هكذا ابتلع الأسد أملاك السوريين ثلاثة حلقات معا

هكذا ابتلع الأسد أملاك السوريين… تشريعات لم تكن لتسقط (1 من 3)/ هبة الكل
مَن مَلك امتلك… حروب “البعث” على الملكية السورية
آخر تحديث 12 مارس 2025
بعيدا عن شعارات “البعث” الاشتراكية، وقريبا مما استطعنا جمعه، بلغ عدد المراسيم والقوانين التشريعية والوزارية المتعلقة بالاستملاك والتأميم والملكيات والتنظيمات العقارية ما مجموعه (639) قانونا.
تحقيق “المجلة” يشمل أبرز المراسيم التشريعية والتنفيذية المتعلقة بالانتهاكات العقارية وحروب الملكية خلال الفترة الممتدة من وصول “البعث” إلى الحكم وحتى هروب بشار الأسد (1963-2024).
وبالتوازي مع السياسة التي انتهجها الأسدان حافظ وبشار في محاربة أية معارضة سورية خلال سنين حكمهما، ثم قام الابن المخلوع بتعزيزها عقب الثورة السورية لمزيد استئصال ما تبقى من حقوق السوريين، بغلاف قانوني وتشريعي.
لوحظ: ارتفاع نسبة التخطيط العقاري في نهاية حقبة الأسد البعثية، مقابل ارتفاع نسبة التأميم والاستملاكات في بداية العهد البعثي، والكل يصب في خانة حرب الملكيات مهما “عُصرنت” المصطلحات.
أجريت عملية الرصد لما توفر من معلومات في الكتب ومواقع رئاسة الوزراء ومجلس الشعب والوسائل الإعلامية السورية الإلكترونية، بالإضافة إلى تقارير سورية ودولية وحقوقية.
منذ وصول “البعث” إلى حكم سوريا 1963 حتى سقوطه نهاية 2024 بلغ عدد المراسيم والقوانين التشريعية (الرئاسية) الخاصة والمرتبطة بالاستملاكات والتأميم وحجز الأموال والملكية العقارية والتنظيمات العمرانية وما اتصل بها 139 قانونا. في حين بلغ عدد القرارات والتعليمات التنفيذية 500 قرار.
في عهد بشار الأسد كانت النسبة الأكبر لما اتصل بالملكية والتنظيم العقاري واستثماراته (74 في المئة) والمصادرات (12 في المئة) والاستملاكات (14 في المئة).
كان ملاحظا أن مجموع القرارات التنفيذية قد ارتفع بمقدار أربعة أضعاف في عهد “بشار الأسد” (2001- 2024) عن عهد حكم “البعث” وأبيه حافظ (1963-2000).
من الواضح أن نسبة القرارات التنفيذية الصادرة مع بدء الثورة السورية قد تجاوزت ثلاثة أضعاف قرارات السنوات السابقة طيلة عهد رئاسة بشار الأسد.
ونجد أن ما معدله 25 قرارا ومرسوما كان يصدر كل عام مع انطلاقة الثورة السورية.
وتبين عملية الرصد أنه خلال استلام “البعث” الحكم في سوريا (1963-1971)، كانت النسبة الأكبر من المراسيم التشريعية الصادرة هي للتأميم (43 في المئة) فالمصادرات (38 في المئة) فالتنظيمات (14 في المئة) ثم الاستملاكات (5 في المئة) على التوالي.
في عهد الرئيس “حافظ الأسد” كانت النسبة الأكبر من تلك المراسيم التشريعية هي للتنظيمات العمرانية (42 في المئة)، فالمصادرات (35 في المئة) فالاستملاكات (15 في المئة) ثم التأميم (8 في المئة).
أما في عهد بشار الأسد فكانت النسبة الأكبر لما اتصل بالملكية والتنظيم العقاري واستثماراته (74 في المئة) فالمصادرات (12 في المئة) ثم الاستملاكات (14 في المئة).
مع الأخذ بعين الاعتبار أن مراسيم الملكية والتخطيط العقاري قد احتوت على استيلاءات مجانية لأملاك السوريين كما سيوضح، في حين لم يسجل الرصد أية مراسيم تأميمية في عهد بشار الأسد.
سيتبين لاحقا كيف كانت التعليمات التنفيذية تستجيب بمئات القرارات لترجمة وتنفيذ المراسيم والقوانين وفقا لهوى الأسد، لاسيما والضخ الحاصل لاحقا إبان الثورة السورية كفرصة ذهبية لقوننة مصادرة أملاك السوريين فيما اشتهر بحرب الأملاك.
“الوحدة” فاتحة الإقطاعية البعثية
“فواز حفار” تاجر دمشقي، كان لجده طاحونة قمح في منطقة العمارة بدمشق، يقول لـ”المجلة”: “كنا نشتري القمح من الأرياف ونطحنه ونوزعه، إلى أن تم استملاكها ومستودع تابع لها زمن الوحدة، ولم يعوضونا بأية ليرة كبدل ولا نزال ندفع حتى اللحظة “الضريبة” للدولة لأنها لا تزال في ملكنا”.
الدستورية
الرئيس المصري “جمال عبدالناصر” جاء بالوحدة السورية المصرية (1958-1961) فزعزعت سيادة سوريا واقتصادها وأملاك السوريين، زعزعة إحلالية. الأمر الذي قاد إلى تحويل شركات سورية اقتصادية كان لنجاحها صيت عربي وعالمي، إلى “سكراب” بشطبة قلم كما يقول الباحث السوري سامي مروان مبيض.الشركة الخماسية نموذجا.
تذكر تقارير أن رأسمال الشركة الخماسية في دمشق عند تأسيسها عام 1946 والتي أُممت بموجب القانون 117 عام 1961، قد بلغ مليونا و250 ألف ليرة سورية، وبعد مرور عامين على تأسيسها ارتفع رأس المال إلى 15 مليونا، في الوقت الذي كانت فيه ميزانية سوريا لذلك العام 1948 لا تتجاوز اﻠ107 ملايين ليرة، ما يعني تهديم ما يقارب اﻠ14 في المئة من الاقتصاد السوري في ذلك الوقت.
في كتابه “الأسد.. الصراع على الشرق الأوسط” يعتبر باتريك سيل أن عبد الناصر قد اقتلع أحشاء السياسة السورية، بوضعه شرطين لإتمامها: انسحاب الضباط من السياسة وأن تحل الأحزاب السياسية، فأنشأ تركيبا سلطويا تتخذ فيه القرارات في القاهرة ولم تعد دمشق سوى محافظة، حتى فقدت سوريا السيطرة على شؤونها.
وقد وجد “البعث” نفسه خارج اللعبة السياسية، فحقد على عبد الناصر ووحدته وأيد الانفصال أملا في تلبية تطلعاته الحاكمة بعد أن خيبته الوحدة في الوصول إلى “الملك”.
ومن قرارات التأميم وخطابات الاشتراكية إلى إصدار قانونين في اليوم نفسه “قانون الإصلاح الزراعي رقم 161 عام 1958 وقانون الطوارئ 162″، وبدء العمل على برمجة الجماهير الكادحة بأن في مجموعهما وصفة سحرية عادلة لمشاكل القطاع الزراعي.
إلا أن هذه الوصفة كانت افتتاحية لشرعنة الاستبداد والانقضاض على “الفصل بين السلطات”، وقوننة الاستيلاء على أملاك الشعب لحساب الدولة.
فقانون الإصلاح الزراعي 161 منع أن يملك الشخص أكثر من 80 هكتارا في الأراضي المروية، ولا أكثر من 300 هكتار في البعلية وفق المادة الأولى منه، في حين سمح للدولة أن تمتلك أكثر من هذين المقدارين ودون سقف أو حدود لهذا التملك وفق المادة الخامسة منه.
حيث قدرت المساحة الزائدة للأراضي الزراعية المستولى عليها حوالي مليون و225 ألف هكتار، ما يعادل خُمس الأراضي المستثمرة زراعيا.
الأكراد في سوريا عانوا من الاستيلاء التعسفي وفق هذا القانون، ومعلوم أنه كان بدوافع سياسية إقصائية لاسيما وعملية الإحصاء في محافظة الحسكة عام 1962، حيث تم بموجبها تجريد الآلاف من الأكراد السوريين من جنسياتهم، ما يعني انعدام إثبات ملكياتهم، وإقصاء الفلاحين منهم من الاستفادة من الأراضي المستولى عليها.
أما قانون العلاقات الزراعية رقم 134 عام 1958 فقد حظر على النقابات العمل في السياسة والاشتراك في اجتماعات ومظاهرات سياسية وجعل النقابات ملحقة بالسلطة لا مستقلة.
السياسي الشيوعي، بدر الدين السباعي، يقول في كتابه “المرحلة الانتقالية في سوريا.. عهد الوحدة”: “باستعراض المنجزات في ميدان الزراعة لا تعدو عن إصدار قانون الإصلاح الزراعي، وقانون العلاقات الزراعية وقانون أملاك الدولة.. وتبقى إيجابياتها ضعيفة الأثر”.
فشلت قوانين الوحدة على سوريا في القضاء على الإقطاعية وحل مشكلات القطاع الزراعي، لا بل ونقلت استثمار الأراضي من طبقة لطبقة برجوازية جديدة باسم الوطن وشعارات الاشتراكية وعلى حساب الشعب.
وفي المقابل نجحت في تعبيد طريق نهب ملكيات وحقوق السوريين أمام نظام الأسد.
صعود دولة “البعث”… إهلاك القطاع الخاص وإقطاع القطاع العام
وصل “البعث” بثورته المزعومة “8 آذار” 1963 إلى حكم البلاد، بعد أن أسقط دولة القانون والتعددية السياسية، لتبدأ حقبة حكم العسكر، بروحهم العنيفة وعقوباتهم الحازمة.
استكمل “البعث” وعلى الفور، ما خلفته البرجوازية الناصرية وإقطاعها من إجراءات التأميم والاستملاك ومصادرة أموال الناس لصالح القطاع العام.
غاية “البعث” جعل القوة والمال والاقتصاد والسياسة في أيدي “دولة البعث”، وحكر التجارة الخارجية إلا عليها، وإعادة هيكلة الهرم الرأسمالي لصالح ملكية رجال “البعث” وتخريب ما بقي لسوريا من اقتصاد، وكل ذلك من فوق القانون وتحت غطائه.
أول ما أعلنه “البعث” الحاكم “قانون الطوارئ” وفق أمر عسكري رقم 2 والصادر عن مجلس قيادة الثورة، في مخالفة لما اشترطه قانون الطوارئ نفسه رقم 51 عام 1962 بأن يصدر عن مجلس الوزراء.
بقي تطبيق الأحكام العرفية مستمرا دون إقرارمن مجلس الشعب، لا بل واشترط دستور سوريا 1973 لاحقا، في إعلانه وإلغائه أن يكون من قبل رئيس الجمهورية وفق المادة 101.
أنشأ “البعث” ما يعرف بمحكمة “أمن الدولة العليا” وفق المرسوم رقم 47 عام 1968، فقمع الناس بها، وازدحمت السجون بالمعتقلين تحت أية ذريعة حمقاء، إلى أن جاء الرئيس الهارب بشار الأسد واستبدلها بما هو أخطر على حياة وممتلكات السوريين “محكمة النظر في قضايا الإرهاب” 2012.
الصحف والمطبوعات لم تسلم من استيلاءات حكم “البعث”، فقام بمصادرة أملاكها، وفق المرسوم التشريعي رقم 4 عام 1963.
بعد 17 يوما على الانقلاب، سحق حكم “البعث” أي مكون معارض داخلي له عبر إصداره المرسوم التشريعي رقم 29 لعام 1963 والذي يفرض العزل المدني بحق عدد كبير من المدنيين والعسكريين والحزبيين في سوريا.
وألحقه بالمرسوم التشريعي رقم 239 بتاريخ 30 أبريل/نيسان 1963 القاضي بفرض جزاء العزل المدني بحق 40 شخصا سوريا. إلى أن جاء عهد بشار الأسد وقام بتحويل هذا السحق إلى محق وفق قانون “مكافحة الإرهاب”.
ثنائية إقصاء النخب الاقتصادية والتأميم كانت حاضرة في ذهنية “البعث”، حيث أوقف أعمال حكومة “خالد العظم” فيما يتعلق بإجراءات وقف التأميم التي انتهجتها حكومة العظم.
واستمر “البعث” بالفكر الناصري في قطار التأميم، المصارف أُممت وفق المرسوم رقم 37 عام 1963، وشركات القطاع الخاص كالشركة العربية المتحدة (الدبس)، وشركة المغازل والمناسج المساهمة بمرسوم رقم 56 عام 1964 وغيرها من مراسيم تأميمية صدرت بحق منشآت وشركات اقتصادية، والتي قدرت عام 1965 ﺑ120 شركة، حتى الكتب الجامعية لم تنجُ وأُممت بالمرسوم رقم 168 لعام 1963.
ثم أصدر “البعث” تعليماته الاشتراكية، فارضا تنفيذها على عامة الشعب، ومَن يرفض أو يعرقل عمليات التنفيذ، فعقوبته قد تصل إلى الإعدام، وفقا للمرسوم رقم 4 عام 1965.
رئيس الحكومات الخمس السورية، خالد العظم، كان يرى أنه إذا صار رأس المال محصورا في السلطة الحاكمة فإنه سيقود إلى أن تصبح تلك الدولة “إقطاعية ضخمة”، كما ذكر في مذكراته.
صدق العظم قولا و”البعث” فعلا، وبالرغم من معارضته لقرارات التأميم ومحاولته التصدي للسياسة الاقتصادية الاشتراكية، فإنه لم يسلم.
يحدثنا ناصح العظم، أحد أقارب خالد العظم: “عقب الانقلاب البعثي مباشرة، استولي على قصري خالد بك في سوق ساروجا ومنطقة دمر وعقارات أخرى، وصودرت جميع ممتلكاته من أسهم شركات مساهمة كان قد أسسها، حيث دارت عجلة الاقتصاد الحر واغتنى المساهمون”.
التخوين والتعامل مع القوى المعادية من أبرز حجج “البعث” في سلب العظم أملاكه، حيث يقول ناصح: “بناء على ذلك وصفوه بالخائن للبلاد، بيد أن الرجل هو أبو الاقتصاد السوري وهو الذي أوصل البلاد إلى بر الأمان عندما كان رئيسا للوزراء أكثر من مرة، فالدولار في زمنه كان يساوي ليرتين ونصف الليرة، حتى إن الرئيس الماليزي مهاتير محمد، تمثل بأعماله وبأنه سيحذو أسلوب سوريا، فأوصل بلاده إلى مصاف الدول المتقدمة”.
لم تشفع اﻠ20 ألف ليرة ذهبية لأكابر تجار دمشق موفق الميداني التي تبرع بها في أسبوع التسلح للجيش السوري في حملة الرئيس شكري القوتلي عام 1955، فأصدرت القيادة القطرية لحزب “البعث” قرارا رقم 2 عام 1966، يفضي بمصادرة أموال الميداني، وبناء عليه أصدر الرئيس نور الدين الأتاسي مرسوم المصادرة رقم 67 عام 1969.
من ذلك وغيره عمد “البعث” إلى احتكار السلطة والثروة بإجراءات قانونية تعسفية تنال من حريات المعارضين وتسطو على ممتلكاتهم، ممهدا الأوتوستراد أمام أحد أقدر رجالاته حافظ الأسد وسلالته، لتأسيس “سوريا الأسد” كدولة مَلكَية مافياوية.
الإمبراطورية الأسدية المخلوعة
وما هو أسوأ من مراسيم الانقلابات “البعثية”، الممارسات التشريعية الأسدية بمطية الاشتراكية وسخرة “البعثية”، من جهة قولبتها لبناء إمبراطورية الأسد.
“الكف المخمس” كما يقول السوريون، ما زلت أذكره كيف نزل على خدي كالصاعقة عقب تحية العلم، والسبب: “ليش ما رددتي الشعار؟”.
ماذا حقق حكم الأسد طيلة نصف قرن ونيف من هذا الشعار “أمة عربية واحدة، أهدافنا: وحدة، حرية، اشتراكية”؟
أول وحدة مع العرب كانت مع الشقيقة مصر وانقلب عليها، لأنه يعلم أنها العائق الأكبر في الوصول إلى غايته.
إلا أنه استطاع أن يوحد الشعب في الفقر والتعتير، وألبسه ثوبا وحيدا أسود باسم الاشتراكية الأسدية لا الشعبية، أما الحرية فنجدها على جدران المعتقلات وبين دموع الثكالى!
ولتعزيز دولة الديكتاتور، طوع حافظ الأسد دستور سوريا لغاياته الاستبدادية، ثم استكمل الابن الساقط مسيرة الوالد، ظنا منهما أنهما نجحا في تثبيت ملكية آل الأسد على سوريا، ولولا الثورة لبقي الشعار المقيت: “قائدنا إلى الأبد.. الأسد”.
أحاط الأسد سوريا من كل الجوانب، فهو الرئيس، والقائد العام للقوات المسلحة، ورئيس السلطة التنفيذية، يُعين ويعزل من يُريد، والحكومة تتبع للرئيس ولا يملك مجلس الشعب إلا استجوابها في أفضل الحالات.
والأسد هو الذي يملك حل مجلس الشعب بالدستور، وهو المشرع العام وما على المجلس إلا السمع والطاعة، لذلك لا غرابة في أن يكون ثلثا أعضائه بعثيين.
ولا عجب في امتناع المحكمة الدستورية من النظر في القوانين التي يطرحها “جلالة الرئيس”، فالمادة 146 من دستور سوريا 1973 نصت: “لا يحق للمحكمة الدستورية العليا أن تنظر في القوانين التي يطرحها رئيس الجمهورية على الاستفتاء الشعبي وتنال موافقة الشعب”!
والأسد هو القائد العام لحزب “البعث”، والحزب هو القائد في الدولة وفق دستور 1973 (رغم تعديل هذه المادة في دستور 2012، ولكن لا معنى ولا أثر لها)، ثم الحزب يقود الجبهة الوطنية التقدمية (القيادة القطرية) والتي بدورها يرأسها الأسد، وهي التي تتولى ترشيح المرشحين إلى مجلس الشعب، وكله بموجب دستور 73، ومع ذلك نص الدستور على أن الرئيس ينتخب بالاستفتاء الشعبي!
وأي استفتاء إلا استفتاء سليل الأسد، وأي قوانين تشرع إلا لخدمة آل الأسد!
في عهد حافظ الأسد صودر حوالي 5 آلاف و250 كيلومترا مربعا من أراضي شمال الجزيرة السورية لصالح الدولة، باسم “مشروع الحزام العربي” الذي قررته حكومة “البعث” في المؤتمر القطري الثالث للحزب، ووفقا للمادة 5 من توصياته: “إعادة النظر بملكية الأراضي الواقعة على الحدود السورية التركية، وعلى امتداد 350 كم وبعمق 10-15 كم، واعتبارها ملكا للدولة وتطبق فيها أنظمة الاستثمار الملائمة بما يحقق أمن الدولة”.
عام 1974 أصدر الرئيس حافظ الأسد القانون 20 (قانون الاستملاك).
كان ممن وقع عليهم قانون الاستملاك محمود البوارشي.
يروي حسام، وهو صاحب معمل لصناعة السكاكر والملبس الذي ورثه عن جده محمود البوارشي، لـ”المجلة” تاريخ استملاك منزل جده ومعمل الحلوى في البزورية بدمشق قائلا:
“بيت جدي والمعمل كانوا أملاك طابو وفرضوا عليهم الاستملاك بعد أن استلم حافظ الحكم مباشرة.
“استملاك العقارين ومعه بيت شكري القوتلي والحلواني والأرناؤوط ومراد، كان بذريعة بناء ملاجئ للحارة، لكن المشروع فشل بسبب وجود نهر تحت الأرض، وبقيت الأرض بعد عمليات الهدم خرابة لمدة عام تقريبا”.
يضيف حسام: “ثم أنشأوا مدرسة الشهيد محمد عدنان الناصر حتى عام 2008 على أنقاض بيت جدي، ثم هدموها بحجة أنه لا يصح بناء جديد بجوار قديم، وقامت أسماء الأسد بتأجير المكان وما حوله من بيوت مستملكة تابعة لعوائل دمشقية مثل نظام وستوت والصوان، للآغا خان بعقد إيجار مع بدل مع المحافظة بدمشق ليقوم الآغا خان بترميمها عام 2010”.
يعتقد حسام أنه كان من المفروض، أن تعود أملاك جده إلى ورثته بعد زوال صفة النفع العام حسب القاعدة: “إذا زال المانع عاد الممنوع”، إلا أنها لم تعد وغيرها كثير.
وفقا للمادة 35 من قانون الاستملاك لعام 1974 وإبلاغ الوزاري أعلاه، آلت العقارات المستملكة إلى أملاك دولة: “إذا زالت صفة النفع العام عن العقارات المستملكة، فتعتبر تلك العقارات من الأملاك الخاصة للدولة، ويجري تسجيلها في قيود السجل العقاري باسم الجهة العامة المستملكة”.
بينما أتاحت لمالكي الأراضي الزراعية المستملكة الصالحة للاستثمار الأولوية في شرائها بشرط استبدادي “إذا قبلوا بالثمن الذي تحدده الجهة المستملكة”. أي ليس بالقيمة الرائجة، وبالتالي صدقت المقولة: “مالنا صار صدقة علينا”.
بموجب هذا القانون، تحولت كامل أسهم القطاع الخاص في مرفأ اللاذقية بعد إلحاقه بوزارة النقل عام 1974، إلى أملاك الدولة، وصار فرجة للنهب والنصب.
ثم أراد حافظ الأسد أن يلبي متطلبات التجمعات السكانية في إطار تخطيطي شامل لكامل الأراضي السورية إلا أنه فشل وابنه في ذلك.
أصدر الرئيس “الأب” المرسوم التشريعي رقم 5 عام 1982م والذي حدد الأسس الناظمة لعملية التخطيط العمراني والتي تضعها وزارة الإسكان، وبالرغم من التعديل عليه وفق القانون رقم 41 عام 2002 في عهد بشار الأسد، إلا أنه تسبب في انتشار العشوائيات والمخالفات وازدادت أزمة السكن في سوريا.
وفي دراسة أعدها المهندس إياس الدايري عام 2007 حول مناطق السكن العشوائي في سوريا، بينت أن 55 في المئة من المساكن العشوائية قد شيدت خلال الفترة الممتدة (1965-1990)، وما نسبته 37 في المئة منها شيد بعد عام 1990.
في المقابل ازدادت نسبة العشوائيات من (200- 250 في المئة) خلال الفترة الممتدة (1990-2004).
وأوضحت جريدة “الثورة” أنه ومنذ صدور هذا المرسوم وتعديلاته حتى عام 2011، يستمر العمل بالأسس المعتمدة لدى وزارة الإسكان والتعمير وهي أسس قديمة، لا تراعي خصوصية كل منطقة، أي لم يتم تطوير أسس التنظيم.
ثم أصدر حافظ الأسد القانون 20 أيضا، ولكن لعام 1983، الذي أعطى صلاحيات واسعة للاستملاكات لصالح وزارة الدفاع.
فالمادة 4 منه نصت على: “يجوز لوزارة الدفاع استملاك العقارات لإقامة التجمعات السكنية العسكرية، أو لبناء المساكن لبيعها للعسكريين ولأسر الشهداء وللعاملين في وزارة الدفاع أو لجهات أخرى تحدد بمرسوم”.
أما المادة 27 أجازت “للجهة الإدارية أن تستملك لحساب الجهات العامة الأخرى التي لها حق الاستملاك وكذلك لحساب مؤسسات حزب (البعث العربي الاشتراكي) والمنظمات الشعبية”.
بقي هذا القانون معمولا به حتى سقوط الأسد، وبذلك اعتبرت مؤسسات “البعث” وما يلحق بها، من مشاريع “النفع العام” التي يجوز بحقها الاستملاك وبقرار لا يقبل الطعن!
أشهر الأراضي والأملاك التي اغتصبت من مالكيها بموجب قانون الاستملاك 20 1983، هي أراضي المعضمية في ريف دمشق وبقيت رهينة “الاستملاك”.
ذكر موقع حزب “الإرادة الشعبية” أنه تم استملاك 12 ألف دونم عام 1985، بالإضافة إلى آلاف الدونمات التي تم استملاكها سابقا ولاحقا وقدر مجموعها ﺑ35 ألف دونم.
وبعد أن وضعت محافظة دمشق يدها على 85 في المئة من أراض زراعية وعقارات سكنية باسم “المخططات التنظيمية”، قررت وزارة دفاع الأسد السورية في منتصف يونيو/حزيران لعام 2020، استملاك 12.5 هكتار جديد والحجة: “إنشاء أبنية سكنية ورياضية”. وأين؟ بجوار مناطق الفرقة الرابعة التي يرأسها ماهر الأسد!
ملف الاستملاك في المعضمية، كان من الأسباب الدافعة للنهوض في مظاهرات إسقاط نظام بشار الأسد عام 2011.
وتشير الصحف المحلية إلى أن رئيس جهاز المخابرات الجوية عمد إلى إقناع الأهالي المتظاهرين برفع الاستملاك مقابل إسكاتهم، فجاء الجواب بالرفض لأنهم يعلمون أن الكذوب لا يُصدق.
وبالنظر إلى القانون رقم 3 عام 1984 المعروف بقانون “استصلاح الأراضي” والذي جاء ليستكمل قانون الوحدة 161 في الاستيلاء على أملاك السوريين بحجة إصلاح الأراضي الزراعية وتحديد سقف الملكية وكالعادة “ما تبقى للدولة”، ومطالعة نتائج قانوني 161، و3، نجد أنهما كانا “تخريبا لا إصلاحا.
ففي عام 1963 كانت القوة العاملة في الزراعة تقدر ﺑ60 في المئة من إجمالي القوة العاملة في البلاد، وفي عام 1980 انخفضت إلى 30 في المئة، ما يعني أن الكثير من الأراضي الزراعية أهملت وفقدت الكثير من فلاحيها، والدليل:
بلغت مساحة الأراضي القابلة للزراعة عام 1972 حوالي 8 ملايين و504 آلاف هكتار، في حين نقصت مساحتها أكثر من مليوني هكتار عام 1978 فآلت مساحتها إلى 5 ملايين و941 ألف هكتار، وفقا لمجلة “الإيكونوميست” البريطانية.
الإحصائيات تؤكد على الإهدار والتقصير، ففي الخطة الخمسية الرابعة نُفذ 9 في المئة من الأراضي المخطط استصلاحها، والخطة الخمسية الخامسة نُفذ 8 في المئة منها، وبلغ مجموع ما استصلح من الأراضي في الفترة الممتدة (1970-1980) 51 ألف هكتار، بينما المخطط الموضوع منذ عام 1966 يقضي باستصلاح 640 ألف هكتار!
في المقابل، وقبل عام من الوحدة، أي 1957، بلغ مجموع الأراضي المستثمرة بعليا ومرويا 4 ملايين و649 ألف هكتار أي أكثر من الخطط الموضوعة!
بيد أن حافظ الأسد، نجح في تأمين مبلغ ملياري ليرة سورية عام 1980، أي ما يعادل نصف المعونات الخارجية السنوية في ذلك الوقت، لبناء قصره على تلال الربوة، وفقا لصحيفة “لوموند” الفرنسية التي اعتبرته “رمزا للديكتاتورية”.
ونجح نظامه في التأسيس لجذور الفساد والسمسرة، فعندما تبرعت السعودية ﺑ100 ألف برميل من النفط يوميا لسوريا ولمدة سنة واحدة وبيعت الصفقة في سوق روتردام الحرة بهولندا بعمولة قدرها 5 دولارات للبرميل الواحد، تبين أن شقيق أحد كبار المسؤولين السوريين قد تقاضى العمولة. وفقا لصحيفة “الوطن العربي” عدد 175 عام 1980.
أما صحيفة “النذير” في عام 1980، فقد كشفت أن الأمين العام للحزب عبد الله الأحمر تقاضى عمولة قدرها 700 ألف ليرة لقاء عقد مع شركة ألمانية بقيمة 4.5 مليون مارك ألماني لتوريد أثاث ومفروشات وألومنيوم لمقر الحزب في دمشق.
وإذا أردنا التكلم عن الجرائم التي ارتكبها نظام حافظ الأسد، يكفي التدليل بمجزرة حماة عام 1982، التي نفذتها “سرايا الدفاع” بقيادة رفعت الأسد، وقدرت أعداد الضحايا السوريين آنذاك بين (40–60) ألف قتيل، وأكثر من 17 ألف مفقود!
وعندما أراد حافظ الأسد التخلص من أقرب معارض له حاول الانقلاب عليه (رفعت الأسد)، كان التخلص منه على حساب الدولة والشعب.
اتفق الأخوان على صفقة مالية ضخمة حصل بموجبها رفعت على 300 مليون دولار، ثلثاها (200 مليون دولار) من المال العام السوري!
ذكرت جمعية “ميدل ايست ووتش” في تقريرها لعام 1991 أن نظام حافظ الأسد كان أكثر الخارقين لحقوق الإنسان، وتسبب في قتل أكثر من 10 آلاف سوري خلال تسلمه الحكم.
وفي عام 1984 نشرت منظمة العفو الدولية قائمة ﺑ38 نوعا من أنواع التعذيب في سجون حافظ الأسد، وبعد موته قدرت المنظمة عدد السجناء السياسيين السوريين ﺑ1500 سجين، وآلاف المختفين قسريا.
فإذا كان نظام الأسد الأب قد اتكأ في حكمه على تأسيد “البعث” والجيش وكافة المؤسسات العامة والأمنية بأدواته القمعية والأمنية والفسادية، مستنسخا قوانين ديكتاتورية ثم صُدرت جميعها إلى الجماهير الكادحة والجماهير الممسوخة بشعارات رنانة حتى مماته، فإنه شكّل أرضا صلبة لتأمين استمرارية إمبراطورية الأسد وتوريثها إلى الابن من بعده.
ديكتاتورية مودرن
حاول الرئيس الهارب بشار الأسد ترقيع ما أفسده الوالد، لكن “العرق دساس”.
في أول خطاب افتتاحي لمجلس الشعب عقب اعتلائه سدة الحكم عام 2000، ركز بشار الأسد على استمرارية العمل بسياسة والده، مؤكدا أن الوالد حضر لهم أرضا صلبة وأساسا ثابتا وتقليدا كبيرا من المبادئ والقيم.
سار بشار الأسد على نهج أبيه، مؤكدا حتى قبل سقوطه بأشهر: “لن نخلغ العباءة الاشتراكية”!
اشتراكية الابن جاءت بطريقة ديكتاتورية مودرن، ما لبثت أن تحولت إلى ديكتاتورية تشبيحية بعد الثورة السورية وبالقانون.
أوحى الرئيس الساقط مع وصوله إلى الحكم بأنه سيحمل البلاد نحو تعددية سياسية وسياسات اقتصادية أكثر انفتاحا باتجاه “السوق الاجتماعية”. فماذا يقول إذن عن اقتصاد السوق الاجتماعية بعد أن أعاد تدويل المال والفساد على رؤوس الأغنياء الجدد، ورثة العهد القديم (رامي مخلوف نموذجا).
السوق الاجتماعية لم تخرج عن كونها بسطة قرارات حكومية تتصدر إلى الشعب بالجملة، من رفع الدعم تدريجيا عن المواطنين مع تحليق أسعار المحروقات والغاز، وانخفاض سعر الليرة مقابل الدولار من 49 ليرة منذ استلامه الحكم إلى 15 ألف ليرة وقت سقوطه والحجة حاضرة دائما “واقع الحرب في البلاد التي فرضت تلك التغييرات الاقتصادية”. تلك التغييرات التي لم تصل إلى قصر الأسد ولم تطرق بيوت آله ورجالاته، وإنما أثروا على حساب الوضع في البلد.
من الدهشة أن بشار الأسد ونظامه، عندما يتوجهون بخطبهم أمام الشعب تشعر وكأنهم يتكلمون عن أي دولة إلا سوريا، وعن أي شعب إلا السوريين في طريقة استخفاف بذاكرة الشعب ومعاناته.
عندما نادى الرئيس الساقط بشار الأسد بالتعددية الحزبية بعد 5 أشهر من بدء الثورة السورية وما رافقها من حملات عسكرية خلال تلك الأشهر، هو نفسه قمع حرية التحرر السياسي أول ما تسلم الحكم.
وذلك بعد أن خرجت الأصوات تطالب بإصلاحات قضائية وقانونية واقتصادية وتعددية سياسية ورفع حالة الطوارئ في البلاد، فيما كان يعرف آنذاك بربيع دمشق الأول عام 2000، وما تلاه من بياني 99، و1000، فقوبلوا بالاعتقالات وحملات القمع والإقصاء.
لا أثر يذكر لمسيرة التغيير والتحديث التي أرساها بشار الأسد إلا في خانة تغيير كل من يقف في وجه مملكته الأسدية ومن يرى فيهم تهديدا لمصالحه.
اتهم كبار المعارضين (أمثال رياض الترك، رياض سيف، مأمون الحمصي) آنذاك بالخيانة والانتهازية الوصولية وتهديد الوحدة الوطنية والاستقرار وأنهم يريدون العودة إلى الاحتلال الأجنبي وذلك عبر نشرة البيان الرسمي لحزب “البعث” رقم 1075 بتاريخ 17 فبراير/شباط 2001.
وفي كل مرة نحسب فيها أن “سوريا الأسد” راسخة ثابتة، فلأنها حُكمت بالبطش والترهيب باسم “البعث” المتغلغل في كافة مفاصل الدولة، حتى بدا كل من الشعب والسلطة الثابت الذي لا يتغير والساكن الذي لا يتحرك، لا مكان لنقد هنا ولا معارضة هناك.
ثم جاءت الثورة السورية 2011، فواجه نظام الأسد الساقط الشعب السوري بشتى صنوف الإذلال والعذاب، منتهكا أبسط حقوقهم وحرياتهم وممتلكاتهم عبر ماكينة قانونية لا تتوقف. وما الـ29 قانونا التي كانت تصدر كل عام بعد 2011، إلا دليلا على تفعيل تلك الماكينة، لاستحداث حياة جديدة في سوريا “أن تعيش لتحصن مملكة الأسد”.
المجلة
—————————

هكذا ابتلع الأسد أملاك السوريين… الدولة شريكتك عنوة (2 من 3)
هبة الكل
هابطا بالبلاد إلى أشد دركات الفساد
آخر تحديث 14 مارس 2025
في سوق المناخلية حيث أكثر من 200 دكان مستملكة تحت ذريعة النفع العام، تتنقل بينهم آملة بعودة دكان والدها إليها.
أمل عبيد، سيدة دمشقية تروي لـ”المجلة” قصة استملاك ممر موكب الرئيس حافظ الأسد: “عام 1973 استملكت محافظة دمشق محل والدي بالمناخلية والمحلات الموجودة فيها وصولا إلى قلعة دمشق، ومن ضمنها ممر الحديقة البيئية، التي نملك فيها ما يعادل 1000 متر، بهدف إنشاء ممر لموكب الرئيس إذا أراد الدخول إلى تلك المنطقة”.
تضيف أمل عن الوعود الحكومية المزعومة: “وقتها وعدونا خلال مدة عشر سنوات إذا لم يتم تحقيق الغاية من الممر فستعود لأصحابها”، فلا الحديقة عادت ولا الدكان ولا بيت جد البوارشي.
وبالرغم من امتلاك عبيد وأشقائها ورقة “طابو” بأملاكهم، فإنهم لا يزالون يدفعون “ترابية” (ضريبة) للدولة، ووجدوا أنفسهم بين يوم وليلة مستأجري أملاكهم من دولة الأسد.
عندما وافق مجلس الشعب عام 2005، على اقتراحات وتوصيات تقرير رقم 147 عام 2005، حول واقع مشاريع الاستملاك في محافظتي دمشق وريفهاوإصدار التشريع اللازم لإعطاء الحق لمالك العقار المستملك باسترداد ملكية عقاره ورفع إشارة الاستملاك إذا لم ينفذ خلال عشر سنوات من تاريخ صدوره، مع إلغاء صكوك الاستملاك القديمة والتي مضى عليها 15 سنة ولم يتم تنفيذها.
عاد الأمل وقتها إلى عبيد باستعادة أملاكهم، إلا أن حلم استعادة العقارات المستملكة والمؤجرة للقطاع العام زمن الأسد أقرب إلى الأحلام.
والسبب في “معضلة التمديد الحكمي” (التجديد التلقائي) التي بقيت من عام 1952 وفق المرسوم التشريعي رقم 111 حتى عام 2001.
في هذا العام صدر القانون رقم 6 لعام 2001، وأعطى الحق لمالك العقار بطلب إنهاء عقد الإيجار مقابل دفع مبلغ يعادل نسبة 40 في المئة من قيمة العقار المأجور للمستأجر، لكنه استثنى العقارات المملوكة للجهات العامة والسياسية أو المؤجرة لها.
الأمر الذي رسخه القانون رقم 20 عام 2015 بأن دعوى الإخلاء لا تسمع إلا بعد سنة، وفقا للمادة 9 منه: “مطالبة المالك بإخلاء العقار المؤجر للأحزاب السياسية أو الجهات العامة، أو النقابات أو المنظمات الشعبية والبلديات والقطاع العام، لا تسمع دعوى التخلية إلا بعد سنة”.
وبالرغم من أن القانون 20 جاء بقواعد جديدة تسمح بإنهاء عقود الإيجارات مع الوزارات إلا أنه اشترط ثلاثة شروط اختلاسية:
عدم حاجة الوزارة للعقار، موافقة رئيس مجلس الوزراء، ودفع المؤجر نسبة 40 في المئة من قيمة العقار لخزينة الدولة.
ليست هنا الكارثة وإنما في المادة 7 منه والتي نصت على: “لا يحكم بالتخلية للسبب المبين في هذه الفقرة إذا كان المستأجر أو زوجه فقط موظفا أو مستخدما أو عاملا خاضعا لقانون العاملين الأساسي أو من العسكريين أو عاملا في القطاع العام أو في القطاع المشترك أو أيا ممن تنتهي خدمته من المذكورين بصورة قانونية لأي سبب كان غير الوفاة إذا خصص بمعاش أو معاش عجز أو شيخوخة إلا إذا كان المالك عاملا أو موظفا أو مستخدما أو عسكريا وعاد إلى البلدة التي فيها المأجور منقولا أو محالا على التقاعد أو مسرحا لأي سبب كان أو عادت إليها أسرته بعد وفاته”.
أي إن القانون رقم 20 منع تخلية جند النظام وموظفيه، بشكل تمييزي طبقي، الموظف وغير الموظف، العسكري وغير العسكري، وبشكل يشعرك أن على السوري واجب تأمين مسكن لموظفي الدولة.
هذا الأمر جعل الكثير من الناس يمتنعون عن تأجير أملاكهم لأي عسكري أو موظف بالدولة.
ثم جاءت المادة 12 منه كإبرة تخدير لمؤجري القطاع العام وأحزاب السلطان لمنحهم حق الاختيار في إنهاء إيجارها والتمديد الحكمي للعقود المبرمة معها.
حيث حددت أن طلب المالك إنهاء الإيجار واسترداد العقار المأجور “للأحزاب السياسية أو الجهات العامة أو البلديات أو لمؤسسات القطاع العام والمشترك أو للمنظمات الشعبية أو النقابات على مختلف مستوياتها أو الجمعيات”، يبدأ بعد ثلاث سنوات أي بتاريخ 1/ 1/ 2018، وأعاد فرض تعويض المستأجر (أي الدولة) بنسبة 40 في المئة من قيمة العقار.
وقبل أن تأتي سنة 2018 صدر تمديد العمل بنظام التمديد الحكمي للعقارات المُستأجرة من قبل الجهات العامة والسياسية، بالقانون رقم 42 والذي ينص على: “تمديد المهلة الواردة في نص الفقرة (أ) من المادة 12 من القانون رقم 20 بتاريخ 11/ 11/ 2015، لتصبح 1/ 1/ 2021 بدلا من 1/ 1/ 2018”.
ثم أعيد التمديد الحكمي بالمرسوم التشريعي رقم 38 لعام 2020 لتصبح 1/ 1/ 2025.
وهكذا نجد أنه كلما شارفت مدة إنهاء التمديد التلقائي الخاصة بعقود الإيجار المرتبطة بالدولة وأحزابها السياسية، يفرز نظام الأسد قانونا أو مرسوما ويقذفها إلى سنوات قادمة، غير آبه بإرادة ورغبة المؤجر وبشكل يناقض القانون المدني السوري.
وأصبح نظام الأسد شريك المالك الحقيقي في عقاراته بنسبته المحتلة 40 في المئة من قيمة العقار.
لذلك لا نستغرب حالات رفض الإخلاء لبعض العقارات، وذلك عندما أصدرت رئاسة مجلس الوزراء بتاريخ 4 سبتمبر/أيلول 2023 تذكرة تطالب فيها أصحاب العقارات المستأجرة من قبل الجهات العامة والجاهزة للإخلاء، بمتابعة إجراءات استلامها بعد إخلائها من قبل الجهات العامة، لم يتقدم بطلب الإخلاء سوى 6 طلبات من قبل المالكين من أصل 281 عقارا مخليا جاهزا للاستلام في محافظة دمشق!
أما في ريف دمشق فقد كان طلبا وحيدا فقط من أصل 48 عقارا مشغولا من قبل الدولة في محافظة ريف دمشق، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الكثير من المالكين خارج سوريا أو مطلوبين أمنيا، مما يفتح بابا على حكومة الأسد للاستيلاء على كامل تلك العقارات في حال لم يتم استلامها من قبل مالكيها.
“الموافقة الأمنية” سمسرة قانونية
يتفنن النظام السوري الساقط في تعذيب السوريين وسحقهم، حتى اخترع لهم ما يعرفه أي سوري “الموافقة الأمنية”.
قبل بدء الثورة السورية، كانت بعض المعاملات تتطلب ورقة “لا حكم عليه” تثبت أن الشخص لم يصدر بحقه أي حكم قضائي. وبعد اندلاع الثورة 2011، ولدت الموافقة الأمنية عام 2015 من قبل وزارة الإدارة المحلية لتنغص حياة السوري، ومع ذلك لم يُلغ الـ”لا حكم عليه” وبقي ساري المفعول.
في البداية خُصصت الموافقة الأمنية لحالات محددة في بيع العقارات وفراغها، مما يجعلها مخالفة دستورية فاضحة لحرية التملك.
استخدمها نظام الأسد كورقة تثبت براءة المواطن السوري من تهم الإرهاب، وإذا لم تصدر فالمواطن تحت الطلب الأمني، ويتوقف كامل حريته في البيع والشراء.
لكن وعلى أرض الواقع، امتدت جذور الموافقة اللعينة لتتحكم في عقود الزواج والتوظيف، وعقود البيع والشراء والإيجار، واستصدار وكالات عامة أو خاصة وغيرها من معاملات تتطلب تلك الموافقة الأمنية ومن كلا الطرفين، والتي لا يمكن لمعارض أن يحلم بها.
سطت يد الموافقة على شروط الحصول على وثيقة تخرج لطلاب الجامعة، حتى الموتى لم يسلموا منها، فلا دفن إلا بموافقة أمنية أيضا.
مكمن الخطورة في أن المهجرين من مساكنهم المدمرة جراء الحرب، إذا أرادوا تفقد بيوتهم أو العودة إليها فلا سبيل لهم إلى ذلك إلا بعد حصولهم على موافقة أمنية!
وكم من حالات جاءت بالرفض، حيث ذكر تلفزيون سوريا أن نسبة الموافقات الأمنية التي يتم رفضها أكثر من 60 في المئة من مجمل الطلبات.
أبو فراس، سوري يملك مزرعة في يعفور، قبل سقوط نظام الأسد، أراد أن يحفر بئرا في مزرعته وتقدم بطلب رخصة بناء، يقول: “طلب منا لحفر بئر الماء رخصة من الموارد المائية وموافقة أمنية من الفرقة الرابعة، الرخصة طلعت قبل الموافقة، أما الموافقة الأمنية فاستغرقت شهرا ونصف الشهر ودفعنا عليها”.
الموافقة الأمنية وسيلة لإجبار السوري على دفع مبلغ من المال مقابل حصوله عليها، مما يعكس حالة من نهم نظام الأسد تجاه سلب السوري أكبر قدر ممكن من أمواله.
في عام 2018 ألغت وزارة الداخلية الموافقة الأمنية للوكالات الخارجية حصرا، كالوكالات المتعلقة بشعب التجنيد وأوراق التخرج، والولادات وتثبيت الملكية وغير ذلك، إلا أنها لم تكن “ببلاش”. حيث ازداد تشليح السوريين لأموالهم مقابل إغرائهم بدفع بدل خدمة العلم، وتم رفد خزينة الدولة بالعملة الصعبة.
ذكرت صحيفة “الوطن” السورية، أنه وبعد مرور عام على قرار الداخلية، ارتفع عدد الوكالات الخارجية الخاصة بدفع البدل النقدي لخدمة العلم واستخراج جواز سفر.
ولأن نظام الأسد لا يمكن أن يصدر أي قرار يستمر في نفع المواطن ولو على حساب أمواله، ومع انتهاء الحاجة إلى قرار الداخلية السابق، أعادت وزارة العدل الموافقة اللعينة إلى الواجهة عام 2021 بإصدار تعميم ذكرت فيه: “نظرا لإصدار وكالات عن الغائب أو المفقود بشكل كبير في الآونة الأخيرة بسبب الأحداث التي حصلت في سوريا خلال السنوات العشر المنصرمة، حيث تبين أن هناك وكالات كثيرة تصدر ويتبين بعد ذلك أن الشخص المدعى بفقدانه أو غيابه ميتا أو ملاحقا بجرائم خطيرة، كما أنه وردت حالات يستغل فيها الوكلاء حالة الغائب أو المفقود ويتصرفون بأمواله تصرفات تضر بمصالحه، وهذا ما يجعل التأكد من الأوضاع القانونية للوكلاء وللمفقودين أو الغائبين ضرورة ملحة، ويقتضي ذلك الاستحصال على الموافقات الأمنية اللازمة، لدى البدء في إجراءات الحصول على الوكالة أسوة بباقي أنواع الوكالات، واعتبار الوثيقة المتضمنة لهذه الموافقة من الوثائق التي يجب إبرازها ابتداء كمرفق أساسي من مرفقات طلب الحصول على الوكالة”.
الموافقة الأمنية تترجم حرفيا كم الفساد والسمسرة التي كان ينتهجها نظام الأسد وشبيحته في استثمارها كبوابة ارتزاق مقابل الحصول عليها من جهة، ومن جهة أخرى تعني فعليا أن كل معارض لنظام الأسد هو شخص مسلوب لكامل حقوقه في بلده وهذا عين المخالفة للإعلان العالمي لحقوق الإنسان بمادته الثانية: “لكلِ إنسان حق التمتع بجميع الحقوق والحريات دونما تمييز.. ولا يجوز التمييز على أساس الوضع السياسي أو القانوني أو الدولي للبلد..”.
“جزيتان” للوطن وخدمة العلم
بين شعب التجنيد وإدارة الهجرة والجوازات والأفرع الأمنية مع الكثير من الأوراق، الكثير من السوريين والسوريات تنقلوا داخل أروقتهم، متوجسين أن لا تتم إجراءات دفع البدل، وآخرون اضطروا لبيع شيء مما يملكون مقابل تسديد آلاف الدولارات لقاء البدل المشؤوم.
والكثير من شباب الداخل السوري انتهجوا سبلا أخرى لا سيما ومن لا يملك الثمن المرقوم، حيث وجدوا الرسوب في الجامعة ومتابعة الدراسات العليا ملجأ للهروب من الخدمة الإلزامية.
المرسوم التشريعي رقم 30 لعام 2007 وتعديلاته يحكم خدمة العلم المتعلقة بالخدمة الإلزامية والاحتياطية، إلا أنه يعكس ابتزاز شباب الوطن، وتسلط حزب “البعث” على الجيش وفق المادة 41 منه: “يحظر على المجندين الاحتياطيين أثناء تأديتهم خدمة العلم الفعلية ممارسة أي نشاط سياسي أو حزبي داخل القوات المسلحة في الأحزاب أو الهيئات أو الجمعيات أو المنظمات أو المنتديات السياسية أو الدينية أو الاجتماعية غير حزب البعث العربي الاشتراكي”.
بعد بدء الثورة والواقع السياسي والاقتصادي في سوريا، طرأ على المرسوم 30 عشرات التعديلات لا سيما وأن التسريح بات مستحيلا، الأمر الذي انعكس على تخلف الكثيرين من الشباب السوري عن الالتحاق بالجيش.
تشير التقارير إلى أنه بلغت نسبة المتخلفين عن الخدمة العسكرية خلال السنوات الثلاث الأولى من الثورة ما يقارب الـ85 في المئة ضمن مناطق سيطرة نظام الأسد، وفقا لصحيفة “الشرق الأوسط”.
لجأ الأسد في تلك الفترة إلى استقطاب النقد الأجنبي عبر إصدار المرسوم 33 عام 2014، بتخفيض قيمة البدل من 15 ألف دولار إلى 8 آلاف دولار.
بعد أعوام، خيّر الأسد الشباب السوري بين أحد الشرين: التجنيد (قتال إخوانهم السوريين) أو دفع البدل، وإلا العقاب بالحجز الاحتياطي على أموالهم المنقولة وغير المنقولة وبقرار من وزير المالية، وفقا للقانون رقم 35 عام 2017. ثم صعّد أكثر، فجعل الحجز تنفيذيا وفق القانون رقم 39 لعام 2019: “يلقى الحجز التنفيذي على الأموال المنقولة وغير المنقولة للمكلف بالدفع الممتنع عن تسديد بدل فوات الخدمة”. ولم ينته عند هذا الحد، وإنما وسع نطاق الحجز ليصل إلى أهل المتخلف في حال لم يكن للشاب أملاك.
وقد أصدر الرئيس الهارب بشار الأسد المرسوم التشريعي رقم 31 لعام 2020، والمتعلق بأحكام الإعفاء والبدل في خدمة العلم، عقب ذلك خرج رئيس فرع البدل والإعفاء إلياس بيطار، عبر فيديو مصور في فبراير 2021 ليقول: “لا يمكن لأي مكلف أو مواطن، حتى لو تجاوز سن 42 سنة، أن لا يدفع بدل فوات الخدمة والذي يساوي 8 آلاف دولار أميركي”.
وأوضح أن هناك قوانين صارمة سيتخذها القضاء أو وزارة المالية أو الهيئة العامة للضرائب والرسوم، تقوم بموجبها بالحجز التنفيذي على ممتلكات كل من لا يدفع بدل خدمة العلم، أو الحجز التنفيذي على أموال أهله.
قدر المرسوم 31 قيمة البدل حسب عدد أعوام الاغتراب:
4 سنوات فأكثر غربة بدلها 7000 دولار.. و3 سنوات غربة بدلها 8000 دولار.. وسنتان غربة 9000 دولار.. و10000 دولار لمغترب السنة الواحدة.
وإنك تجد في بلاد حكم العجائب أن المراسيم والقوانين تنص على اختيارية دفع قيمة البدل بالدولار أو ما يعادلها بالليرة السورية وفق سعر الصرف، لكن عندما تصل إلى المصرف المركزي يتبخر هذا الاختيار ليقتصر على الدولار فقط!
وقد تكبد السوريون آلاف الدولارات لقاء التخلص من شبح الجيش والتجنيد.
ومئات دولارات أخرى دفعها السوريون للسماح لهم بالدخول إلى وطنهم، وفق قرار مجلس الوزراء رقم 46 لعام 2020 القاضي بتصريف 100 دولار، وإن لم يدفع السوري فلا عبور له ولا دخول.
كل هذا يعكس سياسة الأسد في إبعاد السوريين عن وطنهم بالإكراه والإذلال، في مخالفة صريحة لدستور 2012 المادة 38: “لا يجوز إبعاد المواطن عن الوطن، أو منعه من العودة إليه”!
وبذلك جعل نظام الأسد الخدمة الإلزامية والاحتياطية وقرار تصريف 100 دولار، جزية يدفعها السوري مقابل الحق في العودة إلى وطنه، وبشكل يعكس مدى استبدادية هذا النظام في قوننة أي شيء لاستنزاف الشعب السوري ومقدراته.
التزوير العقاري… البعض بالقانون والبعض بالميليشيات
وإن سلمت أملاك السوريين من الاستملاك أو الاستيلاء أو التشليح، قد لا تسلم من مخاطر التزوير وشبح انتزاع الملكية.
التزوير عرفه نظام الأسد تشريعا، والذي برز بشكل فاضح خلال الأعوام الأخيرة إن بالقانون أو بأذرع النظام. ففي عام 2016 اعترفت وزارة العدل بتزوير عقود بيع عقارات بناء على وكالات مزورة، وأصدرت تعميما بذلك. وبتاريخ 24 أبريل/نيسان 2023، كشف تحقيق أعدته كل من وحدة سراج ومنظمة اليوم التالي وموقع درج وصحيفة “الغارديان” البريطانية، عن شبكات أمنية تزور ملكيات بيوت اللاجئين والسوريين في الخارج وذلك في مناطق سيطرة النظام، إذ سجل القصر العدلي بدمشق وريفها استقبال أكثر من 125 ضحية تزوير.
المزورون هم أفراد وميليشيات مرتبطة بالفرقة الرابعة (ماهر الأسد)، بالتواطؤ مع مكاتب عقارية ومحامين وكتاب عدل وموظفين في الدوائر العقارية. حيث يجري تزوير أختام، وهويات شخصية وسندات إقامة مع رفع الإشارات الأمنية إن وجدت، ليتم نقل الملكية، وفقا للتقرير. فلا ذهول إذن من أن يصدر الرئيس الهارب بشار الأسد عددا من القوانين والمراسيم التي تسهل عمليات التزوير والتلاعب بالملكيات، نذكر منها للتدليل عليها وفقا ﻟ”الشبكة السورية لحقوق الإنسان”:
1- بتاريخ 24 أبريل 2013 صدر المرسوم التشريعي رقم 25 حول “جواز التبليغ بالصحف بسبب ظروف استثنائية والتعليمات التنفيذية”.
القانون أتاح لأي نصاب أن يتقدم برفع دعوى في المحكمة ليثبت عملية شراء عقار ما، ثم يبلغ المالك بالصحف المحلية أو برسائل نصية أو إلكترونية، وفي حال تعذر تبليغ المالك بسبب “الظرف الاستثنائي” الذي وضعه القانون، يجب أن يدون سبب تعذر التبليغ. وبناء على هذا التبليغ الشكلي يستطيع الحصول على قرار حكم بنقل ملكية هذا العقار!
هل يعقل أن أبلغ آلاف السوريين خارج البلد وغير السوريين من مالكي عقارات عبر “صحف البلد”، دون توضيح هل يتم التبليغ بمجموع الكل أم الواحد منها يكفي!
2- بتاريخ 5 مايو 2016، صدر المرسوم التشريعي رقم 11 الخاص “بوقف عمليات تسجيل الحقوق العينية العقارية في الجهات المخولة قانونا بمسك سجلات ملكية وذلك في الدوائر العقارية المغلقة بسبب الأوضاع الأمنية الطارئة”.
هدف النظام هو التلاعب بعمليات تسجيل الحقوق العينية العقارية عبر سجلات بديلة للملكية، بعيدا عن السجل الأساسي الذي قارب عمره 100 عام، ما يعني وجود سجلين لملكية للعقار الواحد، وبالتالي انعدام قوة ثبوتهما، والنتيجة إتاحة الفرصة لمواليه لأجل تزوير وسلب ملكيات المواطنين غير المسجلين كالمهجرين والمفقودين.
3- بتاريخ 19 مايو 2016، صدر المرسوم التشريعي رقم 12 “القاضي بعدّ النسخة الرقمية لوقوعات الحقوق العينية المنقولة عن الصحيفة العقارية في الجهة العامة المنوط بها قانونا مسك سجلات الملكية العقارية، ذات صفة ثبوتية”.
هذا المرسوم لا يفهم من وضعه إلا التزوير.
فالمادة الأولى تنص على: “تعد النسخة الرقمية لوقوعات الحقوق العينية المنقولة عن الصحيفة العقارية في الجهة العامة المنوط بها قانونا مسك سجلات الملكية العقارية ذات صفة ثبوتية وتكون أساسا لإنشاء نسخة ورقية للصحيفة العقارية”. فإذا أراد المرسوم رقمنة العقار من الورق ثم توريق الرقمي، سيفتح المجال للتحوير والتبديل والتزوير على العقارات.
بتاريخ 26 أكتوبر/تشرين الأول 2017، صدر القانون رقم 33 الخاص بتنظيم “إعادة تكوين الوثيقة العقارية المفقودة أو التالفة جزئيا أو كليا”.
بالرغم من أنه يعطي صلاحيات واسعة للسلطة التنفيذية، إلا أنه يثبت قوة ثبوتية المرقمن من الوثائق حال تلفها، مما يعيدنا إلى مربع القانون 12 واحتمال وقوع التزوير، وما الهدف من وراء القانون إلا خلق الوثيقة العقارية وإنشائها من العدم.
الأسد نجح في العشوائيات وفشل في السكن البديل
منذ الثمانينات ونظام الأسد الأب يحاول تأمين مساكن بديلة لذوي الدخل المحدود وتنظيم العقارات، فأتى الرئيس حافظ الأسد بمرسوم التخطيط العمراني رقم 5 لعام 1982 وأوكل التخطيط إلى وزارة الإسكان.
وتسبب المرسوم في إعاقة بناء المخططات التنظيمية، وانتشار السكن العشوائي.
بالرغم من المحاولات التي وضعت بعد عام 2000 من خلال التعديلات عليه، وبالقانون رقم 41 لعام 2002، والتشديد بمنع المخالفات وفق القانون رقم 1 لعام 2003 وقرارات أخرى، إلا أنه لم يكن لها أي أثر يذكر.
وعلى العكس ازدادت المناطق العشوائية بنسبة تراوحت بين 200-250 في المئة خلال الفترة الممتدة بين (1990-2004)، كما تقدم.
وعاود نظام الأسد الابن طرح شماعة تأمين السكن لذوي الدخل المحدود ومعالجة العشوائيات عبر إقرار قانون التطوير والاستثمار العقاري رقم 15 لعام 2008.
وأضاف إلى عمليات التطوير “جذب الاستثمارات”، وأحدث الهيئة العامة للتطوير والاستثمار العقاري، برئاسة وزير الإسكان.
خطورة القانون 15 أنه كان بوابة استملاكية جديدة بطابع مودرن “تطوير عقاري”، أما التعويض فبقي “دقة قديمة” وفقا لأحكام قانون الاستملاك رقم 20 لعام 1983.
لم يضع نسب محددة تحد عملية استملاك عقارات الشعب أو أجزاء منها، بالإضافة إلى سماحه لشركات التطوير العقاري الأجنبية والعربية بالتملك في سوريا.
بالرغم من التعديلات التي طرأت على هذا القانون بالقانون رقم 34 لعام 2010، فإنها لا تعدو عن كونها تعديلات شكلية، كمنح صلاحيات لرئيس مجلس الوزراء بتسمية أعضاء لجنة الإدارة.
نظام الأسد استغل تطبيق الأخير بعد الثورة ومجموعة من القوانين التي لحقته على اللاجئين السوريين الذين تجاوزت أعدادهم 6.5 مليون لاجئ، وعلى النازحين داخليا (أكثر من 7 ملايين سوري)، وفقا لآخر إحصائيات الأمم المتحدة قبل سقوطه.
ما يعني وسيلة لحرمان الكثير من هذه الملايين من إثبات ملكياتهم وتعويضاتهم في حال تعذرها لبيروقراطيته في الإجراءات القانونية والموافقة الأمنية، كما فتح باب التزوير عليها، وسياسة ممنهجة كهدية لرجالاته وحلفائه لتشجيعهم على السطو على أملاك السوريين.
ماكينة قانونية نحو اجتثاث الملكية الجماعية
لإمبراطورية الأسد ذراعان قانونيتان، إحداهما قمعية، تقمع الشعب وتلاحق آلاف المعارضين والمطلوبين والمهجرين، وأخرى اختلاسية للنشل والهطل من أملاك الشعب لصالح ثروته والمقربين منه.
عقب الثورة والحراك الشعبي، تفرعت هاتان الذراعان باستغلال حقوق وملكيات شرائح كبيرة من السوريين المعتقلين منهم والمفقودين والمقتولين على أيدي النظام، حتى السوريين في مناطق النظام لم يسلموا من تلك القوانين الانتقامية المذيلة بأحكام الدستور.
* قانون التطوير العقاري رقم 25 لعام 2011:
صدر هذا القانون بتاريخ 11 ديسمبر/كانون الأول 2011، أي بعد حوالي 9 أشهر من بدء الثورة، ليستكمل وينظم قانون التطوير والاستثمار العقاري رقم 15، إلا أنه منع أي شخص حقيقي أو اعتباري من أن يطرح أي مشروع عقاري للاكتتاب العام إلا وفقا للتعليمات التنفيذية.
مما فتح مجالا جديدا كعادة النظام، للفساد وجمع الأموال من المكتتبين لصالح المسؤولين دون توضيح خطط الالتزام بتسليم الشقق وضبط أعمال المتعهدين، فاستمر بناء العشوائيات ولم يتحقق هدف تأمين المساكن.
وبالرغم من أن بشار الأسد ألغى قانون حالة الطوارئ رقم 2 لعام 1963، ومحكمة أمن الدولة العليا بالمرسوم 161، فإنه استحدث بالتزامن مع دستور سوريا 2012 “قانون مكافحة الإرهاب”.
القانون 19 لعام 2012 الخاص بمكافحة الإرهاب
منح هذا القانون النظام السوري حق اتهام أي فرد أو مجموعة من الناس بالإرهاب ودعمه، وبموجبه يتم تجميد الأموال المنقولة وغير المنقولة للمتهمين، ومصادرتها عند الحكم وفق المادتين 12، و13.
بعد أقل من شهر من صدور قانون الإرهاب، ألحقه نظام الأسد بإحداث محكمة للنظر في قضايا الإرهاب “مقرها في دمشق” عبر إصدار القانون رقم 22 لعام 2012، والتي اعتبرت أخطر وأعظم من محاكم أمن الدولة “وكأنك يا زيد ما غزيت”!
بعد مرور حوالي شهر ونصف الشهر من إصدار قانون الإرهاب، أي بتاريخ 16 سبتمبر 2012، ولتمكين مفاعيل قانون الإرهاب أكثر على كل معارض لنظام الأسد وترهيب من يفكر في المعارضة، أردف بشار الأسد إلى قانون الإرهاب، المرسوم التشريعي رقم 63 لعام 2012 المعروف بـ”سلطات الضابطة العدلية”.
وتقوم هذه السلطات غير العدلية وبطلب خطي إلى وزير المالية باتخاذ الإجراءات التحفظية اللازمة على الأموال المنقولة وغير المنقولة (أي تجميد أملاك الأشخاص) وكافة الإجراءات بما في ذلك المنع من السفر، حتى يتم الانتهاء من التحقيق في جرائم أمن الدولة الداخلي أو الخارجي والجرائم المنصوص عليها في قانون مكافحة الإرهاب.
أي بمجرد توجيه تهم الإرهاب والمساس بأمن الدولة يتم الحجز الاحتياطي على ممتلكات المتهم قبل الحكم عليه!
الخبراء الأمميون لاحظوا أن قانون مكافحة الإرهاب ينص على تعريفات “فضفاضة غامضة” للأعمال الإرهابية والمنظمات الإرهابية، وأنه يفتقر إلى الدقة، ويوفر حرية مفرطة قد تؤدي إلى إساءة استخدام تدابير مكافحة الإرهاب، بشكل يؤثر على المدافعين عن حقوق الإنسان، وحرية التعبير والتجمع.
“تختص المحكمة المحدثة بالنظر في جرائم الإرهاب وفي الجرائم التي تحال إليها من قبل النيابة العامة الخاصة بالمحكمة، ولا تنظر في الحقوق والتعويضات المترتبة عن الأضرار الناتجة عن الجرائم في الدعاوى التي تفصل بها”. وفقا للمادة 3 منه.
المادة 6 نصت على: “لا تخضع الأحكام الغيابية الصادرة عن المحكمة لإعادة المحاكمة في حال إلقاء القبض على المحكوم عليه إلا إذا كان قد سلم نفسه طواعية”.
وقدر الحقوقيون أن المادة 6 من أخطر مواد القانون، كونها تمنع استئناف قرارات قضاة التحقيق في المحاكمات الغيابية، وأعفت محكمة الإرهاب من الإجراءات الأصولية المعتمدة في المحاكم العادية، فجاءت تلك المحكمة بأسوأ مما جاءت به محاكم أمن الدولة الملغاة.
بينت منظمة “هيومان رايتس ووتش” في بيانها الصادر في يوليو/تموز 2016: “إن الحكومة السورية تعاقب أسرا بأكملها مرتبطة بأشخاص مدرجين تعسفا على لائحة (إرهابيين مزعومين)، وذلك عبر تجميد أموال تلك العائلات المنقولة وغير المنقولة”.
وفي عام 2020 نشرت “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” تقريرا أشارت فيه إلى ما يلي:
ما لا يقل عن 10 آلاف و767 شخصا لا يزالون يخضعون لمحكمة قضايا الإرهاب منذ تشكيلها في يوليو 2012.
ما يقارب 91 ألف قضية نظرتها المحكمة.
3 آلاف و970 حالة حجز على ممتلكات.
ما لا يقل عن 130 ألفا و758 شخصا لا يزالون قيد الاعتقال أو الاختفاء القسري في مراكز الاحتجاز التابعة لقوات النظام السوري منذ مارس/آذار 2011 حتى أغسطس/آب 2020.
ما لا يقل عن 7 آلاف و703 أشخاص ما زالوا موقوفين لدى محكمة قضايا الإرهاب، أحيل أغلبهم إلى محكمة جنايات الإرهاب، وتراوحت مدة اعتقالهم (من لحظة اعتقالهم حتى أكتوبر 2020) ما بين (4–7) سنوات.
ما لا يقل عن 3 آلاف و64 شخصا حوكموا من قبل محكمة جنايات الإرهاب بأحكام تتراوح بين السجن (10-15– 20 عاما) والإعدام.
8 آلاف و27 شخصا أخلي سبيلهم من محكمة الإرهاب، من بينهم 262 امرأة و28 طفلا.
90 ألفا و560 قضية محالة إلى ديوان النيابة العامة في محكمة الإرهاب.
ما لا يقل عن 3 آلاف و970 حالة حجز، منذ بداية عام 2014 حتى أكتوبر 2020، استهدفت المعارضين الموقوفين أو المشردين قسريا، بينهم ما لا يقل عن 57 طفلا.
وبعد أن أصدر وزير مالية نظام الأسد القرار رقم 3379 لعام 2018، تم إلقاء الحجز الاحتياطي على الأموال المنقولة وغير المنقولة العائدة لعشرات المواطنين من أبناء غوطة دمشق الشرقية، وفقا لهيئة القانونيين السوريين.
وبموجب التعميم رقم 346 لعام 2019، أمرت “وزارة الإدارة المحلية” مديرية المصالح العقارية، الاستعجال في مصادرة أملاك السوريين المندرجين تحت قانون “الإرهاب”، ونقل ممتلكاتهم إلى دولة الأسد.
بالرغم من التحذيرات الأممية لنظام الأسد حول عدم شرعية هذا القانون وبطلانه لمخالفته الدساتير السورية والقانون الدولي والمعاهدات والاتفاقيات الدولية، فإن ميترو تشريعات المصادرة المالية لم يقف عند هذا الحد، وإنما تفرع إلى قوننة استثمار الممتلكات المسلوبة.
ففي ديسمبر 2023، أقر “مجلس الشعب الأسدي” قانونا يشرع الاستيلاء على الأموال المنقولة وغير المنقولة المصادرة بموجب أمر قضائي، والتي تعود غالبيتها لمعارضي النظام، وسمح المشروع لرئيس مجلس الوزراء بتخصيص جزء من الأموال المذكورة لأي من الجهات العامة بناء على طلب من الوزير المختص، ويصدر بقرار من مجلس الوزراء بناء على اقتراح وزيري المالية والزراعة والإصلاح الزراعي نظام خاص يتضمن قواعد إدارة واستثمار ونقل ملكية وتخصيص هذه الأموال المنقولة وغير المنقولة.
ولم تشفع التسوية عند النظام الإقطاعي الاستبدادي من تطبيق الحجز، ففي النصف الأول لعام 2024، سطت وزارة المالية بالحجز الاحتياطي على أملاك 817 شخصا من بلدة زاكية بريف دمشق، بينهم 286 شخصا أجروا عملية “تسوية”، وفقا لمنظمة “هيومان رايتس ووتش”.
وبذلك نجد أن النظام السوري برمج تشريعات مصادرة الملكية لكل من تسول له نفسه أن يقف بوجهه ويعارضه، فالتهمة حاضرة وبالقانون الفضفاضي الذي من الصعب أن يسلم منه أحد “إرهابي”.
أما أن يقوم نظام الأسد بقتل 230 ألفا و224 مدنيا سوريا، وتشريد قرابة 14 مليون سوري، ومئات الانتهاكات في المعتقلات والقصف بالأسلحة الكيماوية، التي راح ضحيتها ما لا يقل عن 1400 سوري في الغوطة الشرقية، وغير ذلك إحصائيات وأرقام أقل ما يمكن وصفها بجرائم حرب، لا تعتبر عند نظام الأسد أعمالا إرهابية ولا يعتبر مرتكبوها “إرهابيين”، وإنما تبرر بحماية هيبة الدولة وأمنها وسيادتها!
المجلة
—————————

هكذا ابتلع الأسد أملاك السوريين… تشريع سرقة العقارات بهدف التغيير الديمغرافي (3 من 3)
هبة الكل
لا أسهم أو أملاك للمعارضين والمهجرين
من الهتافات وعلى وقع الاشتباكات بين جيش النظام المخلوع والجيش الحر في داريا والمزة وكفرسوسة قرب مقر رئاسة الوزراء، وإعلان الجيش الحر سيطرته على معسكر الصاعقة (مركز تجمع شبيحة النظام وقوات أمنه) خلف مشفى الرازي، مع قصف عنيف على مدينة داريا، يخرج الرئيس الهارب بشار الأسد بمشروع إحداث منطقتين تنظيميتين في نطاق محافظة دمشق، حملتا اسم “ماروتا سيتي” و”باسيليا سيتي”، وفق المرسوم 66.
اعتبره الحقوقيون من أخطر ما أصدر نظام الأسد من قوانين، ووصفته وزارة الخزانة الأميركية ﺑ”أكبر استثمار عقاري في سوريا بملايين الدولارات، يهدف إلى تغيير ديموغرافية المكان إلى ديموغرافية غنية وموالية للنظام”.
لم ينس اللحظات الأولى التي تمت فيها عملية الإخلاء لأهالي الرازي، أبو محمود، وهو من سكان خلف الرازي يقول لـ”المجلة”: “مدججون بالأسلحة وبباصاتهم الخضراء دخلوا علينا ليخرجونا من بيوتنا، بعد أن قتلوا ابن جيراننا معاذ عباس بين حضن أُمه وكان عريسا جديدا والسبب أنه كان ناشطا على فيسبوك”.
المظاهرات التي خرجت وقتها، أرعبت نظام الأسد، فشبح إسقاطه بات على أبواب القصر، يضيف أبو محمود: “نعلم أنهم أرادوا تنظيم المنطقة بسبب المظاهرات التي خرجت حينها، ولا سبيل لديهم للتخلص من الأهالي المتظاهرين إلا بمخطط تنظيمي يبعدهم عن القصر الجمهوري”.
يوافقه محمود رجب، وهو من سكان بساتين الرازي أيضا، ويضيف أن هذا الوضع جعل أكثر من ضابط يقول حينها “أريد أن أقف من عند الرازي وأرى داريا كلها”، يتابع رجب لـ”المجلة”: “فعلا بدأت الجرافات عملها من المتحلق الجنوبي إلى الرازي”.
يؤكد رجب على مشروع النظام الساقط في التغيير الديموغرافي وإبعاد سكان الرازي عن أرضهم خلافا لما جاء به المرسوم: “أعطوا سكان خلف الرازي بدل سكن في المتحلق الجنوبي بباسيليا، وبذلك أبعدونا عن أراضينا التي ورثناها أبا عن جد”.
فظاعة المرسوم 66 تكمن في أنه شرعن سرقة أراضي وأملاك السوريين، فاستثنى هاتين المنطقتين من أي قانون وحكم كانت تخضع له سابقا من قوانين العمران وتنظيم المدن وفقا للمادة 2 منه.
جعل ملكية العقارات “مشتركة على الشيوع” بين أصحاب الحقوق وفقا للمادة 3.
حقوقيون يرون أن النظام استملك المنطقة بأكملها وجعلها عقارا واحدا يملكه الجميع، وفقا للمادة السابقة، في محاولة منه للعب على المصطلحات وتفادي ذكر “الاستملاك” الذي أثقل السوريين. ليس هذا فحسب، بل جعل اقتطاع الأراضي اللازمة لبناء الطرق والمراكز العامة والمشيدات العامة والمعابد ومراكز تحويل الكهرباء ومحطات الصرف الصحي وضخ مياه الشرب وغيرها “مجانية” دون بدل أو تعويض، فلم يعد استملاكا لأن الاستملاك يكون بتعويض، فهو محض استيلاء. وأسقط بندا كان موجودا في قانون التطوير والاستثمار العقاري 15، الذي أعطى الحق للشاغلين ضمن العشوائيات والمخالفات بالسكن البديل وفق المادة 20 منه، في حين أن المرسوم 66 وفق مادته 43 نص على عدم استحقاق الشاغلين للأبنية المخالفة أي تعويض عدا تعويض بدل الإيجار، أما الشاغلون لأبنية مخالفة على أملاك الدولة “فلهم حق أخذ أنقاض أبنيتهم ولا يعترف لهم بأي حق سوى ذلك”.
أي إن مئات السوريين باتوا في الشارع مشردين بلا منزل تحت ذريعة تنظيم العشوائيات والمخالفات والتي لم تأت على مخالفات وعشوائيات أخرى مجاورة!
تشير تقارير إلى أنه من بين 7500 عائلة أخليت من بيوتها في هاتين المنطقتين، استحقت 5500 عائلة مساكن بديلة، وبقيت 2000 دون سكن بديل أو بدل إيجار. 30 يوما فقط المدة الزمنية التي حددها المرسوم لتصريح أصحاب الحقوق بحقوقهم، وطلبت محافظة دمشق من أصحاب العقارات، وبشكل اجتهادي خارج عن المرسوم، بيان حركة من الهجرة والجوازات.
خرج عن تلك المدة من لم يستطع إثبات ملكيته، إما لتعذر وجوده وإما لخوفه من تهم الإرهاب (تزامن إصدار قانون الإرهاب قبل 3 أشهر من المرسوم 66)، أو صعوبة توكيله في هذه العقارات، فالموافقات الأمنية حاضرة أيضا، مما حرم الكثير من السكان عن التصريح بأملاكهم.
يقول رجب: “هناك مواطنون كان عندهم أسهم وبيوت وراحت بيوتهم لأنهم كانوا ضد النظام، ومن قتل منهم حُرم ورثته من حقوقهم، وكانت الخلفية الأمنية حاضرة، حتى إن عائلة الشاب معاذ عباس وعوائل أخرى حُرموا وذهبت أسهمهم لأنهم معارضون، والذين كانوا من الجيش الحر بداريا، ونهر عيشة، ومن مع الأيام انتسب للجيش الحر كمان راحت ممتلكاتهم”.
لمزيد من الاستيلاء، اتبع نظام الأسد وموالوه آليات فادحة في تطبيق المرسوم 66، ولأنه معهود بالكذب والمماطلة لكسب الوقت في تحقيق أكبر قدر ممكن من المنفعة المطلوبة، كانت تلك المماطلة آلية اعتمدها نظام الأسد لاغتصاب أكبر عدد ممكن من العقارات والحقوق.
عبد الجليل شربجي، من سكان كفرسوسة وخبير بالمخططات التنظيمية يقول لـ”المجلة”: “القضية ليست تنظيم وإنما سرقة بطريقة قانونية، أول ظلم ارتكبوه أنه لما طالعوا الناس من بيوتهم ما قبضوها سلف، وتأخر التقبيض لأكثر من ستة أشهر، وفي هذه الفترة كان كل شيء بالبلد عم يرتفع سعره، فما عدلوا التقييم ولا رضوا يعدلوه، حتى باسيليا ما عملوا تقييم لعام 2021”.
نص المرسوم على أن التعويض فيما يعادل القيمة الحقيقية قبل صدور المرسوم، وأسقط أي ارتفاع طارئ فيما بعد، وفق المادة 10.
كذبة السكن البديل، كانت من أبرز آليات السرقة، فالمادة 45 من المرسوم 66 نصت على أن محافظة دمشق تلتزم “بتأمين السكن البديل للشاغلين المستحقين لمدة لا تزيد على أربع سنوات”.
ولكن الواقع مختلف، فالكثير من المستحقين لم يتم تأمين سكن بديل لهم.
ميادة دحبور، معلمة من منطقة الرازي تفاجأت بعد عودتها من المدرسة بقدوم شركة الكهرباء وقيامها بتقطيع كابلات الكهرباء.
تقول لـ”المجلة”: “كنا بشهر رمضان وعلى أساس نخلي بعد العيد، فاتوا علينا وجبرونا على الإخلاء بعام 2017، وقالوا لنا 4 سنين بالكثير ونرجع لمنطقتنا، وأنا هلق ساكنة بجديدة عرطوز صرلي أكثر من 7 سنين”.
الكثير من الأهالي اضطروا إلى بيع أسهمهم أو دفاتر السكن البديل.
وتضيف دحبور: “الأغلبية باعوا، لأن ما عاد قدروا على الإيجار والقصة طولت، حتى الإيجار رمزي، يعني أنا أخدت 400 ألف بدل إيجار لسنة، وفي ناس أخذت 700 ألف بالسنة، وما عدلوه، وبقينا 8 سنين على هالرقم، ما عم أفهم كيف 400 ألف ليرة بدن يكفوني بدل إيجار لسنة والدنيا عم ترتفع أسعارها، حتى بالأرياف ما بتكفي إيجار”.
عدم وجود خطة زمنية لتنفيذ المشروع كانت آلية ظالمة لإيهام مستحقي السكن البديل بأن المشروع بعيد المنال، وبالتالي طريقة غير مباشرة لإخضاعهم وإرغامهم على البيع.
بعد انتظار لأكثر من 4 سنوات وعدم قدرتها على تحمل الإيجار، اضطرت ميادة لبيع جزء من أسهمها، وكلما تذهب للتوقيع تبكي والسبب كما تقول: “ما بدي أطلع من المزة، هي منطقتي وهون أهلي وناسي، هون جدودنا هون نشأنا، عطونا دفاتر للسكن البديل بباسيليا سيتي وهي مو أراضينا هي أراضي أهالي داريا، لأنهم عرفانين أنه بماروتا ما رح نقدر نسكن لخدماتها الغالية يلي قرروا يعملوها”.
توقف مشروع ماروتا وجمدوه حوالي السنتين، يعود ويتابع رجب: “باعت ناس كثير ببخس الثمن عبر رجال أعمال موالين للأسد، فبعد ما حرثوا الأرض، بلشت لعبة الكبار (حمشو والفوز والقاطرجي) والناس عم تحكي بيطلع المشروع ولا لاء، وكانت التقييمات بربع ليرة ونص ليرة و30 قرش للسهم الواحد، وكتير ناس باعت على هذا الرقم واشترت بالجديدة والمعضمية لأن شافوها شغلة طويلة أقل من السوق، ولهلق طالع شي 20 بناية بالماروتا من لما بلشوا بعام 2018 وبعد عشر سنين ولا شقة مسكونة بالماروتا”.
الدفعة الأولى من آليات إكراه الناس على البيع أيضا، تتابع ميادة لـ”المجلة”: “كتير ناس باعت لأن ما معها أول دفعة يلي هي بالملايين، يعني أخذوا أرضنا بتراب المصاري، ولزمونا ندفع دفعة أولى وعم ندفع قسط كل شهر هي صارت جمعية ما سكن بديل، وأرضنا راحت ببلاش”.
ومن آليات النصب على أملاك الناس كانت “صفر أرض”، حيث يوضح الخبير شربجي ذلك بقوله لـ”المجلة”: “النصب في التالي: أنا أملك 1000 أرض زراعية، بالتنظيم أخذوا الأرض وعوضوني 1000 أو أقل منها كأمتار طابقية مثلا، علما أن الأرض تعمر آلاف الأمتار”.
إن هذين التنظيمين يثبتان وبشكل فج كيف استخدم نظام الأسد القانون كغطاء لاستيلاء حكومته ورجالاته على أملاك السكان، وإقصاء المعارضين والمهجرين والمعتقلين فذهبت أسهمهم دون أي تعويض.
* قانون التخطيط وعمران المدن رقم 23 لعام 2015:
عند المقارنة بين هذا القانون والمرسوم 66، يتضح أن هذا القانون جاء حلقة ثانية تتبع مرسوم الأب الروحي 66 لمسلسل الاستحواذ على أراضي السوريين عبر اقتطاعها مجانا من قبل الوحدات الإدارية (المادة-4)، معتبرا أن الخدمات التي يُفترض أن تقدمها الدولة للشعب هي بمثابة بدل تعويضي.
جعل أملاك أصحاب الحقوق، كالمرسوم 66، ملكا على الشيوع تماما وفق المادة 14 بعد أن كان ملكا مستقلا، وبحجة ما وصفه قانون التخطيط وعمران المدن ﺑ”مخططات تنظيمية”.
صرح القانون علانية بأن هذا التنظيم ينطبق على جميع المناطق التي تتعرض للكوارث الطبيعية أو الزلازل أو الحروب، ما يعني أنه أعطى الضوء الأخضر لاحتلال ما يقرر من المناطق التي شهدت معارك حربية وإخضاعها ضمن التنظيم وفقا للمادة 5.
القانون 23 أعطى صلاحيات واسعة للجان المتشكلة في التحكم بمصير أسهم المالكين وتوزيعها. ما يعني إقصاء كل من يخالف موافقتهم ودراساتهم الأمنية، بالإضافة إلى أنه حصر اختيار أي تمثيل للمالكين فيمن تختاره اللجان ممثلا عنهم، أي لا خروج عن عباءتهم السلطوية!
استخف القانون بشكل فاضح بحق المواطن في الاعتراض، على مبدأ “نفذ ثم اعترض”، فبعد أن صرح بحقه في الطعن على القيمة التقديرية التي أقرتها اللجنة، نص أن الطعن لا يوقف إجراءات التنفيذ وفق المادة 25.
منح الجهة الإدارية مدة 10 أيام، لإحصاء أسماء أصحاب العقارات وجميع الأشخاص الذين لهم حقوق عقارية وفقا للمادة 19، في ظل غياب عدد كبير من المالكين بين اللجوء والاعتقال والتهجير ومن هم مطلوبون أمنيا، الأمر الذي يجعل تقديم هؤلاء أو وكلائهم لأوراق ملكياتهم أمرا مستحيلا.
ساوى القانون الجائر بين جميع المناطق السليمة والمتضررة والمخالفة والمنظمة على حد سواء، وفرض خصما نسبته 40-50 في المئة من أسهم المالك الأساسية لقاء دخول عقاره في التنظيم.
في حين سكت عن حقوق المخالفين فوق أراضي الدولة وحصر حقهم في الأنقاض في ظل الظروف التي كانت تعيشها سوريا والسوريون على حد سواء، في مخالفة لنص المادة 25 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
بعد كل هذا يخرج معاون وزير الإسكان والتنمية العمرانية في ذلك الوقت ويصرح بأن “قانون التخطيط وعمران المدن الجديد يتوافق مع أحكام الدستور الجديد، ويركز على تحقيق العدالة بين المواطنين وضمان الحقوق العامة”!
* القانون رقم 10 لعام 2018 “تعميم أحكام المرسوم رقم 66”:
عقب إحكام قبضة نظام الأسد على داريا عام 2016، وبعد أن ضحت بأكثر من 2900 سوري منذ بدء الثورة السورية، واعتقال 51 ألفا و935 معتقلا سياسيا.
وبعد أن تم لنظام الأسد تدمير ثلث المساكن في سوريا منتصف عام 2017، أصدر الأسد القانون رقم 10 الذي هز الرأي العام الدولي نحو الانتهاكات التي شرعنها وتنال من حقوق الملكيات.
“هيومان رايتس ووتش” وصفت هذا القانون بأنه مصادرة لممتلكات السكان وإعادة الإعمار، ويشكل عقبة رئيسة أمام عودة النازحين إلى ديارهم دون اتباع الإجراءات القانونية الواجبة أو التعويض.
لا يمكن الخروج عن الواقع الجيوسياسي في سوريا لتوقيت إصدار قانون 10، وفق بُعدين. البعد الداخلي: نظام الأسد أراد أن يستمر في محاربة الناس في ممتلكاتهم لمزيد من مصادرات أكبر. والخارجي: رسم صورة أمام العالم بأنه انتصر ودخل في مرحلة إعادة الإعمار، وذلك بالتزامن وتوقف العمليات العسكرية مع المعارضة آنذاك.
أتى القانون 10 معدلا عن المرسوم 66 لعام 2012، بنسبة تعديل تجاوزت اﻟ46 في المئة، حيث شمل تعديل ما عدده 29 مادة من مواد المرسوم 66 والبالغ عددها 63 مادة.
وسع القانون 10 من خطط التنظيمات العقارية التي خصصها المرسوم 66 (ماروتا وباسيليا في دمشق) ليشمل جميع الأراضي السورية، وهنا مكمن نفوذ الاحتلال العقاري.
عكس قوننة المركزية الشديدة بموجب المادة 1 وفق قرار إنشاء تلك المناطق التنظيمية بمرسوم صادر عن شخص الرئيس. أي إن الوحدات الإدارية (المحافظات) تنفذ فقط، ولا دور لها ولا للمجتمع المحلي ولا المالكين في أي قرار، وفقا لما ذكرته مبادرة الإصلاح العربي.
كرر ترسيخ “الإبادة الملكية العقارية” بالاقتطاع المجاني، وفق المادة 21 منه، اللازمة لتنفيذ المشيدات العامة ودون بدل أو تعويض، وهو ما يتنافى مع حماية الحقوق الملكية ومع نص دستور 2012 وفق المادة 15 والتي سمحت بالمصادرة الخاصة لضرورات الحرب والكوارث العامة لقاء تعويض عادل!
ألزم القانون إجراء مسح اجتماعي للسكان في المناطق التنظيمية، وحدد مدة 30 يوما لإثبات الملكية، وإلا فإن الملكية ستذهب إلى الدولة.
تطبيق ذلك وفقا للمشرعين يعني “استغلال عملية التشريع لتمرير أحكام لمآرب خاصة خلسة”، وبالتالي إعادة هيكلة ديموغرافية لسكان تلك المناطق وحرمان آلاف المعارضين والمهجرين لحضور الموافقة “اللعينة” الأمنية وقانون الإرهاب.
عند تعديل القانون 10 بالقانون 42، ووفقا للمادة 2 منه، خالف مبدأ استقلال القضاء دستوريا، في منحه للجنة حل النزاعات والخلافات صلاحية قضائية في الادعاءات أو المنازعات العينية العقارية، وهي لجنة إدارية تنفيذية (محافظة، بلديات) لا قضائية، وبالتالي أثبت عنجهية النظام لمبدأ الفصل بين السلطات، وسلب حق المالك من التقاضي المنصوص عليه دستوريا.
المادة 22 منه نصت على أن المنطقة التنظيمية “شخصية اعتبارية تحل محل جميع المالكين وأصحاب الحقوق فيها”. ما يعني تحويل الأملاك العقارية إلى أسهم شائعة تخضع للتوزيع الإجباري، مع تجميد مؤقت للملكية السهمية وفق المادة 30. أي منع المالكين من أي شكل من أشكال حق التصرف وبشكل قولب فيه القانون المدني وفق ما يريد، بموجب المادة 768 من القانون المدني: “لمالك الشيء وحده في حدود القانون حق استعماله واستغلاله والتصرف فيه”.
حتى هذه الأسهم التنظيمية قيد القانون تسجيلها باسم مالكيها بمدة زمنية 6 أشهر، وضمن أحد ثلاثة شروط مجحفة ومستندة على أحكام المرسوم التشريعي 66: التخاصص بمقسم تنظيمي، أو المساهمة في تأسيس شركة مساهمة (وفق قانون الشركات أو قانون التطوير والاستثمار العقاري)، أو البيع بالمزاد العلني في حال لم يقدم المالك على الخيارين السابقين فإن الوحدة الإدارية تبيع أسهمه بالمزاد العلني.
يتفرع عن ذلك، حصر تلك الشركات المساهمة ضمن جماعة الأسد وحدهم، وبالقانون، ما يعني إقصاء أي مستفيد آخر. وذلك لأن بشار الأسد كان قد أصدر مرسوما تشريعيا رقم 19 لعام 2015، ينص وفق المادة 1 على “جواز إحداث شركة سورية قابضة مساهمة مغفلة لإدارة واستثمار أملاك الوحدة الإدارية، وتملك الوحدة الإدارية المذكورة جميع أسهمها وللشركة القابضة المحدثة وفق أحكام هذا المرسوم التشريعي تأسيس أو المساهمة في شركات أموال تابعة أو مساهم بها وإدارتها”. ولما كانت الوحدة الإدارية هي الشخصية الاعتبارية وفقا للقانون 10 المادة 22 منه: “تمارس الصلاحيات التي تكفل تنفيذ المخطط التنظيمي وتصفية أملاك المنطقة وحقوقها”. ما يعني أن الوحدة الإدارية لها صلاحيات التنفيذ وحدها من بنى تحتية ومنح تراخيص وإجازات سكن وفرز الأقسام وتحصيل الغرامات لصالحها، ثم لهذه الوحدات الإدارية أملاك، يحق استثمارها من قبل الشركة القابضة، والأخيرة أوتوماتيكيا تعود أسهمها للوحدة الإدارية (المحافظة)، وهكذا يقوم الأسد بعمليات لف ودوران قانونية ليعود إلى المربع الأول “دولة الأسد”. كما أنه منع إلقاء الحجز على أصول الشركات القابضة أو الشركات التابعة لها أو المساهم بها إلا بحكم قضائي وفق المادة 5 من المرسوم التشريعي 19.
وفعلا، بعد مرور عام على المرسوم 19، وفي عام 2016، أعلنت محافظة دمشق عن إطلاق شركة قابضة مساهمة باسم “دمشق الشام القابضة” تتولى إدارة وبناء واستثمار المنطقة التنظيمية الأولى الواقعة في المزة خلف مشفى الرازي، لاستثمار أملاك وخدمات الوحدة الإدارية (أملاك المحافظة) من خلال تأسيس شركات تابعة أو مساهم بها للقيام بالمشاريع التجارية والاقتصادية والاستثمارية، ونقلت لها ملكية المقاسم الخمسين للمحافظة في المنطقة التنظيمية “ماروتا سيتي”.
وهكذا نجد أن المرسوم 19 أعطى الحق لشركة “دمشق القابضة” وفي سابقة خطيرة، باستيفاء الرسوم والأقساط، ومنح التراخيص، والتعاقد مع شركات أخرى بشكل مستقل، إضافة إلى تولي مهام صناديق المناطق التنظيمية المُحدَثة، وتحصيل الأقساط، ومتابعة سداد القروض وفوائدها.
ويبدو أن نظام الأسد استشعر المركزية العنيفة في تنفيذ “مشروع ماروتا”، فعمد الرئيس الهارب (الأسد) إلى إصدار القانون رقم 5 عام 2016، حول التشاركية بين القطاع العام والخاص، فجاء ليوائم بين الشركات القابضة الخاصة (نظريا) والمحافظة، ويمكّن القطاع الخاص من المشاركة في المشاريع العائدة ملكيتها إلى القطاع العام، والحق في حيازة أكثر من 51 في المئة من أسهم أي مشروع شراكة مع القطاع العام.
بيد أن هذا القانون لا يخرج عن كونه حبرا على ورق، حيث أعاد إلى الواجهة الاستثمارية تكرار هيمنة رجالات الأسد وملوك الفساد على القطاع الخاص، في صور طبق الأصل عن نظام الأسد في الاستئثار والاحتكار واللعب على الإكراه.
والدليل على ذلك، أنه في عام 2017 أُنشئت شركة “أمان دمشق” برأسمال 18.9 مليون دولار، بالشراكة بين ثلاث شركات: شركة “دمشق القابضة” متمثلة في القطاع العام، وشركة “أمان القابضة المغفلة المساهمة”، العائدة لسامر وزهير وعامر الفوز بالتساوي، وشركة “فوز التجارية” العائدة لرجل الأعمال سامر فوز، لقاء استثمار 3 أبراج و5 مقاسم تنظيمية سكنية!
وقبل أن يغضب الأسد على ابن خاله رامي مخلوف، الذي خصخص أهم أصول اقتصاد البلد لصالح الأسد بنسبة 60 في المئة من اقتصاد سوريا، ويقرر الحجز على أمواله المنقولة وغير المنقولة أواخر عام 2019، بعد أن قُدرت ثروته بما يقارب 30 مليار دولار “وفقا لتقرير مجلة فوربس” عام 2017، كان لمخلوف حصة من الاستثمار في “ماروتا” عبر شركتي “روافد”، و”راماك”، لتنفيذ واستثمار مقسمين سكنيين.
إذن جاء القانون 10 وتعديلاته 42 في العام ذاته متعاميا عن واقع النزوح والتشريد والاغتراب، قافزا فوق العهود والمواثيق الدولية وحتى الدستور السوري، بلا رقيب ولا محاسبة دستورية.
وما الهدف إلا مزيد استيلاء واحتلال لتفريغ المناطق ممن لا يرغب في وجودهم وتعزيز توسيع مستوطنة الأسد، منحيا كل معارض أو وكيله في سوريا.
* مرسوم تنظيم قابون وحرستا رقم 237 لعام 2021:
واستمر مسلسل المرسوم 66 بعرض حلقاته، والدور الاقتطاعي “باسم التنظيم” وصل إلى مناطق القابون وحرستا.
وجاء إعلان سيطرة النظام على حي القابون في دمشق عام 2017، فيما عرف ﺑ”تسوية” وما نتج من حالات اعتقال وتهجير للأهالي متزامنة مع عمليات تفجير في القابون وجوبر لأنفاق ومخلفات المسلحين حسب زعمه، وبعد عامين وثلاثة أشهر تم فيهما هدم وتنظيم أكثر من 70 في المئة من مساحة القابون، والباقي من مساحة حرستا، ما يعني تهيئة أرضية لتمرير مخططات السلب العقارية.
المرسوم 237 جاء مقتضبا في مادة واحدة على مبدأ “كثف تكسب”، تنص على “إحداث منطقة لتنظيم مدخل دمشق الشمالي (القابون وحرستا) في محافظة دمشق، استنادا إلى المخطط التنظيمي التفصيلي رقم 104 الصادر والمصدق، وإلى دراسة الجدوى الاقتصادية المعتمدة”.
لم يوضح هذا المرسوم أية أمور لا من ناحية الحقوق العقارية ولا الملكيات ولا حتى الاقتطاع المجاني ولم يأت على ذكر أي اعتماد في مواده من مواد المراسيم السابقة، هل قانون التخطيط وعمران المدن 23 لعام 2015، أم قانون 10 لعام 2018، أم مرسوم 66 لعام 2012، أم إنه جاء ليجمع كل ما شُرع خلال السنوات الماضية والفائتة من عهد الأب إلى وقته؟!
حالة من العبثية التشريعية وشهية مفجعة للسلب غير المشروع، يعكسها هذا المرسوم، حيث ترك باب التقديرات والتخوفات مفتوحا أمام الأهالي بشكل يؤثر عليهم سلبا، ناهيك عن تسببه في إيقاف المعامل الصناعية في القابون عن العمل وقطع أرزاق الناس.
نظام الأسد يستحل الأوقاف
حتى “ملك الله” لم يسلم من قانون حكومة الأسد في الإبادة والسرقة العقارية، فجاء القانون رقم 31 لعام 2018 الناظم لعمل الأوقاف.
هذا القانون تلاعب بالأحكام الوقفية واستحل بيع العقارات الوقفية أو رهنها أو استبدال عقار وقفي بعقار آخر وفقا للمادة 52 منه، بشكل يخالف مبدأ الأوقاف الذي يحظر البيع والتصرف بالأموال الوقفية خارج نطاق الغاية التي وُجد لأجلها، ليستفيد منها اليتامى والفقراء وطلبة العلم وعابرو السبيل وغيرهم.
بموجب المادة 58: “تنتقل ملكية الأوقاف حكما إلى الوزارة، وتسجل باسم الإدارة الوقفية التي تتبعها مكانيا”. أي أصبحت جميع الأموال المنقولة وغير المنقولة والعقارات الموقوفة والأوقاف الخيرية كالجوامع والتكايا ودور التوحيد والمدارس وغيرها من الأوقاف ملكا قانونيا للوازرة.
جاء هذا القانون بعد سلسلة إعلانات مزادات علنية وتنازلات قدمتها وزارة الأوقاف من وقفها لصالح حكومة الأسد.
ومن تنازلات الوقفية: في عام 2017 وبتوجيه من الأسد تنازلت وزارة الأوقاف عن عقارات بمساحة 341 ألف متر مربع في منطقة الرميلة في اللاذقية، لصالح وزارة الإدارة المحلية والبيئة، بهدف حل مشكلة اجتماعية لم تتم معالجتها منذ 40 عاما، والمقصود العشوائيات. ولكن هذا التنازل جاء طبقيا، لصالح “أسر الشهداء والجرحى” فقط على أنه “وفاء للدماء”!
استغل نظام الأسد أوقاف سوريا في خدمة مصالحه وكسب ولاء مواليه، أما المعارضون فتأكل حقوقهم القوانين الإقصائية الاغتصابية كما تقدم.
أملاك “البعث”… حرم مقدس
إحصاء أملاك الشعب السوري أو تقدير ثروة الأسد وحاشيته، أهون من حصر وتقدير ثروة حزب “البعث” وممتلكاته.
“المجلة” تمكنت من حصر عدد العقارات التابعة لحزب “البعث” كبيان ملكية خاص في محافظتي دمشق وريفها. وفي ظل فقدان السوريين لأغلب ممتلكاتهم إبان الثورة السورية، وصلت عقارات حزب “البعث” الساقط إلى 45 عقارا في دمشق، و97 عقارا في ريف دمشق.
الكثير من القوانين والتشريعات ساهمت في تضخيم ملكية “البعث”، كما رأينا في قانون الاستملاك 20 لعام 1983، والقانون رقم 10 لعام 2018، وغيرهما، على حساب مكليات السوريين ولصالح الدولة التي هي واقعيا دولة “البعث” من وزارات ومؤسسات عامة وقطاعات اقتصادية.
من تلك المراسيم التي صدرت، المرسوم التشريعي رقم 308 لعام 1969، الذي أجاز منح البلديات قيادات الحزب وفروعه والمنظمات الشعبية، أراضي مجانية لإقامة منشآت عليها.
مصدر من داخل المصالح العقارية فضل عدم الكشف عن اسمه يقول لـ”المجلة”: “عندما حل الاتحاد العام النسائي عام 2017، كمنظمات شعبية ووفقا للمرسوم من المفترض أن تعود ملكياته وعقاراته إلى البلدية، ولكن أراد الاتحاد أن يبيض وجهه أمام الحزب فتبرع بأملاكه إلى الحزب”.
الاتحاد العام النسائي، واتحاد الطلبة وطلائع “البعث” هي منظمات شعبية تعود إلى حزب “البعث” وقيادته ولها ملكيات وعقارات لا تعد، وحول ذلك يتابع المصدر: “بالنتيجة ليست مخالفة كبيرة، لأن الأملاك ستعود إلى البلديات والوحدات الإدارية والتي بالمحصلة هي بعثية”.
أضف إلى ذلك، أغلبية قيادات البعث ووزراؤه وكبار ضباطه وأعضاء مجلسه (مجلس الشعب) يزرحون في أرقى المساكن في أحياء العاصمة دمشق، من المزة فيلات غربية، إلى أبي رمانة والمالكي ومشروع دمر، حيث تقدر أسعار تلك المنازل بملايين الدولارات، وحكما لا يُسأل حُكام “البعث”: من أين هذا؟!
الراسخ في نظام الأسد الساقط أنه كان نظاما إقصائيا إحلاليا مغلفا بإصدارات قانونية تبرر جرائمه إن في القتل والإبادات وإن بالمصادرات والاستيلاءات.
ولما كانت سيادة القانون أساس السلم والأمن والاستقرار السياسي، مساهمة في حماية حقوق الناس وحرياتهم، وكبح الفساد، والحد من إساءة استخدام السلطة، وإرساء عقد اجتماعي بين الناس والدولة وفقا للأمم المتحدة. فإن الحالة القانونية التي اخترعها نظام الأسد، تشعرك وكأنه استحدث لجنة فنية، متخصصة في التفنن القانوني لقهر الشعب وسلبه حقوقه، وتضمن له انتهاج سياسة ملكية سادية على حساب ملكيات الشعب، ظاهرها التطوير والتنظيم العقاري وتأمين السكن، وباطنها هيمنة واحتكار تلك الملكيات بالاستعباد والفساد والمحسوبيات.
وإذا كان نظام “البعث الأسدي” قد حمل على رأسه “الاشتراكية” ودار بها على رؤوس الشعب ليضع حدا للإقطاعيين الأوليين واحتكارهم وظلمهم وفق رأيه، فإنه قطعهم بأشواط متطرفة إن في الإقطاع والاقتطاع وإن في الاستعباد والاضطهاد.
هذا تحقيق يبرز كيف أوصل “حكم الأسد” سوريا إلى رايخ عصري، هابطا بالبلاد إلى أشد دركات الفساد “المرتبة الثانية عالميا في الفساد لعام 2023”. مستخفيا بشعارات البعث، من الاشتراكية الشعبية إلى “من مَلكَ امتلك”.
لا “بعث” بعد اليوم، لا شعارات أسدية، نكست راية “البعث”، راية استحلال دماء واستيلاء أراض واغتصاب أعراض.
المجلة