التدخل الاسرائيلي السافر في سورية الجديدةسقوط بشار الأسد، الرئيس الفار والمخلوعسياسة

عن التدخل الاسرائيلي السافر في سورية الجديدة، ملف تناول “شهية إسرائيلية لتفتيت سوريا” – تحديث 13 أذار 2025

لمتابعة مكونات الملف اتبع الرابط التالي

التدخل الاسرائيلي السافر في سورية الجديدة

——————————–

السويداء بعد سقوط الأسد: قراءة في تحولات القوى العسكرية والمطالب السياسية/ يمان زباد

نشر في 13 آذار/مارس ,2025

عند سقوط نظام الأسد في 8 كانون الأول/ ديسمبر 2024؛ كانت السويداء تحمل خصوصية بين المدن السورية، لأنها كانت تستمرّ في حراكها الثوري الذي بدأ في آب/ أغسطس 2023 ضدّ نظام الأسد، والذي حمل مطالب سياسية، واستطاع أن يُفرز تجمّعات وتيارات سياسية بعضها متباين في مطالبه حول شكل المحافظة إداريًا، وتموضع الفصائل ضمن الجيش السوري القادم، وذلك في ظلّ واقع عسكري معقد في المدينة، بسبب تنوع تبعية المجموعات المسلحة في المدينة، بين ميليشيات زعزعة أمنية وتجارة مخدرات لها امتدادات غير سورية[1]، وفصائل محلّية مقرّبة من المرجعيات الدينية والمجتمع المدني الثوري. وبعد سقوط نظام الأسد وانهيار جيشه وأفرعه الأمنية، تغيَّر دور الفصائل العسكرية في السويداء، من مجموعات محلية مهمّتها حماية التظاهرات والضبط الأمني للمدينة، إلى مجموعات تريد صياغة مكانتها في التركيبة العسكرية للجيش الذي يجري تأسيسه، وذلك مع المطالب السياسية التي تطرحها تلك المجموعات عن شكل علاقتها بالحكومة الجديدة، مع استمرار وجود ميليشيات زعزعة أمنية في المدينة[2].

تقدّم هذه الورقة قراءةً للواقع العسكري في السويداء، في أثناء معركة ردع العدوان وبعد سقوط نظام الأسد، وتبيّن ماهية شكل التحالفات العسكرية التي نشأت في المدينة عبر رسم خارطة مطالبها، وخلفية نشوء المجموعات المسلّحة فيها، وتفنيد التيارات السياسية الأساسية في المدينة ورؤيتها لشكل علاقتها مع السلطة في دمشق، والشكل الحوكمي للسويداء في الدولة السورية، ورسم السيناريوهات المتوقعة بناء على شكل العلاقة بين المجموعات المسلحة والدولة السورية. واعتمدت منهجية الورقة على الرصد التراكمي الذي أجراه الباحث بين عامي 2019 -2025، إضافة إلى مقابلة معمقة مع مسؤول المكتب السياسي لأحد التيارات السياسية، والمصادر المفتوحة.

أولًا: السويداء قبل سقوط الأسد

1- قبل انطلاق معركة “ردع العدوان”

كان هجوم مقاتلي تنظيم (داعش) على ريف السويداء، في منتصف 2018، نقطة تحول في المدينة على صعيد العمل المسلح، إذ بدأ بعدها تنامي ظهور المجموعات المسلحة التي تختلف في أهدافها وارتباطاتها وقدرتها العسكرية، إذ كانت الفصائل في المدينة قبل هجوم التنظيم غيرَ منظمة، وتعتمد على العمليات المتفرقة سواء بمواجهة عناصر النظام أو تشجيع شباب المدينة على عدم الالتحاق بجيش الأسد، وكانت كبرى الفصائل “حركة رجال الكرامة”، وحركتي ” أحرار جبل العرب” و”قوات شيخ الكرامة”، المنشقتين عن رجال الكرامة.

تسلسل الأحداث الأمنية في السويداء قبل سقوط الأسد

ويمكن تقسيم المجموعات المسلحة في المدينة قبل سقوط الأسد إلى ثلاثة تصنيفات، بحسب أدوارها:

    ميليشيات تنشط في تجارة المخدرات وتهريبها، وبعضها مرتبط بحزب الله وإيران بشكل مباشر أو عن طريق الأمن العسكري.

    ميليشيات تنشط في عمليات الاغتيال والخطف، وغالبًا ما يكون ارتباطها بالأمن العسكري أو شعبة المخابرات العسكرية في دمشق.

    مجموعات محلية مقربة من المجتمع المحلي، ولم تتورط في زعزعة الأمن.

ومع انتفاضة آب 2023؛ أصبح المجتمع المدني في السويداء أكثر نشاطًا سياسيًا، وذلك في ظل تشكل أجسام سياسية عديدة تعكس مطالب التجمعات النقابية أو المهنية أو متظاهري الساحات، مثل التجمع المهني في السويداء، وتيار الحرية والسلام، ومنظمة لقاء جبل الريان، إضافة إلى أجسام تشكّلت بعد انطلاق الثورة عام 2011 مثل تيار سوريا الفيدرالي، وحزب اللواء السوري، وكان هناك محددات مشتركة بين الأجسام السياسية، مثل وجوب الانتقال السياسي حسب القرار 2254، وكان الخلاف الأساسي في الشكل الإداري للسويداء، إذ يرى كل من حزب اللواء وتيار سوريا الفدرالي أنه يجب أن تُطبق الفدراليات في سورية، على عكس موقف الحركة الشبابية السياسية والكتلة الوطنية الرافض لفكرة الفدرلة[3].

ويمكن القول إن العلاقات العسكرية السياسية في السويداء متداخلة، ويظهر الأمر جليًا في بعض التيارات السياسية مثل حزب اللواء الذي شكل سابقًا قوة “مكافحة الإرهاب”، بهدف ضبط المدينة أمنيًا بقيادة سامر الحكيم الذي قُتِل لاحقًا على يد قوات النظام[4]، وهذا التداخل يؤدي إلى امتلاك الأحزاب السياسية لأدوات قسرية لفرض توجهاتها على المجتمع، وأصبح بشكل أوضح بعد سقوط النظام عبر ثنائية المجلس العسكري وتيار سوريا الفيدرالي، على سبيل المثال.

2- أثناء معركة “ردع العدوان”

قبل بدء عملية “ردع العدوان”، كان فرعا الأمن السياسي والأمن العسكري في السويداء، إضافة إلى قيادة الشرطة، مراكز تمركز لقوات نظام الأسد، وشكَّل الأمن العسكري مركز تنسيق لعمل الميليشيات المسلحة المتورطة في تجارة المخدرات داخل المحافظة، مما جعلهم هدفًا مع بداية العمل العسكري في المحافظة، بالتزامن مع استمرار معركة ردع العدوان التي بدأت في 27 تشرين الثاني/ نوفمبر 2024، إذ بدأت المجموعات المسلحة في المدينة عملياتها ضد نظام الأسد في 30 تشرين الثاني/ نوفمبر،  عبر استهداف كلّ من فرع المخابرات الجوية ومبنى قيادة الشرطة، ثم تطورت الأحداث العسكرية، وفق 4 محاور:

    استهدافات مستمرة لمقرات نظام الأسد وحزب البعث

    انشقاقات في صفوف جيش الأسد في المدينة

    انسحابات من قبل عناصر الأسد من المدينة

    تنسيق عسكري بين مجموعات محلية عبر تشكيل غرفتي عمليات: غرفة العمليات المشتركة وغرفة عمليات الحسم.

ويشير الشكل (2) إلى تسلسل الأحداث التي بدأت في 30 تشرين الثاني/ نوفمبر حتى 7 كانون الأول/ ديسمبر 2024، عشية سقوط نظام الأسد.

التطورات العسكرية في السويداء أثناء معركة “ردع العدوان”

وفي 8 كانون الأول/ ديسمبر، بسطت الفصائل المحلية سيطرتها على محافظة السويداء، وتولت مهمة الضبط الأمني للمحافظة لحظة السقوط، مع دخول بعض فصائل السويداء إلى مدينة دمشق، ولكن لم تشارك في أي عمليات عسكرية داخلها أو خارج الإطار الإداري لمحافظة السويداء.

ثانيًا: السويداء ما بعد سقوط نظام الأسد

1- المجموعات العسكرية

 بعد سقوط نظام الأسد، تراجع ظهور ميليشيات الزعزعة الأمنية وتجارة المخدرات في المدينة، على الرغم من محاولات فصائل محلية الهجوم على تلك الميليشيات مباشرة، بعد 8 كانون الأول/ ديسمبر 2024، مثل هجوم فصيل قوات شيخ الكرامة، في 10 كانون الأول/ ديسمبر 2024، على منزل ناصر السعدي زعيم إحدى الميليشيات في مدينة صلخد[5]، وذلك عقب التأكد من استشهاد 3 أشخاص من فصيل قوات شيخ الكرامة في سجن صيدنايا، كان ناصر السعدي متهمًا بتسليمهم إلى شعبة المخابرات العسكرية عام 2020[6].

وبالتزامن مع ذلك التراجع في الظهور لتلك الجماعات، بدأت التحالفات العسكرية تتبلور بشكل أكبر ضمن المحافظة، حيث كانت أكبر التحالفات، بحسب الشكل التفاعلي (1)، هي: المجلس العسكري، غرفة العمليات المشتركة وغرفة عمليات الحسم. ويحوي الشكل التفاعلي على البطاقات التعريفية لكل مجموعة عسكرية.

ويُلاحظ انقسام موقف التحالفات العسكرية من الحكومة في دمشق إلى ثلاثة محاور أساسية:

1- رفض الحكومة الحالية بالمطلق، وتتبلور أسباب الرفض حول شكل المحافظة الإداري الحالي، وذلك بهدف تحويل نظام الحكم الإداري في سورية إلى فدراليات، وهو ما يريده المجلس العسكري، وأيّدته بذلك قوات سوريا الديمقراطية (قسد) فور الإعلان عن تأسيس المجلس[7].

2- القبول بالحكومة الحالية، على أن يكون الملف الأمني والعسكري هو تحت مظلة وزارتي الدفاع والداخلية، على أن يكون العناصر في السويداء من أبناء السويداء، مثل موقف رجال الكرامة وأحرار جبل العرب.

3- القبول بالحكومة على أن لا يتم تسليم السلاح أبدًا إلا بعد اتضاح هيكلية وزارة الدفاع، واستبعاد العناصر الأجنبية من الوزارة، مثل موقف لواء الجبل[8].

لم تكن هذه المواقف هي فقط مطالبات تنتظر هذه التحالفات العسكرية الردّ عليها من قِبل حكومة دمشق، بل تصادمت ضمن المدينة، حيث لَقي تأسيس المجلس العسكري بدايةً ردة فعل رافضة، من قبل فصائل محلية أخرى رأت أنه لا يمثّل توجهات أهل السويداء، لكون قائده “طارق الشوفي” هو نفسه رئيس تيار سوريا الفيدرالي المطالب بفدرلة السويداء، ولظهور العميد في صفوف جيش الأسد “سامر الشعراني”، في فيديو الإعلان عن تأسيس المجلس، وكان الشعراني مديرًا لمنطقة القطيفة في ريف دمشق وبقي في منصبه حتى سقوط نظام الأسد، وهذا ما فتح الباب لتساؤلات حول دور ضباط الأسد المتوارين عن الأنظار في التشكيل العسكري الجديد، ولاحقًا تم الاتفاق بين غرفة العمليات المشتركة في المحافظة وحكومة دمشق، على أن يتولى أبناء المحافظة مهمّة الانضمام إلى قوى الأمن الداخلي لضبط الأمن في المحافظة، بشرط أن لا يكون أي منهم محكومًا بأحكام جنائية. وبناء على ذلك، أرسلت وزارة الداخلية 9 سيارات شرطة من دمشق إلى السويداء، ليتم استخدامها في المحافظة في 6 آذار/ مارس 2025، ولكن فصائل المجلس العسكري منعتهم من الدخول[9]، وذلك بالتزامن مع تظاهراتٍ دعا إليها تيار سورية الفدرالي طالبت بإسقاط النظام الحالي، وحيَّت كُلًا من الشيخ حكمت الهجري والشيخ موفق طريف.

