الإعلان الدستوري لسوريا 2025سقوط بشار الأسد، الرئيس الفار والمخلوعسياسة

الإعلان الدستوري لسوريا 2025-مقالات وتحليلات-

تحديث 15 أذار 2025

——————————

نص الإعلان الدستوري لسوريا 2025

14/3/2025

وقَّع الرئيس السوري أحمد الشرع في 13 مارس/آذار 2025، إعلانا دستوريا يحدد مدة المرحلة الانتقالية في البلاد بـ5 سنوات.

وفي كلمة له بعد توقيعه على الإعلان، أعرب الشرع عن أمله في أن يمثل هذا الحدث بداية جديدة لسوريا، قائلا: “نتمنى أن يكون هذا تاريخا جديدا لسوريا نستبدل فيه الجهل بالعلم والعذاب بالرحمة”، وأضاف: “نأمل أن يكون ذلك فاتحة خير للشعب السوري على طريق البناء والتطور”.

سقوط الأسد وتشكيل اللجنة

عقب سقوط نظام بشار الأسد في الثامن من ديسمبر/كانون الأول 2024، أعلنت الإدارة السورية في 29 يناير/كانون الثاني 2025، تعيين الشرع رئيسا للمرحلة الانتقالية، إلى جانب إلغاء العمل بالدستور، وحل الفصائل المسلحة والأجهزة الأمنية، ومجلس الشعب (البرلمان) وحزب البعث العربي الاشتراكي.

وأعلن الشرع في الثاني من مارس/آذار 2025، تشكيل لجنة لصياغة الإعلان الدستوري، مكونة من 7 قانونيين، وسلمت المسودة في 12 مارس/آذار، ووقع الرئيس السوري على الإعلان الدستوري في اليوم التالي.

وأوضحت لجنة الخبراء المكلفة بصياغة الإعلان الدستوري، في مؤتمر صحفي عُقد عقب تسليمه للرئيس الشرع، أنها استندت في إعداد الوثيقة إلى مخرجات مؤتمر الحوار الوطني الذي عُقد في فبراير/شباط 2025.

وجاء نص الإعلان الدستوري للجمهورية العربية السورية، وفقا لما نشرته وكالة الأنباء السورية “سانا”، على النحو التالي (العبارات التي بين قوسين إضافة من الجزيرة نت للتوضيح):

الإعلان الدستوري للجمهورية العربية السورية

“في فجر يوم مشهود، تنفس صبح النصر، وانطلقت سوريا نحو عهد جديد، إيذانا بزوال الظلم والقهر وانبعاث الأمل في بناء دولة حديثة قائمة على العدل والكرامة والمواطنة الحقة، فقد جثم الاستبداد على صدور السوريين، إذ امتد لـ6 عقود نظام شمولي فرضه حزب البعث، فاحتكر السلطة، وصادر الحقوق، ومكّن لحكم استبدادي قمعي أجهز على مؤسسات الدولة، وأفرغ الدستور من مضمونه وحوّل القانون إلى أداة للقمع والاستعباد كانت تلك العقود حقبة سوداء مظلمة، فثار الشعب مطالبا بحريته واسترداد كرامته، لكنه تعرض على يد العصابة الأسدية للقتل الممنهج، والتدمير الشامل، والتعذيب الوحشي، والتهجير القسري والحصار الجائر، والاستهداف المباشر للمدنيين، فضلا عن تدمير البيوت فوق رؤوس ساكنيها، تارة بالبراميل المتفجرة، وأخرى بالأسلحة الكيميائية. وقد شكلت هذه الجرائم التي تعد جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وجريمة إبادة جماعية، نموذجا صارخا لانتهاك القيم البشرية والشرائع الدولية.

لكن الشعب السوري، بإيمانه الراسخ، وإرادته الصلبة، وصموده الأسطوري، لم يستسلم، بل واصل ثورته العظيمة التي امتدت قرابة 14 عاما، قدم فيها أبناء سوريا الأحرار دماءهم وتضحياتهم، يكنسون فيها إرث الاستبداد، حتى بزغ فجر جديد، وسطعت شمس التحرير على دمشق في 8 (ديسمبر) كانون الأول 2024، معلنة نهاية عهد نظام الأسد المجرم وداعميه. ثم أُعلن هذا النصر رسميا في مؤتمر النصر، وصدر البيان التاريخي الذي وثق انتصار الثورة السورية، واستعادة الشعب قراره وسيادته على أرضه.

واليوم، وقد عاد الوطن إلى أبنائه، وعادوا إليه ليبنوا أركانه ويحفظوا ثغوره باتت المسؤولية التاريخية تحتم استكمال مسيرة النضال بتحصين هذا الانتصار، وترسيخ أسس العدالة، وضمان عدم تكرار المأساة، وحماية الأجيال القادمة من أي استبداد جديد.

وانطلاقا من هذا الواجب الوطني، وبعد حوارات مكثفة بين مختلف مكونات المجتمع السوري، أجريت في أجواء من الحرية والتبادل البناء لوجهات النظر بشأن مستقبل سوريا، تُوجت بانعقاد مؤتمر الحوار الوطني، الذي صدرت مخرجاته بتاريخ 25 (فبراير) شباط 2025، معبرة عن الوفاق الوطني حول القضايا الكبرى، وفي مقدمتها:

    الحفاظ على وحدة وسلامة سوريا، أرضا وشعبا.

    تحقيق العدالة الانتقالية وإنصاف الضحايا.

    بناء دولة المواطنة والحرية والكرامة وسيادة القانون.

    تنظيم شؤون البلاد في المرحلة الانتقالية وفق مبادئ الحكم الرشيد.

واستنادا إلى القيم العريقة والأصيلة التي يتميز بها المجتمع السوري بتنوعه وتراثه الحضاري، وإلى المبادئ الوطنية والإنسانية الراسخة، وحرصا على إرساء قواعد الحكم الدستوري السليم المستوحى من روح الدساتير السورية السابقة، ولا سيما دستور عام 1950 -دستور الاستقلال-، وإعمالا لما نص عليه إعلان انتصار الثورة السورية الصادر بتاريخ 29 (ديسمبر) كانون الأول 2025، الذي يُعد أساسا متينا لهذا الإعلان.

فإن رئيس الجمهورية يُصدر الإعلان الدستوري الآتي، والذي تعد مقدمته جزءا لا يتجزأ منه:

الباب الأول: أحكام عامة

المادة 1:

الجمهورية العربية السورية دولة مستقلة ذات سيادة كاملة، وهي وحدة جغرافية وسياسية لا تتجزأ، ولا يجوز التخلي عن أي جزء منها.

المادة 2:

تؤسس الدولة لإقامة نظام سياسي يرتكز على مبدأ الفصل بين السلطات، ويضمن الحرية والكرامة للمواطن.

المادة 3:

دين رئيس الجمهورية الإسلام، والفقه الإسلامي هو المصدر الرئيس للتشريع.

حرية الاعتقاد مصونة، وتحترم الدولة جميع الأديان السماوية، وتكفل حرية القيام بجميع شعائرها على ألا يُخلّ ذلك بالنظام العام.

الأحوال الشخصية للطوائف الدينية مصونة ومرعية وفقا للقانون.

المادة 4:

اللغة العربية هي اللغة الرسمية للدولة.

المادة 5:

دمشق هي عاصمة الجمهورية العربية السورية، ويُحدّد شعار الدولة ونشيدها الوطني بقانون.

المادة 6:

يكون العلم السوري على الشكل التالي:

يمتد العلم على شكل مستطيل طوله يساوي ثلثي عرضه.

يتضمن 3 مستطيلات متساوية يعلوها اللون الأخضر ويتوسطها اللون الأبيض ومن ثم الأسود في الأسفل.

تتوسط العلم في المنتصف وضمن المساحة البيضاء 3 نجمات حمراء.

المادة 7:

تلتزم الدولة بالحفاظ على وحدة الأرض السورية، وتجرّم دعوات التقسيم والانفصال، وطلب التدخل الأجنبي أو الاستقواء بالخارج.

تلتزم الدولة بتحقيق التعايش والاستقرار المجتمعي وتحفظ السلم الأهلي وتمنع أشكال الفتنة والانقسام وإثارة النعرات والتحريض على العنف.

تكفل الدولة التنوع الثقافي للمجتمع السوري بجميع مكوناته، والحقوق الثقافية واللغوية لجميع السوريين.

تضمن الدولة مكافحة الفساد.

المادة 8:

تسعى الدولة للتنسيق مع الدول والجهات ذات الصلة لدعم عملية إعادة الإعمار في سوريا.

تعمل الدولة بالتنسيق مع الدول والمنظمات الدولية ذات الصلة لتذليل عقبات العودة الطوعية للاجئين والنازحين وجميع المهجرين قسريا.

تلتزم الدولة بمكافحة جميع أنواع وأشكال التطرف العنيف مع احترام الحقوق والحريات.

المادة 9:

الجيش مؤسسة وطنية محترفة مهمته حماية البلاد والحفاظ على أمنها وسلامتها ووحدة أراضيها.

بما يتوافق مع سيادة القانون وحماية حقوق الإنسان.

الدولة وحدها هي التي تنشئ الجيش ويحظر على أي فرد أو هيئة أو جهة أو جماعة إنشاء تشكيلات أو فرق أو تنظيمات عسكرية أو شبه عسكرية، ويُحصر السلاح بيد الدولة.

المادة 10:

المواطنون متساوون أمام القانون في الحقوق والواجبات، من دون تمييز بينهم في العرق أو الدين أو الجنس أو النسب.

المادة 11:

يهدف الاقتصاد الوطني إلى تحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية الاقتصادية الشاملة وزيادة الإنتاج ورفع مستوى المعيشة للمواطنين.

يقوم الاقتصاد الوطني على مبدأ المنافسة الحرة العادلة ومنع الاحتكار.

تشجع الدولة الاستثمار وتحمي المستثمرين في بيئة قانونية جاذبة.

الباب الثاني: الحقوق والحريات

المادة 12:

تصون الدولة حقوق الإنسان وحرياته الأساسية، وتكفل حقوق المواطن وحرياته.

تعد جميع الحقوق والحريات المنصوص عليها في المعاهدات والمواثيق والاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان التي صادقت عليها الجمهورية العربية السورية جزءا لا يتجزأ من هذا الإعلان الدستوري.

المادة 13:

تكفل الدولة حرية الرأي والتعبير والإعلام والنشر والصحافة.

تصون الدولة حرمة الحياة الخاصة، وكل اعتداء عليها يعد جرما يعاقب عليه القانون.

للمواطن حرية التنقل، ولا يجوز إبعاد المواطن عن وطنه أو منعه من العودة إليه.

المادة 14:

تصون الدولة حق المشاركة السياسية وتشكيل الأحزاب على أسس وطنية وفقا لقانون جديد.

تضمن الدولة عمل الجمعيات والنقابات.

المادة 15:

العمل حق للمواطن وتكفل الدولة مبدأ تكافؤ الفرص بين المواطنين.

المادة 16:

حق الملكية الخاصة مصون، ولا تُنزع إلا للمنفعة العامة ومقابل تعويض عادل.

ملكية الأموال العامة مصونة وجميع الثروات الطبيعية ومواردها هي ملكية عامة وتقوم الدولة بحفظها واستغلالها واستثمارها لمصلحة المجتمع.

المادة 17:

العقوبة شخصية، ولا جريمة ولا عقوبة إلا بنص.

حق التقاضي والدفاع وسلوك سبل الطعن مصون بالقانون، ويحظر النص في القوانين على تحصين أي عمل أو قرار إداري من رقابة القضاء.

المتهم بريء حتى تثبت إدانته بحكم قضائي مبرم.

المادة 18:

تصون الدولة كرامة الإنسان وحرمة الجسد وتمنع الاختفاء القسري والتعذيب المادي والمعنوي، ولا تسقط جرائم التعذيب بالتقادم.

باستثناء حالة الجرم المشهود، لا يجوز إيقاف أي شخص أو الاحتفاظ به أو تقييد حريته إلا بقرار قضائي.

المادة 19:

المساكن مصونة، لا يجوز دخولها أو تفتيشها إلا في الأحوال المبينة في القانون.

المادة 20:

الأسرة نواة المجتمع، وتلتزم الدولة بحمايتها.

المادة 21:

تحفظ الدولة المكانة الاجتماعية للمرأة، وتصون كرامتها ودورها داخل الأسرة والمجتمع، وتكفل حقها في التعليم والعمل.

تكفل الدولة الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للمرأة، وتحميها من جميع أشكال القهر والظلم والعنف.

المادة 22:

تعمل الدولة على حماية الأطفال من الاستغلال وسوء المعاملة، وتكفل حقهم في التعليم والرعاية الصحية.

المادة 23:

تصون الدولة الحقوق والحريات الواردة في هذا الباب، وتمارس وفقا للقانون، ويجوز إخضاع ممارستها للضوابط التي تشكل تدابير ضرورية للأمن الوطني أو سلامة الأراضي أو السلامة العامة أو حماية النظام العام ومنع الجريمة، أو لحماية الصحة أو الآداب العامة.

الباب الثالث: نظام الحكم في المرحلة الانتقالية

أولا – السلطة التشريعية

يمارس السلطة التشريعية مجلس الشعب.

المادة 24:

يشكل رئيس الجمهورية لجنة عليا لاختيار أعضاء مجلس الشعب.

تشرف اللجنة العليا على تشكيل هيئات فرعية ناخبة، وتنتخب تلك الهيئات ثلثي أعضاء مجلس الشعب.

يعين رئيس الجمهورية ثلث أعضاء مجلس الشعب لضمان التمثيل العادل والكفاءة.

المادة 25:

لا يجوز عزل عضو مجلس الشعب إلا بموافقة ثلثي أعضائه.

يتمتع عضو مجلس الشعب بالحصانة البرلمانية.

المادة 26:

يتولى مجلس الشعب السلطة التشريعية حتى اعتماد دستور دائم، وإجراء انتخابات تشريعية جديدة وفقا له.

مدة ولاية مجلس الشعب ثلاثون شهرا قابلة للتجديد.

المادة 27:

يؤدي أعضاء مجلس الشعب القسم أمام رئيس الجمهورية، وتكون صيغة القسم: “أقسم بالله العظيم أن أؤدي مهمتي بأمانة وإخلاص”.

المادة 28:

ينتخب مجلس الشعب في أول اجتماع له رئيسا ونائبين وأمينا للسر، ويكون الانتخاب بالاقتراع السري وبالأغلبية، ويرأس الجلسة الأولى لحين الانتخاب أكبر الأعضاء سنا.

المادة 29:

يعد مجلس الشعب نظامه الداخلي في شهر من أول جلسة له.

المادة 30:

يتولى مجلس الشعب المهام التالية:

أ- اقتراح القوانين وإقرارها.

ب- تعديل أو إلغاء القوانين السابقة.

ت- المصادقة على المعاهدات الدولية.

ث- إقرار الموازنة العامة للدولة.

ج- إقرار العفو العام.

ح- قبول استقالة أحد أعضائه أو رفضها أو رفع الحصانة عنه وفقا لنظامه الداخلي.

خ- عقد جلسات استماع للوزراء.

يتخذ مجلس الشعب قراراته بالأغلبية.

ثانيا: السلطة التنفيذية:

المادة 31:

يمارس رئيس الجمهورية والوزراء السلطة التنفيذية ضمن الحدود المنصوص عليها في هذا الإعلان الدستوري.

المادة 32:

رئيس الجمهورية هو القائد الأعلى للجيش والقوات المسلحة، والمسؤول عن إدارة شؤون البلاد ووحدة أراضيها وسلامتها، ورعاية مصالح الشعب.

المادة 33:

يؤدي رئيس الجمهورية اليمين الدستورية أمام مجلس الشعب، وتكون صيغتها: “أقسم بالله العظيم أن أحافظ مخلصا على سيادة الدولة ووحدة البلاد وسلامة أراضيها واستقلال قرارها، والدفاع عنها، وأن أحترم القانون وأرعى مصالح الشعب وأسعى بكل صدق وأمانة لتأمين حياة كريمة لهم وتحقيق العدل بينهم، وترسيخ القيم النبيلة والأخلاق الفاضلة”.

المادة 34:

يسمي رئيس الجمهورية نائبا له أو أكثر ويحدد اختصاصاتهم ويعفيهم من مناصبهم ويقبل استقالتهم، وفي حال شغور منصب الرئاسة يتولى النائب الأول صلاحيات رئيس الجمهورية.

المادة 35:

يعين رئيس الجمهورية الوزراء ويعفيهم من مناصبهم ويقبل استقالتهم.

يؤدي الوزراء القسم أمام رئيس الجمهورية، وتكون صيغة القسم: “أقسم بالله العظيم أن أؤدي مهمتي بأمانة وإخلاص”.

المادة 36:

يصدر رئيس الجمهورية اللوائح التنفيذية والتنظيمية ولوائح الضبط والأوامر والقرارات الرئاسية وفقا للقوانين.

المادة 37:

يمثل رئيس الجمهورية الدولة، ويتولى التوقيع النهائي على المعاهدات مع الدول والمنظمات الدولية.

المادة 38:

يعين رئيس الجمهورية رؤساء البعثات الدبلوماسية لدى الدول الأجنبية وإقالتهم، ويقبل اعتماد رؤساء البعثات الدبلوماسية الأجنبية لدى الجمهورية العربية السورية.

المادة 39:

لرئيس الجمهورية حق اقتراح القوانين.

يُصدر رئيس الجمهورية القوانين التي يقرها مجلس الشعب، وله الاعتراض عليها بقرار معلل في شهر من تاريخ ورودها من المجلس الذي يعيد النظر فيها، ولا تقر القوانين بعد الاعتراض إلا بموافقة ثلثي مجلس الشعب، وفي هذه الحالة يصدرها رئيس الجمهورية حكما.

المادة 40:

لرئيس الجمهورية منح العفو الخاص ورد الاعتبار.

المادة 41:

يعلن رئيس الجمهورية التعبئة العامة والحرب بعد موافقة مجلس الأمن القومي.

إذا قام خطر جسيم وحال يهدد الوحدة الوطنية أو سلامة واستقلال أرض الوطن أو يعوق مؤسسات الدولة عن مباشرة مهامها الدستورية، لرئيس الجمهورية أن يعلن حالة الطوارئ جزئيا أو كليا لمدة أقصاها 3 أشهر في بيان إلى الشعب بعد موافقة مجلس الأمن القومي واستشارة رئيس مجلس الشعب ورئيس المحكمة الدستورية ولا تمدد لمرة ثانية إلا بعد موافقة مجلس الشعب.

المادة 42

تتولى السلطة التنفيذية ما يلي:

تنفيذ القوانين والخطط والبرامج المعتمدة.

إدارة شؤون الدولة وتنفيذ السياسات العامة التي تحقق الاستقرار والتنمية.

إعداد مشروعات القوانين لرئيس الجمهورية لاقتراحها على مجلس الشعب.

إعداد الخطط العامة للدولة.

إدارة الموارد العامة للدولة وضمان استخدامها بشكل فعّال وشفاف.

إعادة بناء المؤسسات العامة وتعزيز سيادة القانون والحكم الرشيد.

بناء المؤسسة الأمنية بما يضمن تعزيز الأمن والاستقرار الداخلي وحماية حقوق المواطنين وحرياتهم.

بناء جيش وطني احترافي مهمته الدفاع عن حدود البلاد وسيادتها، وحماية الشعب بكل وطنية وإخلاص، مع الالتزام التام باحترام القوانين النافذة.

تعزيز العلاقات الدولية والتعاون مع المنظمات الدولية لتحقيق المصالح الوطنية.

ثالثا: السلطة القضائية:

المادة 43:

السلطة القضائية مستقلة، ولا سلطان على القضاة إلا للقانون.

يضمن المجلس الأعلى للقضاء حسن سير القضاء واحترام استقلاله.

المادة 44:

تنشأ المحاكم وتحدد اختصاصاتها بقانون، ويُحظر إنشاء المحاكم الاستثنائية.

المادة 45:

النظام القضائي مزدوج ويتكون من القضاء العادي والقضاء الإداري.

يشرف مجلس القضاء الأعلى على القضاء العادي والعسكري.

يتولى مجلس الدولة القضاء الإداري وهو هيئة قضائية واستشارية مستقلة ويبين القانون اختصاصاته وشروط تعيين قضاته وصلاحياته.

المادة 46:

تتبع إدارة قضايا الدولة لوزارة العدل ويُنظّم اختصاصها بقانون.

المادة 47:

تحل المحكمة الدستورية العليا القائمة وتنشأ محكمة دستورية عليا جديدة.

تتكون المحكمة الدستورية العليا من سبعة أعضاء يسميهم رئيس الجمهورية من ذوي النزاهة والكفاءة والخبرة.

وتنظم آلية عملها واختصاصاتها بقانون.

الباب الرابع: الأحكام الختامية

المادة 48:

تمهد الدولة الأرضية المناسبة لتحقيق العدالة الانتقالية عبر:

إلغاء جميع القوانين الاستثنائية التي ألحقت ضررا بالشعب السوري وتتعارض مع حقوق الإنسان.

إلغاء مفاعيل الأحكام الجائرة الصادرة عن محكمة الإرهاب التي استخدمت لقمع الشعب السوري بما في ذلك رد الممتلكات المصادرة.

إلغاء الإجراءات الأمنية الاستثنائية المتعلقة بالوثائق المدنية والعقارية والتي استخدمها النظام البائد لقمع الشعب السوري.

المادة 49

تُحدث هيئة لتحقيق العدالة الانتقالية تعتمد آليات فاعلة تشاورية مرتكزة على الضحايا، لتحديد سبل المساءلة، والحق في معرفة الحقيقة، وإنصاف للضحايا والناجين، إضافة إلى تكريم الشهداء.

تستثنى جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وجريمة الإبادة الجماعية وكل الجرائم التي ارتكبها النظام البائد من مبدأ عدم رجعية القوانين.

تجرم الدولة تمجيد نظام الأسد البائد ورموزه، ويعد إنكار جرائمه أو الإشادة بها أو تبريرها أو التهوين منها، جرائم يعاقب عليها القانون.

المادة 50:

يتم تعديل الإعلان الدستوري بموافقة ثلثي مجلس الشعب بناء على اقتراح رئيس الجمهورية.

المادة 51:

يستمر العمل بالقوانين النافذة ما لم يتم تعديلها أو إلغاؤها.

المادة 52:

تحدد مدة المرحلة الانتقالية بخمس سنوات ميلادية تبدأ من تاريخ نفاذ هذا الإعلان الدستوري.

وتنتهي بعد إقرار دستور دائم للبلاد وتنظيم انتخابات وفقا له.

المادة 53:

ينشر هذا الإعلان في الجريدة الرسمية، ويعمل به من تاريخ نشره.

رئيس الجمهورية العربية السورية

13 رمضان 1446 هـ – 13 (مارس) آذار 2025 م

رئاسة الجمهورية العربية السورية”.

المصدر : وكالات

————————————-

أُصوِّتُ بـ«لا»: الإعلان الدستوري المؤقت والنضال الديمقراطي في سوريا/ كرم نشار

14-03-2025

        في حال كان الإعلان الدستوري المؤقت الذي صدر في سوريا يوم أمس نُسخة أولى أو تمهيدية عن دستور دائم، يتم عرضه على الشعب السوري للاستفتاء عليه، فأنا كمواطن سوري، لا كخبير قانوني أو دستوري، كنتُ سأُدلي بصوت معارض له لسببين رئيسين: الأول هو غياب آليات المراقبة والموازنة بين السلطات الثلاث، التنفيذية والتشريعية والقضائية، والثاني هو غياب الإطار الجامع والمُنصف بحق، على صعيد هوية الدولة ومرجعيّتها وبُنيتها الأساسية.

        وقد يستوقفُني أحدهم هنا ليقول إن افتراض أي نوع من التشابه أو «التمهيد» بين الإعلان المؤقت الحالي والدستور الدائم المُزمع إنجازه بعد خمس سنوات، هو نوع من التوجس الزائد أو السلبية المُفرطة، وكنت سأجاوبُ بأن التوجس الزائد مُبرَّرٌ في هذا المكان، بالنظر إلى طبيعة النظام السياسي الذي يرسمه الإعلان، والذِي سَتنبثق عنه لجنة كتابة الدستور الدائم. وبكل الأحوال، فإن التعبير عن الرأي النقدي لا يكتسب أهميته اليوم من القدرة على تغيير ما هو واقع في أروقة السلطة في دمشق، بل من الإسهام في بلورة مواقف مشتركة على صعيد الشأن العام، ووضع عناوين وأهداف جامعة للتيار الديمقراطي التقدمي في سوريا.

        لقد تم مسخ مفهوم فصل السلطات في الإعلان الدستوري المؤقت بشكل يجعلها عاجزة تماماً عن مراقبة وموازنة بعضها بعضاً، لصالح السلطة التنفيذية وعلى رأسها رئيس الجمهورية، الذي يبدو في المرحلة الانتقالية أشبه بملك مُتوّج منه برئيس مُساءَل. فهو يعين ثلث أعضاء مجلس الشعب، وهو يعين اللجنة التي ستقوم باختيار الهيئات الفرعية الناخبة للثُلثَين الباقيين، وهو من يعين أعضاء المحكمة الدستورية العليا دون العودة إلى مجلس الشعب أو ضرورة تأمين تصويت بالثقة على مُرشحيه. ومن الواضح أن لا المحكمة الدستورية العليا ولا مجلس الشعب يملكان سلطة محاسبة أو مُساءلة رئيس الجمهورية أو أفراد السلطة التنفيذية، وحتى على الصعيد الرمزي ينص الإعلان على تأدية أعضاء مجلس الشعب القسم أمام رئيس الجمهورية، لا رئيس مجلس النواب أو شخصية أخرى، بما يُعزز فكرة التبعية وكون رئيس الجمهورية هو رأس السلطات كلها.

        وقد يقول قائل هنا إن الظرف التاريخي يُبرّر صيغة الحكم هذه بالنظر إلى عمق الانقلاب الحاصل على صعيد إعادة بناء المؤسسات، وإنه من المتعذر اليوم تنظيم انتخابات تشريعية حقيقية في ظل الأوضاع الاقتصادية والديمغرافية الحالية، وقد يقول آخر إننا نحتاج إلى سلطة تنفيذية قادرة على الحركة بسرعة على صعيد إعادة الإعمار، بدلاً من تعثر كل تفصيل في أروقة التفاوض السياسي، وأنه بالنظر إلى براغماتية الشرع بالمقارنة مع غيره في هيئة تحرير الشام، وبالنظر إلى الاستقطاب الهائل على صعيد المجتمع الأوسع، فمن الأفضل أن يمتلك الشرع هذا الدَور «المَلكي» من وجهة نظر ليبرالية مصلحية. هذه وجهات نظر قد تخطئ أو تصيب في بعض الجزئيات، لكنها لا تنفي أننا ندخل إلى مرحلة انتقالية لمدة خمس سنوات سيكون فيها للقائد الفاتح سلطات وقدرات «فوق العادة»، وأن هذا إن كان واقعاً قبل الإعلان الدستوري، فإنه بات قانوناً وسابقة دستورية بعده.

        أما المشكلة الثانية فترتبط بغياب الإطار الجامع والمُنصف على صعيد هوية الدولة ومرجعيّتها وبُنيتها الأساسية. «الأمة السورية» القائمة على المُواطنة والنابذة للانقسام والاستقواء بالخارج، (الذي تم تجريمه في نص الإعلان)، لا يمكن أن تتشكل حقاً إن لم يكن جسمها السياسي الدستوري، أي الدولة، شاملاً وجامعاً وعادلاً بحق.

        أنا المواطن السوري العربي المحتدّ أطمحُ لأن يكون اسم الدولة «الجمهورية السورية»، بما يُشعر جميع المواطنين السوريين، بغض النظر عن أعراقهم ولغاتهم الأم، بالانتماء إلى هذا الوطن، ولا أعتقد أن هذا سينقُص من عروبتي أو عروبة سوريا المضمونة بحكم عروبة غالبية سكانها. أنا المواطن السوري المسلم أطمح لأن أكون قادراً على انتخاب رئيس جمهورية غير مسلم في سوريا، في حال توفرت لديه الكفاءة والنزاهة والبرنامج السياسي المتوافق مع تصوراتي ومبادئي السياسية العامة، ولا أعتقد أن هذا يُشكّل خطورة على الإسلام والمسلمين في حال تحقق حياد الدولة وديمقراطيتها. أما الفقه الإسلامي فمن الأفضل أن يكون مصدراً وليس المصدر الرئيسي للتشريع في سوريا، على اعتبار أن الأرضية المشتركة الجامعة في بلدنا هي مفاهيم الحرية والعدالة والمواطنة المتساوية، والرغبة الجامعة في الاستقرار والرخاء وليس الإيمان الديني أو الالتزام الإسلامي.

        أعلم جيداً أن هذه القناعات قد لا تعبر عن توجُّه غالبية الناس في سوريا اليوم، وأن الديمقراطية هي حكم الغالبية، هذا على الرغم من أن الإعلان الدستوري لم يُشِر إلى كلمة ديمقراطية على الإطلاق! أُدرك أيضاً أن الصيغة الحالية للإعلان الدستوري تنحو نحو دساتير سورية سابقة على صعيد الهوية ودين رئيس الجمهورية ودور الفقه الإسلامي، وأنها تُشكل حلاً وسطاً بالنظر إلى مروحة الآراء في المجتمع السوري من جهة، وبالنسبة إلى الخلفية السلفية لهيئة تحرير الشام وغالبية الفصائل العسكرية من جهة أخرى. كل هذا صحيح. ولكن يبقى صحيحاً أيضاً أن الكيان السوري مضعضع اليوم أكثر من أي يوم مضى، وأنه في الأصل هشٌّ ويحمل في تركيبه الكثير من القنابل الموقوتة المرتبطة بتنوع هويات مواطنيه وغياب الثقة والتآلف والاعتراف الحقيقي المتبادل فيما بينهم، وأن تجاوز هذه الهشاشة عبر الغلبة أو التجاهل أو مزيج منهما لن يؤدي إلا إلى تعزيزها على المدى البعيد. سوريا اليوم تحتاج إلى جميع مواطنيها ومُواطناتها بلا استثناء، على اختلاف انتماءاتهم الفرعية الموروثة وقناعاتهم الفكرية المكتسبة، وقدرتها على جذبهم ترتبط بادئ ذي بدء بالإطار الدستوري والقانوني الذي يضعهم جميعاً على قدم المساواة حقاً، ويقنعهم حقاً أن سوريا لهم كما هي لغيرهم.

        بين خطر حكم الفرد وهيمنة الهوية الثقافية الأُحادية، لا تبدو التحديات أمام الديمقراطيين التقدميين في سوريا مُختلفة كثيراً عما كانت في الحقبات الماضية على الصعيد النظري. أما على صعيد الممارسة، فيبقى ما هو شديد الأهمية، وقد يؤسس حقاً لافتراق نهائي عن الحقبة الأسدية، هو قُدرتنا على التعبير والتنظيم داخل سوريا بشكل سلمي وعلني نقدي و/أو مُعارض دون قمع أو ترهيب سلطوي أو مجتمعي. الإعلان الدستوري يتعهد بصون الحرُيات وبتقديم قانون جديد للأحزاب، يبقى أن نرى كيف سيتم هذا على أرض الواقع.  

موقع الجمهورية

—————————-

الإعلان الدستوري السوري: سطوة الرئيس والحكم الفردي وضرورات المرحلة/ عدنان علي

15 مارس 2025

أثار الإعلان الدستوري الذي أعلن عنه أول من أمس الخميس ردود فعل متباينة في الساحة السورية، بين من اعتبر أن الإعلان الدستوري السوري بصيغته المؤقتة التي تغطي فترة خمس سنوات ضرورة مرحلية بغية بناء مؤسسات الدولة، وتمكين السلطة المركزية من إنجاز المهام المنوطة بها في هذه الفترة، لجهة ضبط الوضع الأمني، وتحسين الخدمات، وتحقيق العدالة الانتقالية، وبين من رأى فيه تكريساً للحكم الفردي، عبر وضع الكثير من السلطات بيد رئيس الجمهورية. كما صدرت انتقادات للإعلان من جانب بعض المكونات الداخلية، خصوصاً “الإدارة الذاتية” الكردية في شرق البلاد.

ووفق اللجنة المكلفة بصياغة الإعلان الدستوري السوري، فان مجلس الشعب (البرلمان) سيتولى العملية التشريعية كاملة، فيما السلطة التنفيذية يتولاها رئيس الجمهورية. وحدد الإعلان مدة المرحلة الانتقالية بخمس سنوات، ومنح رئيس الجمهورية حق إعلان حالة الطوارئ بعد موافقة مجلس الأمن القومي. وفي معرض شرحه بعض بنود هذا الإعلان، قال عضو لجنة صياغة الإعلان الدستوري السوري عبد الحميد العواك إنه لن تكون هناك أي سلطة لمجلس الشعب على رئاسة الجمهورية في المرحلة الانتقالية، ولا يسمح أن تقوم سلطة بعزل سلطة أخرى. وبموجب الإعلان، يحق للرئيس تعيين ثلث أعضاء مجلس الشعب، ويشكل لجنة عليا تشرف على تشكيل هيئات فرعية ناخبة، تقوم بانتخاب ثلثي أعضاء مجلس الشعب المتبقين.

وفي معرض تعليقه على هذا الإعلان، قال المحامي السوري أنور البني، الذي يتابع ملاحقة مرتكبي الانتهاكات في سورية، لـ”العربي الجديد”، إنه يرحب بهذا الإعلان الدستوري السوري المؤقت، كما تتوجب تسميته، لتستقر وتنجح المرحلة الانتقالية. وأوضح أن ترحيبه يعود لعدة أسباب: أولها أنه نص على إنشاء هيئة للعدالة الانتقالية، واعتبر الاتفاقيات الدولية جزءاً من الإعلان، وحدد مدة الفترة الانتقالية، ولم يتركها مفتوحة، واعترف بضرورة وجود الأحزاب والجمعيات. ورأى البني أن هذه مسائل مبشرة، لكن هناك بعض التحفظات، مثل تجاوز الإعلان الدستوري السوري دوره ليكون بمثابة دستور مصغر، حيث حدد مسبقاً مصادر التشريع، وسلطات الرئيس، وبذلك صادر إرادة السوريين والسوريات. كما أنه لم ينص على إشراك المجتمع المدني بتسمية أعضاء مجلس الشعب، ولم يتضمن أي نصوص حول تشكيل السلطة القضائية لتكون مستقلة تماماً، فضلاً عن تسمية الرئيس أعضاء المحكمة الدستورية العليا.

من جهته، قال المحامي والسياسي محمد صبرا، الذي شارك في وفود التفاوض الخاصة بالمعارضة السورية سابقاً، إن الإعلان الدستوري السوري يؤسس لإعادة بناء الدولة، حيث ستختار هيئات انتخابية ثلثي أعضاء مجلس الشعب. واعتبر صبرا، في حديث مع “العربي الجديد”، أن المرحلة الانتقالية قد تتطلب نوعاً من مركزة السلطات في يد الرئيس، لكن يجب أن يقابل ذلك بنصوص تحدد مسؤولية رئيس الدولة في حال خرج عن متطلبات منصبه، فالقاعدة تقول: “كلما زادت سلطات الشخص، زادت مسؤوليته عن أعماله”.

الإعلان الدستوري السوري إيجابي

ورأى صبرا أن الإعلان في العموم إيجابي، لكنه خلا من بعض الأمور التي كان يجب أن ينص عليها، كما شابه بعض الغموض في مواده، بينما جاءت مواد أخرى بصياغة غير منضبطة. وأضاف أن “الحكم على مواد الإعلان الدستوري السوري ليس من خلال كمالها القانوني أو الموضوعي، بل من خلال قدرتها على تأمين عملية الانتقال السياسي من مرحلة التوحش إلى المرحلة الديمقراطية”. ولفت صبرا إلى أنه بسبب طبيعته المقتضبة، ترك الإعلان الكثير من التفصيلات لقوانين تصدر لاحقاً، و”هذا قد يكون أمراً طبيعياً، لكنّ هناك أموراً لا يمكن ضبطها بقانون من دون الاستناد إلى مادة دستورية تضبط حدود هذا القانون”. وأشاد بما ورد في الإعلان الدستوري السوري من اعتبار المعاهدات والمواثيق الدولية المصادق عليها من قبل الدولة السورية جزءاً من الإعلان الدستوري. وقال إن “هذا أمر كنا نطالب به منذ أكثر من عقدين من الزمان”.

ولاحظ صبرا أنه غاب عن الإعلان الدستوري السوري أي حديث عن “السيادة الشعبية”، وقال “هذه ليست مجرد عبارة جميلة، بل إنها تعبير عن المالك الحقيقي للسيادة في الدولة، وهذه المؤسسة، أي السيادة الشعبية، تتيح للمواطنين القدرة على فرض إرادتهم عبر الاستفتاء الشعبي وسواه، وغياب هذه المادة يدفع لكثير من التساؤلات”، ملاحظاً أن الإعلان الدستوري السوري لم يوضح من هي الجهة التي ستقر الدستور الدائم للبلاد، وهل سيكون ذلك باستفتاء شعبي أم الاكتفاء بتشكيل لجنة لإعداده من دون أن تكون لدى الشعب أي سلطة على الموافقة أو الاعتراض عليه. كما لاحظ صبرا أيضاً أنه غاب عن الإعلان الدستوري أي تحديد أو ضبط لصلاحيات المحكمة الدستورية العليا، وعدم تطرق الإعلان إلى موضوع تنظيم الجنسية السورية، وتحديد الشروط الواجب توفرها في من يتولى رئاسة الجمهورية. وقال: “يبدو أن الإعلان قد افترض أن السيد (أحمد) الشرع هو الرئيس وأنه لا داعي لوضع شروط أخرى”. ورأى صبرا أن صدور إعلان دستوري يعتبر أمراً إيجابياً، والمطلوب من السوريين الآن ألا ينظروا اليه باعتباره مكرمةً يمجدونها أو أمراً يهاجمونه، بل أن يناقشوه بكل عقلانية، وأن يعززوا ما فيه من إيجابيات، وأن يعملوا على تعديل واستدراك ما فيه من أوجه نقص أو سلبيات.

تمركز السلطات في يد رئيس الجمهورية

من جانبه، قال المحامي غزوان قرنفل، رئيس تجمع المحامين السوريين، إن الإعلان يتضمن بعض الجوانب الإيجابية وفيه الكثير من السلبيات. وأوضح قرنفل، في حديث مع “العربي الجديد”، أن الإعلان الدستوري السوري يمركز السلطة كلياً في يد رئيس الجمهورية ومن دون إمكانية لمساءلته، “فهو رئيس السلطة التنفيذية، وهو غير مسؤول عن أعمال هذه السلطة، فمجلس الشعب لا يملك مساءلته أو مساءلة وزرائه عن أعمالهم تحت زعم أن النظام الرئاسي يقتضي ذلك”. وأضاف أن “هذا الزعم غير صحيح، فالدول التي لديها نظام رئاسي، لديها أيضاً آليات لمراقبة عمل السلطة التنفيذية من قبل البرلمان”. وانتقد أن “يتولى الإدارة التنفيذية شخص واحد، يعين الوزراء ويقيلهم، ويعين أعضاء السلك الدبلوماسي ويقيلهم، من دون حتى دور استشاري للبرلمان، بل هو من يعين أعضاء البرلمان أنفسهم، وأعضاء المحكمة الدستورية، فهل نحن أمام نظام رئاسي ام نظام فرعون؟”. وتوقف قرنفل عند مسألة دين الرئيس الذي حدده الإعلان بالإسلام. وقال إن “السوريين يحتاجون لسلطة تضمن المساواة في الحقوق بين الناس، وطالما أن هذا النص يناقض مبدأ المواطنة المتساوية، ويناقض نص تكافؤ الفرص بين المواطنين في تقلد الوظيفة العامة، فكان يمكن إلغاؤه”.

واعتبر قرنفل أنه ليس منطقياً أيضاً أن يكون الفقه الإسلامي مصدراً رئيساً للتشريع، “لأن الفقه الذي مات أصحابه قبل ألف سنة يتضمن آراء فقهية وفتاوى متناقضة، وهي في النتيجة رأي بشري في قضايا دينية، وليست ديناً، فكان يمكن الاكتفاء بالقول إن قيم الشريعة إحدى مصادر التشريع، وإن كنتُ شخصياً أرى أن الإرادة الحرة للناس هي مصدر التشريع على ألا يحلل حراماً ولا يحرّم حلالاً”. ولفت إلى أن واضعي الإعلان الدستوري سهى عنهم ذكر عبارة “أن الشعب هو مصدر السلطات”.

أما الحقوقي والصحافي السوري عبد الكريم ثلجي، فقال إن الإعلانات الدستورية في كل المراحل الانتقالية التي مرت بها دول مشابهة لما حدث في سورية ليست مهمتها حل جميع المشكلات التي تعاني منها الشعوب. وأضاف ثلجي، لـ”العربي الجديد”، أنه في الحالة السورية، جاء الإعلان الدستوري لكونه حاجة ملحّة لرسم خريطة طريق ووضع أسس عامة وإطار قانوني ودستوري للمرحلة الانتقالية، بسبب الفراغ القانوني الذي تعيشه سورية بعد سقوط نظام بشار الأسد وإلغاء دستور 2013 ومجلس الشعب وحزب البعث، فجاء الإعلان الدستوري لسد هذا الفراغ.

وحول تركيز الصلاحيات في يد الرئيس، أعرب ثلجي عن اعتقاده أنه من المهم في المرحلة الانتقالية وجود حكومة مركزية قوية تفرض سيادتها على كامل الأراضي السورية، وتحصر السلاح بيد الدولة وتدير جميع الموارد والمعابر الحدودية مع الدول المجاورة، إضافة إلى أن نظام الحكم في الإعلان رئاسي مماثل لما هو قائم في الولايات المتحدة وتركيا والبرازيل والفيليبين، حيث يتولى الرئيس إدارة السلطة التنفيذية، ويعين الوزراء وتكون علاقتهم مباشرة مع الرئيس، ويحق للرئيس تعيين مجلس التشريع المؤقت، لكن في الإعلان الدستوري السوري، سيُعيَّن الثلث من الرئيس ويُنتخب الثلثان من قبل هيئة عامة تكون لها فروع في المحافظات لتشكيل المجلس التشريعي المؤقت.

ولفت ثلجي إلى أن الإعلان فصل بوضوح بين السلطات من خلال تحديد صلاحيات كل سلطة، ولا يجوز تغول السلطة التنفيذية على السلطتين القضائية والتشريعية، والحفاظ على استقلالية القضاء، وحل المحكمة الدستورية التي كانت في النظام البائد وإعادة تشكيل محكمة دستورية جديدة لمراقبة دستورية القوانين، التي ستترجم إلى قرارات وتعاميم ولوائح إدارية تنفذها الوزارات والمديريات والمؤسسات والهيئات العامة.

“الإدارة الذاتية” تنتقد الإعلان الدستوري

وفور صدوره، انتقدت “الإدارة الذاتية” في شمال شرق سورية الإعلان الدستوري، معتبرة أنه يضم “نمطاً تقليدياً يتشابه مع المعايير والمقاييس المتبعة لدى حكومة البعث”، على حد وصفها. ورأت “الإدارة الذاتية”، في بيان، أن الإعلان الدستوري السوري “يتنافى مع حقيقة سورية وحالة التنوع الموجودة فيها”، ووصفته بأنه “تزوير فعلي لهوية سورية الوطنية والمجتمعية، حيث يخلو الإعلان من بصمة وروح أبناء سورية ومكوناتها المختلفة من أكراد وحتى عرب، وكذلك من السريان الآشوريين وغيرهم من المكونات الوطنية السورية”.

كما علق المجلس الوطني الكردي في بيان، أمس الجمعة، على الإعلان الدستوري بقوله إنه “مخيب للآمال وبعيد عن التطلعات نحو بناء دولة ديمقراطية تعكس التنوع الحقيقي للمجتمع السوري” معتبراً انه أعد من قبل لجنة لا تمثل مختلف المكونات السياسية والقومية والدينية، “ما أفقده الشمولية والتوافق الوطني، وأدى إلى تكريس نهج الإقصاء”. وقال إن الإعلان عزز نظام الحكم المركزي ومنح رئيس الجمهورية صلاحيات واسعة من دون ضمانات واضحة للفصل بين السلطات أو تحقيق التوازن المؤسسي، ما يثير مخاوف من إعادة إنتاج الاستبداد بصيغ جديدة، وفق تعبيره.

العربي الجديد

——————————-

عن الإعلان الدستوري السوري/ سمر يزبك

15 مارس 2025

مهما كان الموقف والتوصيف من السلطة، التي جاءت في سورية إثر سقوط نظام الأسد، يبقى أيّ إعلان دستوري، يُسلق على عجل، في حقيقته، دستوراً جديداً، مهما قيل عن مرحليّته، وتمهيده لدستور سيأتي فيما بعد في سياق عملية انتقال ديمقراطي مفترضة. تتجاوز المسألة مجرّد وثيقة قانونية لتكون فعلاً سياسياً مهيمناً، يعيد إنتاج علاقات القوة تحت غطاء الشرعية الثورية، ولا شيء آخر، فلا يصبح الدستور مجرّد إطار تنظيمي، بل نصّاً سلطوياً يحاول إعادة تشكيل الخطاب السائد بطريقةٍ تمحو ذاكرة العنف الوليد، أو تعيد تأويلها لصالح طرفٍ منتصر. ولا تنبع الشرعية في هذه الحالة من التأييد الشعبي (الذي لا ينكره أحد)، بل من آليات الإكراه الرمزي والمادي. وبذلك، يُحوّل الدستور أداةً لإنتاج واقع جديد يخدم مصالح الفاعلين السياسيين، الذين يسيطرون على المجال العام أمنياً وشعبوياً، حتى لو تغيّرت واجهات السلطة، لتعود الدورة من جديد وكأنّ السوريين لم ينضجوا بعد بما فيه الكفاية كي يبدأوا عمليةَ بناءٍ على أساس مواطنة حيادية، ليس فيها صدىً أو نُدبة من ماضٍ قمعي.

تاريخياً، هناك أمثلة عديدة لدساتير جديدة فُرضت بعد مجازر أو انهيارات سياسية كبرى، من دون تحقيق عدالة انتقالية فعلية. ففي تشيلي، كان دستور 1980 استمراراً غير مرئي لحكم بينوشيه، رغم أنه صيغ من خصومه ليبدو “ديمقراطياً”. وفي العراق بعد 2003، ورغم سقوط النظام السابق، لم يكن الدستور الجديد سوى إعادة توزيعٍ للسلطة ضمن هندسةٍ طائفيةٍ جديدة، من دون أن يتأسّس على مصالحة اجتماعية حقيقية. أمّا في جنوب أفريقيا، فإن نجاح دستور 1996 ارتبط بتوافر مسارٍ للعدالة الانتقالية، ما جعله استثناءً، بينما جاء الدستور في البوسنة نتيجة مفاوضات دولية فرضت توازناً هشّاً بين القوى المتصارعة من دون تفكيك البنية العنيفة للصراع.

ليست المسألة إذاً في “الوثيقة الدستورية” فقط، بل في علاقتها بالذاكرة الجمعية والعدالة والسلطة. في مجتمعات ما بعد الثورات، يكون الدستور قطيعةً جذريةً مع الماضي أو مجرّد إعادة إنتاج لعلاقات القوة ضمن بنية جديدة. والخطر هنا أن يصبح قبول هذا الدستور ضرباً من العنف الرمزي، فتُحيّد الرغبةُ الجماعيةُ نحو الديمقراطية الليبرالية، التي نادت بها الثورة في بداياتها، عبر ميكانيزماتٍ سياسيةٍ وإعلامية تحاول فرض “سردية رسمية” للثورة من أساسها (ومن ثمّ للعدالة والمصالحة) التي تطالب بها، حتى لو كانت خاليةً من المعنى الفعلي لإرادة البشر. في السياقات التي لم يتحقّق فيها تفكيكٌ فعليٌّ للبنية السلطوية الرمزية، يصبح الدستور الجديد امتداداً للقديم في جوهره، حتى لو اختلفت ألفاظه، وحتى لو تغيّرت أيديولوجية القائمين عليه، لأن المؤسّسات القائمة تعيد إنتاج منطق الهيمنة نفسه تحت غطاء ديمقراطي شكلي. لا تُبنى الشرعية هنا على الإجماع الفعلي، بل على القدرة على إعادة تشكيل المجال العام بطرقٍ تقمع الأصوات المعارضة، سواء عبر العنف المباشر أو الرمزي. وهكذا، تصبح الثقة في دستور جديد بعد مجازر شبه مستحيلة ما لم تكن هناك عملية عدالة انتقالية حقيقية، تعيد توزيع السلطة، والاعتراف بضحايا الماضي فاعلين في المستقبل، لا إحصائيات في خطاب السلطة.

يمكن اعتبار الإعلان الدستوري السوري الجديد لحظةً فارقةً في تاريخ البلاد، إذ يُحدّد ملامح المرحلة الانتقالية بعد عقود من الحكم المركزي، لكنّه لا يمثل مجرّد إطار قانوني مؤقّت، بل هو جزء من عملية سياسية معقّدة تهدف إلى إعادة تشكيل السلطة ضمن سياقاتٍ جديدة. وبينما يتم تقديمه خطوةً نحو التحوّل الديمقراطي، تكشف بنوده إعادة إنتاج مركزية السلطة من خلال آليات قانونية حديثة تمنح الرئيس صلاحيات واسعة، تشمل تعيين ثلث أعضاء مجلس الشعب وتشكيل المحكمة الدستورية، مع ترك مسألة عزله لمجلسٍ يتأثّر تكوينُه بقراراته. يثير هذا الإطار القانوني إشكالاتٍ سياسية ودستورية، خصوصاً عند مقارنته بالنظم الرئاسية التي تعتمد على توازن السلطات، وضمانات تحدّ من تغوّل السلطة التنفيذية.

يبدو من قراءة أوليّة للإعلان الدستوري أنه لا يهدف إلى تنظيم المرحلة الانتقالية فقط، بل يسهم في إعادة تشكيل السلطة بآلياتٍ تتجاوز الخطابات التقليدية حول الفصل بين السلطات وضمان الحقوق والحرّيات. رغم تقديمه وثيقةً تمهّد للحكم الديمقراطي، فإنه يعيد ترسيخ بنية سلطوية مركزية ضمن مظلّة قانونية جديدة، فيمكن للنصوص الدستورية أن تكون أدواتٍ لإنتاج السلطة بدلاً من تقييدها، ما لم توجَد مؤسّساتٌ قادرةٌ على فرض التوازن الحقيقي بين السلطات. إحدى الإشكاليات الأساسية التي يكرسّها الإعلان تتمثّل في منح السلطة التنفيذية مكانةَ رأس الهرم السياسي من دون ضوابط مؤسّسية فعّالة، إذ يتمتّع الرئيس بقدرةٍ شبه مطلقةٍ على تعيين شخصيات رئيسة في القضاء والتشريع، ما يطرح تساؤلاتٍ حول استقلالية هذه المؤسّسات.

في النظم الديمقراطية، يُفترض أن تلعب السلطتان، التشريعية والقضائية، دوراً في ضبط أداء السلطة التنفيذية. وفي هذه الحالة، تبدو هذه المؤسّسات امتداداً للنفوذ الرئاسي، إذ تشكّل المحكمة الدستورية بقرار من الرئيس، ما يحوّلها أداةَ شرعنةٍ للسلطة، بدلاً من أن تكون جهةً مستقلةً للرقابة. ولا يقتصر تأثير الإعلان على تنظيم الحكم، بل يعيد إنتاج علاقات السلطة ضمن إطار قانوني جديد، ما يجعله أداةً لإعادة هندسة الطاعة السياسية. فمن خلال استخدام لغة الإصلاح والديمقراطية، تُمّرر هذه المرّة مركزية السلطة التنفيذية باعتبارها ضمانةً للاستقرار، وهي استراتيجية مألوفة في الأنظمة ما بعد الاستبدادية، فتُستخدم شعارات التغيير لتمديد الهيمنة السياسية. غياب الأصوات المُعارِضة من عملية صياغة الإعلان يعزّز المخاوف حول افتقاره إلى الشرعية التشاركية، إذ لا يمكن لأيّ عمليةٍ انتقاليةٍ أن تحقّق الاستقرار من دون تمثيلٍ فعليٍّ للفاعلين السياسيين كافّة.

تلعب السلطة القضائية دوراً أساسياً في أيّ نظام ديمقراطي ضامناً للحقوق، ومراقباً للسلطة التنفيذية، لكن الإعلان يعيد تعريف دور القضاء بطريقةٍ تجعله خاضعاً للسلطة التنفيذية، فحين تُعيّن المحكمة الدستورية بقرار رئاسي، مع منحها صلاحياتٍ يُفترض أن تكون مستقلّة، يصبح القضاء أداةَ شرعنةٍ بدلاً من سلطة رقابية حقيقية، ما يقيّد إمكانية الطعن في قرارات السلطة التنفيذية، ويعزّز منطق الهيمنة السياسية. من المشكلات الجدّية التي يثيرها هذا الإعلان الدستوري إمكانية تحوّل المرحلة الانتقالية وضعاً دائماً. إذ قد يؤدّي غياب آليات واضحة لإنهاء المرحلة الانتقالية إلى تمديد السلطة التنفيذية من دون أجل محدّد. كما أن مقارنة بسيطة لهذا الإعلان بالنظم الرئاسية الأخرى تظهر غياب التوازن المؤسّسي وآليات المساءلة. ففي الولايات المتحدة، على سبيل المثال، يتمتّع الرئيس بصلاحياتٍ واسعة، لكنّها مقيّدة برقابة الكونغرس والمحكمة العليا، فضلاً عن إمكانية عزله وفق إجراءات دستورية واضحة. أمّا في الحالة السورية، فإن الرئيس يمتلك صلاحياتٍ غير محدودة فعلياً، فلا يتمتّع البرلمان باستقلالية حقيقية، نظراً إلى قدرة الرئيس على تعيين ثلث أعضائه، كما أن المحكمة الدستورية لا تعمل جهةً رقابيةً مستقلّةً، بل أداةً تنفيذيةً ضمن المنظومة الحاكمة. … يحمل الإعلان الدستوري الجديد ملامح تحوّل سياسي مهم، لكنّه، في الوقت نفسه، يثير مخاوف جدّية بشأن استمرارية مركزية السلطة، فالشرعية الدستورية لا تأتي من وجود نصوص قانونية فقط، بل ايضاً من تفاعلها مع الواقع السياسي والاجتماعي لضمان التوازن المؤسّسي والرقابة الفعّالة، وإلا لن يكون سوى وسيلة أخرى لإعادة إنتاج الطاعة السياسية، بدلاً من أن يكون خطوةً حقيقيةً نحو الديمقراطية.

في ظلّ التحولات السياسية التي شهدتها سورية أخيراًً، برزت تحدّياتٌ اجتماعيةٌ عميقةٌ رافقت الإعلان الدستوري الجديد، ما يعكس تعقيدات المرحلة الانتقالية وصعوباتها. الاعتداء على قوات الأمن وعمليات القتل والمجازر، التي شهدها الساحل السوري، خاصّة في اللاذقية وطرطوس، عكست توتّرات اجتماعية عميقة، وتصدّعاً واضحاً في النسيج الاجتماعي. لم تكن هذه المواجهات مجرّد صدامات عسكرية، بل كشفت هشاشة الهُويَّة الوطنية، التي لطالما قُمعت تحت مظلّة خطاب الوحدة الوطنية. يُبرز تفكّك السرديات الشمولية الحاجة إلى إعادة بناء هُويَّة وطنية تعترف (حقيقة لا نظرياً فقط) بالتعدّدية والاختلاف بعيداً من الإقصاء. من زاوية ثانية، يعكس عدم السيطرة الكاملة على كامل التراب السوري هشاشة السلطة المركزية وتعدّد مراكز النفوذ، إذ تتشكّل سلطات محلّية، وهُويَّات فرعية، تتحدّى مفهوم الدولة المركزية التقليدية. يفرض هذا الواقع تحدّيات أمام الإعلان الدستوري، الذي يُفترض أن يكون شاملاً لمكونات المجتمع السوري كافّة.

مع هذه التعقيدات، يظلّ نجاح الإعلان الدستوري مرهوناً بقدرته على التعامل مع التحدّيات الاجتماعية والسياسية الراهنة، فإذا لم تُعالج التصدّعات المجتمعية ولم تُبنَ أسسٌ لمشاركة سياسية حقيقية، فقد يظلّ هذا الإعلان مجرّد وثيقة نظرية غير قادرة على فرض واقع جديد. تبنّي مقاربة تعترف بالتعدّدية، وتفكّك الخطابات الشمولية البائدة، وتعيد بناء السلطة على أسس تشاركية، قد يكون السبيل الوحيد لعبور المرحلة الانتقالية نحو مستقبلٍ أكثر استقراراً وشمولاً للشعب السوري المكلوم، وللضحايا جميعهم، السابقين واللاحقين.

العربي الجديد

———————–

اتفاق الشرع ـ عبدي: ما الذي يتبقى من معادلة «روج آفا»؟/ صبحي حديدي

تحديث 14 أذار 2025

أظهرت تقارير مصوّرة أنّ غالبية أبناء سوريا من الكرد والعرب ابتهجوا لتوقيع اتفاق بين الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع وقائد «قوات سوريا الديمقراطية ـ قسد» مظلوم عبدي، وللبهجة موجبات شتى بعيدة المدى يتوجب أن تعالج بعض (والأرجح: ليس كامل) جوانب المسألة الكردية في البلاد؛ وأخرى قريبة الأثر والجدوى، لجهة توقيت يأتي في أتون محاولة انقلاب قادها ما تبقى من فلول نظام «الحركة التصحيحية» وما يواصل البقاء من أفراد فصائليين وجهاديين توّاقين إلى تسعير ثارات طائفية عمياء، وما يقترن بهذَين الفريقين من نزوعات تعطش إلى إراقة الدماء والمجازر الوحشية.

ثمة إلى هذا، وتماشياً مع منطق سياسي أو انتهازي أو مصلحي أو قوموي أو عصبوي، فئات من الكرد والعرب (أقلية، حتى الساعة على الأقلّ) لم تبتهج بالاتفاق؛ لموجبات شتى بدورها، قد يبدأ بعضها من حسن النوايا والتشبث بما مثّلته تجربة «الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا ـ روج آفا» من معطيات جرى ترقيتها إلى سوية القيم العليا في الحكم والتعبير الديمقراطي لدى فئات «قسد» أو على العكس كانت حاضنة تسلط وتطهير إثني وانتهاكات حقوقية ونهب ثروات في ناظر شرائح من عرب المنطقة. بعض تلك الموجبات لا يعفّ القائلون بها عن التمترس خلف أوهام هذه أو تلك من درجات الاستقلال والفدرالية أو حتى صيغة غائمة هلامية من دويلة كردية لدى الكرد أوّلاً، مقابل التمسك بالهوية العربية أو التعددية الإثنية (في صفوف الأرمن والسريان والآشوريين، مثلاً) لدى فئات أخرى عربية أو غير كردية. ولا يصحّ، في كلّ حال، إغفال فئة رافضة على الجانبين وبمعزل عن الملابسات القومية أو الإثنية، لأنها إنما تولت شبكات فساد مالي واسعة، على امتداد مناطق «قسد».

في إطار هذا التشخيص، ومن دون انتفاء تشخيصات أخرى تأخذ ببعض هذه العناصر أو تستبعد بعضها الآخر أو تضيف إليها؛ في الوسع السجال بأنّ البنود 4 و5 و6 و7 من نصّ الاتفاق بين الشرع وعبدي ذات طبيعة إجرائية، وهي على أهميتها أقرب إلى تحصيل حاصل. ذلك لأنها تتناول دمج المؤسسات المدنية والعسكرية والمعابر الحدودية والمطار وحقول النفط والغاز؛ وتضمن عودة المهجرين إلى بلداتهم وقراهم، وتُلزم الدولة بحمايتهم؛ ومن باب الاستطراد، الهامّ مع ذلك، تضمّ «قسد» إلى جبهة السلطة الراهنة في مكافحة فلول الأسد؛ كما تشدد على رفض «دعوات التقسيم وخطاب الكراهية ومحاولات بثّ الفتنة بين كافة مكونات المجتمع السوري».

ليس من كبير جدال، أغلب الظنّ، في أنّ البند الأوّل (الذي يضمن «حقوق جميع السوريين في التمثيل والمشاركة في العملية السياسية وكافة مؤسسات الدولة بناء على الكفاءة بغض النظر عن خلفياتهم الدينية والعرقية») لا يخصّ المواطنين السوريين الكرد وحدهم، بل يشمل جميع أبناء سوريا. وأنه، تالياً، لا يُرضي «قسد» بصفتها التنظيمية التي تزعم التعددية الإثنية في صفوفها، فحسب؛ بل يُراضي حلفاءها السوريين، بعضهم أو جلّهم، ضمن توافق مضمَر على «حقوق» جبهات «روج آفا» السياسية والعسكرية المتعددة. صحيح، بالطبع، أنّ هذا البند، وبالأحرى نصّ الاتفاق كله، لا يقارب ارتباط «قسد» الوثيق مع الولايات المتحدة والتحالف الدولي (وهذا أحد العقابيل الكبرى المنتظَرة خلال أشهر التطبيق الفعلي، حتى نهاية العام الجاري 2025)؛ إلا أنّ وصول عبدي إلى دمشق على متن طائرة أمريكية، كما تردد، يجبّ قسطاً غير قليل من تغييب المقاربة تلك.

يبقى البند الثاني، وهو في تقدير هذه السطور الأهمّ من حيث ملاقاة حقوق الكرد ومظالمهم في ظلّ ما تعلنه إدارة الشرع من عزم على المواطنة المتساوية ودولة القانون، خاصة في ميادين دستورية جوهرية تتجاوز (بكثير، كما يِؤمل) الصيغة الرائجة حول إنصاف المكوّنات/ الأقليات. وهو، أيضاً، البند الأخطر في الجانب التطبيقي لأنه يفتح، على مصاريعها كافة، بوّابات المسألة الكردية في سوريا وإشكالياتها ومصاعب معالجة ملفاتها المعقدة؛ هذه التي قامت تاريخياً، ولعلها تظلّ قائمة اليوم في كثير أو قليل، على سرديتين متكرّرتين، متكاملتين على نحو جدلي، رغم تناقضهما في الشكل والمحتوى. في الأولى موجات متعاقبة من الاضطهاد الإثني والسياسي والثقافي، على يد أمم صغرى وأمم كبرى، إقليمية وكونية؛ وفي السردية الثانية، وقائع خيانة ذات طابع مزدوج، على يد الحلفاء أو الأصدقاء، وبأفعال قيادات سياسية كردية على مرّ تاريخ الكرد، والحديث منه خصوصاً.

على سبيل المثال، من حوليات حكم حزب البعث، في سنة 1963 كان الملازم محمد طلب هلال، الذي سيرتقي بعدئذ سلّم المناصب العليا سريعاً، قد رفع إلى قيادة الحزب دراسته الشهيرة التي اقترحت جملة إجراءات تستهدف «تذويب» الكرد في «البوتقة» العربية! تأسيساً على مقترحاته تلك، جرى تعريب أسماء عشرات القرى والبلدات الكردية، ومُنع الأكراد من تسجيل أطفالهم إذا اختاروا لهم أسماء كردية، كما مُنعوا من الطباعة باللغة الكردية، وسوى ذلك من الإجراءات التمييزية الفاضحة. وفي مطلع السبعينيات، عهد الأسد الأب، أقام النظام حزاماً عربياً بطول 375 كم وعمق يتراوح بين 10 – 15 كلم، على طول الحدود السورية التركية؛ جرى بموجبه ترحيل 120 ألف مواطن كردي من 332 قرية، وإحلال سكان عرب محلّهم بعد بناء قرى نموذجية لهم.

وعلى امتداد 54 سنة من سلطة «الحركة التصحيحية» كان بديهياً أنّ الأحزاب والقوى السياسية الكردية في سوريا جزء لا يتجزأ من حركة الأحزاب والقوى السورية التي رفعت شعار تغيير جوهري ديمقراطي في حياة البلاد. وكان بديهياً أيضاً أنّ بلوغ مرتبة أرقى في النضال من أجل تغيير نظام استبداد آل الأسد، سوف يشمل انتزاع المزيد من حقوق المواطن السوري، عربياً كان أم كردياً، بصرف النظر عن خلفيته الإثنية أو الدينية أو المذهبية. ولم تكن غالبية القوى الكردية غافلة عن هذه البديهيات، بل كانت تعرفها وتؤمن بها، وعلى أساسها تواجدت ونشطت في قلب الحراك الديمقراطي السوري، على اختلاف أشكاله وأزمنته.

بذلك فإنّ البند الثاني مُلزَم بمقاربة ما تتركه، أو تركته لتوّها، سرديات انتقاص حقوق الكرد في سوريا، ثمّ معادلة «روج آفا» التي إذا كانت لا تقلّ تعقيداً، فإنّ احتساب مستقبلها حافل بمصاعب بالغة التجذّر، ومزالق مركّبة الاستحقاق والضرورة. والأصل أنّ المعادلة تنهض على مرتكزات إيجابية خدمت سوريا جمعاء مثلما فعلت إزاء الكرد السوريين، وليست محاربة «داعش» ودحرها في مناطق عديدة سوى مظهر أوّل في هذا السجلّ؛ سوف يتفاعل، على نحو جدلي يقترن خلاله التمثيل السليم بالمصادرة القسرية، مع انتخابات خريف 2017، والتدابير الفدرالية المتعجلة والمصطنعة، وإشاعة مناخات «علمانية» وحقوقية بصدد مكانة المرأة بصفة ملحوظة، والتكريس (النظري، الشكلي، المتعجل هنا أيضاً) لمفهوم اللامركزية، وما إلى ذلك. السلبيات، في المقابل، لم تقتصر على علاقات ارتهانية لقيادات الـPKK في جبال قنديل فقط، بل جمعت التناقض الصارخ في التسليم لإدارة أمريكية تواصل تصنيف الـPKK كتنظيم إرهابي؛ ولم تتوقف عند أنساق استبداد صارخة، وممارسة التجنيد القسري، والتنكيل بمعارضين وصحافيين كرد وعرب، وتنصيب شخصيات عسكرية وسياسية تقود شبكات النهب والفساد.

وهكذا، لعلّ بعض نجاح، أو إخفاق، تنفيذ اتفاق الشرع ــ عبدي رهنٌ بما يتوجب الإبقاء عليه أو استبعاده من معادلة «روج آفا» التي عادت بمحاسنها وبمظانّها إلى خارطة اتحاد سوري مضطرد.

كاتب وباحث سوري يقيم في باريس

القدس العربي

———————————–

الإعلان الدستوري الذي تم اعتماده مؤخراً يُعبّر عن استمرارية النهج الإقصائي/  اكرم حسين

تحديث 14 أذار 2025

الإعلان الدستوري الذي تم اعتماده مؤخراً يُعبّر عن استمرارية النهج الإقصائي الذي لطالما اتبعته الأنظمة المتعاقبة في سوريا، بدلاً من كونه وثيقة توافقية تعبر عن إرادة جميع السوريين بكل مكوناتهم وأطيافهم، فهو يؤسس لمزيد من الانقسام والمشكلات على المستوى الوطني لأنه لا يأخذ بعين الاعتبار مصالح كافة السوريين، بل يُكرس هيمنة فئة معينة على حساب بقية المكونات، ويمنحها الأفضلية في صياغة مستقبل البلاد. إن الإبقاء على دين الرئيس والمصدر الأساسي للتشريع كمرجعية دينية هو إعادة إنتاج لنموذج يستند إلى هويات دينية ضيقة، مما يعزز التمييز ويمنع بناء دولة مواطنة تقوم على المساواة الحقيقية بين كافة مكونات الشعب السوري. هذه النقطة بالذات تمثل تناقضاً مع مبدأ حيادية الدولة تجاه الأديان الذي يُفترض أن يُبنى عليه أي نظام ديمقراطي حديث.

كما يتجاهل الإعلان الدستوري الاعتراف بحقوق القوميات والأقليات الاخرى بشكل صريح، مما يُعد تراجعاً عن الاتفاق الذي جرى بين رئيس سوريا الانتقالي أحمد الشرع وقائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي، حيث كان من المفترض أن يُشكل ذلك الاتفاق خطوة نحو معالجة القضية الكردية ضمن إطار وطني سوري، إلا أن الإعلان الدستوري الحالي يتنصل منه ويحول الموضوع إلى تنوع ثقافي .

لم يُشر الاعلان إلى أي توجه نحو اللامركزية السياسية أو الإدارية التي طالبت بها العديد من المكونات السورية، بل على العكس، فهو يعيد إنتاج ذات المركزية السلطوية التي كانت سبباً رئيسياً في الصراع السوري وعمّقت الشعور بالتهميش لدى الأطراف والمكونات غير العربية .

ان الإصرار على الاحتفاظ باسم “الجمهورية العربية السورية” دون أي تعديل هو تعبير عن إقصاء الهويات الأخرى في البلاد، خصوصاً القومية الكردية وغيرها من الأقليات التي تعيش في سوريا منذ قرون. إن هذه المسألة ليست رمزية فقط، بل تعكس عدم الرغبة في الاعتراف بالتعددية القومية في البلاد.

إن الإعلان الدستوري الذي يُفترض أن يكون مدخلاً لبناء عقد اجتماعي جديد بين كافة السوريين، جاء مُحبطاً ومُكرساً للإقصاء. وإذا لم يتم تصحيح مساره وتعديله بشكل يعكس تطلعات جميع المكونات السورية، فإن المشكلة السورية ستبقى مستمرة، وربما تتفاقم لتأخذ أبعاداً أخطر وأكثر تعقيداً.

سيكون لنا عودة لمناقشة الفقرات الأخرى وخاصة صلاحيات الرئيس وآليات عزله ،وتعين مجلس الشعب وصلاحيات المحكمة الدستورية في قراءة أخرى .

———————-

الإعلان الدستوري في سوريا.. صلاحيات مطلقة للرئيس وإشكاليات تشريعية

14 مارس 2025

أثار الإعلان الدستوري الجديد للجمهورية العربية السورية جدلًا واسعًا حول الصلاحيات الممنوحة لرئيس الجمهورية، حيث يحتفظ الرئيس بسلطة تعيين ثلث أعضاء مجلس الشعب، بينما يتم انتخاب الثلثين الآخرين عبر هيئات يشرف عليها، مما يثير تساؤلات حول استقلالية المجلس.

كما يتمتع الرئيس بسلطة اقتراح القوانين، الاعتراض عليها، وإصدارها، إضافةً إلى تعيين وعزل الوزراء والمسؤولين. فيما تضمنت المادة 41 منح الرئيس حق إعلان حالة الطوارئ بعد موافقة مجلس الأمن القومي، الذي يعيّنه بنفسه، مما يمنحه صلاحيات استثنائية دون رقابة فعلية.

علاوة على ذلك، يخضع تعديل الإعلان الدستوري لموافقة ثلثي مجلس الشعب، لكن لا يمكن طرح أي تعديل دون اقتراح من الرئيس، ما يعزز قبضته على التشريعات. وبينما يشدد الإعلان على مبدأ الفصل بين السلطات، يبقى الرئيس صاحب السلطة التنفيذية العليا.

بين القبول والرفض

يقول الناشط، حيان حيروكة، في حديثه لموقع “الترا سوريا” إن الهدف من وضع الدستور والقوانين المنبثقة يكون لـ”جمع القوى الوطنية لبناء دولة العدالة والحرية، متجاوزًا إرث الدكتاتورية والحكم الشمولي”، لافتًا إلى أن ما هو أهم من الإعلان الدستوري يتمثل بـ”القبول العام”، معتبرًا أنه “لا فائدة من تدوال عملة لا تلقى القبول العام في الأسواق”.

ولفت حيروكة في حديثه إلى أنه “لم يُعقد المؤتمر الوطني كما كان مخططًا، وتم استبداله بحوار وطني مختزل زمنيًا وتمثيليًا، مما أثر على استناده إلى مبادئ دستورية متفق عليها”، وأضاف أن “مبدأ الفصل بين السلطات هو مبدأ وظيفي لا يلغي الرقابة والمحاسبة، لكنه ظل غائبًا عن التطبيق، رغم النص في المادة السابعة على مكافحة الفساد وأهمية الرقابة الاستباقية في الإدارة الحديثة”.

يعد البند الأول من المادة الثالثة، واحدًا من البنود التي أثارت التساؤلات بين السوريين، ويرى حيروكة بهذا الخصوص أن “الفقه الإسلامي والقوانين المدنية يختلفان في مصادر التشريع”، موضحًا أن “الأول يستند إلى القرآن والسنة والإجماع، بينما تعتمد القوانين المدنية على تشريعات وضعية تستوحي مبادئها من العرف والعدالة، ما يجعلها أكثر مرونة ومعاصرة”.

واعتبر حيروكة أنه “نظرًا للتطورات العالمية، من غير الممكن تطبيق الفقه الإسلامي دون تعديلات، إذ يفرض الواقع الجمع بين التشريع الوضعي والحفاظ على خصوصية المجتمع السوري”، لافتًا إلى أن “الفوارق تظهر بوضوح في العقوبات، حيث تفرض الشريعة أحكامًا صارمة مثل الحدود، بينما تعتمد القوانين المدنية على العقوبات المخففة، كالغرامات والسجن”.

واستطرد حيروكة بالإشارة إلى أن “القوانين المدنية تساوي بين الجنسين، في حين أن الفقه الإسلامي يضع قيودًا على حقوق المرأة في الميراث والشهادة وغيرها، ما يخلق توترات عند محاولة الدمج بين النظامين”، مشيرًا أيضًا إلى أن “تحديد دين رئيس الدولة لا يتماشى مع مبدأ المساواة”.

إشكاليات الإعلان الدستوري

ويرى حيروكة في حديثه لـ”الترا سوريا” أن “إغفال مجانية التعليم في المادة 22 يمثل نقصًا جوهريًا في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة”. وفي المقابل، تعتمد المادة 42 “مفهوم الفعالية في استخدام الموارد، في حين أن الكفاءة يجب أن تكون الأولوية”.

وحول المادة 11 التي تشير إلى اعتماد “المنافسة الحرة”، يؤكد حيروكة أن “الاقتصاد التنافسي الحر قد يؤدي إلى إعادة إنتاج الفوارق الطبقية دون دور واضح للدولة والقطاع العام”، وهو في هذا الصدد، يعيد التذكير بأن أزمة كوفيد-19 أظهرت أن “تماسك الدول ذات الاقتصاد المركزي”، لافتًا إلى أن ذلك “يدعو إلى نموذج اقتصادي يجمع بين النظامين بمرحلة انتقالية”.

وختم حديثه بالإشارة إلى أن ردود الفعل الأولية، والتي تمثلت برفض الكرد والدروز للإعلان الدستوري، موضحًا أن الإطار العام للإعلان الدستوري “هو ما يهدد بانهيار الاتفاق الموقع من أيام قليلة مع الإدارة الذاتية و غياب الدروز عن المشهد السياسي”، وشدد على أن المشهد السوري “لم يصل بعد لمرحلة توافق سياسي وعقد اجتماعي وإجراءات وطنية تجعلنا في بيئة مناسبة لإعلان دستوري لا يؤدي الغرض المطلوب منه”.

الفقة الإسلامي ليس المصدر الوحيد

يؤكد المحامي السوري، مصطفى كليب، في حديثه لـ”الترا سوريا” أن “الاعتماد على الفقه الإسلامي كمصدر أساسي للتشريع يؤثر على القوانين المدنية والدستورية”، لكنه يشير في المقابل إلى أنه “ليس المصدر الوحيد، كما كان الحال في الدساتير السورية السابقة ومعظم دساتير الدول الإسلامية”.

وينظر كليب إلى الفقه الإسلامي باعتباره “مفهومًا واسعًا يشمل اجتهادات الفقهاء، وقد يوافق أو يتجاوز نصوص القرآن والسنة”، وأضاف أنه “رغم تبني سوريا لهذا النص، تجاوزت بعض العقوبات الجسدية واعتمدت تشريعات مدنية”.

ويرى كليب أن “تأثير الفقه على القوانين يعتمد على النهج المستقبلي، خاصة مع التصريحات حول مراجعة القوانين وإلغاء ما يخالف الشريعة”، موضحًا أنه “وفق هذا النهج سيكون هنالك تعديلات كثيرة لو تم فعلًا لا تتعلق بقانون بعينه”.

جدل حول المادة 50

أما فيما يخص الجدل القانوني المرتبط بتعديل بنود الإعلان الدستوري، يؤكد كليب أن المادة 50 تشير إلى إمكانية تعديل الإعلان الدستوري خلال المرحلة الانتقالية، لكنها “تشترط موافقة ثلثي مجلس الشعب بناءً على اقتراح رئيس الجمهورية”.

وشدد على أن “هذا التعديل يبقى مرهونًا بإرادة الرئيس، إذ يختار ثلث أعضاء المجلس، فيما تنتخب الهيئات الفرعية التي يشكلها الثلثين الآخرين وفق المادة 24″، وهو الأمر الذي “يثير تساؤلات حول مدى استقلالية المجلس في اتخاذ قراراته، خاصة أن تشكيله مرتبط بالرئيس”.

وبحسب كليب، فإنه “وفق هذه الآلية نستطيع القول أن مجلس الشعب بشكل أو بآخر معين تعيينًا أساسًا من قبل الرئيس”، وبالتالي “لن يستطيع المجلس أن يعدل الإعلان من دون أن يتم اقتراح ذلك من الرئيس”.

حماية الحقوق والحريات الأساسية

أما فيما يخص مواد حماية الحقوق والحريات الأساسية التي وردت في الإعلان الدستوري، يرى كليب أن “المشكلة في سوريا لم تكن بالنصوص بل في تطبيقها”، لافتًا إلى أن “دستور 2012 تضمن ضمانات لحقوق الإنسان”، ولفت إلى أن “الإضافة الجديدة هي إدماج الاتفاقيات الدولية المصادق عليها ضمن الإعلان الدستوري، مما يعزز المعايير الحقوقية”، لكنه شدد على أن “الأهم من النصوص هو الالتزام الفعلي بتطبيقها على أرض الواقع”.

يؤكد كليب في حديثه لـ”الترا سوريا” على أن حاجة الحقوق والحريات إلى ضوابط، لكنه يرى أن “غموضها واستخدام مصطلحات فضفاضة، كما في المادة 23، قد يؤدي إلى تقييدها”، مشيرًا إلى “عدم تحديد معايير واضحة لمفاهيم كالأمن الوطني والنظام العام أو حماية الآداب العامة”.

ويعيد كليب التذكير في حديثه بأن النظام السابق “كان يقمع الحريات بتهم، مثل إضعاف الشعور القومي، ووهن عزيمة الأمة، والنيل من مكانة الدولة المالية”، وبالتالي فإن “عدم التحديد الواضح والصريح لهذه الضوابط، والمقصود منها ما هو إلا بوابة قد تستخدم لقمع الحقوق والحريات”.

خطورة البند الثاني للمادة 41

ويؤكد كليب في ختام حديثه لـ”الترا سوريا” على “خطورة” البند الثاني من المادة 41، والتي تسمح للرئيس بفرض حالة الطوارئ “كليًا أو جزئيًا”، والتي يرى أنها “تشكل خطرًا على الحقوق والحريات”، إذ إن هذا البند “يمنح رئيس الجمهورية سلطة إعلان الطوارئ بعد موافقة مجلس الأمن القومي الذي عيّنه بنفسه”، كما أن “تمديد حالة الطوارئ الذي يخضع لموافقة مجلس الشعب يعيدنا للعيب في تشكيل هذا المجلس أيضًا”، في إشارة إلى آلية تشكيل مجلس الشعب.

ويشير كذلك إلى أن “اشتراط دين رئيس الجمهورية، يتعارض مع مبدأ المساواة وعدم التمييز المنصوص عليه في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية”، معتبرًا أن “تبرير هذا الشرط بالأغلبية السكانية غير مقبول، إذ يجب ضمان التمثيل العادل”، كما أنه “يتناقض مع المادة العاشرة من الإعلان نفسه، التي تؤكد مساواة المواطنين في الحقوق والواجبات دون تمييز”.

الترا سوريا

——————————

الإعلان الدستوري الجديد في سوريا.. تباين في الآراء والمواقف/ محسن القيشاوي

14-مارس-2025

أحدث الإعلان الدستوري، الذي سيشكل الإطار القانوني لسوريا خلال السنوات الخمس المقبلة، موجة واسعة من الجدل والانقسام. فبينما يرى مؤيدوه أنه يمثل خطوة نحو إعادة هيكلة الدولة وإرساء أسس تحول سياسي جديد، يعتقد معارضوه أنه ليس سوى إعادة إنتاج للنظام القديم بواجهة مختلفة.

هذا التباين في المواقف انعكس في النقاشات المحتدمة داخل المجتمع السوري، حيث ينظر البعض بتفاؤل إلى المرحلة المقبلة، معتبرين أنها تستحق منح السلطات فرصة لتنفيذ الإصلاحات، في حين يشكك آخرون في جدية التغيير، مشيرين إلى افتقار الإعلان لآليات واضحة تضمن تطبيقه بفعالية.

    هذا التباين في المواقف انعكس في النقاشات المحتدمة داخل المجتمع السوري

صلاحيات الرئيس

واجه الإعلان الدستوري انتقادات حادة، خاصة فيما يتعلق بالصلاحيات الواسعة الممنوحة لرئيس الجمهورية، إذ يمتلك سلطة تعيين ثلث أعضاء مجلس الشعب، بينما يُنتخب الثلثان المتبقيان عبر هيئات تقع تحت إشرافه، مما يثير مخاوف بشأن استقلالية المجلس وقدرته على ممارسة دوره التشريعي بحرية.

إلى جانب ذلك، يتمتع الرئيس بسلطة واسعة في العملية التشريعية، حيث يملك حق اقتراح القوانين، الاعتراض عليها، وإصدارها، إضافة إلى تعيين وإقالة الوزراء وكبار المسؤولين. كما تمنحه المادة 41 صلاحية إعلان حالة الطوارئ بعد الحصول على موافقة مجلس الأمن القومي، وهو مجلس يشرف على تعيين أعضائه بنفسه، ما يمنحه سلطات استثنائية دون قيود واضحة.

وفي هذا السياق، يؤكد المحامي عمار الشيخ بكري في حديث لموقع “ألترا صوت”، أن الصلاحيات الممنوحة لرئيس الجمهورية في الإعلان الدستوري الجديد لا تصل إلى مستوى السلطات الواسعة التي كان يتمتع بها وفق دستور 2012، مشيرًا إلى أن الرئيس لم يعد يمتلك سلطة التشريع، كما فقد رئاسته لمجلس القضاء الأعلى، ولم يعد بإمكانه إصدار قانون الطوارئ أو تمديده دون العودة إلى مجلس الأمن القومي والسلطة التشريعية.

وأضاف الشيخ بكري أن الإشكالية الحقيقية التي يثيرها الإعلان الدستوري تتعلق بآلية تشكيل السلطة التشريعية، إذ لا يزال الرئيس يحتفظ بصلاحية تعيين ثلث أعضاء مجلس الشعب بشكل مباشر، بينما يتم اختيار الثلثين الآخرين من خلال هيئات تخضع لإشرافه. واعتبر أن هذا “الأمر يثير تساؤلات حول مدى استقلالية المجلس التشريعي، حيث يبقى جزء كبير من التوازن المؤسسي معتمدًا على شخصية الرئيس وضميره في إدارة هذه الصلاحيات”.

تعديل الإعلان الدستوري

أما فيما يخص الجدل القانوني المرتبط بتعديل بنود الإعلان الدستوري، الذي لا يمكن إجراؤه إلا بموافقة ثلثي أعضاء مجلس الشعب، ومع ذلك، فإن أي تعديل لا يُطرح للنقاش إلا بمبادرة من الرئيس، مما يعزز هيمنته على التشريعات.

ورغم تأكيد الإعلان الدستوري على مبدأ الفصل بين السلطات، يظل الرئيس ممسكًا بزمام السلطة التنفيذية بشكل شبه مطلق، الأمر الذي يثير تساؤلات حول مدى توازن الصلاحيات في المرحلة المقبلة.

وفي هذا السياق، يؤكد المحامي، مصطفى كليب، في حديثه لـ”الترا سوريا” أن المادة 50 تشير إلى إمكانية تعديل الإعلان الدستوري خلال المرحلة الانتقالية، لكنها “تشترط موافقة ثلثي مجلس الشعب بناءً على اقتراح رئيس الجمهورية”.

وشدد كليب على أن “هذا التعديل يبقى مرهونًا بإرادة الرئيس، إذ يختار ثلث أعضاء المجلس، فيما تنتخب الهيئات الفرعية التي يشكلها الثلثين الآخرين وفق المادة 24″، وهو الأمر الذي “يثير تساؤلات حول مدى استقلالية المجلس في اتخاذ قراراته، خاصة أن تشكيله مرتبط بالرئيس”.

وبحسب كليب، فإنه “وفق هذه الآلية نستطيع القول إن مجلس الشعب بشكل أو بآخر معين تعيينًا أساسًا من قبل الرئيس”، وبالتالي “لن يستطيع المجلس أن يعدل الإعلان من دون أن يتم اقتراح ذلك من الرئيس”.

الإسلام كمصدر أساسي للتشريع

فيما يتعلق بالاعتماد على الفقه الإسلامي كمصدر أساسي للتشريع، يؤكد المحامي كليب، أن ذلك يؤثر على القوانين المدنية والدستورية، لكنه، ينوه إلى أنه “ليس المصدر الوحيد، كما كان الحال في الدساتير السورية السابقة ومعظم دساتير الدول الإسلامية”.

 يرى كليب أن الفقه الإسلامي يمثل “مفهومًا واسعًا يشمل اجتهادات الفقهاء، وقد يتماشى مع نصوص القرآن والسنة أو يتجاوزها”، مشيرًا إلى أن “رغم تبنّي سوريا لهذا الإطار، فإنها تجاوزت بعض العقوبات الجسدية وفضّلت الاعتماد على تشريعات مدنية”.

غياب الاجماع على الإعلان الدستوري

في المقابل، يرى الناشط، حيان حيروكة، في حديثه لموقع “الترا سوريا” أن الهدف من وضع الدستور والقوانين المنبثقة يكون لـ”جمع القوى الوطنية لبناء دولة العدالة والحرية، متجاوزًا إرث الدكتاتورية والحكم الشمولي”، لافتًا إلى أن ما هو أهم من الإعلان الدستوري يتمثل بـ”القبول العام”، معتبرًا أنه “لا فائدة من تدوال عملة لا تلقى القبول العام في الأسواق”.

وفي هذا الإطار، يلفت حيروكة، إلى ردود الفعل الأولية، التي تمثلت برفض الكرد والدروز للإعلان الدستوري، موضحًا أن الإطار العام للإعلان الدستوري هو “ما يهدد بانهيار الاتفاق الموقع من أيام قليلة مع الإدارة الذاتية وغياب الدروز عن المشهد السياسي”، مشددًا على أن “المشهد السوري لم يصل بعد لمرحلة توافق سياسي وعقد اجتماعي وإجراءات وطنية تجعلنا في بيئة مناسبة لإعلان دستوري لا يؤدي الغرض المطلوب منه”.

إعادة انتاج الاستبداد

أعرب مجلس سوريا الديمقراطية، المظلة السياسية لـقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، عن رفضه لمسودة الإعلان الدستوري الجديد، معتبرًا أنها تتناقض مع الاتفاقات الموقعة مع الحكومة السورية وتشكل تراجعًا عن التفاهمات السابقة.

وأكد المجلس أن المسودة المطروحة تعيد إنتاج الحكم الاستبدادي بصيغة جديدة، حيث تعزز المركزية في إدارة الدولة وتمنح السلطة التنفيذية صلاحيات واسعة. كما انتقد القيود المفروضة على العمل السياسي، بما في ذلك تجميد تشكيل الأحزاب وغياب آليات واضحة لتحقيق العدالة الانتقالية، محذرًا من أن هذه العوامل تعقد الأزمة السياسية والوطنية بدلًا من حلها.

خطو نحو طي صفحة عقودٍ من المظلومية والاضطهاد

وعن مسار العدالة الانتقالية، اعتبر المحامي عمار الشيخ بكري في حديثه لـ”ألترا صوت” أن تجريم “الأسدية” يمثل خطوة أساسية في طي صفحة عقودٍ من المظلومية والاضطهاد التي عانى منها عموم الشعب السوري. مشددًا على أن الاعتراف بهذه الجرائم وتجريم إنكارها لا يحمي الضحايا فحسب، بل يمنع استمرار شعورهم بالاضطهاد والظلم، مما قد يدفع بعضهم إلى استيفاء حقوقهم بأنفسهم أو حتى تشكيل مجموعات عسكرية لحماية أنفسهم، نتيجة فقدانهم الثقة بالدولة. ويضيف الشيخ بكري أن هذا التجريم يُعد تأكيدًا رسميًا من الدولة على ما تعرض له الضحايا من انتهاكات جسيمة، مما يسهم في تعزيز الشعور بالعدالة ويحدّ من أي اضطرابات مستقبلية.

ويتابع الشيخ بكري أن هذه الخطوة لا تقتصر على حماية الضحايا، بل تسهم أيضًا في إغلاق هذا الملف نهائيًا، مما يمنع العودة إليه للنقاش أو التفسير أو حتى الدفاع عنه، وهو ما يقطع الطريق أمام أي محاولات لإعادة تبرير تلك الجرائم أو إضفاء الشرعية عليها. مؤكدًا أن هذا التجريم يرسّخ وعيًا مجتمعيًا بأن ما حدث في سوريا أصبح من المحرمات المطلقة، ولا يمكن القبول به أو التفكير في تكراره تحت أي ظرف.

الخطوات المستقبلية

أكد الشيخ بكري لـ”الترا صوت”، أن المرحلة المقبلة تتطلب خطوات أساسية لضمان تطبيق الإعلان الدستوري الجديد، مشيرًا إلى أن أولويات المرحلة تبدأ بتشكيل مجلس شعب يمارس دوره التشريعي بفعالية، حيث لا يمكن تحقيق استقرار دستوري في أي دولة دون وجود سلطات ثلاث متوازنة تعمل وفق أسس واضحة.

موضحًا أن المهمة الأكبر ستقع على عاتق السلطة التشريعية، التي سيكون عليها العمل على تعديل القوانين القائمة أو إلغاء بعضها لتتوافق مع متطلبات المرحلة الجديدة والإعلان الدستوري. كما ستحتاج بعض المبادئ التي نص عليها الإعلان إلى تشريعات تفصيلية لوضعها موضع التنفيذ، إذ أن النصوص الدستورية وحدها لا تكفي لتفعيل القواعد القانونية دون إصدار تشريعات تكميلية.

وضرب مثالًا على ذلك بقضية تجريم “الأسدية”، مشيرًا إلى أن مجرد النص على هذا التجريم في الدستور لا يكفي لجعله نافذًا، حيث لا يمكن للقضاء الجزائي الاعتماد على القواعد الدستورية لإدانة الأفعال، ما لم يتم تعديل قانون العقوبات ليشمل هذا التجريم بشكل واضح ومحدد.

وأضاف أن هناك العديد من القوانين التي ستحتاج إلى إعادة صياغة أو تعديل، بما يضمن انسجامها مع المبادئ الجديدة التي أقرها الإعلان الدستوري، مشددًا على أن هذه التعديلات ستكون جوهرية في بناء نظام قانوني متكامل يعكس التحولات السياسية والدستورية في البلاد.

الترا صوت

—————————-

Farouk Mardam Bey

أودّ للردّ على بعض التعليقات التي وصلتني أن أوضّح بكلمات قليلة أسباب موقفي السلبي من الإعلان الدستوري.

كان الأفضل، أوّلاً، التريّث في شان ايّ إعلان دستوري، والقيام باستشارات واسعة قبل صياغته لأنّ اللجنة، أيّ لجنة، نُكلّف بها معيّنة بطبيعة الحال من قبل سلطة الأمر الواقع لا من سلطةٍ منتخبة.

أمّا وقد صار ما صار، فكان من الأفضل أيضاً تلافي الجدل في بعض الأمور الخلافيّة. اين تكمن المشكلة في تسمية بلادنا “الجمهورية السورية”؟ لا تنفي هذه التسمية عروبة السوريّين العرب ولا تستبعد غيرهم من المواطنين.

ثمّ، لنفترض أنّ صيغة ” دين رئيس الجمهوريّة الإسلام” هي الحلّ الوسطيّ المناسب، كما جاء في المذكّرة الإيضاحيّة، ما معنى عبارة ” الفقه الإسلامي هو المصدر الرئيس للتشريع”، مع العلم بأنّها تتناقض مع جميع الموادّ الواردة في الإعلان نفسه، الإيجابيّة منها والسلبيّة؟

ثمّة مواد ايجابيّة تنصّ على حماية التنوّع الثقافي واللغويّ وعدم التمييز بين المواطنين من حيث العرق أو الدين أو الجنس أو النسب، ولكن كان من الضروري تخصيص فقرة تتعلّق بالحقوق السياسيّة والثقافيّة الكرديّة بالنظر إلى الأهمّية القصوى للمسألة الكرديّة في سورية.

ثمّة مواد إيجابية أخرى تتعلّق بالحرّيات العامة والخاصّة، ومنها اعتبار المعاهدات والمواثيق الدوليّة لحقوق الإنسان جزءاً من الإعلان، ولكنّ الإعلان يتضمّن مادّةً (المادّة 23) تُقيّد هذه الحرّيّات لأسباب يرجع تقديرها إلى الحكومة وحدها، وهي حكومة أمر واقع غير منتخبة من الشعب، وتستطيع التعلّل بهذه الأسباب متى ما شاءت.

يُمكن، في صدد السلطة التشريعيّة، تلخيص المادّة 24 كما يلي. يُعيّن رئيس الجمهوريّة مباشرةً ثلث اعضاء مجلس الشعب، ويُعيّن هو أيضاً الثلثين الباقيين، بشكل غير مباشر، من خلال لجنة يُشكّلها، وتشكّل بدورها لجاناً “تنتخب” نوّاب الأمّة!

يُسمّي رئيس الجمهوريّة أعضاء المحكمة الدستوريّة العليا، ولكنّنا لا نعرف ما هي صلاحيّاتها. هل منها، على سبيل المثال، الاعتراض على قرارات رئيس الجمهوريّة وممارساته، وهو الذي سمّى أعضاءها؟ وإذا لم يكن هذا من صلاحيّاتها ولا من صلاحيّات أيّ هيئة أخرى فمعناه أنّ الرئيس غير مسؤول طوال خمس سنين، له فيها أن يتصرّف على هواه…

ولا يقلّ خطراً عن كلّ هذا العبث أنّنا موعودون بدستورٍ دائم تكتبه لجنة شبيهة باللجنة التي صاغت هذا الإعلان، ثمّ تُنظم انتخابات وفقاً له. والمعمول به في الدول التي تحترم شعوبها أن يصدر الدستور عن جمعيّة تأسيسيّة منتخبة.

والله غالبٌ في أمره!

++++++++++++++++++++++

ياسين السويحة

رغم الانتقادات لها، لم تكن فكرة المرحلة الانتقالية الطويلة بالسيئة، بل على العكس: في بلد محطم ومعقّد كسوريا، أنت بحاجة لوقت لبناء النظام السياسي الجديد بتأنٍ واعتناء بالتفاصيل، ووقت آخر للأخذ والرد وتحصيل أكبر قدر ممكن من القاعدة الشعبية لتمتين شرعية كل خطوة: للسياسة، باختصار.

لكن ما يحصل في سوريا ليس هذا: لدينا مرحلة انتقالية طويلة، خمس سنوات؛ وكل خطوة سياسية أُجريت حتى الآن كانت عبارة عن سلوَقة متعجلة وغير مكترثة بأي اعتناء بتفاصيلها، وفي كل مرة طولب الآخرون أن يلهثوا وراءها، مبررين أو معترضين. هذا حصل مع “مؤتمر النصر”، ثم مع اللجنة التحضيرية ل”مؤتمر الحوار”، ومؤتمر الغفلة نفسه، وصولاً للجنة الإعلان الدستوري، والإعلان نفسه.

الأهم، برأيي، ليس نقاش الإعلان الدستوري الصادر بالأمس (والذي تأخر نشر نصّه وظهر لأول مرة، ياللصدفة، على تلغرام!) من باب تفاصيله ومواده، بل في شكل إصداره، من صاغه وكيف تمت الموافقة عليه، بما في ذلك “حفل التوقيع”، الذي لهيبته والاعتناء فيه أهمية فائقة، بل وتاريخية، في لحظات تأسيسية.. نحن في لحظة تأسيسية، أليس كذلك؟

حسناً، يقول الإعلان الدستوري، وحفل التوقيع عليه، إننا أمام شيء يخص (نمطاً خاصّاً جداً من) العرب-السنّة وحدهم دون شريك رمزي أو فعلي. هؤلاء صاغوا، وهؤلاء وافقوا، وهؤلاء وحدهم حضرت “قياداتهم الروحية” حفل التوقيع. لديك طرف كردي يُسيطر على ثلث البلد، ويفترض أن توقيعك اتفاقاً معه قبل أيام كان أعظم خبر للسوريين في لحظة بالغة الصعوبة، قد استُبعد رمزياً وفعلياً من لحظة تأسيسية لبلدٍ عليه أن يقتنع بكعب البندقية أنه بلده أيضاً. وهذا عدا عن المشهد اليومي المؤسف للعلاقة مع السويداء، الذي ليته لا يحصل في بلد على حافة الهاوية كبلدنا كي نتمكن من قول أنها “كاريكاتيرية”. وعداك العلويين الذين تعرضوا لهجمة إبادية قبل أيام قليلة، وعداك طوائف وجماعات أخرى. نعم، أتحدث عن مكونات وطوائف لأنها العنوان الطاغي على البلد اليوم، مهما ساءنا، ولأن الخطاب العام، هوساً بها أو مكابرةً، يمر كله عبرها، وغالبه عندها يتوقف.

الفرقة الحاكمة ومن يواليها لديهم وَهم غَلبة وتمكّن ووسِع على كامل سوريا غير صحيح، وسيرتد عليهم إن أصرّوا على التمسّك به. سوريا أوسع وأعقد من هذا بكثير، ليس فقط بطوائفها وقومياتها.. بل بعربها السنّة قبل كل شيء.

ونعم، يجب أن نتحدث عن طوائف وضرورة حضورها في للحظات التأسيسية. ليتنا مواطنون أفراد وعلاقتنا التعاقدية مع دولتنا تمر عبر فردانيتنا الدستورية. ليس هذا الوضع، ولن يكون كذلك طالما من يحكم ومن يوالونه عرب-سنّة “هالكُثُر”، وبهذا النمط الخاص جداً من العروبة-السنّية؛ وليس لديهم تجاه من ليس مثلهم إلا ازدراءً لرغبتهم عن التمايز عن ذلك.

طريق هذا البلد ليس بخير. عشمي، إن كنت أتمسك بقشّة، هو أن يفعل التعب المعمّم فعله ويضمن لنا بعض الاستقرار والهدوء، حتى لو كان هدوء ضواحي مقبرة؛ وعشمي على عشمي الأول، أيضاً، أن هناك الكثير الكثير من العقلاء موجودون اليوم بصمت وسط حفلة الانتصار هذه، وربما مع بعض الاستقرار والهدوء يعلو صوتهم قليلاً.

———————–

في نقد الإعلان الدستوري

Ahmad Nazir Atassi

أولاً – أمور عامة

– إنه دستور كامل وليس إعلاناً دستورياً. الإعلان يكون مختصراً ويشمل مواد أساسية لا يمكن العمل دونها. وهو يقوم على الدستور السابق (حذفاً وتعديلاً) وليس على دستور عام 1950. ولا أفهم تمييز هذا الدستور القديم عن بقية الدساتير (أليس لأنه دستور الإخوان المسلمين؟). لا يمكن أن تفرض ما قرره الشعب من سبعين سنة على الشعب الآن.

– مقدمة الدستور عادة تعبر عن روحه والأفكار الأساسية التي حكمت صياغته. أما هذا الدستور فمقدمته موضوع تعبير إنشائي وتعابير ممضوغة ووطنيات لا تغني من جوع.

– من يوم قيام الثورة والناس تتحدث عن “الحرية والكرامة”. ونشهد اليوم تكرار هذا الشعار في المقدمة وعدة مرات في النص. إنه شعار فارغ سياسياً وتوجست منه خيفة من أول يوم لأنه لا يحتوي على أي محتوى سياسي أو فلسفي أو حتى قانوني، فكيف يصبح الشعب حراً وكيف تعود إليه كرامته؟ ما هو المعنى القانوني لحرية الشعب أو كرامته؟ ما هي التطبيقات العملية لهذا الشعار؟ ما هي الأدبيات السياسية والفلسفية والقانونية التي يمكن العودة إليها من أجل شرح هذا الشعار؟ فإذا كانت صياغة الدستور تقوم على روح هذا الشعار فإن الصياغة لابد غامضة بقدر غموض الشعار. وهذا فعلاً ما حصل.

– لا تنص المقدمة على أن هذا الإعلان مؤقت ويضبط مرحلة إنتقالية. ورد ذكر كلمة إنتقالية مرتين أو ثلاث مرات دون توضيح لطبيعتها ولدور الدستور فيها (لدينا فقط مادة تحدد مدتها).

– تحيل المقدمة إلى إعلان النصر كموحي للدستور وليس إلى مخرجات مؤتمر الحوار الوطني الذي ورد ذكره في معرض الحديث فقط.

– لا تحتوي المقدمة على أي شرح للحيثيات التي اضطرت الحكومة إلى اللجوء إلى دستور بقرار وليس إلى دستور بمجلس شعب منتخب أو مؤتمر تأسيسي منتخب. وكل ما تقوله هو أن الرئيس (غير المنتخب) أقر هذا الدستور. هناك حالة غير دستورية أدت إلى دستور غير خاضع لاستفتاء شعبي، ويجب أن يتم شرح هذا الحالة في المقدمة وما تأثيراتها على الدستور المؤقت، الذي لا يسمي نفسه دستوراً مؤقتا.

– من الواضح أن المرحلة الإنتقالية تقوم على فكرة الديكتاتور العادل أو المتنور وعلى فرضية أنه من المتعذر استفتاء الشعب على دستور دائم. لماذا لم تشرح المقدمة الأسباب التي أدت إلى تعذر الإستفتاء، ولماذا لم تشرح مبررات وضع تلك الثقة العمياء بقائد واحد؟

-هناك عشرات المصطلحات التي ليس لها تعريف ضمن الدستور مثل نظام سياسي، نظام عام، ديانات سماوية، رسمية، جمهورية، … ما هو المرجع لتعريفها. يجب أن يشمل الإعلان الدستوري على مادة تحيل إلى نصوص أو أدبيات لتعريف تلك المصطلحات وتوضيح كل ملتبس في النص.

ثانياً- الأحكام العامة

– المادة الأولى. تنص المادة على أن سوريا دولة مستقلة، وهي ليست مستقلة. فهذه المادة لا معنى لها إذاً من حيث إنفاذ الإستقلال، إنها تؤكد على كونها مستقلة نظرياً. وتنص المادة على أنه لا يمكن التخلي عن أي جزء من البلد دون أن تسمي حدوده (وتخلط بين البلد والدولة). فإذا بقي الجولان مثلا في يد إسرائيل فيكفي الحكومة أن تعلن أنها لن تتخلى عن الجولان لتكون منفذة للدستور. فالدستور لا ينص على إستعادة أي أراض لا تخضع للدولة المركزية. لنعتبر ذلك نوعاً من الاعتراف بالأمر الواقع. ولذلك فهو إعلان دستوري وليس دستوراً. المادة كلها دون معنى فالدولة ليست ملزمة بأكثر من تصريح وشجب وعدم التخلي العلني والقانوني.

-المادة الثانية (مثل الاولى) غير ضرورية وكان من الافضل وضعها في المقدمة لأنها مادة فلسفية وليست ناظمة لأي شيء.

– المادة الثالثة: عن أي إسلام نتكلم وكيف نتأكد أن الرئيس مسلم؟ هل يجب أن ينطق الشهادتين أمام شهود أم يجب أن ينطق عقيدة ابن حنبل. وهل يحتاج المرشح للرئاسة إلى فتوى من جهات معترف بها لتؤكد إسلامه أم يكفي ان يقول عن نفسه أنه مسلم. وماذا عن الذي دخل الإسلام لتوه فقط ليصبح رئيساً. ماذا عن الإسلام الشيعي الإثني عشري أو الإسماعيلي، من يعطيهم شهادة حسن إسلام. وماذا عن الدروز الذي يقول بعضهم بأنهم ليسوا مسلمين. وماذا عن العلويين الذي يزعم بعض المشايخ السنة أنهم كفار. وماذا عن الازيديين. وماذا عن المرتدين عن الإسلام هل هم مسلمون بحكم الولادة. وكيف لدستور يضمن المساواة بين المواطنين وثالث مادة فيه تقسمهم إلى فئتين فئة يحق لها وفئة لا يحق لها. وهل إذا حصلت على فتوى أن الرئيس الحالي مرتد عن الإسلام بحكم قتله للنفس بغير حق (أو أي سبب تكفيري) هل هذا يُسقط عنه الرئاسة مباشرة. وكما قال أحدهم فإن هذه الصياغة تستثني المسيحيين واليهود فقط، فلماذا هذا الإستهداف.

– ما معنى أن الفقه الإسلامي هو المصدر الرئيس للتشريع. عن أي فقه يتكلمون المدارس الأربعة أم الفقه الجعفري أم الإسماعيلي أم الدرزي أم العلوي. وما هي مصادر التشريع الفرعية. وهل تعني كلمة مصدر أن أية مقولة في الفقه الإسلامي يمكنها أن تصبح قانوناً أو مشروع قانون. وما هي الكتب الفقهية المعتمدة. وبأية صيغة تصبح المقولة الفقهية قانوناً أو مصدراً للقانون، هل بصيغة فتاوى ابن تيمية أم فتاوى ابن باز أم فتاوى البوطي.

– الدولة تعترف بالديانات السماوية. وماذا عن الديانات غير السماوية. ومن يضع تعريف الديانات السماوية وما هو معيار سماويتها. وماذا عن عقيدة اللادينية أو اللاإلهية هل هي مصونة. وماذا عن البوذية مثلاً أو الهندوسية.

– عدم الإخلال بالنظام العام، هل ينطبق هذا على الصلوات في الأماكن العامة. من يحدد الإخلال بالنظام العام، وما هو تعريف النظام العام.

– باعتبار أن “حرية الإعتقاد مصونة” جاءت قبل “الأديان السماوية” فهل تلك الأديان تعريف للعقيدة أم أنها جزء من كل، والعقيدة تشمل أكثر من الأديان السماوية. ولماذا لا تحترم الدولة الأديان غير السماوية وكيف سيكون عدم الإحترام هذا.

– المادة الرابعة لا داعي لها على الإطلاق. لماذا يحدد الإعلان الدستوري لغة الدولة. وما معنى رسمية؟

-المادة السادسة. رياضياَ كيف يكون الطول ثلثي العرض. في المستطيل، الطول هو الضلع الأطول، فإذا كان أحد الأضلاع كسراً من الضلع الآخر فهو بالتعريف الرياضي العرض لأنه الأقصر. يمكن مثلاً أن يقولوا أن العرض ثلثي الطول. وهل النجمات خماسية أم سداسية.

(مليت … يتبع، يكسر إيديهم هالخبراء)

——————–

جماعة كردية سورية ترفض الإعلان الدستوري الجديد

تحديث 14 أذار 2025

رفضت الجماعة التي يقودها الأكراد وتحكم شمال شرق سوريا اليوم الجمعة الإعلان الدستوري الذي أصدرته الإدارة الجديدة التي يقودها الإسلاميون في دمشق ودعت إلى إعادة صياغته.

ويهدف الإعلان الدستوري، الذي صدر أمس الخميس، إلى وضع الأساس لفترة انتقالية مدتها خمس سنوات بقيادة الرئيس أحمد الشرع، الذي قاد هجوما خاطفا للمعارضة المسلحة أطاح بالرئيس السابق بشار الأسد في ديسمبر كانون الأول بعد حرب أهلية استمرت 14 عاما.

وأكد الإعلان الدستوري أن الفقه الإسلامي مصدر أساسي من مصادر التشريعي ونص على حرية الرأي. لكن مجلس سوريا الديمقراطية، بقيادة الأكراد، قال إنه لم ينص على ما يكفي لحماية حقوق مختلف مكونات المجتمع السوري.

وفي الوقت نفسه، دعا مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا جير بيدرسن من جنيف السلطات الجديدة في دمشق إلى تشكيل حكومة انتقالية تشمل الجميع وإجراء تحقيق في أعمال العنف الطائفي الأخيرة التي أودت بحياة المئات.

وقال في بيان تلاه متحدث باسمه في الذكرى الرابعة عشرة لاندلاع الانتفاضة ضد الأسد والتي تحولت إلى حرب شاملة “تمر سوريا الآن بلحظة فاصلة”.

وخلال الحرب الأهلية، أقامت السلطات الكردية في شمال شرق سوريا نظام حكم ذاتي بعد عقود من التهميش في ظل حكم عائلة الأسد.

ويخشى الأكراد أن تحرمهم القيادة الجديدة في دمشق من كثير من حقوقهم، ومن بينها تعليم اللغة الكردية في المدارس وتولي النساء مناصب قيادية.

وقال مجلس سوريا الديمقراطية في بيان مكتوب اليوم الجمعة إنه يرفض الإعلان الدستوري الذي وقعه الشرع “رفضا تاما” ووصفه بأنه يعيد “إنتاج الاستبداد بصيغة جديدة” ويمنح السلطة التنفيذية صلاحيات مطلقة.

وأضاف البيان موضحا أسباب رفض الإعلان الدستوري أن المسودة “تكرس الحكم المركزي وتمنح السلطة التنفيذية صلاحيات مطلقة، بينما تقيد العمل السياسي وتجمد تشكيل الأحزاب، مما يعطل مسار التحول الديمقراطي، كما تتجاهل المسودة غياب آليات واضحة للعدالة الانتقالية، مما يزيد تعميق الأزمة الوطنية”.

وطالب البيان بإعادة صياغة الإعلان الدستوري لتوزيع السلطات والصلاحيات بشكل أكثر عدالة وتبني نظام حكم غير مركزي.

وقال المجلس “أي إعلان دستوري يجب أن يكون نتاج توافق وطني حقيقي، وليس مشروعا مفروضا من طرف واحد”.

ومجلس سوريا الديمقراطية هو القيادة السياسية لقوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة التي وقعت اتفاقا يوم الاثنين مع حكومة دمشق للاندماج في مؤسسات الدولة الجديدة وتسليم المعابر الحدودية الرئيسية وحقول النفط ومطار لسيطرة الحكومة.

ومن المقرر أن يتم تنفيذ ذلك بحلول نهاية العام لكن الاتفاق لم يحدد كيفية دمج العمليات العسكرية لقوات سوريا الديمقراطية في وزارة الدفاع السورية.

وقال بيدرسن في بيانه إنه يأمل أن يدفع الإعلان الدستوري الذي وقعه الشرع سوريا باتجاه استعادة حكم القانون وتنفيذ عملية انتقال منظم.

ووعد الشرع بإدارة سوريا بطريقة شاملة لا تقصي أحدا لكنه يواجه مشكلات بسبب تبعات موجة من أعمال العنف الطائفية في منطقة الساحل تورط فيها مقاتلون مرتبطون بحكومته.

ودعا بيدرسن إلى إجراء تحقيق مستقل في ما وصفها بأنها “أعمال عنف مروعة”.

وقال “في هذا الصدد، يمكن لمناخ من الخوف وانعدام الثقة أن يعرض العملية الانتقالية بأسرها للخطر”.

(رويترز)

——————————–

إجماع كردي على رفض «الإعلان الدستوري» السوري

لأنه لا يضمن حقوق المكونات القومية والدينية

دمشق: كمال شيخو

14 مارس 2025 م

بعد أجواء تفاؤلية أعقبت توقيع الاتفاق بين رئيس الإدارة الانتقالية لسوريا أحمد الشرع وقائد «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) مظلوم عبدي، جاء «الإعلان الدستوري» للحكم الانتقالي بدمشق لخمس سنوات مقبلة، بمثابة صدمة للأوساط الكردية.

وسارع «مجلس سوريا الديمقراطية» (مسد) إلى اعتبار أن «الإعلان الدستوري» لا يتماشى مع «الشرع – عبدي»، ويشكل تراجعاً عن التفاهمات السابقة، في حين أعلن «المجلس الوطني الكردي» رفضه له لأنه مكتوب بعقلية «أمة واحدة ودين واحد، دون ضمان حقوق المكونات القومية والدينية المتنوعة في البلاد».

وأعلن مجلس «مسد» المظلة السياسية لقوات «قسد» رفضه التام للإعلان الدستوري، وقال في بيان نشر على موقعه الرسمي، الجمعة، إن هذا الإعلان «لا يعكس تطلعات الشعب السوري ولا يحقق التحول الديمقراطي المنشود»، وحذر هذا التحالف السياسي للأحزاب الموجودة في مناطق الإدارة الذاتية من إعادة إنتاج الاستبداد بصيغة جديدة، «ستكرس الحكم المركزي وتمنح السلطة التنفيذية صلاحيات مطلقة، بينما ستقيد العمل السياسي وتجمّد تشكيل الأحزاب وستعطل مسار التحول الديمقراطي وتعمق الأزمة الوطنية»، كما ورد في البيان.

وأكدت ليلى قره مان، الرئيسة المشتركة لمجلس «مسد»، رفض أي محاولة لإعادة إنتاج الديكتاتورية تحت غطاء الدستور والمرحلة الانتقالية. وقالت لـ«الشرق الأوسط» إن أي إعلان دستوري «يجب أن يكون نتاج توافق وطني حقيقي، وليس مشروعاً مفروضاً من طرف واحد». وطالبت بإعادة صياغة الإعلان بما يضمن توزيع السلطات والحقوق بشكل عادل، «لضمان حرية العمل السياسي، والاعتراف بحقوق جميع المكونات السورية، واعتماد نظام حكم لا مركزي ديمقراطي، مع وضع آليات واضحة لتحقيق العدالة الانتقالية».

وشدّدت قره مان على أن سوريا وطن لجميع أبنائها. وقالت: «لن نرضى بإعادة بناء النظام الاستبدادي».

وتطرح الإدارة الذاتية و«قسد» ومجلسها السياسي «مسد» النظام الفيدرالي كنظام حكم جديد لسوريا المستقبل، وتقدم اللامركزية بمثابة إصلاح دستوري يعزز استقرار البلاد، وليس للتقسيم، وتأكيدها أن توزيع السلطات لا يعني تفكيك الدولة، بل يضمن مشاركة جميع المكونات في الحكم، فيما أثار «الإعلان الدستوري» انتقادات حادة في الأوساط السياسية والشعبية الكردية واعتبر الكثيرون أنه «يتنافى» مع تنوع سوريا، ويضم بنوداً تتشابه مع حقبة حكم حزب «البعث».

وعبر شلال كدو، عضو الأمانة العامة لـ«المجلس الوطني الكردي»، عن موقفه الرافض للإعلان. وقال في مقابلة تلفزيونية بثتها شبكة «رووداو» الإعلامية الكردية، الخميس، إن الإعلان «كُتب بعقلية تقوم على أمة واحدة ودين واحد، ولم يضمن حقوق المكونات القومية والدينية في البلاد».

واعتبر كدو أن دستور سوريا لعام 1920 كان أفضل بكثير من «الإعلان الدستوري». وأضاف أن «هذه الخطوة خطيرة في بلد متعدد القوميات والمكونات وأعتقد أن سوريا لا يمكن أن تُدار بهذا الدستور المؤقت، وستبرز العديد من المشاكل بسببه».

وكان الاتفاق المبرم بين الشرع وعبدي ينص على الاعتراف بالمكون الكردي بوصفه «مجتمعاً أصيلاً في الدولة السورية، عانى طيلة عقود خلال حكم آل الأسد من تهميش وإقصاء»، كما نص على ضمان حقوق جميع السوريين في «التمثيل والمشاركة في الحياة السياسية وجميع مؤسسات الدولة»، في موازاة «رفض دعوات التقسيم وخطاب الكراهية».

————————–

 “الإعلان الدستوري” في سوريا .. هل يحقق العدالة للأقليات؟

الحرة – واشنطن

15 مارس 2025

وقَّع الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع، الخميس، مُسوَّدة الإعلان الدستوري الذي حدَّد المرحلةَ الانتقاليةَ في البلاد بـ5 سنوات، مشيداً بما وصفه بـ”تاريخ جديد” في البلاد.

وأعلنت لجنة صياغة الإعلان الدستوري السوري أنه تقرَّر حصر السلطة التنفيذية بيد رئيس الجمهورية في المرحلة الانتقالية “لضمان سرعة التحرك، ومواجهة أي أحداث في تلك المرحلة”.

الوثيقة حصرت جميع السلطات لدى الشرع بما فيها تعيين ثلث أعضاء مجلس الشعب ورئاسة مجلس الوزراء وتعيين أعضاء المحكمة العليا.

وأثارت هذه الوثيقة ردود فعل متباينة، بين من اعتبرها خطوة تكرّس إعادة إنتاج “حكم الفرد الواحد” وآخرين التمسوا فيه العديد من الإيجابيات.

لكن كيف ترى الأقليات وبقية المكونات والقوى السياسية هذا الإعلان؟ هل هو فعلاً وثيقة معتمدة لمرحلة انتقالية أم أنه تمهيد لسلطة شخص بات يمسك بكل مفاصل الدولة بيده؟

حسام ميرو، رئيس الحزب الدستوري السوري والمنسق العام لتحالف دعم الديمقراطية والحريات، قال من برلين إن الوثيقة التي أعلنها الشرع “تقترب أكثر من أن تكون صيغة دستور بدلاً من أن تكون إعلانًا دستوريًا”.

وأعتبر أن الإعلان الدستوري المفترض في هذه المرحلة الانتقالية يجب أن يتضمن فقط النقاط الأساسية التي تتعلق بتسيير شؤون الدولة بشكل مؤقت.

وأبدى ميرو استغرابه من أن الوثيقة التي أعلنها الشرع تحتوي على “نقاط دستورية معقدة ومثيرة للجدل”، مشيرًا إلى أنها تحتاج إلى نقاش واسع قبل أن يتم التوصل إلى توافق حولها.

وأكد أن الشرع كان من المفترض أن يعمل على توفير الظروف المناسبة لإجراء هذه النقاشات خلال المرحلة الانتقالية، لكي تتم مناقشتها والاتفاق عليها في مرحلة لاحقة.

وأضاف ميرو، في لقاء مع قناة الحرة، أن المجتمع السوري يتميز بتنوعه القومي، حيث يضم أكرادًا وآشوريين وتركمانًا وشركسًا وغيرهم من الفئات، التي عانت من التهميش والظلم خلال فترة حكم بشار الأسد. وكانت هذه الفئات تطالب بعد التغيير بأن يُعترف بوجودها في الدستور الجديد “كشعب على هذه الأرض”.

وأوضح ميرو أن الإعلان الدستوري الجديد أغفل هذه النقطة، وذلك من خلال الصياغة التي اعتمدها الشرع في تحديد هوية الدولة على أنها “الجمهورية العربية السورية”، بدلًا من تلبية المطالب بتحويل الاسم إلى “الجمهورية السورية”، كما كان الحال في السابق.

وأضاف أن هذا التوجه من الشرع سيبقي “نار الحرب الأهلية مشتعلة” بين هذه المكونات، التي قال إنها لا تجد لها تمثيلًا حقيقيًا في الدستور الجديد.

وأكد ميرو أن الدستور يجب أن يكون عقدًا تفاوضيًا قانونيًا بين جميع الأطراف، مشيرًا إلى أن الشرع لم يتبع الخطوات اللازمة لإدارة شؤون الدولة في المرحلة الانتقالية، والتي كان يجب أن تتضمن مرحلة تفاوضية بعد انهيار الدولة، تشمل التشاور مع كافة المكونات السياسية والقومية.

واستغرب ميرو من وجود بند في الوثيقة ينص على “المساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات”، متسائلًا عن كيفية تحقيق هذه المساواة بين مسيحي لا يستطيع التنافس على المناصب الحكومية وبين مواطن مسلم.

    الإعلان الدستوري للجمهورية العربية السورية#رئاسة_الجمهورية_العربية_السورية pic.twitter.com/w5rtpoxDER

    — رئاسة الجمهورية العربية السورية (@G_CSyria) March 13, 2025

وتتألف الوثيقة المؤقتة من أربعة أبواب و53 مادة، وترسم المسار الذي ستمضي عليه البلاد ورئيسها الانتقالي، الشرع على صعيد عملية التنفيذ والتشريع والقضاء.

وبموجب الإعلان، سيتولى الشرع عدة مهام، فبالإضافة إلى رئاسة الجمهورية، سيجمع مناصب رئيس الوزراء، والقائد العام للجيش والقوات المسلحة، ورئيس مجلس الأمن القومي.

ومنح الإعلان الدستوري، الشرع، القدرة على إعلان حالة الطوارئ بموافقة مجلس الأمن القومي الذي هو من يختار أعضاءه بنفسه. وله حق الاعتراض على القوانين التي يقرها البرلمان ولا يمكن كسر هذا الاعتراض إلا بأغلبية الثلثين.

كما أن للشرع صلاحية تشكيل لجنة عليا تختار ثلثي أعضاء البرلمان، إلى جانب الثلث الذي يعينه بشكل مباشر، وصلاحيات أخرى لتعيين قضاة المحكمة الدستورية.

وأبقى الإعلان الدستوري على “الفقه الإسلامي المصدر الأساسي” للتشريع والإسلام دين رئيس الدولة.

كما نصّ “على مجموعة كبيرة من الحقوق والحريات منها حرية الرأي والتعبير والإعلام والنشر والصحافة”، إضافة إلى “حق” المرأة “في المشاركة بالعمل والعلم وكفل لها الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والسياسية”.

ومن بين البنود التي تضمنها الإعلان الدستوري، “ضرورة تشكيل لجنة لكتابة دستور دائم”.

الحرة – واشنطن

————————————

إعلان دستوري لإدارة سوريا… والشرع: تاريخ جديد يستبدل الجهل والعذاب بالعلم والرحمة

جانبلات شكاي

عد 11 يوماً من تكليفه لجنة لصياغة مسودة الإعلان الدستوري، وقّع رئيس المرحلة الانتقالية في سوريا أحمد الشرع، أمس الخميس، في قصر الشعب، على الإعلان الدستوري.

وقال عقب تسلمه مسودة الإعلان: “نأمل أن يكون ذلك فاتحة خير للشعب السوري على طريق البناء والتطور، ونتمنى أن يكون هذا تاريخ جديد لسوريا نستبدل به الجهل بالعلم والعذاب بالرحمة”.

وتتوزع بنود الإعلان على أربعة أبواب. وهو نصّ على مبادئ عدة من أبرزها “الفصل المطلق” بين السلطات.

وتلا عضو لجنة صياغة الإعلان عبد الحميد العواك أبرز بنود المسودة خلال مؤتمر صحافي في القصر الرئاسي، بحضور الشرع ووزير الخارجية أسعد الشيباني.

وحدّد الاعلان الدستوري، وفق البنود التي تلاها العواك “المرحلة الانتقالية بخمس سنوات” على أن يتم “إحداث هيئة لتحقيق العدالة الانتقالية” بهدف “تحديد سبل المساءلة ومعرفة الحقائق وإنصاف الضحايا والناجين” في النزاع المدمّر الذي اندلع اعتبارا من عام 2011. وفيما يتعلق بعمل السلطات، جاء في الإعلان الدستوري “لأن مبدأ الفصل ما بين السلطات كان غائبا عن النظم السياسية، تعمّدنا اللجوء إلى الفصل المطلق بين السلطات” بعدما عانى السوريون “سابقا من تغوّل رئيس الجمهورية على باقي السلطات”.

ويعود للرئيس الانتقالي “تعيين ثلث” أعضاء مجلس الشعب الذي يتولّى “العملية التشريعية كاملة وبشكل منفرد”، حسب الإعلان الدستوري.

ووفق العواك، سيصار في المرحلة المقبلة إلى تشكيل هيئة عليا للانتخابات ستتولى الإشراف على انتخابات اختيار أعضاء مجلس الشعب.

ويتولّى رئيس الجمهورية السلطة التنفيذية، على أن يساعده الوزراء في مهامه، في خطوة، قال العواك إنها تشكل “خيارا مناسبا مبنيا على ضرورة سرعة التحرك لمواجهة أي صعاب أو أحداث في المرحلة الانتقالية”.

ومنح الإعلان الرئيس صلاحية استثنائية واحدة، وهي إعلان حالة الطوارئ. وأكد “استقلالية” السلطة القضائية و”منع إنشاء المحاكم الاستثنائية” التي عانى منها السوريون كثيرا في الحقبات الماضية.

وأبقى الاعلان الدستوري على “الفقه الإسلامي المصدر الأساسي” للتشريع والإسلام دين رئيس الدولة.

كما نصّ الاعلان الدستوري، وفق العواك، “على مجموعة كبيرة من الحقوق والحريات منها حرية الرأي والتعبير والإعلام والنشر والصحافة”، إضافة الى “حق” المرأة “في المشاركة بالعمل والعلم وكفل لها الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والسياسية”.

ومن بين البنود التي تضمنها الإعلان الدستوري “ضرورة تشكيل لجنة لكتابة دستور دائم”.

وأمل العواك أن يشكّل الإعلان الدستوري “رافعا ومعينا للدولة السورية أرضا وقيادة وشعبا في هذه المرحلة الانتقالية الممهدة لمزيد من الاستقرار”.

ولا يتيح الإعلان الدستوري، وفق ما قال العواك في مؤتمر صحافي عقده لاحقا، إمكانية عزل رئيس الجمهورية.

وقال ردا على سؤال صحافي إن “القضية الأساسية، لا يستطيع رئيس الجمهورية أن يعزل نائبا، ولا مجلس الشعب يعزل الرئيس، لأنه نظام رئاسي، هكذا هو نظامه، ومطبّق في أمريكا وفي تركيا والعديد من الدول”.

———————–

إيكونوميست: الوقت ينفد من الشرع وعليه مشاركة السلطة قبل أن تتفكك سوريا/ إبراهيم درويش

تحديث 14 أذار 2025

قالت مجلة “إيكونوميست” في افتتاحيتها، إن الوقت ينفد من رئيس سوريا أحمد الشرع، ويجب عليه التشارك في السلطة من أجل الحفاظ على وحدة بلاده.

ورأت المجلة أن سوريا شهدت أسوأ عنف طائفي منذ سقوط نظام بشار الأسد قبل ثلاثة أشهر، وربما منذ الهجمات الكيماوية على الغوطة الشرقية في عام 2013. وقد صُدم البلد الذي يشعر بوقع الديكتاتورية والحرب الأهلية.

ويُعتقد أن 800 شخص قُتلوا من مناطق الساحل السوري التي تعتبر معقل الطائفة العلوية التي تنتمي إليها عائلة الأسد.

وترى المجلة أن العنف يكشف عن المعضلة التي تواجه سوريا، والتي تتمثل في حكم البلد، فهل سيظل الحكم فيها مركزيا تتجمع السلطات في يد الحكومة المركزية التي ستكون قادرة على إرساء النظام والقانون، مع أن الرئيس أحمد الشرع، هو جهادي سابق وبالتزام مشكوك فيه لشمل الآخرين بمشروع بناء البلد؟ أم هل يجب على الأقليات الحفاظ على الأمن في المناطق التي تعيش فيها، حتى لو كان هذا على حساب تفكك البلد؟

وتعلق المجلة أن أسباب الأحداث الأخيرة لا تزال غامضة، وأفضل تكهن هو أن مقاتلين من الأقلية العلوية قاموا بمهاجمة  قوات الحكومة والمستشفيات. وردا على ذلك، سارعت ميليشيات سنية في قوافل ودخلت القرى والبلدات وقتلت مدنيين وأحرقت بيوتا، بحسب المجلة. وقالت إن الفيديوهات كشفت عن إجبار السكان على النباح كالكلاب قبل إطلاق النار عليهم.

وتعتقد المجلة أن الميليشيات السنية هي على الأرجح المسؤولة عن معظم القتل. والتفسير الخبيث هو أن الشرع لم يكن مستعدا للحد من قوة المتطرفين بين أنصاره. ولكن التفسير الأكثر سخاء هو أنه كان بطيئا في الرد على الأحداث، وحكومته ليست مسيطرة على الوضع. وتقول إن العنف في مناطق العلويين هو علامة على تفكك سوريا.

ففي شمال سوريا، للجماعات الكردية جيوبها الخاصة. وفي الجنوب، لميليشيات أخرى، بما فيها ميليشيات يقودها الدروز، مجال نفوذ. وتتدخل القوى الخارجية إما بذريعة حماية حدودها من الفوضى، أو لاغتنامها الفرصة للسيطرة على مستقبل سوريا. وتدعم إسرائيل الدروز، وتركيا تدعم الجماعات العربية السنية، وأمريكا تساند الأكراد.

ورغم دورها كأقوى منقذ لنظام الأسد المكروه، فلا تزال روسيا متكاسلة في الرد على أمل الاحتفاظ ببعض النفوذ، وربما الوصول إلى قواعدها الجوية والبحرية.

وتعلق المجلة أن الشرع حتى الآن كان مخيّبا للآمال. فخبرته السابقة كانت إدارة نظام غير ليبرالي في مدينة إدلب من خلال جماعته، هيئة تحرير الشام. وحتى الآن، يدير سوريا كزعيم ميليشيا. فقد تخلف عن المواعيد النهائية لتشكيل حكومة شاملة وإصدار إعلان دستوري وتعيين هيئة تشريعية، ولم يعبّر عن التزام بالقوانين العلمانية، ولم يظهر إلا تسامحا ضعيفا. ومع ذلك، فإن عيوب حكومته تعكس أيضا ضعف الدولة السورية. فهي لا تملك سوى عدد قليل نسبيا من القوات الخاضعة لسيطرتها المباشرة. كما أن الميليشيات العرقية المختلفة تتفوق على الجيش والشرطة عددا وعتادا.

وتحتاج سوريا حكومة مركزية، قادرة على استخدام سلطاتها لتفويض السلطات إلى المحافظات. وعلى الغرب رفع العقوبات الاقتصادية التي فرضها لمعاقبة نظام الأسد البغيض، والتي تسبب حاليا ضائقة مالية خانقة.

لكن المسؤولية تقع على عاتق الشرع، وفق ما ترى المجلة. ففي هذا الأسبوع وبعد المجازر، اتخذ بعض الخطوات الإيجابية. فقد شكّل لجانا للتحقيق في العنف الطائفي، ووقّع اتفاقية لاندماج قوات سوريا الديمقراطية في قوات الأمن السورية. ولكنه بحاجة لعمل المزيد، ويجب تطهير جيشه من المتطرفين ودعوة المزيد من المعتدلين للانضمام إليه بحيث يكون لديه قوة الرد ولا يظهر على أنه أداة القوة السنية. كما يجب عليه تشكيل مؤسسات ووضع جدول زمني للانتخابات التي قد تطمئن السوريين بأن الحكومة القوية لن تكون تعبيرا عن القوة السنية. وعليه تفويض المزيد من السلطات إلى المناطق.

فإعادة بناء سوريا هي لعبة ثقة، فلو اعتقد المزيد من الناس بأن هناك مستقبلا متناغما، ستزداد فرص تحقيق ذلك. لكن مجزرة أخرى في عهد الشرع قد تنهي هذه اللعبة.

وقالت المجلة إن الأحداث التي جرت في 6 آذار/ مارس، حوّلت مناطق في الغرب السوري إلى “محور كارثة” حيث انتشرت الجثث في الشوارع، وفرّ الناس إلى الغابات أو إلى لبنان. وتقول إن الشرع يبدو أنه متردد بين ماضيه الجهادي وحاضره كرئيس، مشيرة إلى الفيديو الذي أصدره في أول يوم من الأحداث حيث حفل بالإشارات الدينية، وأجج فيه الصراعات وأشاد بـ”مقاتلينا الشرفاء”.

لكن مع تصاعد التوتر في البلاد، غيّر الشرع مساره بمهارة. ففي خطاب مصور ثان بعد يومين، تظاهر بأنه زعيم أمة، لا زعيم طائفة. ولأول مرة منذ توليه السلطة، عيّن علويين في مناصب قيادية وضمّهم إلى لجنتين: إحداهما للتحقيق في أعمال العنف، والأخرى لاستعادة “السلم الأهلي”.

وتبع ذلك في اليوم التالي، إعلان الاتفاق على دمج قوات سوريا الديمقراطية بقوات الأمن الحكومية. وهناك اتفاق محتمل مع الدروز الذين تحاول إسرائيل إغراءهم. ودعا الشرع في 11 آذار/ مارس الأئمة على حفل إفطار رمضاني ودعاهم للحديث عن المساواة بين كل الطوائف السورية في خطبهم ودروسهم الدينية. وكان من بين الحضور، صديق طفولته الشيخ أبو الخير شكري.

والتحدي أمام الشرع هو قدرته على الحفاظ على وحدة البلاد التي كانت قبل خمسة أيام على حافة الانهيار. فقد فتح العنف في الساحل السوري جراح الطائفية التي وعد الشرع بعلاجها.

وتشير المجلة إلى أن العلويين كانوا خائفين، حيث دعا مدير إذاعة دمشق الذي عيّنه الشرع لرميهم في البحر. وقد اعتبر قادة الشرع الساحلَ السوري منطقة عسكرية، وفرّ الكثير من العلويين وطلبوا حماية الخارج وحاولوا الدخول للقواعد الروسية هناك.

وفي دمشق ومدن أخرى، تخشى الأقليات أن يحول الجهاديون أنظارهم إليها. ويذكرهم سلوك الشرع الهادئ ببشار الأسد. ولا يزال الكثيرون يخشون أن يكون رئيسهم الجديد مجرد “إرهابي” يرتدي بدلة رسمية.

ولتسهيل توزيع الوظائف والمساكن على السنة، قام الشرع بحل القوات المسلحة القديمة وتطهير الخدمة المدنية وطرد المسؤولين السابقين من منازلهم الحكومية. وكما هو الحال مع اجتثاث البعث في العراق، فإن هذا يردع الأقليات عن تسليم أسلحتها ويؤجج دعم الثورة. وترى المجلة أن إرضاء السنة والأقليات هو تحد كبير وصعب.

فلو أراد الشرع السيطرة على المتطرفين، فإنه بحاجة لبدء العدالة الانتقالية التي تردد في القيام بها حتى الآن. وعليه التأكد من عودة العلويين الذين لم يشاركوا في فظائع النظام السابق إلى أعمالهم وحياتهم الطبيعية. وحتى ينجح في مهمته، فهو بحاجة للمال الذي لا يتوفر لديه الآن، بسبب العقوبات.

فعندما سيطر على الحكم، لم يكن لدى الدولة قوة عاملة، وبدون مال لدفع الرواتب سيظل يواجه مشكلة من المتشددين الذين سيتحدّون الجيش ويتعاملون مع الأقليات كغنيمة حرب. وفي النهاية، فهو بحاجة لتقاسم السلطة مع مكونات البلاد الأخرى. وبدون ذلك، سيفقد الشرع الثقة الوطنية، وسيفاقم تدهور الاقتصاد من مشاكله.

القدس العربي

—————————————-

رئيس لجنة الإعلان الدستوري السوري، عبد الحميد العواك: أؤيد انتخاب هيئة تأسيسية للدستور.. وسوريا تحتاج لوقت أطول لبناء مؤسساتها

2025.03.15

أكد رئيس لجنة الإعلان الدستوري السوري، عبد الحميد العواك، أن مادة الفقه الإسلامي في الدستور لا تشكل خطراً، ولا تغيير لهوية الدولة السورية، مشدداً على أن اللجنة التي يترأسها هي “لجنة فنية معيّنة بلا تفويض مباشر من الشارع السوري”.

وفي حديثه لقناة “العربية”، أوضح العواك أن اللجنة رأت ضرورة “إبقاء وضع الدولة على ما هو عليه في ظل مخاوف دينية لدى البعض”، مشدداً على أهمية التفكير في الدستور القادم لأنه “هو من سيجد الحلول للدولة السورية”.

وفيما يتعلق بآلية صياغة الدستور، أيد العواك “تشكيل هيئة تأسيسية منتخبة لوضع الدستور”، مشيراً إلى أن “خطاب النصر فوّض رئيس الجمهورية بتعيين مجلس الشعب”، كما كشف أن “المحكمة الدستورية التي عينها نظام الأسد لا تزال موجودة”.

وأشار العواك إلى أن رئيس الجمهورية “هو صاحب السلطة الوحيدة حالياً بتفويض من مجلس قيادة الثورة”، موضحاً أن “النظام الرئاسي هو ما يمنح رئيس الجمهورية صلاحيات واسعة”. كما رأى أن “سوريا تحتاج لضعف المدة المذكورة في الإعلان لبناء مؤسساتها الدستورية”.

الإعلان الدستوري في سوريا

وأمس الخميس، صدّق الرئيس أحمد الشرع على الإعلان الدستوري للجمهورية العربية السورية، الذي حدد فترة المرحلة الانتقالية بخمس سنوات.

واستهل الإعلان دستوره بمقدمة مطولة تستعرض “الحقبة السوداء” التي عاشها السوريون تحت حكم حزب “البعث” الشمولي لمدة ستة عقود، والتي شهدت احتكاراً للسلطة وقمعاً للحريات وتحويل القانون إلى أداة للاستعباد.

وتصف المقدمة ثورة الشعب السوري المطالب بالحرية والكرامة، والتي واجهها النظام بـ “القتل الممنهج، والتدمير الشامل والتعذيب الوحشي والتهجير القسري، والحصار الجائر، والاستهداف المباشر للمدنيين”، مؤكدة أن هذه الجرائم ترقى إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وجريمة إبادة جماعية.

وقالت لجنة صياغة الإعلان الدستوري إنه تقرر حصر السلطة التنفيذية بيد رئيس الجمهورية في المرحلة الانتقالية لضمان سرعة التحرك ومواجهة أي أحداث في تلك المرحلة.

ونصَّ الإعلان الدستوري المؤلف من 4 أبواب، على الفصل المطلق بين السلطات، وأكد على جملة من الحقوق والحريات الأساسية في البلاد، بينها حرية الرأي والتعبير، وحق المرأة في العمل والمشاركة.

كما ينص الإعلان الدستوري على أنه يحق للرئيس الانتقالي تعيين ثلث أعضاء مجلس الشعب الذي سيتولى العملية التشريعية كاملة وبشكل منفرد.

——————————

 سوريا.. أول تعليق للهجري على الإعلان الدستوري الذي صادق عليه الشرع

الحرة – واشنطن

15 مارس 2025

وصف الرئيس الروحي للطائفة الدرزية في سوريا حكمت الهَجري، السبت، الإعلان الدستوري الصادر عن السلطات المؤقتة بأنه “غير منطقي”.

وقال الهَجري في تصريحات أدلى بها في السويداء إن “ثوابتنا الوطنية هي نفسها، ولكن الأمور وعندما بدأت تصل لحد عدم التفكير المضبوط بما يخص مصير هذا البلد، فلا بد أن نتدخل”.

وشدد الهجري أن الدروز “طُلّاب سلام.. لا نتعدى على أحد ولا حد يتعدى علينا”، مضيفا أنهم “مع وحدة أرض وشعب سوريا وبناء دولة ديمقراطية دستورية”.

واتهم الهجري جهات لم يسمها بمحاولة “الإيحاء أنهم نجحوا في إيقاع خلاف داخلي على مستوى الطائفة والمنطقة”، مردف بالقول “لكنهم لن يتمكنوا من ذلك”.

    “الإعلان الدستوري غير منطقي.. ونحن طلّاب سلام”.. سماحة الشيخ حكمت الهجري الرئيس الروحي لطائفة الموحدين الدروز خلال استقباله وفوداً شعبية في دارة قنوات اليوم السبت، توافدت تأييداً لمواقفه..#السويداء_24 pic.twitter.com/e33O5kkLIC

    — السويداء 24 (@suwayda24) March 15, 2025

يأتي انتقاد الهجري للإعلان الدستوري بعد أيام من تصريحات حادة اللهجة أطلقها تجاه إدارة رئيس المرحلة الانتقالية أحمد الشرع وصفها فيها بأنها “مطلوبة للعدالة الدولية” وبأنها “متطرفة بكل معنى الكلمة.”

وكانت الإدارة الذاتية الكردية انتقدت، الخميس، الإعلان الدستوري الذي وقعه الرئيس الانتقالي أحمد الشرع، معتبرة أنه “يتنافى” مع تنوع سوريا ويضم بنودا تتشابه مع حقبة حكم حزب البعث.

وصادق الشرع، على المسودة الخاصة بـ”الإعلان الدستوري” التي صاغتها لجنة كان كلفها بهذه المهمة، قبل أسبوع.

وجاءت المصادقة، التي أخذت صيغة التوقيع الرسمي، في قصر الشعب بدمشق، الأربعاء، وتلت استعراض قدمه عضو لجنة صياغة “الإعلان الدستوري”، عبد الحميد العواك لأبرز النصوص والأبواب.

وتقضي مسودة “الإعلان الدستوري” بأن يتولى مجلس الشعب العملية التشريعية كاملة والسلطة التنفيذية يتولاها رئيس الجمهورية.

وفي ما يتعلق بعمل السلطات، جاء في الإعلان الدستوري “لأن مبدأ الفصل ما بين السلطات كان غائبا عن النظم السياسية، تعمّدنا اللجوء إلى الفصل المطلق بين السلطات” بعدما عانى السوريون “سابقا من تغوّل رئيس الجمهورية على باقي السلطات”.

وبحسب الإعلان الدستوري، يعود للرئيس الانتقالي “تعيين ثلث” أعضاء مجلس الشعب الذي يتولّى “العملية التشريعية كاملة وبشكل منفرد”.

وحدد الإعلان الدستوري مدة المرحلة الانتقالية بخمس سنوات، ومنحت الرئيس أحمد الشرع حق إعلان حالة الطوارئ، جزئيا أو كليا، وبموافقة “مجلس الأمن القومي”.

الحرة – واشنطن

——————————————-

الإعلان الدستوري السوري يلقى رفضاً كردياً وسريانياً/ سلام حسن

15 مارس 2025

شهد الإعلان الدستوري الذي وقّعه الرئيس السوري أحمد الشرع، أول من أمس الخميس، رفضاً شعبياً ورسمياً من الأكراد السوريين والسريان. ويتألف الإعلان من مقدمة و53 مادة، صاغته لجنة دستورية مختصة. وعلى الصعيد الشعبي، شهدت عدة مدن سورية ذات غالبية كردية وقفات احتجاجية، مثل تلك التي جرت أمس الجمعة في عامودا والقامشلي والحسكة. أما على المستوى الرسمي، فقد صدرت عدة بيانات وتصريحات من مجالس وأحزاب وقيادات سياسية فاعلة تندد وتحتج وترفض أغلب بنود الإعلان الدستوري، ولا سيما ما يتعلق بديانة رئيس الجمهورية، واللغة الرسمية للبلاد، واسم الجمهورية.

رفض من المجلس الوطني الكردي وقياداته

وقال شلال كدو، رئيس حزب الوسط الكردي في سورية وعضو الأمانة العامة للمجلس الوطني الكردي، لـ”العربي الجديد”: “لا شك أن الإعلان الدستوري في سورية جاء تكريساً لنهج الإقصاء، ويؤسس لدولة مركزية بحتة، مما يؤدي إلى استبعاد الآخرين وإرساء حكم استبدادي”. وأضاف كدو، أنّ “السوريين عندما خرجوا بثورة عظيمة وقدموا مئات الآلاف من الشهداء، وتهجر الملايين داخلياً وخارجياً، لم يكن هدفهم استبدال ديكتاتور بآخر”. وأكد أن “مكونات الشعب السوري كافة كانت ولا تزال تهتف من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان والمساواة بين الرجل والمرأة، مطالبةً بنظام ديمقراطي برلماني يمنح مختلف أطياف المجتمع حقوقها”.

واستدرك كدو قائلاً: “لكن الإعلان الدستوري الصادر الخميس، والمُقر من قبل رئيس الجمهورية، يكرس نهج الاستبداد ولا يعترف بالآخر المختلف، سواء كان إثنياً أو ثقافياً أو دينياً، بل يرسخ الدين الواحد من خلال اشتراط ديانة رئيس الجمهورية، ما يجعل بعض الفئات الدينية في سورية مواطنين من الدرجة الثانية. فمثلاً، لا يحق لغير المسلم أن يطمح إلى منصب رئيس الجمهورية، وهذا يكرس التفرقة المقيتة بين السوريين على أساس الدين أو العرق”.

الشرع خلال تسلّمه نص الإعلان الدستوري في دمشق، 13 مارس 2025 (بكر القاسم/فرانس برس)

ودعا كدو السوريين بمختلف أطيافهم السياسية والاجتماعية إلى التوحد وممارسة أقصى الضغوط السياسية والسلمية لتغيير هذا الإعلان الدستوري، خصوصاً أنه حدد المرحلة الانتقالية بخمس سنوات، في حين أن المراحل الانتقالية عند تغيير الأنظمة لا تتجاوز ستة أشهر إلى سنة في مختلف أنحاء العالم، وفق قوله. ورأى كدو أن “هذا الإعلان الفريد من نوعه في سورية، يسعى إلى تحديد ملامح المستقبل بناءً على أسس مرفوضة من مختلف مكونات الشعب السوري وأطيافه السياسية”.

في السياق، قال بيان أصدره المجلس الوطني الكردي عبر موقعه الرسمي، الجمعة: “فوجئنا بالإعلان الدستوري الصادر في دمشق يوم 13 مارس/ آذار 2025، والذي جاء مخيباً للآمال، بعيداً عن التطلعات نحو بناء دولة ديمقراطية تعكس التنوع الحقيقي للمجتمع السوري”. وأكد البيان أن المجلس يرى في الإعلان الدستوري خطوة نحو ترسيخ الأحادية والاستئثار بالسلطة، متجاهلًا الطبيعة التعددية لسورية وهويتها بصفتها دولة متعددة القوميات والأديان، حيث لم يضمن الحقوق القومية والدينية لمكوناتها، بل ثبت هوية قومية واحدة في تسمية الدولة، في إقصاء واضح لغيرها من المكونات.

وأضاف أن الإعلان خالف مبدأ تحييد الدولة عن الأديان، من خلال اشتراط ديانة رئيس الجمهورية، مما يتعارض مع أسس المواطنة المتساوية التي يجب أن تكون أساس أي نظام ديمقراطي. وختم البيان بتأكيد التزام المجلس بالنضال من أجل حل ديمقراطي عادل للقضية الكردية، باعتبارها قضية شعب أصيل، في إطار سورية لا مركزية تضمن حقوق جميع أبنائها وتحقق العدالة والمساواة بينهم.

“الإدارة الذاتية” و”مجلس سوريا الديمقراطية” وقياداته يرفضون الإعلان الدستوري

وبرزت أيضاً مواقف رافضة للإعلان الدستوري من “الإدارة الذاتية” في شمال وشرق سورية، ومن “مجلس سوريا الديمقراطية” وقياداته البارزة. وقال محمد موسى، سكرتير الحزب اليساري الكردي في سورية (أحد الأحزاب المشكلة للإدارة الذاتية)، لـ”العربي الجديد”: “الإعلان الدستوري من حيث المبدأ هو تكريس للفردية والاستبداد وإنكار للتنوع ولوجود الأكراد وكافة المكونات الأخرى”. وأضاف موسى: “هذا الإعلان يكرس الاستبداد ولوناً واحداً لمستقبل سورية الجديدة، لذلك نرفضه جملةً وتفصيلاً، ولا يمكن البناء عليه في المستقبل. كما أن المقدمات الخاطئة تؤدي حتمًا إلى نتائج خاطئة”. ورغم أن الإعلان يعتبر مؤقتاً لمدة خمس سنوات، شدد موسى على أنه ليس بالأمر السهل، مؤكداً أن “رد الفعل السياسي والجماهيري من قبل المكونات السورية سيكون سلبياً ورافضاً بالمطلق، والأيام القادمة ستكشف ذلك”.

وفي سياق متصل، نشر بدران جيا كرد، الرئيس المشترك لدائرة العلاقات الخارجية في “الإدارة الذاتية”، منشوراً على منصة إكس، الجمعة، قال فيه: “قبل أيام، وقع اتفاق بين الجنرال مظلوم عبدي، قائد قوات سوريا الديمقراطية، والسيد أحمد الشرع في دمشق، بهدف إنهاء الصراعات بطرق سلمية عبر الحوار والمشاركة الفعلية لجميع السوريين، ولا سيما مكونات شمال شرق سورية، في العملية السياسية”. وأضاف: “لكننا فوجئنا لاحقاً بالإعلان الدستوري الذي صُدِّق عليه ونُشر، دون أي مشاركة أو تمثيل حقيقي للمكونات السورية، مما يتعارض مع الاتفاق المبرم قبل أيام ويجعله أمرًا غير مقبول”.

وأضاف أنّ “محتوى الإعلان جاء إقصائياً وأحادي اللون، ولا يعكس تنوع المجتمع السوري وطموحاته وحقوقه المشروعة، بل يعيد إنتاج ممارسات نظام استبدادي سابق. لذا، من الضروري إعادة النظر في اللجنة الدستورية وإيقاف عملها، والعمل على إعادة تشكيلها لضمان تمثيل جميع السوريين”.

من جهتها، أصدرت “الإدارة الذاتية”، الخميس، بياناً، جاء فيه: “بعد أشهر من سقوط النظام البعثي، وفرحة السوريين بثورتهم ضد القمع، صدر في دمشق ما يسمى بالإعلان الدستوري، الذي جاء مماثلاً لسياسات البعث السابقة”. وأضاف البيان: “هذا الإعلان يتنافى مع واقع سورية المتنوع، وهو تزوير لهويتها الوطنية، حيث يخلو من بصمة أبناء سورية من الكرد والعرب والسريان والآشوريين وغيرهم من المكونات”. وأكدت “الإدارة الذاتية” أن “الإعلان يفتقر إلى معايير التنوع الوطني السوري، ويتجاهل المشاركة الفعلية لمكوناته، مما يعبر عن عقلية فردية تمثل امتداداً للنظام السابق”، وفق البيان.

رفض من حزب الاتحاد السرياني

بدوره، اعتبر حزب الاتحاد السرياني، الجمعة، أن الإعلان الدستوري يمهد لمرحلة غير مستقرة، ولا يحقق الانتقال السياسي المطلوب في سورية. وجاء في بيان الحزب: “في خطوة جديدة للحكومة المؤقتة في دمشق، واستمراراً لتكريس الإقصاء والتهميش، أصدر الرئيس السوري للمرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، الإعلان الدستوري الخميس”.

وأكد البيان أن “الإعلان يجب أن يكون مرحلة لبناء الثقة والسلم الأهلي، وتكريس العدالة الانتقالية وفق شراكة حقيقية بين جميع المكونات”. واعتبر الحزب أن “الإعلان جاء امتداداً لتوجهات السلطة الحاكمة، واستمراراً للمفاهيم السابقة التي تبناها النظام السابق، ضارباً بعرض الحائط تطلعات السوريين وأهداف ثورتهم نحو الديمقراطية والعدالة واحترام حقوق الإنسان”، بحسب البيان.

——————————–

الإعلان الدستوري السوري: مخاوف إزاء إدارة المرحلة الانتقالية

تقارير عربية

14 مارس 2025

يمنح الإعلان الدستوري، الذي أقرته دمشق أمس الخميس، سلطات مطلقة للرئيس أحمد الشرع في إدارة المرحلة الانتقالية، وفق ما يقول خبراء، من دون أن يلبي تطلعات الأقليات، على رأسهم الأكراد الذين أبدوا خشيتهم من إعادة انتاج “نظام استبدادي”.

وإقرار الإعلان الدستوري إحدى الخطوات التي تعهد الشرع القيام بها في إطار مساعيه لتكريس سلطته في المرحلة الانتقالية، منذ إطاحة حكم بشار الأسد، بعد نحو 14 عاماً من نزاع دامٍ ومدمّر. ووقع الشرع، أمس، على إعلان دستوري من 53 مادة، حدّد المرحلة الانتقالية بخمس سنوات، ومنح الرئيس الانتقالي سلطات مطلقة في تشكيل السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، رغم تبنيه في الوقت نفسه مبدأ “الفصل بين السلطات”.

ويقول الأستاذ في القانون الدستوري سام دلة لوكالة فرانس برس إن الوثيقة “لا تؤسس لمرحلة سياسية جديدة” في البلاد. ويشرح أن “الإعلان الدستوري منح سلطات مطلقة لرئيس المرحلة الانتقالية في تكوين كافة السلطات، مع توقيع على بياض في اتخاذ القرارات” خلال المرحلة الانتقالية، التي تعادل “مدة حكم كاملة من دون الاستناد إلى أي شرعية انتخابية”.

ويكرس الإعلان الدستوري “إقامة نظام رئاسي لا يصلح لإدارة مرحلة انتقالية”، وفق دلة الذي شغل عام 2012 منصب المتحدث باسم لجنة صياغة دستور 2012، قبل مغادرته سورية. وبحسب بنود الوثيقة التي نشرتها الرئاسة، يعين رئيس الجمهورية “ثلث أعضاء مجلس الشعب”، ويشكل كذلك “لجنة عليا” تشرف على تشكيل هيئات فرعية “لانتخاب ثلثي أعضاء مجلس الشعب” المتبقين. ويعود له أن يتولى مع الوزراء الذين يعيّنهم “السلطة التنفيذية”، ما يعني استبعاد منصب رئاسة الحكومة.

ورغم تأكيد الوثيقة أن السلطة القضائية “مستقلة”، إلا أنها منحت رئيس الجمهورية حق تسمية أعضاء المحكمة الدستورية العليا، التي يفترض أنها تشكل المرجعية القضائية الأعلى في البلاد. ويسأل دلة: “إذا كان الرئيس هو من يختار أعضاء مجلس الشعب بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.. ويعين الوزراء ويقيلهم، ويعين أعضاء المحكمة الدستورية وحده، من دون ضمان استقلاليتها بتعدد مصادر تسميتها، فماذا ترك من مبدأ الفصل بين السلطات؟”.

ويستنتج أن “كل ما يتعلق بالتوازن بين السلطات والفصل بينها غير موجود”، معرباً عن اعتقاده بأن الإعلان الحالي “يعيد إنتاج النظام السابق مع سلطات أوسع بيد الرئيس (..)، ولا يقدّم أي ضمانات لانتقال ديمقراطي نحو مرحلة جديدة”. ويضيف “إنه إعلان دستوري مفصّل على قياس الإدارة الجديدة”.

“ديكتاتورية جديدة”

وفي موازاة تشريعه مركزية السلطة، يتغاضى الإعلان الدستوري، الذي سيشكل مرجعية حتى وضع دستور جديد تُجرى الانتخابات التشريعية على أساسه، عن قضايا عدة بينها اللامركزية، وتوجيه إشارات طمأنة إلى مكونات سورية أملت أن تؤدي دوراً في بناء سورية ما بعد الأسد. وجاءت المصادقة على الإعلان الدستوري بعد محطتين، الأولى أعمال العنف الدامية في الساحل السوري التي أوقعت 1476 قتيلاً مدنياً غالبيتهم علويون، قضوا على أيدي عناصر الأمن العام ومجموعات رديفة، وفق آخر حصيلة للمرصد السوري لحقوق الانسان. وشكل ذلك اختباراً مبكراً للشرع الذي كان تعهد بالحفاظ على “السلم الأهلي” بعيداً عن منطق “الانتقام”.

والمحطة الثانية هي توقيع الشرع اتفاقاً مع الأكراد يقضي بـ”دمج” مؤسسات إدارتهم الذاتية في إطار الدولة السورية، لكن الأكراد الذين استبعدتهم السلطة من مؤتمرات ولجان شكلتها خلال الأسابيع الماضية كانوا أول من سارع إلى رفض الإعلان الدستوري، ونددوا بـ”محاولة لإعادة إنتاج الديكتاتورية”.

ودعوا في بيان، اليوم الجمعة، إلى “إعادة صياغة الإعلان بما يضمن توزيع السلطة بشكل عادل.. والاعتراف بحقوق جميع المكونات السورية، واعتماد نظام حكم لامركزي ديمقراطي”. ونص الإعلان الدستوري، الذي لم يتضمن أي من بنوده كلمة ديمقراطية، على أن “الفقه الإسلامي… المصدر الرئيس” للتشريع، بعدما كان سابقاً مصدراً أساسياً للتشريع. كما يحدد أن الاسلام هو دين رئيس الدولة، من دون أن يتضمن توافر شروط أخرى. ويجعل من العربية “اللغة الرسمية” في “الجمهورية العربية السورية”.

ووقع الشرع الإعلان الدستوري، بينما جلس أعضاء لجنة الصياغة على يمينه، وجلس عن يساره عدد من شرعيي هيئة تحرير الشام، الفصيل الذي تزعمه الشرع وقاد الهجوم الذي أطاح الأسد.

قلق الأقليات

ويرى الأستاذ الجامعي في باريس تيغران يغافيان، بدوره، أن الأقليات “تشعر بقلق بالغ إزاء ما تؤول إليه الأمور، إذ إن المؤشرات كافة تشير إلى عملية تحول تدريجي.. إلى الجمهورية الإسلامية السورية”، معتبراً ذلك بمثابة “صفعة لخطاب يروّج للتنوع والشمول”. ويضيف: “من الواضح أن الأمر الوحيد الذي يمكن أن يطمئن الأقليات، التي تشعر بأنها مهددة من النظام الجديد، هو نوع من الفيدرالية، مع ضمان استقلالية في التعليم والمحاكم”.

الشرع مستقبلاً أعضاء لجنة الإعلان الدستوري السوري (سانا)

وخلال توقيعه الاعلان الدستوري في القصر الرئاسي، قال الشرع الخميس: “هذا تاريخ جديد لسورية، نستبدل فيه الظلم بالعدل”، آملاً أن يكون “فاتحة خير للأمة السورية على طريق البناء والتطور”. ويذكّر المحامي طارق الكردي، أحد أعضاء اللجنة الدستورية التي أنشأتها الأمم المتحدة في جنيف لوضع دستور جديد، لـ”فرانس برس”، بأن “الإعلان الدستوري جاء في مرحلة صعبة تمر بها سورية بعد 54 سنة من الديكتاتورية، و14 سنة من حرب مدمرة شنها نظام الأسد على الشعب السوري”.

ويضيف: “تتعيّن مقاربته من نظرة واقعية، إذ لا تمكن مقارنته بدساتير في دول تنعم بظروف طبيعية ومستقرة لفترات طويلة”، موضحاً أن “تحديات أو ثغرات قد تنشأ عند بدء التنفيذ، وسيكون حينها مطلوباً من السلطة التشريعية أن تبادر فوراً الى تطويره”. ويختم: “العربة انطلقت والمرحلة الانتقالية بدأت، والمطلوب حالياً حوار بين كل الأطراف لتمتين الوحدة الوطنية بين السوريين”.

(فرانس برس)

——————–

الهجري: الإعلان الدستوري غير منطقي.. ولا بد أن نتدخل

السبت 2025/03/15

وصف الرئيس الروحي لطائفة الموحدين الدروز في سوريا حكمت الهَجري، السبت، الإعلان الدستوري الصادر عن الإدارة السورية الجديدة، بأنه “غير منطقي”.

وقال الهَجري في تصريحات أدلى بها في السويداء، إن “ثوابتنا الوطنية هي نفسها، ولكن الأمور وعندما بدأت تصل لحد عدم التفكير المضبوط بما يخص مصير هذا البلد، فلا بد أن نتدخل”.

وشدد الهجري على أن الموحدين الدروز “طُلّاب سلام.. لا نتعدى على أحد ولا حد يتعدى علينا”، مضيفا أنهم “مع وحدة أرض وشعب سوريا وبناء دولة ديمقراطية دستورية”. واتهم جهات لم يسمها، بمحاولة “الإيحاء بأنهم نجحوا في إيقاع خلاف داخلي على مستوى الطائفة والمنطقة”، وقال: “لكنهم لن يتمكنوا من ذلك”.

انتقاد بعد اتفاق

ويأتي انتقاد الهجري للإعلان الدستوري بعد يومين من تصريحات حادة اللهجة أطلقها تجاه إدارة رئيس المرحلة الانتقالية أحمد الشرع، وصفها فيها بأنها “مطلوبة للعدالة الدولية” وبأنها “متطرفة بكل معنى الكلمة”.

كما يأتي بعد أيام على توقيع الإدارة السورية الجديدة، “وثيقة تفاهم” مع الهجري، تتضمن عدداً من البنود، بينها دمج الضباط والمجندين وكافة الفصائل في السويداء، في وزارة الدفاع السورية.

وتقول الوثيقة إن الدولة تتعهد بتفعيل الضابطة العدلية فوراً، وتفعيل الملف الشرطي والأمني ضمن وزارة الداخلية. كما تنص على تعهد الإدارة السورية بتنظيم الأفراد المنشقين وكافة الفصائل المسلحة في وزارة الدفاع، وإعادة النظر بجميع المفصولين عن العمل قبل تاريخ سقوط نظام الأسد، مع “أولوية التوظيف لمن تم فصلهم تعسفياً”.

وتتعهد الإدارة السورية بإصلاح المؤسسات التابعة للدولة مالياً وإدارياً، والإسراع في تعيين أعضاء المكتب التنفيذي المؤقت لقضاء حوائج الموظفين.

انتقاد كردي للإعلان

وكانت الإدارة الذاتية الكردية قد انتقدت، الخميس، الإعلان الدستوري الذي وقعه الرئيس الانتقالي أحمد الشرع، معتبرة أنه “يتنافى” مع تنوع سوريا ويضم بنودا تتشابه مع حقبة حكم حزب البعث.

وصادق الشرع، على المسودة الخاصة بـ”الإعلان الدستوري” التي صاغتها لجنة كان كلفها بهذه المهمة، قبل أسبوع. وجاءت المصادقة، التي أخذت صيغة التوقيع الرسمي، في قصر الشعب بدمشق، الأربعاء، وتلت استعراض قدمه عضو لجنة صياغة “الإعلان الدستوري”، عبد الحميد العواك لأبرز النصوص والأبواب.

وتقضي مسودة “الإعلان الدستوري” بأن يتولى مجلس الشعب العملية التشريعية كاملة والسلطة التنفيذية يتولاها رئيس الجمهورية.

وفي ما يتعلق بعمل السلطات، جاء في الإعلان الدستوري “لأن مبدأ الفصل ما بين السلطات كان غائبا عن النظم السياسية، تعمّدنا اللجوء إلى الفصل المطلق بين السلطات” بعدما عانى السوريون “سابقا من تغوّل رئيس الجمهورية على باقي السلطات”.

وبحسب الإعلان الدستوري، يعود للرئيس الانتقالي “تعيين ثلث” أعضاء مجلس الشعب الذي يتولّى “العملية التشريعية كاملة وبشكل منفرد”.

وحدد الإعلان الدستوري مدة المرحلة الانتقالية بخمس سنوات، ومنحت الرئيس أحمد الشرع حق إعلان حالة الطوارئ، جزئياً أو كلياً، وبموافقة “مجلس الأمن القومي”.

————————-

الإعلان الدستوري يجرم تمجيد الأسد.. ما العقوبات؟/ هاني كرزي

تحديث 15 أذار 2025

وقّع الرئيس السوري للمرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، مسودة الإعلان الدستوري بعد تسلّمه من لجنة الخبراء المكلفة بصياغته، الخميس 13 من آذار.

وقال الشرع، عقب توقيعه على المسودة، “نتمنى أن يكون هذا تاريخ جديد لسوريا نستبدل به الجهل بالعلم والعذاب بالرحمة”.

تفاعل مع “المادة 49”.. ما بنودها؟

“المادة 49” من الإعلان الدستوري، حظيت بتفاعل كبير من السوريين، ولا سيما أن جوهرها الأساسي قائم على اعتبار، تمجيد نظام الأسد المخلوع ورموزه، وإنكار جرائمه أو الإشادة بها أو تبريرها أو التهوين منها، جرائم يعاقب عليها القانون.

وتضمنت “المادة 49” من الإعلان الدستوري ثلاث فقرات، ونصت الأولى على: إحداث هيئة لتحقيق العدالة الانتقالية تعتمد آليات فاعلة تشاورية مرتكزة على الضحايا، لتحديد سبل المساءلة والحق في معرفة الحقيقة، وإنصاف للضحايا والناجين، بالإضافة إلى تكريم الشهداء.

الفقرة الثانية: تستثنى جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وجريمة الإبادة الجماعية وكل الجرائم التي ارتكبها النظام البائد، من مبدأ عدم رجعية القوانين.

أما الفقرة الثالثة: تجرّم الدولة تمجيد نظام الأسد البائد ورموزه، ويعد إنكار جرائمه أو الإشادة بها أو تبريرها أو التهوين منها، جرائم يعاقب عليها القانون.

تعليقًا على “المادة 49” قال الصحفي السوري محمد منصور، عبر “فيس بوك”، “كل الإعلان الدستوري بكفة، ومادة تجريم تمجيد نظام الأسد ورموزه وإنكار جرائمه أو التقليل منها بكفة، هي المادة الوحيدة التي عبرت عن رغبة الشعب وتطلعات الشعب وأغلى ما يريده الشعب… باقي المواد أغلبها عبرت عن تطلعات اللجنة في التقرب من السيد الرئيس. وعلى قولة المثل: على طرف لساني ولا تنساني!”.

في حين قال المحلل السياسي السوري قحطان الشرقي، عبر “فيس بوك”، “من قمع الحريات إلى محاسبة الجلاد، في عام 1980: أصدر حافظ الأسد (القانون 49)، الذي قضى بتجريم وإعدام كل من ينتمي لجماعة الإخوان المسلمين في سوريا، أما في عام 2025: نص الإعلان الدستوري الجديد في المادة 49 على تجريم تمجيد نظام الأسد ورموزه، ويعتبر إنكار جرائمه أو تبريرها جريمة يعاقب عليها القانون”.

ما عقوبة تمجيد الأسد؟

الإعلان الدستوري تحدث عن تجريم كل من يمجد النظام السوري السابق ورموزه، لكنه لم يتحدث عن العقوبات التي ستقع على مرتكبي هذا الجرم.

وقال المحامي عارف الشعال لعنب بلدي، إن “المادة 49” المرتبطة بتجريم تمجيد الأسد ورموزه، تلقي على مجلس الشعب واجب سنَّ قانون لتطبيقها، وهذا القانون الذي سيصدر سيحدد أركان هذه الجرائم وما عقوباتها.

بدوره قال المحامي أكرم جنيد، لعنب بلدي، إن نوع العقوبات التي ستُفرض على من يقومون بتمجيد النظام السابق ورموزه، ستحدد وفق قانون العقوبات الذي سيصدر لاحقًا.

وأضاف جنيد أن تمجيد الأسد ورموزه يعتبر جريمة جنحية، وعقوبتها بالدرجة الأولى قد تكون غالبًا السجن لمدة ستة أشهر، وفرض غرامة مالية قدرها 500 دولار، مشيرًا إلى أن العقوبة ستتضاعف في حال تكرار الشخص وإصراره على تمجيد الأسد، أو كان تصرفه متزامنًا مع جريمة أخرى ضد الدولة أو مؤسساتها.

ولفت جنيد إلى أن عقوبة تمجيد الأسد، قد تشمل تبعات أخرى على مرتكبها، كفصله من الوظيفة أو الحرمان من التوظيف وعدم حصوله على وثيقة غير محكوم.

فنانون مجّدوا الأسد بعد السقوط

عقب سقوط النظام سارع كثير من السوريين بمافيهم فنانون وسياسيون وإعلاميون عُرفوا بدعمهم للنظام أو التزامهم الصمت تجاه جرائمه، إلى تغيير مواقفهم وإدانة الأسد لارتكابه جرائم بحق السوريين، بينما أصرّ آخرون على الاستمرار بتمجيد الأسد ورموزه.

الممثلة سلاف فواخرجي خلال ظهورها عبر قناة “المشهد”، قالت إن “الأسد شريف.. ويجب أن يحاكم إن كان يستحق ذلك، لكن بشرط وجود قضاء وقانون وعدالة”.

وقالت فواخرجي، “بدي أشكر بشار الأسد على الكثير من الأشياء المهمة اللي عملها للبلد على مدى سنوات طويلة، وما قدمه من إصلاحات اقتصادية وفنية، والكثير من الإنجازات على صعيد الدولة والبناء وكثير أشياء، وبدي ألومه، أو أعاتبه على بطانة لم تكن جيدة هو المسؤول عنها”.

باسم ياخور الذي كان طوال سنوات الثورة من أشد داعمي الأسد، أصرّ على الاستمرار بدعم النظام المخلوع وتبرير جرائمه.

وفي مقابلته مع الإعلامية اللبنانية نايلة تويني، برر ياخور ولاءه لبشار الأسد باتهام ملايين السوريين بالانتفاع من نظام الأسد، مشيرًا إلى أن تغيير مواقفهم السياسية بعد سقوط النظام يُظهر ازدواجية وصفها بـ”التكويع”.

ولم يتردد ياخور في الدفاع عن بشار الأسد، قائلًا إنه كان “الضامن لعدم تقسيم سوريا”. وقال ياخور إن الوضع الحالي لا يوفر البيئة المثالية للعودة بسبب حالة الفوضى التي لا تضمن الأمان، مضيفًا أن تغير السلطة لم يحقق تغييرات جوهرية في الواقع اليومي، مع استمرار بعض الممارسات السلبية.

الكاتب والممثل السوري عماد النجار، كذلك خرج بتصريحات تمجّد النظام السوري بعد سقوطه، حيث طالب بعودة ماهر وبشار الأسد إلى سوريا، وشتم رموز الثورة السورية في بث مباشر.

أبرز بنود الإعلان الدستوري

مسودة الإعلان الدستوري تضمنت الكثير من البنود، وأبرزها أن يتولى مجلس الشعب العملية التشريعية كاملة والسلطة التنفيذية يتولاها رئيس الجمهورية.

وحددت المسودة مدة المرحلة الانتقالية بخمس سنوات، ومنحت رئيس الجمهورية حق إعلان حالة الطوارئ.

وينص الإعلان على أهمية القضاة وأحكامهم واستقلاليتهم وترك أمر عزل الرئيس أو فصله أو تقليص سلطاته لمجلس الشعب.

كما ينص على ضمان حق الملكية وحق المرأة في العلم والمشاركة في العمل وكفل لها الحقوق السياسية وعلى حرية الرأي والتعبير والإعلام والنشر والصحافة.

وأكد الإعلان التزام الدولة بوحدة الأرض والشعب واحترام الخصوصيات الثقافية، والحرص على باب خاص بالحقوق والحريات لخلق توازن بين الأمن المجتمعي والحرية.

المتحدث باسم لجنة صياغة مسودة الإعلان الدستوري، عبد الحميد العواك، أكد أنه لن تكون هناك أي سلطة لمجلس الشعب على رئاسة الجمهورية في المرحلة الانتقالية.

كما أن النظام السياسي الرئاسي ضمن مسودة الإعلان الدستوري لا يسمح أن تقوم سلطة بعزل سلطة أخرى.

وألغت اللجنة الدستورية منصب رئيس الوزراء، واعتمدت النظام الرئاسي في الإعلان الدستوري.

وأوضح أن هناك ضمانات بالإعلان الدستوري أهمها ما يتعلق بمحاربة تغول السلطات.

ويحق للرئيس السوري تعيين الثلث من أعضاء مجلس الشعب، إلا أنه في الوقت ذاته، لم يتم تحديد عدد أعضاء المجلس حتى الآن، وفق اللجنة.

ووفق حديث اللجنة، دأبت منذ اللحظة الأولى لتشكيلها على إنجاز العمل المطلوب واعتمدت على مخرجات مؤتمر الحوار الوطني في الإعلان الدستوري.

كان الشرع أصدر قرارًا بتشكيل لجنة مختصة لصياغة مسودة الإعلان الدستوري في سوريا، في 2 من آذار الحالي.

تضم اللجنة كلًا من الدكاترة، عبد الحميد العواك، ياسر الحويش، إسماعيل الخلفان، ريعان كحيلان، محمد رضى جلخي، أحمد قربي، وبهية مارديني.

———————————–

الإعلان الدستوري” السوري… تناقضات وفجوات تهدد الحاضر والمستقبل/ جعفر مشهدية

السبت 15 مارس 2025

يوم الخميس 13 آذار/ مارس 2025، كان السوريون على موعد مع حدث آخر مفصليّ في المرحلة الانتقالية، حيث وقّع الرئيس أحمد الشرع، على مسوّدة “الإعلان الدستوري”، بعد انتهاء “لجنة الخبراء” المكلّفة بصياغته من العمل عليه، وهي اللجنة التي تشكلت قبل أقلّ من أسبوعين فقط، وضمّت الخبراء القانونيين: عبد الحميد العواك، ياسر الحويش، إسماعيل الخلفان، ريعان كحيلان، محمد رضى جلخي، أحمد قربي، وبهية مارديني.

وأثار “الإعلان الدستوري”، انقساماً كبيراً بين السوريين، المعنيين بالشأن القانوني والدستوري منهم، والمواطنين عموماً، وقوبل برفض شديد وانتقادات واسعة، إذ عُدَّ “فضفاضاً في بعض بنوده”، خاصةً تلك المتعلّقة بالحريات والحقوق الخاصة بالمكوّنات والأقليات، بالإضافة إلى “تكريسه سلطويةً جديدةً”.

مقدّمة وأربعة أبواب

وفي صورته النهائية، عمدت لجنة صياغة الإعلان إلى تقسيمه إلى مقدّمة وأربعة أبواب. ضمّ الأول، الأحكام العامة، وهو من 11 مادةً، والثاني، الحقوق والحريات من 12 مادةً، والثالث، نظام الحكم في المرحلة الانتقالية (السلطات الثلاث) من 24 مادةً، وأخيراً الأحكام الختامية وتشتمل على ست مواد.

وعلّق الشرع، عقب توقيعه على “المسوّدة”: “نأمل أن يكون ذلك فاتحة خير للشعب السوري على طريق البناء والتطور، ونتمنى أن يكون هذا تاريخاً جديداً لسوريا، نستبدل به بالجهل العلم وبالعذاب الرحمة”، وفق ما نشرته الوكالة العربية السورية للأنباء “سانا”.

ونقلت “سانا” عن “لجنة الخبراء”، أنها استندت في عملها إلى مخرجات مؤتمر الحوار الوطني، موضحةً أنّ الإعلان ينصّ على حرية الرأي والتعبير والإعلام والنشر والصحافة، مع التأكيد على التزام الدولة بوحدة الأرض والشعب واحترام الخصوصيّات الثقافية، مع الحرص على باب خاص بالحقوق والحريات لخلق توازن بين الأمن المجتمعي والحرية، بالإضافة إلى ضمان حق الملكية وحق المرأة في العلم والمشاركة في العمل، وكفالة حقوقها السياسية، وكذا أهمية القضاء وأحكامه واستقلاليته.

كما نبّهت “اللجنة” إلى أنّ مجلس الشعب يتولى العملية التشريعية كاملةً، فيما يتولى رئيس الجمهورية السلطة التنفيذية. وحُددت المرحلة الانتقالية بـ5 سنوات، ومُنح رئيس الجمهورية الحقّ في إعلان حالة الطوارئ.

وفي مؤتمر صحافي، قال عضو لجنة صياغة مسودة الإعلان الدستوري، عبد الحميد العواك: “اخترنا نظاماً سياسياً يعتمد الفصل التام بين السلطات، وهذا النظام السياسي المقترح في مسوّدة الإعلان الدستوري يساعد على إدارة المرحلة الانتقالية. عملنا على إعادة النظام السياسي إلى سكة دستورية حقيقية، وأوصينا بتقديم دستور دائم”، مردفاً: “لا سلطة لمجلس الشعب على رئاسة الجمهورية في المرحلة الانتقالية، وسيتم تشكيل هيئات عدة من بينها الهيئة العليا للانتخابات وهيئة دستورية عليا ستكون معنيةً بدستورية القوانين. في الدساتير السابقة، كان النص يخدم الدكتاتور، بينما يراقب عمل السلطات اليوم من قبل الشعب، كما لا يسمح النظام السياسي الرئاسي في مسوّدة الإعلان الدستوري بأن تقوم سلطة بعزل سلطة أخرى”.

“خطوة ضرورية ولكن…”

وعن قراءته لـ”الإعلان الدستوري”، يقول الباحث في الشؤون الدستورية المحامي فادي كردوس، لرصيف22: “الإعلان الدستوري يصدر عادةً في ظروف استثنائية، وقد لا يفي بالضرورة بجميع المعايير القانونية المعتادة، ولكنه خطوة ضرورية في المراحل الانتقالية، ولا يمكن القول إنه سلك مسلكاً قانونياً لعدم وجود النص القانوني أو الدستوري للحالات المماثلة”.

ويرى كردوس، أنّ هذا الإعلان “تناول قضايا أساسيةً ومهمةً في المرحلة الانتقالية، ووضع أسساً للدولة السورية في المستقبل، ولكنه تغاضى عن أمر أساسي هو تحديد ‘هوية الدولة’، كما أكد على مرجعية دستور عام 1950، لكنه لم يأخذ عنه مبدأ نظام الحكم البرلماني، ولا مبدأ الفصل بين السلطات”.

كذلك، “الإعلان الدستوري لم يحقّق تطلّعات السوريين إلى المواطنة والفصل بين السلطات، ولم يأخذ بمبدأ فصل الدين عن الدولة الذي يكرّس مفهوم المواطنة في الدستور. وبرغم التأكيد على الحريات العامة وحقوق الإنسان، إلا أنه اشتمل على بعض المفاهيم الفضفاضة التي تُثير العديد من التساؤلات حول كيفية تطبيقها على غرار الأمن الوطني، وضوابط ممارسة الحريات العامة وغيرها”، وفق المحامي السوري.

ويردف كردوس: “كنا نتمنى لو وضع الإعلان الدستوري تصوّراً واضحاً للدولة السورية على أنها دولة مدنية ديمقراطية ذات تعددية سياسية، وعدّل التسمية إلى الجمهورية السورية، عوضاً عن الجمهورية العربية السورية، لما في ذلك من إقصاء لبعض المكوّنات السورية ذات الأصول غير العربية”.

“لُبْسٌ قانوني وبنيوي”

وعن جزئية الفصل بين السلطات، يوضح كردوس، أنّ “ما ورد في الإعلان في هذه الناحية تطرّق إلى أنّ نظام حكم يعتمد على نظام الفصل بين السلطات، بينما يجب توضيح شكل نظام الحكم: فهل هو رئاسي أم برلماني؟ أو يجمع بين الرئاسي والبرلماني؟ هل هو مركزي أو لامركزي؟ فالفصل بين السلطات مبدأ دستوري وليس نظاماً للحكم”.

وبرأيه، “الفصل بين السلطات لم يتحقّق في الإعلان الدستوري إلا من ناحية العناوين فحسب، ولا يزال موضوع استقلال القضاء والسلطة القضائية مبهماً، ولا سيّما أنّ المحكمة الدستورية العليا التي يعيّنها رئيس الجمهورية من مهامها محاسبة رئيس الجمهورية ومحاكمته، وهذا يشير إلى تدخّل السلطة التنفيذية في أعمال السلطة القضائية، ويمكن القياس على ذلك في ما يخصّ مجلس القضاء الأعلى، أو تعيين رئيس الجمهورية لمجلس الشعب بالكامل، سواء بطريقة مباشرة (التعيين)، أو بطريقة غير مباشرة (تعيين اللجان أو الهيئات الناخبة التي ستعيّن الثلثَين الباقيَين)”.

فضلاً عمّا سبق، يحذّر كردوس، من أنّ “منح الإعلان الدستوري رئيس الجمهورية صلاحيات واسعةً، قد تجعله فوق الدستور، خاصةً أن طرق محاسبته أو الرقابة على أعماله أو محاكمته ليست من صلاحيات أيٍّ من السلطات الثلاث، وفقاً لما ورد في الإعلان”.

وبشأن التزام “الإعلان الدستوري” بالدساتير والقوانين الدولية، يبيّن كردوس، أنّ “هناك آراء متباينةً حول مدى التزام الإعلان الدستوري بالدساتير والقوانين الدولية. لكن الإعلان أورد التزام الدولة بالمعاهدات والاتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان، وإن حصرها في الاتفاقيات والمعاهدات التي صادقت عليها سوريا سابقاً، وكنّا نتمنى لو تبنّى الإعلان الدستوري الشرعية الدولية لحقوق الإنسان بشكل واضح”.

“نقص خبرة وسلق”

من جهته، يرى المحامي رامي جلبوط، أنّ ما صدر “يتجاوز الإعلان الدستوري إلى دستور مؤقت”، لأنّ الإعلان الدستوري يتكون عادةً من إعلان بعض المبادئ التي ستعمل الدولة على أساسها في الفترة الانتقالية، في حين أنّ ما أُطلق عليه “الإعلان الدستوري” احتوى على تفاصيل كثيرة ولم يكتفِ بالمبادئ العامة.

ويضيف لرصيف22: “هذه مسألة ليست في صالح القيادة السورية الجديدة، إذ أربكت نفسها بذلك وأربكت الجميع. فالإعلان الدستوري وإن ذكر الكثير من التفاصيل، إلا أنه مليء بالفجوات الخطيرة والتناقضات الفادحة التي سيكون من الضروري العمل على سدّها لاحقاً، ولكن بآلية أعقد مما لو كان إعلاناً مختصراً فحسب”.

يتابع جلبوط: “بطبيعة الحال، يمكن القول إنّ هذا الإعلان الدستوري أو الدستور المؤقت يمثّل من وضعوه، وليس بالضرورة أن يمثّل جميع السوريين، لأنه -وكما تم التنبيه- فيه ما فيه من الفجوات والتناقضات التي تحتاج إلى تفسير وتوضيح”. ويعتقد المحامي السوري، أنّ أسباب غياب بعض المصطلحات وورود الكثير من البنود الفضفاضة ترجع “بالدرجة الأولى إلى أنه يعبّر عن توجّه القيادة الجديدة في إدارة المرحلة الانتقالية، وإلى قلة الخبرة لدى واضعي الإعلان الدستوري وعدم إحاطتهم الكافية والوافية بالبنية التشريعية السورية، فضلاً عن الاستعجال في وضع الإعلان الذي ‘سُلق سلقاً’ حتى صدر بلا هوية واضحة. مثال على ذلك: محاولة وضع نظام رئاسي بدل النظام شبه الرئاسي السابق مع الاحتفاظ بالبرلمان… هذا يذكّرنا بالبدعة التي وضعها النظام السابق عندما تبنّى ما سمّاه وقتها ‘اقتصاد السوق الاجتماعي’. فالإعلان جاء بنظام رئاسي يُفترض أنه يشبه النموذج الأمريكي، ولكن مع برلمان يتولّى عملية التشريع”.

“لا ديمقراطية من دون انتخابات”

أما المحامي كامل نوفالي، فيرى أنّه “لا وجود لمسار جيّد أو سيئ في كيفية إصدار الإعلان الدستوري المتعلّق بالجهة المُكلّفة بصياغته أو الجهة التي كلّفتها بذلك، بل يعتمد الموضوع على أسلوب نهاية المرحلة الاستثنائية التي نطلب من الإعلان الدستوري تنظيم الانتقال منها نحو حالة مستقرّة دائمة. والمشكلة في سوريا، بعد سقوط نظام الأسد، ليست في كون السلطة منتخبةً أو لا، بل في إهمالها ديمقراطية المسار الإجرائي في انتخاب جمعية تأسيسية كما حصل في سوريا عام 1920، لتلافي أي طعن في شرعية العملية الانتقالية، ومنح الشعب إحساساً بمشاركته في الحدث، وتعزيز الوحدة الوطنية التي تحتاجها سوريا في هذه المرحلة”.

ويستطرد نوفالي: “يُفضَّل عادةً ألا يتطرّق الإعلان المؤقت إلى ذكر المسائل الخلافية -وكم هي كثيرة في سوريا- وأن يقتصر على ما هو ضروري للمرحلة الانتقالية وأهدافها، وتفاصيل حياة الناس. فالمشكلة ليست في كونه مختصراً، بل في طول المرحلة الانتقالية، ولذلك لا يمكن لإعلان مختصر وفضفاض وغير دقيق أن يدير سوريا ومسائلها الإشكالية لخمس سنوات”.

“من جهة أُخرى، لم يهتمّ واضعو الإعلان الدستوري بالديمقراطية الإجرائية المتعلّقة باللجنة التي صاغته، ولم تتحدث مواده عن عملية انتخابية واحدة. ولذلك، لا مجال أصلاً لذكر الديمقراطية في مواده، وهذا أمر كان من الممكن تلافيه لو تضمّن الدستور خريطة طريق لإعداد الدستور الدائم، وأكد على ديمقراطية المسار الإجرائي لوضعه، ولكن واضعي الإعلان أصرّوا على إهمال تحديد هذا المسار، وترك الموضوع فضفاضاً ريثما تستقرّ التوافقات الخارجية في ما يخصّ الشأن السوري، فيتمّ تعديل مواد الإعلان بما يتناسب مع تغيرات وتقلبات الظروف في المرحلة الطويلة نسبياً”.

الأقليات أكثر تخوّفاً

إلى ذلك، تتعاظم مخاوف الأقليات في سوريا من “الإعلان الدستوري” على نحو خاص في غياب تحديد “هوية الدولة”، والتأكيد على “الديمقراطية” ومفاهيم “حقوق الإنسان والحريات”، والتغاضي عن حق المواطنة وأهميتها.

والجمعة 14 آذار/ مارس، أعلن مجلس سوريا الديمقراطية “قسد”، رفضه الإعلان الدستوري، وعدَّ ذلك امتداداً لرفضه “مؤتمر الحوار الوطني”، مشدّداً على أنّ كل ما يُبنى على نتائج هذا المؤتمر “سيبقى قاصراً عن معالجة القضية الوطنية”، ومشيراً إلى أنّ “الإعلان الدستوري يعيد إنتاج الاستبداد بصيغة جديدة، ويكرّس الحكم المركزي، ويمنح السلطة التنفيذية صلاحيات مطلقةً، ويقيّد العمل السياسي، ويجمّد تشكيل الأحزاب، ما يعطّل مسار التحوّل الديمقراطي”.

كما رفض “المجلس الوطني الكردي”، في شمال شرق سوريا، على لسان عضو أمانته العامة شلال كدو، “الإعلان الدستوري”، إذ قال لشبكة “رووداو”، إنّ “الإعلان الدستوري كُتب بعقلية تقوم على أمّة واحدة ودين واحد، ولم يضمن حقوق المكونات القومية والدينية في البلاد”، مطالباً باتخاذ بعض الإجراءات لإصلاح الإعلان، بحيث “يضمن حقوق جميع القوميات والمكوّنات في البلاد، لأنّ خمس سنوات ليست مدةً قصيرةً لإدارة بلد”.

كما اعتبرت الإدارة الذاتية في شمال شرق سوريا، أنّ “الوثيقة الجديدة تضم بنوداً ونمطاً تقليدياً يتشابه مع المعايير والمقاييس المتّبعة من قبل حكومة البعث، ويتنافى الإعلان مع حقيقة سوريا وحالة التنوع الموجود فيها، وهو تزوير فعلي لهوية سوريا الوطنية والمجتمعية”.

وأكد المجلس الإسلامي العلوي الأعلى في سوريا والمهجر، في بيان له، أنّ “الإعلان الدستوري يُكَرِّس الرؤيا الشمولية للحكم السابق ويُعيد إنتاج ديكتاتورية إقصائية بصيغة جديدة، ولا يضمن التمثيل العادل لقيام الدولة التي تنشدها أطياف ومكونات الشعب السوري كافة، وهي الدولة المدنية التعددية الديمقراطية الوطنية الشاملة”. كما لفت البيان إلى “طلب الحماية الدولية، وهو مطلب الأغلبية الساحقة من أبناء الطائفة العلوية وغيرها من الأقليات”، كما طالب بـ”سحب كل الفصائل بمختلف مسمياتها من الساحل السوري”.

“وهم التصريحات… وصدمة الواقع”

وفي سياق متصل، يقول الكميت عيسى، من اللاذقية، لرصيف22، عن “الإعلان الدستوري”: “كان الاعتقاد السائد عقب إسقاط نظام الأسد، أنّ أسباب الانقسام بين السوريين انتهت، وأنّ سوريا للجميع التي نحلم بها أصبحت أقرب من أي وقت مضى، خاصةً بعد وعود الإدارة الجديدة الجميلة إعلامياً، ولكن التنفيذ على الأرض استند إلى مبدأ ‘من يحرّر يقرّر'”.

كما يرى أنّ الإعلان “لم يراعِ أيّاً من مخاوف الأقليات المتعلقة بالتطرّف، وتهديد السلم الأهلي، لاعتقاد المعنيين بأنّ هذه القضايا بحاجة إلى وقت لحلّها، وكأن المتضررين من التطرّف يملكون الوقت الكافي للحفاظ على حياتهم من الانتهاكات المرتكَبة بحقهم”.

ويشدّد عيسى، على وجوب “أن يتضمّن أي دستور مبادئ أساسيةً تُعدّ فوق الدستور ذاته، تراعي مخاوف جميع المكونات، كمخاوف الأقليات في الساحل من التجاوزات والانتهاكات الواقعة هناك من قتل طائفي وطرد للسكان من منازلهم. لم ترِد في الإعلان الدستوري أيّ مادة تجرّم هذه الأفعال أو تجرّم عملية التغيير الديمغرافي، وتضع خطةً تمنع ذلك وتساعد المتضرر على تحصيل حقوقه”.

“استمرار الشوفينية”

في الأثناء، يعتقد شفان حكمت العمر، من القامشلي، أنّ “الجميع يعلم أنّ الكرد سوريون ومتمسكون بأرضهم، وعانوا ما عانوه طوال فترة حكم البعث، خصوصاً في ما يتعلق بالهوية وحرية ممارسة طقوسهم، وتأمّلنا بعد إسقاط نظام البعث في عودة سوريا وطناً جامعاً لكل أبنائه”.

ويستدرك في حديثه إلى رصيف22: “لكن الإعلان الدستوري لم يأخذ مخاوف الكرد السوريين بعين الاعتبار، فما الذي سيحصل لو تغيّر اسم الدولة ليصبح الجمهورية السورية، عوضاً عن الجمهورية العربية السورية؟ في سوريا العديد من القوميات غير العربية الشريكة في تاريخ سوريا وحاضرها ومستقبلها، ولا يجب أن يُجبَر أبناؤها على أن تكون العربية عنواناً لجنسيتهم. كذلك، ما الذي سيحصل لو تم اعتماد اللغة العربية لغةً رسميةً للبلاد مع ذكر لغات المكوّنات العرقية الأُخرى، كلغات تُغني الهوية السورية، وتثبيتها ضمن الدستور؟”.

يضيف العمر: “خلال زمن البعث، حُرمنا من بطاقة الهوية، ومن يحصل عليها يُجبر على حمل جنسية عربية برغم كونه كردياً، هذا غير الخوف من الحديث باللغة الكردية علناً، إذ كان نظام البعث نظاماً شوفينياً يحاول طمس كل المكوّنات غير العربية، وهذا الإعلان الدستوري الصادر أخيراً لم يراعِ هذه الخصوصية بشكل واضح وصريح في بنوده، والخوف اليوم من استمرار عقلية الإقصاء الشوفينية البعثية”.

“إعلان مُفصّل على قياس السلطة”

مُصلح هلال الجباعي، وهو ناشط مدني من السويداء، يقول لرصيف22: “صدر الإعلان الدستوري الحالي دون أن يشارك جميع السوريين في كتابة بنوده، بل اقتصر الأمر على مجموعة اختارتها الإدارة الجديدة لتصيغ بنود إعلان دستوري مفصّل على قياسها”.

ويرى الجباعي، أنه من الضرورة في مكان أن تضمّ اللجنة ممثلين من أطياف المجتمع السوري كافة، حتى يُكتب للإعلان أن يكون “سورياً شاملاً ويراعي مخاوف وتطلعات جميع أبناء الشعب”، مردفاً أنّ “اتّباع هذه المنهجية بالإقصاء -والتي لمسناها منذ بداية تولّي الإدارة الجديدة مهمة قيادة البلاد كما حدث في المؤتمر الوطني وغيره من الأمور- تدفع البلاد نحو مزيد من التعقيد”.

وفي ما يتعلّق بالإعلان، “لم نجد ما يضمن حقوق المكونات بشكل واضح، ولم نجد أي عبارة أو جملة أو كلمة تدلّ على الديمقراطية أو المدنية، فكل عباراته فضفاضة، عدا عن رفض المكوّنَين الكردي والعلوي للإعلان وفق ما صرّحت به قيادات المكوّنين. فهل من المنطق أن يتعرض الإعلان لكل هذه الانتقادات ويكون إعلاناً مناسباً للجميع؟”، يتساءل الجباعي.

رصيف 22

————————–

تجريم الأسدية”: أمعقول هناك من يُنكر المقتلة السورية؟/ إيناس حقي

15.03.2025

لم أتصوّر أن نحتاج يوماً إلى خوض حوار حول ضرورة استصدار قانون يجرّم “الأسدية”، لأنني بكلّ بساطة وبكلّ سذاجة لم أتوقّع أن يُنكر جرائم النظام أحد بعد رحيل الأسد عن السلطة!

تتعالى الأصوات منذ سقط نظام الأسد في سوريا، من أجل استصدار قانون يجرّم “الأسدية” وإنكار جرائم النظام السوري السابق، وقد صدر الإعلان الدستوري، وتضمّن في مادّته التاسعة والأربعين بنداً يجرّم “تمجيد نظام الأسد البائد ورموزه، ويعدّ إنكار جرائمه أو الإشادة بها أو تبريرها أو التهوين منها، جرائم يُعاقب عليها القانون”، وتبدو هذه المادّة صادرة إرضاء للرغبة الشعبية، وتماشياً مع الحملات التي أُطلقت في سبيل إسكات أصوات قضت سنوات طوالاً، وهي تدافع باستشراس عن المقتلة الأسدية. 

 يمكن تفهّم دعوات وحملات تجريم الأسدية في ظلّ ما تعرّض له الشعب السوري الثائر من فظائع، بالإضافة إلى ما طلع علينا من تصريحات لشخصيات كانت تدعم الأسدية، ما زالت  تبرّر وتشكّك في جرائم كبرى، كاستخدام السلاح الكيماوي، وقتل مئات الآلاف تحت التعذيب في المعتقلات، ورمي البراميل المتفجّرة عشوائياً على المناطق المدنية الآهلة بالسكان.

 دفعتني هذه الدعوات إلى البحث قليلاً في تاريخ تجريم إنكار الإبادة النازية، لكي أفهم أكثر، وأحدّد موقفي من تجريم الإنكار.

فرنسا وألمانيا هما البلدان الأوروبيان الوحيدان اللذان يجرّمان إنكار المحرقة بحقّ اليهود، ويجب الأخذ بعين الاعتبار أن القانون الفرنسي وُلد في سياق خاص، بعد شهرين من تخريب مقبرة يهودية، وبهدف وقف خطابات الكراهية، ومعاداة اليهود السافرة، ففي صيف 1990، صدر قانون فرنسي يجرّم مُنكري الإبادة بحقّ اليهود في الحرب العالمية الثانية، تمّ تبنّي القانون واسمه “قانون غيسو”، نسبة إلى جان كلود غيسو النائب الشيوعي الذي اقترحه.

ومنذ تبنّيه، طرح الكثير من التساؤلات والاحتجاجات، وعلى رأسها سؤال: هل حدّ هذا القانون من انتشار الإنكار؟، صحيح أن بعض حَمَلة هذا الخطاب حوكم معظمهم بغرامات مالية، وقلّة منهم بالسجن، لكن هذا الخطاب لم يتوقّف عن الانتشار في المجتمع الفرنسي، وقد سمح ظهور الإنترنت بتوسّع نطاقه، وبتزايد وقاحة حامليه متخفّين وراء الأسماء الوهمية.

واجه طرح القانون معارضات عديدة، بدايةً، اعترض بطبيعة الحال حَمَلة خطاب إنكار المحارق النازية، وكانت “الجبهة الوطنية الفرنسية” بقيادة جان ماري لوبن، الجهة السياسية الوحيدة التي عارضت استصدار القانون علناً، وكانت حجّة هؤلاء الدفاع عن حرية التعبير.

بعد تبنّي القانون، ظهر نقد جديد في البرلمان ومجلس الشيوخ وبين النخب الثقافية والمؤرّخين، لأنهم وجدوا أن مهمّة القانون لا تشمل تعريف الحقائق التاريخية، فتلك مهمّة المؤرّخين والناس الشرفاء، وبرأيهم لا يُكتب التاريخ في قاعات المحاكم. كما عبّر البعض عن خشيتهم من تحوّل المحاكَمين وفق هذا القانون إلى أبطال. بالمقابل أشاد البعض بالقانون ووجدوه ضرورة لحماية مشاعر الضحايا، وقد أشار البعض إلى أنه بمجرد رحيل آخر من عايش المجزرة، يمكن رفع هذا القانون، لكنه ضرورة رأفة بالناجيات والناجين.

يُقال إن بياناً صدر عن مفكرين ومثقفين لمعارضة القانون، وقّعه أحد الناجين من المحرقة، ولعل هذا الشخص هو النموذج الذي علينا تأمّله جيداً والتفكّر فيه، الشخص المستعدّ للدفاع عن حرية التعبير حتى على حسابه الشخصي، الشخص الذي يتسامى عن آلامه الشخصية وعن فقده للأحبة في سبيل أن يعبّر الجميع، بخاصة من يختلفون معه في رأيهم.

منذ قرأت ملخّص استصدار القانون وأنا أفكر في واقعنا السوري، ما المشترك بيننا وبين سياق استصدار “قانون غيسو”؟ المشترك الأول والأساسي هو الناجون والناجيات من الضحايا، ويكاد لا يخلو بيت من متأثرين ومصابين إلا في الفئة الأسدية، التي لم تُمسّ حياتها الشخصية واليومية بما يكفي، لجعلها تكفّ عن الإنكار. المشترك الثاني الأساسي هو رغبة عميقة من الضحايا في حماية الحكاية، التي تعرّضت وما زالت تتعرّض للتشويه والتلاعب.

يبقى النقاش حول آلية كتابة التاريخ شرعياً، فهل نكتب تاريخنا بأن نحصره بيد الدولة؟ أم نسلّمه للمختصّين بكتابته؟ تضعنا هذه الأسئلة في مواجهة مع مبدأ الحقيقة الذي يصرّ كثيرون على أنها غير موجودة أصلاً اليوم، في ظلّ انتشار الأخبار الكاذبة ووسائل التواصل الاجتماعي، وأن المجتمعات تمتلك حقائق متعدّدة ووجهات نظر مرتبطة بتموضعها من هذه الحقيقة، بينما يصرّ الضحايا على أن حقيقة واحدة حصلت ولا بد من توثيقها والاعتراف بحدوثها.

من ناحيتي، أعلم أن عالم اليوم يخلط الحقائق ويتلاعب بها، بالمقابل يفاجئني أن تكون حوادث غير قابلة للنكران بحاجة إلى النقاش، على سبيل المثال، أعتقد أن اعتقال مئات آلاف السوريين والسوريات في مسالخ بشرية، لا يحتاج إلى إثبات يفوق فتح أبواب هذه السجون، وشهادات آلاف الناجين والناجيات، ووثائق عن موت آلاف في غياهب السجون الأسدية. لذا لم أتصوّر أن نحتاج يوماً إلى خوض حوار حول ضرورة استصدار قانون يجرّم الأسدية، لأنني بكل بساطة لم أتوقّع، بكل سذاجة، أن يُنكر جرائمها أحد بعد رحيل الأسد عن السلطة.

تستمرّ أزمة عشتها منذ اندلاع الثورة السورية، وهي عجزي عن فهم عقلية المدافعين الشرسين عن النظام الأسدي ونفسيتهم، عجزت عن فهمهم في حينها وما زالوا قادرين على إدهاشي، وأتذكّر دوماً نقاشاً خضته مع أحد موالي الأسدية بعد مجزرة الكيماوي، التي ارتكبها النظام الأسدي بحقّ مدنيي الغوطة، حين أصرّ أن النظام لم يرتكب المجزرة، وأن السيناريو السوريالي الذي أتحفتنا به بثينة شعبان هو الحقيقة، أي أن إرهابيين سرقوا السلاح الكيماوي من الجيش، وقاموا بنقل مدنيين من محافظة أخرى وقصفوهم بالكيماوي لاتّهام الدولة.

 وحينها كان جوابي أن السيناريو الذي تصفه يُدين هذا النظام أكثر، ويجب أن يدفعنا إلى المطالبة باستقالة كل من فيه إن صحّت هذه الرواية، فالروايات التي دافع بها النظام الأسدي عن نفسه، كانت تضعه أكثر في دائرة الاتّهام كنظام فاشل مسؤول عن مقتل المدنيين، بسبب عجزه عن ضبط البلاد. وعلى النسق نفسه، تُخبرنا ممثلة أنها لجأت إلى قائد الفرقة الرابعة وشقيق بشار الأسد لحل مشكلة فنية واجهتها، من دون أن تجد غضاضة في أن الدولة السورية كانت تسيّر بهذا الشكل المعيب، فهي لا تلجأ إلى نقابة الفنانين ولا إلى القضاء لتحصيل حقوقها، إنما تلجأ إلى العائلة الأسدية.

لم أتصوّر أننا سنخوض نقاشاً بخصوص إنكار المقتلة الأسدية عندما تتحرّر سوريا من حكم الأسد، ولدى الأمم المتحدة قوائم بنصف مليون شهيد موثّق من قتلهم، ولدى المؤسسات الدولية شهادات يشيب لها شعر الرأس عن المعتقلات، ويبحث مئات الآلاف عن أهلهم المفقودين في السجون، ويصبح متاحاً لنصف سكان البلد أن يعودوا يوماً ما إلى منازلهم.

لم يخطر لي حاجتنا للمطالبة بقانون كهذا، لأنني ببساطة لم أتخيّل أننا سنحتاج إلى ذلك، كما لم أكن أتصوّر في أبشع كوابيسي أن تكون مأساتنا اليوم، مرة أخرى، إنكار تعرّض المدنيين للانتهاك والقتل في الساحل!

 لم أتخيّل أن نُعيد كل ما عشناه، وأن يواجهنا من يخبرنا أن الفيديوهات القادمة من الساحل السوري غير موثوقة، وأن المدني المقتول قد لا يكون مدنياً، وأن يعود الاستقطاب، ويصل إلى حدّ إنكار حق أمّ في رثاء أبنائها، أو إنكار حقّ أبناء القرى في العيش فيها آمنين، والأعجب أن الإنكار استمرّ حتى مع اعتراف الدولة وتشكيلها لجنة للتحقيق.

جلّ ما أتمنّاه اليوم هو أن تنهار ممالك الإنكار، من دون الحاجة إلى قوانين، وأن يكفّ المدافعون عن الأسدية وغيرهم من المنكرين من أنفسهم عن الإنكار، خجلاً وأدباً وتواضعاً أمام الضحايا، من دون أن نحتاج إلى قوانين رادعة. لكن يبدو أنني حالمة. على كلِّ، أفضّل العيش في أحلامي على العيش في عالم بشع، ينظر في أعين الضحايا وينكر عليهم حقّهم البسيط في رواية حكاياتهم كما عاشوها. 

درج

—————————–

ملاحظات/ حسام القطلبي

قلّك “يعين رئيس الجمهورية ثلث أعضاء مجلس الشعب لضمان التمثيل العادل والكفاءة”

طب خليه يفرجينا تمثيل عادل وكفاءة وحدة عينها من وقت ما قعد بالقصر واستوى على العرش!

التمثيل العادل والكفاءة نفسهم اللي شفناهم بوزارته اللي فيها مجرم على رأس وزارة العدل، اللي شفناهم بلجنة الإعلان الدستوري اللي فيها مزوري شهادات علمية، اللي شفناهم بالمهرجين تبع لجنة تحضير مؤتمر الحوار الوطني، بكركوزات الإعلام عديمي الكفاءة والضمير اللي جامعهم حواليه عم يطقطقوا صور كل النهار، اللي شفناهم بلجنة التحقيق الهزلية اللي شكلها لجرائم ومجازر دموية وفظائع ارتكبتها قواته اللي شكّلها لضمان “الكفاءة”. لم يبذل أي جهد يذكر في موضوعات أساسية كالبحث عن مصير المفقودين بل ترك السجون والمقار الأمنية مستباحة للنهب واحتفالات هزلية للدبيكة وبسطات القهوة المتنقلة في صيدنايا.

الرجل لم يعلن حداداً عاماً على أرواح من سقطوا في الثورة السورية، لم يعلن حداداً عاماً على أرواح من سقطوا في الساحل في مجازر متنقلة مستمرة حتى هذه اللحظة. هذا الرجل معادي للسياسية ومعادي للعدالة، وهو يعادي اليوم بالدم فئات من الشعب السوري وقد يكون غداً دور فئات أخرى. لا يحاول أن يجمع الناس حول مصلحة وطنية بل يجمع في إعلان الشيبس المسمّى إعلاناً دستورياً حتى صلاحيات مخاتير الحارات في يده وحده.

كان لدى هذا الرجل ثلاثة أشهر من الهدوء النسبي والتفاؤل العام، استثمرهم في تسويق نفسه في الخارج وفرض المهرجين وقليلي الكفاءة في كل مكان في الداخل وصولاً إلى ما ارتكبته قواته من فظائع واستباحة لأرواح مواطنين سوريين وعائلاتهم وبيوتهم وقراهم، وكان إعلاميو سلطته يكذبون في كل حين ويروجون الخدع والتضليل بحق الرأي العام ويبررون جرائم قواته بخطاب تافه متهافت عن فلول، فلول نساء وأمهات وأطفال وبيوت معفشة وجثث تتعفن في الشوارع لا تجد من يواريها الثرى وصور مقاتليه يعتلون بأحذيتهم جثثاً أمام أعين الأمهات!

أليس “احنا اللي قلنا اللي بيقتل شعبه خاين، يكون من كاين”؟ أو أن الشعب كان “مثل القدر” وأصبح الشعب اليوم لزوم ما لا يلزم؟

==========================

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى