجة الضغوطات الدولية على خلفية المجازر في الساحل السوري، من خلال تنفيذ مطالب الأميركيين في عدة ملفات، منها الملف الكردي المرتبط بالاتفاق الأخير، والتسوية مع الدروز، والعلاقة مع إسرائيل، ويحتمل أن يكون هناك ما يتعلق بملف التوطين. هذه التنازلات جاءت نتيجة الأخطاء والمجازر في الساحل السوري والضغوطات الدولية المتزايدة.
ويذكّر صهيوني بالدعوة الروسية – الأميركية لعقد جلسة لمجلس الأمن، وهو أمر لم يحدث منذ عدة سنوات، ما دفع الإدارة السورية إلى الإسراع في تدارك أي قرارات جديدة أممية قد تصدر ضدها، وبالتالي تقديم تنازلات عاجلة، بعضها سري، وقد يتم الكشف عن تفاصيلها في المستقبل.
ويعتبر تحقيق الاستقرار في سوريا مطلباً أميركياً قد يتطلب تنازلات معينة من الحكومة السورية الجديدة. وفي حال تم قبول نظام تقسيمي مستدام، تبقى احتمالات الهدوء والوحدة ضعيفة للغاية في ظل المشهد السياسي المتشرذم.
النهار العربي
———————-
متحدّياً طهران وتل أبيب: مظلوم عبدي ينتقم للشّرع/ سمير صالحة
تحديث 13 أذار 2025
من غير المستغرب أن تشتعل الأجواء في الساحل السوري ذي الكثافة السّكّانية العلويّة، وأن نرى ارتدادات هذا الاشتعال تتفاعل في أكثر من مكان، وأن يحمل معه هذا التفجير، برغبة إيرانية إسرائيلية وعبر ما بقي من فلول النظام السابق، نقاشات سياسية وإعلامية واسعة واكبتها اصطفافات وانقسامات حول مجريات الأحداث وتأثيرها على سوريا والمنطقة.
احتمال كبير أن تكون تركيا هي الدولة الثانية بعد سوريا الأكثر تفاعلاً مع اشتعال الوضع في الساحل السوري. السبب ليس فقط رقص إيران وإسرائيل على معزوفة واحدة، والتقاء مصالحهما وأهدافهما في الداخل السوري وفي مواجهة السياسة التركية، بل لوجود شريحة سكّانية واسعة من العلويين الأتراك الذين تربطهم قرابة بعلويّي الجانب الآخر من الحدود، وأقلقهم ما يجري في غرب سوريا، كما يقول رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو.
يردّد وزير الخارجية التركي هاكان فيدان أمام منصّة دول الجوار السوري المجتمعة في العاصمة الأردنية أنّ “هناك من يريد إخراج سوريا عن مسارها الجديد عبر القيام بأعمال التحريض والاستفزاز”. ويعلن مساعد رئيس الجمهورية التركي جودت يلماز أنّ “محاولة عرقلة خروج سوريا من محنتها التي يقودها فلول النظام السابق وبعض من يتحرّك خارج القانون لن تنجح”. ما يقلق أنقرة ليس فقط ما يجري في مناطق الساحل السوري لأنّ الأوضاع سيتمّ تطويقها هناك، بل احتمال انتقاله إلى مناطق سوريّة أخرى في الجنوب والشرق تحت طابع مذهبي وعرقي، وهو ما يعقّد الوضع الأمنيّ والسياسي أكثر فأكثر، واستهداف سياسة تركيا السوريّة وعلاقاتها مع الحكومة السورية الجديدة التي تحوّلت إلى شراكة استراتيجيّة تثير غضب المتضرّرين من ذلك، وفي مقدَّمهم إيران وإسرائيل.
من غير المستغرب أن تشتعل الأجواء في الساحل السوري ذي الكثافة السّكّانية العلويّة، وأن نرى ارتدادات هذا الاشتعال تتفاعل في أكثر من مكان
مفاجأة كبرى
كان من المفترض أن تركّز هذه المادّة على مواصلة الحديث عن الخطر المحدق بسوريا بعد انفجار الأحداث في الساحل، وأن يدور الحديث عن الوضع الأمنيّ والسياسي الصعب الذي ينتظر سوريا الجديدة بعد إشعال جبهة الساحل، لكنّ الرئيس السوري أحمد الشرع دفعنا إلى تغيير المسار والحديث عن الإنجاز الثاني الكبير الذي يحقّقه خلال 3 أشهر على طريق بناء سوريا الجديدة عبر تفاهماته المفاجئة مع مظلوم عبدي قائد قوات سوريا الديمقراطية التي قلبت الطاولة في اللحظة الأخيرة.
عندما كانت:
– نقابة محامي مدينة هطاي تستعدّ لتقديم شكوى ضدّ أحد الإعلاميين المقرّبين من حزب العدالة بسبب مقالته عمّا يجري في الساحل السوري بتهمة إثارة النعرات.
– وكانت قيادات حزب الشعب الجمهوري التركي المعارض تعرب عن قلقها من “تصاعد العنف ضدّ العلويين في اللاذقية ومحيطها، وارتفاع أعداد الضحايا المدنيين، والمخاوف من ارتكاب مجازر ضدّ الأقلّيات”.
– العديد من الأصوات والمنظّمات الدولية كانت تدعو إلى إجراء تحقيقات فوريّة وشفّافة ونزيهة في جميع عمليات القتل والانتهاكات التي حدثت في الساحل السوري، ومحاسبة المسؤولين عنها.
– الخارجية الروسيّة كانت تضع اللمسات الأخيرة مع نظيرتها الأميركية على تفاهم الذهاب إلى مجلس الأمن الدولي لطرح مستجدّات الوضع الأمنيّ المتدهور في سوريا. ثمّ تعلن أنّ مبعوث الرئيس الروسي إلى الشرق الأوسط وإفريقيا ميخائيل بوغدانوف استقبل السفير التركي في موسكو تانجو بيلغيتش بناء على طلبه، في لقاء جرى خلاله “تبادل معمّق لوجهات النظر حول الوضع في الشرق الأوسط مع التركيز على تطوّرات الوضع في سوريا”.
– وكان التصعيد الإعلامي والسياسي الإيراني الإسرائيلي في ذروته في محاولة للاستثمار في تلك الأحداث عبر تحريض الأقلّيات والترويج لـ”جبهة المقاومة الإسلامية في سوريا” وجماعة ” أولي البأس”.
– وكانت السيناريوهات التي تتحدّث عن دور “قسد” في مخطّط تفجير الوضع الأمنيّ السوري تتفاعل وتنتشر.
يردّد وزير الخارجية التركي هاكان فيدان أمام منصّة دول الجوار السوري المجتمعة في العاصمة الأردنية أنّ هناك من يريد إخراج سوريا عن مسارها الجديد
أعلنت رئاسة الجمهورية السوريّة توقيع اتفاقية بين الشرع وعبدي بعد أسابيع من المفاوضات انتهت بمفاجأة لا تقلّ قيمة عن رسالة أوجلان لعناصر حزب العمّال الكردستاني وداعميه في قنديل وشرق الفرات لترك السلاح وحلّ الحزب وإنهاء العمل المسلّح ضدّ القوات التركية.
حفرة السّاحل
تضمّ الاتفاقية ثمانية بنود أهمّها: الاعتراف بالمجتمع الكردي مكوّناً أصيلاً في الدولة السورية، وضمان حقوقه، ودمج كلّ المؤسّسات المدنية والعسكرية في شمال سوريا وشرقها ضمن إدارة الدولة السورية، وضمان عودة جميع المهجّرين السوريّين إلى مناطقهم مع توفير الحماية اللازمة لهم، ودعم الدولة السورية في مواجهة التهديدات التي تمسّ أمنها ووحدتها، ورفض دعوات التقسيم.
هناك مراعاة إقليمية ودولية في بعض بنود الاتّفاق للّاعبين المؤثّرين في الملفّ السوري. لكنّ الأهمّ هو ولادته بصناعة سورية – سورية تأخذ في الاعتبار مصالح سوريا وشعبها أوّلاً.
حتّى لو كانت الجهود التركية الأميركية العربية، بعيداً من الأضواء، هي المسهّل والمحرّك، وحتّى لو سبق هذا الإنجاز ما حقّقته أنقرة من خلال إقناع عبدالله أوجلان بالتخلّي عن مواقفه وطروحاته الكردية. وكان عبدي يعلن تبنّيه لما دعا إليه أوجلان قبل انعقاد مؤتمر حزب العمّال من خلال التراجع عن الكثير من المطالب والمواقف السياسية والعسكرية، مخيّباً آمال المراهنين على مشروع سياسي في إطار حكم ذاتي كردي في سوريا. وتسجّل التفاهمات بين دمشق والقامشلي في خانة الشرع الذي كانت طهران وتل أبيب تريدان رميه في حفرة الساحل السوري على أن لا يخرج منها.
أساس ميديا
————————————-
سوريا المستقبل… لا تقسيم ولا إيران/ خيرالله خيرالله
2025-03-13
يتغيّر المشهد الداخلي السوري بسرعة كبيرة. انتقل، في غضون ساعات، من الضربة القويّة التي تعرّض لها النظام الجديد الذي وقع في فخّ نصبته له إيران عبر استخدام “فلول النظام السابق” في الساحل السوري… إلى الاتّفاق الذي وقّعه الرئيس أحمد الشرع مع مظلوم عبدي القائد العامّ لـ”قوات سوريا الديمقراطية”.
وقّع الشرع اتّفاقاً مع الأكراد أقلّ ما يمكن وصفه بأنّه اتّفاق تاريخي يمثّل نقلة نوعية في مجال رسم الخطوط العريضة لسوريا المستقبل المتصالحة مع نفسها، أي مع السوريين من كلّ المذاهب والطوائف والمناطق والقوميّات.
يكفي التمعّن في النقاط الثماني التي تضمّنها الاتّفاق بين الشرع وعبدي للتأكّد من أنّ سوريا انتقلت إلى مرحلة مختلفة لا مكان فيها للتقسيم ولا للإقصاء، أقلّه من الناحية النظريّة. بات هناك اتّفاق خطّيّ يحمل توقيع “رئيس الجمهوريّة العربيّة السوريّة” يؤكّد “الاعتراف بالمجتمع الكردي جزءاً أصيلاً من الدولة السوريّة”.
الأكيد أن ليس في الإمكان تبرير ما تعرّض له العلويّون في الأيّام التي سبقت توقيع الاتّفاق مع الأكراد. تبيّن أنّ هناك فصائل تكفيريّة مسلّحة خارجة عن سلطة الدولة مستعدّة لارتكاب مجازر في حقّ الأقلّيّة العلوية التي لا يزال قسم منها يرفض، للأسف، الاعتراف بالواقع الجديد المتمثّل بسقوط نظام آل الأسد. حسناً فعل أحمد الشرع عندما سارع إلى تشكيل لجنة تحقيق، تضمّ عضواً علويّاً هو خالد الأحمد، من أجل تأكيد أنّ هذه الفصائل لا تمثّل الدولة، مبدياً استعداده لمحاسبة كلّ من على يده دماء بريئة. في النهاية، كان قسم من العلويّين من ضحايا آل الأسد، مثلهم مثل السوريّين الآخرين.
يبدو واضحاً من خلال تطوّر الأحداث في الساحل السوري أن لا رغبة دولية في تقسيم سوريا من جهة، وأنّ هناك معارضة غربيّة شديدة لأيّ عودة إيرانية إلى سوريا
رسالة للدّروز
الأكيد أيضاً أنّ من الضروري استخلاص العبر من أحداث الساحل السوري. في مقدَّم تلك العبر أنّ الغرب عموماً ليس مستعدّاً للدخول في لعبة التقسيم التي يراهن عليها الضبّاط الموالون للنظام السابق، والذين يلقون دعماً إيرانيّاً مباشراً أو عبر “الحزب” في لبنان والحكومة العراقية برئاسة محمّد شيّاع السوداني وفصائل من “الحشد الشعبي”، الذي هو جزء من تركيبة هذه الحكومة. ليس هناك في الغرب، خصوصاً في الولايات المتحدة، من يريد عودة “الجمهوريّة الإسلاميّة” إلى سوريا كما كانت عليه الحال أيّام بشّار الأسد لا يزال في دمشق. في طبيعة الحال، ليس في الغرب من يريد السماح لإيران بالعودة أيضاً إلى لبنان بعدما حوّل “الحزب”، في مرحلة معيّنة، بيروت إلى مدينة إيرانية على شاطئ المتوسّط.
من هذا المنطلق، كانت هناك لملمة سريعة لأحداث الساحل السوري. ليس صحيحاً أنّ الأمم المتّحدة بعثت بلجنة تحقيق إلى القرى التي وقعت فيها مجازر. يوجد بيان صادر عن “مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانيّة في سوريا” ينفي نفياً قاطعاً “زيارة الساحل السوري لإجراء تحقيقات في المنطقة”.
يبدو واضحاً من خلال تطوّر الأحداث في الساحل السوري أن لا رغبة دولية في تقسيم سوريا من جهة، وأنّ هناك معارضة غربيّة شديدة لأيّ عودة إيرانية إلى سوريا، سواء إلى الساحل أو دمشق أو الجنوب السوري، من جهة أخرى. أكثر من ذلك، يعتبر ما حدث في الساحل السوري رسالة إلى الدروز أيضاً الذين هم جزء من النسيج السوري. فحوى الرسالة أنّ الرهان على كيان درزي، حتّى لو دعمته إسرائيل، ليس رهاناً في محلّه. توجد معلومات عن التوصّل قريباً إلى اتّفاق مع المكوّن الدرزي على إدارة الدروز لمؤسّسات الدولة في السويداء على أن يفتح باب التطوّع لدروز السويداء في وزارة الدفاع السورية. وسيتضمّن الاتّفاق بنوداً أخرى في شأن ظروف انتشار الأمن السوري في السويداء وهو ما تم التداول به بين الشرع ووفد السويداء منذ أيام.
من الواضح أنّ أحداث الساحل السوري صارت من الماضي، خصوصاً إذا استطاع الحكم الجديد في سوريا ضبط الفصائل التكفيرية غير المنضبطة وتدجينها
تبدو أحداث الساحل السوري قابلة للمعالجة، خصوصاً في حال تبيّن أنّ أحمد الشرع مستعدّ للطلاق تماماً مع ماضيه القريب حين كان يُعرف بـ”أبي محمد الجولاني”. يشير الاتّفاق الذي وقّعه مع “قسد” (قوات سوريا الديمقراطية)، أي مع الأكراد، إلى أنّ الرجل مستعدّ للتأقلم مع الواقع القائم، بما في ذلك الاعتراف بأن ليس أمامه غير هذا الخيار في حال كان يسعى بالفعل إلى قيام سوريا جديدة، الدولة التي فيها مساواة بين كلّ المواطنين، سوريا المختلفة عن سوريا النظام العلويّ الذي أسّسه حافظ الأسد تحت عنوان “السجن الكبير”… والذي سمح لإيران بوضع يدها على البلد.
مستقبل جديد
يختزل الخيار المتوافر لأحمد الشرع البنود التي تضمّنها الاتّفاق مع الأكراد. مثل هذا الاتّفاق لم يكن ممكناً لولا الضوء الأخضر الأميركي. إنّه أيضاً اتّفاق يرضي تركيا التي لديها هاجسها الكردي. يتمثّل هذا الهاجس في قيام كيان كردي مستقلّ في سوريا تنتقل عدواه إلى تركيا نفسها.
من المفيد ملاحظة أنّ الاتّفاق بين الشرع وعبدي حظي بتشجيع من الزعيم الكردي مسعود بارزاني الذي قدّر تقديراً كبيراً الاعتراف بحقوق المواطن الكردي في سوريا. وجاء الاتّفاق بعد أيّام من إعلان عبدالله أوجلان زعيم حزب العمّال الكردي (PKK)، من داخل سجنه التركي، عن تخلّي حزبه عن الكفاح المسلّح في تركيا.
من الواضح أنّ أحداث الساحل السوري صارت من الماضي، خصوصاً إذا استطاع الحكم الجديد في سوريا ضبط الفصائل التكفيرية غير المنضبطة وتدجينها. من الواضح أيضاً أنّ الاتّفاق مع الأكراد يمثّل المستقبل، خصوصاً أنّه يتحدّث عن “دمج كلّ المؤسّسات المدنيّة والعسكريّة في شمال شرق سوريا ضمن إدارة الدولة السورية”، وعن “رفض دعوات التقسيم وخطاب الكراهية ومحاولات بثّ الفرقة بين كلّ مكوّنات المجتمع السوري”.
تتطلّع سوريا، على الرغم من كلّ المشاكل التي تواجهها وخصوصاً في المجال الاقتصادي، إلى مستقبل آخر مختلف، بعيداً عن التقسيم وبعيداً عن إيران، التي لم يعد لها ما تستثمر فيه غير إثارة “المسألة العلويّة”. هذه صفحة طُويت، وطُويت معها صفحة استخدام الأراضي السوريّة لإغراق لبنان بالفتن عبر سلاح غير شرعي، ولا خلاص لهذا البلد من دون الخلاص منه نهائياً.
أساس ميديا
——————————-
لماذا وقّع أكراد سوريا اتفاقاً مع النظام الجديد؟/ حسناء بو حرفوش
2025-03-13
في 10 آذار، وقّعت “قوات سوريا الديموقراطية” اتفاقاً مع الحكومة السورية المؤقتة، يقضي بدمج قوة تضم 100 ألف مقاتل معظمهم من الأكراد، ضمن الجيش السوري الجديد. وجاءت هذه الخطوة كمفاجأة، نظراً الى الشكوك العميقة التي لطالما حملها أكراد سوريا تجاه الحكومة الجديدة.
وفي البداية، تعاملت “قوات سوريا الديموقراطية” بحذر، إذ شكك القادة الأكراد في قدرة زعيم جهادي سابق على تأسيس حكومة شاملة. فما الذي دفع هؤلاء الى قبول الاندماج في النهاية؟ التفسير الأكثر منطقية وفقاً لقراءة في موقع Long War Journal يكمن في ضمان أمني من تركيا. ففي 27 شباط، سمحت السلطات التركية للزعيم الكردي عبد الله أوجلان، بإصدار بيان عام يدعو إلى نزع سلاح حزب العمال الكردستاني وحله – وهو الحزب الذي أسسه أوجلان ويُعتبر المرجعية الأيديولوجية.
وربما تهدف المفاوضات مع أوجلان الى كسب دعم النواب الأكراد في البرلمان لتمرير تعديلات دستورية. وفي المقابل، قد يكون أوجلان طالب بضمانات دستورية للحقوق السياسية والثقافية للأكراد، إضافةً إلى تعهد تركيا بعدم مهاجمة “قوات سوريا الديموقراطية”.
مقامرة محفوفة بالمخاطر
قد يرى البعض أن الاتفاق بين “قوات سوريا الديموقراطية” والنظام السوري الجديد صفقة خطيرة. فمع احتمال انسحاب الولايات المتحدة من سوريا، تواجه “قوات سوريا الديموقراطية” واقعاً قاسياً: من دون الحماية الأميركية، هل قد تصبح عرضة لهجوم تركي شامل؟ وبالتالي، الاندماج في الجيش السوري قد يوفر لها حاجزاً مؤقتاً ضد العدوان التركي.
ومع ذلك، لا يزال مصير هذا الاندماج غير واضح. فإذا تم استهداف الأقليات أو إذا تعرض الأكراد للاضطهاد، فمن المحتمل أن تكون لدى “قوات سوريا الديموقراطية” خطط بديلة للانسحاب من الاتفاق. لكن في الوقت الحالي، يبدو أن هذا الاتفاق يعكس استراتيجية براغماتية لكنها محفوفة بالمخاطر، تهدف الى البقاء وسط صراع غير قابل للتنبؤ.
ووفقاً لقراءة في موقع “نيويورك تايمز”، يُمثّل الاتفاق “انتصاراً كبيراً لدمشق في سعيها الى توحيد البلاد، وسط استمرار الاضطرابات العنيفة في المنطقة الساحلية. ويشكل الاندماج مع الحكومة السورية الجديدة، اختراقاً كبيراً لدمشق في جهودها لتوحيد البلاد التي لا تزال تعاني من اضطرابات عنيفة.
وأُعلن مكتب الرئاسة السورية عن الاتفاق، ووقعه الطرفان، ونصّ على دمج “جميع المؤسسات المدنية والعسكرية” التابعة لـ “قوات سوريا الديموقراطية” المدعومة من الولايات المتحدة في الدولة السورية الجديدة بحلول نهاية العام، بما في ذلك سيطرتها على حقول النفط والغاز الاستراتيجية.
كما تضمّن الاتفاق التزام “قوات سوريا الديموقراطية” بمساعدة دمشق في محاربة فلول نظام الأسد، وأكد “حق جميع السوريين في التمثيل والمشاركة في العملية السياسية”، في ظل تعهّدات القيادة الجديدة في سوريا بتشكيل حكومة شاملة بعد سنوات من الصراع الطائفي.
تعزيز موقف الحكومة الجديدة
وتزامن توقيع الاتفاق مع تصاعد الاشتباكات العنيفة في المنطقة الساحلية السورية، والتي أودت بحياة أكثر من 1,300 شخص، ما منح الرئيس السوري المؤقت أحمد الشرع لحظة استراحة في ظل الأزمة المتفاقمة.
ومنذ أن أطاحت قوات المعارضة بقيادة الشرع الرئيس السابق بشار الأسد، سعت الحكومة الجديدة إلى توحيد الجماعات المسلحة المتعددة التي تنشط في سوريا، وكان من بين أبرزها القوات الكردية المتمركزة في الشمال الشرقي الغني بالنفط. غير أن الوضع الأمني ظل هشاً، وكانت قوات سوريا الديموقراطية من أكثر الفصائل صعوبة في ضمها إلى الدولة الجديدة”.
أسئلة حول مستقبل الاتفاق
وعلى الرغم من التقدّم الذي أحرزه الاتفاق، لا يزال هناك العديد من التساؤلات الذي لم يجد إجابات واضحة. ولم يُعرف بعد ما إذا كانت “قوات سوريا الديموقراطية” ستُمنح الحق في العمل ككيان عسكري مستقل داخل القوات المسلحة السورية، وهي نقطة خلاف رئيسية في المفاوضات السابقة، حيث رفضت الحكومة هذا المطلب في الماضي. كما لم تحدد بصورة دقيقة كيفية تنفيذ البند المتعلق بـ “وقف إطلاق النار في جميع الأراضي السورية”.
وفي الوقت نفسه، استمرت الاشتباكات في الشمال الشرقي بين القوات الكردية والجماعات المسلحة المدعومة من تركيا، الحليف الرئيسي للحكومة الجديدة في دمشق. ولطالما نظرت تركيا إلى “قوات سوريا الديموقراطية” باعتبارها امتداداً لحزب العمال الكردستاني. وكانت الحكومة السورية الجديدة قد أمرت جميع الجماعات المسلحة بحلّ نفسها، وفي الأسابيع الأخيرة، وافقت عدة ميليشيات بارزة على العمل مع السلطات الجديدة، إلا أنه لم يتضح بعد ما إذا كانت هذه الجماعات قد اندمجت بالكامل في جيش وطني موحّد.
موقع لبنان الكبير
——————————————
اتفاق فضفاض بلا ضمانات: ما الذي ينتظر الأكراد؟/ الدكتور محمد نور الدين
13 أذار 2025
في وقت كانت فيه الأنظار مصوّبة إلى المجازر المرتكَبة بحقّ العلويين في منطقة الساحل، أبرمت «قوات سوريا الديموقراطية» ودمشق، اتفاق تسوية مفاجئاً بمضمونه كما بتوقيته. وجاء الاتفاق الذي وقّع عليه كلّ من مظلوم عبدي وأحمد الشرع، بينما كانت السلطات التركية، بمسؤوليها وإعلامها، تتّهم «قسد» ومن خلفها «حزب العمال الكردستاني»، بالتحريض المباشر على التمرّد ضدّ النظام في مناطق العلويين، والوقوف إلى جانب إيران وإسرائيل، علماً أن تقديرات سرت، بالتوازي مع ذلك، حول استحالة قبول الأكراد بتسليم سلاحهم بعد مجازر الساحل.
وإذ يكاد الاتفاق لا يخرج عن حدود الإنشائيات التي تحتاج إلى ترجمتها على أرض الواقع، فإن بيت القصيد، بالنسبة إلى الأكراد، يكمن في المادتَين الثانية والرابعة؛ إذ تتضمّن الأخيرة تنازلات نظرية «كبيرة جداً» من الجانب الكردي، من مثل تسليم المعابر الحدودية والمطارات وحقول النفط والغاز لقوات دمشق، فيما الفقرة الأهمّ فيه تشير إلى «دمج» المؤسسات المدنية والعسكرية في شمال شرق سوريا ضمن إدارة الدولة، من دون أن توضح طبيعة هذا «الدمج»، وما إذا كان يعني انخراط «قسد» الكامل في صفوف الجيش، أو بقاءها فصيلاً موازياً تحت إمرة مركزية واحدة، يكون الأكراد جزءاً منها.
ولا يقلّ البند الثاني أهميّة عمّا تقدّم، إذ يتمحور حول «الاعتراف» من جانب الرئيس الانتقالي، أحمد الشرع، بما سمّاه الاتفاق «المجتمع الكردي»، واعتبار هذا الأخير أصيلاً، وحماية حقّه في المواطنة، وحقوقه الدستورية الأخرى كافة. وإذا كانت المواطنة حقّاً طبيعيّاً لكلّ السوريين، فإن ترجمتها في نصّ دستوري يعدّ ذا أهمية بالنسبة إلى الأكراد، كون الدستور يفترض أن يتضمّن حقوقاً كاملة لهم في التحدّث والتعلّم بلغتهم في المدارس والجامعات الواقعة في مناطقهم.
على أيّ حال، يبقى واضحاً أن انخراط الأكراد في الدولة، بعد موافقتهم على حلّ فصائلهم المسلحة وتسليم المعابر وحقول النفط والمراكز العسكرية والمطارات والسجون وغيرها للدولة، لا يمكن أن يقابله ما هو أقلّ من الحقوق المشار إليها؛ وخلا ذلك، يكون الاتفاق مجرّد جس نبض لتطوّرات مستقبلية تعدِّل فيه أو ربّما تلغيه. أما في حال تطبيقه بتفاصيله المعلنة والمضمرة، فيشكّل خطوة كبيرة جداً نحو وحدة سوريا، وخصوصاً أن الدروز لا يمثلون محور ضغط كبير إلا عبر التهديدات الإسرائيلية، فيما العلويون تُركوا لمصيرهم من دون أيّ حماية لا داخلية ولا خارجية.
وثمّة مَن يتساءل في هذا الإطار: هل يعني تضمين الاتفاق، في بنده السادس، عبارة «دعم الدولة السورية في مكافحتها لفلول الأسد»، إشارة إلى اضطرابات محتملة على «الحدود الكردية» – السورية مع العراق، أم أن القوات الكردية قد تنتقل عند الضرورة لدعم قوات الشرع في ضرب الوجود العلوي في مناطق اللاذقية، رغم أن الأكراد و«حزب العمال الكردستاني» يشكّلون مع قسم كبير من العلويين الأتراك، جبهةً واحدة ضدّ الدولة التركية منذ 100 عام وحتى الآن؟ وهل يعني ذلك بداية شرخ في التحالف المشار إليه؟
لعلّ أبرز جوانب الضعف في الاتفاق، أن الدولة التي وقّعته لم تستقرّ بعد على أيّ أساس؛ فلا انتخابات ولا دستور ولا أيّ شيء آخر. ومن هنا، فإن ما أُعلن عنه لا يعدو كونه تفاهماً بين شخصين وفئتين من المجموعات السورية المسلحة، دوناً عن الآخرين من علويين ودروز ومسيحيين وكل السوريين غير المتشدّدين، والذين لا ينتمون إلى «هيئة تحرير الشام». ولذلك، لا يمكن للمكونات المختلفة أن تركن إلى وعود من الدولة، قبل أن ترتسم صيغة العقد الاجتماعي الجديد، بما يشمل ضمانات باحترام الحريات والهويات، وكتابة دستور عصري، وإجراء انتخابات نيابية ورئاسية نزيهة، وهو ما يعدّ تحقيقه، في ظلّ طبيعة المجموعة الحاكمة، أمراً مشكوكاً فيه.
كما ثمّة نقطة أخرى تعكس توجُّساً مشروعاً، وهي مصير آلاف «الداعشيين» في السجون الكردية، والذين يقال إنه سيتمّ تسليمهم إلى الدولة، علماً أن هذا البند لم يتوضّح في الاتفاق، وربّما يكون مشمولاً بعبارة «دمج كل المؤسسات المدنية». ولعلّ مكمن الخطر هنا، أن هؤلاء المتطرّفين ينتمون إلى المدرسة نفسها التي تنتمي إليها الجهة التي ستتسلّمهم، ما يجيز طرح سؤال حول ما إذا كان أسرى «داعش» سيتحوّلون إلى جنود نظاميين في الجيش الجديد، على غرار وجود قيادات وأفراد فيه من جنسيات مختلفة، مثل الأويغور والتركمانستان والأوزبك، ليتّخذ الجيش المذكور صفة «العالمية» بدل أن يكون سوريّاً؟
أمّا على الصعيد الخارجي، فإن الانتقال إلى سلام بين مناطق الأكراد ومناطق حكم دمشق، يستدعي خروج القوات التركية من مناطق غرب الفرات كما شرقها، لانتفاء الخطر الذي يشكّله الأكراد السوريون عليها. لكن ذلك لا يعني أن الاتفاق تم رغماً عن تركيا، التي لم يبرز إعلامها، باستثناء صحيفة «حرييات»، الإعلان في صدر صفحاته الأولى، بل اكتفت الصحف الموالية بوصف الاتفاق بأنه بين الشرع و«المنظمة الإرهابية قسد»، كما لم تصدر تعليقات فورية من المسؤولين الأتراك ولا حتى من الكتّاب الموالين.
على أن أيّ اتفاق خطير كهذا، لا يمكن أن يخرج إلى الضوء من دون موافقة أنقرة، بل إنه قد يكون حصل على النحو الذي تريده تركيا، لتتفرّغ الأخيرة لتسوية المشكلة الأساسية التي تعاني منها مع «حزب العمال الكردستاني»، وإحكام تطويقها له، وإطلاق يدها في المرحلة المقبلة للقبول بنداء أوجالان، في مقابل منح الأكراد في تركيا حقوقاً لا تتجاوز بعض الفتات الثقافي.
كذلك، فإن الدور الأميركي واضح جداً؛ إذ لا يمكن للأكراد أن يتصرّفوا في أمر خطير كهذا، من دون علم واشنطن وموافقتها. وفي هذه الحالة، يفترض أيضاً أن يبادر الجنود الأميركيون، كما الأتراك، إلى الانسحاب من سوريا، ما يعني أن الاتفاق، في حال إتمامه، هو بمنزلة تسليم سوريا بالكامل لتركيا والولايات المتحدة، وخطوة على طريق سوريا خالية من أيّ بؤرة نفوذ لإيران وربما لروسيا. أمّا «المكاسب العربية» لكلّ من السعودية والإمارات أو حتى مصر، فليست معروفةً طبيعتها، إنْ وجدت أصلاً، فيما ستكون الحدود السورية مع العراق ولبنان موضع متابعة دقيقة.
——————————
اتفاق الشرع – عبدي: خطوة نحو تعزيز الوحدة الوطنية وترسيخ السلام في سوريا/ اكرم حسين
رؤية كردية
13 أذار 2025
في العاشر من آذار 2025، وفي وقت يشهد فيه الوضع السوري توترات معقدة، تم التوصل إلى اتفاق مبادئ ـ لم يعلن عن التفاصيل ـ بين الرئيس السوري المؤقت أحمد الشرع وقائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي، وهو اتفاق فاجأ البعض ، ولكنه كان متوقعاً لأولئك المتابعين لمحاولات إيجاد مخرج من أزمة سوريا المستمرة. هذه الخطوة تمثل محاولة جدية لفتح مسار جديد يجنّب البلاد خطر الانهيار، ويؤسس لمشروع وطني قائم على وحدة الدولة والمواطنة المتساوية.
الأساس الذي قام عليه الاتفاق هو إدراك الطرفين أن استمرار المواجهات العسكرية والانقسامات المؤسساتية وتكرار سيناريو الساحل السوري لن يؤدي إلا إلى مزيد من القتل والدمار. لذلك، كان قرار وقف إطلاق النار في جميع الأراضي السورية جزءاً أساسياً من الاتفاق، وهو أمر ضروري لوقف نزيف الدم وإنقاذ المدنيين. وقد عكس القرار اعترافاً ضمنياً بأن الحل العسكري لن يجدي نفعاً ، وأن أي محاولة لإقصاء الآخر ستؤدي إلى كارثة إنسانية مشابهة لما حدث في الساحل السوري.
يتضح البعد الإنساني للاتفاق من خلال التأكيد على عودة المهجرين إلى ديارهم وتوفير الحماية لهم. وهي وظيفة الدولة ومحاولة لإصلاح النسيج الاجتماعي السوري الممزق، وجزء من عملية إعادة التوازن وبناء الثقة بين الدولة ومواطنيها، بما يعيد الشعور بالأمان والاستقرار للسوريين في وطنهم.
أما ضمان حقوق “المجتمع الكردي” كمكون أصيل في سوريا، فيشكل خطوة جديدة لكنها غير “مكتملة “في التعامل مع القضية الكردية التي كانت تعتبر شائكة سواء في عهد النظام البائد أو لدى المعارضة السورية ،وإذا تم الاعتراف الدستوري بحقوق الشعب الكردي ، فإنه لن يقتصر على تحقيق العدالة والمساواة فقط ، بل سيكون بمثابة إعلان عن الإرادة السياسية لبناء نظام جديد يتسع لجميع المكونات بعيداً عن سياسات الإنكار والتهميش التي سادت طوال حكم آل الأسد.
في حين ان دمج المؤسسات المدنية والعسكرية في شمال شرق سوريا ضمن إدارة الدولة السورية الجديدة سيوفر فرصة للكرد السوريين للعمل كجزء من مؤسسات الدولة، ويحدد مصير ومستقبل آلاف الطلبة الذين درسوا باللغة الكردية في مدارس وجامعات الإدارة الذاتية ولم يحصلوا بعد على اعتراف رسمي حتى الآن من أية جهة .
بينما تعكس مكافحة التهديدات التي تعرقل استقرار البلاد، مثل فلول النظام السابق والتنظيمات المتطرفة، نية حقيقية لتوحيد الجهود الأمنية والعسكرية من أجل تحقيق الأمن والاستقرار. في حين ان التنسيق بين قوات سوريا الديمقراطية والجيش السوري الجديد ، سيعيد للسوريين شعور الأمان الذي فقدوه طوال سنوات الحرب.
يحمل الاتفاق أيضاً بعداً فكرياً واجتماعياً من خلال رفض دعوات التقسيم ونبذ خطاب الكراهية. فمن غير المقبول الرهان على إثارة النزاعات بين المكونات المختلفة ، ومن الواضح أن النهج الجديد لبناء سوريا سيعتمد على المواطنة المتساوية كأساس لأي مشروع سياسي.
وعلى الرغم من الإيجابيات التي يحملها الاتفاق، فإن نجاحه سيتوقف على عوامل أساسية، أبرزها الإرادة السياسية لدى الأطراف المعنية لتنفيذه، والقدرة على مواجهة التحديات الداخلية والخارجية التي قد تسعى لإفشاله. كما أن الدور الإقليمي والدولي سيكون حاسماً في تحديد مستقبل هذا الاتفاق، خاصة في ظل استمرار الصراعات الجيوسياسية في سوريا.
بينما سيكون تنفيذ بنود الاتفاق وفق الجدول الزمني المحدد قبل نهاية العام الحالي اختباراً حقيقياً لجدية الأطراف في تنفيذ وعودها. المسؤولية الآن لا تقع فقط على عاتق الرئيس أحمد الشرع وقائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي، بل على عاتق جميع القوى السورية التي تتطلع إلى بناء دولة قوية وعادلة تشمل جميع أبنائها دون استثناء.
ان هذا الاتفاق يعبر عن إرادة وطنية تتجاوز الحسابات الضيقة والرؤى الإقصائية. فهو مشروع لبناء سوريا جديدة على أسس الشراكة والتعايش والسلام، بعيداً عن منطق القوة والغلبة.
مبروك للشعب السوري هذا الاتفاق، المطلوب الآن هو العمل بإخلاص لتنفيذه على أرض الواقع، ليكون نقطة انطلاق نحو بناء سوريا ،دولة ديمقراطية ، لامركزية ، وموحدة بحيث ، تضمن حقوق الجميع في إطار من العدالة والمواطنة المتساوية.
——————————-
=================================