2- العمل السياسي:

نشط العمل السياسي في السويداء مع بداية الثورة السورية، ولكن مع مرور الوقت تقلّصت مساحات تأثير الفعل السياسي في ظل الحالة العسكرية في البلاد، مما أدى إلى تراجع هذا النشاط في السويداء وعودته إلى الواجهة من جديد مع انتفاضتي 2022 و2023، حيث ساهمت التجمعات السياسية الموجودة، ولا سيما الناشئة حديثًا منها، في تنظيم الحراك ومحاولة عكس مطالبه، والتأكيد على اتساق هذا الحراك مع الثورة السورية ككل، حيث كانت كلّ الأحزاب والتيارات السياسية المشاركة في حراك السويداء متفقةً على وجوب الانتقال السياسي في سورية وفق 2254، وكانت مساحة الفعل السياسي المتاحة أثناء الحراك هي تنظيم مطالبه، في ظل استمرار نظام الأسد في تقديم الخدمات في المدينة، وإدارة المرافق بالحد الأدنى من الكوادر مثل مؤسسات المياه والكهرباء ومديرية التربية، ولكن الخلاف بين التيارات السياسية كان على شكل المحافظة إداريًا ضمن الخارطة السورية، وهذا الخلاف استمر إلى ما بعد سقوط الأسد، ولكن بشكل أكثر اتساعًا لاتساع مساحات العمل السياسي لتشمل الأطر الخدمية، وذلك في ظل حالة فراغ أمني وعسكري بسبب استمرار المفاوضات بين وزارة الدفاع في الحكومة السورية الجديدة وفصائل المدينة التي تختلف مطالبها من الحكومة.

ومع سقوط النظام، حاولت اللجنة السياسية في السويداء أن تُعيِّن أعضاء المكتب التنفيذي في المحافظة، فلقي ذلك رفضًا من تيارات سياسية أخرى، ومع تصاعد الخلاف عينت الحكومة السورية مصطفى بكور محافظًا على السويداء، ولم تستطع التيارات السياسية في السويداء أن تُنشئ حراكًا فاعلًا في المدينة، بعد 8 كانون الأول /ديسمبر 2025، بسبب تصدر الجانب الأمني والعسكري المشهد في المحافظة، في ظل خلاف بين الفصائل وامتلاك بعض تلك التيارات لقوى عسكرية مثل تيار سورية الفدرالي، وارتباطه بالمجلس العسكري.

وانكفأ عدد من التيارات والفصائل عن اللقاء بالحكومة، بسبب مطالب مسبقة لها من الدولة، في حين كانت اللقاءات تتم بشكل دوري مع شخصيات من الحكومة وشخصيات من غرفة العمليات المشتركة وغرفة عمليات الحسم، ومنها اللقاء الذي جمع الرئيس أحمد الشرع مع كل من : سليمان عبد الباقي قائد حركة أحرار جبل العرب، ليث البلعوس قائد حركة شيوخ الكرامة، وشخصيات أخرى من المحافظة، في 24 شباط/ فبراير 2025[10].

وبحسب الجدول (1) يمكن تصنيف مواقف أبرز التيارات السياسية من قضيتي الفدرالية والتدخل الخارجي:

مواقف أبرز التيارات السياسية من فكرة الفيدرالية والتدخل الخارجي

اسم الجهة      فكرة الفدرالية    التدخل الخارجي          عام التأسيس

الحركة السياسية الشبابية       ضد      ضد      2022

الكتلة الوطنية    ضد      ضد      2023

التيار السوري العلماني  مع       لا موقف 2025

حزب اللواء السوري       مع       مع       2021

تيار سوريا الفدرالي       مع       مع       2023

الهيئة الاجتماعية للعمل الوطني ضد      ضد      2012

اللجنة السياسية         ضد      ضد      2024

ويلاحظ أنه لم يطرأ تغير على مواقف تلك التيارات من شكل المحافظة إداريًا[11]، ولكن كان التغير بسلوك التيارات المؤيدة لفكرة الفدرالية في آلية فرض توجهاتها، إذ شهدت المحافظة تظاهرات في 6 آذار/ مارس 2025 بتنظيم من حزب اللواء السوري وتيار سورية الفدرالي والمجلس العسكري، هتفت ضد حكومة دمشق، مع إنزال العلم السوري من على مبنى المحافظة ومبنى قيادة الشرطة، في حين كانت تظاهرات 7 آذار/ مارس 2025 مؤكدة على أهمية الوحدة الوطنية، ورفض أي مشاريع انفصالية سواء كانت سياسية أو عسكرية، دون أن يكون تدخل عسكري من فصائل المدينة في التظاهرة.

وفي 12 آذار/ مارس 2025، حققت المحادثات بين الحكومة والشيخ حكمت الهجري تقدّمًا على صعيد الملفين الأمني والخدمي في المحافظة[12]، حيث جرى اجتماع بين ممثلي محافظة السويداء في مؤتمر الحوار مع محافظ السويداء مصطفى البكور، وتم الاتفاق بشكل أولي على الملفات التالية:

    ملف الأمن والدفاع: وشمل تفعيل ملف الشرطة والملف الأمني في المحافظة وتنظيم الضباط والأفراد المنشقين ضمن وزارة الدفاع.

    ملف المؤسسات الخدمية: وشمل من الأولوية لتوظيف الموظفين المفصولين تعسفيًا في ظل نظام الأسد، ومراجعة ملفات الموظفين المفصولين تعسفيًا بعد 8 كانون الأول/ ديسمبر 2024، والعمل على الإسراع في تعيين أعضاء المكتب التنفيذي المؤقت من قبل الحكومة، وفتح مقر جامعي في مبنى حزب البعث سابقًا في المحافظة، وصرف الرواتب المتأخرة للموظفين.

3- المرجعيات الدينية:

كانت مواقف المرجعيات الدينية الثلاثة في السويداء، وهم: (حكمت الهجري، حمود الحناوي، يوسف الجربوع) متباينة بعد عام 2022 من نظام الأسد، حيث كان موقف الهجري أكثر موقف مواجه للأسد ومؤيدًا للحراك الثوري في المدينة، وخاصة بعد حراك آب/ أغسطس 2023، على الرغم من تأييده السابق للنظام قبل عام 2020، وحثه أبناء المحافظة على الالتحاق بالخدمة الإلزامية في جيش الأسد بعد عام 2013[13]. أما موقف الشيخ حمود الحناوي فقد كان مؤيدًا للحراك، وخاصة في شق المطالب الاقتصادية، في حين كان موقف الشيح يوسف الجربوع أقرب إلى سردية النظام، حيث بقي هو ممثل الطائفة الدرزية في مناسبات نظام الأسد الرسمية حتى سقوط الأسد.

بعد سقوط الأسد، تغيّرت التحالفات في المدينة بين المرجعيات الدينية والتيارات السياسية، حيث برز تحالف حزب اللواء السوري والشيخ حكمت الهجري في تصريحات الحزب، إذ أعلن الحزب في بيان له النفير العام، إضافة إلى التنسيق التام بين الحزب والشيخ حكمت في “رفضهم لسياسات أحمد الشرع”[14]، وجاء هذا التغير في التحالفات في ظل خلاف ظهر جليًا بين الشيخ حكمت الهجري وقائد حركة رجال الكرامة يحيى الحجار، بسبب موقف كليهما من حكومة دمشق في الجانب العسكري والأمني، إذ استطاعت حركة رجال الكرامة التوصل إلى اتفاق مع حكومة دمشق بأن تكون قوى الأمن الداخلي في المدينة من أبناء المحافظة.

وكان الشيخ حكمت الهجري أكثر المرجعيات نشاطًا، من حيث التصريحات السياسية المواكبة الأحداث بعد سقوط الأسد، إذ اعتبر أن تسليم حل الفصائل وتسليم سلاحها مرتبط بإنشاء جيش سوري[15]، وأن البلاد تحتاج إلى التدخل الدولي، لضمان أن تسفر العملية السياسية عن دولة مدنية[16]،في حين كانت مواقف كلّ من يوسف وحمود تتركز على رفض أي مشاريع انفصالية في المحافظة. وأبدى الشيخ حمود الحناوي معارضة كاملة لكل التشكيلات العسكرية والسياسية الداعية للانفصال في السويداء[17].

4- التصريحات الإسرائيلية

بعد سقوط الأسد؛ سارعت إسرائيل إلى الهجوم على مواقع الجيش السوري والمرفقات التابعة له، في ظل تقدم عسكري في القنيطرة وريف درعا والسيطرة على مرتفعات جبل الشيخ، وانتقل السلوك الإسرائيلي مع بداية شباط إلى التعبير عن توجهاتها السياسية تجاه الحكومة السورية الناشئة، ومواكبة التطورات الداخلية، حيث صرح رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو، خلال حفل لتخريج الطلاب في تل أبيب في23 شباط/ فبراير 2025 أنه ينوي أن تكون المنطقة الجنوبية من دمشق منزوعة السلاح وأنه لن يقبل بأي تهديد قد ينال الطائفة الدرزية في جنوب سورية[18]، واستمرت التصريحات الاسرائيلية عبر وزير الدفاع الإسرائيلي بالتزامن مع التوتر الذي حصل في مدينة جرمانا، في 24 شباط/ فبراير 2025، أنه من الممكن أن تتدخل إسرائيل عسكريًا في سورية، في حال تعرّض الدروز لأي تهديد من قبل حكومة دمشق. وعلى الرغم من التصريحات الإسرائيلية، كان موقف الحراك الثوري والمرجعيات الدينية في السويداء إيجابيًا، حيث أعلنت المرجعيات الدينية الثلاث في المدينة رفضها لأي تدخل خارجي إسرائيلي، مؤكدين وحدة الدولة السورية، وهو الموقف نفسه الذي تبناه سليمان عبد الباقي قائد حركة أحرار جبل العرب[19].

ثالثًا: السيناريوهات المحتملة: بين التسوية والاستمرار في الاضطراب

الاتفاق الكامل بين المجموعات المسلحة والدولة

يتضمّن هذ السيناريو حدوث اتفاق على مستويين متتاليين: الأول بين فصائل المدينة على المطالب المحلية، والآخر مع الدولة. وسيكون هذا السيناريو هو الأنجع، في حال حدوثه، على صعيد السلم الأهلي الداخلي ضمن المحافظة. ومن الممكن أن تنص المطالب المتفق عليها بين الفصائل وبين الدولة على أن يكون عناصر الأمن والشرطة من أبناء المحافظة ضمن المحافظة نفسها، وكذلك الأمن العام، ولكن يبرز هنا عائق وهو أن الميليشيات المتورطة في تجارة المخدرات قد تعرقل مثل تلك التفاهم، لأنه سيجعلها مجردة من مبررها لحمل السلاح، وبالتالي قد تكون الخطوة الثانية بعد هذا الاتفاق حملة على تلك الميليشيات، ومن المهم بمكان في حال حدوث مثل هذا الاتفاق أن تتمسك الدولة بمطالبها التي اتفقت عليه مسبقًا مع حركة رجال الكرامة، بأن يكون سلامة السجل الجنائي شرطًا للالتحاق بالقوى الأمنية أو العسكرية، وإلا فقد يتم تعويم ميليشيات الزعزعة الأمنية تحت غطاء الدولة، ويُرجح هذا السيناريو بعد الاتفاق الأولي الذي عُقد في دار الرئاسة الروحية لمشيخة العقل، في 12 آذار/ مارس 2025، بين ممثلي السويداء في مؤتمر الحوار الوطني، ومحافظ السويداء مصطفى بكور.

الاتفاق الجزئي بين بعض الفصائل والدولة

يمثل هذا السيناريو استمرارًا للوضع الحالي، وذلك عبر تبلور تحالف جزء من الفصائل المحلية مع الحكومة، وبذلك تكون المجموعات المسلحة على موقفين: موقف مع الحكومة وموقف ضدها. وهنا يبرز دور المرجعيات الدينية، وأولهم الشيخ حكمت الهجري، فإما أن يكون للمرجعيات دور في إيصال المجموعات المسلحة إلى اتفاق داخلي، وإما أن تزيد التمترس في الخلافات التي قد تؤدي إلى تهديد السلم الأهلي في المحافظة عبر مواجهة مباشرة، يكون لميليشيات تهريب المخدرات دور بارز فيها ضد الفصائل المحلية المتفقة مع الحكومة، وذلك لسببين أولها تاريخ تلك الميليشيات ضد الفصائل المحلية، حيث قامت الفصائل المحلية مثل حركة رجال الكرامة بحملات ضد تلك الميليشيات مثل الحملة ضد ميليشيات راجي فلحوط أكبر ميليشيات السويداء سابقًا وأنهت الحركة وجود تلك الميليشيا بشكل كامل، وثانيهما إعادة تنشيط تجارة المخدرات في المحافظة باتجاه الحدود الأردنية استغلالًا للأوضاع الأمنية المتزعزعة.

غياب الاتفاق بشكل كامل بين المجموعات المسلحة والدولة

يتمثل هذا السيناريو بقدرة المجموعات المسلحة المحلية على تقديم البُعد العشائري على الهوية الوطنية وخلافاتهم المسبقة، كما حدث أثناء هجوم تنظيم (داعش) على المحافظة، تحت مبدأ “الأرض والعرض”، وهذه السيناريو هو الأكثر سلبية على المشهد الوطني السوري، وسينعكس على شكل تدخل دولي يدعم السويداء، وقد يكون التدخّل إسرائيليًا، وذلك استكمالًا لتصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حول حماية الطائفة الدرزية[20]، وهذا التدخل سيُثبت الوضع في شمال شرق سورية، ويفتح الباب لتمردات في الساحل، ومن ثم تُحوّل سورية إلى عدة اقليم تحمل امتدادات خارجية ودولة سورية هشة فاقدة للسيطرة على كامل الأراضي السورية.

    خاتمة

تتشابك العوامل المحلية في السويداء في صياغة ملامح مستقبلها بعد سقوط نظام الأسد. ومع تفكك بنية السلطة القديمة في المدينة، برزت قوى جديدة تسعى لإعادة تعريف دورها في المشهد السياسي والعسكري، وهو ما خلق حالة من عدم الاستقرار، نتيجة تباين الرؤى بين الفصائل المحلية والتيارات السياسية، ولا سيما في ما يتعلق بعلاقتها بالحكومة الجديدة في دمشق. هذا الواقع يضع السويداء أمام تحديات كبرى، فبينما تطرح بعض القوى خيارات التفاوض والتسوية، كمسار للحفاظ على الأمن المحلي وضمان تمثيلها السياسي، ترفض أطراف أخرى أي شكل من أشكال الارتباط بالحكومة، وهو ما يهدد بانقسام داخلي قد يؤدي إلى اضطرابات طويلة الأمد.

في ظلّ هذه التعقيدات، تبرز احتمالات متعددة لمستقبل السويداء، إذ يمكن أن يشكل التوافق بين الفصائل المحلية والحكومة السورية خطوةً نحو استقرار تدريجي، شريطة أن تُحترم الخصوصية السياسية والإدارية للمحافظة، وألّا تُفرض تسويات لا تلقى قبولًا شعبيًا، أما في حال استمرار الانقسام السياسي والفصائلي، فقد تنزلق السويداء إلى حالة من التوترات الأمنية المستمرة، ولا سيما مع سعي بعض الأطراف إلى توظيف الواقع الحالي لتحقيق مكاسب خاصة، سواء عبر فرض مشاريع سياسية مغايرة لما يطالب به الحراك المدي في المحافظة، أو من خلال نشاطات الزعزعة الأمنية، مثل تهريب المخدرات والاغتيالات، لذلك فإن المرحلة القادمة ستكون حاسمة في تحديد مصير السويداء، من حيث التمكّن من تجاوز تحدياتها عبر حلول سياسية توافقية أو البقاء ساحة صراع مفتوح بين الفصائل المختلفة، بما يضعها أمام مخاطر جديدة قد تعيد إنتاج الفوضى بدلًا من إعادة البناء.

المراجع:

    رياض الزين، قوات النظام السوري تدخل معقل «مكافحة الإرهاب» في السويداء، صحيفة الشرق الأوسط

    يمان زباد، المجموعة المسلحة في السويداء … ثنائية الأمن والمخدرات، مركز عمران للدراسات الاستراتيجية

    يمان زباد، حراك السويداء … تحديات أمنية ومظاهرات مستمرة، مركز عمران للدراسات الاستراتيجية

    يمان زباد، ” انتفاضة السويداء في آب 2023: تحديات أمنية وسيناريوهات مفتوحة”، مركز عمران للدراسات الاستراتيجية

[1] يمان زباد، المجموعة المسلحة في السويداء … ثنائية الأمن والمخدرات، مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، تشرين الثاني/ نوفمبر 2024، شوهد في 10 آذار/ مارس 2025 https://bit.ly/4hfyGIB

[2] المقصود بـ “الميليشيات” المجموعات المسلّحة التي تقوم بأدوار زعزعة أمنية مستمرة وتجارة المخدرات، ولها تبعية للأفرع الأمنية أو لروسيا أو إيران سابقًا، والمقصود بـ “الفصائل” المجموعات المسلحة المرتبطة بالحراك ضمن المحافظة ولا تتبع لجهات أخرى.

[3] يمان زباد، حراك السويداء … تحديات أمنية ومظاهرات مستمرة، مركز عمران للدراسات الاستراتيجية 08 أيار/ مايو 2024، شوهد في 3 آذار/ مارس 2025 https://bit.ly/3FhGZX1

[4] رياض الزين، قوات النظام السوري تدخل معقل «مكافحة الإرهاب» في السويداء، صحيفة الشرق الأوسط، 9 حزيران/ يونيو 2022، شوهد في 3 آذار/ مارس 2025https://bit.ly/3VRdSAo.

[5] يتزعم ناصر السعدي ميليشيا لتجارة المخدرات في منطقة صلخد، وحاولت القوات الأردنية اغتياله عبر استهداف منزله في كانون الأول/ ديسمبر 2023.

[6] السويداء 24، تشهد مدينة صلخد توترات أمنية إثر هجوم فصيل قوات شيخ الكرامة على منزل عائلة ناصر السعدي، 10 كانون الأول/ ديسمبر 2024، شوهد في 06 آذار/ مارس 2025، https://bit.ly/4ksakyc

[7] تشكيل مجلس عسكري جديد في السويداء، 23 شباط/ فبراير 2025، شوهد في 06 آذار/ مارس 2025، https://archive.md/ByK9e

[8] لقاء تلفزيوني مع نجيب أبو فخر، المتحدث باسم لواء الجبل، 2 شباط/ فبراير 2025، شوهد في 07 آذار/ مارس 2025، في https://bit.ly/4ivJ0xa

[9] مقابلة أجريت بتاريخ 8 آذار/ مارس 2025 مع مسؤول المكتب السياسي لأحد التيارات السياسية، وهو من منظمي حراك آب 2023.

[10] ضياء عودة، البلعوس يكشف لـ “الحرة” مستجدات العلاقة مع دمشق والموقف من إسرائيل، موقع الحرة، 26 شباط/ فبراير 2025، شوهد في 12 آذار/ مارس 2025، في https://bit.ly/3XLPjEV

[11] مرجع سابق، يمان زباد، حراك السويداء … تحديات أمنية ومظاهرات مستمرة.

[12] دارة قنوات تحتضن اتفاق وثيقة تفاهم مع الإدارة السورية الجديدة، مركز إعلام السويداء، 12 آذار/ مارس 2025، شوهد في 12 آذار/ مارس 2025، في https://bit.ly/3XJ5V02

[13] يمان زباد: “انتفاضة السويداء في آب 2023: تحديات أمنية وسيناريوهات مفتوحة”، مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، 31 آب/ أغسطس 2023، شوهد في 10 آذار/ مارس 2025، في https://bit.ly/3Ufnwub

[14] الصفحة الرسمية لحزب اللواء السوري على الفيسبوك، 09 آذار/ مارس 2025، شوهد في 10 آذار/ مارس 2025، في https://bit.ly/3XF8ccy

[15] الهجري لتلفزيون سوريا: تسليم السلاح وحلّ الفصائل مرتبط بوجود جيش سوري، موقع تلفزيون سوريا، 04 كانون الثاني/ يناير 2025، شوهد في 10 آذار/ مارس 2025، في https://bit.ly/3DhGs79

[16] الشيخ حكمت الهجري يطالب بتدخل دولي لضمان دولة مدنية وفصل للسلطات، موقع تلفزيون سوريا، 25 شباط/ فبراير 2025، شوهد في 10 آذار/ مارس 2025، في https://bit.ly/4kD02LJ

[17] مقابلة مع الشيخ حمود الحناوي، نون بوست، 28 شباط/ فبراير 2025، شوهد في 10 آذار/ مارس 2025، في https://bit.ly/3XE5Avs

[18] نوايا إسرائيلية مضمرة.. سيناريو “الكانتون الدرزي” إلى الواجهة مجدّدًا، تلفزيون العربي، 5 آذار/ مارس 2025، شوهد في 12 آذار/ مارس 2024، في https://bit.ly/41KR7iE

[19] ضياء صحناوي، الجنوب السوري… صدمة إملاءات نتنياهو، العربي الجديد، 25 شباط/ فبراير 2025، شوهد في 12 آذار/ مارس 2025، في https://bit.ly/3XJ4iiW

[20] مليار دولار من إسرائيل لتأليب دروز سوريا على دمشق، صحيفة الشرق الأوسط، 5 آذار/ مارس 2025، شوهد في 10 آذار/ مارس 2025، في https://bit.ly/3XC4VL2

تحميل الموضوع

https://www.harmoon.org/wp-content/uploads/2025/03/%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%88%D9%8A%D8%AF%D8%A7%D8%A1-2.pdf

مركز حرمون

————————————–

سوريا تعيد رسم المعادلة الإقليمية: الأكراد جزء من الدولة والحلول وطنية/ بشار الحاج علي

2025.03.13

في العاشر من آذار 2025، شهدت الساحة السورية تطورًا بالغ الأهمية تمثل في الاتفاق الذي جرى بين السيد الرئيس أحمد الشرع والسيد مظلوم عبدي، وهو اتفاق يعيد صياغة المشهد السياسي السوري على أسس وطنية جامعة، ويبعث برسائل إقليمية ودولية تتجاوز حدود سوريا الجغرافية. فهذا الاتفاق، الذي يعزز وحدة البلاد، ويضمن الحقوق السياسية والاجتماعية لكل السوريين، ويؤسس إلى مرحلة جديدة من الاستقرار، يحمل أبعاداً استراتيجية تتعلق بأمن الإقليم ككل، وبتوازنات القوى الدولية في واحدة من أكثر المناطق حساسية وتأثيرًا على الأمن والسلم الدوليين.

انعكاسات الاتفاق على دول الإقليم: بين الفرص والتحديات

لا يمكن النظر إلى هذا الاتفاق بمعزل عن القضية الكردية في دول الجوار، حيث يشكل الأكراد جزءًا أساسيًا من النسيج السكاني في العراق، وإيران، وتركيا، وتواجه هذه الدول تحديات مماثلة تتعلق بإدارة التنوع القومي.

         ⁃ العراق، الذي يتمتع فيه إقليم كردستان بوضع خاص، لطالما شهد توترات بين بغداد وأربيل، سواء فيما يتعلق بالموازنة، وتقاسم الموارد، أو النفوذ السياسي. ويأتي الاتفاق السوري ليؤكد إمكانية دمج الأكراد ضمن الدولة الوطنية دون الحاجة إلى مشاريع انفصالية، وهو نموذج قد يشجع بغداد على تبني سياسات أكثر استيعابًا للمكون الكردي ضمن إطار الدولة العراقية.

         ⁃   إيران، التي تواجه تحديات مشابهة في مناطقها الغربية، تدرك أن هذا الاتفاق قد يكون إشارة إلى إمكانية معالجة المسألة الكردية بأسلوب سياسي متوازن. فرغم الحذر الذي قد تبديه طهران تجاه أي تحولات في شمال شرقي سوريا، إلا أن نجاح هذا النموذج السوري قد يدفعها إلى التفكير في حلول وطنية بديلة عن المقاربات الأمنية التقليدية.

         – تركيا، التي لطالما رأت في القضية الكردية ملفًا أمنيًا، قد تجد في هذا الاتفاق فرصة لمراجعة سياساتها، لا سيما بعد خطاب زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان في شباط الماضي، والذي دعا إلى حل سياسي شامل للقضية الكردية داخل تركيا ومع تحول المزاج السياسي التركي نحو نهج أقل تصعيدًا، فإن نجاح هذا الاتفاق السوري قد يشكل نقطة انطلاق لمقاربات أكثر براغماتية في الداخل التركي.

    إن أي خطوة تعزز الوحدة الوطنية، وتعيد دمج كل المكونات ضمن إطار الدولة، تعد أمرًا إيجابيًا في سياق الحفاظ على استقرار المنطقة ككل.

الترحيب العربي: دعم لوحدة سوريا وحماية الأمن القومي

يشكل هذا الاتفاق خطوة أساسية في الحفاظ على وحدة سوريا واستقرارها، وهو ما يلقى ترحيبًا عربيًا نظرًا لما تمثله سوريا من ركيزة أساسية في الأمن القومي العربي فمنذ اندلاع الثورة السورية، كانت هناك مخاوف عربية من تفتيت البلاد، وما قد يترتب على ذلك من تداعيات أمنية وجيوسياسية خطيرة. ومن هنا، فإن أي خطوة تعزز الوحدة الوطنية، وتعيد دمج كل المكونات ضمن إطار الدولة، تعد أمرًا إيجابيًا في سياق الحفاظ على استقرار المنطقة ككل.

إسرائيل واستغلال المظلومية الكردية

لطالما سعت دولة الاحتلال الإسرائيلي إلى استغلال القضية الكردية كأداة لخلق بؤر توتر داخل الدول الإقليمية، وذلك في إطار استراتيجيتها القائمة على تفتيت المنطقة إلى كيانات ضعيفة ومتخاصمة. فمنذ دعمها لانفصال كردستان العراق عام 2017، مرورًا بمحاولاتها بناء علاقات مع بعض الفصائل الكردية في سوريا، وصولًا إلى تقديم نفسها كـ”مدافع” عن حقوق الأكراد، كانت إسرائيل تسعى لتوظيف المظلومية الكردية لخدمة مشروعها التوسعي.

لكن هذا الاتفاق يضع حدًا لهذه المحاولات، حيث يؤكد على دمج الأكراد في الدولة السورية، وإعادة تعريف العلاقة بين الدولة ومكوناتها على أسس المواطنة المتساوية وبهذا تسقط ورقة طالما حاولت إسرائيل استغلالها، ويعاد ترسيخ مفهوم الحلول الوطنية كبديل عن التدخلات الخارجية المشبوهة.

الترحيب الدولي: استقرار سوريا في منطقة مفصلية للأمن العالمي

لا شك أن هذا الاتفاق سيحظى بترحيب دولي واسع، نظرًا للأهمية الجيوسياسية لسوريا في منطقة تعد إحدى أكثر المناطق تأثيرًا على الأمن والسلم الدوليين.

فمنذ اندلاع الأزمة السورية، كان المجتمع الدولي يدرك أن استقرار سوريا هو عامل حاسم في ضبط توازنات الشرق الأوسط، سواء فيما يتعلق بالحد من التهديدات الإرهابية، أو احتواء التدخلات الخارجية، أو ضمان تدفق الطاقة والتجارة العالمية.

إن تعزيز وحدة سوريا وإعادة دمج كل مكوناتها في إطار وطني جامع يوفر نموذجًا يمكن الاستفادة منه في حل النزاعات القائمة على الهويات الفرعية، ويمنح الدول الكبرى فرصة لدعم استقرار المنطقة دون الحاجة إلى تدخلات عسكرية أو سياسية مكلفة ،وبذلك يصبح هذا الاتفاق ليس مجرد خطوة داخلية، بل تحول استراتيجي يعيد رسم خريطة التأثيرات الإقليمية والدولية.

إن نجاح هذا الاتفاق لا يعني فقط انتصارًا لسوريا في مواجهة التحديات الداخلية، بل قد يشكل نقطة تحول في المشهد الإقليمي، حيث يمكن أن يكون نموذجًا لحلول وطنية تقوم على وحدة الدولة، واحتواء التنوع، ورفض التدخلات الخارجية.

فالمرحلة المقبلة تتطلب الالتفاف حول هذا المسار، ودعمه كخيار استراتيجي لاستعادة الاستقرار الوطني والإقليمي، بعيدًا عن المشاريع التي لا تخدم سوى مصالح القوى الخارجية، وإن مصير المنطقة لا تحدده العواصم الأجنبية، بل تصنعه إرادة شعوبها حين تضع مصلحة أوطانها فوق أي اعتبارات أخرى.

بهذا الاتفاق، تثبت سوريا مجددًا أن الحل يبدأ وينتهي وطنيًا، وأن وحدة البلاد هي الأساس في بناء مستقبل مستقر وآمن، ليس لسوريا فحسب، بل للمنطقة والعالم بأسره.

تلفزيون سوريا

—————————-

امتحان الإسلاميين في سوريّا/ سهيل كيوان

تحديث 13 أذار 2025

لم يسبق لدولة عربية أن وصل فيها إلى سدّة الحكم تنظيمٌ إسلامي، باستثناء حركة الإخوان المسلمين التي وصل رئيسها المرحوم محمد مرسي من خلال الانتخابات في مصر، حكم خلالها لفترة ثلاثة عشر شهراً فقط، ثم جرى الانقلاب على الرئيس وشيطنة الحركة وإخراجها عن القانون وزجُّ عشرات الآلاف من أبنائها في السّجون.

مرّة أخرى يمرُّ أحد تيارات الإسلام السياسي في امتحان صعب، في بلد مركزي عربيّاً وإقليمياً، وله أهميته الدولية. لم يكن وصول هذا التّيار سهلا، فقد سقط في الطريق ملايين الضحايا من السّوريين، بين قتيل وجريح ومتشرّد، قبل أن يولي رئيس النّظام الأدبار ويهرب إلى روسيا.

يمرُّ التيار الإسلامي في طبعته السُّورية الحالية، بامتحان ستكون له إسقاطاته على المنطقة العربية كلِّها، فهل سينجح هذا التيار في إدارة البلد؟ وهل سيُخرجُ النّاس من حالة اليأس الطويلة، إلى فسحة من الأمل؟ هل سينجح في إدارة البلد ذي التعدّدية الكبيرة، وهل ستكون الفرص متساوية لجميع الناس! بلا شك أنَّ هناك من يسعى، وسوف يسعى إلى إفشال هذا التّيار، وهؤلاء كثيرون، من داخل سوريا وخارجها. هناك تخوّفات مشروعة لدى أبناء مذاهب وطوائف معيّنة، وهناك أصحاب منطلقات فكريّة لن يروا في حكم الإسلاميين إلا الشّر مهما حاول هذا النظام أن يبدي مرونةً. هناك عداءٌ متأصّل لدى بعض التيارات السّياسية مثل التيارات القومية والاشتراكية والليبرالية واليسارية للتّيارات الإسلامية، مثلما أنه متأصّل لدى التيارات الإسلامية ضد هذه القوى، ويرى فيها خصوماً أيديولوجيين يصعب ترويضهم ولا يؤتمن جانبهم. هنالك من لن يهدأ له بال ما لم تشتعل الحرب الأهلية في سوريا من جديد، ويروّجون ويبشّرون لهذه الحرب، ونستطيع أن نرى ذلك من خلال التجييش الطائفي، وإذكاء الصراعات والتخويف من المقبل.

هنالك فلول النّظام البائد التي لن تسلّم بهزيمتها، ومحاولة الانقلاب الأخيرة تشهدُ على أنّ الفلول ما زالت قوّة قادرة على التّخريب، وعلى إشعال نيران الفتنة، وليس لديهم ما يردعهم، ومستعدون للتضحية بعشرات آلاف أخرى من السوريين، إذا ما كان هذا يضمن لهم العودة إلى السُّلطة، وهم مستعدون لأية تحالفات ممكنة مع أي جهة كانت. فلول النّظام البائد من القيادات العسكرية الذين يتحملون مسؤولية عما كان يجري من انتهاكات ومجازر بحق السّوريين خلال سنوات الحرب الأهلية، يدركون أنّه لا سبيل لهم في النجاة من عقوبة قاسية قد تصل إلى الإعدام، إلا من خلال اختلاق الفوضى واستعادة زمام المبادرة، وسوف يحاول هؤلاء جرّ قوات النّظام الجديد إلى ردود أفعال قاسية، كي يثبتوا أنّه نظام عاجز عن إدارة البلد، وعن حماية المدنيين في وقت الأزمات، وقد يبادر هؤلاء لعمليات فظيعة بحق المدنيين وإلصاقها بالنظام الجديد. يحاول هؤلاء القادة الهاربون من العدالة ربط مصير الأبرياء من أبناء طائفتهم بمصيرهم هم، وإظهار أنفسهم كمنقذين لأبناء الطائفة، وبأنّ السُّلطة الجديدة تضمر شرّاً لجميع العلويين، ولا تميّز بهذا بين مدنيٍّ ومقاتل، حتى إنّها مستعدة لقتل وإذلال أولئك الذين رحّبوا بها في بلداتهم من أبناء الطائفة العلوية. من خلال الفوضى تسعى الفلول للحصول على شرعية ودعم عربي ودولي، معلن أو غير معلن لإفشال السُّلطة الجديدة. سوف يمارس هؤلاء أعمال التّخريب قدر الممكن، بالاعتداء على مؤسسات الدولة، والممتلكات العامة والخاصة، وتنفيذ اغتيالات لإثارة البلبلة وعدم الاستقرار.

دولة الاحتلال الإسرائيلي من جانبها تتدخّل في محاولة لرسم الخريطة السّورية الجديدة، وتدفع باتجاه الحرب الأهلية والانقسامات، لأنّ تقسيم أي بلد عربي يعود عليها بالفائدة، وتستطيع تجييره لصالحها، والعكس صحيح، فوحدة أي بلد عربي واستقراره تزعجها، خصوصا إذا كان بلداً تحتلُ أجزاءً منه، ولها أطماع في أجزاء أخرى. إسرائيل تصف السُّلطات السّورية الجديدة كمجموعة إرهابيين، بهدف ابتزازها، ودفعها إلى تغيير موقفها ولهجتها تجاه الاحتلال، والسّير في ركب التطبيع، مقابل مساعدتها في رفع العقوبات الأمريكية والغربية عنها، وشرعنتها. وأهم من جميع أعداء الإسلاميين، يتعلّق نجاح التجربة بهم هم أنفسهم، بقيادتهم التي يقف على رأسها أحمد الشّرع. هل تستطيع القيادة الجديدة أن تطبّق الدستور الجديد المقترح، وأن تفي بالبنود، التي جاءت فيه كما نُشر في المُسوّدة، خصوصا في موضوع حرية التعبير والحرّية الشّخصية وحرية العبادة! هل ينجحون بالفعل أن يُشعروا جميع السُّوريين بأنّهم يعيشون في ظلّ قانون واحد يطبّق على الجميع من غير تفرقة! هل سيمنحون الحريّات الشّخصية مساحة كافية ليشعر الناس فيها بأنّهم تحرّروا بالفعل من دولة المخابرات المُزمنة، وأنَّ المواطن قادرٌ على انتقاد السُّلطة وأن يدلي برأيه المعارض والنّاقد وأن يبوح بأفكاره، من غير التعرّض إلى المساءلة أو المسّ بمصدر معيشته! هل سيُشعرُ السُّوريين كلُّهم بأنهم تحرّروا من أحكام الطوارئ التي لاحقتهم جيلا بعد جيل! وهل ستعود خيرات بلدهم عليهم ويحظون بحياةٍ كريمةٍ بعد سنوات، بل عقود عجاف! هل ستنجح في أن يكون القرار السّوري متحرِّرا من التأثيرات أو التدخّلات الأجنبية، كما يليق بالدولة السُّورية.

نجاح التجربة قد يكون نموذجاً للتقليد، بسبب تعطش الشّعوب العربية إلى العدالة ودولة جميع المواطنين، وهذا ما يخشاه كثيرٌ من الأنظمة العربية التي تعمل ألف حساب للتيارات الإسلامية، لقدرتها على التنظيم والانتشار لأسباب عقائدية وتاريخية وإمكانيات تنظيمية، ورغبة في تجربة مختلفة عن تجارب الأنظمة، التي تعيد إنتاج نفسها، تحت مسميات مختلفة ولكنها واحدة في جوهرها القمعي. تعرّضت التيارات الإسلامية إلى هجمات مستمرّة وقاسية، وتصعب إزالة ما علق بها من تشويهات وشيطنات، بعضها تتحمّل هي مسؤوليته، بسبب ممارسات بعض فصائلها، كذلك فإنّ الكثير منها فبركات، والذكاء الاصطناعي تطوّر وقادر على ما هو أخطر. أعداء هذا التيار كثيرون من خارجه، وكذلك وفي أحيان كثيرة، بل والأخطر يأتي من بين صفوفه. أحد أهم البنود التي جاءت في مسودة الدستور هو، استقلال القضاء، واعتباره هيئة فوق جميع الهيئات وهذه قضيّة جوهرية، في دولة قانون. الدستور المقترح كما نُشرت مسوّدته، يعتبر جيداً جداً في ظروف سوريا وما نجم عنها بعد الحرب الأهلية، ولكن يبقى التطبيق هو الأهم، فهنالك دولٌ تتغنّى بالدّيمقراطية في دساتيرها، ولكنّها فاشلة في التطبيق، وهناك من يعطّلون الدستور في أقرب فرصة. حتى في دول عريقة في الديمقراطية، لا يطبّق القانون على جميع الناس بصورة متساوية، خصوصاً في القضايا السّياسية، مثلا في تعامل الشّرطة الألمانية مع مناصري فلسطين، أو في تعامل السُّلطات الأمريكية مع الطالب العربي محمود خليل من جامعة كولومبيا.

هنالك تساؤل عن دور الفرد في التاريخ وما هي قدرته على التأثير في مساره، في الحالة السّورية الراهنة بمقدور القائد الحالي أحمد الشّرع، أن يغيّر مسار تاريخ المنطقة، وأن يدحض ما بنته الدعاية والتحريض ضد الإسلاميين على مدار عقود، إذا ما حقّق أحلام السوريين كلهم في الوحدة والكرامة والعدل، فيصبح نموذجاً يحتذى، ولكنه إذا فشل بسبب داخلي من خلال إساءة إدارة السّلطة، ممّن هم حوله، أو من خلال تقوقع فكري أو طائفي، فستكون هذه خيبة كبيرة، وربّما آخر محاولة للتيارات الإسلامية في الوصول إلى السّلطة والقيادة.

كاتب فلسطيني

القدس العربي

——————————

هآرتس: هل ينجح الشرع في ترميم سوريا بعد اتفاقه مع الأكراد والدروز؟

تحديث 13 أذار 2025

وقع أول أمس اتفاق بين مظلوم عبدي، زعيم قوات سوريا الديمقراطية، الذراع العسكري للإدارة الكردية في شمال شرق سوريا، مع الرئيس السوري أحمد الشرع. سيكون هذا الاتفاق وثيقة أساسية في دولة تناضل لإعادة بناء نفسها. انضم إلى هذه العملية أمس تقارير عن اتفاق مشابه مع الدروز في المحافظة الانفصالية السويداء جنوبي سوريا، وإن لم تتضح بعد طبيعة ودرجة قبوله في أوساط الطائفة.

إذا ما تحققت هذه الاتفاقات فستكون لها تداعيات ثقيلة الوزن على قدرة الشرع على إدارة الدولة والحصول على الشرعية، بالأساس بمساعدة دولية وعربية، وعلى مكانة تركيا في سوريا، وأيضاً تطلعات إسرائيل للاحتفاظ بمناطق محتلة في شرق هضبة الجولان وجنوبها. إضافة إلى ذلك، هذه الاتفاقات تظهر أن الشرع يعترف بصعوبة إقامة “دولة معظم أقلياتها” باستثناء الأقلية العلوية. سيطمح إلى إدارة دولته بالموافقة وليس السير في طريق الأسد الأب والابن.

لكن هناك عقبات كبيرة قابلة للانفجار، وكل منها قد تبقي هذه الاتفاقات بمثابة أوراق تاريخية تحتوي في داخلها لحظة من الاتفاق الذي لم يتحقق. الاتفاق مع الأكراد يشمل دمج كل المؤسسات العسكرية والمدنية، وكل آبار النفط والمطارات والمعابر الحدودية ووضعها تحت سيطرة الدولة. في المقابل، ربما يحصل الأكراد على حكم ذاتي ثقافي وحصة مناسبة في مؤسسات النظام ووظائف رفيعة في الجيش.

هذه العملية، التي سيحصل الجيش في إطارها على 100 ألف مقاتل كردي تقريباً، إذا انضم إليه المقاتلون الدروز، تعني إقامة جيش وطني موحد بقيادة وطنية متجانسة تضع حداً لمبنى مليشيات لقوات الأمن بقيادة الشرع. العائق الذي أخر انضمام الأكراد للجيش السوري بعد إسقاط نظام الأسد في كانون الأول، هو المطالبة بالحفاظ على إطار خاص بهم داخل الجيش السوري. من غير الواضح إذا تم الاستجابة لمطالب الأكراد، وماذا ستكون طبيعة خضوع القوات الكردية لقوات الجيش الوطني، وهل سيخدم جنودهم في المحافظات الكردية فقط كقوة دفاع أم سيعملون في أرجاء الدولة، وبالأساس كيف يمكن للاتفاق أن يدافع عن السكان الأكراد من هجمات تركيا، التي تعاملت أمس مع الاتفاق بـ “تفاؤل حذر”؟

هنا تكمن نقطة ضعف الاتفاق الأساسية؛ فهو غير منفصل عن الحاجة الكردية لتضمن لنفسها إطاراً دفاعياً ما دامت تركيا هي المسيطر على مناطق كردية وتهاجم أهدافاً ومواقع كردية. سيقتضي هذا الإطار اتفاقاً منفصلاً بين تركيا وسوريا، الذي سيحدد نطاق نشاطات تركيا وطبيعة هذه النشاطات وجدول زمني لانسحابها من سوريا. ساعدت تركيا الشرع بشكل مباشر ونشط في إسقاط نظام الأسد، وأيدته في فترة وجود “هيئة تحرير الشام”، واتحاد مليشيات المتمردين الذي أقامه الشرع وكانت قاعدته المركزية في إدلب. ثم تحولت لتكون حليفة في سوريا عندما جاءت مع رزمة وعود لمساعدة اقتصادية وبناء قوتها العسكرية.

لكن رغم الاتفاق مع الشرع، تعتبر تركيا هذه القوات الكردية التي تدعمها الولايات المتحدة، تنظيماً إرهابياً يهدد أمنها الوطني. وتطالب بنزع سلاحه وإبعاده عن مناطق الحدود. في الوقت نفسه، ثمة تقدير بأن تركيا كانت شريكة، بمعرفة وموافقة، في هذه العملية التي أدت إلى الاتفاق. يمكن الافتراض أيضاً أنها أيدتها لأنها تتساوق مع استراتيجية موازية تديرها. قبل شهر تقريباً، بدأت تركيا في عملية مصالحة مع “حزب العمال الكردستاني”، الذي يعدّ تنظيماً إرهابياً. وتدير ضده منذ الثمانينيات حرباً دموية قتل فيها 40 ألف شخص. قبل أسبوعين، في إطار عملية مصالحة، طالب رئيس حزب العمال الكردستاني، المحكوم بالمؤبد، عبد الله أوجلان، أتباعه بالتخلي عن سلاحهم وحل التنظيم الذي يعمل داخل تركيا ومن قواعد في العراق وشمال سوريا. وافقت قيادة التنظيم على وقف النار، لكنها لم توافق على نزع سلاحها، إلى حين مفاوضات تضمن حقوق الأكراد وتوقف مطاردتهم.

تعتقد تركيا أن إعلان أوجلان موجه للقوات الكردية السورية أيضاً، حيث تعتبرها جزءاً من “قوة الإرهاب” الكردية. ولكن الزعيم الكردي، عبدي، سارع إلى التوضيح بأن دعوة أوجلان لا تتعلق بهم، وأنهم سيواصلون القتال للدفاع عن أراضيهم وطائفتهم. ربما كان هذا رداً إعلانياً مطلوباً، لكن الأكراد في سوريا يعرفون جيداً أنه منذ تتويج ترامب رئيساً، فإن وقف دعم أمريكا لهم وانسحاب القوات الأمريكية من سوريا تبدو مسألة وقت. بدون المساعدة العسكرية والاقتصادية، وإزاء علاقات جيدة بين رئيس تركيا والرئيس الأمريكي، بات على عبدي أن يقرر بسرعة لحماية قواته والطائفة الكردية السورية بشكل عام.

هنا وجد لقاء مصالح بين تطلع الرئيس السوري لتوحيد الدولة وإقامة قوة عسكرية وطنية، وبين حاجات الحماية للطائفة الكردية السورية وقيادتها العسكرية والسياسية، حيث مصالح أمريكية وتركية. مصدر في الإدارة الكردية العراقية، قال إن أكراد سوريا يواجهون معضلة غير محتملة.

“هذه ليست معضلة أن يكونوا أو لا يكونوا، بل كيف سيكونون. واضح أن الركيزة الأمريكية ستتحطم في ظل ترامب، وستحصل تركيا على يد حرة للعمل في شمال سوريا، كما حصلت إسرائيل من ترامب على يد حرة للعمل في غزة”، قال. “المخرج الوحيد أمامهم هو التوصل إلى اتفاق مع النظام الجديد في سوريا، ومحاولة تحقيق كل ما يمكن تحقيقه وبسرعة”. يبدو أن تقدير المصدر الكردي تحقق جزئياً. بدون اتفاق إطار بين سوريا وتركيا وبدون تدخل أمريكا، لا سيما أمام تركيا، حيث يضمن سلامة الأكراد، من الصعوبة حينئذ رؤية كيف يمكن للأكراد تجسيد الإنجازات التي صيغت في الاتفاق الموقع عليه أول أمس.

قصة الاتفاق مع الدروز أيضاً، إذا تم التوقيع حقا على وثيقة رسمية بين قيادة الشرع وقيادتهم، لم تنته بعد. الموقف “الرسمي” الذي يطرحه حكمت الهجري، الذي يعدّ الزعيم البارز والمؤثر من بين الزعماء الثلاثة الروحانيين للطائفة في سوريا، أعلن تأييده لدولة سورية موحدة، ولا يؤيد إقامة كانتون درزي يتمتع بحكم ذاتي. ولكنه اشترط انضمام المليشيات الدرزية للجيش الوطني بأن يتم تشكيل جيش كهذا، مع صياغة دستور يضمن حقوق الدروز. يبدو أن مواقف القيادة الدرزية منقسمة وغير متجانسة، بينها وبين بعض قادة المليشيات الدرزية غير المستعدين لنزع سلاحهم والاعتماد على تعهدات الشرع، الذي عملت قواته ضد الطائفة الدرزية أثناء قيادته لجبهة النصرة.

لكن مؤخراً، أضيف للدروز “قيمة” استراتيجية قد تساعدهم في الحصول على تنازلات وإنجازات أكبر من الشرع. “الحماية” التي ألقتها عليهم إسرائيل بذريعة الدفاع عنهم، التي تستخدم أيضاً كذريعة لسيطرتها على مناطق في جنوب سوريا، تزيد قوة مساومتهم أمام الشرع.

في نهاية المطاف، في الواقع في بدايته، ترى الطائفة الدرزية نفسها جزءاً لا يتجزأ من دولة سوريا، ومستقبلها مرهون بعلاقاتها مع النظام وليس مع إسرائيل. والدليل ما نشر أمس بأن المئات من أبناء الطائفة قرروا التجند في الجيش السوري، وأجريت في الميدان الرئيسي بالسويداء مظاهرات تأييد للاتفاق الذي كما يبدو تم التوقيع عليه. والمطلوب فقط هو التعامل مع مظاهر التأييد بشكل مناسب من التشكك. فهي قد تتبدل بالاحتجاج والتمرد إذا تبين أن الورق الذي كتب عليه الاتفاق لا يترجم إلى إنجازات فعلية تضمن الحقوق السياسية والاقتصادية والثقافية، للدروز.

تسفي برئيل

هآرتس 12/3/2025

القدس العربي

———————-

سوريا.. على هوامش واشنطن وأولويات إسرائيل/ خالد الجرعتلي

تحديث 13 أذار 2025

لا تزال التحركات الإسرائيلية في جنوبي سوريا تميل إلى العدائية، رغم أن الإدارة السورية الجديدة حاولت مرارًا تقديم نفسها كجهة لا تشكل تهديدًا لأي بلد بمحيط الحدود السورية، إذ لا تزال الطائرات الإسرائيلية تنفذ ضربات في سوريا، تحت مبرر رفضها لوجود الجيش السوري في ثلاث محافظات سورية.

أحدث الضربات الجوية وقعت اليوم الخميس، 13 من آذار، واستهدفت مبنى في مشروع دمر بدمشق.

وقال مسؤول العلاقات الوطنية في “حركة الجهاد الإسلامي” الفلسطينية في سوريا، إسماعيل السنداوي، لعنب بلدي، إن الهجوم استهدف مبنى فارغًا تابعًا للحركة، ويعود لأمينها العام، زياد النخالة.

وكانت إسرائيل، استهدفت الاثنين 10 من آذار، مواقع متفرقة جنوبي سوريا، دون إعلان رسمي سوري عن طبيعة المواقع المستهدفة أو حجم الأضرار التي خلفتها الضربات.

وقال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي للإعلام العربي، أفيخاي أدرعي، عبر “إكس”، إن طائرات حربية لسلاح الجو أغارت على مواقع في الجنوب السوري، استهدفت معدات عسكرية.

ولم تنحصر سياسة إسرائيل في سوريا باتجاه عسكري فقط، فرغم أن قواتها توغلت في الأراضي السورية منذ اللحظات الأولى لسقوط نظام الأسد في 8 من كانون الأول 2024، ظهرت مساع إسرائيل لدفع الولايات المتحدة نحو موقف عدائي من سوريا الجديدة أيضًا.

وفي 28 من شباط الماضي، نقلت وكالة “رويترز” عن مصادر مطلعة (لم تسمّها) أن إسرائيل تمارس ضغوطًا على الولايات المتحدة لإبقاء سوريا “ضعيفة ولا مركزية”، مع السماح لروسيا بالاحتفاظ بقواعدها العسكرية على الساحل السوري لمواجهة النفوذ التركي المتزايد في سوريا.

المصادر قالت إن العلاقات المتوترة بين إسرائيل وتركيا تعرضت لضغوط شديدة خلال حرب غزة، وأبلغ مسؤولون إسرائيليون واشنطن أن “الحكام الإسلاميين الجدد” في سوريا الذين تدعمهم أنقرة يشكلون تهديدًا لحدود إسرائيل.

ولم يظهر أي موقف واضح من واشنطن حول هذه التسريبات، لكن غياب التعليق الأمريكي حول توجه واشنطن من سوريا، منذ تولي إدارة دونالد ترامب رئاسة البلاد في 20 من كانون الثاني الماضي، شكل تساؤلات عن احتمالية استجابة الولايات المتحدة لضغوط إسرائيل.

أين سوريا في أولويات واشنطن

حافظت الولايات المتحدة الامريكية منذ تولي الإدارة الجديد رئاسة البلاد، على خطابها باتجاه سوريا، مركزًا على الخطوط العريضة والعموميات، إذ صدرت تعليقات أمريكية حول وجود قوات واشنطن في سوريا، وأخرى متعلقة بالعمليات السياسية لم تحمل تغييرًا عمّا صدر عن الإدارة الأمريكية السابقة، إضافة لتعليقات هنا وهناك حول استهداف قياديين في فصائل جهادية على الأراضي السورية.

كل ما جاء على لسان الأمريكيين أوحى أن سوريا لا تحل متقدمة على سلم أولويات واشنطن، في وقت تتعلق فيه الإدارة السورية بآمال اقتناع إدارة دونالد ترامب برفع العقوبات عن سوريا، وتقدم تطمينات في هذا الخصوص.

يعتقد الباحث الزميل في “مؤسسة القرن” للأبحاث، آرون لوند، وهو أيضًا محلل لشؤون الشرق الأوسط في “وكالة أبحاث الدفاع السويدية”، أن سوريا تعتبر قضية ثانوية بالنسبة للولايات المتحدة، رغم وجود بعض المصالح لواشنطن هناك.

وقال آرون لوند، لعنب بلدي، إن مصالح واشنطن في سوريا تشمل دور وحماية القوات الأمريكية في شمال شرقي سوريا، ومحاولات تحديد موقع المواطنين الأمريكيين المفقودين، وخطر إحياء تنظيم “الدولة الإسلامية”، وربما مصير أي أسلحة كيميائية متبقية.

ورجح الباحث أن يهتم دونالد ترامب بسوريا فقط بقدر ما تصبح عاملًا لعلاقته بالآخرين، وتشمل قائمة القوى المهتمة بالمنطقة وتحكمها علاقات مع واشنطن، كإسرائيل وتركيا وإلى حد ما روسيا والأوروبيين.

وفسّر لوند نظرة واشنطن إلى سوريا، بأنه يمكن الاعتماد على الإسرائيليين والأتراك في أن يكون لديهم آراء قوية جدًا بشأن هذه المسألة.

وأضاف أن ترامب قد يأخذ في عين الاعتبار أيضًا وجهات نظر الملكيات العربية في الخليج، مثل المملكة العربية السعودية وقطر والإمارات العربية المتحدة، لكن درجة نفوذها ستعتمد على مقدار رأس المال السياسي الذي قد تكون على استعداد لإنفاقه للتأثير على سياسة الولايات المتحدة في سوريا.

ومع كل ما يحدث الآن، من غزة إلى الخليج، فإن سوريا ليست أولوية قصوى لأي دولة خليجية، علمًا أن القطريين قد يهتمون بهذا الملف أكثر من غيرهم، ولكن حتى الدوحة ستركز على التأثير في السياسة الأمريكية بشأن إيران وغزة، وعلى حماية نفسها ضد الضغوط.

وتقف معظم دول الخليج العربي، منها السعودية، الكويت، قطر، والإمارات، إلى جانب التغيير الحاصل في سوريا، إذ تدعم الحكومة السورية الجديدة بعد سنوات من العداء مع سوريا في عهد النظام السابق.

اليد الطولى لإسرائيل

تولي إدارة ترامب منذ قدومها للسلطة اهتمامًا بشأن غزة وإيران، أكبر من اهتمامه بما يجري في سوريا، ورجّح لوند أن يتخذ الأمريكيون موقفًا داعمًا لأي قرار تتخذه إسرائيل في سوريا عند أي توتر، كوسيلة للتحوّط من التوتر في تلك القضايا الأخرى.

واعتبر أن قرار إبقاء قوات الأمن التابعة للحكومة الجديدة خارج جنوب سوريا سيكون له “تأثير بالغ”، إذ لا تملك “هيئة تحرير الشام” نفوذًا كافيًا في الجنوب السوري، وقد يؤول ذلك لتحول تلك المنطقة بأكملها إلى قطاعات بحجم مدينة تديرها فصائل محلية.

وفي حال خرجت هذه المنطقة عن سلطة دمشق الأمنية والعسكرية، قد تتفاقم الأمور وتتحول إلى “فوضى عارمة وعنيفة” وفق ما يراه لوند، وهو ما قد يكون مزعجًا للغاية بالنسبة للأردن أيضًا، الذي يخشى الاضطرابات على الحدود،مثل عودة ظهور جماعات متطرفة أو انتشار التهريب.

لوند قال لعنب بلدي إن تفاقم الأمور على طول الحدود الأردنية، قد يمهد الطريق لمزيد من التدخل الأجنبي، مثل الأردن، أو حتى إسرائيل ودول أخرى.

    الكثير من الأمور في سوريا والمنطقة غير مستقرة في هذه المرحلة، وأتخيل أن إسرائيل، مثل أي دولة أخرى، تُرتجل إلى حد كبير طريقًا للمضي قدمًا. ولكن سواء كانت خيارات إسرائيل السياسية عقلانية أم لا، فإنها ستكون أكثر أهمية بكثير من خيارات العديد من الحكومات الأخرى. فعلى عكس معظم دول المنطقة، تمتلك إسرائيل القوة العسكرية للمضي قدمًا.

    الباحث آرون لوند

وتنتشر في جنوبي سوريا العديد من الفصائل العسكرية، وافق بعضها على الانضمام لوزارة الدفاع السورية، بينما تتمنع فصائل أخرى عن الاندماج، وينحدر معظمها من محافظة السويداء السورية التي يقطنها غالبة درزية.

ومنذ أسابيع، تحاول الحكومة الإسرائيلية تصوير تدخلها في سوريا على أنها تريد حماية دروز المنطقة الذين يشكلون امتدادًا لدروز إسرائيل، علمًا أن الأخيرة لم تتحرك حتى عندما دخل تنظيم “الدولة الإسلامية” للمنطقة عام 2018، وقتل المئات من أهلها.

ويرى لوند أن الزيادة في مناشدات إسرائيل للدروز تعكس “قرارًا استراتيجيًا”، لكن ليس من الواضح ما الذي يجري أو مدى جدية الإسرائيليين في هذا الشأن، ولربما يحاول نتنياه حشد الدعم له بين الدروز والأقليات الأخرى في سوريا ولبنان على المدى الطويل، دون التخطيط بالضرورة لأي مبادرات رئيسية على المدى القريب.

ولفت إلى أنه من الوارد وجود اعتقاد بالنسبة لإسرائيل أن سوريا ستتفكك وتضعف في غياب حكومة مركزية فعّالة، وفي هذه الحالة يأملون في بسط نفوذهم في جنوبي سوريا، لكن هذه التحركات قد تكون مجرد “بالون اختبار” في هذا الشأن.

عنب بلدي

——————–

هل ثمّة صراع بين إيران وتركيا؟/ زياد بركات

13 مارس 2025

ليس ثمّة ما هو أسوأ لإيران من أن تجد نفسها وإسرائيل في الموجة نفسها في الشأن السوري. وهو كاشفٌ وفاضح، فبينما تسعى تلّ أبيب جهراً إلى استغلال المرحلة الانتقالية في سورية، يبدو أن طهران منشغلة بالأمر نفسه، وهو العودة بأيّ ثمن إلى ما كانت عليه قبل فرار المخلوع، وإذا تعذّر الأمر فلا بأس من التخريب، وهو كثيرٌ (للأسف!)، رغم أنه لا يعود عليها بنتائج حقيقية لحسن الحظّ.

على إيران أن تُسلّم أن نفوذها العابر للحدود ضُرِب في مقتل بفرار الأسد واغتيال حسن نصر الله، وأن عليها أن تُعنى بشؤونها، خاصّة أن النار تقترب منها هذه المرّة، بعد عقود من أحزمة الصدّ التي أنشأتها في بلاد المشرق العربي واليمن، وأن تعرف أن علاقاتٍ ندّيةً ما أمكن مع “مستعمراتها” القديمة (والوصف على تطرّفٍ وسخرية)، أفضل لها وللمنطقة، وأن التغيّرات العاصفة والمفاجئة في جوارها قد تتركها في عزلةٍ خانقةٍ كلّما سعت إلى التخريب أو استعادة دور انتهت شروطه وأسبابه.

لم يخطئ وزير الخارجية التركي هاكان فيدان في تشخيصه وضع إيران في المنطقة، في حواره مع قناة الجزيرة، فالسياسة التي تعتمد على فصائل مسلّحة (في دول الجوار) خطيرة، ومن شأنها الانقلاب ضدّك، وإذا كنتَ تحاول إثارة التوتّر في دولة ثالثة، فإن دولة أخرى تستطيع إزعاجك داخل حدودك بدعم جماعات ضدّك في بلادك.

ومعلومٌ أن تصريحات الوزير التركي لم تكن عفو الخاطر، بل تعني كثيراً في وقتٍ بدأت فيه بلاده بملء الفراغ الذي نشأ بخروج إيران من سورية، وتلك من طبيعة معادلات القوة والنفوذ في العالم، وإيران ليست استثناءً هنا، خاصّة أن تدخلها تسبّب في تمزيق مجتمعات المنطقة وتطييفها، وإعادتها إلى القرون الوسطى، فطهران ليست قوةً حداثيةً، ولم تنقل لهذه المجتمعات إرثاً في الموسيقى والفلسفة والآداب والأزياء عندما تغلغلت فيها، بل سرطنتها بمفاهيم محض طائفية ولا تنتمي إلى العصر، ولا حتى إلى القرن التاسع عشر.

ولم تفعل هذا وحسب، بل حوّلت هذه المجتمعات دروعاً بشرية لها، تحارب بها وبنخبها، وعندما يحين وقتُ المذبحة تنأى بنفسها. وما حدث مع حزب الله كان درساً لمن يريد أن يتعلّم، ففي اللحظة الحاسمة جرى فصل مسارات الصراع فتُرك الحزب يواجه وحدَه حرب إسرائيل عليه، بينما تفرّغ مسعود بزشكيان للتودّد إلى الولايات المتحدة.

… هل ثمّة صراع في الأفق بين إيران، التي تنسحب من المشهد، وتركيا التي بدأت تتصدّره؟ … الصراع لم يغب يوماً حتى نُفاجأ به، فإيران عملياً دخلت منذ الثمانينيّات في خطّ نفوذ الأتراك ومجالهم الحيوي في المنطقة، فالتداخل الإثني والديني التركي أكبر من الإيراني، وإرثُه ممتدٌّ إلى الدولة العثمانية، مقارنةً بطهران التي اكتشفت أن الطائفة حصان طروادة لاختراق المنطقة، وهو ما تيسّر لها لهشاشة دول المنطقة وغياب إجماعاتها الوطنية، لا لعبقرية المؤسّسة الإيرانية.

لا يعني هذا في حال ترحيباً بمستعمرٍ جديد، وأنقرة أكثر ذكاءً من تسويق نفسها على هذا النحو، بل مقارنةً بين دولةٍ تلعب دوراً في مجال حيوي لها، وأخرى أوجدت مجالها وأقحمته في المعادلات، وكان أن انهار بين ليلةٍ وضحاها بغياب أدواتها أو ضعف هذه الأدوات. وكان عليها أن تعترف بخساراتها وتنسحب وتُعنى بشؤونها، لكنّ من شأن إنكارها الوقائع الجديدة إضعافها أكثر، وقطع الطريق عليها لإنشاء علاقات جديدة وصحية مع دول المنطقة، تكون فيه جاراً طيّباً يصدّر الكافيار (إذا شاء) إلى هذه الدول، ويقيم أسابيع سينمائية في عواصمها.

في ردود بعض المسؤولين الإيرانيين على تركيا، ثمّة من يذهب إلى أنها (تركيا) تتعامى عن الأيادي الأميركية والإسرائيلية السرّية والخفية في تطوّرات المنطقة، وهو ما قاله المتحدّث باسم الخارجية الإيرانية في “إكس”، لكنّه أغفل أن بلاده ترغب بمصافحة الأيادي الأميركية لا غيرها، وذلك ما فعلته عندما تخلّت عن حزب الله، حليفها وأداتها الرئيسة في المنطقة، وهو يُدَّك ويُباد، مراهنةً على أن دور العاقل الذي يكبح صبيان الحي قد يجلب لها المنافع، فما حمت حليفها ولا كسبت رضا الأميركيين، الذين كلما تنازلتَ لهم طالبوك بما هو أكثر، وأن إضعاف العهد الجديد في سورية، واللعب على تناقضات المكوّنات المجتمعية، يجمعها مع إسرائيل أكثر من تركيا، ويجعلهما في صفّ واحد، وإن اختلفت الدوافع.

العربي الجديد

———————-

 “رويترز”: 100 من وجهاء دروز سوريا سيزورون الجولان المحتل الجمعة المقبل

2025.03.13

أفادت وكالة “رويترز” أن نحو 100 شخصية سورية من وجهاء طائفة الموحدين الدروز من المتوقع أن يزوروا الجولان السوري المحتل، يوم الجمعة المقبل.

ونقلت الوكالة عن أعضاء من الطائفة الدرزية قولهم إنه من المتوقع أن يلتقي الوفد بالشيخ موفق طريف، الذي يوصف بأنه الزعيم الروحي للدروز في إسرائيل، وشخصيات أخرى من الطائفة، وأن يزوروا مقاماً دينياً.

وفي حين لم تصدر وزارة الخارجية الإسرائيلية أي تأكيدات بشأن الزيارة، أشارت “رويترز” إلى أن الزيارة المتوقعة هي “أحدث مؤشر على دعم إسرائيل للدروز منذ وقف إطلاق النار في لبنان، والإطاحة المفاجئة بالرئيس المخلوع، بشار الأسد”.

مساع إسرائيلية لترتيب زيارة لرجال دين دروز من قرية حضر السورية إلى إسرائيل

وفي وقت سابق أمس الأربعاء، كشف “التلفزيون العربي” عن مساعٍ إسرائيلية لترتيب زيارة لرجال دين دروز من قرية حضر السورية المحتلة إلى إسرائيل، مشيراً إلى أن الحكومة السورية على تواصل مع أهالي المناطق المحتلة وتحثهم على رفض الزيارة.

ونقل “التلفزيون العربي” عن مصادر خاصة قولها إن شيخ عقل الطائفة الدرزية في إسرائيل، موفق طريف، يضغط على أهالي قرية حضر السورية المحتلة لإجراء الزيارة، التي يجري الترتيب لها بالتنسيق مع جيش الاحتلال الإسرائيلي.

وقالت المصادر إن هناك إجماعاً لدى القوى الوطنية في الجولان السوري المحتل على رفض الزيارة، موضحة أن الحكومة السورية على تواصل مع أهالي المناطق المحتلة وتحثهم على رفض زيارة إسرائيل.

وأشارت مصادر “التلفزيون العربي” إلى أن دولة الاحتلال تقدم إغراءات لسكان المناطق المحتلة في سوريا، مثل توفير فرص عمل وإنشاء بنية تحتية، لافتة إلى أن المرجعيات الوطنية والدينية في السويداء والجولان ولبنان تعمل على إحباط مخطط الزيارة.

وأعلنت إسرائيل عدة مرات خلال الأسابيع الماضية أنها مستعدة للدفاع عن الدروز في سوريا، في سياق ما تزعم أن الدروز في سوريا يتعرضون لاعتداءات، وهو ما تعتبره الحكومة السورية ذريعة لانتهاك السيادة السورية.

وفي وقت سابق، قال وزير الدفاع الإسرائيلي، إسرائيل كاتس، إن الدروز من جميع أنحاء خط الفصل سوف يُسمح لهم بدخول مرتفعات الجولان المحتل للعمل.

والأسبوع الماضي، كشفت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية أن إسرائيل تسعى إلى إقناع دروز سوريا برفض الحكومة الجديدة في دمشق والمطالبة بحكم ذاتي ضمن نظام فدرالي، وأنها تخطط لإنفاق أكثر من مليار دولار لتحقيق هذه الغاية.

ويؤكد الدروز السوريون، في احتجاجات شعبية وبيانات، عن رفضهم أي تدخل إسرائيلي في الشؤون الداخلية السورية، وجددوا الدعوة أكثر من مرة إلى انسحاب الجيش الإسرائيلي من الأراضي السورية.

————————

مسؤول أميركي: إدارة ترامب أبدت اهتمامها في عقد صفقات تجارية مع الحكومة السورية

ربى خدام الجامع

2025.03.12

أفاد مسؤولان أميركيان بأن واشنطن عملت على مدار أشهر لإقناع قوات سوريا الديمقراطية (قسد) بالبحث عن سبل للتعاون مع الحكومة السورية الجديدة التي تولت السلطة في كانون الأول الماضي.

وكشف أحد المسؤولين الأميركيين لصحيفة “ميدل إيست آي” أن التدخل التركي كان جزءا من الترتيبات التي جعلت دعوة عبدالله أوجلان للقوات الكردية تأتي في سياق دفع قسد للانضمام إلى الحكومة السورية.

وأوضح المسؤول أن هذه الخطوة قد تعني تسليم السلاح وعدم السعي وراء الحكم الذاتي في المناطق التي تسيطر عليها قسد.

وأضاف أن إدارة ترامب كانت تسعى لعقد صفقات تجارية مع الحكومة السورية، تشمل الوصول إلى الموارد النفطية في شمال شرقي سوريا، كما أبدى الرئيس الأميركي دونالد ترامب اهتماما بتطوير علاقات إيجابية مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، مما يجعل هذه الاتفاقية خطوة مهمة في هذا الاتجاه.

وخلال السنة الفائتة، أعلن وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، أنه ينبغي على قوات سوريا الديمقراطية طرد جميع مقاتلي حزب العمال والانضمام إلى الدولة المركزية وذلك بهدف التوصل إلى حل سلمي مع أنقرة.

هذا وأعربت وسائل الإعلام والمحطات الإخبارية الموالية للحكومة التركية عن ابتهاجها بتوقيع الاتفاقية صباح يوم الثلاثاء، إذ أعلنت قناة TRT أن قسد خضعت لضغط تركي، في حين ذهبت صحيفة يني شفق التركية إلى القول بأن قسد وافقت على نزع السلاح.

ذكر مصدران تركيان مطلعان على طريقة تفكير الحكومة بأن الاتفاق بوسعه في نهاية المطاف تحقيق المطالب التركية، بما أنه لم يشر إلى أي حكم ذاتي أو أي دولة كردية فيدرالية ستقام في شمال شرقي سوريا، وذكر أحد المصدرين التركيين بأن الاتفاق: “يوحي إلى إمكانية قيام جيش سوري واحد موحد، بحيث يكون شمال شرقي سوريا جزءاً من دولة واحدة”.

في حين سارعت دول إقليمية مثل قطر والسعودية للترحيب بهذه الخطوة، تعين على تركيا التعليق بشكل رسمي على الموضوع، وذلك ما يعكس الحذر الذي تحس به أنقرة برأي المصدر التركي الثاني.

“نهاية مشروع الإدارة الذاتية”

من جانبه، وخلال عطلة نهاية الأسبوع، أعلن دولت باهتشلي، زعيم الحزب القومي التركي الذي أطلق حواراً مع أوجلان حول حل حزب العمال الكردستاني، بأنه ينبغي على قسد حل نفسها بموجب الدعوة التي أطلقها أوجلان.

يذكر أن أوجلان يعامل معاملة الزعيم الأيديولوجي لدى وحدات حماية الشعب الكردية التي تعتبر الجناح المسلح المهيمن على قسد.

في حين ذكر المصدر التركي الثاني بأن أنقرة ستتابع الاتفاق من كثب لتضمن طرد قسد لقوات حزب العمال الكردستاني بحسب ما تعهد به عبدي على الملأ، وأن القوات الكردية ستنضم إلى وزارة الدفاع السورية بوصفها قطعات مفردة لا قوات منفصلة.

وتعليقاً على الاتفاق، قال عمر أوزكيجيكجي، وهو أحد كبار الخبراء المختصين بالشؤون الإقليمية لدى مركز أبحاث المجلس الأطلسي: “عبر توقيع هذا الاتفاق، أعلن مظلوم عبدي عن نهاية مشروع الإدارة الذاتية في سوريا، وبذلك خفف من غلواء إحدى أهم الأمور المثيرة لقلق تركيا على أمنها القومي… فمنذ انهيار نظام الأسد، تغيرت الديناميات الإقليمية بشكل كبير لصالح تركيا، وهذا ما عزز موقفها الجيوسياسي، إذ يبدو أن كل الحظوظ أصبحت تصب في صالح تركيا”.

الضغط الأميركي

إلى جانب الدعوة التي وجهها أوجلان، ثمة عامل آخر دفع عبدي إلى توقيع هذه الاتفاقية، ألا وهو الوساطة والضغط الأميركي الذي مورس على قسد، وذلك بحسب ما أعلنه دبلوماسيون وخبراء في الشأن الإقليمي، وفي ذلك مؤشر على أن واشنطن ستسحب قواتها من سوريا خلال وقت قريب على الأرجح.

إذ أعلن مسؤولان أميركيان أن واشنطن بقيت تعمل طوال أشهر على إقناع قسد بالبحث عن مساحات للتعاون مع الحكومة السورية الجديدة التي تولت زمام البلد في كانون الأول الماضي.

وذكر مسؤول أميركي رفيع أن تركيا تدخلت ورتبت أمور الدعوة التي وجهها أوجلان مقابل تشجيع واشنطن لقسد على التعاون مع الحكومة السورية والانضمام إليها، وعلق هذا المسؤول بالقول: “قد يعني ذلك وضع السلاح وعدم التفكير بالحكم الذاتي أو ما شابهه في المناطق التي يسيطر عليها الكرد”.

وأضاف المسؤول أن إدارة ترامب أبدت اهتمامها في عقد صفقات تجارية مع الحكومة السورية الجديدة، وتشمل تلك الاتفاقيات ما يخولها الوصول إلى الموارد النفطية في شمال شرقي سوريا.

وذكر ذلك المسؤول أيضاً أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب أبدى اهتماماً في إقامة علاقات طيبة مع الرئيس رجب طيب أردوغان، وتعتبر هذه الاتفاقية خطوة في ذلك الاتجاه.

غير أن واشنطن أعربت عن قلقها تجاه مسألة حماية السجون التي تؤوي مقاتلي تنظيم الدولة وأهاليهم، بالإضافة إلى احتمال أن يؤثر دمج قسد في الجيش السوري سلباً على القدرة على مجابهة تلك الجماعة المقاتلة.

غير أن أنقرة أسست خلال الأسبوع الماضي منصة جديدة مع لبنان والأردن والعراق وذلك بهدف مواصلة وتنسيق القتال ضد تنظيم الدولة، وأبدت دمشق استعدادها لتولي أمور تلك السجون، وهذا ما ورد في أحد بنود الاتفاق.

الخطر الإسرائيلي

من جهته، أخذ رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، يدعو كرد سوريا لرفض التعاون مع تركيا، وهذا ما أغضب أنقرة على وجه الخصوص، وهنا تقول غاليا ليندينشتراوس، وهي باحثة بارزة لدى معهد دراسات الأمن القومي في إسرائيل: “في حال صمود الاتفاق، فإن موقف تركيا سيصبح أقوى بكثير بما يسمح لها بالتحكم بالتطورات في سوريا، كما سيصعب ذلك على غيرها من الجهات الفاعلة أمر رسم شكل تلك التطورات… وعلى أية حال، كان من المبالغة بالنسبة لإسرائيل أن تعمل في تلك المناطق [أي في الشمال] ولهذا لم تتغير الأمور كثيراً من الناحية العملية”.

بيد أن ليندينشتراوس أضافت أن الدينامية تختلف في الجنوب السوري حيث ظهرت محاولات إسرائيلية جلية لتحديد شكل الأوضاع، فقد قصفت طائرات حربية إسرائيلية مناطق في الجنوب السوري عند توقيع الشرع للاتفاق مع عبدي عشية يوم الإثنين.

وثمة مخاوف أخرى من أن تكون الخطوة التي قام بها عبدي محاولة أخرى لكسب الوقت في أثناء انصراف انتباه الأطراف الأخرى لأمور أخرى.

وهنا يتذكر سهيل الغازي وهو باحث قديم في الشؤون السورية بأن قسد وعبدي التقيا بمنافسهما، أي المجلس الوطني الكردي، مرات كثيرة، من دون أن تتمخض تلك اللقاءات عن أي شيء، وأضاف: “ما يزال المجلس الوطني الكردي عاجزاً عن العمل في شمال شرقي سوريا، وقد تعرض أعضاؤه للاعتقال خلال فترة من الفترات، كما أن لغة العقد فضفاضة للغاية، بحيث يمكن لكل طرف أن يفسرها على هواه، ثم إن مسألة تشكيل اللجان ليست يسيرة، وهذه الخطوة وحدها تحتاج إلى بعض الوقت”.

تلفزيون سوريا

————————–

تصريحات حادة غير مسبوقة.. زعيم دروز سوريا يهاجم حكومة دمشق

الحرة – واشنطن

13 مارس 2025

اتهم الزعيم الروحي للطائفة الدرزية في سوريا حكمت الهَجري الحكومة السورية الحالية بـ”التطرف” مستبعدا في الوقت ذاته أي “توافق” أو “تفاهم” معها.

وقال الهجري في كلمة له إن “لا تفاهم ولا توافق مع الحكومة القائمة في الشام (دمشق)، حكومة متطرفة بكل معنى الكلمة ومطلوبة للعدالة الدولية”.

وأضاف الهجري “نحن في مرحلة كن أو لا تكون، نحن نعمل لمصلحتنا كطائفة، والطائفة غنية بكوادرها وشبابها بهذا الإرث الوطني الصحيح”.

وأكد الهجري أن “هدفنا هو العدالة والقانون على المستوى الداخلي والدولي، وهذا حق من حقوقنا، وبالتالي، ما نراه مناسبا كطائفة ويتوافق مع أولوياتنا، نسعى نحوه”.

وكان الهَجري توصل إلى “تفاهم من 10 بنود” مع الإدارة الانتقالية في دمشق، استهدفت غالبيتها “تسيير المؤسسات”، والقضايا التي يسعى أبناء المحافظة إلى معالجتها.

وجاء الكشف عن فحوى التفاهم، في أعقاب اجتماع جمع الهَجري مع مبعوث الإدارة السورية إلى السويداء، مصطفى البكور يوم الأربعاء.

وفي وقت سابق دعا الهجري إلى وضع حد فوري لأعمال العنف التي ترتكب تحت “شعارات طائفية”، وذلك تعقيبا على مقتل مئات المدنيين العلويين في الساحل السوري الخميس الماضي.

ويشكّل الدروز ومعقلهم الرئيسي في سوريا محافظة السويداء (جنوب)، حوالى ثلاثة في المئة من سكان سوريا.

الحرة – واشنطن

———————————-

حزب اللواء السوري” في السويداء… كيف تأسس؟ وما أهدافه؟/ عباس شريفة

ليس له أي فرصة لإثبات وجوده كقوة فاعلة في المحافظة الجنوبية

آخر تحديث 12 مارس 2025

أصدر “حزب اللواء السوري” يوم 10 مارس/آذار 2025 بيانا، ندد فيه بما سماها انتهاكات ضد المدنيين من قبل حكومة دمشق، كما أعلن فيه رفضه للمشروع الإيراني والتركي في سوريا كما أعلن النفير العام لعناصره ضد “هيئة تحرير الشام” ومنعها من دخول السويداء قبل تشكيل الحكومة الانتقالية ودعا إلى التنسيق مع شيخ عقل الطائفة الدرزية حكمت الهجري.

فما هو هذا الحزب وما حجمه في السويداء وما الجهات الداعمه له؟

لقد بدأ تداول الحديث عن تشكيل “حزب اللواء السوري” في محافظة السويداء منذ شهر يونيو/حزيران 2021 وتم نشر المنشور الأول بصفته الرسمية على “فيسبوك” في 7 يوليو/تموز 2021 وفي يوم 28 يوليو 2021 نشر الحزب مبادئه ومشروعه على صفحته الرسمية. ويرأس الحزب حاليا مالك أبو الخير وهو مقيم في فرنسا ويرأس أيضا منظمة “أنا إنسان”. وللحزب جناح عسكري هو “قوة مكافحة الإرهاب” مؤلف من 600 مقاتل بقيادة سامر الحكيم.

في هذا التقرير سنتعرف على هذا الحزب ونقف على أجندته وموقف الفاعلين المحليين منه ومستقبله.

أولا: المشروع

يعرف “حزب اللواء” نفسه بأنه حزب معارض يتبنى سردية الثورة السلمية في 2011 ويدعو إلى قتال تنظيم “داعش” ومحاربة الإرهاب الذي يشكل ذراعا لإيران في المنطقة ويطالب بالتعاون مع الولايات المتحدة لمحاربة التنظيم، خصوصا في مناطق شمال شرقي السويداء.

كما كان الحزب يتبنى فكرة طرد إيران من المنطقة الجنوبية ويحذر من خطر تمددها إلى المحافظة ويدعو إلى ضرب مجموعات المافيا والخطف التي تخطف الناس لقاء الفدية ويتعهد بمواجهتهم ومواجهة تجارة المخدرات التي أغرقت فيها المحافظة.

يدعم فكرة الإقليم الجنوبي وإقامة حكم ذاتي في محافظات السويداء ودرعا والقنيطرة على غرار النموذج الذي تقيمه “قسد” في شرق الفرات، ويطرح حاليا الكثير من أشكال الحكم في سوريا القادمة على رأسها اللامركزية الموسعة، أو الفيدرالية، أو الإدارة الذاتية. ويعتبر الحزب حزبا معارضا للنظام السوري وله تواصل مع “الإدارة الذاتية” وقد أرسلت “الإدارة الذاتية” مجموعة عسكرية لتدريب المجموعات العسكرية التابعة له.

أ.ب أ.ب

يحمل أحد عناصر الميليشيات الدرزية قاذفة صواريخ صغيرة خلال تدريب على الرماية في محافظة السويداء الجنوبية، سوريا، في 4 مارس

ويصرح عن نفسه بأنه مجرد حزب سياسي غير مسلح، لكن خوفا من تعرض أفراده للقمع والاعتقال من المجموعات المرتبطة بالنظام السوري فقد تم العمل على التنسيق مع “قوة مكافحة الإرهاب” وهي كيان عسكري يعتقد الكثيرون أنه الجناح العسكري لـ”حزب اللواء”. كما يدعو الحزب إلى إقامة سلام مع إسرائيل وفق خطوات تشمل سيادة واحترام كلا البلدين وتضمن عدم حصول أي تصعيد في المرحلة القادمة.

ثانيا: موقف الفاعلين المحليين

الأوساط الشعبية في السويداء معظمها ضد الحزب، لأن “النظام” ينظر للحزب على أنه أدة أميركية لاستنساخ مشروع “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) في الجنوب السوري.

موقف الأوساط الشعبية والحراك المدني

لا يوجد لـ”حزب اللواء” أي حاضنة اجتماعية مؤثرة أو حامل اجتماعي قوي من قبيلة أو عائلة ما عدا الأشخاص المنتسبين إلى “قوة مكافحة الإرهاب”- الجناح العسكري التابع له. ورئيسه مالك أبو الخير من عائلة أبو الخير، وأصلهم من قرية “أم الرمان” من الريف الغربي الجنوبي في السويداء، وهو غير محسوب على أي طرف اجتماعي. وبعد أن قام “حزب اللواء” بافتتاح مقر له في بلدة الرحا الواقعة نهاية طريق المشفى بالقرب من مدينة السويداء، هددت “كتائب الدفاع الوطني” الموالية لإيران بتفجير المقر، وبدأت بالضغط لإخراجه من المقر وبدأ الفصيلان يحشدان عناصرهما في أغسطس/آب 2021.

يعاني عناصر الحزب من توجس الحراك المدني منهم بسبب مناداتهم بالفيدرالية والعلاقات مع إسرائيل رغم نفيهم المتكرر للنوايا الانفصالية، كما أن أغلب المنتسبين له من القرى النائية والطبقة الفقيرة جدا.

آخر مظاهرة نظمها المجلس العسكري مع “حزب اللواء” يوم 6 مارس/آذار 2025 والتي أنزلت علم الدولة السورية من مبنى المحافظة ودعت إلى إسقاط الرئيس أحمد الشرع لم تستطع الحشد واقتصر المشاركون على العشرات من العناصر السابقة في جيش ومخابرات نظام الأسد الذين فقدوا وظائفهم.

موقف “رجال الكرامة”

هناك خلافات قديمة بين “حزب اللواء” و”لواء الجبل”، و”مضافة الكرامة”، فالأخير يدعو للتقارب مع دمشق والانضمام إلى مؤسسات الحكومة السورية الجديدة والتنسيق مع الرئيس أحمد الشرع، لكن المجلس العسكري الذي شكل نهاية شهر فبراير/شباط في السويداء هو اتحاد مجموعات مسلحة بقيادة طارق الشوفي باستثناء “لواء الجبل”، و”مضافة الكرامة”، و”أحرار الجبل” (بقيادة سلمان عبد الباقي وليث البلعوس ويحيى الحجار). ويشكل “حزب اللواء” جزءا من المجلس العسكري ويتخذ موقفا سلبيا من الرئيس الشرع بحجة التخوف من التهديد الطائفي، ويصر على المركزية الفيدرالية من خلال ضم المحافظات الجنوبية الثلاثة (درعا والسويداء والقنيطرة) في إقليم واحد، أسوة بنموذج “قسد” في شرق الفرات.

لذلك لا ينظر “رجال الكرامة” لـ”حزب اللواء” بارتياح ويتهمونه بأنه يحمل أجندة انفصالية غير وطنية ويحاول إقامة كانتون انفصالي جنوبي سوريا كما هو الحال في منطقة شرق الفرات. كما يخشى “رجال الكرامة” من أن يتسبب وجود الحزب في موجة من أعمال العنف ودفع المحافظة إلى الحرب الأهلية واستغلال إسرائيل وجوده لإعطائها شرعية للتدخل في سوريا.

كما قام “حزب اللواء” بإنشاء “قوات مكافحة الإرهاب”، وهو ما يجعل منه قوة، لكنها بلا شك غير منافسة لـ”رجال الكرامة” التي تأخذ على عاتقها نصرة المظلومين من المعارضين أو المخالفين، وهو ما يشكل بالنسبة لهم مزاحمة على السلطة والنفوذ. وهناك سبب أخير وهو طبيعة الحزب غير المتدينة بينما “رجال الكرامة” أغلبهم من شيوخ العقل والمتدينين.

العلاقة مع الشيخ حكمت الهجري

رغم أن قادة الحزب يدعون لعدم الخروج عن مشورة الشيخ أحمد الهجري، ويظهرون له الاحترام في كل المناسبات والبيانات التي يصدرها، ويدعون إلى التنسيق معه، لكن العلاقة الحقيقية ليست أكثر من زيارات دورية، خصوصا أن الهجري يتموضع بطريقة تسمح له بجمع كل الأجنحة تحت عباءته، لكنه غير متبنٍ لمشروع “حزب اللواء” بشكل واضح، خصوصا أن أغلب عناصر “اللواء” غير متدينين أصلا، لكن في الوقت نفسه لا توجد قطيعة بين الشيخ الهجري والحزب.

مستقبل “اللواء” في محافظة السويداء

رغم محاولة “اللواء” أن يشكل لنفسه ذراعا عسكرية عبر تشكيل المجلس العسكري وخلق حاضنة اجتماعية من خلال قيادة المظاهرات ضد حكومة دمشق، لكن حتى الآن ليس للحزب أي فرصة لإثبات وجوده كقوة فاعلة في المحافظة، خصوصا مع تفاهم رجال الكرامة وأحرار الجبل مع حكومة دمشق على الانخراط في المؤسسة الأمنية والعسكرية للحكومة. فإضافة لضعف وجوده الاجتماعي وابتعاد قيادته السياسية في فرنسا وعدم وجود الرافعة الاجتماعية التي تتبناه، فهو يلقى معارضة من “رجال الكرامة” بقيادة يحيى الحجار ومن “أحرار الجبل”، فهم يرون فيه بوابة للتدخل الإسرائيلي في شؤون السويداء، كما أن الحراك المدني لا ينظر إليه بعين الطمأنينة، بسبب مواقفه المتشنجة من حكومة دمشق وتجميع فلول النظام فيه، وكذلك يلقى معارضة من الحاضنة الاجتماعية التي تنظر للحزب كعامل توتر في المحافظة والتي باتت تخشى من تحولها إلى ساحة صراع للأطراف الإقليمية عبر أدوات محلية من أبناء الطائفة الدرزية.

المجلة

———————————-

====================

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى