أبحاثالأحداث التي جرت في الساحل السوريالتدخل الاسرائيلي السافر في سورية الجديدةدوافع وكواليس الاتفاق بين "قسد" وأحمد الشرعسقوط بشار الأسد، الرئيس الفار والمخلوع

مجموعة الأزمات: في خضم كل المخاطر سوريا ما تزال تتحسس طريقها بعد سقوط الأسد

ربى خدام الجامع

2025.03.12

تواجه الحكومة السورية المؤقتة أكبر تحد لها منذ سقوط نظام الأسد في كانون الأول 2024، إذ في السادس من آذار، نفذت قوات شبه عسكرية موالية للنظام المخلوع هجمات نسقت لتنفيذها سلفاً ضد قوات الأمن العام في كل من جبلة وبانياس على ساحل المتوسط، فدفع هذا الهجوم إلى قيام هجوم مضاد سريع وفوضوي شنته قوات الأمن وغيرها من الفصائل المسلحة التي تدعم الحكومة، وهكذا وقعت اشتباكات عنيفة في كل من اللاذقية وطرطوس وحماة وأسفرت عن كثير من القتلى بين صفوف قوات الأمن، إلى جانب مقتل عدد كبير من المتمردين الجدد، وفي الوقت الذي لم يتم التحقق من أعداد القتلى بدقة، تشير التقارير إلى مقتل مئات المدنيين أيضاً في تلك الأعمال الوحشية الصادمة التي شملت إعدامات ميدانية نفذتها بعض العناصر التابعة للحكومة. ويبدو بأن جميع الضحايا المدنيين من الطائفة العلوية التي تنتشر في مدن الساحل السوري وقراه، أي للطائفة التي تنتمي إليها عائلة الأسد، كما أن معظم المجندين في جيش النظام البائد ومخابراته منها.

تعتبر هذه المرحلة مرحلة خطرة لبلد يعاني الأمرين وهو يحاول الخروج من الحكم الاستبدادي لنظام الأسد والحرب المدمرة التي امتدت لعقود، وينطبق الأمر ذاته على الحكومة المؤقتة التي يتعين عليها أن تكون موضع ثقة للشركاء الأجانب، حتى يرفعوا عنها العقوبات التي أصابت اقتصاد البلد في مقتل، إلى جانب إقناعهم بمساعدتها في إعادة الإعمار. فالسلطات الجديدة تُقلق سوريين ومن هم في الخارج، ولا يمكنها تحمُل تبعات جرائم جديدة تنفذ بحق الشعب السوري. ولهذا أعلن الرئيس المؤقت أحمد الشرع بأن حكومته ستحاسب: “كل من تورط في سفك دماء المدنيين” وأضاف بأنه: “لا أحد فوق القانون”، ولذلك ينبغي على دمشق أن تتحرك بسرعة وبشكل حاسم فتفصل العناصر المسلحة المتهمة بارتكاب فظائع من الخدمة الفعلية مع ضمان بقاء أشد عناصرها انضباطاً في المناطق الحساسة، كما ينبغي عليها أن تقوم وعلى الفور بكبح جماح جميع الفصائل المسلحة وضمها جميعاً تحت لواء قيادة صارمة، وأن تعقب ذلك بخطوات أولية لإقامة عدالة تقوم على الشفافية وتعمد لمحاكمة المتهمين بارتكاب أعمال القتل الأخيرة وكذلك أي مرتكب لأي جريمة قد تحدث مستقبلاً، وينطبق الأمر ذاته على الجرائم التي ارتكبها نظام الأسد وغيره خلال الحرب، إلى جانب التنسيق من أجل إجراء حوار يمكن للسوريين من مختلف المشارب أن يناقشوا من خلاله مخاوفهم وأولوياتهم مع السلطات ومع بعضهم بعضاً، على أن يكون هذا الحوار أشد مصداقية وأوسع مشاركة من الذي يجري التحضير له اليوم.

التوتر الذي وصل إلى ذروته

إن اندلاع العنف في السادس من آذار أوصل التوتر الذي كان يحتدم شيئاً فشيئاً طوال أشهر إلى ذروته وذلك ضمن أجزاء من الساحل السوري والمناطق الرئيسية الموجودة فيه حيث يعيش معظم أبناء الطائفة العلوية. إذ بعد انهيار نظام بشار الأسد، تعهد قادة العلويين بدعم الحكومة الانتقالية التي تترأسها هيئة تحرير الشام الإسلامية. وبالمقابل، تعهدت الهيئة بحماية الطائفة من كل من يسعى للانتقام من أجل المظالم التي وقعت خلال حقبة الأسدين. ولكن القلق ظل يساور أغلب العلويين الذين جندوا بأعداد هائلة ضمن قوات النظام، وكان الأسد يستعين بهم على الدوام كوقود للحرب، ولهذا اعتقدوا بأنهم جميعاً سيجبرون على دفع ثمن ما نفذه النظام البائد من أعمال تخريبية، كما خافوا أن يحرموا من مقدرات البلد الاقتصادية ومن المشاركة السياسية في ظل القيادة الجديدة.

قبل العنف الذي قام في بداية آذار في كل من اللاذقية وغيرها، رشحت أخبار حول حدوث هجمات متفرقة استهدفت علويين وجرى تداول ذلك عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ومعظم تلك الأخبار نشرتها حسابات يديرها معارضون للسلطات الجديدة، ولكن من الصعب التحقق من صحتها. وبعض مقاطع الفيديو التي نشرت إما أعيد تدويرها كونها حدثت في زمان أو مكان آخرين، أو أنها مجرد فبركات صريحة، ويرى البعض بأن بعض تلك الحوادث وقعت بالفعل، ومن الواضح بأنه لا يوجد انضباط أو قيادة أو تحكم بين بعض العناصر التابعة لقوات الحكومة، وخاصة تلك العناصر التابعة لفصائل مسلحة أخرى غير الهيئة والتي أصبحت تتبع للحكومة الآن.

بيد أن تواصل تلك الحوادث واستمراريتها غذى الإحساس بانعدام الأمان، وخلق تهديداً وجودياً بين عدد من أفراد الطائفة العلوية الذين بلغ منهم التوتر كل مبلغ بعد الانهيار المفاجئ لنظام الأسد. فأصبح العلويون أشد قلقاً من غيرهم، نظراً للدور الذي لعبه كثير منهم في جيش النظام البائد ومخابراته والقوات الرديفة له والتي انحلت إثر انهيارها، بما أن عناصر تلك القوات لم تعد تحصل على راتب من الدولة، ثم إن التوتر الكبير الذي تحس به الطائفة العلوية تجاه نوايا الحكومة الجديدة سمح لأصوات موالية للأسد بأن تردد أفكارها بين أبناء الطائفة، وبعض هؤلاء الموالين تمنوا للنظام البائد بأن يعود، في حين أن بعض الضباط وقادة الميليشيات السابقين حافظوا على علاقاتهم مع الجماعات المسلحة الموجودة خارج سوريا، وعلى رأسها حزب الله في لبنان، والدول الأجنبية مثل إيران. ولهذا ولكل تلك الأسباب مجتمعة، توفرت ظروف قيام تمرد واستمراره، وخاصة في المنطقة الجبلية الممتدة على الساحل السوري.

نظام جديد يسعى لتحقيق الاستقرار

إن ظهور تمرد منظم يهدد جهود هيئة تحرير الشام في ترسيخ سيطرتها وحكمها ونشر الاستقرار في سوريا بما يساعد هذا البلد الذي مزقته الحرب وأفقرته على إعادة البناء. إذ عندما وصلت الهيئة إلى دمشق في مطلع شهر كانون الأول الماضي، كان تعداد مقاتليها قد وصل إلى ثلاثين ألفاً، في حين أن بقية فصائل الثوار مجتمعة كان لديها نحو ثمانين ألف مقاتل، ومعظم هؤلاء المقاتلين ينتمون إلى الجيش الوطني السوري الذي تدعمه تركيا، وهو عبارة عن مجموعة من الميليشيات التي تتفاوت في انضباطها ولا تجمعها قيادة موحدة. فما كان من الحكومة المؤقتة إلا أن عدلت وضع الجماعات التابعة لها وحشدتها تحت لواء الهيئة ضمن ما يعرف بعملية الدمج الجديدة للأمن العام، وسعت لنشر قطعات تلك القوات في مختلف أنحاء المناطق التي تسيطر عليها من سوريا، مع سعيها في الوقت ذاته لتجنيد متطوعين جدد، وإعادة فلول عساكر النظام وعناصره الأمنية إلى بيوتهم من دون أن تدفع مستحقاتهم. وهكذا أصبح بوسع قوات الأمن العام الجديدة أن تنتشر بسرعة في مناطق عدة بالبلد، وخاصة في العاصمة وكبرى المدن مثل حلب وحماة، فأعادت الثقة بها وحافظت على الهدوء في تلك المناطق، غير أن العساكر الجدد الذين لم يتلقوا سوى الحد الضئيل من التدريب، لم يكن لهم دور فاعل في المناطق التي فرزوا إليها، وعلى رأسها حمص. كما أن معظم الفصائل المسلحة واصلت نشاطها بشكل شبه مستقل عن قيادة الأمن العام.

في المناطق التي تعرض الأمن العام لضغط شديد، مثل حمص المدينة والريف، إلى جانب ريف حماة، أخذت الاضطرابات تستعر منذ سقوط الأسد، فقد خلفت الحرب إرثاً ثقيلاً من العنف الطائفي في تلك المناطق التي تتسم بتنوعها السكاني الكبير، واليوم، شهدت حالات قتل انتقامية عديدة، إلى جانب حالات الخطف، التي كانت من أجل فدية في بعض الأحيان، ما خلق إحساساً بالغضب العارم بين عامة الناس، ولم يتضح الدافع وارء كل عملية عنف، بيد أن العلويين كانوا الطرف الذي تلقى معظم تلك العمليات، بما أن أغلبها وقع في الساحل وفي حمص أو حماة. ولذلك أضحت السلطات الجديدة في دمشق تعاني وهي تحاول إعادة الأمان للشارع، إما بسبب عدم توفر إمكانيات لديها لتحقيق ذلك أو بسبب عدم قلقها حيال ذلك، وهذا ما أسهم في تغذية الإحساس باضطهاد الدولة وظلمها بين صفوف العلويين بشكل خاص.

وإلى جانب العنف، تلوح قضية مستقبل العلويين في الدولة السورية الجديدة، فقد سعت قوات الأمن التابعة للحكومة المؤقتة للتخفيف من مخاوف الطائفة عندما قدمت نفسها بأنها ليست طائفية، وخلال حملات الاعتقال التي نفذها الأمن العام، سعى للقبض  فقط على الأشخاص المتورطين بجرائم لصالح نظام الأسد البائد. أما عملياً، فقد كان لدى العلويين مبرر للشك بتلك التطمينات، لأنهم تعرضوا لإقصاء كبير من الأطر السياسية والعسكرية الجديدة على سبيل المثال، كما لم تقدم الحكومة أي خطة لإدماج من سرحوا من العساكر في جيشها الجديد، وعللت ذلك بالجروح الغائرة التي خلفتها الحرب بالإضافة إلى رفض معظم مقاتلي الثوار للخدمة إلى جانب أعدائهم السابقين. وقد خشي معظم الشارع السوري من توظيف ضباط النظام السابقين أو مسؤوليه الحكوميين الذين يعتبرونهم عناصر مكنت النظام البائد من ممارسة عنفه المفرط. ويعتبر انعدام الأمان على المستوى الاقتصادي تحدياً هائلاً هو أيضاً، إذ في الوقت الذي أضر تسريح أعداد هائلة من الموظفين بالقطاع الحكومي الشعب بكامله، كان العلويون أشد من تضرر ضمن النصف مليون الذين سرحوا من القطاع الأمني، إذ خسر غالبيتهم السكن الذي قدمته له الدولة، كما تعرضت زوجات ضباط الأمن اللواتي وظفن في القطاع العام للطرد أيضاً، لأنهن اعتبرن مذنبات هن أيضاً أو غير جديرات بالثقة نظراً لارتباطهن بأزواجهن.

وسرعان ما تحولت المظالم المترتبة على ذلك والإحساس بانعدام الأمن إلى عنف، فخلال أول شهرين من حكم الحكومة المؤقتة، بدأت فلول نظام الأسد التي لجأت إلى المناطق الجبلية، وأغلبها علوي، والقريبة من الساحل، بشن هجمات على قوات الأمن الجديدة في محاولة صريحة لإبداء حالة انتقام قاسية قد تدفع أهالي المنطقة إلى الوقوف في صفهم. ففي الثالث من آذار مثلاً، قتل متمردون عنصرين من الأمن العام في هجوم مباغت على حي الدعتور باللاذقية، ما دفع السلطات إلى شن عملية للقبض على الجناة الذين قتلوا أربعة مدنيين. وعموماً، فإن الجهود التي بذلوها لاستدراج الأمن العام وكسب تأييد الشارع لم تحقق سوى نجاحات محدودة، بما أن أهالي المناطق العلوية تعاونوا في أغلب الحالات مع قوات الأمن بدلاً من أن يحموا المتمردين. ومع ذلك أصبحت حركة التمرد الناشئة أشد تنظيماً، فنفذت عدداً أكبر من الهجمات التي وصلت إلى ذروتها في أحداث السادس من آذار.

دفعت هجمات المتمردين إلى قيام تعبئة عامة في عموم البلد وذلك لعناصر الحكومة إلى جانب العناصر الفاعلة المسلحة الموالية لها والتي تعمل على ما يبدو خارج سيطرة حكومة دمشق، فردت تلك القوات بشكل خطر وبوحشية كبيرة، وأخذت تتبادل إطلاق النار مع المتمردين الذين واصلوا عمليتهم، غير أن تلك القوات قتلت مدنيين في مدينة بانياس على الساحل السوري القريبة من مدينة اللاذقية، وكذلك في قرية المختارية الواقعة على الطريق الدولي بين اللاذقية وحلب، إلى جانب مناطق أخرى. فما كان من قوات الأمن العام الخاضعة لسيطرة دمشق إلا أن اتخذت خطوات بناءة في بعض المناطق، وذلك عندما عمدت مثلاً لحماية أحياء العلويين في مدينة حمص عبر تشكيل جدار بشري لصد كل من يحاول الانتقام، لكنها فشلت في مناطق أخرى في منع وقوع المجازر التي ارتكبت باسم الحكومة.

اللعب بالنار

قد يتعرض النظام السوري الجديد لمعضلة حقيقية في حال لم تفكر الحكومة المؤقتة بطريقة للتعامل بشكل أفضل مع التمرد الذي زاد ضدها، بعد أن أثر العنف بشكل سلبي حتى الآن على مكانة الحكومة في الداخل والخارج، كما شككت القوى الإقليمية بالسلطات الجديدة، وعلى رأسها إيران وإسرائيل، بما أن لدى كل منهما أجندتها الخاصة بسوريا، ومن المرجح لكلتيهما أن تعتبر تدهور الأوضاع في سوريا بمثابة دليل على استمرار وجود طموحات جهادية لدى الحكومة المؤقتة، كما قد تسعى كل منهما لاستغلال الانقسامات الطائفية في البلد. أما الولايات المتحدة التي خلفت عقوباتها أقسى وطأة على سوريا، فمن المرجح أن يشتد رفضها لفكرة الرجوع عن تلك العقوبات.

وهنا ينبغي على دمشق أن تتصرف بحكمة وسرعة، لأن القمع التعسفي من شأنه أن يزيد من الدعم الشعبي للعناصر الموالية للأسد، فيدفعها لتنفيذ مزيد من العمليات، وهذا ما سيوقع سوريا في دائرة جديدة من القمع والعنف. وبوسع سوريا أن تستلهم ما يحذرها من تلك المغبة من الدروس المستفادة من جارها العراق، إذ بعد إسقاط الولايات المتحدة لصدام حسين، تسبب تهميش السنة العرب الذين اعتبرهم حكام العراق الجدد مسؤولين عن جرائم النظام السابق، بانعدام الاستقرار واستمرار العنف في العراق لعقد من الزمان، قامت خلاله حرب طائفية لمدة ثلاث سنوات. وقد تظهر حالة مماثلة في سوريا اليوم، وذلك لأن أحداثاً دموية مثل التي وقعت في مطلع آذار لن تتسبب في جعل العلويين وحدهم يشعرون بالعزلة والغربة في بلدهم، بل قد تدفع أيضاً بقية الأقليات إلى الشعور بذلك، وعلى رأسهم المسيحيون والشيعة والإسماعيليون والدروز والكرد.

ولكن السرعة في معالجة الأمور تصب في جوهر الحل، إذ في الوقت الذي يفتقر المتمردون للإمكانيات التي تجعلهم يمثلون خطراً عسكرياً حقيقياً خارج الجبال الساحلية، يمكن أن تخرج أجزاء من البلد عن سيطرة الحكومة تحت وطأة لسلسلة من الهجمات المتواصلة على قوات الأمن العام، وبفضل الدعم الذي قد يصل إلى الفلول من عناصر فاعلة خارجية مثل إيران وحزب الله، إلى جانب الرد العسكري المنهك للأمن العام بقوة مفرطة، وفي حال حدوث هذا السيناريو، سيصعب على الحكومة المؤقتة أن تخضع جماعات أخرى لسيطرتها.

يبدو بأن الشرع مدرك لخطورة المرحلة، إذ بعد أن ألقى نصائح عامة تحث قوات الأمن على التصرف وفقاً للمبادئ الأخلاقية في خطابه الذي ألقاه في السابع من آذار، عبر عن رؤية أبعد من ذلك في خطابه الثاني، وذلك عندما شدد على المحاسبة، لتشمل محاسبة العناصر التابعة للحكومة، وأعلن عن تشكيل لجنتين، إحداهما لتقصي الحقائق والأخرى من أجل السلم الأهلي. وستقوم اللجنة الأولى بالتحقيق في أسباب الاضطرابات وتحديد المسؤولين عنها ومحاسبتهم، وسيشمل ذلك العناصر التابعة للحكومة الذين تورطوا في أعمال عنف ضد المدنيين إلى جانب أولئك الذين هاجموا قوات الأمن. أما اللجنة الثانية فستركز على التقرب من الطوائف والاستماع لمخاوفهم، وتقديم الدعم والحماية، وتعزيز التماسك الوطني، أي بالعموم، وبالإضافة إلى ما قامت به الحكومة المؤقتة في أحداث العنف التي وقعت في مطلع آذار، يتعين عليها أن تتصرف بسرعة فيما يخص محاسبة الجماعات المسلحة المتحالفة والمسؤولة عن ارتكاب العنف والتنكيل بالمدنيين.

أما على مستوى العمليات، فيجب على قيادة الأمن العام أن تضطلع بمسؤولية مباشرة عن حملة إعادة النظام للبلد، وضمان توقف العمليات الانتقامية. كما يجب توقيف الجماعات والأفراد المتهمين بأعمال عنف، وعرضهم على التحقيق، على أن تقوم القيادة المشرفة على التحقيق بفرز القطعات التي تلقت أفضل تدريب إلى مناطق مثل محافظة اللاذقية بما أن هذه المحافظة هي أكثر محافظة مهددة بمزيد من الاضطرابات. ويتعين على هذه القيادة أيضاً أن تحشد عدداً من الفصائل المسلحة التابعة للحكومة المؤقتة، مع التأكد من إتباع قادتها لأوامر القيادة والتحقيق مع من لا ينصاعون للأوامر، ومن يتجاوزون سلطاتهم أو من يفعلون ما هو أسوأ من كل ذلك. ويجب على الحكومة أن تضع خطة لمشاركة العلويين وغيرهم من الطوائف بشكل فاعل ضمن الجهود الساعية لحفظ الأمن، وذلك عبر إقامة حالة تعاون وثيقة مع زعماء الطائفة. كما بوسعها تجنيد العناصر الذين خضعوا لفحص أمني من جهاز الشرطة القديم، والذين لم يتورطوا بالعنف الذي مارسه نظام الأسد البائد بشكل كبير.

أما قضية العدالة بالنسبة للفظائع التي ارتكبت خلال الحرب فهي قضية أشد تعقيداً، نظراً لمطالبة السوريين بمحاسبة النظام على جرائمه أشد المحاسبة. ولعل عدم القيام بأي إجراء على هذا الصعيد حتى الآن قد أسهم في دفع المدنيين للاقتصاص بأنفسهم، الأمر الذي لابد أن يذكي المخاوف بين الطوائف من شر الوقوع ضحية لهذا القصاص. وبالمقابل، فإن تلميح الشرع بأنه يعتزم محاسبة مسؤولي النظام السابق قد يؤجج مقاومة المتمردين بشكل كبير، ومن حيث المبدأ، لابد من ترك القضايا الخلافية المعنية بالعدالة الانتقالية لتناقش ضمن حوار وطني، ولتبت بأمرها حكومة تقوم على مشاركة أكبر، وكل ذلك يجعل من عملية إقامة حوار أشد مصداقية أمراً غاية في الأهمية. وإلى أن يحين ذلك، وفي حال قبضت الحكومة على ضباط النظام السابقين، فينبغي عليها أن تقوم بذلك بطريقة شفافة، عبر تحديد هوية من تم القبض عليهم وعلى أي أساس تم توقيفهم، إلى جانب توفير الإجراءات القانونية بحق كل من يجري احتجازه.

ولعل الأهم من كل ذلك هو أن توجه الحكومة مؤشرات واضحة بأن للعلويين مستقبل سياسي واقتصادي في سوريا الجديدة، لأن ذلك يعتبر أفضل طريقة للتعبير عن عدم اعتبارهم جميعاً مسؤولين عما ارتكبه نظام الأسد، ولعل قيام حوار وطني تشاركي يشمل جميع الأطياف قد يكون بداية طيبة، إذ عندئذ سيتسنى لجميع السوريين من كافة البيئات التعبير عن مظالمهم، ومنها تعرضهم للتهميش بعد سقوط الأسد، إلى جانب التعبير عن آمالهم بالمستقبل، لأن هذه الإجراءات من شأنها تبديد الشكوك بين الطوائف، ويجب أن يتم ذلك بشكل عاجل وعلى المدى القريب، لأنها ستزيد ثقة السوريين بالنظام الجديد كما ستطمئن العلويين على وجه الخصوص من أن الحكومة الجديدة ستلتزم بما قطعته على نفسها فيما يتصل بضمان توفير الأمن ونشر المساواة بين الجميع.

المصدر: The International Crisis Group

تلفزيون سوريا

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى