دوافع وكواليس الاتفاق بين “قسد” وحكومة الجمهورية العربية السورية مقالات وتحليلات تتحدث يوميا تحديث 14-15 أذار 2025

تحديث 15 أذار 2025
————————
الإيكونوميست: هل يمكن لرئيس سوريا أن يوحدها بعد أن سفكت فيها الدماء؟
ربى خدام الجامع
2025.03.14
قالت مجلة “الإيكونوميست” في تقرير لها إن سوريا شهدت أعمال عنف دامية بعد سقوط رئيس النظام السوري بشار الأسد في كانون الأول 2024. وذكرت المجلة أن مجموعات مسلحة شنّت هجمات في منطقة الساحل السوري في السادس من آذار، ما أسفر عن مقتل مئات الأشخاص ونزوح الآلاف إلى التلال والغابات ولبنان، وسط تقديرات بوقوع أكثر من 800 قتيل، بينهم مدنيون.
موقف الرئيس
وأوضحت “الإيكونوميست” أن الرئيس السوري المؤقت، أحمد الشرع، واجه تحديًا كبيرًا في احتواء الأزمة. ففي الأيام الأولى، ألقى خطابًا استخدم فيه عبارات دينية أثارت الجدل، لكنه سرعان ما غيّر موقفه، وقدم نفسه كقائد وطني للجميع. واتخذ إجراءات لتهدئة الأوضاع، من بينها تعيين شخصيات من مختلف المكونات السورية في مناصب حكومية، وإنشاء لجنتين للتحقيق في أحداث العنف والعمل على المصالحة الوطنية.
وأشارت المجلة إلى أن الشرع فاجأ الأوساط السياسية بإعلان اتفاق مع “قوات سوريا الديمقراطية”، يقضي بدمجها ضمن مؤسسات الدولة، في خطوة نحو إعادة توحيد البلاد. كما تحدثت عن جهود مماثلة للتواصل مع الزعامات الدرزية، في إطار مساعيه لتعزيز الاستقرار.
توترات داخلية وتحديات المصالحة
وقالت “الإيكونوميست” إن أعمال العنف الأخيرة كشفت عن التحديات العميقة التي تواجه سوريا بعد سنوات الحرب. ولفتت إلى أن الانقسامات المجتمعية لا تزال تلقي بظلالها على الوضع السياسي، مشيرة إلى أن بعض المناطق شهدت ردود فعل متباينة إزاء الأحداث.
وأضافت المجلة أن تصاعد التوتر دفع العديد من العائلات إلى البحث عن ملاذات آمنة، بينما لجأ الآلاف إلى قاعدة حميميم الروسية. وفي دمشق ومدن أخرى، سادت مخاوف من توسع دائرة العنف، ما زاد من تعقيد المشهد الأمني.
صراع على الشرعية والموارد
وذكرت “الإيكونوميست” أن الشرع يواجه تحديات كبيرة في تحقيق التوازن بين الأطراف المختلفة، إذ لم يبدأ بعد أي عملية للعدالة الانتقالية، كما لم يحدد بوضوح خططه لإعادة دمج المسؤولين السابقين غير المتورطين في انتهاكات. ورأت المجلة أن العقوبات المفروضة على سوريا خلال حكم الأسد تسببت في أزمة اقتصادية حادة، ما جعل الحكومة الجديدة غير قادرة على دفع رواتب الموظفين، بينما تستمر بعض الجماعات المسلحة في فرض نفوذها على الأرض.
وقالت المجلة إن الشرع لم يُظهر بعد التزامًا واضحًا بمشاركة أوسع في الحكم، إذ لم ينفذ الوعود التي أطلقها بشأن تشكيل حكومة موسعة ووضع دستور جديد. وبدلًا من ذلك، استمر في إدارة البلاد عبر فريق مقرب منه، ما أثار تساؤلات حول توجهاته المستقبلية.
صفقة مع الأكراد وآفاق المستقبل
وأشارت “الإيكونوميست” إلى أن الاتفاق الذي أبرمه الشرع مع “قوات سوريا الديمقراطية” قد يعيد السلطة المركزية إلى شمال شرقي البلاد لأول مرة منذ سنوات. وأضافت أن هذه الخطوة قد تعزز موقفه العسكري وتوفر تمويلًا لحكومته عبر السيطرة على الموارد النفطية في المنطقة، كما أنها قد تشجع مجموعات أخرى على السعي لتفاهمات مماثلة.
لكن المجلة حذّرت من أن الاتفاق قد يواجه تحديات، مشيرة إلى أن وثيقته التنظيمية لم تحدد تفاصيل واضحة، وأرجأت عملية الاندماج حتى نهاية العام. ونقلت عن مسؤول كردي قوله إن “قسد ستبقى كتلة موحدة دون تغييرات كبيرة”، ما يثير تساؤلات حول مدى واقعية تنفيذ الاتفاق.
وختمت “الإيكونوميست” تقريرها بالإشارة إلى أن الشرع، رغم الصعوبات، تمكن من تحقيق خطوة سياسية قد تفتح الباب أمام استقرار تدريجي، لكنه لا يزال أمام تحديات كبيرة تتعلق بإعادة بناء الدولة ومعالجة آثار الحرب.
المصدر: The Economist
———————-
صحيفة أميركية تكشف الوسيط في اتفاق الشرع وعبدي
الحرة – واشنطن
15 مارس 2025
كشفت صحيفة “وول ستريت جورنال”، السبت، أن الجيش الأميركي لعب دورا مهما خلف الكواليس في سوريا، من أجل التوسط وعقد اتفاقات بين الحكومة الانتقالية وجماعات مسلحة.
ونقلت الصحيفة عن ضباط أميركيين القول إن القوات الأميركية، المنتشرة في سوريا لمكافحة عودة ظهور تنظيم الدولة الإسلامية، قامت بالتوسط في محادثات جمعت بين الحكومة الجديدة في دمشق والمقاتلين الأكراد المدعومين من الولايات المتحدة.
وأضاف هؤلاء الضباط أن الجيش الأميركي شجع كذلك مجموعة أخرى تتعاون معها الولايات المتحدة في جنوب شرق سوريا بالقرب من قاعدتها العسكرية في التنف، وهي “جيش سوريا الحرة” من أجل الاتفاق مع الإدارة الجديدة في دمشق.
وبحسب هؤلاء الضباط تهدف هذه التحركات إلى المساعدة في استقرار البلاد ومنع عودتها للحرب الأهلية مما قد يعقد الجهود المبذولة لمكافحة تنظيم داعش.
كما تهدف أيضا إلى منح الولايات المتحدة مقعدا على طاولة المفاوضات بينما تشكل سوريا مستقبلها، وفقا لذات المصادر.
وقالت الصحيفة إن القيادة المركزية الأميركية، المسؤولة عن النشاط العسكري للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، رفضت التعليق على دور واشنطن في المفاوضات.
كما لم ترد الحكومة السورية وقوات سوريا الديمقراطية، التي يقودها الأكراد، على طلبات للتعليق بشأن الدور الأميركي.
والاثنين، وقّع الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع وقائد قوات سوريا الديموقراطية مظلوم عبدي اتفاقا ينصّ على “دمج كافة المؤسسات المدنية والعسكرية في شمال شرق سوريا ضمن إدارة الدولة السورية بما فيها المعابر الحدودية والمطار وحقول النفط والغاز”.
ومن شأن هذه التسوية أن تخفف حدة الصراع في شمال سوريا في وقت يسوده عدم يقين بشأن مستقبل القوات الأميركية المنتشرة هناك.
ورحّب وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو بالاتفاق وقال في بيان صحفي: “تؤكد الولايات المتحدة مجددًا دعمها لانتقال سياسي يرسخ حكماً غير طائفي وذا مصداقية، باعتباره أفضل سبيل لتجنب المزيد من الصراعات”.
وتضمن الاتفاق ضرورة وقف إطلاق النار في كافة الأراضي السورية، ودعم “قسد” لإدارة المرحلة الانتقالية في مواجهتها لما سمتها “فلول الأسد”.
الحرة – واشنطن
————————
عربٌ سُنّة لكنهم ليسوا مسلمين/ عمر قدور
السبت 2025/03/15
استلمت هيئة تحرير الشام السلطة في سوريا بعد إسقاط الأسد وفراره في الثامن من كانون الأول/ديسمبر. وكما صار معلوماً، وفق سردية معممة، قدّمت الهيئة وجهاً معتدلاً جداً بالقياس إلى ما هو متوقّع من تنظيم إسلامي جهادي، نشأ زعيمه في أحضان الجهادية التي حاربت الأميركان في العراق، وتميّزت مع نظيرتها الشيعية بأعمال عنف طائفية شديدة القسوة. بدورهم، قدّم عناصر الهيئة في الأسابيع الأولى نموذجاً جيداً على الانضباط واحترام المدنيين، ونالوا الإشادة على ذلك في مناطق التنوع الطائفي، خصوصاً في مناطق يغلب عليها المنبت العلَوي.
سلوك عناصر الهيئة، وقياداتها من خلفهم، كان مهماً لسببين، الأول منهما صدوره عما فُهِم كابتعاد عن الأيديولوجيا الدينية للهيئة، والعلويون بموجبها مارقون دينياً عن الإسلام الصحيح “السُني”. أما الجانب الذي لا يقل تأثيراً فيختزله تعبير “النظام النصيري”، وهو تعبير كان معتمداً في “دولة إدلب” التي حكمتها الهيئة بقبضة من حديد على مختلف المستويات، بما فيها المستوى التعليمي الخاص بتنشئة الأجيال الجديدة، أي أن هناك بين مقاتلي الهيئة من تشرّب تعبير “النظام النصيري” بوصفه اختزالاً لطائفة مارقة دينية ومجرمة (على الأقل) سياسياً، لذا كان لسلوكهم الطيب مغزى إيجابياً مركّباً.
قائد هيئة تحرير الشام، الذي ظهر باسمه الحقيقي، راح بدوره يرسل الإشارات التي تتضمن طي صفحة “أبي محمد الجولاني”، وهو لقبه الذي كان معتمداً وشائعاً في إدلب. وتحدث مبكراً عن الانتقال من عقلية الثورة إلى عقلية الدولة، على نحو أراد من خلاله طمأنة قسم من السوريين، وتهدئة البعض الآخر المتعطّش إلى إجراءات راديكالية يريد من السلطة الجديدة اتخاذها.
تحولات السيد الشرع نالت اهتماماً واسعاً جداً بوصفها دليلاً إلى تحول أعمّ في فكر الهيئة وسلوكها، بل صار الاهتمام مفرطاً في الشكلانية من خلال متابعة دقيقة لما يلبسه ولطول لحيته ومغزى لون ربطة العنق التي يرتديها. وما بدأ على أنه اهتمام بدوافع سياسية انزلق بمعظمه إلى ما يمكن تشبيهه بتقديس الفرد، وأحياناً بلغة مشابهة للغة تقديس الفرد التي استخدمها موالو العهد البائد، حيث يهمِّش تقديس القائد (الفرد) مَن حوله في السلطة أولاً، فلا تؤخذ أقوالهم أو أفعالهم بجدية، ويُعامل كما يُعامل غلاة المعجبين نجمهم؛ بمحبة غير مشروطة بمطالب سياسية محددة أو ببرامج ونتائج ملموسة. لقد وصل الأمر بجريدة حكومية إلى نشر مقال عمّا يجتذب النساء في شخصية السيد الشرع!
الاهتمام بالقائد، متضمناً بوادر عبادة الفرد، لم يكن في الشهور الثلاثة الأخيرة صناعةً إسلامية. على العكس، يمكن الجزم بوجود نسبة كبيرة من المتدينات والمتدينين الذين لم يتورّطوا فيها، لأن إيمانهم العميق يردعهم عمّا في تقديس الأفراد من شبهة الشرك. هذه الصناعة مدفوعة بأمرين؛ واحد منهما هو النزوع إلى البحث عن بطل منقذ خارق، وقد تحقق هذا لأصحابه على نحو مشابه للأفلام التراجيدية ذات النهاية السعيدة غير المتوقعة. أصحاب هذا النزوع لا يريدون التمعّن في سياق الأحداث التي أدّت إلى التغيير الكبير في دمشق، بل يرفضون ذلك عمداً.
النزوع الثاني المتمم للأول هو الملمح الطائفي، فالبطل المنقذ هو ابن الطائفة المظلومة، وها هو قد انتصر لها أخيراً. وفق هذا التصور، ثمة مظلومية سنية، تعرّض أصحابها للإبادة والتهجير منذ عام 2011، وحانت أخيراً لحظة الانتصار. إلا أن لحظة الانتصار ليست تدشيناً لتراخي عصب المظلومية السُنّية، بل إن كثراً من المنضمين مؤخراً إلى العصبوية السُنية لم يكونوا يفصحون عنها من قبل، ونسبة منهم كانت تعلن عن عدائها لأيديولوجيا هيئة تحرير الشام وكل ما تمثّله الهيئة.
السُنّيّون الجدد، إذا جاز التعبير، هم سُنّيّو السلطة الجديدة، وقد حلّوا مكان الموالاة القديمة وبالمفردات اللغوية والبصرية ذاتها في معظم الأحيان. إنهم طائفة سلطة أكثر بكثير مما هم طائفيون في الأصل. ونستطيع القول أن السنيون الجدد ساروا بعكس التحولات المعلنة لهيئة تحرير الشام، فإذا كانت مقتضيات السلطة قد جعلت الهيئة أكثر اعتدالاً فإن استلام الهيئة السلطةَ جعلهم أشد تطرفاً، أو بالأحرى جعلهم يقطعون الطريق سريعاً من موقعهم غير الإسلامي إلى محاولة تصدّر الخطابات الطائفية على السوشيال ميديا.
يجوز القول إن الإسلاميين استثمروا في المسألة الطائفية للوصول إلى السلطة، أما السُنيون الجدد فهم متطوعون طائفيون، مدفوعون بما هو انتهازي رخيص أحياناً، إذ يعتقدون أنهم يرضون السلطة. وهذا بالتأكيد شيك على بياض قد يصعب رفضه من الأخيرة إن لم يكن استخدامه مغرياً فوراً. وهناك بينهم من لا يدفعه جشع انتهازي، بل يكفيه وهم امتلاك السلطة، وهو ما يذكّر بطائفيين علويين كان لديهم وهم مماثل أيام الأسد، ولا عجب في أن نظراءهم السُنّة لم يتعظوا من الدرس والمآل.
اليوم هناك نسبة، هي الأكبر على نحو صريح من السُنيين الجدد، والذين ليسوا مسلمين على ما توحي به هذه الكلمة من صورة نمطية في حقل السياسة. نتحدث عن فئات متنوعة، بينها المحافظ والمتحرر اجتماعياً، ومعظمها لا يُبدي مظاهر ملحوظة من التدين، بل يشهر البعض منها كونه لادينياً. هذه الفئات، على تنوعها، لم تتورع عن توزيع صكوك انتماء تحت يافطة: إنهم يشبهوننا. والحديث كان عن ملامح السيد الشرع وزوجته، وأتى أيضاً في سياق جدل حول النقاب، وحول تعيين مسؤولة عن شؤون المرأة. ولا يخفى ما يوجد في هذا التنميط من غزل للسلطة الجديدة، ومن إنكار ونفي لسوريين آخرين لا يشبهونها شكلاً وفق هذا الزعم، كما لا يخفى البعد الطائفي المستتر تحت هذا التنميط، وقد شهدنا مثيلاً له أيام الأسد: توّجه هو نفسه بالحديث عن مجتمع متجانس.
بعض الذين انفتحت شهيتهم مؤخراً على الحديث في المسألة الطائفية هم أيضاً من السنيين الجدد، وهم يحتسبون كل من لا يشاطرهم الرأي بحذافيره منكراً للطائفية ينبغي إقناعه، من دون أن يعبّروا عن أية حساسية تتعلق بالمرحلة الانتقالية الراهنة، على الأقل حتى تستتب الأوضاع في البلد، ويُشرع في العدالة الانتقالية، العدالة التي لا تقتصر على محاكمات المتهمين فقط، وإنما تتضمن محاكمة الإرث السابق كله بهدف عدم تكراره نفسه أو مقلوباً. والمستتر لدى البعض منهم على الأقل هو عزمهم على تكرار الماضي مقلوباً، وهذا فحوى استرجاع ذكريات دموية من الماضي القريب أو الأبعد لتبرير ما يقولون إنه مجرد تجاوزات للسلطة الجديدة.
إنهم عرب بدرجة أقل ربما مما هم سُنة، فالعروبة تُدفع إلى الصدارة فقط بعدّها من لوازم مواجهة الأكراد غير المنضوين حتى الآن تحت إمرة السلطة الجديدة. ومن المحتمل جداً أن الكثير من السنيين الجدد قد أضناهم وأدماهم موقع المهزوم الذي بدا حكراً عليهم لوقت طويل، أو على ما يمثّلون، ويحتاجون إلى اختبار النصر الذي حصلوا عليه، بما في ذلك اختباره بالقوة والبطش. وسيكون من الصعب عليهم القبول سريعاً بأن المظلومية والسلطة لا تجتمعان، وأنهم الآن أهل سلطة لا ينازعهم عليها أحد، والنزاع الوحيد على طبيعتها لا على مَن يكون على رأسها. أيضاً، من الصعب عليهم التخلّص سريعاً من فكرة المؤامرة الكونية على السُنّة، والنظر بواقعية إلى حدث التحرير كانقلاب في المواقف الدولية له أبعاده الإقليمية والدولية، ولا توجد قوة داخلية قادرة على تغييره.
حتى يحدث ذلك، سيبقى التناقض، وقد يشتد، بين ادّعاء تمثيل الوطن السوري وبين تمثّل عصب طائفي يبقى محدوداً رغم أكثريته، وسيبقى التناقض نفسه بين اشتداد العصب الطائفي والقول إن السُنة في سوريا هم الأمة، بمعنى أنهم قادرون على استيعاب المختلف وجاهزون لذلك. على هذا تأخذ المطالبة بالعدالة أهمية استثنائية، لأنها كفيلة بوقف التحريض الذي يتغذّى على غيابها أو يتذرّع به، ولأنها السبيل لفتح جراح السنوات الماضية بقصد المعالجة لا زيادة الاحتقان، ولأنها ترياق ضد المنهمكين في صنع وثن السلطة.
المدن
—————————–
ماذا بعد اتفاق الرئيس السوري وقائد قسد؟/ بشير العباد
14/3/2025
دمشق- في تطور لافت على الساحة السورية، أُعلن عن اتفاق بين الرئيس السوري، أحمد الشرع، وقائد قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، مظلوم عبدي، بهدف دمج المؤسسات المدنية والعسكرية التابعة للإدارة الذاتية في شمال شرقي سوريا ضمن مؤسسات الدولة.
هذا الاتفاق، الذي تم تسريبه إلى وسائل الإعلام قبل أن يصبح معلنا بشكل رسمي، أثار ردود فعل واسعة بين المسؤولين والسكان المحليين، وسط تطلعات لتنفيذه وفق آليات محددة.
وتعليقا عليه، قال غسان السيد أحمد، محافظ دير الزور، للجزيرة نت، إن تنفيذه سيتم عبر تشكيل لجنة مركزية تشرف على لجان فرعية تخصصية في مختلف المجالات، بما فيها الأمن، والعسكر، والصحة، والتربية، وغيرها من القطاعات، على أن يتم تشكيل هذه اللجان سريعا لمباشرة مهامها حتى نهاية العام الجاري، كما نص عليه الاتفاق بين الشرع وعبدي.
توقيع اتفاق يقضي باندماج قوات سوريا الديمقراطية ضمن مؤسسات الجمهورية العربية السورية والتأكيد على وحدة الأراضي السورية ورفض التقسيم#رئاسة_الجمهورية_العربية_السورية pic.twitter.com/SCSgFkN9YK
— رئاسة الجمهورية العربية السورية (@G_CSyria) March 10, 2025
أهمية كبرى
وأكد السيد أحمد أن الوضع الراهن سيبقى كما هو عليه حتى تشكيل اللجان واستلامها مهامها، محذرا “أهالي دير الزور، لا سيما العسكريين، من التوجه إلى مناطق سيطرة قسد، ما قد يعرضهم للاعتقال”، مستشهدا بحادثة سابقة جرت في الأيام الماضية.
وأشار المحافظ إلى أن هذا الاتفاق يحمل أهمية كبرى، ليس فقط في كونه إنجازا يوحد سوريا، بل أيضا لأنه “يعيد المكون الكردي إلى دوره الطبيعي في عملية البناء الوطني، باعتباره مكونا أصيلا تربطه بالمجتمع السوري علاقات محبة ومودة، إضافة إلى عوامل الجغرافيا والتاريخ المشترك”.
ووفقا له، يتضمن الاتفاق بندا يتعلق بإطلاق سراح بعض المعتقلين من الطرفين قبل نهاية شهر رمضان، وفق ما تم إبلاغهم به من القيادة السياسية في دمشق.
أما فيما يخص الثروات النفطية، فقد أوضح السيد أحمد أن الاتفاق ينص على استمرار توريد المشتقات النفطية من منطقة الجزيرة، الخاضعة لسيطرة قسد، إلى منطقة الشامية، الواقعة تحت سيطرة الحكومة السورية، حتى تقدم اللجان المتخصصة رؤية جديدة بشأن آليات الدمج مع الحكومة السورية.
من جهته، قال أحمد الهجر، مدير مكتب الشؤون السياسية لمحافظات دير الزور والرقة والحسكة، للجزيرة نت، إن اجتماعا عُقد بين الرئيس السوري وقائد قسد أسفر عن الاتفاق على 8 بنود أساسية.
وأضاف أن المرحلة المقبلة ستشهد عمل لجنة مكلفة بمتابعة تنفيذ البنود، مكونة من 5 أعضاء من جانب الحكومة السورية، ومن المتوقع أن تشكل قسد لجنة مماثلة بهدف تنفيذ البنود واستلام مؤسسات الدولة وإعادة هيكلتها ضمن وزارة الدفاع السورية.
وحسب الهجر، يمثل هذا الاتفاق تأكيدا على وحدة الأراضي السورية، مشيرا إلى أن المعلومات المتوفرة لدى مكتب الشؤون السياسية تفيد بأن اللجنة المكلفة ستباشر مهامها رسميا قريبا.
على المستوى الشعبي، قوبل الإعلان عن الاتفاق بمزيج من التفاؤل والترقب، حيث خرج الأهالي إلى الشوارع للاحتفال، وقال محمد العبود وهو أحد سكان منطقة الشعيطات بريف دير الزور الشرقي، للجزيرة نت، إن سكان المنطقة أطلقوا العيارات النارية ابتهاجا بعودة سوريا موحدة.
أما جاسم العيسى، من أهالي قرية الباغوز، فقد صرح للجزيرة نت بأن الأمور تسير وفق المتوقع، حيث من المنتظر أن تستعيد دمشق سيادتها على جميع الأراضي السورية، “ما سيضع حدا للفساد والرشاوي والتسلط الذي تمارسه بعض مؤسسات قسد على المدنيين”.
مرحلة حساسة
في المقابل، أفاد جميل العبار، من أهالي مدينة البصيرة بريف دير الزور الشرقي، للجزيرة نت، بأن قوات قسد باشرت حملة اعتقالات في المنطقة مع تكثيف الحواجز الأمنية وشن مداهمات، بعد عبور عناصر من الحكومة السورية إلى منطقة الشعيطات.
بدوره، قال إسماعيل المناور، من أهالي قرية الدحلة، للجزيرة نت، إن الاتفاق جاء في مرحلة حساسة تمر بها سوريا، خاصة في ظل الأحداث الساخنة التي يشهدها الساحل، لكنه انتقد الجدول الزمني لتنفيذه، معتبرا أن انتظار اللجنة حتى نهاية عام 2025 هو وقت طويل، “لا سيما في دير الزور ذات الطابع العربي، حيث لا تحظى قسد بحاضنة شعبية قوية كما هو الحال في الحسكة، التي تضم عدة قوميات”.
صورة جوية لمنطقة ريف ديرالزور الشرقي الواقعة تحت سيطرة قسد_
منطقة ريف دير الزور الشرقي الواقعة تحت سيطرة قوات قسد (الجزيرة)
في سياق متصل، قال عبد الرحمن الرمضان، من أهالي قرية محيميدة بريف دير الزور الغربي، للجزيرة نت، إن قسد نفذت حملات اعتقال استهدفت عددا من السكان بسبب رفعهم علم الثورة، وآخرين بسبب منشوراتهم على وسائل التواصل الاجتماعي التي عبروا فيها عن فرحتهم بالاتفاق، “ما أثار ضبابية حول موقف بعض الأجهزة الأمنية التابعة لقسد، خاصة جهاز مكافحة الإرهاب والمخدرات، الذي تدخل رغم أنها ليست من اختصاصه”.
في غضون ذلك، كشف مصدر مقرب من قسد -رفض الكشف عن هويته للجزيرة نت- عن وجود أحاديث داخلية بين قياداتها تصف الاتفاق بأنه “غير منصف”، وأنها ترى أن قسد تسيطر على الخزان الاقتصادي لسوريا، بما يشمله من ثروات نفطية وزراعية وحيوانية، وهو ما يضعها في موقع قوة خلال أي مفاوضات مع الحكومة السورية.
هذا، وحاولت الجزيرة نت الحصول على تصريح من مسؤول في قسد ولم تتم الاستجابة حتى كتابة التقرير.
المصدر : الجزيرة
—————————
كيف تنظر واشنطن إلى “مجازر” الساحل؟/ شربل أنطون -واشنطن
15 مارس 2025
هل انتهت المرحلة الانتقالية نحو الديمقراطية في سوريا بمجزرة؟ وهل وقع أحمد الشرع في فخ انتقام طائفي أم في “محاولة انقلاب” نصبها فلول نظام الأسد بدعم إيراني؟.
أسئلة عدة تطارد رئيس المرحلة الانتقالية في سوريا بعد أحداث الساحل، منها: هل عاد أحمد الشرع إلى ثوبه الجهادي وغطّى مجزرةً قام بها من كان يُقاتل في صفوفهم حتى الأمس القريب؟ ومن هي “العناصر غير المنضبطة” التي تحدث عنها أحمد الشرع؟ ولماذا أمر بإرسال نحو نصف مليون مقاتل إلى الساحل السوري على مرأى العالم ومسمعه؟
مهما يكن من أمر، فإن مسؤولية النظام الحاكم في سوريا كشف ومحاسبة المسؤولين عن المذابح الطائفية التي حدثت مؤخراً في الساحل السوري.
ولحماية الأقليات السورية، على الدول العربية والمجتمع الدولي مسؤولية الضغط لكشف ملابسات هذه المجازر ضماناً لعدم تكرارها.
شبكة حماية قانونية دولية للأقليات في سوريا؟
هل توفر إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب شبكة حماية قانونية دولية للأقليات في سوريا خلال هذه المرحلة الانتقالية، بعد أن أدان وزير الخارجية الأميركية ماركو روبيو المجازر وحدد منفذيها دون مواربة، ورفعت واشنطن الموضوع إلى مجلس الأمن الدولي؟
“تدين الولايات المتحدة الإرهابيين الإسلاميين المتطرفين، بما في ذلك الجهاديين الأجانب، الذين قَتلوا الناس مؤخراً في غرب سوريا. وتقف الولايات المتحدة إلى جانب الأقليات الدينية والعرقية في سوريا، بما في ذلك المجتمعات المسيحية والدرزية والعلوية والأكراد، وتقدم تعازيها للضحايا وأسرهم. ويتعين على السلطات المؤقتة في سوريا محاسبة مرتكبي هذه المجازر ضد الأقليات في سوريا”، على حد تعبير روبيو.
وتطالب السناتور الديمقراطية جين شاهين السلطات السورية بـ”التحقيق في ما حدث، وتقديم المسؤولين عن قتل المدنيين إلى العدالة. لأن الشعب السوري لم يقم بإسقاط نظام الأسد الوحشي ليجد نفسه مجددا في ظل قمعٍ وعنفٍ أكبر”.
من جهتها، تشير صحيفة واشنطن بوست إلى أن المجزرة في الساحل السوري “تثير تساؤلات خطيرة بشأن ما إذا كان أحمد الشرع راغباً أو قادراً على كبح جماح مجموعة واسعة من الفصائل المسلحة التي لا تزال تعمل في جميع أنحاء البلاد”. فكيف يمكن للرئيس ترامب أن يُعالج هذه المسألة بشكل جذري لمنع تكرار المذابح ضد الأقليات في سوريا؟
أيُّ سياسة أميركية تجاه سوريا ما بعد الأسد؟
الممثل الأميركي الخاص السابق لشؤون سوريا، جيمس جيفري، قال لبرنامج عاصمة القرار على قناة الحرّة: “على الولايات المتحدة أن تتبنى سياسةً أكثر وضوحاً وفعالية تجاه سوريا. هناك العديد من المشاكل مع حكومة دمشق الجديدة برئاسة الرئيس الشرع. ومع ذلك، فقد اتخذ( الشرع) خطواتٍ إيجابيةً عديدة. والأهم من ذلك، أنه الشخص الوحيد القادر على حكم سوريا حالياً؛ والشرع عازمٌ تماماً على إبعاد إيران. وهذا هو الشاغل الأمني الأكبر لنا في دول جوار سوريا، بما فيها إسرائيل والأردن وتركيا وغيرها.”
وأضاف جيفري: “لذا، أرى أننا بحاجة إلى ربط خطواتنا المستقبلية، بما في ذلك الإعفاءات أو رفع العقوبات المحتمل وتوثيق العلاقات، بخطوات نحو مزيد من دمج الأقليات، بالإضافة إلى التحقيق في عمليات القتل حول اللاذقية. والأهم من ذلك، استبعاد أيٍّ من هؤلاء الأجانب ذوي الخلفيات الإرهابية من رعاية الحكومة السورية”.
ويقول جوشوا لانديس، مدير قسم الشرق الأوسط في جامعة أوكلاهوما: “تريد الولايات المتحدة الاستقرار في سوريا. كما تريد حماية شركائها الأكراد. وتريد واشنطن أيضاً ضمان عدم تمدد داعش في المنطقة. وألا يُطلق سراح سجناء داعش فيعودوا إلى التآمر ضد السوريين والمجتمع الدولي”.
لذا، يُضيف لانديس، فإن “الحفاظ على علاقات جيدة مع كل من النظام والأكراد، أمرٌ بالغ الأهمية للولايات المتحدة، التي ترغب في ذلك. كما ستحرص الولايات المتحدة على ألا تُرهِب الحكومة الجديدة الشعب السوري، وأنها ستفي بوعودها، بإشراك جميع أطياف الشعب السوري في صياغة دستورٍ يتضمن انتخاباتٍ حرةً خلال أربع سنوات”.
انتهاء “شهر العسل الانتقالي” في سوريا؟
يحذر الباحث في معهد واشنطن آرون زيلن من “انتهاء شهر العسل الانتقالي في سوريا بعد المجازر والتضليل الذي تمارسه السلطة الانتقالية حول المجازر ضد المواطنين العلويين”.
ويضيف: “إن سلوك لجنة تقصي الحقائق في سوريا سوف يؤدي إما إلى بناء شرعية الحكومة الجديدة أو تدميرها، وكذلك احتمالات انتقال مستقر للسلطة”.
وهذا ما يحتم على واشنطن بعض السياسات تجاه أحمد الشرع وفريقه: “ربما يكون من الضروري تأجيل رفع العقوبات الأميركية إلى حين التحقق بشكل ملموس من التقدم في تحقيق انتقال ديمقراطي سلمي في سوريا. وهذا يعني تعزيز الاستقرار والعدالة الانتقالية والحكم الشامل للسوريين جميعاً، مع خدمة المصلحة الأميركية العليا المتمثلة في مواجهة إيران ووكلائها. كما أن واشنطن تحتاج إلى إجراء مناقشات صعبة مع حلفائها في أنقرة والقدس، حول تضارب مصالحهما في سوريا، وحول ضرورة ضبط تدخلهما” في الشأن السوري.
بين أحمد الشرع و”الشيطان الذي نعرفه” !
إن “أحمد الشرع جهادي منذ فترة طويلة” يقول سيبستيان غوركا، مساعد الرئيس ترامب، لقناة الحرة. “فهل أصلح نفسه؟ هل هو رجل أفضل الآن؟ هل هو شخص يؤمن بالحكومة التمثيلية؟ اسأل المسيحيين. اسأل العلويين في المنطقة واسأل أي أحد عانى على يديّ أحمد الشرع الجهادي. لم أجد أبدا قائدا جهاديا أصبح ديمقراطيا أو آمن بالحكومة” التمثيلية.
لكن “لا يمكن إغفال أن سوريا كانت حاضنة للإرهاب في ظل حكم نظام الأسد” برأي ديفيد شنكر، الذي يضيف : “مثلما يفرض تواجد الشرع وهيئة تحرير الشام في السلطة تحديات، فإنه يمثل كذلك فرصا للولايات المتحدة؛ فسوريا لم تعد تشكل تهديدا عسكريا لجيرانها. كما أن دمشق اختارت ألا تجدد استئجار روسيا للقاعدة البحرية في طرطوس، ما يحد من الانتشار الروسي في البحر المتوسط. كما أن سوريا الجديدة ليس لها مصلحة في إدامة العلاقة الاستراتيجية مع طهران ووكلائها الإقليميين. ولم يعد بإمكان إيران تسليح حزب الله عن طريق الأراضي السورية.”
وأضاف: “نهاية نظام الأسد كانت تطورا إيجابيا للولايات المتحدة وشركائها في المنطقة. الشيطان الذي نعرفه كان سيئا لمصالح الولايات المتحدة لدرجة أنه حتى الشرع يمكن أن يكون خيارا أفضل”. حسب تعبير ديفيد شنكر، مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى خلال ولاية ترامب الأولى.
بدايات نظام فدرالي في سوريا؟
من ناحية أخرى، كيف يرى خبراء “عاصمة القرار” التوافقات الأخيرة بين الحكومة السورية المؤقتة والأكراد والدروز ودور الجيش الأميركي في تسهيل الاتفاق بين الشرع وقسد؟.
“توفر هاتان الاتفاقيتان لهذه المناطق درجة من الحكم الذاتي لم نكن نعتقد أنها ستتمكن من الحصول عليها. لقد وافق الرئيس السوري الجديد على ما يبدو أنه بدايات نظام فيدرالي في الدستور الجديد. مما يعني وفقًا لكل من الأكراد والدروز درجة من الحكم الذاتي” كما يقول الباحث الأميركي جوشوا لانديس.
هذه الاتفاقات هي “خطوات في الاتجاه الصحيح” برأي السفير جيمس جيفري، الذي يطالب “المجتمع الدولي والدول العربية والأوروبية والأمم المتحدة ومنظمات، بالعمل مع حكومة دمشق على تعزيز استقرار الوضع في سوريا وبالتالي في المنطقة بأسرها واحتواء إيران”.
فرضت المجزرة ضد العلويين في سوريا تحديات جديدة على السلطة السورية المؤقتة وعلى داعميها لمنع انحراف المرحلة الانتقالية إلى فوضى وحرب طائفية قد تؤدي إلى تقسيم بلد منهك بالحروب. فهل ينجح التعاون الأميركي الروسي بشأن سوريا في حماية البلد وتنوعه العرقي والديني؟
شربل أنطون -واشنطن
الحرة
—————————–
اتفاق الشرع- عبدي: أمل للكرد ولكل سوريا/ عبد الوهاب بدرخان
اتفاق الشرع – عبدي: خطوة جريئة نحو “سوريا الجديدة” أم بداية تحوّل تاريخي؟
2025-03-15
سيكون الاتفاق بين الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع وقائد “قوات سوريا الديموقراطية” الكردية مظلوم عبدي (10 آذار/ مارس 2025) الوثيقة الأولى التي تدشّن عهد “سوريا الجديدة” وتقلب صفحة أخرى في سجل “ما بعد النظام الأسدي”. إذ دلّت الى تغيير حقيقي في العقلية السياسية لطرفين مستعدّين لقبول أحدهما الآخر، وحملت مؤشّراً الى المكوّنات السورية كافة بأن الواقع الذي فرضته الحرب يعزّز التوجه الى تبنّي اللامركزية الادارية في الدستور المقبل. ولا يقلّ أهمية أن يكشف مصدر كردي عن وجود “رعاية أميركية” للاتفاق، وقبل ذلك كان هناك كلام لمندوب روسيا الدائم في الأمم المتحدة عن “عودة التنسيق الأميركي- الروسي في شأن سوريا”، والأكيد أن تركيا شاركت في المشاورات كونها داعمة للسلطات الجديدة في دمشق ومعنية بالشأن الكردي.
للمرة الأولى يخطو الحكم السوري نحو حلّ تاريخي داخلي بينه وبين الكرد، مصححاً أداء سلطوياً ترسخ مع الحكم البعثي بنسخته الأسدية الاستبدادية. في العهود التي تلت استقلال سوريا كان الكرد مشاركين في الحكم، وكانت لهم مكانتهم في الحكومات والمشهد السياسي، قبل أن يبدأ تهميشهم وتجاهل حقوقهم وخصوصياتهم وهويتهم الى أن بلغ الظلم الذي تعرّضوا له حدّ انكار وجودهم وحرمانهم من حقوق المواطنة والتضييق عليهم في كل تفاصيل حياتهم. ورغم أن المفاوضات لن تكون سهلة، وأن أوضاع الكرد لن تستقيم سريعاً بفعل الاتفاق الجديد، إلا أنه يؤسس لمسار تغييري يُفترض أن يتعاون فيه الطرفان لتحقيق مصالحهما.
ومع الإعلان عن التوصّل الى وثيقة تفاهم بين الحكومة السورية ومحافظة السويداء، بعد الاتفاق مع “قسد”، تكون ثمة “عدوى” بدأت تفعل فعلها. ويمكن التوقّع بأن تفاهمات مماثلة ستتبع مع مناطق عدة، ذاك أن الواقع الدولي والإقليمي لا يدفع في اتجاه إعادة اشعال الحرب، كما أن الوضع السياسي الداخلي والضغوط الاقتصادية تستدعي التهدئة وإعطاء التغيير الذي بدأ بسقوط النظام السابق فرصة كي يعيد ترتيب البيت السوري، لأن الدولة التي خلّفها ذلك النظام منهارة ومفلسة ولا بدّ من مساهمة الجميع في انهاضها من الصفر. وقد أبدت الجهات الدولية والعربية كافة استعداداً لتوفير مثل هذه الفرصة للحكم الجديد، رغم مآخذ كثيرة على مكوّناته، حتى أنها لم تعتبر تجاوزات أحداث الساحل نقطة تحوّل في تقييمها لهذا الحكم، وإلّا لكانت أرجأت توقيع اتفاق الشرع- عبدي، أو ألغت تفاهم دمشق- السويداء.
قوبل الاتفاق بين الرئيس الانتقالي وقائد “قسد” باستحسان وترحيب في الداخل ولدى أكراد سوريا والعراق، كذلك في العواصم العربية والدولية. إذ شكّل خطوة جريئة ومتقدّمة، وتضمن إشارات الى مراجعات أجراها الطرفان للاعتراف بواقع سوريا بعد الحرب والإقدام على تنازلات متبادلة، بدليل أن ما لم تتوصّل اليه حوارات النظام السابق مع الاكراد على مدى أعوام، رغم الالحاح الروسي وعدم الممانعة الأميركية، انجزته الإدارة الجديدة في أقل من ثلاثة أشهر. هناك ملامح لمفهوم مختلف للدولة ولبسط سيطرتها، تضاف الى ان سلطة دمشق أظهرت وتواصل اظهار نيات حسنة، فيما سُجّلت صدقية في الانفتاح الكردي على التغيير الذي تشهده سوريا. ورغم أن الاتفاق لم يشرْ الى “حلّ” قوات سوريا الديموقراطية، أو الى القاء سلاحها، إلا أن منطق الانضواء في دولة واحدة سيفرض نفسه في نهاية المطاف، لكن على قاعدة الحوار وبناء الثقة واحترام الحقوق والمصالح.
عدا مضامين اتفاق الشرع- عبدي، تكمن أهميته في أنه رسم أفقاً لإنهاء العداء الذي ترسّخ طوال عقود بين الدولة والكرد، فلا شيء في البنود السبعة يستعصي التوافق عليه، ولا سبب يستدعي التراجع عنها أياً تكن الظروف والعقبات. إذ أن وقف اطلاق النار (البند الثالث)، تحديداً في شمال شرق سوريا، سيتطلّب التزاماً كردياً واضحاً بالنأي عن متطرّفي “حزب العمال الكردستاني” لتبديد ذرائع تركيا لمواصلة التدخّل المسلح ومحاولة الضغط على دمشق في عملية التطبيع مع الكرد. لا شك أن بعضاً من البنود، مثل دمج المؤسسات المدنية والعسكرية أو عودة المهجّرين وتأمين حياتهم (خصوصاً في المناطق التي تهيمن عليها تركيا) سينتظر بتّه انتظام مراحل الانتقال السياسي وإنجاز الدستور الجديد، لكن لن يكون هناك مجال لإضاعة الوقت بل لاستغلاله في تعميق الروابط ومنع أي طرف داخلي أو خارجي من تخريب الإرادة السياسية والروح التصالحية و”البراغماتية الوطنية” غير المسبوقة التي أشاعها الاتفاق.
من الاعتراف بأن الكرد “مجتمع أصيل في الدولة السورية” وفي “ضمان حقه في المواطنة وحقوقه الدستورية كافة”، الى “ضمان حقوق جميع السوريين في التمثيل والمشاركة في العملية السياسية وكل مؤسسات الدولة”، هناك التزامٌ تاريخي من طرفي الاتفاق بإعادة الاعتبار الى مفهوم “المواطنة” الذي سحقته “آلة القتل” أو رمته في مهانة أقبية السجون الاسدية. كل الدساتير تضع المواطنة في مصاف الأهمية، وليست كل الأنظمة تحترمها في الممارسة، لكن سوريا باتت بعد محنتها الكبرى أمام حتمية اعلاء شأنها فوق كل الاعتبارات. لعل تجربتَيْ الحكام الجدد في دمشق والكرد في الشمال الشرقي مدعوتان ليس الى تبادل التنازلات من أجل العيش المشترك فحسب، بل الى تبادل الخبرات ومزجها في تجربة جديدة تحتاج اليها سوريا للنجاح في رسم مستقبلها واستعادة قوّتها.
مع هذا الاتفاق يرتسم أمل جديد، للأكراد، لكن أيضاً لسوريا. ولم يكن ليكتمل معنىً ومغزىً من دون أن يلحظ “دعم الدولة في مكافحتها لفلول الأسد” وكل “التهديدات لأمن سوريا ووحدتها”، وأن يؤكد “رفض دعوات التقسيم وخطاب الكراهية ومحاولات بث الفتنة بين مكوّنات المجتمع السوري”. فهذان الإقراران ينطويان ضمناً على أن أولوية الجانب الكردي لم تعد الانفصال ولا الاستقلال عن سوريا، لكنه سيدافع عن كيانه الخاص في الاطار السوري، وهذا خيار مختلف عمّا كانت أطراف كردية تدعو اليه مثيرة شكوك السوريين في أن الكرد قد يشكلون قاطرة التقسيم، ولو أدّى ذلك الى تداعيات إقليمية قد لا تخدم مشروعهم. على العكس، يشير الاتفاق مع دمشق الى أن الكرد يرون مصلحتهم المستقبلية ضمن سوريا وفي مساهمتهم في سلامها واستقرارها. أما فلول الأسد فإن الطائفة العلوية لا تُختزل بهم، ولم تعد تعوّل عليهم، لكن من شأن المكوّنات الأخرى أن تبذل كل جهد للحوار مع العلويين الذين يحتاجون الى وقت للخروج من الحال التي رسّخهم فيها النظام ثم تخلّى عنهم.
سوريا 963
———————————
سنوات من التنسيق العميق: اتفاق دمشق – “قسد” لم يولد أمس/ ريزان حدو
تعود جذور اتفاق دمشق – “قسد” إلى أواخر العام 2019، مع انتهاء عملية “نبع السلام”. لكنّ الاتفاق اليوم يواجه تحديات وازنة.
تحديث 15 أذار 2025
بينما كانت الأنظار مشدودة إلى نيويورك وعواصم دول الاتحاد الأوروبي بانتظار قرارات مُحتملة تُترجم التصريحات الرافضة لحمام الدم في الساحل السوري، تكفّلت صورة ملتقطة لأحمد الشرع ومظلوم عبدي بإعادة لفت الأنظار إلى حيث يجب أن تكون: دمشق.
أظهرت الصورة الرجلين يوقّعان اتفاقًا لاندماج “قوات سوريا الديمقراطية” ضمن مؤسسات الجمهورية السورية، والتأكيد على وحدة الأراضي السورية ورفض التقسيم، ونشَرَتها المُعرفات الرسمية إلى جانب صور لنص الاتفاق، الذي تبدو خطوطه العريضة واضحة، برغم ضبابية بعض البنود.
جذور قديمة
ثمة حاجة هنا إلى تأريخ صحيح لانطلاق عملية الحوار بين “هيئة تحرير الشام”، و”قوات سوريا الديمقراطية”، ما قد يسهم في توضيح المشهد، واستشراف مآلات الاتفاق. وُضع حجر الأساس لهذا الاتفاق قبل سنوات، خلافًا لما تداولته بعض وسائل الإعلام من أن البداية كانت في 20 شباط/فبراير الماضي فحسب، أو 9 كانون الأول/ديسمبر، وفق وسائل إعلام أخرى.
تعود الجذور إلى أواخر العام 2019، مع انتهاء عملية “نبع السلام” التي أدّت إلى سيطرة تركيا عبر فصائل “الجيش الوطني” على منطقتي رأس العين وتل أبيض (ريف الحسكة) في استكمال لما بدأته تركيا في عمليتي “درع الفرات/ 2016″ و”غصن الزيتون/2018” في عفرين. لم تُشارك “هيئة تحرير الشام” في كل تلك العمليات، وبالتالي لم تحدث أي مواجهة بينها وبين “قسد”.
في أواخر 2019، أدى اتفاق أميركي – تركي إلى وقف “نبع السلام”، وكان من أهم بنوده غير المعلنة توحيد الشمال السوري من أقصى الشمال الشرقي حيث الولايات المتحدة (متزعمة حلف “الناتو”) وحلفاؤها في “قسد”، إلى أقصى الشمال الغربي حيث تركيا (العضو في “الناتو”) وحلفاؤها فصائل “الجيش الوطني”، و”هيئة تحرير الشام”، وفرض إدارة واحدة تكون مقبولة أميركيًا وتركيًّا.
كانت مهمة واشنطن في إقناع حليفتها “قسد” بسيطة قياسًا على مهمة أنقرة مع حلفائها، فـ”قسد” قوة عسكرية منظمة لها مرجعية واحدة تعمل بشكل مؤسساتي منضبط، بينما “الجيش الوطني” خليطٌ من فصائل غير منضبطة ولا منسجمة.
حاولت أنقرة بشتى الوسائل توحيد تلك الفصائل في جسم عسكري واحد، لكنّ محاولاتها باءت بفشل، يبدو أن من أبرز أسبابه هيمنة النزعة الفصائلية المدفوعة بمصالح شخصية لقيادات لا تتمتع بالكفاءة العسكرية والمسلكية. كان من منعكسات ذلك الفشل قيام تركيا باستنزاف بعض الفصائل ماديًّا ومعنويًّا عبر زجها في معارك خارج الحدود السورية (في ليبيا، وأذربيجان)، وهذا أسهم في سوء إضافي لسمعة تلك الفصائل، مع وصمة ارتزاق دامغة.
في المقابل، كانت “هيئة تحرير الشام” تُظهر براغماتية ومرونة لافتتين، ما جذب انتباه واشنطن ولندن اللتين سارعتا إلى فتح خطوط تواصل مع الهيئة. أثمر ذلك تنسيقًا استخباراتيًا بين “تحرير الشام” و”قسد”، بإشراف أميركي بريطاني، وأتاح تنفيذ عمليات استهداف دقيقة لقادة وعناصر من تنظيمي “داعش” و”القاعدة” في إدلب وريفها.
منذ ذلك الوقت استمرّت خطوط التواصل فعالة بين “الهيئة” و”قسد”، وانعكس تأثيرها بوضوح في مواقف عدة، أبرزها: رفض “الهيئة” للانتهاكات التي ارتكبتها فصائل الجيش الوطني بحق الكرد في عفرين، وقوبلت تلك المواقف بمطالبات شعبية كردية بدخول “الهيئة” إلى عفرين. ولا يفوتنا أيضًا التعاون الاقتصادي المهم، والتنسيق بين “قسد” و”الهيئة” في ملفي المحروقات والمحاصيل الزراعية على وجه الخصوص.
عوامل مستجدّة
قبل سقوط النظام السوري السابق بشهور، كان من المنتظر أن تُظهّر اتفاقات وتوافقات بين “تحرير الشام”، و”قسد”، تتعلق بالشمال السوري. لكن تسارع الأحداث في المنطقة منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر في غزة، وصولًا إلى السقوط المدوي للنظام السوري السابق أدى إلى حرق المراحل، وجعل الاتفاق شاملًا لكل سوريا، خصوصًا بعدما تربّعت “الهيئة” على رأس منظومة الإدارة الجديدة في دمشق.
من الواضح أيضًا أننا كنا على موعد مع حرق جديد للمراحل، تحت ضغط، أو بالاستفادة من المستجدات السوريّة والإقليمية في آنٍ واحد: من جهة أحمد الشرع يبدو جليًّا أن توقيت توقيع الاتفاق رسميًّا وإعلانه يرتبط بسعي إلى احتواء مضاعفات مجازر الساحل السوري، التي وضعت الشرع أمام أول اختبار حقيقي، خصوصًا مع ردود الفعل الدولية التي تجاوزت حدود الاستنكار إلى مُطالبات حازمة. ويبدو أن الرجل قد سارع بالفعل – كما نُصح – إلى محاولة تحويل التهديد إلى فرصة لإمرار الاتفاق الذي يُعاكس مصالح جزء غير قليل من الدائرة المحيطة به، لا سيما العسكرية.
أما من جهة عبدي، فيبدو أن الفرصة قد سنحت عقب رسالة زعيم “حزب العمال الكردستاني” عبد الله أوجلان، وحديثه عن مستقبل تركيا وعن حرصه على قوتها وأمنها باعتبارها وطنه، ورفضه نموذج الدولة القوميّة، بل حتى رفضه الفيدرالية أو الإدارة الذاتية.
كل هذا، قوّى موقف عبدي أمام شركائه في الإدارة الذاتية، وتحديدًا “حركة المجتمع الديمقراطي”، إذ استثمر رسالة اوجلان لتكون حجة إضافية يحاجج بها زملاءه الذين عادة هم من يعبرون عن آراء قنديل (قيادة “حزب العمال الكردستاني”). يُضاف إلى ذلك احتمال وجود تأثير كردي آخر عابر للحدود للدفع نحو الاتفاق، الذي يشابه في شكله ومضمونه أفكارًا طرحها رئيس “الحزب الديمقراطي الكردستاني” مسعود البارزاني، الذي يحظى بتقدير لدى الإدارة السورية الجديدة.
تحديات وازنة
يبقى أن تنفيذ أي اتفاق يفوق في أهميته التوقيع بأشواط، لا سيما أن تحديات عديدة وكبيرة تفرض نفسها، على رأسها التدخلات الخارجية المحتملة، خصوصًا أن هناك دولًا متضررة، ومنها من قد يعتبر توقيع الشرع على الاتفاق “طعنة غدر”، ما يعني أن الضغوط التي ستُمارس عليه لنسف الاتفاق لن تقل عن الضغوط التي ستُمارس على قائد “قسد” مظلوم عبدي. هذا ما يضع على الرجلين مسؤوليات كبيرة لتحصين اتفاقهما، خصوصًا عبر عدم اعتباره مجرد إجراء تكتيكي هدفه شراء الوقت لتخفيف الضغوط الدولية على الإدارة الجديدة، إثر الانتهاكات المروّعة في الساحل السوري.
أما العنصر الأهم في تحصين هذا الاتفاق، فهو حجم الترحيب الشعبي السوري الملحوظ، والاحتفاء الذي كان مؤهلًا ـــ لولا أنه سُبق بمجازر الساحل ـــ ليفوق الفرحة بسقوط النظام السوري.
هامش: بعد الإعلان عن توقيع الاتفاق بساعات وأثناء كتابة المقالة، نفّذ سلاح الجو التركي غارات وُصفت بالأعنف على مواقع “قسد” قرب سد تشرين في ريف حلب الشرقي، وأُمرت فصائل الجيش الوطني (العمشات، والحمزات، والمعتصم، والسلطان مراد) بإرسال تعزيزات إلى الجبهات.
أوان
————————–
====================

دوافع وكواليس الاتفاق بين “قسد” وحكومة الجمهورية العربية السورية مقالات وتحليلات تتحدث يوميا تحديث 14 أذار 2025
تحديث 14 أذار 2025
————————
اتفاق الشرع ـ عبدي: ما الذي يتبقى من معادلة «روج آفا»؟/ صبحي حديدي
تحديث 14 أذار 2025
أظهرت تقارير مصوّرة أنّ غالبية أبناء سوريا من الكرد والعرب ابتهجوا لتوقيع اتفاق بين الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع وقائد «قوات سوريا الديمقراطية ـ قسد» مظلوم عبدي، وللبهجة موجبات شتى بعيدة المدى يتوجب أن تعالج بعض (والأرجح: ليس كامل) جوانب المسألة الكردية في البلاد؛ وأخرى قريبة الأثر والجدوى، لجهة توقيت يأتي في أتون محاولة انقلاب قادها ما تبقى من فلول نظام «الحركة التصحيحية» وما يواصل البقاء من أفراد فصائليين وجهاديين توّاقين إلى تسعير ثارات طائفية عمياء، وما يقترن بهذَين الفريقين من نزوعات تعطش إلى إراقة الدماء والمجازر الوحشية.
ثمة إلى هذا، وتماشياً مع منطق سياسي أو انتهازي أو مصلحي أو قوموي أو عصبوي، فئات من الكرد والعرب (أقلية، حتى الساعة على الأقلّ) لم تبتهج بالاتفاق؛ لموجبات شتى بدورها، قد يبدأ بعضها من حسن النوايا والتشبث بما مثّلته تجربة «الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا ـ روج آفا» من معطيات جرى ترقيتها إلى سوية القيم العليا في الحكم والتعبير الديمقراطي لدى فئات «قسد» أو على العكس كانت حاضنة تسلط وتطهير إثني وانتهاكات حقوقية ونهب ثروات في ناظر شرائح من عرب المنطقة. بعض تلك الموجبات لا يعفّ القائلون بها عن التمترس خلف أوهام هذه أو تلك من درجات الاستقلال والفدرالية أو حتى صيغة غائمة هلامية من دويلة كردية لدى الكرد أوّلاً، مقابل التمسك بالهوية العربية أو التعددية الإثنية (في صفوف الأرمن والسريان والآشوريين، مثلاً) لدى فئات أخرى عربية أو غير كردية. ولا يصحّ، في كلّ حال، إغفال فئة رافضة على الجانبين وبمعزل عن الملابسات القومية أو الإثنية، لأنها إنما تولت شبكات فساد مالي واسعة، على امتداد مناطق «قسد».
في إطار هذا التشخيص، ومن دون انتفاء تشخيصات أخرى تأخذ ببعض هذه العناصر أو تستبعد بعضها الآخر أو تضيف إليها؛ في الوسع السجال بأنّ البنود 4 و5 و6 و7 من نصّ الاتفاق بين الشرع وعبدي ذات طبيعة إجرائية، وهي على أهميتها أقرب إلى تحصيل حاصل. ذلك لأنها تتناول دمج المؤسسات المدنية والعسكرية والمعابر الحدودية والمطار وحقول النفط والغاز؛ وتضمن عودة المهجرين إلى بلداتهم وقراهم، وتُلزم الدولة بحمايتهم؛ ومن باب الاستطراد، الهامّ مع ذلك، تضمّ «قسد» إلى جبهة السلطة الراهنة في مكافحة فلول الأسد؛ كما تشدد على رفض «دعوات التقسيم وخطاب الكراهية ومحاولات بثّ الفتنة بين كافة مكونات المجتمع السوري».
ليس من كبير جدال، أغلب الظنّ، في أنّ البند الأوّل (الذي يضمن «حقوق جميع السوريين في التمثيل والمشاركة في العملية السياسية وكافة مؤسسات الدولة بناء على الكفاءة بغض النظر عن خلفياتهم الدينية والعرقية») لا يخصّ المواطنين السوريين الكرد وحدهم، بل يشمل جميع أبناء سوريا. وأنه، تالياً، لا يُرضي «قسد» بصفتها التنظيمية التي تزعم التعددية الإثنية في صفوفها، فحسب؛ بل يُراضي حلفاءها السوريين، بعضهم أو جلّهم، ضمن توافق مضمَر على «حقوق» جبهات «روج آفا» السياسية والعسكرية المتعددة. صحيح، بالطبع، أنّ هذا البند، وبالأحرى نصّ الاتفاق كله، لا يقارب ارتباط «قسد» الوثيق مع الولايات المتحدة والتحالف الدولي (وهذا أحد العقابيل الكبرى المنتظَرة خلال أشهر التطبيق الفعلي، حتى نهاية العام الجاري 2025)؛ إلا أنّ وصول عبدي إلى دمشق على متن طائرة أمريكية، كما تردد، يجبّ قسطاً غير قليل من تغييب المقاربة تلك.
يبقى البند الثاني، وهو في تقدير هذه السطور الأهمّ من حيث ملاقاة حقوق الكرد ومظالمهم في ظلّ ما تعلنه إدارة الشرع من عزم على المواطنة المتساوية ودولة القانون، خاصة في ميادين دستورية جوهرية تتجاوز (بكثير، كما يِؤمل) الصيغة الرائجة حول إنصاف المكوّنات/ الأقليات. وهو، أيضاً، البند الأخطر في الجانب التطبيقي لأنه يفتح، على مصاريعها كافة، بوّابات المسألة الكردية في سوريا وإشكالياتها ومصاعب معالجة ملفاتها المعقدة؛ هذه التي قامت تاريخياً، ولعلها تظلّ قائمة اليوم في كثير أو قليل، على سرديتين متكرّرتين، متكاملتين على نحو جدلي، رغم تناقضهما في الشكل والمحتوى. في الأولى موجات متعاقبة من الاضطهاد الإثني والسياسي والثقافي، على يد أمم صغرى وأمم كبرى، إقليمية وكونية؛ وفي السردية الثانية، وقائع خيانة ذات طابع مزدوج، على يد الحلفاء أو الأصدقاء، وبأفعال قيادات سياسية كردية على مرّ تاريخ الكرد، والحديث منه خصوصاً.
على سبيل المثال، من حوليات حكم حزب البعث، في سنة 1963 كان الملازم محمد طلب هلال، الذي سيرتقي بعدئذ سلّم المناصب العليا سريعاً، قد رفع إلى قيادة الحزب دراسته الشهيرة التي اقترحت جملة إجراءات تستهدف «تذويب» الكرد في «البوتقة» العربية! تأسيساً على مقترحاته تلك، جرى تعريب أسماء عشرات القرى والبلدات الكردية، ومُنع الأكراد من تسجيل أطفالهم إذا اختاروا لهم أسماء كردية، كما مُنعوا من الطباعة باللغة الكردية، وسوى ذلك من الإجراءات التمييزية الفاضحة. وفي مطلع السبعينيات، عهد الأسد الأب، أقام النظام حزاماً عربياً بطول 375 كم وعمق يتراوح بين 10 – 15 كلم، على طول الحدود السورية التركية؛ جرى بموجبه ترحيل 120 ألف مواطن كردي من 332 قرية، وإحلال سكان عرب محلّهم بعد بناء قرى نموذجية لهم.
وعلى امتداد 54 سنة من سلطة «الحركة التصحيحية» كان بديهياً أنّ الأحزاب والقوى السياسية الكردية في سوريا جزء لا يتجزأ من حركة الأحزاب والقوى السورية التي رفعت شعار تغيير جوهري ديمقراطي في حياة البلاد. وكان بديهياً أيضاً أنّ بلوغ مرتبة أرقى في النضال من أجل تغيير نظام استبداد آل الأسد، سوف يشمل انتزاع المزيد من حقوق المواطن السوري، عربياً كان أم كردياً، بصرف النظر عن خلفيته الإثنية أو الدينية أو المذهبية. ولم تكن غالبية القوى الكردية غافلة عن هذه البديهيات، بل كانت تعرفها وتؤمن بها، وعلى أساسها تواجدت ونشطت في قلب الحراك الديمقراطي السوري، على اختلاف أشكاله وأزمنته.
بذلك فإنّ البند الثاني مُلزَم بمقاربة ما تتركه، أو تركته لتوّها، سرديات انتقاص حقوق الكرد في سوريا، ثمّ معادلة «روج آفا» التي إذا كانت لا تقلّ تعقيداً، فإنّ احتساب مستقبلها حافل بمصاعب بالغة التجذّر، ومزالق مركّبة الاستحقاق والضرورة. والأصل أنّ المعادلة تنهض على مرتكزات إيجابية خدمت سوريا جمعاء مثلما فعلت إزاء الكرد السوريين، وليست محاربة «داعش» ودحرها في مناطق عديدة سوى مظهر أوّل في هذا السجلّ؛ سوف يتفاعل، على نحو جدلي يقترن خلاله التمثيل السليم بالمصادرة القسرية، مع انتخابات خريف 2017، والتدابير الفدرالية المتعجلة والمصطنعة، وإشاعة مناخات «علمانية» وحقوقية بصدد مكانة المرأة بصفة ملحوظة، والتكريس (النظري، الشكلي، المتعجل هنا أيضاً) لمفهوم اللامركزية، وما إلى ذلك. السلبيات، في المقابل، لم تقتصر على علاقات ارتهانية لقيادات الـPKK في جبال قنديل فقط، بل جمعت التناقض الصارخ في التسليم لإدارة أمريكية تواصل تصنيف الـPKK كتنظيم إرهابي؛ ولم تتوقف عند أنساق استبداد صارخة، وممارسة التجنيد القسري، والتنكيل بمعارضين وصحافيين كرد وعرب، وتنصيب شخصيات عسكرية وسياسية تقود شبكات النهب والفساد.
وهكذا، لعلّ بعض نجاح، أو إخفاق، تنفيذ اتفاق الشرع ــ عبدي رهنٌ بما يتوجب الإبقاء عليه أو استبعاده من معادلة «روج آفا» التي عادت بمحاسنها وبمظانّها إلى خارطة اتحاد سوري مضطرد.
كاتب وباحث سوري يقيم في باريس
القدس العربي
————————————-
تركيا منزعجة وإسرائيل ضائعة: اليد الأميركية ترعى الشرع/ منير الربيع
الجمعة 2025/03/14
خفايا كثيرة لم تتوضح حتّى الآن حول اشتباكات الساحل السوري وخلفياتها. فإلى جانب الروايات العديدة التي أصبحت معروفة، تبقى هناك روايات أخرى، من بينها ما يرد عن دخول إيران بشكل مباشر على خطّ هذا الصراع، لأن طهران كانت قد علمت بمفاوضات جدية تقودها الولايات المتحدة الأميركية لإرساء تفاهم بين دمشق والأكراد، فجاءت معركة الساحل لقطع الطريق على أي مصالحة بين أحمد الشرع والفصائل الكردية. لكن ما يتضح أكثر هو حجم الاهتمام الأميركي بسوريا، والحفاظ على وضعية الشرع مع إعطائه فرص سياسية كثيرة. وما يمكن قوله باختصار، إن واشنطن هي التي وفرت كل مقومات الصمود للشرع، خصوصاً بعد معركة الساحل، وفي ظل المساعي المستمرة لإصلاح العلاقة مع الدروز.
غرفة عمليات
بالتزامن مع المعارك التي كانت قائمة في الساحل، كانت غرفة عمليات أميركية مهمتها مواكبة الملف السوري، تضغط في سبيل معالجة الكثير من الملفات العالقة، أولها معالجة العلاقة بين دمشق والأكراد، وبين دمشق والسويداء. وقد تركز العمل على خفض التصعيد بشكل نهائي بين دمشق وشمال شرق سوريا، بالإضافة إلى العمل على تهدئة الوضع في الساحل مع إعطاء هامش للشرع كي يحسم. شدد الأميركيون على ضرورة تجميد أي نشاط لبعض القوى العسكرية الموالية لتركيا، وخصوصاً “فرقة سليمان شاه” بقياد محمد الجاسم المعروف بلقب “أبو عمشة”. لا سيما أن الكثير من المجازر التي ارتكبت في الساحل السوري تتحمل مسؤوليتها هذه الفصائل، وخصوصاً “العمشات” و”الحمزات”. وقد اعتبر الأميركيون أن هذا سيؤدي إلى تفجير كل الواقع السوري، بالإضافة إلى إصرار الفرقتين على خوض المعارك ضد الفصائل الكردية ورفض الاتفاق. يتواصل الضغط الأميركي لإخراج هاتين الفرقتين من الساحل السوري بشكل كامل، وصولاً إلى العمل على حلّ الفصيلين. بينما في المقابل، هناك إصرار لدى الحمزة وأبو عمشة على البقاء في الساحل وعلى مواصلة القتال ضد الأكراد. وهذا يشير إلى إمكانية بروز توتر أميركي- تركي بسبب الاختلاف في المقاربات.
غطاء أوروبي
في الموازاة أيضاً، كانت هناك مفاوضات روسية سورية، أصبحت معروفة الآن بعد تصريح الشرع لوكالة رويترز حول التفاوض مع الروس على مسألة بقائهم في القواعد العسكرية في اللاذقية وطرطوس. هنا تتداخل الحسابات الجيوستراتيجية للدول على الساحة السورية. إذ أن الأوروبيين لا يعتبرون أن مصلحتهم تقتضي باستمرار السيطرة الروسية على الموانئ السورية. لذا، كانت هناك مواقف أوروبية واضحة تدعو الى الحفاظ على وحدة سوريا، ورفض حصول أي اهتزاز أمني أو عسكري. بدا ذلك وكأنه غطاء للشرع كي يحسم المعركة ويعيد السيطرة على الساحل. على الرغم من المواقف الأوروبية الواضحة التي كانت تشير إلى ضرورة حماية الأقليات ووقف ممارسة العنف، لكن الهم الأكبر هو عدم ترك روسيا هي المتحكمة بمنطقة الساحل، وتوفير الدعم للشرع كي لا يكون مضطراً للاستسلام إلى موسكو. هنا لا بد من التذكير بأن فرنسا تأخرت في إعلان الاعتراف بأحمد الشرع والترحيب بوصوله، بانتظار أن تضمن تجديد عقد شركة cma cgm في مرفأ طرطوس. وللمفارقة أنه في اليوم الذي جرى تجديد العقد صدر الترحيب الفرنسي على لسان الرئيس إمانويل ماكرون.
المصلحة الأميركية
على الرغم من هذه المواقف الأوروبية، تبقى هناك نقطة غير محسومة بالنسبة إلى الأوروبيين، وهي تتصل بالعلاقة الروسية الأميركية. إذ لم يتمكن الأوروبيون من تكوين تصور واضح حول حقيقة الموقف الأميركي من الوجود الروسي في سوريا. في المقابل، عمل الأميركيون على ممارسة ضغوط على إسرائيل لتخفيف حدة الضغط العسكري والسياسي على سوريا. فعلى الرغم من الالتقاء الأميركي الإسرائيلي استراتيجياً، هناك خلاف أساسي على طريقة إدارة الملف. ويعتبر الأميركيون أن ما يقوم به الإسرائيليون يهدد بتفجير المنطقة ككل على أساس طائفي أو عرقي أو قومي، وهو لا يصب في المصلحة الأميركية، وسط تركيز على حماية الاستقرار. لذلك، عملت واشنطن على تقديم مقترحين لمعالجة علاقة دمشق مع الأكراد ومع الدروز، مع توفير ضمانات أميركية للأكراد والدروز بعدم التعرض لهم من قبل دمشق، وتوفير كل الضمانات الأمنية لهم.
إصرار الأميركيين على تحقيق مصالحة دمشق مع الأكراد، يُعد مشكلة بالنسبة إلى تركيا، أو يندرج في سياق تضارب المصالح. أما إصرار الأميركيين على دعم الشرع ليتمكن من الحفاظ على السلطة في دمشق، مع ما يقتضيه ذلك من الوصول إلى اتفاق مع الأكراد، قد يُعد مشكلة بالنسبة إلى إسرائيل أيضاً، التي تقول منذ اليوم الأول إنها تسعى إلى تقسيم سوريا إلى مناطق نفوذ. كذلك، هناك استنفار تركي إسرائيلي. ففي الوقت الذي تسربت فيه أخبار عن نية أنقرة بناء قواعد عسكرية في البادية السورية، كانت إسرائيل تسرب مشروعها للدخول من الجنوب السوري باتجاه السويداء ومنها إلى البادية وصولاً إلى شمال شرق سوريا، أي فتح خط مباشر مع الأكراد.
هنا تزايدت الضغوط الأميركية، من أجل عدم انفجار الوضع السوري بشكل كامل. وفي موازاة كل التضارب في الحسابات، يواصل الشرع نشاطه السياسي المتصل بتكوين السلطة، من إطلاق الإعلان الدستوري، إلى البحث في تشكيل حكومة على الأرجح ستكون من 22 وزيراً. وهو سيضم إليها وزيراً كردياً، وآخر مسيحياً، مع إمكانية انضمام وزير درزي. وذلك يتوقف على توقيع الاتفاق النهائي مع الدروز في السويداء، وهم ينقسمون بين من يؤيد ويتحمس لتوقيع الاتفاق ومن لا يزال يتريث، فيما تتواصل المساعي الأميركية لإنجاز هذا التفاهم، والذي سيكون عبارة عن اعتماد مبدأ اللامركزية الموسعة، بما تتضمنه من احتفاظ كل منطقة بفصائلها وبنوع من اللامركزية الضرائبية أو المالية، بما يرضي هذه المكونات.
ما تريده إسرائيل
إسرائيل حتى الآن لا تبدو أنها تتمتع بقناعة واضحة أو برنامج لما تريده في سوريا، هناك ما يشير إلى ضياع إسرائيلي في كيفية التعاطي مع الملف السوري، وما إذا كانت تريد لسوريا أن تكون مستقرة على سلطة أساسية في دمشق مع توسيع هامش اللامركزية بالنسبة إلى المناطق الأخرى، على أن يكون ذلك مقابل دخول الشرع في مفاوضات سياسية أو ديبلوماسية معها، قد يكون الهدف منها الوصول إلى اتفاق. أم أن مصلحتها تقتضي بقاء حالة انعدام الاستقرار والصراعات الداخلية في سوريا، كي تشغلها عن التأثير في الساحات الأخرى.. أم نسج تفاهمات مع دمشق مقابل ضمان عدم التسبب بأي اهتزاز للاستقرار على الحدود مع إسرائيل، وبضمان ضبط الحدود اللبنانية، ومنع أي شكل من أشكال تهريب الأسلحة أو الأموال لحزب الله. أم أن إسرائيل تريد تكريس أمر واقع سياسي بالاستناد إلى ما حققته عسكرياً، من خلال عملية القضم العسكري والجغرافي، والاحتفاظ بما سيطرت عليه، أم أنها تريد الوصول إلى اتفاق سلام مع دمشق مع تخلي الأخيرة كلياً عن الجولان. بالنسبة إلى سوريا، فما تريده هو العودة إلى اتفاقية فض الاشتباك في العام 1974، ولا يريد الشرع الدخول في اتفاق سلام، ولا يريد التنازل عن الجولان.
تركيا وإيران
أما تركيا، فهي تعتبر نفسها متضررة من الاتفاق بين دمشق والأكراد، فهي لم تكن شريكة بما جرى، ولا تزال أنقرة تشدد على ضرورة حلّ الفصائل العسكرية الكردية، ولا توافق على اندماج هذه القوات ضمن التشكيلات السورية الجديدة. هذه التطورات، دفعت بوزير الخارجية التركي هاكان فيدان لإجراء زيارة إلى دمشق، لمناقشة كل الملفات. لكن بوادر عدم الاتفاق تظهر من خلال تراجع لدى “العمشات” و”الحمزات” عن الاستعداد لحل نفسيهما عسكرياً والانضواء ضمن التشكيلات السورية، علماً أن هذين الفصيلين يصران على مواصلة القتال ضد المجموعات الكردية.
إيران في هذه المعادلة، تبدو الطرف الأضعف والأكثر غياباً. فهي ربما أرادت استغلال أي فوضى في سوريا، من أجل إعادة فرض نفوذها وفتح طرق الإمداد العائدة لها. وهو ما حاولت التقاطع عليه مع روسيا من خلال أحداث الساحل. تلك الأحداث التي تعتبر دمشق أنها أجهضتها وقد حصلت على دعم دولي وعربي لذلك. حسابات إيران، سورياً، ولبنانياً، لا بد لها أن تنعكس على حسابات إسرائيل. فإن كانت تل أبيب تريد استمرار الفوضى في سوريا لتمرير مشروعها وتحقيق أهدافها، لا بد لها أن تنظر بعين أخرى إلى أن طهران وحدها الجاهزة للاستثمار في هذه الفوضى وإعادة ترتيب مشروعها. في دمشق، ثمة من يقول إن الحسم في ذلك سيكون بيد الأميركيين وما يتوصلون إليه مع إيران، إما تصعيداً أو تفاهماً. ولكن على الرغم من كل التحديات والمخاطر، يبقى المسؤولون في دمشق يعبرون عن ارتياحهم لمسار الأمور، وللموقف الأميركي.
المدن
—————————
الاتفاق بين الحكومة السورية و(قسد).. تحديات التنفيذ وآفاق المستقبل
نشر في 14 آذار/مارس ,2025
تُشكل الاتفاقات السياسية والعسكرية بين الفاعلين المحليين نقطة تحوّل رئيسية في تحديد ملامح مستقبل الدول الخارجة من الأزمات، لذلك يُعدّ الاتفاق بين الحكومة السورية وقوات سوريا الديمقراطية (قسد) في الحالة السورية أحد أبرز التحولات التي قد تعيد رسم الخارطة السياسية والأمنية فيها.
ففي ضوء الاجتماع الذي جمع الرئيس أحمد الشرع والقائد العام لـ (قسد) مظلوم عبدي، في 10 آذار/ مارس 2025، تم التوصل إلى اتفاق وصفه البعض بالتاريخي، حيث حمل دلالات سياسية وأمنية واقتصادية مهمة، وعكس تحولًا في طبيعة العلاقة بين الحكومة السورية الجديدة و(قسد).
يهدف تقدير الموقف هذا إلى تحليل بنود هذا الاتفاق من منظور سياسي، عسكري، واقتصادي، مع تقييم انعكاساته داخل سورية، وتأثيره على الفاعلين بها، والتحديات التي قد تواجهه، ويقدّم السيناريوهات المتوقعة.
أولًا: تحليل نص الاتفاق بين الحكومة السورية و(قسد):
قبل البدء بتحليل النص المعلن من الاتفاق، من المهم تحديد أهداف كل طرف من المفاوضات والاتفاق، فالحكومة السورية الجديدة تريد تثبيت سيطرتها على كامل سورية، وفرض سيادتها على المعابر الحدودية وآبار النفط ومؤسسات الدولة في الجزيرة السورية. أما (قسد) فترغب في حماية مكتسباتها، والاندماج مع الدولة السورية، مع ضمان حقوقها، وضمان الاعتراف بها كممثل للأكراد، وتمثيلها في المؤسسات السياسية والدستورية، وتجنّب مواجهة عسكرية مع تركيا، أو المخاطر الناجمة عن احتمال تخلي الولايات المتحدة عنها.
وقد حصلت مجموعة من التطورات مهّدت لهذا الاتفاق، منها إعلان عبد الله أوجلان زعيم حزب العمال الكردستاني ((PKK الاتفاقَ مع تركيا، ومنها التصريحات الأميركية بالرغبة في الانسحاب من سورية، وخشية (قسد) من آثار هذا الانسحاب في حال عدم إنضاج اتفاق، ومنها الضغوط التي مارستها تركيا على (قسد)، وأحداث الساحل السوري والضجّة الدولية التي أثيرت حول السلطة الجديدة في سورية دفعتها للمرونة من أجل إنجاز اتفاق هو الرد المناسب في تلك الأوقات على أحداث الساحل وآثاره.
ويمكن تحليل الاتفاق وفق الأبعاد التالية:
ضمان التمثيل العادل في العملية السياسية:
ينصّ البند الأول على حق جميع السوريين في المشاركة السياسية ومؤسسات الدولة على أساس الكفاءة، دون تمييز ديني أو عرقي، ويعكس هذا الالتزام توجّه الحكومة السورية الجديدة نحو بناء نظام حكم أوسع تمثيلًا، وهذا البند يطمئن (قسد) بأنهم سيكونون جزءًا فاعلًا من المشهد السياسي السوري.
الاعتراف بالأكراد كمكون أصيل:
البند الثاني ينصّ أنّ المجتمع الكردي جزءٌ أصيل من الدولة السورية، ويضمن له حقوق المواطنة الكاملة، هذا النص يعالج إشكالية قانونية وسياسية تعود إلى عقود، وإقرار الدولة بهذه الحقوق يعني تبني مقاربة جديدة تعترف بالتعددية القومية، ولكن دون منح امتيازات خاصة، مما يجعل هذا الاعترافَ متوافقًا مع المبادئ الوطنية للدولة الموحدة.
3- رفض التقسيم وخطاب الكراهية:
ينصّ البند السابع على رفض التقسيم وخطاب الكراهية، وهذا البند يوجّه رسالة واضحة إلى الأطراف الداخلية والخارجية التي تحاول استغلال الانقسامات العرقية والطائفية لإدامة الصراع، وهو أيضًا تأكيد على وحدة الدولة، وعدم السماح بتحويل سورية إلى كيانات منفصلة ذات طابع إثني أو طائفي.
4- وقف إطلاق النار على كافة الأراضي السورية:
يعتبر وقف إطلاق النار الشامل أحد أهم البنود، حيث يضع حدًا للمعارك الميدانية، ويفتح المجال أمام حلول سياسية أكثر استقرارًا، وهذا البند قد يعزز إمكانية بناء جيش وطني موحّد بعيدًا عن الولاءات الفصائلية، ويمنح الدولة فرصة للتركيز على التحديات الأمنية الداخلية والخارجية.
5- دمج المؤسسات العسكرية والمدنية التابعة لـ (قسد) في هيكلية الدولة السورية:
يعد هذا البند من أكثر النقاط حساسية، حيث ينص على دمج كافة المؤسسات المدنية والعسكرية في شمال شرق سورية ضمن إدارة الدولة السورية، بما في ذلك المعابر الحدودية والمطارات وحقول النفط والغاز.
6- دعم الحكومة في محاربة “فلول نظام الأسد” وكافة التهديدات الأمنية:
يمثل هذا البند تحولًا في موقف (قسد)، حيث تلتزم بدعم الحكومة السورية في محاربة الفلول التابعة للنظام السابق وأي تهديدات أخرى.
7- ضمان عودة المهجرين السوريين إلى بلداتهم وقراهم:
وهي من أعقد الأزمات الناتجة عن الحرب، وتعني تهيئة الظروف لعودة اللاجئين والنازحين والذين تم تهجيرهم قسريًا، وهذا البند يوجه رسالة طمأنة للاجئين والنازحين، ويضمن لهم العودة إلى ديارهم دون مخاوف من عمليات انتقامية أو اضطهاد.
8- تشكيل لجان تنفيذية لضمان التطبيق الكامل للاتفاق بنهاية 2025:
يُلزم الاتفاق اللجان التنفيذية بإنهاء تنفيذ بنوده قبل نهاية العام الجاري، وهذا يُجبر الأطراف على اتخاذ خطوات عملية فورًا.
وتستعيد الحكومة في حال تطبيقه السيطرة على مايقارب من ثلث الأراضي السورية، حيث يعزز ذلك موقفها داخليًا وخارجيًا، وبالمجمل فالمعلن من الاتفاق يعدّ مكسبًا للحكومة الجديدة، إذ عزز موقفها، ونفوذها، وبالمقابل ستخسر (قسد) وضعها كسلطة أمر واقع، وتصبح جزءًا من الدولة، لكنها بالمقابل تكسب نفوذًا سياسيًا في العملية السياسية وفي الخطوات اللاحقة في المرحلة الانتقالية في سورية.
ثانيًا: المواقف الإقليمية والدولية من الاتفاق:
رحّبت تركيا بالاتفاق، لكونه يمثّل مكسبًا لها، حيث يحدّ من نفوذ حزب العمال الكردستاني (PKK) في سورية، من خلال انتشار قوات الحكومة الجديدة في تلك المناطق، وكانت تركيا تُهدد سابقًا بالقضاء على هذا الخطر الذي تعتبره تهديدًا لأمنها القومي عبر عملية عسكرية هناك، ومن ثم فإن الاتفاق يُسهم في الحد من مخاوفها الأمنية، خاصة إذا تم تطبيقه بشكل تام.
موقف الولايات المتحدة الأميركية كان إيجابيًا، حيث كانت أحد الوسطاء بين الطرفين، ولم يكن الاتفاق ليحصل لولا موافقة أميركية عليه، حيث يضمن الاتفاق الاستقرار في تلك المنطقة، واستمرار محاربة تنظيم (داعش)، وحل مسألة إدارة سجون التنظيم، فضلًا عن أن الحل يحمي حلفاءها الأكراد، ويوفر لها خيارًا للخروج المشرف، في حال قررت الانسحاب من سورية، والرئيس ترامب يريد الاستقرار في سورية ووضع حدًا للنفوذ الإيراني بها.
أما روسيا، فهي تتعامل ببراغماتية مع الملفّ السوري، وتركز على حفظ مصالحها الاستراتيجية، لا سيما الحفاظ على القواعد العسكرية الروسية في الساحل السوري، ومن غير المتوقع أن تعترض على الاتفاق، لكنها ستراقب تنفيذ بنوده، لضمان عدم المساس بمصالحها، فهناك ترحيب دولي عام بأي اتفاق يضمن وقف إطلاق النار، ويمنع حدوث أزمة لاجئين جديدة.
معظم الدول العربية رحّبت بالاتفاق، وخاصة السعودية التي ربما ساهمت فيه، من خلال علاقاتها بالطرفين، ويُنظر إلى هذا الاتفاق على أنه خطوة نحو تحقيق الاستقرار، وهو ما يتماشى مع التوجهات العربية لاستقرار سورية.
وتُعدّ إيران الخاسر الأكبر من هذا الاتفاق، حيث بدا أن الاتفاق تم بتوافق أميركي-تركي، ويستهدف نفوذها في سورية بشكل أساسي، ويدعم موقف الحكومة السورية الجديدة، فهذا الاتفاق يحدّ من قدرتها على التأثير في شمال شرق سورية، والحكومة السورية الجديدة لن تسمح بوجود تشكيلات مسلحة موالية لطهران على أراضيها، بالفعل، تم شنّ حملة صارمة على الميليشيات العلوية الموالية للأسد في الساحل، مما يقطع أحد أذرع إيران العسكرية داخل سورية.
أما إسرائيل، فإنها لم تعلن موقفًا رسميًا من الاتفاق، لكنها تتابعه بحذر، وقد يكون موقفها إيجابيًا منه لأنه يحد من نفوذ إيران، لكن ستظلّ إسرائيل متخوفة من أي ترتيبات قد تقوي الحكومة السورية الجديدة، إذ تفضل بقاء سورية ضعيفة ومجزأة، لضمان عدم تشكل تهديد عسكري مستقبلي. لذلك، قد تعمل إسرائيل على مراقبة تطورات الاتفاق عن كثب، وربما تسعى إلى التأثير فيه بشكل غير مباشر عبر علاقاتها مع الفاعلين.
ثالثًا: انعكاسات الاتفاق على الوضع السوري
كانت قيادة (قسد) تسعى للانضمام ككتلة واحدة أو فيلق خاص ضمن الجيش السوري الجديد، يحتفظ ببعض الاستقلالية، وفي حال تنفيذ الاتفاق يبدو أنها قبلت في النهاية بالاندماج الفردي تحت قيادة وزارة الدفاع السورية، كما يُفهم من نص الاتفاق، أما العناصر غير المرغوب في بقائهم، لأسباب أمنية أو سياسية، وخاصة المتهمين بالارتباط بحزب العمال الكردستاني (PKK)، فربما يُمنحون خيار مغادرة سورية أو اعتزال العمل العسكري، واستيعاب العناصر المقبولين بشكل طبيعي، ويُخصص عددٌ منهم لحفظ الأمن في المحافظات الشرقية تحت قيادة مركزية، وستنتقل كل المواقع العسكرية الحساسة، بما فيها المقار والقواعد والمطارات التي كانت تحت سيطرة (قسد) إلى إدارة الجيش السوري، كما ورد في نصوص الاتفاق، وسيتم تشكيل لجان تنفيذية مشتركة للإشراف على عملية الدمج، بما يشمل تسوية أوضاع المقاتلين وتحديد رتبهم وأدوارهم الجديدة، ومن المتوقع أن يحصل بعض قادة (قسد) البارزين على مناصب في المؤسسة العسكرية أو الأمنية السورية، لضمان استمرار التنسيق وطمأنة المقاتلين السابقين، وربما ينضم مظلوم عبدي إلى مجلس الدفاع أو يتولّى موقعًا استشاريًا.
مسؤولية مكافحة تنظيم (داعش) يبدو أنها ستنتقل إلى مهمة وطنية مشتركة، في حال تنفيذ الاتفاق، حيث ستعمل (قسد) حتى اندماجها الكامل (بصفتها جزءًا من الجيش السوري) بالتنسيق مع أجهزة الاستخبارات السورية لتعقب خلايا (داعش)، وستتولى الدولة أو جيش سورية الحرة، كما تم التداول، إدارة سجون (داعش) الحساسة، مثل مخيمي الهول وروج، مما قد يسرّع معالجة ملف المحتجزين عبر المحاكمات أو تسليم الأجانب إلى دولهم.
تُركز الحكومة الجديدة جهودها العسكرية، في حال تطبيق الاتفاق، على القضاء على الجيوب الموالية للنظام السابق في الساحل التي شنت تمردًا مسلحًا، ودخول (قسد) على خط دعم الحكومة ضدهم يمنحها دفعة كبيرة، وسيسمح الاتفاق بإعادة نشر القوات العسكرية بشكل أكثر فعالية؛ حيث يمكن تحويل القوات التي كانت متمركزة على خطوط التماس مع (قسد) إلى مهام أخرى، مثل حماية الحدود أو مكافحة (داعش).
أما بالنسبة للتحالف الدولي، فقد تستمر الولايات المتحدة في تقديم دعم استخباري أو غطاء جوي عند الضرورة لملاحقة (داعش)، لكن هذه العمليات ستتم الآن بالتنسيق مع دمشق، وربما مع أنقرة، بدلًا من (قسد) بشكل مستقل.
يمثل الاتفاق في حال تطبيقه نقلة مهمة ستنعكس على الاقتصاد السوري بما يتوفر في تلك المناطق من ثروات، وعودتها للدولة، وهذا سيدعم خزينة الدولة شبه الفارغة، أو على الأقل سد الاحتياج المحلي من المواد النفطية، وكذلك فتح تلك المناطق على المناطق السورية الأخرى سيُعزز الحركة التجارية ويخلق فرص عمل، ويساهم في تحسين الخدمات والمستوى المعيشي للسكان، وخاصة مشاريع الكهرباء والمياه، كذلك سينعكس على إعادة الاعمار، فوحدة سورية واستقرارها ستساهم في جذب رؤوس الأموال للاستثمارات، وستشجع الدول على البدء بمشاريع إعادة الاعمار، فوجود حكومة مركزية يعتبر عاملًا دافعًا للاستثمار وللدعم.
سيؤدي الاتفاق في حال تطبيقه إلى عودة كثير من النازحين واللاجئين إلى مناطقهم الأصلية، وخاصة إلى منطقة عفرين والشيوخ وغيرها.
يُعيد هذا الاتفاق في حال تطبيقه خلط الأوراق بالنسبة للقوات الأجنبية المنتشرة في سورية، حيث إن دمج (قسد) ضمن الجيش السوري يضع واشنطن أمام واقع جديد، فعلى الرغم من أن الولايات المتحدة رحبت بالاتفاق، لكونه يحافظ على استقرار الشمال الشرقي ويضمن استمرار مكافحة (داعش)، فإنها فقدت مبررات وجودها الميداني وخاصة في حال النجاح في محاربة تنظيم (داعش). ومن المتوقع أن تبدأ واشنطن سحبًا تدريجيًا لقواتها من سورية بالتنسيق مع الحكومة الجديدة، مع احتمال الإبقاء على وجود في قاعدة التنف لملاحقة فلول (داعش). وبالنسبة إلى تركيا كانت تُبرر تدخلها العسكري في شمال سورية بمحاربة (قسد)، لكن مع زوال كيان (قسد) المستقل وإخراج عناصر PKK، قد تُخفف تركيا من وجودها العسكري المباشر أو تعيد نشره. وتشير بعض التقارير إلى تفاهم غير مُعلن بين أنقرة وواشنطن، يقضي بتولّي تركيا مسؤولية تأمين الدعم الجوي في عموم الأجواء السورية، بالتنسيق مع الحكومة الجديدة، مما قد يكون امتدادًا لاتفاقية أضنة الأمنية بحلة جديدة. بشكل عام، يُؤدي هذا الاتفاق إلى تقليل الذرائع للوجود الأجنبي في سورية، وستجد القوى الخارجية مبررات أقل للبقاء عسكريًا، ومن المتوقع أن تبدأ تفاهمات دولية خلال الفترة المقبلة لإخراج جميع القوات الأجنبية تدريجيًا، باستثناء من سترحب بهم دمشق ضمن اتفاقات ثنائية جديدة.
هناك حديث عن تشكيل لجان مشتركة للإشراف على تطبيق الاتفاق، ما يمنحه صفة الخطوة الملموسة نحو سلام مستدام، ويحمل الاتفاق بوادر تغيير جوهري في شكل الدولة السورية المقبلة، إذ يتضمن اعترافًا رسميًا بحقوق الأكراد في الدستور الجديد، وإقرارًا بخصوصية مجتمعهم ضمن الدولة السورية، وهذا يعكس توجهًا لبناء نظام حكم أكثر شمولًا وتعددية، ومن المتوقع أن ينخرط ممثلو (قسد) في عملية صياغة أو تعديل الدستور، لضمان تضمين بنود تعزز التنوع القومي والثقافي، وتعزز اللامركزية الإدارية.
يضمن الاتفاق أيضًا تمثيل جميع السوريين في العملية السياسية ومؤسسات الدولة على أساس الكفاءة، دون تمييز قومي أو ديني.
يعزز الاتفاق شرعية الحكومة الجديدة، خاصة إذا دعت إلى مؤتمر حوار وطني شامل جديد، يضم جميع الأطياف السورية، لضمان شراكة حقيقية في بناء مستقبل البلاد، والاتفاق يُوجه رسالة إلى المجتمع الدولي بأن سورية الجديدة تتبنى نهج المصالحة والشراكة الوطنية.
رابعًا: التحديات التي تواجه تطبيق الاتفاق
يواجه الاتفاق مجموعة من التحديات التي قد تعوق تنفيذه أو تؤثر في استقراره على المدى الطويل، حيث إنه لا تزال العديد من التفاصيل المتعلقة بالاتفاق وآليات تطبيقه والإشراف عليه غير واضحة، وسط تضارب في تفسير بنوده بين الأطراف المختلفة، لا سيّما ما يخص الحقوق الكردية، والإعلان الدستوري المؤقت الصادر في 13 آذار/ مارس 2025 أثار انتقادات من مجلس سوريا الديمقراطية (مسد)، مما يطرح تساؤلات حول مدى توافق الاتفاق مع تطلعات المكون الكردي ودوره المستقبلي في سورية.
والاندماج الكامل لعناصر (قسد) ضمن الهيكل العسكري الجديد يمثل تحديًا رئيسيًا، إذ إن بعض الفصائل قد ترفض تسليم سلاحها، ما قد يؤدي إلى توترات داخل (قسد) نفسها أو مع فصائل المعارضة الأخرى. وفيما يتعلق بإدارة سجون تنظيم (داعش)، فإن الغموض حول خطط نقل المعتقلين أو تحديد الجهة المسؤولة عن احتجازهم قد يخلق مشكلات أمنية، خاصة إذا لم تكن هناك آليات واضحة وفعالة لتنفيذ هذه العملية.
ويبقى مصير المقاتلين الأجانب داخل (قسد) غير محسوم حتى الآن، حيث يضمّ التنظيم متطوعين غربيين يساريين، قاتلوا ضد (داعش)، إضافة إلى عناصر من حزب العمال الكردستاني (PKK) وأكراد إيرانيين من حزب الحياة الحرة الكردستاني (PJAK)، فضلًا عن مقاتلين عراقيين وعناصر أخرى. قد يُسمح لبعض هؤلاء بالمغادرة، بينما قد يواجه آخرون الاعتقال أو الترحيل، لا سيّما الأتراك الذين تعتبرهم أنقرة تهديدًا أمنيًا.
ومصير القواعد العسكرية الأجنبية، وخاصة الأميركية، في المنطقة يظل موضع تساؤل، فهل سيتم تقليص وجودها أم ستظل قائمة لضمان الاستقرار؟ في هذا السياق، يبدو أن إسرائيل، التي لطالما دعمت (قسد)، قد تستمر في موقفها وحثّ الولايات المتحدة على عدم الانسحاب.
من جهة أخرى، يعكس الاختلاف العقائدي والأيديولوجي بين مقاتلي (قسد) ومقاتلي الفصائل التي تشكل الكتلة الصلبة لوزارة الدفاع المستقبلية أحد أبرز التحديات، إذ قد يؤثر هذا التباين في تماسك الهيكل العسكري الجديد، وآلية استيعاب قوات (قسد) عمليًا تبقى مسألة غامضة، حيث لم تُحدَّد بعد كيفية التعامل مع جميع العناصر، وبطء عملية سحب الامتيازات من الإدارة الذاتية، أو تردد بعض عناصر (قسد) في تسليم السلاح، قد يؤدي إلى خلق توترات محلية. وفي حال لاحظت تركيا أي مماطلة في إبعاد عناصر PKK، فقد تزيد من ضغوطها، وربما تشن ضربات جوية محدودة على مواقع تراها تهديدًا لأمنها.
في ظل هذه الظروف، قد يستغل تنظيم (داعش) مرحلة الانتقال لتنفيذ هجمات تستهدف زعزعة الأمن في المنطقة، وقد تسعى إيران إلى التنسيق مع بعض الرافضين للاتفاق داخل (قسد) لعرقلته، وعلى المستوى السياسي، تبرز إشكالية قبول بقية الأطراف الكردية بتمثيل (قسد) للمكون الكردي، وأخذ حصتهم في المؤسسات المركزية، وهو الأمر الذي ينطبق كذلك على بقية المكونات في الجزيرة السورية.
مع ذلك، فإن نجاح هذا الاتفاق يعتمد على عوامل رئيسية عدة منها:
التزام الطرفين بتنفيذ البنود المتفق عليها، خصوصًا ما يتعلق بدمج (قسد) وإدارة الموارد الاقتصادية.
تجنب محاولات إفساد الاتفاق من قبل الميليشيات الإيرانية أو بقايا النظام السابق وبعض الأطراف الكردية ضمن (قسد) أو خارجها وغيرهم.
تحقيق توازن بين سلطة الحكومة المركزية والحقوق المحلية للأكراد، بحيث لا يشعر أي طرف بأنه خسر مكتسباته.
قدرة الحكومة السورية الجديدة على توفير الضمانات الكافية لطمأنة جميع المكونات بأن هذا الاتفاق لن يكون مجرد أداة مرحلية بل قاعدة دائمة للسلام والاستقرار.
تطوير آليات لضمان اندماج القادة العسكريين السابقين لـ (قسد) ضمن المنظومة القيادية للجيش السوري دون حساسيات، واستمرار التعاون بين دمشق و(قسد) يتطلب تعزيز الثقة، من خلال خطوات ملموسة، مثل إدماج شخصيات كردية في مواقع قيادية داخل وزارة الدفاع والأجهزة الأمنية، أو تطوير نظام لامركزي أمني يسمح للإدارات المحلية في المناطق الكردية بإدارة شؤون الأمن الداخلي بالتنسيق مع وزارة الداخلية.
خامسًا: السيناريوهات المحتملة لمستقبل الاتفاق
السيناريو الأول: تطبيق الاتفاق
يتمثل في تطبيق الاتفاق ونجاحه وتحوّله إلى جزءٍ من بنية الدولة، بحيث تُدمج كوادر (قسد) في الجيش والإدارة بسلاسة، ويشارك القادة الأكراد في المؤسسات الدستورية والمجالس المحلية، مما يُرسّخ نموذج تعايش جديد بين مختلف المكونات السورية، بالمقابل تعود سيطرة الحكومة على كل منطقة الجزيرة السورية، وتبدأ عملية إعادة إعمار وتنمية، ويتم الاتفاق على مصير سجون (داعش) والمقاتلين الأجانب، إذا تحقق هذا السيناريو، فقد يصبح تجربة ناجحة لحل المسائل القومية عبر الحوار، بدلًا من الصراعات المسلحة.
السيناريو الثاني: انهيار الاتفاق
وهو السيناريو الأسوأ، أي انهيار الاتفاق نتيجة تدخلات خارجية أو عدم التزام أحد الطرفين بتعهداته، وهنا تعود المواجهات العسكرية، وتستمر تركيا في التهديد بالعملية العسكرية أو تقوم بها، ويعود التدخل الإقليمي بالشأن السوري ودعم أحد الطرفين، وخاصة من قِبل إيران. والموقف الأميركي هو الحاسم في حال حدوث هذا السيناريو.
السيناريو الثالث: تنفيذ جزئي مع توترات
وفيه يتم تنفيذ الاتفاق ببطء، مع استمرار الخلافات حول بعض القضايا، ومنها المناصب وتوزيع السلطات ودمج القوات، وتبقى مناطق الجزيرة جزئيًا أو كليًا تحت هيمنة (قسد)، وتعلق بعض المسائل لحين الوصول لاتفاق، وتلعب تركيا وأميركا دورًا كبيرًا في هذه الحالة.
سادسًا: خاتمة
الاتفاق هو إطار عام ومبادئ، وربما يتم تطبيقه على مراحل (خطوة بخطوة)، ولن يتم تسليم الإدارة بشكل مباشر في المناطق التي تسيطر عليها (قسد) للحكومة السورية، لكنه يُمثل خطوة مهمّة نحو توحيد سورية مجددًا، ونجاح الاتفاق سيحدد شكل سورية المستقبلية كدولة موحدة، متعددة المكونات، وقادرة على تجاوز الصراع والانقسامات، وقد ينجح هذا الاتفاق في تجاوز عقبات كبرى، وإتاحة فرصة لإعادة توحيد البلاد سياسيًا وعسكريًا. ومع ذلك، فإن استمراره مرهون بمدى التزام الطرفين بتنفيذ بنوده بحسن نية، وتجنب الضغوط الخارجية التي قد تحاول إفشاله.
إذا تم تعزيز الاتفاق بإجراءات بناء ثقة مستمرة، فقد يتحول هذا الاتفاق إلى نموذج استقرار طويل الأمد. أما إذا حدث تراجع في التنفيذ، أو تكررت الأخطاء السابقة في إدارة العلاقة بين المكونات السورية، فقد يواجه تحديات كبيرة تهدد استمراريته، أما إذا تعثر، فقد يكون حلقة جديدة في سلسلة المحاولات الفاشلة التي لم تحقق سوى مزيد من الفوضى والانقسامات.
مركز حرمون
————————–
جدلية الأمن والسياسة في سورية/ حسين عبد العزيز
14 مارس 2025
أن تشنّ عصاباتٌ من فلول النظام البائد هجوماً عسكرياً مباغتاً في الساحل السوري على قوات الأمن والجيش فهذا ليس مفاجئاً من مجموعة ما تزال ترتبط أيديولوجياً ونفسياً وطائفياً بنظام الأسد، ولها مصلحة مباشرة بإسقاط نظام الحكم الجديد. وأن تخرج في السويداء مظاهراتٌ مندّدة بسياسات الإدارة الجديدة، تنتهي بإنزال العلم السوري، ورفع الراية الدرزية في محلّه، لم يكن مفاجئاً، إذ تصرّفت بعض فئات اجتماعية، منذ بداية الثورة السورية عام 2011، على أساس هُويَّاتي ضيّق. غير أنه لم يقتصر على أقلّيات، بل برز ايضاً بين الأكثرية، والمقصود هنا رجالات الأمن والجيش الجديد من الطائفة السنّية، الذين ارتكبوا إعداماتٍ ميدانيةً في الشوارع لأشخاص عزّل مدنيين.
ليس مهمّاً من الناحية المعرفية التساؤل ما إذا كانت الأقلّيات ما تزال تفكّر وتعمل على أساس هُويَّاتي، خصوصاً في اللحظات التاريخية الفارقة، حين يكون الاجتماع السياسي مهدّداً، أو مضطرباً وغير واضح المعالم، بل إن التساؤل عن أسباب سلوك الأقلّيات مسلكاً هُويّاتياً يغدو عبثياً لا قيمة معرفية له، في ظلّ مجتمع ودولة قاما (عقوداً خلت) على أساس عمودي، لا مواطنة فيه. يكون السؤال معرفياً حين يُطرح على الشكل التالي: ما هي الأسباب التي دفعت علويين في الشمال الغربي من سورية إلى البدء بعمليات عسكرية، بعد ثلاثة أشهر من سقوط نظام الأسد، وتشكّل إدارة حكم جديد؟… وهو سؤال ينطبق أيضاً على مناطق درزية؟ وربّما لاحقاً على كردية؟… لا تكفي الإجابة عن هذا السؤال اعتماداً على تباين الهُويَّة الاجتماعية: طوائف منفتحة ومتحرّرة اجتماعياً في مقابل منظومة حكم إسلامية منغلقة اجتماعياً يمكن أن تفرض رؤيتها على الجميع. كما لا تكفي الإجابة اعتماداً على التنافر الهُويَّاتي والأيديولوجي أيضاً بين الطرفَين، فمن نافلة الفعل الطبيعي أن تُعبّر الأطراف عملياً عن رؤيتها، محمولة بحمولات سياسية أو اجتماعية أو طائفية.
السؤال المهم: ما الذي دفع فلول النظام إلى الانتقال من حالة القوة إلى حالة الفعل، وما الذي دفع دروزاً إلى رفع علمهم الخاصّ بدلاً من العلم السوري؟… هنا جوهر المسألة، فالنزعات الذاتية المحكومة بأيديولوجيات ورغبات نفسية ومشاعر طائفية موجودٌ دائماً ولا تختفي بسهولة، لكنّها، وإن كانت شرطاً للتحرّك والفعل، فإنها ليست سبباً مباشراً لذلك. لقد كان للسلوكات الفردية للعناصر الأمنية والعسكرية في الإدارة الجديدة، من جهة، وغياب آلية حوار سياسي مع قيادات المكوّنات الاجتماعية السورية، خصوصاً مع أبناء الطائفة العلوية، من جهة أخرى، دورٌ رئيسٌ في استمرار المخاوف لدى الأقلّيات.
كشفت الأشهر الثلاثة الماضية من حكم الإدارة الجديدة افتقادهم فهماً للعلاقة الجدلية بين الأمن والسياسة، خصوصاً في المراحل الخطيرة أو الانتقالية. تعامل الحكام الجدد في الملفّين الأمني والسياسي من منظار أحادي الجانب. صحيحٌ أن سيطرتهم على الحكم جاءت بأقلّ التكاليف الدموية، وصحيحٌ أنهم أعلنوا من اليوم الأول انفتاحهم على جميع المكوّنات السورية باعتبار أفرادها مواطنين سوريّين، وصحيحٌ أنهم أعلنوا أنهم لن يتعرّضوا إلا لمجرمي النظام السابق، إلا أن بناء الدول لا يقوم على التطمينات والخطابات السياسية العامّة.
في الملفّ الأمني، تعاملت السلطة الجديدة وفق حكمٍ شديد المركزية، فأعلنت أن جميع المليشيات يجب أن تحلّ نفسها وتنخرط في الجيش الجديد أفراداً لا مجموعاتٍ، وليس مقبولاً بقاؤها على هذا النحو. وعلى الرغم من صحّة الدعوة نظرياً (إذ هكذا تُبنى الجيوش الحديثة على أساسٍ فرديٍّ لا على أساس مكوّنات اجتماعية لها صبغة هُويَّاتية معيّنة)، لكن الواقع السوري المتمثّل بوجود قوىً عسكريةٍ ذات لون هُويَّاتي خاص، ولها وزنٌ وارتباطاتٌ إقليمية ودولية، كان يحتم قبول دخولها في الجيش فصيلاً قائماً بذاته في المرحلة الأولى من بناء الدولة، على أن يتم لاحقاً (وخلال سنوات) عملية انصهار تدريجية داخل الجيش، وهذا ما حدث في بعض التجارب التاريخية، فالأولوية الرئيسة في مراحل الانتقال المفصلية، هي عملية بناء الثقة والاندماج في مؤسّسةٍ عسكريةٍ واحدة، بغضّ النظر عن طريقة توزّع الأفراد والجماعات فيها، فلكلّ تجربة خصوصيتها التاريخية.
في الملفّ السياسي، تعاملت الإدارة الجديدة بمركزية شديدة أيضاً، فقامت بخطوات غير مدروسة عبر تشكيلها حكومة من لون واحد، ولجنة حوار وطني، ثمّ لجنة للإعلان الدستوري. والغريب أن سلوك السلطة السياسي في هذا المجال كان يتحرّك وفقاً لمعطيات الخارج، لا الداخل، بمعنى أن هذه الخطوات كانت موجّهة إلى المجتمع الدولي من أجل الحصول على دعمه السياسي والاقتصادي، ولم تكن مبنيةً تماماً على اهتمامات فرقاء الداخل السوري. يبدو من المعطيات القائمة، أن إدارة أحمد الشرع لم تدرك العلاقة الوثيقة بين الأمن والسياسية، فلا تتحقّق الأولى من دون الثانية، فالبداية يجب أن تكون سياسيةً، وما إن يتمّ التوافق السياسي بين فرقاء الوطن حتى تصبح المسائل الأمنية والعسكرية والاقتصادية تحصيل حاصل.
من هنا، الأولية الجوهرية لبناء سورية الجديدة، وللحيلولة دون انزلاق الأمور إلى فوضى تهدّد البلد بأكمله، وعلى الرئيس وإدارته العمل بجدّية على ضمان التوافق مع المكوّنات السورية كلّها، حتى لو اضطرّ، في هذه المرحلة، إلى تقديم تنازلات عسكرية وسياسية، فمن دون نشوء ثقة وطنية بين الجميع، تبدو سورية متجهةً إلى المجهول. إنجاز هذه الأولويات مهمة الدولة الجديدة بالدرجة الأولى، قبل أن تكون مهمة الآخرين، شركاء الوطن.
العربي الجديد
—————————–
سورية… الجريمة وتداعياتها/ حسام كنفاني
14 مارس 2025
لا يمكن وصف ما شهده الساحل السوري في الأيام القليلة الماضية إلا بأنه جريمة مكتملة العناصر، طاولت مدنيين آمنين في حملة انتقامٍ طائفيةٍ لا يستطيع أحدٌ أن ينكرها، وفي المقدمة تأتي السلطة الجديدة برئاسة أحمد الشرع التي أقرّت بحصول “انتهاكاتٍ” من عناصر محسوبين على هيئة تحرير الشام، من المفترض أنهم باتوا أفراداً في الأجهزة الأمنية الجديدة، وشكّلت لجان تحقيق للتدقيق بما حدث ومحاسبة المتورّطين.
كثير من السرديات خرج لشرح الجرائم (وتبريرها) باعتبارها وقعت من “أفرادٍ غير منضبطين”، وأن لا علاقة مباشرة لـ”الأمن العام”، وهو المسمّى الجديد للقوى الأمنية التابعة للهيئة. غير أن حجم الاعتداءات والإعدامات في عديد من مدن الساحل السوري وقراه يؤكّد أن الأمر أكبر من “أعمال فردية”، ويقترب من العمل الانتقامي المنظّم، خصوصاً إذا ما نظرنا إلى عدد القتلى الذين سقطوا، وسيتكشف مع الوقت. فرغم أن عدد الضحايا الموثقين لا يزيد عن الألف، تتحدّث تقديراتٌ عن أن العدد قد يتخطّى خمسة آلاف.
وحتى لو افترضنا أن كل ما حدث كان نتيجة انفلات عناصر لا تُدين بالولاء الكامل لهيئة تحرير الشام أو الأجهزة الأمنية الجديدة، فذلك لا يُعفي السلطات من المسؤولية، خصوصاً أن هذه العناصر عملياً تعمل تحت لواء السلطة، بعد قرار حلّ الفصائل وإدماجها ضمن الأجهزة الأمنية الجديدة، وهو ما أدركه النظام بإعلانه تشكيل لجنة التحقيق، والتي نأمل أن تكون جدّية في المحاسبة والعقاب.
ما جرى يحمل مخاطر وتداعياتٍ كثيرة على سورية الجديدة التي كنّا متفائلين بنهوضها بعد أكثر من 50 عاماً من حكم حزب البعث. بداية التداعيات داخلية، وتطاول، بالدرجة الأولى، الفئات التي تعتبر نفسها أقليةً في النسيج السوري، التي لم تعد تشعُر بالأمان في محيطها، وهو ما يفتح باباً للتدخّلات الخارجية في الوضع السوري. وفعلاً خرجت مطالباتٌ كثيرة بالوصاية الدولية لحماية “الأقليات” في سورية. ويضاف إلى ذلك المحاولات الإسرائيلية، السابقة لأحداث الساحل، لاختراق المجتمع الدرزي السوري من باب “الحماية”. مثل هذه المحاولات المتوقع أن تتضاعف، وقد تجد لها آذاناً أكثر إصغاء في هذه المرحلة.
واضحٌ أن السلطات الجديدة تدرك ذلك، وسارعت إلى محاولة احتواء الأمر وتطمين أطياف المجتمع. ولعل الاتفاق الذي وقّعه الشرع مع زعيم “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، مظلوم عبدي، خطوة كبيرة في هذا الاتجاه، غير أن العبرة في التطبيق، وخصوصاً أن العناوين في الاتفاق عامة جداً، ومن شأن عدم الاتفاق على تفاصيلها إفشال أي تفاهمات، سواء بالنسبة إلى كيفية دخول قوات “قسد” في الجيش، أو نسبة توزيع النفط بين المحافظات، وغيرها نقاط كثيرة ستدرسها اللجان على مدى عام.
لا تقلّ التداعيات الخارجية لأحداث الساحل أهمية، سيما أن السلطة الجديدة تعوّل بشكل أساسي على انفتاح الخارج عليها لمحاولة ترميم الواقع الاقتصادي المنهار في الداخل. لم تعفِ المواقف الغربية من جرائم الساحل السلطة من المسؤولية، ما من شأنه أن ينعكس على أي تقدّم محتمل في خطوات رفع العقوبات عن سورية، والسماح بتدفق الأموال إليها. ولا شك أن تقارير ستصدُر قريباً عن منظمّات حقوقية دولية تفند الوضع وتوثق الأحداث، ما قد يزيد تعقيد الموقف الدولي من النظام والانفتاح عليه والثقة به.
السلطة الجديدة اليوم في موقف حرج، فعدم رفع العقوبات والتخفيف من الفقر يعني مزيداً من التوترات الداخلية، لذا عليها اتخاذ خطوات أكثر جدّية في مكافحة آفة الطائفية في الداخل السوري قبل استفحالها، وإثبات أنها جديرة بالثقة في قيادة سورية إلى برّ الأمان، وليس إلى الهاوية، في هذه المرحلة الانتقالية.
العربي الجديد
————————
كيف ستتعامل الإدارة السورية مع قطاع الطاقة بعد دمج “قسد”؟/ حسن الشاغل
14/3/2025
وقّع الرئيس السوري أحمد الشرع الأسبوع الجاري اتفاقًا مع قائد قوات سوريا الديمقراطية (قسد) مظلوم عبدي لدمجها ضمن مؤسسات الدولة، من دون التطرق إلى كيفية التعامل مع منطقة شرق الفرات اقتصاديا لا سيما وهي التي تحتوي على آبار النفط والسلع الإستراتيجية مثل القمح والقطن.
وعقد الاتفاق بضمانة أميركية، مع دوافع سياسية وأمنية، إذ يرجح خبراء أن واشنطن حافظت -عبر هذا الاتفاق- على نفوذها شرقي سوريا من دون مواجهة مفتوحة، في وقت من مصلحة حكومة دمشق استعادة السيطرة فيه على شرق الفرات بلا حرب مكلفة.
الواقع الحالي لقطاع النفط
تقدّر احتياطيات النفط السوري المؤكدة في آخر إحصاء لعام 2015 بنحو 2.5 مليار برميل وفقًا لما نشرته مجلة الطاقة الأميركية، وفي الفترة التي سبقت عام 2011 بلغ متوسط إنتاج النفط 350 ألف برميل يوميا.
وبلغ متوسط الاستهلاك 350 ألف برميل يوميا، وكانت سوريا تستورد متوسط 105 آلاف برميل يوميا من المكثفات (ديزل، بنزين، كيروسين).
ويقول الخبير في الاقتصاد السوري يونس الكريم إن الإنتاج الحالي لآبار النفط في منطقة شرق الفرات يقدر بين 125-150 ألف برميل يوميا.
ويضيف للجزيرة نت أن كل الحقول السورية منتجة في الوقت الحالي، وما تحتاجه هو تقنيات جديدة حتى ترفع الإنتاج إلى مستويات ما قبل عام 2011.
وتحتاج البنية التحتية للنفط السوري إلى إعادة هيكلة وتطوير قد تستغرق سنوات، بعدما تعرضت الآبار لاضمحلال نتيجة استخدام الطرق التقليدية في عملية الإنتاج، مما أثر على القدرة الفعلية لعملها.
قطاع الكهرباء
ويعاني قطاع الكهرباء في سوريا من صعوبات وتحديات أبرزها عدم القدرة على تأمين الوقود اللازم لعمل المحطات الحرارية.
ويقول الكريم إن الاتفاق بين حكومة دمشق و”قسد” قد يفضي إلى استحواذ الحكومة على نسبة كبيرة من النفط قد تصل إلى ثلثي الإنتاج لمدة 9 أشهر، لحين التأكد من نجاح الاتفاق بين حكومة دمشق وقوات سوريا الديمقراطية.
ويتوقع الباحث الاقتصادي في مركز جسور للدراسات عبد العظيم المغربل أن يتضمن الاتفاق تدفق الوقود بشكل منتظم لمحطات توليد الكهرباء، بما يحسن عملية الإنتاج الصناعي والنقل، ويحد من أزمة الوقود التي أثرت سلبًا على مختلف القطاعات خلال العقد الماضي.
ويشير إلى أن تدفق الوقود من الحقول النفطية من شرق الفرات سيرفع من القدرة الإنتاجية للكهرباء إلى 4500 ميغاواط إذا تم إمداد المحطات الكهربائية وإصلاحها، ومن ثم سيقلل من التقنين ويؤدي إلى زيادة ساعات التغذية الكهربائية إلى عدد ساعات أعلى يوميا وذلك سيكون تحسنا كبيرا مقارنة بالوضع الحالي.
تطوير قطاع النفط
ومناطق شرق الفرات التي تسيطر عليها “قسد” غير مشمولة بالعقوبات الأميركية والأوروبية، لذلك لن تكون الشركات التي تنوي الدخول للاستثمار في قطاع النفط السوري عرضة للعقوبات الأميركية والأوروبية.
وحسب الكريم، فإن من شأن الاتفاق الموقع بين حكومة دمشق و”قسد” أن يشجع الشركات الأجنبية في الدخول إلى سوريا للاستثمار في آبار النفط، وقد تكون الشركات الأميركية هي الأقرب إلى الاستثمار في النفط السوري لا سيما في حقول السويدية والعمر والرميلان أكبر ثلاثة حقول في البلاد.
ويحتاج قطاع النفط السوري إلى إعادة هيكلة وصيانة لرفع الإنتاج والتكرير، وتأمين الوقود اللازم لإنتاج الكهرباء عبر المحطات الحرارية.
انتعاش الاقتصاد
يرى الباحث عبد العظيم المغربل أن الاتفاق الذي تم التوصل إليه بين الحكومة السورية وقوات سوريا الديمقراطية يمثل خطوة مهمة نحو استعادة السيطرة على الموارد الوطنية في كامل البلاد.
وينعكس الاتفاق إيجابًا على الاقتصاد السوري وتوفير المحروقات والطاقة الكهربائية، لأن الاتفاق سيضع الأسس لإعادة بناء الاقتصاد واستقرار قطاع الطاقة، مما يعزز التنمية ويخفف من معاناة المواطنين السوريين في البلاد، وفق المغربل.
ويشير المتحدث ذاته إلى أن إدارة الموارد النفطية في شرق سوريا من قبل الحكومة السورية ستسمح بزيادة الإمدادات إلى السوق المحلية، لتبدأ بـ150 ألف برميل يوميا، مما يسهم في استقرار الأسعار وتوفير مورد مالي حيوي للدولة، بالإضافة إلى دعم الإنتاج الزراعي من خلال تأمين الوقود اللازم للمعدات الزراعية.
ويقول المغربل إن الإدارة الرشيدة للموارد النفطية والزراعية لمناطق شرق سوريا ستقلل من الاعتماد على الاستيراد وتساعد في الالتفاف الجزئي على العقوبات، خصوصا أن هذه المناطق تزود البلاد بنسبة كبيرة من حاجة البلاد للقمح على سبيل المثال.
ويؤكد المغربل أن نجاح هذا الاتفاق قد يشكل خطوة مهمة نحو الاستقرار، ومن ثم تخفيف العقوبات الأميركية والدولية، مما يسهل عودة الاستثمارات الخارجية.
بالمقابل، ستحقق “قسد” مكاسب مالية من تصدير النفط بأسعار السوق الدولية، بدلا من بيعه في السوق السوداء بأسعار متدنية.
تحديات
يعتقد الكريم أن آبار النفط ستبقى تحت سيطرة قوات “قسد” لمجموعة عوامل تتمثل في:
أولا: وجود القوات الأميركية في مناطق آبار النفط، ويحتاج انسحاب هذه القوات لقرار رئاسي ومن البنتاغون كما يحتاج إلى إجراءات قد تأخذ وقتا طويلا.
ثانيا: إذا دخلت قوات من الحكومة السورية مناطق آبار النفط سيدفع ذلك الدول إلى تطبيق العقوبات الأممية على منطقة شرق الفرات بما فيها آبار النفط، لأن العقوبات الدولية ما زالت مطبقة على الحكومة السورية ولا تشمل قوات “قسد” ومناطقها.
ثالثا: لم يصدر عن حكومة دمشق أو إدارة “قسد” أي تصريحات حول طريقة التعامل ماليا مع نقل النفط، فهل ستدفع الحكومة لـ”قسد” كما السابق؟ أم سيتفق الطرفان على تقاسم إيرادات النفط وإنتاجه.
رابعا: تنتظر الشركات الدولية المتخصصة في قطاع الطاقة أن تتشكل في سوريا حكومة موسعة حتى يتسنى لها توقيع الاتفاقيات الدولية، لأن استمرار حكومة تسيير الأعمال الحالية يؤخر من دخول الشركات، فقانونيا لا يحق لحكومات تسيير الأعمال التوقيع على الصفقات الاقتصادية الدولية.
المصدر : الجزيرة
————————-
عودة الأسد إلى سوريا/ سعد بن طفلة العجمي
على الحكومة برئاسة أحمد الشرع أن تعمل بحزم لمحاسبة العناصر المجرمة حتى لو كانت من فصائل مقربة منه
الجمعة 14 مارس 2025 1:38
ملخص
لعل الاتفاق التاريخي بين الحكومة وقوات سوريا الديمقراطية يهدئ النفوس ويطمئن الناس ويبعث فيهم روح الأمل بمستقبل أفضل لسوريا الجديدة، لكن الأهم من كل التواقيع هو قطع الطريق على عودة الأسد عبر الضرب بحديد على الممارسات “الأسدية” الطائفية المقيتة بكل أنواعها.
كانت مشاهد مؤلمة تلك التي تسربت لمقتل عناصر من القوات السورية الحكومية، تلتها مشاهد أكثر بشاعة وإيلاماً لمذابح طائفية ضد العلويين في مناطق الساحل السوري، والأرقام تراوحت بين العشرات والمئات، وبعض المصادر تتحدث عن آلاف المدنيين العلويين، وآلاف أخرى نزحت للبنان المجاور.
يمكن تقديم شروحات لما جرى تتناول هشاشة النظام القائم بعد سقوط وهرب بشار الأسد، وتحاول فهم أو تبرير ما جرى على أنه وضع طبيعي مؤسف لمرحلة انتقالية لا تخلو من الفوضى والفراغ الأمني والسياسي والعسكري للدولة التي لا تزال تحبو بعد عقود من القهر والاضطهاد والقتل والتعذيب والتشريد والتهجير والدمار، وبأن فصائل غير منضبطة كانت وراء تلك البشائع المخزية، وبأن بعض تلك الجرائم ارتكبتها بقايا وفلول النظام نفسه في محاولة يائسة لإشعال حرب أهلية طائفية، وأن بعض الفيديوهات مفبركة من قبل فلول النظام أنفسهم، كما يمكن الإشارة بإصبع الاتهام لإيران التي تريد أن تهدم المعبد على من فيه بعدما تجرعت “كأس السم” بهرب حليفها بشار الأسد، وتحطم كل ما بنته ليس في سوريا وحسب، وإنما في لبنان الذي صرفت “دم قلب” شعبها على “حزب الله” فيه، ليصبح كل ذلك أثراً بعد عين.
كتبت مقالة في يناير (كانون الثاني) 2012 بعد عام من اندلاع الثورة بأن النظام سيعمل على “حرف مسار الأمور نحو طائفية يعمل على تأطيرها في كل مدن سوريا وقراها وبلداتها وضيعها، لتكون اللبننة هي السيناريو الأخير في محاولات البقاء اليائسة، كي يبقى النظام ضمن فوضى متناثرة تُسقط سوريا ولكنها تبقي على بقايا النظام”.
وأضفت في مقالة أخرى في فبراير (شباط) من العام نفسه أن نظام بشار يعمل على “تدبير الأمور ضمن سيناريو فوضى يراهن على أن يكون أكبر لاعبيه داخل سوريا، بتعبئة الأقليات من العلويين والمسيحيين والدروز وتخويفهم من بعبع السنّة القادمين لذبحهم”.
إن ما جرى في سوريا لا يمكن تبريره تحت أي مبرر، وعلى الحكومة السورية الانتقالية برئاسة أحمد الشرع أن تعمل بحزم وفق ما وعدت به، سوريا لكل السوريين ومحاسبة العناصر المجرمة حتى لو كانت من فصائل مقربة منه ومن “هيئة تحرير الشام”، وليبدأ السيد الشرع بتفكيك وطرد العناصر غير السورية مثل “أنصار الإسلام الكردية” و”أجناد القوقاز الشيشانية” و”الحزب الإسلامي التركستاني” القادم من جمهوريات وسط آسيا.
إن إعادة الظلم هو إعادة لنظام الأسد، فمعارضة نظام الأسد من قبل شعبه ومساندتهم من قوى الخير في كل مكان كان معارضة للظلم والقهر والقتل والطغيان والقتل الطائفي، واستنساخ ممارسات شبيحة الأسد بصيحات مختلفة لا يغير من بشاعتها ولا من “أسديتها” وإن اختلفت طوائف الشبيحة والقتلة هذه المرة.
وليست كل الأخبار الواردة من سوريا هذه الأيام دامية ومخزية، فقد جاء توقيع قوات سوريا الديمقراطية (قسد) الكردية بقيادة مظلوم عبدي مع الحكومة السورية في دمشق برئاسة أحمد الشرع لانضواء “قسد” تحت الدولة السورية مبشراً بأمل توحيد سوريا ثانية، ولملمة جراح التشرذم الذي عاشته طوال سنوات البطش والطغيان على مدى 14 عاماً، وتسليم المناطق الشرقية الشمالية التي تسيطر عليها “قسد” للدولة المركزية في دمشق، ولعل هذا الاتفاق التاريخي يهدئ النفوس ويطمئن الناس ويبعث فيهم روح الأمل بمستقبل أفضل لسوريا الجديدة، لكن الأهم من كل التواقيع هو قطع الطريق على عودة الأسد عبر الضرب بحديد على الممارسات “الأسدية” الطائفية المقيتة بكل أنواعها.
——————————
قرارات الرئاسة السورية… محاولة لتعزيز الثقة/ محمد أمين
14 مارس 2025
أصدر الرئيس السوري أحمد الشرع، أول من أمس الأربعاء، قراراً يقضي بتشكيل مجلس الأمن القومي بـ”هدف تنسيق وإدارة السياسات الأمنية والسياسية في البلاد”. ووفق القرار، فإن المجلس سيكون برئاسة رئيس الجمهورية، وسيضم في عضويته وزراء الخارجية والدفاع والداخلية، إضافة الى مدير الاستخبارات العامة، ومستشارين يتم تعيينهما من قبل رئيس الجمهورية وفقاً للكفاءة والخبرة، وخبيراً تقنياً متخصصاً لمتابعة الشؤون التقنية والعلمية ذات الصلة بعمل المجلس. ويضاف هذا القرار إلى مجموعة قرارات صدرت عن الرئاسة السورية خلال فترة زمنية قصيرة، يبدو أن الهدف الرئيسي منها استعادة ثقة المواطن بالدولة، لا سيما بعد ما رافق العملية العسكرية ضد فلول الأسد في الساحل السوري من انتهاكات وجرائم بحق المدنيين، بما في ذلك تشكيل أكثر من لجنة للحفاظ على السلم الأهلي الذي تعرض بعد الثامن من ديسمبر/كانون الأول الماضي، بعد إسقاط الأسد، لأكثر من اختبار.
مساعي الرئاسة السورية
كما سعت الرئاسة السورية الى إرسال تطمينات للأقليات الدينية والمذهبية، وأنها لن تتسامح مع أي شخص أو طرف يهدد السلم الأهلي، لذا شكّلت لجنة في هذا الإطار في الساحل، فضلاً عن لجنة لتقصي الحقائق عما حدث من تجاوزات بحق مدنيين في المنطقة. وواصلت الرئاسة السورية بذل الجهود من أجل التوصل مع الفعاليات الاجتماعية والدينية والعسكرية في محافظة السويداء، لتفاهمات تبدد مخاوف سكانها وتفعّل المؤسسات الحكومية، خصوصاً الأمنية والخدمية. كما توصلت الرئاسة السورية لاتفاق وُصف بـ”التاريخي” مع “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) قبل أيام.
وهددت التجاوزات التي حدثت أخيراً بحق مدنيين على أساس طائفي، الاستقرار والسلم الأهلي في البلاد، ما استدعى هذه القرارات والخطوات لرأب الصدع بين مكونات الشعب السوري. ومنذ سقوط نظام الأسد في الثامن من ديسمبر الماضي، وُضع السلم الأهلي أكثر من مرة على محك المخاوف والهواجس، التي تفجرت مدفوعة بتردي الحالة المعيشية وتراجع الاقتصاد وتردد أطراف دولية في رفع العقوبات المفروضة على سورية.
وتعليقاً على سلسلة القرارات والخطوات التي أقدمت عليها الرئاسة السورية خلال فترة زمنية قصيرة، رأى الباحث في مجال الهوية والحوكمة، زيدون الزعبي، في حديث لـ”العربي الجديد”، أن هذه الخطوات “مهمة بالتأكيد، ولكنها غير كافية”، مضيفاً أن البلاد بحاجة إلى إنشاء هيئة عدالة انتقالية في أسرع الآجال، وهيئة للوفاق والسلم الأهلي. اللجنة التي شُكّلت لهذا الغرض جيدة إلا أنها تشمل منطقة الساحل فقط. موضوع السلم الأهلي بحاجة إلى عمل وطني كبير.
في السياق، رأى الباحث السياسي عرابي عرابي في حديث مع “العربي الجديد” أن تشكيل مجلس للأمن القومي من قبل الرئاسة السورية: “سيكون مهماً لدعم البلاد في السياسة الخارجية والاقتصاد والأمن”، مضيفاً أن موضوع السلم والاستقرار من مهام هذا المجلس الذي سيصدر القرارات التي ستنفذها الوزارات المعنية. وأعتقد أن السلم الأهلي يتطلب إجراءات على مستويات متعددة، اقتصادية واجتماعية وتنموية، فضلاً عن العمل السياسي الدؤوب. وعُدّ تشكيل مجلس لـ”الأمن القومي” خطوة غير مسبوقة في تاريخ سورية، فرضتها تحديات داخلية تهدد السلم الأهلي والاستقرار، وخارجية تستهدف السيادة والجغرافية، وأبرز مثال عليها التدخل الإسرائيلي في جنوب سورية، المصحوب بتهديدات لفظية من كبار المسؤولين في تل أبيب حيال الإدارة الجديدة في سورية.
تشكيل مجلس الأمن القومي
حول ذلك، رأى الباحث السياسي عبد الرحمن الحاج في حديث مع “العربي الجديد”، أن “تشكيل مجلس الأمن القومي خطوة مهمة تساعد على الاستجابة السريعة للتهديدات واتخاذ القرار المناسب”. وأضاف أن مأسسة الاستجابة للتهديدات المتعلقة بالأمن القومي خطوة جديدة غير مسبوقة في تاريخ سورية، ولكنها مجرد إجراءات ينبغي اتخاذها لمواجهة التهديدات المحتملة لاستعادة الثقة بسيطرة الدولة وقدرتها على التحكم وبسط الأمن. وبرأيه من أبرز هذه الإجراءات التي على الإدارة القيام بها “استكمال بناء الجيش وإدماج القوات والفصائل فيه بصفتهم أفراداً ليكون ولاء الجيش للوطن وليس لقادة الفصائل”، مضيفاً أن استكمال بناء قوات الأمن وتدريبهم وتسليحهم بشكل مناسب أمر يجب أن يستمر. واعتبر الحاج أن “سورية بحاجة إلى أعداد كبيرة من المجندين في قوات الأمن العام”، مشدّداً على أن الشراكة السياسية في الحكومة الانتقالية من مكونات المجتمع السوري كافة، أمر في غاية الأهمية، لأن شعور الجميع أن هذه دولتهم يأتي من هذه الشراكة. كما رأى الحاج أن “رأب الصدوع الاجتماعية واستقرار المجتمع في سورية يجب أن يُتمم بتشكيل هيئة عدالة انتقالية”، التي قال إنها الوجه الآخر لضمان ألا يحدث تهدد للأمن القومي على المدى الطويل.
العربي الجديد
—————————
جماعة كردية سورية ترفض الإعلان الدستوري الجديد
تحديث 14 أذار 2025
رفضت الجماعة التي يقودها الأكراد وتحكم شمال شرق سوريا اليوم الجمعة الإعلان الدستوري الذي أصدرته الإدارة الجديدة التي يقودها الإسلاميون في دمشق ودعت إلى إعادة صياغته.
ويهدف الإعلان الدستوري، الذي صدر أمس الخميس، إلى وضع الأساس لفترة انتقالية مدتها خمس سنوات بقيادة الرئيس أحمد الشرع، الذي قاد هجوما خاطفا للمعارضة المسلحة أطاح بالرئيس السابق بشار الأسد في ديسمبر كانون الأول بعد حرب أهلية استمرت 14 عاما.
وأكد الإعلان الدستوري أن الفقه الإسلامي مصدر أساسي من مصادر التشريعي ونص على حرية الرأي. لكن مجلس سوريا الديمقراطية، بقيادة الأكراد، قال إنه لم ينص على ما يكفي لحماية حقوق مختلف مكونات المجتمع السوري.
وفي الوقت نفسه، دعا مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا جير بيدرسن من جنيف السلطات الجديدة في دمشق إلى تشكيل حكومة انتقالية تشمل الجميع وإجراء تحقيق في أعمال العنف الطائفي الأخيرة التي أودت بحياة المئات.
وقال في بيان تلاه متحدث باسمه في الذكرى الرابعة عشرة لاندلاع الانتفاضة ضد الأسد والتي تحولت إلى حرب شاملة “تمر سوريا الآن بلحظة فاصلة”.
وخلال الحرب الأهلية، أقامت السلطات الكردية في شمال شرق سوريا نظام حكم ذاتي بعد عقود من التهميش في ظل حكم عائلة الأسد.
ويخشى الأكراد أن تحرمهم القيادة الجديدة في دمشق من كثير من حقوقهم، ومن بينها تعليم اللغة الكردية في المدارس وتولي النساء مناصب قيادية.
وقال مجلس سوريا الديمقراطية في بيان مكتوب اليوم الجمعة إنه يرفض الإعلان الدستوري الذي وقعه الشرع “رفضا تاما” ووصفه بأنه يعيد “إنتاج الاستبداد بصيغة جديدة” ويمنح السلطة التنفيذية صلاحيات مطلقة.
وأضاف البيان موضحا أسباب رفض الإعلان الدستوري أن المسودة “تكرس الحكم المركزي وتمنح السلطة التنفيذية صلاحيات مطلقة، بينما تقيد العمل السياسي وتجمد تشكيل الأحزاب، مما يعطل مسار التحول الديمقراطي، كما تتجاهل المسودة غياب آليات واضحة للعدالة الانتقالية، مما يزيد تعميق الأزمة الوطنية”.
وطالب البيان بإعادة صياغة الإعلان الدستوري لتوزيع السلطات والصلاحيات بشكل أكثر عدالة وتبني نظام حكم غير مركزي.
وقال المجلس “أي إعلان دستوري يجب أن يكون نتاج توافق وطني حقيقي، وليس مشروعا مفروضا من طرف واحد”.
ومجلس سوريا الديمقراطية هو القيادة السياسية لقوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة التي وقعت اتفاقا يوم الاثنين مع حكومة دمشق للاندماج في مؤسسات الدولة الجديدة وتسليم المعابر الحدودية الرئيسية وحقول النفط ومطار لسيطرة الحكومة.
ومن المقرر أن يتم تنفيذ ذلك بحلول نهاية العام لكن الاتفاق لم يحدد كيفية دمج العمليات العسكرية لقوات سوريا الديمقراطية في وزارة الدفاع السورية.
وقال بيدرسن في بيانه إنه يأمل أن يدفع الإعلان الدستوري الذي وقعه الشرع سوريا باتجاه استعادة حكم القانون وتنفيذ عملية انتقال منظم.
ووعد الشرع بإدارة سوريا بطريقة شاملة لا تقصي أحدا لكنه يواجه مشكلات بسبب تبعات موجة من أعمال العنف الطائفية في منطقة الساحل تورط فيها مقاتلون مرتبطون بحكومته.
ودعا بيدرسن إلى إجراء تحقيق مستقل في ما وصفها بأنها “أعمال عنف مروعة”.
وقال “في هذا الصدد، يمكن لمناخ من الخوف وانعدام الثقة أن يعرض العملية الانتقالية بأسرها للخطر”.
(رويترز)
——————————–
الجيش التركي: نراقب تنفيذ «اتفاق الشرع – عبدي» من كثب
خبراء يتوقعون استمرار الضغط على «قسد» والتنسيق مع أميركا بشأن الانسحاب من سوريا
أنقرة: سعيد عبد الرازق
13 مارس 2025 م
أعلن الجيش التركي أنه سيراقب من كثب تنفيذ الاتفاق الموقع بين الإدارة السورية و«قوات سوريا الديمقراطية (قسد)» بشأن اندماجها في مؤسسات الدولة، مع التمسك بالمطالبة بحل «وحدات حماية الشعب» الكردية، ومكافحة الإرهاب في سوريا.
وقال مصدر مسؤول بوزارة الدفاع التركية: «سنراقب كيفية تنفيذ الاتفاق بين الإدارة السورية و(تنظيم «قسد» الإرهابي) من كثب، وسنتابع التطورات على أرض الواقع، وسنرى مخرجاته سواء كانت إيجابية أم سلبية».
وأكد المصدر، خلال إفادة أسبوعية لوزارة الدفاع التركية، الخميس، أن الاتفاق، الذي وقع يوم الاثنين الماضي بين الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع وقائد «قسد» مظلوم عبدي، «لم يُغير التزام تركيا بمحاربة الإرهاب في سوريا».
حل الوحدات الكردية
وأضاف: «نحن في تركيا مصممون على مكافحة الإرهاب، ولا نزال على النهج نفسه ونطالب بحل (وحدات حماية الشعب) الكردية (أكبر مكونات «قسد»)، ولا نزال ملتزمين بضمان وحدة أراضي سوريا وسلامتها الإقليمية والسياسية».
ولفت المصدر إلى استقبال وزير الدفاع السوري مرهف أبو قصرة، الملحق العسكري التركي المُعين حديثاً في دمشق، الخميس، مضيفاً أن وفداً من وزارة الدفاع سيزور سوريا خلال الأيام المقبلة.
وكانت مصادر في وزارة الدفاع التركية قد أكدت، يوم الأربعاء، أن القوات التركية ستُواصل وجودها في سوريا، وستتابع التطورات بعد الاتفاق بين الإدارة السورية و«قسد»، وستراقب التطورات على الأرض، وعندما يكون هناك نشاط إرهابي فسوف تتدخل، ولن يتغير شيء في مفهوم القوات المسلحة التركية في مكافحة الإرهاب، الذي يقوم على القضاء على الإرهاب في منبعه.
وتابعت المصادر، وفق ما نقلت وسائل إعلام تركية قريبة من الحكومة، الأربعاء، أن عمليات القوات المسلحة التركية ضد «وحدات حماية الشعب» الكردية، التي تقود «قسد» مستمرة.
ولا تزال الاشتباكات والاستهدافات بين القوات التركية والفصائل السورية المسلحة الموالية لأنقرة و«قسد» على محاور شرق حلب، لا سيما في سد تشرين وجسر قره قوزاق، فضلاً عن القصف التركي على مواقع «قسد» في عين العرب (كوباني) مستمرة.
وشنَّت القوات التركية، الخميس، غارات جوية استهدفت ريف مدينة صرين في ريف عين العرب (كوباني).
موقف تركي حذر
ويرى خبراء أتراك أن الاتفاق بين الشرع وعبدي يُشكل «إطاراً» أو «إعلان نوايا»، وأن القضايا المثيرة للجدل، خصوصاً انضمام «قسد» إلى الجيش السوري والاندماج في مؤسسات الدولة، من المقرر حلها في مفاوضات تستمر حتى نهاية العام، وهو ما يجعل تركيا تنظر إلى الاتفاق بحذر رغم ترحيبها به.
ووفق مديرة برنامج السياسة الخارجية في مؤسسة أبحاث السياسة الاقتصادية التركية، غولرو جيزر، «لن تسمح تركيا بتكرار الأخطاء التي وقعت في العراق، وأن موقفها بشأن وحدة سوريا واضح وحازم».
ولفتت إلى أن تركيا ستكون قادرة دائماً على مواصلة عملياتها العسكرية ضد «قسد» إذا رأت ذلك ضرورياً، استناداً إلى حقها في الدفاع عن النفس الناشئ عن المعاهدة التأسيسية للأمم المتحدة.
وأشار الخبير المختص بشؤون تركيا، الباحث في المجلس الأطلسي للأبحاث في أميركا، عمر أوزكيزيلجيك، إلى أن تركيا تتعامل مع اتفاق «الشرع – عبدي» «بتفاؤل حذر»، وستواصل الضغط على «قسد» خلال هذه العملية، حتى لا تتمكن من التراجع عن خريطة الطريق التي حددها الاتفاق الواقع في 8 بنود.
ورأى أن أميركا طلبت من «قسد» التوصل إلى اتفاق مع دمشق قبل انسحابها من سوريا، وأن «دبلوماسية الباب الخلفي» تعمل بين أنقرة وواشنطن فيما يتعلق بهذه العملية، وأن تركيا ستكون «أكثر ارتياحاً» إذا انسحبت القوات الأميركية من سوريا.
ولفت الخبير في شؤون الشرق الأوسط، جمعة تشيشيك، إلى أن الاتفاق بين إدارة دمشق و«قسد» جرى من خلال عملية ظلت تركيا خارجها إلى حد ما، وأن التصريحات التي أوضحت أن أميركا وفرنسا وألمانيا توسطت في المفاوضات، كان تطوراً لم تتوقعه تركيا.
وأضاف أنه على الرغم من بقاء تركيا خارج العملية، فإن الأطراف أخذت حساسياتها في الاعتبار، وربما يكون أحد أسباب ترك قضايا كالحكم الذاتي والاتحاد وتقاسم السلطة مفتوحة هو القلق بشأن موقف تركيا، فلا دول المنطقة ولا أميركا، في وضع يسمح لها بالتخلي عن تركيا أو المضي قدماً رغماً عنها.
بدوره، رأى الأكاديمي التركي المختص في شؤون الشرق الأوسط، مصطفى آيدن، أن يد تركيا باتت ضعيفة، أو «مغلولة» بسبب الاتفاق بين إدارة دمشق و«قسد»، وأنها إذا أظهرت نيتها إطلاق عملية عسكرية ضدها، فإن أميركا والجهات الفاعلة الأخرى يمكن أن تمنعها، بحجة أن هناك عملية جارية، ويجب الانتظار حتى تكتمل، وأنه لا ينبغي التدخل الآن.
————————–
إيكونوميست: الوقت ينفد من الشرع وعليه مشاركة السلطة قبل أن تتفكك سوريا/ إبراهيم درويش
تحديث 14 أذار 2025
قالت مجلة “إيكونوميست” في افتتاحيتها، إن الوقت ينفد من رئيس سوريا أحمد الشرع، ويجب عليه التشارك في السلطة من أجل الحفاظ على وحدة بلاده.
ورأت المجلة أن سوريا شهدت أسوأ عنف طائفي منذ سقوط نظام بشار الأسد قبل ثلاثة أشهر، وربما منذ الهجمات الكيماوية على الغوطة الشرقية في عام 2013. وقد صُدم البلد الذي يشعر بوقع الديكتاتورية والحرب الأهلية.
ويُعتقد أن 800 شخص قُتلوا من مناطق الساحل السوري التي تعتبر معقل الطائفة العلوية التي تنتمي إليها عائلة الأسد.
وترى المجلة أن العنف يكشف عن المعضلة التي تواجه سوريا، والتي تتمثل في حكم البلد، فهل سيظل الحكم فيها مركزيا تتجمع السلطات في يد الحكومة المركزية التي ستكون قادرة على إرساء النظام والقانون، مع أن الرئيس أحمد الشرع، هو جهادي سابق وبالتزام مشكوك فيه لشمل الآخرين بمشروع بناء البلد؟ أم هل يجب على الأقليات الحفاظ على الأمن في المناطق التي تعيش فيها، حتى لو كان هذا على حساب تفكك البلد؟
وتعلق المجلة أن أسباب الأحداث الأخيرة لا تزال غامضة، وأفضل تكهن هو أن مقاتلين من الأقلية العلوية قاموا بمهاجمة قوات الحكومة والمستشفيات. وردا على ذلك، سارعت ميليشيات سنية في قوافل ودخلت القرى والبلدات وقتلت مدنيين وأحرقت بيوتا، بحسب المجلة. وقالت إن الفيديوهات كشفت عن إجبار السكان على النباح كالكلاب قبل إطلاق النار عليهم.
وتعتقد المجلة أن الميليشيات السنية هي على الأرجح المسؤولة عن معظم القتل. والتفسير الخبيث هو أن الشرع لم يكن مستعدا للحد من قوة المتطرفين بين أنصاره. ولكن التفسير الأكثر سخاء هو أنه كان بطيئا في الرد على الأحداث، وحكومته ليست مسيطرة على الوضع. وتقول إن العنف في مناطق العلويين هو علامة على تفكك سوريا.
ففي شمال سوريا، للجماعات الكردية جيوبها الخاصة. وفي الجنوب، لميليشيات أخرى، بما فيها ميليشيات يقودها الدروز، مجال نفوذ. وتتدخل القوى الخارجية إما بذريعة حماية حدودها من الفوضى، أو لاغتنامها الفرصة للسيطرة على مستقبل سوريا. وتدعم إسرائيل الدروز، وتركيا تدعم الجماعات العربية السنية، وأمريكا تساند الأكراد.
ورغم دورها كأقوى منقذ لنظام الأسد المكروه، فلا تزال روسيا متكاسلة في الرد على أمل الاحتفاظ ببعض النفوذ، وربما الوصول إلى قواعدها الجوية والبحرية.
وتعلق المجلة أن الشرع حتى الآن كان مخيّبا للآمال. فخبرته السابقة كانت إدارة نظام غير ليبرالي في مدينة إدلب من خلال جماعته، هيئة تحرير الشام. وحتى الآن، يدير سوريا كزعيم ميليشيا. فقد تخلف عن المواعيد النهائية لتشكيل حكومة شاملة وإصدار إعلان دستوري وتعيين هيئة تشريعية، ولم يعبّر عن التزام بالقوانين العلمانية، ولم يظهر إلا تسامحا ضعيفا. ومع ذلك، فإن عيوب حكومته تعكس أيضا ضعف الدولة السورية. فهي لا تملك سوى عدد قليل نسبيا من القوات الخاضعة لسيطرتها المباشرة. كما أن الميليشيات العرقية المختلفة تتفوق على الجيش والشرطة عددا وعتادا.
وتحتاج سوريا حكومة مركزية، قادرة على استخدام سلطاتها لتفويض السلطات إلى المحافظات. وعلى الغرب رفع العقوبات الاقتصادية التي فرضها لمعاقبة نظام الأسد البغيض، والتي تسبب حاليا ضائقة مالية خانقة.
لكن المسؤولية تقع على عاتق الشرع، وفق ما ترى المجلة. ففي هذا الأسبوع وبعد المجازر، اتخذ بعض الخطوات الإيجابية. فقد شكّل لجانا للتحقيق في العنف الطائفي، ووقّع اتفاقية لاندماج قوات سوريا الديمقراطية في قوات الأمن السورية. ولكنه بحاجة لعمل المزيد، ويجب تطهير جيشه من المتطرفين ودعوة المزيد من المعتدلين للانضمام إليه بحيث يكون لديه قوة الرد ولا يظهر على أنه أداة القوة السنية. كما يجب عليه تشكيل مؤسسات ووضع جدول زمني للانتخابات التي قد تطمئن السوريين بأن الحكومة القوية لن تكون تعبيرا عن القوة السنية. وعليه تفويض المزيد من السلطات إلى المناطق.
فإعادة بناء سوريا هي لعبة ثقة، فلو اعتقد المزيد من الناس بأن هناك مستقبلا متناغما، ستزداد فرص تحقيق ذلك. لكن مجزرة أخرى في عهد الشرع قد تنهي هذه اللعبة.
وقالت المجلة إن الأحداث التي جرت في 6 آذار/ مارس، حوّلت مناطق في الغرب السوري إلى “محور كارثة” حيث انتشرت الجثث في الشوارع، وفرّ الناس إلى الغابات أو إلى لبنان. وتقول إن الشرع يبدو أنه متردد بين ماضيه الجهادي وحاضره كرئيس، مشيرة إلى الفيديو الذي أصدره في أول يوم من الأحداث حيث حفل بالإشارات الدينية، وأجج فيه الصراعات وأشاد بـ”مقاتلينا الشرفاء”.
لكن مع تصاعد التوتر في البلاد، غيّر الشرع مساره بمهارة. ففي خطاب مصور ثان بعد يومين، تظاهر بأنه زعيم أمة، لا زعيم طائفة. ولأول مرة منذ توليه السلطة، عيّن علويين في مناصب قيادية وضمّهم إلى لجنتين: إحداهما للتحقيق في أعمال العنف، والأخرى لاستعادة “السلم الأهلي”.
وتبع ذلك في اليوم التالي، إعلان الاتفاق على دمج قوات سوريا الديمقراطية بقوات الأمن الحكومية. وهناك اتفاق محتمل مع الدروز الذين تحاول إسرائيل إغراءهم. ودعا الشرع في 11 آذار/ مارس الأئمة على حفل إفطار رمضاني ودعاهم للحديث عن المساواة بين كل الطوائف السورية في خطبهم ودروسهم الدينية. وكان من بين الحضور، صديق طفولته الشيخ أبو الخير شكري.
والتحدي أمام الشرع هو قدرته على الحفاظ على وحدة البلاد التي كانت قبل خمسة أيام على حافة الانهيار. فقد فتح العنف في الساحل السوري جراح الطائفية التي وعد الشرع بعلاجها.
وتشير المجلة إلى أن العلويين كانوا خائفين، حيث دعا مدير إذاعة دمشق الذي عيّنه الشرع لرميهم في البحر. وقد اعتبر قادة الشرع الساحلَ السوري منطقة عسكرية، وفرّ الكثير من العلويين وطلبوا حماية الخارج وحاولوا الدخول للقواعد الروسية هناك.
وفي دمشق ومدن أخرى، تخشى الأقليات أن يحول الجهاديون أنظارهم إليها. ويذكرهم سلوك الشرع الهادئ ببشار الأسد. ولا يزال الكثيرون يخشون أن يكون رئيسهم الجديد مجرد “إرهابي” يرتدي بدلة رسمية.
ولتسهيل توزيع الوظائف والمساكن على السنة، قام الشرع بحل القوات المسلحة القديمة وتطهير الخدمة المدنية وطرد المسؤولين السابقين من منازلهم الحكومية. وكما هو الحال مع اجتثاث البعث في العراق، فإن هذا يردع الأقليات عن تسليم أسلحتها ويؤجج دعم الثورة. وترى المجلة أن إرضاء السنة والأقليات هو تحد كبير وصعب.
فلو أراد الشرع السيطرة على المتطرفين، فإنه بحاجة لبدء العدالة الانتقالية التي تردد في القيام بها حتى الآن. وعليه التأكد من عودة العلويين الذين لم يشاركوا في فظائع النظام السابق إلى أعمالهم وحياتهم الطبيعية. وحتى ينجح في مهمته، فهو بحاجة للمال الذي لا يتوفر لديه الآن، بسبب العقوبات.
فعندما سيطر على الحكم، لم يكن لدى الدولة قوة عاملة، وبدون مال لدفع الرواتب سيظل يواجه مشكلة من المتشددين الذين سيتحدّون الجيش ويتعاملون مع الأقليات كغنيمة حرب. وفي النهاية، فهو بحاجة لتقاسم السلطة مع مكونات البلاد الأخرى. وبدون ذلك، سيفقد الشرع الثقة الوطنية، وسيفاقم تدهور الاقتصاد من مشاكله.
القدس العربي
—————————————-
استطلع “العربي الجديد” رأي الشارع في العاصمة السورية دمشق حول الاتفاق الذي جرى بين الرئيس السوري أحمد الشرع وقائد “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) مظلوم عبدي، بشأن اندماج تلك القوات ضمن الجيش السوري وتوحيد الأراضي السورية.
————————–
من سايكس وبيكو إلى برنار لويس/ عارف العبد
الجمعة 2025/03/14
استدعت التطورات في سوريا، وخصوصاً تلك التي شهدتها مدن وقرى الساحل السوري، وما استهدف أهل المنطقة، من السكان العلويين، بالاعتداء والمجازر وأعمال القتل، الاهتمام والإثارة. وبالتالي، المتابعة والتتبع، مع مزيد من الأسئلة المحمومة حول مستقبل التطورات في المشرق العربي، المترابط في الخصوصية والأوضاع السياسية والجغرافية والتركيبة الاجتماعية المتنوعة والحساسة.
وتكاد تكون التطورات والانتهاكات والمجازر، التي ارتكبت ضد السكان الآمنين والعزل، في الساحل السوري وجبل العلويين، بمثابة الصدمة الصاعقة، والتجربة المستجدة، المروعة والمهولة، التي تشهدها سوريا ما بعد انقلاع آل الأسد. وبالتالي، تشكل التجربة الأولى والمحك الفعلي لمصداقية السلطة الجديدة في سوريا، والتي يقف على رأسها الرئيس السوري للمرحلة الجديدة الانتقالية أحمد الشرع. وهي تشكل إثباتاً، إذا ما تخلى أبو محمد الجولاني عن شخصيته السابقة، وانتقل إلى أحمد الشرع، أو لا يزال متمسكاً في شخص الماضي، ومسيطراً عليه. لأن ما تعرض له السكان العلويون غير مسبوق وغير مقبول، ولا يمكن المرور عليه أو السماح بتكراره.
بل إن السؤال الأشد إلحاحاً وصعوبة هو، ماذا يعني ما جرى في الساحل السوري، وإلى أين تتجه سوريا والمنطقة من حولها بعد ذلك؟ خصوصاً وأن ما جرى يترافق مع تطورات خطيرة ومهمة أخرى، تتمثل بالخطوات المتصاعدة التي تنفذها إسرائيل، عبر توسيع وتدعيم احتلالها لمرتفعات الجولان وصولاً إلى أعلى قممه ومرتفعاته، وعلى وجه الخصوص قمة جبل الشيخ، إضافة إلى توغل في الجنوب السوري وفي محافظة السويداء تحديداً، ذات الغالبية والكثافة من الطائفة الدرزية.
الأخطر من ذلك هو إعلان إسرائيل وضعها السكان الدروز تحت حمايتها، مع تكثيف تحركاتها العسكرية وإطلاقها طائراتها، في مناورات في المنطقة، للدلالة على سيطرتها على الأجواء. وتحريض ومحاولة تشجيع ودفع السكان الدروز على الانفصال والابتعاد عن سلطة الحكومة السورية الجديدة. بما يعني ذلك من دفع نحو تجزئة سوريا، وتشجيع بقية القوى نحو التباعد والتفرق والابتعاد عن المركز الجامع في دمشق.. نحو مشاريع تقسيم وتجزئة سوريا إلى مناطق وكانتونات طائفية ومذهبية.
باختصار، السؤال الذي يطرح نفسه الأن، ما الذي جرى وإلى أين تتجه سوريا والمنطقة وما هي المشاريع المعدة، وما الذي يمكن أن يحدث وإلى أين تتجه الأمور؟
سايكس وبيكو
من المسلم به، أن القوى المسيطرة والمتفوقة عسكرياً، هي التي تتحكم بمسار الأمور والمناطق الخاضعة لسيطرتها في حاضرها ومستقبلها.
فبعد أن كان وُعد العرب بعد الحرب العالمية الأولى بدولة عربية مستقلة، من قبل القوى الغربية (بعد استفتاء لجنة كينغ كراين) قررت الدول المنتصرة في الحرب، وتحديداً فرنسا وبريطانيا، إعادة تشكيل المنطقة وتقسيمها وفقاً لرؤيتها ومصالحها وأطماعها، على أنقاض السلطنة العثمانية التي لقبت يومها بتركة الرجل المريض.
لهذه الأسباب اتفقت فرنسا وبريطانيا وروسيا القيصرية آنذاك، على اقتسام النفوذ والمساحات والدول، في المنطقة وفقاً لمصالحهما.
جرت المفاوضات الأولية التي أدت إلى الاتفاق بين 23تشرين الثاني/ نوفمبر 1915 و 3 كانون الثاني/ يناير 1916، وهو التاريخ الذي وقع فيه الدبلوماسي الفرنسي فرانسوا جورج بيكو والبريطاني مارك سايكس على وثائق مذكرات تفاهم بين وزارات خارجية فرنسا وبريطانيا وروسيا القيصرية. وصادقت حكومات تلك البلدان على الاتفاقية في 9 و 16 أيار/مايو 1916.
قسمت الاتفاقية فعلياً الولايات العربية العثمانية، خارج شبه الجزيرة العربية، إلى مناطق تسيطر عليها بريطانيا وفرنسا، أو تحت نفوذها. خصصت الاتفاقية لبريطانيا ما هو اليوم فلسطين والأردن وجنوب العراق ومنطقة صغيرة إضافية تشمل موانئ حيفا وعكا، للسماح بالوصول إلى البحر الأبيض المتوسط. أما فرنسا فقد سيطرت على جنوب شرق تركيا وشمال العراق وسوريا ولبنان.
باختصار دول المشرق القائمة الآن، وتحديداً العراق والأردن وسوريا ولبنان، ظهرت نتيجة هذه القسمة، واستمرت وتستمر شكلياً حتى اليوم.
برنار لويس
الجديد في كل ما جرى، خصوصاً بعد اندلاع حرب طوفان الأقصى وتداعياته، في فلسطين ولبنان وسوريا، أن إسرائيل بنيامين نتنياهو بدأت تتحدث عن الشرق الأوسط الجديد، الذي تدعي وتريد إعادة تشكيله، على أنقاض الشرق الأوسط القديم، الذي شُكل نتيجة مباحثات سايكس وبيكو بداية القرن الماضي.
الجديد والخطير في كل التطورات الراهنة، أن أساس المشروع الحالي الذي ينفذ على الأرض بدعم قوي من الولايات المتحدة الأميركية، أثير وطرح من قبل المنظر والفيلسوف والمستشرق البريطاني برنارد لويس، في لندن (1916- 2018 .(وهو مستشرق بريطاني الأصل، يهودي الديانة، صهيوني الانتماء، أميركي الجنسية. تخرج من جامعة لندن، وعمل فيها مدرساً في قسم التاريخ للدراسات الشرقية والإفريقية.
وفّر برنارد لويس الكثير من الذخيرة الأيديولوجية والفكرية للمحافظين الجدد، وإدارة بوش في قضايا الشرق الأوسط، والحرب على الإرهاب؛ حيث يعتبر بحق المنظر الأساسي والرئيسي لكل موجة التدخل والسيطرة على المنطقة في العقدين الاخيرين، والتي انطلقت من نظرية ثانية متفرعة هي نظرية “صراع الحضارات” لهانتغتون، ولسياسة التدخل والهيمنة الأميركية في المنطقة.
جوهر فكرة أو نظرية لويس تقول: “إن العرب والمسلمين قوم فاسدون مفسدون فوضويون لا يمكن تحضيرهم (تمدينهم). ولذلك فإن الحل السليم للتعامل معهم حسب رأيه هو إعادة احتلالهم واستعمارهم وتدمير ثقافتهم الدينية”.
والحل لذلك براي لويس، أنه من الضروري إعادة تقسيم الأقطار العربية والإسلامية إلى وحدات عشائرية وطائفية، وإعادة احتلال المنطقة، على أن تكون المهمة المعلنة، هي تدريب شعوبها على الحياة الديمقراطية، والعمل على استثمار التناقضات العرقية والعصبيات القبلية والطائفية.
تردد في أكثر من موقع ودراسة، أنه في عام 1983 وافق الكونغرس الأميركي بالإجماع في جلسة سرية على مشروع برنارد لويس، وبذلك تم اعتماد هذا المشروع، وإدراجه في ملفات السياسة الأميركية الاستراتيجية لسنوات مقبلة. وقد ارفق المشروع بخرائط للدول التي يجب أن تقام على أساس طائفي أو مذهبي أو عرقي.
وتقوم رؤية أو مشروع لويس على ثلاثة عناصر:
1- تغيير التركيبة السياسية القائمة في معظم دول العالم الإسلامي، لتصبح مبنية على مزيج من آليات ديمقراطية وفيدراليات إثنية أو طائفية. وهذا هو جوهر المشروع.
2- التركيز على هوية شرق أوسطية كإطار جامع للفيدراليات المتعددة المنشودة، لهذا يدخل العامل الإسرائيلي كعنصر مهم في الشرق الأوسط الكبير المنشود، إذ بحضوره الفاعل تغيب الهويتان العربية والإسلامية عن أي تكتل إقليمي محدود أو شامل.
3- ضرورة إنهاء الصراع العربي الإسرائيلي من خلال إعطاء الأولوية لتطبيع العلاقات العربية مع إسرائيل، مما سيدفع الأطراف كلها إلى التسوية والقبول بحدود دنيا من المطالب والشروط.
المثير في مشروع لويس، أنه منذ الغزو الأميركي للعراق بدأ عملياً تطبيق هذه الرؤية، بدليل حالة دولة العراق الموزعة بين تجمعات طائفية وجهوية وعرقية. والدليل الثاني الأشد وضوحاً ما جرى ويجري في السودان، الذي توزع على أكثر من دولة ومنطقة نفوذ، إضافة إلى حال اليمن التي عادت يمنين، وليبيا المتفرقة، والآن سوريا غير المستقرة.
في تجارب التاريخ السياسية والعسكرية والاجتماعية، المتعددة، ثبت أن ما يجري في سوريا، ينعكس مباشرة على لبنان، والعكس صحيح.
لذلك يبقى السؤال الملح، على ماذا ستستقر سوريا، وكيف ستصبح الأوضاع في لبنان؟ هل ستبقى سوريا موحدة ومستقرة وينعم لبنان بمناخ مماثل، أم تنتقل المحنة من دمشق إلى بيروت؟
المدن
—————————-
مجازر العلويين والخيارات الممكنة/ وليد فارس
في سوريا مجموعات أخرى تختلف عن بعضها بعضاً على الصعد اللغوية والدينية والطائفية والقومية
الجمعة 14 مارس 2025 1:39
المعادلة الآن، لا سيما بعد الاتفاق الذي تم بين “قسد” و”هيئة تحرير الشام” تمكين الدولة السورية الجديدة لكي تخرج من الحرب وتنطلق إلى النهوض الاقتصادي، إلا أن الجرح الذي فتح في اللاذقية وبانياس وطرطوس لا بد من أن يأتي أحد لتضميده.
خلال الأسبوع الماضي برزت عناوين صادمة في الصحافتين العربية والدولية حول تطور هائل في صوره ومحزن في وقائعه وصعب في حلوله، تمثل في مجموعة الأحداث الأمنية التي وقعت بمنطقة الساحل السوري وأهمها وأخطرها ما جرى تداوله عن قتل جماعي كبير من العائلات العلوية.
وأعلنت الأمم المتحدة أنها وثقت مقتل 1000 مواطن حتى الآن ورجح عدد من الهيئات غير الحكومية ارتفاع الأرقام المنتظرة إلى آلاف، إلا أن ذلك لن يحسم قبل مرور أشهر أو أكثر حتى صدور أي تقرير مفصل عن جهات دولية.
سلطات “هيئة تحرير الشام” في دمشق أوضحت أن هدف العملية الأمنية كان استئصال “فلول قوات الأسد” المتهمة بشن عمليات عسكرية ضد قوات الأمن والشرطة، وردت المعارضة العلوية أن لا علاقة بين أي شبكة من جنود سابقين في الجيش العربي السوري وأهالي الساحل العلويين، وتستمر الاتهامات والاتهامات المضادة حتى الآن. والأسئلة كثيرة ماذا حدث بالفعل؟ لماذا يحدث؟ وكيف يمكن إصلاح الأمور؟
على ضوء ما يجري في تلك المنطقة الواقعة على ساحل البحر الأبيض المتوسط سنستعرض الوقائع والاحتمالات والسيناريوهات، لذا سنتطرق في هذه المقالة وبسرعة إلى وضع الطائفة العلوية بعد سقوط نظام بشار الأسد نهاية العام الماضي وإلى أين هي ذاهبة.
أولاً في بعض الوقائع المبسطة ولكنها معروفة أن في وسط البلاد أكثرية من الطائفة العربية السنّية، الموجودة أيضاً في بادية الشام وتشكل الأكثرية في العاصمة دمشق والمدن السورية الكبرى من حلب إلى حمص إلى حماة. ويمتد الوجود العربي السنّي إلى كامل أنحاء البلاد، بما فيها المناطق التي تضم أقليات إثنية ودينية.
وفي سوريا أيضاً مجموعات أخرى تختلف عن بعضها بعضاً على الصعد اللغوية والدينية والطائفية والقومية، وباختصار هناك إجماع على أن ثمة منطقة في شمال شرقي البلاد ضمن المثلث الواقع بين تركيا والعراق وسوريا يعيش فيها مجتمع كردي يمتد من شرق البلاد حتى منطقة عفرين على الحدود التركية- السورية ولها لغتها الكردية الخاصة ولها هويتها وتاريخها.
وشاءت الظروف التاريخية أن تكون الطائفة الكردية موجودة في شمال البلاد وشمال شرقها، بينما يتوزع الأكراد على مناطق متاخمة في العراق وتركيا وإيران. أما في شمال غربي البلاد، لا سيما في الجبال المتاخمة للساحل ومدنه، فهناك الطائفة العلوية وهي عربية إثنياً ولكنها منبثقة في المعتقد والتاريخ من المذهب الشيعي والعلويون قطنوا في تلك المناطق منذ قرون عدة وشكلوا مجتمعاً خاصاً بهم. أما في جنوب البلاد ما بين دمشق والحدود الإسرائيلية واللبنانية، فهناك طائفة أخرى هي الدروز التي لها خصائصها أيضاً والتي عاشت في تلك النواحي منذ قرون. أما المسيحيون فهم ربما أقدم الطوائف السورية وينتشرون في مناطق عدة، فهناك الآشوريون والسريان في منطقة الحسكة والخابور وهناك سريان وادي النصارى جنوب منطقة العلويين وهناك كتلة مسيحية داخل مناطق الدروز بين دمشق والجولان وهناك بالطبع أحياء مسيحية كاملة في دمشق قد تكون الأكثر عدداً لدى مسيحيي سوريا.
عندما اندلعت الحرب الأهلية في سوريا عام 2011 تميزت منطقه الشمال الشرقي حيث وجود الأكراد الكثيف والمسيحيين وعرب سنّة بقيام إدارة ذاتية حتى انتهاء الحرب وتطورت الإدارة للتحول إلى منطقة واسعة جداً تحت سلطة “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) وحصلت على الحماية الأميركية بسبب الحملة ضد تنظيم “داعش”.
وعندما انفجر الصراع بين “داعش” والسلطة السورية لنظام الأسد في معظم مناطق البلاد من شمالها إلى وسطها إلى قرب العاصمة والجنوب، بقيت منطقة واحدة سالمة هي منطقة جبال العلويين والساحل في الشمال الغربي حيث عاشت هذه الطائفة ومواطنون من الطوائف الأخرى بمن فيهم السنة والمسيحيون بسلام نسبي في الحرب.
أما بعد أن سقط الجيش العربي السوري بسرعة في ديسمبر (كانون الأول) عام 2024 وهرب رئيس النظام بشار الأسد وسقطت المؤسسات بسرعة بين يدي “هيئة تحرير الشام”، فتغيرت الأمور وبدا وكأن الغيوم السوداء تتجمع فوق مناطق العلويين، ولكن ذلك لم يحدث بسرعة. فهل النظام الجديد أخذ وقته لكي يحصل على حد أدنى من الاعترافات الإقليمية والدولية التي مدت له جسوراً بهدف أن يكون عادلاً بين كل المجموعات السورية وأن يضع حداً للخروقات وألا يتخذ محولاً بين المحاور العربية.
المجموعة الجديدة الحاكمة في الشام فرضت ضغطاً على الأكراد من ناحية الشمال وضغطاً آخر على الدروز في الجنوب “لتسليم السلاح”، إلا أن المجموعتين لم تقبلا بمدّ السيطرة المركزية العسكرية للنظام على مناطقهما لأسباب تاريخية، لذا وبعد فشل “الهيئة” بدخول مناطق الأكراد والدروز قررت القوى الحاكمة في دمشق توجهها إلى منطقة ثالثة حيث هناك رفض شعبي للنظام الجديد لكن ليست هناك قوة عسكرية لتقاومه.
وكانت أهداف السلطة الأساسية واضحة وتتمثل في الآتي:
أولاً، إخضاع المنطقة لسلطة دمشق لتثبيت “السيادة الوطنية”، أي عملياً مد سيطرة “الهيئة” على مقاطعة الساحل لتكون عبرة للمناطق الممانعة لدخول “الدولة”.
ثانياً، تفكيك مجموعات عسكرية هاربة من الجيش السابق أطلق عليها اسم “فلول النظام” أو “الجيوب الأسدية”.
ثالثاً وهو الهدف الرئيس لتحرك “الهيئة” باتجاه الساحل السوري والجبال مع تأخر دام ثلاثة أشهر، السيطرة على الساحل وعلى المرافئ.
فعبر هذا الساحل سيتمكن النظام من أن يبرز قوته في البحر الأبيض المتوسط بمساعدة تركيا وأهم ما يصبو إليه نظام “الهيئة” أن يكون لاعباً كبيراً في مخزون الطاقة العالمي، فمن المعروف جيداً أن الساحل السوري يشرف على مساحة مائية واسعه جداً يحوي قاعها احتياطات هائلة من الغاز.
وكان النظام البائد وعد شركات عدة وحلفاء في المنطقة وعلى رأسهم النظام الإسلامي في إيران بأن يكونوا شركاء في التنقيب والاستفادة، وبعد سقوط النظام ووصول القوى الإخوانية إلى السلطة كان من الطبيعي أن تعمل السلطة الجديدة على السيطرة على الساحل لوضع اليد على هذه الثروة الهائلة.
وبات هناك محور مصالح اقتصادية ومالية يسعى إلى الوصول إلى الشاطئ والسيطرة على المياه الإقليمية والمناطق الاقتصادية السورية، مما قام بالدور الأكبر في عملية محاولة سيطرة “هيئة التحرير” وحلفائها على مناطق العلويين للوصول إلى الذهب الأسود.
لكن في النظر عن الأسباب الكثيرة والمتنقلة حول دخول بعض وحدات قوات “الهيئة” إلى أطراف بلدات علوية في الشمال الغربي مما أدى إلى وقوع ضحايا، كانت أوامر مركزية بالقضاء على ما سمي “الفلول”، ولكن السبب الأهم المحتمل هو إنهاء إمكان قيام “مقاومة علوية” تطلق في الساحل مجلساً عسكرياً ينتشر في المنطقة لمصلحة إدارة ذاتية كما في روجافا والجنوب.
ومع وقوع أول أحداث دامية على أطراف المناطق العلوية، رد شباب مسلح علوي قد يكون ضمن صفوفه عسكريون في جيش النظام السابق، مما أسفر عن قتلى بين القوى المتقدمة وأعضاء من ميليشيات “الهيئة”، فشنت أجهزة النظام عملية عسكرية واسعة للدخول إلى مناطق العلويين بهدف ضرب الشبكة التي أطلق عليها اسم “فلول النظام” وتوجهت وحدات عدة من دمشق والمدن الأخرى باتجاه الساحل السوري وحصل ما حصل.
وأعلنت الأمم المتحدة ومؤسسات غير حكومية عدة أنه وقعت مجازر واسعة قالت بعض المصادر إنها سجلت ألف قتيل وبعضها قال إنها أدت إلى نحو 6000 معظمهم من المدنيين ومن بينهم نساء وأطفال وإن هذه الأحداث لا تزال تحصل.
هنا بعض النقاط الأساسية:
أولاً، منطق الدولة إذ كان من المنتظر أن تقوم قوات “الهيئة” وميليشياتها باقتحام منطقة الساحل وبلداتها، لكن السؤال هو لماذا لم يتم ذلك عبر اتفاق بل عبر عملية عسكرية؟
ثانياً، بعد حدوث هذه المجازر الدموية كيف يمكن للسلطة المركزية أن تعيد بناء الثقة مع أهالي تلك المناطق. هل هذا ممكن؟ لماذا لم تقُم السلطة بعمليات مماثلة لإعادة الوحدة مع مناطق الشمال الشرقي؟ هل لأن تلك المناطق لها قوة عسكرية على الأرض وأية محاولة تقدم ستتحول إلى حرب طاحنة؟ والمنطق نفسه ينطبق على المناطق الجنوبية حيث لمحافظة السويداء قوة عسكرية ومن ورائها الجيش الإسرائيلي.
والنقطة المهمة الأخرى أن عدداً من الدول العربية اعترفت بالسلطة الجديدة وبصورة واضحة، ولكن الأحداث الدموية في مناطق العلويين تطرح سؤالاً حول هذه العلاقات. فهل تقوم الدول التي اعترفت بسلطة دمشق بالضغط عليها لكي تطلق تحقيقاً كبيراً حول ما حدث هناك أم إنها ستمتنع عن ذلك لعدم إحراج الدولة السورية العربية؟
وثمة نقطة مهمة، إذا نظم الأهالي في المناطق العلوية احتجاجات واسعة ضد ما جرى وطلبوا تدخل قوات دولية هل هناك حكومات بإمكانها أو لديها إرادة أن تتدخل عسكرياً لحمايه العلويين؟ حتى الآن لم نرَها، ولكن ذلك أيضاً سيخلق نوعاً من التردد الدولي في التعاطي مع الدولة السورية الجديدة.
أما في ما يتعلق بإسرائيل، فصدرت بعض الأصوات من المناطق العلوية مطالبة إياها بأن تحمي العلويين كما تحمي الدروز ولكن جغرافياً لن تساعد إسرائيل عبر وصولها إلى الشمال الغربي لبعده ولوجود دولة كاملة هي لبنان.
المعادلة الآن، لا سيما بعد الاتفاق الذي تم بين “قسد” و”هيئة تحرير الشام” هي تمكين الدولة السورية الجديدة لكي تخرج من الحرب وتنطلق إلى النهوض الاقتصادي، إلا أن الجرح الذي فتح في اللاذقية وبانياس وطرطوس لا بد من أن يأتي أحد لتضميده.
كنا اقترحنا في الماضي أن تقوم السعودية برصيدها السياسي والدبلوماسي الكبير بدعوة الأطراف إلى اللقاء على أراضي المملكة والانطلاق بتصور جديد للمستقبل في سوريا، إلا أن أعمال العنف الهائلة التي حصلت على الساحل السوري قد تكون محفزاً لانطلاق مبادرة كهذه من قبل الرياض. فهل هناك أمل في أن يحصل ذلك؟
في سوريا الآن ثلاث ديناميكيات، الأولى التي بعثت ببعض الأمل ولكنه محدود هي الاتفاق بين الأكراد و”الهيئة” ومحاولة تخفيف التشنج بين الجنوب السوري ومجموعاته الدرزية والسلطة في دمشق، إلا أن نتائج ما حصل في مناطق العلويين أثرت في الأوساط الدولية لتطالب بالتحقيق بما جرى في الساحل من ناحية ومبادرات دولية وعربية قد تخفف التوتر من ناحية أخرى.
وإذ نختم هذه المقالة وقعت “قسد” و”الهيئة” على اتفاق الدمج لقواتها العسكرية، فهل سيطالب المجتمع الدولي باتفاقات مماثلة مع العلويين والدروز؟ سنرى.
——————————–
مظلوم عبدي.. 3 عقود من التلون، فمن هو قائد قوات سوريا الديمقراطية؟
عربي بوست
2025/03/14
لم تكن مجرد صورة عابرة تلك التي جمعت أحمد الشرع، الرئيس السوري المؤقت، ومظلوم عبدي، قائد قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، في قصر الشعب بدمشق، وهما يوقعان “اتفاقاً هاماً” ينهي سنوات طويلة من الصراع المسلح الذي أدارته قوات سوريا الديمقراطية الكردية ضد الدولة السورية، انطلاقاً من منطقة شمال شرق البلاد.
فهذه الصورة، التي التقطت للحظة المصافحة بين الرجلين، حازت اهتمام الكثيرين، حتى أولئك غير السوريين، وهو ما ظهر بوضوح على وسائل التواصل الاجتماعي. ولم لا، فلقاء الطرفين ما كان أحد يتوقعه قبل ثلاثة أشهر من الآن، منذ سقوط حكم بشار الأسد، وربما لم يكن يتخيله حتى أكثر الحالمين بمستقبل سوريا الجديد.
ربما بدا المشهد للبعض تغييراً جذرياً في مواقف مظلوم عبدي، لكنه بالنسبة للبعض الآخر لم يكن مفاجئاً، فقد عُرف بأنه يتقن اللعب على التناقضات وتغيير ولاءاته متى دعت الحاجة.
الباحث عن الصدام
لم يتهرب مظلوم عبدي من الإجابة بصراحة حين سُئل في أحد الحوارات الصحفية قبل أيام عن تأخره في تهنئة الرئيس السوري أحمد الشرع بنجاح الثورة السورية وتنصيب الأخير رئيساً مؤقتاً لسوريا، فذكر أن التأخير سببه عدم دعوة الشرع قسد إلى حفل التنصيب، ليضع عبدي نفسه في “مركز الندية” مع الرئيس الجديد لسوريا، بحسب ما رآه بعض المتابعين.
ربما تكشف هذه الإجابة عن الكثير من طبيعة الرجل ونمط تفكيره، وتلقي الضوء على غايته من الصراع، سواء داخل سوريا أو في علاقته المتوترة مع تركيا. فبمعرفة مسار حياته السياسي، ربما سندرك أنه رجل لا يسعى إلى مجرد الاندماج في المشهد السياسي، بل يحرص على انتهاز الفرص للبحث عن موقع كفاعل لا يمكن تجاوزه.
نشأة متقلبة وهوية متغيرة
نشأ فرهاد عبدي شاهين، أو مظلوم عبدي كما هو معروف في وسائل الإعلام، وسط بيئة مليئة بالصراع، فرضت عليه التنقل بأسماء مستعارة، ليس فقط داخل سوريا، بل حتى خارجها. هذه الحياة المتعددة صنعت عقليته الصدامية والمتلونة أيضاً، التي لم تكن مجرد سلوك عسكري، بل نهجاً سياسياً متكاملاً.نشأ فرهاد عبدي شاهين، أو مظلوم عبدي كما هو معروف في وسائل الإعلام، وسط بيئة مليئة بالصراع، فرضت عليه التنقل بأسماء مستعارة، ليس فقط داخل سوريا، بل حتى خارجها. هذه الحياة المتعددة صنعت عقليته الصدامية والمتلونة أيضاً، التي لم تكن مجرد سلوك عسكري، بل نهجاً سياسياً متكاملاً.
إذ كان قادراً على التحرك تحت أسماء حركية عديدة، مثل مظلوم عبدي، مظلوم كوباني، شاهين جيلو، والخال جيلو. لم تكن هذه الأسماء مجرد وسائل للحماية الأمنية، بل تعبيراً عن قدرة الرجل على التلون وفق مقتضيات اللحظة.إذ كان قادراً على التحرك تحت أسماء حركية عديدة، مثل مظلوم عبدي، مظلوم كوباني، شاهين جيلو، والخال جيلو. لم تكن هذه الأسماء مجرد وسائل للحماية الأمنية، بل تعبيراً عن قدرة الرجل على التلون وفق مقتضيات اللحظة.
إذا كان ثمة خيط ناظم في مسيرة عبدي، فهو قدرته على القفز بين المواقع، بدءاً من انخراطه المبكر في حزب العمال الكردستاني (PKK)، مروراً بقيادته لـقسد، وانتهاءً بتفاوضه مع الحكومة السورية. هذه المرونة جعلته لاعباً محورياً في شمال وشرق سوريا، حيث نسج تحالفات متضادة، تارة مع الولايات المتحدة بحثاً عن دعم عسكري، وتارة أخرى مع دمشق للحفاظ على مصالحه السياسية.
حزب العمال.. من الوئام إلى القطيعة مع سوريا
منذ وقت مبكر، انضم مظلوم عبدي إلى حزب العمال الكردستاني (PKK) في سوريا عام 1990، ليكون جزءاً من حالة الصراع مع تركيا، والتي بطبيعة الحال ألقت بظلالها على علاقة الحزب بسوريا.
وقد تميزت علاقة حزب العمال الكردستاني (PKK) بسوريا بالتقلبات الشديدة. فبالتطرق إلى موقف مظلوم عبدي من ذلك، فقد شهدت العلاقة بين الحزب والنظام السوري تغيرات حادة، حيث انتقلت من مرحلة الدعم إلى مرحلة القطيعة والملاحقات الأمنية، خاصة مع تنامي الضغوط التركية على دمشق.
انضم مظلوم عبدي إلى حزب العمال الكردستاني عام 1990، في وقت كانت فيه العلاقة بين الحزب والنظام السوري تمر بمنعطف حساس. على مدار عقود، شهدت هذه العلاقة تقلبات حادة، انتقلت من التحالف الوثيق إلى القطيعة والملاحقات الأمنية، مع تزايد الضغط التركي على دمشق.
خلال الثمانينيات، دعم النظام السوري حزب العمال الكردستاني واستخدمه كورقة ضغط ضد أنقرة، التي كانت على خلاف مع دمشق بسبب ملفات حساسة، أبرزها مياه الفرات والسيطرة على لواء إسكندرون.
في الفترة ما بين 1980 وحتى 1990، بدت العلاقة بين حافظ الأسد وحزب العمال الكردستاني في أوجها، وكأنها شهر عسل سياسي بين الطرفين. فقد منح الأسد عبد الله أوجلان، زعيم الحزب، ملاذاً آمناً في سوريا ولبنان، حيث أقام في معسكرات البقاع تحت الحماية السورية. وصارت تلك المعسكرات نقطة انطلاق لعمليات الحزب ضد تركيا، مما أدى إلى تصاعد التوترات بين دمشق وأنقرة.
لكن هذه العلاقة لم يكن مقدراً لها أن تستمر. فمع دخول التسعينيات، بدأت أنقرة تضيق الخناق على دمشق، مطالبة بإنهاء الدعم لحزب العمال. تصاعد الضغط التركي حتى بلغ ذروته في أواخر العقد، حين هددت أنقرة بتدخل عسكري مباشر إذا لم تتخلَّ سوريا عن أوجلان.
في عام 1998، جاء الحل على شكل اتفاق أضنة، الذي وضع حداً للتحالف بين الأسد والحزب. بموجب الاتفاق، طُرد أوجلان من سوريا، ليصبح هارباً من دولة إلى أخرى حتى وقع في قبضة الاستخبارات التركية عام 1999.
بعد طرده، لم تكتفِ دمشق بالتخلي عنه، بل فتحت أبواب المواجهة مع حزبه، فبدأت حملة ملاحقات واعتقالات شملت العديد من كوادر الحزب، وكان من بين المعتقلين مظلوم عبدي، الذي سيصبح لاحقاً أحد أبرز وجوه المشهد في الحرب الأهلية السورية.
لكن الحزب حاول إعادة ترتيب صفوفه، وبسبب ضعفه في سوريا نتيجة الضغوط من جانب حافظ الأسد، اضطر إلى تحويل نشاطه إلى جبال قنديل في العراق. وبعد خروج مظلوم عبدي من السجون السورية، اتجه إلى مقر الحزب الجديد في جبال قنديل، لتستمر حالة القطيعة بين حزب العمال الكردستاني والنظام السوري حتى اندلاع الثورة السورية في عام 2011.
العلاقة مع عبدالله أوجلان واستهداف تركيا
بطبيعة الحال، كان زعيم حزب العمال الكردستاني في هذه الفترة هو عبدالله أوجلان، وبعد انضمام مظلوم عبدي إلى الحزب، نشأت بينهما صداقة قوية، خاصةً وأن نشاط الحزب كان يتركز في سوريا آنذاك، حيث ترافقا معاً في مراحل عديدة. فكان عبدي في تلك الفترة كادراً سياسياً نشطاً بين أكراد سوريا المؤيدين للحزب، قبل أن ينتقل إلى أدوار أكثر عسكرية في مواجهة تركيا.
لم يكن عبدي مجرد ناشط سياسي، بل كان جزءاً من تحول الحزب نحو العمل المسلح ضد تركيا. فبعد انقلاب كنعان إفرين في 1980، لجأ أوجلان إلى سوريا، حيث حصل على دعم النظام السوري، وبدأ في إعادة تنظيم صفوف الحزب ليكون جاهزاً للمواجهة.
وفي عام 1984، أطلق الحزب أولى هجماته المسلحة ضد تركيا، مستهدفاً مراكز أمنية تركية في مدينتي سيرت وهكاري جنوب شرق البلاد، مما أسفر عن مقتل عدة جنود أتراك. وردّت أنقرة بحملة عسكرية شاملة ضد معاقل الحزب، لتبدأ بذلك حرب طويلة بين الطرفين.
مع تصاعد القتال في التسعينيات، كثّف الحزب عملياته، مستهدفاً القرى والمواقع العسكرية التركية، بينما أطلقت أنقرة عمليات واسعة النطاق ضد معاقل الحزب في المناطق الجبلية العراقية. وقد كان مظلوم عبدي خلال هذه الفترة أحد قادة الحزب الذين يديرون الصراع مع الدولة التركية من الأراضي العراقية.
رحلة عبدي إلى أوروبا
استمر الصدام بين مظلوم عبدي، الذي كان جزءاً من حزب العمال الكردستاني في تلك الفترة، وتركيا حتى سافر عبدي إلى أوروبا بحجة العلاج، لكنه استغل الفرصة لزيارة كل من ألمانيا وهولندا وإيطاليا، حيث كان يتنقل باسم مستعار وهو شاهين سيلو.
كانت هذه الرحلة نقطة مفصلية في مسيرة عبدي، حيث وطّد علاقاته بالأوروبيين، مما ساهم في تعزيز نفوذه السياسي. وبعد خمس سنوات من النشاط السياسي في أوروبا، قرر العودة مرة أخرى إلى العراق، ليستأنف نشاطه المسلح ضد تركيا.
العودة إلى العراق
كانت رحلة مظلوم عبدي إلى أوروبا قد استمرت خمس سنوات، بهدف العمل في المسار السياسي الكردي من داخل أوروبا، حيث تمكن خلالها من بناء علاقات قوية بين الأكراد والغرب. ومع انتهاء هذه الفترة، قرر العودة مرة أخرى.
بعد انتهاء رحلته في أوروبا، عاد مظلوم عبدي إلى مقر ارتكاز الحزب في بلدة مخمور العراقية ذات الأغلبية الكردية عام 2003، والتحق بالحزب مجدداً، واتخذ من جبال قنديل عند الحدود التركية-العراقية-الإيرانية قاعدةً عسكرية له.
استمر نشاطه العسكري في الحزب، وتم تعيينه لاحقاً مسؤولاً عن قوات العمليات الخاصة في وحدات حماية الشعب الكردية (YPG). وفي عام 2009، كُلّف بالإشراف على قوات العمليات الخاصة التابعة للحزب، لكن مع اندلاع الثورة في سوريا، وجد عبدي الفرصة سانحة للعودة إلى سوريا، ولكن هذه المرة ليس كعضو في حزب العمال فحسب، بل كطرف يسعى لفرض نفسه على المشهد الجديد.
فعاد إلى سوريا واستغل حالة الفوضى ليعيد تموضعه عسكرياً، متحالفاً مع قوى مختلفة، من بينها نظام الأسد، وفق مصالحه، ليبدأ مرحلة جديدة من صراعه مع تركيا. ولكن هذه المرة، كان الصراع من داخل الأراضي السورية، تحت غطاء جديد، ومع شبكة تحالفات أكثر تعقيداً.
انتهازيته وموقفه من الثورة السورية
كانت هذه الفترة تشهد “خلافاً مكتوماً” بين نظام الأسد وحزب العمال الكردستاني، الذي كان على رأسه مظلوم عبدي، لكن محاولة بشار الأسد إنهاء الثورة السورية دفعته إلى التقارب مع عبدي، الذي رأى في ذلك فرصة لإعادة التمركز داخل سوريا والانطلاق نحو تركيا لاستهداف أمنها القومي.
في الوقت الذي كانت فيه سوريا تغرق في أتون الثورة عام 2011، كان مظلوم عبدي يعمل على استغلال الظروف لصالحه، متخلياً عن أي مبادئ ثابتة أو ولاءات طويلة الأمد. ورغم الخلاف المكتوم بين حزب العمال الكردستاني ونظام الأسد، خاصةً بعد القمع الذي تعرض له الحزب في الماضي، إلا أن الوضع الثوري قدّم لعبدي فرصة جديدة.
وبينما كان نظام بشار الأسد يحاول قمع الثورة السورية بكل الوسائل، وجد عبدي نفسه أمام فرصة ذهبية لإعادة تموضعه داخل سوريا. ولم يكن تحركه هذا بدافع أيديولوجي أو دعماً للثوار، بل كان بهدف استعادة نفوذه العسكري والسياسي في سوريا، مع التركيز على استهداف تركيا.
قام مظلوم عبدي بالتنسيق مع نظام الأسد، وسعى للتعاون معه في قمع الثورة السورية. وبالفعل، سمح بشار الأسد لحزب العمال الكردستاني بالعمل مجدداً داخل سوريا، ليحقق له هذه الغاية.
لم يكن هدف عبدي دعم الثورة، بل كان يسعى إلى استغلال الأزمة لصالحه. فقام بالاشتراك مع قيادات كردية أخرى بتأسيس وحدات حماية الشعب الكردية (YPG)، التي سيطرت على المناطق ذات الأغلبية الكردية.
لم تكن هذه الوحدات مجرد قوة محلية، بل تحولت سريعاً إلى الذراع العسكري لحزب الاتحاد الديمقراطي (PYD)، الذي تعتبره تركيا الواجهة السورية لحزب العمال الكردستاني. وبموافقة نظام الأسد، استطاع عبدي أن يرسّخ وجوده، مستخدماً شعارات براقة عن “الإدارة الذاتية”، بينما كان عملياً يخدم أجندة تخدم مصالحه الشخصية وتتماشى مع أهداف الأسد في إضعاف المعارضة السورية.
تحالفاته الدولية وتوسيع نفوذه
لم يكتفِ مظلوم عبدي بقمع الثورة السورية بالتنسيق مع بشار الأسد، بل وسّع دائرة تحركاته، متنقلاً بين القوى الدولية وفقاً لمصالحه، ليعمل على توسيع دائرة تحالفاته.
ففي عام 2014، قاد عبدي مفاوضات في السليمانية، جمع خلالها إيران والولايات المتحدة—عدوين تقليديين—وخرج من هذه المفاوضات باتفاق شراكة مع واشنطن، التي كانت تبحث عن قوة محلية لمواجهة داعش.
في أعقاب هذه المفاوضات، أسس عبدي قوات سوريا الديمقراطية (SDF)، التي تولى قيادتها مباشرة، وأصبحت الذراع العسكرية الجديدة له.
ضمت هذه القوات ما بين 45 ألفاً و100 ألف مقاتل وفق تقديرات متباينة، وكانت في جوهرها امتداداً لحزب العمال الكردستاني، حتى وإن اتخذت طابعاً جديداً تحت رعاية أمريكية.
الغاية تبرر الوسيلة
كانت رغبة مظلوم عبدي طيلة الوقت مواجهة الحكومة التركية، وذلك في ظل تنسيقه مع نظام بشار الأسد، فلم تعد له أي جهة “تعاديه” سوى الحكومة التركية. وقد “تشبّع الرجل” ببراغماتية وانتهازية واضحة.
في عام 2014، وأثناء ذروة الحرب ضد تنظيم داعش، وجد عبدي الفرصة المناسبة لإعادة ترتيب أوراقه على الساحة. جلس على طاولة واحدة مع إيران والولايات المتحدة—عدوين تاريخيين—وتفاوض مع كليهما من أجل تأسيس قوات سوريا الديمقراطية (SDF)، تحت ستار محاربة داعش في مدينة كوباني.
في 10 أكتوبر/تشرين الأول 2015، أعلن مظلوم عبدي رسمياً عن تأسيس قوات سوريا الديمقراطية خلال اجتماع في مدينة القامشلي شمالي سوريا. لم تكن هذه القوات سوى إعادة تدوير للفصائل المسلحة التابعة له، لكنها جاءت تحت مسمى جديد وبحلة أكثر قبولاً دولياً، خاصةً بعد الدعم الأمريكي الواسع.
وضمت هذه القوات تنظيمات مسلحة أخرى، منها:
التحالف العربي السوري
جيش الثوار
غرفة عمليات بركان الفرات
قوات الصناديد
تجمع ألوية الجزيرة
المجلس العسكري السرياني
وحدات حماية الشعب الكردية
وحدات حماية المرأة الكردية
رفض تركي لنشاط مظلوم عبدي الجديد
كانت خطوة إنشاء قوات سوريا الديمقراطية برعاية النظام السوري وبقيادة مظلوم عبدي في عام 2015 مثار رفض كامل من جانب تركيا، التي رأت فيها امتداداً مباشراً لحزب العمال الكردستاني (PKK)، المصنف لديها كمنظمة إرهابية.
فبالنسبة لأنقرة، لم يكن هذا التحرك مجرد تشكيل جديد في المشهد السوري، بل تهديداً مباشراً للأمن القومي التركي، إذ اعتبرت أن وجود قسد على حدودها يشكل خطراً استراتيجياً. ولهذا، استهدفت تركيا قوات سوريا الديمقراطية، وقامت بالرد عليه بعدة عمليات عسكرية، كان أبرزها:
عملية “درع الفرات” (2016): لطرد داعش ومنع توسع قسد غرب نهر الفرات.
عملية “غصن الزيتون” (2018): ضد قسد في عفرين، انتهت بسيطرة تركيا على المنطقة.
عملية “نبع السلام” (2019): للسيطرة على مدينتي رأس العين وتل أبيض وإنشاء منطقة آمنة.
الرغبة في التفاهم مع تركيا
بعد ذلك، حاول مظلوم عبدي من جديد ممارسة نهجه الانتهازي، عبر إلقاء “حبال الود” تجاه الجانب التركي. ففي أكتوبر/تشرين الأول 2024، وخلال مقابلة مع وكالة أسوشييتد برس، دعا عبدي إلى التفاوض مع تركيا، مطالباً الوسطاء الدوليين بمواصلة الضغط من أجل التوصل إلى حلول دبلوماسية مع أنقرة.
وقال عبدي وقتها: “نحن منفتحون على الحوار مع جميع الأطراف، بما في ذلك تركيا، حتى لو استمرت هجماتها”.
بدا هذا الموقف تحولاً تكتيكياً، لكنه في جوهره لم يكن سوى محاولة لإعادة تموضع سياسي، بعدما أدرك أن استمرار المواجهة العسكرية لن يحقق له مكاسب طويلة الأمد.
فعبدي، الذي ظل لعقود في صراع مع تركيا، وجد نفسه أمام حقيقة مفادها أن القوة وحدها لن تحمي مشروعه، فحاول إعادة تسويق نفسه كطرف “منفتح على الحوار”، في محاولة لتخفيف الضغط العسكري والسياسي عليه.
لكن في المقابل، رفضت تركيا هذه “الدعوات غير البريئة” من جانبه، ودعت إلى تسليمه لها لكي تقوم بمحاكمته، حيث يحتل عبدي المرتبة التاسعة في قائمة المطلوبين لدى الحكومة التركية، مع مكافأة قدرها 9 ملايين ليرة تركية لمن يدلي بمعلومات تؤدي إلى اعتقاله.
يريد دولة علمانية وعدم خروج أمريكا من سوريا!
لا يخفي مظلوم عبدي أفكاره التي يتبناها، بل يحرص في كل لقاءاته الإعلامية على الترويج لها، مستغلاً أي فرصة إعلامية لإبراز موقفه.
في فبراير/شباط 2025، وخلال لقاء مع وكالة أسوشييتد برس، عبّر بوضوح عن دعمه لإقامة دولة علمانية ومدنية ولامركزية في سوريا، وذلك بعد الإطاحة الأخيرة بنظام الأسد، الذي كان حليفاً له في السابق.
بينما تحكم قواته (قسد) أغنى مناطق سوريا بالثروات، إلا أنها أيضاً أكثرها افتقاراً للبنى التحتية ومقومات الحياة، حيث تفتقد إلى:
العدالة
الأمن
عدالة التمثيل السياسي
تقديم الخدمات الأساسية
مراعاة أولويات التنمية الحقيقية
فالآن، وبعد وصول المعارضة إلى الحكم، يرى عبدي أن المستقبل السياسي لسوريا يجب أن يكون غير ديني وغير مركزي، مع تعامل متساوٍ مع جميع المكونات الدينية والعرقية، بما يشمل المسلمين السنّة، والمسيحيين، والعلويين، والدروز، والإيزيديين، والعرب، والأكراد، والتركمان، والأرمن.
ولا يرى عبدي تناقضاً بين هذه الدعوات التي يطرحها ورغبته في استمرار النفوذ الأمريكي في سوريا، حيث شدد خلال المقابلة على أن القوات الأمريكية يجب أن تبقى في سوريا، بحجة أن انسحابها سيؤدي إلى عودة تنظيم داعش، ما سيهدد أمن المنطقة بأسرها.
وقال عبدي، في إشارة إلى المسلمين السنّة الذين يشكلون الأغلبية في البلاد: “سوريا مختلطة وليست مكونة من السنّة فقط، فهناك هويات أخرى”. وأضاف أن أكراد سوريا لا يريدون الانفصال عن البلاد أو إقامة حكومة وبرلمان مستقلين، كما هو الحال في شمال العراق. وأوضح أن شعب شمال شرق سوريا يريد إدارة شؤونه المحلية في دولة لامركزية.
لقاؤه الأول مع أحمد الشرع
مع التغيرات السياسية في سوريا، ووصول أحمد الشرع إلى السلطة كرئيس انتقالي، بات واضحاً أن مظلوم عبدي يسعى لإيجاد صيغة تضمن بقاء نفوذه داخل البلاد. وبالنسبة إلى القيادة السورية الجديدة، كان ملف قوات سوريا الديمقراطية (قسد) أحد التحديات الكبرى، ما دفع الشرع إلى فتح قنوات الحوار مع عبدي في محاولة لإيجاد حل لهذا الملف.
وكان اللقاء الأول بين الطرفين في ديسمبر/كانون الأول 2024، حيث بدأت المفاوضات بوساطة أطراف لم يكشف عنها عبدي. ليأتي بعدها إعلان من جانب الرئاسة السورية يوم الاثنين 10 مارس/آذار 2025، مفاده أن الرئيس الانتقالي أحمد الشرع وقائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي وقّعا اتفاقاً يقضي “بدمج” كافة المؤسسات المدنية والعسكرية التابعة للإدارة الذاتية الكردية في إطار الدولة السورية.
عربي بوست
—————————
المجلس الوطني الكردي يرفض الإعلان الدستوري السوري
2025.03.14
أعلن المجلس الوطني الكردي في سوريا، رفض الإعلان الدستوري الذي صدق عليه الرئيس السوري أحمد الشرع أمس الخميس، معتبراً أنه مخيب للآمال وغير متوافق مع التطلعات نحو بناء دولة ديمقراطية تعكس التنوع الحقيقي للمجتمع السوري، على حد وصفه.
وأكد المجلس، في بيان
اليوم الجمعة، أن الإعلان “أُعد من قبل لجنة لا تمثل كافة المكونات السياسية والقومية والدينية في سوريا، مما أفقده الشمولية والتوافق الوطني”، مشيراً إلى أنه “كرس نهج الإقصاء والاستئثار بالسلطة”.
وأضاف أن الإعلان تجاهل الطبيعة التعددية للبلاد وهويتها كدولة متعددة القوميات والأديان، ولم يضمن حقوق المكونات القومية والدينية، بل ثبت هوية قومية واحدة في تسمية الدولة.
كما انتقد المجلس إبقاء الاشتراطات الدينية في الإعلان، بما في ذلك اشتراط دين رئيس الجمهورية، “مما يتعارض مع مبدأ المواطنة المتساوية في أي نظام ديمقراطي”، على حد تعبيره.
ودان المجلس أيضاً تعزيز النظام المركزي ومنح رئيس الجمهورية صلاحيات واسعة، من دون وجود ضمانات للفصل بين السلطات، محذراً من إعادة “إنتاج الاستبداد بصيغ جديدة”.
كما أشار إلى أن الإعلان تضمن قيوداً على الحريات المدنية والفردية، وأكد أن دور المرأة تم تحديده بشكل ضيق فقط في الحفاظ على مكانتها الاجتماعية.
وفيما يتعلق بالمرحلة الانتقالية، اعتبر المجلس أن تحديدها بخمس سنوات من دون ضمانات لمشاركة عادلة يجعلها “أداة لتكريس الواقع القائم بدلاً من أن تكون تمهيداً لتحول سياسي حقيقي”.
وأكد المجلس الوطني الكردي التزامه بالنضال من أجل حل ديمقراطي عادل للمسألة الكردية، داعياً إلى إعادة النظر في الإعلان الدستوري بما يحقق التعددية السياسية والقومية، ويضمن العدالة والمساواة لجميع مكونات المجتمع السوري.
الإعلان الدستوري في سوريا
وأمس الخميس، صدّق الرئيس أحمد الشرع على الإعلان الدستوري للجمهورية العربية السورية، والذي حدد فترة المرحلة الانتقالية بخمس سنوات.
واستهل الإعلان دستوره بمقدمة مطولة تستعرض “الحقبة السوداء” التي عاشها السوريون تحت حكم حزب “البعث” الشمولي لمدة ستة عقود، والتي شهدت احتكاراً للسلطة وقمعاً للحريات وتحويل القانون إلى أداة للاستعباد.
وتصف المقدمة ثورة الشعب السوري المطالب بالحرية والكرامة، والتي واجهها النظام بـ “القتل الممنهج، والتدمير الشامل والتعذيب الوحشي والتهجير القسري، والحصار الجائر، والاستهداف المباشر للمدنيين”، مؤكدة أن هذه الجرائم ترقى إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وجريمة إبادة جماعية.
وقالت لجنة صياغة الإعلان الدستوري إنه تقرر حصر السلطة التنفيذية بيد رئيس الجمهورية في المرحلة الانتقالية لضمان سرعة التحرك ومواجهة أي أحداث في تلك المرحلة.
ونصَّ الإعلان الدستوري المؤلف من 4 أبواب، على الفصل المطلق بين السلطات، وأكد على جملة من الحقوق والحريات الأساسية في البلاد، بينها حرية الرأي والتعبير، وحق المرأة في العمل والمشاركة.
كما ينص الإعلان الدستوري على أنه يحق للرئيس الانتقالي تعيين ثلث أعضاء مجلس الشعب الذي سيتولى العملية التشريعية كاملة وبشكل منفرد.
——————–
الرئيس الشرع في مواجهة الامتحان الأصعب/ عبد القادر المنلا
2025.03.14
لا يزال اللصوص والقتلة من بقايا فلول الأسد يحلمون باستعادة السلطة المافيوية التي أسست لها عصابة آل الأسد، وأتاحت لهم الفرصة ليعيشوا شهر عسل استمر لأكثر من خمسين عاماً، استطاعوا خلالها نهب سوريا والسوريين، وإفقارهم، وإذلالهم، والتكسب على حساب حقوقهم في العيش بكرامة، أو حتى بالحدود الدنيا من الكرامة.
لم يستوعب اللصوص أنهم لم يعودوا قادرين على النهب والقتل والتسلط، ولم يستوعبوا أن يتحولوا إلى مواطنين عاديين بعد أن عاشوا لعقود يعتقدون بأنهم سادة على غيرهم، وأن السوريين مجرد عبيد لهم وخدم عندهم.
وبعد سقوط النظام، هرب الكثير منهم إلى خارج القطر، وتوارى بعضهم في الداخل السوري متخفين بجناحي حمامة سلام ووداعة. وبعد أن ضمنوا سلامتهم، استفاقت شهوة السلطة لديهم من جديد، وبدؤوا بالاتفاق مع الهاربين خارج القطر، يخططون للعودة من بوابة بعض التجاوزات والأخطاء، التي لم تكن في البداية سوى بعض الإهانات اللفظية والملاسنات الكلامية التي وجهها أفراد غير منضبطين للمواطنين، وتحديداً من الطائفة العلوية، مما أثار تذمراً لدى هؤلاء المواطنين.
ولكن فلول العصابة استخدموا تلك الأخطاء ذريعة للتحريض ضد الإدارة الجديدة، ومن ثم إشعال ثورة مضادة بقيادة اللصوص والقتلة أنفسهم، إلى أن تطورت الأحداث على النحو الذي آلت إليه في الأيام السابقة.
زجّت الفلولُ سوريا في مأزق أدى إلى منعطف حاد وخطير للغاية، من شأنه أن يدمر أحلام السوريين بمستقبلهم، الذي كان وجود الأسد عائقاً أمام تحقيقه.
وبعد رحيل الأسد، تبين أن عملية إسقاط النظام لم تكن متكاملة وكافية لإزاحة ذلك العائق، وكان لا بد من اقتلاع النظام من جذوره قبل الإعلان عن ولادة الدولة الجديدة.
وقد بات واضحاً بعد سلسلة الأحداث الأخيرة في الساحل السوري والمشهد الميداني المعقد، أن الرئيس أحمد الشرع يقف في مواجهة أصعب امتحان قبل أن يكمل ثلاثة أشهر من توليه منصب رئيس الجمهورية. فإلى جانب ملف “قسد” وتهديدات إسرائيل ومحاولاتها زرع الفتنة بين السوريين، والوضع الاقتصادي الصعب، والعقوبات التي لا تزال مفروضة على سوريا رغم سقوط المجرم الذي تسبب بفرضها، تأتي قضية الفلول لتزيد المشهد تعقيداً، وتجرّ القيادة الجديدة إلى استخدام السلاح من جديد ضد تلك الفلول. ولكن استخدام السلاح سيضع الدولة باستمرار في موقع الدفاع عن قرارها، ولا سيما في ضوء التشكيك والإشاعات والاتهامات التي تنتشر كالنار في الهشيم، ويستغلها الفلول لبناء مظلومية عليها.
غير أن الامتحان الأصعب يأتي من بعض الفصائل أو بعض الأفراد المحسوبين عليها، والمنتمين إلى الإدارة الجديدة، الذين يرتكبون انتهاكات تم الاعتراف بها رسمياً من قبل الحكومة. والمشكلة الأخطر ليست في نشر فيديوهات عن تلك الانتهاكات فحسب، بل في تبنّيها والافتخار بها من قبل مرتكبيها، وتصديرها على أنها أعمال بطولية. صحيح أن ثمة الكثير من التلفيق والمبالغة والفبركة، ولكن لا يمكن نفي الأصل الذي تستند إليه الفلول في تضخيمه، مما يضع القيادة في حرج شديد، ويمتحن قدرتها على معالجة هذه القضية، بحيث تصل إلى تحقيق العدالة التي وُعد الشعب السوري بها بجميع أطيافه. وتلك مهمة شديدة الدقة والتعقيد، في ظل الاضطرابات السائدة وضياع جزء كبير من الحقيقة وسط أصوات الرصاص وصوت الشائعات التي لا تتوقف.
وإذا أردنا أن نضع الأمور في نصابها الصحيح، فلا بد من التأكيد على أن ما فعلته فلول النظام والمحرضون التابعون لهم، كان السبب الأساسي لتداعيات الأحداث التي وصلت إلى حالة التصعيد الأخيرة والنتائج الكارثية التي ترتبت عليها. فقد فسّرت تلك الفلول حالة التسامح التي أبدتها الحكومة الجديدة بالضعف، ووجدت فيها فرصة استثنائية لمحاولة استعادة السلطة التي فقدتها.
كانت المحاولة تهدف إلى الإطاحة بالدولة الجديدة في حال نجاحها، وفي حال فشلها، فهي ستنجح في إثارة الفوضى بالحد الأدنى، نكايةً بالسوريين وثورتهم ونصرهم. فالفلول هم ذاتهم أصحاب مقولة “الأسد أو نحرق البلد”، هؤلاء هم مشعلو الحرائق الذين لم يرتووا من حرائق الأعوام الأربعة عشر السابقة، ولا يزالون مصرين على حرق ما تبقى، وحرق مكتسبات الشعب، وحرق مستقبله.
في هذا السياق، لا بد من التذكير بأن تلك الانتهاكات لبعض الفصائل أو الأفراد المحسوبين على الدولة، ستقدم خدمة كبيرة لفلول النظام وروايتهم وأجندتهم، وستشارك في إرباك المشهد وتعقيد مهمة الدولة فيما يتعلق بقضية السلم الأهلي.
لقد بات الاستقطاب والتحريض عنوانين أساسيين للمرحلة الحالية، وبدأت الفجوة تتسع بين الدولة السورية والكثير من أبناء الطائفة العلوية. وقد ظهر الرئيس الشرع في خطابين، يعيد من خلالهما التأكيد على السلم الأهلي، ومحاسبة مرتكبي الانتهاكات، وتشكيل لجان عليا للمتابعة، وهذا هو بالضبط ما ينتظره السوريون. ولكن ترجمة تلك الأقوال إلى واقع وبأسرع وقت ممكن، هو ما سيقطع الطريق على الفلول ومناصريهم وداعميهم. وهنا، تبدو محاسبة مرتكبي الانتهاكات لا تقل أهمية عن ملاحقة الفلول، وأي تأخر في وقف الانتهاكات التي تتم ضد المدنيين الأبرياء من الطائفة العلوية وغيرها من المكونات السورية، سيلعب دوراً كبيراً في صب المزيد من النار على الزيت، وسيعرض مصداقية الرئيس للتشكيك، رغم كل ما أبداه من توازن وعدل وخطاب وطني واعٍ وحريص.
حين بدأ التحرك نحو حلب في العملية التي أطلق عليها “ردع العدوان”، لم يكن الكثيرون يعلمون من هم إدارة العمليات العسكرية. وسرعان ما تم الكشف عن أفراد تلك الإدارة وقيادتها، ليتضح أنها هيئة تحرير الشام ذاتها، التي لم يكن السوريون حينها يثقون بوطنيتها، ويعدونها مشروعاً إسلامياً بحتاً. الأمر الذي لم يجعلهم متحمسين لتلك العملية، بسبب خوفهم من فتح جبهة طاحنة مع قوات النظام وحلفائها من الإيرانيين والروس، وعودة الحرب التي لا يعرف أحد كم ستستغرق، ولا إلى متى قد تدوم، بكل ما تحمله من نتائج كارثية.
ومع نجاح إدارة العمليات بتحرير حلب دون دماء، ومن ثم تقدمها إلى حماة فحمص، إلى أن وصلت إلى دمشق، باتت الهيئة تحتل موقعاً مختلفاً تماماً في وجدان السوريين. ومع دخولها إلى الساحل السوري دون انتقام أو ثأر، ازدادت ثقة السوريين بالإدارة، وباتت ليست المخلص فحسب، بل أيضاً الجهة الضامنة للعدالة واللحمة الوطنية. وبدأ النظر إلى الشرع على أنه البطل المحرر، والقادر على منع أنهار الدم والمذابح بحق العلويين، التي كانت متوقعة في حال سقوط النظام. وقد اعتبر السوريون دخول الساحل بلا دماء معجزة لا تقل شأناً عن معجزة التحرير.
لم يتأخر الرئيس بالخروج بعد سلسلة الأحداث الدامية، وقام بخطوات هامة تمثل المنهج النظري للحل، ولكن الاختبار الهام يكمن في آلية تطبيق هذا المنهج. فالمطلوب اليوم هو سرعة محاسبة مرتكبي الانتهاكات، والتي يجب أن تكون متوازية مع محاربة الفلول، وربما يجب إعطاؤها الأولوية، لأن ما يفعله مرتكبو الانتهاكات يمثل الأرضية الخصبة للفلول في استقطاب وتعبئة الشارع العلوي، وتجييشه، وتحريضه ضد إدارة الشرع.
لقد خرج الأسد بعد اندلاع الثورة يبحث عن مبررات لقتل المتظاهرين والثوار، وتظاهر بأنه يفعل ما يمليه عليه واجبه الوطني. وربما كان طرحه النظري حينها مقبولاً دولياً ومحلياً، ولكن أفعاله كانت تناقض خطابه. لا يمكن للإدارة الجديدة بحال من الأحوال أن تتشابه من قريب أو بعيد مع الأسد في الطريقة والنتائج. واليوم، تتجه أنظار السوريين للرئيس الشرع، منتظرةً خطوات وإجراءات عاجلة وعادلة وصارمة بحق المخربين جميعاً، وعلى رأسهم مرتكبو الانتهاكات.
تلفزيون سوريا
——————————-
اتفاق الوحدة السورية: هل يقصّر الطريق لواشنطن؟/ حسن جابر
تحديث 14 أذار 2025
يمثل اتفاق الوحدة خطوة مهمة نحو إعادة تشكيل المشهد السياسي في سوريا، وقد يكون بوابة لانفتاح أميركي مشروط على دمشق
يمثل الإعلان عن التوصل لاتفاق بين الحكومة المركزية في دمشق، وقوات سوريا الديموقراطية “قسد” والهياكل الأخرى في شمال شرق سوريا؛ نقطة تحول حقيقية تحمل فرصاً واعدة إذا ما تم البناء عليها بما يتجاوز الاعتبارات المحلية في سوريا؛ أي في تحقيق اختراق دبلوماسي في الموقف الأميركي من دمشق، فالمفاوضات المضنية التي تمت بجهود كبيرة عبر القنوات الخلفية ما بين وفدي دمشق وقسد، أفضت للتوصل لصيغة مقبولة في أهم القضايا الخلافية التي كانت عالقة بين الطرفين، ومع وجود الضوء الأخضر الأميركي لإتمام الاتفاق تبعًا لتأثيرها الكبير في موقف قسد؛ قد يُمهد بذلك الطريق لاعتراف ضمني من واشنطن بالحكومة المركزية في دمشق، وبالرئيس الانتقالي أحمد الشرع، وهي فرصة جديدة لفتح آفاق لتفكيك حالة الانغلاق الأميركي على المشهد السوري الجديد، والتي ستصب في صالح سوريا ككل بحال تمت بمسار إيجابي.
تستدعي عدة قضايا رئيسية تكثيف العمل الدبلوماسي بهدف تليين الموقف الأميركي، والتعاطي بجدية أكبر مع الحكومة السورية في دمشق، ويظهر في مقدمة هذه القضايا التوغل الإسرائيلي في الجنوب السوري، بما يحمله من نوايا لإدامة حالة الهشاشة في سوريا على المدى المنظور. وتظهر الفرصة أمام سوريا وجوارها في اعتبار الاتفاق الجديد نقطة تباين بين الموقفين الأميركي والإسرائيلي، حيث يخالف الموقف الأميركي التوجهات الإسرائيلية التي طمحت كما يفهم لخلق تحالف أطراف ما بين قسد و”المجلس العسكري في السويداء”، بل راج الحديث مؤخرًا عن فكرة “ممر داوود” الذي يصل هذه الأطراف كجيب يعزل دمشق عن جوارها.
أما على المستوى الاستراتيجي بعيد الأمد، فإن تليين الموقف الأميركي، والتوصل لتفاهمات حول المسائل الرئيسية في سوريا سيفضي بطبيعة الحال إلى بحث مصير العقوبات الأميركية، والتي إن انخفضت تمهيدًا لرفعها ستنعكس مباشرة على العقوبات الأممية والأوروبية المفروضة على سوريا، خاصة أن العقوبات تعتبر التركة الأثقل التي خلفها نظام الأسد السابق لسوريا، كما رفعت من حدة معاناة الشعب السوري خلال سنوات الصراع، وتستمر تداعياتها حتى اليوم.
في هذا السياق، يمكن أن يؤدي نجاح الاتفاق المكتوب واتمام بنوده حتى نهاية العام الحالي إلى ارتفاع فرص الانفتاح الأميركي على دمشق، ويتوافق ذلك مع دوافع إدارة ترامب بعقد الصفقات وفق المنظور البراغماتي، والتحلل التدريجي من الوجود العسكري في الشرق الأوسط، وبذلك يتجه الحديث عن سوريا جديدة ذات سياسة خارجية توافقية، بعيدة عما عُرف سابقًا بمحور المقاومة، وبما قد يؤهلها من التحول لعامل تهدئة في الإقليم وليس كساحة صراع كالماضي.
في الختام، تتزايد الفرص الواعدة لمستقبل سوريا الجديدة، فمع استمرار حالة الإنهاك التي طالت كافة الأطراف المحلية والخارجية جراء سنوات الحرب في سوريا؛ ترتفع حظوظ تأييد التسويات والتفاهمات كبديل للصراع المستمر. ومع ذلك، لا يزال هناك استثناءات بارزة، خاصة في رؤية إسرائيل وإيران، اللتين لديهما مصالح استراتيجية تتعارض مع أي تحول إيجابي قد يُغير من الدور السوري كما هو متُصور مستقبلًا، والبوابة لذلك هي بعض المكونات المحلية التي تضررت من التغيير ومن ثم هذه التفاهمات بين دمشق وقسد، وبذلك قد تسعى عمليًا لعرقلة تنفيذ بعض بنود الاتفاق.
في الختام، يمثل اتفاق الوحدة خطوة مهمة نحو إعادة تشكيل المشهد السياسي في سوريا، وقد يكون بوابة لانفتاح أميركي مشروط على دمشق، في حين يبقى نجاح هذا المسار معتمدًا على مدى قدرة الحكومة السورية على إدارة التناقضات في المجتمع السوري، وتحقيق التوازن بين المسار السياسي والواقع الأمني، وتوسيع قاعدة الاشتباك الدبلوماسي خارجيًا؛ وهي معادلة دقيقة سيفضي نجاحها للمزيد من الاستقرار لسوريا الجديدة.
باحث أردني في معهد السياسية والمجتمع
النهار العربي
————————
===================