الأحداث التي جرت في الساحل السوريالإعلان الدستوري لسوريا 2025التدخل الاسرائيلي السافر في سورية الجديدةدوافع وكواليس الاتفاق بين "قسد" وأحمد الشرعسقوط بشار الأسد، الرئيس الفار والمخلوعسياسة

سوريا حرة إلى الأبد: مقالات وتحليلات 14-15 أذار 2025

تحديث 15 أذار 2025

——————————-

الثورة السورية في ذكراها الـ14: تحديات ما بعد الانتصار/ عبسي سميسم

15 مارس 2025

هي السنة الأولى التي يحتفل فيها السوريون بذكرى الثورة السورية التي أزهر ربيعها شتاء العام الماضي، فقد توقف عداد سنين الثورة السورية في الثامن من ديسمبر/كانون الأول 2024، لتتحوّل إلى ذكرى سنوية، بعد أن استطاعت الإطاحة بأكثر الأنظمة المستبدة إجراماً في العصر الحديث، وأجبرت رئيس النظام السابق بشار الأسد الذي قامت الثورة السورية ضده، على الهرب، بعد نحو 14 عاماً من البطش والظلم مخلفاً وراءه بلداً مدمراً، وشعباً بات أكثره بين مهجر، ونازح، ولاجئ، ومعتقل، ويعيش من بقي منه تحت خط الفقر بدرجات. السقوط السريع لنظام آل الأسد في ديسمبر الماضي، لم يكن متوقعاً من قبل أشد المتفائلين بسقوطه، ولا حتى من قبل غرفة عمليات “ردع العدوان” التي قادت المعركة الأخيرة التي أسقطته، الأمر الذي أربك الإدارة الجديدة، في التعاطي مع تركة الأسد، ووضعها أمام تحديات كثيرة، منها ما يرتبط بالظرف الذي ترافق مع استلامها السلطة، والقسم الأكبر من هذه التحديات يرتبط بأداء تلك الإدارة خلال المرحلة الانتقالية التي تمر بها البلاد.

تحديات ما بعد نجاح الثورة السورية

ولعل أبرز تحديات ما بعد نجاح الثورة السورية هي تحديات الضبط الأمني، والحفاظ على السلم الأهلي، وتشكيل جيش وطني في ظل النزعة الفصائلية الطاغية على المشهد العسكري، وحل وزارة الدفاع. يضاف إلى ذلك، تحدي الحفاظ على وحدة الأراضي السورية، وكيفية التعاطي مع اعتداءات الاحتلال الإسرائيلي وتوغله ضمن الأراضي السورية، بالإضافة للتحدي الأكبر وهو طريقة إدارة عملية الانتقال السياسي في البلاد، طبعاً إضافة إلى تحدي النهوض بالاقتصاد وإدارة ملف إعادة الإعمار، وغيرها من التحديات التي من شأنها إما النهوض بالبلاد، أو إدخالها في صراعات داخلية وخارجية في حال الفشل في إدارتها.

في السياق، يرى الحقوقي محمد صبرا، في حديث لـ”العربي الجديد”، أن الظروف الاستثنائية التي تعيشها سورية حالياً، تتطلب بعض المعالجات الخاصة، فالدولة السورية في حالة انهيار مؤسساتي شامل، إضافة إلى تعطّل دورة الاقتصاد الوطني، ووجود قوة عسكرية منفلتة وخارجة عن سلطة الدولة، فضلاً عن التهديد الذي ما زال يشكله فلول النظام الساقط، بالإضافة إلى الوضع الدولي والإقليمي المتفجر، واستمرار العقوبات الاقتصادية على الدولة. ويعتبر أن “كل هذه الظروف تجعل من الصعب التركيز على البعد السياسي في المرحلة الانتقالية، لأن المهمة الأولى للسلطة الانتقالية ستكون تأمين الأمن ومنع الانزلاق إلى الفوضى، وهذا ما يحقق البيئة اللازمة للعمل السياسي، والذي سيتيح للسوريين التأثير على مسار العملية الانتقالية، والتي ننظر لها عمليةً تشاركية يصنعها السوريون ولا يمكن أن تأتي هبة أو مكرمة من أي سلطة”.

ويعرب صبرا عن أسفه لأن “بعض الخطوات التي قامت بها السلطة الانتقالية تجعلنا نشعر ببعض القلق، فالسلطة تتعامل مع المجتمع السوري بوصفها جماعات أهلية، وهي مصرّة على اختصار الفعاليات السورية، بالفعاليات الدينية لمختلف الأديان والطوائف، مع استبعاد كامل للوسط السياسي السوري”، مضيفاً أن “هذه الخطوة المتمثلة بإحلال الجماعات الأهلية محل الجماعات السياسية ستقود إلى مزيد من التشرذم والتشظي المجتمعي، لأن الجماعات الأهلية تعمل بناء على العصبوية التي تجمعها، سواء عصبوية إثنية أو دينية، بينما الأحزاب والجماعات السياسية هي بطبيعتها عابرة للطوائف والأديان والإثنيات”. ويعتبر أنه يجب على السلطة أن تسرع بوضع قانون ينظم عمل الأحزاب حتى تعيد تشكيل الوسط السياسي السوري وفق أسس حديثة تخرجه من حالة الاستقطاب الديني والإثني.

ذكرى الثورة السورية… أمل بمستقبل يعمه السلام والاستقرار

ويشير صبرا إلى أنه “حتى اللحظة هناك استئثار كامل بكل مسار العملية الانتقالية من قبل السلطة الانتقالية، وهذا الاستئثار قد لا يكون مبرراً، لأن دعمنا للسلطة بالاستئثار بالقرار الأمني والعسكري في البلاد، وضرورة حصر السلاح بيد الدولة، لا يعني بحال من الأحوال تفويضاً على بياض للسلطة بأن تأخذ القرار في شكل المسار السياسي المناسب لإتمام المرحلة الانتقالية، وللتهيئة للمرحلة الدائمة، ولا سيما أن السلطة أصدرت إعلاناً دستورياً ينص على أن المرحلة الانتقالية هي خمس سنوات”. وأضاف أنه “في ظل عملية الاستئثار الكامل، فإن هذا يعني أن السلطة ستكون هي فقط صاحبة القرار الأوحد في تسيير المرحلة الانتقالية، وفي تحديد ملامح المرحلة النهائية، وهذا أمر قد يكون مقلقاً، ولا سيما مع عدم الوضوح الذي يشوب خطة المرحلة الانتقالية لدى السلطة وما هي المراحل التي ستعتمدها، إضافة إلى غياب تصور واضح لملف العدالة، وكيفية معالجة المظالم التي أثقلت صدور السوريين طيلة العقود الماضية”. ويؤكد صبرا أن “عملية الانتقال من مرحلة التوحش إلى مرحلة ديمقراطية كاملة، قد تكون حلماً بعيد المنال لأسباب موضوعية وذاتية، إلا أن توسيع قاعدة المشاركة في القرار قد تكون أحد البدائل المناسبة من أجل ضمان عدم إنتاج نظام استبدادي جديد في سورية، وهو ما نطالب به ونضغط من أجله”.

أولوية السلم الأهلي

الحفاظ على السلم الأهلي من أبرز مهمات الإدارة الجديدة بعد الثورة السورية وقد تعرّض لهزة عنيفة عند أول اختبار بمواجهة فلول النظام المخلوع، بسبب الانتهاكات التي ارتُكبت بحق مدنيين على أيدي عناصر غير منضبطة ولكنها محسوبة على السلطة، وهو لا يزال مهددا في حال لم تتخذ السلطة إجراءات جدية لاستعادة الثقة بمكونات المجتمع. ويرى الباحث السوري زيدون الزعبي، في حديث لـ”العربي الجديد”، أن السلم الأهلي يتطلب جهود الجميع، إذ لا تستطيع الدولة وحدها الحفاظ عليه، فعلى المستوى الاجتماعي يُطلب منها التعاون مع المجتمع المدني بالدرجة الأولى، لأن السلم الأهلي هو أكثر القضايا التي يمكن أن تقلق البلاد، فأي انفجار قد يؤدي إلى تهالك الدولة، وبناء على ذلك فإن السلم الأهلي الذي يعتمد على الكثير من المسائل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، يتطلب تعاوناً من الجميع، كما يطلب من الدولة التعامل مع المجتمع المحلي فلا يمكن لها الحفاظ على السلم الأهلي بدون مجتمع محلي ناشط وفاعل وقادر على التواصل الفعال معها.

أما في الشق السياسي، فيعتبر الزعبي أن السلم الأهلي يتطلب إجراءات حاسمة كتشكيل حكومة شاملة، لأن ذلك سيعطي شيئاً من التطمين للجميع، أما دون ذلك فستشعر المجتمعات بالإقصاء، وستلجأ إلى أساليب لمخاصمة النظام من خارجه. ويلفت إلى أن هناك شقاً يتعلق بالضبط الأمني، فلا يمكن حدوث سلم أهلي من دون تحقيق ذلك، طارحاً مثالاً على ذلك ما حدث في الساحل السوري، حين قامت فلول النظام بتفجير الأوضاع، ولم تستطع الدولة احتواء ذلك لعدم وجود إجراءات كافية على بقية الصعد. ويتابع: “أما القضية الرابعة فتتمثل في انخراط المجتمعات المؤيدة للسلطة في عملية بناء السلم، إذ يبدو اليوم أن السلم الأهلي حكر على الأطراف العلمانية، ويوجد جزء كبير من الأقليات هم من يقومون بهذه العملية، في الوقت الذي توجد فيه مجتمعات محافظة بحاجة للانخراط بالسلم الأهلي”.

وفيما يتعلق بالجانب الاقتصادي، يؤكد الزعبي أنه يجب على السلطة أن تعتمد على المجتمع المدني في توعية المجتمعات، فإذا لم يتمكن الاقتصاد من تقريب المجتمعات من بعضها فلا يوجد شيء آخر يقدر على ذلك، فإذا كانت هناك حركة اقتصادية عابرة للمكونات والطوائف والمجتمعات فإن ذلك يؤدي إلى السلم الأهلي، كما يوجد هناك حساسية للإجراءات الإدارية فمثلاً تم النظر إلى تسريح الموظفين من الساحل على أنه فعل طائفي، علماً أن ذلك حصل في درعا أيضاً.

سورية تسقط دولة الأسد.. حقبة سوداء منذ 53 عاماً تطوى

أما الباحث بسام سليمان فيؤكد في حديث لـ”العربي الجديد” أن “السلم الأهلي يعد تحدياً كبيراً في موضوع العدالة الانتقالية، والضغط الأمني يشكل تحدياً ضخماً للغاية، لأن النظام خلال 50 عاماً عمل على تثبيت حكمه من خلال تمزيق الشعب السوري خلال الثورة السورية كي لا يكون متحداً ضده، بل يستخدم بعضه ضد بعض، وعزز النعرات المناطقية والطائفية والعرقية. لذلك، نحن أمام تحديات كبيرة تتطلب مواجهتها بالحوار وتعزيز المشاركة السياسية والثقة بين مختلف أطياف الشعب السوري”. ويضيف: “النظام هندس المجتمع ليكون منقسماً ويستخدم تلك الانقسامات لصالحه، ونحن يجب أن نعمل على عكس هذه الهندسة الاجتماعية”.

كما أن إعادة بناء المؤسسة العسكرية وبناء جيش وطني هدفه حماية حدود البلاد بعد نجاح الثورة السورية لا يزال يشكل تحدياً كبيراً على الرغم من مرور أكثر من ثلاثة أشهر على تشكيل وزارة دفاع لهذه المهمة. في السياق، يرى الباحث في مركز “جسور للدراسات” رشيد حوراني، في حديث لـ”العربي الجديد”، أن حالة عدم الاستقرار واستمرارها ضمن المؤسسة العسكرية الجديدة تشكل أولى العوائق التي تحول دون تشكيل جيش ودمج عناصره وتأهلهم للانتقال بهم من الحالة الثورية “الفصائلية” إلى الحالة العسكرية الاحترافية. ويوضح أن هذه المؤسسة بحاجة للقوى البشرية التي تضبط الأمن وتواجه المهددات، ومثاله ما حصل من تحركات لفلول النظام في مناطق الساحل السوري، على أن تأتي في مرتبة لاحقة حالة الجغرافيا المقسمة، التي تحاول الإدارة السورية توحيدها، إذ تسيطر على كل بقعة جغرافية قوى معينة في الشرق والجنوب، وهذا بدوره يؤثر على عدم القدرة على اصدار التوجيه العملياتي للجيش والذي يُحدد فيه الهدف العام لهذه المؤسسة ويصدر من رئيس الجمهورية القائد العام للجيش، ومن ثم يقع على عاتق وزارة الدفاع التخطيط لتنفيذه.

قوى مختلفة في سورية

ويعتبر حوراني أنه “في الحالة السورية نلاحظ قوى مختلفة (شرق وجنوب) في أهدافها من قوتها العسكرية، فمثلاً قسد (قوات سوريا الديمقراطية) رحبت بدعم إسرائيل لها، بينما اعتبر الرئيس السوري إسرائيل قوة تحتل جزءاً من الدولة السورية”. ويتابع: “كما أن الفصائل التي تشكلت نتيجة التطور التدريجي للعمل المسلح ضد النظام، تتعدد ارتباطاتها الإقليمية والدولية، مع ضعف منظومة التحكُّم والقيادة لدى أغلبها، والتوجّه الإسلامي الذي لا يزال ملازماً لفصائل إدارة العمليات العسكرية، وظهر ذلك بوضوح في إعلاناتها المتكررة التي دعت فيها للانتساب في صفوف الجيش الجديد، وأن تكون الخدمة فيه “في سبيل الله” وفق ما جاء في الإعلانات، ما أثار تخوفاً لدى أطراف في المجتمع السوري المتميز بتنوعه، من أن يكون للإدارة الجديدة خطابان ظاهري وباطني، فضلاً عن طرح تساؤلات عن جدية تحولاتها التي ظهرت بوضوح خلال فترة العمليات العسكرية التي أسقطت النظام بموجبها”.

ويرى حوراني أن “تراكم التجاوزات الفردية من شأنه أن يؤدي إلى تشكيل حالة رفض للسلطة الجديدة، كما أن رصد المنظمات المختصة لها من شأنه أن يطيل فترة المراقبة من الجهات الدولية، وبالتالي وضع محددات لاستمرارية أعمالها، وهو ما شاهدناه من تأثير الانتهاكات في الساحل على تقدم المجتمع الدولي برفع العقوبات عن الدولة السورية، وأنه لن يتم تقديم دعم لها على ورق أبيض”. ويتابع: “هذا إضافة إلى التهديدات الإسرائيلية التي تصرح علناً بمنع وجود قوات الحكومة السورية في المنطقة الجنوبية، وتدمير صنوف القوات الأخرى، تحديداً الاستراتيجية منها كالطيران والدفاع الجوي”. ويلفت إلى أنه “نظراً لهذه الصعوبات تميل الإدارة السورية إلى تقوية جهاز الأمن العام على حساب الوحدات التابعة لوزارة الدفاع”. وكل هذه التحديات وغيرها تجعل من مرحلة ما بعد إسقاط نظام الأسد نقطة تحوّل جوهرية في مسار الثورة السورية التي أنهت مهمتها بإسقاط النظام، وتقف الآن على أعتاب فرصة تاريخية ربما لا تتكرر في حال لم يتم استغلالها للوصول إلى تحوّل سياسي حقيقي بإقامة دولة مدنية يتساوى فيها الجميع تحت سقف القانون.

العربي الجديد

———————————-

الهويات الجزئية في سوريا وإشكالية بناء الدولة الجديدة/ حمدان العكله

2025.03.15

تُعدّ سوريا مثالاً على التنوع الاجتماعي، حيث تتداخل فيها الهويات الدينية والإثنية والعشائرية والمناطقية ضمن نسيج معقد يعكس تاريخاً طويلاً من التفاعل الثقافي والاجتماعي، هذا التعدد لم يكن مجرد سمة شكلية، بل كان يمكن أن يكون مصدر قوة يثري البنية الوطنية، عبر إرساء دعائم مجتمع متماسك يقوم على التعددية والتكامل، غير أن هذا التنوع لم يُستثمر في بناء دولة مدنية عادلة، بل جرى توظيفه من قبل النظام السوري السابق كأداة للهيمنة السياسية وضمان استمرارية الحكم.

فقد انتهج النظام سياسات تمييزية عززت الانقسامات بين المكونات الاجتماعية، حيث عمد إلى تهميش بعض الفئات وإعطاء امتيازات لأخرى، ليس بدافع تحقيق التوازن أو ترسيخ الوحدة الوطنية، بل لضمان إحكام قبضته على السلطة، ونتيجة لذلك، تحول التنوع الهوياتي من عنصر إثراء إلى عامل استقطاب، أسهم في تأجيج الصراعات الداخلية وإضعاف النسيج المجتمعي.

أولاً- تهميش الهويات الجزئية واستغلالها من قبل النظام:

منذ استيلائه على السلطة في سبعينيات القرن الماضي، انتهج نظام الأسد سياسة مزدوجة تجاه الهويات الجزئية، تقوم على تهميشها حين تشكل تهديداً لسلطته، واستغلالها حين تخدم مصالحه، تحت ذريعة “الوحدة الوطنية”، كما عمد النظام إلى طمس الانتماءات الفرعية وإضعافها، مُدّعياً أن تحقيق التماسك المجتمعي يستلزم إذابة التنوع في هوية وطنية موحدة، غير أن هذه الوحدة المزعومة لم تكن سوى أداة لضمان إحكام قبضته على الدولة، حيث حُرمت بعض الفئات من حقوقها الثقافية والاجتماعية، وأُجبرت على الاندماج قسراً ضمن الإطار الأيديولوجي للنظام، في المقابل، وظّف النظام هذه الهويات لتكون سلاحاً لإدامة سلطته، مستغلاً الانقسامات الاجتماعية عبر سياسة “فرِّق تسد”، فعمل على منح امتيازات انتقائية لبعض الأقليات لضمان ولائها، بينما صوّر جماعات أخرى بوصفها مصدر تهديد أمني، مما برر قمعها، وإقصاءها عن الفعل السياسي، كما استخدم النظام بعض الهويات كأدوات داخل أجهزته القمعية، بينما أبقى مكونات أخرى خارج أي تمثيل حقيقي في مؤسسات الدولة، مما عمّق الانقسامات وأسهم في تفتيت النسيج الاجتماعي لصالح بقائه في الحكم.

ثانياً- الثورة السورية وإعادة تشكيل الهوية الوطنية:

مع اندلاع الثورة السورية عام 2011، شهدت الهويات الجزئية تحوّلاً جذرياً، حيث وجدت الجماعات المختلفة فرصة لاستعادة هويتها والتعبير عن ذاتها بعد عقود من التهميش والقمع، ومع انهيار الدولة المركزية في العديد من المناطق، برزت هذه الهويات ليس فقط كعناصر اجتماعية، بل بوصفهم فاعلين رئيسيين في المشهدين السياسي والعسكري، من خلال تشكيل التكتلات المسلحة أو تأسيس المجالس المحلية التي حاولت إدارة شؤونها بعيداً عن سيطرة النظام، لكن هذا التحول لم يكن مجرد استعادة طبيعية للتنوع السوري، بل جاء في سياق فراغ سياسي وأمني أتاح تصاعد النزعات الطائفية والإثنية، مدفوعاً بإرث طويل من التمييز والاستغلال، ما أدى إلى تفاقم الانقسامات وتعقيد المشهد الوطني.

وفي ظل هذه التشظيات، وجدت بعض الجماعات نفسها مدفوعة نحو السعي للاستقلال الذاتي، بينما فضّلت أخرى البحث عن تحالفات تضمن لها الأمن والحماية، مما أفرز قوى سياسية وعسكرية متباينة الأهداف، وجعل من الصعب تحقيق توافق وطني مشترك، ومع استمرار النزاع، تراكمت الشكوك وانعدمت الثقة بين المكونات المختلفة، لا سيما أن بعضها حمل مظالم تاريخية تجاه الآخرين، وهو ما عمّق الانقسامات بدلاً من ردمها، كما أن التدخلات الإقليمية والدولية عززت هذه التفرقة، حيث استغلت بعض القوى الخارجية الانقسامات المجتمعية لتأمين نفوذها وتحقيق مكاسبها السياسية.

ثالثاً- نحو مستقبل جديد: آفاق التعايش وبناء الدولة:

يمثل بناء الدولة السورية الجديدة بعد سقوط النظام الأسدي وانتصار الثورة السورية تحدياً هائلاً، لكنه أيضاً فرصة تاريخية لإرساء نموذج وطني قائم على العدالة والمواطنة المتساوية، بحيث يتم تجاوز الإرث الثقيل من الانقسامات والتهميش الذي طبع العقود الماضية، ولا يمكن تحقيق ذلك إلا من خلال مشروع سياسي واجتماعي شامل، يعيد صياغة العلاقة بين الدولة ومواطنيها على أسس جديدة تعترف بالتعددية كعنصر ثراء، وليس كعامل انقسام، ويتطلب هذا المشروع معالجة جذرية للمؤسسات والقوانين والسياسات التي شكلت أدوات الاستبداد، وإرساء دعائم نظام ديمقراطي يحتضن جميع مكونات المجتمع دون إقصاء أو تمييز، ولتحقيق هذا الهدف، لا بد من العمل على عدة محاور رئيسة:

المحور الأول، يتمثل بإصلاح المنظومة القانونية والدستورية، وذلك عبر صياغة دستور جديد يضمن حقوق جميع المواطنين دون أي تمييز على أساس الدين أو العرق أو الانتماء المناطقي، وبعيداً عن نهج المحاصصة الطائفية أو العرقية.

المحور الثاني، هو إعادة هيكلة المؤسسات الأمنية والعسكرية، حيث كانت هذه المؤسسات تاريخياً أدوات بيد النظام لقمع فئات بعينها، مما أدى إلى تعميق الانقسامات المجتمعية. لذا، لا بد من إعادة بنائها على أسس مهنية، بحيث تعكس التنوع السوري دون أن تتحول إلى أدوات لصالح جماعة دون أخرى.

المحور الثالث، يكون بتبني سياسات تعليمية وثقافية تعزز المواطنة، حيث يشكل التعليم إحدى الأدوات الأساسية في ترسيخ الانقسامات، سواء من خلال تغييب بعض الروايات التاريخية، أو عبر فرض هوية ثقافية واحدة على حساب باقي الهويات، لذا، من الضروري تبني نظام تعليمي جديد يعزز مفهوم المواطنة الجامعة، ويشجع على فهم التعددية بوصفها مصدر قوة وثراء، وليس عامل تهديد.

المحور الرابع، يكون بإطلاق مشاريع المصالحة الوطنية وترميم النسيج الاجتماعي، فمن المعلوم أنه لا يمكن بناء دولة مستقرة دون معالجة الجراح التي خلفتها عقود من القمع والتفرقة، لذا، من الضروري إطلاق برامج للمصالحة الوطنية، تركز على إعادة بناء الثقة بين المجتمعات المحلية، والعمل على تجاوز رواسب الماضي عبر العدالة الانتقالية.

في الختام، إن نجاح الثورة السورية لن يُقاس بإسقاط النظام فحسب، بل بقدرة السوريين على تجاوز إشكالية الهويات الجزئية وإعادة بناء دولتهم على أسس عادلة ومتينة، فالتجربة التاريخية أثبتت أن التعددية، إذا لم يتم احتواؤها ضمن إطار وطني جامع، يمكن أن تتحول إلى مصدر انقسام واستقطاب، وإن مستقبل سوريا لن يتحدد فقط في ميداني السياسة والعسكر، بل في قدرة أبنائها على إعادة اكتشاف هويتهم الوطنية، لا بوصفها أداة صراع، بل بوصفها ركيزة لبناء دولة حديثة تتسع للجميع.

تلفزيون سوريا

———————————

الإيكونوميست: هل يمكن لرئيس سوريا أن يوحدها بعد أن سفكت فيها الدماء؟

ربى خدام الجامع

2025.03.14

قالت مجلة “الإيكونوميست” في تقرير لها إن سوريا شهدت أعمال عنف دامية بعد سقوط رئيس النظام السوري بشار الأسد في كانون الأول 2024. وذكرت المجلة أن مجموعات مسلحة شنّت هجمات في منطقة الساحل السوري في السادس من آذار، ما أسفر عن مقتل مئات الأشخاص ونزوح الآلاف إلى التلال والغابات ولبنان، وسط تقديرات بوقوع أكثر من 800 قتيل، بينهم مدنيون.

موقف الرئيس

وأوضحت “الإيكونوميست” أن الرئيس السوري المؤقت، أحمد الشرع، واجه تحديًا كبيرًا في احتواء الأزمة. ففي الأيام الأولى، ألقى خطابًا استخدم فيه عبارات دينية أثارت الجدل، لكنه سرعان ما غيّر موقفه، وقدم نفسه كقائد وطني للجميع. واتخذ إجراءات لتهدئة الأوضاع، من بينها تعيين شخصيات من مختلف المكونات السورية في مناصب حكومية، وإنشاء لجنتين للتحقيق في أحداث العنف والعمل على المصالحة الوطنية.

وأشارت المجلة إلى أن الشرع فاجأ الأوساط السياسية بإعلان اتفاق مع “قوات سوريا الديمقراطية”، يقضي بدمجها ضمن مؤسسات الدولة، في خطوة نحو إعادة توحيد البلاد. كما تحدثت عن جهود مماثلة للتواصل مع الزعامات الدرزية، في إطار مساعيه لتعزيز الاستقرار.

توترات داخلية وتحديات المصالحة

وقالت “الإيكونوميست” إن أعمال العنف الأخيرة كشفت عن التحديات العميقة التي تواجه سوريا بعد سنوات الحرب. ولفتت إلى أن الانقسامات المجتمعية لا تزال تلقي بظلالها على الوضع السياسي، مشيرة إلى أن بعض المناطق شهدت ردود فعل متباينة إزاء الأحداث.

وأضافت المجلة أن تصاعد التوتر دفع العديد من العائلات إلى البحث عن ملاذات آمنة، بينما لجأ الآلاف إلى قاعدة حميميم الروسية. وفي دمشق ومدن أخرى، سادت مخاوف من توسع دائرة العنف، ما زاد من تعقيد المشهد الأمني.

صراع على الشرعية والموارد

وذكرت “الإيكونوميست” أن الشرع يواجه تحديات كبيرة في تحقيق التوازن بين الأطراف المختلفة، إذ لم يبدأ بعد أي عملية للعدالة الانتقالية، كما لم يحدد بوضوح خططه لإعادة دمج المسؤولين السابقين غير المتورطين في انتهاكات. ورأت المجلة أن العقوبات المفروضة على سوريا خلال حكم الأسد تسببت في أزمة اقتصادية حادة، ما جعل الحكومة الجديدة غير قادرة على دفع رواتب الموظفين، بينما تستمر بعض الجماعات المسلحة في فرض نفوذها على الأرض.

وقالت المجلة إن الشرع لم يُظهر بعد التزامًا واضحًا بمشاركة أوسع في الحكم، إذ لم ينفذ الوعود التي أطلقها بشأن تشكيل حكومة موسعة ووضع دستور جديد. وبدلًا من ذلك، استمر في إدارة البلاد عبر فريق مقرب منه، ما أثار تساؤلات حول توجهاته المستقبلية.

صفقة مع الأكراد وآفاق المستقبل

وأشارت “الإيكونوميست” إلى أن الاتفاق الذي أبرمه الشرع مع “قوات سوريا الديمقراطية” قد يعيد السلطة المركزية إلى شمال شرقي البلاد لأول مرة منذ سنوات. وأضافت أن هذه الخطوة قد تعزز موقفه العسكري وتوفر تمويلًا لحكومته عبر السيطرة على الموارد النفطية في المنطقة، كما أنها قد تشجع مجموعات أخرى على السعي لتفاهمات مماثلة.

لكن المجلة حذّرت من أن الاتفاق قد يواجه تحديات، مشيرة إلى أن وثيقته التنظيمية لم تحدد تفاصيل واضحة، وأرجأت عملية الاندماج حتى نهاية العام. ونقلت عن مسؤول كردي قوله إن “قسد ستبقى كتلة موحدة دون تغييرات كبيرة”، ما يثير تساؤلات حول مدى واقعية تنفيذ الاتفاق.

وختمت “الإيكونوميست” تقريرها بالإشارة إلى أن الشرع، رغم الصعوبات، تمكن من تحقيق خطوة سياسية قد تفتح الباب أمام استقرار تدريجي، لكنه لا يزال أمام تحديات كبيرة تتعلق بإعادة بناء الدولة ومعالجة آثار الحرب.

المصدر: The Economist

———————-

هل نفهم سوريا حقا؟/ سامح المحاريق

تحديث 15 أذار 2025

نشأت الطوائف الدرزية والإسماعيلية في مصر، إلا أنها لم تلبث أن خرجت واستوطنت بلاد الشام وتفاعلت وتطورت مع بيئتها، واستغلت الهوامش الجغرافية الجبلية والريفية التي يمكن أن توفر لها الحياة المنعزلة بالاعتماد على الزراعات المروية بالأمطار، بينما كان وجودها في مصر سيضطرها للتعامل مع سلطة مركزية مهيمنة، وكانت لبنان في وسط هذه الجغرافيا موطنا للكثير من الطوائف التي صبغت وشكلت الحياة الاجتماعية والسياسية في البلد الجبلي الصغير.

حكم سوريا معضلة كبرى، وقراءة تاريخ حملة محمد علي وفشلها في السيطرة على الشام، مقارنة بالنجاح الكبير الذي حققه في مصر، يظهر أن محاولة تطبيق الأفكار التي يمكن أن تصلح على معظم الدول العربية، يبدو صعب التطبيق والتصور في سوريا، ويبدو أن مقولة الرئيس السوري شكري القوتلي لجمال عبد الناصر بعد الوحدة: «أنت لا تعرف ماذا أخذت يا سيادة الرئيس! أنت أخذت شعبا يعتقد كل من فيه أنه سياسي، ويعتقد خمسون في المئة من ناسه أنهم زعماء، ويعتقد 25 في المئة منهم أنهم أنبياء، بينما يعتقد عشرة في المئة على الأقل أنهم آلهة». كانت تحمل بعدا توصيفيا، لم يكلف القوتلي نفسه بالوقوف على محاولة تفسيره، وبالطبع، لم يكلف عبد الناصر بثقافته في ترويض المصريين والتهام تاريخهم ما قبل ثورة يوليو ،1952 بمحاولة فهمه، لتُمنى تجربة الوحدة مع سوريا بنهايتها الدرامية خلال فترة وجيزة.

الركود السوري في مرحلة الرئيس حافظ الأسد ونجله بشار، اعتمد على ممارسة العنف والقهر المتواصل، ولكنه لم يتمكن من اختلاق أرضية جامعة وشاملة للسوريين بمختلف مذاهبهم وطوائفهم وأعراقهم، وما يحملونه من فوائض تاريخية جعلتهم يلوذون بسوريا التي تشبه الجغرافيا الأوروبية بقدرتها على بناء مقاطعات صغيرة لديها القدرة على تحقيق شيء من الاستقلال، فالعلويون في جبالهم الساحلية، كانوا منفصلين نسبيا عما يجري في دمشق، وخارج حسابات حلب، في العديد من المراحل التاريخية، ويعيشون حياة بسيطة ربما أقرب إلى السذاجة، جعلت من الممكن أن يظهر داخل مقاطعاتهم طائفة دينية مستجدة في القرن العشرين وصلت ببعض أتباعها إلى تأليه زعيمها سلمان المرشد.

تفاعلت التناقضات السورية في ربيع 2011، وفي أسابيع قليلة بدأت الثورة تتشظى على الجغرافيا السورية، ففي سوريا لا يمكن أن يوجد شارع الحبيب بورقيبة أو ميدان التحرير، لأن المدن والقرى البعيدة تحمل جماعات بشرية مختلفة ومتناقضة، ومن يحضرون في واجهة الثورة لا يمكنهم أن يدعوا تمثيلا للسوريين بوصفهم شعبا طبيعيا ومتجانسا، ففي سوريا الكبرى اندلعت أثناء القرن التاسع عشر ثلاث حروب أهلية، في جبل لبنان، وفي دمشق، وفي فلسطين، وحدث أن زودت هذه الحروب القارتين الأمريكيتين بعشرات آلاف المهاجرين. بقيت دمشق في مطلع القرن العشرين المدينة الصعبة على الفهم، تبدو متماسكة وحيوية بنخبتها المثقفة والنوعية، ولكن حدود الدولة التي ستحكم من دمشق بقيت محلا للأخذ والرد، ففي مطلع العشرينيات اجتمعت وفود من مختلف بقاع الشام، سوريا والأردن وفلسطين ولبنان، في إعلان استقلال سوريا، وفي الوقت ذاته كان الانتداب الفرنسي يعلن دولتي جبل الدروز والعلويين، وبقيتا قيد شيء من الوجود بدعم من الفرنسيين، حتى انشغلت فرنسا في الحرب العالمية الثانية.

أيقظ دخول قوات هيئة تحرير الشام إلى دمشق الأشباح القديمة كلها، وفي أسابيع قليلة أخذت النزعات الانفصالية الدرزية والعلوية تعبر عن نفسها، وحدثت الصدامات الدامية في محافظات الساحل، لتضع سوريا في أيام من الفزع تمكنت من احتوائها بالحدود الدنيا من الخسائر ضمن الحديث الواقعي، واستدعى ذلك العمل على تسوية بعض الأوضاع في دمشق لتهرع السلطة الجديدة إلى إعلان دستوري، يمكن وصفه بالمتعجل جاء بعد حوار وطني متسرع، ليخرج بإلقاء الوضع القائم برمته لدى رئيس بسلطات واسعة، يحكم على أساس تحديد دين رئيس الدولة ويضع الفقه الإسلامي مصدرا رئيسيا للتشريع، بما يفتح بابا لأحاديث كثيرة حول ما دفعته سوريا من أثمان لتعود إلى نقطة مشابهة تعمل السلطة خلالها على ترويض المجتمع، بدلا من الحديث عن ثرائه في التنوع والاختلاف. في استقباله وليد جنبلاط الزعيم الدرزي اللبناني، قال الرئيس السوري أحمد الشرع مقولته الشهيرة: «أحداث حصلت قبل 1400 سنة ما علاقتنا نحن بها؟»، ولكن هذه المقولة ليست كافية في حد ذاتها، ولا تستند إلى خطوات واقعية لتجاوزها، ويبقى الرئيس مطالبا بالسعي إلى الطوائف، من خلال وعود كثيرة ولغة تصالحية، مثل التي قدمها لمظلوم عبدي وقوات سوريا الديمقراطية، وهو ما يمكن أن يجعله في وضعية قلقة بين مناصريه، ومنهم مقاتلون أجانب مندفعون أيديولوجيا، يمكن أن يتحولوا إلى مشكلة كبيرة مع الوقت.

هل أتى الإمساك بزمام السلطة ضرورة بالنسبة للرئيس الشرع في دمشق، وجعله ذلك يحاول اختصار الوقت، ليمسك بالخيوط كلها، أم أن ثمة قناعة أنه لا يمكن أن تحكم سوريا إلا بطريقة خشنة بعض الشيء، ولكن أي ضمانة يمكن أن تتشكل من تجاهل الحقائق الكبيرة والقديمة على الأرض، ومحاولة إنتاج خطاب وطني منفصل عنها، فالرئيس حافظ الأسد بكل أدواته القمعية لم يتمكن سوى من تحقيق عقد واحد هادئ في تاريخ سوريا، كانت نهايته مع أحداث حماة 1982، واقتراب دمشق من أن تصبح حماما للدم بين الشقيقين رفعت وحافظ. هل يفهم الرئيس الشرع سوريا بكل فخاخها الممتدة بين مدنها وقراها، وتاريخها الصعب والمعقد؟ أم أنه يتعامل مع ما أنتجه الخطاب الوطني والقومي لسنوات طويلة، ويعتبر هو شخصيا من مخرجاته الطويلة؟ وهل يمكن بالفعل، أن يحدث التجاوز الكبير مع الماضي في سوريا، لتكون العلاقة الوحيدة المقبولة هي مع المستقبل القائم على مواطنين يثقون في دولتهم ويعملون من أجلها؟ هل تأتي سياسة الشرع في الأيام الأخيرة تمركزا للقبض على الأمور ومباشرة مشروع جديد؟ أم عودة إلى قوة غالبة تؤجل الأسئلة الكبيرة والمهمة لوقت من الزمن في مراهنة على مكر التاريخ، أو رحمته.

كاتب أردني

القدس العربي

—————————-

أرامكو” في سوريا: الشائعات والحقيقة والعقبات/ مصطفى محمد

السبت 2025/03/15

وسط مؤشرات إيجابية أشاعها الاتفاق بين الدولة السورية وقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، تسربت شائعات قد لا تخلو من الحقيقة أو جسّ النبض، عن توجه شركة “أرامكو” السعودية، للاستثمار في قطاع النفط السوري.

وبحسب “الشائعات” نفسها، أرسلت الشركة وفداً تقنياً للوقوف على حالة الحقول النفطية شمال شرقي سوريا. وزار الوفد حقول رميلان في ريف الحسكة، بهدف دراسة تأهيل الحقول النفطية السورية، التي تحتاج إلى عمليات إعادة تأهيل كبيرة، لاستعادة الإنتاج النفطي إلى المستويات السابقة.

الغاز القطري

وما عزز هذه الأنباء، الحديث عن دور سعودي وأميركي في التوصل للاتفاق بين الحكومة السورية وقسد، ليبدو وكأن هناك رغبة بإعطاء الاقتصاد السوري دفعة للأمام، في ظل الظروف الاقتصادية المُعقدة التي تعيشها الدولة السورية.

واللافت في توقيت انتشار الأنباء هذه، تزامنها مع إعلان قطر عن بدء تزويد سوريا بالغاز عبر الأردن، بموافقة الولايات المتحدة، التي أصدرت في كانون الثاني/يناير الماضي، تصريحاً مؤقتاً يسمح بإجراء معاملات مع مؤسسات الدولة وبيع الطاقة لها.

وقرأ مراقبون اقتصاديون في الخطوة القطرية، بداية لتغير المواقف الإقليمية والدولية إزاء الاقتصاد السوري، معتبرين أن  الموافقة على تزويد دمشق بالغاز، يفتح المجال أمام مزيد من التعاون الإقليمي في قطاع الطاقة.

وفينا نفت وزارة النفط السورية لـ”المدن”، الأنباء عن اعتزام شركة “أرامكو” الاستثمار في قطاع النفط، لا يستبعد مصدر مطلع، في حديث مع “المدن”، أن توافق واشنطن على دخول الشركات الأجنبية للاستثمار في النفط السوري، رغم أنها لم ترفع القيود بالكامل، على اعتبار أن الوضع الاقتصادي السوري لا يساعد على التعافي من آثار الحرب.

مجازفة

ويرى الباحث الاقتصادي يونس الكريم، أن الشركات النفطية لن تُجازف حالياً بدخول السوق السورية، قبل إزالة العقوبات التي يفرضها قانون قيصر الأميركي.

ويضيف لـ”المدن”، أن القيادة السورية بصفتها “انتقالية”، لا تستطيع إبرام العقود الاستثمارية، خصوصاً في ظل تعطيل العمل بالدستور السوري، معتبراً أنه “من المبكر الحديث عن دخول شركات نفطية أجنبية للاستثمار في سوريا”.

في الاتجاه ذاته، استبعد مصدر مقرب من السعودية، أن تُقدم شركة عملاقة بحجم “أرامكو” على الاستثمار في سوريا، في هذا التوقيت، وقال لـ”المدن”: “فضلاً عن العقوبات، لا توجد في سوريا بيئة استثمارية مستقرة”.

وعن سماح واشنطن لقطر بتزويد الغاز للحكومة السورية، قال المصدر: “من الممكن أن تغضّ واشنطن الطرف عن عمليات بيع الطاقة لسوريا، لكن البيع شيء والاستثمار شيء آخر”.

وليست المرة الأولى التي يتم فيها تداول أنباء عن اعتزام “أرامكو” الاستثمار في النفط السوري، حيث نفت الشركة في العام 2019، وصول خبراء ومستشارين إلى حقول النفط السورية في المناطق الخاضعة لسيطرة قسد، لدراسة بدء الاستثمار.

وكان المتحدث باسم وزارة النفط السورية أحمد السليمان، قد أكد إن الإجراءات التي تمهد لاستلام آبار النفط والغاز في مناطق شمال وشرق سوريا، التي تسيطر عليها قسد، “ستستغرق بعض الوقت”، وذلك وفقاً للاتفاق الذي وقعه الرئيس السوري أحمد الشرع، مع قائد قسد مظلوم عبدي.

وأضاف أنه “ستكون هناك إجراءات عديدة لاستلام آبار النفط والغاز بعد هذا الاتفاق، والإجراءات قد تكون متتالية لوقت معين، لكن الأهمية ستكون كبيرة جداً بالنسبة للشعب السوري، خصوصاً توفير المشتقات النفطية من الإنتاج المحلي بعيداً عن الاستيراد، وتقليل الاستيراد الخارجي الذي يؤدي إلى ارتفاع الأسعار”.

————————

في سوريا مجدداً… حيث التشاؤم بات أكثر حضوراً/ ملاذ الزعبي

15.03.2025

ثمة تشكيل صخري ضخم على تلّة عسكرية يحمل عبارة “نعم للقائد الأسد”، اعتدت رؤيته منذ سنوات طويلة جداً، أيام رحلات الذهاب والإياب بين دمشق ودرعا، خلال أولى سنوات دراستي الجامعية، لا يزال التشكيل موجوداً مع تعديل في العبارة التي باتت “نعم للقائد محمد”.

لم تكن الإجراءات الأمنية على الجانب السوري من الحدود، توازي بأية حال من الأحوال، ذلك التدقيق المبالغ فيه على الجانب الأردني، ومع ذلك، بدا معبر نصيب الحدودي جاهزاً لاستقبال المسافرين، مع مظاهر انضباط وفعاليّة ونظافة لا تُقارن بالتأكيد، بحال الفوضى التي طبعت المعابر الحدودية السورية لأسابيع قليلة بعد سقوط نظام بشار الأسد.

 أعداد الموظفين كانت كافية كي لا يزدحم العابرون، ولتسير عمليات ختم جوازات السفر بسلاسة. سألت الموظّف الذي أدخل بياناتي، إن كان هناك أية إشارات لديه لوجود طلبات ملاحقة أمنية بحقّي في عهد النظام السابق، فأجاب بالنفي. مازحته قائلاً إن كل نشاطي الصحافي كان بلا قيمة إذاً، وإن فروع نظام الأسد الأمنية التي كانت مستعدة لمراقبة النمل، لم تلق بالاً لي. ضحك وهنأني بالسلامة.

في الحافلة التي كانت انطلقت باكراً من العاصمة الأردنية عمّان في طريقها إلى دمشق، لم تحمل الوجوه ملامح الحماسة والفرح نفسها، التي تشاركتها مع سوريين آخرين عائدين قبل ثلاثة أشهر، عندما زرت سوريا بعد نحو أسبوع من سقوط النظام، وبعد غياب طال لاثني عشر عاماً، بدت الوجوه متعبة لمسافرين في رحلة تقليدية، بعضهم حمل من الأمتعة ما يدلّ على أنه في طريقه لاستقرار دائم.

عند أكثر من نقطة في الطريق الدولي الذي يعبر محافظة درعا، نزل مسافرون ليكملوا طريقهم باتجاه بلداتهم وقراهم. مظاهر الدمار من أيام نظام الأسد، ما زالت بادية للعيان على جانبي الأتوستراد، بعض البيوت مدمّر نتيجة القصف الجوي والاشتباكات، وبعضها من الواضح أنه نُسف إما كإجراء عقابي، وإما للحيلولة دون تمكّن أي من المسلحين من الاحتماء بها، ورصد الطريق نارياً. بيوت متفرّقة أخرى قامت على أساساتها من جديد، ولكن من الواضح أن ذلك بجهود ذاتية، وبأموال أصحابها، وليس كجزء من أية عملية إعادة إعمار قد لا تأتي.

بُعيد جسر بلدة إزرع الذي يبعد أكثر من ٥٠ كيلومتراً عن أطراف هضبة الجولان، استقبلت على جوّالي الذي يضمّ شريحة بريطانية، رسالة ترحّب بي في إسرائيل، مع تفاصيل حول تكاليف الاتصالات والرسائل واستخدام الإنترنت. من الواضح أن تغطية شبكات الخلوي الإسرائيلية باتت تمتد لمسافات أعمق في الداخل السوري. كان ثمة تشكيل صخري ضخم على تلّة عسكرية يحمل عبارة “نعم للقائد الأسد”، اعتدت رؤيته منذ سنوات طويلة جداً، أيام رحلات الذهاب والإياب بين دمشق ودرعا، خلال أولى سنوات دراستي الجامعية.

لا يزال التشكيل موجوداً مع تعديل في العبارة التي باتت “نعم للقائد محمد”. أخذت أفكر في أولويات الإسلاميين في بلد منهك، وفي أيديولوجيتهم وشعاراتهم التي يريدون فرضها على الجميع، معظم الجامعات الخاصة الموجودة كذلك على الطريق الدولي مغلقة، ومبانيها خاوية على عروشها، باستثناء واحدة أو اثنتين ظهرتا ممتلئتين بالطلاب والطالبات.

على مدخل دمشق الجنوبي، بدا الدمار في حيّ سبينة هائلاً. الحيّ الممتلئ بالأبنية العشوائية والفقير كان من بؤر الاحتجاجات على أطراف العاصمة، ولاحقاً سيطرت عليه فصائل المعارضة المسلّحة، قبل أن تستعيد قوات الأسد سيطرتها إثر مجازر وحصار وتجويع وقصف ممتدة. قبل أسابيع فقط، عثر الدفاع المدني السوري، على قبرين جماعيين يحويان بقايا جثث متفحّمة في قبوين منفصلين في المنطقة.

بلغت الحافلة محطتها النهائية في حيّ القدم، حيث انتشرت قبل أيام أنباء متضاربة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، تتحدّث عن انتهاكات حدثت في هذا الحيّ بحقّ علويين، بالتوازي مع المجازر التي شهدها الساحل السوري. أكّد لي سائق سيارة أجرة هناك، أنه سمع أخباراً مشابهة، تناقشنا بإيجاز حول تلك المجازر، أشار إلى رفضه ما حصل بالطبع، مع إضافة “ولكن”.

 ما تلا تلك الـ”لكن” تذكير بما حصل في البلد خلال أربعة عشر عاماً وبدور العلويين في ذلك، مضيفاً أنه عاش فترة اعتقال جحيمية طالت خمس سنوات. في المنطقة نفسها، تجمهر العشرات من الرجال قرب مركز لتجنيد أفراد جدد في الأمن العام، هذا بينما تكاد تنعدم فرص العمل الجديدة.

قبل دقائق من وصولي إلى حيّ “مشروع دُمّر”، شنّت طائرات إسرائيلية غارة استهدفت قيادياً في حركة الجهاد الإسلامي، وبينما استمر خطّ صغير من الدخان بالاندفاع نحو السماء بعد الغارة، واصلت طائرات أخرى التحليق في الأجواء، مخلّفة وراءها دوائر من الدخان الأبيض بشكل استعراضي، لم يُبدِ أي من أصدقائي وصديقاتي الذين قابلتهم تفاؤلاً بشأن المستقبل.

حاولت ألا أقتصر الأحاديث على دوائري المعتادة التي قد تتماثل آراء أصحابها. ثلاثة سائقي تاكسي آخرون صعدت معهم في اليوم الأول، عبّروا عن أشكال من النقمة تتقاطع حيناً وتتباين حيناً آخر. أحدهم من عين ترما في ريف دمشق، أشار إلى جهل السلطات الجديدة بتعقيدات منطقته وحساسيات أهلها، مما خلق مشاكل كان بالإمكان تجنّبها، وتحدّث عن عدم الاستعانة بأبناء البلدة لإدارتها أمنياً. سائق آخر اعتبر ما حصل في الساحل دليلاً على انتفاء أي أمل، بينما أشار ثالث ينحدر من جبل الأكراد في ضواحي دمشق، إلى ثقته بقدرة “قوات سوريا الديمقراطية” على الحد من مساعي السلطات الجديدة، لبناء ديكتاتورية جديدة. السائقون جميعهم اتّفقوا على الشكوى من انتفاء أي تحسّن اقتصادي وخدمي في الأشهر السابقة.

مساء، ووسط تخبّط وفشل إعلاميين باتا معتادين، صدر الإعلان الدستوري الذي كلّف الرئيس أحمد الشرع لجنة لتحضيره قبل أيام. حمل الإعلان موادّ متناقضة، لكنه مضى باتجاه تكريس مزيد من السلطات بيد الرئيس، وانتفاء قدرة السلطة التشريعية (القاصرة بموجب الإعلان نفسه) على مراقبته ومساءلته، وبينما أُلغي منصب رئيس الوزراء، حدّد الإعلان الفترة الانتقالية بخمس سنوات من دون أن يُوضح ما يليها، عدا غياب أي حضور كردي أو درزي في عملية الإعلان، مما استدعى انتقادات مباشرة من الإدارة الذاتية الكردية، وأصوات حقوقية ومثقفين.

الإعلان الدستوري أتى بعد يوم واحد من الإعلان عن تشكيل مجلس للأمن القومي، برئاسة الشرع، وعضوية وزير الخارجية ووزير الدفاع ومدير الاستخبارات العامة ووزير الداخلية المعيّنين جميعاً من طرف الرئيس، كما يضمّ المجلس مقعدين استشاريين يعيّنهما الرئيس، بالإضافة إلى مقعد تقني تخصّصي يعيّنه الرئيس أيضاً.

غرقت دمشق مساء بالعتمة المألوفة نتيجة استمرار انقطاع الكهرباء، وغياب الإنارة عن الشوارع، مع صدور دعوات للخروج بمسيرات لتأييد قوى الأمن والجيش (لا أستطيع لغاية اليوم أن أذكر كلمتي الأمن والجيش من دون ربطهما تلقائياً بنظام الأسد).

درج

———————-

تجريم الأسدية”: أمعقول هناك من يُنكر المقتلة السورية؟/ إيناس حقي

15.03.2025

لم أتصوّر أن نحتاج يوماً إلى خوض حوار حول ضرورة استصدار قانون يجرّم “الأسدية”، لأنني بكلّ بساطة وبكلّ سذاجة لم أتوقّع أن يُنكر جرائم النظام أحد بعد رحيل الأسد عن السلطة!

تتعالى الأصوات منذ سقط نظام الأسد في سوريا، من أجل استصدار قانون يجرّم “الأسدية” وإنكار جرائم النظام السوري السابق، وقد صدر الإعلان الدستوري، وتضمّن في مادّته التاسعة والأربعين بنداً يجرّم “تمجيد نظام الأسد البائد ورموزه، ويعدّ إنكار جرائمه أو الإشادة بها أو تبريرها أو التهوين منها، جرائم يُعاقب عليها القانون”، وتبدو هذه المادّة صادرة إرضاء للرغبة الشعبية، وتماشياً مع الحملات التي أُطلقت في سبيل إسكات أصوات قضت سنوات طوالاً، وهي تدافع باستشراس عن المقتلة الأسدية. 

 يمكن تفهّم دعوات وحملات تجريم الأسدية في ظلّ ما تعرّض له الشعب السوري الثائر من فظائع، بالإضافة إلى ما طلع علينا من تصريحات لشخصيات كانت تدعم الأسدية، ما زالت  تبرّر وتشكّك في جرائم كبرى، كاستخدام السلاح الكيماوي، وقتل مئات الآلاف تحت التعذيب في المعتقلات، ورمي البراميل المتفجّرة عشوائياً على المناطق المدنية الآهلة بالسكان.

 دفعتني هذه الدعوات إلى البحث قليلاً في تاريخ تجريم إنكار الإبادة النازية، لكي أفهم أكثر، وأحدّد موقفي من تجريم الإنكار.

فرنسا وألمانيا هما البلدان الأوروبيان الوحيدان اللذان يجرّمان إنكار المحرقة بحقّ اليهود، ويجب الأخذ بعين الاعتبار أن القانون الفرنسي وُلد في سياق خاص، بعد شهرين من تخريب مقبرة يهودية، وبهدف وقف خطابات الكراهية، ومعاداة اليهود السافرة، ففي صيف 1990، صدر قانون فرنسي يجرّم مُنكري الإبادة بحقّ اليهود في الحرب العالمية الثانية، تمّ تبنّي القانون واسمه “قانون غيسو”، نسبة إلى جان كلود غيسو النائب الشيوعي الذي اقترحه.

ومنذ تبنّيه، طرح الكثير من التساؤلات والاحتجاجات، وعلى رأسها سؤال: هل حدّ هذا القانون من انتشار الإنكار؟، صحيح أن بعض حَمَلة هذا الخطاب حوكم معظمهم بغرامات مالية، وقلّة منهم بالسجن، لكن هذا الخطاب لم يتوقّف عن الانتشار في المجتمع الفرنسي، وقد سمح ظهور الإنترنت بتوسّع نطاقه، وبتزايد وقاحة حامليه متخفّين وراء الأسماء الوهمية.

واجه طرح القانون معارضات عديدة، بدايةً، اعترض بطبيعة الحال حَمَلة خطاب إنكار المحارق النازية، وكانت “الجبهة الوطنية الفرنسية” بقيادة جان ماري لوبن، الجهة السياسية الوحيدة التي عارضت استصدار القانون علناً، وكانت حجّة هؤلاء الدفاع عن حرية التعبير.

بعد تبنّي القانون، ظهر نقد جديد في البرلمان ومجلس الشيوخ وبين النخب الثقافية والمؤرّخين، لأنهم وجدوا أن مهمّة القانون لا تشمل تعريف الحقائق التاريخية، فتلك مهمّة المؤرّخين والناس الشرفاء، وبرأيهم لا يُكتب التاريخ في قاعات المحاكم. كما عبّر البعض عن خشيتهم من تحوّل المحاكَمين وفق هذا القانون إلى أبطال. بالمقابل أشاد البعض بالقانون ووجدوه ضرورة لحماية مشاعر الضحايا، وقد أشار البعض إلى أنه بمجرد رحيل آخر من عايش المجزرة، يمكن رفع هذا القانون، لكنه ضرورة رأفة بالناجيات والناجين.

يُقال إن بياناً صدر عن مفكرين ومثقفين لمعارضة القانون، وقّعه أحد الناجين من المحرقة، ولعل هذا الشخص هو النموذج الذي علينا تأمّله جيداً والتفكّر فيه، الشخص المستعدّ للدفاع عن حرية التعبير حتى على حسابه الشخصي، الشخص الذي يتسامى عن آلامه الشخصية وعن فقده للأحبة في سبيل أن يعبّر الجميع، بخاصة من يختلفون معه في رأيهم.

منذ قرأت ملخّص استصدار القانون وأنا أفكر في واقعنا السوري، ما المشترك بيننا وبين سياق استصدار “قانون غيسو”؟ المشترك الأول والأساسي هو الناجون والناجيات من الضحايا، ويكاد لا يخلو بيت من متأثرين ومصابين إلا في الفئة الأسدية، التي لم تُمسّ حياتها الشخصية واليومية بما يكفي، لجعلها تكفّ عن الإنكار. المشترك الثاني الأساسي هو رغبة عميقة من الضحايا في حماية الحكاية، التي تعرّضت وما زالت تتعرّض للتشويه والتلاعب.

يبقى النقاش حول آلية كتابة التاريخ شرعياً، فهل نكتب تاريخنا بأن نحصره بيد الدولة؟ أم نسلّمه للمختصّين بكتابته؟ تضعنا هذه الأسئلة في مواجهة مع مبدأ الحقيقة الذي يصرّ كثيرون على أنها غير موجودة أصلاً اليوم، في ظلّ انتشار الأخبار الكاذبة ووسائل التواصل الاجتماعي، وأن المجتمعات تمتلك حقائق متعدّدة ووجهات نظر مرتبطة بتموضعها من هذه الحقيقة، بينما يصرّ الضحايا على أن حقيقة واحدة حصلت ولا بد من توثيقها والاعتراف بحدوثها.

من ناحيتي، أعلم أن عالم اليوم يخلط الحقائق ويتلاعب بها، بالمقابل يفاجئني أن تكون حوادث غير قابلة للنكران بحاجة إلى النقاش، على سبيل المثال، أعتقد أن اعتقال مئات آلاف السوريين والسوريات في مسالخ بشرية، لا يحتاج إلى إثبات يفوق فتح أبواب هذه السجون، وشهادات آلاف الناجين والناجيات، ووثائق عن موت آلاف في غياهب السجون الأسدية. لذا لم أتصوّر أن نحتاج يوماً إلى خوض حوار حول ضرورة استصدار قانون يجرّم الأسدية، لأنني بكل بساطة لم أتوقّع، بكل سذاجة، أن يُنكر جرائمها أحد بعد رحيل الأسد عن السلطة.

تستمرّ أزمة عشتها منذ اندلاع الثورة السورية، وهي عجزي عن فهم عقلية المدافعين الشرسين عن النظام الأسدي ونفسيتهم، عجزت عن فهمهم في حينها وما زالوا قادرين على إدهاشي، وأتذكّر دوماً نقاشاً خضته مع أحد موالي الأسدية بعد مجزرة الكيماوي، التي ارتكبها النظام الأسدي بحقّ مدنيي الغوطة، حين أصرّ أن النظام لم يرتكب المجزرة، وأن السيناريو السوريالي الذي أتحفتنا به بثينة شعبان هو الحقيقة، أي أن إرهابيين سرقوا السلاح الكيماوي من الجيش، وقاموا بنقل مدنيين من محافظة أخرى وقصفوهم بالكيماوي لاتّهام الدولة.

 وحينها كان جوابي أن السيناريو الذي تصفه يُدين هذا النظام أكثر، ويجب أن يدفعنا إلى المطالبة باستقالة كل من فيه إن صحّت هذه الرواية، فالروايات التي دافع بها النظام الأسدي عن نفسه، كانت تضعه أكثر في دائرة الاتّهام كنظام فاشل مسؤول عن مقتل المدنيين، بسبب عجزه عن ضبط البلاد. وعلى النسق نفسه، تُخبرنا ممثلة أنها لجأت إلى قائد الفرقة الرابعة وشقيق بشار الأسد لحل مشكلة فنية واجهتها، من دون أن تجد غضاضة في أن الدولة السورية كانت تسيّر بهذا الشكل المعيب، فهي لا تلجأ إلى نقابة الفنانين ولا إلى القضاء لتحصيل حقوقها، إنما تلجأ إلى العائلة الأسدية.

لم أتصوّر أننا سنخوض نقاشاً بخصوص إنكار المقتلة الأسدية عندما تتحرّر سوريا من حكم الأسد، ولدى الأمم المتحدة قوائم بنصف مليون شهيد موثّق من قتلهم، ولدى المؤسسات الدولية شهادات يشيب لها شعر الرأس عن المعتقلات، ويبحث مئات الآلاف عن أهلهم المفقودين في السجون، ويصبح متاحاً لنصف سكان البلد أن يعودوا يوماً ما إلى منازلهم.

لم يخطر لي حاجتنا للمطالبة بقانون كهذا، لأنني ببساطة لم أتخيّل أننا سنحتاج إلى ذلك، كما لم أكن أتصوّر في أبشع كوابيسي أن تكون مأساتنا اليوم، مرة أخرى، إنكار تعرّض المدنيين للانتهاك والقتل في الساحل!

 لم أتخيّل أن نُعيد كل ما عشناه، وأن يواجهنا من يخبرنا أن الفيديوهات القادمة من الساحل السوري غير موثوقة، وأن المدني المقتول قد لا يكون مدنياً، وأن يعود الاستقطاب، ويصل إلى حدّ إنكار حق أمّ في رثاء أبنائها، أو إنكار حقّ أبناء القرى في العيش فيها آمنين، والأعجب أن الإنكار استمرّ حتى مع اعتراف الدولة وتشكيلها لجنة للتحقيق.

جلّ ما أتمنّاه اليوم هو أن تنهار ممالك الإنكار، من دون الحاجة إلى قوانين، وأن يكفّ المدافعون عن الأسدية وغيرهم من المنكرين من أنفسهم عن الإنكار، خجلاً وأدباً وتواضعاً أمام الضحايا، من دون أن نحتاج إلى قوانين رادعة. لكن يبدو أنني حالمة. على كلِّ، أفضّل العيش في أحلامي على العيش في عالم بشع، ينظر في أعين الضحايا وينكر عليهم حقّهم البسيط في رواية حكاياتهم كما عاشوها. 

درج

—————————-

14 سنة في مواجهة الأسد.. أهم محطات الثورة السورية

الحرة – دبي

15 مارس 2025

لأول مرة منذ انطلاقها في 15 مارس 2011، يحتفل السوريون بذكرى الثورة السورية بعد سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر 2024، وسط مشاعر متباينة بين الفرح بالحرية والقلق من تصاعد العنف في بعض المناطق، ولا سيما في الساحل.

وتأتي هذه الاحتفالات مع تواصل التوتر الأمني في منطقة الساحل ، إذ أعلن المرصد السوري لحقوق الإنسان عن ارتفاع أعداد القتلى إلى نحو 1500 شخص، معظمهم من الطائفة العلوية، بالإضافة إلى استمرار استهداف المراكز والحواجز الأمنية التابعة للسلطة الجديدة.

وكانت أعمال العنف قد اندلعت قبل قرابة أسبوع من ذكرى “الثورة السورية”، حيث هاجم مسلحون تابعون لنظام الأسد، مواقع أمنية ومدنية مما سبب حالة فوضى نجم عنها انتهاكات وثقتها تقارير حقوقية.

ومن المتوقع أن تشهد ساحة (ميدان) الأمويين في العاصمة، دمشق، احتفالا ضخما، يشارك فيه عشرات آلاف الأشخاص، وسط إجراءات أمنية مشددة.

أهم المحطات

ومنذ اندلاعها، مرت الثورة السورية بمحطات مفصلية، بدءًا من المظاهرات السلمية في درعا، مرورًا بتحولها إلى صراع مسلح.

تلا ذلك  ظهور جماعات متطرفة، وتدخلات خارجية، وصولًا إلى سقوط النظام بعد أكثر من عقد على اندلاع الاحتجاجات.

وانطلقت الاحتجاجات في 15 مارس 2011 كجزء من ما بات يعرف بـ”موجة الربيع العربي” التي اجتاحت العديد من الدول العربية.

وخرج السوريون مطالبين بالحرية والكرامة والإصلاحات السياسية. وشهدت الثورة محطات رئيسية أثرت في مسارها وتحولاتها.

انطلاق الاحتجاجات السلمية (مارس 2011):

بدأت الاحتجاجات في مدينة درعا جنوب سوريا، عقب اعتقال وتعذيب مجموعة من الأطفال كتبوا شعارات مناهضة للنظام على جدران مدرستهم.

وانتشرت المظاهرات بسرعة إلى مدن أخرى، مثل دمشق وحمص وحماة، مطالبة بالإصلاحات وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين.

تصاعد القمع وتحول الاحتجاجات إلى صراع مسلح (2011-2012):

رد النظام السوري على المظاهرات السلمية بالقوة المفرطة، مما أدى إلى سقوط العديد من الضحايا.

أدى ذلك إلى انشقاق بعض الجنود وتشكيل “الجيش السوري الحر” في يوليو 2011، الذي أعلن حمل السلاح للدفاع عن المتظاهرين والمدنيين.

بحلول عام 2012، تحول الصراع إلى مواجهة مسلحة واسعة النطاق بين قوات النظام والمعارضة المسلحة.

سيطرة المعارضة على مناطق واسعة (2012-2013):

تمكنت فصائل المعارضة المسلحة من السيطرة على أجزاء كبيرة من شمال وجنوب سوريا، بما في ذلك أجزاء من حلب وإدلب وريف دمشق.

أصبحت هذه المناطق خارج سيطرة النظام، وشهدت محاولات لإدارة ذاتية من قبل المجالس المحلية.

عائلة سورية تغادر قاعدة حميميم عائدة إلى قريتها

في خضم الفوضى، ظهرت تنظيمات متطرفة مثل “جبهة النصرة” و”تنظيم  (داعش)”، التي استغلت الفراغ الأمني لتوسيع نفوذها. أدى ذلك إلى تعقيد المشهد السوري وزيادة معاناة المدنيين.

استخدام الأسلحة الكيميائية والتدخل الدولي (2013):

في أغسطس 2013، تعرضت مناطق في الغوطة الشرقية لهجوم بالأسلحة الكيميائية، مما أسفر عن مقتل المئات من المدنيين.

وأثار هذا الهجوم ردود فعل دولية غاضبة، وهددت الولايات المتحدة بتوجيه ضربات عسكرية للنظام السوري، ولكن تم التوصل إلى اتفاق لنزع الأسلحة الكيميائية السورية، برعاية روسيا والولايات المتحدة خلال فترة رئاسة، باراك أوباما.

صعود داعش  (2014):

استغل تنظيم داعش الفوضى في سوريا والعراق، وسيطر على مساحات واسعة من البلدين.

وفي يونيو 2014، أعلن زعيم التنظيم أبو بكر البغدادي إقامة ما يسمى “دولة الخلافة” وعاصمتها الرقة في سوريا.

أدى ذلك إلى تشكيل تحالف دولي بقيادة الولايات المتحدة لمحاربة التنظيم.

التدخل العسكري الروسي (2015):

في سبتمبر 2015، تدخلت روسيا عسكريًا لدعم النظام السوري، بحجة محاربة الإرهاب.

ساهم الدعم الجوي واللوجستي الروسي في استعادة النظام للعديد من المناطق التي خسرها سابقًا، مثل حلب وريف دمشق.

اتفاقيات خفض التصعيد ومحادثات السلام (2016-2017):

تم التوصل إلى عدة اتفاقيات لخفض التصعيد برعاية روسيا وتركيا وإيران، بهدف تقليل العنف وفتح المجال للمساعدات الإنسانية.

كما عُقدت جولات متعددة من محادثات السلام في جنيف وأستانا، لكنها لم تسفر عن حل سياسي شامل.

معركة حلب واستعادة النظام للمدينة (2016):

في ديسمبر 2016، تمكنت قوات النظام بدعم من روسيا وإيران من استعادة السيطرة على مدينة حلب بالكامل، بعد معارك شرسة وحصار طويل على الأحياء الشرقية التي كانت تحت سيطرة المعارضة.

وشكل سقوط حلب نقطة تحول مهمة في مسار الصراع لصالح النظام.

هزيمة داعش وخسارة معاقله (2017-2019):

بحلول عام 2019، تمكنت قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من التحالف الدولي من استعادة معظم المناطق التي كان يسيطر عليها تنظيم داعش، بما في ذلك الرقة ودير الزور.

وأعلن عن هزيمة التنظيم كقوة مسيطرة على الأرض، لكنه استمر في شن هجمات متفرقة.

استعادة النظام مناطق واسعة (2018-2019):

واصل النظام السوري بدعم من حلفائه استعادة السيطرة على مناطق واسعة، بما في ذلك الغوطة الشرقية ودرعا وإدلب.

أدت هذه العمليات إلى تهجير مئات الآلاف من المدنيين وتفاقم الأزمة الإنسانية.

في عام 2019، تم تشكيل اللجنة الدستورية السورية برعاية الأمم المتحدة، بهدف صياغة دستور جديد يمهد لحل سياسي.

و عُقدت عدة جولات من الاجتماعات في جنيف، لكنها لم تحقق تقدمًا ملموسًا بسبب الخلافات بين النظام والمعارضة.

استمرار الصراع وتجميد الجبهات (2021-2023):

بحلول عام 2021، تراجعت حدة المعارك الكبرى، وتجمّدت الجبهات مع استمرار الوضع الراهن.

واستمرت معاناة المدنيين في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، خاصة في إدلب وشمال شرق سوريا، مع استمرار القصف المتقطع والأوضاع الإنسانية الصعبة.

سقوط النظام (الثامن من ديسمبر 2024)

وفي الثامن من ديسمبر الماضي تمكنت فصائل مسلحة وأبرزها، هيئة تحرير الشام، من دخول العاصمة دمشق، بعد إطلاق معركة “ردع العدوان” التي بدأت بريف حلب واستمرت نحو 11 يوما.

الحرة – دبي

————————————–

سوريا.. أزمة المواطنة وحلم الوطن/ وفاء علوش

2025.03.15

من أين أنت؟ إنه السؤال الذي كان يواجه كل سوري أيّاً كان شكله أو لونه، يوغل السائل في السؤال بعدها ليعرف أين تسكن؟ ومن هم أبواك؟ ليشكل في ذهنه صورة كاملة عن هويتك، تلك التي لا تعنيه إلا لتحديد انتمائك الضيق من أجل رسم صورة مسبقة لشخصيتك وطريقة تفكيرك وتصرفك.

يعرف السوريون جيداً ذلك السؤال، ويعرفون أسبابه ومآلاته أيضاً، اختبرنا جميعاً كيف كان انتماؤنا المناطقي أو الطائفي يعد تهمة قبل الثورة وبعدها بشكل أكثر وضوحاً، وكان على كل فرد سوري تقديم شهادة حسن سلوك أمام السائل كي يدرأ عنه تهمة مسبقة.

نعم نحن من سوريا المكلومة بجهاتها الأربع، من تلك البلاد التي حلت عليها لعنة الأسد فطمست تاريخها وفرّغتها من إنسانيتها وجعلت منها مزرعة تنتج ما يريدون وبحسب حاجتهم، فمرة نفطاً وأخرى موادَّ مخدرة ومرات كثيرة عدداً غير متناهٍ من الجثث التي لا مُعرّف لها سوى عددها، لكنها لم تعمل يوماً لبناء إنسان بل سلبت منا ما تبقى من إنسانيتنا، فهل بإمكان تلك البلاد وأهلها التعافي من ذلك الإرث وتحقيق سلام داخلي أو بناء سلام مع الآخر بمسحة رسول؟

طوال حكم الأسد الأب والابن، لم ينجُ من تلك المحرقة الإنسانية إلا قلة قليلة على الأغلب، أولئك الذين هربوا من البلاد قاصدين وجهات تحترم إنسانيتهم بحد ذاتها من دون ذكر تفاصيل أخرى مثل مكان الميلاد أو الطائفة والمنطقة.

في البلاد الطبيعية يكون التنوع الثقافي والاجتماعي مصدر غنى وثراء، لكنه في سوريا وفي السنوات الأخيرة تحول إلى ساحة انقسام حاد، غذّته الصراعات السياسية والعسكرية، وأنتج خطاب كراهية خطيراً يهدد بنسف أي فرصة للتعايش، وهذا من أهم الأشياء التي عمل عليها النظام الأسدي من أجل إحكام السيطرة وتفتيت المجتمع.

عمل الأسد على أن يكون عدوّ السوري هو السوري الآخر، وأصبح هو ونظامه بمثابة ملاك حارس يحمي السوريين من بطش بعضهم البعض، لقد اعتمد هذا السيناريو سنوات وعقوداً حتى اقتنعت الأجيال الجديدة أنه حقيقة مسلّمة وراسخة لا نقاش فيها.

منذ سقوط النظام اعتقد السوريون أنّ بداية صفحة جديدة سيكون كافياً لتضميد جراحهم والبدء من جديد، لكن الجراح بقيت مفتوحة وموجعة، ما جعل الصدام وشيكاً وآتياً لا محالة، خاصة مع وجود دوافع وتحركات من لا يفضلون أن يتقدموا للعدالة لكثرة ما تورطوا به من دماء السوريين.

الأحداث الأخيرة أوضحت عمق الفجوة بين السوريين أنفسهم، وكانت دليلاً دامغاً على انعدام الثقة بين مكونات الشعب وأنا هنا لن أعرج على ذكر الأسباب لأنها مجال بحث آخر، لكننا أمام واقع علينا الاعتراف بوجوده من أجل تشخيصه ووصف علاجه ومراقبة مرحلة التعافي.

لا يستطيع السوريون التعافي من نتائج الاستبداد بين ليلة وضحاها، بشكل خاص عندما لا تشعر الضحية أنها استوفت حقها بطرق قانونية وقضائية، وهذا يؤكد أن الجرح المفتوح بقي مؤلماً وأن ما حدث هو وقف مؤقت للنزيف ليس إلا، وقد فجر ذلك النزيف الشرارة التي اشتعلت في أحداث الساحل ومحاولات الانقلاب وإعادة سيطرة المجرمين الأسديين الفارين على بعض المناطق والمدن.

وإذا ما تجاوزنا صيرورة الأحداث ومآلاتها نجد أنه قد أصبح من الضروري بناء حوار سوري-سوري حقيقي قادر على تجاوز الماضي، والتأسيس لمستقبل مشترك مبني على المصالحة والتفاهم، لكن كيف يمكن تحقيق ذلك وسط هذا الكم الهائل من الجراح والعداوات؟

قبل الحديث عن الحلول، لا بد من الاعتراف بالعقبات التي تعترض أي محاولة للحوار، ومنها الاستقطاب الحاد بين مختلف الأطراف، والخطاب الإعلامي المستفيد والمشحون الذي يعزز الكراهية بدلًا من التهدئة، وغياب الثقة في أي مبادرة داخلية، مع انتشار القناعة بأن الحل يجب أن يأتي من الخارج، والخوف من الانتقام مما يجعل البعض يحجم عن الانخراط في أي حوار علني.

وعلى الرغم من هذا وذاك فإن بناء الحوار ليس مستحيلًا، بل هو ضرورة لا بد منها من أجل الخروج من دوامة العنف والكراهية بالاعتراف بالألم المشترك لكل سوري بغض النظر عن دينه وطائفته، والعمل من أجل بناء هوية وطنية جامعة تتجاوز الانقسامات الطائفية والإثنية والسياسية، فالمواطنة يجب أن تكون الأساس، بحيث تنتهي حالة التخوين فلا يُعامل السوري بناءً على طائفته أو انتمائه السياسي، بل بناءً على كونه فردًا متساويًا في الحقوق والواجبات.

ربما ينجح الشباب في تشكيل أول لبنة للحوار لأنهم الفئة العمرية الأكثر قدرة على كسر الحواجز النفسية التي خلّفها الصراع، لذلك من المهم إشراكهم في مبادرات الحوار والمصالحة، وتشجيع الحركات المدنية التي تعمل على تقريب وجهات النظر.

من حق السوريين اليوم أن يطمحوا لحياة طبيعية لا تشوبها صراعات، ويتعين علينا جميعاً البدء ببناء وثيقة مواطنة عن طريق إيماننا بوطن معين والتمتع بحقوقه والالتزام بواجباته، بمشاركة الأفراد في المجتمع من خلال احترام القوانين، والمساهمة في التنمية، والدفاع عن حقوق الآخرين، إضافةً إلى ممارسة الحقوق السياسية مثل التصويت والتعبير عن الرأي، فالمواطنة ليست مجرد الانتماء لجنسية معينة، بل هي علاقة متبادلة بين الفرد والدولة مؤسسة على الحقوق والمسؤوليات المتبادلة وحين تكون المواطنة مُصانة تبدأ العلاقة بين الأفراد بالتحسن.

إن صياغة “عقد مواطنة” يتطلب معالجة الجراح التاريخية، وضمان العدالة، ووضع أسس قانونية وأخلاقية تضمن التعايش السلمي والمساواة، وهذا العقد يجب أن يكون وثيقة ملزمة أخلاقيًا وقانونيًا، تستند إلى مبادئ العدالة والاعتراف والمصالحة بالاعتراف بالأحداث التاريخية والمآسي التي حصلت والالتزام بعدم تكرار العنف.

لا بد في وثيقة المواطنة ضمان حرية المعتقدات الدينية وعدم فرض أي دين أو مذهب على الآخرين، باحترام التعددية الثقافية والترويج لها عبر المناهج التعليمية والإعلام ووضع دستور يضمن حقوق جميع المواطنين بلا استثناء، مع تعهد جميع الأطراف بالالتزام بالمواطنة الحقة، ونبذ العنف، والعمل المشترك من أجل وطن يتسع للجميع.

ولكن لتجاوز الجراح لا يكفي مجرد إصدار وثائق أو قوانين، بل يجب بناء عملية طويلة الأمد من المصالحة الوطنية قائمة على الاعتراف والعدالة والتسامح وإعادة بناء الثقة، فالتصالح لا يُنجز عبر النسيان القسري، بل عبر الاعتراف بالحقيقة، وتحقيق العدالة، وبناء ذاكرة جماعية جديدة تعتمد على العيش المشترك، وقد تحتاج هذه العملية إلى سنوات من العمل الدؤوب، لكنها الطريق الوحيد لبناء سلام حقيقي ومستدام.

من نافل القول إنه لا يمكن بناء هوية وطنية على أنقاض الظلم، يجب معالجة الجراح عبر العدالة الانتقالية وتعويض الضحايا، والاعتراف بالأخطاء، وإنشاء لجان حقيقة ومصالحة يساعد على التخفيف من الأحقاد فهل يمكن تحقيق ذلك فعلاً؟

حتى لا نكون طوباويين وندّعي المثالية في الحقيقة إن تشكيل هوية سورية جامعة: تشمل كل المواطنين بغض النظر عن طوائفهم أو أعراقهم أو أصولهم، ومانعة: تحمي الوحدة الوطنية وتمنع أي انقسامات جديدة تهدد استقرار الدولة، قد يتطلب عقوداً من العمل المستمر لأن ذلك لا يحتاج إلى إرادة سياسية فحسب، بل يستدعي تغيير في العقلية المجتمعية وهو ليس من مسؤولية السلطة فقط بل مسؤولية الأفراد كل في مجاله، مع إنجاز إصلاحات حقيقية في التعليم والإعلام والقانون، والاقتصاد.

وفي حال نجاح هذا المسعى سينعكس ذلك إيجابياً على علاقات الناس بعضهم بالبعض بطرق متعددة، وعندما تحقق العدالة والمصالحة ويشعر الجميع بأن الدولة تحميهم، ستنخفض مشاعر الخوف من الآخ” ولن يبقى الناس ينظرون إلى بعضهم على أنهم أعداء محتملون، بل كمواطنين متساوين في الحقوق والواجبات، وسيبدأ الناس في رفض أي محاولات لإثارة الفتنة، لأنهم أصبحوا يشعرون بالانتماء المشترك، وسيبدأ الناس في رؤية بعضهم البعض كشركاء في الوطن وليس كخصوم تاريخيين.

سيصبح بعدها الحديث عن الانتماءات والمناطق والطوائف والأعراق المختلفة أمراً عادياً، ومن باب التعرف على ثقافة أخرى مختلفة، ففي دولة المواطنة يجب ألا تكون انتماءاتنا الضيقة من (طائفة ودين ومنطقة) أمراً يعيبنا ونخشى منه فنخفيه، ولا يعلي من قدرنا أيضاً، ويمنحنا امتيازات تفضيلية، ربما حينها لن نخشى الإجابة عن سؤال من أين أنت؟ ويصبح من السهل أن نجيب: أنا من سوريا من تلك البلاد المثخنة بالجراح ولكنني فخور بذلك.

تلفزيون سوريا

——————————

انتهى “الأبد” لكن المهمة لم تنتهِ/ مصطفى ديب

15 مارس 2025

بعد أربعة عشر عامًا على خروج السوريين إلى الشوارع، وما مرّوا به من قتلٍ واعتقالٍ وتهجيرٍ ومآسٍ تفوق الوصف، أصبح بإمكاننا أخيرًا، وفي ذكراها الرابعة عشرة، أن نقول إن الثورة التي انطلقت لإسقاط نظام عائلة الأسد، أسقطته! آمالنا التي كنا نُعيد سردها في كل ذكرى، بشيءٍ من الأمل والكثير من الحسرة، باتت الآن واقعًا، أو بعضها على الأقل.

الاحتفالات التي كانت تُقام فيما تبقى من أماكن خارج سيطرة النظام، وفي بعض دول اللجوء، ستُقام اليوم في حلب وحماة وحمص ودمشق وكل المدن السورية. من شمال البلاد إلى جنوبها، لن يشغل السوريين اليوم شيء سوى هذه الذكرى التي تحضر بصيغة مختلفة؛ تحضر بعدما تحقق هدفها الأول: إسقاط الأسد.

يبدو هذا اليوم مختلفًا بالفعل. أصبح كذلك بعد الثامن من كانون الأول/ديسمبر 2024، ولا نبالغ إن قلنا إن هناك شيئًا من الحلم في كل ما جرى منذ ذلك اليوم، إذ لم يكن حتى أشدنا تفاؤلًا يعتقد بأن سقوط النظام لا يزال ممكنًا. لا يتعلق الأمر بالأمل واليأس، وإنما بما عشناه من انتكاسات منذ سقوط حلب عام 2016، وصولًا إلى مطلع عام 2020، حين سيطر النظام على أجزاء واسعة من محافظة إدلب. مع ذلك، سقط الأسد أخيرًا؛ انتهى “الأبد” وانتهى معه من وضعونا، طوال أربعة عشر عامًا، أمام خيارين: الأسد أو نحرق البلد!

    آمالنا التي كنا نُعيد سردها في كل ذكرى، بشيءٍ من الأمل والكثير من الحسرة، باتت الآن واقعًا، أو بعضها على الأقل

هو يومٌ للاحتفال بتحقق ما بدا، لسنوات، مستحيلًا. لكنه يجب أن يكون أيضًا يومًا للتأكيد على ضرورة تحقيق أهداف الثورة كاملةً: بناء دولة لجميع السوريين. وكذلك للتذكير بضرورة تحقيق ما يجب أن يتحقق بعد سقوط النظام: الانتقال الديمقراطي، المحاسبة، العدالة الانتقالية، الانتقال من منطق الجماعات المسلحة إلى منطق الدولة، وكذلك الحفاظ على النسيج الاجتماعي المحلي.

هذه مسائل لا يمكن إغفالها أو غض الطرف عن عدم تحققها لأنها هي فقط ما يضمن بناء سوريا الجديدة. كنا ندرك ذلك منذ البداية، منذ لحظة السقوط، لكن الأمر صار أكثر إلحاحًا بعد أحداث الساحل التي أعادتنا إلى عام 2011 لكن بشكل معكوس، وفتحت الباب أمام الكثير من التساؤلات الملحة التي تحدد الإجابة عنها طبيعة المرحلة القادمة وملامح مستقبل سوريا.

تتصدر المحاسبة والعدالة الانتقالية هذه التساؤلات، يليها مباشرةً قدرة الإدارة الجديدة على إدارة هذا الملف، وضبط انتشار السلاح بين المدنيين، خاصةً أن جزءًا كبيرًا من الانتهاكات التي وقعت في الساحل نفذها، وفق تقارير حقوقية، مدنيون وصلوا إلى المنطقة بوصفهم قوات رديفة لإدارة الأمن العام ووزارة الدفاع. عدا عن ضبط سلوك الفصائل التي لا يزال بعضها يتصرف ككيانات مستقلة رغم التصريحات المتكررة بأنها انتقلت من منطق الثورة إلى منطق الدولة واندمجت بشكل كامل في وزارة الدفاع.

لكن السؤال الأهم يتعلق بمدى قدرة الإدارة الجديدة على التعامل مع مثل هذه الأزمات ـ التي نأمل ألا تتكرر – مستقبلًا. وكذلك قدرتها على تحقيق الإصلاح السياسي، وضمان حماية حقوق الإنسان، ومحاسبة مرتبكي الانتهاكات. هذه أشياء لا بد من التذكير بها، والتأكيد على ضرورتها، خصوصًا في هذا اليوم الذي خرج فيه السوريون يطالبون بكل ما سبق.

الترا سوريا

————————–

========================

تحديث 14 أذار 2025

————————

نص الإعلان الدستوري لسوريا 2025

14/3/2025

وقَّع الرئيس السوري أحمد الشرع في 13 مارس/آذار 2025، إعلانا دستوريا يحدد مدة المرحلة الانتقالية في البلاد بـ5 سنوات.

وفي كلمة له بعد توقيعه على الإعلان، أعرب الشرع عن أمله في أن يمثل هذا الحدث بداية جديدة لسوريا، قائلا: “نتمنى أن يكون هذا تاريخا جديدا لسوريا نستبدل فيه الجهل بالعلم والعذاب بالرحمة”، وأضاف: “نأمل أن يكون ذلك فاتحة خير للشعب السوري على طريق البناء والتطور”.

سقوط الأسد وتشكيل اللجنة

عقب سقوط نظام بشار الأسد في الثامن من ديسمبر/كانون الأول 2024، أعلنت الإدارة السورية في 29 يناير/كانون الثاني 2025، تعيين الشرع رئيسا للمرحلة الانتقالية، إلى جانب إلغاء العمل بالدستور، وحل الفصائل المسلحة والأجهزة الأمنية، ومجلس الشعب (البرلمان) وحزب البعث العربي الاشتراكي.

وأعلن الشرع في الثاني من مارس/آذار 2025، تشكيل لجنة لصياغة الإعلان الدستوري، مكونة من 7 قانونيين، وسلمت المسودة في 12 مارس/آذار، ووقع الرئيس السوري على الإعلان الدستوري في اليوم التالي.

وأوضحت لجنة الخبراء المكلفة بصياغة الإعلان الدستوري، في مؤتمر صحفي عُقد عقب تسليمه للرئيس الشرع، أنها استندت في إعداد الوثيقة إلى مخرجات مؤتمر الحوار الوطني الذي عُقد في فبراير/شباط 2025.

وجاء نص الإعلان الدستوري للجمهورية العربية السورية، وفقا لما نشرته وكالة الأنباء السورية “سانا”، على النحو التالي (العبارات التي بين قوسين إضافة من الجزيرة نت للتوضيح):

الإعلان الدستوري للجمهورية العربية السورية

“في فجر يوم مشهود، تنفس صبح النصر، وانطلقت سوريا نحو عهد جديد، إيذانا بزوال الظلم والقهر وانبعاث الأمل في بناء دولة حديثة قائمة على العدل والكرامة والمواطنة الحقة، فقد جثم الاستبداد على صدور السوريين، إذ امتد لـ6 عقود نظام شمولي فرضه حزب البعث، فاحتكر السلطة، وصادر الحقوق، ومكّن لحكم استبدادي قمعي أجهز على مؤسسات الدولة، وأفرغ الدستور من مضمونه وحوّل القانون إلى أداة للقمع والاستعباد كانت تلك العقود حقبة سوداء مظلمة، فثار الشعب مطالبا بحريته واسترداد كرامته، لكنه تعرض على يد العصابة الأسدية للقتل الممنهج، والتدمير الشامل، والتعذيب الوحشي، والتهجير القسري والحصار الجائر، والاستهداف المباشر للمدنيين، فضلا عن تدمير البيوت فوق رؤوس ساكنيها، تارة بالبراميل المتفجرة، وأخرى بالأسلحة الكيميائية. وقد شكلت هذه الجرائم التي تعد جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وجريمة إبادة جماعية، نموذجا صارخا لانتهاك القيم البشرية والشرائع الدولية.

لكن الشعب السوري، بإيمانه الراسخ، وإرادته الصلبة، وصموده الأسطوري، لم يستسلم، بل واصل ثورته العظيمة التي امتدت قرابة 14 عاما، قدم فيها أبناء سوريا الأحرار دماءهم وتضحياتهم، يكنسون فيها إرث الاستبداد، حتى بزغ فجر جديد، وسطعت شمس التحرير على دمشق في 8 (ديسمبر) كانون الأول 2024، معلنة نهاية عهد نظام الأسد المجرم وداعميه. ثم أُعلن هذا النصر رسميا في مؤتمر النصر، وصدر البيان التاريخي الذي وثق انتصار الثورة السورية، واستعادة الشعب قراره وسيادته على أرضه.

واليوم، وقد عاد الوطن إلى أبنائه، وعادوا إليه ليبنوا أركانه ويحفظوا ثغوره باتت المسؤولية التاريخية تحتم استكمال مسيرة النضال بتحصين هذا الانتصار، وترسيخ أسس العدالة، وضمان عدم تكرار المأساة، وحماية الأجيال القادمة من أي استبداد جديد.

وانطلاقا من هذا الواجب الوطني، وبعد حوارات مكثفة بين مختلف مكونات المجتمع السوري، أجريت في أجواء من الحرية والتبادل البناء لوجهات النظر بشأن مستقبل سوريا، تُوجت بانعقاد مؤتمر الحوار الوطني، الذي صدرت مخرجاته بتاريخ 25 (فبراير) شباط 2025، معبرة عن الوفاق الوطني حول القضايا الكبرى، وفي مقدمتها:

    الحفاظ على وحدة وسلامة سوريا، أرضا وشعبا.

    تحقيق العدالة الانتقالية وإنصاف الضحايا.

    بناء دولة المواطنة والحرية والكرامة وسيادة القانون.

    تنظيم شؤون البلاد في المرحلة الانتقالية وفق مبادئ الحكم الرشيد.

واستنادا إلى القيم العريقة والأصيلة التي يتميز بها المجتمع السوري بتنوعه وتراثه الحضاري، وإلى المبادئ الوطنية والإنسانية الراسخة، وحرصا على إرساء قواعد الحكم الدستوري السليم المستوحى من روح الدساتير السورية السابقة، ولا سيما دستور عام 1950 -دستور الاستقلال-، وإعمالا لما نص عليه إعلان انتصار الثورة السورية الصادر بتاريخ 29 (ديسمبر) كانون الأول 2025، الذي يُعد أساسا متينا لهذا الإعلان.

فإن رئيس الجمهورية يُصدر الإعلان الدستوري الآتي، والذي تعد مقدمته جزءا لا يتجزأ منه:

الباب الأول: أحكام عامة

المادة 1:

الجمهورية العربية السورية دولة مستقلة ذات سيادة كاملة، وهي وحدة جغرافية وسياسية لا تتجزأ، ولا يجوز التخلي عن أي جزء منها.

المادة 2:

تؤسس الدولة لإقامة نظام سياسي يرتكز على مبدأ الفصل بين السلطات، ويضمن الحرية والكرامة للمواطن.

المادة 3:

دين رئيس الجمهورية الإسلام، والفقه الإسلامي هو المصدر الرئيس للتشريع.

حرية الاعتقاد مصونة، وتحترم الدولة جميع الأديان السماوية، وتكفل حرية القيام بجميع شعائرها على ألا يُخلّ ذلك بالنظام العام.

الأحوال الشخصية للطوائف الدينية مصونة ومرعية وفقا للقانون.

المادة 4:

اللغة العربية هي اللغة الرسمية للدولة.

المادة 5:

دمشق هي عاصمة الجمهورية العربية السورية، ويُحدّد شعار الدولة ونشيدها الوطني بقانون.

المادة 6:

يكون العلم السوري على الشكل التالي:

يمتد العلم على شكل مستطيل طوله يساوي ثلثي عرضه.

يتضمن 3 مستطيلات متساوية يعلوها اللون الأخضر ويتوسطها اللون الأبيض ومن ثم الأسود في الأسفل.

تتوسط العلم في المنتصف وضمن المساحة البيضاء 3 نجمات حمراء.

المادة 7:

تلتزم الدولة بالحفاظ على وحدة الأرض السورية، وتجرّم دعوات التقسيم والانفصال، وطلب التدخل الأجنبي أو الاستقواء بالخارج.

تلتزم الدولة بتحقيق التعايش والاستقرار المجتمعي وتحفظ السلم الأهلي وتمنع أشكال الفتنة والانقسام وإثارة النعرات والتحريض على العنف.

تكفل الدولة التنوع الثقافي للمجتمع السوري بجميع مكوناته، والحقوق الثقافية واللغوية لجميع السوريين.

تضمن الدولة مكافحة الفساد.

المادة 8:

تسعى الدولة للتنسيق مع الدول والجهات ذات الصلة لدعم عملية إعادة الإعمار في سوريا.

تعمل الدولة بالتنسيق مع الدول والمنظمات الدولية ذات الصلة لتذليل عقبات العودة الطوعية للاجئين والنازحين وجميع المهجرين قسريا.

تلتزم الدولة بمكافحة جميع أنواع وأشكال التطرف العنيف مع احترام الحقوق والحريات.

المادة 9:

الجيش مؤسسة وطنية محترفة مهمته حماية البلاد والحفاظ على أمنها وسلامتها ووحدة أراضيها.

بما يتوافق مع سيادة القانون وحماية حقوق الإنسان.

الدولة وحدها هي التي تنشئ الجيش ويحظر على أي فرد أو هيئة أو جهة أو جماعة إنشاء تشكيلات أو فرق أو تنظيمات عسكرية أو شبه عسكرية، ويُحصر السلاح بيد الدولة.

المادة 10:

المواطنون متساوون أمام القانون في الحقوق والواجبات، من دون تمييز بينهم في العرق أو الدين أو الجنس أو النسب.

المادة 11:

يهدف الاقتصاد الوطني إلى تحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية الاقتصادية الشاملة وزيادة الإنتاج ورفع مستوى المعيشة للمواطنين.

يقوم الاقتصاد الوطني على مبدأ المنافسة الحرة العادلة ومنع الاحتكار.

تشجع الدولة الاستثمار وتحمي المستثمرين في بيئة قانونية جاذبة.

الباب الثاني: الحقوق والحريات

المادة 12:

تصون الدولة حقوق الإنسان وحرياته الأساسية، وتكفل حقوق المواطن وحرياته.

تعد جميع الحقوق والحريات المنصوص عليها في المعاهدات والمواثيق والاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان التي صادقت عليها الجمهورية العربية السورية جزءا لا يتجزأ من هذا الإعلان الدستوري.

المادة 13:

تكفل الدولة حرية الرأي والتعبير والإعلام والنشر والصحافة.

تصون الدولة حرمة الحياة الخاصة، وكل اعتداء عليها يعد جرما يعاقب عليه القانون.

للمواطن حرية التنقل، ولا يجوز إبعاد المواطن عن وطنه أو منعه من العودة إليه.

المادة 14:

تصون الدولة حق المشاركة السياسية وتشكيل الأحزاب على أسس وطنية وفقا لقانون جديد.

تضمن الدولة عمل الجمعيات والنقابات.

المادة 15:

العمل حق للمواطن وتكفل الدولة مبدأ تكافؤ الفرص بين المواطنين.

المادة 16:

حق الملكية الخاصة مصون، ولا تُنزع إلا للمنفعة العامة ومقابل تعويض عادل.

ملكية الأموال العامة مصونة وجميع الثروات الطبيعية ومواردها هي ملكية عامة وتقوم الدولة بحفظها واستغلالها واستثمارها لمصلحة المجتمع.

المادة 17:

العقوبة شخصية، ولا جريمة ولا عقوبة إلا بنص.

حق التقاضي والدفاع وسلوك سبل الطعن مصون بالقانون، ويحظر النص في القوانين على تحصين أي عمل أو قرار إداري من رقابة القضاء.

المتهم بريء حتى تثبت إدانته بحكم قضائي مبرم.

المادة 18:

تصون الدولة كرامة الإنسان وحرمة الجسد وتمنع الاختفاء القسري والتعذيب المادي والمعنوي، ولا تسقط جرائم التعذيب بالتقادم.

باستثناء حالة الجرم المشهود، لا يجوز إيقاف أي شخص أو الاحتفاظ به أو تقييد حريته إلا بقرار قضائي.

المادة 19:

المساكن مصونة، لا يجوز دخولها أو تفتيشها إلا في الأحوال المبينة في القانون.

المادة 20:

الأسرة نواة المجتمع، وتلتزم الدولة بحمايتها.

المادة 21:

تحفظ الدولة المكانة الاجتماعية للمرأة، وتصون كرامتها ودورها داخل الأسرة والمجتمع، وتكفل حقها في التعليم والعمل.

تكفل الدولة الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للمرأة، وتحميها من جميع أشكال القهر والظلم والعنف.

المادة 22:

تعمل الدولة على حماية الأطفال من الاستغلال وسوء المعاملة، وتكفل حقهم في التعليم والرعاية الصحية.

المادة 23:

تصون الدولة الحقوق والحريات الواردة في هذا الباب، وتمارس وفقا للقانون، ويجوز إخضاع ممارستها للضوابط التي تشكل تدابير ضرورية للأمن الوطني أو سلامة الأراضي أو السلامة العامة أو حماية النظام العام ومنع الجريمة، أو لحماية الصحة أو الآداب العامة.

الباب الثالث: نظام الحكم في المرحلة الانتقالية

أولا – السلطة التشريعية

يمارس السلطة التشريعية مجلس الشعب.

المادة 24:

يشكل رئيس الجمهورية لجنة عليا لاختيار أعضاء مجلس الشعب.

تشرف اللجنة العليا على تشكيل هيئات فرعية ناخبة، وتنتخب تلك الهيئات ثلثي أعضاء مجلس الشعب.

يعين رئيس الجمهورية ثلث أعضاء مجلس الشعب لضمان التمثيل العادل والكفاءة.

المادة 25:

لا يجوز عزل عضو مجلس الشعب إلا بموافقة ثلثي أعضائه.

يتمتع عضو مجلس الشعب بالحصانة البرلمانية.

المادة 26:

يتولى مجلس الشعب السلطة التشريعية حتى اعتماد دستور دائم، وإجراء انتخابات تشريعية جديدة وفقا له.

مدة ولاية مجلس الشعب ثلاثون شهرا قابلة للتجديد.

المادة 27:

يؤدي أعضاء مجلس الشعب القسم أمام رئيس الجمهورية، وتكون صيغة القسم: “أقسم بالله العظيم أن أؤدي مهمتي بأمانة وإخلاص”.

المادة 28:

ينتخب مجلس الشعب في أول اجتماع له رئيسا ونائبين وأمينا للسر، ويكون الانتخاب بالاقتراع السري وبالأغلبية، ويرأس الجلسة الأولى لحين الانتخاب أكبر الأعضاء سنا.

المادة 29:

يعد مجلس الشعب نظامه الداخلي في شهر من أول جلسة له.

المادة 30:

يتولى مجلس الشعب المهام التالية:

أ- اقتراح القوانين وإقرارها.

ب- تعديل أو إلغاء القوانين السابقة.

ت- المصادقة على المعاهدات الدولية.

ث- إقرار الموازنة العامة للدولة.

ج- إقرار العفو العام.

ح- قبول استقالة أحد أعضائه أو رفضها أو رفع الحصانة عنه وفقا لنظامه الداخلي.

خ- عقد جلسات استماع للوزراء.

يتخذ مجلس الشعب قراراته بالأغلبية.

ثانيا: السلطة التنفيذية:

المادة 31:

يمارس رئيس الجمهورية والوزراء السلطة التنفيذية ضمن الحدود المنصوص عليها في هذا الإعلان الدستوري.

المادة 32:

رئيس الجمهورية هو القائد الأعلى للجيش والقوات المسلحة، والمسؤول عن إدارة شؤون البلاد ووحدة أراضيها وسلامتها، ورعاية مصالح الشعب.

المادة 33:

يؤدي رئيس الجمهورية اليمين الدستورية أمام مجلس الشعب، وتكون صيغتها: “أقسم بالله العظيم أن أحافظ مخلصا على سيادة الدولة ووحدة البلاد وسلامة أراضيها واستقلال قرارها، والدفاع عنها، وأن أحترم القانون وأرعى مصالح الشعب وأسعى بكل صدق وأمانة لتأمين حياة كريمة لهم وتحقيق العدل بينهم، وترسيخ القيم النبيلة والأخلاق الفاضلة”.

المادة 34:

يسمي رئيس الجمهورية نائبا له أو أكثر ويحدد اختصاصاتهم ويعفيهم من مناصبهم ويقبل استقالتهم، وفي حال شغور منصب الرئاسة يتولى النائب الأول صلاحيات رئيس الجمهورية.

المادة 35:

يعين رئيس الجمهورية الوزراء ويعفيهم من مناصبهم ويقبل استقالتهم.

يؤدي الوزراء القسم أمام رئيس الجمهورية، وتكون صيغة القسم: “أقسم بالله العظيم أن أؤدي مهمتي بأمانة وإخلاص”.

المادة 36:

يصدر رئيس الجمهورية اللوائح التنفيذية والتنظيمية ولوائح الضبط والأوامر والقرارات الرئاسية وفقا للقوانين.

المادة 37:

يمثل رئيس الجمهورية الدولة، ويتولى التوقيع النهائي على المعاهدات مع الدول والمنظمات الدولية.

المادة 38:

يعين رئيس الجمهورية رؤساء البعثات الدبلوماسية لدى الدول الأجنبية وإقالتهم، ويقبل اعتماد رؤساء البعثات الدبلوماسية الأجنبية لدى الجمهورية العربية السورية.

المادة 39:

لرئيس الجمهورية حق اقتراح القوانين.

يُصدر رئيس الجمهورية القوانين التي يقرها مجلس الشعب، وله الاعتراض عليها بقرار معلل في شهر من تاريخ ورودها من المجلس الذي يعيد النظر فيها، ولا تقر القوانين بعد الاعتراض إلا بموافقة ثلثي مجلس الشعب، وفي هذه الحالة يصدرها رئيس الجمهورية حكما.

المادة 40:

لرئيس الجمهورية منح العفو الخاص ورد الاعتبار.

المادة 41:

يعلن رئيس الجمهورية التعبئة العامة والحرب بعد موافقة مجلس الأمن القومي.

إذا قام خطر جسيم وحال يهدد الوحدة الوطنية أو سلامة واستقلال أرض الوطن أو يعوق مؤسسات الدولة عن مباشرة مهامها الدستورية، لرئيس الجمهورية أن يعلن حالة الطوارئ جزئيا أو كليا لمدة أقصاها 3 أشهر في بيان إلى الشعب بعد موافقة مجلس الأمن القومي واستشارة رئيس مجلس الشعب ورئيس المحكمة الدستورية ولا تمدد لمرة ثانية إلا بعد موافقة مجلس الشعب.

المادة 42

تتولى السلطة التنفيذية ما يلي:

تنفيذ القوانين والخطط والبرامج المعتمدة.

إدارة شؤون الدولة وتنفيذ السياسات العامة التي تحقق الاستقرار والتنمية.

إعداد مشروعات القوانين لرئيس الجمهورية لاقتراحها على مجلس الشعب.

إعداد الخطط العامة للدولة.

إدارة الموارد العامة للدولة وضمان استخدامها بشكل فعّال وشفاف.

إعادة بناء المؤسسات العامة وتعزيز سيادة القانون والحكم الرشيد.

بناء المؤسسة الأمنية بما يضمن تعزيز الأمن والاستقرار الداخلي وحماية حقوق المواطنين وحرياتهم.

بناء جيش وطني احترافي مهمته الدفاع عن حدود البلاد وسيادتها، وحماية الشعب بكل وطنية وإخلاص، مع الالتزام التام باحترام القوانين النافذة.

تعزيز العلاقات الدولية والتعاون مع المنظمات الدولية لتحقيق المصالح الوطنية.

ثالثا: السلطة القضائية:

المادة 43:

السلطة القضائية مستقلة، ولا سلطان على القضاة إلا للقانون.

يضمن المجلس الأعلى للقضاء حسن سير القضاء واحترام استقلاله.

المادة 44:

تنشأ المحاكم وتحدد اختصاصاتها بقانون، ويُحظر إنشاء المحاكم الاستثنائية.

المادة 45:

النظام القضائي مزدوج ويتكون من القضاء العادي والقضاء الإداري.

يشرف مجلس القضاء الأعلى على القضاء العادي والعسكري.

يتولى مجلس الدولة القضاء الإداري وهو هيئة قضائية واستشارية مستقلة ويبين القانون اختصاصاته وشروط تعيين قضاته وصلاحياته.

المادة 46:

تتبع إدارة قضايا الدولة لوزارة العدل ويُنظّم اختصاصها بقانون.

المادة 47:

تحل المحكمة الدستورية العليا القائمة وتنشأ محكمة دستورية عليا جديدة.

تتكون المحكمة الدستورية العليا من سبعة أعضاء يسميهم رئيس الجمهورية من ذوي النزاهة والكفاءة والخبرة.

وتنظم آلية عملها واختصاصاتها بقانون.

الباب الرابع: الأحكام الختامية

المادة 48:

تمهد الدولة الأرضية المناسبة لتحقيق العدالة الانتقالية عبر:

إلغاء جميع القوانين الاستثنائية التي ألحقت ضررا بالشعب السوري وتتعارض مع حقوق الإنسان.

إلغاء مفاعيل الأحكام الجائرة الصادرة عن محكمة الإرهاب التي استخدمت لقمع الشعب السوري بما في ذلك رد الممتلكات المصادرة.

إلغاء الإجراءات الأمنية الاستثنائية المتعلقة بالوثائق المدنية والعقارية والتي استخدمها النظام البائد لقمع الشعب السوري.

المادة 49

تُحدث هيئة لتحقيق العدالة الانتقالية تعتمد آليات فاعلة تشاورية مرتكزة على الضحايا، لتحديد سبل المساءلة، والحق في معرفة الحقيقة، وإنصاف للضحايا والناجين، إضافة إلى تكريم الشهداء.

تستثنى جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وجريمة الإبادة الجماعية وكل الجرائم التي ارتكبها النظام البائد من مبدأ عدم رجعية القوانين.

تجرم الدولة تمجيد نظام الأسد البائد ورموزه، ويعد إنكار جرائمه أو الإشادة بها أو تبريرها أو التهوين منها، جرائم يعاقب عليها القانون.

المادة 50:

يتم تعديل الإعلان الدستوري بموافقة ثلثي مجلس الشعب بناء على اقتراح رئيس الجمهورية.

المادة 51:

يستمر العمل بالقوانين النافذة ما لم يتم تعديلها أو إلغاؤها.

المادة 52:

تحدد مدة المرحلة الانتقالية بخمس سنوات ميلادية تبدأ من تاريخ نفاذ هذا الإعلان الدستوري.

وتنتهي بعد إقرار دستور دائم للبلاد وتنظيم انتخابات وفقا له.

المادة 53:

ينشر هذا الإعلان في الجريدة الرسمية، ويعمل به من تاريخ نشره.

رئيس الجمهورية العربية السورية

13 رمضان 1446 هـ – 13 (مارس) آذار 2025 م

رئاسة الجمهورية العربية السورية”.

المصدر : وكالات

————————————-

قرارات الرئاسة السورية… محاولة لتعزيز الثقة/ محمد أمين

14 مارس 2025

أصدر الرئيس السوري أحمد الشرع، أول من أمس الأربعاء، قراراً يقضي بتشكيل مجلس الأمن القومي بـ”هدف تنسيق وإدارة السياسات الأمنية والسياسية في البلاد”. ووفق القرار، فإن المجلس سيكون برئاسة رئيس الجمهورية، وسيضم في عضويته وزراء الخارجية والدفاع والداخلية، إضافة الى مدير الاستخبارات العامة، ومستشارين يتم تعيينهما من قبل رئيس الجمهورية وفقاً للكفاءة والخبرة، وخبيراً تقنياً متخصصاً لمتابعة الشؤون التقنية والعلمية ذات الصلة بعمل المجلس. ويضاف هذا القرار إلى مجموعة قرارات صدرت عن الرئاسة السورية خلال فترة زمنية قصيرة، يبدو أن الهدف الرئيسي منها استعادة ثقة المواطن بالدولة، لا سيما بعد ما رافق العملية العسكرية ضد فلول الأسد في الساحل السوري من انتهاكات وجرائم بحق المدنيين، بما في ذلك تشكيل أكثر من لجنة للحفاظ على السلم الأهلي الذي تعرض بعد الثامن من ديسمبر/كانون الأول الماضي، بعد إسقاط الأسد، لأكثر من اختبار.

مساعي الرئاسة السورية

 كما سعت الرئاسة السورية الى إرسال تطمينات للأقليات الدينية والمذهبية، وأنها لن تتسامح مع أي شخص أو طرف يهدد السلم الأهلي، لذا شكّلت لجنة في هذا الإطار في الساحل، فضلاً عن لجنة لتقصي الحقائق عما حدث من تجاوزات بحق مدنيين في المنطقة. وواصلت الرئاسة السورية بذل الجهود من أجل التوصل مع الفعاليات الاجتماعية والدينية والعسكرية في محافظة السويداء، لتفاهمات تبدد مخاوف سكانها وتفعّل المؤسسات الحكومية، خصوصاً الأمنية والخدمية. كما توصلت الرئاسة السورية لاتفاق وُصف بـ”التاريخي” مع “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) قبل أيام.

وهددت التجاوزات التي حدثت أخيراً بحق مدنيين على أساس طائفي، الاستقرار والسلم الأهلي في البلاد، ما استدعى هذه القرارات والخطوات لرأب الصدع بين مكونات الشعب السوري. ومنذ سقوط نظام الأسد في الثامن من ديسمبر الماضي، وُضع السلم الأهلي أكثر من مرة على محك المخاوف والهواجس، التي تفجرت مدفوعة بتردي الحالة المعيشية وتراجع الاقتصاد وتردد أطراف دولية في رفع العقوبات المفروضة على سورية.

وتعليقاً على سلسلة القرارات والخطوات التي أقدمت عليها الرئاسة السورية خلال فترة زمنية قصيرة، رأى الباحث في مجال الهوية والحوكمة، زيدون الزعبي، في حديث لـ”العربي الجديد”، أن هذه الخطوات “مهمة بالتأكيد، ولكنها غير كافية”، مضيفاً أن البلاد بحاجة إلى إنشاء هيئة عدالة انتقالية في أسرع الآجال، وهيئة للوفاق والسلم الأهلي. اللجنة التي شُكّلت لهذا الغرض جيدة إلا أنها تشمل منطقة الساحل فقط. موضوع السلم الأهلي بحاجة إلى عمل وطني كبير.

في السياق، رأى الباحث السياسي عرابي عرابي في حديث مع “العربي الجديد” أن تشكيل مجلس للأمن القومي من قبل الرئاسة السورية: “سيكون مهماً لدعم البلاد في السياسة الخارجية والاقتصاد والأمن”، مضيفاً أن موضوع السلم والاستقرار من مهام هذا المجلس الذي سيصدر القرارات التي ستنفذها الوزارات المعنية. وأعتقد أن السلم الأهلي يتطلب إجراءات على مستويات متعددة، اقتصادية واجتماعية وتنموية، فضلاً عن العمل السياسي الدؤوب. وعُدّ تشكيل مجلس لـ”الأمن القومي” خطوة غير مسبوقة في تاريخ سورية، فرضتها تحديات داخلية تهدد السلم الأهلي والاستقرار، وخارجية تستهدف السيادة والجغرافية، وأبرز مثال عليها التدخل الإسرائيلي في جنوب سورية، المصحوب بتهديدات لفظية من كبار المسؤولين في تل أبيب حيال الإدارة الجديدة في سورية.

تشكيل مجلس الأمن القومي

حول ذلك، رأى الباحث السياسي عبد الرحمن الحاج في حديث مع “العربي الجديد”، أن “تشكيل مجلس الأمن القومي خطوة مهمة تساعد على الاستجابة السريعة للتهديدات واتخاذ القرار المناسب”. وأضاف أن مأسسة الاستجابة للتهديدات المتعلقة بالأمن القومي خطوة جديدة غير مسبوقة في تاريخ سورية، ولكنها مجرد إجراءات ينبغي اتخاذها لمواجهة التهديدات المحتملة لاستعادة الثقة بسيطرة الدولة وقدرتها على التحكم وبسط الأمن. وبرأيه من أبرز هذه الإجراءات التي على الإدارة القيام بها “استكمال بناء الجيش وإدماج القوات والفصائل فيه بصفتهم أفراداً ليكون ولاء الجيش للوطن وليس لقادة الفصائل”، مضيفاً أن استكمال بناء قوات الأمن وتدريبهم وتسليحهم بشكل مناسب أمر يجب أن يستمر. واعتبر الحاج أن “سورية بحاجة إلى أعداد كبيرة من المجندين في قوات الأمن العام”، مشدّداً على أن الشراكة السياسية في الحكومة الانتقالية من مكونات المجتمع السوري كافة، أمر في غاية الأهمية، لأن شعور الجميع أن هذه دولتهم يأتي من هذه الشراكة. كما رأى الحاج أن “رأب الصدوع الاجتماعية واستقرار المجتمع في سورية يجب أن يُتمم بتشكيل هيئة عدالة انتقالية”، التي قال إنها الوجه الآخر لضمان ألا يحدث تهدد للأمن القومي على المدى الطويل.

العربي الجديد

—————————

عن هامشيّتنا وحرّيتنا والخيارات الضيّقة جداً أمام “الجميع”/ شكري الريان

14.03.2025

لا معنى للأمل، من دون طريق واضح إليه. هذا ما تحاول السلطة الحالية في دمشق أن تمحوه. ليس الأمل، فهو مفيد لهم في هذه الظروف، ولو لشراء الوقت لتثبيت سلطتهم. ما تحاول محوه هو الطريق نفسه.

كانت الكاتبة اللبنانية دلال البزري، هي أول من طرح السؤال المتعلق بمدى ارتباط حريتنا كمثقفين بهامشيتنا. أظن هذا على حد معرفتي، وأعتقد أن الفترة التي نُشر فيها مقالها، أو مداخلتها المتعلقة بهذا الموضوع، في واحدة من كبريات الصحف العربية، كانت في نهاية التسعينات، أو بداية الألفية الجديدة. وغالباً تم النشر، ومن خلال ندوة ما عقدت حول هذا الموضوع، في واحدة من الصحيفتين الرئيسيتين اللتين كنت أتابعهما آنذاك: السفير أو الحياة.

لم أنس المقال، وموضوعته الرئيسية، طيلة تلك السنوات، لأنه كان يتعلق بخياراتي الشخصية، في ذلك الوقت، وكل وقت. وأظنه كذلك يتعلق بخيارات أي مثقف عربي، ابتُلي بالعيش في ظل نظام ديكتاتوري شديد التوحش، عندما يتعلق الأمر بتجاوز الخطوط الحمراء التي تبقي ذلك النظام جاثماً فوق أنفاس الجميع.

بالنسبة إلي، في ذلك الوقت، وكنت أنهي ثلاثينياتي، كان يفترض بسؤال كهذا أن يكون قد عفى عليه الزمن. إذ بات من المستحيل، على أي سوري، أن يعيد التفكير في خيارات، كانت محدودة جداً، طيلة سنوات القهر التي بدأت فعلياً، حتى قبل أن يستولي الأسد على السلطة. ولكني، وكأي مبتلى بتلك التي يسمونها في سوريا “السوسة”، وكانت “سوستي” هي الشأن العام الذي لم أعرف كيف ابتعد عنه، ولو من باب الفضول، ما كان أمامي من بد سوى الإمعان في التفكير حول تلك “الخيارات” التي كنت أعرف سلفاً أنني كنت مجرداً منها أصلاً، ومنذ مطلع شبابي، حيث كان طموحي الشخصي يدور في فلك ما يمكن للعملية الإبداعية، أياً كان شكلها، أن تمنحه من قيمة مضافة لحياة، هي أقرب إلى الموت منها إلى أي شيء آخر.

كان الأمر برمته مؤلماً جداً، لشاب يعرف سلفاً أنه لو أراد أن يجد لنفسه طريقاً، فعليه أن يجد “راعياً”، ويمتثل لشروط ذلك الراعي، بحيث يخرج بنتيجة هي أسوأ من تلك التي يعيشها فعلاً، وهو خارج “أسوار” أية مؤسسة، يمكن أن تحويه وأسئلته معه.

عن سبل النجاة بين الهامش والمتن

هامشيتي، طيلة السنوات التي سبقت طرح السؤال أعلاه، ولحقتها، لم تكن عسلاً من الحرية، بقدر ما كانت عذاباً مقيماً، لأبقي على الحد الأدنى من طموحي الشخصي، في مواجهة حياة، لم تكن أبداً تشبه الحياة، في ظل البؤس والخوف اللذين تقاسمهما جميع السوريين، وكل العرب، وإن بدرجات متفاوتة، في ظل ذلك الكابوس الذي مثله نظام الاستبداد، أياً كان البلد الذي يهيمن عليه.

كان الأمر أشبه بمن يحاول أن يسرق شيئاً، على حساب أشياء أخرى، أكثر ضرورة وإلحاحاً، فقط ليقنع نفسه بأنه ما زال يتنفس. في الوقت الذي شهدت فيه، كغيري كثر، بعض أقراننا وهم “يمضون” في طريق “نجاحهم”، محوّلين الأثمان التي دفعوها، ومن حريتهم بالذات، إلى امتيازات لا تقبل الجدل.

لا أقصد الجميع بالتأكيد، وبالذات أولئك الذين تمكنوا من تقديم إضافات فعلية، من أبناء الأجيال التي سبقتنا، ومن أبناء جيلي، من دون أي تنازل عن حريتهم. ولكن أكثر أبناء جيلي، السوريين بالذات، ممن دفعوا أثماناً حقيقية من أعمارهم، وفي السجون غالباً، لم ينجُ لنقول بأن الثمن جدير بأن يدفع. بعضهم أفلت من تلك الخاتمة السوداء، أي الغياب الكامل- الهامشية في أسوأ حالاتها وأكثرها ظلاماً، أفلتوا بفعل عناد ومثابرة مشهودين، مضافاً إليهما بعض الحظ الذي مكنهم من أن يصلوا في النهاية إلى ممارسة ما تيسر لهم من أي قدر من الحرية، وتمكنوا من تقديم إضافاتهم التي بقيت نادرة كندرة مسار كان يجب أن يكون هو المتن، فتحول إلى هامش بدوره، فقط لتضيق مساحة الأمل في وجوه بقيتنا.

بقي “المتن” تماماً كما كان دائماً، على رغم بعض اللمعات التي كانت تظهر فقط لتؤكد ندرتها أكثر من أي شيء آخر. وبقي السؤال معلقاً دائماً: كيف يمكنني كمثقف، أن أقدم ما عندي، في ظل حالة تفرض علي، إن أردت المضي في خياراتي إلى نهاياتها، أن أبقى دائماً في ذلك الهامش؟! الذي، وإن استثنينا السجون من ضمن مساحته، فلن يبق منه الشيء الذي يمكن أن يعول عليه ليحتويك ويحتوي أحلامك معك، إلا اللهم إن كنت من عشاق الكلام مع النفس، حتى ولو كان مدخلاً موثوقاً إلى الجنون.

الآن، وبعد كل هذه السنوات، يعود السؤال نفسه ليطرح نفسه عليّ، في مواجهة وضع غير مسبوق، وغير متوقع نهائياً، هو ذلك الذي نعيشه في سوريا حالياً.

بالنسبة الى السوريين، وبالاستناد إلى الوضع الذي خلقته ثورتهم ضد الطغيان، وأدى إلى فرار الطاغية، هناك نوعان من الهامشيين: أولئك الذي بقوا داخل البلاد، وأولئك الذين تمكنوا من الفرار منها. لو استثنينا حملة البنادق، المتمترسين دائماً في المتن، فهذا يعني أن الباقين في الهامش هم السوريون بسوادهم الأعظم.

كان المأمول، وبعد فرار الطاغية، أن يستعيد السوريون، الهامشيون، جزءاً من فعاليتهم، ويتقدموا باتجاه المتن، ليساهموا في تقرير مصير بلادهم، حسب الإجراءات المتبعة في أي مكان في العالم، بعد سقوط الديكتاتور. ولكن هذا لم يحدث.

ليست مجرد “مؤشرات” ما تقول هذا، إنها وقائع، وترتيبات، وقرارات، وبنى، وممارسات وصلت درجة الإبادة الممنهجة، كما حدث في اليومين الأخيرين في قرى الساحل السوري، هي نفسها ممارسات النظام البائد، لا تزال قائمة حتى يومنا هذا.

لا تزال “البنية الأمنية العسكرية” فاعلة، ومقررة، وتحتل المركز في بنية النظام الجديد، بل هي نفسها من نصبت الرئيس الجديد، من دون الحاجة إلى انتخابات، حتى ولو شكلية! تلك البنية التي انتقدها الراحل طيب تيزيني بشجاعة لافتة في… مؤتمر حوار وطني آخر! ولكنه عقد في ظل الطاغية، ومع ذلك لم يتوان التيزيني عن الإشارة إلى أس الخلل في البلاد كلها. الأمر الذي أكسبه نقمة النظام، ومحبة كل السوريين. هذه “البنية الأمنية العسكرية” لا تزال موجودة حتى الآن، وكل الذي تغير هو طائفة باروناتها فقط، وطائفة ضحاياها أيضاً!

في ظل بنية كهذه، عدنا جميعاً، أياً كان مكان سكنانا، إلى الهامش مرة أخرى. هذا ينطبق على سوريي سوريا، وسوريي المنافي، بمن فيهم سوريو الغرب.. مع فارق، أن الأخيرين هم الأكثر حظاً بين الجميع، أقله، يمكنهم ممارسة هامشيتهم من دون الخوف من الإكراهات التي عاشوا في ظلها طيلة أعمارهم في سوريا الأسد، بعيداً عن قبضة تلك “البنية الأمنية العسكرية”.

وكما يبدو واضحاً، خصوصاً خلال الأيام الأخيرة، فإن تلك الإكراهات لن تزول عن كاهل سوريي سوريا، بما فيها الخوف من بطش النظام الجديد، الذي أبدى شهية، ليس فقط للسطوة والسيطرة، بل إن شهيته وصلت درجة الإبادة؛ أو، كأضعف الإيمان، التغاضى عن تلك الإبادة محيلاً الارتكابات إلى “أخطاء وتجاوزات فردية”، كما ظهر لدرجة تقارب الفضيحة.

والنظام الحالي، فوق هذا كله، مزود بماكينة مدافعين عن كامل سياسته، كائنة ما كانت! ماكينة أكثر حماسة، وديناميكية، وسعة، وخبرة أيضاً، بكثير من ماكينة النظام السابق، بالاستناد إلى “شرعية” جديدة، يراها البعض “ثورية”؛ ويراها آخرون مستندة إلى “مظلومية سنية”، التي وبرغم أنه لا يمكن إنكار فظائعها، إلا أن طريقة استثمار النظام الجديد لها تصل إلى حدود الاستقطاب الشديد، في وضع يصبح فيه هذا الاستقطاب صبَّاً للزيت على النار، فقط لتأمين قاعدة شعبية حصرية له. كما لحظنا خلال الأيام الماضية، حيث خطاب الشحن والمظلومية، بلغ ذروة غير مسبوقة، فقط للتغطية على مذبحة أخرى، أو، في أحسن الأحوال، لتبرئة النظام القائم منها!

وهناك من يخلطوا الشرعيتين، “الثورية” و”المظلومية السنية”، ليخرجوا بـ “شرعية” بنكهة أقوى.

بلاد على قارعة الطريق

في هذا الهامش، أعود لمواجهة السؤال نفسه الذي لم ينفك يطرح نفسه عليّ، ولكن هذه المرة وأنا أعيش حالة لا تفرض أي تردد أو تراخٍ، أو استسلام لقدر أعمى، كذلك الذي كان طاغياً خلال سنوات الأسد السوداء. وما يزيد الأمر إلحاحاً، هو التطورات المتسارعة، في بلاد تعيش في حالة اضطراب لا يعرف أحد إلى أين يمكن أن تقود الجميع.

“يمكنك أن تقول كلمتك إلى النهاية، من دون أي خوف من أي شيء،” أقول لنفسي، ولكن لا ألبث أن أجد نفسي مواجهاً بسؤال آخر: “وماذا عن أولئك الذين علقوا داخل سوريا؟! أية قيمة، لأية كلمة يمكن أن تقال، صدقاً أو كذباً، إن لم يقتنع هؤلاء بالذات بها، بحيث تصبح، وعبرهم هم قبل أي أحد آخر، موضع إجماع لا يمكن إنكاره من أية جهة كانت، حتى ولو امتلكت أسلحة العالم كله”. للمناسبة، ليست السلطة الحالية في سوريا وحدها من يمتلك السلاح… هناك إسرائيل أيضاً، وهناك… وهناك… 

في نص موجع لأبعد درجة يمكن تخيلها، كتبت الروائية السورية سمر يزبك، انطباعاتها عن زياراتها الأولى لدمشق بعد سقوط الطاغية. يزبك كانت من أوائل الذين توجهوا إلى سوريا، بعد أيام فقط من فرار الأسد. وهناك، انفتحت أمامها الفاجعة على مصراعيها، وعبرها شاهدنا بعضاً من هول ما كان الطاغية قد أغلق عليه الباب بإحكام: الإذلال بكل معانيه، في بلد تركت، تقريباً بالكامل، على قارعة الطريق.

رجال ونساء وأطفال، لا يجدون مصدر رزق لهم سوى التسول! هذه واحدة من صور عدة، وإن كانت أشدها إيلاماً، للهول السوري وقد انفتح أمام العالم كله. أشدها إيلاماً، لأن البديل الأكثر هولاً، لهؤلاء، فيما لو طالبوا بأكثر من قارعة الطريق، هو سجن صيدنايا الرهيب، أو مذبحة مفتوحة في الهواء الطلق، ومتنقلة على كامل الجغرافيا السورية. هذه كانت حالنا… وللأسف، لا تزال.

البحث عن الأمل في غابة الوحوش!

“ولكن، وبعد السقوط، هناك فارق مهم، اسمه الأمل. طالما أشد طغاة العالم، قسوة وعتهاً، قد رحل، فلا بد أن يكون هناك مكان للأمل. من دونه لا يمكن لأولئك أن يغادروا قارعة الطريق، ولو حتى عبر خيالهم”، يقول لك زائر آخر لدمشق.

لا معنى للأمل، من دون طريق واضح إليه. هذا ما تحاول السلطة الحالية في دمشق أن تمحوه. ليس الأمل، فهو مفيد لهم في هذه الظروف، ولو لشراء الوقت لتثبيت سلطتهم. ما تحاول محوه هو الطريق نفسه.

والحال هكذا، لا بد من المضي في طريق الكلام الصريح إلى نهايته، وبحدود هامش يبدو أننا، أولئك المصرّين على الكلام الصريح، لا نجد بداً من توسيعه، حتى لا يقتصر على سجن، أو مستشفى مجانين. وهذا ما تحاول السلطة، أية سلطة، في أي زمان ومكان، أن تفرضه في هامش تريده تحت قبضتها، تماماً كالمتن الذي رسمته بحد الخوف.

ولكن الهامش مخيف أيضاً بدوره، لأولئك الذين يجهلونه. فمن يجهل شيئاً، يصبح هذا الشيء عدواً له. نحن، سكان الهامش الأزليين، نعرف هامشنا جيداً. نعرف كيف نتحرك، نختبئ، ونظهر، ونباغت، نقول كلمتنا، كما القنبلة، في مكان، لنعود ونهاجم من مكان آخر.

الطاغية لا يعرف الهامش، أبعده عن نظره، ولو إلى حين. ولكنه بقي يشعر بمكمن الخطر فيه. ولو أراد استتباعه، إن استطاع، لما عاد هامشاً أبداً، وصار جزءاً من السجن الكبير الذي أرخى بظلاله تماما على المتن. لذلك، يبقى الهامش، هامشياً، بمعنى فالتاً من قبضة الطاغية. ولذلك أيضاً، فهو المكان المتاح لنا، لنمارس حريتنا، بانتظار أن يسمعنا من لن يخسروا إلا بؤسهم، فيما لو قرروا أن يلحقوا بنا، بعيداً عن متن لم يترك لهم إلا قارعة الطريق، أو الموت في السجون، أو في المذابح. 

ولكن، هل محاولة كهذه جديرة بأن تخاض، وهي لا تمتلك أكثر من أثرها الصوتي… كقنبلة صوتية ليس أكثر؟! هنا المشكلة بالنسبة الى الطغاة، وهنا ميزتنا التي لا ننفك، من فرط ضعفنا، نصدق أننا نمتلكها. الكلمة ليست مجرد قنبلة صوتية. إنها بدء التكوين نفسه.

ولهذا، الهامش هو بيتنا، و”غابة الوحوش” التي يخشاها كل الطغاة، إلى أن نعود إلى مكاننا الطبيعي… المتن، الذي سنعيد تشكيله على قياس أحلامنا.

 – كاتب فلسطيني سوري

درج

——————————-

نحو عدالة انتقالية ليست انتقامية/ عبدالله تركماني

2025.03.14 عدالة الانتقالية خياراً هاماً بعد التغيير في الدول التسلطية، كما هي حالة سورية، مما يستدعي تطبيق آلياتها الممكنة للوصول إلى مصالحة وطنية شاملة.

إذ إنّ تجاوز مرحلة الاستبداد وإعادة السلم الأهلي ووحدة المجتمع يتطلبان تهيئة النفوس بردِّ المظالم وإعادة الحقوق لأصحابها، والتعويض للمتضررين، والكشف عن مصير المفقودين، وتحديد المسؤوليات، ومحاسبة مرتكبي الانتهاكات والجرائم ضد الإنسانية.

ولكي يتم تسهيل مهمات المحاسبة يمكن تشكيل هيئة مستقلة للحقيقة والعدالة، تضم ممثلين عن مختلف القطاعات ذات الصلة بالعدالة، ويكون لهذه الهيئة شخصية اعتبارية وضمان استقلالها المالي والإداري. وأكثر ما يهدد هذه العدالة هو العمى الأيديولوجي لدى البعض والتعصب الفئوي لدى البعض الآخر، اللذان ينذران بنشوء بؤر متفجرة للنزاعات الطائفية أو القومية، ما يفسح في المجال أمام احتمال إسقاط مشروع التغيير السياسي في أتون الفوضى والصراع الأهلي.

إنّ انتهاكات حقوق الإنسان في سورية كثيرة ومتنوعة، وكان أبرزها جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، التي ارتكبتها قوات النظام السوري وداعميه الروس والإيرانيين، وكذلك بعض مجموعات المعارضة المسلحة، خلال سنوات الثورة السورية. الأمر الذي يجعل مسألة البحث في أقوم المسالك للتعامل مع إرث الماضي مطلوباً، إذ يعتبر موضوع الإفلات من العقاب لمرتكبي الجرائم أحد قضايا تجارب الانتقال السياسي، ومما قد يساعد على ذلك أنّ رئيس المرحلة الانتقالية أحمد الشرع أكد على ” إطلاق مسار عدالة انتقالية “.

مع العلم أنها، طبقاً للمركز الدولي للعدالة الانتقالية “مفهوم استثنائي للعدالة يختلف عن المفهوم المتعارف عليه، من حيث الأهداف والقواعد والمعايير والهيئات والآليات، لأنّ الظروف الاستثنائية تفرض معالجة استثنائية، لا تصحُّ معها قواعد العدالة العادية وآلياتها”. حيث ارتكز المفهوم على كشف الحقيقة وجبر الضرر وتعويض الضحايا، من خلال محاكمة مرتكبي الجرائم، والاعتراف بالوضع الخاص للضحايا. والمشاركة في عملية الإصلاح المؤسساتي الهادفة إلى دعم سيادة القانون والحقوق الرئيسية، وإقامة الحكم الرشيد.

إذ ينطوي المفهوم على معنيين هما: العدالة والانتقال، من خلال تأسيس لجان الحقيقة في كل المحافظات السورية، على أن تعمل تحت إشراف الهيئة المستقلة المركزية، بهدف ضمان – حسب مشروع اليوم التالي – محاكمة من كان مسؤولاً عن الجرائم، وتقصّي الحقائق، والتعويضات، وتخليد الذكرى، والإجراءات التأهيلية التي من ضمنها الدعم النفسي والاجتماعي.

وهكذا، في سياق المرحلة الانتقالية ستشغلنا أسئلة كثيرة وحاسمة في سورية، من أهمها: ما نوعية الجرائم والانتهاكات التي يجب المساءلة عنها؟ ثم ما هي مستويات المسؤولية؟ وما نوعية المسؤولية: هل هي جنائية أم مدنية؟ وما الفترات الزمنية التي تحتاجها عملية المساءلة والمحاسبة؟

ولأنّ العدالة الانتقالية ليست انتقامية من المهم تشكيل لجان للسلم الأهلي والمصالحة الوطنية، تتوجه إلى المناطق التي شهدت إشكاليات طائفية أو قومية، في محاولة لإعادة الثقة بين مكوّنات المجتمع السوري. وفي كل الأحوال، لابدَّ من التشديد على مبدأ ربح الجميع، بمعنى أنّ المسؤولين السابقين، ممن لم تتلطخ أياديهم بدماء الشعب السوري وبالفساد العام، يتوجب عليهم إدراك أن تفاوضهم بشأن نجاح عملية الانتقال السياسي هو ضمانة لعدم تعرّضهم للمحاسبة في المستقبل. كما أنّ على ضحايا الانتهاكات أن يدركوا أنّ مستقبل سورية يتعلق بمدى قدرتهم على تجاوز الماضي من أجل الشراكة في سورية المستقبل.

ويبدو أنّ ضمان الوحدة الوطنية مرهون بأن تتشكل هيئة العدالة الانتقالية من أعضاء وعضوات وفق توافقات على أساس الكفاءة والاستقامة والوطنية وليس المحاصصة، بحيث تتميز بالاستقلالية الإدارية والمالية عن السلطة التنفيذية، بل تتشكل من خلال مسار مجتمعي ترعاه السلطة. وبقدر ما يتم تأخير تشكيلها وانطلاق أعمالها تضعف ثقة ضحايا الانتهاكات برغبة قيادة المرحلة الانتقالية بإطلاق هذا المسار.

ومن المؤكد أنها ليست وصفة جاهزة لتطبيقها في كل البلدان الخارجة من أنظمة تسلطية، مما يفرض علينا صياغة مقاربة سورية مستفيدة من تنوّع التجارب الأخرى. ولكنّ التأخر في تحديد هذه المقاربة قد يؤدي إلى فقدان الثقة لدى ضحايا الانتهاكات، مما يدفعهم إلى الانتقام الذي يهدد السلم الأهلي. مما يجعل تأسيس الهيئة المستقلة للعدالة الانتقالية إحدى أولويات المرحلة الانتقالية، خاصة بعدما شهدنا توترات أهلية في بعض المحافظات.

إذ إنها قادرة على تحصين السوريين ضد الانتهاكات في المستقبل، كما حصل في أكثر من 40 دولة منذ سبعينيات القرن الماضي، منها: جنوب أفريقيا ورواندا وأوروبا الشرقية والمغرب وتونس، التي استطاعت أن تفتح صفحة جديدة في العيش المشترك لمكوناتها الدينية والقومية، وأن تتجاوز إكراهات الماضي، وتفتح أفقاً تقدمياً جديداً لشعوبها، خاصة عندما ترافقت محاسبة مجرمي الحرب مع عدالة تصالحية فرضتها المصالح العليا لهذه الدول، والمسألة مرتبطة بمسار المرحلة الانتقالية والإرادة السياسية لقيادتها.

ومن هنا، فإنّ العدالة الانتقالية في سوريا تهدف إلى إطلاق المصالحة المجتمعية الشاملة، لكي تتمتع الأجيال المقبلة ببيئة اجتماعية سليمة، غير مشوّهة بأحقادٍ أو مساعٍ للثأر. كما أنها المدخل اللازم لنجاح عملية الانتقال السياسي، والاعتراف بحقوق ضحايا النظام التسلطي، ولمنع تكرار ما حدث.

تلفزيون سوريا

—————————-

الدولة بين أحلام المثقف والمدن التي تقع على حطامها/ أحمد الشمام

2025.03.14

تتشكل السلطة الحاكمة عبر تكون نخبة فاعلة وتبَوُئِها مهمة إدارة البلاد وفق سند شرعي عبر احتكار القوة والسلطة، وتستمد القوة من قبول الجميع نظريا بها إذ تمثل طرفا يتعالى على اختلاف الجماعات وصراعاتها، كما يتعالى على تنافس الأفراد أيضا حيث يضبطها عبر المسافة المتساوية من الجميع.

تلك السلطة والقوة هي محصلة تنازل الجميع عن جزء من حرياتهم لصالح قوة أو طرف ثالث؛ يحاول تمثيل الجميع، ويضبطهم، ويحتكمون لديه مرتكزا على احتكار العنف المقونن، وهو شكل متطور من حيث المبدأ عن نظام القبيلة والمشيخة منذ بدايات ظهورها؛ عبر فرق جذري في الدولة الحديثة هو انتفاء التوريث.

حول بلدان المشرق العربي والكولونيالي عموما؛ يقول المفكر حمزة علوي إن الدولة في المشرق لم تتشكل نتيجة لسعي نخب أو قوى اجتماعية واقتصادية وسياسية لتشكيلها كما في الغرب؛ بل جاءت لتكون هياكل سياسية تستجيب لحاجة الدول التي استعمرتها بعد الجلاء.

قبالة ذلك نتخذ من رسالة مثقف حداثي وطني صار رئيسا لتونس في المرحلة الانتقالية بعد ثورتها؛ د. منصف المرزوقي عبر رسالته إلى ثوار سوريا؛ بالتنبه لملفات مربكة ستستخدمها جموع شعبية -دون تصنيف معياري لوطنيتها- تصل حد التخمة والإرباك في مطالبات قديمة ومشكلات عمرها سنين وعقود؛ للمطالبة بإيجاد حل لها من سلطة لا تمتلك رصيدا مؤسسيا، اقتصاديا، سياسيا للنهوض بدولة منهكة بإرث الحرب الثقيل بوقت قصير.

من الناجع للمواءمة بين الرأيين هنا أن نتلمس الفرق بين الدولة المنشودة- الدولة المثال؛ وبين واقعها الجنيني قيد التشكل والمتمحور حول أولويات بسط الأمن والخروج من عنق الزجاجة الذي يطول الدولة عبر الحصار الاقتصادي المطبق حتى الآن، في حين أن الكثير ذهب إلى تصورها النهائي كإطار عمومي تلتئم فيه الجماعات والأفراد وفق عقد اجتماعي أو سياسي؛ وأوقعها وفقا لتخيل الكثير في تصور أنها منتهى حلم الجميع لإنجازه بعيدا عن التدرج في الارتقاء به؛ متجاوزا حاجتها إلى مسيرة عمل دؤوب وطويل، وضرورة التكاتف حول محاور الأمن والاقتصاد والعدالة الانتقالية، ومعالجة ملف المتنفعين من عهد الأسد الهارب من مفسدين على اختلاف مشاربهم، وشركاء، ومن بيئات اجتماعية دجنها وأشعرها بقيمة التحالف معه في استخدام أداتي وظيفي لا يقيم لها وأدا، وتخندق داخلي، وتنميط للجماعات البشرية في المجتمع، وتفتيت وتنابذ لعب عليه النظام البائد.

ما من شك في أن التدافع والتنافس حالة صحية في الدولة المستقرة؛ ما دامت تأخذ شكلا مدنيا بعيدا عن التحشيد خلف مرجعيات ما قبل دولتية، تماما كما هو تباين المواقف تجاه الدولة وقوانينها أو سياساتها في أي بلاد، لكن حزمة المساعي المتخالفة والنزوع الحثيث لإظهار التناقضات مع السلطة؛ سواء لجهة شكل الدولة النهائي المأمول أو المتخيل؛ أو لجهة الإلحاح في تأمين خدمات التي تحتاج إلى تعاون هذه النخب، أوقع الكثير في مواقف تتباعد كثيرا عن الدولة في شكلها الأولي المؤسس الذي يراد تشييده الآن. يشهد الشارع السوري حراك جماعات ونخب حديثة التشكل ذات أهداف نبيلة وفق ما يظهر لنا؛ اختلطت أو اتفقت أيديولوجيا أو تقاطعت مع نزوع أفراد، وجماعات متفرقة، لأهداف انتهازية تقيس الوطن بجملة الامتيازات التي يمكن الحصول عليها منه، كما أن هناك جزءا غير مشخص بكتلة أو جماعة يحاول الانتشار توسيع جمهوره؛ مكون من أفراد مختلفين فكريا وثقافيا، متنوعي الرؤى والأفكار والمشارب؛ لا نبالغ إن قلنا إنه قد يمثل نصف المجتمع – إذا ما أخذنا بالاعتبار جملة من البسطاء والعامة الذين يفتقدون لوعي المرحلة سياسيا؛ ما يدفع بشعور الفرد من هؤلاء بفصام أو انفصال عن الدولة بشكلها المشهود حاليا؛ وأنها ليست معبرة عنه، ويرفض هذي السلطة الجديدة لدرجة إنكار الدولة بشكلها الأولي الحاضر؛ نتيجة لموقف أيديولوجي معها، أو لأنها تخالف ما حلم أن السلطة وجدت لأجله؛ أو عجزت أن تبني له الدولة الحلم الواجب والمرغوب واللائق بمجتمع حي كالشعب السوري بغضون بضعة أشهر، كما ذهب الكثير من جموع المكوعين من أنصار الأسد إلى العويل على الدولة التي تبدو وكأنها كانت عامرة وأسقطتها السلطة الجديدة، فصار يختزل السلطة بتنظيم إسلامي؛ كلا الموقفين تشاركا في تفتيت جبهة الشارع المندمج أو الراغب بالاندماج رغم الصعوبات والمستقبل الغائم الذي يتهدد سوريا ككيان سياسي يضم الجميع، وراح يصور الدولة كسياج عام يضم مجموعة كبيرة من البشر؛ أو إطار تتشارك قواه في حركته الموّارة، لتنتج كتلته الوازنة؛ فنزع للبحث عن ذراع قوة ليضطلع بحصة من كعكة الدولة، وامتزجت مواقف جموع هذا الطرف مع تلك المثالية المتسرعة؛ لتزيح فعل البناء المدني ذي الأثر اليومي بحياة السوريين، إلى نمط حراك سياسي انتهازي أو عاطفي ومراهق في بعض منه، وتلعب دورا في إرباكه؛ عبر فعل التدافع بين الأفراد والجماعات وتعمل على تشظيته. تظهر هنا معضلة مركبة إذا ما بقيت مسكونة بحمى الاستعجال والتسرع والقفز على الأولويات من أمن ومتطلبات معيشة وأمان وخدمات في مدن تغفو على أنقاضها وركامها، وتغيب فيها المبادرات الشعبية التي يجب أن يتبناها كل مجتهد؛ المختار في الحي، والوجيه في الشارع والقرية، والمثقف من برجه أو منبره، للتصالح مع اللحظة، وواقعها المأسوي لتجاوز قوى العطالة التي تضمرها.

إن المثالية السياسية، والتأطير المانوي، والقراءات الثقافوية التي يخضع لها الكثير من مثقفينا؛ أصبحت عبئا على الشعب وليس على السلطة، وشكلت عاملا مؤثرا على رفع الحظر الدولي أيضا، وعلى المعرفة والثقافة الشعبية كذلك، وبين طروحات علي حرب حول دور المثقف وتنظيرات غرامشي، لا بد أن نقرأ أنفسنا جيدا؛ فلكل كاتب جمهور متخيل أو حقيقي، ونسحب ذلك على المثقف الذي يضع نفسه دوما في موقع صاحب المنبر الذي يبحث عنه الجميع؛ أو يرتطم بوجوه الكثيرين ليسمعوه بالصدفة، والذي عليه أن يبرح برجه العاجي وينزل إلى مستوى الطين البشري بكل لوثته وصلفه ونزواته وغرائزه، لنصل للتساؤل حول المثقف نفسه ما هو الجمهور المتخيل لديه؟، هل هو مجتمع القبيلة؟، أم المدينة أم الأقلية والطائفة أم مجتمع الشعب ككل؟، لنصل في مقارنة بسيطة ومع الإقرار بحاجة مجتمعاتنا ذات التدين الشعبي للتجديد، لتجاوز مشيخات التنفع، والطرق الصوفية، والشعوذة تحت مسمى الدين، والذهنية القبلية، والمجتمع المنذر بالتذرير، علينا أن نقر بوضوح أن اليسار لم يتجاوز عقدة اليتم بعد سقوط الماركسية السوفيتية، وبقي متخشبا؛ فتح كتب ماركس ولم يغلقها، ولم يبرع سوى بالحديث عن الشيخ الذي دخل الحمام ليشرح أحكام الوضوء ولم يخرج، وفي حين يتحدث د. نجيب عوض في كتابه “الهوية الأموية والدور المسيحي فيها” عن الدولة وجملة الأنساق التي شكلت الدولة الأموية وأثر النصارى في تكونها الدولتي على صعد عدة، يصر المثقف من ثلة من رهط الحداثويين؛ واليسار المغترب أن يبقى منفيا في داخله؛ وحاصرا مواقفه بالتزام ثقافة البنية الاجتماعية ما دون الدولة؛ ويبقى حبيس الإثنية والطائفة ومشايخها، وعطفا على مقولة إن المثقفين خذلوا ثورات الربيع العربي، صار لزاما على المثقف الثورة في نفسه وعلى نفسه أيضا، وباعتباره يضع نفسه في أعلى السلم الاجتماعي عبر تصوره عن موقعه في المجتمع، وفي يغاب قسر السلطة الذي كان يعاني منه، يصبح لزاما عليه الثورة من الأعلى، أو إيصال شعلة الثورة التي اندلعت من القواعد الشعبية وانتصرت ببراءتها ونقائها؛ إلى منبره وفكره، فالقواعد الشعبية التي ضمت الفلاح والعامل البسيط قد ثارت وتجاوزتنا بكثير.

تلفزيون سوريا

—————————-

تحولات النظام الدولي وانعكاساتها على السياسة العربية والسورية/ إياد أحمد شمسي

2025.03.14

لقد شهد العالم تحولات جذرية في العقود الأخيرة غيرت من طبيعة العلاقات الدولية وأسقطت العديد من المسلمات التي كانت تحكم توازنات القوى التقليدية.

ومع تزايد النزعة القومية والانكفاء على المصالح الوطنية كأولوية قصوى، وتراجع أدوار بعض القوى التقليدية، برزت ضرورة إعادة النظر في السياسات الإقليمية، وخاصة في العالم العربي.

وبعيدًا عن الخطابات العاطفية والمزايدات الأيديولوجية، بات من الضروري تبني مقاربة أكثر واقعية، قائمة على مبدأ أن مصير الدول تحدده شعوبها وقياداتها، وليس الأطراف الخارجية.

أولًا: الوطن مسؤولية أبنائه.. لا أوصياء عليه

لطالما كانت المنطقة العربية مسرحًا لصراعات القوى الكبرى، مما جعل العديد من دولها تعيش تحت وطأة تأثيرات خارجية متناقضة، تارة عبر التدخلات المباشرة، وتارة عبر ترتيبات إقليمية تخدم مصالح الفاعلين الدوليين.

إلا أن المتغيرات العالمية الأخيرة تؤكد بشكل قاطع أن لا دولة أجنبية مستعدة لتحمل مسؤولية أمن واستقرار دول أخرى على حساب مصالحها الخاصة، وأن بقاء أي دولة مرهون بقدرتها على إدارة شؤونها داخليًا.

هذا الأمر يفرض على الدول العربية، وسوريا تحديدًا، إدراك أن الاستمرار في التعويل على الدعم الخارجي، سواء سياسيًا أو اقتصاديًا أو عسكريًا، هو سياسة قصيرة النظر.

فالتاريخ مليء بالشواهد التي تثبت أن الدول الكبرى لا تتدخل إلا عندما تكون مصالحها الحيوية على المحك، وعندما تتغير هذه المصالح، فإن تحالفاتها تتغير معها من دون اعتبار لمصير الدول التي كانت تعتمد عليها.

من هذا المنطلق، يجب أن يكون الرهان الأول للدول العربية هو بناء قوة داخلية متماسكة، عبر تعزيز المؤسسات الوطنية، وترسيخ سيادة القانون، والاستثمار في

العنصر البشري باعتباره الركيزة الأساسية في أي مشروع نهضوي مستدام. فالدول التي لا تملك إرادة ذاتية مستقلة لا تستطيع فرض رؤيتها على المشهد الدولي، وستبقى رهينة لمعادلات لا تصب في مصلحتها على المدى الطويل.

ثانيًا: الدعم الخارجي.. بين المساعدات المشروطة وتكريس الفشل

إحدى الظواهر المتكررة في العالم العربي هي اعتماد بعض الدول على الدعم الخارجي كحل لأزماتها الاقتصادية والسياسية، من دون إجراء إصلاحات جوهرية تعزز مناعتها الداخلية.

والمفارقة أن هذا النمط من المساعدات غالبًا ما يؤدي إلى نتائج عكسية، حيث يعزز من ثقافة “الاعتماد على الآخر” بدلًا من تحفيز آليات الإنتاج الوطني، كما أنه في كثير من الحالات يصبح أداة تستخدمها القوى المانحة لتحقيق أجنداتها الخاصة داخل الدول المتلقية.

إن استمرار تقديم الدعم السياسي والاقتصادي لدول فاشلة من دون فرض إصلاحات حقيقية يؤدي إلى تعميق الأزمات بدلًا من حلها. فحين تدرك الأنظمة السياسية أن هناك شبكة أمان خارجية تمتص أخطاءها وتتكفل بعواقبها، فإن ذلك يشجعها على التمادي في سياسات غير رشيدة، سواء من حيث سوء الإدارة أو تغذية الفساد أو افتعال أزمات داخلية لتبرير استمرار الحكم بنفس النهج.

وسوريا تمثل نموذجًا صارخًا لهذه الديناميكية، حيث أدى التدخل الدولي والإقليمي في أزمتها إلى تحويلها إلى ساحة تجاذب للقوى الكبرى، من دون أن يسهم ذلك في حل الصراع أو تحسين الأوضاع المعيشية للسوريين. فالاعتماد على اللاعبين الخارجيين لم يحقق الاستقرار، بل عمّق من الانقسامات، وجعل مستقبل البلاد مرهونًا بمصالح غير سورية.

الحل الوحيد لهذه الإشكالية يكمن في تبني نهج سياسي جديد، قائم على تقليل الاعتماد على الدعم الخارجي، وتحقيق الاستقلالية الاقتصادية، وإجراء إصلاحات هيكلية تعزز من ثقة المواطن في دولته، وهو ما يتطلب إرادة سياسية جادة تدرك أن الحلول المؤقتة لا يمكن أن تكون بديلًا عن إعادة بناء الدولة على أسس أكثر متانة.

ثالثًا: العلاقات بين الدول.. لا مكان للعاطفة في السياسة

لطالما اعتمدت بعض الدول العربية على “تحالفات عاطفية” لا تستند إلى منطق المصالح المتبادلة، بل على اعتبارات أيديولوجية أو تاريخية أو حتى شخصية بين القيادات. وهذه المقاربة أثبتت فشلها مرارًا، إذ إن العلاقات الدولية لا تُبنى على النوايا الحسنة، بل على المصالح المشتركة التي تعود بالنفع على الطرفين.

من غير المنطقي أن تستمر بعض الدول في تقديم الدعم لدول أخرى من دون مقابل واضح، خاصة إذا كان هذا الدعم يذهب لأنظمة غير قادرة على إدارة مواردها بكفاءة، أو لحكومات تكرس الفساد وتتبنى سياسات غير مسؤولة. فكما أن الدول الغربية لا تمنح مساعدات لدولة ما من دون الحصول على مكاسب استراتيجية، فإنه من الضروري أن تتحول العلاقات العربية-العربية إلى نموذج قائم على المصلحة المتبادلة، وليس العواطف والتضامن التقليدي.

وفي هذا السياق، يجب أن تدرك الدول العربية أن تقديم الدعم غير المشروط لدول تعاني من أزمات سياسية واقتصادية، من دون وضع ضوابط واضحة، قد يسهم في إطالة أمد الأزمات بدلًا من حلها، كما أنه يخلق بيئة مشجعة على التسيب والفساد.

رابعًا: التحولات الجيوسياسية.. وأثرها على المنطقة

ما يحدث اليوم في الساحة الدولية، من إعادة صياغة التحالفات، وتراجع أهمية أوروبا في الحسابات الأميركية، يؤكد أن العالم يتجه نحو مرحلة جديدة يكون فيها التركيز على الدولة الوطنية والمصالح المباشرة، بدلًا من التحالفات التقليدية التي لم تعد تلبي احتياجات القوى الكبرى.

أوروبا، التي ظلت لعقود في قلب المعادلة الجيوسياسية بعد الحرب العالمية الثانية، بدأت تفقد هذا الدور تدريجيًا، خاصة بعد الحرب في أوكرانيا، وتزايد اعتماد الولايات المتحدة على مناطق أخرى أكثر أهمية استراتيجيًا. هذه التغيرات تعكس نهاية عصر “التكتلات الأيديولوجية”، وبداية عصر جديد تحكمه المصالح الصرفة، وهو ما يتماشى تمامًا مع النهج السياسي الجديد الذي يعيد الاعتبار لفكرة الدولة القومية كفاعل رئيسي في السياسة الدولية.

بالنسبة لسوريا، فإن هذه التحولات توفر فرصة نادرة لإعادة تموضعها استراتيجيًا، بحيث تستفيد من التغيرات العالمية لصياغة سياسة خارجية أكثر استقلالية، بعيدًا عن لعبة المحاور التقليدية. ولكن لتحقيق ذلك، لابد من امتلاك قرار وطني مستقل، قادر على التكيف مع المتغيرات من دون أن يكون تابعًا لأي طرف خارجي.

الخاتمة: نحو نهج سياسي جديد

لا شك أن التوجه العالمي الحالي ليس مجرد ظاهرة سياسية عابرة، بل هو تعبير عن مرحلة جديدة تُعيد صياغة القواعد الحاكمة للعلاقات الدولية. وفي ظل هذه المتغيرات، فإن المنطقة العربية، وسوريا خصوصًا، مطالبة بالتخلي عن السياسات القديمة التي لم تحقق لها الاستقرار، والبدء في تبني نهج جديد قائم على الواقعية السياسية، وتعزيز المصالح الوطنية، وبناء شراكات استراتيجية قائمة على المنفعة المتبادلة.

إن زمن الاعتماد على “الآخر” قد انتهى، ومن لا يدرك هذه الحقيقة سيظل يدور في دوامة الأزمات. لقد حان الوقت لأن تتحمل الدول مسؤولياتها، وأن تدرك أن مصير الأوطان تصنعه الشعوب، لا القوى الخارجية.

تلفزيون سوريا

—————————–

الشعبوية الطائفية ـ العاطفية/ ناصر السهلي

14 مارس 2025

لسنوات أسست الشعبوية الغربية لمشهد تطبيع التطرف القومي. ولا يزال سوقها رائجاً، بإلقاء أصحابها أكاذيبهم وتضليلهم على رؤوس أكباش فداء، وفي العموم هم “الآخر” غير الغربي. في الراهن العربي، وتحديداً في مشرقه، يستمر حصاد خلط الحابل بالنابل، أقله منذ بدء تداعيات الغزو الأميركي للعراق في 2003. الشعبوية فيه لم تنتج ما يقابلها في بعض أنحاء أوروبا، بل إفلات التطييف والتمذهب من قمقمهما، حتى أصبحت “مهزلة العقل البشري”، التي حذر منها الكاتب العراقي الراحل علي الوردي، تتسيد بعض مشاهد بدائية التضامن العاطفي ـ الطائفي، لا الوطني القومي. إذ إن أغلب ما جرت مراكمته هو كسر مكانة المواطنة لمصلحة كهنوت ونخبة ما بعد بول بريمر (حاكم بغداد بعد سقوطها في التاسع من إبريل/ نيسان 2003).

لا حاجة لسرد شيزوفرينيا مشرقية واسعة، بما فيها تلك التي عُومل من خلالها السوري أخيراً في العراق، وقبلاً في لبنان، كما الفلسطيني فيه والممنوع من 72 مهنة بحجة “منع التوطين”، حيث إن إنكار أدوار الطائفية والتخويف من الآخر لا يساهم إلا بتأجيل ومراكمة الكوارث، وليس في حلها. 2025 يعيد التذكير بمعنى انفلات ما أسس له استبداد سلالة الأسد في دمشق، ليس فقط على مدار 54 عاماً، بل حتى في تجربة 14 عاماً من استدعاء عصابات ومليشيات عابرة للقوميات والحدود، وبمباركة ورعاية إيرانية واستحضار الطائفة والمذهب والجماعة والمرجعية الدينية والعشيرة والقبيلة، بل وحتى “بشار وبس” أو “الأسد أو نحرق البلد”، في مقابل مجتمع خرج في انتفاضة ضد الاستبداد.

نعم مستشرقو زمننا الراهن فرحون بخبث حين يراقبون كيف تقوم شعبوية الإنسان المقهور بقهر أخيه في المواطنة. وأن يطلب عربي “حماية دولية” من أخيه في الوطن فتلك طامة تكشف كارثة التمويه التاريخي على ما جرى التأسيس له. الأفظع وسط هذا الجاري، أن يتحول مجرم حرب وإبادة جماعية كبنيامين نتنياهو، وكيانه الذي يفعل الأفاعيل في فلسطين، إلى حريص على أرواح وحياة عربي. ليس الحل في الاحتماء والسكوت على أمراض التاريخ الصهيوني في خلق كانتونات ومنعزلات، بل الوقفة الجادة أمام ما تراكم من دمامل التاريخ، أقله القريب بعدما بدأت تتفجر في أشكال لا يمكن لقمعها في العقل الباطني أن ينهيها.

العربي الجديد

————————-

ذكرى الثورة السورية… أمل بمستقبل يعمه السلام والاستقرار/ حسام رستم و هاديا المنصور

14 مارس 2025

في ذكرى اندلاع الثورة السورية، ورغم انتصارها وإسقاط نظام الأسد، لا يزال ملايين السوريين بين نازحين ولاجئين، لا يزال عشرات الآلاف من المعتقلين والمغيبين مجهولي المصير.

طوى السوريون العام الرابع عشر على ثورتهم بانتصار انتظروه طويلاً، ودفعوا في سبيله فاتورة ثقيلة، شملت مئات الآلاف من الأرواح التي أزهقت، وفي ذكرى الثورة السورية التي انطلقت شرارتها في 14 مارس/آذار 2011، تظل القضية الأبرز منذ سقوط نظام بشار الأسد هي المغيبين والمختفين قسراً في سجونه، إضافة إلى أزمة النازحين واللاجئين الذين لا يجدون منازل ولا بنية تحتية تشجعهم على العودة.

وتعد قضية المغيبين السوريين في سجون نظام الأسد من الأزمات الإنسانية الكبرى، فمنذ اندلاع الثورة السورية في عام 2011، استخدم النظام المخلوع الاعتقال القسري والإخفاء أداةَ قمع للمعارضة وترهيب للمجتمع. وبحسب تقارير منظمات حقوقية، يُقدر عدد المختفين قسرياً في سورية بعشرات الآلاف، من بينهم ناشطون سياسيون، وصحافيون، وأطفال ونساء.

وحمل يوم 8 ديسمبر/كانون الأول 2024، أملاً جديداً لآلاف السوريين، فمع إعلان سقوط نظام الأسد، عادت إليهم بلادهم، واجتمع الآلاف من المهجرين مع أحبائهم، وأطلق سراح آلاف من المعتقلين بعد أن ظل أمل التحرر ضئيلاً لسنوات، في حين تأكد كثيرون أنهم فقدوا أحباءهم إلى الأبد، وبعضهم اختفوا بلا أي أثر.

في ليلة سقوط بشار الأسد، توجه آلاف السوريين إلى السجون بحصاً عن ذويهم، من بينهم فاطمة حاج أحمد، والتي كانت تبحث عن زوجها المعتقل منذ عام 2012. وهي تروي قصتها التي تشبه حال كثير من عائلات المغيبين خلال سنوات الثورة، قائلة: “اعتقل زوجي خلال تظاهرة في اللاذقية، وتوجهت إلى فرع الأمن الجوي، لكنهم لم يدخلوني، ودفعت أموالاً لضباط، وعلمت منهم أن زوجي تم تحويله إلى دمشق. أركض طوال سنوات خلف الأمل رغم عدم معرفتي بمكان زوجي، وبعد انتصار الثورة، لم يعد زوجي، ولم يخرج من أي سجن، ولا زلت أنتظر معرفة مكانه، أو مكان دفنه، علّي أستطيع أخذ أولادي إلى قبره يوماً”.

قضية المغيبين في سجون نظام الأسد أحد الأزمات الإنسانية الكبرى

ووثقت منظمات حقوقية مثل العفو الدولية والشبكة السورية لحقوق الإنسان، حالات لا حصر لها من الإخفاء القسري التي أدت إلى وفاة العديد من المعتقلين بسبب سوء المعاملة والتعذيب وظروف الاحتجاز غير الإنسانية. يقول رئيس الشبكة السورية لحقوق الإنسان، فضل عبد الغني: “تجاوز عدد المعتقلين والمختفين قسراً في سورية بعد إفراغ السجون 112 ألفاً، بينما عدد المفرج عنهم وصل إلى 24 ألفاً و200 شخص، ونقدر أن هناك 136 ألف معتقل ومختفٍ قسرياً، وغالب الظن أن كثيرين منهم قتلوا في سجون الأسد”.

ويقول المحامي السوري أحمد سويدان، وهو أحد الناشطين في مجال التواصل مع عائلات المعتقلين والمغيبين قسرياً، إن “مأساة المعتقلين شكلت جرحاً عميقاً في قلب المجتمع السوري، ومع انتصار الثورة كان البعض متمسكاً بالأمل، لكنه تلاشى مع إفراغ السجون وعدم عودة الآلاف إلى منازلهم”. ويضيف لـ”العربي الجديد”: “بعد سقوط النظام بدأت تتكشف المزيد من المآسي مع العثور على عشرات المقابر الجماعية بالقرب من الثكنات العسكرية وفي مواقع أخرى. لن نجد الراحة إلا بعد تطبيق العدالة الانتقالية، ورؤية من عذبوا وقتلوا هؤلاء الأبرياء ينالون جزاءهم”.

وشهد سجن صيدنايا، الذي يُوصف بـ”المسلخ البشري”، عمليات إعدام جماعية وتعذيب وحشي أدت إلى مقتل آلاف المعتقلين طوال سنوات الثورة السورية، إضافة إلى مراكز الاعتقال غير المعروفة التي تم احتجاز الأشخاص فيها من دون أي سجل رسمي، ما يجعل تعقب مصيرهم شبه مستحيل.

أمضى زياد عبد العال 7 سنوات في معتقلات النظام المخلوع، وتنقل بين أفرع أمنية عديدة، في ظل تعذيب ممنهج ومعاملة غير إنسانية، وكان الموت بمثابة مصير محتوم ينتظره مثل بقية المعتقلين. يقول لـ”العربي الجديد”: “لم يكن هناك محاكمات. كانوا يأخذون الاعترافات بالتعذيب، والحراس يفرضون عقوبات قاسية حسب أهوائهم، وكل يوم يموت 4 أو 5 سجناء، حتى أصبح الموت ظاهرة معتادة، وكنت أنتظر موتي في كل يوم”.

ويتحدث عبد العال عن أساليب تعذيب وحشية، من بينها تعليق المعتقلين من أقدامهم للأعلى ورؤوسهم للأسفل لساعات، مع الضرب بالعصي والكابلات الكهربائية، والتعذيب بالأنبوب الذي يتم إدخاله من الفم حتى يصل إلى المعدة، والتعذيب بالكهرباء وغيرها لانتزاع اعترافات من المعتقلين. يضيف: “حياة الإنسان لم تكن تساوي شيئا في هذه المعتقلات، حيث يتم تجميع الجثث يومياً في ممرات السجن لنقلها إلى الخارج ودفنها، ومن خرج من هذه السجون حياً فكأنما ولد من جديد”.

إلى جانب قضية المعتقلين والمغيبين، تظل مشكلة النازحين السوريين واحدة من أبرز القضايا العالقة، وتشهد العديد من القرى والمدن السورية منذ انتصار الثورة ودحر نظام حزب البعث الاستبدادي عودة تدريجية للنازحين واللاجئين الذين فروا من ويلات الحرب، حاملين معهم أحلام إعادة بناء حياتهم ومستقبل أطفالهم.

وفي ذكرى الثورة السورية، تبقى قصص العائدين شهادة على صمود الشعب السوري وقدرته على مواجهة التحديات، فبعد سنوات من الحرب والمعاناة، يبدأ فصل جديد من الحياة، حيث التصميم على إعادة بناء ما دمرته الحرب، والأمل في مستقبل يحمل في طياته فرصاً جديدة للسلام والاستقرار.

لطالما كانت العودة حلماً يراود كل لاجئ ونازح سوري، ففي مخيمات النزوح وفي دول اللجوء، كان السوريون يتذكرون ديارهم، حيث الذكريات والأحباب، لكن الواقع الذي يواجه العائدين يختلف كثيراً عن أحلامهم، فالكثير من المدن والقرى تعاني من دمار هائل، وعشرات آلاف المنازل مدمرة، والبنية التحتية متهالكة، والخدمات الأساسية شبه معدومة.

في قرية معرشمارين في ريف إدلب الشرقي، تجلس حياة الرحال (45 سنة) على أنقاض منزلها المدمر بعد أن قضت أكثر من خمس سنوات في مخيمات النزوح بشمالي سورية. قررت الرحال العودة إلى قريتها رغم عدم قدرتها على إعادة إعمار منزلها الذي هدمه عناصر النظام البائد بعد أن سرقوا مقتنياته، حتى حديد الأسقف، وتقول: “لم يكن لدينا خيار آخر، فالحياة في المخيمات أصبحت لا تطاق. هنا، على الأقل، لدينا أرضنا وذكرياتنا. سأعيد زراعة أرضنا بأنواع الأشجار المثمرة بعد أن اقتطعت أو أحرقت من قبل عصابات الأسد، لكني أخشى من الألغام المنتشرة في القرية، وأحاول الحذر مع عائلتي قدر الإمكان أثناء تنقلاتنا، وريثما نتمكن من إعادة إعمار المنزل وضعنا خيمة نعيش فيها أمام المنزل”.

عادت مئات العائلات إلى قرى إدلب وريفها، غير أن العودة ليست سهلة، فالكثير من القرى تعاني من نقص الخدمات الأساسية، مثل الكهرباء والمياه، ولا وجود للمدارس أو الخدمات الطبية، فضلاً عن انتشار الألغام والمخلفات الحربية.

يعمل الأربعيني محمد عبد الكريم، وهو أب لخمسة أطفال، على تنظيف منزله الكائن في ريف حماة الشمالي من الركام، وإعادة بناء ما دمرته الغارات الجوية قبل سنوات، ويقول: “نعتمد على أنفسنا، فالحكومة لا تساعدنا، لكننا لن ننتظر، فلدينا أطفال من حقهم أن يعيشوا حياة أفضل”.

سوريون عائدون إلى ديارهم بعد سنوات من النزوح، فبراير 2025 (فرانس برس)

وعبر الحدود التركية، يعود آلاف اللاجئين الذين قضوا سنوات في المهجرة، حاملين معهم قصصاً مليئة بالحنين إلى الوطن. عاد أحمد السلمان (32 سنة) مع عائلته إلى مدينة حلب بعد ثماني سنوات قضاها في تركيا، ويقول: “كانت العودة قراراً صعباً، لكننا لم نعد نحتمل الغربة. رغم كل الصعوبات وقلة فرص العمل والبنية التحتية المتهالكة، نشعر أننا نعيش بكرامة في بلدنا، ولا أحد ينعتنا باللاجئين أو يتنمر علينا”.

ورغم التحديات، هناك جهود محلية لإعادة إعمار المناطق المتضررة، وتعمل منظمات محلية على إعادة تأهيل المدارس والمستشفيات، بينما تقوم بعض العائلات بإعادة بناء منازلها بمساعدة من أقاربها في الخارج.

عادت فاطمة الحلو (28 سنة) مع أطفالها الثلاثة إلى دمشق بعد سنوات من النزوح إلى لبنان، وبدأت العمل في مشغل خياطة صغير لتدبير أمور عائلتها. تقول: “نعلم أن الأوضاع صعبة، لكن الحنين للوطن كان أقوى من كل شيء. نؤمن أن المستقبل سيكون أفضل، فالأمل هو كل ما نملكه. العودة إلى سورية ليست مجرد عودة إلى الأرض، بل هي عودة إلى الذات والهوية”.

العربي الجديد

—————————————

الدرس السوري يا جارة/ عائشة بلحاج

14 مارس 2025

تحاول الأنظمة العربية اللعب مرّة أخرى على الدرس السوري في فوضى الدولة وانقسام المجتمع، لتخويف الشعوب، وبأيدِي الأنصار والأتباع على غزارتهم؛ فهي ليست شجاعة بما يكفي لتشمت في شعبٍ دفع ثمناً غالياً لجبروت الديكتاتورية. بينما الدرس السوري الحقيقي أنّ الأنظمة السلطوية ستنتهي مهما طال الزمن، بعد أن تُخلّف كثيراً من الدمار، وأنّ دماء شعوبها على عاتقها وحدها، لا على تداعيات سقوطها، فالدّماء والحرّياتُ كلّها تُسأل عنها أجهزة الأنظمة التي داست الجميع من أجل بقائها وتجذرّها في الأرض، معتقدةً أن هذا كلّه سيمنع انهيارها.

منذ 2011، جُعلت تداعيات الثورة السورية بعبعاً يُخوّف الناس به في كلّ الدول العربية: هل تريدون أن نصبح مثل سورية؟… إذاً الكلّ يخرس ويحني رأسه، وكأنّ الثورة سبب الفوضى، لا الديكتاتور الذي أراق الدم السوري بيده وبيد غيره. وكانت المجازر أخيراً في الساحل السوري فرصةً أخرى لمواصلة ذبح السّوريين تحت شعارات أخرى. ولكن المسؤول الأول هو بشّار الأسد الذي دفع سورية إلى دوّامة العنف الطائفي.

هكذا ركّز كثير من ردود فعل الرأي العام في المنطقة على المرجعية الإسلامية لفئة من مرتكبي مجازر الساحل السوري، وذكّرتنا مجدّداً أن الأنظمة السلطوية “دام عزّها” عامل استقرار يُجنّب بلدان المنطقة المصير السوري، فصار المصريون يحمدون الله على سقوط محمّد مرسي، ومجيء عبد الفتّاح السيسي لتخليصهم من “الإرهاب الإسلامي”.

والمغاربة والتونسيون والأردنيون والجزائريون والآخرون… قد لا يملكون بعبعاً إسلامياً في بلدانهم، لكنّ الإسلام السياسي مُذنبٌ في جميع الحالات، رغم أنّ التونسيين كانوا الأكثر ترويجاً لـ”الدرس الإسلامي الإرهابي”، الذي كان يمكن أن تجد تونس نفسها فيه لو حكم الإسلاميون. رغم أن أيّ مقاربة موضوعية تدرك أن ارتكابات الفصائل الإسلامية في سورية لا تختلف عن ارتكابات بقية المذنبين القتلة تحت ألوية شِعاراتية أخرى. القتل والحقد والطائفية هي الدافع الحقيقي، والباقي تفاصيل. ففلول النظام البعثي لم يقصّروا غير أنهم لم يصوّروا مجازرهم، ولو فعلوا فهم لا يملكون لحىً، وهذه تبدو أكثر إرعاباً من فعل القتل بحد ذاته.

يختلف كثيرون منا جذريّاً مع الإسلام السياسي أيديولوجيا تستغلّ الدين لأغراض سياسية، مع احتفاظها بعيوب الأحزاب والجماعات السياسية كافّة، وأيديولوجيا قابلة للاستغلال من أطراف خارجية، كما ثبت ذلك، بسبب قدرتها على الحشد، لكنّ لوم الأيديولوجيا هنا مقاربة قاصرة، فالدم السوري تريقه المصالح والولاءات السّياسية، لا الأيدولوجيا.

الدرس السّوري يعني أنّ على الأنظمة مراجعة نفسها، وإلا فهي المسؤولة الوحيدة عن دماء شعوبها، إن واصلت التضييق على الحرّيات، واعتقال كلّ الأصوات المعارضة ولو برفّة فراشة، مع وجود احتقان اجتماعي شديد بسبب التضخّم وسياسات اقتصادية فاشلة خضعت لإملاءات المؤسّسات الدولية التي لا تكترث للطبقة الأقلّ حظاً، التي صار معظم أفرادها تحت درجة الفقر.

الدرس السوري يعني هل يستحقّ الأمر العناء؟ هل يستحقّ بقاء شخص أو أشخاص في السلطة رغم أنف الجميع وإهدار دم الشعب كاملاً؟ هل يستحقّ تخريب المجتمع لدوام الكرسي؟… وفي النهاية، يقع الكرسي ويهرب صاحبه في أحسن الحالات. فالجهات الأجنبية بقدر ما يخدمها رأس السلطة، سيأتي يوم ستلفظه كأنّه لم يكن، وقوة الدول تأتي من الداخل لا من جهة خارجية قد تقلب وجهها لها في أيّ وقت.

الدرس السوري يا جارة.. أنت وهي، العودة إلى الرشد ومنح الناس بعض الأكسجين. وإذا هبّت العاصفة، وكنت مصرّة على تطليق الديمقراطية جملة وتفصيلاً، لن يفيدك تكرار تجربة الانحناء لعاصفتها. فإذا لم تدركي أن الديمقراطية هي السبيل الوحيد لحفظ دم الشعوب مجازاً وحقيقة. وأنها الوسيلة الوحيدة لحكم لا يريق دماء ولا يهرب صاحبه في النهاية منبوذاً حتى من أقرب مقرّبيه. فالرحمة للجميع. أفراداً وجماعات، وحتى القادة الأشاوس لن يسلموا مهما قتلوا، ومصير بشار لا يجب أن ننساه، فحتى روسيا لولا الخوف من فقدان ثقة حلفائها الآخرين بها لتخلّت عنه بلا أدنى تردّد، فهو صار عبئاً ولا أحد يحب الأعباء.

العربي الجديد

——————————-

حرب السرديات السورية/ فدوى العبود

الخميس 2025/03/13

تستحيل مقاربة مسألة بحجم الجرح السوري من دون الوقوع في الزلل. فلكل منّا حكاية ألم ينتظم عقدها ضمن قصة أكبر وقعت على الجماعة التي ينتمي إليها. وهي لم تكن سرديّات مظلوميّة فحسب، بل امتزجت آلام السوريين مع ما رسمه الخيال السياسيّ من صورة للآخر، إذ عزّزت السلطة السابقة هذه الصورة عبر مفارقات دينيّة وحكايات تاريخية تشيطن الآخر وتلغيه أو تلغي سلالته. وهي بذلك تعدم فرديته ليبقى ضمن قطيع يعاقب جماعياً على ما يرتكب فرديًا. ورغم أن غالبية تلك الروايات مشكوك في صحتها ولا تحمل قيمة تاريخيّة، لكن إضفاء هالة من القداسة عليها جعل الماضي يتسلل كوَرم إلى حاضر السوريين فيصادر مستقبلهم. فمعظمهم لا يعرف رموزه الوطنية ولا محطات الفخر في الثقافة السورية. لكنه علاّمة في سرديات تاريخية عائدة إلى ما قبل 1400 عام.

لكل سوري حكاية، وهي لم تكن متاحة أو مسموحة قبل 8 كانون الأول 2024. فهم لم يمنعوا من التـوجّع بصوت عال فحسب، كما حُرم ضحايا حماة في الثمانينات من تلقي العزاء بأبنائهم. بل فرض النظام السوري -وهذا ما شاهدناه بعد 2011- على ذوي المعتقلين، التوقيع على تقرير طبي يقرّون فيه أن أبناءهم الذين قضوا تحت التعذيب قد ماتوا بسكتات قلبيّة. كانوا شهوداً على نكبتهم ومُزيِّفين لها في الوقت نفسه، وتحت التهديد دفنوا أبناءهم بصمتٍ وانكسار.

كان 8 كانون الأول 2024، يوماً بلا دماء، هكذا وصف السوريون يوم التحرير والذي لم يقدّر له أن يبقى كذلك. فبعد ثلاثة أشهر بالضبط، ويا للمفارقة، وفي سالت الدماء في جبال الساحل إثر تمرّد مجموعة من المنتمين للنظام السابق في حركة طاولت نتائجها أبرياء ومدنيين وعزّل ورجالاً من القوى الأمنيّة.

استيقظت آلام هاجعة وتجاورت جنباً إلى جنب مع الجديدة، إذ لا فرق إلاّ في طزاجة الدم أو كميته. راحت هذه السرديّات تتصادم تارة، وتتناحر تارة أخرة: مرةً عبر إنكارها من الطرفين أو التعامي عنها، ومرةً من خلال التشفي.

لم يكن في الأمر من جديد عن 2011 سوى تبديل في المواقع. إذ راح كل طرف يشكك في مظلمة الآخر، أو يقلل من شأنها، وفي أسوأ الأحوال يعتبرها عقابًا مستحقًّا وإن أتى متأخرِّاً. خاض المثقفون هذا السجال، فأعادوا تموضعهم القبلي والطائفي والفئوي، اليساري واليميني، في مواقع التواصل. ولم ينجُ من التخندق إلا القابض على جمرة، بل كاد الإنسان في أعماقنا أن يقول خذوني!

راح الطرفان يستعيدان سردياتهما، ممزوجة باللوم والألم والعتاب. يستذكرون قصصاً حسبناها نُسيَت، وإذ بها هاجعة تحت أسرّة نومنا.

ولأنّ الدم يطلب الدم، أيقظتنا الدماء، أيقظت الضحية فينا، حاول كل منا في محكمة بلا قاضٍ، أن يثبت للآخر حجم صخرته. تخبّط البعض بين الرغبة في الانتقام والتوق إلى المسامحة، حالنا كحال الرجل الستينيّ الذي صرخ في وجه المعتصمين في ساحة الحجاز للحداد على أرواح الشهداء: يذكرهم بالغوطة الشرقية والكيماوي ومجازر النظام السوري، بأهله وعائلته التي فقدها، موّجهاً اللوم لمن صمتوا آنذاك. وماهي إلا دقائق حتى ردّد شتيمة طائفية، انقلبت حين لم يستجب لها الحاضرون، إلى ترداد الشعار الأسمى للثورة السورية: “واحد واحد، الشعب السوري واحد”. بدا بملامحه التائهة -بوعي أو من دونه- صراعًا بين إنسانيتّه ومظلمتِه. بين الانتقام والمسامحة. راغباً في احترام حكايته التي حجبها القهر والخوف طيلة 14 عاماً.

لم يصدق مؤيدو النظام السوري السابق في 2011 سردية المظلومية لأبناء الثورة، لم يحترموها أو ينتبهوا إلى آلامهم، سخروا منها وأنكروها أو تجاهلوها بصمت دافعه الخوف. وها هو قسم كبير من أبناء الثورة، يكذّب الظلم والحيف الذي وقع على الأبرياء في الساحل السوري، في دائرة من الفعل وردّ الفعل، من تبادل التهم، ما يصعِّب مهمة العدالة الانتقالية والتي لن يتاح لها الوصول إلى مبتغاها إذا لم يستوعب السوريون ضرورة إخراج آلامهم من قبورها الجماعيّة التي دفنها فيها نظام فاشي سابق. فالأشباح التي نربيها في الظلام ستتحول إلى ضباع تلتهمنا. يحتاج السوريون إلى الشجاعة الروحيَّة وإلى التصالح مع أنفسهم لينزعوا عن أرواحهم دور الضحيّة.

لعل أقرب التجارب إلينا هي الحرب في رواندا، والتي راح ضحيتها مليون إنسان. إذ قامت العدالة الانتقالية على ثلاث خطوات، آخرها هو الأهم. فقد حوسب كبار المجرمين في محاكمات دولية، ومن يليهم في محاكمات داخلية. أما من كانت جرائمهم بسيطة، فقد جلسوا مع الضحايا فوق ما يسمى بالعشب القصير ليروي كل منهم سرديته للآخر ويعتذر ثم يهديه بقرة، حسب تقليد متبع من التاريخ الرواندي.

العدالة لا تعني عقاب القاتل فحسب، بل تحرير الضحية من الألم والرغبة في الانتقام. بأن يعترف السوريون بسرديات بعضهم البعض، من دون أن يحاول أحدهم أن يثبت للآخر أن مظلمته أشد. في كتابها “اختبارات التعاطف” تقول الروائية الأميركية ليزلي جايمسون، “إن التعاطف كالتخيّل، كلاهما يتطلب جهلك المسبق بموضوعه. حيث لا قيمة لمخيّلة متحيّزة أو تعاطف مشروط”.

والمرحلة التي تلي احترام الضحايا لسرديات بعضهم البعض، هي تفكيكها وفك الارتباط بينها وبين تشوهات الخيال التاريخي والسياسي، الذي يبرر الجريمة كضرورة لثأر قديم، فلا جريمة تبرر أخرى ولا مظلومية تبيح لأحد أن يتحول إلى ظالم.

أما استمرار الشعور بالظلم فهو يثقل كاهل الضحيّة، وقد يتحول أداة تنزع عن الآخر إنسانيته فتبرر العنف الواقع عليه. وفي ما يتعلق بالخطوة الثالثة، والتي لا قيمة لها إلا بالاعتراف والتفكيك، فهي نقل هذه الآلام إلى متحف الذاكرة الجمعية، لا كطريقة للندب والبكاء، بل لاستخلاص العبر.

والسؤال المطروح على جمهور الثورة، سؤال أخلاقي ومعرفي، إذ تكشف مواقع التواصل وسماع الحكايات أن معظمهم ما زال عالقاً في سردية الضحيّة، بسبب تاريخ طويل من وأد سردياته التي تفجّرت دفعة واحدة. كتب بول ريكور: “إنّ الذاكرة المجروحة يمكن أن تكون مدخلاً للمصالحة، إذا ما قوبل الألم بالاعتراف بدلاً من التنافس على من يكون الضحيّة”. فاجترار الألم يفقد الإنسان كل قدرة على الاستمرار. ويهدد بأن يصبح ذريعة لقتل وتدمير من يعتقد أنه سبّب تلك الجراح. أن تتحول تلك التجارب القاسية إلى مصدر إلهام، وأن يستمع السوريون لبعضهم بعدما اكتشفوا أن الإنكار لا ينفع سوى في هدر فرصة ثمينة تدعى الإنسانية لينتصر الوحش في أعماقنا، وأنّ أشباح الحقيقة التي ندفنها اليوم ستعود مستقبلاً للانتقام منّا.

المدن

————————-

===================

====================

دوافع وكواليس الاتفاق بين “قسد” وحكومة الجمهورية العربية السورية مقالات وتحليلات تتحدث يوميا  تحديث 15 أذار 2025

تحديث 15 أذار 2025

————————

الإيكونوميست: هل يمكن لرئيس سوريا أن يوحدها بعد أن سفكت فيها الدماء؟

ربى خدام الجامع

2025.03.14

قالت مجلة “الإيكونوميست” في تقرير لها إن سوريا شهدت أعمال عنف دامية بعد سقوط رئيس النظام السوري بشار الأسد في كانون الأول 2024. وذكرت المجلة أن مجموعات مسلحة شنّت هجمات في منطقة الساحل السوري في السادس من آذار، ما أسفر عن مقتل مئات الأشخاص ونزوح الآلاف إلى التلال والغابات ولبنان، وسط تقديرات بوقوع أكثر من 800 قتيل، بينهم مدنيون.

موقف الرئيس

وأوضحت “الإيكونوميست” أن الرئيس السوري المؤقت، أحمد الشرع، واجه تحديًا كبيرًا في احتواء الأزمة. ففي الأيام الأولى، ألقى خطابًا استخدم فيه عبارات دينية أثارت الجدل، لكنه سرعان ما غيّر موقفه، وقدم نفسه كقائد وطني للجميع. واتخذ إجراءات لتهدئة الأوضاع، من بينها تعيين شخصيات من مختلف المكونات السورية في مناصب حكومية، وإنشاء لجنتين للتحقيق في أحداث العنف والعمل على المصالحة الوطنية.

وأشارت المجلة إلى أن الشرع فاجأ الأوساط السياسية بإعلان اتفاق مع “قوات سوريا الديمقراطية”، يقضي بدمجها ضمن مؤسسات الدولة، في خطوة نحو إعادة توحيد البلاد. كما تحدثت عن جهود مماثلة للتواصل مع الزعامات الدرزية، في إطار مساعيه لتعزيز الاستقرار.

توترات داخلية وتحديات المصالحة

وقالت “الإيكونوميست” إن أعمال العنف الأخيرة كشفت عن التحديات العميقة التي تواجه سوريا بعد سنوات الحرب. ولفتت إلى أن الانقسامات المجتمعية لا تزال تلقي بظلالها على الوضع السياسي، مشيرة إلى أن بعض المناطق شهدت ردود فعل متباينة إزاء الأحداث.

وأضافت المجلة أن تصاعد التوتر دفع العديد من العائلات إلى البحث عن ملاذات آمنة، بينما لجأ الآلاف إلى قاعدة حميميم الروسية. وفي دمشق ومدن أخرى، سادت مخاوف من توسع دائرة العنف، ما زاد من تعقيد المشهد الأمني.

صراع على الشرعية والموارد

وذكرت “الإيكونوميست” أن الشرع يواجه تحديات كبيرة في تحقيق التوازن بين الأطراف المختلفة، إذ لم يبدأ بعد أي عملية للعدالة الانتقالية، كما لم يحدد بوضوح خططه لإعادة دمج المسؤولين السابقين غير المتورطين في انتهاكات. ورأت المجلة أن العقوبات المفروضة على سوريا خلال حكم الأسد تسببت في أزمة اقتصادية حادة، ما جعل الحكومة الجديدة غير قادرة على دفع رواتب الموظفين، بينما تستمر بعض الجماعات المسلحة في فرض نفوذها على الأرض.

وقالت المجلة إن الشرع لم يُظهر بعد التزامًا واضحًا بمشاركة أوسع في الحكم، إذ لم ينفذ الوعود التي أطلقها بشأن تشكيل حكومة موسعة ووضع دستور جديد. وبدلًا من ذلك، استمر في إدارة البلاد عبر فريق مقرب منه، ما أثار تساؤلات حول توجهاته المستقبلية.

صفقة مع الأكراد وآفاق المستقبل

وأشارت “الإيكونوميست” إلى أن الاتفاق الذي أبرمه الشرع مع “قوات سوريا الديمقراطية” قد يعيد السلطة المركزية إلى شمال شرقي البلاد لأول مرة منذ سنوات. وأضافت أن هذه الخطوة قد تعزز موقفه العسكري وتوفر تمويلًا لحكومته عبر السيطرة على الموارد النفطية في المنطقة، كما أنها قد تشجع مجموعات أخرى على السعي لتفاهمات مماثلة.

لكن المجلة حذّرت من أن الاتفاق قد يواجه تحديات، مشيرة إلى أن وثيقته التنظيمية لم تحدد تفاصيل واضحة، وأرجأت عملية الاندماج حتى نهاية العام. ونقلت عن مسؤول كردي قوله إن “قسد ستبقى كتلة موحدة دون تغييرات كبيرة”، ما يثير تساؤلات حول مدى واقعية تنفيذ الاتفاق.

وختمت “الإيكونوميست” تقريرها بالإشارة إلى أن الشرع، رغم الصعوبات، تمكن من تحقيق خطوة سياسية قد تفتح الباب أمام استقرار تدريجي، لكنه لا يزال أمام تحديات كبيرة تتعلق بإعادة بناء الدولة ومعالجة آثار الحرب.

المصدر: The Economist

———————-

صحيفة أميركية تكشف الوسيط في اتفاق الشرع وعبدي

الحرة – واشنطن

15 مارس 2025

كشفت صحيفة “وول ستريت جورنال”، السبت، أن الجيش الأميركي لعب دورا مهما خلف الكواليس في سوريا، من أجل التوسط وعقد اتفاقات بين الحكومة الانتقالية وجماعات مسلحة.

ونقلت الصحيفة عن ضباط أميركيين القول إن القوات الأميركية، المنتشرة في سوريا لمكافحة عودة ظهور تنظيم الدولة الإسلامية، قامت بالتوسط في محادثات جمعت بين الحكومة الجديدة في دمشق والمقاتلين الأكراد المدعومين من الولايات المتحدة.

وأضاف هؤلاء الضباط أن الجيش الأميركي شجع كذلك مجموعة أخرى تتعاون معها الولايات المتحدة في جنوب شرق سوريا بالقرب من قاعدتها العسكرية في التنف، وهي “جيش سوريا الحرة” من أجل الاتفاق مع الإدارة الجديدة في دمشق.

وبحسب هؤلاء الضباط تهدف هذه التحركات إلى المساعدة في استقرار البلاد ومنع عودتها للحرب الأهلية مما قد يعقد الجهود المبذولة لمكافحة تنظيم داعش.

كما تهدف أيضا إلى منح الولايات المتحدة مقعدا على طاولة المفاوضات بينما تشكل سوريا مستقبلها، وفقا لذات المصادر.

وقالت الصحيفة إن القيادة المركزية الأميركية، المسؤولة عن النشاط العسكري للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، رفضت التعليق على دور واشنطن في المفاوضات.

كما لم ترد الحكومة السورية وقوات سوريا الديمقراطية، التي يقودها الأكراد، على طلبات للتعليق بشأن الدور الأميركي.

والاثنين، وقّع الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع وقائد قوات سوريا الديموقراطية مظلوم عبدي اتفاقا ينصّ على “دمج كافة المؤسسات المدنية والعسكرية في شمال شرق سوريا ضمن إدارة الدولة السورية بما فيها المعابر الحدودية والمطار وحقول النفط والغاز”.

ومن شأن هذه التسوية أن تخفف حدة الصراع في شمال سوريا في وقت يسوده عدم يقين بشأن مستقبل القوات الأميركية المنتشرة هناك.

ورحّب وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو بالاتفاق وقال في بيان صحفي: “تؤكد الولايات المتحدة مجددًا دعمها لانتقال سياسي يرسخ حكماً غير طائفي وذا مصداقية، باعتباره أفضل سبيل لتجنب المزيد من الصراعات”.

وتضمن الاتفاق ضرورة وقف إطلاق النار في كافة الأراضي السورية، ودعم “قسد” لإدارة المرحلة الانتقالية في مواجهتها لما سمتها “فلول الأسد”.

الحرة – واشنطن

————————

عربٌ سُنّة لكنهم ليسوا مسلمين/ عمر قدور

السبت 2025/03/15

استلمت هيئة تحرير الشام السلطة في سوريا بعد إسقاط الأسد وفراره في الثامن من كانون الأول/ديسمبر. وكما صار معلوماً، وفق سردية معممة، قدّمت الهيئة وجهاً معتدلاً جداً بالقياس إلى ما هو متوقّع من تنظيم إسلامي جهادي، نشأ زعيمه في أحضان الجهادية التي حاربت الأميركان في العراق، وتميّزت مع نظيرتها الشيعية بأعمال عنف طائفية شديدة القسوة. بدورهم، قدّم عناصر الهيئة في الأسابيع الأولى نموذجاً جيداً على الانضباط واحترام المدنيين، ونالوا الإشادة على ذلك في مناطق التنوع الطائفي، خصوصاً في مناطق يغلب عليها المنبت العلَوي.

سلوك عناصر الهيئة، وقياداتها من خلفهم، كان مهماً لسببين، الأول منهما صدوره عما فُهِم كابتعاد عن الأيديولوجيا الدينية للهيئة، والعلويون بموجبها مارقون دينياً عن الإسلام الصحيح “السُني”. أما الجانب الذي لا يقل تأثيراً فيختزله تعبير “النظام النصيري”، وهو تعبير كان معتمداً في “دولة إدلب” التي حكمتها الهيئة بقبضة من حديد على مختلف المستويات، بما فيها المستوى التعليمي الخاص بتنشئة الأجيال الجديدة، أي أن هناك بين مقاتلي الهيئة من تشرّب تعبير “النظام النصيري” بوصفه اختزالاً لطائفة مارقة دينية ومجرمة (على الأقل) سياسياً، لذا كان لسلوكهم الطيب مغزى إيجابياً مركّباً.

قائد هيئة تحرير الشام، الذي ظهر باسمه الحقيقي، راح بدوره يرسل الإشارات التي تتضمن طي صفحة “أبي محمد الجولاني”، وهو لقبه الذي كان معتمداً وشائعاً في إدلب. وتحدث مبكراً عن الانتقال من عقلية الثورة إلى عقلية الدولة، على نحو أراد من خلاله طمأنة قسم من السوريين، وتهدئة البعض الآخر المتعطّش إلى إجراءات راديكالية يريد من السلطة الجديدة اتخاذها.

تحولات السيد الشرع نالت اهتماماً واسعاً جداً بوصفها دليلاً إلى تحول أعمّ في فكر الهيئة وسلوكها، بل صار الاهتمام مفرطاً في الشكلانية من خلال متابعة دقيقة لما يلبسه ولطول لحيته ومغزى لون ربطة العنق التي يرتديها. وما بدأ على أنه اهتمام بدوافع سياسية انزلق بمعظمه إلى ما يمكن تشبيهه بتقديس الفرد، وأحياناً بلغة مشابهة للغة تقديس الفرد التي استخدمها موالو العهد البائد، حيث يهمِّش تقديس القائد (الفرد) مَن حوله في السلطة أولاً، فلا تؤخذ أقوالهم أو أفعالهم بجدية، ويُعامل كما يُعامل غلاة المعجبين نجمهم؛ بمحبة غير مشروطة بمطالب سياسية محددة أو ببرامج ونتائج ملموسة. لقد وصل الأمر بجريدة حكومية إلى نشر مقال عمّا يجتذب النساء في شخصية السيد الشرع!

الاهتمام بالقائد، متضمناً بوادر عبادة الفرد، لم يكن في الشهور الثلاثة الأخيرة صناعةً إسلامية. على العكس، يمكن الجزم بوجود نسبة كبيرة من المتدينات والمتدينين الذين لم يتورّطوا فيها، لأن إيمانهم العميق يردعهم عمّا في تقديس الأفراد من شبهة الشرك. هذه الصناعة مدفوعة بأمرين؛ واحد منهما هو النزوع إلى البحث عن بطل منقذ خارق، وقد تحقق هذا لأصحابه على نحو مشابه للأفلام التراجيدية ذات النهاية السعيدة غير المتوقعة. أصحاب هذا النزوع لا يريدون التمعّن في سياق الأحداث التي أدّت إلى التغيير الكبير في دمشق، بل يرفضون ذلك عمداً.

النزوع الثاني المتمم للأول هو الملمح الطائفي، فالبطل المنقذ هو ابن الطائفة المظلومة، وها هو قد انتصر لها أخيراً. وفق هذا التصور، ثمة مظلومية سنية، تعرّض أصحابها للإبادة والتهجير منذ عام 2011، وحانت أخيراً لحظة الانتصار. إلا أن لحظة الانتصار ليست تدشيناً لتراخي عصب المظلومية السُنّية، بل إن كثراً من المنضمين مؤخراً إلى العصبوية السُنية لم يكونوا يفصحون عنها من قبل، ونسبة منهم كانت تعلن عن عدائها لأيديولوجيا هيئة تحرير الشام وكل ما تمثّله الهيئة.

السُنّيّون الجدد، إذا جاز التعبير، هم سُنّيّو السلطة الجديدة، وقد حلّوا مكان الموالاة القديمة وبالمفردات اللغوية والبصرية ذاتها في معظم الأحيان. إنهم طائفة سلطة أكثر بكثير مما هم طائفيون في الأصل. ونستطيع القول أن السنيون الجدد ساروا بعكس التحولات المعلنة لهيئة تحرير الشام، فإذا كانت مقتضيات السلطة قد جعلت الهيئة أكثر اعتدالاً فإن استلام الهيئة السلطةَ جعلهم أشد تطرفاً، أو بالأحرى جعلهم يقطعون الطريق سريعاً من موقعهم غير الإسلامي إلى محاولة تصدّر الخطابات الطائفية على السوشيال ميديا.

يجوز القول إن الإسلاميين استثمروا في المسألة الطائفية للوصول إلى السلطة، أما السُنيون الجدد فهم متطوعون طائفيون، مدفوعون بما هو انتهازي رخيص أحياناً، إذ يعتقدون أنهم يرضون السلطة. وهذا بالتأكيد شيك على بياض قد يصعب رفضه من الأخيرة إن لم يكن استخدامه مغرياً فوراً. وهناك بينهم من لا يدفعه جشع انتهازي، بل يكفيه وهم امتلاك السلطة، وهو ما يذكّر بطائفيين علويين كان لديهم وهم مماثل أيام الأسد، ولا عجب في أن نظراءهم السُنّة لم يتعظوا من الدرس والمآل.

اليوم هناك نسبة، هي الأكبر على نحو صريح من السُنيين الجدد، والذين ليسوا مسلمين على ما توحي به هذه الكلمة من صورة نمطية في حقل السياسة. نتحدث عن فئات متنوعة، بينها المحافظ والمتحرر اجتماعياً، ومعظمها لا يُبدي مظاهر ملحوظة من التدين، بل يشهر البعض منها كونه لادينياً. هذه الفئات، على تنوعها، لم تتورع عن توزيع صكوك انتماء تحت يافطة: إنهم يشبهوننا. والحديث كان عن ملامح السيد الشرع وزوجته، وأتى أيضاً في سياق جدل حول النقاب، وحول تعيين مسؤولة عن شؤون المرأة. ولا يخفى ما يوجد في هذا التنميط من غزل للسلطة الجديدة، ومن إنكار ونفي لسوريين آخرين لا يشبهونها شكلاً وفق هذا الزعم، كما لا يخفى البعد الطائفي المستتر تحت هذا التنميط، وقد شهدنا مثيلاً له أيام الأسد: توّجه هو نفسه بالحديث عن مجتمع متجانس.

بعض الذين انفتحت شهيتهم مؤخراً على الحديث في المسألة الطائفية هم أيضاً من السنيين الجدد، وهم يحتسبون كل من لا يشاطرهم الرأي بحذافيره منكراً للطائفية ينبغي إقناعه، من دون أن يعبّروا عن أية حساسية تتعلق بالمرحلة الانتقالية الراهنة، على الأقل حتى تستتب الأوضاع في البلد، ويُشرع في العدالة الانتقالية، العدالة التي لا تقتصر على محاكمات المتهمين فقط، وإنما تتضمن محاكمة الإرث السابق كله بهدف عدم تكراره نفسه أو مقلوباً. والمستتر لدى البعض منهم على الأقل هو عزمهم على تكرار الماضي مقلوباً، وهذا فحوى استرجاع ذكريات دموية من الماضي القريب أو الأبعد لتبرير ما يقولون إنه مجرد تجاوزات للسلطة الجديدة.

إنهم عرب بدرجة أقل ربما مما هم سُنة، فالعروبة تُدفع إلى الصدارة فقط بعدّها من لوازم مواجهة الأكراد غير المنضوين حتى الآن تحت إمرة السلطة الجديدة. ومن المحتمل جداً أن الكثير من السنيين الجدد قد أضناهم وأدماهم موقع المهزوم الذي بدا حكراً عليهم لوقت طويل، أو على ما يمثّلون، ويحتاجون إلى اختبار النصر الذي حصلوا عليه، بما في ذلك اختباره بالقوة والبطش. وسيكون من الصعب عليهم القبول سريعاً بأن المظلومية والسلطة لا تجتمعان، وأنهم الآن أهل سلطة لا ينازعهم عليها أحد، والنزاع الوحيد على طبيعتها لا على مَن يكون على رأسها. أيضاً، من الصعب عليهم التخلّص سريعاً من فكرة المؤامرة الكونية على السُنّة، والنظر بواقعية إلى حدث التحرير كانقلاب في المواقف الدولية له أبعاده الإقليمية والدولية، ولا توجد قوة داخلية قادرة على تغييره.

حتى يحدث ذلك، سيبقى التناقض، وقد يشتد، بين ادّعاء تمثيل الوطن السوري وبين تمثّل عصب طائفي يبقى محدوداً رغم أكثريته، وسيبقى التناقض نفسه بين اشتداد العصب الطائفي والقول إن السُنة في سوريا هم الأمة، بمعنى أنهم قادرون على استيعاب المختلف وجاهزون لذلك. على هذا تأخذ المطالبة بالعدالة أهمية استثنائية، لأنها كفيلة بوقف التحريض الذي يتغذّى على غيابها أو يتذرّع به، ولأنها السبيل لفتح جراح السنوات الماضية بقصد المعالجة لا زيادة الاحتقان، ولأنها ترياق ضد المنهمكين في صنع وثن السلطة.

المدن

—————————–

ماذا بعد اتفاق الرئيس السوري وقائد قسد؟/ بشير العباد

14/3/2025

دمشق- في تطور لافت على الساحة السورية، أُعلن عن اتفاق بين الرئيس السوري، أحمد الشرع، وقائد قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، مظلوم عبدي، بهدف دمج المؤسسات المدنية والعسكرية التابعة للإدارة الذاتية في شمال شرقي سوريا ضمن مؤسسات الدولة.

هذا الاتفاق، الذي تم تسريبه إلى وسائل الإعلام قبل أن يصبح معلنا بشكل رسمي، أثار ردود فعل واسعة بين المسؤولين والسكان المحليين، وسط تطلعات لتنفيذه وفق آليات محددة.

وتعليقا عليه، قال غسان السيد أحمد، محافظ دير الزور، للجزيرة نت، إن تنفيذه سيتم عبر تشكيل لجنة مركزية تشرف على لجان فرعية تخصصية في مختلف المجالات، بما فيها الأمن، والعسكر، والصحة، والتربية، وغيرها من القطاعات، على أن يتم تشكيل هذه اللجان سريعا لمباشرة مهامها حتى نهاية العام الجاري، كما نص عليه الاتفاق بين الشرع وعبدي.

    توقيع اتفاق يقضي باندماج قوات سوريا الديمقراطية ضمن مؤسسات الجمهورية العربية السورية والتأكيد على وحدة الأراضي السورية ورفض التقسيم#رئاسة_الجمهورية_العربية_السورية pic.twitter.com/SCSgFkN9YK

    — رئاسة الجمهورية العربية السورية (@G_CSyria) March 10, 2025

أهمية كبرى

وأكد السيد أحمد أن الوضع الراهن سيبقى كما هو عليه حتى تشكيل اللجان واستلامها مهامها، محذرا “أهالي دير الزور، لا سيما العسكريين، من التوجه إلى مناطق سيطرة قسد، ما قد يعرضهم للاعتقال”، مستشهدا بحادثة سابقة جرت في الأيام الماضية.

وأشار المحافظ إلى أن هذا الاتفاق يحمل أهمية كبرى، ليس فقط في كونه إنجازا يوحد سوريا، بل أيضا لأنه “يعيد المكون الكردي إلى دوره الطبيعي في عملية البناء الوطني، باعتباره مكونا أصيلا تربطه بالمجتمع السوري علاقات محبة ومودة، إضافة إلى عوامل الجغرافيا والتاريخ المشترك”.

ووفقا له، يتضمن الاتفاق بندا يتعلق بإطلاق سراح بعض المعتقلين من الطرفين قبل نهاية شهر رمضان، وفق ما تم إبلاغهم به من القيادة السياسية في دمشق.

أما فيما يخص الثروات النفطية، فقد أوضح السيد أحمد أن الاتفاق ينص على استمرار توريد المشتقات النفطية من منطقة الجزيرة، الخاضعة لسيطرة قسد، إلى منطقة الشامية، الواقعة تحت سيطرة الحكومة السورية، حتى تقدم اللجان المتخصصة رؤية جديدة بشأن آليات الدمج مع الحكومة السورية.

من جهته، قال أحمد الهجر، مدير مكتب الشؤون السياسية لمحافظات دير الزور والرقة والحسكة، للجزيرة نت، إن اجتماعا عُقد بين الرئيس السوري وقائد قسد أسفر عن الاتفاق على 8 بنود أساسية.

وأضاف أن المرحلة المقبلة ستشهد عمل لجنة مكلفة بمتابعة تنفيذ البنود، مكونة من 5 أعضاء من جانب الحكومة السورية، ومن المتوقع أن تشكل قسد لجنة مماثلة بهدف تنفيذ البنود واستلام مؤسسات الدولة وإعادة هيكلتها ضمن وزارة الدفاع السورية.

وحسب الهجر، يمثل هذا الاتفاق تأكيدا على وحدة الأراضي السورية، مشيرا إلى أن المعلومات المتوفرة لدى مكتب الشؤون السياسية تفيد بأن اللجنة المكلفة ستباشر مهامها رسميا قريبا.

على المستوى الشعبي، قوبل الإعلان عن الاتفاق بمزيج من التفاؤل والترقب، حيث خرج الأهالي إلى الشوارع للاحتفال، وقال محمد العبود وهو أحد سكان منطقة الشعيطات بريف دير الزور الشرقي، للجزيرة نت، إن سكان المنطقة أطلقوا العيارات النارية ابتهاجا بعودة سوريا موحدة.

أما جاسم العيسى، من أهالي قرية الباغوز، فقد صرح للجزيرة نت بأن الأمور تسير وفق المتوقع، حيث من المنتظر أن تستعيد دمشق سيادتها على جميع الأراضي السورية، “ما سيضع حدا للفساد والرشاوي والتسلط الذي تمارسه بعض مؤسسات قسد على المدنيين”.

مرحلة حساسة

في المقابل، أفاد جميل العبار، من أهالي مدينة البصيرة بريف دير الزور الشرقي، للجزيرة نت، بأن قوات قسد باشرت حملة اعتقالات في المنطقة مع تكثيف الحواجز الأمنية وشن مداهمات، بعد عبور عناصر من الحكومة السورية إلى منطقة الشعيطات.

بدوره، قال إسماعيل المناور، من أهالي قرية الدحلة، للجزيرة نت، إن الاتفاق جاء في مرحلة حساسة تمر بها سوريا، خاصة في ظل الأحداث الساخنة التي يشهدها الساحل، لكنه انتقد الجدول الزمني لتنفيذه، معتبرا أن انتظار اللجنة حتى نهاية عام 2025 هو وقت طويل، “لا سيما في دير الزور ذات الطابع العربي، حيث لا تحظى قسد بحاضنة شعبية قوية كما هو الحال في الحسكة، التي تضم عدة قوميات”.

صورة جوية لمنطقة ريف ديرالزور الشرقي الواقعة تحت سيطرة قسد_

منطقة ريف دير الزور الشرقي الواقعة تحت سيطرة قوات قسد (الجزيرة)

في سياق متصل، قال عبد الرحمن الرمضان، من أهالي قرية محيميدة بريف دير الزور الغربي، للجزيرة نت، إن قسد نفذت حملات اعتقال استهدفت عددا من السكان بسبب رفعهم علم الثورة، وآخرين بسبب منشوراتهم على وسائل التواصل الاجتماعي التي عبروا فيها عن فرحتهم بالاتفاق، “ما أثار ضبابية حول موقف بعض الأجهزة الأمنية التابعة لقسد، خاصة جهاز مكافحة الإرهاب والمخدرات، الذي تدخل رغم أنها ليست من اختصاصه”.

في غضون ذلك، كشف مصدر مقرب من قسد -رفض الكشف عن هويته للجزيرة نت- عن وجود أحاديث داخلية بين قياداتها تصف الاتفاق بأنه “غير منصف”، وأنها ترى أن قسد تسيطر على الخزان الاقتصادي لسوريا، بما يشمله من ثروات نفطية وزراعية وحيوانية، وهو ما يضعها في موقع قوة خلال أي مفاوضات مع الحكومة السورية.

هذا، وحاولت الجزيرة نت الحصول على تصريح من مسؤول في قسد ولم تتم الاستجابة حتى كتابة التقرير.

المصدر : الجزيرة

—————————

كيف تنظر واشنطن إلى “مجازر” الساحل؟/ شربل أنطون -واشنطن

15 مارس 2025

هل انتهت المرحلة الانتقالية نحو الديمقراطية في سوريا بمجزرة؟ وهل وقع أحمد الشرع في فخ انتقام طائفي أم في “محاولة انقلاب” نصبها فلول نظام الأسد بدعم إيراني؟.

أسئلة عدة تطارد رئيس المرحلة الانتقالية في سوريا بعد أحداث الساحل، منها: هل عاد أحمد الشرع إلى ثوبه الجهادي وغطّى مجزرةً قام بها من كان يُقاتل في صفوفهم حتى الأمس القريب؟ ومن هي “العناصر غير المنضبطة” التي تحدث عنها أحمد الشرع؟ ولماذا أمر بإرسال نحو نصف مليون مقاتل إلى الساحل السوري على مرأى العالم ومسمعه؟

مهما يكن من أمر، فإن مسؤولية النظام الحاكم في سوريا كشف ومحاسبة المسؤولين عن المذابح الطائفية التي حدثت مؤخراً في الساحل السوري.

ولحماية الأقليات السورية، على الدول العربية والمجتمع الدولي مسؤولية الضغط لكشف ملابسات هذه المجازر ضماناً لعدم تكرارها.

شبكة حماية قانونية دولية للأقليات في سوريا؟

هل توفر إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب شبكة حماية قانونية دولية للأقليات في سوريا خلال هذه المرحلة الانتقالية، بعد أن أدان وزير الخارجية الأميركية ماركو روبيو المجازر وحدد منفذيها دون مواربة، ورفعت واشنطن الموضوع إلى مجلس الأمن الدولي؟

“تدين الولايات المتحدة الإرهابيين الإسلاميين المتطرفين، بما في ذلك الجهاديين الأجانب، الذين قَتلوا الناس مؤخراً في غرب سوريا. وتقف الولايات المتحدة إلى جانب الأقليات الدينية والعرقية في سوريا، بما في ذلك المجتمعات المسيحية والدرزية والعلوية والأكراد، وتقدم تعازيها للضحايا وأسرهم. ويتعين على السلطات المؤقتة في سوريا محاسبة مرتكبي هذه المجازر ضد الأقليات في سوريا”، على حد تعبير  روبيو.

وتطالب السناتور الديمقراطية جين شاهين السلطات السورية بـ”التحقيق في ما حدث، وتقديم المسؤولين عن قتل المدنيين إلى العدالة. لأن الشعب السوري لم يقم بإسقاط نظام الأسد الوحشي ليجد نفسه مجددا في ظل قمعٍ وعنفٍ أكبر”.

من جهتها، تشير صحيفة واشنطن بوست إلى أن المجزرة في الساحل السوري “تثير تساؤلات خطيرة بشأن ما إذا كان أحمد الشرع راغباً أو قادراً على كبح جماح مجموعة واسعة من الفصائل المسلحة التي لا تزال تعمل في جميع أنحاء البلاد”. فكيف يمكن للرئيس ترامب أن يُعالج هذه المسألة بشكل جذري لمنع تكرار المذابح ضد الأقليات في سوريا؟

أيُّ سياسة أميركية تجاه سوريا ما بعد الأسد؟

الممثل الأميركي الخاص السابق لشؤون سوريا، جيمس جيفري، قال لبرنامج عاصمة القرار على قناة الحرّة: “على الولايات المتحدة أن تتبنى سياسةً أكثر وضوحاً وفعالية تجاه سوريا. هناك العديد من المشاكل مع حكومة دمشق الجديدة برئاسة الرئيس الشرع. ومع ذلك، فقد اتخذ( الشرع) خطواتٍ إيجابيةً عديدة. والأهم من ذلك، أنه الشخص الوحيد القادر على حكم سوريا حالياً؛ والشرع عازمٌ تماماً على إبعاد إيران. وهذا هو الشاغل الأمني الأكبر لنا في دول جوار سوريا، بما فيها إسرائيل والأردن وتركيا وغيرها.”

وأضاف جيفري: “لذا، أرى أننا بحاجة إلى ربط خطواتنا المستقبلية، بما في ذلك الإعفاءات أو رفع العقوبات المحتمل وتوثيق العلاقات، بخطوات نحو مزيد من دمج الأقليات، بالإضافة إلى التحقيق في عمليات القتل حول اللاذقية. والأهم من ذلك، استبعاد أيٍّ من هؤلاء الأجانب ذوي الخلفيات الإرهابية من رعاية الحكومة السورية”.

ويقول جوشوا لانديس، مدير قسم الشرق الأوسط في جامعة أوكلاهوما: “تريد الولايات المتحدة الاستقرار في سوريا. كما تريد حماية شركائها الأكراد. وتريد واشنطن أيضاً ضمان عدم تمدد داعش في المنطقة. وألا يُطلق سراح سجناء داعش فيعودوا إلى التآمر ضد السوريين والمجتمع الدولي”.

لذا، يُضيف لانديس، فإن “الحفاظ على علاقات جيدة مع كل من النظام والأكراد، أمرٌ بالغ الأهمية للولايات المتحدة، التي ترغب في ذلك. كما ستحرص الولايات المتحدة على ألا تُرهِب الحكومة الجديدة الشعب السوري، وأنها ستفي بوعودها، بإشراك جميع أطياف الشعب السوري في صياغة دستورٍ يتضمن انتخاباتٍ حرةً خلال أربع سنوات”.

انتهاء “شهر العسل الانتقالي” في سوريا؟

يحذر الباحث في معهد واشنطن آرون زيلن من “انتهاء شهر العسل الانتقالي في سوريا بعد المجازر والتضليل الذي تمارسه السلطة الانتقالية حول المجازر ضد المواطنين العلويين”.

ويضيف: “إن سلوك لجنة تقصي الحقائق في سوريا سوف يؤدي إما إلى بناء شرعية الحكومة الجديدة أو تدميرها، وكذلك احتمالات انتقال مستقر للسلطة”.

وهذا ما يحتم على واشنطن بعض السياسات تجاه أحمد الشرع وفريقه: “ربما يكون من الضروري تأجيل رفع العقوبات الأميركية إلى حين التحقق بشكل ملموس من التقدم في تحقيق انتقال ديمقراطي سلمي في سوريا. وهذا يعني تعزيز الاستقرار والعدالة الانتقالية والحكم الشامل للسوريين جميعاً، مع خدمة المصلحة الأميركية العليا المتمثلة في مواجهة إيران ووكلائها. كما أن واشنطن تحتاج إلى إجراء مناقشات صعبة مع حلفائها في أنقرة والقدس، حول تضارب مصالحهما في سوريا، وحول ضرورة ضبط تدخلهما” في الشأن السوري.

بين أحمد الشرع و”الشيطان الذي نعرفه” !

إن “أحمد الشرع جهادي منذ فترة طويلة” يقول سيبستيان غوركا، مساعد الرئيس ترامب، لقناة الحرة.  “فهل أصلح نفسه؟ هل هو رجل أفضل الآن؟ هل هو شخص يؤمن بالحكومة التمثيلية؟ اسأل المسيحيين. اسأل العلويين في المنطقة واسأل أي أحد عانى على يديّ أحمد الشرع الجهادي. لم أجد أبدا قائدا جهاديا أصبح ديمقراطيا أو آمن بالحكومة” التمثيلية.

لكن “لا يمكن إغفال أن سوريا كانت حاضنة للإرهاب في ظل حكم نظام الأسد” برأي ديفيد شنكر، الذي يضيف : “مثلما يفرض تواجد الشرع وهيئة تحرير الشام في السلطة تحديات، فإنه يمثل كذلك فرصا للولايات المتحدة؛ فسوريا لم تعد تشكل تهديدا عسكريا لجيرانها. كما أن دمشق اختارت ألا تجدد استئجار روسيا للقاعدة البحرية في طرطوس، ما يحد من الانتشار الروسي في البحر المتوسط. كما أن سوريا الجديدة ليس لها مصلحة في إدامة العلاقة الاستراتيجية مع طهران ووكلائها الإقليميين. ولم يعد بإمكان إيران تسليح حزب الله عن طريق الأراضي السورية.”

وأضاف: “نهاية نظام الأسد كانت تطورا إيجابيا للولايات المتحدة وشركائها في المنطقة. الشيطان الذي نعرفه كان سيئا لمصالح الولايات المتحدة لدرجة أنه حتى الشرع يمكن أن يكون خيارا أفضل”. حسب تعبير ديفيد شنكر، مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى خلال ولاية ترامب الأولى.

بدايات نظام فدرالي في سوريا؟

من ناحية أخرى، كيف يرى خبراء “عاصمة القرار” التوافقات الأخيرة بين الحكومة السورية المؤقتة والأكراد والدروز ودور الجيش الأميركي في تسهيل الاتفاق بين الشرع وقسد؟.

“توفر هاتان الاتفاقيتان لهذه المناطق درجة من الحكم الذاتي لم نكن نعتقد أنها ستتمكن من الحصول عليها. لقد وافق الرئيس السوري الجديد على ما يبدو أنه بدايات نظام فيدرالي في الدستور الجديد. مما يعني وفقًا لكل من الأكراد والدروز درجة من الحكم الذاتي” كما يقول الباحث الأميركي جوشوا لانديس.

هذه الاتفاقات هي “خطوات في الاتجاه الصحيح” برأي السفير جيمس جيفري، الذي يطالب “المجتمع الدولي والدول العربية والأوروبية والأمم المتحدة ومنظمات، بالعمل مع حكومة دمشق على تعزيز استقرار الوضع في سوريا وبالتالي في المنطقة بأسرها واحتواء إيران”.

فرضت المجزرة ضد العلويين في سوريا تحديات جديدة على السلطة السورية المؤقتة وعلى داعميها لمنع انحراف المرحلة الانتقالية إلى فوضى وحرب طائفية قد تؤدي إلى تقسيم بلد منهك بالحروب. فهل ينجح التعاون الأميركي الروسي بشأن سوريا في حماية البلد وتنوعه العرقي والديني؟

شربل أنطون -واشنطن

الحرة

—————————–

اتفاق الشرع- عبدي: أمل للكرد ولكل سوريا/ عبد الوهاب بدرخان

اتفاق الشرع – عبدي: خطوة جريئة نحو “سوريا الجديدة” أم بداية تحوّل تاريخي؟

2025-03-15

سيكون الاتفاق بين الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع وقائد “قوات سوريا الديموقراطية” الكردية مظلوم عبدي (10 آذار/ مارس 2025) الوثيقة الأولى التي تدشّن عهد “سوريا الجديدة” وتقلب صفحة أخرى في سجل “ما بعد النظام الأسدي”. إذ دلّت الى تغيير حقيقي في العقلية السياسية لطرفين مستعدّين لقبول أحدهما الآخر، وحملت مؤشّراً الى المكوّنات السورية كافة بأن الواقع الذي فرضته الحرب يعزّز التوجه الى تبنّي اللامركزية الادارية في الدستور المقبل. ولا يقلّ أهمية أن يكشف مصدر كردي عن وجود “رعاية أميركية” للاتفاق، وقبل ذلك كان هناك كلام لمندوب روسيا الدائم في الأمم المتحدة عن “عودة التنسيق الأميركي- الروسي في شأن سوريا”، والأكيد أن تركيا شاركت في المشاورات كونها داعمة للسلطات الجديدة في دمشق ومعنية بالشأن الكردي.

للمرة الأولى يخطو الحكم السوري نحو حلّ تاريخي داخلي بينه وبين الكرد، مصححاً أداء سلطوياً ترسخ مع الحكم البعثي بنسخته الأسدية الاستبدادية. في العهود التي تلت استقلال سوريا كان الكرد مشاركين في الحكم، وكانت لهم مكانتهم في الحكومات والمشهد السياسي، قبل أن يبدأ تهميشهم وتجاهل حقوقهم وخصوصياتهم وهويتهم الى أن بلغ الظلم الذي تعرّضوا له حدّ انكار وجودهم وحرمانهم من حقوق المواطنة والتضييق عليهم في كل تفاصيل حياتهم. ورغم أن المفاوضات لن تكون سهلة، وأن أوضاع الكرد لن تستقيم سريعاً بفعل الاتفاق الجديد، إلا أنه يؤسس لمسار تغييري يُفترض أن يتعاون فيه الطرفان لتحقيق مصالحهما.

ومع الإعلان عن التوصّل الى وثيقة تفاهم بين الحكومة السورية ومحافظة السويداء، بعد الاتفاق مع “قسد”، تكون ثمة “عدوى” بدأت تفعل فعلها. ويمكن التوقّع بأن تفاهمات مماثلة ستتبع مع مناطق عدة، ذاك أن الواقع الدولي والإقليمي لا يدفع في اتجاه إعادة اشعال الحرب، كما أن الوضع السياسي الداخلي والضغوط الاقتصادية تستدعي التهدئة وإعطاء التغيير الذي بدأ بسقوط النظام السابق فرصة كي يعيد ترتيب البيت السوري، لأن الدولة التي خلّفها ذلك النظام منهارة ومفلسة ولا بدّ من مساهمة الجميع في انهاضها من الصفر. وقد أبدت الجهات الدولية والعربية كافة استعداداً لتوفير مثل هذه الفرصة للحكم الجديد، رغم مآخذ كثيرة على مكوّناته، حتى أنها لم تعتبر تجاوزات أحداث الساحل نقطة تحوّل في تقييمها لهذا الحكم، وإلّا لكانت أرجأت توقيع اتفاق الشرع- عبدي، أو ألغت تفاهم دمشق- السويداء.

قوبل الاتفاق بين الرئيس الانتقالي وقائد “قسد” باستحسان وترحيب في الداخل ولدى أكراد سوريا والعراق، كذلك في العواصم العربية والدولية. إذ شكّل خطوة جريئة ومتقدّمة، وتضمن إشارات الى مراجعات أجراها الطرفان للاعتراف بواقع سوريا بعد الحرب والإقدام على تنازلات متبادلة، بدليل أن ما لم تتوصّل اليه حوارات النظام السابق مع الاكراد على مدى أعوام، رغم الالحاح الروسي وعدم الممانعة الأميركية، انجزته الإدارة الجديدة في أقل من ثلاثة أشهر. هناك ملامح لمفهوم مختلف للدولة ولبسط سيطرتها، تضاف الى ان سلطة دمشق أظهرت وتواصل اظهار نيات حسنة، فيما سُجّلت صدقية في الانفتاح الكردي على التغيير الذي تشهده سوريا. ورغم أن الاتفاق لم يشرْ الى “حلّ” قوات سوريا الديموقراطية، أو الى القاء سلاحها، إلا أن منطق الانضواء في دولة واحدة سيفرض نفسه في نهاية المطاف، لكن على قاعدة الحوار وبناء الثقة واحترام الحقوق والمصالح.

عدا مضامين اتفاق الشرع- عبدي، تكمن أهميته في أنه رسم أفقاً لإنهاء العداء الذي ترسّخ طوال عقود بين الدولة والكرد، فلا شيء في البنود السبعة يستعصي التوافق عليه، ولا سبب يستدعي التراجع عنها أياً تكن الظروف والعقبات. إذ أن وقف اطلاق النار (البند الثالث)، تحديداً في شمال شرق سوريا، سيتطلّب التزاماً كردياً واضحاً بالنأي عن متطرّفي “حزب العمال الكردستاني” لتبديد ذرائع تركيا لمواصلة التدخّل المسلح ومحاولة الضغط على دمشق في عملية التطبيع مع الكرد. لا شك أن بعضاً من البنود، مثل دمج المؤسسات المدنية والعسكرية أو عودة المهجّرين وتأمين حياتهم (خصوصاً في المناطق التي تهيمن عليها تركيا) سينتظر بتّه انتظام مراحل الانتقال السياسي وإنجاز الدستور الجديد، لكن لن يكون هناك مجال لإضاعة الوقت بل لاستغلاله في تعميق الروابط ومنع أي طرف داخلي أو خارجي من تخريب الإرادة السياسية والروح التصالحية و”البراغماتية الوطنية” غير المسبوقة التي أشاعها الاتفاق.

من الاعتراف بأن الكرد “مجتمع أصيل في الدولة السورية” وفي “ضمان حقه في المواطنة وحقوقه الدستورية كافة”، الى “ضمان حقوق جميع السوريين في التمثيل والمشاركة في العملية السياسية وكل مؤسسات الدولة”، هناك التزامٌ تاريخي من طرفي الاتفاق بإعادة الاعتبار الى مفهوم “المواطنة” الذي سحقته “آلة القتل” أو رمته في مهانة أقبية السجون الاسدية. كل الدساتير تضع المواطنة في مصاف الأهمية، وليست كل الأنظمة تحترمها في الممارسة، لكن سوريا باتت بعد محنتها الكبرى أمام حتمية اعلاء شأنها فوق كل الاعتبارات. لعل تجربتَيْ الحكام الجدد في دمشق والكرد في الشمال الشرقي مدعوتان ليس الى تبادل التنازلات من أجل العيش المشترك فحسب، بل الى تبادل الخبرات ومزجها في تجربة جديدة تحتاج اليها سوريا للنجاح في رسم مستقبلها واستعادة قوّتها.

مع هذا الاتفاق يرتسم أمل جديد، للأكراد، لكن أيضاً لسوريا. ولم يكن ليكتمل معنىً ومغزىً من دون أن يلحظ “دعم الدولة في مكافحتها لفلول الأسد” وكل “التهديدات لأمن سوريا ووحدتها”، وأن يؤكد “رفض دعوات التقسيم وخطاب الكراهية ومحاولات بث الفتنة بين مكوّنات المجتمع السوري”. فهذان الإقراران ينطويان ضمناً على أن أولوية الجانب الكردي لم تعد الانفصال ولا الاستقلال عن سوريا، لكنه سيدافع عن كيانه الخاص في الاطار السوري، وهذا خيار مختلف عمّا كانت أطراف كردية تدعو اليه مثيرة شكوك السوريين في أن الكرد قد يشكلون قاطرة التقسيم، ولو أدّى ذلك الى تداعيات إقليمية قد لا تخدم مشروعهم. على العكس، يشير الاتفاق مع دمشق الى أن الكرد يرون مصلحتهم المستقبلية ضمن سوريا وفي مساهمتهم في سلامها واستقرارها. أما فلول الأسد فإن الطائفة العلوية لا تُختزل بهم، ولم تعد تعوّل عليهم، لكن من شأن المكوّنات الأخرى أن تبذل كل جهد للحوار مع العلويين الذين يحتاجون الى وقت للخروج من الحال التي رسّخهم فيها النظام ثم تخلّى عنهم.  

سوريا 963

———————————

سنوات من التنسيق العميق: اتفاق دمشق – “قسد” لم يولد أمس/ ريزان حدو

تعود جذور اتفاق دمشق – “قسد” إلى أواخر العام 2019، مع انتهاء عملية “نبع السلام”. لكنّ الاتفاق اليوم يواجه تحديات وازنة.

تحديث 15 أذار 2025

بينما كانت الأنظار مشدودة إلى نيويورك وعواصم دول الاتحاد الأوروبي بانتظار قرارات مُحتملة تُترجم التصريحات الرافضة لحمام الدم في الساحل السوري، تكفّلت صورة ملتقطة لأحمد الشرع ومظلوم عبدي بإعادة لفت الأنظار إلى حيث يجب أن تكون: دمشق.

أظهرت الصورة الرجلين يوقّعان اتفاقًا لاندماج “قوات سوريا الديمقراطية” ضمن مؤسسات الجمهورية السورية، والتأكيد على وحدة الأراضي السورية ورفض التقسيم، ونشَرَتها المُعرفات الرسمية إلى جانب صور لنص الاتفاق، الذي تبدو خطوطه العريضة واضحة، برغم ضبابية بعض البنود.

جذور قديمة

ثمة حاجة هنا إلى تأريخ صحيح لانطلاق عملية الحوار بين “هيئة تحرير الشام”، و”قوات سوريا الديمقراطية”، ما قد يسهم في توضيح المشهد، واستشراف مآلات الاتفاق. وُضع حجر الأساس لهذا الاتفاق قبل سنوات، خلافًا لما تداولته بعض وسائل الإعلام من أن البداية كانت في 20 شباط/فبراير الماضي فحسب، أو 9 كانون الأول/ديسمبر، وفق وسائل إعلام أخرى.

تعود الجذور إلى أواخر العام 2019، مع انتهاء عملية “نبع السلام” التي أدّت إلى سيطرة تركيا عبر فصائل “الجيش الوطني” على منطقتي رأس العين وتل أبيض (ريف الحسكة) في استكمال لما بدأته تركيا في عمليتي “درع الفرات/ 2016″ و”غصن الزيتون/2018” في عفرين. لم تُشارك “هيئة تحرير الشام” في كل تلك العمليات، وبالتالي لم تحدث أي مواجهة بينها وبين “قسد”.

في أواخر 2019، أدى اتفاق أميركي – تركي إلى وقف “نبع السلام”، وكان من أهم بنوده غير المعلنة توحيد الشمال السوري من أقصى الشمال الشرقي حيث الولايات المتحدة (متزعمة حلف “الناتو”) وحلفاؤها في “قسد”، إلى أقصى الشمال الغربي حيث تركيا (العضو في “الناتو”) وحلفاؤها فصائل “الجيش الوطني”، و”هيئة تحرير الشام”، وفرض إدارة واحدة تكون مقبولة أميركيًا وتركيًّا.

كانت مهمة واشنطن في إقناع حليفتها “قسد” بسيطة قياسًا على مهمة أنقرة مع حلفائها، فـ”قسد” قوة عسكرية منظمة لها مرجعية واحدة تعمل بشكل مؤسساتي منضبط، بينما “الجيش الوطني” خليطٌ من فصائل غير منضبطة ولا منسجمة.

حاولت أنقرة بشتى الوسائل توحيد تلك الفصائل في جسم عسكري واحد، لكنّ محاولاتها باءت بفشل، يبدو أن من أبرز أسبابه هيمنة النزعة الفصائلية المدفوعة بمصالح شخصية لقيادات لا تتمتع بالكفاءة العسكرية والمسلكية. كان من منعكسات ذلك الفشل قيام تركيا باستنزاف بعض الفصائل ماديًّا ومعنويًّا عبر زجها في معارك خارج الحدود السورية (في ليبيا، وأذربيجان)، وهذا أسهم في سوء إضافي لسمعة تلك الفصائل، مع وصمة ارتزاق دامغة.

في المقابل، كانت “هيئة تحرير الشام” تُظهر براغماتية ومرونة لافتتين، ما جذب انتباه واشنطن ولندن اللتين سارعتا إلى فتح خطوط تواصل مع الهيئة. أثمر ذلك تنسيقًا استخباراتيًا بين “تحرير الشام” و”قسد”، بإشراف أميركي بريطاني، وأتاح تنفيذ عمليات استهداف دقيقة لقادة وعناصر من تنظيمي “داعش” و”القاعدة” في إدلب وريفها.

منذ ذلك الوقت استمرّت خطوط التواصل فعالة بين “الهيئة” و”قسد”، وانعكس تأثيرها بوضوح في مواقف عدة، أبرزها: رفض “الهيئة” للانتهاكات التي ارتكبتها فصائل الجيش الوطني بحق الكرد في عفرين، وقوبلت تلك المواقف بمطالبات شعبية كردية بدخول “الهيئة” إلى عفرين. ولا يفوتنا أيضًا التعاون الاقتصادي المهم، والتنسيق بين “قسد” و”الهيئة” في ملفي المحروقات والمحاصيل الزراعية على وجه الخصوص.

عوامل مستجدّة

قبل سقوط النظام السوري السابق بشهور، كان من المنتظر أن تُظهّر اتفاقات وتوافقات بين “تحرير الشام”، و”قسد”، تتعلق بالشمال السوري. لكن تسارع الأحداث في المنطقة منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر في غزة، وصولًا إلى السقوط المدوي للنظام السوري السابق أدى إلى حرق المراحل، وجعل الاتفاق شاملًا لكل سوريا، خصوصًا بعدما تربّعت “الهيئة” على رأس منظومة الإدارة الجديدة في دمشق.

من الواضح أيضًا أننا كنا على موعد مع حرق جديد للمراحل، تحت ضغط، أو بالاستفادة من المستجدات السوريّة والإقليمية في آنٍ واحد: من جهة أحمد الشرع يبدو جليًّا أن توقيت توقيع الاتفاق رسميًّا وإعلانه يرتبط بسعي إلى احتواء مضاعفات مجازر الساحل السوري، التي وضعت الشرع أمام أول اختبار حقيقي، خصوصًا مع ردود الفعل الدولية التي تجاوزت حدود الاستنكار إلى مُطالبات حازمة. ويبدو أن الرجل قد سارع بالفعل – كما نُصح – إلى محاولة تحويل التهديد إلى فرصة لإمرار الاتفاق الذي يُعاكس مصالح جزء غير قليل من الدائرة المحيطة به، لا سيما العسكرية.

أما من جهة عبدي، فيبدو أن الفرصة قد سنحت عقب رسالة زعيم “حزب العمال الكردستاني” عبد الله أوجلان، وحديثه عن مستقبل تركيا وعن حرصه على قوتها وأمنها باعتبارها وطنه، ورفضه نموذج الدولة القوميّة، بل حتى رفضه الفيدرالية أو الإدارة الذاتية.

كل هذا، قوّى موقف عبدي أمام شركائه في الإدارة الذاتية، وتحديدًا “حركة المجتمع الديمقراطي”، إذ استثمر رسالة اوجلان لتكون حجة إضافية يحاجج بها زملاءه الذين عادة هم من يعبرون عن آراء قنديل (قيادة “حزب العمال الكردستاني”). يُضاف إلى ذلك احتمال وجود تأثير كردي آخر عابر للحدود للدفع نحو الاتفاق، الذي يشابه في شكله ومضمونه أفكارًا طرحها رئيس “الحزب الديمقراطي الكردستاني” مسعود البارزاني، الذي يحظى بتقدير لدى الإدارة السورية الجديدة.

تحديات وازنة

يبقى أن تنفيذ أي اتفاق يفوق في أهميته التوقيع بأشواط، لا سيما أن تحديات عديدة وكبيرة تفرض نفسها، على رأسها التدخلات الخارجية المحتملة، خصوصًا أن هناك دولًا متضررة، ومنها من قد يعتبر توقيع الشرع على الاتفاق “طعنة غدر”، ما يعني أن الضغوط التي ستُمارس عليه لنسف الاتفاق لن تقل عن الضغوط التي ستُمارس على قائد “قسد” مظلوم عبدي. هذا ما يضع على الرجلين مسؤوليات كبيرة لتحصين اتفاقهما، خصوصًا عبر عدم اعتباره مجرد إجراء تكتيكي هدفه شراء الوقت لتخفيف الضغوط الدولية على الإدارة الجديدة، إثر الانتهاكات المروّعة في الساحل السوري.

أما العنصر الأهم في تحصين هذا الاتفاق، فهو حجم الترحيب الشعبي السوري الملحوظ، والاحتفاء الذي كان مؤهلًا ـــ لولا أنه سُبق بمجازر الساحل ـــ ليفوق الفرحة بسقوط النظام السوري.

هامش: بعد الإعلان عن توقيع الاتفاق بساعات وأثناء كتابة المقالة، نفّذ سلاح الجو التركي غارات وُصفت بالأعنف على مواقع “قسد” قرب سد تشرين في ريف حلب الشرقي، وأُمرت فصائل الجيش الوطني (العمشات، والحمزات، والمعتصم، والسلطان مراد) بإرسال تعزيزات إلى الجبهات.

أوان

————————–

====================

دوافع وكواليس الاتفاق بين “قسد” وحكومة الجمهورية العربية السورية مقالات وتحليلات تتحدث يوميا  تحديث 14 أذار 2025

تحديث 14 أذار 2025

————————

اتفاق الشرع ـ عبدي: ما الذي يتبقى من معادلة «روج آفا»؟/ صبحي حديدي

تحديث 14 أذار 2025

أظهرت تقارير مصوّرة أنّ غالبية أبناء سوريا من الكرد والعرب ابتهجوا لتوقيع اتفاق بين الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع وقائد «قوات سوريا الديمقراطية ـ قسد» مظلوم عبدي، وللبهجة موجبات شتى بعيدة المدى يتوجب أن تعالج بعض (والأرجح: ليس كامل) جوانب المسألة الكردية في البلاد؛ وأخرى قريبة الأثر والجدوى، لجهة توقيت يأتي في أتون محاولة انقلاب قادها ما تبقى من فلول نظام «الحركة التصحيحية» وما يواصل البقاء من أفراد فصائليين وجهاديين توّاقين إلى تسعير ثارات طائفية عمياء، وما يقترن بهذَين الفريقين من نزوعات تعطش إلى إراقة الدماء والمجازر الوحشية.

ثمة إلى هذا، وتماشياً مع منطق سياسي أو انتهازي أو مصلحي أو قوموي أو عصبوي، فئات من الكرد والعرب (أقلية، حتى الساعة على الأقلّ) لم تبتهج بالاتفاق؛ لموجبات شتى بدورها، قد يبدأ بعضها من حسن النوايا والتشبث بما مثّلته تجربة «الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا ـ روج آفا» من معطيات جرى ترقيتها إلى سوية القيم العليا في الحكم والتعبير الديمقراطي لدى فئات «قسد» أو على العكس كانت حاضنة تسلط وتطهير إثني وانتهاكات حقوقية ونهب ثروات في ناظر شرائح من عرب المنطقة. بعض تلك الموجبات لا يعفّ القائلون بها عن التمترس خلف أوهام هذه أو تلك من درجات الاستقلال والفدرالية أو حتى صيغة غائمة هلامية من دويلة كردية لدى الكرد أوّلاً، مقابل التمسك بالهوية العربية أو التعددية الإثنية (في صفوف الأرمن والسريان والآشوريين، مثلاً) لدى فئات أخرى عربية أو غير كردية. ولا يصحّ، في كلّ حال، إغفال فئة رافضة على الجانبين وبمعزل عن الملابسات القومية أو الإثنية، لأنها إنما تولت شبكات فساد مالي واسعة، على امتداد مناطق «قسد».

في إطار هذا التشخيص، ومن دون انتفاء تشخيصات أخرى تأخذ ببعض هذه العناصر أو تستبعد بعضها الآخر أو تضيف إليها؛ في الوسع السجال بأنّ البنود 4 و5 و6 و7 من نصّ الاتفاق بين الشرع وعبدي ذات طبيعة إجرائية، وهي على أهميتها أقرب إلى تحصيل حاصل. ذلك لأنها تتناول دمج المؤسسات المدنية والعسكرية والمعابر الحدودية والمطار وحقول النفط والغاز؛ وتضمن عودة المهجرين إلى بلداتهم وقراهم، وتُلزم الدولة بحمايتهم؛ ومن باب الاستطراد، الهامّ مع ذلك، تضمّ «قسد» إلى جبهة السلطة الراهنة في مكافحة فلول الأسد؛ كما تشدد على رفض «دعوات التقسيم وخطاب الكراهية ومحاولات بثّ الفتنة بين كافة مكونات المجتمع السوري».

ليس من كبير جدال، أغلب الظنّ، في أنّ البند الأوّل (الذي يضمن «حقوق جميع السوريين في التمثيل والمشاركة في العملية السياسية وكافة مؤسسات الدولة بناء على الكفاءة بغض النظر عن خلفياتهم الدينية والعرقية») لا يخصّ المواطنين السوريين الكرد وحدهم، بل يشمل جميع أبناء سوريا. وأنه، تالياً، لا يُرضي «قسد» بصفتها التنظيمية التي تزعم التعددية الإثنية في صفوفها، فحسب؛ بل يُراضي حلفاءها السوريين، بعضهم أو جلّهم، ضمن توافق مضمَر على «حقوق» جبهات «روج آفا» السياسية والعسكرية المتعددة. صحيح، بالطبع، أنّ هذا البند، وبالأحرى نصّ الاتفاق كله، لا يقارب ارتباط «قسد» الوثيق مع الولايات المتحدة والتحالف الدولي (وهذا أحد العقابيل الكبرى المنتظَرة خلال أشهر التطبيق الفعلي، حتى نهاية العام الجاري 2025)؛ إلا أنّ وصول عبدي إلى دمشق على متن طائرة أمريكية، كما تردد، يجبّ قسطاً غير قليل من تغييب المقاربة تلك.

يبقى البند الثاني، وهو في تقدير هذه السطور الأهمّ من حيث ملاقاة حقوق الكرد ومظالمهم في ظلّ ما تعلنه إدارة الشرع من عزم على المواطنة المتساوية ودولة القانون، خاصة في ميادين دستورية جوهرية تتجاوز (بكثير، كما يِؤمل) الصيغة الرائجة حول إنصاف المكوّنات/ الأقليات. وهو، أيضاً، البند الأخطر في الجانب التطبيقي لأنه يفتح، على مصاريعها كافة، بوّابات المسألة الكردية في سوريا وإشكالياتها ومصاعب معالجة ملفاتها المعقدة؛ هذه التي قامت تاريخياً، ولعلها تظلّ قائمة اليوم في كثير أو قليل، على سرديتين متكرّرتين، متكاملتين على نحو جدلي، رغم تناقضهما في الشكل والمحتوى. في الأولى موجات متعاقبة من الاضطهاد الإثني والسياسي والثقافي، على يد أمم صغرى وأمم كبرى، إقليمية وكونية؛ وفي السردية الثانية، وقائع خيانة ذات طابع مزدوج، على يد الحلفاء أو الأصدقاء، وبأفعال قيادات سياسية كردية على مرّ تاريخ الكرد، والحديث منه خصوصاً.

على سبيل المثال، من حوليات حكم حزب البعث، في سنة 1963 كان الملازم محمد طلب هلال، الذي سيرتقي بعدئذ سلّم المناصب العليا سريعاً، قد رفع إلى قيادة الحزب دراسته الشهيرة التي اقترحت جملة إجراءات تستهدف «تذويب» الكرد في «البوتقة» العربية! تأسيساً على مقترحاته تلك، جرى تعريب أسماء عشرات القرى والبلدات الكردية، ومُنع الأكراد من تسجيل أطفالهم إذا اختاروا لهم أسماء كردية، كما مُنعوا من الطباعة باللغة الكردية، وسوى ذلك من الإجراءات التمييزية الفاضحة. وفي مطلع السبعينيات، عهد الأسد الأب، أقام النظام حزاماً عربياً بطول 375 كم وعمق يتراوح بين 10 – 15 كلم، على طول الحدود السورية التركية؛ جرى بموجبه ترحيل 120 ألف مواطن كردي من 332 قرية، وإحلال سكان عرب محلّهم بعد بناء قرى نموذجية لهم.

وعلى امتداد 54 سنة من سلطة «الحركة التصحيحية» كان بديهياً أنّ الأحزاب والقوى السياسية الكردية في سوريا جزء لا يتجزأ من حركة الأحزاب والقوى السورية التي رفعت شعار تغيير جوهري ديمقراطي في حياة البلاد. وكان بديهياً أيضاً أنّ بلوغ مرتبة أرقى في النضال من أجل تغيير نظام استبداد آل الأسد، سوف يشمل انتزاع المزيد من حقوق المواطن السوري، عربياً كان أم كردياً، بصرف النظر عن خلفيته الإثنية أو الدينية أو المذهبية. ولم تكن غالبية القوى الكردية غافلة عن هذه البديهيات، بل كانت تعرفها وتؤمن بها، وعلى أساسها تواجدت ونشطت في قلب الحراك الديمقراطي السوري، على اختلاف أشكاله وأزمنته.

بذلك فإنّ البند الثاني مُلزَم بمقاربة ما تتركه، أو تركته لتوّها، سرديات انتقاص حقوق الكرد في سوريا، ثمّ معادلة «روج آفا» التي إذا كانت لا تقلّ تعقيداً، فإنّ احتساب مستقبلها حافل بمصاعب بالغة التجذّر، ومزالق مركّبة الاستحقاق والضرورة. والأصل أنّ المعادلة تنهض على مرتكزات إيجابية خدمت سوريا جمعاء مثلما فعلت إزاء الكرد السوريين، وليست محاربة «داعش» ودحرها في مناطق عديدة سوى مظهر أوّل في هذا السجلّ؛ سوف يتفاعل، على نحو جدلي يقترن خلاله التمثيل السليم بالمصادرة القسرية، مع انتخابات خريف 2017، والتدابير الفدرالية المتعجلة والمصطنعة، وإشاعة مناخات «علمانية» وحقوقية بصدد مكانة المرأة بصفة ملحوظة، والتكريس (النظري، الشكلي، المتعجل هنا أيضاً) لمفهوم اللامركزية، وما إلى ذلك. السلبيات، في المقابل، لم تقتصر على علاقات ارتهانية لقيادات الـPKK في جبال قنديل فقط، بل جمعت التناقض الصارخ في التسليم لإدارة أمريكية تواصل تصنيف الـPKK كتنظيم إرهابي؛ ولم تتوقف عند أنساق استبداد صارخة، وممارسة التجنيد القسري، والتنكيل بمعارضين وصحافيين كرد وعرب، وتنصيب شخصيات عسكرية وسياسية تقود شبكات النهب والفساد.

وهكذا، لعلّ بعض نجاح، أو إخفاق، تنفيذ اتفاق الشرع ــ عبدي رهنٌ بما يتوجب الإبقاء عليه أو استبعاده من معادلة «روج آفا» التي عادت بمحاسنها وبمظانّها إلى خارطة اتحاد سوري مضطرد.

كاتب وباحث سوري يقيم في باريس

القدس العربي

————————————-

تركيا منزعجة وإسرائيل ضائعة: اليد الأميركية ترعى الشرع/ منير الربيع

الجمعة 2025/03/14

خفايا كثيرة لم تتوضح حتّى الآن حول اشتباكات الساحل السوري وخلفياتها. فإلى جانب الروايات العديدة التي أصبحت معروفة، تبقى هناك روايات أخرى، من بينها ما يرد عن دخول إيران بشكل مباشر على خطّ هذا الصراع، لأن طهران كانت قد علمت بمفاوضات جدية تقودها الولايات المتحدة الأميركية لإرساء تفاهم بين دمشق والأكراد، فجاءت معركة الساحل لقطع الطريق على أي مصالحة بين أحمد الشرع والفصائل الكردية. لكن ما يتضح أكثر هو حجم الاهتمام الأميركي بسوريا، والحفاظ على وضعية الشرع مع إعطائه فرص سياسية كثيرة. وما يمكن قوله باختصار، إن واشنطن هي التي وفرت كل مقومات الصمود للشرع، خصوصاً بعد معركة الساحل، وفي ظل المساعي المستمرة لإصلاح العلاقة مع الدروز.

غرفة عمليات

بالتزامن مع المعارك التي كانت قائمة في الساحل، كانت غرفة عمليات أميركية مهمتها مواكبة الملف السوري، تضغط في سبيل معالجة الكثير من الملفات العالقة، أولها معالجة العلاقة بين دمشق والأكراد، وبين دمشق والسويداء. وقد تركز العمل على خفض التصعيد بشكل نهائي بين دمشق وشمال شرق سوريا، بالإضافة إلى العمل على تهدئة الوضع في الساحل مع إعطاء هامش للشرع كي يحسم. شدد الأميركيون على ضرورة تجميد أي نشاط لبعض القوى العسكرية الموالية لتركيا، وخصوصاً “فرقة سليمان شاه” بقياد محمد الجاسم المعروف بلقب “أبو عمشة”. لا سيما أن الكثير من المجازر التي ارتكبت في الساحل السوري تتحمل مسؤوليتها هذه الفصائل، وخصوصاً “العمشات” و”الحمزات”. وقد اعتبر الأميركيون أن هذا سيؤدي إلى تفجير كل الواقع السوري، بالإضافة إلى إصرار الفرقتين على خوض المعارك ضد الفصائل الكردية ورفض الاتفاق. يتواصل الضغط الأميركي لإخراج هاتين الفرقتين من الساحل السوري بشكل كامل، وصولاً إلى العمل على حلّ الفصيلين. بينما في المقابل، هناك إصرار لدى الحمزة وأبو عمشة على البقاء في الساحل وعلى مواصلة القتال ضد الأكراد. وهذا يشير إلى إمكانية بروز توتر أميركي- تركي بسبب الاختلاف في المقاربات.

غطاء أوروبي

في الموازاة أيضاً، كانت هناك مفاوضات روسية سورية، أصبحت معروفة الآن بعد تصريح الشرع لوكالة رويترز حول التفاوض مع الروس على مسألة بقائهم في القواعد العسكرية في اللاذقية وطرطوس. هنا تتداخل الحسابات الجيوستراتيجية للدول على الساحة السورية. إذ أن الأوروبيين لا يعتبرون أن مصلحتهم تقتضي باستمرار السيطرة الروسية على الموانئ السورية. لذا، كانت هناك مواقف أوروبية واضحة تدعو الى الحفاظ على وحدة سوريا، ورفض حصول أي اهتزاز أمني أو عسكري. بدا ذلك وكأنه غطاء للشرع كي يحسم المعركة ويعيد السيطرة على الساحل. على الرغم من المواقف الأوروبية الواضحة التي كانت تشير إلى ضرورة حماية الأقليات ووقف ممارسة العنف، لكن الهم الأكبر هو عدم ترك روسيا هي المتحكمة بمنطقة الساحل، وتوفير الدعم للشرع كي لا يكون مضطراً للاستسلام إلى موسكو. هنا لا بد من التذكير بأن فرنسا تأخرت في إعلان الاعتراف بأحمد الشرع والترحيب بوصوله، بانتظار أن تضمن تجديد عقد شركة cma cgm في مرفأ طرطوس. وللمفارقة أنه في اليوم الذي جرى تجديد العقد صدر الترحيب الفرنسي على لسان الرئيس إمانويل ماكرون.

المصلحة الأميركية

على الرغم من هذه المواقف الأوروبية، تبقى هناك نقطة غير محسومة بالنسبة إلى الأوروبيين، وهي تتصل بالعلاقة الروسية الأميركية. إذ لم يتمكن الأوروبيون من تكوين تصور واضح حول حقيقة الموقف الأميركي من الوجود الروسي في سوريا. في المقابل، عمل الأميركيون على ممارسة ضغوط على إسرائيل لتخفيف حدة الضغط العسكري والسياسي على سوريا. فعلى الرغم من الالتقاء الأميركي الإسرائيلي استراتيجياً، هناك خلاف أساسي على طريقة إدارة الملف. ويعتبر الأميركيون أن ما يقوم به الإسرائيليون يهدد بتفجير المنطقة ككل على أساس طائفي أو عرقي أو قومي، وهو لا يصب في المصلحة الأميركية، وسط تركيز على حماية الاستقرار. لذلك، عملت واشنطن على تقديم مقترحين لمعالجة علاقة دمشق مع الأكراد ومع الدروز، مع توفير ضمانات أميركية للأكراد والدروز بعدم التعرض لهم من قبل دمشق، وتوفير كل الضمانات الأمنية لهم.

إصرار الأميركيين على تحقيق مصالحة دمشق مع الأكراد، يُعد مشكلة بالنسبة إلى تركيا، أو يندرج في سياق تضارب المصالح. أما إصرار الأميركيين على دعم الشرع ليتمكن من الحفاظ على السلطة في دمشق، مع ما يقتضيه ذلك من الوصول إلى اتفاق مع الأكراد، قد يُعد مشكلة بالنسبة إلى إسرائيل أيضاً، التي تقول منذ اليوم الأول إنها تسعى إلى تقسيم سوريا إلى مناطق نفوذ. كذلك، هناك استنفار تركي إسرائيلي. ففي الوقت الذي تسربت فيه أخبار عن نية أنقرة بناء قواعد عسكرية في البادية السورية، كانت إسرائيل تسرب مشروعها للدخول من الجنوب السوري باتجاه السويداء ومنها إلى البادية وصولاً إلى شمال شرق سوريا، أي فتح خط مباشر مع الأكراد.

هنا تزايدت الضغوط الأميركية، من أجل عدم انفجار الوضع السوري بشكل كامل. وفي موازاة كل التضارب في الحسابات، يواصل الشرع نشاطه السياسي المتصل بتكوين السلطة، من إطلاق الإعلان الدستوري، إلى البحث في تشكيل حكومة على الأرجح ستكون من 22 وزيراً. وهو سيضم إليها وزيراً كردياً، وآخر مسيحياً، مع إمكانية انضمام وزير درزي. وذلك يتوقف على توقيع الاتفاق النهائي مع الدروز في السويداء، وهم ينقسمون بين من يؤيد ويتحمس لتوقيع الاتفاق ومن لا يزال يتريث، فيما تتواصل المساعي الأميركية لإنجاز هذا التفاهم، والذي سيكون عبارة عن اعتماد مبدأ اللامركزية الموسعة، بما تتضمنه من احتفاظ كل منطقة بفصائلها وبنوع من اللامركزية الضرائبية أو المالية، بما يرضي هذه المكونات.

ما تريده إسرائيل

إسرائيل حتى الآن لا تبدو أنها تتمتع بقناعة واضحة أو برنامج لما تريده في سوريا، هناك ما يشير إلى ضياع إسرائيلي في كيفية التعاطي مع الملف السوري، وما إذا كانت تريد لسوريا أن تكون مستقرة على سلطة أساسية في دمشق مع توسيع هامش اللامركزية بالنسبة إلى المناطق الأخرى، على أن يكون ذلك مقابل دخول الشرع في مفاوضات سياسية أو ديبلوماسية معها، قد يكون الهدف منها الوصول إلى اتفاق. أم أن مصلحتها تقتضي بقاء حالة انعدام الاستقرار والصراعات الداخلية في سوريا، كي تشغلها عن التأثير في الساحات الأخرى.. أم نسج تفاهمات مع دمشق مقابل ضمان عدم التسبب بأي اهتزاز للاستقرار على الحدود مع إسرائيل، وبضمان ضبط الحدود اللبنانية، ومنع أي شكل من أشكال تهريب الأسلحة أو الأموال لحزب الله. أم أن إسرائيل تريد تكريس أمر واقع سياسي بالاستناد إلى ما حققته عسكرياً، من خلال عملية القضم العسكري والجغرافي، والاحتفاظ بما سيطرت عليه، أم أنها تريد الوصول إلى اتفاق سلام مع دمشق مع تخلي الأخيرة كلياً عن الجولان. بالنسبة إلى سوريا، فما تريده هو العودة إلى اتفاقية فض الاشتباك في العام 1974، ولا يريد الشرع الدخول في اتفاق سلام، ولا يريد التنازل عن الجولان.

تركيا وإيران

أما تركيا، فهي تعتبر نفسها متضررة من الاتفاق بين دمشق والأكراد، فهي لم تكن شريكة بما جرى، ولا تزال أنقرة تشدد على ضرورة حلّ الفصائل العسكرية الكردية، ولا توافق على اندماج هذه القوات ضمن التشكيلات السورية الجديدة. هذه التطورات، دفعت بوزير الخارجية التركي هاكان فيدان لإجراء زيارة إلى دمشق، لمناقشة كل الملفات. لكن بوادر عدم الاتفاق تظهر من خلال تراجع لدى “العمشات” و”الحمزات” عن الاستعداد لحل نفسيهما عسكرياً والانضواء ضمن التشكيلات السورية، علماً أن هذين الفصيلين يصران على مواصلة القتال ضد المجموعات الكردية.

إيران في هذه المعادلة، تبدو الطرف الأضعف والأكثر غياباً. فهي ربما أرادت استغلال أي فوضى في سوريا، من أجل إعادة فرض نفوذها وفتح طرق الإمداد العائدة لها. وهو ما حاولت التقاطع عليه مع روسيا من خلال أحداث الساحل. تلك الأحداث التي تعتبر دمشق أنها أجهضتها وقد حصلت على دعم دولي وعربي لذلك. حسابات إيران، سورياً، ولبنانياً، لا بد لها أن تنعكس على حسابات إسرائيل. فإن كانت تل أبيب تريد استمرار الفوضى في سوريا لتمرير مشروعها وتحقيق أهدافها، لا بد لها أن تنظر بعين أخرى إلى أن طهران وحدها الجاهزة للاستثمار في هذه الفوضى وإعادة ترتيب مشروعها. في دمشق، ثمة من يقول إن الحسم في ذلك سيكون بيد الأميركيين وما يتوصلون إليه مع إيران، إما تصعيداً أو تفاهماً. ولكن على الرغم من كل التحديات والمخاطر، يبقى المسؤولون في دمشق يعبرون عن ارتياحهم لمسار الأمور، وللموقف الأميركي.

المدن

—————————

الاتفاق بين الحكومة السورية و(قسد).. تحديات التنفيذ وآفاق المستقبل

نشر في 14 آذار/مارس ,2025

تُشكل الاتفاقات السياسية والعسكرية بين الفاعلين المحليين نقطة تحوّل رئيسية في تحديد ملامح مستقبل الدول الخارجة من الأزمات، لذلك يُعدّ الاتفاق بين الحكومة السورية وقوات سوريا الديمقراطية (قسد) في الحالة السورية أحد أبرز التحولات التي قد تعيد رسم الخارطة السياسية والأمنية فيها.

ففي ضوء الاجتماع الذي جمع الرئيس أحمد الشرع والقائد العام لـ (قسد) مظلوم عبدي، في 10 آذار/ مارس 2025، تم التوصل إلى اتفاق وصفه البعض بالتاريخي، حيث حمل دلالات سياسية وأمنية واقتصادية مهمة، وعكس تحولًا في طبيعة العلاقة بين الحكومة السورية الجديدة و(قسد).

يهدف تقدير الموقف هذا إلى تحليل بنود هذا الاتفاق من منظور سياسي، عسكري، واقتصادي، مع تقييم انعكاساته داخل سورية، وتأثيره على الفاعلين بها، والتحديات التي قد تواجهه، ويقدّم السيناريوهات المتوقعة.

أولًا: تحليل نص الاتفاق بين الحكومة السورية و(قسد):

قبل البدء بتحليل النص المعلن من الاتفاق، من المهم تحديد أهداف كل طرف من المفاوضات والاتفاق، فالحكومة السورية الجديدة تريد تثبيت سيطرتها على كامل سورية، وفرض سيادتها على المعابر الحدودية وآبار النفط ومؤسسات الدولة في الجزيرة السورية. أما (قسد) فترغب في حماية مكتسباتها، والاندماج مع الدولة السورية، مع ضمان حقوقها، وضمان الاعتراف بها كممثل للأكراد، وتمثيلها في المؤسسات السياسية والدستورية، وتجنّب مواجهة عسكرية مع تركيا، أو المخاطر الناجمة عن احتمال تخلي الولايات المتحدة عنها.

وقد حصلت مجموعة من التطورات مهّدت لهذا الاتفاق، منها إعلان عبد الله أوجلان زعيم حزب العمال الكردستاني ((PKK الاتفاقَ مع تركيا، ومنها التصريحات الأميركية بالرغبة في الانسحاب من سورية، وخشية (قسد) من آثار هذا الانسحاب في حال عدم إنضاج اتفاق، ومنها الضغوط التي مارستها تركيا على (قسد)، وأحداث الساحل السوري والضجّة الدولية التي أثيرت حول السلطة الجديدة في سورية دفعتها للمرونة من أجل إنجاز اتفاق هو الرد المناسب في تلك الأوقات على أحداث الساحل وآثاره.

ويمكن تحليل الاتفاق وفق الأبعاد التالية:

    ضمان التمثيل العادل في العملية السياسية:

ينصّ البند الأول على حق جميع السوريين في المشاركة السياسية ومؤسسات الدولة على أساس الكفاءة، دون تمييز ديني أو عرقي، ويعكس هذا الالتزام توجّه الحكومة السورية الجديدة نحو بناء نظام حكم أوسع تمثيلًا، وهذا البند يطمئن (قسد) بأنهم سيكونون جزءًا فاعلًا من المشهد السياسي السوري.

    الاعتراف بالأكراد كمكون أصيل:

البند الثاني ينصّ أنّ المجتمع الكردي جزءٌ أصيل من الدولة السورية، ويضمن له حقوق المواطنة الكاملة، هذا النص يعالج إشكالية قانونية وسياسية تعود إلى عقود، وإقرار الدولة بهذه الحقوق يعني تبني مقاربة جديدة تعترف بالتعددية القومية، ولكن دون منح امتيازات خاصة، مما يجعل هذا الاعترافَ متوافقًا مع المبادئ الوطنية للدولة الموحدة.

3- رفض التقسيم وخطاب الكراهية:

ينصّ البند السابع على رفض التقسيم وخطاب الكراهية، وهذا البند يوجّه رسالة واضحة إلى الأطراف الداخلية والخارجية التي تحاول استغلال الانقسامات العرقية والطائفية لإدامة الصراع، وهو أيضًا تأكيد على وحدة الدولة، وعدم السماح بتحويل سورية إلى كيانات منفصلة ذات طابع إثني أو طائفي.

4- وقف إطلاق النار على كافة الأراضي السورية:

يعتبر وقف إطلاق النار الشامل أحد أهم البنود، حيث يضع حدًا للمعارك الميدانية، ويفتح المجال أمام حلول سياسية أكثر استقرارًا، وهذا البند قد يعزز إمكانية بناء جيش وطني موحّد بعيدًا عن الولاءات الفصائلية، ويمنح الدولة فرصة للتركيز على التحديات الأمنية الداخلية والخارجية.

5- دمج المؤسسات العسكرية والمدنية التابعة لـ (قسد) في هيكلية الدولة السورية:

يعد هذا البند من أكثر النقاط حساسية، حيث ينص على دمج كافة المؤسسات المدنية والعسكرية في شمال شرق سورية ضمن إدارة الدولة السورية، بما في ذلك المعابر الحدودية والمطارات وحقول النفط والغاز.

6- دعم الحكومة في محاربة “فلول نظام الأسد” وكافة التهديدات الأمنية:

يمثل هذا البند تحولًا في موقف (قسد)، حيث تلتزم بدعم الحكومة السورية في محاربة الفلول التابعة للنظام السابق وأي تهديدات أخرى.

7- ضمان عودة المهجرين السوريين إلى بلداتهم وقراهم:

وهي من أعقد الأزمات الناتجة عن الحرب، وتعني تهيئة الظروف لعودة اللاجئين والنازحين والذين تم تهجيرهم قسريًا، وهذا البند يوجه رسالة طمأنة للاجئين والنازحين، ويضمن لهم العودة إلى ديارهم دون مخاوف من عمليات انتقامية أو اضطهاد.

8- تشكيل لجان تنفيذية لضمان التطبيق الكامل للاتفاق بنهاية 2025:

يُلزم الاتفاق اللجان التنفيذية بإنهاء تنفيذ بنوده قبل نهاية العام الجاري، وهذا يُجبر الأطراف على اتخاذ خطوات عملية فورًا.

وتستعيد الحكومة في حال تطبيقه السيطرة على مايقارب من ثلث الأراضي السورية، حيث يعزز ذلك موقفها داخليًا وخارجيًا، وبالمجمل فالمعلن من الاتفاق يعدّ مكسبًا للحكومة الجديدة، إذ عزز موقفها، ونفوذها، وبالمقابل ستخسر (قسد) وضعها كسلطة أمر واقع، وتصبح جزءًا من الدولة، لكنها بالمقابل تكسب نفوذًا سياسيًا في العملية السياسية وفي الخطوات اللاحقة في المرحلة الانتقالية في سورية.

ثانيًا: المواقف الإقليمية والدولية من الاتفاق:

رحّبت تركيا بالاتفاق، لكونه يمثّل مكسبًا لها، حيث يحدّ من نفوذ حزب العمال الكردستاني (PKK) في سورية، من خلال انتشار قوات الحكومة الجديدة في تلك المناطق، وكانت تركيا تُهدد سابقًا بالقضاء على هذا الخطر الذي تعتبره تهديدًا لأمنها القومي عبر عملية عسكرية هناك، ومن ثم فإن الاتفاق يُسهم في الحد من مخاوفها الأمنية، خاصة إذا تم تطبيقه بشكل تام.

موقف الولايات المتحدة الأميركية كان إيجابيًا، حيث كانت أحد الوسطاء بين الطرفين، ولم يكن الاتفاق ليحصل لولا موافقة أميركية عليه، حيث يضمن الاتفاق الاستقرار في تلك المنطقة، واستمرار محاربة تنظيم (داعش)، وحل مسألة إدارة سجون التنظيم، فضلًا عن أن الحل يحمي حلفاءها الأكراد، ويوفر لها خيارًا للخروج المشرف، في حال قررت الانسحاب من سورية، والرئيس ترامب يريد الاستقرار في سورية ووضع حدًا للنفوذ الإيراني بها.

أما روسيا، فهي تتعامل ببراغماتية مع الملفّ السوري، وتركز على حفظ مصالحها الاستراتيجية، لا سيما الحفاظ على القواعد العسكرية الروسية في الساحل السوري، ومن غير المتوقع أن تعترض على الاتفاق، لكنها ستراقب تنفيذ بنوده، لضمان عدم المساس بمصالحها، فهناك ترحيب دولي عام بأي اتفاق يضمن وقف إطلاق النار، ويمنع حدوث أزمة لاجئين جديدة.

معظم الدول العربية رحّبت بالاتفاق، وخاصة السعودية التي ربما ساهمت فيه، من خلال علاقاتها بالطرفين، ويُنظر إلى هذا الاتفاق على أنه خطوة نحو تحقيق الاستقرار، وهو ما يتماشى مع التوجهات العربية لاستقرار سورية.

وتُعدّ إيران الخاسر الأكبر من هذا الاتفاق، حيث بدا أن الاتفاق تم بتوافق أميركي-تركي، ويستهدف نفوذها في سورية بشكل أساسي، ويدعم موقف الحكومة السورية الجديدة، فهذا الاتفاق يحدّ من قدرتها على التأثير في شمال شرق سورية، والحكومة السورية الجديدة لن تسمح بوجود تشكيلات مسلحة موالية لطهران على أراضيها، بالفعل، تم شنّ حملة صارمة على الميليشيات العلوية الموالية للأسد في الساحل، مما يقطع أحد أذرع إيران العسكرية داخل سورية.

أما إسرائيل، فإنها لم تعلن موقفًا رسميًا من الاتفاق، لكنها تتابعه بحذر، وقد يكون موقفها إيجابيًا منه لأنه يحد من نفوذ إيران، لكن ستظلّ إسرائيل متخوفة من أي ترتيبات قد تقوي الحكومة السورية الجديدة، إذ تفضل بقاء سورية ضعيفة ومجزأة، لضمان عدم تشكل تهديد عسكري مستقبلي. لذلك، قد تعمل إسرائيل على مراقبة تطورات الاتفاق عن كثب، وربما تسعى إلى التأثير فيه بشكل غير مباشر عبر علاقاتها مع الفاعلين.

ثالثًا: انعكاسات الاتفاق على الوضع السوري

    كانت قيادة (قسد) تسعى للانضمام ككتلة واحدة أو فيلق خاص ضمن الجيش السوري الجديد، يحتفظ ببعض الاستقلالية، وفي حال تنفيذ الاتفاق يبدو أنها قبلت في النهاية بالاندماج الفردي تحت قيادة وزارة الدفاع السورية، كما يُفهم من نص الاتفاق، أما العناصر غير المرغوب في بقائهم، لأسباب أمنية أو سياسية، وخاصة المتهمين بالارتباط بحزب العمال الكردستاني (PKK)، فربما يُمنحون خيار مغادرة سورية أو اعتزال العمل العسكري، واستيعاب العناصر المقبولين بشكل طبيعي، ويُخصص عددٌ منهم لحفظ الأمن في المحافظات الشرقية تحت قيادة مركزية، وستنتقل كل المواقع العسكرية الحساسة، بما فيها المقار والقواعد والمطارات التي كانت تحت سيطرة (قسد) إلى إدارة الجيش السوري، كما ورد في نصوص الاتفاق، وسيتم تشكيل لجان تنفيذية مشتركة للإشراف على عملية الدمج، بما يشمل تسوية أوضاع المقاتلين وتحديد رتبهم وأدوارهم الجديدة، ومن المتوقع أن يحصل بعض قادة (قسد) البارزين على مناصب في المؤسسة العسكرية أو الأمنية السورية، لضمان استمرار التنسيق وطمأنة المقاتلين السابقين، وربما ينضم مظلوم عبدي إلى مجلس الدفاع أو يتولّى موقعًا استشاريًا.

        مسؤولية مكافحة تنظيم (داعش) يبدو أنها ستنتقل إلى مهمة وطنية مشتركة، في حال تنفيذ الاتفاق، حيث ستعمل (قسد) حتى اندماجها الكامل (بصفتها جزءًا من الجيش السوري) بالتنسيق مع أجهزة الاستخبارات السورية لتعقب خلايا (داعش)، وستتولى الدولة أو جيش سورية الحرة، كما تم التداول، إدارة سجون (داعش) الحساسة، مثل مخيمي الهول وروج، مما قد يسرّع معالجة ملف المحتجزين عبر المحاكمات أو تسليم الأجانب إلى دولهم.

        تُركز الحكومة الجديدة جهودها العسكرية، في حال تطبيق الاتفاق، على القضاء على الجيوب الموالية للنظام السابق في الساحل التي شنت تمردًا مسلحًا، ودخول (قسد) على خط دعم الحكومة ضدهم يمنحها دفعة كبيرة، وسيسمح الاتفاق بإعادة نشر القوات العسكرية بشكل أكثر فعالية؛ حيث يمكن تحويل القوات التي كانت متمركزة على خطوط التماس مع (قسد) إلى مهام أخرى، مثل حماية الحدود أو مكافحة (داعش).

        أما بالنسبة للتحالف الدولي، فقد تستمر الولايات المتحدة في تقديم دعم استخباري أو غطاء جوي عند الضرورة لملاحقة (داعش)، لكن هذه العمليات ستتم الآن بالتنسيق مع دمشق، وربما مع أنقرة، بدلًا من (قسد) بشكل مستقل.

        يمثل الاتفاق في حال تطبيقه نقلة مهمة ستنعكس على الاقتصاد السوري بما يتوفر في تلك المناطق من ثروات، وعودتها للدولة، وهذا سيدعم خزينة الدولة شبه الفارغة، أو على الأقل سد الاحتياج المحلي من المواد النفطية، وكذلك فتح تلك المناطق على المناطق السورية الأخرى سيُعزز الحركة التجارية ويخلق فرص عمل، ويساهم في تحسين الخدمات والمستوى المعيشي للسكان، وخاصة مشاريع الكهرباء والمياه، كذلك سينعكس على إعادة الاعمار، فوحدة سورية واستقرارها ستساهم في جذب رؤوس الأموال للاستثمارات، وستشجع الدول على البدء بمشاريع إعادة الاعمار، فوجود حكومة مركزية يعتبر عاملًا دافعًا للاستثمار وللدعم.

        سيؤدي الاتفاق في حال تطبيقه إلى عودة كثير من النازحين واللاجئين إلى مناطقهم الأصلية، وخاصة إلى منطقة عفرين والشيوخ وغيرها.

        يُعيد هذا الاتفاق في حال تطبيقه خلط الأوراق بالنسبة للقوات الأجنبية المنتشرة في سورية، حيث إن دمج (قسد) ضمن الجيش السوري يضع واشنطن أمام واقع جديد، فعلى الرغم من أن الولايات المتحدة رحبت بالاتفاق، لكونه يحافظ على استقرار الشمال الشرقي ويضمن استمرار مكافحة (داعش)، فإنها فقدت مبررات وجودها الميداني وخاصة في حال النجاح في محاربة تنظيم (داعش). ومن المتوقع أن تبدأ واشنطن سحبًا تدريجيًا لقواتها من سورية بالتنسيق مع الحكومة الجديدة، مع احتمال الإبقاء على وجود في قاعدة التنف لملاحقة فلول (داعش). وبالنسبة إلى تركيا كانت تُبرر تدخلها العسكري في شمال سورية بمحاربة (قسد)، لكن مع زوال كيان (قسد) المستقل وإخراج عناصر PKK، قد تُخفف تركيا من وجودها العسكري المباشر أو تعيد نشره. وتشير بعض التقارير إلى تفاهم غير مُعلن بين أنقرة وواشنطن، يقضي بتولّي تركيا مسؤولية تأمين الدعم الجوي في عموم الأجواء السورية، بالتنسيق مع الحكومة الجديدة، مما قد يكون امتدادًا لاتفاقية أضنة الأمنية بحلة جديدة. بشكل عام، يُؤدي هذا الاتفاق إلى تقليل الذرائع للوجود الأجنبي في سورية، وستجد القوى الخارجية مبررات أقل للبقاء عسكريًا، ومن المتوقع أن تبدأ تفاهمات دولية خلال الفترة المقبلة لإخراج جميع القوات الأجنبية تدريجيًا، باستثناء من سترحب بهم دمشق ضمن اتفاقات ثنائية جديدة.

        هناك حديث عن تشكيل لجان مشتركة للإشراف على تطبيق الاتفاق، ما يمنحه صفة الخطوة الملموسة نحو سلام مستدام، ويحمل الاتفاق بوادر تغيير جوهري في شكل الدولة السورية المقبلة، إذ يتضمن اعترافًا رسميًا بحقوق الأكراد في الدستور الجديد، وإقرارًا بخصوصية مجتمعهم ضمن الدولة السورية، وهذا يعكس توجهًا لبناء نظام حكم أكثر شمولًا وتعددية، ومن المتوقع أن ينخرط ممثلو (قسد) في عملية صياغة أو تعديل الدستور، لضمان تضمين بنود تعزز التنوع القومي والثقافي، وتعزز اللامركزية الإدارية.

        يضمن الاتفاق أيضًا تمثيل جميع السوريين في العملية السياسية ومؤسسات الدولة على أساس الكفاءة، دون تمييز قومي أو ديني.

        يعزز الاتفاق شرعية الحكومة الجديدة، خاصة إذا دعت إلى مؤتمر حوار وطني شامل جديد، يضم جميع الأطياف السورية، لضمان شراكة حقيقية في بناء مستقبل البلاد، والاتفاق يُوجه رسالة إلى المجتمع الدولي بأن سورية الجديدة تتبنى نهج المصالحة والشراكة الوطنية.

رابعًا: التحديات التي تواجه تطبيق الاتفاق

يواجه الاتفاق مجموعة من التحديات التي قد تعوق تنفيذه أو تؤثر في استقراره على المدى الطويل، حيث إنه لا تزال العديد من التفاصيل المتعلقة بالاتفاق وآليات تطبيقه والإشراف عليه غير واضحة، وسط تضارب في تفسير بنوده بين الأطراف المختلفة، لا سيّما ما يخص الحقوق الكردية، والإعلان الدستوري المؤقت الصادر في 13 آذار/ مارس 2025 أثار انتقادات من مجلس سوريا الديمقراطية (مسد)، مما يطرح تساؤلات حول مدى توافق الاتفاق مع تطلعات المكون الكردي ودوره المستقبلي في سورية.

والاندماج الكامل لعناصر (قسد) ضمن الهيكل العسكري الجديد يمثل تحديًا رئيسيًا، إذ إن بعض الفصائل قد ترفض تسليم سلاحها، ما قد يؤدي إلى توترات داخل (قسد) نفسها أو مع فصائل المعارضة الأخرى. وفيما يتعلق بإدارة سجون تنظيم (داعش)، فإن الغموض حول خطط نقل المعتقلين أو تحديد الجهة المسؤولة عن احتجازهم قد يخلق مشكلات أمنية، خاصة إذا لم تكن هناك آليات واضحة وفعالة لتنفيذ هذه العملية.

ويبقى مصير المقاتلين الأجانب داخل (قسد) غير محسوم حتى الآن، حيث يضمّ التنظيم متطوعين غربيين يساريين، قاتلوا ضد (داعش)، إضافة إلى عناصر من حزب العمال الكردستاني (PKK) وأكراد إيرانيين من حزب الحياة الحرة الكردستاني (PJAK)، فضلًا عن مقاتلين عراقيين وعناصر أخرى. قد يُسمح لبعض هؤلاء بالمغادرة، بينما قد يواجه آخرون الاعتقال أو الترحيل، لا سيّما الأتراك الذين تعتبرهم أنقرة تهديدًا أمنيًا.

ومصير القواعد العسكرية الأجنبية، وخاصة الأميركية، في المنطقة يظل موضع تساؤل، فهل سيتم تقليص وجودها أم ستظل قائمة لضمان الاستقرار؟ في هذا السياق، يبدو أن إسرائيل، التي لطالما دعمت (قسد)، قد تستمر في موقفها وحثّ الولايات المتحدة على عدم الانسحاب.

من جهة أخرى، يعكس الاختلاف العقائدي والأيديولوجي بين مقاتلي (قسد) ومقاتلي الفصائل التي تشكل الكتلة الصلبة لوزارة الدفاع المستقبلية أحد أبرز التحديات، إذ قد يؤثر هذا التباين في تماسك الهيكل العسكري الجديد، وآلية استيعاب قوات (قسد) عمليًا تبقى مسألة غامضة، حيث لم تُحدَّد بعد كيفية التعامل مع جميع العناصر، وبطء عملية سحب الامتيازات من الإدارة الذاتية، أو تردد بعض عناصر (قسد) في تسليم السلاح، قد يؤدي إلى خلق توترات محلية. وفي حال لاحظت تركيا أي مماطلة في إبعاد عناصر PKK، فقد تزيد من ضغوطها، وربما تشن ضربات جوية محدودة على مواقع تراها تهديدًا لأمنها.

في ظل هذه الظروف، قد يستغل تنظيم (داعش) مرحلة الانتقال لتنفيذ هجمات تستهدف زعزعة الأمن في المنطقة، وقد تسعى إيران إلى التنسيق مع بعض الرافضين للاتفاق داخل (قسد) لعرقلته، وعلى المستوى السياسي، تبرز إشكالية قبول بقية الأطراف الكردية بتمثيل (قسد) للمكون الكردي، وأخذ حصتهم في المؤسسات المركزية، وهو الأمر الذي ينطبق كذلك على بقية المكونات في الجزيرة السورية.

مع ذلك، فإن نجاح هذا الاتفاق يعتمد على عوامل رئيسية عدة منها:

    التزام الطرفين بتنفيذ البنود المتفق عليها، خصوصًا ما يتعلق بدمج (قسد) وإدارة الموارد الاقتصادية.

    تجنب محاولات إفساد الاتفاق من قبل الميليشيات الإيرانية أو بقايا النظام السابق وبعض الأطراف الكردية ضمن (قسد) أو خارجها وغيرهم.

    تحقيق توازن بين سلطة الحكومة المركزية والحقوق المحلية للأكراد، بحيث لا يشعر أي طرف بأنه خسر مكتسباته.

    قدرة الحكومة السورية الجديدة على توفير الضمانات الكافية لطمأنة جميع المكونات بأن هذا الاتفاق لن يكون مجرد أداة مرحلية بل قاعدة دائمة للسلام والاستقرار.

    تطوير آليات لضمان اندماج القادة العسكريين السابقين لـ (قسد) ضمن المنظومة القيادية للجيش السوري دون حساسيات، واستمرار التعاون بين دمشق و(قسد) يتطلب تعزيز الثقة، من خلال خطوات ملموسة، مثل إدماج شخصيات كردية في مواقع قيادية داخل وزارة الدفاع والأجهزة الأمنية، أو تطوير نظام لامركزي أمني يسمح للإدارات المحلية في المناطق الكردية بإدارة شؤون الأمن الداخلي بالتنسيق مع وزارة الداخلية.

خامسًا: السيناريوهات المحتملة لمستقبل الاتفاق

السيناريو الأول: تطبيق الاتفاق

 يتمثل في تطبيق الاتفاق ونجاحه وتحوّله إلى جزءٍ من بنية الدولة، بحيث تُدمج كوادر (قسد) في الجيش والإدارة بسلاسة، ويشارك القادة الأكراد في المؤسسات الدستورية والمجالس المحلية، مما يُرسّخ نموذج تعايش جديد بين مختلف المكونات السورية، بالمقابل تعود سيطرة الحكومة على كل منطقة الجزيرة السورية، وتبدأ عملية إعادة إعمار وتنمية، ويتم الاتفاق على مصير سجون (داعش) والمقاتلين الأجانب، إذا تحقق هذا السيناريو، فقد يصبح تجربة ناجحة لحل المسائل القومية عبر الحوار، بدلًا من الصراعات المسلحة.

السيناريو الثاني: انهيار الاتفاق

وهو السيناريو الأسوأ، أي انهيار الاتفاق نتيجة تدخلات خارجية أو عدم التزام أحد الطرفين بتعهداته، وهنا تعود المواجهات العسكرية، وتستمر تركيا في التهديد بالعملية العسكرية أو تقوم بها، ويعود التدخل الإقليمي بالشأن السوري ودعم أحد الطرفين، وخاصة من قِبل إيران. والموقف الأميركي هو الحاسم في حال حدوث هذا السيناريو.

السيناريو الثالث: تنفيذ جزئي مع توترات

وفيه يتم تنفيذ الاتفاق ببطء، مع استمرار الخلافات حول بعض القضايا، ومنها المناصب وتوزيع السلطات ودمج القوات، وتبقى مناطق الجزيرة جزئيًا أو كليًا تحت هيمنة (قسد)، وتعلق بعض المسائل لحين الوصول لاتفاق، وتلعب تركيا وأميركا دورًا كبيرًا في هذه الحالة.

سادسًا: خاتمة

الاتفاق هو إطار عام ومبادئ، وربما يتم تطبيقه على مراحل (خطوة بخطوة)، ولن يتم تسليم الإدارة بشكل مباشر في المناطق التي تسيطر عليها (قسد) للحكومة السورية، لكنه يُمثل خطوة مهمّة نحو توحيد سورية مجددًا، ونجاح الاتفاق سيحدد شكل سورية المستقبلية كدولة موحدة، متعددة المكونات، وقادرة على تجاوز الصراع والانقسامات، وقد ينجح هذا الاتفاق في تجاوز عقبات كبرى، وإتاحة فرصة لإعادة توحيد البلاد سياسيًا وعسكريًا. ومع ذلك، فإن استمراره مرهون بمدى التزام الطرفين بتنفيذ بنوده بحسن نية، وتجنب الضغوط الخارجية التي قد تحاول إفشاله.

إذا تم تعزيز الاتفاق بإجراءات بناء ثقة مستمرة، فقد يتحول هذا الاتفاق إلى نموذج استقرار طويل الأمد. أما إذا حدث تراجع في التنفيذ، أو تكررت الأخطاء السابقة في إدارة العلاقة بين المكونات السورية، فقد يواجه تحديات كبيرة تهدد استمراريته، أما إذا تعثر، فقد يكون حلقة جديدة في سلسلة المحاولات الفاشلة التي لم تحقق سوى مزيد من الفوضى والانقسامات.

تحميل الموضوع

مركز حرمون

————————–

جدلية الأمن والسياسة في سورية/ حسين عبد العزيز

14 مارس 2025

أن تشنّ عصاباتٌ من فلول النظام البائد هجوماً عسكرياً مباغتاً في الساحل السوري على قوات الأمن والجيش فهذا ليس مفاجئاً من مجموعة ما تزال ترتبط أيديولوجياً ونفسياً وطائفياً بنظام الأسد، ولها مصلحة مباشرة بإسقاط نظام الحكم الجديد. وأن تخرج في السويداء مظاهراتٌ مندّدة بسياسات الإدارة الجديدة، تنتهي بإنزال العلم السوري، ورفع الراية الدرزية في محلّه، لم يكن مفاجئاً، إذ تصرّفت بعض فئات اجتماعية، منذ بداية الثورة السورية عام 2011، على أساس هُويَّاتي ضيّق. غير أنه لم يقتصر على أقلّيات، بل برز ايضاً بين الأكثرية، والمقصود هنا رجالات الأمن والجيش الجديد من الطائفة السنّية، الذين ارتكبوا إعداماتٍ ميدانيةً في الشوارع لأشخاص عزّل مدنيين.

ليس مهمّاً من الناحية المعرفية التساؤل ما إذا كانت الأقلّيات ما تزال تفكّر وتعمل على أساس هُويَّاتي، خصوصاً في اللحظات التاريخية الفارقة، حين يكون الاجتماع السياسي مهدّداً، أو مضطرباً وغير واضح المعالم، بل إن التساؤل عن أسباب سلوك الأقلّيات مسلكاً هُويّاتياً يغدو عبثياً لا قيمة معرفية له، في ظلّ مجتمع ودولة قاما (عقوداً خلت) على أساس عمودي، لا مواطنة فيه. يكون السؤال معرفياً حين يُطرح على الشكل التالي: ما هي الأسباب التي دفعت علويين في الشمال الغربي من سورية إلى البدء بعمليات عسكرية، بعد ثلاثة أشهر من سقوط نظام الأسد، وتشكّل إدارة حكم جديد؟… وهو سؤال ينطبق أيضاً على مناطق درزية؟ وربّما لاحقاً على كردية؟… لا تكفي الإجابة عن هذا السؤال اعتماداً على تباين الهُويَّة الاجتماعية: طوائف منفتحة ومتحرّرة اجتماعياً في مقابل منظومة حكم إسلامية منغلقة اجتماعياً يمكن أن تفرض رؤيتها على الجميع. كما لا تكفي الإجابة اعتماداً على التنافر الهُويَّاتي والأيديولوجي أيضاً بين الطرفَين، فمن نافلة الفعل الطبيعي أن تُعبّر الأطراف عملياً عن رؤيتها، محمولة بحمولات سياسية أو اجتماعية أو طائفية.

السؤال المهم: ما الذي دفع فلول النظام إلى الانتقال من حالة القوة إلى حالة الفعل، وما الذي دفع دروزاً إلى رفع علمهم الخاصّ بدلاً من العلم السوري؟… هنا جوهر المسألة، فالنزعات الذاتية المحكومة بأيديولوجيات ورغبات نفسية ومشاعر طائفية موجودٌ دائماً ولا تختفي بسهولة، لكنّها، وإن كانت شرطاً للتحرّك والفعل، فإنها ليست سبباً مباشراً لذلك. لقد كان للسلوكات الفردية للعناصر الأمنية والعسكرية في الإدارة الجديدة، من جهة، وغياب آلية حوار سياسي مع قيادات المكوّنات الاجتماعية السورية، خصوصاً مع أبناء الطائفة العلوية، من جهة أخرى، دورٌ رئيسٌ في استمرار المخاوف لدى الأقلّيات.

كشفت الأشهر الثلاثة الماضية من حكم الإدارة الجديدة افتقادهم فهماً للعلاقة الجدلية بين الأمن والسياسة، خصوصاً في المراحل الخطيرة أو الانتقالية. تعامل الحكام الجدد في الملفّين الأمني والسياسي من منظار أحادي الجانب. صحيحٌ أن سيطرتهم على الحكم جاءت بأقلّ التكاليف الدموية، وصحيحٌ أنهم أعلنوا من اليوم الأول انفتاحهم على جميع المكوّنات السورية باعتبار أفرادها مواطنين سوريّين، وصحيحٌ أنهم أعلنوا أنهم لن يتعرّضوا إلا لمجرمي النظام السابق، إلا أن بناء الدول لا يقوم على التطمينات والخطابات السياسية العامّة.

في الملفّ الأمني، تعاملت السلطة الجديدة وفق حكمٍ شديد المركزية، فأعلنت أن جميع المليشيات يجب أن تحلّ نفسها وتنخرط في الجيش الجديد أفراداً لا مجموعاتٍ، وليس مقبولاً بقاؤها على هذا النحو. وعلى الرغم من صحّة الدعوة نظرياً (إذ هكذا تُبنى الجيوش الحديثة على أساسٍ فرديٍّ لا على أساس مكوّنات اجتماعية لها صبغة هُويَّاتية معيّنة)، لكن الواقع السوري المتمثّل بوجود قوىً عسكريةٍ ذات لون هُويَّاتي خاص، ولها وزنٌ وارتباطاتٌ إقليمية ودولية، كان يحتم قبول دخولها في الجيش فصيلاً قائماً بذاته في المرحلة الأولى من بناء الدولة، على أن يتم لاحقاً (وخلال سنوات) عملية انصهار تدريجية داخل الجيش، وهذا ما حدث في بعض التجارب التاريخية، فالأولوية الرئيسة في مراحل الانتقال المفصلية، هي عملية بناء الثقة والاندماج في مؤسّسةٍ عسكريةٍ واحدة، بغضّ النظر عن طريقة توزّع الأفراد والجماعات فيها، فلكلّ تجربة خصوصيتها التاريخية.

في الملفّ السياسي، تعاملت الإدارة الجديدة بمركزية شديدة أيضاً، فقامت بخطوات غير مدروسة عبر تشكيلها حكومة من لون واحد، ولجنة حوار وطني، ثمّ لجنة للإعلان الدستوري. والغريب أن سلوك السلطة السياسي في هذا المجال كان يتحرّك وفقاً لمعطيات الخارج، لا الداخل، بمعنى أن هذه الخطوات كانت موجّهة إلى المجتمع الدولي من أجل الحصول على دعمه السياسي والاقتصادي، ولم تكن مبنيةً تماماً على اهتمامات فرقاء الداخل السوري. يبدو من المعطيات القائمة، أن إدارة أحمد الشرع لم تدرك العلاقة الوثيقة بين الأمن والسياسية، فلا تتحقّق الأولى من دون الثانية، فالبداية يجب أن تكون سياسيةً، وما إن يتمّ التوافق السياسي بين فرقاء الوطن حتى تصبح المسائل الأمنية والعسكرية والاقتصادية تحصيل حاصل.

من هنا، الأولية الجوهرية لبناء سورية الجديدة، وللحيلولة دون انزلاق الأمور إلى فوضى تهدّد البلد بأكمله، وعلى الرئيس وإدارته العمل بجدّية على ضمان التوافق مع المكوّنات السورية كلّها، حتى لو اضطرّ، في هذه المرحلة، إلى تقديم تنازلات عسكرية وسياسية، فمن دون نشوء ثقة وطنية بين الجميع، تبدو سورية متجهةً إلى المجهول. إنجاز هذه الأولويات مهمة الدولة الجديدة بالدرجة الأولى، قبل أن تكون مهمة الآخرين، شركاء الوطن.

العربي الجديد

—————————–

سورية… الجريمة وتداعياتها/ حسام كنفاني

14 مارس 2025

لا يمكن وصف ما شهده الساحل السوري في الأيام القليلة الماضية إلا بأنه جريمة مكتملة العناصر، طاولت مدنيين آمنين في حملة انتقامٍ طائفيةٍ لا يستطيع أحدٌ أن ينكرها، وفي المقدمة تأتي السلطة الجديدة برئاسة أحمد الشرع التي أقرّت بحصول “انتهاكاتٍ” من عناصر محسوبين على هيئة تحرير الشام، من المفترض أنهم باتوا أفراداً في الأجهزة الأمنية الجديدة، وشكّلت لجان تحقيق للتدقيق بما حدث ومحاسبة المتورّطين.

كثير من السرديات خرج لشرح  الجرائم (وتبريرها) باعتبارها وقعت من “أفرادٍ غير منضبطين”، وأن لا علاقة مباشرة لـ”الأمن العام”، وهو المسمّى الجديد للقوى الأمنية التابعة للهيئة. غير أن حجم الاعتداءات والإعدامات في عديد من مدن الساحل السوري وقراه يؤكّد أن الأمر أكبر من “أعمال فردية”، ويقترب من العمل الانتقامي المنظّم، خصوصاً إذا ما نظرنا إلى عدد القتلى الذين سقطوا، وسيتكشف مع الوقت. فرغم أن عدد الضحايا الموثقين لا يزيد عن الألف، تتحدّث تقديراتٌ عن أن العدد قد يتخطّى خمسة آلاف.

وحتى لو افترضنا أن كل ما حدث كان نتيجة انفلات عناصر لا تُدين بالولاء الكامل لهيئة تحرير الشام أو الأجهزة الأمنية الجديدة، فذلك لا يُعفي السلطات من المسؤولية، خصوصاً أن هذه العناصر عملياً تعمل تحت لواء السلطة، بعد قرار حلّ الفصائل وإدماجها ضمن الأجهزة الأمنية الجديدة، وهو ما أدركه النظام بإعلانه تشكيل لجنة التحقيق، والتي نأمل أن تكون جدّية في المحاسبة والعقاب.

ما جرى يحمل مخاطر وتداعياتٍ كثيرة على سورية الجديدة التي كنّا متفائلين بنهوضها بعد أكثر من 50 عاماً من حكم حزب البعث. بداية التداعيات داخلية، وتطاول، بالدرجة الأولى، الفئات التي تعتبر نفسها أقليةً في النسيج السوري، التي لم تعد تشعُر بالأمان في محيطها، وهو ما يفتح باباً للتدخّلات الخارجية في الوضع السوري. وفعلاً خرجت مطالباتٌ كثيرة بالوصاية الدولية لحماية “الأقليات” في سورية. ويضاف إلى ذلك المحاولات الإسرائيلية، السابقة لأحداث الساحل، لاختراق المجتمع الدرزي السوري من باب “الحماية”. مثل هذه المحاولات المتوقع أن تتضاعف، وقد تجد لها آذاناً أكثر إصغاء في هذه المرحلة.

واضحٌ أن السلطات الجديدة تدرك ذلك، وسارعت إلى محاولة احتواء الأمر وتطمين أطياف المجتمع. ولعل الاتفاق الذي وقّعه الشرع مع زعيم “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، مظلوم عبدي، خطوة كبيرة في هذا الاتجاه، غير أن العبرة في التطبيق، وخصوصاً أن العناوين في الاتفاق عامة جداً، ومن شأن عدم الاتفاق على تفاصيلها إفشال أي تفاهمات، سواء بالنسبة إلى كيفية دخول قوات “قسد” في الجيش، أو نسبة توزيع النفط بين المحافظات، وغيرها نقاط كثيرة ستدرسها اللجان على مدى عام.

لا تقلّ التداعيات الخارجية لأحداث الساحل أهمية، سيما أن السلطة الجديدة تعوّل بشكل أساسي على انفتاح الخارج عليها لمحاولة ترميم الواقع الاقتصادي المنهار في الداخل. لم تعفِ المواقف الغربية من جرائم الساحل السلطة من المسؤولية، ما من شأنه أن ينعكس على أي تقدّم محتمل في خطوات رفع العقوبات عن سورية، والسماح بتدفق الأموال إليها. ولا شك أن تقارير ستصدُر قريباً عن منظمّات حقوقية دولية تفند الوضع وتوثق الأحداث، ما قد يزيد تعقيد الموقف الدولي من النظام والانفتاح عليه والثقة به.

السلطة الجديدة اليوم في موقف حرج، فعدم رفع العقوبات والتخفيف من الفقر يعني مزيداً من التوترات الداخلية، لذا عليها اتخاذ خطوات أكثر جدّية في مكافحة آفة الطائفية في الداخل السوري قبل استفحالها، وإثبات أنها جديرة بالثقة في قيادة سورية إلى برّ الأمان، وليس إلى الهاوية، في هذه المرحلة الانتقالية.

العربي الجديد

————————

كيف ستتعامل الإدارة السورية مع قطاع الطاقة بعد دمج “قسد”؟/ حسن الشاغل

14/3/2025

وقّع الرئيس السوري أحمد الشرع الأسبوع الجاري اتفاقًا مع قائد قوات سوريا الديمقراطية (قسد) مظلوم عبدي لدمجها ضمن مؤسسات الدولة، من دون التطرق إلى كيفية التعامل مع منطقة شرق الفرات اقتصاديا لا سيما وهي التي تحتوي على آبار النفط والسلع الإستراتيجية مثل القمح والقطن.

وعقد الاتفاق بضمانة أميركية، مع دوافع سياسية وأمنية، إذ يرجح خبراء أن واشنطن حافظت -عبر هذا الاتفاق- على نفوذها شرقي سوريا من دون مواجهة مفتوحة، في وقت من مصلحة حكومة دمشق استعادة السيطرة فيه على شرق الفرات بلا حرب مكلفة.

الواقع الحالي لقطاع النفط

تقدّر احتياطيات النفط السوري المؤكدة في آخر إحصاء لعام 2015 بنحو 2.5 مليار برميل وفقًا لما نشرته مجلة الطاقة الأميركية، وفي الفترة التي سبقت عام 2011 بلغ متوسط إنتاج النفط 350 ألف برميل يوميا.

وبلغ متوسط الاستهلاك 350 ألف برميل يوميا، وكانت سوريا تستورد متوسط 105 آلاف برميل يوميا من المكثفات (ديزل، بنزين، كيروسين).

ويقول الخبير في الاقتصاد السوري يونس الكريم إن الإنتاج الحالي لآبار النفط في منطقة شرق الفرات يقدر بين 125-150 ألف برميل يوميا.

ويضيف للجزيرة نت أن كل الحقول السورية منتجة في الوقت الحالي، وما تحتاجه هو تقنيات جديدة حتى ترفع الإنتاج إلى مستويات ما قبل عام 2011.

وتحتاج البنية التحتية للنفط السوري إلى إعادة هيكلة وتطوير قد تستغرق سنوات، بعدما تعرضت الآبار لاضمحلال نتيجة استخدام الطرق التقليدية في عملية الإنتاج، مما أثر على القدرة الفعلية لعملها.

قطاع الكهرباء

ويعاني قطاع الكهرباء في سوريا من صعوبات وتحديات أبرزها عدم القدرة على تأمين الوقود اللازم لعمل المحطات الحرارية.

ويقول الكريم إن الاتفاق بين حكومة دمشق و”قسد” قد يفضي إلى استحواذ الحكومة على نسبة كبيرة من النفط قد تصل إلى ثلثي الإنتاج لمدة 9 أشهر، لحين التأكد من نجاح الاتفاق بين حكومة دمشق وقوات سوريا الديمقراطية.

ويتوقع الباحث الاقتصادي في مركز جسور للدراسات عبد العظيم المغربل أن يتضمن الاتفاق تدفق الوقود بشكل منتظم لمحطات توليد الكهرباء، بما يحسن عملية الإنتاج الصناعي والنقل، ويحد من أزمة الوقود التي أثرت سلبًا على مختلف القطاعات خلال العقد الماضي.

ويشير إلى أن تدفق الوقود من الحقول النفطية من شرق الفرات سيرفع من القدرة الإنتاجية للكهرباء إلى 4500 ميغاواط إذا تم إمداد المحطات الكهربائية وإصلاحها، ومن ثم سيقلل من التقنين ويؤدي إلى زيادة ساعات التغذية الكهربائية إلى عدد ساعات أعلى يوميا وذلك سيكون تحسنا كبيرا مقارنة بالوضع الحالي.

تطوير قطاع النفط

ومناطق شرق الفرات التي تسيطر عليها “قسد” غير مشمولة بالعقوبات الأميركية والأوروبية، لذلك لن تكون الشركات التي تنوي الدخول للاستثمار في قطاع النفط السوري عرضة للعقوبات الأميركية والأوروبية.

وحسب الكريم، فإن من شأن الاتفاق الموقع بين حكومة دمشق و”قسد” أن يشجع الشركات الأجنبية في الدخول إلى سوريا للاستثمار في آبار النفط، وقد تكون الشركات الأميركية هي الأقرب إلى الاستثمار في النفط السوري لا سيما في حقول السويدية والعمر والرميلان أكبر ثلاثة حقول في البلاد.

ويحتاج قطاع النفط السوري إلى إعادة هيكلة وصيانة لرفع الإنتاج والتكرير، وتأمين الوقود اللازم لإنتاج الكهرباء عبر المحطات الحرارية.

انتعاش الاقتصاد

يرى الباحث عبد العظيم المغربل أن الاتفاق الذي تم التوصل إليه بين الحكومة السورية وقوات سوريا الديمقراطية يمثل خطوة مهمة نحو استعادة السيطرة على الموارد الوطنية في كامل البلاد.

وينعكس الاتفاق إيجابًا على الاقتصاد السوري وتوفير المحروقات والطاقة الكهربائية، لأن الاتفاق سيضع الأسس لإعادة بناء الاقتصاد واستقرار قطاع الطاقة، مما يعزز التنمية ويخفف من معاناة المواطنين السوريين في البلاد، وفق المغربل.

ويشير المتحدث ذاته إلى أن إدارة الموارد النفطية في شرق سوريا من قبل الحكومة السورية ستسمح بزيادة الإمدادات إلى السوق المحلية، لتبدأ بـ150 ألف برميل يوميا، مما يسهم في استقرار الأسعار وتوفير مورد مالي حيوي للدولة، بالإضافة إلى دعم الإنتاج الزراعي من خلال تأمين الوقود اللازم للمعدات الزراعية.

ويقول المغربل إن الإدارة الرشيدة للموارد النفطية والزراعية لمناطق شرق سوريا ستقلل من الاعتماد على الاستيراد وتساعد في الالتفاف الجزئي على العقوبات، خصوصا أن هذه المناطق تزود البلاد بنسبة كبيرة من حاجة البلاد للقمح على سبيل المثال.

ويؤكد المغربل أن نجاح هذا الاتفاق قد يشكل خطوة مهمة نحو الاستقرار، ومن ثم تخفيف العقوبات الأميركية والدولية، مما يسهل عودة الاستثمارات الخارجية.

بالمقابل، ستحقق “قسد” مكاسب مالية من تصدير النفط بأسعار السوق الدولية، بدلا من بيعه في السوق السوداء بأسعار متدنية.

تحديات

يعتقد الكريم أن آبار النفط ستبقى تحت سيطرة قوات “قسد” لمجموعة عوامل تتمثل في:

أولا: وجود القوات الأميركية في مناطق آبار النفط، ويحتاج انسحاب هذه القوات لقرار رئاسي ومن البنتاغون كما يحتاج إلى إجراءات قد تأخذ وقتا طويلا.

ثانيا: إذا دخلت قوات من الحكومة السورية مناطق آبار النفط سيدفع ذلك الدول إلى تطبيق العقوبات الأممية على منطقة شرق الفرات بما فيها آبار النفط، لأن العقوبات الدولية ما زالت مطبقة على الحكومة السورية ولا تشمل قوات “قسد” ومناطقها.

ثالثا: لم يصدر عن حكومة دمشق أو إدارة “قسد” أي تصريحات حول طريقة التعامل ماليا مع نقل النفط، فهل ستدفع الحكومة لـ”قسد” كما السابق؟ أم سيتفق الطرفان على تقاسم إيرادات النفط وإنتاجه.

رابعا: تنتظر الشركات الدولية المتخصصة في قطاع الطاقة أن تتشكل في سوريا حكومة موسعة حتى يتسنى لها توقيع الاتفاقيات الدولية، لأن استمرار حكومة تسيير الأعمال الحالية يؤخر من دخول الشركات، فقانونيا لا يحق لحكومات تسيير الأعمال التوقيع على الصفقات الاقتصادية الدولية.

المصدر : الجزيرة

————————-

عودة الأسد إلى سوريا/ سعد بن طفلة العجمي

على الحكومة برئاسة أحمد الشرع أن تعمل بحزم لمحاسبة العناصر المجرمة حتى لو كانت من فصائل مقربة منه

الجمعة 14 مارس 2025 1:38

ملخص

لعل الاتفاق التاريخي بين الحكومة وقوات سوريا الديمقراطية يهدئ النفوس ويطمئن الناس ويبعث فيهم روح الأمل بمستقبل أفضل لسوريا الجديدة، لكن الأهم من كل التواقيع هو قطع الطريق على عودة الأسد عبر الضرب بحديد على الممارسات “الأسدية” الطائفية المقيتة بكل أنواعها.

كانت مشاهد مؤلمة تلك التي تسربت لمقتل عناصر من القوات السورية الحكومية، تلتها مشاهد أكثر بشاعة وإيلاماً لمذابح طائفية ضد العلويين في مناطق الساحل السوري، والأرقام تراوحت بين العشرات والمئات، وبعض المصادر تتحدث عن آلاف المدنيين العلويين، وآلاف أخرى نزحت للبنان المجاور.

يمكن تقديم شروحات لما جرى تتناول هشاشة النظام القائم بعد سقوط وهرب بشار الأسد، وتحاول فهم أو تبرير ما جرى على أنه وضع طبيعي مؤسف لمرحلة انتقالية لا تخلو من الفوضى والفراغ الأمني والسياسي والعسكري للدولة التي لا تزال تحبو بعد عقود من القهر والاضطهاد والقتل والتعذيب والتشريد والتهجير والدمار، وبأن فصائل غير منضبطة كانت وراء تلك البشائع المخزية، وبأن بعض تلك الجرائم ارتكبتها بقايا وفلول النظام نفسه في محاولة يائسة لإشعال حرب أهلية طائفية، وأن بعض الفيديوهات مفبركة من قبل فلول النظام أنفسهم، كما يمكن الإشارة بإصبع الاتهام لإيران التي تريد أن تهدم المعبد على من فيه بعدما تجرعت “كأس السم” بهرب حليفها بشار الأسد، وتحطم كل ما بنته ليس في سوريا وحسب، وإنما في لبنان الذي صرفت “دم قلب” شعبها على “حزب الله” فيه، ليصبح كل ذلك أثراً بعد عين.

كتبت مقالة في يناير (كانون الثاني) 2012 بعد عام من اندلاع الثورة بأن النظام سيعمل على “حرف مسار الأمور نحو طائفية يعمل على تأطيرها في كل مدن سوريا وقراها وبلداتها وضيعها، لتكون اللبننة هي السيناريو الأخير في محاولات البقاء اليائسة، كي يبقى النظام ضمن فوضى متناثرة تُسقط سوريا ولكنها تبقي على بقايا النظام”.

وأضفت في مقالة أخرى في فبراير (شباط) من العام نفسه أن نظام بشار يعمل على “تدبير الأمور ضمن سيناريو فوضى يراهن على أن يكون أكبر لاعبيه داخل سوريا، بتعبئة الأقليات من العلويين والمسيحيين والدروز وتخويفهم من بعبع السنّة القادمين لذبحهم”.

إن ما جرى في سوريا لا يمكن تبريره تحت أي مبرر، وعلى الحكومة السورية الانتقالية برئاسة أحمد الشرع أن تعمل بحزم وفق ما وعدت به، سوريا لكل السوريين ومحاسبة العناصر المجرمة حتى لو كانت من فصائل مقربة منه ومن “هيئة تحرير الشام”، وليبدأ السيد الشرع بتفكيك وطرد العناصر غير السورية مثل “أنصار الإسلام الكردية” و”أجناد القوقاز الشيشانية” و”الحزب الإسلامي التركستاني” القادم من جمهوريات وسط آسيا.

إن إعادة الظلم هو إعادة لنظام الأسد، فمعارضة نظام الأسد من قبل شعبه ومساندتهم من قوى الخير في كل مكان كان معارضة للظلم والقهر والقتل والطغيان والقتل الطائفي، واستنساخ ممارسات شبيحة الأسد بصيحات مختلفة لا يغير من بشاعتها ولا من “أسديتها” وإن اختلفت طوائف الشبيحة والقتلة هذه المرة.

وليست كل الأخبار الواردة من سوريا هذه الأيام دامية ومخزية، فقد جاء توقيع قوات سوريا الديمقراطية (قسد) الكردية بقيادة مظلوم عبدي مع الحكومة السورية في دمشق برئاسة أحمد الشرع لانضواء “قسد” تحت الدولة السورية مبشراً بأمل توحيد سوريا ثانية، ولملمة جراح التشرذم الذي عاشته طوال سنوات البطش والطغيان على مدى 14 عاماً، وتسليم المناطق الشرقية الشمالية التي تسيطر عليها “قسد” للدولة المركزية في دمشق، ولعل هذا الاتفاق التاريخي يهدئ النفوس ويطمئن الناس ويبعث فيهم روح الأمل بمستقبل أفضل لسوريا الجديدة، لكن الأهم من كل التواقيع هو قطع الطريق على عودة الأسد عبر الضرب بحديد على الممارسات “الأسدية” الطائفية المقيتة بكل أنواعها.

——————————

قرارات الرئاسة السورية… محاولة لتعزيز الثقة/ محمد أمين

14 مارس 2025

أصدر الرئيس السوري أحمد الشرع، أول من أمس الأربعاء، قراراً يقضي بتشكيل مجلس الأمن القومي بـ”هدف تنسيق وإدارة السياسات الأمنية والسياسية في البلاد”. ووفق القرار، فإن المجلس سيكون برئاسة رئيس الجمهورية، وسيضم في عضويته وزراء الخارجية والدفاع والداخلية، إضافة الى مدير الاستخبارات العامة، ومستشارين يتم تعيينهما من قبل رئيس الجمهورية وفقاً للكفاءة والخبرة، وخبيراً تقنياً متخصصاً لمتابعة الشؤون التقنية والعلمية ذات الصلة بعمل المجلس. ويضاف هذا القرار إلى مجموعة قرارات صدرت عن الرئاسة السورية خلال فترة زمنية قصيرة، يبدو أن الهدف الرئيسي منها استعادة ثقة المواطن بالدولة، لا سيما بعد ما رافق العملية العسكرية ضد فلول الأسد في الساحل السوري من انتهاكات وجرائم بحق المدنيين، بما في ذلك تشكيل أكثر من لجنة للحفاظ على السلم الأهلي الذي تعرض بعد الثامن من ديسمبر/كانون الأول الماضي، بعد إسقاط الأسد، لأكثر من اختبار.

مساعي الرئاسة السورية

 كما سعت الرئاسة السورية الى إرسال تطمينات للأقليات الدينية والمذهبية، وأنها لن تتسامح مع أي شخص أو طرف يهدد السلم الأهلي، لذا شكّلت لجنة في هذا الإطار في الساحل، فضلاً عن لجنة لتقصي الحقائق عما حدث من تجاوزات بحق مدنيين في المنطقة. وواصلت الرئاسة السورية بذل الجهود من أجل التوصل مع الفعاليات الاجتماعية والدينية والعسكرية في محافظة السويداء، لتفاهمات تبدد مخاوف سكانها وتفعّل المؤسسات الحكومية، خصوصاً الأمنية والخدمية. كما توصلت الرئاسة السورية لاتفاق وُصف بـ”التاريخي” مع “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) قبل أيام.

وهددت التجاوزات التي حدثت أخيراً بحق مدنيين على أساس طائفي، الاستقرار والسلم الأهلي في البلاد، ما استدعى هذه القرارات والخطوات لرأب الصدع بين مكونات الشعب السوري. ومنذ سقوط نظام الأسد في الثامن من ديسمبر الماضي، وُضع السلم الأهلي أكثر من مرة على محك المخاوف والهواجس، التي تفجرت مدفوعة بتردي الحالة المعيشية وتراجع الاقتصاد وتردد أطراف دولية في رفع العقوبات المفروضة على سورية.

وتعليقاً على سلسلة القرارات والخطوات التي أقدمت عليها الرئاسة السورية خلال فترة زمنية قصيرة، رأى الباحث في مجال الهوية والحوكمة، زيدون الزعبي، في حديث لـ”العربي الجديد”، أن هذه الخطوات “مهمة بالتأكيد، ولكنها غير كافية”، مضيفاً أن البلاد بحاجة إلى إنشاء هيئة عدالة انتقالية في أسرع الآجال، وهيئة للوفاق والسلم الأهلي. اللجنة التي شُكّلت لهذا الغرض جيدة إلا أنها تشمل منطقة الساحل فقط. موضوع السلم الأهلي بحاجة إلى عمل وطني كبير.

في السياق، رأى الباحث السياسي عرابي عرابي في حديث مع “العربي الجديد” أن تشكيل مجلس للأمن القومي من قبل الرئاسة السورية: “سيكون مهماً لدعم البلاد في السياسة الخارجية والاقتصاد والأمن”، مضيفاً أن موضوع السلم والاستقرار من مهام هذا المجلس الذي سيصدر القرارات التي ستنفذها الوزارات المعنية. وأعتقد أن السلم الأهلي يتطلب إجراءات على مستويات متعددة، اقتصادية واجتماعية وتنموية، فضلاً عن العمل السياسي الدؤوب. وعُدّ تشكيل مجلس لـ”الأمن القومي” خطوة غير مسبوقة في تاريخ سورية، فرضتها تحديات داخلية تهدد السلم الأهلي والاستقرار، وخارجية تستهدف السيادة والجغرافية، وأبرز مثال عليها التدخل الإسرائيلي في جنوب سورية، المصحوب بتهديدات لفظية من كبار المسؤولين في تل أبيب حيال الإدارة الجديدة في سورية.

تشكيل مجلس الأمن القومي

حول ذلك، رأى الباحث السياسي عبد الرحمن الحاج في حديث مع “العربي الجديد”، أن “تشكيل مجلس الأمن القومي خطوة مهمة تساعد على الاستجابة السريعة للتهديدات واتخاذ القرار المناسب”. وأضاف أن مأسسة الاستجابة للتهديدات المتعلقة بالأمن القومي خطوة جديدة غير مسبوقة في تاريخ سورية، ولكنها مجرد إجراءات ينبغي اتخاذها لمواجهة التهديدات المحتملة لاستعادة الثقة بسيطرة الدولة وقدرتها على التحكم وبسط الأمن. وبرأيه من أبرز هذه الإجراءات التي على الإدارة القيام بها “استكمال بناء الجيش وإدماج القوات والفصائل فيه بصفتهم أفراداً ليكون ولاء الجيش للوطن وليس لقادة الفصائل”، مضيفاً أن استكمال بناء قوات الأمن وتدريبهم وتسليحهم بشكل مناسب أمر يجب أن يستمر. واعتبر الحاج أن “سورية بحاجة إلى أعداد كبيرة من المجندين في قوات الأمن العام”، مشدّداً على أن الشراكة السياسية في الحكومة الانتقالية من مكونات المجتمع السوري كافة، أمر في غاية الأهمية، لأن شعور الجميع أن هذه دولتهم يأتي من هذه الشراكة. كما رأى الحاج أن “رأب الصدوع الاجتماعية واستقرار المجتمع في سورية يجب أن يُتمم بتشكيل هيئة عدالة انتقالية”، التي قال إنها الوجه الآخر لضمان ألا يحدث تهدد للأمن القومي على المدى الطويل.

العربي الجديد

—————————

جماعة كردية سورية ترفض الإعلان الدستوري الجديد

تحديث 14 أذار 2025

رفضت الجماعة التي يقودها الأكراد وتحكم شمال شرق سوريا اليوم الجمعة الإعلان الدستوري الذي أصدرته الإدارة الجديدة التي يقودها الإسلاميون في دمشق ودعت إلى إعادة صياغته.

ويهدف الإعلان الدستوري، الذي صدر أمس الخميس، إلى وضع الأساس لفترة انتقالية مدتها خمس سنوات بقيادة الرئيس أحمد الشرع، الذي قاد هجوما خاطفا للمعارضة المسلحة أطاح بالرئيس السابق بشار الأسد في ديسمبر كانون الأول بعد حرب أهلية استمرت 14 عاما.

وأكد الإعلان الدستوري أن الفقه الإسلامي مصدر أساسي من مصادر التشريعي ونص على حرية الرأي. لكن مجلس سوريا الديمقراطية، بقيادة الأكراد، قال إنه لم ينص على ما يكفي لحماية حقوق مختلف مكونات المجتمع السوري.

وفي الوقت نفسه، دعا مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا جير بيدرسن من جنيف السلطات الجديدة في دمشق إلى تشكيل حكومة انتقالية تشمل الجميع وإجراء تحقيق في أعمال العنف الطائفي الأخيرة التي أودت بحياة المئات.

وقال في بيان تلاه متحدث باسمه في الذكرى الرابعة عشرة لاندلاع الانتفاضة ضد الأسد والتي تحولت إلى حرب شاملة “تمر سوريا الآن بلحظة فاصلة”.

وخلال الحرب الأهلية، أقامت السلطات الكردية في شمال شرق سوريا نظام حكم ذاتي بعد عقود من التهميش في ظل حكم عائلة الأسد.

ويخشى الأكراد أن تحرمهم القيادة الجديدة في دمشق من كثير من حقوقهم، ومن بينها تعليم اللغة الكردية في المدارس وتولي النساء مناصب قيادية.

وقال مجلس سوريا الديمقراطية في بيان مكتوب اليوم الجمعة إنه يرفض الإعلان الدستوري الذي وقعه الشرع “رفضا تاما” ووصفه بأنه يعيد “إنتاج الاستبداد بصيغة جديدة” ويمنح السلطة التنفيذية صلاحيات مطلقة.

وأضاف البيان موضحا أسباب رفض الإعلان الدستوري أن المسودة “تكرس الحكم المركزي وتمنح السلطة التنفيذية صلاحيات مطلقة، بينما تقيد العمل السياسي وتجمد تشكيل الأحزاب، مما يعطل مسار التحول الديمقراطي، كما تتجاهل المسودة غياب آليات واضحة للعدالة الانتقالية، مما يزيد تعميق الأزمة الوطنية”.

وطالب البيان بإعادة صياغة الإعلان الدستوري لتوزيع السلطات والصلاحيات بشكل أكثر عدالة وتبني نظام حكم غير مركزي.

وقال المجلس “أي إعلان دستوري يجب أن يكون نتاج توافق وطني حقيقي، وليس مشروعا مفروضا من طرف واحد”.

ومجلس سوريا الديمقراطية هو القيادة السياسية لقوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة التي وقعت اتفاقا يوم الاثنين مع حكومة دمشق للاندماج في مؤسسات الدولة الجديدة وتسليم المعابر الحدودية الرئيسية وحقول النفط ومطار لسيطرة الحكومة.

ومن المقرر أن يتم تنفيذ ذلك بحلول نهاية العام لكن الاتفاق لم يحدد كيفية دمج العمليات العسكرية لقوات سوريا الديمقراطية في وزارة الدفاع السورية.

وقال بيدرسن في بيانه إنه يأمل أن يدفع الإعلان الدستوري الذي وقعه الشرع سوريا باتجاه استعادة حكم القانون وتنفيذ عملية انتقال منظم.

ووعد الشرع بإدارة سوريا بطريقة شاملة لا تقصي أحدا لكنه يواجه مشكلات بسبب تبعات موجة من أعمال العنف الطائفية في منطقة الساحل تورط فيها مقاتلون مرتبطون بحكومته.

ودعا بيدرسن إلى إجراء تحقيق مستقل في ما وصفها بأنها “أعمال عنف مروعة”.

وقال “في هذا الصدد، يمكن لمناخ من الخوف وانعدام الثقة أن يعرض العملية الانتقالية بأسرها للخطر”.

(رويترز)

——————————–

الجيش التركي: نراقب تنفيذ «اتفاق الشرع – عبدي» من كثب

خبراء يتوقعون استمرار الضغط على «قسد» والتنسيق مع أميركا بشأن الانسحاب من سوريا

أنقرة: سعيد عبد الرازق

13 مارس 2025 م

أعلن الجيش التركي أنه سيراقب من كثب تنفيذ الاتفاق الموقع بين الإدارة السورية و«قوات سوريا الديمقراطية (قسد)» بشأن اندماجها في مؤسسات الدولة، مع التمسك بالمطالبة بحل «وحدات حماية الشعب» الكردية، ومكافحة الإرهاب في سوريا.

وقال مصدر مسؤول بوزارة الدفاع التركية: «سنراقب كيفية تنفيذ الاتفاق بين الإدارة السورية و(تنظيم «قسد» الإرهابي) من كثب، وسنتابع التطورات على أرض الواقع، وسنرى مخرجاته سواء كانت إيجابية أم سلبية».

وأكد المصدر، خلال إفادة أسبوعية لوزارة الدفاع التركية، الخميس، أن الاتفاق، الذي وقع يوم الاثنين الماضي بين الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع وقائد «قسد» مظلوم عبدي، «لم يُغير التزام تركيا بمحاربة الإرهاب في سوريا».

حل الوحدات الكردية

وأضاف: «نحن في تركيا مصممون على مكافحة الإرهاب، ولا نزال على النهج نفسه ونطالب بحل (وحدات حماية الشعب) الكردية (أكبر مكونات «قسد»)، ولا نزال ملتزمين بضمان وحدة أراضي سوريا وسلامتها الإقليمية والسياسية».

ولفت المصدر إلى استقبال وزير الدفاع السوري مرهف أبو قصرة، الملحق العسكري التركي المُعين حديثاً في دمشق، الخميس، مضيفاً أن وفداً من وزارة الدفاع سيزور سوريا خلال الأيام المقبلة.

وكانت مصادر في وزارة الدفاع التركية قد أكدت، يوم الأربعاء، أن القوات التركية ستُواصل وجودها في سوريا، وستتابع التطورات بعد الاتفاق بين الإدارة السورية و«قسد»، وستراقب التطورات على الأرض، وعندما يكون هناك نشاط إرهابي فسوف تتدخل، ولن يتغير شيء في مفهوم القوات المسلحة التركية في مكافحة الإرهاب، الذي يقوم على القضاء على الإرهاب في منبعه.

وتابعت المصادر، وفق ما نقلت وسائل إعلام تركية قريبة من الحكومة، الأربعاء، أن عمليات القوات المسلحة التركية ضد «وحدات حماية الشعب» الكردية، التي تقود «قسد» مستمرة.

ولا تزال الاشتباكات والاستهدافات بين القوات التركية والفصائل السورية المسلحة الموالية لأنقرة و«قسد» على محاور شرق حلب، لا سيما في سد تشرين وجسر قره قوزاق، فضلاً عن القصف التركي على مواقع «قسد» في عين العرب (كوباني) مستمرة.

وشنَّت القوات التركية، الخميس، غارات جوية استهدفت ريف مدينة صرين في ريف عين العرب (كوباني).

موقف تركي حذر

ويرى خبراء أتراك أن الاتفاق بين الشرع وعبدي يُشكل «إطاراً» أو «إعلان نوايا»، وأن القضايا المثيرة للجدل، خصوصاً انضمام «قسد» إلى الجيش السوري والاندماج في مؤسسات الدولة، من المقرر حلها في مفاوضات تستمر حتى نهاية العام، وهو ما يجعل تركيا تنظر إلى الاتفاق بحذر رغم ترحيبها به.

ووفق مديرة برنامج السياسة الخارجية في مؤسسة أبحاث السياسة الاقتصادية التركية، غولرو جيزر، «لن تسمح تركيا بتكرار الأخطاء التي وقعت في العراق، وأن موقفها بشأن وحدة سوريا واضح وحازم».

ولفتت إلى أن تركيا ستكون قادرة دائماً على مواصلة عملياتها العسكرية ضد «قسد» إذا رأت ذلك ضرورياً، استناداً إلى حقها في الدفاع عن النفس الناشئ عن المعاهدة التأسيسية للأمم المتحدة.

وأشار الخبير المختص بشؤون تركيا، الباحث في المجلس الأطلسي للأبحاث في أميركا، عمر أوزكيزيلجيك، إلى أن تركيا تتعامل مع اتفاق «الشرع – عبدي» «بتفاؤل حذر»، وستواصل الضغط على «قسد» خلال هذه العملية، حتى لا تتمكن من التراجع عن خريطة الطريق التي حددها الاتفاق الواقع في 8 بنود.

ورأى أن أميركا طلبت من «قسد» التوصل إلى اتفاق مع دمشق قبل انسحابها من سوريا، وأن «دبلوماسية الباب الخلفي» تعمل بين أنقرة وواشنطن فيما يتعلق بهذه العملية، وأن تركيا ستكون «أكثر ارتياحاً» إذا انسحبت القوات الأميركية من سوريا.

ولفت الخبير في شؤون الشرق الأوسط، جمعة تشيشيك، إلى أن الاتفاق بين إدارة دمشق و«قسد» جرى من خلال عملية ظلت تركيا خارجها إلى حد ما، وأن التصريحات التي أوضحت أن أميركا وفرنسا وألمانيا توسطت في المفاوضات، كان تطوراً لم تتوقعه تركيا.

وأضاف أنه على الرغم من بقاء تركيا خارج العملية، فإن الأطراف أخذت حساسياتها في الاعتبار، وربما يكون أحد أسباب ترك قضايا كالحكم الذاتي والاتحاد وتقاسم السلطة مفتوحة هو القلق بشأن موقف تركيا، فلا دول المنطقة ولا أميركا، في وضع يسمح لها بالتخلي عن تركيا أو المضي قدماً رغماً عنها.

بدوره، رأى الأكاديمي التركي المختص في شؤون الشرق الأوسط، مصطفى آيدن، أن يد تركيا باتت ضعيفة، أو «مغلولة» بسبب الاتفاق بين إدارة دمشق و«قسد»، وأنها إذا أظهرت نيتها إطلاق عملية عسكرية ضدها، فإن أميركا والجهات الفاعلة الأخرى يمكن أن تمنعها، بحجة أن هناك عملية جارية، ويجب الانتظار حتى تكتمل، وأنه لا ينبغي التدخل الآن.

————————–

إيكونوميست: الوقت ينفد من الشرع وعليه مشاركة السلطة قبل أن تتفكك سوريا/ إبراهيم درويش

تحديث 14 أذار 2025

قالت مجلة “إيكونوميست” في افتتاحيتها، إن الوقت ينفد من رئيس سوريا أحمد الشرع، ويجب عليه التشارك في السلطة من أجل الحفاظ على وحدة بلاده.

ورأت المجلة أن سوريا شهدت أسوأ عنف طائفي منذ سقوط نظام بشار الأسد قبل ثلاثة أشهر، وربما منذ الهجمات الكيماوية على الغوطة الشرقية في عام 2013. وقد صُدم البلد الذي يشعر بوقع الديكتاتورية والحرب الأهلية.

ويُعتقد أن 800 شخص قُتلوا من مناطق الساحل السوري التي تعتبر معقل الطائفة العلوية التي تنتمي إليها عائلة الأسد.

وترى المجلة أن العنف يكشف عن المعضلة التي تواجه سوريا، والتي تتمثل في حكم البلد، فهل سيظل الحكم فيها مركزيا تتجمع السلطات في يد الحكومة المركزية التي ستكون قادرة على إرساء النظام والقانون، مع أن الرئيس أحمد الشرع، هو جهادي سابق وبالتزام مشكوك فيه لشمل الآخرين بمشروع بناء البلد؟ أم هل يجب على الأقليات الحفاظ على الأمن في المناطق التي تعيش فيها، حتى لو كان هذا على حساب تفكك البلد؟

وتعلق المجلة أن أسباب الأحداث الأخيرة لا تزال غامضة، وأفضل تكهن هو أن مقاتلين من الأقلية العلوية قاموا بمهاجمة  قوات الحكومة والمستشفيات. وردا على ذلك، سارعت ميليشيات سنية في قوافل ودخلت القرى والبلدات وقتلت مدنيين وأحرقت بيوتا، بحسب المجلة. وقالت إن الفيديوهات كشفت عن إجبار السكان على النباح كالكلاب قبل إطلاق النار عليهم.

وتعتقد المجلة أن الميليشيات السنية هي على الأرجح المسؤولة عن معظم القتل. والتفسير الخبيث هو أن الشرع لم يكن مستعدا للحد من قوة المتطرفين بين أنصاره. ولكن التفسير الأكثر سخاء هو أنه كان بطيئا في الرد على الأحداث، وحكومته ليست مسيطرة على الوضع. وتقول إن العنف في مناطق العلويين هو علامة على تفكك سوريا.

ففي شمال سوريا، للجماعات الكردية جيوبها الخاصة. وفي الجنوب، لميليشيات أخرى، بما فيها ميليشيات يقودها الدروز، مجال نفوذ. وتتدخل القوى الخارجية إما بذريعة حماية حدودها من الفوضى، أو لاغتنامها الفرصة للسيطرة على مستقبل سوريا. وتدعم إسرائيل الدروز، وتركيا تدعم الجماعات العربية السنية، وأمريكا تساند الأكراد.

ورغم دورها كأقوى منقذ لنظام الأسد المكروه، فلا تزال روسيا متكاسلة في الرد على أمل الاحتفاظ ببعض النفوذ، وربما الوصول إلى قواعدها الجوية والبحرية.

وتعلق المجلة أن الشرع حتى الآن كان مخيّبا للآمال. فخبرته السابقة كانت إدارة نظام غير ليبرالي في مدينة إدلب من خلال جماعته، هيئة تحرير الشام. وحتى الآن، يدير سوريا كزعيم ميليشيا. فقد تخلف عن المواعيد النهائية لتشكيل حكومة شاملة وإصدار إعلان دستوري وتعيين هيئة تشريعية، ولم يعبّر عن التزام بالقوانين العلمانية، ولم يظهر إلا تسامحا ضعيفا. ومع ذلك، فإن عيوب حكومته تعكس أيضا ضعف الدولة السورية. فهي لا تملك سوى عدد قليل نسبيا من القوات الخاضعة لسيطرتها المباشرة. كما أن الميليشيات العرقية المختلفة تتفوق على الجيش والشرطة عددا وعتادا.

وتحتاج سوريا حكومة مركزية، قادرة على استخدام سلطاتها لتفويض السلطات إلى المحافظات. وعلى الغرب رفع العقوبات الاقتصادية التي فرضها لمعاقبة نظام الأسد البغيض، والتي تسبب حاليا ضائقة مالية خانقة.

لكن المسؤولية تقع على عاتق الشرع، وفق ما ترى المجلة. ففي هذا الأسبوع وبعد المجازر، اتخذ بعض الخطوات الإيجابية. فقد شكّل لجانا للتحقيق في العنف الطائفي، ووقّع اتفاقية لاندماج قوات سوريا الديمقراطية في قوات الأمن السورية. ولكنه بحاجة لعمل المزيد، ويجب تطهير جيشه من المتطرفين ودعوة المزيد من المعتدلين للانضمام إليه بحيث يكون لديه قوة الرد ولا يظهر على أنه أداة القوة السنية. كما يجب عليه تشكيل مؤسسات ووضع جدول زمني للانتخابات التي قد تطمئن السوريين بأن الحكومة القوية لن تكون تعبيرا عن القوة السنية. وعليه تفويض المزيد من السلطات إلى المناطق.

فإعادة بناء سوريا هي لعبة ثقة، فلو اعتقد المزيد من الناس بأن هناك مستقبلا متناغما، ستزداد فرص تحقيق ذلك. لكن مجزرة أخرى في عهد الشرع قد تنهي هذه اللعبة.

وقالت المجلة إن الأحداث التي جرت في 6 آذار/ مارس، حوّلت مناطق في الغرب السوري إلى “محور كارثة” حيث انتشرت الجثث في الشوارع، وفرّ الناس إلى الغابات أو إلى لبنان. وتقول إن الشرع يبدو أنه متردد بين ماضيه الجهادي وحاضره كرئيس، مشيرة إلى الفيديو الذي أصدره في أول يوم من الأحداث حيث حفل بالإشارات الدينية، وأجج فيه الصراعات وأشاد بـ”مقاتلينا الشرفاء”.

لكن مع تصاعد التوتر في البلاد، غيّر الشرع مساره بمهارة. ففي خطاب مصور ثان بعد يومين، تظاهر بأنه زعيم أمة، لا زعيم طائفة. ولأول مرة منذ توليه السلطة، عيّن علويين في مناصب قيادية وضمّهم إلى لجنتين: إحداهما للتحقيق في أعمال العنف، والأخرى لاستعادة “السلم الأهلي”.

وتبع ذلك في اليوم التالي، إعلان الاتفاق على دمج قوات سوريا الديمقراطية بقوات الأمن الحكومية. وهناك اتفاق محتمل مع الدروز الذين تحاول إسرائيل إغراءهم. ودعا الشرع في 11 آذار/ مارس الأئمة على حفل إفطار رمضاني ودعاهم للحديث عن المساواة بين كل الطوائف السورية في خطبهم ودروسهم الدينية. وكان من بين الحضور، صديق طفولته الشيخ أبو الخير شكري.

والتحدي أمام الشرع هو قدرته على الحفاظ على وحدة البلاد التي كانت قبل خمسة أيام على حافة الانهيار. فقد فتح العنف في الساحل السوري جراح الطائفية التي وعد الشرع بعلاجها.

وتشير المجلة إلى أن العلويين كانوا خائفين، حيث دعا مدير إذاعة دمشق الذي عيّنه الشرع لرميهم في البحر. وقد اعتبر قادة الشرع الساحلَ السوري منطقة عسكرية، وفرّ الكثير من العلويين وطلبوا حماية الخارج وحاولوا الدخول للقواعد الروسية هناك.

وفي دمشق ومدن أخرى، تخشى الأقليات أن يحول الجهاديون أنظارهم إليها. ويذكرهم سلوك الشرع الهادئ ببشار الأسد. ولا يزال الكثيرون يخشون أن يكون رئيسهم الجديد مجرد “إرهابي” يرتدي بدلة رسمية.

ولتسهيل توزيع الوظائف والمساكن على السنة، قام الشرع بحل القوات المسلحة القديمة وتطهير الخدمة المدنية وطرد المسؤولين السابقين من منازلهم الحكومية. وكما هو الحال مع اجتثاث البعث في العراق، فإن هذا يردع الأقليات عن تسليم أسلحتها ويؤجج دعم الثورة. وترى المجلة أن إرضاء السنة والأقليات هو تحد كبير وصعب.

فلو أراد الشرع السيطرة على المتطرفين، فإنه بحاجة لبدء العدالة الانتقالية التي تردد في القيام بها حتى الآن. وعليه التأكد من عودة العلويين الذين لم يشاركوا في فظائع النظام السابق إلى أعمالهم وحياتهم الطبيعية. وحتى ينجح في مهمته، فهو بحاجة للمال الذي لا يتوفر لديه الآن، بسبب العقوبات.

فعندما سيطر على الحكم، لم يكن لدى الدولة قوة عاملة، وبدون مال لدفع الرواتب سيظل يواجه مشكلة من المتشددين الذين سيتحدّون الجيش ويتعاملون مع الأقليات كغنيمة حرب. وفي النهاية، فهو بحاجة لتقاسم السلطة مع مكونات البلاد الأخرى. وبدون ذلك، سيفقد الشرع الثقة الوطنية، وسيفاقم تدهور الاقتصاد من مشاكله.

القدس العربي

—————————————-

استطلع “العربي الجديد” رأي الشارع في العاصمة السورية دمشق حول الاتفاق الذي جرى بين الرئيس السوري أحمد الشرع وقائد “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) مظلوم عبدي، بشأن اندماج تلك القوات ضمن الجيش السوري وتوحيد الأراضي السورية.

https://www.alaraby.co.uk/video/%D8%B5%D9%88%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%A7%D8%B3/%D8%B3%D9%88%D8%B1%D9%8A%D9%88%D9%86-%D9%8A%D8%B9%D9%84%D9%91%D9%82%D9%88%D9%86-%D9%84%D9%80%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%AF%D9%8A%D8%AF-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%A7%D8%AA%D9%81%D8%A7%D9%82-%D9%82%D8%B3%D8%AF-%D9%88%D8%AF%D9%85%D8%B4%D9%82-%D9%85%D8%A7%D8%B0%D8%A7-%D9%82%D8%A7%D9%84%D9%88%D8%A7%D8%9F

————————–

من سايكس وبيكو إلى برنار لويس/ عارف العبد

الجمعة 2025/03/14

استدعت التطورات في سوريا، وخصوصاً تلك التي شهدتها مدن وقرى الساحل السوري، وما استهدف أهل المنطقة، من السكان العلويين، بالاعتداء والمجازر وأعمال القتل، الاهتمام والإثارة. وبالتالي، المتابعة والتتبع، مع مزيد من الأسئلة المحمومة حول مستقبل التطورات في المشرق العربي، المترابط في الخصوصية والأوضاع السياسية والجغرافية والتركيبة الاجتماعية المتنوعة والحساسة.

وتكاد تكون التطورات والانتهاكات والمجازر، التي ارتكبت ضد السكان الآمنين والعزل، في الساحل السوري وجبل العلويين، بمثابة الصدمة الصاعقة، والتجربة المستجدة، المروعة والمهولة، التي تشهدها سوريا ما بعد انقلاع آل الأسد. وبالتالي، تشكل التجربة الأولى والمحك الفعلي لمصداقية السلطة الجديدة في سوريا، والتي يقف على رأسها الرئيس السوري للمرحلة الجديدة الانتقالية أحمد الشرع. وهي تشكل إثباتاً، إذا ما تخلى أبو محمد الجولاني عن شخصيته السابقة، وانتقل إلى أحمد الشرع، أو لا يزال متمسكاً في شخص الماضي، ومسيطراً عليه. لأن ما تعرض له السكان العلويون غير مسبوق وغير مقبول، ولا يمكن المرور عليه أو السماح بتكراره.

بل إن السؤال الأشد إلحاحاً وصعوبة هو، ماذا يعني ما جرى في الساحل السوري، وإلى أين تتجه سوريا والمنطقة من حولها بعد ذلك؟ خصوصاً وأن ما جرى يترافق مع تطورات خطيرة ومهمة أخرى، تتمثل بالخطوات المتصاعدة التي تنفذها إسرائيل، عبر توسيع وتدعيم احتلالها لمرتفعات الجولان وصولاً إلى أعلى قممه ومرتفعاته، وعلى وجه الخصوص قمة جبل الشيخ، إضافة إلى توغل في الجنوب السوري وفي محافظة السويداء تحديداً، ذات الغالبية والكثافة من الطائفة الدرزية.

الأخطر من ذلك هو إعلان إسرائيل وضعها السكان الدروز تحت حمايتها، مع تكثيف تحركاتها العسكرية وإطلاقها طائراتها، في مناورات في المنطقة، للدلالة على سيطرتها على الأجواء. وتحريض ومحاولة تشجيع ودفع السكان الدروز على الانفصال والابتعاد عن سلطة الحكومة السورية الجديدة. بما يعني ذلك من دفع نحو تجزئة سوريا، وتشجيع بقية القوى نحو التباعد والتفرق والابتعاد عن المركز الجامع في دمشق.. نحو مشاريع تقسيم وتجزئة سوريا إلى مناطق وكانتونات طائفية ومذهبية.

باختصار، السؤال الذي يطرح نفسه الأن، ما الذي جرى وإلى أين تتجه سوريا والمنطقة وما هي المشاريع المعدة، وما الذي يمكن أن يحدث وإلى أين تتجه الأمور؟

سايكس وبيكو

من المسلم به، أن القوى المسيطرة والمتفوقة عسكرياً، هي التي تتحكم بمسار الأمور والمناطق الخاضعة لسيطرتها في حاضرها ومستقبلها.

فبعد أن كان وُعد العرب بعد الحرب العالمية الأولى بدولة عربية مستقلة، من قبل القوى الغربية (بعد استفتاء لجنة كينغ كراين) قررت الدول المنتصرة في الحرب، وتحديداً فرنسا وبريطانيا، إعادة تشكيل المنطقة وتقسيمها وفقاً لرؤيتها ومصالحها وأطماعها، على أنقاض السلطنة العثمانية التي لقبت يومها بتركة الرجل المريض.

لهذه الأسباب اتفقت فرنسا وبريطانيا وروسيا القيصرية آنذاك، على اقتسام النفوذ والمساحات والدول، في المنطقة وفقاً لمصالحهما.

جرت المفاوضات الأولية التي أدت إلى الاتفاق بين 23تشرين الثاني/ نوفمبر 1915 و 3 كانون الثاني/ يناير 1916، وهو التاريخ الذي وقع فيه الدبلوماسي الفرنسي فرانسوا جورج بيكو والبريطاني مارك سايكس على وثائق مذكرات تفاهم بين وزارات خارجية فرنسا وبريطانيا وروسيا القيصرية. وصادقت حكومات تلك البلدان على الاتفاقية في 9 و 16 أيار/مايو 1916.

قسمت الاتفاقية فعلياً الولايات العربية العثمانية، خارج شبه الجزيرة العربية، إلى مناطق تسيطر عليها بريطانيا وفرنسا، أو تحت نفوذها. خصصت الاتفاقية لبريطانيا ما هو اليوم فلسطين والأردن وجنوب العراق ومنطقة صغيرة إضافية تشمل موانئ حيفا وعكا، للسماح بالوصول إلى البحر الأبيض المتوسط. أما فرنسا فقد سيطرت على جنوب شرق تركيا وشمال العراق وسوريا ولبنان.

باختصار دول المشرق القائمة الآن، وتحديداً العراق والأردن وسوريا ولبنان، ظهرت نتيجة هذه القسمة، واستمرت وتستمر شكلياً حتى اليوم.

برنار لويس

الجديد في كل ما جرى، خصوصاً بعد اندلاع حرب طوفان الأقصى وتداعياته، في فلسطين ولبنان وسوريا، أن إسرائيل بنيامين نتنياهو بدأت تتحدث عن الشرق الأوسط الجديد، الذي تدعي وتريد إعادة تشكيله، على أنقاض الشرق الأوسط القديم، الذي شُكل نتيجة مباحثات سايكس وبيكو بداية القرن الماضي.

الجديد والخطير في كل التطورات الراهنة، أن أساس المشروع الحالي الذي ينفذ على الأرض بدعم قوي من الولايات المتحدة الأميركية، أثير وطرح من قبل المنظر والفيلسوف والمستشرق البريطاني برنارد لويس، في لندن (1916- 2018 .(وهو مستشرق بريطاني الأصل، يهودي الديانة، صهيوني الانتماء، أميركي الجنسية. تخرج من جامعة لندن، وعمل فيها مدرساً في قسم التاريخ للدراسات الشرقية والإفريقية.

وفّر برنارد لويس الكثير من الذخيرة الأيديولوجية والفكرية للمحافظين الجدد، وإدارة بوش في قضايا الشرق الأوسط، والحرب على الإرهاب؛ حيث يعتبر بحق المنظر الأساسي والرئيسي لكل موجة التدخل والسيطرة على المنطقة في العقدين الاخيرين، والتي انطلقت من نظرية ثانية متفرعة هي نظرية “صراع الحضارات” لهانتغتون، ولسياسة التدخل والهيمنة الأميركية في المنطقة.

جوهر فكرة أو نظرية لويس تقول: “إن العرب والمسلمين قوم فاسدون مفسدون فوضويون لا يمكن تحضيرهم (تمدينهم). ولذلك فإن الحل السليم للتعامل معهم حسب رأيه هو إعادة احتلالهم واستعمارهم وتدمير ثقافتهم الدينية”.

والحل لذلك براي لويس، أنه من الضروري إعادة تقسيم الأقطار العربية والإسلامية إلى وحدات عشائرية وطائفية، وإعادة احتلال المنطقة، على أن تكون المهمة المعلنة، هي تدريب شعوبها على الحياة الديمقراطية، والعمل على استثمار التناقضات العرقية والعصبيات القبلية والطائفية.

 تردد في أكثر من موقع ودراسة، أنه في عام 1983 وافق الكونغرس الأميركي بالإجماع في جلسة سرية على مشروع برنارد لويس، وبذلك تم اعتماد هذا المشروع، وإدراجه في ملفات السياسة الأميركية الاستراتيجية لسنوات مقبلة. وقد ارفق المشروع بخرائط للدول التي يجب أن تقام على أساس طائفي أو مذهبي أو عرقي.

وتقوم رؤية أو مشروع لويس على ثلاثة عناصر:

1- تغيير التركيبة السياسية القائمة في معظم دول العالم الإسلامي، لتصبح مبنية على مزيج من آليات ديمقراطية وفيدراليات إثنية أو طائفية. وهذا هو جوهر المشروع.

2- التركيز على هوية شرق أوسطية كإطار جامع للفيدراليات المتعددة المنشودة، لهذا يدخل العامل الإسرائيلي كعنصر مهم في الشرق الأوسط الكبير المنشود، إذ بحضوره الفاعل تغيب الهويتان العربية والإسلامية عن أي تكتل إقليمي محدود أو شامل.

3- ضرورة إنهاء الصراع العربي الإسرائيلي من خلال إعطاء الأولوية لتطبيع العلاقات العربية مع إسرائيل، مما سيدفع الأطراف كلها إلى التسوية والقبول بحدود دنيا من المطالب والشروط.

المثير في مشروع لويس، أنه منذ الغزو الأميركي للعراق بدأ عملياً تطبيق هذه الرؤية، بدليل حالة دولة العراق الموزعة بين تجمعات طائفية وجهوية وعرقية. والدليل الثاني الأشد وضوحاً ما جرى ويجري في السودان، الذي توزع على أكثر من دولة ومنطقة نفوذ، إضافة إلى حال اليمن التي عادت يمنين، وليبيا المتفرقة، والآن سوريا غير المستقرة.

في تجارب التاريخ السياسية والعسكرية والاجتماعية، المتعددة، ثبت أن ما يجري في سوريا، ينعكس مباشرة على لبنان، والعكس صحيح.

لذلك يبقى السؤال الملح، على ماذا ستستقر سوريا، وكيف ستصبح الأوضاع في لبنان؟ هل ستبقى سوريا موحدة ومستقرة وينعم لبنان بمناخ مماثل، أم تنتقل المحنة من دمشق إلى بيروت؟

المدن

—————————-

مجازر العلويين والخيارات الممكنة/ وليد فارس

في سوريا مجموعات أخرى تختلف عن بعضها بعضاً على الصعد اللغوية والدينية والطائفية والقومية

الجمعة 14 مارس 2025 1:39

المعادلة الآن، لا سيما بعد الاتفاق الذي تم بين “قسد” و”هيئة تحرير الشام” تمكين الدولة السورية الجديدة لكي تخرج من الحرب وتنطلق إلى النهوض الاقتصادي، إلا أن الجرح الذي فتح في اللاذقية وبانياس وطرطوس لا بد من أن يأتي أحد لتضميده.

خلال الأسبوع الماضي برزت عناوين صادمة في الصحافتين العربية والدولية حول تطور هائل في صوره ومحزن في وقائعه وصعب في حلوله، تمثل في مجموعة الأحداث الأمنية التي وقعت بمنطقة الساحل السوري وأهمها وأخطرها ما جرى تداوله عن قتل جماعي كبير من العائلات العلوية.

وأعلنت الأمم المتحدة أنها وثقت مقتل 1000 مواطن حتى الآن ورجح عدد من الهيئات غير الحكومية ارتفاع الأرقام المنتظرة إلى آلاف، إلا أن ذلك لن يحسم قبل مرور أشهر أو أكثر حتى صدور أي تقرير مفصل عن جهات دولية.

سلطات “هيئة تحرير الشام” في دمشق أوضحت أن هدف العملية الأمنية كان استئصال “فلول قوات الأسد” المتهمة بشن عمليات عسكرية ضد قوات الأمن والشرطة، وردت المعارضة العلوية أن لا علاقة بين أي شبكة من جنود سابقين في الجيش العربي السوري وأهالي الساحل العلويين، وتستمر الاتهامات والاتهامات المضادة حتى الآن. والأسئلة كثيرة ماذا حدث بالفعل؟ لماذا يحدث؟ وكيف يمكن إصلاح الأمور؟

على ضوء ما يجري في تلك المنطقة الواقعة على ساحل البحر الأبيض المتوسط سنستعرض الوقائع والاحتمالات والسيناريوهات، لذا سنتطرق في هذه المقالة وبسرعة إلى وضع الطائفة العلوية بعد سقوط نظام بشار الأسد نهاية العام الماضي وإلى أين هي ذاهبة.

أولاً في بعض الوقائع المبسطة ولكنها معروفة أن في وسط البلاد أكثرية من الطائفة العربية السنّية، الموجودة أيضاً في بادية الشام وتشكل الأكثرية في العاصمة دمشق والمدن السورية الكبرى من حلب إلى حمص إلى حماة. ويمتد الوجود العربي السنّي إلى كامل أنحاء البلاد، بما فيها المناطق التي تضم أقليات إثنية ودينية.

وفي سوريا أيضاً مجموعات أخرى تختلف عن بعضها بعضاً على الصعد اللغوية والدينية والطائفية والقومية، وباختصار هناك إجماع على أن ثمة منطقة في شمال شرقي البلاد ضمن المثلث الواقع بين تركيا والعراق وسوريا يعيش فيها مجتمع كردي يمتد من شرق البلاد حتى منطقة عفرين على الحدود التركية- السورية ولها لغتها الكردية الخاصة ولها هويتها وتاريخها.

وشاءت الظروف التاريخية أن تكون الطائفة الكردية موجودة في شمال البلاد وشمال شرقها، بينما يتوزع الأكراد على مناطق متاخمة في العراق وتركيا وإيران. أما في شمال غربي البلاد، لا سيما في الجبال المتاخمة للساحل ومدنه، فهناك الطائفة العلوية وهي عربية إثنياً ولكنها منبثقة في المعتقد والتاريخ من المذهب الشيعي والعلويون قطنوا في تلك المناطق منذ قرون عدة وشكلوا مجتمعاً خاصاً بهم. أما في جنوب البلاد ما بين دمشق والحدود الإسرائيلية واللبنانية، فهناك طائفة أخرى هي الدروز التي لها خصائصها أيضاً والتي عاشت في تلك النواحي منذ قرون. أما المسيحيون فهم ربما أقدم الطوائف السورية وينتشرون في مناطق عدة، فهناك الآشوريون والسريان في منطقة الحسكة والخابور وهناك سريان وادي النصارى جنوب منطقة العلويين وهناك كتلة مسيحية داخل مناطق الدروز بين دمشق والجولان وهناك بالطبع أحياء مسيحية كاملة في دمشق قد تكون الأكثر عدداً لدى مسيحيي سوريا.

عندما اندلعت الحرب الأهلية في سوريا عام 2011 تميزت منطقه الشمال الشرقي حيث وجود الأكراد الكثيف والمسيحيين وعرب سنّة بقيام إدارة ذاتية حتى انتهاء الحرب وتطورت الإدارة للتحول إلى منطقة واسعة جداً تحت سلطة “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) وحصلت على الحماية الأميركية بسبب الحملة ضد تنظيم “داعش”.

وعندما انفجر الصراع بين “داعش” والسلطة السورية لنظام الأسد في معظم مناطق البلاد من شمالها إلى وسطها إلى قرب العاصمة والجنوب، بقيت منطقة واحدة سالمة هي منطقة جبال العلويين والساحل في الشمال الغربي حيث عاشت هذه الطائفة ومواطنون من الطوائف الأخرى بمن فيهم السنة والمسيحيون بسلام نسبي في الحرب.

أما بعد أن سقط الجيش العربي السوري بسرعة في ديسمبر (كانون الأول) عام 2024 وهرب رئيس النظام بشار الأسد وسقطت المؤسسات بسرعة بين يدي “هيئة تحرير الشام”، فتغيرت الأمور وبدا وكأن الغيوم السوداء تتجمع فوق مناطق العلويين، ولكن ذلك لم يحدث بسرعة. فهل النظام الجديد أخذ وقته لكي يحصل على حد أدنى من الاعترافات الإقليمية والدولية التي مدت له جسوراً بهدف أن يكون عادلاً بين كل المجموعات السورية وأن يضع حداً للخروقات وألا يتخذ محولاً بين المحاور العربية.

المجموعة الجديدة الحاكمة في الشام فرضت ضغطاً على الأكراد من ناحية الشمال وضغطاً آخر على الدروز في الجنوب “لتسليم السلاح”، إلا أن المجموعتين لم تقبلا بمدّ السيطرة المركزية العسكرية للنظام على مناطقهما لأسباب تاريخية، لذا وبعد فشل “الهيئة” بدخول مناطق الأكراد والدروز قررت القوى الحاكمة في دمشق توجهها إلى منطقة ثالثة حيث هناك رفض شعبي للنظام الجديد لكن ليست هناك قوة عسكرية لتقاومه.

وكانت أهداف السلطة الأساسية واضحة وتتمثل في الآتي:

أولاً، إخضاع المنطقة لسلطة دمشق لتثبيت “السيادة الوطنية”، أي عملياً مد سيطرة “الهيئة” على مقاطعة الساحل لتكون عبرة للمناطق الممانعة لدخول “الدولة”.

ثانياً، تفكيك مجموعات عسكرية هاربة من الجيش السابق أطلق عليها اسم “فلول النظام” أو “الجيوب الأسدية”.

ثالثاً وهو الهدف الرئيس لتحرك “الهيئة” باتجاه الساحل السوري والجبال مع تأخر دام ثلاثة أشهر، السيطرة على الساحل وعلى المرافئ.

فعبر هذا الساحل سيتمكن النظام من أن يبرز قوته في البحر الأبيض المتوسط بمساعدة تركيا وأهم ما يصبو إليه نظام “الهيئة” أن يكون لاعباً كبيراً في مخزون الطاقة العالمي، فمن المعروف جيداً أن الساحل السوري يشرف على مساحة مائية واسعه جداً يحوي قاعها احتياطات هائلة من الغاز.

وكان النظام البائد وعد شركات عدة وحلفاء في المنطقة وعلى رأسهم النظام الإسلامي في إيران بأن يكونوا شركاء في التنقيب والاستفادة، وبعد سقوط النظام ووصول القوى الإخوانية إلى السلطة كان من الطبيعي أن تعمل السلطة الجديدة على السيطرة على الساحل لوضع اليد على هذه الثروة الهائلة.

وبات هناك محور مصالح اقتصادية ومالية يسعى إلى الوصول إلى الشاطئ والسيطرة على المياه الإقليمية والمناطق الاقتصادية السورية، مما قام بالدور الأكبر في عملية محاولة سيطرة “هيئة التحرير” وحلفائها على مناطق العلويين للوصول إلى الذهب الأسود.

لكن في النظر عن الأسباب الكثيرة والمتنقلة حول دخول بعض وحدات قوات “الهيئة” إلى أطراف بلدات علوية في الشمال الغربي مما أدى إلى وقوع ضحايا، كانت أوامر مركزية بالقضاء على ما سمي “الفلول”، ولكن السبب الأهم المحتمل هو إنهاء إمكان قيام “مقاومة علوية” تطلق في الساحل مجلساً عسكرياً ينتشر في المنطقة لمصلحة إدارة ذاتية كما في روجافا والجنوب.

ومع وقوع أول أحداث دامية على أطراف المناطق العلوية، رد شباب مسلح علوي قد يكون ضمن صفوفه عسكريون في جيش النظام السابق، مما أسفر عن قتلى بين القوى المتقدمة وأعضاء من ميليشيات “الهيئة”، فشنت أجهزة النظام عملية عسكرية واسعة للدخول إلى مناطق العلويين بهدف ضرب الشبكة التي أطلق عليها اسم “فلول النظام” وتوجهت وحدات عدة من دمشق والمدن الأخرى باتجاه الساحل السوري وحصل ما حصل.

وأعلنت الأمم المتحدة ومؤسسات غير حكومية عدة أنه وقعت مجازر واسعة قالت بعض المصادر إنها سجلت ألف قتيل وبعضها قال إنها أدت إلى نحو 6000 معظمهم من المدنيين ومن بينهم نساء وأطفال وإن هذه الأحداث لا تزال تحصل.

هنا بعض النقاط الأساسية:

أولاً، منطق الدولة إذ كان من المنتظر أن تقوم قوات “الهيئة” وميليشياتها باقتحام منطقة الساحل وبلداتها، لكن السؤال هو لماذا لم يتم ذلك عبر اتفاق بل عبر عملية عسكرية؟

ثانياً، بعد حدوث هذه المجازر الدموية كيف يمكن للسلطة المركزية أن تعيد بناء الثقة مع أهالي تلك المناطق. هل هذا ممكن؟ لماذا لم تقُم السلطة بعمليات مماثلة لإعادة الوحدة مع مناطق الشمال الشرقي؟ هل لأن تلك المناطق لها قوة عسكرية على الأرض وأية محاولة تقدم ستتحول إلى حرب طاحنة؟ والمنطق نفسه ينطبق على المناطق الجنوبية حيث لمحافظة السويداء قوة عسكرية ومن ورائها الجيش الإسرائيلي.

والنقطة المهمة الأخرى أن عدداً من الدول العربية اعترفت بالسلطة الجديدة وبصورة واضحة، ولكن الأحداث الدموية في مناطق العلويين تطرح سؤالاً حول هذه العلاقات. فهل تقوم الدول التي اعترفت بسلطة دمشق بالضغط عليها لكي تطلق تحقيقاً كبيراً حول ما حدث هناك أم إنها ستمتنع عن ذلك لعدم إحراج الدولة السورية العربية؟

وثمة نقطة مهمة، إذا نظم الأهالي في المناطق العلوية احتجاجات واسعة ضد ما جرى وطلبوا تدخل قوات دولية هل هناك حكومات بإمكانها أو لديها إرادة أن تتدخل عسكرياً لحمايه العلويين؟ حتى الآن لم نرَها، ولكن ذلك أيضاً سيخلق نوعاً من التردد الدولي في التعاطي مع الدولة السورية الجديدة.

أما في ما يتعلق بإسرائيل، فصدرت بعض الأصوات من المناطق العلوية مطالبة إياها بأن تحمي العلويين كما تحمي الدروز ولكن جغرافياً لن تساعد إسرائيل عبر وصولها إلى الشمال الغربي لبعده ولوجود دولة كاملة هي لبنان.

المعادلة الآن، لا سيما بعد الاتفاق الذي تم بين “قسد” و”هيئة تحرير الشام” هي تمكين الدولة السورية الجديدة لكي تخرج من الحرب وتنطلق إلى النهوض الاقتصادي، إلا أن الجرح الذي فتح في اللاذقية وبانياس وطرطوس لا بد من أن يأتي أحد لتضميده.

كنا اقترحنا في الماضي أن تقوم السعودية برصيدها السياسي والدبلوماسي الكبير بدعوة الأطراف إلى اللقاء على أراضي المملكة والانطلاق بتصور جديد للمستقبل في سوريا، إلا أن أعمال العنف الهائلة التي حصلت على الساحل السوري قد تكون محفزاً لانطلاق مبادرة كهذه من قبل الرياض. فهل هناك أمل في أن يحصل ذلك؟

في سوريا الآن ثلاث ديناميكيات، الأولى التي بعثت ببعض الأمل ولكنه محدود هي الاتفاق بين الأكراد و”الهيئة” ومحاولة تخفيف التشنج بين الجنوب السوري ومجموعاته الدرزية والسلطة في دمشق، إلا أن نتائج ما حصل في مناطق العلويين أثرت في الأوساط الدولية لتطالب بالتحقيق بما جرى في الساحل من ناحية ومبادرات دولية وعربية قد تخفف التوتر من ناحية أخرى.

وإذ نختم هذه المقالة وقعت “قسد” و”الهيئة” على اتفاق الدمج لقواتها العسكرية، فهل سيطالب المجتمع الدولي باتفاقات مماثلة مع العلويين والدروز؟ سنرى.

——————————–

مظلوم عبدي.. 3 عقود من التلون، فمن هو قائد قوات سوريا الديمقراطية؟

عربي بوست

2025/03/14

لم تكن مجرد صورة عابرة تلك التي جمعت أحمد الشرع، الرئيس السوري المؤقت، ومظلوم عبدي، قائد قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، في قصر الشعب بدمشق، وهما يوقعان “اتفاقاً هاماً” ينهي سنوات طويلة من الصراع المسلح الذي أدارته قوات سوريا الديمقراطية الكردية ضد الدولة السورية، انطلاقاً من منطقة شمال شرق البلاد.

فهذه الصورة، التي التقطت للحظة المصافحة بين الرجلين، حازت اهتمام الكثيرين، حتى أولئك غير السوريين، وهو ما ظهر بوضوح على وسائل التواصل الاجتماعي. ولم لا، فلقاء الطرفين ما كان أحد يتوقعه قبل ثلاثة أشهر من الآن، منذ سقوط حكم بشار الأسد، وربما لم يكن يتخيله حتى أكثر الحالمين بمستقبل سوريا الجديد.

ربما بدا المشهد للبعض تغييراً جذرياً في مواقف مظلوم عبدي، لكنه بالنسبة للبعض الآخر لم يكن مفاجئاً، فقد عُرف بأنه يتقن اللعب على التناقضات وتغيير ولاءاته متى دعت الحاجة.

الباحث عن الصدام

لم يتهرب مظلوم عبدي من الإجابة بصراحة حين سُئل في أحد الحوارات الصحفية قبل أيام عن تأخره في تهنئة الرئيس السوري أحمد الشرع بنجاح الثورة السورية وتنصيب الأخير رئيساً مؤقتاً لسوريا، فذكر أن التأخير سببه عدم دعوة الشرع قسد إلى حفل التنصيب، ليضع عبدي نفسه في “مركز الندية” مع الرئيس الجديد لسوريا، بحسب ما رآه بعض المتابعين.

ربما تكشف هذه الإجابة عن الكثير من طبيعة الرجل ونمط تفكيره، وتلقي الضوء على غايته من الصراع، سواء داخل سوريا أو في علاقته المتوترة مع تركيا. فبمعرفة مسار حياته السياسي، ربما سندرك أنه رجل لا يسعى إلى مجرد الاندماج في المشهد السياسي، بل يحرص على انتهاز الفرص للبحث عن موقع كفاعل لا يمكن تجاوزه.

نشأة متقلبة وهوية متغيرة

نشأ فرهاد عبدي شاهين، أو مظلوم عبدي كما هو معروف في وسائل الإعلام، وسط بيئة مليئة بالصراع، فرضت عليه التنقل بأسماء مستعارة، ليس فقط داخل سوريا، بل حتى خارجها. هذه الحياة المتعددة صنعت عقليته الصدامية والمتلونة أيضاً، التي لم تكن مجرد سلوك عسكري، بل نهجاً سياسياً متكاملاً.نشأ فرهاد عبدي شاهين، أو مظلوم عبدي كما هو معروف في وسائل الإعلام، وسط بيئة مليئة بالصراع، فرضت عليه التنقل بأسماء مستعارة، ليس فقط داخل سوريا، بل حتى خارجها. هذه الحياة المتعددة صنعت عقليته الصدامية والمتلونة أيضاً، التي لم تكن مجرد سلوك عسكري، بل نهجاً سياسياً متكاملاً.

إذ كان قادراً على التحرك تحت أسماء حركية عديدة، مثل مظلوم عبدي، مظلوم كوباني، شاهين جيلو، والخال جيلو. لم تكن هذه الأسماء مجرد وسائل للحماية الأمنية، بل تعبيراً عن قدرة الرجل على التلون وفق مقتضيات اللحظة.إذ كان قادراً على التحرك تحت أسماء حركية عديدة، مثل مظلوم عبدي، مظلوم كوباني، شاهين جيلو، والخال جيلو. لم تكن هذه الأسماء مجرد وسائل للحماية الأمنية، بل تعبيراً عن قدرة الرجل على التلون وفق مقتضيات اللحظة.

إذا كان ثمة خيط ناظم في مسيرة عبدي، فهو قدرته على القفز بين المواقع، بدءاً من انخراطه المبكر في حزب العمال الكردستاني (PKK)، مروراً بقيادته لـقسد، وانتهاءً بتفاوضه مع الحكومة السورية. هذه المرونة جعلته لاعباً محورياً في شمال وشرق سوريا، حيث نسج تحالفات متضادة، تارة مع الولايات المتحدة بحثاً عن دعم عسكري، وتارة أخرى مع دمشق للحفاظ على مصالحه السياسية.

حزب العمال.. من الوئام إلى القطيعة مع سوريا

منذ وقت مبكر، انضم مظلوم عبدي إلى حزب العمال الكردستاني (PKK) في سوريا عام 1990، ليكون جزءاً من حالة الصراع مع تركيا، والتي بطبيعة الحال ألقت بظلالها على علاقة الحزب بسوريا.

وقد تميزت علاقة حزب العمال الكردستاني (PKK) بسوريا بالتقلبات الشديدة. فبالتطرق إلى موقف مظلوم عبدي من ذلك، فقد شهدت العلاقة بين الحزب والنظام السوري تغيرات حادة، حيث انتقلت من مرحلة الدعم إلى مرحلة القطيعة والملاحقات الأمنية، خاصة مع تنامي الضغوط التركية على دمشق.

انضم مظلوم عبدي إلى حزب العمال الكردستاني عام 1990، في وقت كانت فيه العلاقة بين الحزب والنظام السوري تمر بمنعطف حساس. على مدار عقود، شهدت هذه العلاقة تقلبات حادة، انتقلت من التحالف الوثيق إلى القطيعة والملاحقات الأمنية، مع تزايد الضغط التركي على دمشق.

خلال الثمانينيات، دعم النظام السوري حزب العمال الكردستاني واستخدمه كورقة ضغط ضد أنقرة، التي كانت على خلاف مع دمشق بسبب ملفات حساسة، أبرزها مياه الفرات والسيطرة على لواء إسكندرون.

في الفترة ما بين 1980 وحتى 1990، بدت العلاقة بين حافظ الأسد وحزب العمال الكردستاني في أوجها، وكأنها شهر عسل سياسي بين الطرفين. فقد منح الأسد عبد الله أوجلان، زعيم الحزب، ملاذاً آمناً في سوريا ولبنان، حيث أقام في معسكرات البقاع تحت الحماية السورية. وصارت تلك المعسكرات نقطة انطلاق لعمليات الحزب ضد تركيا، مما أدى إلى تصاعد التوترات بين دمشق وأنقرة.

لكن هذه العلاقة لم يكن مقدراً لها أن تستمر. فمع دخول التسعينيات، بدأت أنقرة تضيق الخناق على دمشق، مطالبة بإنهاء الدعم لحزب العمال. تصاعد الضغط التركي حتى بلغ ذروته في أواخر العقد، حين هددت أنقرة بتدخل عسكري مباشر إذا لم تتخلَّ سوريا عن أوجلان.

في عام 1998، جاء الحل على شكل اتفاق أضنة، الذي وضع حداً للتحالف بين الأسد والحزب. بموجب الاتفاق، طُرد أوجلان من سوريا، ليصبح هارباً من دولة إلى أخرى حتى وقع في قبضة الاستخبارات التركية عام 1999.

بعد طرده، لم تكتفِ دمشق بالتخلي عنه، بل فتحت أبواب المواجهة مع حزبه، فبدأت حملة ملاحقات واعتقالات شملت العديد من كوادر الحزب، وكان من بين المعتقلين مظلوم عبدي، الذي سيصبح لاحقاً أحد أبرز وجوه المشهد في الحرب الأهلية السورية.

لكن الحزب حاول إعادة ترتيب صفوفه، وبسبب ضعفه في سوريا نتيجة الضغوط من جانب حافظ الأسد، اضطر إلى تحويل نشاطه إلى جبال قنديل في العراق. وبعد خروج مظلوم عبدي من السجون السورية، اتجه إلى مقر الحزب الجديد في جبال قنديل، لتستمر حالة القطيعة بين حزب العمال الكردستاني والنظام السوري حتى اندلاع الثورة السورية في عام 2011.

العلاقة مع عبدالله أوجلان واستهداف تركيا

بطبيعة الحال، كان زعيم حزب العمال الكردستاني في هذه الفترة هو عبدالله أوجلان، وبعد انضمام مظلوم عبدي إلى الحزب، نشأت بينهما صداقة قوية، خاصةً وأن نشاط الحزب كان يتركز في سوريا آنذاك، حيث ترافقا معاً في مراحل عديدة. فكان عبدي في تلك الفترة كادراً سياسياً نشطاً بين أكراد سوريا المؤيدين للحزب، قبل أن ينتقل إلى أدوار أكثر عسكرية في مواجهة تركيا.

لم يكن عبدي مجرد ناشط سياسي، بل كان جزءاً من تحول الحزب نحو العمل المسلح ضد تركيا. فبعد انقلاب كنعان إفرين في 1980، لجأ أوجلان إلى سوريا، حيث حصل على دعم النظام السوري، وبدأ في إعادة تنظيم صفوف الحزب ليكون جاهزاً للمواجهة.

وفي عام 1984، أطلق الحزب أولى هجماته المسلحة ضد تركيا، مستهدفاً مراكز أمنية تركية في مدينتي سيرت وهكاري جنوب شرق البلاد، مما أسفر عن مقتل عدة جنود أتراك. وردّت أنقرة بحملة عسكرية شاملة ضد معاقل الحزب، لتبدأ بذلك حرب طويلة بين الطرفين.

مع تصاعد القتال في التسعينيات، كثّف الحزب عملياته، مستهدفاً القرى والمواقع العسكرية التركية، بينما أطلقت أنقرة عمليات واسعة النطاق ضد معاقل الحزب في المناطق الجبلية العراقية. وقد كان مظلوم عبدي خلال هذه الفترة أحد قادة الحزب الذين يديرون الصراع مع الدولة التركية من الأراضي العراقية.

رحلة عبدي إلى أوروبا

استمر الصدام بين مظلوم عبدي، الذي كان جزءاً من حزب العمال الكردستاني في تلك الفترة، وتركيا حتى سافر عبدي إلى أوروبا بحجة العلاج، لكنه استغل الفرصة لزيارة كل من ألمانيا وهولندا وإيطاليا، حيث كان يتنقل باسم مستعار وهو شاهين سيلو.

كانت هذه الرحلة نقطة مفصلية في مسيرة عبدي، حيث وطّد علاقاته بالأوروبيين، مما ساهم في تعزيز نفوذه السياسي. وبعد خمس سنوات من النشاط السياسي في أوروبا، قرر العودة مرة أخرى إلى العراق، ليستأنف نشاطه المسلح ضد تركيا.

العودة إلى العراق

كانت رحلة مظلوم عبدي إلى أوروبا قد استمرت خمس سنوات، بهدف العمل في المسار السياسي الكردي من داخل أوروبا، حيث تمكن خلالها من بناء علاقات قوية بين الأكراد والغرب. ومع انتهاء هذه الفترة، قرر العودة مرة أخرى.

بعد انتهاء رحلته في أوروبا، عاد مظلوم عبدي إلى مقر ارتكاز الحزب في بلدة مخمور العراقية ذات الأغلبية الكردية عام 2003، والتحق بالحزب مجدداً، واتخذ من جبال قنديل عند الحدود التركية-العراقية-الإيرانية قاعدةً عسكرية له.

استمر نشاطه العسكري في الحزب، وتم تعيينه لاحقاً مسؤولاً عن قوات العمليات الخاصة في وحدات حماية الشعب الكردية (YPG). وفي عام 2009، كُلّف بالإشراف على قوات العمليات الخاصة التابعة للحزب، لكن مع اندلاع الثورة في سوريا، وجد عبدي الفرصة سانحة للعودة إلى سوريا، ولكن هذه المرة ليس كعضو في حزب العمال فحسب، بل كطرف يسعى لفرض نفسه على المشهد الجديد.

فعاد إلى سوريا واستغل حالة الفوضى ليعيد تموضعه عسكرياً، متحالفاً مع قوى مختلفة، من بينها نظام الأسد، وفق مصالحه، ليبدأ مرحلة جديدة من صراعه مع تركيا. ولكن هذه المرة، كان الصراع من داخل الأراضي السورية، تحت غطاء جديد، ومع شبكة تحالفات أكثر تعقيداً.

انتهازيته وموقفه من الثورة السورية

كانت هذه الفترة تشهد “خلافاً مكتوماً” بين نظام الأسد وحزب العمال الكردستاني، الذي كان على رأسه مظلوم عبدي، لكن محاولة بشار الأسد إنهاء الثورة السورية دفعته إلى التقارب مع عبدي، الذي رأى في ذلك فرصة لإعادة التمركز داخل سوريا والانطلاق نحو تركيا لاستهداف أمنها القومي.

في الوقت الذي كانت فيه سوريا تغرق في أتون الثورة عام 2011، كان مظلوم عبدي يعمل على استغلال الظروف لصالحه، متخلياً عن أي مبادئ ثابتة أو ولاءات طويلة الأمد. ورغم الخلاف المكتوم بين حزب العمال الكردستاني ونظام الأسد، خاصةً بعد القمع الذي تعرض له الحزب في الماضي، إلا أن الوضع الثوري قدّم لعبدي فرصة جديدة.

وبينما كان نظام بشار الأسد يحاول قمع الثورة السورية بكل الوسائل، وجد عبدي نفسه أمام فرصة ذهبية لإعادة تموضعه داخل سوريا. ولم يكن تحركه هذا بدافع أيديولوجي أو دعماً للثوار، بل كان بهدف استعادة نفوذه العسكري والسياسي في سوريا، مع التركيز على استهداف تركيا.

قام مظلوم عبدي بالتنسيق مع نظام الأسد، وسعى للتعاون معه في قمع الثورة السورية. وبالفعل، سمح بشار الأسد لحزب العمال الكردستاني بالعمل مجدداً داخل سوريا، ليحقق له هذه الغاية.

لم يكن هدف عبدي دعم الثورة، بل كان يسعى إلى استغلال الأزمة لصالحه. فقام بالاشتراك مع قيادات كردية أخرى بتأسيس وحدات حماية الشعب الكردية (YPG)، التي سيطرت على المناطق ذات الأغلبية الكردية.

لم تكن هذه الوحدات مجرد قوة محلية، بل تحولت سريعاً إلى الذراع العسكري لحزب الاتحاد الديمقراطي (PYD)، الذي تعتبره تركيا الواجهة السورية لحزب العمال الكردستاني. وبموافقة نظام الأسد، استطاع عبدي أن يرسّخ وجوده، مستخدماً شعارات براقة عن “الإدارة الذاتية”، بينما كان عملياً يخدم أجندة تخدم مصالحه الشخصية وتتماشى مع أهداف الأسد في إضعاف المعارضة السورية.

تحالفاته الدولية وتوسيع نفوذه

لم يكتفِ مظلوم عبدي بقمع الثورة السورية بالتنسيق مع بشار الأسد، بل وسّع دائرة تحركاته، متنقلاً بين القوى الدولية وفقاً لمصالحه، ليعمل على توسيع دائرة تحالفاته.

ففي عام 2014، قاد عبدي مفاوضات في السليمانية، جمع خلالها إيران والولايات المتحدة—عدوين تقليديين—وخرج من هذه المفاوضات باتفاق شراكة مع واشنطن، التي كانت تبحث عن قوة محلية لمواجهة داعش.

في أعقاب هذه المفاوضات، أسس عبدي قوات سوريا الديمقراطية (SDF)، التي تولى قيادتها مباشرة، وأصبحت الذراع العسكرية الجديدة له.

ضمت هذه القوات ما بين 45 ألفاً و100 ألف مقاتل وفق تقديرات متباينة، وكانت في جوهرها امتداداً لحزب العمال الكردستاني، حتى وإن اتخذت طابعاً جديداً تحت رعاية أمريكية.

الغاية تبرر الوسيلة

كانت رغبة مظلوم عبدي طيلة الوقت مواجهة الحكومة التركية، وذلك في ظل تنسيقه مع نظام بشار الأسد، فلم تعد له أي جهة “تعاديه” سوى الحكومة التركية. وقد “تشبّع الرجل” ببراغماتية وانتهازية واضحة.

في عام 2014، وأثناء ذروة الحرب ضد تنظيم داعش، وجد عبدي الفرصة المناسبة لإعادة ترتيب أوراقه على الساحة. جلس على طاولة واحدة مع إيران والولايات المتحدة—عدوين تاريخيين—وتفاوض مع كليهما من أجل تأسيس قوات سوريا الديمقراطية (SDF)، تحت ستار محاربة داعش في مدينة كوباني.

في 10 أكتوبر/تشرين الأول 2015، أعلن مظلوم عبدي رسمياً عن تأسيس قوات سوريا الديمقراطية خلال اجتماع في مدينة القامشلي شمالي سوريا. لم تكن هذه القوات سوى إعادة تدوير للفصائل المسلحة التابعة له، لكنها جاءت تحت مسمى جديد وبحلة أكثر قبولاً دولياً، خاصةً بعد الدعم الأمريكي الواسع.

وضمت هذه القوات تنظيمات مسلحة أخرى، منها:

    التحالف العربي السوري

    جيش الثوار

    غرفة عمليات بركان الفرات

    قوات الصناديد

    تجمع ألوية الجزيرة

    المجلس العسكري السرياني

    وحدات حماية الشعب الكردية

    وحدات حماية المرأة الكردية

رفض تركي لنشاط مظلوم عبدي الجديد

كانت خطوة إنشاء قوات سوريا الديمقراطية برعاية النظام السوري وبقيادة مظلوم عبدي في عام 2015 مثار رفض كامل من جانب تركيا، التي رأت فيها امتداداً مباشراً لحزب العمال الكردستاني (PKK)، المصنف لديها كمنظمة إرهابية.

فبالنسبة لأنقرة، لم يكن هذا التحرك مجرد تشكيل جديد في المشهد السوري، بل تهديداً مباشراً للأمن القومي التركي، إذ اعتبرت أن وجود قسد على حدودها يشكل خطراً استراتيجياً. ولهذا، استهدفت تركيا قوات سوريا الديمقراطية، وقامت بالرد عليه بعدة عمليات عسكرية، كان أبرزها:

    عملية “درع الفرات” (2016): لطرد داعش ومنع توسع قسد غرب نهر الفرات.

    عملية “غصن الزيتون” (2018): ضد قسد في عفرين، انتهت بسيطرة تركيا على المنطقة.

    عملية “نبع السلام” (2019): للسيطرة على مدينتي رأس العين وتل أبيض وإنشاء منطقة آمنة.

الرغبة في التفاهم مع تركيا

بعد ذلك، حاول مظلوم عبدي من جديد ممارسة نهجه الانتهازي، عبر إلقاء “حبال الود” تجاه الجانب التركي. ففي أكتوبر/تشرين الأول 2024، وخلال مقابلة مع وكالة أسوشييتد برس، دعا عبدي إلى التفاوض مع تركيا، مطالباً الوسطاء الدوليين بمواصلة الضغط من أجل التوصل إلى حلول دبلوماسية مع أنقرة.

وقال عبدي وقتها: “نحن منفتحون على الحوار مع جميع الأطراف، بما في ذلك تركيا، حتى لو استمرت هجماتها”.

بدا هذا الموقف تحولاً تكتيكياً، لكنه في جوهره لم يكن سوى محاولة لإعادة تموضع سياسي، بعدما أدرك أن استمرار المواجهة العسكرية لن يحقق له مكاسب طويلة الأمد.

فعبدي، الذي ظل لعقود في صراع مع تركيا، وجد نفسه أمام حقيقة مفادها أن القوة وحدها لن تحمي مشروعه، فحاول إعادة تسويق نفسه كطرف “منفتح على الحوار”، في محاولة لتخفيف الضغط العسكري والسياسي عليه.

لكن في المقابل، رفضت تركيا هذه “الدعوات غير البريئة” من جانبه، ودعت إلى تسليمه لها لكي تقوم بمحاكمته، حيث يحتل عبدي المرتبة التاسعة في قائمة المطلوبين لدى الحكومة التركية، مع مكافأة قدرها 9 ملايين ليرة تركية لمن يدلي بمعلومات تؤدي إلى اعتقاله.

يريد دولة علمانية وعدم خروج أمريكا من سوريا!

لا يخفي مظلوم عبدي أفكاره التي يتبناها، بل يحرص في كل لقاءاته الإعلامية على الترويج لها، مستغلاً أي فرصة إعلامية لإبراز موقفه.

في فبراير/شباط 2025، وخلال لقاء مع وكالة أسوشييتد برس، عبّر بوضوح عن دعمه لإقامة دولة علمانية ومدنية ولامركزية في سوريا، وذلك بعد الإطاحة الأخيرة بنظام الأسد، الذي كان حليفاً له في السابق.

بينما تحكم قواته (قسد) أغنى مناطق سوريا بالثروات، إلا أنها أيضاً أكثرها افتقاراً للبنى التحتية ومقومات الحياة، حيث تفتقد إلى:

    العدالة

    الأمن

    عدالة التمثيل السياسي

    تقديم الخدمات الأساسية

    مراعاة أولويات التنمية الحقيقية

فالآن، وبعد وصول المعارضة إلى الحكم، يرى عبدي أن المستقبل السياسي لسوريا يجب أن يكون غير ديني وغير مركزي، مع تعامل متساوٍ مع جميع المكونات الدينية والعرقية، بما يشمل المسلمين السنّة، والمسيحيين، والعلويين، والدروز، والإيزيديين، والعرب، والأكراد، والتركمان، والأرمن.

ولا يرى عبدي تناقضاً بين هذه الدعوات التي يطرحها ورغبته في استمرار النفوذ الأمريكي في سوريا، حيث شدد خلال المقابلة على أن القوات الأمريكية يجب أن تبقى في سوريا، بحجة أن انسحابها سيؤدي إلى عودة تنظيم داعش، ما سيهدد أمن المنطقة بأسرها.

وقال عبدي، في إشارة إلى المسلمين السنّة الذين يشكلون الأغلبية في البلاد: “سوريا مختلطة وليست مكونة من السنّة فقط، فهناك هويات أخرى”. وأضاف أن أكراد سوريا لا يريدون الانفصال عن البلاد أو إقامة حكومة وبرلمان مستقلين، كما هو الحال في شمال العراق. وأوضح أن شعب شمال شرق سوريا يريد إدارة شؤونه المحلية في دولة لامركزية.

لقاؤه الأول مع أحمد الشرع

مع التغيرات السياسية في سوريا، ووصول أحمد الشرع إلى السلطة كرئيس انتقالي، بات واضحاً أن مظلوم عبدي يسعى لإيجاد صيغة تضمن بقاء نفوذه داخل البلاد. وبالنسبة إلى القيادة السورية الجديدة، كان ملف قوات سوريا الديمقراطية (قسد) أحد التحديات الكبرى، ما دفع الشرع إلى فتح قنوات الحوار مع عبدي في محاولة لإيجاد حل لهذا الملف.

وكان اللقاء الأول بين الطرفين في ديسمبر/كانون الأول 2024، حيث بدأت المفاوضات بوساطة أطراف لم يكشف عنها عبدي. ليأتي بعدها إعلان من جانب الرئاسة السورية يوم الاثنين 10 مارس/آذار 2025، مفاده أن الرئيس الانتقالي أحمد الشرع وقائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي وقّعا اتفاقاً يقضي “بدمج” كافة المؤسسات المدنية والعسكرية التابعة للإدارة الذاتية الكردية في إطار الدولة السورية.

عربي بوست

—————————

 المجلس الوطني الكردي يرفض الإعلان الدستوري السوري

2025.03.14

أعلن المجلس الوطني الكردي في سوريا، رفض الإعلان الدستوري الذي صدق عليه الرئيس السوري أحمد الشرع أمس الخميس، معتبراً أنه مخيب للآمال وغير متوافق مع التطلعات نحو بناء دولة ديمقراطية تعكس التنوع الحقيقي للمجتمع السوري، على حد وصفه.

وأكد المجلس، في بيان

اليوم الجمعة، أن الإعلان “أُعد من قبل لجنة لا تمثل كافة المكونات السياسية والقومية والدينية في سوريا، مما أفقده الشمولية والتوافق الوطني”، مشيراً إلى أنه “كرس نهج الإقصاء والاستئثار بالسلطة”.

وأضاف أن الإعلان تجاهل الطبيعة التعددية للبلاد وهويتها كدولة متعددة القوميات والأديان، ولم يضمن حقوق المكونات القومية والدينية، بل ثبت هوية قومية واحدة في تسمية الدولة.

كما انتقد المجلس إبقاء الاشتراطات الدينية في الإعلان، بما في ذلك اشتراط دين رئيس الجمهورية، “مما يتعارض مع مبدأ المواطنة المتساوية في أي نظام ديمقراطي”، على حد تعبيره.

ودان المجلس أيضاً تعزيز النظام المركزي ومنح رئيس الجمهورية صلاحيات واسعة، من دون وجود ضمانات للفصل بين السلطات، محذراً من إعادة “إنتاج الاستبداد بصيغ جديدة”.

كما أشار إلى أن الإعلان تضمن قيوداً على الحريات المدنية والفردية، وأكد أن دور المرأة تم تحديده بشكل ضيق فقط في الحفاظ على مكانتها الاجتماعية.

وفيما يتعلق بالمرحلة الانتقالية، اعتبر المجلس أن تحديدها بخمس سنوات من دون ضمانات لمشاركة عادلة يجعلها “أداة لتكريس الواقع القائم بدلاً من أن تكون تمهيداً لتحول سياسي حقيقي”.

وأكد المجلس الوطني الكردي التزامه بالنضال من أجل حل ديمقراطي عادل للمسألة الكردية، داعياً إلى إعادة النظر في الإعلان الدستوري بما يحقق التعددية السياسية والقومية، ويضمن العدالة والمساواة لجميع مكونات المجتمع السوري.

الإعلان الدستوري في سوريا

وأمس الخميس، صدّق الرئيس أحمد الشرع على الإعلان الدستوري للجمهورية العربية السورية، والذي حدد فترة المرحلة الانتقالية بخمس سنوات.

واستهل الإعلان دستوره بمقدمة مطولة تستعرض “الحقبة السوداء” التي عاشها السوريون تحت حكم حزب “البعث” الشمولي لمدة ستة عقود، والتي شهدت احتكاراً للسلطة وقمعاً للحريات وتحويل القانون إلى أداة للاستعباد.

وتصف المقدمة ثورة الشعب السوري المطالب بالحرية والكرامة، والتي واجهها النظام بـ “القتل الممنهج، والتدمير الشامل والتعذيب الوحشي والتهجير القسري، والحصار الجائر، والاستهداف المباشر للمدنيين”، مؤكدة أن هذه الجرائم ترقى إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وجريمة إبادة جماعية.

وقالت لجنة صياغة الإعلان الدستوري إنه تقرر حصر السلطة التنفيذية بيد رئيس الجمهورية في المرحلة الانتقالية لضمان سرعة التحرك ومواجهة أي أحداث في تلك المرحلة.

ونصَّ الإعلان الدستوري المؤلف من 4 أبواب، على الفصل المطلق بين السلطات، وأكد على جملة من الحقوق والحريات الأساسية في البلاد، بينها حرية الرأي والتعبير، وحق المرأة في العمل والمشاركة.

كما ينص الإعلان الدستوري على أنه يحق للرئيس الانتقالي تعيين ثلث أعضاء مجلس الشعب الذي سيتولى العملية التشريعية كاملة وبشكل منفرد.

——————–

الرئيس الشرع في مواجهة الامتحان الأصعب/ عبد القادر المنلا

2025.03.14

لا يزال اللصوص والقتلة من بقايا فلول الأسد يحلمون باستعادة السلطة المافيوية التي أسست لها عصابة آل الأسد، وأتاحت لهم الفرصة ليعيشوا شهر عسل استمر لأكثر من خمسين عاماً، استطاعوا خلالها نهب سوريا والسوريين، وإفقارهم، وإذلالهم، والتكسب على حساب حقوقهم في العيش بكرامة، أو حتى بالحدود الدنيا من الكرامة.

لم يستوعب اللصوص أنهم لم يعودوا قادرين على النهب والقتل والتسلط، ولم يستوعبوا أن يتحولوا إلى مواطنين عاديين بعد أن عاشوا لعقود يعتقدون بأنهم سادة على غيرهم، وأن السوريين مجرد عبيد لهم وخدم عندهم.

وبعد سقوط النظام، هرب الكثير منهم إلى خارج القطر، وتوارى بعضهم في الداخل السوري متخفين بجناحي حمامة سلام ووداعة. وبعد أن ضمنوا سلامتهم، استفاقت شهوة السلطة لديهم من جديد، وبدؤوا بالاتفاق مع الهاربين خارج القطر، يخططون للعودة من بوابة بعض التجاوزات والأخطاء، التي لم تكن في البداية سوى بعض الإهانات اللفظية والملاسنات الكلامية التي وجهها أفراد غير منضبطين للمواطنين، وتحديداً من الطائفة العلوية، مما أثار تذمراً لدى هؤلاء المواطنين.

ولكن فلول العصابة استخدموا تلك الأخطاء ذريعة للتحريض ضد الإدارة الجديدة، ومن ثم إشعال ثورة مضادة بقيادة اللصوص والقتلة أنفسهم، إلى أن تطورت الأحداث على النحو الذي آلت إليه في الأيام السابقة.

زجّت الفلولُ سوريا في مأزق أدى إلى منعطف حاد وخطير للغاية، من شأنه أن يدمر أحلام السوريين بمستقبلهم، الذي كان وجود الأسد عائقاً أمام تحقيقه.

وبعد رحيل الأسد، تبين أن عملية إسقاط النظام لم تكن متكاملة وكافية لإزاحة ذلك العائق، وكان لا بد من اقتلاع النظام من جذوره قبل الإعلان عن ولادة الدولة الجديدة.

وقد بات واضحاً بعد سلسلة الأحداث الأخيرة في الساحل السوري والمشهد الميداني المعقد، أن الرئيس أحمد الشرع يقف في مواجهة أصعب امتحان قبل أن يكمل ثلاثة أشهر من توليه منصب رئيس الجمهورية. فإلى جانب ملف “قسد” وتهديدات إسرائيل ومحاولاتها زرع الفتنة بين السوريين، والوضع الاقتصادي الصعب، والعقوبات التي لا تزال مفروضة على سوريا رغم سقوط المجرم الذي تسبب بفرضها، تأتي قضية الفلول لتزيد المشهد تعقيداً، وتجرّ القيادة الجديدة إلى استخدام السلاح من جديد ضد تلك الفلول. ولكن استخدام السلاح سيضع الدولة باستمرار في موقع الدفاع عن قرارها، ولا سيما في ضوء التشكيك والإشاعات والاتهامات التي تنتشر كالنار في الهشيم، ويستغلها الفلول لبناء مظلومية عليها.

غير أن الامتحان الأصعب يأتي من بعض الفصائل أو بعض الأفراد المحسوبين عليها، والمنتمين إلى الإدارة الجديدة، الذين يرتكبون انتهاكات تم الاعتراف بها رسمياً من قبل الحكومة. والمشكلة الأخطر ليست في نشر فيديوهات عن تلك الانتهاكات فحسب، بل في تبنّيها والافتخار بها من قبل مرتكبيها، وتصديرها على أنها أعمال بطولية. صحيح أن ثمة الكثير من التلفيق والمبالغة والفبركة، ولكن لا يمكن نفي الأصل الذي تستند إليه الفلول في تضخيمه، مما يضع القيادة في حرج شديد، ويمتحن قدرتها على معالجة هذه القضية، بحيث تصل إلى تحقيق العدالة التي وُعد الشعب السوري بها بجميع أطيافه. وتلك مهمة شديدة الدقة والتعقيد، في ظل الاضطرابات السائدة وضياع جزء كبير من الحقيقة وسط أصوات الرصاص وصوت الشائعات التي لا تتوقف.

وإذا أردنا أن نضع الأمور في نصابها الصحيح، فلا بد من التأكيد على أن ما فعلته فلول النظام والمحرضون التابعون لهم، كان السبب الأساسي لتداعيات الأحداث التي وصلت إلى حالة التصعيد الأخيرة والنتائج الكارثية التي ترتبت عليها. فقد فسّرت تلك الفلول حالة التسامح التي أبدتها الحكومة الجديدة بالضعف، ووجدت فيها فرصة استثنائية لمحاولة استعادة السلطة التي فقدتها.

كانت المحاولة تهدف إلى الإطاحة بالدولة الجديدة في حال نجاحها، وفي حال فشلها، فهي ستنجح في إثارة الفوضى بالحد الأدنى، نكايةً بالسوريين وثورتهم ونصرهم. فالفلول هم ذاتهم أصحاب مقولة “الأسد أو نحرق البلد”، هؤلاء هم مشعلو الحرائق الذين لم يرتووا من حرائق الأعوام الأربعة عشر السابقة، ولا يزالون مصرين على حرق ما تبقى، وحرق مكتسبات الشعب، وحرق مستقبله.

في هذا السياق، لا بد من التذكير بأن تلك الانتهاكات لبعض الفصائل أو الأفراد المحسوبين على الدولة، ستقدم خدمة كبيرة لفلول النظام وروايتهم وأجندتهم، وستشارك في إرباك المشهد وتعقيد مهمة الدولة فيما يتعلق بقضية السلم الأهلي.

لقد بات الاستقطاب والتحريض عنوانين أساسيين للمرحلة الحالية، وبدأت الفجوة تتسع بين الدولة السورية والكثير من أبناء الطائفة العلوية. وقد ظهر الرئيس الشرع في خطابين، يعيد من خلالهما التأكيد على السلم الأهلي، ومحاسبة مرتكبي الانتهاكات، وتشكيل لجان عليا للمتابعة، وهذا هو بالضبط ما ينتظره السوريون. ولكن ترجمة تلك الأقوال إلى واقع وبأسرع وقت ممكن، هو ما سيقطع الطريق على الفلول ومناصريهم وداعميهم. وهنا، تبدو محاسبة مرتكبي الانتهاكات لا تقل أهمية عن ملاحقة الفلول، وأي تأخر في وقف الانتهاكات التي تتم ضد المدنيين الأبرياء من الطائفة العلوية وغيرها من المكونات السورية، سيلعب دوراً كبيراً في صب المزيد من النار على الزيت، وسيعرض مصداقية الرئيس للتشكيك، رغم كل ما أبداه من توازن وعدل وخطاب وطني واعٍ وحريص.

حين بدأ التحرك نحو حلب في العملية التي أطلق عليها “ردع العدوان”، لم يكن الكثيرون يعلمون من هم إدارة العمليات العسكرية. وسرعان ما تم الكشف عن أفراد تلك الإدارة وقيادتها، ليتضح أنها هيئة تحرير الشام ذاتها، التي لم يكن السوريون حينها يثقون بوطنيتها، ويعدونها مشروعاً إسلامياً بحتاً. الأمر الذي لم يجعلهم متحمسين لتلك العملية، بسبب خوفهم من فتح جبهة طاحنة مع قوات النظام وحلفائها من الإيرانيين والروس، وعودة الحرب التي لا يعرف أحد كم ستستغرق، ولا إلى متى قد تدوم، بكل ما تحمله من نتائج كارثية.

ومع نجاح إدارة العمليات بتحرير حلب دون دماء، ومن ثم تقدمها إلى حماة فحمص، إلى أن وصلت إلى دمشق، باتت الهيئة تحتل موقعاً مختلفاً تماماً في وجدان السوريين. ومع دخولها إلى الساحل السوري دون انتقام أو ثأر، ازدادت ثقة السوريين بالإدارة، وباتت ليست المخلص فحسب، بل أيضاً الجهة الضامنة للعدالة واللحمة الوطنية. وبدأ النظر إلى الشرع على أنه البطل المحرر، والقادر على منع أنهار الدم والمذابح بحق العلويين، التي كانت متوقعة في حال سقوط النظام. وقد اعتبر السوريون دخول الساحل بلا دماء معجزة لا تقل شأناً عن معجزة التحرير.

لم يتأخر الرئيس بالخروج بعد سلسلة الأحداث الدامية، وقام بخطوات هامة تمثل المنهج النظري للحل، ولكن الاختبار الهام يكمن في آلية تطبيق هذا المنهج. فالمطلوب اليوم هو سرعة محاسبة مرتكبي الانتهاكات، والتي يجب أن تكون متوازية مع محاربة الفلول، وربما يجب إعطاؤها الأولوية، لأن ما يفعله مرتكبو الانتهاكات يمثل الأرضية الخصبة للفلول في استقطاب وتعبئة الشارع العلوي، وتجييشه، وتحريضه ضد إدارة الشرع.

لقد خرج الأسد بعد اندلاع الثورة يبحث عن مبررات لقتل المتظاهرين والثوار، وتظاهر بأنه يفعل ما يمليه عليه واجبه الوطني. وربما كان طرحه النظري حينها مقبولاً دولياً ومحلياً، ولكن أفعاله كانت تناقض خطابه. لا يمكن للإدارة الجديدة بحال من الأحوال أن تتشابه من قريب أو بعيد مع الأسد في الطريقة والنتائج. واليوم، تتجه أنظار السوريين للرئيس الشرع، منتظرةً خطوات وإجراءات عاجلة وعادلة وصارمة بحق المخربين جميعاً، وعلى رأسهم مرتكبو الانتهاكات.

تلفزيون سوريا

——————————-

اتفاق الوحدة السورية: هل يقصّر الطريق لواشنطن؟/ حسن جابر

 تحديث 14 أذار 2025

 يمثل اتفاق الوحدة خطوة مهمة نحو إعادة تشكيل المشهد السياسي في سوريا، وقد يكون بوابة لانفتاح أميركي مشروط على دمشق

يمثل الإعلان عن التوصل لاتفاق بين الحكومة المركزية في دمشق، وقوات سوريا الديموقراطية “قسد” والهياكل الأخرى في شمال شرق سوريا؛ نقطة تحول حقيقية تحمل فرصاً واعدة إذا ما تم البناء عليها بما يتجاوز الاعتبارات المحلية في سوريا؛ أي في تحقيق اختراق دبلوماسي في الموقف الأميركي من دمشق، فالمفاوضات المضنية التي تمت بجهود كبيرة عبر القنوات الخلفية ما بين وفدي دمشق وقسد، أفضت للتوصل لصيغة مقبولة في أهم القضايا الخلافية التي كانت عالقة بين الطرفين، ومع وجود الضوء الأخضر الأميركي لإتمام الاتفاق تبعًا لتأثيرها الكبير في موقف قسد؛ قد يُمهد بذلك الطريق لاعتراف ضمني من واشنطن بالحكومة المركزية في دمشق، وبالرئيس الانتقالي أحمد الشرع، وهي فرصة جديدة لفتح آفاق لتفكيك حالة الانغلاق الأميركي على المشهد السوري الجديد، والتي ستصب في صالح سوريا ككل بحال تمت بمسار إيجابي.

تستدعي عدة قضايا رئيسية تكثيف العمل الدبلوماسي بهدف تليين الموقف الأميركي، والتعاطي بجدية أكبر مع الحكومة السورية في دمشق، ويظهر في مقدمة هذه القضايا التوغل الإسرائيلي في الجنوب السوري، بما يحمله من نوايا لإدامة حالة الهشاشة في سوريا على المدى المنظور. وتظهر الفرصة أمام سوريا وجوارها في اعتبار الاتفاق الجديد نقطة تباين بين الموقفين الأميركي والإسرائيلي، حيث يخالف الموقف الأميركي التوجهات الإسرائيلية التي طمحت كما يفهم لخلق تحالف أطراف ما بين قسد و”المجلس العسكري في السويداء”، بل راج الحديث مؤخرًا عن فكرة “ممر داوود” الذي يصل هذه الأطراف كجيب يعزل دمشق عن جوارها.

أما على المستوى الاستراتيجي بعيد الأمد، فإن تليين الموقف الأميركي، والتوصل لتفاهمات حول المسائل الرئيسية في سوريا سيفضي بطبيعة الحال إلى بحث مصير العقوبات الأميركية، والتي إن انخفضت تمهيدًا لرفعها ستنعكس مباشرة على العقوبات الأممية والأوروبية المفروضة على سوريا، خاصة أن العقوبات تعتبر التركة الأثقل التي خلفها نظام الأسد السابق لسوريا، كما رفعت من حدة معاناة الشعب السوري خلال سنوات الصراع، وتستمر تداعياتها حتى اليوم.

في هذا السياق، يمكن أن يؤدي نجاح الاتفاق المكتوب واتمام بنوده حتى نهاية العام الحالي إلى ارتفاع فرص الانفتاح الأميركي على دمشق، ويتوافق ذلك مع دوافع إدارة ترامب بعقد الصفقات وفق المنظور البراغماتي، والتحلل التدريجي من الوجود العسكري في الشرق الأوسط، وبذلك يتجه الحديث عن سوريا جديدة ذات سياسة خارجية توافقية، بعيدة عما عُرف سابقًا بمحور المقاومة، وبما قد يؤهلها من التحول لعامل تهدئة في الإقليم وليس كساحة صراع كالماضي.

في الختام، تتزايد الفرص الواعدة لمستقبل سوريا الجديدة، فمع استمرار حالة الإنهاك التي طالت كافة الأطراف المحلية والخارجية جراء سنوات الحرب في سوريا؛ ترتفع حظوظ تأييد التسويات والتفاهمات كبديل للصراع المستمر. ومع ذلك، لا يزال هناك استثناءات بارزة، خاصة في رؤية إسرائيل وإيران، اللتين لديهما مصالح استراتيجية تتعارض مع أي تحول إيجابي قد يُغير من الدور السوري كما هو متُصور مستقبلًا، والبوابة لذلك هي بعض المكونات المحلية التي تضررت من التغيير ومن ثم هذه التفاهمات بين دمشق وقسد، وبذلك قد تسعى عمليًا لعرقلة تنفيذ بعض بنود الاتفاق.

في الختام، يمثل اتفاق الوحدة خطوة مهمة نحو إعادة تشكيل المشهد السياسي في سوريا، وقد يكون بوابة لانفتاح أميركي مشروط على دمشق، في حين يبقى نجاح هذا المسار معتمدًا على مدى قدرة الحكومة السورية على إدارة التناقضات في المجتمع السوري، وتحقيق التوازن بين المسار السياسي والواقع الأمني، وتوسيع قاعدة الاشتباك الدبلوماسي خارجيًا؛ وهي معادلة دقيقة سيفضي نجاحها للمزيد من الاستقرار لسوريا الجديدة.

باحث أردني في معهد السياسية والمجتمع

النهار العربي

 ————————

===================

====================

عن التدخل الاسرائيلي السافر في سورية الجديدة، ملف تناول “شهية إسرائيلية لتفتيت سوريا” – تحديث 14-15 أذار 2025

تحديث 15 أذار 2025

————————

تحول حاد إزاء الإدارة الجديدة.. الشيخ حكمت الهجري البوصلة الدرزية المترددة محدث 14 مارس 2025/ زياد بركات

14 مارس 2025

ماذا يحدث في البيت الدرزي؟ وهل ثمة صراع يطفو على السطح بين المرجعيات الدرزية؟

تتجه الأنظار إلى السويداء التي تعتبر معقل الأقلية الدرزية السورية منذ سقوط نظام الرئيس السابق بشّار الأسد، فبعيد دخول قوات المعارضة السورية العاصمة دمشق في الثامن من ديسمبر/ كانون الأول الماضي، احتفل مئات المواطنين الدروز في ساحة الكرامة رافعين أعلام الثورة.

وما هي إلا أربعة أشهر أو أقل حتى قام مواطنون دروز غاضبون بإنزال العلم السوري من فوق مبنى محافظة السويداء، رافعين صور الشيخ حكمت الهجري الزعيم الروحي للدروز، وصورة الشيخ موفق طريف زعيم الدروز في إسرائيل، وهتفوا بسقوط الرئيس السوري الجديد أحمد الشرع.

في أثناء ذلك أصبح الهجري “بيضة القبّان” في ميزان المواقف التي قد تُتخذ بشأن مستقبل العلاقات بين الأقلية الدرزية في عمومها والسلطات السورية، من جهة وعلاقاتها مع إسرائيل من جهة أخرى.

ومن شأن أي موقف قد يتخذه بشأن إسرائيل في مقبل الأيام أن يؤثر على دروز العالم المنقسمين فعليًا إزاء إسرائيل ما بين مرجعية موفق طريف في إسرائيل، ومرجعية آل جنبلاط في لبنان.

سوريا موطن الأغلبية الدرزية

تقدّر أعداد الدروز في العالم ما بين 1،5 مليون – 1،8 مليون، يعيش ما بين (700 ألف – مليون) في سوريا، وما بين (350 – 400) ألف في لبنان، وحوالي 150 ألف في إسرائيل، ونحو 25 ألفًا في الأردن، و60 ألفًا في فنزويلا حيث تقيم أكبر جالية درزية في المهجر.

وتعتبر سوريا موطن ما بين 40 و50% من دروز العالم، يتوزعون على محافظة السويداء حيث يعيشون في نحو 120 قرية، كما يعيش عدد من الدروز في جبال حازم والمنحدرات الشرقية لجبل الشيخ، ومحافظة القنيطرة والجولان وريف دمشق وريف إدلب.

وتعتبر مدينة السويداء أكبر مدن جبل العرب (بعد 100 كم جنوب مدينة دمشق) ويعيش فيها نحو 375 ألف مواطن درزي في السويداء أو جبل الدروز.

وكما يتوزع هؤلاء على عدد من الدول فإنهم يتوزعون على مرجعيات دينية محلية، ويعتبر الشيخ حكمت الهجري زعيمًا روحيًا لهم في سوريا.

الشيخ حكمت الهجري

ولد الهجري عام 1965 في فنزويلا، حيث كان والده يعمل، ولم يطل به المقام هناك إذ عاد في طفولته إلى بلاده- الأم سوريا، ودرس فيها. وفي عام 1990 تخرج من كلية الحقوق في جامعة دمشق، وما هي إلا سنوات حتى عاد إلى فنزويلا للعمل عام 1993، ومكث فيها نحو خمس سنوات قبل أن يعود إلى السويداء ويتسلّم الرئاسة الروحية للطائفة عام 2012، خلفًا لشقيقه أحمد الذي قضى في حادث سير ما زال يكتنفه الغموض.

شهدت زعامة الهجري الروحية موقفًا متدرّجًا من النظام السوري خلال الثورة الشعبية التي انطلقت عام 2011 ضد النظام، فبعد التزام بالحياد والتوجّس من مسارات الثورة والقوى القائمة عليها، وخصوصًا جبهة النصرة، تحوّل الهجري إلى تأييد نظام بشّار الأسد على خلاف زعامات روحية درزية أخرى.

•    ففي مايو/ أيار عام 2014 أعلن الهجري تأييد الرئيس السابق بشّار الأسد في الانتخابات الرئاسية التي أجريت ذلك العام، وقال إنه يرى فيه “الخلاص لهذه الأمة”، وأن “علينا أن نكون أوفياء لمن سعى لبناء سوريا الحديثة، وبالأخص في العقود الأخيرة، لتصمد هذا الصمود، وليضعها في رتبة الدول ذات المصداقية وذات المكانة على المستوى الإقليمي والعالمي”.

•    وفي 2015 طالب السلطات السورية بتسليح السويداء “في مواجهة المسلحين”.

•    وفي 2018، دعا الهجري، شباب السويداء للالتحاق بالخدمة العسكرية في الجيش السوري.

•    لكن موقف الهجري في تأييد النظام خضع لامتحان عسير عام 2021، حين تبيّن له أن نظام الأسد لا يقيم اعتبارًا لأحد، وأنه كان يُوظّفه لصالح النظام من دون أن يمنحه مزايا الشريك.

حين أهانه نظام الأسد

في يناير/ كانون الثاني من ذلك العام سعى الشيخ حكمت الهجري للتوسط لدى رئيس فرع الأمن العسكري في السويداء العميد لؤي العلي، للإفراج عن فتى في المحافظة (17 عامًا) كان معتقلًا في أحد سجون المخابرات السورية، فما كان من الأخير إلا أن وجه له سيلًا من الإهانات التي تجاوزته إلى الطائفة الدرزية وأهالي السويداء.

حادثة الإهانة تلك أشعلت غضبًا واسعًا في السويداء، فبينما هاجمت “الرئاسة الروحية للمسلمين الموحدين” مسؤولي النظام، قام عدد من سكان المحافظة بتمزيق صور الرئيس السابق بشار الأسد وإحراقها، وطالبوا بإقالة العلي وهدّدوا باقتحام فرع الأمن العسكري في المحافظة، مطالبين باعتذار رأس النظام نفسه.

وبعد ذلك بنحو شهر (في فبراير/ شباط 2021) قالت وسائل إعلام محلية إن الأسد اتصل بالهجري وأشاد بمكانته، مشدّدًا على عدم قبوله الإساءة للرموز الدينية، لكن من دون أن يستجيب لمطالب إقالة مدير فرع الأمن العسكري، ما جعل من حادثة الإهانة تلك منعطفًا شهد تحوّلات حادة في مواقف الهجري من التأييد للنظام إلى معارضته.

ففي ديسمبر/ كانون الأول 2021، أعلن الهجري تأييده لحراك محافظة درعا آنذاك، وأصدر بيانًا هاجم فيه بحدة نظام الأسد، وحمّله مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع من فقر وجوع وفلتان أمني، قائلًا “إلنا 11 سنة عم نرقّع وحان الوقت نمشي ع ضو”.

وأكد الهجري في بيانه على ما قال إنه “التناغم ورسوخ الأصالة والتآخي الصادق بين أبناء السويداء، وبين الصادقين الأوفياء في سهل حوران”، مشدّدًا على وقوفه “إلى جانب الإرادة الشعبية الأهلية الاجتماعية الأصيلة لهم، ضد كل مظاهر وظواهر الفساد والقتل والأذى، فجراحنا واحدة وآلامنا واحدة”.

انتفاضة السويداء

وشهد أغسطس/ آب 2023 احتجاجات واسعة في محافظة السويداء، طالب فيها المحتجون بإسقاط النظام السوري، وتطبيق قرار مجلس الأمن رقم 2254، واعلن الهجري تأييده غير المشروط لتلك الاحتجاجات، ودعمه استمرارها “ليوم وأسبوع وشهر وعامين حتى الوصول إلى الهدف”، ما ساهم في زيادة شعبية الهجري التي أصيبت في مقتل في سنوات تأييد لنظام الأسد.

وكان تأييد الهجري للأسد قد تسبّب في تراجع شعبيته في صفوف الطائفة، على الرغم من إرث عائلته الروحي في محافظة السويداء، كما تسبّب في خروج خلافاته مع المرجعين الدينيين الآخرين في السويداء، الشيخ يوسف جربوع والشيخ حمود الحناوي، إلى العلن، وانقسام الهيئة الروحية للدروز إلى هيئتين: الأولى تتمثل فيما يعرف بـ”الرئاسة الروحية بالقنوات، ويقودها الشيخ حكمت الهجري”، والثانية، مشيخة العقل بعين الزمان في السويداء ويمثلها الشيخان جربوع والحناوي.

تحفظات على العهد الجديد

ولا تعرف بعد تداعيات مواقف الهجري الأخيرة التي تتراوح ما بين التأكيد على وحدة سوريا، وتحفظاته على إجراءات النظام الجديد، ومنها تصريحاته في مطلع يناير/ كانون الثاني الماضي التي رفض فيها “تسليم السلاح” والاندماج في جيش واحد يتبع وزارة الدفاع، إذ اعتبر ذلك “أمرًا مرفوضًا إلى حين تشكيل الدولة وكتابة الدستور لضمان حقوقنا”.

وقال الهجري في مقابلة صحافية في حينه: “لدينا هواجسنا من الوضع القائم”، داعيًا إلى “مراقبة دولية لتشكيل الدولة السورية تفاديًا لأي ثغرة في المستقبل تعيدنا إلى الوراء”، معتبرًا في مقابلة أخرى أن الهوية السورية “تجمعنا كلنا” تحت غطاء ما وصفه بالدستور المدني.

وكان الهجري استقبل قبل أكثر من أسبوع وفدًا من مدينة جرمانا التي شهدت فوضى أمنية على خلفية قتل مسلحين من سكانها الدروز عنصرًا في قوات الأمن السورية، في مطلع الشهر الجاري، وأعقبتها تهديدات أطلقها وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس تعهد فيها بالدفاع عن الدروز في سوريا، وحذّر النظام الجديد من إيذائهم.

وخلال لقائه وفد أهالي جرمانا، أكد الهجري على أن الأولوية هي لوحدة سوريا أرضًا وشعبًا، وأنه لا توجد مطالب بالانفصال أو الانشقاق، و”لكننا أمام مرحلة من الفراغ، ولا بد من توحيد الصف على مستوى الطائفة أو السوري العام”.

وبعد ذلك بأيام علّق الهجري على أحداث الساحل التي اندلعت في 6 مارس/ آذار الحالي بالقول إن “النيران التي تشتعل تحت شعارات طائفية ستحرق كل سوريا وأهلها”.

دعوات للفيدرالية وشيطنة النظام

وتزامنت تصريحات الهجري مع دعوات صدرت عما يسمى تيار سوريا الفيدرالي المقرب منه، وتطالب بدولة فيدرالية، وتعتبر النظام الجديد غاصبًا للسلطة، كما جاء في تصريحات لحافظ الخطيب أحد مؤسسي هذا التيار الذي اعتبر وجود ما سمّاها “سلطة سلفية جهادية” سيكون عاملًا هدّامًا ومانعًا لأي بناء او تطوّر”.

والثلاثاء الماضي وقّعت الحكومة السورية اتفاقًا مع أهالي ووجهاء محافظة السويداء، يهدف إلى دمج المحافظة في مؤسسات الدولة السورية، من دون مشاركة ممثلين للشيخ الهجري.

لكن الإدارة السورية الجديدة توصلت بعد ذلك بيوم (الأربعاء) مع أطراف من السويداء إلى تفاهم، تضمن عدة بنود إجرائية أبرزها تفعيل الضابطة العدلية، وإعادة هيكلة الملف الأمني والشرطي ضمن وزارة الداخلية، وتنظيم الضباط والأفراد المنشقين والفصائل المسلحة ضمن وزارة الدفاع، إضافة إلى صرف الرواتب المتأخرة وإعادة النظر في قرارات الفصل التعسفي.

وجاء هذا وسط أنباء عن زيارة مرتقبة لنحو 100 شخصية درزية إلى هضبة الجولان للقاء الشيخ موفق طريف، الزعيم الروحي للدروز في إسرائيل، وزيارة مواقع دينية هناك، وقالت مصادر للتلفزيون العربي إن رجال الدين الدروز السوريين الذين يعملون على تنسيق زيارة المناطق الدينية في إسرائيل هم من المناطق المحتلة حديثًا، وليسوا من السويداء كما تروّج إسرائيل.

وتابعت المصادر أن المرجعيات الوطنية والدينية في السويداء ولبنان تعمل على إحباط الزيارة أو التقليل من عدد المشاركين فيها بشكل كبير.

كذلك أصدرت المرجعيات الدينية في قرية حضر السورية تحريمًا دينيًا على كل من يشارك في الزيارة المقررة يوم الجمعة، وأكّدت وجود إجماع لدى القوى الوطنية في الجولان المحتل المؤيدة للإدارة الجديدة والمعارضة لها على رفض الزيارة.

الهجري: سنذهب باتجاه ما يناسب الطائفة

لم يصدر أي موقف صريح من الشيخ الهجري على هذه الأنباء، رغم أن مراجع درزية أخرى لم تتأخر عن إدانة أي تقارب أو توجه نحو إسرائيل في الآونة الأخيرة.

لكن موقف الهجري شهد (الخميس) تحوّلًا حادًا تجاه الإدارة السورية الجديدة، من شأنه تعقيد التعامل مع الملف الدرزي محليًا وربما في دول الجوار.

وقال الهجري خلال لقاء مع أنصاره في السويداء إنه “لا وفاق ولا توافق مع السلطات في دمشق”، واصفًا الحكومة السورية بأنها “حكومة دمشق” وأنها “متطرفة ومطلوبة للعدالة الدولية” وأن “أي تساهل مع هذا الأمر نحن لا نقبله كسوريين”، وشدّد الهجري على أنه “سيذهب باتجاه ما هو مناسب للطائفة”، من دون أن يوضّح الوجهة التي سينتهجها، وما إذا كانت تحظى بإجماع بقية المرجعيات الدرزية السورية.

———————————-

سوريا قد تصبح أكبر مكسب استراتيجي لإسرائيل في “الشرق الأوسط الجديد” لنتنياهو/  مصطفى سالم

نشر السبت، 15 مارس / آذار 2025

“عليهم بناء سوريا الآن وليس قتل بعضهم البعض”.. شاهد ما قالته محللة عن الشرع والعلويين والعنف الطائفي في البلاد

(CNN)–  بعد ساعات فقط من إطاحة المتمردين الإسلاميين بالديكتاتور السوري بشار الأسد في ديسمبر/ كانون الأول، وقف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على أطراف مرتفعات الجولان المحتلة، مُطلاً على سوريا، وقال في رسالة مصورة إن هذا السقوط التاريخي سيخلق “فرصاً بالغة الأهمية” لإسرائيل.

مع انزلاق سوريا إلى الفوضى بعد سقوط الأسد، حيث أن شعبها الذي مزقته الحرب يُصارع مستقبلاً غامضاً، وأقلياتها العرقية والدينية تُبدي حذرها من التاريخ “الجهادي” للقيادة الجديدة، رأت حكومة نتنياهو فرصةً سانحة للمضي قدما في مسعاه لإعادة تشكيل الشرق الأوسط، وهو مساعي تتوخى تقسيم سوريا إلى مناطق حكم ذاتي أصغر.

وقال وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر لقادة أوروبيين في اجتماع عُقد في بروكسل الشهر الماضي: “لا يمكن لسوريا المستقرة إلا أن تكون سوريا اتحادية تضمّ مناطق حكم ذاتي مختلفة وتحترم أساليب الحياة المختلفة”.

ومنذ هجوم حركة “حماس” في 7 أكتوبر/تشرين الأول وما تلاه من صراعات إقليمية، تباهى نتنياهو مرارًا وتكرارًا بـ”تغيير وجه الشرق الأوسط” لصالح إسرائيل، ويرى التطورات في سوريا نتيجة مباشرة لأفعال إسرائيل، وهو الآن ينتهز الفرصة لتوسيع سيطرته الإقليمية وإنشاء مناطق نفوذ من خلال السعي إلى تحالفات مع الأقليات في أطراف سوريا.

وفي الأيام التي تلت الإطاحة بالأسد، أمر نتنياهو بشن هجوم بري غير مسبوق في سوريا، مما دفع القوات الإسرائيلية إلى عمق أكبر في البلاد من أي وقت مضى، وأدى إلى قلب 50 عامًا من الوفاق الضمني بين إسرائيل وعائلة الأسد.

وسرعان ما أدى هذا التصعيد إلى التخلي عن تعهد نتنياهو الأولي بممارسة “حسن الجوار” تجاه سوريا الجديدة.

 واستهدفت مئات الغارات الجوية القدرات العسكرية لجيش الأسد لمنع وقوعها في أيدي الجماعات المسلحة، واستولت القوات الإسرائيلية على جبل الشيخ، أعلى قمة في سوريا، وموقع استراتيجي حيوي يطل على إسرائيل ولبنان وسوريا.

 واستهدفت إسرائيل يوم الاثنين مواقع رادار ومراكز قيادة عسكرية في جنوب سوريا، ويوم الخميس استهدفت حركة “الجهاد الإسلامي” الفلسطينية في العاصمة السورية دمشق.

وتعهدت إسرائيل بمواصلة عملياتها، حيث صرّح مسؤول إسرائيلي لشبكة CNN أن بلاده لن تسمح لقوات النظام السوري الجديد بالانتشار في الجنوب، معتبرة إياها تهديدًا للمواطنين الإسرائيليين.

تغيير الحدود

ظلت حدود إسرائيل مع سوريا دون تغيير إلى حد كبير منذ حرب عام 1967، عندما احتلت مرتفعات الجولان السورية وضمتها لاحقًا في خطوة رفضها معظم المجتمع الدولي، لكن أيدها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلال ولايته الأولى، ولكن الإجراءات الإسرائيلية الأخيرة في سوريا طمست خطوط تلك الحدود مع استيلائها على المزيد من الأراضي.

 ولم ترسم إسرائيل حدودها بالكامل مع جيرانها.

لمدة نصف قرن، حكم حافظ الأسد وابنه بشار سوريا بقسوة، وتحملا الحروب والثورات والانتفاضات، وأججا المخاوف الطائفية لردع دعوات التغيير.

 وتجنب الأسد الابن المواجهة المباشرة مع إسرائيل، لكنه وفّر لعدوها اللدود، إيران، طرق إمداد رئيسية للجماعات المسلحة التابعة لطهران، وأبرزها “حزب الله” في لبنان، الذي أطلق آلاف الصواريخ على إسرائيل خلال الحرب بين إسرائيل و”حماس”.

وأطاح الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية أحمد الشرع – المعروف سابقًا باسمه الحركي أبو محمد الجولاني، والذي كان مرتبطًا سابقًا بتنظيم القاعدة – بالأسد في هجوم خاطف بدعم تركي قبل توليه السلطة في ديسمبر، وتخلّى عن الزي العسكري التقليدي، وارتدى بدلة وربطة عنق، وصرّح مرارًا لوسائل الإعلام الأجنبية بأنه لا يرغب في مواجهة إسرائيل.

وقالت ناتاشا هول، الزميلة البارزة في برنامج الشرق الأوسط في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن: “كان يعتقد أنه يستطيع التودد إلى إسرائيل من خلال طمأنتها بأنه لن يكون هناك عنف على طول حدودها ولن يكون هناك قتال معها لكن إسرائيل تشجعت خلال العام والنصف الماضيين، وبدعم من إدارة ترامب، ولديها طموح أكبر”.

وطاالب نتنياهو بنزع السلاح الكامل من جنوب سوريا، كما قال إن القوات الإسرائيلية المنتشرة داخل المنطقة العازلة التي فرضتها الأمم المتحدة وخارجها في مرتفعات الجولان بعد سقوط نظام الأسد، ستبقى إلى أجل غير مسمى في الأراضي السورية المحتلة.

وكذلك يقول المسؤولون الإسرائيليون الآن إنه سيكون هناك وجود عسكري إسرائيلي في سوريا “لأجل غير مسمى”، ودعوا إلى حماية الدروز والأكراد السوريين، وهم أقليات مهمة تعيش في جنوب وشمال شرق سوريا على التوالي.

ويسكن الدروز ثلاث محافظات رئيسية قريبة من مرتفعات الجولان التي تحتلها إسرائيل في جنوب البلاد.

وقال وزير الدفاع الإسرائيلي إسرائيل كاتس الأسبوع الماضي، بعد أن قتلت القوات الموالية للشرع مئات من أفراد الأقلية العلوية ردًا على محاولة أنصار الأسد السيطرة على مدن قرب ساحل البحر الأبيض المتوسط ​​السوري: “خلع الجولاني (الشرع) جلبابه، وارتدى بدلة، وتظاهر بالاعتدال – والآن نزع القناع وكشف عن هويته الحقيقية: إرهابي جهادي من مدرسة القاعدة، يرتكب فظائع بحق السكان المدنيين”.

وأبرزت المذبحة، التي أودت بحياة أكثر من ٨٠٠ شخص من كلا الجانبين، الخطر الذي يتهدد نظام الشرع الهش، في ظل تكثيف الأطراف الإقليمية جهودها لعقد تحالفات مع مختلف الطوائف داخل سوريا.

وإذا نجحت إسرائيل في إنشاء منطقة منزوعة السلاح في سوريا بدعم من السكان الدروز المحليين، فسيُخضع ذلك أجزاءً كبيرة من جنوب البلاد للنفوذ الإسرائيلي، مما يُمثل أكبر سيطرة إقليمية لإسرائيل في سوريا منذ تأسيسها.

وقال تشارلز ليستر، الزميل البارز ورئيس مبادرة سوريا في معهد الشرق الأوسط بواشنطن العاصمة، لشبكة CNN: “هناك خطر حقيقي من أن يؤدي ذلك في النهاية إلى دوامة من التصعيد”، وأضاف: “لم تفعل الحكومة السورية المؤقتة شيئًا ردًا على كل هذه الإجراءات الإسرائيلية، وإذا تغير هذا الوضع، فقد تشتعل الأوضاع”.

وفي الأسابيع الأخيرة، اتخذ الشرع موقفًا أكثر صرامة تجاه تحركات إسرائيل، مُدينًا تقدمها باعتباره “توسعًا عدائيًا”، في حين يسعى إلى المصالحة مع الأقليات ذاتها التي تقربت منها إسرائيل.

وبعد يوم من العنف الدموي على الساحل خلال عطلة نهاية الأسبوع، وقّع الشرع اتفاقية تاريخية مع القوات التي يقودها الأكراد لدمجهم في مؤسسات الدولة، ويُقال إنه على وشك توقيع اتفاقية مماثلة مع الدروز في جنوب سوريا.

وذكرت كارميت فالنسي، الباحثة البارزة في معهد دراسات الأمن القومي في تل أبيب، بأن “تصرفات إسرائيل مدفوعة بقلقها من امتداد الاضطرابات وعدم الاستقرار في سوريا إلى أراضيها”.

وقالت فالنسي لـCNN: “ما يحفز إسرائيل هو الخوف من ظهور نظام إسلامي معادٍ لها بالقرب من حدودنا… لقد قرروا عدم الاعتماد على ما يجري الآن، بل التأكد من أنه في حال ظهور أي تهديد، فسيكون موجودًا للحد منه”.

 وتابعت: “التصور السائد في إسرائيل هو أنه لا ينبغي الاعتماد على البراغماتية التي يُظهرها الشرع حتى الآن، وأننا يجب أن نكون مستعدين للسيناريو السلبي.

مغازلة الأقليات السورية

في الوقت الذي يسعى فيه نتنياهو إلى توسيع نفوذ إسرائيل في سوريا، فقد خصَّ دروز سوريا بالحماية، ساعيًا إلى التحالف مع أقلية دينية قد تُحرم من حقوقها على يد الحكام الإسلاميين الجدد في سوريا.

وأوعز نتنياهو وكاتس للجيش الإسرائيلي في وقت سابق من هذا الشهر “بالاستعداد للدفاع” عن الدروز في سوريا، وقالا إن إسرائيل “لن تسمح للنظام الإسلامي المتطرف في سوريا بإيذاء” الدروز.

 وقد يُسمح أيضًا للدروز السوريين بالعمل في مرتفعات الجولان المحتلة.

وعلى الرغم من أن معظم دروز الجولان يُعرّفون أنفسهم بأنهم عرب سوريون ويرفضون دولة إسرائيل، إلا أن بعضهم قبل الجنسية الإسرائيلية.

 وفي إسرائيل، يُطلب من المواطنين الدروز الخدمة في الجيش – على عكس مواطنيهم العرب المسلمين والمسيحيين.

ورفض العديد من أفراد الطائفة الدرزية السورية عرض نتنياهو للدعم منذ سقوط الأسد، وخرجت الحشود إلى شوارع السويداء، وهي مدينة سورية ذات أغلبية درزية، احتجاجًا على دعوته لنزع السلاح من جنوب سوريا، واتهم زعماء إقليميون يمثلون الطائفة إسرائيل بأهداف توسعية.

وحذّر وليد جنبلاط، الزعيم الدرزي اللبناني الذي يحظى باحترام واسع بين الدروز خارج لبنان، من طموحات إسرائيل الأسبوع الماضي.

وقال في مؤتمر صحفي عُقد في بيروت، الأحد: “إسرائيل تريد استغلال القبائل والطوائف والأديان لمصلحتها الخاصة، إنها تريد تفتيت المنطقة”، وأضاف: “على الدروز توخي الحذر”.

ومع ذلك، رحب بعض أفراد المجتمع الدرزي، القلقين من أن يفرض الشرع حكمًا إسلاميًا صارمًا في سوريا، بعرض نتنياهو سرًا، معتبرين إياه ضمانًا للحماية في مستقبل غامض، وفقًا لما ذكره ناشط محلي وصحفي لـCNN.

وفي أعقاب تصريحات نتنياهو، شكّل بضعة آلاف من الدروز فصيلًا مسلحًا يُسمى “المجلس العسكري”، على حد قولهم.

وقال ليستر إن هذه المجموعة “بالكاد تحظى بأهمية تُذكر، هناك فصيل صغير جدًا في السويداء يبدو أنه يُلمح إلى فكرة انفتاحه على نوع من الحماية الخارجية”.

كما ترى إسرائيل أكراد سوريا حليفًا محتملًا، ودعت إلى حمايتهم من الحملة العسكرية التركية.

 وتُلقي تركيا باللوم على المسلحين الأكراد السوريين في ارتباطهم بحزب العمال الكردستاني، وهو جماعة انفصالية مسلحة في تركيا.

وقالت هول: “تكمن مشكلة إقامة تحالفات مع أقليات مسلمة غير سنية أو غير عربية في أن معظم السوريين يرغبون في الوحدة، لذا أعتقد أن إسرائيل ستواصل محاولاتها لخلق التوتر لأن طموحاتها كانت خارجية للغاية، مما أدى إلى نتائج عكسية وخلق لحظة من الوحدة بين السوريين”.

مناطق النفوذ

في حين أن تحركات إسرائيل في سوريا ربما كانت الأكثر وضوحًا، إلا أنها ليست اللاعب الإقليمي أو العالمي الوحيد الذي سعى إلى توسيع نفوذه هناك.

وتعتزم تركيا، التي عارضت نظام الأسد لفترة طويلة وسعت إلى الإطاحة به، توقيع اتفاقية دفاع مع الشرع قد تسمح بنشر طائرات مقاتلة في قاعدتين في وسط سوريا.

وقال ليستر: “لدى تركيا خطط، بإذن من دمشق، لاحتلال قاعدتين جويتين رئيسيتين على الأقل في وسط سوريا، ونشر طائرات مقاتلة في سوريا من أجل فرض بعض مظاهر السيادة السورية، وبالطبع هذا موجه إلى إسرائيل”.

وأرسلت المملكة العربية السعودية، حيث وُلد الشرع وقضى سنواته الأولى، طائرةً ملكيةً الشهر الماضي لنقله إلى الرياض لعقد اجتماعات مع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، في لفتة جريئة أكدت عزم المملكة على إعادة تأكيد هيمنتها في المنطقة، مع الإشارة إلى تراجع النفوذ الإيراني الهائل في سوريا.

وفي غضون ذلك، فقدت روسيا، التي كان لها دور محوري في إبقاء الأسد في السلطة مقابل وجود عسكري استراتيجي على البحر الأبيض المتوسط، موطئ قدمها في سوريا.

وأفادت وكالة “رويترز” للأنباء الشهر الماضي أنه في ظل عدم وضوح موقف ترامب بشأن سوريا والقلق من تنامي نفوذ تركيا، تضغط إسرائيل على الولايات المتحدة للسماح لروسيا بالاحتفاظ بقواعدها العسكرية هناك في محاولة لإبقاء البلاد ضعيفة ولامركزية.

ولم تتمكن CNN من تأكيد التقرير.

وقال نتنياهو في مؤتمر صحفي مع وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو الشهر الماضي: “إذا كانت أي قوة أخرى في سوريا اليوم تعتقد أن إسرائيل ستسمح لقوى معادية أخرى باستخدام سوريا كقاعدة عمليات ضدنا، فهي مخطئة تمامًا”، وأضاف: “ستعمل إسرائيل على منع أي تهديد قد ينشأ بالقرب من حدودنا في جنوب غرب سوريا”.

————————

بين الدين والسياسة.. ما دلالات زيارة دروز سوريا لإسرائيل؟

الحرة – واشنطن

15 مارس 2025

توجّه قرابة 100 رجل دين درزي صباح الجمعة من محافظة القنيطرة في جنوب سوريا، نحو اسرائيل، في زيارة وصفت بالتاريخية لأنها جاءت بعد نحو خمسة عقود.

وجاءت الزيارة تلبية لدعوة وجهها الزعيم الروحي لطائفة الموحدين الدروز في إسرائيل الشيخ موفق طريف الذي وصف الزيارة بأنها “يوم تاريخي” للطائفة بعد عقود من الانقطاع.

ومن المقرر أن يلتقي الوفد خلال زيارته بعدد من الشخصيات الدينية والاجتماعية الدرزية.

لكن هذه الزيارة أثارت بعض الانتقادات سيما أنها تأتي بعد تصريحات اسرائيلية تعهدت بحماية دروز سوريا، وسط تحذيرات من تبعات هذا التقارب، وترجيحات من أن تكون هذه الزيارة مؤشرا على رفض الدروز العلاقة مع سلطات دمشق؟

مالك أبو الخير، الأمين العام لحزب اللواء السوري في السويداء، صرح لقناة “الحرة” أن الزيارة تعتبر ذات أهمية كبيرة بعد انقطاع دام خمسة عقود.

وأوضح أن هناك “إزدواجية في التعامل مع هذا الموضوع من قبل البعض”، مشيرًا إلى أن هناك انتقادات وُجهت إلى الدروز بسبب هذه الزيارة، بينما لم توجه أي انتقادات للسلطات السورية الجديدة التي استقبلت وفدًا من الطائفة اليهودية.

وأضاف أن ما يحدث حاليًا هو “تمهيد للعلاقات بين سوريا وإسرائيل”، موضحًا أن هذه العملية ستتم بشكل تدريجي وتشمل جميع الطوائف، ولن تقتصر على الدروز فقط.

وتابع أبو الخير “لكن بسبب الخلاف بين الحكومة السورية ورجل الدين حكمت الهجري، يتم التركيز بشكل أكبر على زيارة الدروز إلى إسرائيل، في حين يتم إغفال زيارة الطائفة اليهودية إلى دمشق”.

وأشار الأمين العام لحزب اللواء السوري في السويداء، إلى أن ما قام به وفد الطائفة الدرزية إلى إسرائيل هو “مجرد زيارة دينية علنية، وهو حق طبيعي ومشروع لأبناء هذه الطائفة لزيارة مقام النبي شعيب، نظرًا لقدسيته الكبيرة”.

أما الأكاديمي والكاتب الصحفي مهيب صالحة من السويداء، فقد أكد أيضًا أن هذه الزيارة “تحمل طابعًا دينيًا بحتًا”، لكنه أشار إلى أن التوقيت كان غير مناسب نظرًا للأنظار التي تتركز حاليًا على محافظة السويداء وما تشهده من تطورات و”اللغط الكبير” الذي يدور في سوريا.

وأوضح أن الزيارة تأتي في وقت غير طبيعي تمر به سوريا، بسبب عملية الانتقال السياسي وحالة الفوضى وشد الأعصاب والمرحلة الصعبة التي يعيشها البلد.

وأشار إلى أن وفد الدروز إلى إسرائيل لا يمثل رجال الدين في محافظة السويداء أو منطقة جبل العرب “نظرًا لحساسية الموضوع والتوقيت غير المناسب”، بل اقتصر على أبناء منطقة جبل الشيخ.

وأضاف الأكاديمي والكاتب الصحفي أن السوريين لم يزوروا الأراضي الفلسطينية منذ خمسين عامًا بسبب “حالة العداء بين إسرائيل وسوريا”، مؤكدًا أن الزيارة تعقد المشهد بشكل أكبر في ظل “التصرفات الإسرائيلية الأخيرة في الأراضي السورية”.

وأعرب الزعيم الروحي لطائفة الموحدين الدروز في إسرائيل الشيخ موفق طريف عن أمله في أن يحل السلام قريبا، وأن تزال كل الحواجز والحدود لتجتمع كل الطوائف.

طريف وفي مقابلة مع الحرة، رحب بزيارة وفد من دروز سوريا إلى مقام النبي شعيب في إسرائيل ووصفه بأنه يوم عيد للطائفة.

وقال طريف إنه ليس ناطقا باسم إسرائيل ولا يتدخل في السياسة، وكل ما يهمه هو حماية أبناء طائفته، وألا يتعرضوا لما تعرض له سكان الساحل السوري.

وتتضمن الزيارة، التي تستمر يومين، جولات في مواقع دينية في شمال إسرائيل، أبرزها مقام النبي شعيب غربي طبريا في الجليل الأسفل بالإضافة لقرية البقيعة.

وكان وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس قال هذا الأسبوع إنه سيُسمح للعمال الدروز القادمين من سوريا بدخول إسرائيل، في خطوة من شأنها أن تفتح الحدود بشكل محدود لأول مرة منذ ما قبل الحرب الأهلية السورية.

ويعيش الدروز، وهم أقلية عربية تمارس شعائر دينية مشتقة في الأصل من الإسلام، في لبنان وسوريا وإسرائيل وهضبة الجولان، ولهم مكانة مميزة في مزيج الأديان والثقافات بالمنطقة.

وفي إسرائيل، يخدم الكثير من الدروز في الجيش والشرطة، بما في ذلك خلال حرب غزة، وتبوأ بعضهم مناصب رفيعة.

وبحسب مراقبين فإن زيارة الجمعة، هي أحدث مؤشر على دعم إسرائيل للدروز منذ وقف إطلاق النار في لبنان والإطاحة بالأسد أواخر العام الماضي.

ودعت إسرائيل مرارا إلى حماية حقوق الأقليات السورية، ومنها الدروز.

وأبدى وزراء إسرائيليون شكوكا عميقة إزاء الحكومة السورية الجديدة للرئيس الانتقالي، أحمد الشرع، واصفين حركته، هيئة تحرير الشام، بأنها جماعة جهادية.

الحرة – واشنطن

الحرة

—————————

دروز سوريا ذهبوا إلى إسرائيل لأول مرة منذ 50 عامًا/ جيرار ديب

15/3/2025

أفادت وكالة الصحافة الفرنسية أن وفدًا يضم نحو 60 رجل دين من الطائفة الدرزية السورية، عبروا خط الهدنة في مرتفعات الجولان المحتل إلى إسرائيل الجمعة 14 مارس/ آذار الجاري، في أوّل زيارة من نوعها منذ حوالي 50 عامًا.

وعبر الوفد في 3 حافلات رافقتها مركبات عسكرية إسرائيلية إلى بلدة مجدل شمس في الجولان السوري المحتل، وتوجه شمالًا لزيارة مقام النبي شعيب في بلدة جولس بالقرب من طبريا، وللقاء الزعيم الروحي لطائفة الموحدين الدروز في إسرائيل موفق طريف، وفق مصدر مقرب من الوفد.

في الشكل تحمل الزيارة طابعًا دينيًا لا سيما أنها أتت تحت عنوان زيارة أحد المقامات الدينية داخل فلسطين المحتلة. لكن مضمون الزيارة يحمل دلالات لا يمكن إلا التوقف عندها، لا سيما أنها تضمنت لقاء مع مرجعية درزية يرى فيها البعض أنها موالية للاحتلال في الداخل الفلسطيني. هذا ما يتخوف منه البعض، لا سيما من استغلال الإعلام الإسرائيلي تلك الزيارة، وإظهارها بأنها تأتي ضمن سياق “هرولة” الأقليات في سوريا إلى طلب الحماية من تل أبيب.

بين شكل الزيارة ومضمونها، يكمن واقع درزي بات يرتاح إليه الإسرائيلي، ويتمثل في حالة التشظّي التي أصابت الطائفة الدرزية، خصوصًا بعد سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، وما ترافق مع التطورات الأمنية التي حصلت مؤخرًا، تحديدًا في مناطق الساحل السوري.

دفعت الأحداث الأخيرة في سوريا الجيش السوري- عقب الكمائن التي نفذتها فلول النظام البائد في 7 مارس/ آذار الجاري، بحق القوى الأمنية السورية والتي ذهب ضحيتها العشرات- إلى تنفيذ حملة عسكرية هدفت إلى القضاء على تلك المجموعات المخلة بالأمن والتي تسعى لتقسيم سوريا بمباركة إسرائيلية.

لهذا، تحت شعار “حماية الأقليات”، استغلت إسرائيل الفوضى التي سببتها تلك المجموعات لتطرح نفسها بمثابة الحامية والمدافعة عن هذه الأقليات، حيث لم يتوانَ المسؤولون في إسرائيل على تقديم الحماية الأمنية لها.

تشهد الطائفة الدرزية حالة من الانقسام على الذات، بين مؤيد للدعوة الإسرائيلية التي صدرت عن وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس، الذي أكد من خلالها تقديم إسرائيل كل الدعم للطائفة الدرزية في سوريا لحمايتها من الإدارة الجديدة التي وصلت إلى السلطة في الثامن من ديسمبر/ كانون الأول الماضي.

وبين رافض لها، على اعتبار أن لإسرائيل تاريخًا أسودَ في ارتكاب المجازر بحق الطائفة منذ احتلالها الجولان في حرب النكسة عام 1967، إلى سيناريو الصاروخ الذي أصاب أطفال منطقة مجدل شمس في 27 يونيو/ تموز الماضي، وأدّى إلى قتل عدد منهم، وإلصاق التهمة بحزب الله، وتؤكد هذه الفئة على حالة “اللاثقة” بكافة الوعود الإسرائيلية التي جلّ ما تريده هو تحقيق غاياتها في سوريا كما في لبنان.

بالوقت الذي تجلت صورة احتلال إسرائيل للمواقع الخمسة في جنوب لبنان، حيث أكد كاتس الجمعة 14 مارس/ آذار، أن “جيشه سيبقى فيها إلى أجل غير مسمى، لحماية سكان الشمال”، بات، على ما يبدو، الوضع جليًا بالنسبة إلى الجنوب السوري أيضًا، حيث يفتّش الإسرائيلي على “حجة” للبقاء لأجل غير مسمى في المناطق التي وضعها تحت سيطرته بعد سقوط الأسد، لهذا قد يكون هذا الوفد، الذي سلك الطريق التي استحدثها المحتل في الجولان السوري، قد أعطاه الذريعة نفسها.

لم تكن موفقة تلك الزيارة التي التقى فيها الوفد “موفق”، لأنّها أتت في التوقيت الذي شهدت فيه العاصمة السورية لقاءً تاريخيًا بين الرئيس السوري أحمد الشرع، مع قائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي الاثنين 10 مارس/ آذار، حيث تمّ في الزيارة التوقيع على اتفاق “الدمج” للقوات الكردية في الجيش السوري.

إن الدعوات الإسرائيلية لتقديم الحماية لم تلقّ صدًى عند الطائفة الكردية في شمال شرقي سوريا، حيث عرف أكراد سوريا كيف يقطعون الطريق على المخطط الإسرائيلي الهادف إلى تقسيم البلاد من أجل تحويلها إلى دولة مستضعفة.

تسعى إسرائيل لتنفيذ مخطط جديد في سوريا بعدما سيطرت على مناطق واسعة، ونشرت قوات معززة من الجيش، وأقامت مواقع عسكرية.

يهدف المخطط إلى تشكيل واقع جديد في سوريا يمنحها إمكانية المراقبة والسيطرة على مناطق واسعة، بذريعة ضمان أمن الحدود، ومنع وصول مقاتلين وتنظيمات معادية لها إلى نقاط قريبة من حدودها ومن مُرتفعات الجولان.

كما عند الكردي كذلك سيكون الحال مع الدرزي، حيث لا مكان لإسرائيل في سوريا، وهذا ما تجلى عند الأغلبية من الطائفة الدرزية التي تجد في وليد جنبلاط زعيمها. فهو الذي قام بزيارة دمشق مع وفد كبير من الطائفة لتهنئة الرئيس أحمد الشرع بتوليه الرئاسة.

جاءت تلك الزيارة لتؤكد على عروبة الدروز، وعلى انتمائهم إلى هذا لبلد، وعلى انخراطهم في مسار بناء الدولة السورية الحديثة ليشكلوا جزءًا لا يتجزأ منها.

ليس جديدًا على دروز لبنان وسوريا رفضهم التطبيع، إذ لطالما أكدوا على ذلك في أكثر من مناسبة، وإن البعض قرأ في كلمة النائب في كتلة اللقاء الديمقراطي، وائل أبو فاعور، في أثناء جلسة إعطاء الثقة لحكومة القاضي نواف سلام، أنها تعدت حدود “نيل الثقة”، لتلامس حدود جبل الشيخ، لترفع لاءات جديدة في وجه إسرائيل وكل من يسعى للتعامل معها، “لا سلام ولا تطبيع ولا اعتراف بالعدو”.

بل أقصى ما يمكن التوصل إليه هو اتفاق الهدنة على مثال هدنة 1948 بين لبنان والعدو. وفي هذا الإطار أصدرت مشيخة العقل الدرزية في لبنان بيانًا يندد بالمشاركة بالزيارة للأماكن المقدسة في فلسطين.

أكثر من حاجة إسرائيلية لكسب ثقة دروز سوريا، هي التي اتخذت من الأحداث التي حصلت في الساحل السوري حجة لتبعث برسائل إلى سوريا وجهات دولية تؤكد فيها أنها لن تقبل بسيطرة تنظيمات معادية على مناطق قريبة لها.

لكن رغم أن إسرائيل لبست ثوب الحمل، فإنّ الطائفة الدرزية لن تنزلق إلى “معمعة” الخديعة الإسرائيلية التي تعمل على استغلال شعور القلق عند البعض؛ لتكريس حضورها وإقامة مناطق عازلة تحمي مستوطنيها على حساب أمن واستقرار المنطقة، فهل سيقع الوفد الدرزي في الفخّ الإسرائيلي؟

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

أستاذ الفكر السياسي في الجامعة اللبنانية

الجزيرة

—————————–

الطوائف السورية.. مزيج حساس واختبار صعب للقادة الإسلاميين الجدد

تحديث 15 أذار 2025

دمشق: قال الرئيس السوري أحمد الشرع، الذي قاد مقاتلوه هجوما أطاح بحكم عائلة الأسد في ديسمبر كانون الأول، إنه سيؤسس مجتمعا يشتمل كافة الطوائف في بلد يتميز بمزيج طائفي وديني حساس.

لكن هذا التعهد يواجه اختبارا صعبا بسبب حملة قتل تستهدف الطائفة العلوية في سوريا التي ينتمي إليها الرئيس المخلوع بشار الأسد والتي اندلعت بعد هجوم شنّه موالون للأسد على قوات الحكومة الجديدة.

ويبدي بعض السوريين والقوى الخارجية مخاوف من أن يفرض الشرع حكما إسلاميا صارما أو يستبعد بعض الطوائف من مواقع السلطة في بلد يضم أقليات عديدة، مثل الدروز والأكراد والمسيحيين والعلويين.

وجاء في إعلان دستوري صدر أمس الخميس أن الفقه الإسلامي سيظل المصدر الأساسي للتشريع.

وفيما يلي نظرة على الطوائف والأقليات في سوريا، التي دمرتها حرب أهلية دامت لسنوات في أعقاب انتفاضة عام 2011 التي قادها المسلمون السنة في سوريا ضد القادة العلويين.

العلويون

طائفة صغيرة تعتبر فرعا من الشيعة وتقدّس الإمام علي بن أبي طالب. وتتركز الطائفة العلوية في سوريا لكن لها وجودا في مناطق أخرى من الشرق الأوسط.

معظم العلويين في سوريا هم من المزارعين الفقراء الذين ينحدرون من المنطقة الجبلية الغربية على البحر المتوسط.

وأصبح الرئيس الراحل حافظ الأسد، والد بشار، أقوى شخصية علوية عندما استولى على السلطة في انقلاب عام 1970 بعد صعوده داخل حزب البعث.

واعتمدت عائلة الأسد خلال حكمها على العلويين وقلدتهم مناصب في الجيش والأمن والمخابرات، لكن كثيرين منهم ظلوا يعانون من الفقر والقمع كغيرهم من السوريين في أثناء حكم العائلة.

وتعرض العلويون عبر التاريخ للاضطهاد إذ عانوا من غزو الصليبيين والمماليك والعثمانيين، وخاضوا حروبا داخلية أيضا.

السنة

يُشكلون الأغلبية في أنحاء العالم الإسلامي، باستثناء عدد قليل من الدول. وتخضع كل الدول العربية تقريبا لحكم سنّي، وظلّ قادتها لفترة طويلة متوجسين من علاقة الأسد الوطيدة بإيران الشيعية غير العربية.

سحق حافظ الأسد مسلحين سنة وقتل ما لا يقل عن 10 آلاف في مدينة حماة عام 1982 في أكثر الحوادث دموية في التاريخ العربي الحديث.

ومع ذلك، عزز حافظ علاقاته مع التجار السنة في دمشق وحلب، المركز التجاري لسوريا، وعيّن السنة في مناصب حكومية. ويقول بعض السنة إن بشار الأسد تعمد إقصاء هؤلاء التجار بعد ذلك وفضل أن يحظى أقاربه العلويون بالمصالح التجارية.

في مارس آذار 2011، اجتاحت مظاهرات مناهضة لحكم الأسد أنحاء سوريا، مطالبة بمزيد من الحريات والقضاء على الفساد. وبعد أن شنت الحكومة حملة قمع، تحولت الانتفاضة إلى حرب أهلية وهو ما وضع المعارضة، ومعظمها من الأغلبية السنية، في مواجهة قوات الأسد المدعومة من فصائل شيعية من أنحاء الشرق الأوسط.

ويبدي بعض المتطرفين السنة عداء شديدا للأقليات إذ يعتبرونهم كفارا، كما يعادون إيران الشيعية التي دعمت الأسد.

وحمّلت حكومة الأسد حكام دول عربية سنية مسؤولية تأجيج الانتفاضة، وقالت إن بين المقاتلين الذين حاربوها متطرفين طائفيين.

المسيحيون

تمسك العديد من المسيحيين في سوريا بالأسد، لكنهم قالوا إنهم فعلوا ذلك خوفا من أن ينتهك الإسلاميون السنة حقوق الأقليات في حال وصولهم إلى السلطة.

انضمت شخصيات مسيحية بارزة أخرى إلى المعارضة السورية.

ينقسم المسيحيون إلى عدد من الطوائف، بعضها مجتمعات صغيرة ذات جذور عريقة في سوريا تعود إلى ما قبل الإسلام. ويشملون طوائف الروم الأرثوذكس والموارنة والسريان الأرثوذكس والكاثوليك والكلدان والآشوريين والأرمن الأرثوذكس والكاثوليك. كما يوجد بعض البروتستانت.

الدروز

هم أقلية عربية تمارس شعائر دينية مشتقة أصلا من الإسلام، ويعيشون في لبنان وسوريا وإسرائيل وهضبة الجولان المحتلة، ولهم مكانة مميزة وسط مزيج الأديان والثقافات بالمنطقة.

في سوريا، يتمركز معظمهم في محافظة السويداء الجنوبية، لكن هناك آخرين يعيشون حول دمشق وفي شمال سوريا.

للدروز هوية متماسكة وعقيدة تميزهم ظهرت في القرن الحادي عشر، وتضم عناصر من الإسلام وفلسفات أخرى مع التركيز على التوحيد والتناسخ والسعي وراء الحقيقة.

يحافظون على درجة من السرية حول ممارساتهم الدينية.

يوجد في إسرائيل عدد صغير من الدروز ويعيش البعض أيضا في هضبة الجولان، التي احتلتها إسرائيل من سوريا في حرب عام 1967.

وهددت إسرائيل بالتدخل عسكريا في سوريا إذا واجه الدروز هناك أي تهديدات.

(رويترز)

———————————–

سوريا: انتقادات لزيارة وفد من مشايخ الدروز لإسرائيل/ هبة محمد وعبد الحميد صيام

أثارت زيارة وفد يضم نحو 100 رجل دين من الدروز السوريين إلى إسرائيل انتقادات واسعة، في وقت أدان فيه مجلس الأمن الدولي بشدة أعمال العنف الواسعة النطاق المرتكبة في محافظتي اللاذقية وطرطوس في سوريا والتي شملت عملياتِ قتل جماعي لمدنيين، لا سيما في صفوف الطائفة العلوية.

وعبر الوفد الدرزي خط الهدنة في مرتفعات الجولان المحتل، في أول زيارة من نوعها منذ عام 1973، وذلك تلبية لدعوة الزعيم الروحي لطائفة الموحدين الدروز في إسرائيل، الشيخ موفق طريف، حيث قام الوفد بزيارة خاصة إلى قبر النبي شعيب في الجليل.

الناشط الميداني ياسر أبو شقرا من أهالي ريف القنيطرة، قال لـ “القدس العربي” إن 3 حافلات كبيرة دخلت من معبر عين التينة في الجولان باتجاه قرية حضر السورية، عند الشريط الفاصل مع الاحتلال، لنقل الوفد الذي يضم مشايخ الطائفة من صحنايا وجرمانا وحضر، وذلك برفقة سيارات عسكرية وحراسة إسرائيلية.

وأعرب أهالي وعائلات قرية حضر في ريف القنيطرة، عن استنكارهم الشديد للزيارة التي يجريها بعض المشايخ إلى فلسطين المحتلة، تلبية لدعوة من بعض الجهات الموالية للاحتلال في الداخل الفلسطيني.

وقال بيان للأهالي: إن إسرائيل التي لم تكن يوما حريصة على حقوق الأقليات، إذ تستغل هذه الزيارة الدينية كأداة لزرع الانقسام في الصف الوطني، وتسعى لاستخدام الطائفة الدرزية كخط دفاعي لتحقيق مصالحها التوسعية في الجنوب السوري. وأضاف أنهم لن ولم ينسوا الجرائم والانتهاكات التي ترتكبها دولة الاحتلال بحق أهل الجولان والضفة الغربية وقطاع غزة.

وأكد أن هؤلاء المشايخ لا يمثلون إلا أنفسهم، مشددا على أن انتماء أهالي وعائلات قرية حضر الوحيد هو الطائفة السورية.

وحذرت مشيخة العقل الدرزية في لبنان في بيانٍ لها أمس، من المشاركة في الزيارة “لما يترتب على ذلك من مسؤولية قانونية على كل من يدخل الأراضي المحتلة”، مؤكدةً رفع الغطاء بالكامل عن كل مخالف.

وفي الجولان، وصل الوفد إلى بلدة مجدل شمس في الجولان المحتل، وتوجه شمالا للقاء الشيخ طريف، ثم انتقل لزيارة مقام النبي شعيب في بلدة جولس بالقرب من طبريا.

في سياق آخر، أدان مجلس الأمن الدولي بشدة أعمال العنف الواسعة النطاق المرتكبة في محافظتي اللاذقية وطرطوس في سوريا منذ 6 آذار/مارس، والتي شملت عمليات قتل جماعي لمدنيين، لا سيما في صفوف الطائفة العلوية، مطالبا السلطات الانتقالية بحماية “جميع السوريين من دون تمييز”، مهما كان انتماؤهم الإثني أو الطائفي. كما استنكر الهجمات التي استهدفت بنى تحتية مدنية، بما فيها المستشفيات.

وأعرب عن قلقه البالغ إزاء تأثير هذا العنف على التوترات المتصاعدة بين الطوائف في سوريا. ودعا جميع الأطراف إلى الوقف الفوري لجميع أعمال العنف والأعمال التحريضية وضمان حماية جميع المدنيين والبنى التحتية المدنية والعمليات الإنسانية.

وكرّر مجلس الأمن تأكيدَ الالتزام باحترام حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني في كافة الظروف وحث كافة الأطراف والدول على ضمان إيصال المساعدات الإنسانية بشكل كامل وآمن وبلا عوائق إلى المتضررين، وعلى كفالة معاملة جميع الأشخاص معاملة إنسانية، بمن فيهم كلّ من استسلم أو ألقى سلاحه بطريقة أخرى.

—————————-

سوريا وإسرائيل بين «سهم باشان» وزيارة «النبي شعيب»!

تحديث 15 أذار 2025

لم تتأخر إسرائيل البتة عن إظهار موقفها المعادي للسلطات الجديدة في دمشق، حيث أعلنت إطلاق عملية «سهم باشان» في يوم سقوط نظام بشار الأسد (8 كانون أول/ ديسمبر 2024) والتي شملت أكثر من 400 غارة، محتلة أراضي سورية جديدة، ومتابعة التوغّل والاعتداءات على السكان والمواقع العسكرية، بما فيها غارة باثنتين وعشرين مقاتلة على موقع في محافظة السويداء مؤخرا، والتهديدات المبطّنة للمسؤولين السوريين وللرئيس أحمد الشرع نفسه، ومن الواضح أن الغارة الأخيرة التي نفذتها في دمشق، باستهداف المنزل السابق لزعيم حركة «الجهاد الإسلامي» الفلسطينية، هي إشارة التهديد الأقرب جغرافيا لقادة النظام الجديد.

باستخدامها لكلمة باشان (الأرض المستوية = الجولان وسهل حوران) الواردة في سفر التثنية في التوراة، كما يشير تقرير لقناة «الجزيرة» يستحضر الجيش الإسرائيلي معركة حصلت في جنوب سوريا ضد ملك الأموريين وقام فيها العبرانيون القدماء بقتل الرجال والنساء والأطفال ونهب الممتلكات، في إحالة تؤصّل الإبادة الجارية حاليا في غزة وضد الفلسطينيين مع أحداث التوراة!

ترافقت هذه العمليات العسكرية مع استخدام تل أبيب راية سياسية هي «حماية الأقليات» داخل سوريا، مع شغل مركز على طائفة الموحدين الدروز في سوريا، وصل إلى حد التهديد بالتدخّل العسكري لـ»حمايتهم» ليس فقط في جنوب البلاد، حيث تعيش أغلبيتهم في محافظة السويداء، بل كذلك في منطقة جرمانا، المتصلة بالعاصمة دمشق، وكذلك بالحديث عن تخصيص الجيش الإسرائيلي مليار دولار لـ»دعمهم» وعن فتح الحدود لاستقدام عمال دروز من سوريا، وعن توزيع «مساعدات غذائية» وأمس الجمعة، عبر فتح حدود الجولان المحتل لقدوم وفد من قرية حضر الدرزية في محافظة القنيطرة لـ»زيارة مقام النبي شعيب» أحد المقامات المقدسة للمسلمين عموما، وللدروز خصوصا.

اثارت الزيارة ردود فعل ضمن الهيئات الدينية والشعبية للموحدين الدروز في سوريا ولبنان وإسرائيل، ففيما حذرت مشيخة العقل في لبنان من المشاركة في الزيارة، واستنكر بعض أهالي القرية الأمر، اعتبر الرئيس الروحي للطائفة الدرزية في إسرائيل، الشيخ موفق طريف، الزيارة «يوما تاريخيا» للطائفة بعد عقود من الانقطاع.

جاءت ردود مناهضة للزيارة من بعض النخب الدرزية في إسرائيل والجولان المحتل، فقال أحد مثقفيها إنه «من الواضح أن إسرائيل الرسمية جاهزة بخطط مشاريع لاستغلال الأوضاع في سوريا. من التوسع والتفتيت ومنع قيام دولة معقولة إلى إنشاء «دويلة درزية» أسقطت في السابق إلى جيوب جاهزة للعمل وفق أوامر تل أبيب» وإن «التدمير الذي أحدثه نظام المجازر لآل الأسد، على مدار خمسة عقود، من تفكيك للمجتمع وتطييفه وتقسيم البلاد وتوزيع مواردها، هو أفضل مدخل لإسرائيل وغيرها كي تلعب لعبتها».

فيما أشار آخر، إلى سماح دولة الاحتلال لمشايخ دروز بزيارة الأماكن المقدسة الدرزية «فيما تدنس أماكن المسلمين المقدسة وتمنعهم من الصلاة في مساجدهم التي نجت مؤقتا من القصف والدمار، ثم تجند كل زعرانها للاعتداء على الحجاج المسيحيين في شوارع القدس القديمة».

تجيء الزيارة في ظل توترات أمنية وسياسية داخل سوريا، فبعد المعارك التي شنّها «فلول نظام الأسد» التي أدت لمقتل أكثر من 300 من عناصر الأمن، وعمليات الانتقام الطائفية التي تبعتها ضد العلويين وأدت إلى مجازر حصدت أرواح المئات، انفتح الباب لانفراج كبير مع توقيع الرئيس السوري الشرع اتفاقا مع الزعيم الكردي مظلوم عبدي، قائد «قوات سوريا الديمقراطية» تبعه إرسال الدروز، ممثلين بشيخ العقل حكمت الهجري، مطالب للسلطات، وتوقيع «الإعلان الدستوري» لتتوتّر الأجواء مجددا، وترتفع الاتهامات للنظام بالتطرّف والاستفراد بالسلطة وإقصاء الآخرين.

الواضح أن الأوضاع الصعبة جدا التي يعيشها السوريون عموما (يقارب مستوى الفقر 90٪) والقرارات التي قامت بها السلطات الجديدة، من حلّ للجيش، وتسريح لعشرات الآلاف من العاملين في الجيش والأمن والقطاع العام، وتداعيات معارك الساحل، وبعض الإجراءات الأخرى تراكبت كلها مع مشاعر الإقصاء عن القرار ومخاوف التسلط الأيديولوجي والديني، والواضح أن البعض وجد في نفوذ إسرائيل الهائل في الإقليم، بعد الحرب ضد «حزب الله» و«حماس» وإيران، وتوظيف تهديداتها، وسيلة للضغط السياسيّ على السلطات الحالية.

واضح أيضا أن السلطات الحالية، تتعلّم بسرعة من أخطائها، وتستجيب لضغوط الشارع ومطالبه، وأن بعضا من التصعيد الإسرائيلي ناتج من نجاح هذه السلطات في تفكيك ألغام كثيرة، وفي قدرتها على مفاجأة تل أبيب كل يوم، والمتوقع أن تستطيع، مع الأيام، ومن خلال المظلة العربية والدولية التي تتوسع لدعمها، أن ترد على «سهم باشان» وأن تستعيد ثقة شعبها، فتستعيد اللاجئين، وتعيد البنى التحتية، وتصالح المنكوبين، وتستعيد السيادة وتؤسس لعقد سياسيّ يضم الجميع.

القدس العربي

——————————

عربٌ سُنّة لكنهم ليسوا مسلمين/ عمر قدور

السبت 2025/03/15

استلمت هيئة تحرير الشام السلطة في سوريا بعد إسقاط الأسد وفراره في الثامن من كانون الأول/ديسمبر. وكما صار معلوماً، وفق سردية معممة، قدّمت الهيئة وجهاً معتدلاً جداً بالقياس إلى ما هو متوقّع من تنظيم إسلامي جهادي، نشأ زعيمه في أحضان الجهادية التي حاربت الأميركان في العراق، وتميّزت مع نظيرتها الشيعية بأعمال عنف طائفية شديدة القسوة. بدورهم، قدّم عناصر الهيئة في الأسابيع الأولى نموذجاً جيداً على الانضباط واحترام المدنيين، ونالوا الإشادة على ذلك في مناطق التنوع الطائفي، خصوصاً في مناطق يغلب عليها المنبت العلَوي.

سلوك عناصر الهيئة، وقياداتها من خلفهم، كان مهماً لسببين، الأول منهما صدوره عما فُهِم كابتعاد عن الأيديولوجيا الدينية للهيئة، والعلويون بموجبها مارقون دينياً عن الإسلام الصحيح “السُني”. أما الجانب الذي لا يقل تأثيراً فيختزله تعبير “النظام النصيري”، وهو تعبير كان معتمداً في “دولة إدلب” التي حكمتها الهيئة بقبضة من حديد على مختلف المستويات، بما فيها المستوى التعليمي الخاص بتنشئة الأجيال الجديدة، أي أن هناك بين مقاتلي الهيئة من تشرّب تعبير “النظام النصيري” بوصفه اختزالاً لطائفة مارقة دينية ومجرمة (على الأقل) سياسياً، لذا كان لسلوكهم الطيب مغزى إيجابياً مركّباً.

قائد هيئة تحرير الشام، الذي ظهر باسمه الحقيقي، راح بدوره يرسل الإشارات التي تتضمن طي صفحة “أبي محمد الجولاني”، وهو لقبه الذي كان معتمداً وشائعاً في إدلب. وتحدث مبكراً عن الانتقال من عقلية الثورة إلى عقلية الدولة، على نحو أراد من خلاله طمأنة قسم من السوريين، وتهدئة البعض الآخر المتعطّش إلى إجراءات راديكالية يريد من السلطة الجديدة اتخاذها.

تحولات السيد الشرع نالت اهتماماً واسعاً جداً بوصفها دليلاً إلى تحول أعمّ في فكر الهيئة وسلوكها، بل صار الاهتمام مفرطاً في الشكلانية من خلال متابعة دقيقة لما يلبسه ولطول لحيته ومغزى لون ربطة العنق التي يرتديها. وما بدأ على أنه اهتمام بدوافع سياسية انزلق بمعظمه إلى ما يمكن تشبيهه بتقديس الفرد، وأحياناً بلغة مشابهة للغة تقديس الفرد التي استخدمها موالو العهد البائد، حيث يهمِّش تقديس القائد (الفرد) مَن حوله في السلطة أولاً، فلا تؤخذ أقوالهم أو أفعالهم بجدية، ويُعامل كما يُعامل غلاة المعجبين نجمهم؛ بمحبة غير مشروطة بمطالب سياسية محددة أو ببرامج ونتائج ملموسة. لقد وصل الأمر بجريدة حكومية إلى نشر مقال عمّا يجتذب النساء في شخصية السيد الشرع!

الاهتمام بالقائد، متضمناً بوادر عبادة الفرد، لم يكن في الشهور الثلاثة الأخيرة صناعةً إسلامية. على العكس، يمكن الجزم بوجود نسبة كبيرة من المتدينات والمتدينين الذين لم يتورّطوا فيها، لأن إيمانهم العميق يردعهم عمّا في تقديس الأفراد من شبهة الشرك. هذه الصناعة مدفوعة بأمرين؛ واحد منهما هو النزوع إلى البحث عن بطل منقذ خارق، وقد تحقق هذا لأصحابه على نحو مشابه للأفلام التراجيدية ذات النهاية السعيدة غير المتوقعة. أصحاب هذا النزوع لا يريدون التمعّن في سياق الأحداث التي أدّت إلى التغيير الكبير في دمشق، بل يرفضون ذلك عمداً.

النزوع الثاني المتمم للأول هو الملمح الطائفي، فالبطل المنقذ هو ابن الطائفة المظلومة، وها هو قد انتصر لها أخيراً. وفق هذا التصور، ثمة مظلومية سنية، تعرّض أصحابها للإبادة والتهجير منذ عام 2011، وحانت أخيراً لحظة الانتصار. إلا أن لحظة الانتصار ليست تدشيناً لتراخي عصب المظلومية السُنّية، بل إن كثراً من المنضمين مؤخراً إلى العصبوية السُنية لم يكونوا يفصحون عنها من قبل، ونسبة منهم كانت تعلن عن عدائها لأيديولوجيا هيئة تحرير الشام وكل ما تمثّله الهيئة.

السُنّيّون الجدد، إذا جاز التعبير، هم سُنّيّو السلطة الجديدة، وقد حلّوا مكان الموالاة القديمة وبالمفردات اللغوية والبصرية ذاتها في معظم الأحيان. إنهم طائفة سلطة أكثر بكثير مما هم طائفيون في الأصل. ونستطيع القول أن السنيون الجدد ساروا بعكس التحولات المعلنة لهيئة تحرير الشام، فإذا كانت مقتضيات السلطة قد جعلت الهيئة أكثر اعتدالاً فإن استلام الهيئة السلطةَ جعلهم أشد تطرفاً، أو بالأحرى جعلهم يقطعون الطريق سريعاً من موقعهم غير الإسلامي إلى محاولة تصدّر الخطابات الطائفية على السوشيال ميديا.

يجوز القول إن الإسلاميين استثمروا في المسألة الطائفية للوصول إلى السلطة، أما السُنيون الجدد فهم متطوعون طائفيون، مدفوعون بما هو انتهازي رخيص أحياناً، إذ يعتقدون أنهم يرضون السلطة. وهذا بالتأكيد شيك على بياض قد يصعب رفضه من الأخيرة إن لم يكن استخدامه مغرياً فوراً. وهناك بينهم من لا يدفعه جشع انتهازي، بل يكفيه وهم امتلاك السلطة، وهو ما يذكّر بطائفيين علويين كان لديهم وهم مماثل أيام الأسد، ولا عجب في أن نظراءهم السُنّة لم يتعظوا من الدرس والمآل.

اليوم هناك نسبة، هي الأكبر على نحو صريح من السُنيين الجدد، والذين ليسوا مسلمين على ما توحي به هذه الكلمة من صورة نمطية في حقل السياسة. نتحدث عن فئات متنوعة، بينها المحافظ والمتحرر اجتماعياً، ومعظمها لا يُبدي مظاهر ملحوظة من التدين، بل يشهر البعض منها كونه لادينياً. هذه الفئات، على تنوعها، لم تتورع عن توزيع صكوك انتماء تحت يافطة: إنهم يشبهوننا. والحديث كان عن ملامح السيد الشرع وزوجته، وأتى أيضاً في سياق جدل حول النقاب، وحول تعيين مسؤولة عن شؤون المرأة. ولا يخفى ما يوجد في هذا التنميط من غزل للسلطة الجديدة، ومن إنكار ونفي لسوريين آخرين لا يشبهونها شكلاً وفق هذا الزعم، كما لا يخفى البعد الطائفي المستتر تحت هذا التنميط، وقد شهدنا مثيلاً له أيام الأسد: توّجه هو نفسه بالحديث عن مجتمع متجانس.

بعض الذين انفتحت شهيتهم مؤخراً على الحديث في المسألة الطائفية هم أيضاً من السنيين الجدد، وهم يحتسبون كل من لا يشاطرهم الرأي بحذافيره منكراً للطائفية ينبغي إقناعه، من دون أن يعبّروا عن أية حساسية تتعلق بالمرحلة الانتقالية الراهنة، على الأقل حتى تستتب الأوضاع في البلد، ويُشرع في العدالة الانتقالية، العدالة التي لا تقتصر على محاكمات المتهمين فقط، وإنما تتضمن محاكمة الإرث السابق كله بهدف عدم تكراره نفسه أو مقلوباً. والمستتر لدى البعض منهم على الأقل هو عزمهم على تكرار الماضي مقلوباً، وهذا فحوى استرجاع ذكريات دموية من الماضي القريب أو الأبعد لتبرير ما يقولون إنه مجرد تجاوزات للسلطة الجديدة.

إنهم عرب بدرجة أقل ربما مما هم سُنة، فالعروبة تُدفع إلى الصدارة فقط بعدّها من لوازم مواجهة الأكراد غير المنضوين حتى الآن تحت إمرة السلطة الجديدة. ومن المحتمل جداً أن الكثير من السنيين الجدد قد أضناهم وأدماهم موقع المهزوم الذي بدا حكراً عليهم لوقت طويل، أو على ما يمثّلون، ويحتاجون إلى اختبار النصر الذي حصلوا عليه، بما في ذلك اختباره بالقوة والبطش. وسيكون من الصعب عليهم القبول سريعاً بأن المظلومية والسلطة لا تجتمعان، وأنهم الآن أهل سلطة لا ينازعهم عليها أحد، والنزاع الوحيد على طبيعتها لا على مَن يكون على رأسها. أيضاً، من الصعب عليهم التخلّص سريعاً من فكرة المؤامرة الكونية على السُنّة، والنظر بواقعية إلى حدث التحرير كانقلاب في المواقف الدولية له أبعاده الإقليمية والدولية، ولا توجد قوة داخلية قادرة على تغييره.

حتى يحدث ذلك، سيبقى التناقض، وقد يشتد، بين ادّعاء تمثيل الوطن السوري وبين تمثّل عصب طائفي يبقى محدوداً رغم أكثريته، وسيبقى التناقض نفسه بين اشتداد العصب الطائفي والقول إن السُنة في سوريا هم الأمة، بمعنى أنهم قادرون على استيعاب المختلف وجاهزون لذلك. على هذا تأخذ المطالبة بالعدالة أهمية استثنائية، لأنها كفيلة بوقف التحريض الذي يتغذّى على غيابها أو يتذرّع به، ولأنها السبيل لفتح جراح السنوات الماضية بقصد المعالجة لا زيادة الاحتقان، ولأنها ترياق ضد المنهمكين في صنع وثن السلطة.

المدن

—————————

سوريا والجوار: إعادة تشكيل الخطاب/ أحمد جابر

السبت 2025/03/15

تسارعت الأحداث السورية بعد فرار منظومة السيطرة الأسدية، وتوالت التطورات، فكان لها وقع المفاجأة، مثلما كان لها “صدمة” اللامتوقع، في أوساط سياسية متابعة، وفي أوساط استعملت عدّتها الفكرية القديمة، فما أصابت، ولجأت إلى ما هو موروث من تحديد مُدُني شائع، أو حزبيّ متقادم ومعروف، فخابت وضلّت الطريق إلى التقاط مغزى المشهد الجديد الذي نقل سوريا من ضفّة إلى ضفّة، فانتقل معها المراقبون الذين لم يتوانوا عن تبديل المواقف والضفاف.

“الحبكة” السورية، لم تتضح كل خلفياتها، لكن محاولة الانقلاب الأخيرة على الوضع الجديد، ساهمت في إلقاء الضوء على ألوان من خيطانها. بعض الخيطان كان في مرمى التخمين، وبعضها كان في “مدى” الظن، وبعضها كان في دفاتر التوجّس والاحتمال… حصيلة كل ذلك، اجتمعت في عنوان واحد كانت له الغلبة، هو عنوان تأمين قاعدة ارتكاز داخلية، لتكون لاحقاً نقطة انطلاق صوب المدى السوري، لاستعادته من السلطة الجديدة، فإذا تعذّر الفوز بالكلّ السوري، يُكتفى بالجزء منه، على حساب الجغرافيا السورية، وعلى حساب الشعب السوري، ومن دون التفات إلى مصير الأخير الذي يمكن أن تُلقى فيه سوريا الكيانية.

في العادة، وعند كل حدث مفصلي، يطرح سؤال: من المستفيد؟ هذا السؤال يحضر الآن في الواقع السوري الجديد، والجواب عنه يكون قاصراً إذا قيل: إن المستفيد هو العدو الإسرائيلي. هذا تحصيل حاصل جرى اجتراره طويلاً، وهو مائل للعيان اليوم في الجولان وفي جنوب لبنان، لذلك يصير الاستطراد بالسؤال ضرورياً لكي يبلغ الجواب فسحة النور. إذن، واستطراداً، من المستفيد من اللعب في الميدان السوري اليوم؟ لقد قيل إن فلول النظام السابق هي التي قامت بالانقلاب، وإن تلك الفلول قد تلقّت دعماً خارجياً، وإن قيادتها باتت معلومة، ومعلوم أيضاً من حرّكها، ومن قاد تحركاتها الميدانية.

العلم بأدوات الجريمة، وبهوية المجرمين أمر مهم، ومهم أيضاً العلم بالمحرّض وبالداعم وبالمتدخل، لكن الأهم سيبقى الوقوف أمام نتائج التدخل، وأمام حصيلة الاشتباك الذي ذهب ضحيته المئات من المدنيين، في عملية تصفية وحشية. هذا على صعيد سوري أهلي خاص، والأهم سيبقى موضوع الموقف من الأطراف المتداخلة التي أشير إليها بالبنان وبالبيان.

الرد الرسمي السوري، كان واضحاً في الإدانة، وفي التمسك بمحاسبة القتلة الذين استهدفوا المدنيين، وكان الرّد واضحاً في اختيار إفشال أهداف الانقلاب في بعدها الانشقاقي الاقتتالي الأهلي، وفي بعدها التحالفي الخارجي، الرد السريع منع الاستثمار في الفتنة الطائفية والمذهبية، مثلما منع احتمال التدخل الخارجي، عندما كسر مرتكزاته الداخلية.

خطاب وخطاب

لقد فوجئ “الخطاب” الجاهز بالمرونة الرسمية التي أبداها أولئك القادمون من “الإسلام السياسي” واكتشف كثيرون بأن الحنكة المُدَنية ليست حِكْراً على أبناء الجمعيات، وأن السرعة في التقاط إشارات الحدث، ومن ثم التكيّف معها، ليست اختصاصاً حصريّاً لهذا الكاتب أو لذاك “المفكّر” الاستراتيجي. لعلّه يمكن القول إن مجموع البيانات والشروح التي تناولت الوضع السوري قبل المحاولة الانقلابية، ظهر تَخَلُّفها السياسي عن اللحاق بالآن السوري، بعد فشل تلك المحاولة. لقد طغى على مجموع المقاربات طابع “المطلبية”، وقليلة هي المقاربات التي تخلّت عن لغتها الوعظية الإرشادية، والأقل من هذه وتلك، النصوص التي صدرت من موقع المسؤولية عن سوريا، قبل نظامها، فسارت بمسؤولية أيضاً، على جادّة الموضوعية، وذهبت بناءً على ذلك، إلى معاينة المشهد السوري الجديد، بممكناته، وكما يقدم نفسه في الداخل وحيال الجوار، مع ما يرافق ذلك من مهمّات جِسام، ومع ما يحيق بالمحاولة الجديدة كلها، من مخاطر شديدة، وهي تدق على أبواب الواقع السوري بكل تعقيداته.

مدخل إلى الخطاب

طلب استقرار سوريا هو العنوان الأول البسيط الواضح الذي تحتاجه سوريا اليوم. الاستقرار مدخل إلى الانصراف الهادئ إلى إعادة ما هدمه النظام السابق خلال عقود طويلة.

عناصر الاستقلال، الداخلية والخارجية، هو العنوان الثاني، فالعلاقة بين الداخل والخارج وثيقة، والترابط قائم بين الوطني المحليّ، والسياسة الوطنية الخارجية. تتقدم في الداخل مهمة إعادة صياغة الوحدة الوطنية السورية، صياغة غير قسرية، وغير اختزالية، وفي هذا المجال خطا الحكم الجديد خطوات واقعية ملموسة، وتتقدم في الداخل عملية إعادة بناء “الهيكل” الدولتي العام، وإطلاق العجلة الاقتصادية. فهذه من شروط إعادة إنتاج وتوسيع القاعدة الاجتماعية للحكم الجديد. فحيث يكون يُسْرُ العيش، وحيث تكون الكفاية الاجتماعية، يتراجع الاحتقان الاجتماعي، وتتراجع إمكانات استغلال التوتر وتوظيفه في سياسات زعزعة مجتمعية.

على صعيد خارجي، لا يملك السوريون تَرَف الخصومة مع الجوار القريب، ولا يبدو أنهم يسعون إليه، لكنهم يملكون حق وموقف رفض تدخل الجوار القريب، أو المحيط البعيد، في شؤونهم الداخلية، ويملكون الحق، وعليهم واجب، مطالبة المتدخّل بالكفّ عن سياساته، والمطالبة أيضاً بمساعدتهم على الوقوف في وجه التدخلات الخارجية.

سياسة حسن الجوار، هي ما يرددها الحكم السوري حتى الآن، وسياسة التنبيه هي ما اختارها بديلاً من لغة الاتهام… لذلك من حقّ المسؤول السوري أن يدعو الآخر إلى الالتزام بعلاقة حسن الجوار وأن يعتمد ما يراه ضرورياً من سياسة تعامل مع “الجار” إذا ما أصرّ على إذكاء نار الخصام.

أبعد من سوريا

بات واضحاً حجم الاندفاعة الخارجية التي تقودها الولايات المتحدة الأميركية، من ضمن خطة شاملة تصل إلى حدّ إعادة النظر في الكيانات وفي المجتمعات. النموذج الفلسطيني دليل، فما يحتشد في الأفق هجوم اقتلاع للشعب، وهجوم احتلال لما تبقى من أرض فلسطين.

النموذج اللبناني دليل آخر، اتفاق لوقف الأعمال العدائية تخرقه الآلة الحربية الإسرائيلية كل يوم، من دون إدانة، وتعيد القوات المعادية احتلال أجزاء من الأرض، فيطالب السياسي الأميركي بإخلائها، ويقدم طلبات أحادية تستهدف الجانب اللبناني، فتكون عوناً للعدو في عدوانه.

النموذج السوري دليل إضافي، والشواهد تحتشد من الجولان والقنيطرة وحوض اليرموك، إلى تدمير البنية الحربية للجيش السوري، إلى تنصيب العدو نفسه حامياً للأقليات. وهنا أيضاً، لا صوت للسياسة الأميركية إلاّ ذاك المشكّك بقدرة السوريين على إعادة صياغة بنيانهم في إطار وحدة وطنية جديدة، اكتسبت دفعاً لها بعد انضمام العنصر الكردي إليها، وبعد ما تردد عن استعداد العنصر الدرزي للمشاركة في مسيرة البناء الجديدة.

النماذج المستهدفة، تطرح ضرورة الانصراف إلى التفكير بمآل المنطقة العربية كلها، فالخطر يطال مصر مثلما يطاول الخليج مجتمعاً، ومعه سائر البلاد العربية.

التفكير الجماعي العربي، يعيد الاعتبار إلى العامل القومي في حدّه الدفاعي، وفي صيغته التكاملية، بعيداً من أوهام سادت ثم بادت عن كل “الجملة القومية”.

التأسيس على العامل القومي قد يسمح للعرب مجتمعين باحتلال بقعة ولو ضيقة، على خريطة “التواجد” العالمي، كبلدان وكأوطان، هذا لأن طاقة الاندفاعة الأميركية قد تصل إلى حدود تفكيك البنى الموروثة، لإعادة تركيبها بما يلائم ضرورات “الأمركة” المتجددة، التي لم تسلم من ضغط قوتها أوروبا الحليفة، ولا الجيران فوق القارة الأميركية الواحدة. على وجوه شتّى، الشعوب العربية في حال الدفاع عن الوجود، الوجود الفاعل الذي يمنع عنها صفة الشعوب، أو الدول غير النافعة.

في الأثناء، على الخطابة الوطنية، والخطابة العربية، أن تنتبه إلى أن القاموس الحالي، لا يضم بين صفحاته أكداس أماني الخطباء، وعلى هؤلاء أن يدركوا، أنه من غير المعقول الطلب إلى المغنّي الغناء، وعنقه رازحة تحت حدّ السكين.

المدن

——————————————

كيف تنظر واشنطن إلى “مجازر” الساحل؟/ شربل أنطون -واشنطن

15 مارس 2025

هل انتهت المرحلة الانتقالية نحو الديمقراطية في سوريا بمجزرة؟ وهل وقع أحمد الشرع في فخ انتقام طائفي أم في “محاولة انقلاب” نصبها فلول نظام الأسد بدعم إيراني؟.

أسئلة عدة تطارد رئيس المرحلة الانتقالية في سوريا بعد أحداث الساحل، منها: هل عاد أحمد الشرع إلى ثوبه الجهادي وغطّى مجزرةً قام بها من كان يُقاتل في صفوفهم حتى الأمس القريب؟ ومن هي “العناصر غير المنضبطة” التي تحدث عنها أحمد الشرع؟ ولماذا أمر بإرسال نحو نصف مليون مقاتل إلى الساحل السوري على مرأى العالم ومسمعه؟

مهما يكن من أمر، فإن مسؤولية النظام الحاكم في سوريا كشف ومحاسبة المسؤولين عن المذابح الطائفية التي حدثت مؤخراً في الساحل السوري.

ولحماية الأقليات السورية، على الدول العربية والمجتمع الدولي مسؤولية الضغط لكشف ملابسات هذه المجازر ضماناً لعدم تكرارها.

شبكة حماية قانونية دولية للأقليات في سوريا؟

هل توفر إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب شبكة حماية قانونية دولية للأقليات في سوريا خلال هذه المرحلة الانتقالية، بعد أن أدان وزير الخارجية الأميركية ماركو روبيو المجازر وحدد منفذيها دون مواربة، ورفعت واشنطن الموضوع إلى مجلس الأمن الدولي؟

“تدين الولايات المتحدة الإرهابيين الإسلاميين المتطرفين، بما في ذلك الجهاديين الأجانب، الذين قَتلوا الناس مؤخراً في غرب سوريا. وتقف الولايات المتحدة إلى جانب الأقليات الدينية والعرقية في سوريا، بما في ذلك المجتمعات المسيحية والدرزية والعلوية والأكراد، وتقدم تعازيها للضحايا وأسرهم. ويتعين على السلطات المؤقتة في سوريا محاسبة مرتكبي هذه المجازر ضد الأقليات في سوريا”، على حد تعبير  روبيو.

وتطالب السناتور الديمقراطية جين شاهين السلطات السورية بـ”التحقيق في ما حدث، وتقديم المسؤولين عن قتل المدنيين إلى العدالة. لأن الشعب السوري لم يقم بإسقاط نظام الأسد الوحشي ليجد نفسه مجددا في ظل قمعٍ وعنفٍ أكبر”.

من جهتها، تشير صحيفة واشنطن بوست إلى أن المجزرة في الساحل السوري “تثير تساؤلات خطيرة بشأن ما إذا كان أحمد الشرع راغباً أو قادراً على كبح جماح مجموعة واسعة من الفصائل المسلحة التي لا تزال تعمل في جميع أنحاء البلاد”. فكيف يمكن للرئيس ترامب أن يُعالج هذه المسألة بشكل جذري لمنع تكرار المذابح ضد الأقليات في سوريا؟

أيُّ سياسة أميركية تجاه سوريا ما بعد الأسد؟

الممثل الأميركي الخاص السابق لشؤون سوريا، جيمس جيفري، قال لبرنامج عاصمة القرار على قناة الحرّة: “على الولايات المتحدة أن تتبنى سياسةً أكثر وضوحاً وفعالية تجاه سوريا. هناك العديد من المشاكل مع حكومة دمشق الجديدة برئاسة الرئيس الشرع. ومع ذلك، فقد اتخذ( الشرع) خطواتٍ إيجابيةً عديدة. والأهم من ذلك، أنه الشخص الوحيد القادر على حكم سوريا حالياً؛ والشرع عازمٌ تماماً على إبعاد إيران. وهذا هو الشاغل الأمني الأكبر لنا في دول جوار سوريا، بما فيها إسرائيل والأردن وتركيا وغيرها.”

وأضاف جيفري: “لذا، أرى أننا بحاجة إلى ربط خطواتنا المستقبلية، بما في ذلك الإعفاءات أو رفع العقوبات المحتمل وتوثيق العلاقات، بخطوات نحو مزيد من دمج الأقليات، بالإضافة إلى التحقيق في عمليات القتل حول اللاذقية. والأهم من ذلك، استبعاد أيٍّ من هؤلاء الأجانب ذوي الخلفيات الإرهابية من رعاية الحكومة السورية”.

ويقول جوشوا لانديس، مدير قسم الشرق الأوسط في جامعة أوكلاهوما: “تريد الولايات المتحدة الاستقرار في سوريا. كما تريد حماية شركائها الأكراد. وتريد واشنطن أيضاً ضمان عدم تمدد داعش في المنطقة. وألا يُطلق سراح سجناء داعش فيعودوا إلى التآمر ضد السوريين والمجتمع الدولي”.

لذا، يُضيف لانديس، فإن “الحفاظ على علاقات جيدة مع كل من النظام والأكراد، أمرٌ بالغ الأهمية للولايات المتحدة، التي ترغب في ذلك. كما ستحرص الولايات المتحدة على ألا تُرهِب الحكومة الجديدة الشعب السوري، وأنها ستفي بوعودها، بإشراك جميع أطياف الشعب السوري في صياغة دستورٍ يتضمن انتخاباتٍ حرةً خلال أربع سنوات”.

انتهاء “شهر العسل الانتقالي” في سوريا؟

يحذر الباحث في معهد واشنطن آرون زيلن من “انتهاء شهر العسل الانتقالي في سوريا بعد المجازر والتضليل الذي تمارسه السلطة الانتقالية حول المجازر ضد المواطنين العلويين”.

ويضيف: “إن سلوك لجنة تقصي الحقائق في سوريا سوف يؤدي إما إلى بناء شرعية الحكومة الجديدة أو تدميرها، وكذلك احتمالات انتقال مستقر للسلطة”.

وهذا ما يحتم على واشنطن بعض السياسات تجاه أحمد الشرع وفريقه: “ربما يكون من الضروري تأجيل رفع العقوبات الأميركية إلى حين التحقق بشكل ملموس من التقدم في تحقيق انتقال ديمقراطي سلمي في سوريا. وهذا يعني تعزيز الاستقرار والعدالة الانتقالية والحكم الشامل للسوريين جميعاً، مع خدمة المصلحة الأميركية العليا المتمثلة في مواجهة إيران ووكلائها. كما أن واشنطن تحتاج إلى إجراء مناقشات صعبة مع حلفائها في أنقرة والقدس، حول تضارب مصالحهما في سوريا، وحول ضرورة ضبط تدخلهما” في الشأن السوري.

بين أحمد الشرع و”الشيطان الذي نعرفه” !

إن “أحمد الشرع جهادي منذ فترة طويلة” يقول سيبستيان غوركا، مساعد الرئيس ترامب، لقناة الحرة.  “فهل أصلح نفسه؟ هل هو رجل أفضل الآن؟ هل هو شخص يؤمن بالحكومة التمثيلية؟ اسأل المسيحيين. اسأل العلويين في المنطقة واسأل أي أحد عانى على يديّ أحمد الشرع الجهادي. لم أجد أبدا قائدا جهاديا أصبح ديمقراطيا أو آمن بالحكومة” التمثيلية.

لكن “لا يمكن إغفال أن سوريا كانت حاضنة للإرهاب في ظل حكم نظام الأسد” برأي ديفيد شنكر، الذي يضيف : “مثلما يفرض تواجد الشرع وهيئة تحرير الشام في السلطة تحديات، فإنه يمثل كذلك فرصا للولايات المتحدة؛ فسوريا لم تعد تشكل تهديدا عسكريا لجيرانها. كما أن دمشق اختارت ألا تجدد استئجار روسيا للقاعدة البحرية في طرطوس، ما يحد من الانتشار الروسي في البحر المتوسط. كما أن سوريا الجديدة ليس لها مصلحة في إدامة العلاقة الاستراتيجية مع طهران ووكلائها الإقليميين. ولم يعد بإمكان إيران تسليح حزب الله عن طريق الأراضي السورية.”

وأضاف: “نهاية نظام الأسد كانت تطورا إيجابيا للولايات المتحدة وشركائها في المنطقة. الشيطان الذي نعرفه كان سيئا لمصالح الولايات المتحدة لدرجة أنه حتى الشرع يمكن أن يكون خيارا أفضل”. حسب تعبير ديفيد شنكر، مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى خلال ولاية ترامب الأولى.

بدايات نظام فدرالي في سوريا؟

من ناحية أخرى، كيف يرى خبراء “عاصمة القرار” التوافقات الأخيرة بين الحكومة السورية المؤقتة والأكراد والدروز ودور الجيش الأميركي في تسهيل الاتفاق بين الشرع وقسد؟.

“توفر هاتان الاتفاقيتان لهذه المناطق درجة من الحكم الذاتي لم نكن نعتقد أنها ستتمكن من الحصول عليها. لقد وافق الرئيس السوري الجديد على ما يبدو أنه بدايات نظام فيدرالي في الدستور الجديد. مما يعني وفقًا لكل من الأكراد والدروز درجة من الحكم الذاتي” كما يقول الباحث الأميركي جوشوا لانديس.

هذه الاتفاقات هي “خطوات في الاتجاه الصحيح” برأي السفير جيمس جيفري، الذي يطالب “المجتمع الدولي والدول العربية والأوروبية والأمم المتحدة ومنظمات، بالعمل مع حكومة دمشق على تعزيز استقرار الوضع في سوريا وبالتالي في المنطقة بأسرها واحتواء إيران”.

فرضت المجزرة ضد العلويين في سوريا تحديات جديدة على السلطة السورية المؤقتة وعلى داعميها لمنع انحراف المرحلة الانتقالية إلى فوضى وحرب طائفية قد تؤدي إلى تقسيم بلد منهك بالحروب. فهل ينجح التعاون الأميركي الروسي بشأن سوريا في حماية البلد وتنوعه العرقي والديني؟

شربل أنطون -واشنطن

الحرة

—————————–

====================

عن التدخل الاسرائيلي السافر في سورية الجديدة، ملف تناول “شهية إسرائيلية لتفتيت سوريا” – تحديث 14 أذار 2025

تحديث 14 أذار 2025

————————

جدلية الأمن والسياسة في سورية/ حسين عبد العزيز

14 مارس 2025

أن تشنّ عصاباتٌ من فلول النظام البائد هجوماً عسكرياً مباغتاً في الساحل السوري على قوات الأمن والجيش فهذا ليس مفاجئاً من مجموعة ما تزال ترتبط أيديولوجياً ونفسياً وطائفياً بنظام الأسد، ولها مصلحة مباشرة بإسقاط نظام الحكم الجديد. وأن تخرج في السويداء مظاهراتٌ مندّدة بسياسات الإدارة الجديدة، تنتهي بإنزال العلم السوري، ورفع الراية الدرزية في محلّه، لم يكن مفاجئاً، إذ تصرّفت بعض فئات اجتماعية، منذ بداية الثورة السورية عام 2011، على أساس هُويَّاتي ضيّق. غير أنه لم يقتصر على أقلّيات، بل برز ايضاً بين الأكثرية، والمقصود هنا رجالات الأمن والجيش الجديد من الطائفة السنّية، الذين ارتكبوا إعداماتٍ ميدانيةً في الشوارع لأشخاص عزّل مدنيين.

ليس مهمّاً من الناحية المعرفية التساؤل ما إذا كانت الأقلّيات ما تزال تفكّر وتعمل على أساس هُويَّاتي، خصوصاً في اللحظات التاريخية الفارقة، حين يكون الاجتماع السياسي مهدّداً، أو مضطرباً وغير واضح المعالم، بل إن التساؤل عن أسباب سلوك الأقلّيات مسلكاً هُويّاتياً يغدو عبثياً لا قيمة معرفية له، في ظلّ مجتمع ودولة قاما (عقوداً خلت) على أساس عمودي، لا مواطنة فيه. يكون السؤال معرفياً حين يُطرح على الشكل التالي: ما هي الأسباب التي دفعت علويين في الشمال الغربي من سورية إلى البدء بعمليات عسكرية، بعد ثلاثة أشهر من سقوط نظام الأسد، وتشكّل إدارة حكم جديد؟… وهو سؤال ينطبق أيضاً على مناطق درزية؟ وربّما لاحقاً على كردية؟… لا تكفي الإجابة عن هذا السؤال اعتماداً على تباين الهُويَّة الاجتماعية: طوائف منفتحة ومتحرّرة اجتماعياً في مقابل منظومة حكم إسلامية منغلقة اجتماعياً يمكن أن تفرض رؤيتها على الجميع. كما لا تكفي الإجابة اعتماداً على التنافر الهُويَّاتي والأيديولوجي أيضاً بين الطرفَين، فمن نافلة الفعل الطبيعي أن تُعبّر الأطراف عملياً عن رؤيتها، محمولة بحمولات سياسية أو اجتماعية أو طائفية.

السؤال المهم: ما الذي دفع فلول النظام إلى الانتقال من حالة القوة إلى حالة الفعل، وما الذي دفع دروزاً إلى رفع علمهم الخاصّ بدلاً من العلم السوري؟… هنا جوهر المسألة، فالنزعات الذاتية المحكومة بأيديولوجيات ورغبات نفسية ومشاعر طائفية موجودٌ دائماً ولا تختفي بسهولة، لكنّها، وإن كانت شرطاً للتحرّك والفعل، فإنها ليست سبباً مباشراً لذلك. لقد كان للسلوكات الفردية للعناصر الأمنية والعسكرية في الإدارة الجديدة، من جهة، وغياب آلية حوار سياسي مع قيادات المكوّنات الاجتماعية السورية، خصوصاً مع أبناء الطائفة العلوية، من جهة أخرى، دورٌ رئيسٌ في استمرار المخاوف لدى الأقلّيات.

كشفت الأشهر الثلاثة الماضية من حكم الإدارة الجديدة افتقادهم فهماً للعلاقة الجدلية بين الأمن والسياسة، خصوصاً في المراحل الخطيرة أو الانتقالية. تعامل الحكام الجدد في الملفّين الأمني والسياسي من منظار أحادي الجانب. صحيحٌ أن سيطرتهم على الحكم جاءت بأقلّ التكاليف الدموية، وصحيحٌ أنهم أعلنوا من اليوم الأول انفتاحهم على جميع المكوّنات السورية باعتبار أفرادها مواطنين سوريّين، وصحيحٌ أنهم أعلنوا أنهم لن يتعرّضوا إلا لمجرمي النظام السابق، إلا أن بناء الدول لا يقوم على التطمينات والخطابات السياسية العامّة.

في الملفّ الأمني، تعاملت السلطة الجديدة وفق حكمٍ شديد المركزية، فأعلنت أن جميع المليشيات يجب أن تحلّ نفسها وتنخرط في الجيش الجديد أفراداً لا مجموعاتٍ، وليس مقبولاً بقاؤها على هذا النحو. وعلى الرغم من صحّة الدعوة نظرياً (إذ هكذا تُبنى الجيوش الحديثة على أساسٍ فرديٍّ لا على أساس مكوّنات اجتماعية لها صبغة هُويَّاتية معيّنة)، لكن الواقع السوري المتمثّل بوجود قوىً عسكريةٍ ذات لون هُويَّاتي خاص، ولها وزنٌ وارتباطاتٌ إقليمية ودولية، كان يحتم قبول دخولها في الجيش فصيلاً قائماً بذاته في المرحلة الأولى من بناء الدولة، على أن يتم لاحقاً (وخلال سنوات) عملية انصهار تدريجية داخل الجيش، وهذا ما حدث في بعض التجارب التاريخية، فالأولوية الرئيسة في مراحل الانتقال المفصلية، هي عملية بناء الثقة والاندماج في مؤسّسةٍ عسكريةٍ واحدة، بغضّ النظر عن طريقة توزّع الأفراد والجماعات فيها، فلكلّ تجربة خصوصيتها التاريخية.

في الملفّ السياسي، تعاملت الإدارة الجديدة بمركزية شديدة أيضاً، فقامت بخطوات غير مدروسة عبر تشكيلها حكومة من لون واحد، ولجنة حوار وطني، ثمّ لجنة للإعلان الدستوري. والغريب أن سلوك السلطة السياسي في هذا المجال كان يتحرّك وفقاً لمعطيات الخارج، لا الداخل، بمعنى أن هذه الخطوات كانت موجّهة إلى المجتمع الدولي من أجل الحصول على دعمه السياسي والاقتصادي، ولم تكن مبنيةً تماماً على اهتمامات فرقاء الداخل السوري. يبدو من المعطيات القائمة، أن إدارة أحمد الشرع لم تدرك العلاقة الوثيقة بين الأمن والسياسية، فلا تتحقّق الأولى من دون الثانية، فالبداية يجب أن تكون سياسيةً، وما إن يتمّ التوافق السياسي بين فرقاء الوطن حتى تصبح المسائل الأمنية والعسكرية والاقتصادية تحصيل حاصل.

من هنا، الأولية الجوهرية لبناء سورية الجديدة، وللحيلولة دون انزلاق الأمور إلى فوضى تهدّد البلد بأكمله، وعلى الرئيس وإدارته العمل بجدّية على ضمان التوافق مع المكوّنات السورية كلّها، حتى لو اضطرّ، في هذه المرحلة، إلى تقديم تنازلات عسكرية وسياسية، فمن دون نشوء ثقة وطنية بين الجميع، تبدو سورية متجهةً إلى المجهول. إنجاز هذه الأولويات مهمة الدولة الجديدة بالدرجة الأولى، قبل أن تكون مهمة الآخرين، شركاء الوطن.

العربي الجديد

—————————

هذا ما سيفعله الرئيس الشرع لمواجهة إسرائيل/ محمود علوش

14/3/2025

خطا الرئيس السوري أحمد الشرع ثلاث خطوات مُهمة نحو إعادة توحيد سوريا، ومواجهة مشاريع تقسيمها. الأولى، إفشال التمرد المُسلّح الذي قادته خلايا النظام المخلوع في مناطق الساحل بهدف إسقاط الدولة الجديدة وإشعال حرب أهلية. والثانية، إبرام اتفاق مع قوات سوريا الديمقراطية (قسد) لدمجها في الدولة الجديدة، والثالثة، الاتفاق مع أهالي ووجهاء محافظة السويداء الجنوبية على دمجها الكامل في مؤسسات الدولة.

مع ذلك، تبقى مُعضلة الجنوب السوري إشكالية ضاغطة على سوريا؛ بسبب التحركات التي بدأتها إسرائيل منذ الإطاحة بنظام الأسد واحتلالها أجزاء جديدة من الأراضي السورية ومحاولتها تأليب دروز الجنوب على إدارة الرئيس الشرع.

على الرغم من أن إسرائيل سعت في البداية إلى تسويق تحرّكاتها العدوانية في سوريا في إطار مواجهة مخاطر أمنية مزعومة تُهددها، فإن النهج الإسرائيلي أصبح بعد ذلك أكثر وضوحًا، خصوصًا بعد إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في 23 فبراير/ شباط الماضي عن نوايا إسرائيل الإستراتيجية في سوريا. وتتضمن هذه النوايا تحقيق أربعة أهداف متوسطة وبعيدة المدى.

    أولًا، تكريس احتلال المنطقة العازلة في الجولان وقمة جبل الشيخ الإستراتيجية كأمر واقع من خلال ربط التواجد الإسرائيلي فيهما بالتهديدات المزعومة بعيدة المدى التي تواجه إسرائيل من سوريا، وليس القريبة المدى. وبالنظر إلى أن المناطق المُحتلة الجديدة ليست كبيرة من حيث الحجم، فإن إسرائيل قادرة على الاحتفاظ بها، إما بهدف ضمها لها بشكل نهائي، أو بهدف تعزيز موقفها في أي مفاوضات مستقبلية مُحتملة مع النظام الجديد في سوريا.

    ثانيًا، محاولة إحداث شرخ كبير بين الدروز في جنوب سوريا والإدارة الجديدة كبوابة لتأسيس كيان درزي كمنطقة عازلة بينها وبين سوريا. ولا تقتصر وسائل إسرائيل بهذا الخصوص على تشجيع النزعة الانفصالية بين الدروز، وتقديم نفسها كحامٍ لهم، بل تشمل كذلك طرح مطلب تحويل جنوب سوريا إلى منطقة منزوعة السلاح وعدم انتشار الجيش السوري الجديد فيها، فضلًا عن اعتزام السماح للدروز بالعمل داخل إسرائيل.

    ثالثًا، تدمير ما تبقى من الأصول العسكرية التي أصبحت ملكًا للدولة السورية بعد الإطاحة بنظام الأسد من أجل إضعاف القدرات العسكرية لهذه الدولة، وتقويض قدرتها على امتلاك عناصر القوة لبسط سيطرتها على كافة أراضيها وللتعامل مع التحديات الأمنية الداخلية التي تواجهها، خصوصًا مع الأطراف: (قسد، خلايا النظام في الساحل، والتشكيلات المسلحة في الجنوب). وتندرج هذه الإستراتيجية ضمن أهداف إسرائيل في تشجيع النزعات الانفصالية على الأطراف لإضعاف السلطة المركزية في دمشق.

    رابعًا، تقويض قدرة تركيا على الاستفادة من التحول السوري لتعزيز دورها في سوريا، وفي المنافسة الجيوسياسية مع إسرائيل في الشرق الأوسط. ولهذه الغاية، تعمل إسرائيل على مسارات مُتعددة، ليس فقط محاولة إيجاد موطئ قدم لها بين الدروز في الجنوب، بل أيضًا شيطنة الإدارة السورية الجديدة للتأثير على القبول الدولي بها، والضغط على إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لعدم الاعتراف بالرئيس الشرع، وإبقاء العقوبات على سوريا كسيف مُصلت عليها لتحقيق مصالح إسرائيل، والضغط كذلك على واشنطن لإقناعها بالحاجة إلى بقاء الوجود العسكري الروسي في سوريا كضرورة لمواجهة نفوذ تركيا.

حتى في الوقت الذي يبدو فيه تقسيم سوريا أو فَدْرلتها أو تحويل الجنوب إلى منطقة منزوعة السلاح (عدم وجود الجيش السوري فيها)، غير مُمكن وغير واقعي، فإنه من المرجح أن تحتفظ إسرائيل باحتلال المنطقة العازلة وقمة جبل الشيخ الإستراتيجية لفترة طويلة.

كما ستسعى لاستثمار الفترة الطويلة التي ستستغرقها عملية بناء الدولة الجديدة ومؤسساتها العسكرية والأمنية من أجل مواصلة شن ضربات على امتداد الأراضي السورية؛ بذريعة مواجهة تهديدات مُحتملة، أو خطر وقوع مثل هذه الأسلحة في أيدي جماعات تُشكل تهديدًا لإسرائيل.

إن هذا النهج الإسرائيلي المُحتمل ينطوي على مخاطر كبيرة على سوريا وإدارتها الجديدة، لأنه سيُقوض من قدرتها على تحقيق استقرار داخلي كامل وبناء مؤسسة عسكرية قوية. ولا تبدو احتمالية الدخول في حرب مع إسرائيل واردة على الإطلاق على جدول أعمال الرئيس الشرع، خصوصًا في هذه المرحلة التي تفرض عليه تركيز أولوياته على إنجاح المرحلة الانتقالية، وإعادة بناء الدولة، وبناء علاقات جيدة مع الغرب من أجل رفع العقوبات المفروضة على سوريا وإطلاق عملية إعادة الإعمار.

لقد شدد الشرع في القمة العربية الطارئة، التي عُقدت في القاهرة، على ضرورة العودة إلى اتفاقية فض الاشتباك بين سوريا وإسرائيل لعام 1974، بما في ذلك انسحاب إسرائيل من الأراضي الجديدة التي احتلتها بعد سقوط نظام الأسد. ويعمل الشرع على ثلاثة سياقات لمواجهة التحدي الإسرائيلي.

    التأكيد على التزامه باتفاقية فض الاشتباك لإظهار رغبته في تجنب أي صدام عسكري مع إسرائيل.

    تقويض قدرة إسرائيل على استثمار الانقسامات الطائفية والمجتمعية والعرقية في سوريا من خلال السعي لدمج الحالات على الأطراف: (الشمال الشرقي، الساحل، الجنوب) في الدولة الجديدة.

    تعزيز القبول الدولي به لإقناع القوى الفاعلة في المجتمعين: الإقليمي والدولي بالضغط على إسرائيل للحد من اندفاعتها في سوريا، والعودة إلى الوضع الذي كان قائمًا في الجنوب قبل سقوط نظام بشار الأسد.

علاوة على ذلك، يُحاول الشرع توسيع هامش المناورة لديه في مواجهة التحدي الإسرائيلي من خلال تعميق الشراكة الجديدة لسوريا مع تركيا.

على الرغم من وجود مشروع لاتفاقية دفاع مشترك بين تركيا وسوريا، فإن الشرع لا يزال متريثًا في الإقدام على هذه الخطوة لاعتبارات مُتعددة. لكنه في حال تصاعد خطر التحدي الإسرائيلي على استقرار سوريا ووحدتها، فإنه قد يلجأ إلى هذه الاتفاقية للحصول على دعم تركي في تسليح الجيش السوري الجديد، وتعزيز قدرته على مواجهة هذا التحدي.

والخلاصة أن التحدي الإسرائيلي يُوجد عقبات كبيرة أمام نجاح التحول في سوريا، لكنه يُوجد في المقابل فرصًا للشرع لبلورة إستراتيجية متكاملة للتعامل مع هذا التحدي، وتعزيز القبول الدولي به كضمان لمنع اندلاع حرب بين سوريا وإسرائيل في المستقبل.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

باحث في العلاقات الدولية

——————————–

تركيا منزعجة وإسرائيل ضائعة: اليد الأميركية ترعى الشرع/ منير الربيع

الجمعة 2025/03/14

خفايا كثيرة لم تتوضح حتّى الآن حول اشتباكات الساحل السوري وخلفياتها. فإلى جانب الروايات العديدة التي أصبحت معروفة، تبقى هناك روايات أخرى، من بينها ما يرد عن دخول إيران بشكل مباشر على خطّ هذا الصراع، لأن طهران كانت قد علمت بمفاوضات جدية تقودها الولايات المتحدة الأميركية لإرساء تفاهم بين دمشق والأكراد، فجاءت معركة الساحل لقطع الطريق على أي مصالحة بين أحمد الشرع والفصائل الكردية. لكن ما يتضح أكثر هو حجم الاهتمام الأميركي بسوريا، والحفاظ على وضعية الشرع مع إعطائه فرص سياسية كثيرة. وما يمكن قوله باختصار، إن واشنطن هي التي وفرت كل مقومات الصمود للشرع، خصوصاً بعد معركة الساحل، وفي ظل المساعي المستمرة لإصلاح العلاقة مع الدروز.

غرفة عمليات

بالتزامن مع المعارك التي كانت قائمة في الساحل، كانت غرفة عمليات أميركية مهمتها مواكبة الملف السوري، تضغط في سبيل معالجة الكثير من الملفات العالقة، أولها معالجة العلاقة بين دمشق والأكراد، وبين دمشق والسويداء. وقد تركز العمل على خفض التصعيد بشكل نهائي بين دمشق وشمال شرق سوريا، بالإضافة إلى العمل على تهدئة الوضع في الساحل مع إعطاء هامش للشرع كي يحسم. شدد الأميركيون على ضرورة تجميد أي نشاط لبعض القوى العسكرية الموالية لتركيا، وخصوصاً “فرقة سليمان شاه” بقياد محمد الجاسم المعروف بلقب “أبو عمشة”. لا سيما أن الكثير من المجازر التي ارتكبت في الساحل السوري تتحمل مسؤوليتها هذه الفصائل، وخصوصاً “العمشات” و”الحمزات”. وقد اعتبر الأميركيون أن هذا سيؤدي إلى تفجير كل الواقع السوري، بالإضافة إلى إصرار الفرقتين على خوض المعارك ضد الفصائل الكردية ورفض الاتفاق. يتواصل الضغط الأميركي لإخراج هاتين الفرقتين من الساحل السوري بشكل كامل، وصولاً إلى العمل على حلّ الفصيلين. بينما في المقابل، هناك إصرار لدى الحمزة وأبو عمشة على البقاء في الساحل وعلى مواصلة القتال ضد الأكراد. وهذا يشير إلى إمكانية بروز توتر أميركي- تركي بسبب الاختلاف في المقاربات.

غطاء أوروبي

في الموازاة أيضاً، كانت هناك مفاوضات روسية سورية، أصبحت معروفة الآن بعد تصريح الشرع لوكالة رويترز حول التفاوض مع الروس على مسألة بقائهم في القواعد العسكرية في اللاذقية وطرطوس. هنا تتداخل الحسابات الجيوستراتيجية للدول على الساحة السورية. إذ أن الأوروبيين لا يعتبرون أن مصلحتهم تقتضي باستمرار السيطرة الروسية على الموانئ السورية. لذا، كانت هناك مواقف أوروبية واضحة تدعو الى الحفاظ على وحدة سوريا، ورفض حصول أي اهتزاز أمني أو عسكري. بدا ذلك وكأنه غطاء للشرع كي يحسم المعركة ويعيد السيطرة على الساحل. على الرغم من المواقف الأوروبية الواضحة التي كانت تشير إلى ضرورة حماية الأقليات ووقف ممارسة العنف، لكن الهم الأكبر هو عدم ترك روسيا هي المتحكمة بمنطقة الساحل، وتوفير الدعم للشرع كي لا يكون مضطراً للاستسلام إلى موسكو. هنا لا بد من التذكير بأن فرنسا تأخرت في إعلان الاعتراف بأحمد الشرع والترحيب بوصوله، بانتظار أن تضمن تجديد عقد شركة cma cgm في مرفأ طرطوس. وللمفارقة أنه في اليوم الذي جرى تجديد العقد صدر الترحيب الفرنسي على لسان الرئيس إمانويل ماكرون.

المصلحة الأميركية

على الرغم من هذه المواقف الأوروبية، تبقى هناك نقطة غير محسومة بالنسبة إلى الأوروبيين، وهي تتصل بالعلاقة الروسية الأميركية. إذ لم يتمكن الأوروبيون من تكوين تصور واضح حول حقيقة الموقف الأميركي من الوجود الروسي في سوريا. في المقابل، عمل الأميركيون على ممارسة ضغوط على إسرائيل لتخفيف حدة الضغط العسكري والسياسي على سوريا. فعلى الرغم من الالتقاء الأميركي الإسرائيلي استراتيجياً، هناك خلاف أساسي على طريقة إدارة الملف. ويعتبر الأميركيون أن ما يقوم به الإسرائيليون يهدد بتفجير المنطقة ككل على أساس طائفي أو عرقي أو قومي، وهو لا يصب في المصلحة الأميركية، وسط تركيز على حماية الاستقرار. لذلك، عملت واشنطن على تقديم مقترحين لمعالجة علاقة دمشق مع الأكراد ومع الدروز، مع توفير ضمانات أميركية للأكراد والدروز بعدم التعرض لهم من قبل دمشق، وتوفير كل الضمانات الأمنية لهم.

إصرار الأميركيين على تحقيق مصالحة دمشق مع الأكراد، يُعد مشكلة بالنسبة إلى تركيا، أو يندرج في سياق تضارب المصالح. أما إصرار الأميركيين على دعم الشرع ليتمكن من الحفاظ على السلطة في دمشق، مع ما يقتضيه ذلك من الوصول إلى اتفاق مع الأكراد، قد يُعد مشكلة بالنسبة إلى إسرائيل أيضاً، التي تقول منذ اليوم الأول إنها تسعى إلى تقسيم سوريا إلى مناطق نفوذ. كذلك، هناك استنفار تركي إسرائيلي. ففي الوقت الذي تسربت فيه أخبار عن نية أنقرة بناء قواعد عسكرية في البادية السورية، كانت إسرائيل تسرب مشروعها للدخول من الجنوب السوري باتجاه السويداء ومنها إلى البادية وصولاً إلى شمال شرق سوريا، أي فتح خط مباشر مع الأكراد.

هنا تزايدت الضغوط الأميركية، من أجل عدم انفجار الوضع السوري بشكل كامل. وفي موازاة كل التضارب في الحسابات، يواصل الشرع نشاطه السياسي المتصل بتكوين السلطة، من إطلاق الإعلان الدستوري، إلى البحث في تشكيل حكومة على الأرجح ستكون من 22 وزيراً. وهو سيضم إليها وزيراً كردياً، وآخر مسيحياً، مع إمكانية انضمام وزير درزي. وذلك يتوقف على توقيع الاتفاق النهائي مع الدروز في السويداء، وهم ينقسمون بين من يؤيد ويتحمس لتوقيع الاتفاق ومن لا يزال يتريث، فيما تتواصل المساعي الأميركية لإنجاز هذا التفاهم، والذي سيكون عبارة عن اعتماد مبدأ اللامركزية الموسعة، بما تتضمنه من احتفاظ كل منطقة بفصائلها وبنوع من اللامركزية الضرائبية أو المالية، بما يرضي هذه المكونات.

ما تريده إسرائيل

إسرائيل حتى الآن لا تبدو أنها تتمتع بقناعة واضحة أو برنامج لما تريده في سوريا، هناك ما يشير إلى ضياع إسرائيلي في كيفية التعاطي مع الملف السوري، وما إذا كانت تريد لسوريا أن تكون مستقرة على سلطة أساسية في دمشق مع توسيع هامش اللامركزية بالنسبة إلى المناطق الأخرى، على أن يكون ذلك مقابل دخول الشرع في مفاوضات سياسية أو ديبلوماسية معها، قد يكون الهدف منها الوصول إلى اتفاق. أم أن مصلحتها تقتضي بقاء حالة انعدام الاستقرار والصراعات الداخلية في سوريا، كي تشغلها عن التأثير في الساحات الأخرى.. أم نسج تفاهمات مع دمشق مقابل ضمان عدم التسبب بأي اهتزاز للاستقرار على الحدود مع إسرائيل، وبضمان ضبط الحدود اللبنانية، ومنع أي شكل من أشكال تهريب الأسلحة أو الأموال لحزب الله. أم أن إسرائيل تريد تكريس أمر واقع سياسي بالاستناد إلى ما حققته عسكرياً، من خلال عملية القضم العسكري والجغرافي، والاحتفاظ بما سيطرت عليه، أم أنها تريد الوصول إلى اتفاق سلام مع دمشق مع تخلي الأخيرة كلياً عن الجولان. بالنسبة إلى سوريا، فما تريده هو العودة إلى اتفاقية فض الاشتباك في العام 1974، ولا يريد الشرع الدخول في اتفاق سلام، ولا يريد التنازل عن الجولان.

تركيا وإيران

أما تركيا، فهي تعتبر نفسها متضررة من الاتفاق بين دمشق والأكراد، فهي لم تكن شريكة بما جرى، ولا تزال أنقرة تشدد على ضرورة حلّ الفصائل العسكرية الكردية، ولا توافق على اندماج هذه القوات ضمن التشكيلات السورية الجديدة. هذه التطورات، دفعت بوزير الخارجية التركي هاكان فيدان لإجراء زيارة إلى دمشق، لمناقشة كل الملفات. لكن بوادر عدم الاتفاق تظهر من خلال تراجع لدى “العمشات” و”الحمزات” عن الاستعداد لحل نفسيهما عسكرياً والانضواء ضمن التشكيلات السورية، علماً أن هذين الفصيلين يصران على مواصلة القتال ضد المجموعات الكردية.

إيران في هذه المعادلة، تبدو الطرف الأضعف والأكثر غياباً. فهي ربما أرادت استغلال أي فوضى في سوريا، من أجل إعادة فرض نفوذها وفتح طرق الإمداد العائدة لها. وهو ما حاولت التقاطع عليه مع روسيا من خلال أحداث الساحل. تلك الأحداث التي تعتبر دمشق أنها أجهضتها وقد حصلت على دعم دولي وعربي لذلك. حسابات إيران، سورياً، ولبنانياً، لا بد لها أن تنعكس على حسابات إسرائيل. فإن كانت تل أبيب تريد استمرار الفوضى في سوريا لتمرير مشروعها وتحقيق أهدافها، لا بد لها أن تنظر بعين أخرى إلى أن طهران وحدها الجاهزة للاستثمار في هذه الفوضى وإعادة ترتيب مشروعها. في دمشق، ثمة من يقول إن الحسم في ذلك سيكون بيد الأميركيين وما يتوصلون إليه مع إيران، إما تصعيداً أو تفاهماً. ولكن على الرغم من كل التحديات والمخاطر، يبقى المسؤولون في دمشق يعبرون عن ارتياحهم لمسار الأمور، وللموقف الأميركي.

المدن

—————————

كيف تقرأ إسرائيل التطوّرات في سورية؟/ أحمد الجندي

14 مارس 2025

يمثل النظام السوري الجديد مصدر قلق كبير لإسرائيل، فلطالما خشيت من تحرّر الشعوب العربية، ومن ثمّ أكثر ما يقلقها ليس الأيديولوجيا الإسلامية للقيادة السورية الجديدة فحسب، بل أن تنجح هذه القيادة في توحيد الشعب السوري بأطيافه كافّة، وأن تتمكّن من استيعاب جميع مكوّناته في مؤسّسات الدولة، ومن ثمّ يصبح بإمكانها التفرّغ لبناء دولة قوية. وعلى الرغم من حديث كتّاب إسرائيليين كثيرين عن مصلحة إسرائيل في وجود دولة سورية موحّدة ومستقرّة، مثلما كتب نائب مستشار الأمن القومي السابق في إسرائيل تشاك فريليش، فهذا يجب فهمه في إطار معايير إسرائيلية محدّدة لا تشكّل فيها سورية “المعتدلة” أيّ تهديد لدولة الاحتلال، وأن تكون مناطق الجنوب في القنيطرة، ودرعا، والسويداء “منزوعة السلاح بشكل كامل”، حسب قول نتنياهو.

ما كتبه فريليش لا يعبر في الحقيقة عن التوجّهات الفعلية للسياسة الإسرائيلية، ولا عمّا تقدّمه مراكز الأبحاث من تصوّرات تتناقض حتى مع الفكرة التي طرحها عن “الدولة الموحدة المعتدلة”. وكان معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي قد قدّم دراسةً في يناير/ كانون الثاني الماضي (2025)، تقترح ترويج دولةٍ سوريةٍ مقسّمةٍ على أساس عرقي أو طائفي بين مناطق نفوذ أربع، بدعوى حماية الأقلّيات، فتكون مناطق نفوذ الولايات المتحدة في شمال شرقي سورية لحماية الأكراد، وتكون مناطق الساحل السوري تحت نفوذ روسيا لحماية العلويين، وتتولّى إسرائيل حماية الدروز في الجنوب. أمّا السُنّة فتبقى لهم مناطق الوسط وصولاً إلى الحدود مع تركيا، وهذه، وفق الدراسة، يمكن أن تكون مناطق نفوذ تركي. وهذا التصوّر النظري استبقته الحكومة الإسرائيلية بإجراءاتٍ فعليةٍ في الجنوب السوري، وبتصريحاتٍ أطلقها رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو ووزير حربه يسرائيل كاتس، تؤكّد عزم إسرائيل على الدفاع عن الدروز في سورية، بل ومنحهم امتيازاتٍ تسمح لهم بالعمل في الجولان المحتلّ، حسب تصريح وزير الحرب الإسرائيلي، أو تخصيص أكثر من مليار دولار لدعم الدروز في هضبة الجولان، لإغراء الدروز في سورية. وبالتالي، هي تسعى إلى عزل الدروز عن الدولة السورية بزعم حمايتهم، وبهذا تكون إسرائيل قد نفّذت الجزء العملي الخاصّ بها في هذا المخطط.

ولكنّ أحداث الأيّام الماضية، بدايةً من تمكّن الدولة من فرض سيطرتها على الساحل السوري، بعد محاولة تمرّد قامت بها فلول نظام الأسد كانت على الأغلب برعاية دول أجنبية، لا يُستبعد أن تكون إسرائيل واحدةً منها، مروراً بتوصل الإدارة السورية إلى اتفاق مع قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وصفته الصحافة العبرية بالدراماتيكي، يقضي بدمج المؤسّسات كافّة، المدنية والعسكرية، في شمال شرقي سورية ضمن إدارة الدولة السورية، بما فيها المعابر الحدودية والمطار وحقول النفط والغاز، وتطبيق الاتفاق في فترة لا تتجاوز نهاية العام الحالي، وصولاً إلى احتمال التوصّل إلى اتفاق آخر بين الدولة ورؤساء العشائر الدرزية في محافظة السويداء في الجنوب… هذا كلّه، يعني أن سورية تسير بخطىً ثابتةٍ نحو توحيد البلاد تحت إدارة واحدة، وهو ما يدلّ على أن سيناريو التقسيم، وإضعاف النظام السوري، الذي تريده إسرائيل، لا يسير على النحو المطلوب. وعلى الرغم من أن الاتفاق أخيراً بين الدولة السورية والأكراد قد يحقّق مصلحةً جزئيةً لإسرائيل، على اعتبار أن وجود جهة علمانية موالية للولايات المتحدة ضمن الدولة السورية يخدم مصلحتها، فضلاً عن أن استيعاب الأكراد قد يؤدّي إلى تقليص محدود للنفوذ التركي، فإن تقوية النظام السوري، من ناحية أخرى، واحتمال إضعاف تعاون إسرائيل مع الأكراد نتيجة إدماجهم في مؤسّسات الدولة، علاوة على ما يوفّره ذلك من فرصةٍ لتفرّغ النظام لتقوية الدولة، هي أمورٌ لا تخدم مصالح إسرائيل، التي ترغب في أن يظلّ النظام السوري محاطاً بالمشكلات التي تعوق بناء دولة قوية قدّ تهدّد إسرائيل مستقبلاً.

وهكذا، انعكست هذه التطورات، التي جاءت على غير هوى الإسرائيليين، في ارتفاع نبرة الشعور بالخطر ممّا يحدث في سورية، وباتت إسرائيل أكثر تعبيراً عن شعورها بالخطر من الإدارة السورية بسبب أيديولوجيتها الإسلامية، وهي تحاول ترويج صورة تربط الإدارة السورية الحالية بالإرهاب. في هذا السياق، يمكن فهم تصريحات المسؤولين الإسرائيليين، وخصوصاً بعد أحداث الساحل السوري في الأيّام الماضية، وما ارتكبته بعض القوات السورية من انتهاكات وعد الشرع بالتحقيق فيها، فقد صرّح وزير الأمن الإسرائيلي يسرائيل كاتس بأن “الجولاني خلع الجلباب، ولبس الحُلّة ليقدّم نفسه شخصيةً معتدلةً، لكنّه الآن خلع القناع وأظهر وجهه الحقيقي، إرهابي جهادي ينتمي إلى مدرسة القاعدة”. أمّا وزير الخارجية جدعون ساعر، فحذر قادة العالم من النظام السوري، وحثّهم على عدم الثقة فيه، وعدم منحه الشرعية المجّانية، لأنّ ما يصدر من هذا النظام “الجهادي” شرٌّ محض. وهي تصريحات يجب وضعها في سياق رسم صورة نمطية للنظام السوري، وتقديمها للغرب لتكون مبرّراً “أخلاقياً” للانتهاكات التي تقوم بها إسرائيل في سورية.

ويجب أن نضع بالاعتبار أن هذه الإنجازات التي حقّقها النظام السوري (وتُعدّ بدرجة أو بأخرى فشلاً لإسرائيل)، لا تعني بالطبع فشل التصوّر الإسرائيلي كلّه، فإسرائيل ما زالت تعزّز وجودها العسكري في الجنوب السوري، وتقصف أهدافاً في العمق السوري بين وقت وآخر، بل وتصرّح بأنها لن تغادر المناطق التي احتلّتها في الجنوب بعد سقوط نظام الأسد، بدعوى حماية أمنها القومي، كما أن التصريحات الرسمية لقادة الدولة الصهيونية، وفي مقدّمتهم نتنياهو ووزير حربه، تؤكّد أنها “لن تسمح” أن تشكّل سورية تهديداً لها. وبالتالي، فإن إسرائيل ما زالت لديها أوراق للتأثير في المشهد السوري، قد تصل إلى ما وراء استمرار احتلالها للمناطق الجديدة في جنوبي سورية. وهذا الأمر الأخير منوط بمسألتَين؛ أولاهما أن تحقّق سورية نجاحاتٍ كبيرةً سريعةً في بناء الدولة وتوحيدها، وبناء قوتها العسكرية، وهي نجاحات إن تحقّقت، فسوف تنظر إليها إسرائيل تهديداً يتطلّب التدخّل العاجل. أمّا المسألة الأخرى فترتبط بمدى قدرة تركيا على المسارعة بالمساعدة في بناء الجيش السوري وتحديثه، بحيث تجد إسرائيل نفسها مكتوفةَ الأيدي أمام حرّية التحرّك في سورية، من أجل تجنّب الصدام مع الأتراك.

وعلى هذا الأساس، لا تقتصر المعضلات الإسرائيلية في سورية على فشل التمرّد في الساحل السوري، أو توقيع الاتفاق مع الأكراد، وقادة العشائر الدرزية في السويداء، بل تمتدّ إلى تخوّفات من أيّ تزايد لتأثير تركي في سورية؛ عبر تعاون عسكري، أو مساهمة في بناء الجيش السوري، وإمداده بمعدّات عسكرية حديثة، وما يرتبط بذلك كلّه من وجود مستشارين عسكريين أتراك، يمثّل تحدّياً لإسرائيل، لأنه قد يحد من حرّية حركتها في سورية، وربّما احتمال وضع تركيا في موقف الخصم، وهو وضع تتحاشاه إسرائيل، حسب الباحثة في معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي كارميت فالنس. وفي هذا السياق، على إسرائيل أن تتجنّب الدعم العلني للمنظّمات التي تعتبرها تركيا تهديداً لها، حتى لا تقوم تركيا بالمثل في مرتفعات الجولان. لكنّ هذه المحاذير لا تمنع بالضرورة أن تشكّل تركيا تهديداً محتملاً لإسرائيل يتطلّب المراقبة والاستعداد، حسب مدير المعهد تامير هيمان، الذي يرى أيضاً ضرورة أن تعمل إسرائيل على تقليص فرص قيام نظام إسلامي “متطرّف” في سورية. وهو مفهوم يرتبط، حسب تعبيره، بأن يختار النظام السوري الانضمام إلى ما أطلق عليه “معسكر الإسلام السياسي”، الذي يضمّ الإخوان المسلمين وتركيا وقطر، وأن يتّخذ مواقفَ معاديةً معلنةً تجاه الغرب، ما قد يؤدّي إلى إضعاف بعض حلفاء إسرائيل في المنطقة.

وهكذا تزيد التطوّرات السورية أخيراً تعقيدات المشهد بالنسبة لإسرائيل؛ بعد فشل تصوّراتها (حتى اللحظة) حول التقسيم العرقي أو الطائفي في سورية، لكنّها مع ذلك تحتفظ بأوراق يمكنها زيادة المشهد تعقيداً على الآخرين، ما لم يسارع المعنيون بوجود دولة سورية قوية الخطى لإنجاح التجربة هناك.

العربي الجديد

————————–

هذه أساليب إسرائيل في محاولة استمالة دروز سورية/ ضياء الصحناوي و نايف زيداني

14 مارس 2025

تواصل دولة الاحتلال الإسرائيلي اللعب على وتر الأقليات الدينية والعرقية في سورية في محاولة استغلالها لخدمة مصالحها، والإبقاء على البلد الذي يحاول النهوض، هشاً ضعيفاً متفرقاً، عملاً بمبدأ فرق تسد، الذي انتهجته ولا تزال في المنطقة بأسرها، بطرق مختلفة، لكنه يكتسب زخماً خاصاً في الحالة السورية منذ سقوط نظام بشار الأسد في 8 ديسمبر/كانون الأول الماضي. وتستمر إسرائيل بإرسال إشارات إلى دروز سورية بأنها ستحميهم، وبكلمات أخرى، تريدهم إلى جانبها، على الرغم من تأكيد مشايخ دروز سورية رفض أي تدخّل إسرائيلي. كما تحاول إسرائيل بث الخوف في نفوس الدروز والأقليات السورية الأخرى، من قبيل العلويين والأكراد، عاملة على تصيّد أخطاء النظام الجديد أو جماعات موالية له.

وتبذل دولة الاحتلال هذا الجهد لاستمالة دروز سورية إلى جانب خطواتها العسكرية في الأراضي السورية، وكل ذلك بحجة حماية أمنها وعدم السماح لجهات “جهادية” بأن تكون على “حدودها” التي هي أصلاً أراضٍ سورية محتلة في جزء منها. ومن بين أدواتها البارزة استغلال الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية للسوريين والنقاش السياسي حول وجهة البلاد وشكل حكمها المستقبلي. وفي حالة دروز سورية تحديداً تحاول استمالتهم، تارة بالإعلان عن تصاريح لدخول سوريين للعمل في هضبة الجولان المحتل، وتارة بالإعلان عن إدخال طرود مساعدات غذائية لهم، عدا عن الخطوات غير المعلنة. ويساهم في الدفع بهذا الاتجاه، الزعيم الروحي للدروز في فلسطين المحتلة، الشيخ موفق طريف، المقرّب من السلطات الإسرائيلية، والذي يواصل التلويح بورقة أن دروز سورية في خطر.

ترسيخ الوجود في القنيطرة واستمالة دروز سورية

وتبرز في هذا السياق محاولة إسرائيل ترسيخ وجودها في محافظة القنيطرة السورية عبر استمالة أهالي المنطقة وخصوصاً دروز سورية من خلال حزمة إغراءات اقتصادية وخدمية، مستغلةً الأوضاع الإنسانية الصعبة في ظل غياب مؤسسات الدولة السورية الجديدة. ويقدّم الاحتلال عروضاً للسكان المحليين تتراوح بين فرص عمل داخل الأراضي المحتلة برواتب مرتفعة، وتقديم مساعدات غذائية وطبية، وبناء مدارس ومستشفيات، وتمديد شبكات كهرباء ومياه. وتصطدم هذه المحاولات بجدار رفض شعبي واسع، من أهالي القنيطرة عموماً ومن أبناء القرى الدرزية على وجه الخصوص. فبينما تحاول إسرائيل توظيف الانتماء المذهبي عبر دعوة وجهاء دروز لزيارة الجولان المحتل والالتقاء بالشيخ موفق طريف، يرفض المشايخ والوجهاء بمعظمهم هذه الدعوات، معتبرين أنها “استغلال لانتمائنا الديني لتلميع صورة الاحتلال”. كما تأتي هذه الخطوات بالتزامن مع توسع عسكري إسرائيلي غير مسبوق، حيث أقامت قوات الاحتلال 12 موقعاً عسكرياً جديداً في محافظة القنيطرة، مجهزة بمرافق سكنية وطرق معبدة، ما يُنذر بتحويل المنطقة إلى مستوطنات عسكرية ذات وجود طويل الأمد.

وكشفت مصادر خاصة بـ”العربي الجديد” عن مساعٍ إسرائيلية مكثفة لترتيب زيارة 100 شخصية درزية من قرى القنيطرة وريف دمشق الجنوبي الغربي كحضر وعرنة إلى الجولان المحتل، للقاء الشيخ موفق طريف، وذلك بالتنسيق مع جيش الاحتلال. كما أفادت وكالة فرانس برس أمس بأن وفداً يضم عشرات رجال الدين السوريين الدروز يستعد للتوجه نحو إسرائيل اليوم الجمعة في زيارة دينية. ويعتزم رجال الدين الدروز أن يعبروا برّاً من الأراضي السورية باتجاه إسرائيل من خلال بلدة حضر الحدودية التي تقع في ريف القنيطرة، وزيارة مقام النبي شعيب، ولقاء الشيخ طريف.

وقالت المصادر التي تحدثت لـ”العربي الجديد” إن إسرائيل تحاول إغراء الأهالي عبر وعود بـ”تحسين أوضاع الطائفة أمنياً وسياسياً”، لكن الرفض كان حاسماً من قبل معظم مشايخ ووجهاء الطائفة في هذه القرى، مؤكدين أن “الدم السوري أمانة لا تُباع بمساعدات وإغراءات مادية أو بتجييش مذهبي مفتعل”، كما قال أحد وجهاء حضر لـ”العربي الجديد”. وأضاف: “إن دعوتنا للجولان محاولة لضعضعة هويتنا السورية. نحن لسنا ورقةً في يد الاحتلال. دماء شهدائنا من الجولان والقنيطرة تربطنا بالأرض، وليس بأحد آخر، نحترم الشيخ طريف لمكانته الدينية في الطائفة، لكننا نعتبر أننا لنا انتماءنا الوطني وله انتماء آخر من حيث السياسة وهذا الأمر لا يعنينا”.

كما قال أحد مشايخ بلدة حضر، طالباً عدم ذكر اسمه، لـ”العربي الجديد”: “تربطنا بدروز الجولان وفلسطين المحتلة أواصر قرابة ودم، لكن هذا لا يعني أن أحداً منا تخلى عن انتمائه لأرضه ووطنه. كلٌ يرى الأمور من زاويته ووفق مصلحته سياسياً، ونحن لا نرى مصلحتنا إلا في سورية، فهنا أرضنا وهي انتماؤنا، ولسنا مستعدين للتخلي عن انتمائنا مقابل أي مغريات، والزيارة المطروحة جاءت بدعوة من الداخل الفلسطيني، ولسنا ملزمين بها”. ونفى الشيخ وجود أي ضغوط على وجهاء ومشايخ الطائفة في حضر من قبل الجانب الآخر، مردفاً: “عندما نريد أن نزور مقاماتنا الدينية في الجولان وفلسطين فسيكون ذلك بعد رحيل من احتلهما، نحن لا نساوم على كرامتنا وتاريخنا يشهد على ذلك”.

وأشار إلى أن “من يريدوا تلبية دعوة الزيارة فهم أحرار وهم قلائل، وليسوا من الوجهاء أصلاً، ولكن لن نسمح أن يكون ذلك وصمة عارٍ على الطائفة”. وأوضح أن “هناك آخرين من أبناء قرى القنيطرة من باقي الطوائف في سورية متحمسون للذهاب للعمل في الأراضي المحتلة، وأنا لا ألومهم رغم رفضي الشخصي القاطع لذلك كونه استغلالاً إسرائيلياً واضحاً لحاجات الناس الفقراء، إنما ألوم الحكومة في دمشق وتهميش المحافظة، وترك الأهالي فيها يلقون مصيرهم ويواجهون الاحتلال عزّلاً منفردين، وكأننا لسنا مواطنين من هذه البلاد”. وقال إنه لا يعرف أعداد الراغبين بتلبية دعوة الزيارة إلى الجولان، مرجحاً أنها ستكون قليلة إن حدثت.

وبخصوص المساعدات والعروض الإسرائيلية لأهالي البلدة والمحافظة، قال الشيخ لـ”العربي الجديد” إن “القسم الأكبر من البلدة ومن المحافظة رفض أي مساعدات أو عروض إسرائيلية، لكن هنالك العديد من العائلات المعدمة قبلت المساعدات سواء من حضر أو من القرى الأخرى التي يقطنها أخوتنا السنة وطوائف أخرى، وأنا لا أرى أن هؤلاء قد يستحقون أن يتم تخوينهم، فمن يرَ ظروف الناس يبتعد عن الملامة، هنالك أسر كثيرة في البلدة والمحافظة تعاني الفقر المدقع، وحتى الآن لم تتقدم الحكومة الانتقالية بشكل جدي لتفقد أحوال الناس، شأنها شأن النظام السابق تضع المحافظة في آخر أولوياتها”.

وفي قرية المعلقة بالقنيطرة، رفض الأهالي قبل نحو شهر استلام شحنة مساعدات إسرائيلية قدمتها قوة عسكرية مدرعة، فيما دخل مختار القرية خضر العقلة بسجال مع دورية الاحتلال، وقام بطرد الجنود بقوله: “اخرجوا من أرضنا. المساعدات لا تغسل عار الاحتلال”. وتكرر المشهد في قرى الدواية والسويسة وعرنة، حيث أحرق الأهالي هذه المساعدات ومنهم من لم يسمح للقوات الاسرائيلية بإدخالها لمنطقته أبداً. وقال محمد البكر من أبناء القنيطرة لـ”العربي الجديد” إن “دورية لقوات الاحتلال وقفت أمام منزلي وسألتني عن الواقع المعيشي والخدمي في القرية وعرضت عليّ العمل في مستوطنات الجولان براتب 100 دولار يومياً قبل أسابيع، لكنني رفضتُ وقلتُ لهم أن يبقى أطفالي جوعى أفضل من أن يأكلوا من مال يسرقه محتل من أخوتي في الجولان وفلسطين”.

مساعدات غذائية وتطمينات أمنية

وفي إطار الضغط الاقتصادي، يقوم جيش الاحتلال بعمليات إحصاء سكاني في قرى القنيطرة، منذ شهر ونصف، ويقدّم خلالها فرص عمل داخل إسرائيل، لكن الأهالي دائماً يجيبون بالرفض. وللتضييق على أهالي المحافظة، تلجأ قوات الاحتلال لاعتداءات تطاول أرزاق الأهالي، كإطلاق النار على قطعان الأغنام كما حدث في قرية الرفيد عدة مرات، مما أدى إلى نفوق 100 رأس، أو بتجريف الأراضي الزراعية الخاصة وقطع الأشجار لفتح الطرقات أمام آلياتها العسكرية. وهذا ما يراه الأهالي خطوة لحصارهم في أرزاقهم، لكنهم على الرغم من ذلك يحاولون الصمود ومواصلة مقاومة محاولات الإرضاخ القسري. وقالت مريم من بلدة أوفانيا بريف القنيطرة: “أطفالنا ينامون جوعى، لكننا نرفض أن نأكل من يدٍ حرقت بيوتنا، الاحتلال يريدنا عبيداً، ولن نكون”.

وضمن التنفيذ الفعلي للمخططات الإسرائيلية في سورية، تبرز تعليمات وزير الخارجية جدعون ساعر، لنقل طرود غذائية، مساعدات إنسانية لصالح دعم الدروز في سورية. وزعمت صحيفة معاريف العبرية، أنه في إطار عملية نُفذت خلال الأسابيع الأخيرة، أدخلت إسرائيل حتى اليوم 10 آلاف طرد، من المساعدات الإنسانية للدروز المقيمين في مناطق القتال داخل سورية، وأن هذه العملية نُفذت بالتنسيق والتعاون مع موفق طريف، وبالتعاون مع المجلس الديني الدرزي، والجيش الإسرائيلي، وجهات أخرى في المنطقة. وتحتوي الطرود على مواد أساسية مثل الزيت، والملح، والطحين، والسكر، والأرز وغيرها، ونُقل معظمها إلى جبل الدروز في السويداء، بينما تم إيصال بعضها إلى قرى درزية قريبة من الحدود. وزعم ساعر في وقت سابق أنه “لدينا تحالف شجاع مع إخواننا الدروز. من حقنا أن نقدّم لهم المساعدة. في منطقة سنبقى فيها دائماً أقلية، من الضروري والصحيح مساعدة الأقليات الأخرى”. تأتي تصريحات ساعر في وقت، تحتل فيه إسرائيل جزءاً من بلادهم وتنشئ منطقة عازلة بعمق 80 كيلومتراً داخل الأراضي السورية وتتمركز على سفوح جبل الشيخ، كما تواصل تهديد النظام الجديد وتحذّر من اقتراب القوات السورية من الحدود التي حددتها هي. وقبل ثلاثة أيام، نفّذ سلاح الجو الإسرائيلي 40 غارة في جنوب سورية، قال جيش الاحتلال إنه استهدف خلالها أنظمة رادار، ودبابات، وأسلحة مختلفة، ومخازن ذخيرة، ومواقع عسكرية.

ومن خلال إشاراتها للدروز تحاول دولة الاحتلال عملياً الترويج إلى أنها سندهم والظهر الذي يحميهم، وأنها تعتزم الحفاظ على علاقات حسن الجوار معهم، وكل ذلك ضمن مخططاتها لاستغلالهم وإثارة النعرات الطائفية والفئوية لدى السوريين، من أجل الدفع باتجاه تقسيم سورية. وعليه، أعاد وزير الأمن الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، يوم الأربعاء الماضي، تأكيد ما زعم أنه التزام إسرائيل بالعمل لمنع أي اعتداء من قبل النظام الجديد أو من قبل جهات “جهادية” على المدنيين السوريين المقيمين شرق جبل الشيخ وفي جبل الدروز في سورية. ويخطط جيش الاحتلال لإقامة طويلة الأمد على سفوح جبل الشيخ المحتل. وأكد كاتس، خلال جولة قام بها على الجبل برفقة مسؤولين عسكريين أن “إسرائيل أوضحت أن وجودها في جبل الشيخ السوري (في إشارة إلى الجزء الذي احتلته حديثاً) طويل الأمد وغير محدد بجدول زمني”.

وكشفت صور أقمار اصطناعية نشرتها صحيفة واشنطن بوست الأميركية أواخر الشهر الماضي عن بناء 7 قواعد عسكرية إسرائيلية جديدة في القنيطرة، تمتد من جبل الشيخ إلى حوض اليرموك، مع شبكة طرق تربطها بالجولان المحتل. وتضم القواعد مرافق سكنية ومستوصفات ومراكز قيادة، ما “يؤكد نيّة الاختلال بالبقاء الطويل” وفق نشطاء من المحافظة. وحول ذلك، قال أحد مزارعي قرية معرية من ريف درعا الغربي الجنوبي والواقعة على الحدود الإدارية مع محافظة القنيطرة في منطقة حوض اليرموك: “دمّروا أراضينا الزراعية لشق طرق عسكرية، منعونا من دخول 3000 دونم، ومواشينا تموت جوعاً. لكنّ الأرض أغلى من الخبز”. فيما أكد رامي من بلدة حضر في القنيطرة أن الاحتلال انتهى منذ أسابيع من تحصين المقرات التي احتلها في سفح جبل الشيخ وعلى التلال المحيطة، والإنشاءات التي بناها واضحة ومخدمة بشكل كامل يتضح للعيان، مشيراً إلى أن ذلك يشي بأن الاحتلال يؤكد نيّته بالبقاء. وخلال ثلاثة أشهر ونصف الشهر، خرج آلاف الأهالي في تظاهرات بمدينتي خان أرنبة وجباثا الخشب تنديداً بالاحتلال والتوغلات التي ينفذها داخل المحافظة، رفعوا فيها علم سورية ورددوا هتافات تؤكد هوية القنيطرة والجولان السورية، ورفضوا بقاء إسرائيل.

في غضون ذلك، تتواصل الاعتداءات العسكرية الإسرائيلية على سورية، وآخرها أمس الخميس عبر غارة استهدفت ما قال الجيش الإسرائيلي إنه مركز تابع لحركة الجهاد الإسلامي في دمشق “استُخدم للتخطيط وتوجيه الأنشطة للجهاد ضد إسرائيل”. وأكدت مصادر محلية لـ”العربي الجديد” أن الهجوم استهدف منزلاً سكنياً بالقرب من دوار حمشو في مشروع دمر، شمال غربي دمشق. لكن المتحدث باسم “الجهاد” محمد الحاج موسى قال إن العدوان استهدف منزلاً خالياً وليس مقراً قيادياً للحركة.

————————-

سورية… الجريمة وتداعياتها/ حسام كنفاني

14 مارس 2025

لا يمكن وصف ما شهده الساحل السوري في الأيام القليلة الماضية إلا بأنه جريمة مكتملة العناصر، طاولت مدنيين آمنين في حملة انتقامٍ طائفيةٍ لا يستطيع أحدٌ أن ينكرها، وفي المقدمة تأتي السلطة الجديدة برئاسة أحمد الشرع التي أقرّت بحصول “انتهاكاتٍ” من عناصر محسوبين على هيئة تحرير الشام، من المفترض أنهم باتوا أفراداً في الأجهزة الأمنية الجديدة، وشكّلت لجان تحقيق للتدقيق بما حدث ومحاسبة المتورّطين.

كثير من السرديات خرج لشرح  الجرائم (وتبريرها) باعتبارها وقعت من “أفرادٍ غير منضبطين”، وأن لا علاقة مباشرة لـ”الأمن العام”، وهو المسمّى الجديد للقوى الأمنية التابعة للهيئة. غير أن حجم الاعتداءات والإعدامات في عديد من مدن الساحل السوري وقراه يؤكّد أن الأمر أكبر من “أعمال فردية”، ويقترب من العمل الانتقامي المنظّم، خصوصاً إذا ما نظرنا إلى عدد القتلى الذين سقطوا، وسيتكشف مع الوقت. فرغم أن عدد الضحايا الموثقين لا يزيد عن الألف، تتحدّث تقديراتٌ عن أن العدد قد يتخطّى خمسة آلاف.

وحتى لو افترضنا أن كل ما حدث كان نتيجة انفلات عناصر لا تُدين بالولاء الكامل لهيئة تحرير الشام أو الأجهزة الأمنية الجديدة، فذلك لا يُعفي السلطات من المسؤولية، خصوصاً أن هذه العناصر عملياً تعمل تحت لواء السلطة، بعد قرار حلّ الفصائل وإدماجها ضمن الأجهزة الأمنية الجديدة، وهو ما أدركه النظام بإعلانه تشكيل لجنة التحقيق، والتي نأمل أن تكون جدّية في المحاسبة والعقاب.

ما جرى يحمل مخاطر وتداعياتٍ كثيرة على سورية الجديدة التي كنّا متفائلين بنهوضها بعد أكثر من 50 عاماً من حكم حزب البعث. بداية التداعيات داخلية، وتطاول، بالدرجة الأولى، الفئات التي تعتبر نفسها أقليةً في النسيج السوري، التي لم تعد تشعُر بالأمان في محيطها، وهو ما يفتح باباً للتدخّلات الخارجية في الوضع السوري. وفعلاً خرجت مطالباتٌ كثيرة بالوصاية الدولية لحماية “الأقليات” في سورية. ويضاف إلى ذلك المحاولات الإسرائيلية، السابقة لأحداث الساحل، لاختراق المجتمع الدرزي السوري من باب “الحماية”. مثل هذه المحاولات المتوقع أن تتضاعف، وقد تجد لها آذاناً أكثر إصغاء في هذه المرحلة.

واضحٌ أن السلطات الجديدة تدرك ذلك، وسارعت إلى محاولة احتواء الأمر وتطمين أطياف المجتمع. ولعل الاتفاق الذي وقّعه الشرع مع زعيم “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، مظلوم عبدي، خطوة كبيرة في هذا الاتجاه، غير أن العبرة في التطبيق، وخصوصاً أن العناوين في الاتفاق عامة جداً، ومن شأن عدم الاتفاق على تفاصيلها إفشال أي تفاهمات، سواء بالنسبة إلى كيفية دخول قوات “قسد” في الجيش، أو نسبة توزيع النفط بين المحافظات، وغيرها نقاط كثيرة ستدرسها اللجان على مدى عام.

لا تقلّ التداعيات الخارجية لأحداث الساحل أهمية، سيما أن السلطة الجديدة تعوّل بشكل أساسي على انفتاح الخارج عليها لمحاولة ترميم الواقع الاقتصادي المنهار في الداخل. لم تعفِ المواقف الغربية من جرائم الساحل السلطة من المسؤولية، ما من شأنه أن ينعكس على أي تقدّم محتمل في خطوات رفع العقوبات عن سورية، والسماح بتدفق الأموال إليها. ولا شك أن تقارير ستصدُر قريباً عن منظمّات حقوقية دولية تفند الوضع وتوثق الأحداث، ما قد يزيد تعقيد الموقف الدولي من النظام والانفتاح عليه والثقة به.

السلطة الجديدة اليوم في موقف حرج، فعدم رفع العقوبات والتخفيف من الفقر يعني مزيداً من التوترات الداخلية، لذا عليها اتخاذ خطوات أكثر جدّية في مكافحة آفة الطائفية في الداخل السوري قبل استفحالها، وإثبات أنها جديرة بالثقة في قيادة سورية إلى برّ الأمان، وليس إلى الهاوية، في هذه المرحلة الانتقالية.

العربي الجديد

————————

جدل بشأن وثيقة التفاهم الموقعة بين السويداء ودمشق/ أيمن الشوفي

14/3/2025

خلال يومين جرى تداول محضر التفاهم الذي خرج من دارة قنوات، حيث مقرّ الرئاسة الروحية للموحدين الدروز على أنّه وثيقة تفاهم طوت نهائيا صفحة الخلاف بين السويداء من جهة، وحكومة دمشق من جهة أخرى، واحتشد حول المحضر الكثير من اللغط بحيث اعتبره متابعون كوثيقة استعادت كفاءة العلاقة التشاركية بين السويداء ودمشق.

وتمخّض عن محضر التفاهم 12 بندا هي:

    تفعيل الضبطية العدلية فورا.

    تفعيل الملف الشُرَطي والأمني ضمن وزارة الداخلية.

    تنظيم الضباط والأفراد المنشقين وكافة الفصائل المسلحة في وزارة الدفاع.

    صرف كافة الرواتب المتأخرة للموظفين فورا.

    إعادة النظر بجميع المفصولين عن العمل قبل تاريخ الثامن من ديسمبر/كانون الأول 2024، وأولوية التوظيف لمن تم فصلهم تعسفيا قبل ذلك التاريخ.

    إصلاح المؤسسات التابعة للدولة ماليا وإداريا.

    الإسراع في تعيين أعضاء المكتب التنفيذي المؤقت لتسيير حاجات الموظفين.

    الحفاظ على السلم الأهلي ومنع التعدي على الأملاك العامة والخاصة.

    إزالة التعديات على أملاك الدولة والطرقات ضمن خطة مدروسة وإيجاد البديل.

    اتخاذ مبنى الحزب سابقا كمقر رئيسي للجامعة.

    اعتبار الموقعين على هذه البنود بمثابة لجنة متابعة لتنفيذها.

    على الجميع العمل على استمرار التشاور وإيجاد الحلول لأي مستجدات أو وقائع لم تغطَّ بما ذكر أعلاه، على أن تتعهد الدولة بتنفيذ تلك البنود وذلك بالتعاون مع أبناء محافظة السويداء.

شكاوى وطلبات

وقال المحامي أسامة الهجري، المستشار القانوني للرئيس الروحي لطائفة الموحدين الدروز حكمت الهجري للجزيرة نت: “إن مسوّدة الطلبات الموجهة من بعض المواطنين لا تُسمّى اتفاقا مع أحد، ومن وقّع على المحضر ليس منتخبا لتوقيع أي اتفاق، وكلٌّ منّا يمثل نفسه فقط”.

وأضاف أن توجيه طلبات إلى “من هم في جهة حكومية بغض النظر عن شرعية وجودهم أو صفتهم، لا يُعتبر وثيقة كما أُشيع، إنما الحديث هنا عن شكاوى وطلبات المواطنين وجّهت إلى من هو في موقع حكومي إداري، وهو يمثل الحكومة المؤقتة في موقع خدمي”.

ويعتبر الهجري بأن محافظ السويداء مصطفى بكّور قد أخطأ بنشره مسوّدة الاجتماع على أنه وثيقة واتفاق، وعلمت الجزيرة نت بأن أسامة الهجري سحب توقيعه من ذلك المحضر بسبب نشر المحافظ لتلك المسودة غير المكتملة.

لسنا على خصام

ويقول عضو مؤتمر الحوار الوطني جمال درويش، للجزيرة نت: “جرى توقيع مذكرة تفاهم تتضمن عدة بنود بين المحافظ ممثلا للحكومة، ولجنة مكلّفة من سماحة الشيخ حكمت الهجري، وهذه المذكرة تمت كتابتها لكن ليس على أنها اتفاقية، لأن الاتفاقية تجري بين فريقين متخاصمين كالذي جرى بين شرقي الفرات والحكومة في دمشق، بينما السويداء ليست على خصام، ولا يوجد انفصال عن دمشق”.

وأضاف درويش: “وقّعنا مذكرة تفاهم من أجل أن تتابع الدولة أداء وظيفتها الحكومية ضمن مطالب حددتها الوثيقة، وما تم التفاهم عليه هو تنظيم إدارة المحافظة من قبل المحافظ وتعيين أعضاء مكتب تنفيذي إضافة إلى لجنة تساعدهم في أعمالهم، وهذه اللجنة مكوّنة من الذين وقعوا مذكرة التفاهم”.

وبرأي درويش فإن مذكرة التفاهم تلك حققت حالة من الارتياح داخل الحاضنة الشعبية في السويداء لأن الجميع يبحث اليوم عن تنظيم الأمور الحياتية للناس، وتحسين الواقع الخدمي والاقتصادي والأمني، وذكر أيضا أن المحافظ صرح بأنه تم إرسال 300 مليون ليرة سورية من أجل إصلاح وتأهيل جميع آبار المياه لكي لا تقع السويداء بأزمة مياه في فصل الصيف القادم.

نهج تشاركي

من جهته يشترط شيخ عقل الدروز في السويداء الشيخ حمود الحناوي ضرورة اتباع نهج تشاركي شامل في أي مسعىً يتعلق بالشأن العام، وقال للجزيرة نت: “لا يُتخذ أي قرار إلا بعد التشاور مع جميع المرجعيات في السويداء من مشايخ عقل وقيادات سياسية وعسكرية وموافقة كامل الجبل وذلك بهدف ضمان التوافق والحصول على موافقة واسعة النطاق”.

ولا يزال تمثيل الإدارة السياسية الجديدة محدودا في السويداء، حتى إن المحافظ مصطفى بكور لا يقيم في المسكن المخصص للمحافظ حتى الآن، بل يحضر ويغادر ضمن ساعات الدوام الوظيفي المحددة له.

ويقول مدير المكتب السياسي لدى قطاع الجنوب في المجلس العسكري نجيب أبو فخر للجزيرة نت: “لا يوجد أي اتفاق موقّع بين دمشق والسويداء على وحدة المصير باعتبار أن السويداء ودمشق جزء لا يتجزأ من دولة واحدة، والاتفاقية الموقّعة هي عبارة عن تفاهمات سبقتها لقاءات عديدة استمرت لأكثر من 3 أشهر بدءا من سقوط النظام السابق”.

يضيف أبو فخر: “انطلقت مساعٍ لنسج التفاهمات بهدف تعزيز دور الدولة السورية، والمشاركة في بناء مؤسساتها، مع التركيز على المضامين الأمنية، وتتمحور هذه التفاهمات حول ضمان أن تكون القيادة العسكرية في دمشق سوريةً خالصة من دون عناصر جهادية أو أوزبكيّة، وأن يتولى عناصر وضباط من أبناء السويداء فقط إدارة أمن المحافظة، باستثناء بعض التخصصات الدقيقة كالمخابرات الجنائية، والتي قد يُستعان بخبرات من العاصمة دمشق”.

الموافقة على الطلبات

وبحسب أبو فخر فإن جميع المطالب المقدّمة من السويداء حظيت بموافقة دمشق، ويضيف أيضا: “تُصرّ السويداء على إقامة دولة وطنية تشاركية، تُعزز التعددية والتداول السلمي للسلطة، وقرارنا ألا نكون خنجرا في خاصرة الحلم السوري من أجل بناء دولة قوية، فهذه فرصة للانخراط وبناء الدولة السورية التي نريد”.

ووفقا لتطبيق مذكرة التفاهم، فقد تقدّم أمس الخميس قرابة 800 شخص من أبناء السويداء لأجل الانتساب إلى جهازي الأمن العام ووزارة الدفاع السورية، بعد افتتاح مركز للتجنيد في بلدة المزرعة يقوم عليه مندوبون من قبل وزارتي الداخلية والدفاع في حكومة دمشق.

ويعتبر محمود السكر عضو اللقاء التشاوري في السويداء، بأن الوثيقة كانت محط إجماع ما بين معظم القوى السياسة والعسكرية في السويداء، معتبرا أن كل مطالب السويداء وطنية وتنادي بالمواطنة المتساوية، والدولة العلمانية والديمقراطية، ودولة القانون، وفصل السلطات.

ويضيف السكر أن السويداء تتمتع بمناخ سياسي يسمح بتداول الآراء بحرية، لافتا إلى أن الوثيقة المذكورة تمثل اجتهادات من أبناء السويداء وأنها خطوة ولو بطيئة نحو بناء الدولة.

خطوة إيجابية

وينظر الأمين العام للتحالف الوطني السوري خالد جمول إلى مسوّدة المحضر الموقّعة في دارة قنوات بأنها خطوة إيجابية لما تضمنته من مطالب تركز على تفعيل دور الحكومة والمؤسسات والدوائر الرسمية، وخاصة الضبطية العدلية والشرطية.

واعتبر جمّول في حديث للجزيرة نت أن تنفيذ بنود الاتفاقية هو أقل ما يمكن أن تنجزه الحكومة في هذه المرحلة، وذلك بالنظر إلى العديد من المهام العاجلة الملقاة على عاتقها، سواء على صعيد السويداء، أو على صعيد باقي المحافظات.

من جهته، صرّح سمير شرف الدين أحد قيادات المجلس العسكري في السويداء بأن الوثيقة التي تم توقيعها تعد وثيقة مطالب، وليست وثيقة تفاهم، وأضاف للجزيرة نت: “من هذا المنطلق أظهر سماحة الشيخ الهجري تخوّفه من الظروف الحالية التي تعيشها البلاد، لكن وعندما تُدار سوريا من قبل حكومة وطنية حقيقية نستطيع حينها التعامل مع تلك الحكومة”، على حد قوله.

وأكد شرف الدين بأنهم كمجلس عسكري يتبنون فكرة سماحة الشيخ الهاجري، كون المجلس العسكري هو صمام أمان المحافظة، ولم يُبنَ على أساس طائفي أو فصائلي أو مليشياتيّ، وقال أيضا: “لقد تم وضع وثيقة فيها شروط للتعامل مع وزارة الدفاع، وتم فيها تبيان أن المجلس العسكري هو السلطة الوحيدة من أجل أن تتعامل دمشق مع محافظة السويداء، إلا أن طلبنا لم يلقَ القبول”.

وليلة أمس الخميس رفعت فصائل مسلحة راية الدروز في ساحة تشرين داخل المدينة، وترافق ذلك بإطلاق كثيف للنيران وسط صيحات تطلب من الدروز الذين يريدون الشرع بأن يغادروا إلى دمشق.

المصدر : الجزيرة

————————

قرارات الرئاسة السورية… محاولة لتعزيز الثقة/ محمد أمين

14 مارس 2025

أصدر الرئيس السوري أحمد الشرع، أول من أمس الأربعاء، قراراً يقضي بتشكيل مجلس الأمن القومي بـ”هدف تنسيق وإدارة السياسات الأمنية والسياسية في البلاد”. ووفق القرار، فإن المجلس سيكون برئاسة رئيس الجمهورية، وسيضم في عضويته وزراء الخارجية والدفاع والداخلية، إضافة الى مدير الاستخبارات العامة، ومستشارين يتم تعيينهما من قبل رئيس الجمهورية وفقاً للكفاءة والخبرة، وخبيراً تقنياً متخصصاً لمتابعة الشؤون التقنية والعلمية ذات الصلة بعمل المجلس. ويضاف هذا القرار إلى مجموعة قرارات صدرت عن الرئاسة السورية خلال فترة زمنية قصيرة، يبدو أن الهدف الرئيسي منها استعادة ثقة المواطن بالدولة، لا سيما بعد ما رافق العملية العسكرية ضد فلول الأسد في الساحل السوري من انتهاكات وجرائم بحق المدنيين، بما في ذلك تشكيل أكثر من لجنة للحفاظ على السلم الأهلي الذي تعرض بعد الثامن من ديسمبر/كانون الأول الماضي، بعد إسقاط الأسد، لأكثر من اختبار.

مساعي الرئاسة السورية

 كما سعت الرئاسة السورية الى إرسال تطمينات للأقليات الدينية والمذهبية، وأنها لن تتسامح مع أي شخص أو طرف يهدد السلم الأهلي، لذا شكّلت لجنة في هذا الإطار في الساحل، فضلاً عن لجنة لتقصي الحقائق عما حدث من تجاوزات بحق مدنيين في المنطقة. وواصلت الرئاسة السورية بذل الجهود من أجل التوصل مع الفعاليات الاجتماعية والدينية والعسكرية في محافظة السويداء، لتفاهمات تبدد مخاوف سكانها وتفعّل المؤسسات الحكومية، خصوصاً الأمنية والخدمية. كما توصلت الرئاسة السورية لاتفاق وُصف بـ”التاريخي” مع “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) قبل أيام.

وهددت التجاوزات التي حدثت أخيراً بحق مدنيين على أساس طائفي، الاستقرار والسلم الأهلي في البلاد، ما استدعى هذه القرارات والخطوات لرأب الصدع بين مكونات الشعب السوري. ومنذ سقوط نظام الأسد في الثامن من ديسمبر الماضي، وُضع السلم الأهلي أكثر من مرة على محك المخاوف والهواجس، التي تفجرت مدفوعة بتردي الحالة المعيشية وتراجع الاقتصاد وتردد أطراف دولية في رفع العقوبات المفروضة على سورية.

وتعليقاً على سلسلة القرارات والخطوات التي أقدمت عليها الرئاسة السورية خلال فترة زمنية قصيرة، رأى الباحث في مجال الهوية والحوكمة، زيدون الزعبي، في حديث لـ”العربي الجديد”، أن هذه الخطوات “مهمة بالتأكيد، ولكنها غير كافية”، مضيفاً أن البلاد بحاجة إلى إنشاء هيئة عدالة انتقالية في أسرع الآجال، وهيئة للوفاق والسلم الأهلي. اللجنة التي شُكّلت لهذا الغرض جيدة إلا أنها تشمل منطقة الساحل فقط. موضوع السلم الأهلي بحاجة إلى عمل وطني كبير.

في السياق، رأى الباحث السياسي عرابي عرابي في حديث مع “العربي الجديد” أن تشكيل مجلس للأمن القومي من قبل الرئاسة السورية: “سيكون مهماً لدعم البلاد في السياسة الخارجية والاقتصاد والأمن”، مضيفاً أن موضوع السلم والاستقرار من مهام هذا المجلس الذي سيصدر القرارات التي ستنفذها الوزارات المعنية. وأعتقد أن السلم الأهلي يتطلب إجراءات على مستويات متعددة، اقتصادية واجتماعية وتنموية، فضلاً عن العمل السياسي الدؤوب. وعُدّ تشكيل مجلس لـ”الأمن القومي” خطوة غير مسبوقة في تاريخ سورية، فرضتها تحديات داخلية تهدد السلم الأهلي والاستقرار، وخارجية تستهدف السيادة والجغرافية، وأبرز مثال عليها التدخل الإسرائيلي في جنوب سورية، المصحوب بتهديدات لفظية من كبار المسؤولين في تل أبيب حيال الإدارة الجديدة في سورية.

تشكيل مجلس الأمن القومي

حول ذلك، رأى الباحث السياسي عبد الرحمن الحاج في حديث مع “العربي الجديد”، أن “تشكيل مجلس الأمن القومي خطوة مهمة تساعد على الاستجابة السريعة للتهديدات واتخاذ القرار المناسب”. وأضاف أن مأسسة الاستجابة للتهديدات المتعلقة بالأمن القومي خطوة جديدة غير مسبوقة في تاريخ سورية، ولكنها مجرد إجراءات ينبغي اتخاذها لمواجهة التهديدات المحتملة لاستعادة الثقة بسيطرة الدولة وقدرتها على التحكم وبسط الأمن. وبرأيه من أبرز هذه الإجراءات التي على الإدارة القيام بها “استكمال بناء الجيش وإدماج القوات والفصائل فيه بصفتهم أفراداً ليكون ولاء الجيش للوطن وليس لقادة الفصائل”، مضيفاً أن استكمال بناء قوات الأمن وتدريبهم وتسليحهم بشكل مناسب أمر يجب أن يستمر. واعتبر الحاج أن “سورية بحاجة إلى أعداد كبيرة من المجندين في قوات الأمن العام”، مشدّداً على أن الشراكة السياسية في الحكومة الانتقالية من مكونات المجتمع السوري كافة، أمر في غاية الأهمية، لأن شعور الجميع أن هذه دولتهم يأتي من هذه الشراكة. كما رأى الحاج أن “رأب الصدوع الاجتماعية واستقرار المجتمع في سورية يجب أن يُتمم بتشكيل هيئة عدالة انتقالية”، التي قال إنها الوجه الآخر لضمان ألا يحدث تهدد للأمن القومي على المدى الطويل.

العربي الجديد

—————————

من سايكس وبيكو إلى برنار لويس/ عارف العبد

الجمعة 2025/03/14

استدعت التطورات في سوريا، وخصوصاً تلك التي شهدتها مدن وقرى الساحل السوري، وما استهدف أهل المنطقة، من السكان العلويين، بالاعتداء والمجازر وأعمال القتل، الاهتمام والإثارة. وبالتالي، المتابعة والتتبع، مع مزيد من الأسئلة المحمومة حول مستقبل التطورات في المشرق العربي، المترابط في الخصوصية والأوضاع السياسية والجغرافية والتركيبة الاجتماعية المتنوعة والحساسة.

وتكاد تكون التطورات والانتهاكات والمجازر، التي ارتكبت ضد السكان الآمنين والعزل، في الساحل السوري وجبل العلويين، بمثابة الصدمة الصاعقة، والتجربة المستجدة، المروعة والمهولة، التي تشهدها سوريا ما بعد انقلاع آل الأسد. وبالتالي، تشكل التجربة الأولى والمحك الفعلي لمصداقية السلطة الجديدة في سوريا، والتي يقف على رأسها الرئيس السوري للمرحلة الجديدة الانتقالية أحمد الشرع. وهي تشكل إثباتاً، إذا ما تخلى أبو محمد الجولاني عن شخصيته السابقة، وانتقل إلى أحمد الشرع، أو لا يزال متمسكاً في شخص الماضي، ومسيطراً عليه. لأن ما تعرض له السكان العلويون غير مسبوق وغير مقبول، ولا يمكن المرور عليه أو السماح بتكراره.

بل إن السؤال الأشد إلحاحاً وصعوبة هو، ماذا يعني ما جرى في الساحل السوري، وإلى أين تتجه سوريا والمنطقة من حولها بعد ذلك؟ خصوصاً وأن ما جرى يترافق مع تطورات خطيرة ومهمة أخرى، تتمثل بالخطوات المتصاعدة التي تنفذها إسرائيل، عبر توسيع وتدعيم احتلالها لمرتفعات الجولان وصولاً إلى أعلى قممه ومرتفعاته، وعلى وجه الخصوص قمة جبل الشيخ، إضافة إلى توغل في الجنوب السوري وفي محافظة السويداء تحديداً، ذات الغالبية والكثافة من الطائفة الدرزية.

الأخطر من ذلك هو إعلان إسرائيل وضعها السكان الدروز تحت حمايتها، مع تكثيف تحركاتها العسكرية وإطلاقها طائراتها، في مناورات في المنطقة، للدلالة على سيطرتها على الأجواء. وتحريض ومحاولة تشجيع ودفع السكان الدروز على الانفصال والابتعاد عن سلطة الحكومة السورية الجديدة. بما يعني ذلك من دفع نحو تجزئة سوريا، وتشجيع بقية القوى نحو التباعد والتفرق والابتعاد عن المركز الجامع في دمشق.. نحو مشاريع تقسيم وتجزئة سوريا إلى مناطق وكانتونات طائفية ومذهبية.

باختصار، السؤال الذي يطرح نفسه الأن، ما الذي جرى وإلى أين تتجه سوريا والمنطقة وما هي المشاريع المعدة، وما الذي يمكن أن يحدث وإلى أين تتجه الأمور؟

سايكس وبيكو

من المسلم به، أن القوى المسيطرة والمتفوقة عسكرياً، هي التي تتحكم بمسار الأمور والمناطق الخاضعة لسيطرتها في حاضرها ومستقبلها.

فبعد أن كان وُعد العرب بعد الحرب العالمية الأولى بدولة عربية مستقلة، من قبل القوى الغربية (بعد استفتاء لجنة كينغ كراين) قررت الدول المنتصرة في الحرب، وتحديداً فرنسا وبريطانيا، إعادة تشكيل المنطقة وتقسيمها وفقاً لرؤيتها ومصالحها وأطماعها، على أنقاض السلطنة العثمانية التي لقبت يومها بتركة الرجل المريض.

لهذه الأسباب اتفقت فرنسا وبريطانيا وروسيا القيصرية آنذاك، على اقتسام النفوذ والمساحات والدول، في المنطقة وفقاً لمصالحهما.

جرت المفاوضات الأولية التي أدت إلى الاتفاق بين 23تشرين الثاني/ نوفمبر 1915 و 3 كانون الثاني/ يناير 1916، وهو التاريخ الذي وقع فيه الدبلوماسي الفرنسي فرانسوا جورج بيكو والبريطاني مارك سايكس على وثائق مذكرات تفاهم بين وزارات خارجية فرنسا وبريطانيا وروسيا القيصرية. وصادقت حكومات تلك البلدان على الاتفاقية في 9 و 16 أيار/مايو 1916.

قسمت الاتفاقية فعلياً الولايات العربية العثمانية، خارج شبه الجزيرة العربية، إلى مناطق تسيطر عليها بريطانيا وفرنسا، أو تحت نفوذها. خصصت الاتفاقية لبريطانيا ما هو اليوم فلسطين والأردن وجنوب العراق ومنطقة صغيرة إضافية تشمل موانئ حيفا وعكا، للسماح بالوصول إلى البحر الأبيض المتوسط. أما فرنسا فقد سيطرت على جنوب شرق تركيا وشمال العراق وسوريا ولبنان.

باختصار دول المشرق القائمة الآن، وتحديداً العراق والأردن وسوريا ولبنان، ظهرت نتيجة هذه القسمة، واستمرت وتستمر شكلياً حتى اليوم.

برنار لويس

الجديد في كل ما جرى، خصوصاً بعد اندلاع حرب طوفان الأقصى وتداعياته، في فلسطين ولبنان وسوريا، أن إسرائيل بنيامين نتنياهو بدأت تتحدث عن الشرق الأوسط الجديد، الذي تدعي وتريد إعادة تشكيله، على أنقاض الشرق الأوسط القديم، الذي شُكل نتيجة مباحثات سايكس وبيكو بداية القرن الماضي.

الجديد والخطير في كل التطورات الراهنة، أن أساس المشروع الحالي الذي ينفذ على الأرض بدعم قوي من الولايات المتحدة الأميركية، أثير وطرح من قبل المنظر والفيلسوف والمستشرق البريطاني برنارد لويس، في لندن (1916- 2018 .(وهو مستشرق بريطاني الأصل، يهودي الديانة، صهيوني الانتماء، أميركي الجنسية. تخرج من جامعة لندن، وعمل فيها مدرساً في قسم التاريخ للدراسات الشرقية والإفريقية.

وفّر برنارد لويس الكثير من الذخيرة الأيديولوجية والفكرية للمحافظين الجدد، وإدارة بوش في قضايا الشرق الأوسط، والحرب على الإرهاب؛ حيث يعتبر بحق المنظر الأساسي والرئيسي لكل موجة التدخل والسيطرة على المنطقة في العقدين الاخيرين، والتي انطلقت من نظرية ثانية متفرعة هي نظرية “صراع الحضارات” لهانتغتون، ولسياسة التدخل والهيمنة الأميركية في المنطقة.

جوهر فكرة أو نظرية لويس تقول: “إن العرب والمسلمين قوم فاسدون مفسدون فوضويون لا يمكن تحضيرهم (تمدينهم). ولذلك فإن الحل السليم للتعامل معهم حسب رأيه هو إعادة احتلالهم واستعمارهم وتدمير ثقافتهم الدينية”.

والحل لذلك براي لويس، أنه من الضروري إعادة تقسيم الأقطار العربية والإسلامية إلى وحدات عشائرية وطائفية، وإعادة احتلال المنطقة، على أن تكون المهمة المعلنة، هي تدريب شعوبها على الحياة الديمقراطية، والعمل على استثمار التناقضات العرقية والعصبيات القبلية والطائفية.

 تردد في أكثر من موقع ودراسة، أنه في عام 1983 وافق الكونغرس الأميركي بالإجماع في جلسة سرية على مشروع برنارد لويس، وبذلك تم اعتماد هذا المشروع، وإدراجه في ملفات السياسة الأميركية الاستراتيجية لسنوات مقبلة. وقد ارفق المشروع بخرائط للدول التي يجب أن تقام على أساس طائفي أو مذهبي أو عرقي.

وتقوم رؤية أو مشروع لويس على ثلاثة عناصر:

1- تغيير التركيبة السياسية القائمة في معظم دول العالم الإسلامي، لتصبح مبنية على مزيج من آليات ديمقراطية وفيدراليات إثنية أو طائفية. وهذا هو جوهر المشروع.

2- التركيز على هوية شرق أوسطية كإطار جامع للفيدراليات المتعددة المنشودة، لهذا يدخل العامل الإسرائيلي كعنصر مهم في الشرق الأوسط الكبير المنشود، إذ بحضوره الفاعل تغيب الهويتان العربية والإسلامية عن أي تكتل إقليمي محدود أو شامل.

3- ضرورة إنهاء الصراع العربي الإسرائيلي من خلال إعطاء الأولوية لتطبيع العلاقات العربية مع إسرائيل، مما سيدفع الأطراف كلها إلى التسوية والقبول بحدود دنيا من المطالب والشروط.

المثير في مشروع لويس، أنه منذ الغزو الأميركي للعراق بدأ عملياً تطبيق هذه الرؤية، بدليل حالة دولة العراق الموزعة بين تجمعات طائفية وجهوية وعرقية. والدليل الثاني الأشد وضوحاً ما جرى ويجري في السودان، الذي توزع على أكثر من دولة ومنطقة نفوذ، إضافة إلى حال اليمن التي عادت يمنين، وليبيا المتفرقة، والآن سوريا غير المستقرة.

في تجارب التاريخ السياسية والعسكرية والاجتماعية، المتعددة، ثبت أن ما يجري في سوريا، ينعكس مباشرة على لبنان، والعكس صحيح.

لذلك يبقى السؤال الملح، على ماذا ستستقر سوريا، وكيف ستصبح الأوضاع في لبنان؟ هل ستبقى سوريا موحدة ومستقرة وينعم لبنان بمناخ مماثل، أم تنتقل المحنة من دمشق إلى بيروت؟

المدن

—————————-

إسرائيل تختار موعد التوقيع على «الإعلان الدستوري» لتقصف قلب دمشق

رسالة مكشوفة إلى الشرع بأن سوريا لن تحظى بالاستقرار من دون قبول مطالب تل أبيب

تل أبيب: نظير مجلي

13 مارس 2025 م

اختارت الحكومة الإسرائيلية الوقت الذي كان فيه الرئيس السوري أحمد الشرع، يوقع، الخميس، على الإعلان الدستوري السوري للمرحلة الانتقالية، كي ترسل طائراتها المقاتلة لتنفيذ غارة جديدة في قلب منطقة سكنية بدمشق، لتسجل ثاني اعتداء على الأراضي السورية خلال ساعات، بعد أن كانت نفّذت صباحاً عملية توغل عسكري في ريف القنيطرة، ووسعت نطاق احتلالها.

ومع أن الجيش الإسرائيلي ادعى أن الاجتياح في القنيطرة استهدف «منع التنظيمات المتطرفة التموضع في سوريا والعمل ضد إسرائيل»، وأن القصف الثاني استهدف «مركز قيادة لـ(الجهاد الإسلامي) كان يستخدمه التنظيم لتخطيط وإدارة عملياته»، فإن وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، اعترف بأن الهجوم الإسرائيلي يحمل في طياته «رسائل سياسية». وقال، في بيان مقتضب، أصدره بعد أن أجرى جولة في الأراضي السورية المحتلة: «لن يكون للإرهاب الإسلامي حصانة؛ لا في دمشق ولا في أي مكان آخر. في أي موقع يُخطَّط فيه لتنفيذ أنشطة ضد إسرائيل، سيجد الجولاني (في إشارة للرئيس السوري أحمد الشرع، الذي يصرون في تل أبيب على استخدام كنيته السابقة للتذكير بماضيه في «جبهة النصرة»)، طائرات سلاح الجو تحلق فوقه وتستهدف مواقع الإرهاب».

وكان كاتس قد وصل رفقة نائب رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، اللواء تمير يدعي، الذي راح يشرح له ماذا يفعل الجيش في سوريا خلال الأشهر الأخيرة عموماً وفي الأيام الأخيرة خصوصاً، بعدما تسلم هو ورئيس الأركان الجديد، إيال زامير، منصبيهما في قيادة الجيش، فقال إن قواته نفذت عمليات غير مسبوقة في الأراضي السورية خلال اليومين الأخيرين؛ إذ اجتاحت قواته مناطق جديدة في الطريق إلى العاصمة دمشق، وفي ريف القنيطرة، «حيث دخلت دبابات وآليات عبر الحدود، لتطهير المواقع العسكرية».

وأفادت مصادر عسكرية في تل أبيب بأن إسرائيل، بهذه العمليات، وما يترافق من غارات، «ترسخ وجودها العسكري في سوريا لفترة غير محددة»، مع فرض «مناطق أمنية» واسعة لمنع تموضع القوات السورية ونقل الأسلحة المتقدمة إليها. وأكدت أنها تنوي إحكام سيطرتها على «المنطقة الممتدة بطول 65 كيلومتراً من دمشق حتى الحدود الحالية مع إسرائيل ومع الأردن. نعم. مع التأكيد أن الإسرائيليين باحثون عن هذا التوسع، من منطق أنه (مؤقت). وها هم يتفاوضون مع لبنان على ترسيم الحدود. فالمعروف في تاريخ إسرائيل العسكري أن (المؤقت يصبح دائماً)، كما في وضع الجولان السوري الذي جرى ضمّه رسمياً عام 1982 بعد أن احتلته إسرائيل في حرب أكتوبر (تشرين الأول) 1973».

وتأتي هذه الأهداف ضمن تنفيذ العقيدة العسكرية الجديدة التي أقرها رئيس الأركان، زامير، وتقضي بإقامة «3 حلقات ردع على كل جبهة حربية إسرائيلية؛ أي في لبنان وغزة وسوريا… «الدائرة الأولى ستكون في إسرائيل نفسها حيث يعزز الجيش الإسرائيلي قواته والسياج الحدودي ليمنع أي هجوم على إسرائيل شبيه بهجوم (حماس) في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. والدائرة الثانية حزام أمنى داخل أراضي العدو، وفي حالة سوريا يكون الحزام في منطقة تمتد من 20 إلى 22 كيلومتراً على طول الحدود، بما في ذلك جميع قمم جبل الشيخ. والدائرة الثالثة منطقة منزوعة السلاح تماماً، تمتد في الحالة السورية من الجولان وحتى دمشق».

وتكرس إسرائيل جهداً خاصاً في تعزيز مواقعها بجبل الشيخ، بحيث «تسيطر استراتيجياً على مناطق في لبنان وسوريا بقطر 30 كيلومتراً، فيصبح مدى المدفعية الإسرائيلية على أطراف دمشق».

وقد ادعى الجنرال يدعي أن «الجيش الإسرائيلي يتحسب من خطوة النظام الجديد في سوريا إطلاق سراح ألوف السجناء والمعتقلين من التنظيمات الإرهابية»، وأنه لديه «معلومات تفيد بأن قسماً غير قليل من هؤلاء يعملون مع عناصر (الجهاد الإسلامي) و(حماس) الذين يوجدون في سوريا ويخططون معاً لتنفيذ عمليات ضد المستوطنات اليهودية في الجولان».

وادعى أن جيشه «يهتم بتوفير المساعدات للمواطنين السوريين الذين يعيشون في المناطق التي يحتلها في سوريا، والبالغ عددهم 40 ألف نسمة (25 ألفاً في الجولان الشرقي، و15 ألفاً على سفوح جبل الشيخ)، مع التركيز على المناطق التي يعيش فيها أبناء الطائفة (المعروفية)».

الشرق الأوسط،

—————————-

مطلوبة للعدالة الدولية”.. زعيم دروز سوريا يهاجم حكومة دمشق

الحرة – واشنطن

13 مارس 2025

اتهم الزعيم الروحي للطائفة الدرزية في سوريا حكمت الهَجري الحكومة السورية الحالية بـ”التطرف” مستبعدا في الوقت ذاته أي “توافق” أو “تفاهم” معها.

وقال الهجري في كلمة له إن “لا تفاهم ولا توافق مع الحكومة القائمة في الشام (دمشق)، حكومة متطرفة بكل معنى الكلمة ومطلوبة للعدالة الدولية”.

وأضاف الهجري “نحن في مرحلة كن أو لا تكون، نحن نعمل لمصلحتنا كطائفة، والطائفة غنية بكوادرها وشبابها بهذا الإرث الوطني الصحيح”.

وأكد الهجري أن “هدفنا هو العدالة والقانون على المستوى الداخلي والدولي، وهذا حق من حقوقنا، وبالتالي، ما نراه مناسبا كطائفة ويتوافق مع أولوياتنا، نسعى نحوه”.

وكان الهَجري توصل إلى “تفاهم من 10 بنود” مع الإدارة الانتقالية في دمشق، استهدفت غالبيتها “تسيير المؤسسات”، والقضايا التي يسعى أبناء المحافظة إلى معالجتها.

وجاء الكشف عن فحوى التفاهم، في أعقاب اجتماع جمع الهَجري مع مبعوث الإدارة السورية إلى السويداء، مصطفى البكور يوم الأربعاء.

وفي وقت سابق دعا الهجري إلى وضع حد فوري لأعمال العنف التي ترتكب تحت “شعارات طائفية”، وذلك تعقيبا على مقتل مئات المدنيين العلويين في الساحل السوري الخميس الماضي.

ويشكّل الدروز ومعقلهم الرئيسي في سوريا محافظة السويداء (جنوب)، حوالى ثلاثة في المئة من سكان سوريا.

الحرة – واشنطن

———————————

وفد من دروز سوريا يزور إسرائيل لأول مرة منذ 50 عاما وسط انتقادات

14/3/2025

أفادت وكالة الصحافة الفرنسية أن وفدا يضم نحو 60 رجل دين من الطائفة الدرزية السورية، عبر خط الهدنة في مرتفعات الجولان المحتل إلى إسرائيل الجمعة، في أول زيارة من نوعها منذ حوالي 50 عاما.

وعبر الوفد في 3 حافلات رافقتها مركبات عسكرية إسرائيلية إلى بلدة مجدل شمس في الجولان السوري المحتل، وتوجه شمالا لزيارة مقام النبي شعيب في بلدة جولس بالقرب من طبريا، ولقاء الزعيم الروحي لطائفة الموحدين الدروز في إسرائيل الشيخ موفق طريف، وفق مصدر مقرب من الوفد.

وأكدت هيئة البث الإسرائيلية من جهتها أن وفدا من رجال دين سوريين من الطائفة الدرزية دخلوا إلى إسرائيل هذا الصباح، وأن الوفد سيقوم بزيارة خاصة لقبر النبي شعيب في الجليل.

وأفاد مراسل الجزيرة نقلا عن مصادر محلية، أن 3 حافلات دخلت من الجولان السوري المحتل إلى بلدة حضر السورية عند الحدود لنقل مشايخ دروز.

وأوضح المراسل أن الحافلات سلكت طريقا عسكريا كان قد أقامه جيش الاحتلال بعد الثامن من ديسمبر/كانون الأول الماضي داخل الأراضي السورية.

ومن المتوقع أن يزور الشيوخ، ومعظمهم من مجموعة قرى درزية عند سفح جبل الشيخ في سوريا، أضرحة بينها ما يعتقد أنه مقام النبي شعيب غربي طبريا في الجليل الأسفل.

وقالت رويترز إن الزيارة هي “أحدث مؤشر على دعم إسرائيل للدروز منذ وقف إطلاق النار في لبنان، والإطاحة المفاجئة بالرئيس السوري السابق بشار الأسد”.

    “الحافلات سلكت طريقًا عسكريًا أنشأه جيش الاحتلال الإسرائيلي بعد 8 ديسمبر داخل #سوريا”.. دخول العشرات من رجال الدين الدروز السوريين إلى #الجولان المحتل لزيارة “قبر النبي شعيب”#فيديو pic.twitter.com/KmSuhZSh3h

    — الجزيرة سوريا (@AJA_Syria) March 14, 2025

استنكار للزيارة

هذا، وقد أعرب أهالي وعائلات قرية حضر، في الجولان السوري المحتل، عن استنكارهم الشديد للزيارة التي يقوم بها بعض المشايخ إلى فلسطين المحتلة، تلبيةً لدعوة من بعض الجهات الموالية للاحتلال في الداخل الفلسطيني.

وقال بيان للأهالي إن إسرائيل، التي لم تكن يوما حريصة على حقوق الأقليات، تستغل هذه الزيارة الدينية كأداة لزرع الانقسام في الصف الوطني، وتسعى لاستخدام الطائفة الدرزية كخط دفاعي لتحقيق مصالحها التوسعية في الجنوب السوري.

وأضاف بيان الأهالي أنهم لم ولن ينسوا الجرائم والانتهاكات التي ترتكبها دولة الاحتلال بحق أهلنا في الجولان والضفة الغربية وقطاع غزة.

وأكد بيان أهالي بلدة حضر في الجولان السوري المحتل على أنّ هؤلاء المشايخ لا يمثلون إلا أنفسهم، مشددا على أن انتماء أهالي وعائلات قرية حضر الوحيد لطائفة الشعب السوري.

وتحتل إسرائيل معظم هضبة الجولان السورية منذ 1967، ووسّعت سيطرتها لاحقا باحتلال المنطقة العازلة وتدمير معدات وذخائر للجيش السوري بعد الإطاحة بنظام بشار الأسد عبر مئات الغارات الجوية.

وفي الآونة الأخيرة، قال تقرير لصحيفة وول ستريت جورنال الأميركية إن إسرائيل تسعى إلى إقناع دروز سوريا برفض الحكومة الجديدة في دمشق والمطالبة بحكم ذاتي ضمن نظام فدرالي، وإنها تخطط لإنفاق أكثر من مليار دولار لتحقيق هذه الغاية.

المصدر : الجزيرة + وكالات

———————

إيكونوميست: الوقت ينفد من الشرع وعليه مشاركة السلطة قبل أن تتفكك سوريا/ إبراهيم درويش

تحديث 14 أذار 2025

قالت مجلة “إيكونوميست” في افتتاحيتها، إن الوقت ينفد من رئيس سوريا أحمد الشرع، ويجب عليه التشارك في السلطة من أجل الحفاظ على وحدة بلاده.

ورأت المجلة أن سوريا شهدت أسوأ عنف طائفي منذ سقوط نظام بشار الأسد قبل ثلاثة أشهر، وربما منذ الهجمات الكيماوية على الغوطة الشرقية في عام 2013. وقد صُدم البلد الذي يشعر بوقع الديكتاتورية والحرب الأهلية.

ويُعتقد أن 800 شخص قُتلوا من مناطق الساحل السوري التي تعتبر معقل الطائفة العلوية التي تنتمي إليها عائلة الأسد.

وترى المجلة أن العنف يكشف عن المعضلة التي تواجه سوريا، والتي تتمثل في حكم البلد، فهل سيظل الحكم فيها مركزيا تتجمع السلطات في يد الحكومة المركزية التي ستكون قادرة على إرساء النظام والقانون، مع أن الرئيس أحمد الشرع، هو جهادي سابق وبالتزام مشكوك فيه لشمل الآخرين بمشروع بناء البلد؟ أم هل يجب على الأقليات الحفاظ على الأمن في المناطق التي تعيش فيها، حتى لو كان هذا على حساب تفكك البلد؟

وتعلق المجلة أن أسباب الأحداث الأخيرة لا تزال غامضة، وأفضل تكهن هو أن مقاتلين من الأقلية العلوية قاموا بمهاجمة  قوات الحكومة والمستشفيات. وردا على ذلك، سارعت ميليشيات سنية في قوافل ودخلت القرى والبلدات وقتلت مدنيين وأحرقت بيوتا، بحسب المجلة. وقالت إن الفيديوهات كشفت عن إجبار السكان على النباح كالكلاب قبل إطلاق النار عليهم.

وتعتقد المجلة أن الميليشيات السنية هي على الأرجح المسؤولة عن معظم القتل. والتفسير الخبيث هو أن الشرع لم يكن مستعدا للحد من قوة المتطرفين بين أنصاره. ولكن التفسير الأكثر سخاء هو أنه كان بطيئا في الرد على الأحداث، وحكومته ليست مسيطرة على الوضع. وتقول إن العنف في مناطق العلويين هو علامة على تفكك سوريا.

ففي شمال سوريا، للجماعات الكردية جيوبها الخاصة. وفي الجنوب، لميليشيات أخرى، بما فيها ميليشيات يقودها الدروز، مجال نفوذ. وتتدخل القوى الخارجية إما بذريعة حماية حدودها من الفوضى، أو لاغتنامها الفرصة للسيطرة على مستقبل سوريا. وتدعم إسرائيل الدروز، وتركيا تدعم الجماعات العربية السنية، وأمريكا تساند الأكراد.

ورغم دورها كأقوى منقذ لنظام الأسد المكروه، فلا تزال روسيا متكاسلة في الرد على أمل الاحتفاظ ببعض النفوذ، وربما الوصول إلى قواعدها الجوية والبحرية.

وتعلق المجلة أن الشرع حتى الآن كان مخيّبا للآمال. فخبرته السابقة كانت إدارة نظام غير ليبرالي في مدينة إدلب من خلال جماعته، هيئة تحرير الشام. وحتى الآن، يدير سوريا كزعيم ميليشيا. فقد تخلف عن المواعيد النهائية لتشكيل حكومة شاملة وإصدار إعلان دستوري وتعيين هيئة تشريعية، ولم يعبّر عن التزام بالقوانين العلمانية، ولم يظهر إلا تسامحا ضعيفا. ومع ذلك، فإن عيوب حكومته تعكس أيضا ضعف الدولة السورية. فهي لا تملك سوى عدد قليل نسبيا من القوات الخاضعة لسيطرتها المباشرة. كما أن الميليشيات العرقية المختلفة تتفوق على الجيش والشرطة عددا وعتادا.

وتحتاج سوريا حكومة مركزية، قادرة على استخدام سلطاتها لتفويض السلطات إلى المحافظات. وعلى الغرب رفع العقوبات الاقتصادية التي فرضها لمعاقبة نظام الأسد البغيض، والتي تسبب حاليا ضائقة مالية خانقة.

لكن المسؤولية تقع على عاتق الشرع، وفق ما ترى المجلة. ففي هذا الأسبوع وبعد المجازر، اتخذ بعض الخطوات الإيجابية. فقد شكّل لجانا للتحقيق في العنف الطائفي، ووقّع اتفاقية لاندماج قوات سوريا الديمقراطية في قوات الأمن السورية. ولكنه بحاجة لعمل المزيد، ويجب تطهير جيشه من المتطرفين ودعوة المزيد من المعتدلين للانضمام إليه بحيث يكون لديه قوة الرد ولا يظهر على أنه أداة القوة السنية. كما يجب عليه تشكيل مؤسسات ووضع جدول زمني للانتخابات التي قد تطمئن السوريين بأن الحكومة القوية لن تكون تعبيرا عن القوة السنية. وعليه تفويض المزيد من السلطات إلى المناطق.

فإعادة بناء سوريا هي لعبة ثقة، فلو اعتقد المزيد من الناس بأن هناك مستقبلا متناغما، ستزداد فرص تحقيق ذلك. لكن مجزرة أخرى في عهد الشرع قد تنهي هذه اللعبة.

وقالت المجلة إن الأحداث التي جرت في 6 آذار/ مارس، حوّلت مناطق في الغرب السوري إلى “محور كارثة” حيث انتشرت الجثث في الشوارع، وفرّ الناس إلى الغابات أو إلى لبنان. وتقول إن الشرع يبدو أنه متردد بين ماضيه الجهادي وحاضره كرئيس، مشيرة إلى الفيديو الذي أصدره في أول يوم من الأحداث حيث حفل بالإشارات الدينية، وأجج فيه الصراعات وأشاد بـ”مقاتلينا الشرفاء”.

لكن مع تصاعد التوتر في البلاد، غيّر الشرع مساره بمهارة. ففي خطاب مصور ثان بعد يومين، تظاهر بأنه زعيم أمة، لا زعيم طائفة. ولأول مرة منذ توليه السلطة، عيّن علويين في مناصب قيادية وضمّهم إلى لجنتين: إحداهما للتحقيق في أعمال العنف، والأخرى لاستعادة “السلم الأهلي”.

وتبع ذلك في اليوم التالي، إعلان الاتفاق على دمج قوات سوريا الديمقراطية بقوات الأمن الحكومية. وهناك اتفاق محتمل مع الدروز الذين تحاول إسرائيل إغراءهم. ودعا الشرع في 11 آذار/ مارس الأئمة على حفل إفطار رمضاني ودعاهم للحديث عن المساواة بين كل الطوائف السورية في خطبهم ودروسهم الدينية. وكان من بين الحضور، صديق طفولته الشيخ أبو الخير شكري.

والتحدي أمام الشرع هو قدرته على الحفاظ على وحدة البلاد التي كانت قبل خمسة أيام على حافة الانهيار. فقد فتح العنف في الساحل السوري جراح الطائفية التي وعد الشرع بعلاجها.

وتشير المجلة إلى أن العلويين كانوا خائفين، حيث دعا مدير إذاعة دمشق الذي عيّنه الشرع لرميهم في البحر. وقد اعتبر قادة الشرع الساحلَ السوري منطقة عسكرية، وفرّ الكثير من العلويين وطلبوا حماية الخارج وحاولوا الدخول للقواعد الروسية هناك.

وفي دمشق ومدن أخرى، تخشى الأقليات أن يحول الجهاديون أنظارهم إليها. ويذكرهم سلوك الشرع الهادئ ببشار الأسد. ولا يزال الكثيرون يخشون أن يكون رئيسهم الجديد مجرد “إرهابي” يرتدي بدلة رسمية.

ولتسهيل توزيع الوظائف والمساكن على السنة، قام الشرع بحل القوات المسلحة القديمة وتطهير الخدمة المدنية وطرد المسؤولين السابقين من منازلهم الحكومية. وكما هو الحال مع اجتثاث البعث في العراق، فإن هذا يردع الأقليات عن تسليم أسلحتها ويؤجج دعم الثورة. وترى المجلة أن إرضاء السنة والأقليات هو تحد كبير وصعب.

فلو أراد الشرع السيطرة على المتطرفين، فإنه بحاجة لبدء العدالة الانتقالية التي تردد في القيام بها حتى الآن. وعليه التأكد من عودة العلويين الذين لم يشاركوا في فظائع النظام السابق إلى أعمالهم وحياتهم الطبيعية. وحتى ينجح في مهمته، فهو بحاجة للمال الذي لا يتوفر لديه الآن، بسبب العقوبات.

فعندما سيطر على الحكم، لم يكن لدى الدولة قوة عاملة، وبدون مال لدفع الرواتب سيظل يواجه مشكلة من المتشددين الذين سيتحدّون الجيش ويتعاملون مع الأقليات كغنيمة حرب. وفي النهاية، فهو بحاجة لتقاسم السلطة مع مكونات البلاد الأخرى. وبدون ذلك، سيفقد الشرع الثقة الوطنية، وسيفاقم تدهور الاقتصاد من مشاكله.

القدس العربي

—————————————-

سوريا… محاولات تاريخية لاستنهاض مشروع “الدولة الدرزية”/ سامي مبيض

تنازع مصائر “الجبل” بين الانفصال والوحدة

آخر تحديث 14 مارس 2025

في أحد التقارير المرسلة من السفارة الأميركية بدمشق إلى وزارة الخارجية في واشنطن بتاريخ 10 سبتمبر/أيلول 1946، يقول الدبلوماسي “ماتيسون” إنه اجتمع بوزير الداخلية صبري العسلي للوقوف على إشاعة سمعها، بأن أهالي جبل الدروز يريدون “الانفصال عن سوريا”. كان ذلك بعد خمسة أشهر من جلاء القوات الفرنسية عن سوريا، وبعد أربع سنوات من إعادة جبل الدروز- بشكل نهائي- إلى أراضي الجمهورية السورية.

قضية الجبل ليست جديدة إذن، وهي أقدم من عمر الدولة السورية الحديثة ذاتها، وها هي تعود اليوم إلى الصدارة بعد تصريحات إسرائيل الأخيرة، حول عزمها حماية الدروز، وبعد وصول الدروز إلى اتفاق مع الدولة السورية الجديدة، بمباركة من الرئيس الروحي للطائفة الشيخ حكمت الهجري. كانت مدينة السويداء هي آخر معقل للثورة السورية، بعد تدمير بقية المعاقل، وسحق أهاليها منذ سنة 2011، فقد أعادت الوحدة إلى السوريين، يوم انتفضت من جديد سنة 2023، في وقت كان الكثير منهم قد فقد الأمل بسقوط نظام بشار الأسد.

مؤخرا، مع رفض الدروز تسليم سلاحهم، ورفع علم الدولة الدرزية فوق أحد المباني، عاد الكلام عن إمكانية انفصال الدروز، أو خلق جيب لهم على غرار النموذج الكردي، ولكن كل ذلك ذهب أدراج الرياح مع اتفاقية 12 مارس/آذار 2025. ولكن لهذه المسألة جذورها الضاربة في التاريخ، لخّصها المؤرخ البريطاني ألبرت حوراني عند زيارته لجبل الدروز سنة 1946، وهو يحضر لكتابه المرجعي عن أقليات الشرق الأوسط. كتب يومها أن للدروز “خصوصيتهم” لأنهم لم يتفقوا يوما مع حاكم، لا مع إبراهيم باشا المصري، في ثلاثينات القرن التاسع عشر، ولا مع العثمانيين أو الفرنسيين. حتى في مرحلة الاستقلال، كانت لهم خلافات كبيرة مع الرؤساء شكري القوتلي وأديب الشيشكلي.

قضية الجبل في زمن الانتداب الفرنسي

كان جبل الدروز، مثله مثل جبل العلويين، قد نال استقلالا إداريا عن بقية الأراضي السورية منذ مطلع عهد الانتداب الفرنسي، وكانت له أنظمته الخاصة وقوانينه المستقلة، وعلمه المستقل أيضا. بقيت الدولة الدرزية قائمة من سنة 1921 حتى ضمها إلى الدولة السورية سنة 1937، ثم عادت وسُلخت عنها حتى جاء رئيس الجمهورية تاج الدين الحسني ليوحد الجبلين (العلوي والدرزي)، بقرار فرنسي سنة 1942. وفي عهده وصل أول درزي إلى منصب وزاري، وهو عبد الغفار باشا الأطرش، الذي سمي وزيرا للدفاع، وقد خلفه في هذا المنصب حاكم الجبل الأمير حسن الأطرش، زوج المطربة السورية الكبيرة أسمهان (آمال الأطرش). وكان الأطرش يومها قد سهل مهمة الجيش البريطاني في دخول سوريا من فلسطين، للإطاحة بنظام فيشي، الموالي لأدولف هتلر في الحرب العالمية الثانية. وقد تلى الأطرش شخصيات درزية عدة في مناصب وزارية، كان أبرزها الأمير عادل أرسلان الذي سمي وزيرا للخارجية سنة 1949.

وعند العلويين كانت هناك فئتان من الزعماء والمشايخ، الأولى انفصالية تطالب بالمحافظة على الاستقلالية، والثانية وحدوية تريد الاندماج مع بقية الأراضي السورية. وكذلك الأمر عند الدروز طبعا، علما بأن اليد العليا في الجبل، كانت دوما لأنصار الوحدة السورية، نظرا للمكانة الأشبه بالأسطورية، لزعيمهم سلطان باشا الأطرش، قائد الثورة السورية الكبرى ضد الفرنسيين في السنوات 1925-1927. عندما ذهب وفد من الكتلة الوطنية إلى باريس للتفاوض على مستقبل البلاد سنة 1936، أصر هاشم الأتاسي على “وحدة الأراضي السورية” فعارضه مجموعة كبيرة من العلويين، وقلّة صغيرة من الدروز، نظرا لموقف الأطرش الداعم له وللوحدة والاستقلال.

ضُم جبل الدروز وجبل العلويين إلى سوريا، وأنهي العمل باستقلالهما بعد انتخاب هاشم الأتاسي رئيسا للجمهورية في ديسمبر/كانون الأول 1936، وعاد سلطان الأطرش ليقود الدروز مجددا بعد منفى دام عشر سنوات ونيف. ولكن العهد الجديد ارتكب خطأ كبيرا في تعيين الوجيه الدمشقي (السني) نسيب البكري، محافظا في جبل الدروز، ظنّا من رئيس الحكومة جميل مردم بك أن ذلك سيرضي الدروز، لأن البكري كان قد حمل السلاح معهم في ثورة عام 1925. رفض مردم بك التراجع عن قراره، ووعد الدروز بأشياء عدة، مثل بناء المدارس، وشق الطرقات، واتخاذ سياسة عادلة في التوظيف، مع تعهد شفهي بصرف ضرائب أهل الجبال لتطوير الجبل. ولكن معارضة درزية بدأت تنشأ ضد الحكومة المركزية بدمشق، بزعامة الأمير حسن الأطرش، الذي طالب بأن تكون حاكمية الجبل له دونا عن سواه، وقد حصل عليها بالفعل بقرار حكومي في فبراير/شباط 1938.

صدام مع دمشق في عهد الاستقلال

لكن اندماج الجبلين مع بقية سوريا لم يستمر طويلا، وقد أعيدا إلى سابق عهدهما مع استقالة الرئيس هاشم الأتاسي، واندلاع الحرب العالمية الثانية سنة 1939. بعدها بسنتين، قررت فرنسا توحيد الأراضي السورية مجددا، وضم الجبلين مع إعلان استقلال سوريا في سبتمبر 1941، إرضاء للشعب السوري، لكي يقف معها ومع بريطانيا ضد ألمانيا النازية. عاد جبل الدروز إلى الوطن الأم ثانية في فبراير 1942، ولم تتم إعادة طرح المشروع الانفصالي إلا في خريف عام 1946، أي بعد جلاء الفرنسيين ببضعة أشهر. وكان السبب الرئيس وراء استنهاض هذا المشروع هو سوء العلاقات بين الدروز والحكومة المركزية بدمشق، بعد تأييدهم مشروع سوريا الكبرى الذي دعا إليه ملك الأردن عبد الله بن الحسين، وعارضه رئيس الجمهورية شكري القوتلي بشدة. كما عارض القوتلي كل من وقف مع هذا المشروع ونادى به، محذرا من أن فيه تهديدا لنظام سوريا الجمهوري.

وبعد عودته إلى رئاسة الحكومة نهاية عام 1946، بدأ جميل مردم بك في تمويل مجموعة درزية محسوبة على الحكومة، ومعارضة للقوائم الانتخابية المدعومة من آل الأطرش. وكلما زاد تدخل الحكومة في شؤون الجبل، علت الأصوات المهددة بالانفصال، والانضمام إلى الأردن. وفي سنة 1946، التقى حسن الأطرش بجميل مردم بك، وقدم له سلسلة من المطالب، كان من ضمنها أن تكون عائدات الجبل الزراعية للدروز حصرا، وأن تكون خدمة الدروز العسكرية في مناطقهم، ولكن الحكومة رفضت الاستجابة.

 في أحد التقارير الأميركية لسنة 1947، يقول دبلوماسي أميركي من دمشق أن “الطرشان” (آل الأطرش) يمكنهم “برفة عين، أن يشكلوا جيشا جرارا من 20 ألف مقاتل، ويحتلون به دمشق ويسقطون الحكم”. كان عدد الدروز يومها 100 ألف شخص، أو 3 في المئة من إجمالي سكان سوريا، وكان معظمهم يسكنون في جبل الدروز والمناطق القريبة منه.

في التقرير الأميركي، ذاته يقول الدبلوماسي الأميركي إن القوتلي لم يأخذ تهديدات الدروز الانفصالية على محمل الجد، لأنه كان مدركا أن الحكومة الأردنية “غير قادرة على استيعابهم لا جغرافيا ولا سياسيا ولا ماليا” حيث كانت تكلفة تشغيل منطقتهم إداريا في عهد الانتداب تصل إلى 4.5 مليون فرنك فرنسي سنويا، وكان ملك الأردن لا يملك حتى ربع هذا المبلغ لأجلهم. وبذلك، لم يتقدم المشروع الانفصالي في السنوات الأولى من عهد الاستقلال، وتوحد الدروز مع بعضهم البعض، ومع بقية المكونات السورية ومنها الحكومة المركزية ضد الإسرائيليين في أعقاب الحرب الفلسطينية سنة 1948.

 مرحلة أديب الشيشكلي

ثم جاءت المواجهة الدامية بينهم وبين الرئيس أديب الشيشكلي سنة 1953، بعد اكتشاف أسلحة في مناطقهم، وقالت الحكومة إنها مرسلة من الأردن، لزعزعة الوضع الأمني في سوريا. فمنذ وصوله إلى الحكم بشكل غير مباشر سنة 1951، كان الشيشكلي قد أهمل جبل الدروز بشكل ملحوظ، علما أن عهده كان قد شهد نهضة اقتصادية وصناعية في بقية المناطق السورية كافة. عارضه سلطان الأطرش بسبب الدولة البوليسية التي فرضها الشيشكلي، ولم يتمكن الأخير من اعتقاله بسبب مكانته السياسية والوطنية، فقام باعتقال نجله منصور، أحد المؤسسين في “حزب البعث”. رفض الدروز الانخراط في حركة التحرير العربي التي أسسها الشيشكلي سنة 1952، وفي الانتخابات النيابية سنة 1953، كانت نسبة مشاركتهم لا تتعدى 5 في المئة اعتراضا على حكمه. ورد الشيشكلي بتسريح الكثير من ضباطهم، ونقل المرموقين منهم، مثل أمين أبو عساف، إلى دير الزور، كما هاجم قرية مجدل شمس في الجولان، واعتقل 35 من أبنائها الدروز بتهمة التخابر من إسرائيل، ثم وجه إعلامه تجاه الطائفة الدرزية، وقال إنهم انفصاليون يريدون العودة إلى الدولة الدرزية المستقلة، التي كانت في زمن فرنسا.

    ظلت ذكريات الألم والموت ترافق أبناء الطائفة الدرزية سنوات طويلة، إلى أن جاء أحدهم للانتقام واغتال أديب الشيشكلي في منفاه البرازيلي سنة 1964

 وكان الشيشكلي قد قال: “أعدائي يشبهون الأفعى، رأسها في جبل الدروز ومعدتها في حمص، وذيلها في حلب. إذا قطعت الرأس ماتت الأفعى”. وقد سعى بالفعل إلى قطع رأس الأفعى، وقام بقصف جبل الدروز بالمدافع، قبل أن تتغلب عليه مجموعة من ضباط الجيش في 24 فبراير 1954. وكان الشيشكلي وخلال حملته العسكرية على الدروز، وأثناء اتهامهم بالانفصالية، قد عيّن اللواء الدرزي شوكت شقير رئيسا للأركان، لكي لا يُتهم بالطائفية أو بمعاداة الطائفة الدرزية ككل.

في زمن “البعث”

ظلت ذكريات الألم والموت ترافق أبناء الطائفة الدرزية سنوات طويلة، إلى أن جاء أحدهم للانتقام واغتال أديب الشيشكلي في منفاه البرازيلي سنة 1964، بعد عشر سنوات من خروجه من الحكم. أيد الدروز جمال عبد الناصر سنة 1958 واختلفوا مع عهد الانفصال، ثم عادوا إلى الصدارة في أعقاب انقلاب 8 مارس 1963 الذي جاء بـ”حزب البعث” إلى الحكم. ووصل الكثير منهم إلى مناصب مرموقة في الدولة، مثل منصور الأطرش، الذي أصبح رئيسا لمجلس قيادة الثورة، وحمد عبيد الذي بات وزيرا للدفاع، وسليم حاطوم الذي تسلم أمن الإذاعة والتلفزيون وقاد مجموعة عسكرية لاعتقال رئيس الدولة أمين الحافظ في أعقاب انقلاب 23 فبراير 1963. ولكنه أبعد عن مراكز صنع القرار من بعدها، وبدأ يخطط لانقلاب، فردت دولة “البعث” بملاحقة أنصاره واعتقال أكثر من 200 درزي. في سبتمبر 1966، حاصر سليم حاطوم مدينة السويداء بالدبابات، واقتحم مقر حزب “البعث” لاعتقال رئيس الدولة نور الدين الأتاسي أثناء زيارته، مع اللواء صلاح جديد، مهندس انقلاب 23 فبراير، والرجل الأقوى في سوريا يومها. ولكن انقلاب حاطوم لم يكن بهدف الانفصال أو إقامة دولة درزية مستقلة، بل للوصول إلى كرسي الحكم في دمشق، وقد أجهض من قبل وزير الدفاع في حينها حافظ الأسد، وهرب حاطوم إلى الأردن، ثم عاد في أعقاب هزيمة عام 1967 ليتم اعتقاله وتصفيته في 26 يونيو/حزيران من العام نفسه.

المجلة

——————————-

 زيارة مشايخ دروز سوريين إلى إسرائيل.. خطوة دينية أم ورقة في يد الاحتلال؟

2025.03.14

أثارت زيارة وفد من رجال الدين الدروز السوريين إلى إسرائيل جدلاً واسعاً في الأوساط السورية، حيث جاءت هذه الخطوة في توقيت حساس يشهد تصعيداً سياسياً وعسكرياً في المنطقة، ما دفع العديد من السوريين إلى إدانتها بشدة واعتبارها محاولة إسرائيلية لاستغلال البعد الديني لتحقيق مكاسب سياسية، فالزيارة، التي قيل إنها ذات طابع ديني، تتزامن مع تصاعد الاعتداءات الإسرائيلية داخل الأراضي السورية، مما يثير تساؤلات حول أهدافها الحقيقية ودلالاتها في ظل التوترات الراهنة.

“لا يمثلون إلا أنفسهم”

أعرب أهالي وعائلات بلدة حضر في جنوبي سوريا عن استنكارهم الشديد للزيارة التي قام بها بعض المشايخ إلى فلسطين المحتلة، تلبيةً لدعوة من جهات موالية للاحتلال الإسرائيلي في الداخل الفلسطيني.

وأكد البيان الصادر عن أهالي البلدة أن إسرائيل، التي لم تكن يوماً حريصة على حقوق الأقليات، تستغل هذه الزيارة الدينية كأداة لزرع الانقسام في الصف الوطني، مشيرين إلى أن سلطات الاحتلال تحاول استخدام الطائفة الدرزية كخط دفاعي لتحقيق مصالحها التوسعية في الجنوب السوري.

وجاء في البيان: “إن إسرائيل التي لم تكن يوماً حريصة على حقوق الأقليات، تستغل هذه الزيارة الدينية كأداة لزرع الانقسام في الصف الوطني، وتسعى لاستخدام الطائفة الدرزية كخط دفاعي لتحقيق مصالحها التوسعية في الجنوب السوري”.

وأضاف الأهالي: “لم ولن ننسى الجرائم والانتهاكات التي ترتكبها دولة الاحتلال بحق أهلنا في الجولان والضفة الغربية وقطاع غزة. وعليه، نؤكد أن هؤلاء المشايخ لا يمثلون إلا أنفسهم، ونشدد على أن انتماءنا الوحيد لطائفة الشعب السوري الأبي. وطننا سوريا، وعزتنا سوريا، وكرامتنا سوريا منذ الأزل”.

ما طبيعة الزيارة؟

وصل وفد من رجال الدين السوريين من طائفة الموحدين الدروز إلى إسرائيل، صباح اليوم الجمعة، في زيارة قيل إنها تهدف إلى زيارة قبر النبي شعيب في الجليل الأسفل داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة.

وتُعد هذه الزيارة الأولى من نوعها منذ خمسة عقود، وتأتي في ظل تصاعد الاعتداءات الإسرائيلية على سوريا بعد انهيار نظام بشار الأسد.

وتداول ناشطون مقاطع فيديو توثق لحظة استقبال الوفد، حيث ظهر الحاضرون وهم ينشدون أنشودة “طلع البدر علينا”، التي استقبل بها الأنصار النبي محمد صلى الله عليه وسلم عند هجرته إلى المدينة المنورة.

100 رجل دين

من جهتها، ذكرت شبكة “السويداء 24” المحلية، أن “الوفد يضم حوالي 100 رجل دين من قرى إقليم البلان، ومن المرتقب أن يشاركوا في الزيارة السنوية لمقام النبي شعيب المقررة اليوم الجمعة”، بترتيب من الشيخ موفق طريف.

وأشارت إلى أن “باصات دخلت من معبر عين التينة في الجولان باتجاه قرية حضر لنقل الوفود المشاركة، وسط ترتيبات أمنية من الجيش الإسرائيلي، ومن المقرر أن يعود الوفد إلى سوريا بعد انتهاء مراسم الزيارة يوم السبت”.

بدوره، قال الشيخ موفق طريف، الرئيس الروحي للطائفة الدرزية في إسرائيل، إن “الوفد لا يضم رجال دين من محافظة السويداء، ويقتصر على قرى الإقليم، أي المناطق الواقعة في القنيطرة وريف دمشق من جهة جبل الشيخ”.

واعتبر أن “من حق أبناء الطائفة زيارة الأماكن المقدسة وممارسة الشعائر الدينية، أسوة بباقي الطوائف الإسلامية والمسيحية التي تزور الأماكن المقدسة في القدس”، مضيفاً أن “الزيارة تحمل طابعاً دينياً”.

ردود فعل متباينة وإدانة واسعة

تباينت ردود فعل السوريين حول زيارة الوفد الديني إلى إسرائيل، إلا أن معظمهم دانوا هذه الخطوة واستنكروها بشدة، معتبرين أنها تأتي في توقيت حساس يتزامن مع تصاعد التوترات السياسية والعسكرية في المنطقة.

ورأى كثيرون أن هذه الزيارة لا تخدم إلا مصالح الاحتلال الإسرائيلي، الذي يسعى إلى التغلغل داخل النسيج الاجتماعي السوري من بوابة الطائفة الدرزية.

وجاءت هذه الزيارة في وقت تشهد فيه المنطقة تصعيداً سياسياً وعسكرياً ملحوظاً، لا سيما مع تزايد التصريحات الإسرائيلية المعادية للحكومة السورية، والتي تعكس استمرار نهج الاحتلال في التدخل بالشؤون الداخلية لسوريا.

ويعتقد مراقبون أن إسرائيل تحاول دس الفتنة بين الطوائف السورية، بهدف إضعاف التلاحم الوطني وتشتيت الجهود الداخلية لمواجهة التحديات السياسية والأمنية الراهنة.

إسرائيل تكثف انتهاكاتها في سوريا

في موازاة ذلك، كثفت إسرائيل من انتهاكاتها داخل الأراضي السورية، حيث شنّ سلاح الجو الإسرائيلي، أمس الخميس، غارات جوية على مواقع في العاصمة دمشق، زاعماً أنها تضم مركز قيادة تابعاً لحركة “الجهاد الإسلامي” الفلسطينية.

وتزامنت هذه الغارات مع تصعيد عسكري إسرائيلي آخر، ما يؤكد أن الاحتلال يسعى إلى توسيع رقعة نفوذه العسكري في سوريا، تحت ذرائع مختلفة.

بالتزامن مع الغارات الجوية، توغلت القوات الإسرائيلية في عدة مواقع داخل الأراضي السورية، في خطوة اعتبرها مراقبون تصعيداً خطيراً يهدف إلى فرض وقائع جديدة على الأرض.

وقد شددت إسرائيل مراراً على رفضها لأي وجود عسكري سوري في الجنوب، ما يعكس نيتها تعزيز سيطرتها على تلك المناطق واستغلال الأوضاع الأمنية لصالحها.

وفي تطور لافت، كررت تل أبيب تصريحاتها بشأن استعدادها للتدخل في الجنوب السوري، بحجة “حماية أبناء الطائفة الدرزية”، وهو ما اعتبره محللون محاولة مكشوفة لتبرير تدخلها في الشأن السوري الداخلي، واستغلال الورقة الطائفية كذريعة لتوسيع نفوذها.

 —————————

 الشيخ الحناوي لـ تلفزيون سوريا: لا نقبل التدخل الخارجي ومتمسكين بوحدتنا الوطنية

2025.03.14

أكد الشيخ حمود الحناوي، شيخ عقل طائفة المسلمين الموحدين الدروز في سوريا، أن الأوضاع الراهنة في البلاد تستدعي تكاتف جميع السوريين للحفاظ على الوحدة الوطنية، معرباً عن استغرابه من بعض الأحداث التي شهدتها البلاد مؤخراً، ومشدداً على أن الأمن والاستقرار هما الأساس لبناء سوريا جديدة.

وفي مقابلة أجراها مع “تلفزيون سوريا”، وصف الشيخ الحناوي المستجدات الأخيرة في الساحل السوري بأنها “أحداث مؤسفة لا تخدم أي طرف”، مشيراً إلى أنه كان من المتوقع أن تدخل سوريا في مرحلة ديمقراطية تعوّض السوريين عن سنوات الحرب والمآسي.

وقال: “ما وقع من أحداث لا يصب في مصلحة أحد، بل يسيء إلى الجميع، سواء الشعب السوري بأكمله أو الدولة التي من المفترض أن تكرس جهودها لبناء الإنسان وتحقيق تطلعات المواطنين”.

وأكد أن ما جرى أثار استغراباً كبيراً، لا سيما في محافظة السويداء، التي كانت تأمل أن تسير البلاد نحو الأمن والاستقرار. وأضاف: “كنا ننظر إلى المحافظات السورية الأخرى على أنها بدأت تتجاوز ويلات الحرب، لكننا فوجئنا بهذه التطورات المحيرة”.

رفض محاولات خلط الأوراق والتمسك بالهوية الوطنية

و أوضح الشيخ الحناوي أن أبناء المحافظة يرفضون أي محاولة لإقحامهم في صراعات لا تخدم المصلحة الوطنية، مشدداً على أن “السويداء جزء لا يتجزأ من سوريا، والانتماء للوطن شرف وكرامة ومبدأ لا يمكن المساومة عليه”. وتابع: “ننظر إلى جميع أبناء سوريا بمنظار واحد، وما يجمعنا هو الوطنية المشتركة”.

وأضاف أن ما حدث في الساحل “آلمنا كثيراً.. لدينا ثقة بأن القيادة في دمشق ستقوم بمحاسبة المخطئين، لأنها تسيء للجميع”. وأضاف: “نحن نهيب بأهلنا في الساحل، ونقول لهم إن ما جرى مؤلم ولا يمكن قبوله دينياً أو أخلاقياً أو وطنياً”.

مخاوف من تداعيات الأحداث الأخيرة

وأبدى شيخ عقل طائفة المسلمين الموحدين مخاوفه من أن تؤدي هذه التطورات إلى زعزعة الثقة بين السوريين وزيادة التوترات الداخلية، محذراً من خطورة هذه المرحلة على مستقبل البلاد.

وأوضح قائلاً: “إذا تكررت هذه الأعمال، فإنها ستسبب قلقاً كبيراً لمختلف المكونات السورية، إذ إن الأمن والاستقرار هما الضامن الأساسي للوحدة الوطنية، وأي إخلال بهما سيؤدي إلى الفوضى والبلبلة”.

ورأى أن هذه الأحداث تعد “استهدافاً للقضية السورية برمتها”، مطالباً الجميع بتحمل مسؤولياتهم في الحفاظ على النسيج الاجتماعي، والابتعاد عن أي تصرفات تؤدي إلى تفكيك وحدة البلاد. وأضاف: “كفانا دماراً ومآسي، فالظروف الراهنة تفرض علينا التكاتف لا التفرق”.

رفض أي تدخل خارجي والحفاظ على الاستقلالية

وفيما يتعلق بمحاولات بعض الجهات الخارجية استغلال اسم طائفة الموحدين الدروز، شدد الشيخ الحناوي على أن “الطائفة لا تقبل التدخلات الأجنبية، ولم تكن يوماً أداة في يد أي طرف خارجي”.

وأضاف: “لسنا مسؤولين عن كل التصريحات التي تصدر من داخل سوريا. نحن لم نقم في أي يوم من الأيام بأي عمل يسيء للوحدة الوطنية”.

وتابع : “نحن سوريون أولاً وأخيراً، ولا نقبل أن يزايد أحد على وطنيتنا. لم نقم بأي عمل يضر بالوحدة الوطنية، ولن نسمح بأن يُستخدم اسمنا كذريعة لأي تدخل خارجي”.

وأكد على أن “الدروز كانوا دائماً جزءاً من النسيج الوطني السوري، ولم يسبق لهم أن مدّوا أيديهم إلى أي جهات خارجية”، مشدداً على أن الطائفة “مسالمة وتحترم كل المكونات السورية، لكنها في الوقت نفسه لن تسمح بالمساس بكرامتها أو سيادتها”.

الاتفاق بين دمشق وقسد: ضرورة للوحدة

وتعليقاً على الاتفاق الذي جرى بين الحكومة السورية وقوات سوريا الديمقراطية (قسد) في شمال شرقي سوريا، قال الشيخ الحناوي إنه يدعم أي اتفاق يساهم في توحيد الصف السوري، قائلاً: “نحن مع أي مبادرة تعزز وحدة سوريا، سواء كانت مع إخواننا الأكراد أو مع الحكومة في دمشق، أو مع أي مكون آخر من أبناء الوطن”.

وأشار إلى أن “الوحدة السورية هي الخيار الوحيد القادر على إخراج البلاد من أزمتها”، معتبراً أن “اللون الواحد لا يجدي، والتنوع هو أساس الاستقرار”. ووجه رسالة إلى جميع السوريين قائلاً: “يجب أن نتعاون ونتحد، فالانقسام لا يخدم إلا أعداء الوطن”.

وأضاف: “وبصفتي شيخ عقل الطائفة الدرزية في سوريا، لا يمكن أن أفكر بأي شيء يسيء إلى سيادة سوريا أو الوطن، ولا سمح الله أن نقوم بمثل هذه الأمور. وإذا ما حدث ذلك، فهو على ذمة من يفعله”.

رسالة إلى السوريين

ووجه الشيخ الحناوي رسالة إلى الشعب السوري، دعا فيها إلى وقف النزاعات والعمل على بناء مستقبل مشترك لجميع السوريين: “رسالتي تحمل بين طياتها الألم والأمل. أيها السوريون، توحدوا، وحافظوا على وطنكم. كفانا قتالاً ودماراً وهدماً لما تبقى من البلاد. نحن بحاجة إلى بناء الوطن على أسس الديمقراطية والمحبة والإخاء”.

وأكد أن السوريين لم يكونوا يعرفون الطائفية في السابق، لكن السنوات الأخيرة أفرزت صراعات أضرت بالجميع. وأضاف: “الطائفية والفوضى دمرت الحجر والبشر، وعلى السوريين أن يراعوا الله في وطنهم ومستقبلهم. التفرقة لا تنفع، والتفكك يضر الجميع، والقتل والثارات لا تجلب سوى الأحقاد”.

واستشهد الشيخ الحناوي بموقف النبي محمد (ص) عند فتح مكة، حين أعلن العفو العام، قائلاً: “هذه هي رسالة الإسلام الحقيقية التي يجب أن نتمسك بها”.

تلفزيون سوريا

——————————

 شيخ عقل الدروز في سوريا حمود الحناوي لـ”النهار”: على الشرع ردّ الظلم ونرفض أي تفرّد بقرار السويداء

“النهار” حاورت شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز في سوريا الشيخ حمود الحناوي وحملت إليه أسئلة الساعة الملحّة، علماً بأن مشيخة العقل تتألف من ثلاثة شيوخ هم إلى الحناوي، الشيخ حكمت الهجري والشيخ أبو أسامة الجربوع.

ديانا سكيني

تحديث 14 أذار 2025

تتحكم أحداث الساحل السوري وتبعاتها بمعادلة علاقات الحكم في دمشق مع المحافظات والمجموعات المختلفة. وإن كان سرى في الأيام الماضية حديث عن اتفاق بين الحكومة السورية ووجهاء السويداء من شأنه أن يطوي صفحات التأويلات وسرديات الخوف من المجهول، فإن الوقائع المستقاة من السويداء تشير إلى أن الحوارات والنقاشات المفتوحة الجارية بين الطرفين ليست سوى ممهّد لأرضية التوافق، وأقرب إلى المطالب كما قيل.

“النهار” حاورت شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز في سوريا الشيخ حمود الحناوي وحملت إليه أسئلة الساعة الملحّة، علماً بأن مشيخة العقل تتألف من ثلاثة شيوخ هم إلى الحناوي، الشيخ حكمت الهجري والشيخ أبو أسامة الجربوع

    ماذا يقول شيخ عقل الموحدين في سوريا حمود الحناوي لـ”النهار” عن عرض الحماية الإسرائيلية للدروز؟ @Dianaskaini pic.twitter.com/Kj8oHLXstJ

    — Annahar Al Arabi (@AnnaharAr) March 14, 2025

لم يطّلع الحناوي على ما سمّيَ “الاتفاق المبدئي” الذي حُكي عنه ولم يسمع به، وفق قوله. وفي رأيه، “كل اتفاق يجب أن يكون صادراً عن كل الفئات التي تمثّل محافظة السويداء، وأن يشمل التمثيل كل المعنيين بالأمر، وبطبيعة الحال الجميع سيؤيّد أيّ اتفاق لصالح المحافظة”.

ويقول إن “مطالبنا العامة تشمل بناء الدولة بشكل مدني وحضاري وتأسيس دستور للبلاد وإجراء انتخابات عادلة تضم جميع فئات الشعب السوري. أما المطالب الخاصة فتتعلق بحاجات المواطنين من كل النواحي”.

* لكن هناك معلومات يجري تناقلها عن اتفاق بين الشيخ الهجري والرئيس أحمد الشرع، هل لديكم معطيات؟

يجيب شيخ العقل: “لم أسمع بالاتفاق بعد وإذا ما حصل يجب أن يخرج عن الرأي العام في محافظة السويداء، نقول بمصداقية إن الانفراد بالقرار يثير الانقسام. وأتوجّه الى الجميع سواء الشيخ الهجري أو غيره ممّن يتواصلون مع الحكومة بأن مطالبنا واحدة، وكل المطالب التي تقع في صالحنا نوافق عليها. وتاريخ الجبل يشهد أن الأمور كانت على الدوام شورى بين أهله”.

ويضيف: “ليس في السويداء مرجعية واحدة، هناك مشيخة عقل من ثلاثة شيوخ، ويوجد مثقفون كان لهم دور بارز في الحراك الوطني، وقادة تقليديون واختصاصيون يديرون دولاً ويجب أن نأخذ آراءهم”.

أحداث الساحل

يشعر الحناوي باستياء كبير نتيجة أحداث الساحل، فـ”ما جرى هو أعمال مؤسفة وليست في مصلحة السوريين ولا أهل الساحل ولا الدولة، وهي أثارت المخاوف لدى كل الشعب السوري”. ودعا الرئيس أحمد الشرع إلى “محاكمة المتورّطين وإيجاد حلّ قانوني بإشراف الدولة”.

* وما المطلوب من الشرع تحديداً؟

يجيب: “المطلوب منه أن يكون كالأب العادل ويعمل على تقصّي الحقائق وردّ الظلم عن الناس لأن أبناء الشعب السوري هم أسرة واحدة، ولا يجوز أن يكون هناك فرق بين طائفة وأخرى”.

* وكيف أثرت أحداث الساحل على المجموعة الدرزية في سوريا، وهل أثارت التخوّف؟

يجيب الشيخ الحناوي أن “الخوف واقع ولنا تجارب قديمة من جراء هذا الغلوّ الديني الخطر على الجميع، ليس علينا فحسب بل على جميع أطياف الشعب السوري”.

* وكيف يقارب دخول الإسرائيليين على الخطّ والتعهّد بحماية الدروز؟

“نستغرب الطرح الإسرائيلي، فنحن لا نستجدي الحماية من أحد. وعلى مر التاريخ لا نعتدي على أحد، وإذا اعتُدي علينا نموت جميعنا لحماية أنفسنا وحماية عرضنا وأرضنا، وإذا اعتُدي علينا فلنا حق الدفاع عن أنفسنا. نحن لنا تاريخ طويل ولم نُهزم في أيّ معركة على مرّ التاريخ”.

     View this post on Instagram

    A post shared by Annahar (@annaharnews)

* هناك أصوات درزية تحمل نزعة انفصالية لا تزال تتردّد؟

“حسب معرفتي بأبناء السويداء، نحن سوريون لا نساوم على القضية الوطنية. وقيادة الثورة السورية الكبرى كانت تحت راية سلطان باشا الأطرش وقدّمنا آلاف الشهداء من أجل الوطن السوري المقدّس، فلا يمكن أن ننادي بهذه الأفكار (الانفصالية) التي لا تمثّل إلا من ينادي بها”.

* وكيف تجد سياق الاتفاق بين الدولة السورية و”قسد”؟ “

النهار العربينرحّب بالاتفاق مع قسد من أجل الوحدة الوطنية، ونرى أن الحقوق الخاصة بهم يجب أن تراعيها الحكومة السورية”.

———————————

الرئيس الشرع في مواجهة الامتحان الأصعب/ عبد القادر المنلا

2025.03.14

لا يزال اللصوص والقتلة من بقايا فلول الأسد يحلمون باستعادة السلطة المافيوية التي أسست لها عصابة آل الأسد، وأتاحت لهم الفرصة ليعيشوا شهر عسل استمر لأكثر من خمسين عاماً، استطاعوا خلالها نهب سوريا والسوريين، وإفقارهم، وإذلالهم، والتكسب على حساب حقوقهم في العيش بكرامة، أو حتى بالحدود الدنيا من الكرامة.

لم يستوعب اللصوص أنهم لم يعودوا قادرين على النهب والقتل والتسلط، ولم يستوعبوا أن يتحولوا إلى مواطنين عاديين بعد أن عاشوا لعقود يعتقدون بأنهم سادة على غيرهم، وأن السوريين مجرد عبيد لهم وخدم عندهم.

وبعد سقوط النظام، هرب الكثير منهم إلى خارج القطر، وتوارى بعضهم في الداخل السوري متخفين بجناحي حمامة سلام ووداعة. وبعد أن ضمنوا سلامتهم، استفاقت شهوة السلطة لديهم من جديد، وبدؤوا بالاتفاق مع الهاربين خارج القطر، يخططون للعودة من بوابة بعض التجاوزات والأخطاء، التي لم تكن في البداية سوى بعض الإهانات اللفظية والملاسنات الكلامية التي وجهها أفراد غير منضبطين للمواطنين، وتحديداً من الطائفة العلوية، مما أثار تذمراً لدى هؤلاء المواطنين.

ولكن فلول العصابة استخدموا تلك الأخطاء ذريعة للتحريض ضد الإدارة الجديدة، ومن ثم إشعال ثورة مضادة بقيادة اللصوص والقتلة أنفسهم، إلى أن تطورت الأحداث على النحو الذي آلت إليه في الأيام السابقة.

زجّت الفلولُ سوريا في مأزق أدى إلى منعطف حاد وخطير للغاية، من شأنه أن يدمر أحلام السوريين بمستقبلهم، الذي كان وجود الأسد عائقاً أمام تحقيقه.

وبعد رحيل الأسد، تبين أن عملية إسقاط النظام لم تكن متكاملة وكافية لإزاحة ذلك العائق، وكان لا بد من اقتلاع النظام من جذوره قبل الإعلان عن ولادة الدولة الجديدة.

وقد بات واضحاً بعد سلسلة الأحداث الأخيرة في الساحل السوري والمشهد الميداني المعقد، أن الرئيس أحمد الشرع يقف في مواجهة أصعب امتحان قبل أن يكمل ثلاثة أشهر من توليه منصب رئيس الجمهورية. فإلى جانب ملف “قسد” وتهديدات إسرائيل ومحاولاتها زرع الفتنة بين السوريين، والوضع الاقتصادي الصعب، والعقوبات التي لا تزال مفروضة على سوريا رغم سقوط المجرم الذي تسبب بفرضها، تأتي قضية الفلول لتزيد المشهد تعقيداً، وتجرّ القيادة الجديدة إلى استخدام السلاح من جديد ضد تلك الفلول. ولكن استخدام السلاح سيضع الدولة باستمرار في موقع الدفاع عن قرارها، ولا سيما في ضوء التشكيك والإشاعات والاتهامات التي تنتشر كالنار في الهشيم، ويستغلها الفلول لبناء مظلومية عليها.

غير أن الامتحان الأصعب يأتي من بعض الفصائل أو بعض الأفراد المحسوبين عليها، والمنتمين إلى الإدارة الجديدة، الذين يرتكبون انتهاكات تم الاعتراف بها رسمياً من قبل الحكومة. والمشكلة الأخطر ليست في نشر فيديوهات عن تلك الانتهاكات فحسب، بل في تبنّيها والافتخار بها من قبل مرتكبيها، وتصديرها على أنها أعمال بطولية. صحيح أن ثمة الكثير من التلفيق والمبالغة والفبركة، ولكن لا يمكن نفي الأصل الذي تستند إليه الفلول في تضخيمه، مما يضع القيادة في حرج شديد، ويمتحن قدرتها على معالجة هذه القضية، بحيث تصل إلى تحقيق العدالة التي وُعد الشعب السوري بها بجميع أطيافه. وتلك مهمة شديدة الدقة والتعقيد، في ظل الاضطرابات السائدة وضياع جزء كبير من الحقيقة وسط أصوات الرصاص وصوت الشائعات التي لا تتوقف.

وإذا أردنا أن نضع الأمور في نصابها الصحيح، فلا بد من التأكيد على أن ما فعلته فلول النظام والمحرضون التابعون لهم، كان السبب الأساسي لتداعيات الأحداث التي وصلت إلى حالة التصعيد الأخيرة والنتائج الكارثية التي ترتبت عليها. فقد فسّرت تلك الفلول حالة التسامح التي أبدتها الحكومة الجديدة بالضعف، ووجدت فيها فرصة استثنائية لمحاولة استعادة السلطة التي فقدتها.

كانت المحاولة تهدف إلى الإطاحة بالدولة الجديدة في حال نجاحها، وفي حال فشلها، فهي ستنجح في إثارة الفوضى بالحد الأدنى، نكايةً بالسوريين وثورتهم ونصرهم. فالفلول هم ذاتهم أصحاب مقولة “الأسد أو نحرق البلد”، هؤلاء هم مشعلو الحرائق الذين لم يرتووا من حرائق الأعوام الأربعة عشر السابقة، ولا يزالون مصرين على حرق ما تبقى، وحرق مكتسبات الشعب، وحرق مستقبله.

في هذا السياق، لا بد من التذكير بأن تلك الانتهاكات لبعض الفصائل أو الأفراد المحسوبين على الدولة، ستقدم خدمة كبيرة لفلول النظام وروايتهم وأجندتهم، وستشارك في إرباك المشهد وتعقيد مهمة الدولة فيما يتعلق بقضية السلم الأهلي.

لقد بات الاستقطاب والتحريض عنوانين أساسيين للمرحلة الحالية، وبدأت الفجوة تتسع بين الدولة السورية والكثير من أبناء الطائفة العلوية. وقد ظهر الرئيس الشرع في خطابين، يعيد من خلالهما التأكيد على السلم الأهلي، ومحاسبة مرتكبي الانتهاكات، وتشكيل لجان عليا للمتابعة، وهذا هو بالضبط ما ينتظره السوريون. ولكن ترجمة تلك الأقوال إلى واقع وبأسرع وقت ممكن، هو ما سيقطع الطريق على الفلول ومناصريهم وداعميهم. وهنا، تبدو محاسبة مرتكبي الانتهاكات لا تقل أهمية عن ملاحقة الفلول، وأي تأخر في وقف الانتهاكات التي تتم ضد المدنيين الأبرياء من الطائفة العلوية وغيرها من المكونات السورية، سيلعب دوراً كبيراً في صب المزيد من النار على الزيت، وسيعرض مصداقية الرئيس للتشكيك، رغم كل ما أبداه من توازن وعدل وخطاب وطني واعٍ وحريص.

حين بدأ التحرك نحو حلب في العملية التي أطلق عليها “ردع العدوان”، لم يكن الكثيرون يعلمون من هم إدارة العمليات العسكرية. وسرعان ما تم الكشف عن أفراد تلك الإدارة وقيادتها، ليتضح أنها هيئة تحرير الشام ذاتها، التي لم يكن السوريون حينها يثقون بوطنيتها، ويعدونها مشروعاً إسلامياً بحتاً. الأمر الذي لم يجعلهم متحمسين لتلك العملية، بسبب خوفهم من فتح جبهة طاحنة مع قوات النظام وحلفائها من الإيرانيين والروس، وعودة الحرب التي لا يعرف أحد كم ستستغرق، ولا إلى متى قد تدوم، بكل ما تحمله من نتائج كارثية.

ومع نجاح إدارة العمليات بتحرير حلب دون دماء، ومن ثم تقدمها إلى حماة فحمص، إلى أن وصلت إلى دمشق، باتت الهيئة تحتل موقعاً مختلفاً تماماً في وجدان السوريين. ومع دخولها إلى الساحل السوري دون انتقام أو ثأر، ازدادت ثقة السوريين بالإدارة، وباتت ليست المخلص فحسب، بل أيضاً الجهة الضامنة للعدالة واللحمة الوطنية. وبدأ النظر إلى الشرع على أنه البطل المحرر، والقادر على منع أنهار الدم والمذابح بحق العلويين، التي كانت متوقعة في حال سقوط النظام. وقد اعتبر السوريون دخول الساحل بلا دماء معجزة لا تقل شأناً عن معجزة التحرير.

لم يتأخر الرئيس بالخروج بعد سلسلة الأحداث الدامية، وقام بخطوات هامة تمثل المنهج النظري للحل، ولكن الاختبار الهام يكمن في آلية تطبيق هذا المنهج. فالمطلوب اليوم هو سرعة محاسبة مرتكبي الانتهاكات، والتي يجب أن تكون متوازية مع محاربة الفلول، وربما يجب إعطاؤها الأولوية، لأن ما يفعله مرتكبو الانتهاكات يمثل الأرضية الخصبة للفلول في استقطاب وتعبئة الشارع العلوي، وتجييشه، وتحريضه ضد إدارة الشرع.

لقد خرج الأسد بعد اندلاع الثورة يبحث عن مبررات لقتل المتظاهرين والثوار، وتظاهر بأنه يفعل ما يمليه عليه واجبه الوطني. وربما كان طرحه النظري حينها مقبولاً دولياً ومحلياً، ولكن أفعاله كانت تناقض خطابه. لا يمكن للإدارة الجديدة بحال من الأحوال أن تتشابه من قريب أو بعيد مع الأسد في الطريقة والنتائج. واليوم، تتجه أنظار السوريين للرئيس الشرع، منتظرةً خطوات وإجراءات عاجلة وعادلة وصارمة بحق المخربين جميعاً، وعلى رأسهم مرتكبو الانتهاكات.

تلفزيون سوريا

——————————-

أجراس التطبيع مع إسرائيل..قبل الأوان/  ساطع نورالدين

تحديث 14 أذار 2025

الخوفُ واجبٌ من جرِّ (أو إنجرار) لبنان الى مفاوضات سلام مع العدو الإسرائيلي، لكنه سابق لأوانه بعض الشيء. الخطرٌ موجودٌ طبعاً، غير أن تحويله الى خطة عمل إسرائيلية-أميركية، وبالتالي الى عبوة ناسفة للاستقراراللبناني النسبي، ما زال يتطلب توفر الكثير من الشروط الصعبة، التي لم يستطع العدو فرضها في اعقاب غزوه للبنان في العام 1982، ولن يستطيع طرحها في ضوء الحرب المتواصلة منذ خريف العام 2023.

الفكرة واردة في واشنطن وتل ابيب، لكن، حتى الآن، كنظرية فقط، يجري تداولها وترويجها من قبل بعض أصحاب النوايا السيئة، والآراء المتطرفة، من الجانبين الأميركي والإسرائيلي، الذين لا يدركون عواقب هذا الطرح على الداخل اللبناني، وما يمكن ان يثيره من اضطرابات غير محمودة، ولا يتذكرون التجارب الأميركية والإسرائيلية المريرة مع لبنان وانقساماته العميقة التي لم تتبدل كثيرا، منذ نصف قرن مضى او أكثر.

ليس هناك طموح رسمي أميركي أو إسرائيلي في تجديد تلك التجارب، التي كانت وستظل تستدعي إنتشاراً عسكرياً للقوات الإسرائيلية والأميركية على معظم الأراضي اللبنانية. في واشنطن وتل ابيب، وربما بيروت، ثمة من يحاول ان يستكشف الفرص والآفاق البعيدة المدى، لمثل هذا الاحتمال، من دون إدراجه صراحة في مشاريع “التسوية” المطروحة على الفلسطينيين، ولا في مشاريع السلام المقترحة على السعودية وغيرها من دول الخليج. يمكن العثور، في عملية الاستكشاف هذه على سياق واحد يربط المسار اللبناني، بالمسار السوري وحده، من دون أي تفصيل او تأويل، سوى أنهما يشكلان الجبهة الشمالية المتوترة لدولة إسرائيل.

ولا حاجة الى أدلة للتأكد من أن الاختراق الإسرائيلي المتصاعد لسوريا، سواء عسكرياً او سياسياً او حتى إجتماعياً، بات بلا أدنى شك، أكبر وأخطر وأبعد مدى من الانتهاك الإسرائيلي المتواصل للمجال اللبناني، الذي لو بلغ الحد الذي يتعرض له الاشقاء السوريون، لوجب قرع أجراس الإنذار اللبنانية، والاستعداد لمرحلة أسوأ من الحرب الإسرائيلية الراهنة.. مع الاخذ بالاعتبار الرغبة الإسرائيلية الواضحة باختبار فرص التعامل مع الحكام الجدد في دمشق، وفق قواعد جديدة لاتفاق فصل القوات الذي ظل سائداً على جبهة الجولان منذ العام 1973 حتى اليوم.

بناء على تلك الخلفية، التي تميز جاءت فكرة تشكيل ثلاث مجموعات عمل لبنانية إسرائيلية تعمل في ظل اللجنة الخماسية الدولية في الناقورة، واحدة تعني بإكمال ترسيم الخط الأزرق الحدودي، وثانية تتابع قضية الاحتلال الإسرائيلي للمواقع الخمسة ( السبعة) داخل الأراضي اللبنانية، وثالثة تهتم بمصير الاسرى والمخطوفين اللبنانيين من قبل العدو.. وقد باشرت عملها بتلقي “بادرة حسن نية” مفاجئة، خص بها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الرئيس جوزف عون، المسؤول اللبناني المكلف بتنفيذ القرار 1701 بكامل بنوده وملحقاته.

لا تريد واشنطن ولا تل ابيب، “توريط” لبنان بمفاوضات سلام الآن. هما تكتفيان بمراقبة ردود الأفعال اللبنانية على عملية تنفيذ القرار 1701، التي يفصح بعضها عن الكثير من الانتهاكات لمناعة موقف المفاوض اللبناني، ويقفز الى ما هو أبعد مما هو مطلوب أميركياً واسرائيلياً، في هذه المرحلة بحجة أن شرط إعادة الاعمار هو “التطبيع” مع إسرائيل.. مع أن الجميع يدركون أن التمويل بات مستحيلاً، بعدما سقط لبنان من لائحة أولويات الدول المانحة المعنية بتمويل غزة وسوريا وأوكرانيا والكثير غيرها من الدول المحتاجة..وهو لن تخصص أي مبالغ مالية للجنوب اللبناني حتى ولو فُتحت سفارة إسرائيلية في وسط بيروت!

الخطر الأميركي الإسرائيلي ليس داهماً، لكنه لسوء الحظ يتحول الى محور رئيسي للنقاش الداخلي اللبناني، ما يمكن ان يقود اللبنانيين جميعاً الى هاوية تعيد الى الأذهان تجربة العام 1982 البائسة، ومعها شروط إعادة بناء الدولة وتشكيل السلطة وفرز المجتمع في لبنان.

بيروت في 14 / 3 /

—————————-

احتلال إسرائيل لجبل الشيخ.. استعمار حديث بغطاء أمني زائف

14 مارس 2025

يفتتح الكاتب وسام شرف مقاله المعنون بـ”كيف تطبّع وسائل الإعلام الإسرائيلية عمليات الاستيلاء الاستعماري على الأراضي في سوريا” المنشور في موقع “ميدل إيست آي” البريطاني بالقول منذ احتلال إسرائيل مرتفعات الجولان السورية عام 1967، اعتبرتها “قاعدة استراتيجية مهمة لأمنها وتنمية مواردها وإمداداتها المائية”، إضافة إلى كونها “ورقة تفاوضية في أي محادثات سلام مستقبلية مع سوريا”.

لكن، ورغم أن بعض رؤساء وزراء إسرائيل وافقوا على خطط انسحاب مقابل السلام، فإن الاحتلال لا يزال قائمًا، بل توسعت إسرائيل بعد سقوط نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد، كما يرى شرف.

بحسب شرف، كان “جبل الشيخ دائمًا من بين الجوائز الاستراتيجية الرئيسية”، وأضاف أنه في كانون الأول/ديسمبر، احتلت إسرائيل أعلى قمة في سوريا، بارتفاع يفوق 2800 متر فوق سطح البحر.

يشير شرف إلى أن هذه الخطوة أثارت نقاشًا في الإعلام الإسرائيلي حول المصطلحات المناسبة لوصف “الجائزة الجديدة”، حيث اقترحت أسماء مثل “تاج الشيخ”، مستندةً إلى قصيدة كتبها القائد الصهيوني زئيف جابوتنسكي قبل قرن من الزمن، أو حتى “صهيون”، في محاولة لفصل جبل الشيخ عن هويته السورية، وترسيخ السيطرة الصهيونية عليه.

لا يقتصر الأمر على الإعلام، يضيف شرف موضحًا، ثم يمضي قائلًا إن وكالات السياحة تروج لرحلات إلى “أعلى قمة في إسرائيل”، مع الإشارة إلى أنه “جبل الشيخ السوري سابقًا”.

ويرى  أن هذه الرحلات تعكس سياسة الاستعمار والتوسع التي تنتهجها الحكومة الإسرائيلية، حيث يتم الاحتفاء بأي أرض تحتلها قواتها دون مراعاة للدول والشعوب المجاورة أو العواقب المحتملة.

لم تقدم إسرائيل مبررات مقنعة لاحتلالها الجديد، إذ لم تواجه أي تهديدات من هذه المنطقة منذ عقود. ورغم مزاعم تل أبيب بأن الأمر “إجراء دفاعي استباقي”، فإن الواقع يشير إلى استفزاز صريح واستيلاء غير قانوني على أراضٍ سورية، وفقًا لتحليل شرف.

وأضاف أن هذا الاحتلال ليس نتيجة نزاع مسلح حديث، بل يعكس “توجهات توسعية لحكومة متطرفة”، معيدًا التذكير بإعلان أعلن رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، أن إسرائيل لن تسمح بأي نشاط للجيش السوري الجديد جنوب دمشق، متعهدًا ببقاء جيش الاحتلال هناك إلى أجل غير مسمى.

وبالمثل، صرح وزير الأمن في حكومة الاحتلال، إسرائيل كاتس، بأن الجيش الإسرائيلي سيظل في جبل الشيخ “لضمان الأمن”. ويرى شرف أن هذه التصريحات تعكس نية واضحة لاحتلال أجزاء من جنوب سوريا بشكل دائم وضمها لاحقًا.

ورغم عدم صدور رد رسمي من الحكومة السورية الانتقالية، دعا العديد من قادة الدول المجاورة إسرائيل إلى الانسحاب واحترام اتفاقية وقف إطلاق النار لعام 1974. غير أن إسرائيل تواصل فرض سيطرتها، غير مكترثة بالقانون الدولي، حيث يمثل هذا الاحتلال انتهاكًا واضحًا، يعكس عقلية استعمارية توسعية لحكومة متطرفة، بحسب شرف.

يؤكد شرف أن سوريا تواجه تحديات كبيرة في إعادة البناء بعد سقوط الأسد، ما يجعل ردّها على إسرائيل محدودًا. ومع ذلك، فإن استيلاء إسرائيل على أراضٍ جديدة يعد تكتيكًا غير قانوني يجب أن يُرفض دوليًا.

ويخلص شرف في نهاية مقاله التحليلي إلى أن استقرار المنطقة يعتمد على استقرار سوريا الجديدة، ويجب على المجتمع الدولي دعم جهود السلام ورفض أي شكل من أشكال التعدي الخارجي، لمنع استمرار السياسات التوسعية التي تهدد مستقبل المنطقة بأسرها.

—————————–

 لاءات الدروز، ماذا يريدون؟ وماذا يرفضون؟

الجمعة 14 مارس 2025

تراقب طائفة الموحّدين الدروز في سوريا اليوم، بكثير من التساؤلات والتخوفات، ما يحدث على الساحل السوري من أحداث عنف من جهة، ومع الأكراد من اتفاق دمجٍ وقّعته قوات سوريا الديمقراطية “قسد”، مع الإدارة السورية الجديدة من جهة أخرى، ليبقى سؤال مصيرهم أو “قرارهم” إن تملّكوه، معلّقاً إلى حين.

خصوصية المكوّن الدرزي السوري، لا تأتي فقط من كونهم أقليةً دينيةً، بل لامتدادهم الجغرافي والتاريخي المتداخل في أربعة بلدان، ولمجمل الحسابات السياسية المتعلقة بجغرافيتهم الحدودية الحسّاسة، وعلاقات الطائفة الممتدة عبر أنظمة متعادية. 

أبناء الطائفة الذين عانوا طويلاً من التقسيمات الحدودية التي مزّقت العائلات والطائفة، يتوقون إلى لمّ شملها، لكن هذا الهدف الواحد لا يعني أنّ الرؤى السياسية واحدة، ولا يعني أن الأثمان المتوقعة قد تكون سهلةً.

ماذا يريد الدروز؟

مطالب دروز سوريا واضحة منذ اليوم الأول، ولا تختلف عن مطالب معظم الأقلّيات، وتتمثّل في دولة علمانية لكل السوريين، بالإضافة إلى تحسين الخدمات في محافظة السويداء التي عانت من الحرب ومن قبله من التهميش، وتعاني من قلّة الموارد مقارنةً ببقية المحافظات الشمالية والوسطى والساحلية. ويخشى الدروز خصوصاً، من تهميش محافظتهم في أيّ تسوية مقبلة، أو من تقسيم البلاد دون أخذ مصالحهم في الحسبان. لذلك يطالبون بضمانات دستورية تكفل حقوقهم وتمثيلهم، مثل تضمين مبادئ اللامركزية الإدارية وتمثيل الأقليات في تعيينات الهيئات التشريعية والحكومية، إلى حين الوصول إلى صناديق الاقتراع، وهذا كله قبل إلقاء السلاح.

كما يتوجسون من فرض أيديولوجيا دينية متشددة، أو تهميش صوتهم في صياغة مستقبل البلاد، ولا سيّما أنّ ذاكرتهم الجماعية ما زالت مثقلةً بتجربة مريرة مع جبهة النصرة (سابقاً). فحين سيطر فرع القاعدة على منطقة جبل السمّاق في إدلب عام 2015، تعرّضت القرى الدرزية هناك لمجازر -كمجزرة قلب لوزة- ومصادرة أملاك، وحملة “أسلمة قسرية”، ما أدى إلى نزوح نحو نصف سكانها الدروز آنذاك.​

تلك الصدمة رسّخت لدى دروز السويداء، مخاوف من تكرار السيناريو على يد الإدارة السورية الجديدة، خاصةً أنّ أحداث العنف في “جرمانا”، والتي أعقبت سقوط النظام، أعطت مؤشراً على جهوزية للعداء الطائفي بين بعض رجال الأمن من الإدارة السورية الجديدة والدروز كما رأى بعضهم. وبرغم أنّ شيوخ الطائفة تبرؤوا من الفاعلين ورفعوا عنهم غطاء الحماية الاجتماعية، إلا أنّ هذا الحدث عزز المخاوف، بدلاً من أن يقلّلها.

ومن هنا جاءت مطالب الدروز واضحةً وحازمةً منذ الأيام الأولى لسقوط الأسد: فهم يريدون دولةً مدنيةً علمانيةً تكفل حقوق الأقليات ولا تُختزل بلون واحد​، فمنذ سقوط النظام رفع المتظاهرون في السويداء شعار “سوريا واحدة لا تقبل القسمة، بكل ألوانها”، داعين إلى فصل الدين عن الدولة​، بينما تؤكد قياداتهم الدينية مثل الشيخ حكمت الهجري، المرجع الروحي الأبرز للدروز، والشيخ حمود الحناوي، أحد شيوخ عقل الطائفة، على تبنّي خطاب وطني جامع: “الدين لله والوطن للجميع”، في إشارة إلى رفض أي نهج حكم طائفي​. 

رفض للإعلان الدستوري

لم يكن ردّ فعل الأقليات الدينية مرحّباً، بعدما صادق الرئيس السوري أحمد الشرع، على مسودة “الإعلان الدستوري”، يوم الخميس 14 آذار/ مارس 2025، وما جاء فيه من بنود جدلية، كتعيين الرئيس ثلث المجلس التشريعي، وتحديد الفترة الانتقالية بخمس سنوات، وحظر حمل السلاح في كل سوريا، وحصر دين رئيس الجمهورية في الإسلام، والنصّ على أنّ الفقه الإسلامي هو مصدر التشريع.

عدّ الأكراد، الإعلان الدستور انقلاباً على اتفاق الدمج الذي سلّموا سلاحهم بموجبه. أما الدروز، فجاء ردّ فعلهم على لسان الشيخ حكمت الهجري، الذي عبّر عن موقفهم الرافض للإعلان الدستوري، مؤكداً أنّ الحكومة الحالية لا تمثّل تطلعاتهم، ووصفها بأنّها “مطلوبة للعدالة الدولية”.

ووصف الهجري، زعيم طائفة الموحدين الدروز، حكومة دمشق بالـ “متطرفة”، معلناً رفض الطائفة لأي وفاق أو توافق مع السلطة الحالية في دمشق.

تصريحات أخرى خرجت من الطائفة تعقيباً على الإعلان الدستوري. فبالإضافة إلى تصريح الهجري، صرّح شيخ عقل الدروز في السويداء حمود الحناوي، في مقابلة تلفزيونية يوم الخميس 14 آذار/ مارس 2025، بأنّ “السلاح في السويداء هدفه الدفاع عن المحافظة، وأنّ أوان تسليم سلاح الدروز لم يأتِ بعد”. في إشارة واضحة إلى استعداد الطائفة للتخلّي عن الحماية الذاتية لصالح حماية الدولة لهم. وقال عن أحداث الساحل إنها خطيرة جداً، دون أن يخفي تخوفات طائفته من مصير مماثل لما حدث مع الطائفة العلوية، أو أن يتعرّضوا لـ”انقلاب” بعد تسليم سلاحهم كما وصف الأكراد الإعلان الدستوري.

العدالة الاجتماعية ضرورةٌ ملحّة

بينما يحسب المتطرّفون أنّهم يحملون لواء العدالة، لكنّهم في الواقع، يتحدّون جوهرها، وهو أنّ لكلّ امرئٍ الحق في الشعور بأنّ رأيه وكيانه ووجوده أشياء مُقدَّرة، ولو اختلف مع الآخر.

الوضع حالياً في الجنوب

يتركز الدروز في محافظة السويداء جنوبي سوريا، ويمثلون نحو 3% من السكان​. وقد تمتعت هذه المنطقة بهامش من الاستقلالية خلال الحرب بفضل تشكيل الدروز لجاناً محليةً للدفاع الذاتي منذ 2015​، ما أبقاها في منأى -نسبياً- عن سيطرة النظام الصارمة. ومع اندلاع الاحتجاجات الشعبية في السويداء على تردّي الأوضاع المعيشية في آب/ أغسطس 2023، تصاعدت مطالب الدروز لتصل إلى الدعوة الصريحة إلى رحيل الأسد.

وعليه، رحّب كثيرون منهم بسقوط النظام، لكن هذا لا يعني أنهم في الوقت ذاته لا يتوجسون من هيمنة التيارات الإسلامية السنّية على الحكم الجديد.عقب رحيل الأسد، ركّز قادة الحراك الدرزي على تأكيد أنّ ثورتهم لم تكن لأجل استبدال طاغية بآخر، بل لأجل تأسيس عقد اجتماعي جديد يصون كرامة الجميع.

إحدى أبرز أولويات الدروز أيضاً، هي الحفاظ على الأمن المحلي في ظلّ أي ترتيبات جديدة. فخلال الحرب، تولّت مجموعات محلية مثل حركة “رجال الكرامة”، مهمة الدفاع عن السويداء ضد داعش والفصائل المتطرفة، ما خلق واقعاً أمنياً خاصاً بالمحافظة. واليوم، يريد الدروز ضمانات بألّا يُملأ أي فراغ أمني بنفوذ ميليشيات خارجية أو فوضى سلاح.

وفي شكل من أشكال المهادنة، اقترح قائد الحركة الشيخ ليث البلعوس، الحفاظ على قوة أمنية ذات طابع محلي (ربما ضمن قوى الأمن الداخلي السورية)، تكون قادرةً على حماية المنطقة وتحظى بثقة الأهالي، وهو ما يُعدّ شكلاً من أشكال التعاون بين الطرفين، وليس دمجاً أو تسليماً للسلاح، على غرار الاتفاق الكردي.

المواقف الدولية والعربية

لا يبدو أنّ الأقليات في سوريا تحظى اليوم بحماية مباشرة من دول الطوق السوري. فعلى الرغم من التصريحات “الدولية” الداعية إلى حمايتهم والصادرة من دول كبرى مثل فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة، إلا أنّ معظم جيرانهم من الدولة المتاخمة مؤيدون لبسط سلطة الدولة السورية، وتفريغ الأقاليم من السلاح. 

تلعب القوى الخارجية دوراً حاسماً في تهدئة أو تأجيج مخاوف المجموعات الثلاث مع الإدارة الحاكمة اليوم. ولعلّ أبرز مشهد اليوم، هو اصطفاف إقليمي جديد: إذ تدعم كل من تركيا وقطر الحكومة السورية الجديدة ذات الأغلبية السنّية، وتعدّ سقوط الأسد نصراً لمشروعها الإقليمي​، وبطبيعة الحال، جاءت تصريحات الدوحة وأنقرة داعمةً تماماً لتحركات الإدارة السورية في ما أسماه الإعلام “حركات التمرّد” و”فلول النظام السابق”. 

أما السعودية، فقررت عدم ترك الساحة السورية بسهولة لأنقرة والدوحة، وتبعتها دول مجلس التعاون الخليجي، ومعظم الدول العربية، وقد بدا هذا الترحيب بالإدارة السورية الجديدة في الحضن العربي، واضحاً في قمة القاهرة التي عُقدت باسم “قمة فلسطين” في آذار/ مارس الحالي.

فأعلنت الرياض بوضوح دعمها إجراءات دمشق في بسط سيادتها على كامل التراب السوري ومواجهة أيّ تمرد انفصالي​، عقب الأحداث التي حصلت في الساحل، ومن قبلها في أحداث “جرمانا” في جنوب سوريا، حيث الأغلبية الدرزية. حين اشتبكت مجموعات محلية مسلحة مع دورية أمنية تعود إلى الإدارة السورية الجديدة.

كما أيّدت السعودية صراحةً حملة الجيش السوري ضد التمرد العلوي الأخير، وعدّتها معركةً للحفاظ على وحدة البلاد​، وصرّح أكثر من مسؤول سعودي، غير مرة خلال الفترة السابقة، بأنّ مجلس التعاون الخليجي لن يكرر خطأه مع العراق، ولن يعزل سوريا عن محيطها العربي، لتصبح ملعباً فارغاً لقوى إقليمية أخرى -في إشارة إلى أنقرة وطهران- الأمر الذي يترك الدروز في مواجهة مباشرة مع النظام الجديد، في حال أصرّوا على شرط علمانية الدولة الذي يتعارض بشكل صريح مع توجّه الشرع، ومع الإعلان الدستوري.

أما الأردن، فيهمّه بالدرجة الأولى منع الفوضى على حدوده الشمالية. وعليه، وبحسب “معهد كارنيغي” يُرجّح أنه ينسّق أمنياً مع قيادات السويداء ومع الجيش السوري الجديد لضبط الحدود وكبح أي تمدد لميليشيات موالية لإيران أو خلايا متطرفة في الجنوب​، ولا سيّما أنّ منطقة الأزرق عند حدوده الشمالية مأهولة بالكامل من طائفة الموحدين الدروز، الذين تربطهم علاقات قوية مع الدولة الأردنية.

وقد رحّبت عمان، علناً، بتعهدات دمشق باحترام خصوصية دروز جبل العرب، في حين تبدي قلقها من بطء اندماج تلك المنطقة في مؤسسات الدولة الجديدة، ولا سيّما أنّ الأردن معنيّ جداً باستقرار الجنوب منعاً لتدفق اللاجئين أو امتداد الفوضى عبر حدوده.

وهنا تظهر إسرائيل كمعطى مهم في المعادلة الدرزية.

نتنياهو: “نحن سنحمي دروز سوريا”

إسرائيل أعلنت بوضوح أنها لن تسمح بتموضع أيّ قوة معادية قرب حدودها​، وفي اليوم الأول من سقوط النظام، خرج رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، بتصريح مثير للجدل، حين قال إنّ قواته تتمركز في ما أسماها “المنطقة العازلة في سوريا”.

وبرغم أنّ تل أبيب تراقب بحذر نفوذ إيران وحزب الله في أيّ ترتيبات تخصّ العلويين، ولها قنواتها المباشرة مع الأكراد، إلا أنّ الدروز هم الأقلية التي تهمها أكثر من غيرها.

تشير تقارير أمريكية، إلى أنّ تل أبيب حاولت عبر قنوات خلفية أن تفتح حوارات مع زعامات محلية درزية لضمان طمأنتها وعدم ارتمائها في أحضان طهران​. وبحسب موقع “إستراتيجيك”، يسود اعتقاد بأنّ إسرائيل قدّمت دعماً لوجستياً محدوداً لمجلس السويداء العسكري الدرزي خلال مواجهاته مع داعش في السنوات السابقة، وهي مستعدّة لاستمرار ذلك الدعم إذا ظهرت تهديدات جديدة للأقلية الدرزية جنوبي سوريا.

كذلك دعت شخصيات درزية في إسرائيل (مثل أعضاء كنيست من الطائفة)، حكومة نتنياهو، إلى دعم استقرار السويداء إنسانياً وأمنياً لتجنيبها سيناريوهات الفوضى أو الإرهاب. وطالب عضو الكنيست السابق أكرم حسون، حكومة إسرائيل بالتدخل بشكل مباشر لحماية دروز سوريا من أيّ هجمات طائفية محتملة. 

ويُذكر أنّ لإسرائيل مصالح مباشرةً في الجنوب السوري، فهي تعدّ أي فراغ هناك تهديداً يمكن أن تستغلّه إيران أو التنظيمات الإرهابية. لذا، تحاول إسرائيل بحسب تقارير، تعزيز وجودها في محافظة القنيطرة عبر استمالة السكان، خصوصاً الدروز، مستغلةً الأوضاع الإنسانية المتدهورة وغياب مؤسسات الدولة السورية الجديدة، لتقدّم عروضاً اقتصاديةً تشمل فرص عمل برواتب مرتفعة داخل الأراضي المحتلة، بالإضافة إلى مساعدات غذائية وطبية، وبناء مدارس ومستشفيات، وتمديد شبكات الكهرباء والمياه.

غير أنّ هذه المحاولات تواجه رفضاً شعبياً، ولا سيّما من بعض القرى الدرزية، التي ترفض دعوات إسرائيلية للقاء الشيخ موفق طريف في الجولان المحتل، عادّةً ذلك “استغلالاً للانتماء الديني لتلميع الاحتلال”. يتزامن ذلك مع توسّع عسكري إسرائيلي، تمثّل في إنشاء 12 موقعاً عسكرياً جديداً في القنيطرة، مجهزةً بمرافق سكنية وبنية تحتية حديثة، ما يشير إلى نية في إقامة وجود عسكري طويل الأمد في المنطقة.

سيناريوهات دروز سوريا اليوم

يبدو خيار التقسيم الكامل باستحداث كيان درزي مستقلّ في جبل الدروز، ضعيف الاحتمال ومرفوضاً من كثير من الأهالي. كما أنّ الدويلة الدرزية في “جبل العرب” أو “جبل الدروز”، التي كانت مطروحةً إبان الانتداب الفرنسي (1921-1936)، ليست نموذجاً مرغوباً فيه اليوم، خاصةً أنها محدودة الموارد، وستعتمد في حال إنشائها على دعم خارجي.

ومع ذلك، هناك سيناريو آخر كالذي يطرحه الشيخ الهجري، وهو الحكم اللامركزي، أو الفيدرالي الذي يمنح الجنوب صلاحيات واسعةً لإدارة شؤونه. في حال تبنّي سوريا نظاماً فيدرالياً شاملاً، قد يصبح إقليم جبل الدروز وحدةً فيدراليةً تتمتع ببرلمان محلّي وحكومة محلية تدير شؤون التعليم والأمن الداخلي والتنمية المحلية، مع بقائها ضمن دولة موحدة.

هذا السيناريو يلقى قبولاً مبدئياً لدى الكثير من الدروز، لأنّه يضمن تلبية طموحهم في الحكم الذاتي النسبي دون تمزيق البلاد.

في المقابل، الكونفدرالية كصيغة تجمع الجنوب مع كيان أو كيانين آخرين برابط فضفاض ليست مطروحةً بجدية في ما يخصّ الدروز، نظراً إلى صغر حجمهم الجغرافي والبشري نسبياً، ولأنّ أيّ كونفدرالية تتطلب وجود دولتين أو أكثر قائمة بذاتها. الدروز يفضّلون إما وحدةً اندماجيةً أو نوعاً من الاتحاد الفيدرالي داخل سوريا، وليس وضعاً كونفدرالياً مع جهة أخرى منفصلة، لذا لم يتم طرح هذا السيناريو من أي طرف.

ويظل سيناريو الدولة المركزية الديمقراطية، هو السيناريو المثالي الذي يأمل فيه كثير من السوريين، ويعني قيام نظام حكم مدني ديمقراطي تعددي في إطار دولة موحدة بسيطة (غير اتحادية). بموجب هذا السيناريو، تنجح السلطة الانتقالية في بناء مؤسسات وطنية جامعة -كجيش وطني محترف يضم المكونات كافة، وهيئات قضائية مستقلة، وحكومة تمثّل الجميع- دون الحاجة إلى ترتيبات فئوية.

في هذه الحالة، سيتم اعتماد اللامركزية الإدارية فقط (وليس السياسية)، بحيث تُمنح المحافظات صلاحيات محليةً واسعةً لإدارة شؤونها اليومية ضمن قوانين موحدة. هذا السيناريو يتطلب مصالحةً وطنيةً عميقةً وثقةً عاليةً بين مكونات الشعب، بحيث يشعر الجميع بالأمان في ظلّ حكومة مركزية عادلة. عندها تنتفي رغبة الدرزي أو العلوي أو الكردي في كيان خاص، إذا ضمن حقوقه كاملةً في الدولة الواحدة.

بعبارة أخرى، يصبح التنوع السوري مصدر ثراء ضمن حكومة ديمقراطية، كما هو حال دول غربية عديدة متعددة الأعراق لكن موحدة سياسياً، ويستلزم ذلك بالطبع اقتلاع جذور الاستبداد وبناء عقد اجتماعي جديد يؤكد المواطنة المتساوية ويجرّم أي تمييز على أساس ديني أو قومي. من فوائد هذا السيناريو أنه الأبسط والأقلّ كلفةً إدارياً، فلا حاجة إلى إعادة ترسيم حدود أو إنشاء برلمانات محلية، بل يكفي إجراء انتخابات حرّة عامة لاختيار ممثلين عن الشعب كله. كما أنّه يضمن وحدة الجيش والقضاء والسياسة الخارجية، ما يعيد لسوريا ثقلها الإقليمي مجدداً.

وقد عبّر شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز حكمت الهجري، عن هذا الطموح بقوله: “نريد نموذج حكم مدني ديمقراطي، يقوم على مؤسسات قوية وجيش جامع”. لكن الإعلان الدستوري قد يقف حائلاً دون هذا الحلم، وقد يحيل الأقليات إلى فكرة اللامركزية، سواء الإدارية أو حتى السياسية، كحلّ وسط إلى حين استقرار سوريا، وتطوير البنية التشريعية بما يضمن تمثيل الجميع، وتحقيق مبدأ المواطنة العادلة، ولا سيّما في تداول السلطة دون أي اعتبار لفروقات عرقية أو دينية.

رصيف 22

————————–

مزن مرشد: السويداء على صفيح ساخن.. وعلى الهجري أن يترك السياسة لأهلها

كشفت الكاتبة والصحفية وابنة محافظة السويداء مزن مرشد عن وجود ثلاثة تيارات متصارعة في المحافظة حاليًا، تياران يسيران مع الدولة السورية لكن لديهما عدد من المطالب، وهذا أمر مشروع، وتيار ثالث وهو تيار شيخ العقل حكمت الهجري الذي يغرد خارج السرب، مبينة أن أتباع تيار الهجري قلة وهناك رفض واضح من قبل أبناء المحافظة والسوريين عمومًا لتصريحاته الأخيرة.

وأضافت مرشد في لقاء مع قناة العربية أن الشيخ حكمت الهجري عليه أن يطبق مبادئ الديمقراطية والمدنية والعلمانية والتشاركية على نفسه قبل أن يطالب الدولة السورية بتطبيقها، وعليه أن يلتزم بتسيير الشؤون الدينية فقط في المحافظة، وترك الأمور السياسية لأهل السياسة، لاسيما أن المحافظة غنية بالناشطين السياسيين والمدنيين، وأساتذة الجامعات والمتخصصين، وهم الأجدر بقيادة المرحلة السياسية. كما لا يحق لأحد أن يقرر بمفرده عن أبناء الطائفة الدرزية في المحافظة، ويجر الطائفة إلى صراعات لا فائدة منها.

وتابعت أن إسرائيل ليست بحاجة لمن يدعوها للتدخل في شؤون الدول، خاصة أنها تتقن الصيد في الماء العكر من خلال تدخلها في الصراعات الشائكة، مضيفة: “نحن اليوم لا نلوم إسرائيل على تصريحاتها، فهذا شأنها، لكننا نلوم التجاوب الذي يحدث من قبل عدد قليل من أبناء المحافظة مع التصريحات الإسرائيلية”.

وأردفت: “ليس من الذكاء أن تقف اليوم السويداء في وجه حكومة دمشق، لأن هذه المحافظة، وعلى مر التاريخ، لم تشهد أي صراعات مع محيطها من أبناء الطوائف الأخرى”. أما عن ما يبحث عنه الهجري من خلال مواقفه الحالية، قالت مرشد: “ربما يبحث عن موقع أو منصب، وربما طموحه أن يكون الشيخ الأوحد بين أبناء الطائفة، وهذا واضح من خلال مواقفه”.

————————–

===================

==========================

الإعلان الدستوري لسوريا 2025-مقالات وتحليلات-

تحديث 15 أذار 2025

——————————

نص الإعلان الدستوري لسوريا 2025

14/3/2025

وقَّع الرئيس السوري أحمد الشرع في 13 مارس/آذار 2025، إعلانا دستوريا يحدد مدة المرحلة الانتقالية في البلاد بـ5 سنوات.

وفي كلمة له بعد توقيعه على الإعلان، أعرب الشرع عن أمله في أن يمثل هذا الحدث بداية جديدة لسوريا، قائلا: “نتمنى أن يكون هذا تاريخا جديدا لسوريا نستبدل فيه الجهل بالعلم والعذاب بالرحمة”، وأضاف: “نأمل أن يكون ذلك فاتحة خير للشعب السوري على طريق البناء والتطور”.

سقوط الأسد وتشكيل اللجنة

عقب سقوط نظام بشار الأسد في الثامن من ديسمبر/كانون الأول 2024، أعلنت الإدارة السورية في 29 يناير/كانون الثاني 2025، تعيين الشرع رئيسا للمرحلة الانتقالية، إلى جانب إلغاء العمل بالدستور، وحل الفصائل المسلحة والأجهزة الأمنية، ومجلس الشعب (البرلمان) وحزب البعث العربي الاشتراكي.

وأعلن الشرع في الثاني من مارس/آذار 2025، تشكيل لجنة لصياغة الإعلان الدستوري، مكونة من 7 قانونيين، وسلمت المسودة في 12 مارس/آذار، ووقع الرئيس السوري على الإعلان الدستوري في اليوم التالي.

وأوضحت لجنة الخبراء المكلفة بصياغة الإعلان الدستوري، في مؤتمر صحفي عُقد عقب تسليمه للرئيس الشرع، أنها استندت في إعداد الوثيقة إلى مخرجات مؤتمر الحوار الوطني الذي عُقد في فبراير/شباط 2025.

وجاء نص الإعلان الدستوري للجمهورية العربية السورية، وفقا لما نشرته وكالة الأنباء السورية “سانا”، على النحو التالي (العبارات التي بين قوسين إضافة من الجزيرة نت للتوضيح):

الإعلان الدستوري للجمهورية العربية السورية

“في فجر يوم مشهود، تنفس صبح النصر، وانطلقت سوريا نحو عهد جديد، إيذانا بزوال الظلم والقهر وانبعاث الأمل في بناء دولة حديثة قائمة على العدل والكرامة والمواطنة الحقة، فقد جثم الاستبداد على صدور السوريين، إذ امتد لـ6 عقود نظام شمولي فرضه حزب البعث، فاحتكر السلطة، وصادر الحقوق، ومكّن لحكم استبدادي قمعي أجهز على مؤسسات الدولة، وأفرغ الدستور من مضمونه وحوّل القانون إلى أداة للقمع والاستعباد كانت تلك العقود حقبة سوداء مظلمة، فثار الشعب مطالبا بحريته واسترداد كرامته، لكنه تعرض على يد العصابة الأسدية للقتل الممنهج، والتدمير الشامل، والتعذيب الوحشي، والتهجير القسري والحصار الجائر، والاستهداف المباشر للمدنيين، فضلا عن تدمير البيوت فوق رؤوس ساكنيها، تارة بالبراميل المتفجرة، وأخرى بالأسلحة الكيميائية. وقد شكلت هذه الجرائم التي تعد جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وجريمة إبادة جماعية، نموذجا صارخا لانتهاك القيم البشرية والشرائع الدولية.

لكن الشعب السوري، بإيمانه الراسخ، وإرادته الصلبة، وصموده الأسطوري، لم يستسلم، بل واصل ثورته العظيمة التي امتدت قرابة 14 عاما، قدم فيها أبناء سوريا الأحرار دماءهم وتضحياتهم، يكنسون فيها إرث الاستبداد، حتى بزغ فجر جديد، وسطعت شمس التحرير على دمشق في 8 (ديسمبر) كانون الأول 2024، معلنة نهاية عهد نظام الأسد المجرم وداعميه. ثم أُعلن هذا النصر رسميا في مؤتمر النصر، وصدر البيان التاريخي الذي وثق انتصار الثورة السورية، واستعادة الشعب قراره وسيادته على أرضه.

واليوم، وقد عاد الوطن إلى أبنائه، وعادوا إليه ليبنوا أركانه ويحفظوا ثغوره باتت المسؤولية التاريخية تحتم استكمال مسيرة النضال بتحصين هذا الانتصار، وترسيخ أسس العدالة، وضمان عدم تكرار المأساة، وحماية الأجيال القادمة من أي استبداد جديد.

وانطلاقا من هذا الواجب الوطني، وبعد حوارات مكثفة بين مختلف مكونات المجتمع السوري، أجريت في أجواء من الحرية والتبادل البناء لوجهات النظر بشأن مستقبل سوريا، تُوجت بانعقاد مؤتمر الحوار الوطني، الذي صدرت مخرجاته بتاريخ 25 (فبراير) شباط 2025، معبرة عن الوفاق الوطني حول القضايا الكبرى، وفي مقدمتها:

    الحفاظ على وحدة وسلامة سوريا، أرضا وشعبا.

    تحقيق العدالة الانتقالية وإنصاف الضحايا.

    بناء دولة المواطنة والحرية والكرامة وسيادة القانون.

    تنظيم شؤون البلاد في المرحلة الانتقالية وفق مبادئ الحكم الرشيد.

واستنادا إلى القيم العريقة والأصيلة التي يتميز بها المجتمع السوري بتنوعه وتراثه الحضاري، وإلى المبادئ الوطنية والإنسانية الراسخة، وحرصا على إرساء قواعد الحكم الدستوري السليم المستوحى من روح الدساتير السورية السابقة، ولا سيما دستور عام 1950 -دستور الاستقلال-، وإعمالا لما نص عليه إعلان انتصار الثورة السورية الصادر بتاريخ 29 (ديسمبر) كانون الأول 2025، الذي يُعد أساسا متينا لهذا الإعلان.

فإن رئيس الجمهورية يُصدر الإعلان الدستوري الآتي، والذي تعد مقدمته جزءا لا يتجزأ منه:

الباب الأول: أحكام عامة

المادة 1:

الجمهورية العربية السورية دولة مستقلة ذات سيادة كاملة، وهي وحدة جغرافية وسياسية لا تتجزأ، ولا يجوز التخلي عن أي جزء منها.

المادة 2:

تؤسس الدولة لإقامة نظام سياسي يرتكز على مبدأ الفصل بين السلطات، ويضمن الحرية والكرامة للمواطن.

المادة 3:

دين رئيس الجمهورية الإسلام، والفقه الإسلامي هو المصدر الرئيس للتشريع.

حرية الاعتقاد مصونة، وتحترم الدولة جميع الأديان السماوية، وتكفل حرية القيام بجميع شعائرها على ألا يُخلّ ذلك بالنظام العام.

الأحوال الشخصية للطوائف الدينية مصونة ومرعية وفقا للقانون.

المادة 4:

اللغة العربية هي اللغة الرسمية للدولة.

المادة 5:

دمشق هي عاصمة الجمهورية العربية السورية، ويُحدّد شعار الدولة ونشيدها الوطني بقانون.

المادة 6:

يكون العلم السوري على الشكل التالي:

يمتد العلم على شكل مستطيل طوله يساوي ثلثي عرضه.

يتضمن 3 مستطيلات متساوية يعلوها اللون الأخضر ويتوسطها اللون الأبيض ومن ثم الأسود في الأسفل.

تتوسط العلم في المنتصف وضمن المساحة البيضاء 3 نجمات حمراء.

المادة 7:

تلتزم الدولة بالحفاظ على وحدة الأرض السورية، وتجرّم دعوات التقسيم والانفصال، وطلب التدخل الأجنبي أو الاستقواء بالخارج.

تلتزم الدولة بتحقيق التعايش والاستقرار المجتمعي وتحفظ السلم الأهلي وتمنع أشكال الفتنة والانقسام وإثارة النعرات والتحريض على العنف.

تكفل الدولة التنوع الثقافي للمجتمع السوري بجميع مكوناته، والحقوق الثقافية واللغوية لجميع السوريين.

تضمن الدولة مكافحة الفساد.

المادة 8:

تسعى الدولة للتنسيق مع الدول والجهات ذات الصلة لدعم عملية إعادة الإعمار في سوريا.

تعمل الدولة بالتنسيق مع الدول والمنظمات الدولية ذات الصلة لتذليل عقبات العودة الطوعية للاجئين والنازحين وجميع المهجرين قسريا.

تلتزم الدولة بمكافحة جميع أنواع وأشكال التطرف العنيف مع احترام الحقوق والحريات.

المادة 9:

الجيش مؤسسة وطنية محترفة مهمته حماية البلاد والحفاظ على أمنها وسلامتها ووحدة أراضيها.

بما يتوافق مع سيادة القانون وحماية حقوق الإنسان.

الدولة وحدها هي التي تنشئ الجيش ويحظر على أي فرد أو هيئة أو جهة أو جماعة إنشاء تشكيلات أو فرق أو تنظيمات عسكرية أو شبه عسكرية، ويُحصر السلاح بيد الدولة.

المادة 10:

المواطنون متساوون أمام القانون في الحقوق والواجبات، من دون تمييز بينهم في العرق أو الدين أو الجنس أو النسب.

المادة 11:

يهدف الاقتصاد الوطني إلى تحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية الاقتصادية الشاملة وزيادة الإنتاج ورفع مستوى المعيشة للمواطنين.

يقوم الاقتصاد الوطني على مبدأ المنافسة الحرة العادلة ومنع الاحتكار.

تشجع الدولة الاستثمار وتحمي المستثمرين في بيئة قانونية جاذبة.

الباب الثاني: الحقوق والحريات

المادة 12:

تصون الدولة حقوق الإنسان وحرياته الأساسية، وتكفل حقوق المواطن وحرياته.

تعد جميع الحقوق والحريات المنصوص عليها في المعاهدات والمواثيق والاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان التي صادقت عليها الجمهورية العربية السورية جزءا لا يتجزأ من هذا الإعلان الدستوري.

المادة 13:

تكفل الدولة حرية الرأي والتعبير والإعلام والنشر والصحافة.

تصون الدولة حرمة الحياة الخاصة، وكل اعتداء عليها يعد جرما يعاقب عليه القانون.

للمواطن حرية التنقل، ولا يجوز إبعاد المواطن عن وطنه أو منعه من العودة إليه.

المادة 14:

تصون الدولة حق المشاركة السياسية وتشكيل الأحزاب على أسس وطنية وفقا لقانون جديد.

تضمن الدولة عمل الجمعيات والنقابات.

المادة 15:

العمل حق للمواطن وتكفل الدولة مبدأ تكافؤ الفرص بين المواطنين.

المادة 16:

حق الملكية الخاصة مصون، ولا تُنزع إلا للمنفعة العامة ومقابل تعويض عادل.

ملكية الأموال العامة مصونة وجميع الثروات الطبيعية ومواردها هي ملكية عامة وتقوم الدولة بحفظها واستغلالها واستثمارها لمصلحة المجتمع.

المادة 17:

العقوبة شخصية، ولا جريمة ولا عقوبة إلا بنص.

حق التقاضي والدفاع وسلوك سبل الطعن مصون بالقانون، ويحظر النص في القوانين على تحصين أي عمل أو قرار إداري من رقابة القضاء.

المتهم بريء حتى تثبت إدانته بحكم قضائي مبرم.

المادة 18:

تصون الدولة كرامة الإنسان وحرمة الجسد وتمنع الاختفاء القسري والتعذيب المادي والمعنوي، ولا تسقط جرائم التعذيب بالتقادم.

باستثناء حالة الجرم المشهود، لا يجوز إيقاف أي شخص أو الاحتفاظ به أو تقييد حريته إلا بقرار قضائي.

المادة 19:

المساكن مصونة، لا يجوز دخولها أو تفتيشها إلا في الأحوال المبينة في القانون.

المادة 20:

الأسرة نواة المجتمع، وتلتزم الدولة بحمايتها.

المادة 21:

تحفظ الدولة المكانة الاجتماعية للمرأة، وتصون كرامتها ودورها داخل الأسرة والمجتمع، وتكفل حقها في التعليم والعمل.

تكفل الدولة الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للمرأة، وتحميها من جميع أشكال القهر والظلم والعنف.

المادة 22:

تعمل الدولة على حماية الأطفال من الاستغلال وسوء المعاملة، وتكفل حقهم في التعليم والرعاية الصحية.

المادة 23:

تصون الدولة الحقوق والحريات الواردة في هذا الباب، وتمارس وفقا للقانون، ويجوز إخضاع ممارستها للضوابط التي تشكل تدابير ضرورية للأمن الوطني أو سلامة الأراضي أو السلامة العامة أو حماية النظام العام ومنع الجريمة، أو لحماية الصحة أو الآداب العامة.

الباب الثالث: نظام الحكم في المرحلة الانتقالية

أولا – السلطة التشريعية

يمارس السلطة التشريعية مجلس الشعب.

المادة 24:

يشكل رئيس الجمهورية لجنة عليا لاختيار أعضاء مجلس الشعب.

تشرف اللجنة العليا على تشكيل هيئات فرعية ناخبة، وتنتخب تلك الهيئات ثلثي أعضاء مجلس الشعب.

يعين رئيس الجمهورية ثلث أعضاء مجلس الشعب لضمان التمثيل العادل والكفاءة.

المادة 25:

لا يجوز عزل عضو مجلس الشعب إلا بموافقة ثلثي أعضائه.

يتمتع عضو مجلس الشعب بالحصانة البرلمانية.

المادة 26:

يتولى مجلس الشعب السلطة التشريعية حتى اعتماد دستور دائم، وإجراء انتخابات تشريعية جديدة وفقا له.

مدة ولاية مجلس الشعب ثلاثون شهرا قابلة للتجديد.

المادة 27:

يؤدي أعضاء مجلس الشعب القسم أمام رئيس الجمهورية، وتكون صيغة القسم: “أقسم بالله العظيم أن أؤدي مهمتي بأمانة وإخلاص”.

المادة 28:

ينتخب مجلس الشعب في أول اجتماع له رئيسا ونائبين وأمينا للسر، ويكون الانتخاب بالاقتراع السري وبالأغلبية، ويرأس الجلسة الأولى لحين الانتخاب أكبر الأعضاء سنا.

المادة 29:

يعد مجلس الشعب نظامه الداخلي في شهر من أول جلسة له.

المادة 30:

يتولى مجلس الشعب المهام التالية:

أ- اقتراح القوانين وإقرارها.

ب- تعديل أو إلغاء القوانين السابقة.

ت- المصادقة على المعاهدات الدولية.

ث- إقرار الموازنة العامة للدولة.

ج- إقرار العفو العام.

ح- قبول استقالة أحد أعضائه أو رفضها أو رفع الحصانة عنه وفقا لنظامه الداخلي.

خ- عقد جلسات استماع للوزراء.

يتخذ مجلس الشعب قراراته بالأغلبية.

ثانيا: السلطة التنفيذية:

المادة 31:

يمارس رئيس الجمهورية والوزراء السلطة التنفيذية ضمن الحدود المنصوص عليها في هذا الإعلان الدستوري.

المادة 32:

رئيس الجمهورية هو القائد الأعلى للجيش والقوات المسلحة، والمسؤول عن إدارة شؤون البلاد ووحدة أراضيها وسلامتها، ورعاية مصالح الشعب.

المادة 33:

يؤدي رئيس الجمهورية اليمين الدستورية أمام مجلس الشعب، وتكون صيغتها: “أقسم بالله العظيم أن أحافظ مخلصا على سيادة الدولة ووحدة البلاد وسلامة أراضيها واستقلال قرارها، والدفاع عنها، وأن أحترم القانون وأرعى مصالح الشعب وأسعى بكل صدق وأمانة لتأمين حياة كريمة لهم وتحقيق العدل بينهم، وترسيخ القيم النبيلة والأخلاق الفاضلة”.

المادة 34:

يسمي رئيس الجمهورية نائبا له أو أكثر ويحدد اختصاصاتهم ويعفيهم من مناصبهم ويقبل استقالتهم، وفي حال شغور منصب الرئاسة يتولى النائب الأول صلاحيات رئيس الجمهورية.

المادة 35:

يعين رئيس الجمهورية الوزراء ويعفيهم من مناصبهم ويقبل استقالتهم.

يؤدي الوزراء القسم أمام رئيس الجمهورية، وتكون صيغة القسم: “أقسم بالله العظيم أن أؤدي مهمتي بأمانة وإخلاص”.

المادة 36:

يصدر رئيس الجمهورية اللوائح التنفيذية والتنظيمية ولوائح الضبط والأوامر والقرارات الرئاسية وفقا للقوانين.

المادة 37:

يمثل رئيس الجمهورية الدولة، ويتولى التوقيع النهائي على المعاهدات مع الدول والمنظمات الدولية.

المادة 38:

يعين رئيس الجمهورية رؤساء البعثات الدبلوماسية لدى الدول الأجنبية وإقالتهم، ويقبل اعتماد رؤساء البعثات الدبلوماسية الأجنبية لدى الجمهورية العربية السورية.

المادة 39:

لرئيس الجمهورية حق اقتراح القوانين.

يُصدر رئيس الجمهورية القوانين التي يقرها مجلس الشعب، وله الاعتراض عليها بقرار معلل في شهر من تاريخ ورودها من المجلس الذي يعيد النظر فيها، ولا تقر القوانين بعد الاعتراض إلا بموافقة ثلثي مجلس الشعب، وفي هذه الحالة يصدرها رئيس الجمهورية حكما.

المادة 40:

لرئيس الجمهورية منح العفو الخاص ورد الاعتبار.

المادة 41:

يعلن رئيس الجمهورية التعبئة العامة والحرب بعد موافقة مجلس الأمن القومي.

إذا قام خطر جسيم وحال يهدد الوحدة الوطنية أو سلامة واستقلال أرض الوطن أو يعوق مؤسسات الدولة عن مباشرة مهامها الدستورية، لرئيس الجمهورية أن يعلن حالة الطوارئ جزئيا أو كليا لمدة أقصاها 3 أشهر في بيان إلى الشعب بعد موافقة مجلس الأمن القومي واستشارة رئيس مجلس الشعب ورئيس المحكمة الدستورية ولا تمدد لمرة ثانية إلا بعد موافقة مجلس الشعب.

المادة 42

تتولى السلطة التنفيذية ما يلي:

تنفيذ القوانين والخطط والبرامج المعتمدة.

إدارة شؤون الدولة وتنفيذ السياسات العامة التي تحقق الاستقرار والتنمية.

إعداد مشروعات القوانين لرئيس الجمهورية لاقتراحها على مجلس الشعب.

إعداد الخطط العامة للدولة.

إدارة الموارد العامة للدولة وضمان استخدامها بشكل فعّال وشفاف.

إعادة بناء المؤسسات العامة وتعزيز سيادة القانون والحكم الرشيد.

بناء المؤسسة الأمنية بما يضمن تعزيز الأمن والاستقرار الداخلي وحماية حقوق المواطنين وحرياتهم.

بناء جيش وطني احترافي مهمته الدفاع عن حدود البلاد وسيادتها، وحماية الشعب بكل وطنية وإخلاص، مع الالتزام التام باحترام القوانين النافذة.

تعزيز العلاقات الدولية والتعاون مع المنظمات الدولية لتحقيق المصالح الوطنية.

ثالثا: السلطة القضائية:

المادة 43:

السلطة القضائية مستقلة، ولا سلطان على القضاة إلا للقانون.

يضمن المجلس الأعلى للقضاء حسن سير القضاء واحترام استقلاله.

المادة 44:

تنشأ المحاكم وتحدد اختصاصاتها بقانون، ويُحظر إنشاء المحاكم الاستثنائية.

المادة 45:

النظام القضائي مزدوج ويتكون من القضاء العادي والقضاء الإداري.

يشرف مجلس القضاء الأعلى على القضاء العادي والعسكري.

يتولى مجلس الدولة القضاء الإداري وهو هيئة قضائية واستشارية مستقلة ويبين القانون اختصاصاته وشروط تعيين قضاته وصلاحياته.

المادة 46:

تتبع إدارة قضايا الدولة لوزارة العدل ويُنظّم اختصاصها بقانون.

المادة 47:

تحل المحكمة الدستورية العليا القائمة وتنشأ محكمة دستورية عليا جديدة.

تتكون المحكمة الدستورية العليا من سبعة أعضاء يسميهم رئيس الجمهورية من ذوي النزاهة والكفاءة والخبرة.

وتنظم آلية عملها واختصاصاتها بقانون.

الباب الرابع: الأحكام الختامية

المادة 48:

تمهد الدولة الأرضية المناسبة لتحقيق العدالة الانتقالية عبر:

إلغاء جميع القوانين الاستثنائية التي ألحقت ضررا بالشعب السوري وتتعارض مع حقوق الإنسان.

إلغاء مفاعيل الأحكام الجائرة الصادرة عن محكمة الإرهاب التي استخدمت لقمع الشعب السوري بما في ذلك رد الممتلكات المصادرة.

إلغاء الإجراءات الأمنية الاستثنائية المتعلقة بالوثائق المدنية والعقارية والتي استخدمها النظام البائد لقمع الشعب السوري.

المادة 49

تُحدث هيئة لتحقيق العدالة الانتقالية تعتمد آليات فاعلة تشاورية مرتكزة على الضحايا، لتحديد سبل المساءلة، والحق في معرفة الحقيقة، وإنصاف للضحايا والناجين، إضافة إلى تكريم الشهداء.

تستثنى جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وجريمة الإبادة الجماعية وكل الجرائم التي ارتكبها النظام البائد من مبدأ عدم رجعية القوانين.

تجرم الدولة تمجيد نظام الأسد البائد ورموزه، ويعد إنكار جرائمه أو الإشادة بها أو تبريرها أو التهوين منها، جرائم يعاقب عليها القانون.

المادة 50:

يتم تعديل الإعلان الدستوري بموافقة ثلثي مجلس الشعب بناء على اقتراح رئيس الجمهورية.

المادة 51:

يستمر العمل بالقوانين النافذة ما لم يتم تعديلها أو إلغاؤها.

المادة 52:

تحدد مدة المرحلة الانتقالية بخمس سنوات ميلادية تبدأ من تاريخ نفاذ هذا الإعلان الدستوري.

وتنتهي بعد إقرار دستور دائم للبلاد وتنظيم انتخابات وفقا له.

المادة 53:

ينشر هذا الإعلان في الجريدة الرسمية، ويعمل به من تاريخ نشره.

رئيس الجمهورية العربية السورية

13 رمضان 1446 هـ – 13 (مارس) آذار 2025 م

رئاسة الجمهورية العربية السورية”.

المصدر : وكالات

————————————-

أُصوِّتُ بـ«لا»: الإعلان الدستوري المؤقت والنضال الديمقراطي في سوريا/ كرم نشار

14-03-2025

        في حال كان الإعلان الدستوري المؤقت الذي صدر في سوريا يوم أمس نُسخة أولى أو تمهيدية عن دستور دائم، يتم عرضه على الشعب السوري للاستفتاء عليه، فأنا كمواطن سوري، لا كخبير قانوني أو دستوري، كنتُ سأُدلي بصوت معارض له لسببين رئيسين: الأول هو غياب آليات المراقبة والموازنة بين السلطات الثلاث، التنفيذية والتشريعية والقضائية، والثاني هو غياب الإطار الجامع والمُنصف بحق، على صعيد هوية الدولة ومرجعيّتها وبُنيتها الأساسية.

        وقد يستوقفُني أحدهم هنا ليقول إن افتراض أي نوع من التشابه أو «التمهيد» بين الإعلان المؤقت الحالي والدستور الدائم المُزمع إنجازه بعد خمس سنوات، هو نوع من التوجس الزائد أو السلبية المُفرطة، وكنت سأجاوبُ بأن التوجس الزائد مُبرَّرٌ في هذا المكان، بالنظر إلى طبيعة النظام السياسي الذي يرسمه الإعلان، والذِي سَتنبثق عنه لجنة كتابة الدستور الدائم. وبكل الأحوال، فإن التعبير عن الرأي النقدي لا يكتسب أهميته اليوم من القدرة على تغيير ما هو واقع في أروقة السلطة في دمشق، بل من الإسهام في بلورة مواقف مشتركة على صعيد الشأن العام، ووضع عناوين وأهداف جامعة للتيار الديمقراطي التقدمي في سوريا.

        لقد تم مسخ مفهوم فصل السلطات في الإعلان الدستوري المؤقت بشكل يجعلها عاجزة تماماً عن مراقبة وموازنة بعضها بعضاً، لصالح السلطة التنفيذية وعلى رأسها رئيس الجمهورية، الذي يبدو في المرحلة الانتقالية أشبه بملك مُتوّج منه برئيس مُساءَل. فهو يعين ثلث أعضاء مجلس الشعب، وهو يعين اللجنة التي ستقوم باختيار الهيئات الفرعية الناخبة للثُلثَين الباقيين، وهو من يعين أعضاء المحكمة الدستورية العليا دون العودة إلى مجلس الشعب أو ضرورة تأمين تصويت بالثقة على مُرشحيه. ومن الواضح أن لا المحكمة الدستورية العليا ولا مجلس الشعب يملكان سلطة محاسبة أو مُساءلة رئيس الجمهورية أو أفراد السلطة التنفيذية، وحتى على الصعيد الرمزي ينص الإعلان على تأدية أعضاء مجلس الشعب القسم أمام رئيس الجمهورية، لا رئيس مجلس النواب أو شخصية أخرى، بما يُعزز فكرة التبعية وكون رئيس الجمهورية هو رأس السلطات كلها.

        وقد يقول قائل هنا إن الظرف التاريخي يُبرّر صيغة الحكم هذه بالنظر إلى عمق الانقلاب الحاصل على صعيد إعادة بناء المؤسسات، وإنه من المتعذر اليوم تنظيم انتخابات تشريعية حقيقية في ظل الأوضاع الاقتصادية والديمغرافية الحالية، وقد يقول آخر إننا نحتاج إلى سلطة تنفيذية قادرة على الحركة بسرعة على صعيد إعادة الإعمار، بدلاً من تعثر كل تفصيل في أروقة التفاوض السياسي، وأنه بالنظر إلى براغماتية الشرع بالمقارنة مع غيره في هيئة تحرير الشام، وبالنظر إلى الاستقطاب الهائل على صعيد المجتمع الأوسع، فمن الأفضل أن يمتلك الشرع هذا الدَور «المَلكي» من وجهة نظر ليبرالية مصلحية. هذه وجهات نظر قد تخطئ أو تصيب في بعض الجزئيات، لكنها لا تنفي أننا ندخل إلى مرحلة انتقالية لمدة خمس سنوات سيكون فيها للقائد الفاتح سلطات وقدرات «فوق العادة»، وأن هذا إن كان واقعاً قبل الإعلان الدستوري، فإنه بات قانوناً وسابقة دستورية بعده.

        أما المشكلة الثانية فترتبط بغياب الإطار الجامع والمُنصف على صعيد هوية الدولة ومرجعيّتها وبُنيتها الأساسية. «الأمة السورية» القائمة على المُواطنة والنابذة للانقسام والاستقواء بالخارج، (الذي تم تجريمه في نص الإعلان)، لا يمكن أن تتشكل حقاً إن لم يكن جسمها السياسي الدستوري، أي الدولة، شاملاً وجامعاً وعادلاً بحق.

        أنا المواطن السوري العربي المحتدّ أطمحُ لأن يكون اسم الدولة «الجمهورية السورية»، بما يُشعر جميع المواطنين السوريين، بغض النظر عن أعراقهم ولغاتهم الأم، بالانتماء إلى هذا الوطن، ولا أعتقد أن هذا سينقُص من عروبتي أو عروبة سوريا المضمونة بحكم عروبة غالبية سكانها. أنا المواطن السوري المسلم أطمح لأن أكون قادراً على انتخاب رئيس جمهورية غير مسلم في سوريا، في حال توفرت لديه الكفاءة والنزاهة والبرنامج السياسي المتوافق مع تصوراتي ومبادئي السياسية العامة، ولا أعتقد أن هذا يُشكّل خطورة على الإسلام والمسلمين في حال تحقق حياد الدولة وديمقراطيتها. أما الفقه الإسلامي فمن الأفضل أن يكون مصدراً وليس المصدر الرئيسي للتشريع في سوريا، على اعتبار أن الأرضية المشتركة الجامعة في بلدنا هي مفاهيم الحرية والعدالة والمواطنة المتساوية، والرغبة الجامعة في الاستقرار والرخاء وليس الإيمان الديني أو الالتزام الإسلامي.

        أعلم جيداً أن هذه القناعات قد لا تعبر عن توجُّه غالبية الناس في سوريا اليوم، وأن الديمقراطية هي حكم الغالبية، هذا على الرغم من أن الإعلان الدستوري لم يُشِر إلى كلمة ديمقراطية على الإطلاق! أُدرك أيضاً أن الصيغة الحالية للإعلان الدستوري تنحو نحو دساتير سورية سابقة على صعيد الهوية ودين رئيس الجمهورية ودور الفقه الإسلامي، وأنها تُشكل حلاً وسطاً بالنظر إلى مروحة الآراء في المجتمع السوري من جهة، وبالنسبة إلى الخلفية السلفية لهيئة تحرير الشام وغالبية الفصائل العسكرية من جهة أخرى. كل هذا صحيح. ولكن يبقى صحيحاً أيضاً أن الكيان السوري مضعضع اليوم أكثر من أي يوم مضى، وأنه في الأصل هشٌّ ويحمل في تركيبه الكثير من القنابل الموقوتة المرتبطة بتنوع هويات مواطنيه وغياب الثقة والتآلف والاعتراف الحقيقي المتبادل فيما بينهم، وأن تجاوز هذه الهشاشة عبر الغلبة أو التجاهل أو مزيج منهما لن يؤدي إلا إلى تعزيزها على المدى البعيد. سوريا اليوم تحتاج إلى جميع مواطنيها ومُواطناتها بلا استثناء، على اختلاف انتماءاتهم الفرعية الموروثة وقناعاتهم الفكرية المكتسبة، وقدرتها على جذبهم ترتبط بادئ ذي بدء بالإطار الدستوري والقانوني الذي يضعهم جميعاً على قدم المساواة حقاً، ويقنعهم حقاً أن سوريا لهم كما هي لغيرهم.

        بين خطر حكم الفرد وهيمنة الهوية الثقافية الأُحادية، لا تبدو التحديات أمام الديمقراطيين التقدميين في سوريا مُختلفة كثيراً عما كانت في الحقبات الماضية على الصعيد النظري. أما على صعيد الممارسة، فيبقى ما هو شديد الأهمية، وقد يؤسس حقاً لافتراق نهائي عن الحقبة الأسدية، هو قُدرتنا على التعبير والتنظيم داخل سوريا بشكل سلمي وعلني نقدي و/أو مُعارض دون قمع أو ترهيب سلطوي أو مجتمعي. الإعلان الدستوري يتعهد بصون الحرُيات وبتقديم قانون جديد للأحزاب، يبقى أن نرى كيف سيتم هذا على أرض الواقع.  

موقع الجمهورية

—————————-

الإعلان الدستوري السوري: سطوة الرئيس والحكم الفردي وضرورات المرحلة/ عدنان علي

15 مارس 2025

أثار الإعلان الدستوري الذي أعلن عنه أول من أمس الخميس ردود فعل متباينة في الساحة السورية، بين من اعتبر أن الإعلان الدستوري السوري بصيغته المؤقتة التي تغطي فترة خمس سنوات ضرورة مرحلية بغية بناء مؤسسات الدولة، وتمكين السلطة المركزية من إنجاز المهام المنوطة بها في هذه الفترة، لجهة ضبط الوضع الأمني، وتحسين الخدمات، وتحقيق العدالة الانتقالية، وبين من رأى فيه تكريساً للحكم الفردي، عبر وضع الكثير من السلطات بيد رئيس الجمهورية. كما صدرت انتقادات للإعلان من جانب بعض المكونات الداخلية، خصوصاً “الإدارة الذاتية” الكردية في شرق البلاد.

ووفق اللجنة المكلفة بصياغة الإعلان الدستوري السوري، فان مجلس الشعب (البرلمان) سيتولى العملية التشريعية كاملة، فيما السلطة التنفيذية يتولاها رئيس الجمهورية. وحدد الإعلان مدة المرحلة الانتقالية بخمس سنوات، ومنح رئيس الجمهورية حق إعلان حالة الطوارئ بعد موافقة مجلس الأمن القومي. وفي معرض شرحه بعض بنود هذا الإعلان، قال عضو لجنة صياغة الإعلان الدستوري السوري عبد الحميد العواك إنه لن تكون هناك أي سلطة لمجلس الشعب على رئاسة الجمهورية في المرحلة الانتقالية، ولا يسمح أن تقوم سلطة بعزل سلطة أخرى. وبموجب الإعلان، يحق للرئيس تعيين ثلث أعضاء مجلس الشعب، ويشكل لجنة عليا تشرف على تشكيل هيئات فرعية ناخبة، تقوم بانتخاب ثلثي أعضاء مجلس الشعب المتبقين.

وفي معرض تعليقه على هذا الإعلان، قال المحامي السوري أنور البني، الذي يتابع ملاحقة مرتكبي الانتهاكات في سورية، لـ”العربي الجديد”، إنه يرحب بهذا الإعلان الدستوري السوري المؤقت، كما تتوجب تسميته، لتستقر وتنجح المرحلة الانتقالية. وأوضح أن ترحيبه يعود لعدة أسباب: أولها أنه نص على إنشاء هيئة للعدالة الانتقالية، واعتبر الاتفاقيات الدولية جزءاً من الإعلان، وحدد مدة الفترة الانتقالية، ولم يتركها مفتوحة، واعترف بضرورة وجود الأحزاب والجمعيات. ورأى البني أن هذه مسائل مبشرة، لكن هناك بعض التحفظات، مثل تجاوز الإعلان الدستوري السوري دوره ليكون بمثابة دستور مصغر، حيث حدد مسبقاً مصادر التشريع، وسلطات الرئيس، وبذلك صادر إرادة السوريين والسوريات. كما أنه لم ينص على إشراك المجتمع المدني بتسمية أعضاء مجلس الشعب، ولم يتضمن أي نصوص حول تشكيل السلطة القضائية لتكون مستقلة تماماً، فضلاً عن تسمية الرئيس أعضاء المحكمة الدستورية العليا.

من جهته، قال المحامي والسياسي محمد صبرا، الذي شارك في وفود التفاوض الخاصة بالمعارضة السورية سابقاً، إن الإعلان الدستوري السوري يؤسس لإعادة بناء الدولة، حيث ستختار هيئات انتخابية ثلثي أعضاء مجلس الشعب. واعتبر صبرا، في حديث مع “العربي الجديد”، أن المرحلة الانتقالية قد تتطلب نوعاً من مركزة السلطات في يد الرئيس، لكن يجب أن يقابل ذلك بنصوص تحدد مسؤولية رئيس الدولة في حال خرج عن متطلبات منصبه، فالقاعدة تقول: “كلما زادت سلطات الشخص، زادت مسؤوليته عن أعماله”.

الإعلان الدستوري السوري إيجابي

ورأى صبرا أن الإعلان في العموم إيجابي، لكنه خلا من بعض الأمور التي كان يجب أن ينص عليها، كما شابه بعض الغموض في مواده، بينما جاءت مواد أخرى بصياغة غير منضبطة. وأضاف أن “الحكم على مواد الإعلان الدستوري السوري ليس من خلال كمالها القانوني أو الموضوعي، بل من خلال قدرتها على تأمين عملية الانتقال السياسي من مرحلة التوحش إلى المرحلة الديمقراطية”. ولفت صبرا إلى أنه بسبب طبيعته المقتضبة، ترك الإعلان الكثير من التفصيلات لقوانين تصدر لاحقاً، و”هذا قد يكون أمراً طبيعياً، لكنّ هناك أموراً لا يمكن ضبطها بقانون من دون الاستناد إلى مادة دستورية تضبط حدود هذا القانون”. وأشاد بما ورد في الإعلان الدستوري السوري من اعتبار المعاهدات والمواثيق الدولية المصادق عليها من قبل الدولة السورية جزءاً من الإعلان الدستوري. وقال إن “هذا أمر كنا نطالب به منذ أكثر من عقدين من الزمان”.

ولاحظ صبرا أنه غاب عن الإعلان الدستوري السوري أي حديث عن “السيادة الشعبية”، وقال “هذه ليست مجرد عبارة جميلة، بل إنها تعبير عن المالك الحقيقي للسيادة في الدولة، وهذه المؤسسة، أي السيادة الشعبية، تتيح للمواطنين القدرة على فرض إرادتهم عبر الاستفتاء الشعبي وسواه، وغياب هذه المادة يدفع لكثير من التساؤلات”، ملاحظاً أن الإعلان الدستوري السوري لم يوضح من هي الجهة التي ستقر الدستور الدائم للبلاد، وهل سيكون ذلك باستفتاء شعبي أم الاكتفاء بتشكيل لجنة لإعداده من دون أن تكون لدى الشعب أي سلطة على الموافقة أو الاعتراض عليه. كما لاحظ صبرا أيضاً أنه غاب عن الإعلان الدستوري أي تحديد أو ضبط لصلاحيات المحكمة الدستورية العليا، وعدم تطرق الإعلان إلى موضوع تنظيم الجنسية السورية، وتحديد الشروط الواجب توفرها في من يتولى رئاسة الجمهورية. وقال: “يبدو أن الإعلان قد افترض أن السيد (أحمد) الشرع هو الرئيس وأنه لا داعي لوضع شروط أخرى”. ورأى صبرا أن صدور إعلان دستوري يعتبر أمراً إيجابياً، والمطلوب من السوريين الآن ألا ينظروا اليه باعتباره مكرمةً يمجدونها أو أمراً يهاجمونه، بل أن يناقشوه بكل عقلانية، وأن يعززوا ما فيه من إيجابيات، وأن يعملوا على تعديل واستدراك ما فيه من أوجه نقص أو سلبيات.

تمركز السلطات في يد رئيس الجمهورية

من جانبه، قال المحامي غزوان قرنفل، رئيس تجمع المحامين السوريين، إن الإعلان يتضمن بعض الجوانب الإيجابية وفيه الكثير من السلبيات. وأوضح قرنفل، في حديث مع “العربي الجديد”، أن الإعلان الدستوري السوري يمركز السلطة كلياً في يد رئيس الجمهورية ومن دون إمكانية لمساءلته، “فهو رئيس السلطة التنفيذية، وهو غير مسؤول عن أعمال هذه السلطة، فمجلس الشعب لا يملك مساءلته أو مساءلة وزرائه عن أعمالهم تحت زعم أن النظام الرئاسي يقتضي ذلك”. وأضاف أن “هذا الزعم غير صحيح، فالدول التي لديها نظام رئاسي، لديها أيضاً آليات لمراقبة عمل السلطة التنفيذية من قبل البرلمان”. وانتقد أن “يتولى الإدارة التنفيذية شخص واحد، يعين الوزراء ويقيلهم، ويعين أعضاء السلك الدبلوماسي ويقيلهم، من دون حتى دور استشاري للبرلمان، بل هو من يعين أعضاء البرلمان أنفسهم، وأعضاء المحكمة الدستورية، فهل نحن أمام نظام رئاسي ام نظام فرعون؟”. وتوقف قرنفل عند مسألة دين الرئيس الذي حدده الإعلان بالإسلام. وقال إن “السوريين يحتاجون لسلطة تضمن المساواة في الحقوق بين الناس، وطالما أن هذا النص يناقض مبدأ المواطنة المتساوية، ويناقض نص تكافؤ الفرص بين المواطنين في تقلد الوظيفة العامة، فكان يمكن إلغاؤه”.

واعتبر قرنفل أنه ليس منطقياً أيضاً أن يكون الفقه الإسلامي مصدراً رئيساً للتشريع، “لأن الفقه الذي مات أصحابه قبل ألف سنة يتضمن آراء فقهية وفتاوى متناقضة، وهي في النتيجة رأي بشري في قضايا دينية، وليست ديناً، فكان يمكن الاكتفاء بالقول إن قيم الشريعة إحدى مصادر التشريع، وإن كنتُ شخصياً أرى أن الإرادة الحرة للناس هي مصدر التشريع على ألا يحلل حراماً ولا يحرّم حلالاً”. ولفت إلى أن واضعي الإعلان الدستوري سهى عنهم ذكر عبارة “أن الشعب هو مصدر السلطات”.

أما الحقوقي والصحافي السوري عبد الكريم ثلجي، فقال إن الإعلانات الدستورية في كل المراحل الانتقالية التي مرت بها دول مشابهة لما حدث في سورية ليست مهمتها حل جميع المشكلات التي تعاني منها الشعوب. وأضاف ثلجي، لـ”العربي الجديد”، أنه في الحالة السورية، جاء الإعلان الدستوري لكونه حاجة ملحّة لرسم خريطة طريق ووضع أسس عامة وإطار قانوني ودستوري للمرحلة الانتقالية، بسبب الفراغ القانوني الذي تعيشه سورية بعد سقوط نظام بشار الأسد وإلغاء دستور 2013 ومجلس الشعب وحزب البعث، فجاء الإعلان الدستوري لسد هذا الفراغ.

وحول تركيز الصلاحيات في يد الرئيس، أعرب ثلجي عن اعتقاده أنه من المهم في المرحلة الانتقالية وجود حكومة مركزية قوية تفرض سيادتها على كامل الأراضي السورية، وتحصر السلاح بيد الدولة وتدير جميع الموارد والمعابر الحدودية مع الدول المجاورة، إضافة إلى أن نظام الحكم في الإعلان رئاسي مماثل لما هو قائم في الولايات المتحدة وتركيا والبرازيل والفيليبين، حيث يتولى الرئيس إدارة السلطة التنفيذية، ويعين الوزراء وتكون علاقتهم مباشرة مع الرئيس، ويحق للرئيس تعيين مجلس التشريع المؤقت، لكن في الإعلان الدستوري السوري، سيُعيَّن الثلث من الرئيس ويُنتخب الثلثان من قبل هيئة عامة تكون لها فروع في المحافظات لتشكيل المجلس التشريعي المؤقت.

ولفت ثلجي إلى أن الإعلان فصل بوضوح بين السلطات من خلال تحديد صلاحيات كل سلطة، ولا يجوز تغول السلطة التنفيذية على السلطتين القضائية والتشريعية، والحفاظ على استقلالية القضاء، وحل المحكمة الدستورية التي كانت في النظام البائد وإعادة تشكيل محكمة دستورية جديدة لمراقبة دستورية القوانين، التي ستترجم إلى قرارات وتعاميم ولوائح إدارية تنفذها الوزارات والمديريات والمؤسسات والهيئات العامة.

“الإدارة الذاتية” تنتقد الإعلان الدستوري

وفور صدوره، انتقدت “الإدارة الذاتية” في شمال شرق سورية الإعلان الدستوري، معتبرة أنه يضم “نمطاً تقليدياً يتشابه مع المعايير والمقاييس المتبعة لدى حكومة البعث”، على حد وصفها. ورأت “الإدارة الذاتية”، في بيان، أن الإعلان الدستوري السوري “يتنافى مع حقيقة سورية وحالة التنوع الموجودة فيها”، ووصفته بأنه “تزوير فعلي لهوية سورية الوطنية والمجتمعية، حيث يخلو الإعلان من بصمة وروح أبناء سورية ومكوناتها المختلفة من أكراد وحتى عرب، وكذلك من السريان الآشوريين وغيرهم من المكونات الوطنية السورية”.

كما علق المجلس الوطني الكردي في بيان، أمس الجمعة، على الإعلان الدستوري بقوله إنه “مخيب للآمال وبعيد عن التطلعات نحو بناء دولة ديمقراطية تعكس التنوع الحقيقي للمجتمع السوري” معتبراً انه أعد من قبل لجنة لا تمثل مختلف المكونات السياسية والقومية والدينية، “ما أفقده الشمولية والتوافق الوطني، وأدى إلى تكريس نهج الإقصاء”. وقال إن الإعلان عزز نظام الحكم المركزي ومنح رئيس الجمهورية صلاحيات واسعة من دون ضمانات واضحة للفصل بين السلطات أو تحقيق التوازن المؤسسي، ما يثير مخاوف من إعادة إنتاج الاستبداد بصيغ جديدة، وفق تعبيره.

العربي الجديد

——————————-

عن الإعلان الدستوري السوري/ سمر يزبك

15 مارس 2025

مهما كان الموقف والتوصيف من السلطة، التي جاءت في سورية إثر سقوط نظام الأسد، يبقى أيّ إعلان دستوري، يُسلق على عجل، في حقيقته، دستوراً جديداً، مهما قيل عن مرحليّته، وتمهيده لدستور سيأتي فيما بعد في سياق عملية انتقال ديمقراطي مفترضة. تتجاوز المسألة مجرّد وثيقة قانونية لتكون فعلاً سياسياً مهيمناً، يعيد إنتاج علاقات القوة تحت غطاء الشرعية الثورية، ولا شيء آخر، فلا يصبح الدستور مجرّد إطار تنظيمي، بل نصّاً سلطوياً يحاول إعادة تشكيل الخطاب السائد بطريقةٍ تمحو ذاكرة العنف الوليد، أو تعيد تأويلها لصالح طرفٍ منتصر. ولا تنبع الشرعية في هذه الحالة من التأييد الشعبي (الذي لا ينكره أحد)، بل من آليات الإكراه الرمزي والمادي. وبذلك، يُحوّل الدستور أداةً لإنتاج واقع جديد يخدم مصالح الفاعلين السياسيين، الذين يسيطرون على المجال العام أمنياً وشعبوياً، حتى لو تغيّرت واجهات السلطة، لتعود الدورة من جديد وكأنّ السوريين لم ينضجوا بعد بما فيه الكفاية كي يبدأوا عمليةَ بناءٍ على أساس مواطنة حيادية، ليس فيها صدىً أو نُدبة من ماضٍ قمعي.

تاريخياً، هناك أمثلة عديدة لدساتير جديدة فُرضت بعد مجازر أو انهيارات سياسية كبرى، من دون تحقيق عدالة انتقالية فعلية. ففي تشيلي، كان دستور 1980 استمراراً غير مرئي لحكم بينوشيه، رغم أنه صيغ من خصومه ليبدو “ديمقراطياً”. وفي العراق بعد 2003، ورغم سقوط النظام السابق، لم يكن الدستور الجديد سوى إعادة توزيعٍ للسلطة ضمن هندسةٍ طائفيةٍ جديدة، من دون أن يتأسّس على مصالحة اجتماعية حقيقية. أمّا في جنوب أفريقيا، فإن نجاح دستور 1996 ارتبط بتوافر مسارٍ للعدالة الانتقالية، ما جعله استثناءً، بينما جاء الدستور في البوسنة نتيجة مفاوضات دولية فرضت توازناً هشّاً بين القوى المتصارعة من دون تفكيك البنية العنيفة للصراع.

ليست المسألة إذاً في “الوثيقة الدستورية” فقط، بل في علاقتها بالذاكرة الجمعية والعدالة والسلطة. في مجتمعات ما بعد الثورات، يكون الدستور قطيعةً جذريةً مع الماضي أو مجرّد إعادة إنتاج لعلاقات القوة ضمن بنية جديدة. والخطر هنا أن يصبح قبول هذا الدستور ضرباً من العنف الرمزي، فتُحيّد الرغبةُ الجماعيةُ نحو الديمقراطية الليبرالية، التي نادت بها الثورة في بداياتها، عبر ميكانيزماتٍ سياسيةٍ وإعلامية تحاول فرض “سردية رسمية” للثورة من أساسها (ومن ثمّ للعدالة والمصالحة) التي تطالب بها، حتى لو كانت خاليةً من المعنى الفعلي لإرادة البشر. في السياقات التي لم يتحقّق فيها تفكيكٌ فعليٌّ للبنية السلطوية الرمزية، يصبح الدستور الجديد امتداداً للقديم في جوهره، حتى لو اختلفت ألفاظه، وحتى لو تغيّرت أيديولوجية القائمين عليه، لأن المؤسّسات القائمة تعيد إنتاج منطق الهيمنة نفسه تحت غطاء ديمقراطي شكلي. لا تُبنى الشرعية هنا على الإجماع الفعلي، بل على القدرة على إعادة تشكيل المجال العام بطرقٍ تقمع الأصوات المعارضة، سواء عبر العنف المباشر أو الرمزي. وهكذا، تصبح الثقة في دستور جديد بعد مجازر شبه مستحيلة ما لم تكن هناك عملية عدالة انتقالية حقيقية، تعيد توزيع السلطة، والاعتراف بضحايا الماضي فاعلين في المستقبل، لا إحصائيات في خطاب السلطة.

يمكن اعتبار الإعلان الدستوري السوري الجديد لحظةً فارقةً في تاريخ البلاد، إذ يُحدّد ملامح المرحلة الانتقالية بعد عقود من الحكم المركزي، لكنّه لا يمثل مجرّد إطار قانوني مؤقّت، بل هو جزء من عملية سياسية معقّدة تهدف إلى إعادة تشكيل السلطة ضمن سياقاتٍ جديدة. وبينما يتم تقديمه خطوةً نحو التحوّل الديمقراطي، تكشف بنوده إعادة إنتاج مركزية السلطة من خلال آليات قانونية حديثة تمنح الرئيس صلاحيات واسعة، تشمل تعيين ثلث أعضاء مجلس الشعب وتشكيل المحكمة الدستورية، مع ترك مسألة عزله لمجلسٍ يتأثّر تكوينُه بقراراته. يثير هذا الإطار القانوني إشكالاتٍ سياسية ودستورية، خصوصاً عند مقارنته بالنظم الرئاسية التي تعتمد على توازن السلطات، وضمانات تحدّ من تغوّل السلطة التنفيذية.

يبدو من قراءة أوليّة للإعلان الدستوري أنه لا يهدف إلى تنظيم المرحلة الانتقالية فقط، بل يسهم في إعادة تشكيل السلطة بآلياتٍ تتجاوز الخطابات التقليدية حول الفصل بين السلطات وضمان الحقوق والحرّيات. رغم تقديمه وثيقةً تمهّد للحكم الديمقراطي، فإنه يعيد ترسيخ بنية سلطوية مركزية ضمن مظلّة قانونية جديدة، فيمكن للنصوص الدستورية أن تكون أدواتٍ لإنتاج السلطة بدلاً من تقييدها، ما لم توجَد مؤسّساتٌ قادرةٌ على فرض التوازن الحقيقي بين السلطات. إحدى الإشكاليات الأساسية التي يكرسّها الإعلان تتمثّل في منح السلطة التنفيذية مكانةَ رأس الهرم السياسي من دون ضوابط مؤسّسية فعّالة، إذ يتمتّع الرئيس بقدرةٍ شبه مطلقةٍ على تعيين شخصيات رئيسة في القضاء والتشريع، ما يطرح تساؤلاتٍ حول استقلالية هذه المؤسّسات.

في النظم الديمقراطية، يُفترض أن تلعب السلطتان، التشريعية والقضائية، دوراً في ضبط أداء السلطة التنفيذية. وفي هذه الحالة، تبدو هذه المؤسّسات امتداداً للنفوذ الرئاسي، إذ تشكّل المحكمة الدستورية بقرار من الرئيس، ما يحوّلها أداةَ شرعنةٍ للسلطة، بدلاً من أن تكون جهةً مستقلةً للرقابة. ولا يقتصر تأثير الإعلان على تنظيم الحكم، بل يعيد إنتاج علاقات السلطة ضمن إطار قانوني جديد، ما يجعله أداةً لإعادة هندسة الطاعة السياسية. فمن خلال استخدام لغة الإصلاح والديمقراطية، تُمّرر هذه المرّة مركزية السلطة التنفيذية باعتبارها ضمانةً للاستقرار، وهي استراتيجية مألوفة في الأنظمة ما بعد الاستبدادية، فتُستخدم شعارات التغيير لتمديد الهيمنة السياسية. غياب الأصوات المُعارِضة من عملية صياغة الإعلان يعزّز المخاوف حول افتقاره إلى الشرعية التشاركية، إذ لا يمكن لأيّ عمليةٍ انتقاليةٍ أن تحقّق الاستقرار من دون تمثيلٍ فعليٍّ للفاعلين السياسيين كافّة.

تلعب السلطة القضائية دوراً أساسياً في أيّ نظام ديمقراطي ضامناً للحقوق، ومراقباً للسلطة التنفيذية، لكن الإعلان يعيد تعريف دور القضاء بطريقةٍ تجعله خاضعاً للسلطة التنفيذية، فحين تُعيّن المحكمة الدستورية بقرار رئاسي، مع منحها صلاحياتٍ يُفترض أن تكون مستقلّة، يصبح القضاء أداةَ شرعنةٍ بدلاً من سلطة رقابية حقيقية، ما يقيّد إمكانية الطعن في قرارات السلطة التنفيذية، ويعزّز منطق الهيمنة السياسية. من المشكلات الجدّية التي يثيرها هذا الإعلان الدستوري إمكانية تحوّل المرحلة الانتقالية وضعاً دائماً. إذ قد يؤدّي غياب آليات واضحة لإنهاء المرحلة الانتقالية إلى تمديد السلطة التنفيذية من دون أجل محدّد. كما أن مقارنة بسيطة لهذا الإعلان بالنظم الرئاسية الأخرى تظهر غياب التوازن المؤسّسي وآليات المساءلة. ففي الولايات المتحدة، على سبيل المثال، يتمتّع الرئيس بصلاحياتٍ واسعة، لكنّها مقيّدة برقابة الكونغرس والمحكمة العليا، فضلاً عن إمكانية عزله وفق إجراءات دستورية واضحة. أمّا في الحالة السورية، فإن الرئيس يمتلك صلاحياتٍ غير محدودة فعلياً، فلا يتمتّع البرلمان باستقلالية حقيقية، نظراً إلى قدرة الرئيس على تعيين ثلث أعضائه، كما أن المحكمة الدستورية لا تعمل جهةً رقابيةً مستقلّةً، بل أداةً تنفيذيةً ضمن المنظومة الحاكمة. … يحمل الإعلان الدستوري الجديد ملامح تحوّل سياسي مهم، لكنّه، في الوقت نفسه، يثير مخاوف جدّية بشأن استمرارية مركزية السلطة، فالشرعية الدستورية لا تأتي من وجود نصوص قانونية فقط، بل ايضاً من تفاعلها مع الواقع السياسي والاجتماعي لضمان التوازن المؤسّسي والرقابة الفعّالة، وإلا لن يكون سوى وسيلة أخرى لإعادة إنتاج الطاعة السياسية، بدلاً من أن يكون خطوةً حقيقيةً نحو الديمقراطية.

في ظلّ التحولات السياسية التي شهدتها سورية أخيراًً، برزت تحدّياتٌ اجتماعيةٌ عميقةٌ رافقت الإعلان الدستوري الجديد، ما يعكس تعقيدات المرحلة الانتقالية وصعوباتها. الاعتداء على قوات الأمن وعمليات القتل والمجازر، التي شهدها الساحل السوري، خاصّة في اللاذقية وطرطوس، عكست توتّرات اجتماعية عميقة، وتصدّعاً واضحاً في النسيج الاجتماعي. لم تكن هذه المواجهات مجرّد صدامات عسكرية، بل كشفت هشاشة الهُويَّة الوطنية، التي لطالما قُمعت تحت مظلّة خطاب الوحدة الوطنية. يُبرز تفكّك السرديات الشمولية الحاجة إلى إعادة بناء هُويَّة وطنية تعترف (حقيقة لا نظرياً فقط) بالتعدّدية والاختلاف بعيداً من الإقصاء. من زاوية ثانية، يعكس عدم السيطرة الكاملة على كامل التراب السوري هشاشة السلطة المركزية وتعدّد مراكز النفوذ، إذ تتشكّل سلطات محلّية، وهُويَّات فرعية، تتحدّى مفهوم الدولة المركزية التقليدية. يفرض هذا الواقع تحدّيات أمام الإعلان الدستوري، الذي يُفترض أن يكون شاملاً لمكونات المجتمع السوري كافّة.

مع هذه التعقيدات، يظلّ نجاح الإعلان الدستوري مرهوناً بقدرته على التعامل مع التحدّيات الاجتماعية والسياسية الراهنة، فإذا لم تُعالج التصدّعات المجتمعية ولم تُبنَ أسسٌ لمشاركة سياسية حقيقية، فقد يظلّ هذا الإعلان مجرّد وثيقة نظرية غير قادرة على فرض واقع جديد. تبنّي مقاربة تعترف بالتعدّدية، وتفكّك الخطابات الشمولية البائدة، وتعيد بناء السلطة على أسس تشاركية، قد يكون السبيل الوحيد لعبور المرحلة الانتقالية نحو مستقبلٍ أكثر استقراراً وشمولاً للشعب السوري المكلوم، وللضحايا جميعهم، السابقين واللاحقين.

العربي الجديد

———————–

اتفاق الشرع ـ عبدي: ما الذي يتبقى من معادلة «روج آفا»؟/ صبحي حديدي

تحديث 14 أذار 2025

أظهرت تقارير مصوّرة أنّ غالبية أبناء سوريا من الكرد والعرب ابتهجوا لتوقيع اتفاق بين الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع وقائد «قوات سوريا الديمقراطية ـ قسد» مظلوم عبدي، وللبهجة موجبات شتى بعيدة المدى يتوجب أن تعالج بعض (والأرجح: ليس كامل) جوانب المسألة الكردية في البلاد؛ وأخرى قريبة الأثر والجدوى، لجهة توقيت يأتي في أتون محاولة انقلاب قادها ما تبقى من فلول نظام «الحركة التصحيحية» وما يواصل البقاء من أفراد فصائليين وجهاديين توّاقين إلى تسعير ثارات طائفية عمياء، وما يقترن بهذَين الفريقين من نزوعات تعطش إلى إراقة الدماء والمجازر الوحشية.

ثمة إلى هذا، وتماشياً مع منطق سياسي أو انتهازي أو مصلحي أو قوموي أو عصبوي، فئات من الكرد والعرب (أقلية، حتى الساعة على الأقلّ) لم تبتهج بالاتفاق؛ لموجبات شتى بدورها، قد يبدأ بعضها من حسن النوايا والتشبث بما مثّلته تجربة «الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا ـ روج آفا» من معطيات جرى ترقيتها إلى سوية القيم العليا في الحكم والتعبير الديمقراطي لدى فئات «قسد» أو على العكس كانت حاضنة تسلط وتطهير إثني وانتهاكات حقوقية ونهب ثروات في ناظر شرائح من عرب المنطقة. بعض تلك الموجبات لا يعفّ القائلون بها عن التمترس خلف أوهام هذه أو تلك من درجات الاستقلال والفدرالية أو حتى صيغة غائمة هلامية من دويلة كردية لدى الكرد أوّلاً، مقابل التمسك بالهوية العربية أو التعددية الإثنية (في صفوف الأرمن والسريان والآشوريين، مثلاً) لدى فئات أخرى عربية أو غير كردية. ولا يصحّ، في كلّ حال، إغفال فئة رافضة على الجانبين وبمعزل عن الملابسات القومية أو الإثنية، لأنها إنما تولت شبكات فساد مالي واسعة، على امتداد مناطق «قسد».

في إطار هذا التشخيص، ومن دون انتفاء تشخيصات أخرى تأخذ ببعض هذه العناصر أو تستبعد بعضها الآخر أو تضيف إليها؛ في الوسع السجال بأنّ البنود 4 و5 و6 و7 من نصّ الاتفاق بين الشرع وعبدي ذات طبيعة إجرائية، وهي على أهميتها أقرب إلى تحصيل حاصل. ذلك لأنها تتناول دمج المؤسسات المدنية والعسكرية والمعابر الحدودية والمطار وحقول النفط والغاز؛ وتضمن عودة المهجرين إلى بلداتهم وقراهم، وتُلزم الدولة بحمايتهم؛ ومن باب الاستطراد، الهامّ مع ذلك، تضمّ «قسد» إلى جبهة السلطة الراهنة في مكافحة فلول الأسد؛ كما تشدد على رفض «دعوات التقسيم وخطاب الكراهية ومحاولات بثّ الفتنة بين كافة مكونات المجتمع السوري».

ليس من كبير جدال، أغلب الظنّ، في أنّ البند الأوّل (الذي يضمن «حقوق جميع السوريين في التمثيل والمشاركة في العملية السياسية وكافة مؤسسات الدولة بناء على الكفاءة بغض النظر عن خلفياتهم الدينية والعرقية») لا يخصّ المواطنين السوريين الكرد وحدهم، بل يشمل جميع أبناء سوريا. وأنه، تالياً، لا يُرضي «قسد» بصفتها التنظيمية التي تزعم التعددية الإثنية في صفوفها، فحسب؛ بل يُراضي حلفاءها السوريين، بعضهم أو جلّهم، ضمن توافق مضمَر على «حقوق» جبهات «روج آفا» السياسية والعسكرية المتعددة. صحيح، بالطبع، أنّ هذا البند، وبالأحرى نصّ الاتفاق كله، لا يقارب ارتباط «قسد» الوثيق مع الولايات المتحدة والتحالف الدولي (وهذا أحد العقابيل الكبرى المنتظَرة خلال أشهر التطبيق الفعلي، حتى نهاية العام الجاري 2025)؛ إلا أنّ وصول عبدي إلى دمشق على متن طائرة أمريكية، كما تردد، يجبّ قسطاً غير قليل من تغييب المقاربة تلك.

يبقى البند الثاني، وهو في تقدير هذه السطور الأهمّ من حيث ملاقاة حقوق الكرد ومظالمهم في ظلّ ما تعلنه إدارة الشرع من عزم على المواطنة المتساوية ودولة القانون، خاصة في ميادين دستورية جوهرية تتجاوز (بكثير، كما يِؤمل) الصيغة الرائجة حول إنصاف المكوّنات/ الأقليات. وهو، أيضاً، البند الأخطر في الجانب التطبيقي لأنه يفتح، على مصاريعها كافة، بوّابات المسألة الكردية في سوريا وإشكالياتها ومصاعب معالجة ملفاتها المعقدة؛ هذه التي قامت تاريخياً، ولعلها تظلّ قائمة اليوم في كثير أو قليل، على سرديتين متكرّرتين، متكاملتين على نحو جدلي، رغم تناقضهما في الشكل والمحتوى. في الأولى موجات متعاقبة من الاضطهاد الإثني والسياسي والثقافي، على يد أمم صغرى وأمم كبرى، إقليمية وكونية؛ وفي السردية الثانية، وقائع خيانة ذات طابع مزدوج، على يد الحلفاء أو الأصدقاء، وبأفعال قيادات سياسية كردية على مرّ تاريخ الكرد، والحديث منه خصوصاً.

على سبيل المثال، من حوليات حكم حزب البعث، في سنة 1963 كان الملازم محمد طلب هلال، الذي سيرتقي بعدئذ سلّم المناصب العليا سريعاً، قد رفع إلى قيادة الحزب دراسته الشهيرة التي اقترحت جملة إجراءات تستهدف «تذويب» الكرد في «البوتقة» العربية! تأسيساً على مقترحاته تلك، جرى تعريب أسماء عشرات القرى والبلدات الكردية، ومُنع الأكراد من تسجيل أطفالهم إذا اختاروا لهم أسماء كردية، كما مُنعوا من الطباعة باللغة الكردية، وسوى ذلك من الإجراءات التمييزية الفاضحة. وفي مطلع السبعينيات، عهد الأسد الأب، أقام النظام حزاماً عربياً بطول 375 كم وعمق يتراوح بين 10 – 15 كلم، على طول الحدود السورية التركية؛ جرى بموجبه ترحيل 120 ألف مواطن كردي من 332 قرية، وإحلال سكان عرب محلّهم بعد بناء قرى نموذجية لهم.

وعلى امتداد 54 سنة من سلطة «الحركة التصحيحية» كان بديهياً أنّ الأحزاب والقوى السياسية الكردية في سوريا جزء لا يتجزأ من حركة الأحزاب والقوى السورية التي رفعت شعار تغيير جوهري ديمقراطي في حياة البلاد. وكان بديهياً أيضاً أنّ بلوغ مرتبة أرقى في النضال من أجل تغيير نظام استبداد آل الأسد، سوف يشمل انتزاع المزيد من حقوق المواطن السوري، عربياً كان أم كردياً، بصرف النظر عن خلفيته الإثنية أو الدينية أو المذهبية. ولم تكن غالبية القوى الكردية غافلة عن هذه البديهيات، بل كانت تعرفها وتؤمن بها، وعلى أساسها تواجدت ونشطت في قلب الحراك الديمقراطي السوري، على اختلاف أشكاله وأزمنته.

بذلك فإنّ البند الثاني مُلزَم بمقاربة ما تتركه، أو تركته لتوّها، سرديات انتقاص حقوق الكرد في سوريا، ثمّ معادلة «روج آفا» التي إذا كانت لا تقلّ تعقيداً، فإنّ احتساب مستقبلها حافل بمصاعب بالغة التجذّر، ومزالق مركّبة الاستحقاق والضرورة. والأصل أنّ المعادلة تنهض على مرتكزات إيجابية خدمت سوريا جمعاء مثلما فعلت إزاء الكرد السوريين، وليست محاربة «داعش» ودحرها في مناطق عديدة سوى مظهر أوّل في هذا السجلّ؛ سوف يتفاعل، على نحو جدلي يقترن خلاله التمثيل السليم بالمصادرة القسرية، مع انتخابات خريف 2017، والتدابير الفدرالية المتعجلة والمصطنعة، وإشاعة مناخات «علمانية» وحقوقية بصدد مكانة المرأة بصفة ملحوظة، والتكريس (النظري، الشكلي، المتعجل هنا أيضاً) لمفهوم اللامركزية، وما إلى ذلك. السلبيات، في المقابل، لم تقتصر على علاقات ارتهانية لقيادات الـPKK في جبال قنديل فقط، بل جمعت التناقض الصارخ في التسليم لإدارة أمريكية تواصل تصنيف الـPKK كتنظيم إرهابي؛ ولم تتوقف عند أنساق استبداد صارخة، وممارسة التجنيد القسري، والتنكيل بمعارضين وصحافيين كرد وعرب، وتنصيب شخصيات عسكرية وسياسية تقود شبكات النهب والفساد.

وهكذا، لعلّ بعض نجاح، أو إخفاق، تنفيذ اتفاق الشرع ــ عبدي رهنٌ بما يتوجب الإبقاء عليه أو استبعاده من معادلة «روج آفا» التي عادت بمحاسنها وبمظانّها إلى خارطة اتحاد سوري مضطرد.

كاتب وباحث سوري يقيم في باريس

القدس العربي

———————————–

الإعلان الدستوري الذي تم اعتماده مؤخراً يُعبّر عن استمرارية النهج الإقصائي/  اكرم حسين

تحديث 14 أذار 2025

الإعلان الدستوري الذي تم اعتماده مؤخراً يُعبّر عن استمرارية النهج الإقصائي الذي لطالما اتبعته الأنظمة المتعاقبة في سوريا، بدلاً من كونه وثيقة توافقية تعبر عن إرادة جميع السوريين بكل مكوناتهم وأطيافهم، فهو يؤسس لمزيد من الانقسام والمشكلات على المستوى الوطني لأنه لا يأخذ بعين الاعتبار مصالح كافة السوريين، بل يُكرس هيمنة فئة معينة على حساب بقية المكونات، ويمنحها الأفضلية في صياغة مستقبل البلاد. إن الإبقاء على دين الرئيس والمصدر الأساسي للتشريع كمرجعية دينية هو إعادة إنتاج لنموذج يستند إلى هويات دينية ضيقة، مما يعزز التمييز ويمنع بناء دولة مواطنة تقوم على المساواة الحقيقية بين كافة مكونات الشعب السوري. هذه النقطة بالذات تمثل تناقضاً مع مبدأ حيادية الدولة تجاه الأديان الذي يُفترض أن يُبنى عليه أي نظام ديمقراطي حديث.

كما يتجاهل الإعلان الدستوري الاعتراف بحقوق القوميات والأقليات الاخرى بشكل صريح، مما يُعد تراجعاً عن الاتفاق الذي جرى بين رئيس سوريا الانتقالي أحمد الشرع وقائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي، حيث كان من المفترض أن يُشكل ذلك الاتفاق خطوة نحو معالجة القضية الكردية ضمن إطار وطني سوري، إلا أن الإعلان الدستوري الحالي يتنصل منه ويحول الموضوع إلى تنوع ثقافي .

لم يُشر الاعلان إلى أي توجه نحو اللامركزية السياسية أو الإدارية التي طالبت بها العديد من المكونات السورية، بل على العكس، فهو يعيد إنتاج ذات المركزية السلطوية التي كانت سبباً رئيسياً في الصراع السوري وعمّقت الشعور بالتهميش لدى الأطراف والمكونات غير العربية .

ان الإصرار على الاحتفاظ باسم “الجمهورية العربية السورية” دون أي تعديل هو تعبير عن إقصاء الهويات الأخرى في البلاد، خصوصاً القومية الكردية وغيرها من الأقليات التي تعيش في سوريا منذ قرون. إن هذه المسألة ليست رمزية فقط، بل تعكس عدم الرغبة في الاعتراف بالتعددية القومية في البلاد.

إن الإعلان الدستوري الذي يُفترض أن يكون مدخلاً لبناء عقد اجتماعي جديد بين كافة السوريين، جاء مُحبطاً ومُكرساً للإقصاء. وإذا لم يتم تصحيح مساره وتعديله بشكل يعكس تطلعات جميع المكونات السورية، فإن المشكلة السورية ستبقى مستمرة، وربما تتفاقم لتأخذ أبعاداً أخطر وأكثر تعقيداً.

سيكون لنا عودة لمناقشة الفقرات الأخرى وخاصة صلاحيات الرئيس وآليات عزله ،وتعين مجلس الشعب وصلاحيات المحكمة الدستورية في قراءة أخرى .

———————-

الإعلان الدستوري في سوريا.. صلاحيات مطلقة للرئيس وإشكاليات تشريعية

14 مارس 2025

أثار الإعلان الدستوري الجديد للجمهورية العربية السورية جدلًا واسعًا حول الصلاحيات الممنوحة لرئيس الجمهورية، حيث يحتفظ الرئيس بسلطة تعيين ثلث أعضاء مجلس الشعب، بينما يتم انتخاب الثلثين الآخرين عبر هيئات يشرف عليها، مما يثير تساؤلات حول استقلالية المجلس.

كما يتمتع الرئيس بسلطة اقتراح القوانين، الاعتراض عليها، وإصدارها، إضافةً إلى تعيين وعزل الوزراء والمسؤولين. فيما تضمنت المادة 41 منح الرئيس حق إعلان حالة الطوارئ بعد موافقة مجلس الأمن القومي، الذي يعيّنه بنفسه، مما يمنحه صلاحيات استثنائية دون رقابة فعلية.

علاوة على ذلك، يخضع تعديل الإعلان الدستوري لموافقة ثلثي مجلس الشعب، لكن لا يمكن طرح أي تعديل دون اقتراح من الرئيس، ما يعزز قبضته على التشريعات. وبينما يشدد الإعلان على مبدأ الفصل بين السلطات، يبقى الرئيس صاحب السلطة التنفيذية العليا.

بين القبول والرفض

يقول الناشط، حيان حيروكة، في حديثه لموقع “الترا سوريا” إن الهدف من وضع الدستور والقوانين المنبثقة يكون لـ”جمع القوى الوطنية لبناء دولة العدالة والحرية، متجاوزًا إرث الدكتاتورية والحكم الشمولي”، لافتًا إلى أن ما هو أهم من الإعلان الدستوري يتمثل بـ”القبول العام”، معتبرًا أنه “لا فائدة من تدوال عملة لا تلقى القبول العام في الأسواق”.

ولفت حيروكة في حديثه إلى أنه “لم يُعقد المؤتمر الوطني كما كان مخططًا، وتم استبداله بحوار وطني مختزل زمنيًا وتمثيليًا، مما أثر على استناده إلى مبادئ دستورية متفق عليها”، وأضاف أن “مبدأ الفصل بين السلطات هو مبدأ وظيفي لا يلغي الرقابة والمحاسبة، لكنه ظل غائبًا عن التطبيق، رغم النص في المادة السابعة على مكافحة الفساد وأهمية الرقابة الاستباقية في الإدارة الحديثة”.

يعد البند الأول من المادة الثالثة، واحدًا من البنود التي أثارت التساؤلات بين السوريين، ويرى حيروكة بهذا الخصوص أن “الفقه الإسلامي والقوانين المدنية يختلفان في مصادر التشريع”، موضحًا أن “الأول يستند إلى القرآن والسنة والإجماع، بينما تعتمد القوانين المدنية على تشريعات وضعية تستوحي مبادئها من العرف والعدالة، ما يجعلها أكثر مرونة ومعاصرة”.

واعتبر حيروكة أنه “نظرًا للتطورات العالمية، من غير الممكن تطبيق الفقه الإسلامي دون تعديلات، إذ يفرض الواقع الجمع بين التشريع الوضعي والحفاظ على خصوصية المجتمع السوري”، لافتًا إلى أن “الفوارق تظهر بوضوح في العقوبات، حيث تفرض الشريعة أحكامًا صارمة مثل الحدود، بينما تعتمد القوانين المدنية على العقوبات المخففة، كالغرامات والسجن”.

واستطرد حيروكة بالإشارة إلى أن “القوانين المدنية تساوي بين الجنسين، في حين أن الفقه الإسلامي يضع قيودًا على حقوق المرأة في الميراث والشهادة وغيرها، ما يخلق توترات عند محاولة الدمج بين النظامين”، مشيرًا أيضًا إلى أن “تحديد دين رئيس الدولة لا يتماشى مع مبدأ المساواة”.

إشكاليات الإعلان الدستوري

ويرى حيروكة في حديثه لـ”الترا سوريا” أن “إغفال مجانية التعليم في المادة 22 يمثل نقصًا جوهريًا في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة”. وفي المقابل، تعتمد المادة 42 “مفهوم الفعالية في استخدام الموارد، في حين أن الكفاءة يجب أن تكون الأولوية”.

وحول المادة 11 التي تشير إلى اعتماد “المنافسة الحرة”، يؤكد حيروكة أن “الاقتصاد التنافسي الحر قد يؤدي إلى إعادة إنتاج الفوارق الطبقية دون دور واضح للدولة والقطاع العام”، وهو في هذا الصدد، يعيد التذكير بأن أزمة كوفيد-19 أظهرت أن “تماسك الدول ذات الاقتصاد المركزي”، لافتًا إلى أن ذلك “يدعو إلى نموذج اقتصادي يجمع بين النظامين بمرحلة انتقالية”.

وختم حديثه بالإشارة إلى أن ردود الفعل الأولية، والتي تمثلت برفض الكرد والدروز للإعلان الدستوري، موضحًا أن الإطار العام للإعلان الدستوري “هو ما يهدد بانهيار الاتفاق الموقع من أيام قليلة مع الإدارة الذاتية و غياب الدروز عن المشهد السياسي”، وشدد على أن المشهد السوري “لم يصل بعد لمرحلة توافق سياسي وعقد اجتماعي وإجراءات وطنية تجعلنا في بيئة مناسبة لإعلان دستوري لا يؤدي الغرض المطلوب منه”.

الفقة الإسلامي ليس المصدر الوحيد

يؤكد المحامي السوري، مصطفى كليب، في حديثه لـ”الترا سوريا” أن “الاعتماد على الفقه الإسلامي كمصدر أساسي للتشريع يؤثر على القوانين المدنية والدستورية”، لكنه يشير في المقابل إلى أنه “ليس المصدر الوحيد، كما كان الحال في الدساتير السورية السابقة ومعظم دساتير الدول الإسلامية”.

وينظر كليب إلى الفقه الإسلامي باعتباره “مفهومًا واسعًا يشمل اجتهادات الفقهاء، وقد يوافق أو يتجاوز نصوص القرآن والسنة”، وأضاف أنه “رغم تبني سوريا لهذا النص، تجاوزت بعض العقوبات الجسدية واعتمدت تشريعات مدنية”.

ويرى كليب أن “تأثير الفقه على القوانين يعتمد على النهج المستقبلي، خاصة مع التصريحات حول مراجعة القوانين وإلغاء ما يخالف الشريعة”، موضحًا أنه “وفق هذا النهج سيكون هنالك تعديلات كثيرة لو تم فعلًا لا تتعلق بقانون بعينه”.

جدل حول المادة 50

أما فيما يخص الجدل القانوني المرتبط بتعديل بنود الإعلان الدستوري، يؤكد كليب أن المادة 50 تشير إلى إمكانية تعديل الإعلان الدستوري خلال المرحلة الانتقالية، لكنها “تشترط موافقة ثلثي مجلس الشعب بناءً على اقتراح رئيس الجمهورية”.

وشدد على أن “هذا التعديل يبقى مرهونًا بإرادة الرئيس، إذ يختار ثلث أعضاء المجلس، فيما تنتخب الهيئات الفرعية التي يشكلها الثلثين الآخرين وفق المادة 24″، وهو الأمر الذي “يثير تساؤلات حول مدى استقلالية المجلس في اتخاذ قراراته، خاصة أن تشكيله مرتبط بالرئيس”.

وبحسب كليب، فإنه “وفق هذه الآلية نستطيع القول أن مجلس الشعب بشكل أو بآخر معين تعيينًا أساسًا من قبل الرئيس”، وبالتالي “لن يستطيع المجلس أن يعدل الإعلان من دون أن يتم اقتراح ذلك من الرئيس”.

حماية الحقوق والحريات الأساسية

أما فيما يخص مواد حماية الحقوق والحريات الأساسية التي وردت في الإعلان الدستوري، يرى كليب أن “المشكلة في سوريا لم تكن بالنصوص بل في تطبيقها”، لافتًا إلى أن “دستور 2012 تضمن ضمانات لحقوق الإنسان”، ولفت إلى أن “الإضافة الجديدة هي إدماج الاتفاقيات الدولية المصادق عليها ضمن الإعلان الدستوري، مما يعزز المعايير الحقوقية”، لكنه شدد على أن “الأهم من النصوص هو الالتزام الفعلي بتطبيقها على أرض الواقع”.

يؤكد كليب في حديثه لـ”الترا سوريا” على أن حاجة الحقوق والحريات إلى ضوابط، لكنه يرى أن “غموضها واستخدام مصطلحات فضفاضة، كما في المادة 23، قد يؤدي إلى تقييدها”، مشيرًا إلى “عدم تحديد معايير واضحة لمفاهيم كالأمن الوطني والنظام العام أو حماية الآداب العامة”.

ويعيد كليب التذكير في حديثه بأن النظام السابق “كان يقمع الحريات بتهم، مثل إضعاف الشعور القومي، ووهن عزيمة الأمة، والنيل من مكانة الدولة المالية”، وبالتالي فإن “عدم التحديد الواضح والصريح لهذه الضوابط، والمقصود منها ما هو إلا بوابة قد تستخدم لقمع الحقوق والحريات”.

خطورة البند الثاني للمادة 41

ويؤكد كليب في ختام حديثه لـ”الترا سوريا” على “خطورة” البند الثاني من المادة 41، والتي تسمح للرئيس بفرض حالة الطوارئ “كليًا أو جزئيًا”، والتي يرى أنها “تشكل خطرًا على الحقوق والحريات”، إذ إن هذا البند “يمنح رئيس الجمهورية سلطة إعلان الطوارئ بعد موافقة مجلس الأمن القومي الذي عيّنه بنفسه”، كما أن “تمديد حالة الطوارئ الذي يخضع لموافقة مجلس الشعب يعيدنا للعيب في تشكيل هذا المجلس أيضًا”، في إشارة إلى آلية تشكيل مجلس الشعب.

ويشير كذلك إلى أن “اشتراط دين رئيس الجمهورية، يتعارض مع مبدأ المساواة وعدم التمييز المنصوص عليه في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية”، معتبرًا أن “تبرير هذا الشرط بالأغلبية السكانية غير مقبول، إذ يجب ضمان التمثيل العادل”، كما أنه “يتناقض مع المادة العاشرة من الإعلان نفسه، التي تؤكد مساواة المواطنين في الحقوق والواجبات دون تمييز”.

الترا سوريا

——————————

الإعلان الدستوري الجديد في سوريا.. تباين في الآراء والمواقف/ محسن القيشاوي

14-مارس-2025

أحدث الإعلان الدستوري، الذي سيشكل الإطار القانوني لسوريا خلال السنوات الخمس المقبلة، موجة واسعة من الجدل والانقسام. فبينما يرى مؤيدوه أنه يمثل خطوة نحو إعادة هيكلة الدولة وإرساء أسس تحول سياسي جديد، يعتقد معارضوه أنه ليس سوى إعادة إنتاج للنظام القديم بواجهة مختلفة.

هذا التباين في المواقف انعكس في النقاشات المحتدمة داخل المجتمع السوري، حيث ينظر البعض بتفاؤل إلى المرحلة المقبلة، معتبرين أنها تستحق منح السلطات فرصة لتنفيذ الإصلاحات، في حين يشكك آخرون في جدية التغيير، مشيرين إلى افتقار الإعلان لآليات واضحة تضمن تطبيقه بفعالية.

    هذا التباين في المواقف انعكس في النقاشات المحتدمة داخل المجتمع السوري

صلاحيات الرئيس

واجه الإعلان الدستوري انتقادات حادة، خاصة فيما يتعلق بالصلاحيات الواسعة الممنوحة لرئيس الجمهورية، إذ يمتلك سلطة تعيين ثلث أعضاء مجلس الشعب، بينما يُنتخب الثلثان المتبقيان عبر هيئات تقع تحت إشرافه، مما يثير مخاوف بشأن استقلالية المجلس وقدرته على ممارسة دوره التشريعي بحرية.

إلى جانب ذلك، يتمتع الرئيس بسلطة واسعة في العملية التشريعية، حيث يملك حق اقتراح القوانين، الاعتراض عليها، وإصدارها، إضافة إلى تعيين وإقالة الوزراء وكبار المسؤولين. كما تمنحه المادة 41 صلاحية إعلان حالة الطوارئ بعد الحصول على موافقة مجلس الأمن القومي، وهو مجلس يشرف على تعيين أعضائه بنفسه، ما يمنحه سلطات استثنائية دون قيود واضحة.

وفي هذا السياق، يؤكد المحامي عمار الشيخ بكري في حديث لموقع “ألترا صوت”، أن الصلاحيات الممنوحة لرئيس الجمهورية في الإعلان الدستوري الجديد لا تصل إلى مستوى السلطات الواسعة التي كان يتمتع بها وفق دستور 2012، مشيرًا إلى أن الرئيس لم يعد يمتلك سلطة التشريع، كما فقد رئاسته لمجلس القضاء الأعلى، ولم يعد بإمكانه إصدار قانون الطوارئ أو تمديده دون العودة إلى مجلس الأمن القومي والسلطة التشريعية.

وأضاف الشيخ بكري أن الإشكالية الحقيقية التي يثيرها الإعلان الدستوري تتعلق بآلية تشكيل السلطة التشريعية، إذ لا يزال الرئيس يحتفظ بصلاحية تعيين ثلث أعضاء مجلس الشعب بشكل مباشر، بينما يتم اختيار الثلثين الآخرين من خلال هيئات تخضع لإشرافه. واعتبر أن هذا “الأمر يثير تساؤلات حول مدى استقلالية المجلس التشريعي، حيث يبقى جزء كبير من التوازن المؤسسي معتمدًا على شخصية الرئيس وضميره في إدارة هذه الصلاحيات”.

تعديل الإعلان الدستوري

أما فيما يخص الجدل القانوني المرتبط بتعديل بنود الإعلان الدستوري، الذي لا يمكن إجراؤه إلا بموافقة ثلثي أعضاء مجلس الشعب، ومع ذلك، فإن أي تعديل لا يُطرح للنقاش إلا بمبادرة من الرئيس، مما يعزز هيمنته على التشريعات.

ورغم تأكيد الإعلان الدستوري على مبدأ الفصل بين السلطات، يظل الرئيس ممسكًا بزمام السلطة التنفيذية بشكل شبه مطلق، الأمر الذي يثير تساؤلات حول مدى توازن الصلاحيات في المرحلة المقبلة.

وفي هذا السياق، يؤكد المحامي، مصطفى كليب، في حديثه لـ”الترا سوريا” أن المادة 50 تشير إلى إمكانية تعديل الإعلان الدستوري خلال المرحلة الانتقالية، لكنها “تشترط موافقة ثلثي مجلس الشعب بناءً على اقتراح رئيس الجمهورية”.

وشدد كليب على أن “هذا التعديل يبقى مرهونًا بإرادة الرئيس، إذ يختار ثلث أعضاء المجلس، فيما تنتخب الهيئات الفرعية التي يشكلها الثلثين الآخرين وفق المادة 24″، وهو الأمر الذي “يثير تساؤلات حول مدى استقلالية المجلس في اتخاذ قراراته، خاصة أن تشكيله مرتبط بالرئيس”.

وبحسب كليب، فإنه “وفق هذه الآلية نستطيع القول إن مجلس الشعب بشكل أو بآخر معين تعيينًا أساسًا من قبل الرئيس”، وبالتالي “لن يستطيع المجلس أن يعدل الإعلان من دون أن يتم اقتراح ذلك من الرئيس”.

الإسلام كمصدر أساسي للتشريع

فيما يتعلق بالاعتماد على الفقه الإسلامي كمصدر أساسي للتشريع، يؤكد المحامي كليب، أن ذلك يؤثر على القوانين المدنية والدستورية، لكنه، ينوه إلى أنه “ليس المصدر الوحيد، كما كان الحال في الدساتير السورية السابقة ومعظم دساتير الدول الإسلامية”.

 يرى كليب أن الفقه الإسلامي يمثل “مفهومًا واسعًا يشمل اجتهادات الفقهاء، وقد يتماشى مع نصوص القرآن والسنة أو يتجاوزها”، مشيرًا إلى أن “رغم تبنّي سوريا لهذا الإطار، فإنها تجاوزت بعض العقوبات الجسدية وفضّلت الاعتماد على تشريعات مدنية”.

غياب الاجماع على الإعلان الدستوري

في المقابل، يرى الناشط، حيان حيروكة، في حديثه لموقع “الترا سوريا” أن الهدف من وضع الدستور والقوانين المنبثقة يكون لـ”جمع القوى الوطنية لبناء دولة العدالة والحرية، متجاوزًا إرث الدكتاتورية والحكم الشمولي”، لافتًا إلى أن ما هو أهم من الإعلان الدستوري يتمثل بـ”القبول العام”، معتبرًا أنه “لا فائدة من تدوال عملة لا تلقى القبول العام في الأسواق”.

وفي هذا الإطار، يلفت حيروكة، إلى ردود الفعل الأولية، التي تمثلت برفض الكرد والدروز للإعلان الدستوري، موضحًا أن الإطار العام للإعلان الدستوري هو “ما يهدد بانهيار الاتفاق الموقع من أيام قليلة مع الإدارة الذاتية وغياب الدروز عن المشهد السياسي”، مشددًا على أن “المشهد السوري لم يصل بعد لمرحلة توافق سياسي وعقد اجتماعي وإجراءات وطنية تجعلنا في بيئة مناسبة لإعلان دستوري لا يؤدي الغرض المطلوب منه”.

إعادة انتاج الاستبداد

أعرب مجلس سوريا الديمقراطية، المظلة السياسية لـقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، عن رفضه لمسودة الإعلان الدستوري الجديد، معتبرًا أنها تتناقض مع الاتفاقات الموقعة مع الحكومة السورية وتشكل تراجعًا عن التفاهمات السابقة.

وأكد المجلس أن المسودة المطروحة تعيد إنتاج الحكم الاستبدادي بصيغة جديدة، حيث تعزز المركزية في إدارة الدولة وتمنح السلطة التنفيذية صلاحيات واسعة. كما انتقد القيود المفروضة على العمل السياسي، بما في ذلك تجميد تشكيل الأحزاب وغياب آليات واضحة لتحقيق العدالة الانتقالية، محذرًا من أن هذه العوامل تعقد الأزمة السياسية والوطنية بدلًا من حلها.

خطو نحو طي صفحة عقودٍ من المظلومية والاضطهاد

وعن مسار العدالة الانتقالية، اعتبر المحامي عمار الشيخ بكري في حديثه لـ”ألترا صوت” أن تجريم “الأسدية” يمثل خطوة أساسية في طي صفحة عقودٍ من المظلومية والاضطهاد التي عانى منها عموم الشعب السوري. مشددًا على أن الاعتراف بهذه الجرائم وتجريم إنكارها لا يحمي الضحايا فحسب، بل يمنع استمرار شعورهم بالاضطهاد والظلم، مما قد يدفع بعضهم إلى استيفاء حقوقهم بأنفسهم أو حتى تشكيل مجموعات عسكرية لحماية أنفسهم، نتيجة فقدانهم الثقة بالدولة. ويضيف الشيخ بكري أن هذا التجريم يُعد تأكيدًا رسميًا من الدولة على ما تعرض له الضحايا من انتهاكات جسيمة، مما يسهم في تعزيز الشعور بالعدالة ويحدّ من أي اضطرابات مستقبلية.

ويتابع الشيخ بكري أن هذه الخطوة لا تقتصر على حماية الضحايا، بل تسهم أيضًا في إغلاق هذا الملف نهائيًا، مما يمنع العودة إليه للنقاش أو التفسير أو حتى الدفاع عنه، وهو ما يقطع الطريق أمام أي محاولات لإعادة تبرير تلك الجرائم أو إضفاء الشرعية عليها. مؤكدًا أن هذا التجريم يرسّخ وعيًا مجتمعيًا بأن ما حدث في سوريا أصبح من المحرمات المطلقة، ولا يمكن القبول به أو التفكير في تكراره تحت أي ظرف.

الخطوات المستقبلية

أكد الشيخ بكري لـ”الترا صوت”، أن المرحلة المقبلة تتطلب خطوات أساسية لضمان تطبيق الإعلان الدستوري الجديد، مشيرًا إلى أن أولويات المرحلة تبدأ بتشكيل مجلس شعب يمارس دوره التشريعي بفعالية، حيث لا يمكن تحقيق استقرار دستوري في أي دولة دون وجود سلطات ثلاث متوازنة تعمل وفق أسس واضحة.

موضحًا أن المهمة الأكبر ستقع على عاتق السلطة التشريعية، التي سيكون عليها العمل على تعديل القوانين القائمة أو إلغاء بعضها لتتوافق مع متطلبات المرحلة الجديدة والإعلان الدستوري. كما ستحتاج بعض المبادئ التي نص عليها الإعلان إلى تشريعات تفصيلية لوضعها موضع التنفيذ، إذ أن النصوص الدستورية وحدها لا تكفي لتفعيل القواعد القانونية دون إصدار تشريعات تكميلية.

وضرب مثالًا على ذلك بقضية تجريم “الأسدية”، مشيرًا إلى أن مجرد النص على هذا التجريم في الدستور لا يكفي لجعله نافذًا، حيث لا يمكن للقضاء الجزائي الاعتماد على القواعد الدستورية لإدانة الأفعال، ما لم يتم تعديل قانون العقوبات ليشمل هذا التجريم بشكل واضح ومحدد.

وأضاف أن هناك العديد من القوانين التي ستحتاج إلى إعادة صياغة أو تعديل، بما يضمن انسجامها مع المبادئ الجديدة التي أقرها الإعلان الدستوري، مشددًا على أن هذه التعديلات ستكون جوهرية في بناء نظام قانوني متكامل يعكس التحولات السياسية والدستورية في البلاد.

الترا صوت

—————————-

Farouk Mardam Bey

أودّ للردّ على بعض التعليقات التي وصلتني أن أوضّح بكلمات قليلة أسباب موقفي السلبي من الإعلان الدستوري.

كان الأفضل، أوّلاً، التريّث في شان ايّ إعلان دستوري، والقيام باستشارات واسعة قبل صياغته لأنّ اللجنة، أيّ لجنة، نُكلّف بها معيّنة بطبيعة الحال من قبل سلطة الأمر الواقع لا من سلطةٍ منتخبة.

أمّا وقد صار ما صار، فكان من الأفضل أيضاً تلافي الجدل في بعض الأمور الخلافيّة. اين تكمن المشكلة في تسمية بلادنا “الجمهورية السورية”؟ لا تنفي هذه التسمية عروبة السوريّين العرب ولا تستبعد غيرهم من المواطنين.

ثمّ، لنفترض أنّ صيغة ” دين رئيس الجمهوريّة الإسلام” هي الحلّ الوسطيّ المناسب، كما جاء في المذكّرة الإيضاحيّة، ما معنى عبارة ” الفقه الإسلامي هو المصدر الرئيس للتشريع”، مع العلم بأنّها تتناقض مع جميع الموادّ الواردة في الإعلان نفسه، الإيجابيّة منها والسلبيّة؟

ثمّة مواد ايجابيّة تنصّ على حماية التنوّع الثقافي واللغويّ وعدم التمييز بين المواطنين من حيث العرق أو الدين أو الجنس أو النسب، ولكن كان من الضروري تخصيص فقرة تتعلّق بالحقوق السياسيّة والثقافيّة الكرديّة بالنظر إلى الأهمّية القصوى للمسألة الكرديّة في سورية.

ثمّة مواد إيجابية أخرى تتعلّق بالحرّيات العامة والخاصّة، ومنها اعتبار المعاهدات والمواثيق الدوليّة لحقوق الإنسان جزءاً من الإعلان، ولكنّ الإعلان يتضمّن مادّةً (المادّة 23) تُقيّد هذه الحرّيّات لأسباب يرجع تقديرها إلى الحكومة وحدها، وهي حكومة أمر واقع غير منتخبة من الشعب، وتستطيع التعلّل بهذه الأسباب متى ما شاءت.

يُمكن، في صدد السلطة التشريعيّة، تلخيص المادّة 24 كما يلي. يُعيّن رئيس الجمهوريّة مباشرةً ثلث اعضاء مجلس الشعب، ويُعيّن هو أيضاً الثلثين الباقيين، بشكل غير مباشر، من خلال لجنة يُشكّلها، وتشكّل بدورها لجاناً “تنتخب” نوّاب الأمّة!

يُسمّي رئيس الجمهوريّة أعضاء المحكمة الدستوريّة العليا، ولكنّنا لا نعرف ما هي صلاحيّاتها. هل منها، على سبيل المثال، الاعتراض على قرارات رئيس الجمهوريّة وممارساته، وهو الذي سمّى أعضاءها؟ وإذا لم يكن هذا من صلاحيّاتها ولا من صلاحيّات أيّ هيئة أخرى فمعناه أنّ الرئيس غير مسؤول طوال خمس سنين، له فيها أن يتصرّف على هواه…

ولا يقلّ خطراً عن كلّ هذا العبث أنّنا موعودون بدستورٍ دائم تكتبه لجنة شبيهة باللجنة التي صاغت هذا الإعلان، ثمّ تُنظم انتخابات وفقاً له. والمعمول به في الدول التي تحترم شعوبها أن يصدر الدستور عن جمعيّة تأسيسيّة منتخبة.

والله غالبٌ في أمره!

++++++++++++++++++++++

ياسين السويحة

رغم الانتقادات لها، لم تكن فكرة المرحلة الانتقالية الطويلة بالسيئة، بل على العكس: في بلد محطم ومعقّد كسوريا، أنت بحاجة لوقت لبناء النظام السياسي الجديد بتأنٍ واعتناء بالتفاصيل، ووقت آخر للأخذ والرد وتحصيل أكبر قدر ممكن من القاعدة الشعبية لتمتين شرعية كل خطوة: للسياسة، باختصار.

لكن ما يحصل في سوريا ليس هذا: لدينا مرحلة انتقالية طويلة، خمس سنوات؛ وكل خطوة سياسية أُجريت حتى الآن كانت عبارة عن سلوَقة متعجلة وغير مكترثة بأي اعتناء بتفاصيلها، وفي كل مرة طولب الآخرون أن يلهثوا وراءها، مبررين أو معترضين. هذا حصل مع “مؤتمر النصر”، ثم مع اللجنة التحضيرية ل”مؤتمر الحوار”، ومؤتمر الغفلة نفسه، وصولاً للجنة الإعلان الدستوري، والإعلان نفسه.

الأهم، برأيي، ليس نقاش الإعلان الدستوري الصادر بالأمس (والذي تأخر نشر نصّه وظهر لأول مرة، ياللصدفة، على تلغرام!) من باب تفاصيله ومواده، بل في شكل إصداره، من صاغه وكيف تمت الموافقة عليه، بما في ذلك “حفل التوقيع”، الذي لهيبته والاعتناء فيه أهمية فائقة، بل وتاريخية، في لحظات تأسيسية.. نحن في لحظة تأسيسية، أليس كذلك؟

حسناً، يقول الإعلان الدستوري، وحفل التوقيع عليه، إننا أمام شيء يخص (نمطاً خاصّاً جداً من) العرب-السنّة وحدهم دون شريك رمزي أو فعلي. هؤلاء صاغوا، وهؤلاء وافقوا، وهؤلاء وحدهم حضرت “قياداتهم الروحية” حفل التوقيع. لديك طرف كردي يُسيطر على ثلث البلد، ويفترض أن توقيعك اتفاقاً معه قبل أيام كان أعظم خبر للسوريين في لحظة بالغة الصعوبة، قد استُبعد رمزياً وفعلياً من لحظة تأسيسية لبلدٍ عليه أن يقتنع بكعب البندقية أنه بلده أيضاً. وهذا عدا عن المشهد اليومي المؤسف للعلاقة مع السويداء، الذي ليته لا يحصل في بلد على حافة الهاوية كبلدنا كي نتمكن من قول أنها “كاريكاتيرية”. وعداك العلويين الذين تعرضوا لهجمة إبادية قبل أيام قليلة، وعداك طوائف وجماعات أخرى. نعم، أتحدث عن مكونات وطوائف لأنها العنوان الطاغي على البلد اليوم، مهما ساءنا، ولأن الخطاب العام، هوساً بها أو مكابرةً، يمر كله عبرها، وغالبه عندها يتوقف.

الفرقة الحاكمة ومن يواليها لديهم وَهم غَلبة وتمكّن ووسِع على كامل سوريا غير صحيح، وسيرتد عليهم إن أصرّوا على التمسّك به. سوريا أوسع وأعقد من هذا بكثير، ليس فقط بطوائفها وقومياتها.. بل بعربها السنّة قبل كل شيء.

ونعم، يجب أن نتحدث عن طوائف وضرورة حضورها في للحظات التأسيسية. ليتنا مواطنون أفراد وعلاقتنا التعاقدية مع دولتنا تمر عبر فردانيتنا الدستورية. ليس هذا الوضع، ولن يكون كذلك طالما من يحكم ومن يوالونه عرب-سنّة “هالكُثُر”، وبهذا النمط الخاص جداً من العروبة-السنّية؛ وليس لديهم تجاه من ليس مثلهم إلا ازدراءً لرغبتهم عن التمايز عن ذلك.

طريق هذا البلد ليس بخير. عشمي، إن كنت أتمسك بقشّة، هو أن يفعل التعب المعمّم فعله ويضمن لنا بعض الاستقرار والهدوء، حتى لو كان هدوء ضواحي مقبرة؛ وعشمي على عشمي الأول، أيضاً، أن هناك الكثير الكثير من العقلاء موجودون اليوم بصمت وسط حفلة الانتصار هذه، وربما مع بعض الاستقرار والهدوء يعلو صوتهم قليلاً.

———————–

في نقد الإعلان الدستوري

Ahmad Nazir Atassi

أولاً – أمور عامة

– إنه دستور كامل وليس إعلاناً دستورياً. الإعلان يكون مختصراً ويشمل مواد أساسية لا يمكن العمل دونها. وهو يقوم على الدستور السابق (حذفاً وتعديلاً) وليس على دستور عام 1950. ولا أفهم تمييز هذا الدستور القديم عن بقية الدساتير (أليس لأنه دستور الإخوان المسلمين؟). لا يمكن أن تفرض ما قرره الشعب من سبعين سنة على الشعب الآن.

– مقدمة الدستور عادة تعبر عن روحه والأفكار الأساسية التي حكمت صياغته. أما هذا الدستور فمقدمته موضوع تعبير إنشائي وتعابير ممضوغة ووطنيات لا تغني من جوع.

– من يوم قيام الثورة والناس تتحدث عن “الحرية والكرامة”. ونشهد اليوم تكرار هذا الشعار في المقدمة وعدة مرات في النص. إنه شعار فارغ سياسياً وتوجست منه خيفة من أول يوم لأنه لا يحتوي على أي محتوى سياسي أو فلسفي أو حتى قانوني، فكيف يصبح الشعب حراً وكيف تعود إليه كرامته؟ ما هو المعنى القانوني لحرية الشعب أو كرامته؟ ما هي التطبيقات العملية لهذا الشعار؟ ما هي الأدبيات السياسية والفلسفية والقانونية التي يمكن العودة إليها من أجل شرح هذا الشعار؟ فإذا كانت صياغة الدستور تقوم على روح هذا الشعار فإن الصياغة لابد غامضة بقدر غموض الشعار. وهذا فعلاً ما حصل.

– لا تنص المقدمة على أن هذا الإعلان مؤقت ويضبط مرحلة إنتقالية. ورد ذكر كلمة إنتقالية مرتين أو ثلاث مرات دون توضيح لطبيعتها ولدور الدستور فيها (لدينا فقط مادة تحدد مدتها).

– تحيل المقدمة إلى إعلان النصر كموحي للدستور وليس إلى مخرجات مؤتمر الحوار الوطني الذي ورد ذكره في معرض الحديث فقط.

– لا تحتوي المقدمة على أي شرح للحيثيات التي اضطرت الحكومة إلى اللجوء إلى دستور بقرار وليس إلى دستور بمجلس شعب منتخب أو مؤتمر تأسيسي منتخب. وكل ما تقوله هو أن الرئيس (غير المنتخب) أقر هذا الدستور. هناك حالة غير دستورية أدت إلى دستور غير خاضع لاستفتاء شعبي، ويجب أن يتم شرح هذا الحالة في المقدمة وما تأثيراتها على الدستور المؤقت، الذي لا يسمي نفسه دستوراً مؤقتا.

– من الواضح أن المرحلة الإنتقالية تقوم على فكرة الديكتاتور العادل أو المتنور وعلى فرضية أنه من المتعذر استفتاء الشعب على دستور دائم. لماذا لم تشرح المقدمة الأسباب التي أدت إلى تعذر الإستفتاء، ولماذا لم تشرح مبررات وضع تلك الثقة العمياء بقائد واحد؟

-هناك عشرات المصطلحات التي ليس لها تعريف ضمن الدستور مثل نظام سياسي، نظام عام، ديانات سماوية، رسمية، جمهورية، … ما هو المرجع لتعريفها. يجب أن يشمل الإعلان الدستوري على مادة تحيل إلى نصوص أو أدبيات لتعريف تلك المصطلحات وتوضيح كل ملتبس في النص.

ثانياً- الأحكام العامة

– المادة الأولى. تنص المادة على أن سوريا دولة مستقلة، وهي ليست مستقلة. فهذه المادة لا معنى لها إذاً من حيث إنفاذ الإستقلال، إنها تؤكد على كونها مستقلة نظرياً. وتنص المادة على أنه لا يمكن التخلي عن أي جزء من البلد دون أن تسمي حدوده (وتخلط بين البلد والدولة). فإذا بقي الجولان مثلا في يد إسرائيل فيكفي الحكومة أن تعلن أنها لن تتخلى عن الجولان لتكون منفذة للدستور. فالدستور لا ينص على إستعادة أي أراض لا تخضع للدولة المركزية. لنعتبر ذلك نوعاً من الاعتراف بالأمر الواقع. ولذلك فهو إعلان دستوري وليس دستوراً. المادة كلها دون معنى فالدولة ليست ملزمة بأكثر من تصريح وشجب وعدم التخلي العلني والقانوني.

-المادة الثانية (مثل الاولى) غير ضرورية وكان من الافضل وضعها في المقدمة لأنها مادة فلسفية وليست ناظمة لأي شيء.

– المادة الثالثة: عن أي إسلام نتكلم وكيف نتأكد أن الرئيس مسلم؟ هل يجب أن ينطق الشهادتين أمام شهود أم يجب أن ينطق عقيدة ابن حنبل. وهل يحتاج المرشح للرئاسة إلى فتوى من جهات معترف بها لتؤكد إسلامه أم يكفي ان يقول عن نفسه أنه مسلم. وماذا عن الذي دخل الإسلام لتوه فقط ليصبح رئيساً. ماذا عن الإسلام الشيعي الإثني عشري أو الإسماعيلي، من يعطيهم شهادة حسن إسلام. وماذا عن الدروز الذي يقول بعضهم بأنهم ليسوا مسلمين. وماذا عن العلويين الذي يزعم بعض المشايخ السنة أنهم كفار. وماذا عن الازيديين. وماذا عن المرتدين عن الإسلام هل هم مسلمون بحكم الولادة. وكيف لدستور يضمن المساواة بين المواطنين وثالث مادة فيه تقسمهم إلى فئتين فئة يحق لها وفئة لا يحق لها. وهل إذا حصلت على فتوى أن الرئيس الحالي مرتد عن الإسلام بحكم قتله للنفس بغير حق (أو أي سبب تكفيري) هل هذا يُسقط عنه الرئاسة مباشرة. وكما قال أحدهم فإن هذه الصياغة تستثني المسيحيين واليهود فقط، فلماذا هذا الإستهداف.

– ما معنى أن الفقه الإسلامي هو المصدر الرئيس للتشريع. عن أي فقه يتكلمون المدارس الأربعة أم الفقه الجعفري أم الإسماعيلي أم الدرزي أم العلوي. وما هي مصادر التشريع الفرعية. وهل تعني كلمة مصدر أن أية مقولة في الفقه الإسلامي يمكنها أن تصبح قانوناً أو مشروع قانون. وما هي الكتب الفقهية المعتمدة. وبأية صيغة تصبح المقولة الفقهية قانوناً أو مصدراً للقانون، هل بصيغة فتاوى ابن تيمية أم فتاوى ابن باز أم فتاوى البوطي.

– الدولة تعترف بالديانات السماوية. وماذا عن الديانات غير السماوية. ومن يضع تعريف الديانات السماوية وما هو معيار سماويتها. وماذا عن عقيدة اللادينية أو اللاإلهية هل هي مصونة. وماذا عن البوذية مثلاً أو الهندوسية.

– عدم الإخلال بالنظام العام، هل ينطبق هذا على الصلوات في الأماكن العامة. من يحدد الإخلال بالنظام العام، وما هو تعريف النظام العام.

– باعتبار أن “حرية الإعتقاد مصونة” جاءت قبل “الأديان السماوية” فهل تلك الأديان تعريف للعقيدة أم أنها جزء من كل، والعقيدة تشمل أكثر من الأديان السماوية. ولماذا لا تحترم الدولة الأديان غير السماوية وكيف سيكون عدم الإحترام هذا.

– المادة الرابعة لا داعي لها على الإطلاق. لماذا يحدد الإعلان الدستوري لغة الدولة. وما معنى رسمية؟

-المادة السادسة. رياضياَ كيف يكون الطول ثلثي العرض. في المستطيل، الطول هو الضلع الأطول، فإذا كان أحد الأضلاع كسراً من الضلع الآخر فهو بالتعريف الرياضي العرض لأنه الأقصر. يمكن مثلاً أن يقولوا أن العرض ثلثي الطول. وهل النجمات خماسية أم سداسية.

(مليت … يتبع، يكسر إيديهم هالخبراء)

——————–

جماعة كردية سورية ترفض الإعلان الدستوري الجديد

تحديث 14 أذار 2025

رفضت الجماعة التي يقودها الأكراد وتحكم شمال شرق سوريا اليوم الجمعة الإعلان الدستوري الذي أصدرته الإدارة الجديدة التي يقودها الإسلاميون في دمشق ودعت إلى إعادة صياغته.

ويهدف الإعلان الدستوري، الذي صدر أمس الخميس، إلى وضع الأساس لفترة انتقالية مدتها خمس سنوات بقيادة الرئيس أحمد الشرع، الذي قاد هجوما خاطفا للمعارضة المسلحة أطاح بالرئيس السابق بشار الأسد في ديسمبر كانون الأول بعد حرب أهلية استمرت 14 عاما.

وأكد الإعلان الدستوري أن الفقه الإسلامي مصدر أساسي من مصادر التشريعي ونص على حرية الرأي. لكن مجلس سوريا الديمقراطية، بقيادة الأكراد، قال إنه لم ينص على ما يكفي لحماية حقوق مختلف مكونات المجتمع السوري.

وفي الوقت نفسه، دعا مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا جير بيدرسن من جنيف السلطات الجديدة في دمشق إلى تشكيل حكومة انتقالية تشمل الجميع وإجراء تحقيق في أعمال العنف الطائفي الأخيرة التي أودت بحياة المئات.

وقال في بيان تلاه متحدث باسمه في الذكرى الرابعة عشرة لاندلاع الانتفاضة ضد الأسد والتي تحولت إلى حرب شاملة “تمر سوريا الآن بلحظة فاصلة”.

وخلال الحرب الأهلية، أقامت السلطات الكردية في شمال شرق سوريا نظام حكم ذاتي بعد عقود من التهميش في ظل حكم عائلة الأسد.

ويخشى الأكراد أن تحرمهم القيادة الجديدة في دمشق من كثير من حقوقهم، ومن بينها تعليم اللغة الكردية في المدارس وتولي النساء مناصب قيادية.

وقال مجلس سوريا الديمقراطية في بيان مكتوب اليوم الجمعة إنه يرفض الإعلان الدستوري الذي وقعه الشرع “رفضا تاما” ووصفه بأنه يعيد “إنتاج الاستبداد بصيغة جديدة” ويمنح السلطة التنفيذية صلاحيات مطلقة.

وأضاف البيان موضحا أسباب رفض الإعلان الدستوري أن المسودة “تكرس الحكم المركزي وتمنح السلطة التنفيذية صلاحيات مطلقة، بينما تقيد العمل السياسي وتجمد تشكيل الأحزاب، مما يعطل مسار التحول الديمقراطي، كما تتجاهل المسودة غياب آليات واضحة للعدالة الانتقالية، مما يزيد تعميق الأزمة الوطنية”.

وطالب البيان بإعادة صياغة الإعلان الدستوري لتوزيع السلطات والصلاحيات بشكل أكثر عدالة وتبني نظام حكم غير مركزي.

وقال المجلس “أي إعلان دستوري يجب أن يكون نتاج توافق وطني حقيقي، وليس مشروعا مفروضا من طرف واحد”.

ومجلس سوريا الديمقراطية هو القيادة السياسية لقوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة التي وقعت اتفاقا يوم الاثنين مع حكومة دمشق للاندماج في مؤسسات الدولة الجديدة وتسليم المعابر الحدودية الرئيسية وحقول النفط ومطار لسيطرة الحكومة.

ومن المقرر أن يتم تنفيذ ذلك بحلول نهاية العام لكن الاتفاق لم يحدد كيفية دمج العمليات العسكرية لقوات سوريا الديمقراطية في وزارة الدفاع السورية.

وقال بيدرسن في بيانه إنه يأمل أن يدفع الإعلان الدستوري الذي وقعه الشرع سوريا باتجاه استعادة حكم القانون وتنفيذ عملية انتقال منظم.

ووعد الشرع بإدارة سوريا بطريقة شاملة لا تقصي أحدا لكنه يواجه مشكلات بسبب تبعات موجة من أعمال العنف الطائفية في منطقة الساحل تورط فيها مقاتلون مرتبطون بحكومته.

ودعا بيدرسن إلى إجراء تحقيق مستقل في ما وصفها بأنها “أعمال عنف مروعة”.

وقال “في هذا الصدد، يمكن لمناخ من الخوف وانعدام الثقة أن يعرض العملية الانتقالية بأسرها للخطر”.

(رويترز)

——————————–

إجماع كردي على رفض «الإعلان الدستوري» السوري

لأنه لا يضمن حقوق المكونات القومية والدينية

دمشق: كمال شيخو

14 مارس 2025 م

بعد أجواء تفاؤلية أعقبت توقيع الاتفاق بين رئيس الإدارة الانتقالية لسوريا أحمد الشرع وقائد «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) مظلوم عبدي، جاء «الإعلان الدستوري» للحكم الانتقالي بدمشق لخمس سنوات مقبلة، بمثابة صدمة للأوساط الكردية.

وسارع «مجلس سوريا الديمقراطية» (مسد) إلى اعتبار أن «الإعلان الدستوري» لا يتماشى مع «الشرع – عبدي»، ويشكل تراجعاً عن التفاهمات السابقة، في حين أعلن «المجلس الوطني الكردي» رفضه له لأنه مكتوب بعقلية «أمة واحدة ودين واحد، دون ضمان حقوق المكونات القومية والدينية المتنوعة في البلاد».

وأعلن مجلس «مسد» المظلة السياسية لقوات «قسد» رفضه التام للإعلان الدستوري، وقال في بيان نشر على موقعه الرسمي، الجمعة، إن هذا الإعلان «لا يعكس تطلعات الشعب السوري ولا يحقق التحول الديمقراطي المنشود»، وحذر هذا التحالف السياسي للأحزاب الموجودة في مناطق الإدارة الذاتية من إعادة إنتاج الاستبداد بصيغة جديدة، «ستكرس الحكم المركزي وتمنح السلطة التنفيذية صلاحيات مطلقة، بينما ستقيد العمل السياسي وتجمّد تشكيل الأحزاب وستعطل مسار التحول الديمقراطي وتعمق الأزمة الوطنية»، كما ورد في البيان.

وأكدت ليلى قره مان، الرئيسة المشتركة لمجلس «مسد»، رفض أي محاولة لإعادة إنتاج الديكتاتورية تحت غطاء الدستور والمرحلة الانتقالية. وقالت لـ«الشرق الأوسط» إن أي إعلان دستوري «يجب أن يكون نتاج توافق وطني حقيقي، وليس مشروعاً مفروضاً من طرف واحد». وطالبت بإعادة صياغة الإعلان بما يضمن توزيع السلطات والحقوق بشكل عادل، «لضمان حرية العمل السياسي، والاعتراف بحقوق جميع المكونات السورية، واعتماد نظام حكم لا مركزي ديمقراطي، مع وضع آليات واضحة لتحقيق العدالة الانتقالية».

وشدّدت قره مان على أن سوريا وطن لجميع أبنائها. وقالت: «لن نرضى بإعادة بناء النظام الاستبدادي».

وتطرح الإدارة الذاتية و«قسد» ومجلسها السياسي «مسد» النظام الفيدرالي كنظام حكم جديد لسوريا المستقبل، وتقدم اللامركزية بمثابة إصلاح دستوري يعزز استقرار البلاد، وليس للتقسيم، وتأكيدها أن توزيع السلطات لا يعني تفكيك الدولة، بل يضمن مشاركة جميع المكونات في الحكم، فيما أثار «الإعلان الدستوري» انتقادات حادة في الأوساط السياسية والشعبية الكردية واعتبر الكثيرون أنه «يتنافى» مع تنوع سوريا، ويضم بنوداً تتشابه مع حقبة حكم حزب «البعث».

وعبر شلال كدو، عضو الأمانة العامة لـ«المجلس الوطني الكردي»، عن موقفه الرافض للإعلان. وقال في مقابلة تلفزيونية بثتها شبكة «رووداو» الإعلامية الكردية، الخميس، إن الإعلان «كُتب بعقلية تقوم على أمة واحدة ودين واحد، ولم يضمن حقوق المكونات القومية والدينية في البلاد».

واعتبر كدو أن دستور سوريا لعام 1920 كان أفضل بكثير من «الإعلان الدستوري». وأضاف أن «هذه الخطوة خطيرة في بلد متعدد القوميات والمكونات وأعتقد أن سوريا لا يمكن أن تُدار بهذا الدستور المؤقت، وستبرز العديد من المشاكل بسببه».

وكان الاتفاق المبرم بين الشرع وعبدي ينص على الاعتراف بالمكون الكردي بوصفه «مجتمعاً أصيلاً في الدولة السورية، عانى طيلة عقود خلال حكم آل الأسد من تهميش وإقصاء»، كما نص على ضمان حقوق جميع السوريين في «التمثيل والمشاركة في الحياة السياسية وجميع مؤسسات الدولة»، في موازاة «رفض دعوات التقسيم وخطاب الكراهية».

————————–

 “الإعلان الدستوري” في سوريا .. هل يحقق العدالة للأقليات؟

الحرة – واشنطن

15 مارس 2025

وقَّع الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع، الخميس، مُسوَّدة الإعلان الدستوري الذي حدَّد المرحلةَ الانتقاليةَ في البلاد بـ5 سنوات، مشيداً بما وصفه بـ”تاريخ جديد” في البلاد.

وأعلنت لجنة صياغة الإعلان الدستوري السوري أنه تقرَّر حصر السلطة التنفيذية بيد رئيس الجمهورية في المرحلة الانتقالية “لضمان سرعة التحرك، ومواجهة أي أحداث في تلك المرحلة”.

الوثيقة حصرت جميع السلطات لدى الشرع بما فيها تعيين ثلث أعضاء مجلس الشعب ورئاسة مجلس الوزراء وتعيين أعضاء المحكمة العليا.

وأثارت هذه الوثيقة ردود فعل متباينة، بين من اعتبرها خطوة تكرّس إعادة إنتاج “حكم الفرد الواحد” وآخرين التمسوا فيه العديد من الإيجابيات.

لكن كيف ترى الأقليات وبقية المكونات والقوى السياسية هذا الإعلان؟ هل هو فعلاً وثيقة معتمدة لمرحلة انتقالية أم أنه تمهيد لسلطة شخص بات يمسك بكل مفاصل الدولة بيده؟

حسام ميرو، رئيس الحزب الدستوري السوري والمنسق العام لتحالف دعم الديمقراطية والحريات، قال من برلين إن الوثيقة التي أعلنها الشرع “تقترب أكثر من أن تكون صيغة دستور بدلاً من أن تكون إعلانًا دستوريًا”.

وأعتبر أن الإعلان الدستوري المفترض في هذه المرحلة الانتقالية يجب أن يتضمن فقط النقاط الأساسية التي تتعلق بتسيير شؤون الدولة بشكل مؤقت.

وأبدى ميرو استغرابه من أن الوثيقة التي أعلنها الشرع تحتوي على “نقاط دستورية معقدة ومثيرة للجدل”، مشيرًا إلى أنها تحتاج إلى نقاش واسع قبل أن يتم التوصل إلى توافق حولها.

وأكد أن الشرع كان من المفترض أن يعمل على توفير الظروف المناسبة لإجراء هذه النقاشات خلال المرحلة الانتقالية، لكي تتم مناقشتها والاتفاق عليها في مرحلة لاحقة.

وأضاف ميرو، في لقاء مع قناة الحرة، أن المجتمع السوري يتميز بتنوعه القومي، حيث يضم أكرادًا وآشوريين وتركمانًا وشركسًا وغيرهم من الفئات، التي عانت من التهميش والظلم خلال فترة حكم بشار الأسد. وكانت هذه الفئات تطالب بعد التغيير بأن يُعترف بوجودها في الدستور الجديد “كشعب على هذه الأرض”.

وأوضح ميرو أن الإعلان الدستوري الجديد أغفل هذه النقطة، وذلك من خلال الصياغة التي اعتمدها الشرع في تحديد هوية الدولة على أنها “الجمهورية العربية السورية”، بدلًا من تلبية المطالب بتحويل الاسم إلى “الجمهورية السورية”، كما كان الحال في السابق.

وأضاف أن هذا التوجه من الشرع سيبقي “نار الحرب الأهلية مشتعلة” بين هذه المكونات، التي قال إنها لا تجد لها تمثيلًا حقيقيًا في الدستور الجديد.

وأكد ميرو أن الدستور يجب أن يكون عقدًا تفاوضيًا قانونيًا بين جميع الأطراف، مشيرًا إلى أن الشرع لم يتبع الخطوات اللازمة لإدارة شؤون الدولة في المرحلة الانتقالية، والتي كان يجب أن تتضمن مرحلة تفاوضية بعد انهيار الدولة، تشمل التشاور مع كافة المكونات السياسية والقومية.

واستغرب ميرو من وجود بند في الوثيقة ينص على “المساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات”، متسائلًا عن كيفية تحقيق هذه المساواة بين مسيحي لا يستطيع التنافس على المناصب الحكومية وبين مواطن مسلم.

    الإعلان الدستوري للجمهورية العربية السورية#رئاسة_الجمهورية_العربية_السورية pic.twitter.com/w5rtpoxDER

    — رئاسة الجمهورية العربية السورية (@G_CSyria) March 13, 2025

وتتألف الوثيقة المؤقتة من أربعة أبواب و53 مادة، وترسم المسار الذي ستمضي عليه البلاد ورئيسها الانتقالي، الشرع على صعيد عملية التنفيذ والتشريع والقضاء.

وبموجب الإعلان، سيتولى الشرع عدة مهام، فبالإضافة إلى رئاسة الجمهورية، سيجمع مناصب رئيس الوزراء، والقائد العام للجيش والقوات المسلحة، ورئيس مجلس الأمن القومي.

ومنح الإعلان الدستوري، الشرع، القدرة على إعلان حالة الطوارئ بموافقة مجلس الأمن القومي الذي هو من يختار أعضاءه بنفسه. وله حق الاعتراض على القوانين التي يقرها البرلمان ولا يمكن كسر هذا الاعتراض إلا بأغلبية الثلثين.

كما أن للشرع صلاحية تشكيل لجنة عليا تختار ثلثي أعضاء البرلمان، إلى جانب الثلث الذي يعينه بشكل مباشر، وصلاحيات أخرى لتعيين قضاة المحكمة الدستورية.

وأبقى الإعلان الدستوري على “الفقه الإسلامي المصدر الأساسي” للتشريع والإسلام دين رئيس الدولة.

كما نصّ “على مجموعة كبيرة من الحقوق والحريات منها حرية الرأي والتعبير والإعلام والنشر والصحافة”، إضافة إلى “حق” المرأة “في المشاركة بالعمل والعلم وكفل لها الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والسياسية”.

ومن بين البنود التي تضمنها الإعلان الدستوري، “ضرورة تشكيل لجنة لكتابة دستور دائم”.

الحرة – واشنطن

————————————

إعلان دستوري لإدارة سوريا… والشرع: تاريخ جديد يستبدل الجهل والعذاب بالعلم والرحمة

جانبلات شكاي

عد 11 يوماً من تكليفه لجنة لصياغة مسودة الإعلان الدستوري، وقّع رئيس المرحلة الانتقالية في سوريا أحمد الشرع، أمس الخميس، في قصر الشعب، على الإعلان الدستوري.

وقال عقب تسلمه مسودة الإعلان: “نأمل أن يكون ذلك فاتحة خير للشعب السوري على طريق البناء والتطور، ونتمنى أن يكون هذا تاريخ جديد لسوريا نستبدل به الجهل بالعلم والعذاب بالرحمة”.

وتتوزع بنود الإعلان على أربعة أبواب. وهو نصّ على مبادئ عدة من أبرزها “الفصل المطلق” بين السلطات.

وتلا عضو لجنة صياغة الإعلان عبد الحميد العواك أبرز بنود المسودة خلال مؤتمر صحافي في القصر الرئاسي، بحضور الشرع ووزير الخارجية أسعد الشيباني.

وحدّد الاعلان الدستوري، وفق البنود التي تلاها العواك “المرحلة الانتقالية بخمس سنوات” على أن يتم “إحداث هيئة لتحقيق العدالة الانتقالية” بهدف “تحديد سبل المساءلة ومعرفة الحقائق وإنصاف الضحايا والناجين” في النزاع المدمّر الذي اندلع اعتبارا من عام 2011. وفيما يتعلق بعمل السلطات، جاء في الإعلان الدستوري “لأن مبدأ الفصل ما بين السلطات كان غائبا عن النظم السياسية، تعمّدنا اللجوء إلى الفصل المطلق بين السلطات” بعدما عانى السوريون “سابقا من تغوّل رئيس الجمهورية على باقي السلطات”.

ويعود للرئيس الانتقالي “تعيين ثلث” أعضاء مجلس الشعب الذي يتولّى “العملية التشريعية كاملة وبشكل منفرد”، حسب الإعلان الدستوري.

ووفق العواك، سيصار في المرحلة المقبلة إلى تشكيل هيئة عليا للانتخابات ستتولى الإشراف على انتخابات اختيار أعضاء مجلس الشعب.

ويتولّى رئيس الجمهورية السلطة التنفيذية، على أن يساعده الوزراء في مهامه، في خطوة، قال العواك إنها تشكل “خيارا مناسبا مبنيا على ضرورة سرعة التحرك لمواجهة أي صعاب أو أحداث في المرحلة الانتقالية”.

ومنح الإعلان الرئيس صلاحية استثنائية واحدة، وهي إعلان حالة الطوارئ. وأكد “استقلالية” السلطة القضائية و”منع إنشاء المحاكم الاستثنائية” التي عانى منها السوريون كثيرا في الحقبات الماضية.

وأبقى الاعلان الدستوري على “الفقه الإسلامي المصدر الأساسي” للتشريع والإسلام دين رئيس الدولة.

كما نصّ الاعلان الدستوري، وفق العواك، “على مجموعة كبيرة من الحقوق والحريات منها حرية الرأي والتعبير والإعلام والنشر والصحافة”، إضافة الى “حق” المرأة “في المشاركة بالعمل والعلم وكفل لها الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والسياسية”.

ومن بين البنود التي تضمنها الإعلان الدستوري “ضرورة تشكيل لجنة لكتابة دستور دائم”.

وأمل العواك أن يشكّل الإعلان الدستوري “رافعا ومعينا للدولة السورية أرضا وقيادة وشعبا في هذه المرحلة الانتقالية الممهدة لمزيد من الاستقرار”.

ولا يتيح الإعلان الدستوري، وفق ما قال العواك في مؤتمر صحافي عقده لاحقا، إمكانية عزل رئيس الجمهورية.

وقال ردا على سؤال صحافي إن “القضية الأساسية، لا يستطيع رئيس الجمهورية أن يعزل نائبا، ولا مجلس الشعب يعزل الرئيس، لأنه نظام رئاسي، هكذا هو نظامه، ومطبّق في أمريكا وفي تركيا والعديد من الدول”.

———————–

إيكونوميست: الوقت ينفد من الشرع وعليه مشاركة السلطة قبل أن تتفكك سوريا/ إبراهيم درويش

تحديث 14 أذار 2025

قالت مجلة “إيكونوميست” في افتتاحيتها، إن الوقت ينفد من رئيس سوريا أحمد الشرع، ويجب عليه التشارك في السلطة من أجل الحفاظ على وحدة بلاده.

ورأت المجلة أن سوريا شهدت أسوأ عنف طائفي منذ سقوط نظام بشار الأسد قبل ثلاثة أشهر، وربما منذ الهجمات الكيماوية على الغوطة الشرقية في عام 2013. وقد صُدم البلد الذي يشعر بوقع الديكتاتورية والحرب الأهلية.

ويُعتقد أن 800 شخص قُتلوا من مناطق الساحل السوري التي تعتبر معقل الطائفة العلوية التي تنتمي إليها عائلة الأسد.

وترى المجلة أن العنف يكشف عن المعضلة التي تواجه سوريا، والتي تتمثل في حكم البلد، فهل سيظل الحكم فيها مركزيا تتجمع السلطات في يد الحكومة المركزية التي ستكون قادرة على إرساء النظام والقانون، مع أن الرئيس أحمد الشرع، هو جهادي سابق وبالتزام مشكوك فيه لشمل الآخرين بمشروع بناء البلد؟ أم هل يجب على الأقليات الحفاظ على الأمن في المناطق التي تعيش فيها، حتى لو كان هذا على حساب تفكك البلد؟

وتعلق المجلة أن أسباب الأحداث الأخيرة لا تزال غامضة، وأفضل تكهن هو أن مقاتلين من الأقلية العلوية قاموا بمهاجمة  قوات الحكومة والمستشفيات. وردا على ذلك، سارعت ميليشيات سنية في قوافل ودخلت القرى والبلدات وقتلت مدنيين وأحرقت بيوتا، بحسب المجلة. وقالت إن الفيديوهات كشفت عن إجبار السكان على النباح كالكلاب قبل إطلاق النار عليهم.

وتعتقد المجلة أن الميليشيات السنية هي على الأرجح المسؤولة عن معظم القتل. والتفسير الخبيث هو أن الشرع لم يكن مستعدا للحد من قوة المتطرفين بين أنصاره. ولكن التفسير الأكثر سخاء هو أنه كان بطيئا في الرد على الأحداث، وحكومته ليست مسيطرة على الوضع. وتقول إن العنف في مناطق العلويين هو علامة على تفكك سوريا.

ففي شمال سوريا، للجماعات الكردية جيوبها الخاصة. وفي الجنوب، لميليشيات أخرى، بما فيها ميليشيات يقودها الدروز، مجال نفوذ. وتتدخل القوى الخارجية إما بذريعة حماية حدودها من الفوضى، أو لاغتنامها الفرصة للسيطرة على مستقبل سوريا. وتدعم إسرائيل الدروز، وتركيا تدعم الجماعات العربية السنية، وأمريكا تساند الأكراد.

ورغم دورها كأقوى منقذ لنظام الأسد المكروه، فلا تزال روسيا متكاسلة في الرد على أمل الاحتفاظ ببعض النفوذ، وربما الوصول إلى قواعدها الجوية والبحرية.

وتعلق المجلة أن الشرع حتى الآن كان مخيّبا للآمال. فخبرته السابقة كانت إدارة نظام غير ليبرالي في مدينة إدلب من خلال جماعته، هيئة تحرير الشام. وحتى الآن، يدير سوريا كزعيم ميليشيا. فقد تخلف عن المواعيد النهائية لتشكيل حكومة شاملة وإصدار إعلان دستوري وتعيين هيئة تشريعية، ولم يعبّر عن التزام بالقوانين العلمانية، ولم يظهر إلا تسامحا ضعيفا. ومع ذلك، فإن عيوب حكومته تعكس أيضا ضعف الدولة السورية. فهي لا تملك سوى عدد قليل نسبيا من القوات الخاضعة لسيطرتها المباشرة. كما أن الميليشيات العرقية المختلفة تتفوق على الجيش والشرطة عددا وعتادا.

وتحتاج سوريا حكومة مركزية، قادرة على استخدام سلطاتها لتفويض السلطات إلى المحافظات. وعلى الغرب رفع العقوبات الاقتصادية التي فرضها لمعاقبة نظام الأسد البغيض، والتي تسبب حاليا ضائقة مالية خانقة.

لكن المسؤولية تقع على عاتق الشرع، وفق ما ترى المجلة. ففي هذا الأسبوع وبعد المجازر، اتخذ بعض الخطوات الإيجابية. فقد شكّل لجانا للتحقيق في العنف الطائفي، ووقّع اتفاقية لاندماج قوات سوريا الديمقراطية في قوات الأمن السورية. ولكنه بحاجة لعمل المزيد، ويجب تطهير جيشه من المتطرفين ودعوة المزيد من المعتدلين للانضمام إليه بحيث يكون لديه قوة الرد ولا يظهر على أنه أداة القوة السنية. كما يجب عليه تشكيل مؤسسات ووضع جدول زمني للانتخابات التي قد تطمئن السوريين بأن الحكومة القوية لن تكون تعبيرا عن القوة السنية. وعليه تفويض المزيد من السلطات إلى المناطق.

فإعادة بناء سوريا هي لعبة ثقة، فلو اعتقد المزيد من الناس بأن هناك مستقبلا متناغما، ستزداد فرص تحقيق ذلك. لكن مجزرة أخرى في عهد الشرع قد تنهي هذه اللعبة.

وقالت المجلة إن الأحداث التي جرت في 6 آذار/ مارس، حوّلت مناطق في الغرب السوري إلى “محور كارثة” حيث انتشرت الجثث في الشوارع، وفرّ الناس إلى الغابات أو إلى لبنان. وتقول إن الشرع يبدو أنه متردد بين ماضيه الجهادي وحاضره كرئيس، مشيرة إلى الفيديو الذي أصدره في أول يوم من الأحداث حيث حفل بالإشارات الدينية، وأجج فيه الصراعات وأشاد بـ”مقاتلينا الشرفاء”.

لكن مع تصاعد التوتر في البلاد، غيّر الشرع مساره بمهارة. ففي خطاب مصور ثان بعد يومين، تظاهر بأنه زعيم أمة، لا زعيم طائفة. ولأول مرة منذ توليه السلطة، عيّن علويين في مناصب قيادية وضمّهم إلى لجنتين: إحداهما للتحقيق في أعمال العنف، والأخرى لاستعادة “السلم الأهلي”.

وتبع ذلك في اليوم التالي، إعلان الاتفاق على دمج قوات سوريا الديمقراطية بقوات الأمن الحكومية. وهناك اتفاق محتمل مع الدروز الذين تحاول إسرائيل إغراءهم. ودعا الشرع في 11 آذار/ مارس الأئمة على حفل إفطار رمضاني ودعاهم للحديث عن المساواة بين كل الطوائف السورية في خطبهم ودروسهم الدينية. وكان من بين الحضور، صديق طفولته الشيخ أبو الخير شكري.

والتحدي أمام الشرع هو قدرته على الحفاظ على وحدة البلاد التي كانت قبل خمسة أيام على حافة الانهيار. فقد فتح العنف في الساحل السوري جراح الطائفية التي وعد الشرع بعلاجها.

وتشير المجلة إلى أن العلويين كانوا خائفين، حيث دعا مدير إذاعة دمشق الذي عيّنه الشرع لرميهم في البحر. وقد اعتبر قادة الشرع الساحلَ السوري منطقة عسكرية، وفرّ الكثير من العلويين وطلبوا حماية الخارج وحاولوا الدخول للقواعد الروسية هناك.

وفي دمشق ومدن أخرى، تخشى الأقليات أن يحول الجهاديون أنظارهم إليها. ويذكرهم سلوك الشرع الهادئ ببشار الأسد. ولا يزال الكثيرون يخشون أن يكون رئيسهم الجديد مجرد “إرهابي” يرتدي بدلة رسمية.

ولتسهيل توزيع الوظائف والمساكن على السنة، قام الشرع بحل القوات المسلحة القديمة وتطهير الخدمة المدنية وطرد المسؤولين السابقين من منازلهم الحكومية. وكما هو الحال مع اجتثاث البعث في العراق، فإن هذا يردع الأقليات عن تسليم أسلحتها ويؤجج دعم الثورة. وترى المجلة أن إرضاء السنة والأقليات هو تحد كبير وصعب.

فلو أراد الشرع السيطرة على المتطرفين، فإنه بحاجة لبدء العدالة الانتقالية التي تردد في القيام بها حتى الآن. وعليه التأكد من عودة العلويين الذين لم يشاركوا في فظائع النظام السابق إلى أعمالهم وحياتهم الطبيعية. وحتى ينجح في مهمته، فهو بحاجة للمال الذي لا يتوفر لديه الآن، بسبب العقوبات.

فعندما سيطر على الحكم، لم يكن لدى الدولة قوة عاملة، وبدون مال لدفع الرواتب سيظل يواجه مشكلة من المتشددين الذين سيتحدّون الجيش ويتعاملون مع الأقليات كغنيمة حرب. وفي النهاية، فهو بحاجة لتقاسم السلطة مع مكونات البلاد الأخرى. وبدون ذلك، سيفقد الشرع الثقة الوطنية، وسيفاقم تدهور الاقتصاد من مشاكله.

القدس العربي

—————————————-

رئيس لجنة الإعلان الدستوري السوري، عبد الحميد العواك: أؤيد انتخاب هيئة تأسيسية للدستور.. وسوريا تحتاج لوقت أطول لبناء مؤسساتها

2025.03.15

أكد رئيس لجنة الإعلان الدستوري السوري، عبد الحميد العواك، أن مادة الفقه الإسلامي في الدستور لا تشكل خطراً، ولا تغيير لهوية الدولة السورية، مشدداً على أن اللجنة التي يترأسها هي “لجنة فنية معيّنة بلا تفويض مباشر من الشارع السوري”.

وفي حديثه لقناة “العربية”، أوضح العواك أن اللجنة رأت ضرورة “إبقاء وضع الدولة على ما هو عليه في ظل مخاوف دينية لدى البعض”، مشدداً على أهمية التفكير في الدستور القادم لأنه “هو من سيجد الحلول للدولة السورية”.

وفيما يتعلق بآلية صياغة الدستور، أيد العواك “تشكيل هيئة تأسيسية منتخبة لوضع الدستور”، مشيراً إلى أن “خطاب النصر فوّض رئيس الجمهورية بتعيين مجلس الشعب”، كما كشف أن “المحكمة الدستورية التي عينها نظام الأسد لا تزال موجودة”.

وأشار العواك إلى أن رئيس الجمهورية “هو صاحب السلطة الوحيدة حالياً بتفويض من مجلس قيادة الثورة”، موضحاً أن “النظام الرئاسي هو ما يمنح رئيس الجمهورية صلاحيات واسعة”. كما رأى أن “سوريا تحتاج لضعف المدة المذكورة في الإعلان لبناء مؤسساتها الدستورية”.

الإعلان الدستوري في سوريا

وأمس الخميس، صدّق الرئيس أحمد الشرع على الإعلان الدستوري للجمهورية العربية السورية، الذي حدد فترة المرحلة الانتقالية بخمس سنوات.

واستهل الإعلان دستوره بمقدمة مطولة تستعرض “الحقبة السوداء” التي عاشها السوريون تحت حكم حزب “البعث” الشمولي لمدة ستة عقود، والتي شهدت احتكاراً للسلطة وقمعاً للحريات وتحويل القانون إلى أداة للاستعباد.

وتصف المقدمة ثورة الشعب السوري المطالب بالحرية والكرامة، والتي واجهها النظام بـ “القتل الممنهج، والتدمير الشامل والتعذيب الوحشي والتهجير القسري، والحصار الجائر، والاستهداف المباشر للمدنيين”، مؤكدة أن هذه الجرائم ترقى إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وجريمة إبادة جماعية.

وقالت لجنة صياغة الإعلان الدستوري إنه تقرر حصر السلطة التنفيذية بيد رئيس الجمهورية في المرحلة الانتقالية لضمان سرعة التحرك ومواجهة أي أحداث في تلك المرحلة.

ونصَّ الإعلان الدستوري المؤلف من 4 أبواب، على الفصل المطلق بين السلطات، وأكد على جملة من الحقوق والحريات الأساسية في البلاد، بينها حرية الرأي والتعبير، وحق المرأة في العمل والمشاركة.

كما ينص الإعلان الدستوري على أنه يحق للرئيس الانتقالي تعيين ثلث أعضاء مجلس الشعب الذي سيتولى العملية التشريعية كاملة وبشكل منفرد.

——————————

 سوريا.. أول تعليق للهجري على الإعلان الدستوري الذي صادق عليه الشرع

الحرة – واشنطن

15 مارس 2025

وصف الرئيس الروحي للطائفة الدرزية في سوريا حكمت الهَجري، السبت، الإعلان الدستوري الصادر عن السلطات المؤقتة بأنه “غير منطقي”.

وقال الهَجري في تصريحات أدلى بها في السويداء إن “ثوابتنا الوطنية هي نفسها، ولكن الأمور وعندما بدأت تصل لحد عدم التفكير المضبوط بما يخص مصير هذا البلد، فلا بد أن نتدخل”.

وشدد الهجري أن الدروز “طُلّاب سلام.. لا نتعدى على أحد ولا حد يتعدى علينا”، مضيفا أنهم “مع وحدة أرض وشعب سوريا وبناء دولة ديمقراطية دستورية”.

واتهم الهجري جهات لم يسمها بمحاولة “الإيحاء أنهم نجحوا في إيقاع خلاف داخلي على مستوى الطائفة والمنطقة”، مردف بالقول “لكنهم لن يتمكنوا من ذلك”.

    “الإعلان الدستوري غير منطقي.. ونحن طلّاب سلام”.. سماحة الشيخ حكمت الهجري الرئيس الروحي لطائفة الموحدين الدروز خلال استقباله وفوداً شعبية في دارة قنوات اليوم السبت، توافدت تأييداً لمواقفه..#السويداء_24 pic.twitter.com/e33O5kkLIC

    — السويداء 24 (@suwayda24) March 15, 2025

يأتي انتقاد الهجري للإعلان الدستوري بعد أيام من تصريحات حادة اللهجة أطلقها تجاه إدارة رئيس المرحلة الانتقالية أحمد الشرع وصفها فيها بأنها “مطلوبة للعدالة الدولية” وبأنها “متطرفة بكل معنى الكلمة.”

وكانت الإدارة الذاتية الكردية انتقدت، الخميس، الإعلان الدستوري الذي وقعه الرئيس الانتقالي أحمد الشرع، معتبرة أنه “يتنافى” مع تنوع سوريا ويضم بنودا تتشابه مع حقبة حكم حزب البعث.

وصادق الشرع، على المسودة الخاصة بـ”الإعلان الدستوري” التي صاغتها لجنة كان كلفها بهذه المهمة، قبل أسبوع.

وجاءت المصادقة، التي أخذت صيغة التوقيع الرسمي، في قصر الشعب بدمشق، الأربعاء، وتلت استعراض قدمه عضو لجنة صياغة “الإعلان الدستوري”، عبد الحميد العواك لأبرز النصوص والأبواب.

وتقضي مسودة “الإعلان الدستوري” بأن يتولى مجلس الشعب العملية التشريعية كاملة والسلطة التنفيذية يتولاها رئيس الجمهورية.

وفي ما يتعلق بعمل السلطات، جاء في الإعلان الدستوري “لأن مبدأ الفصل ما بين السلطات كان غائبا عن النظم السياسية، تعمّدنا اللجوء إلى الفصل المطلق بين السلطات” بعدما عانى السوريون “سابقا من تغوّل رئيس الجمهورية على باقي السلطات”.

وبحسب الإعلان الدستوري، يعود للرئيس الانتقالي “تعيين ثلث” أعضاء مجلس الشعب الذي يتولّى “العملية التشريعية كاملة وبشكل منفرد”.

وحدد الإعلان الدستوري مدة المرحلة الانتقالية بخمس سنوات، ومنحت الرئيس أحمد الشرع حق إعلان حالة الطوارئ، جزئيا أو كليا، وبموافقة “مجلس الأمن القومي”.

الحرة – واشنطن

——————————————-

الإعلان الدستوري السوري يلقى رفضاً كردياً وسريانياً/ سلام حسن

15 مارس 2025

شهد الإعلان الدستوري الذي وقّعه الرئيس السوري أحمد الشرع، أول من أمس الخميس، رفضاً شعبياً ورسمياً من الأكراد السوريين والسريان. ويتألف الإعلان من مقدمة و53 مادة، صاغته لجنة دستورية مختصة. وعلى الصعيد الشعبي، شهدت عدة مدن سورية ذات غالبية كردية وقفات احتجاجية، مثل تلك التي جرت أمس الجمعة في عامودا والقامشلي والحسكة. أما على المستوى الرسمي، فقد صدرت عدة بيانات وتصريحات من مجالس وأحزاب وقيادات سياسية فاعلة تندد وتحتج وترفض أغلب بنود الإعلان الدستوري، ولا سيما ما يتعلق بديانة رئيس الجمهورية، واللغة الرسمية للبلاد، واسم الجمهورية.

رفض من المجلس الوطني الكردي وقياداته

وقال شلال كدو، رئيس حزب الوسط الكردي في سورية وعضو الأمانة العامة للمجلس الوطني الكردي، لـ”العربي الجديد”: “لا شك أن الإعلان الدستوري في سورية جاء تكريساً لنهج الإقصاء، ويؤسس لدولة مركزية بحتة، مما يؤدي إلى استبعاد الآخرين وإرساء حكم استبدادي”. وأضاف كدو، أنّ “السوريين عندما خرجوا بثورة عظيمة وقدموا مئات الآلاف من الشهداء، وتهجر الملايين داخلياً وخارجياً، لم يكن هدفهم استبدال ديكتاتور بآخر”. وأكد أن “مكونات الشعب السوري كافة كانت ولا تزال تهتف من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان والمساواة بين الرجل والمرأة، مطالبةً بنظام ديمقراطي برلماني يمنح مختلف أطياف المجتمع حقوقها”.

واستدرك كدو قائلاً: “لكن الإعلان الدستوري الصادر الخميس، والمُقر من قبل رئيس الجمهورية، يكرس نهج الاستبداد ولا يعترف بالآخر المختلف، سواء كان إثنياً أو ثقافياً أو دينياً، بل يرسخ الدين الواحد من خلال اشتراط ديانة رئيس الجمهورية، ما يجعل بعض الفئات الدينية في سورية مواطنين من الدرجة الثانية. فمثلاً، لا يحق لغير المسلم أن يطمح إلى منصب رئيس الجمهورية، وهذا يكرس التفرقة المقيتة بين السوريين على أساس الدين أو العرق”.

الشرع خلال تسلّمه نص الإعلان الدستوري في دمشق، 13 مارس 2025 (بكر القاسم/فرانس برس)

ودعا كدو السوريين بمختلف أطيافهم السياسية والاجتماعية إلى التوحد وممارسة أقصى الضغوط السياسية والسلمية لتغيير هذا الإعلان الدستوري، خصوصاً أنه حدد المرحلة الانتقالية بخمس سنوات، في حين أن المراحل الانتقالية عند تغيير الأنظمة لا تتجاوز ستة أشهر إلى سنة في مختلف أنحاء العالم، وفق قوله. ورأى كدو أن “هذا الإعلان الفريد من نوعه في سورية، يسعى إلى تحديد ملامح المستقبل بناءً على أسس مرفوضة من مختلف مكونات الشعب السوري وأطيافه السياسية”.

في السياق، قال بيان أصدره المجلس الوطني الكردي عبر موقعه الرسمي، الجمعة: “فوجئنا بالإعلان الدستوري الصادر في دمشق يوم 13 مارس/ آذار 2025، والذي جاء مخيباً للآمال، بعيداً عن التطلعات نحو بناء دولة ديمقراطية تعكس التنوع الحقيقي للمجتمع السوري”. وأكد البيان أن المجلس يرى في الإعلان الدستوري خطوة نحو ترسيخ الأحادية والاستئثار بالسلطة، متجاهلًا الطبيعة التعددية لسورية وهويتها بصفتها دولة متعددة القوميات والأديان، حيث لم يضمن الحقوق القومية والدينية لمكوناتها، بل ثبت هوية قومية واحدة في تسمية الدولة، في إقصاء واضح لغيرها من المكونات.

وأضاف أن الإعلان خالف مبدأ تحييد الدولة عن الأديان، من خلال اشتراط ديانة رئيس الجمهورية، مما يتعارض مع أسس المواطنة المتساوية التي يجب أن تكون أساس أي نظام ديمقراطي. وختم البيان بتأكيد التزام المجلس بالنضال من أجل حل ديمقراطي عادل للقضية الكردية، باعتبارها قضية شعب أصيل، في إطار سورية لا مركزية تضمن حقوق جميع أبنائها وتحقق العدالة والمساواة بينهم.

“الإدارة الذاتية” و”مجلس سوريا الديمقراطية” وقياداته يرفضون الإعلان الدستوري

وبرزت أيضاً مواقف رافضة للإعلان الدستوري من “الإدارة الذاتية” في شمال وشرق سورية، ومن “مجلس سوريا الديمقراطية” وقياداته البارزة. وقال محمد موسى، سكرتير الحزب اليساري الكردي في سورية (أحد الأحزاب المشكلة للإدارة الذاتية)، لـ”العربي الجديد”: “الإعلان الدستوري من حيث المبدأ هو تكريس للفردية والاستبداد وإنكار للتنوع ولوجود الأكراد وكافة المكونات الأخرى”. وأضاف موسى: “هذا الإعلان يكرس الاستبداد ولوناً واحداً لمستقبل سورية الجديدة، لذلك نرفضه جملةً وتفصيلاً، ولا يمكن البناء عليه في المستقبل. كما أن المقدمات الخاطئة تؤدي حتمًا إلى نتائج خاطئة”. ورغم أن الإعلان يعتبر مؤقتاً لمدة خمس سنوات، شدد موسى على أنه ليس بالأمر السهل، مؤكداً أن “رد الفعل السياسي والجماهيري من قبل المكونات السورية سيكون سلبياً ورافضاً بالمطلق، والأيام القادمة ستكشف ذلك”.

وفي سياق متصل، نشر بدران جيا كرد، الرئيس المشترك لدائرة العلاقات الخارجية في “الإدارة الذاتية”، منشوراً على منصة إكس، الجمعة، قال فيه: “قبل أيام، وقع اتفاق بين الجنرال مظلوم عبدي، قائد قوات سوريا الديمقراطية، والسيد أحمد الشرع في دمشق، بهدف إنهاء الصراعات بطرق سلمية عبر الحوار والمشاركة الفعلية لجميع السوريين، ولا سيما مكونات شمال شرق سورية، في العملية السياسية”. وأضاف: “لكننا فوجئنا لاحقاً بالإعلان الدستوري الذي صُدِّق عليه ونُشر، دون أي مشاركة أو تمثيل حقيقي للمكونات السورية، مما يتعارض مع الاتفاق المبرم قبل أيام ويجعله أمرًا غير مقبول”.

وأضاف أنّ “محتوى الإعلان جاء إقصائياً وأحادي اللون، ولا يعكس تنوع المجتمع السوري وطموحاته وحقوقه المشروعة، بل يعيد إنتاج ممارسات نظام استبدادي سابق. لذا، من الضروري إعادة النظر في اللجنة الدستورية وإيقاف عملها، والعمل على إعادة تشكيلها لضمان تمثيل جميع السوريين”.

من جهتها، أصدرت “الإدارة الذاتية”، الخميس، بياناً، جاء فيه: “بعد أشهر من سقوط النظام البعثي، وفرحة السوريين بثورتهم ضد القمع، صدر في دمشق ما يسمى بالإعلان الدستوري، الذي جاء مماثلاً لسياسات البعث السابقة”. وأضاف البيان: “هذا الإعلان يتنافى مع واقع سورية المتنوع، وهو تزوير لهويتها الوطنية، حيث يخلو من بصمة أبناء سورية من الكرد والعرب والسريان والآشوريين وغيرهم من المكونات”. وأكدت “الإدارة الذاتية” أن “الإعلان يفتقر إلى معايير التنوع الوطني السوري، ويتجاهل المشاركة الفعلية لمكوناته، مما يعبر عن عقلية فردية تمثل امتداداً للنظام السابق”، وفق البيان.

رفض من حزب الاتحاد السرياني

بدوره، اعتبر حزب الاتحاد السرياني، الجمعة، أن الإعلان الدستوري يمهد لمرحلة غير مستقرة، ولا يحقق الانتقال السياسي المطلوب في سورية. وجاء في بيان الحزب: “في خطوة جديدة للحكومة المؤقتة في دمشق، واستمراراً لتكريس الإقصاء والتهميش، أصدر الرئيس السوري للمرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، الإعلان الدستوري الخميس”.

وأكد البيان أن “الإعلان يجب أن يكون مرحلة لبناء الثقة والسلم الأهلي، وتكريس العدالة الانتقالية وفق شراكة حقيقية بين جميع المكونات”. واعتبر الحزب أن “الإعلان جاء امتداداً لتوجهات السلطة الحاكمة، واستمراراً للمفاهيم السابقة التي تبناها النظام السابق، ضارباً بعرض الحائط تطلعات السوريين وأهداف ثورتهم نحو الديمقراطية والعدالة واحترام حقوق الإنسان”، بحسب البيان.

——————————–

الإعلان الدستوري السوري: مخاوف إزاء إدارة المرحلة الانتقالية

تقارير عربية

14 مارس 2025

يمنح الإعلان الدستوري، الذي أقرته دمشق أمس الخميس، سلطات مطلقة للرئيس أحمد الشرع في إدارة المرحلة الانتقالية، وفق ما يقول خبراء، من دون أن يلبي تطلعات الأقليات، على رأسهم الأكراد الذين أبدوا خشيتهم من إعادة انتاج “نظام استبدادي”.

وإقرار الإعلان الدستوري إحدى الخطوات التي تعهد الشرع القيام بها في إطار مساعيه لتكريس سلطته في المرحلة الانتقالية، منذ إطاحة حكم بشار الأسد، بعد نحو 14 عاماً من نزاع دامٍ ومدمّر. ووقع الشرع، أمس، على إعلان دستوري من 53 مادة، حدّد المرحلة الانتقالية بخمس سنوات، ومنح الرئيس الانتقالي سلطات مطلقة في تشكيل السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، رغم تبنيه في الوقت نفسه مبدأ “الفصل بين السلطات”.

ويقول الأستاذ في القانون الدستوري سام دلة لوكالة فرانس برس إن الوثيقة “لا تؤسس لمرحلة سياسية جديدة” في البلاد. ويشرح أن “الإعلان الدستوري منح سلطات مطلقة لرئيس المرحلة الانتقالية في تكوين كافة السلطات، مع توقيع على بياض في اتخاذ القرارات” خلال المرحلة الانتقالية، التي تعادل “مدة حكم كاملة من دون الاستناد إلى أي شرعية انتخابية”.

ويكرس الإعلان الدستوري “إقامة نظام رئاسي لا يصلح لإدارة مرحلة انتقالية”، وفق دلة الذي شغل عام 2012 منصب المتحدث باسم لجنة صياغة دستور 2012، قبل مغادرته سورية. وبحسب بنود الوثيقة التي نشرتها الرئاسة، يعين رئيس الجمهورية “ثلث أعضاء مجلس الشعب”، ويشكل كذلك “لجنة عليا” تشرف على تشكيل هيئات فرعية “لانتخاب ثلثي أعضاء مجلس الشعب” المتبقين. ويعود له أن يتولى مع الوزراء الذين يعيّنهم “السلطة التنفيذية”، ما يعني استبعاد منصب رئاسة الحكومة.

ورغم تأكيد الوثيقة أن السلطة القضائية “مستقلة”، إلا أنها منحت رئيس الجمهورية حق تسمية أعضاء المحكمة الدستورية العليا، التي يفترض أنها تشكل المرجعية القضائية الأعلى في البلاد. ويسأل دلة: “إذا كان الرئيس هو من يختار أعضاء مجلس الشعب بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.. ويعين الوزراء ويقيلهم، ويعين أعضاء المحكمة الدستورية وحده، من دون ضمان استقلاليتها بتعدد مصادر تسميتها، فماذا ترك من مبدأ الفصل بين السلطات؟”.

ويستنتج أن “كل ما يتعلق بالتوازن بين السلطات والفصل بينها غير موجود”، معرباً عن اعتقاده بأن الإعلان الحالي “يعيد إنتاج النظام السابق مع سلطات أوسع بيد الرئيس (..)، ولا يقدّم أي ضمانات لانتقال ديمقراطي نحو مرحلة جديدة”. ويضيف “إنه إعلان دستوري مفصّل على قياس الإدارة الجديدة”.

“ديكتاتورية جديدة”

وفي موازاة تشريعه مركزية السلطة، يتغاضى الإعلان الدستوري، الذي سيشكل مرجعية حتى وضع دستور جديد تُجرى الانتخابات التشريعية على أساسه، عن قضايا عدة بينها اللامركزية، وتوجيه إشارات طمأنة إلى مكونات سورية أملت أن تؤدي دوراً في بناء سورية ما بعد الأسد. وجاءت المصادقة على الإعلان الدستوري بعد محطتين، الأولى أعمال العنف الدامية في الساحل السوري التي أوقعت 1476 قتيلاً مدنياً غالبيتهم علويون، قضوا على أيدي عناصر الأمن العام ومجموعات رديفة، وفق آخر حصيلة للمرصد السوري لحقوق الانسان. وشكل ذلك اختباراً مبكراً للشرع الذي كان تعهد بالحفاظ على “السلم الأهلي” بعيداً عن منطق “الانتقام”.

والمحطة الثانية هي توقيع الشرع اتفاقاً مع الأكراد يقضي بـ”دمج” مؤسسات إدارتهم الذاتية في إطار الدولة السورية، لكن الأكراد الذين استبعدتهم السلطة من مؤتمرات ولجان شكلتها خلال الأسابيع الماضية كانوا أول من سارع إلى رفض الإعلان الدستوري، ونددوا بـ”محاولة لإعادة إنتاج الديكتاتورية”.

ودعوا في بيان، اليوم الجمعة، إلى “إعادة صياغة الإعلان بما يضمن توزيع السلطة بشكل عادل.. والاعتراف بحقوق جميع المكونات السورية، واعتماد نظام حكم لامركزي ديمقراطي”. ونص الإعلان الدستوري، الذي لم يتضمن أي من بنوده كلمة ديمقراطية، على أن “الفقه الإسلامي… المصدر الرئيس” للتشريع، بعدما كان سابقاً مصدراً أساسياً للتشريع. كما يحدد أن الاسلام هو دين رئيس الدولة، من دون أن يتضمن توافر شروط أخرى. ويجعل من العربية “اللغة الرسمية” في “الجمهورية العربية السورية”.

ووقع الشرع الإعلان الدستوري، بينما جلس أعضاء لجنة الصياغة على يمينه، وجلس عن يساره عدد من شرعيي هيئة تحرير الشام، الفصيل الذي تزعمه الشرع وقاد الهجوم الذي أطاح الأسد.

قلق الأقليات

ويرى الأستاذ الجامعي في باريس تيغران يغافيان، بدوره، أن الأقليات “تشعر بقلق بالغ إزاء ما تؤول إليه الأمور، إذ إن المؤشرات كافة تشير إلى عملية تحول تدريجي.. إلى الجمهورية الإسلامية السورية”، معتبراً ذلك بمثابة “صفعة لخطاب يروّج للتنوع والشمول”. ويضيف: “من الواضح أن الأمر الوحيد الذي يمكن أن يطمئن الأقليات، التي تشعر بأنها مهددة من النظام الجديد، هو نوع من الفيدرالية، مع ضمان استقلالية في التعليم والمحاكم”.

الشرع مستقبلاً أعضاء لجنة الإعلان الدستوري السوري (سانا)

وخلال توقيعه الاعلان الدستوري في القصر الرئاسي، قال الشرع الخميس: “هذا تاريخ جديد لسورية، نستبدل فيه الظلم بالعدل”، آملاً أن يكون “فاتحة خير للأمة السورية على طريق البناء والتطور”. ويذكّر المحامي طارق الكردي، أحد أعضاء اللجنة الدستورية التي أنشأتها الأمم المتحدة في جنيف لوضع دستور جديد، لـ”فرانس برس”، بأن “الإعلان الدستوري جاء في مرحلة صعبة تمر بها سورية بعد 54 سنة من الديكتاتورية، و14 سنة من حرب مدمرة شنها نظام الأسد على الشعب السوري”.

ويضيف: “تتعيّن مقاربته من نظرة واقعية، إذ لا تمكن مقارنته بدساتير في دول تنعم بظروف طبيعية ومستقرة لفترات طويلة”، موضحاً أن “تحديات أو ثغرات قد تنشأ عند بدء التنفيذ، وسيكون حينها مطلوباً من السلطة التشريعية أن تبادر فوراً الى تطويره”. ويختم: “العربة انطلقت والمرحلة الانتقالية بدأت، والمطلوب حالياً حوار بين كل الأطراف لتمتين الوحدة الوطنية بين السوريين”.

(فرانس برس)

——————–

الهجري: الإعلان الدستوري غير منطقي.. ولا بد أن نتدخل

السبت 2025/03/15

وصف الرئيس الروحي لطائفة الموحدين الدروز في سوريا حكمت الهَجري، السبت، الإعلان الدستوري الصادر عن الإدارة السورية الجديدة، بأنه “غير منطقي”.

وقال الهَجري في تصريحات أدلى بها في السويداء، إن “ثوابتنا الوطنية هي نفسها، ولكن الأمور وعندما بدأت تصل لحد عدم التفكير المضبوط بما يخص مصير هذا البلد، فلا بد أن نتدخل”.

وشدد الهجري على أن الموحدين الدروز “طُلّاب سلام.. لا نتعدى على أحد ولا حد يتعدى علينا”، مضيفا أنهم “مع وحدة أرض وشعب سوريا وبناء دولة ديمقراطية دستورية”. واتهم جهات لم يسمها، بمحاولة “الإيحاء بأنهم نجحوا في إيقاع خلاف داخلي على مستوى الطائفة والمنطقة”، وقال: “لكنهم لن يتمكنوا من ذلك”.

انتقاد بعد اتفاق

ويأتي انتقاد الهجري للإعلان الدستوري بعد يومين من تصريحات حادة اللهجة أطلقها تجاه إدارة رئيس المرحلة الانتقالية أحمد الشرع، وصفها فيها بأنها “مطلوبة للعدالة الدولية” وبأنها “متطرفة بكل معنى الكلمة”.

كما يأتي بعد أيام على توقيع الإدارة السورية الجديدة، “وثيقة تفاهم” مع الهجري، تتضمن عدداً من البنود، بينها دمج الضباط والمجندين وكافة الفصائل في السويداء، في وزارة الدفاع السورية.

وتقول الوثيقة إن الدولة تتعهد بتفعيل الضابطة العدلية فوراً، وتفعيل الملف الشرطي والأمني ضمن وزارة الداخلية. كما تنص على تعهد الإدارة السورية بتنظيم الأفراد المنشقين وكافة الفصائل المسلحة في وزارة الدفاع، وإعادة النظر بجميع المفصولين عن العمل قبل تاريخ سقوط نظام الأسد، مع “أولوية التوظيف لمن تم فصلهم تعسفياً”.

وتتعهد الإدارة السورية بإصلاح المؤسسات التابعة للدولة مالياً وإدارياً، والإسراع في تعيين أعضاء المكتب التنفيذي المؤقت لقضاء حوائج الموظفين.

انتقاد كردي للإعلان

وكانت الإدارة الذاتية الكردية قد انتقدت، الخميس، الإعلان الدستوري الذي وقعه الرئيس الانتقالي أحمد الشرع، معتبرة أنه “يتنافى” مع تنوع سوريا ويضم بنودا تتشابه مع حقبة حكم حزب البعث.

وصادق الشرع، على المسودة الخاصة بـ”الإعلان الدستوري” التي صاغتها لجنة كان كلفها بهذه المهمة، قبل أسبوع. وجاءت المصادقة، التي أخذت صيغة التوقيع الرسمي، في قصر الشعب بدمشق، الأربعاء، وتلت استعراض قدمه عضو لجنة صياغة “الإعلان الدستوري”، عبد الحميد العواك لأبرز النصوص والأبواب.

وتقضي مسودة “الإعلان الدستوري” بأن يتولى مجلس الشعب العملية التشريعية كاملة والسلطة التنفيذية يتولاها رئيس الجمهورية.

وفي ما يتعلق بعمل السلطات، جاء في الإعلان الدستوري “لأن مبدأ الفصل ما بين السلطات كان غائبا عن النظم السياسية، تعمّدنا اللجوء إلى الفصل المطلق بين السلطات” بعدما عانى السوريون “سابقا من تغوّل رئيس الجمهورية على باقي السلطات”.

وبحسب الإعلان الدستوري، يعود للرئيس الانتقالي “تعيين ثلث” أعضاء مجلس الشعب الذي يتولّى “العملية التشريعية كاملة وبشكل منفرد”.

وحدد الإعلان الدستوري مدة المرحلة الانتقالية بخمس سنوات، ومنحت الرئيس أحمد الشرع حق إعلان حالة الطوارئ، جزئياً أو كلياً، وبموافقة “مجلس الأمن القومي”.

————————-

الإعلان الدستوري يجرم تمجيد الأسد.. ما العقوبات؟/ هاني كرزي

تحديث 15 أذار 2025

وقّع الرئيس السوري للمرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، مسودة الإعلان الدستوري بعد تسلّمه من لجنة الخبراء المكلفة بصياغته، الخميس 13 من آذار.

وقال الشرع، عقب توقيعه على المسودة، “نتمنى أن يكون هذا تاريخ جديد لسوريا نستبدل به الجهل بالعلم والعذاب بالرحمة”.

تفاعل مع “المادة 49”.. ما بنودها؟

“المادة 49” من الإعلان الدستوري، حظيت بتفاعل كبير من السوريين، ولا سيما أن جوهرها الأساسي قائم على اعتبار، تمجيد نظام الأسد المخلوع ورموزه، وإنكار جرائمه أو الإشادة بها أو تبريرها أو التهوين منها، جرائم يعاقب عليها القانون.

وتضمنت “المادة 49” من الإعلان الدستوري ثلاث فقرات، ونصت الأولى على: إحداث هيئة لتحقيق العدالة الانتقالية تعتمد آليات فاعلة تشاورية مرتكزة على الضحايا، لتحديد سبل المساءلة والحق في معرفة الحقيقة، وإنصاف للضحايا والناجين، بالإضافة إلى تكريم الشهداء.

الفقرة الثانية: تستثنى جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وجريمة الإبادة الجماعية وكل الجرائم التي ارتكبها النظام البائد، من مبدأ عدم رجعية القوانين.

أما الفقرة الثالثة: تجرّم الدولة تمجيد نظام الأسد البائد ورموزه، ويعد إنكار جرائمه أو الإشادة بها أو تبريرها أو التهوين منها، جرائم يعاقب عليها القانون.

تعليقًا على “المادة 49” قال الصحفي السوري محمد منصور، عبر “فيس بوك”، “كل الإعلان الدستوري بكفة، ومادة تجريم تمجيد نظام الأسد ورموزه وإنكار جرائمه أو التقليل منها بكفة، هي المادة الوحيدة التي عبرت عن رغبة الشعب وتطلعات الشعب وأغلى ما يريده الشعب… باقي المواد أغلبها عبرت عن تطلعات اللجنة في التقرب من السيد الرئيس. وعلى قولة المثل: على طرف لساني ولا تنساني!”.

في حين قال المحلل السياسي السوري قحطان الشرقي، عبر “فيس بوك”، “من قمع الحريات إلى محاسبة الجلاد، في عام 1980: أصدر حافظ الأسد (القانون 49)، الذي قضى بتجريم وإعدام كل من ينتمي لجماعة الإخوان المسلمين في سوريا، أما في عام 2025: نص الإعلان الدستوري الجديد في المادة 49 على تجريم تمجيد نظام الأسد ورموزه، ويعتبر إنكار جرائمه أو تبريرها جريمة يعاقب عليها القانون”.

ما عقوبة تمجيد الأسد؟

الإعلان الدستوري تحدث عن تجريم كل من يمجد النظام السوري السابق ورموزه، لكنه لم يتحدث عن العقوبات التي ستقع على مرتكبي هذا الجرم.

وقال المحامي عارف الشعال لعنب بلدي، إن “المادة 49” المرتبطة بتجريم تمجيد الأسد ورموزه، تلقي على مجلس الشعب واجب سنَّ قانون لتطبيقها، وهذا القانون الذي سيصدر سيحدد أركان هذه الجرائم وما عقوباتها.

بدوره قال المحامي أكرم جنيد، لعنب بلدي، إن نوع العقوبات التي ستُفرض على من يقومون بتمجيد النظام السابق ورموزه، ستحدد وفق قانون العقوبات الذي سيصدر لاحقًا.

وأضاف جنيد أن تمجيد الأسد ورموزه يعتبر جريمة جنحية، وعقوبتها بالدرجة الأولى قد تكون غالبًا السجن لمدة ستة أشهر، وفرض غرامة مالية قدرها 500 دولار، مشيرًا إلى أن العقوبة ستتضاعف في حال تكرار الشخص وإصراره على تمجيد الأسد، أو كان تصرفه متزامنًا مع جريمة أخرى ضد الدولة أو مؤسساتها.

ولفت جنيد إلى أن عقوبة تمجيد الأسد، قد تشمل تبعات أخرى على مرتكبها، كفصله من الوظيفة أو الحرمان من التوظيف وعدم حصوله على وثيقة غير محكوم.

فنانون مجّدوا الأسد بعد السقوط

عقب سقوط النظام سارع كثير من السوريين بمافيهم فنانون وسياسيون وإعلاميون عُرفوا بدعمهم للنظام أو التزامهم الصمت تجاه جرائمه، إلى تغيير مواقفهم وإدانة الأسد لارتكابه جرائم بحق السوريين، بينما أصرّ آخرون على الاستمرار بتمجيد الأسد ورموزه.

الممثلة سلاف فواخرجي خلال ظهورها عبر قناة “المشهد”، قالت إن “الأسد شريف.. ويجب أن يحاكم إن كان يستحق ذلك، لكن بشرط وجود قضاء وقانون وعدالة”.

وقالت فواخرجي، “بدي أشكر بشار الأسد على الكثير من الأشياء المهمة اللي عملها للبلد على مدى سنوات طويلة، وما قدمه من إصلاحات اقتصادية وفنية، والكثير من الإنجازات على صعيد الدولة والبناء وكثير أشياء، وبدي ألومه، أو أعاتبه على بطانة لم تكن جيدة هو المسؤول عنها”.

باسم ياخور الذي كان طوال سنوات الثورة من أشد داعمي الأسد، أصرّ على الاستمرار بدعم النظام المخلوع وتبرير جرائمه.

وفي مقابلته مع الإعلامية اللبنانية نايلة تويني، برر ياخور ولاءه لبشار الأسد باتهام ملايين السوريين بالانتفاع من نظام الأسد، مشيرًا إلى أن تغيير مواقفهم السياسية بعد سقوط النظام يُظهر ازدواجية وصفها بـ”التكويع”.

ولم يتردد ياخور في الدفاع عن بشار الأسد، قائلًا إنه كان “الضامن لعدم تقسيم سوريا”. وقال ياخور إن الوضع الحالي لا يوفر البيئة المثالية للعودة بسبب حالة الفوضى التي لا تضمن الأمان، مضيفًا أن تغير السلطة لم يحقق تغييرات جوهرية في الواقع اليومي، مع استمرار بعض الممارسات السلبية.

الكاتب والممثل السوري عماد النجار، كذلك خرج بتصريحات تمجّد النظام السوري بعد سقوطه، حيث طالب بعودة ماهر وبشار الأسد إلى سوريا، وشتم رموز الثورة السورية في بث مباشر.

أبرز بنود الإعلان الدستوري

مسودة الإعلان الدستوري تضمنت الكثير من البنود، وأبرزها أن يتولى مجلس الشعب العملية التشريعية كاملة والسلطة التنفيذية يتولاها رئيس الجمهورية.

وحددت المسودة مدة المرحلة الانتقالية بخمس سنوات، ومنحت رئيس الجمهورية حق إعلان حالة الطوارئ.

وينص الإعلان على أهمية القضاة وأحكامهم واستقلاليتهم وترك أمر عزل الرئيس أو فصله أو تقليص سلطاته لمجلس الشعب.

كما ينص على ضمان حق الملكية وحق المرأة في العلم والمشاركة في العمل وكفل لها الحقوق السياسية وعلى حرية الرأي والتعبير والإعلام والنشر والصحافة.

وأكد الإعلان التزام الدولة بوحدة الأرض والشعب واحترام الخصوصيات الثقافية، والحرص على باب خاص بالحقوق والحريات لخلق توازن بين الأمن المجتمعي والحرية.

المتحدث باسم لجنة صياغة مسودة الإعلان الدستوري، عبد الحميد العواك، أكد أنه لن تكون هناك أي سلطة لمجلس الشعب على رئاسة الجمهورية في المرحلة الانتقالية.

كما أن النظام السياسي الرئاسي ضمن مسودة الإعلان الدستوري لا يسمح أن تقوم سلطة بعزل سلطة أخرى.

وألغت اللجنة الدستورية منصب رئيس الوزراء، واعتمدت النظام الرئاسي في الإعلان الدستوري.

وأوضح أن هناك ضمانات بالإعلان الدستوري أهمها ما يتعلق بمحاربة تغول السلطات.

ويحق للرئيس السوري تعيين الثلث من أعضاء مجلس الشعب، إلا أنه في الوقت ذاته، لم يتم تحديد عدد أعضاء المجلس حتى الآن، وفق اللجنة.

ووفق حديث اللجنة، دأبت منذ اللحظة الأولى لتشكيلها على إنجاز العمل المطلوب واعتمدت على مخرجات مؤتمر الحوار الوطني في الإعلان الدستوري.

كان الشرع أصدر قرارًا بتشكيل لجنة مختصة لصياغة مسودة الإعلان الدستوري في سوريا، في 2 من آذار الحالي.

تضم اللجنة كلًا من الدكاترة، عبد الحميد العواك، ياسر الحويش، إسماعيل الخلفان، ريعان كحيلان، محمد رضى جلخي، أحمد قربي، وبهية مارديني.

———————————–

الإعلان الدستوري” السوري… تناقضات وفجوات تهدد الحاضر والمستقبل/ جعفر مشهدية

السبت 15 مارس 2025

يوم الخميس 13 آذار/ مارس 2025، كان السوريون على موعد مع حدث آخر مفصليّ في المرحلة الانتقالية، حيث وقّع الرئيس أحمد الشرع، على مسوّدة “الإعلان الدستوري”، بعد انتهاء “لجنة الخبراء” المكلّفة بصياغته من العمل عليه، وهي اللجنة التي تشكلت قبل أقلّ من أسبوعين فقط، وضمّت الخبراء القانونيين: عبد الحميد العواك، ياسر الحويش، إسماعيل الخلفان، ريعان كحيلان، محمد رضى جلخي، أحمد قربي، وبهية مارديني.

وأثار “الإعلان الدستوري”، انقساماً كبيراً بين السوريين، المعنيين بالشأن القانوني والدستوري منهم، والمواطنين عموماً، وقوبل برفض شديد وانتقادات واسعة، إذ عُدَّ “فضفاضاً في بعض بنوده”، خاصةً تلك المتعلّقة بالحريات والحقوق الخاصة بالمكوّنات والأقليات، بالإضافة إلى “تكريسه سلطويةً جديدةً”.

مقدّمة وأربعة أبواب

وفي صورته النهائية، عمدت لجنة صياغة الإعلان إلى تقسيمه إلى مقدّمة وأربعة أبواب. ضمّ الأول، الأحكام العامة، وهو من 11 مادةً، والثاني، الحقوق والحريات من 12 مادةً، والثالث، نظام الحكم في المرحلة الانتقالية (السلطات الثلاث) من 24 مادةً، وأخيراً الأحكام الختامية وتشتمل على ست مواد.

وعلّق الشرع، عقب توقيعه على “المسوّدة”: “نأمل أن يكون ذلك فاتحة خير للشعب السوري على طريق البناء والتطور، ونتمنى أن يكون هذا تاريخاً جديداً لسوريا، نستبدل به بالجهل العلم وبالعذاب الرحمة”، وفق ما نشرته الوكالة العربية السورية للأنباء “سانا”.

ونقلت “سانا” عن “لجنة الخبراء”، أنها استندت في عملها إلى مخرجات مؤتمر الحوار الوطني، موضحةً أنّ الإعلان ينصّ على حرية الرأي والتعبير والإعلام والنشر والصحافة، مع التأكيد على التزام الدولة بوحدة الأرض والشعب واحترام الخصوصيّات الثقافية، مع الحرص على باب خاص بالحقوق والحريات لخلق توازن بين الأمن المجتمعي والحرية، بالإضافة إلى ضمان حق الملكية وحق المرأة في العلم والمشاركة في العمل، وكفالة حقوقها السياسية، وكذا أهمية القضاء وأحكامه واستقلاليته.

كما نبّهت “اللجنة” إلى أنّ مجلس الشعب يتولى العملية التشريعية كاملةً، فيما يتولى رئيس الجمهورية السلطة التنفيذية. وحُددت المرحلة الانتقالية بـ5 سنوات، ومُنح رئيس الجمهورية الحقّ في إعلان حالة الطوارئ.

وفي مؤتمر صحافي، قال عضو لجنة صياغة مسودة الإعلان الدستوري، عبد الحميد العواك: “اخترنا نظاماً سياسياً يعتمد الفصل التام بين السلطات، وهذا النظام السياسي المقترح في مسوّدة الإعلان الدستوري يساعد على إدارة المرحلة الانتقالية. عملنا على إعادة النظام السياسي إلى سكة دستورية حقيقية، وأوصينا بتقديم دستور دائم”، مردفاً: “لا سلطة لمجلس الشعب على رئاسة الجمهورية في المرحلة الانتقالية، وسيتم تشكيل هيئات عدة من بينها الهيئة العليا للانتخابات وهيئة دستورية عليا ستكون معنيةً بدستورية القوانين. في الدساتير السابقة، كان النص يخدم الدكتاتور، بينما يراقب عمل السلطات اليوم من قبل الشعب، كما لا يسمح النظام السياسي الرئاسي في مسوّدة الإعلان الدستوري بأن تقوم سلطة بعزل سلطة أخرى”.

“خطوة ضرورية ولكن…”

وعن قراءته لـ”الإعلان الدستوري”، يقول الباحث في الشؤون الدستورية المحامي فادي كردوس، لرصيف22: “الإعلان الدستوري يصدر عادةً في ظروف استثنائية، وقد لا يفي بالضرورة بجميع المعايير القانونية المعتادة، ولكنه خطوة ضرورية في المراحل الانتقالية، ولا يمكن القول إنه سلك مسلكاً قانونياً لعدم وجود النص القانوني أو الدستوري للحالات المماثلة”.

ويرى كردوس، أنّ هذا الإعلان “تناول قضايا أساسيةً ومهمةً في المرحلة الانتقالية، ووضع أسساً للدولة السورية في المستقبل، ولكنه تغاضى عن أمر أساسي هو تحديد ‘هوية الدولة’، كما أكد على مرجعية دستور عام 1950، لكنه لم يأخذ عنه مبدأ نظام الحكم البرلماني، ولا مبدأ الفصل بين السلطات”.

كذلك، “الإعلان الدستوري لم يحقّق تطلّعات السوريين إلى المواطنة والفصل بين السلطات، ولم يأخذ بمبدأ فصل الدين عن الدولة الذي يكرّس مفهوم المواطنة في الدستور. وبرغم التأكيد على الحريات العامة وحقوق الإنسان، إلا أنه اشتمل على بعض المفاهيم الفضفاضة التي تُثير العديد من التساؤلات حول كيفية تطبيقها على غرار الأمن الوطني، وضوابط ممارسة الحريات العامة وغيرها”، وفق المحامي السوري.

ويردف كردوس: “كنا نتمنى لو وضع الإعلان الدستوري تصوّراً واضحاً للدولة السورية على أنها دولة مدنية ديمقراطية ذات تعددية سياسية، وعدّل التسمية إلى الجمهورية السورية، عوضاً عن الجمهورية العربية السورية، لما في ذلك من إقصاء لبعض المكوّنات السورية ذات الأصول غير العربية”.

“لُبْسٌ قانوني وبنيوي”

وعن جزئية الفصل بين السلطات، يوضح كردوس، أنّ “ما ورد في الإعلان في هذه الناحية تطرّق إلى أنّ نظام حكم يعتمد على نظام الفصل بين السلطات، بينما يجب توضيح شكل نظام الحكم: فهل هو رئاسي أم برلماني؟ أو يجمع بين الرئاسي والبرلماني؟ هل هو مركزي أو لامركزي؟ فالفصل بين السلطات مبدأ دستوري وليس نظاماً للحكم”.

وبرأيه، “الفصل بين السلطات لم يتحقّق في الإعلان الدستوري إلا من ناحية العناوين فحسب، ولا يزال موضوع استقلال القضاء والسلطة القضائية مبهماً، ولا سيّما أنّ المحكمة الدستورية العليا التي يعيّنها رئيس الجمهورية من مهامها محاسبة رئيس الجمهورية ومحاكمته، وهذا يشير إلى تدخّل السلطة التنفيذية في أعمال السلطة القضائية، ويمكن القياس على ذلك في ما يخصّ مجلس القضاء الأعلى، أو تعيين رئيس الجمهورية لمجلس الشعب بالكامل، سواء بطريقة مباشرة (التعيين)، أو بطريقة غير مباشرة (تعيين اللجان أو الهيئات الناخبة التي ستعيّن الثلثَين الباقيَين)”.

فضلاً عمّا سبق، يحذّر كردوس، من أنّ “منح الإعلان الدستوري رئيس الجمهورية صلاحيات واسعةً، قد تجعله فوق الدستور، خاصةً أن طرق محاسبته أو الرقابة على أعماله أو محاكمته ليست من صلاحيات أيٍّ من السلطات الثلاث، وفقاً لما ورد في الإعلان”.

وبشأن التزام “الإعلان الدستوري” بالدساتير والقوانين الدولية، يبيّن كردوس، أنّ “هناك آراء متباينةً حول مدى التزام الإعلان الدستوري بالدساتير والقوانين الدولية. لكن الإعلان أورد التزام الدولة بالمعاهدات والاتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان، وإن حصرها في الاتفاقيات والمعاهدات التي صادقت عليها سوريا سابقاً، وكنّا نتمنى لو تبنّى الإعلان الدستوري الشرعية الدولية لحقوق الإنسان بشكل واضح”.

“نقص خبرة وسلق”

من جهته، يرى المحامي رامي جلبوط، أنّ ما صدر “يتجاوز الإعلان الدستوري إلى دستور مؤقت”، لأنّ الإعلان الدستوري يتكون عادةً من إعلان بعض المبادئ التي ستعمل الدولة على أساسها في الفترة الانتقالية، في حين أنّ ما أُطلق عليه “الإعلان الدستوري” احتوى على تفاصيل كثيرة ولم يكتفِ بالمبادئ العامة.

ويضيف لرصيف22: “هذه مسألة ليست في صالح القيادة السورية الجديدة، إذ أربكت نفسها بذلك وأربكت الجميع. فالإعلان الدستوري وإن ذكر الكثير من التفاصيل، إلا أنه مليء بالفجوات الخطيرة والتناقضات الفادحة التي سيكون من الضروري العمل على سدّها لاحقاً، ولكن بآلية أعقد مما لو كان إعلاناً مختصراً فحسب”.

يتابع جلبوط: “بطبيعة الحال، يمكن القول إنّ هذا الإعلان الدستوري أو الدستور المؤقت يمثّل من وضعوه، وليس بالضرورة أن يمثّل جميع السوريين، لأنه -وكما تم التنبيه- فيه ما فيه من الفجوات والتناقضات التي تحتاج إلى تفسير وتوضيح”. ويعتقد المحامي السوري، أنّ أسباب غياب بعض المصطلحات وورود الكثير من البنود الفضفاضة ترجع “بالدرجة الأولى إلى أنه يعبّر عن توجّه القيادة الجديدة في إدارة المرحلة الانتقالية، وإلى قلة الخبرة لدى واضعي الإعلان الدستوري وعدم إحاطتهم الكافية والوافية بالبنية التشريعية السورية، فضلاً عن الاستعجال في وضع الإعلان الذي ‘سُلق سلقاً’ حتى صدر بلا هوية واضحة. مثال على ذلك: محاولة وضع نظام رئاسي بدل النظام شبه الرئاسي السابق مع الاحتفاظ بالبرلمان… هذا يذكّرنا بالبدعة التي وضعها النظام السابق عندما تبنّى ما سمّاه وقتها ‘اقتصاد السوق الاجتماعي’. فالإعلان جاء بنظام رئاسي يُفترض أنه يشبه النموذج الأمريكي، ولكن مع برلمان يتولّى عملية التشريع”.

“لا ديمقراطية من دون انتخابات”

أما المحامي كامل نوفالي، فيرى أنّه “لا وجود لمسار جيّد أو سيئ في كيفية إصدار الإعلان الدستوري المتعلّق بالجهة المُكلّفة بصياغته أو الجهة التي كلّفتها بذلك، بل يعتمد الموضوع على أسلوب نهاية المرحلة الاستثنائية التي نطلب من الإعلان الدستوري تنظيم الانتقال منها نحو حالة مستقرّة دائمة. والمشكلة في سوريا، بعد سقوط نظام الأسد، ليست في كون السلطة منتخبةً أو لا، بل في إهمالها ديمقراطية المسار الإجرائي في انتخاب جمعية تأسيسية كما حصل في سوريا عام 1920، لتلافي أي طعن في شرعية العملية الانتقالية، ومنح الشعب إحساساً بمشاركته في الحدث، وتعزيز الوحدة الوطنية التي تحتاجها سوريا في هذه المرحلة”.

ويستطرد نوفالي: “يُفضَّل عادةً ألا يتطرّق الإعلان المؤقت إلى ذكر المسائل الخلافية -وكم هي كثيرة في سوريا- وأن يقتصر على ما هو ضروري للمرحلة الانتقالية وأهدافها، وتفاصيل حياة الناس. فالمشكلة ليست في كونه مختصراً، بل في طول المرحلة الانتقالية، ولذلك لا يمكن لإعلان مختصر وفضفاض وغير دقيق أن يدير سوريا ومسائلها الإشكالية لخمس سنوات”.

“من جهة أُخرى، لم يهتمّ واضعو الإعلان الدستوري بالديمقراطية الإجرائية المتعلّقة باللجنة التي صاغته، ولم تتحدث مواده عن عملية انتخابية واحدة. ولذلك، لا مجال أصلاً لذكر الديمقراطية في مواده، وهذا أمر كان من الممكن تلافيه لو تضمّن الدستور خريطة طريق لإعداد الدستور الدائم، وأكد على ديمقراطية المسار الإجرائي لوضعه، ولكن واضعي الإعلان أصرّوا على إهمال تحديد هذا المسار، وترك الموضوع فضفاضاً ريثما تستقرّ التوافقات الخارجية في ما يخصّ الشأن السوري، فيتمّ تعديل مواد الإعلان بما يتناسب مع تغيرات وتقلبات الظروف في المرحلة الطويلة نسبياً”.

الأقليات أكثر تخوّفاً

إلى ذلك، تتعاظم مخاوف الأقليات في سوريا من “الإعلان الدستوري” على نحو خاص في غياب تحديد “هوية الدولة”، والتأكيد على “الديمقراطية” ومفاهيم “حقوق الإنسان والحريات”، والتغاضي عن حق المواطنة وأهميتها.

والجمعة 14 آذار/ مارس، أعلن مجلس سوريا الديمقراطية “قسد”، رفضه الإعلان الدستوري، وعدَّ ذلك امتداداً لرفضه “مؤتمر الحوار الوطني”، مشدّداً على أنّ كل ما يُبنى على نتائج هذا المؤتمر “سيبقى قاصراً عن معالجة القضية الوطنية”، ومشيراً إلى أنّ “الإعلان الدستوري يعيد إنتاج الاستبداد بصيغة جديدة، ويكرّس الحكم المركزي، ويمنح السلطة التنفيذية صلاحيات مطلقةً، ويقيّد العمل السياسي، ويجمّد تشكيل الأحزاب، ما يعطّل مسار التحوّل الديمقراطي”.

كما رفض “المجلس الوطني الكردي”، في شمال شرق سوريا، على لسان عضو أمانته العامة شلال كدو، “الإعلان الدستوري”، إذ قال لشبكة “رووداو”، إنّ “الإعلان الدستوري كُتب بعقلية تقوم على أمّة واحدة ودين واحد، ولم يضمن حقوق المكونات القومية والدينية في البلاد”، مطالباً باتخاذ بعض الإجراءات لإصلاح الإعلان، بحيث “يضمن حقوق جميع القوميات والمكوّنات في البلاد، لأنّ خمس سنوات ليست مدةً قصيرةً لإدارة بلد”.

كما اعتبرت الإدارة الذاتية في شمال شرق سوريا، أنّ “الوثيقة الجديدة تضم بنوداً ونمطاً تقليدياً يتشابه مع المعايير والمقاييس المتّبعة من قبل حكومة البعث، ويتنافى الإعلان مع حقيقة سوريا وحالة التنوع الموجود فيها، وهو تزوير فعلي لهوية سوريا الوطنية والمجتمعية”.

وأكد المجلس الإسلامي العلوي الأعلى في سوريا والمهجر، في بيان له، أنّ “الإعلان الدستوري يُكَرِّس الرؤيا الشمولية للحكم السابق ويُعيد إنتاج ديكتاتورية إقصائية بصيغة جديدة، ولا يضمن التمثيل العادل لقيام الدولة التي تنشدها أطياف ومكونات الشعب السوري كافة، وهي الدولة المدنية التعددية الديمقراطية الوطنية الشاملة”. كما لفت البيان إلى “طلب الحماية الدولية، وهو مطلب الأغلبية الساحقة من أبناء الطائفة العلوية وغيرها من الأقليات”، كما طالب بـ”سحب كل الفصائل بمختلف مسمياتها من الساحل السوري”.

“وهم التصريحات… وصدمة الواقع”

وفي سياق متصل، يقول الكميت عيسى، من اللاذقية، لرصيف22، عن “الإعلان الدستوري”: “كان الاعتقاد السائد عقب إسقاط نظام الأسد، أنّ أسباب الانقسام بين السوريين انتهت، وأنّ سوريا للجميع التي نحلم بها أصبحت أقرب من أي وقت مضى، خاصةً بعد وعود الإدارة الجديدة الجميلة إعلامياً، ولكن التنفيذ على الأرض استند إلى مبدأ ‘من يحرّر يقرّر'”.

كما يرى أنّ الإعلان “لم يراعِ أيّاً من مخاوف الأقليات المتعلقة بالتطرّف، وتهديد السلم الأهلي، لاعتقاد المعنيين بأنّ هذه القضايا بحاجة إلى وقت لحلّها، وكأن المتضررين من التطرّف يملكون الوقت الكافي للحفاظ على حياتهم من الانتهاكات المرتكَبة بحقهم”.

ويشدّد عيسى، على وجوب “أن يتضمّن أي دستور مبادئ أساسيةً تُعدّ فوق الدستور ذاته، تراعي مخاوف جميع المكونات، كمخاوف الأقليات في الساحل من التجاوزات والانتهاكات الواقعة هناك من قتل طائفي وطرد للسكان من منازلهم. لم ترِد في الإعلان الدستوري أيّ مادة تجرّم هذه الأفعال أو تجرّم عملية التغيير الديمغرافي، وتضع خطةً تمنع ذلك وتساعد المتضرر على تحصيل حقوقه”.

“استمرار الشوفينية”

في الأثناء، يعتقد شفان حكمت العمر، من القامشلي، أنّ “الجميع يعلم أنّ الكرد سوريون ومتمسكون بأرضهم، وعانوا ما عانوه طوال فترة حكم البعث، خصوصاً في ما يتعلق بالهوية وحرية ممارسة طقوسهم، وتأمّلنا بعد إسقاط نظام البعث في عودة سوريا وطناً جامعاً لكل أبنائه”.

ويستدرك في حديثه إلى رصيف22: “لكن الإعلان الدستوري لم يأخذ مخاوف الكرد السوريين بعين الاعتبار، فما الذي سيحصل لو تغيّر اسم الدولة ليصبح الجمهورية السورية، عوضاً عن الجمهورية العربية السورية؟ في سوريا العديد من القوميات غير العربية الشريكة في تاريخ سوريا وحاضرها ومستقبلها، ولا يجب أن يُجبَر أبناؤها على أن تكون العربية عنواناً لجنسيتهم. كذلك، ما الذي سيحصل لو تم اعتماد اللغة العربية لغةً رسميةً للبلاد مع ذكر لغات المكوّنات العرقية الأُخرى، كلغات تُغني الهوية السورية، وتثبيتها ضمن الدستور؟”.

يضيف العمر: “خلال زمن البعث، حُرمنا من بطاقة الهوية، ومن يحصل عليها يُجبر على حمل جنسية عربية برغم كونه كردياً، هذا غير الخوف من الحديث باللغة الكردية علناً، إذ كان نظام البعث نظاماً شوفينياً يحاول طمس كل المكوّنات غير العربية، وهذا الإعلان الدستوري الصادر أخيراً لم يراعِ هذه الخصوصية بشكل واضح وصريح في بنوده، والخوف اليوم من استمرار عقلية الإقصاء الشوفينية البعثية”.

“إعلان مُفصّل على قياس السلطة”

مُصلح هلال الجباعي، وهو ناشط مدني من السويداء، يقول لرصيف22: “صدر الإعلان الدستوري الحالي دون أن يشارك جميع السوريين في كتابة بنوده، بل اقتصر الأمر على مجموعة اختارتها الإدارة الجديدة لتصيغ بنود إعلان دستوري مفصّل على قياسها”.

ويرى الجباعي، أنه من الضرورة في مكان أن تضمّ اللجنة ممثلين من أطياف المجتمع السوري كافة، حتى يُكتب للإعلان أن يكون “سورياً شاملاً ويراعي مخاوف وتطلعات جميع أبناء الشعب”، مردفاً أنّ “اتّباع هذه المنهجية بالإقصاء -والتي لمسناها منذ بداية تولّي الإدارة الجديدة مهمة قيادة البلاد كما حدث في المؤتمر الوطني وغيره من الأمور- تدفع البلاد نحو مزيد من التعقيد”.

وفي ما يتعلّق بالإعلان، “لم نجد ما يضمن حقوق المكونات بشكل واضح، ولم نجد أي عبارة أو جملة أو كلمة تدلّ على الديمقراطية أو المدنية، فكل عباراته فضفاضة، عدا عن رفض المكوّنَين الكردي والعلوي للإعلان وفق ما صرّحت به قيادات المكوّنين. فهل من المنطق أن يتعرض الإعلان لكل هذه الانتقادات ويكون إعلاناً مناسباً للجميع؟”، يتساءل الجباعي.

رصيف 22

————————–

تجريم الأسدية”: أمعقول هناك من يُنكر المقتلة السورية؟/ إيناس حقي

15.03.2025

لم أتصوّر أن نحتاج يوماً إلى خوض حوار حول ضرورة استصدار قانون يجرّم “الأسدية”، لأنني بكلّ بساطة وبكلّ سذاجة لم أتوقّع أن يُنكر جرائم النظام أحد بعد رحيل الأسد عن السلطة!

تتعالى الأصوات منذ سقط نظام الأسد في سوريا، من أجل استصدار قانون يجرّم “الأسدية” وإنكار جرائم النظام السوري السابق، وقد صدر الإعلان الدستوري، وتضمّن في مادّته التاسعة والأربعين بنداً يجرّم “تمجيد نظام الأسد البائد ورموزه، ويعدّ إنكار جرائمه أو الإشادة بها أو تبريرها أو التهوين منها، جرائم يُعاقب عليها القانون”، وتبدو هذه المادّة صادرة إرضاء للرغبة الشعبية، وتماشياً مع الحملات التي أُطلقت في سبيل إسكات أصوات قضت سنوات طوالاً، وهي تدافع باستشراس عن المقتلة الأسدية. 

 يمكن تفهّم دعوات وحملات تجريم الأسدية في ظلّ ما تعرّض له الشعب السوري الثائر من فظائع، بالإضافة إلى ما طلع علينا من تصريحات لشخصيات كانت تدعم الأسدية، ما زالت  تبرّر وتشكّك في جرائم كبرى، كاستخدام السلاح الكيماوي، وقتل مئات الآلاف تحت التعذيب في المعتقلات، ورمي البراميل المتفجّرة عشوائياً على المناطق المدنية الآهلة بالسكان.

 دفعتني هذه الدعوات إلى البحث قليلاً في تاريخ تجريم إنكار الإبادة النازية، لكي أفهم أكثر، وأحدّد موقفي من تجريم الإنكار.

فرنسا وألمانيا هما البلدان الأوروبيان الوحيدان اللذان يجرّمان إنكار المحرقة بحقّ اليهود، ويجب الأخذ بعين الاعتبار أن القانون الفرنسي وُلد في سياق خاص، بعد شهرين من تخريب مقبرة يهودية، وبهدف وقف خطابات الكراهية، ومعاداة اليهود السافرة، ففي صيف 1990، صدر قانون فرنسي يجرّم مُنكري الإبادة بحقّ اليهود في الحرب العالمية الثانية، تمّ تبنّي القانون واسمه “قانون غيسو”، نسبة إلى جان كلود غيسو النائب الشيوعي الذي اقترحه.

ومنذ تبنّيه، طرح الكثير من التساؤلات والاحتجاجات، وعلى رأسها سؤال: هل حدّ هذا القانون من انتشار الإنكار؟، صحيح أن بعض حَمَلة هذا الخطاب حوكم معظمهم بغرامات مالية، وقلّة منهم بالسجن، لكن هذا الخطاب لم يتوقّف عن الانتشار في المجتمع الفرنسي، وقد سمح ظهور الإنترنت بتوسّع نطاقه، وبتزايد وقاحة حامليه متخفّين وراء الأسماء الوهمية.

واجه طرح القانون معارضات عديدة، بدايةً، اعترض بطبيعة الحال حَمَلة خطاب إنكار المحارق النازية، وكانت “الجبهة الوطنية الفرنسية” بقيادة جان ماري لوبن، الجهة السياسية الوحيدة التي عارضت استصدار القانون علناً، وكانت حجّة هؤلاء الدفاع عن حرية التعبير.

بعد تبنّي القانون، ظهر نقد جديد في البرلمان ومجلس الشيوخ وبين النخب الثقافية والمؤرّخين، لأنهم وجدوا أن مهمّة القانون لا تشمل تعريف الحقائق التاريخية، فتلك مهمّة المؤرّخين والناس الشرفاء، وبرأيهم لا يُكتب التاريخ في قاعات المحاكم. كما عبّر البعض عن خشيتهم من تحوّل المحاكَمين وفق هذا القانون إلى أبطال. بالمقابل أشاد البعض بالقانون ووجدوه ضرورة لحماية مشاعر الضحايا، وقد أشار البعض إلى أنه بمجرد رحيل آخر من عايش المجزرة، يمكن رفع هذا القانون، لكنه ضرورة رأفة بالناجيات والناجين.

يُقال إن بياناً صدر عن مفكرين ومثقفين لمعارضة القانون، وقّعه أحد الناجين من المحرقة، ولعل هذا الشخص هو النموذج الذي علينا تأمّله جيداً والتفكّر فيه، الشخص المستعدّ للدفاع عن حرية التعبير حتى على حسابه الشخصي، الشخص الذي يتسامى عن آلامه الشخصية وعن فقده للأحبة في سبيل أن يعبّر الجميع، بخاصة من يختلفون معه في رأيهم.

منذ قرأت ملخّص استصدار القانون وأنا أفكر في واقعنا السوري، ما المشترك بيننا وبين سياق استصدار “قانون غيسو”؟ المشترك الأول والأساسي هو الناجون والناجيات من الضحايا، ويكاد لا يخلو بيت من متأثرين ومصابين إلا في الفئة الأسدية، التي لم تُمسّ حياتها الشخصية واليومية بما يكفي، لجعلها تكفّ عن الإنكار. المشترك الثاني الأساسي هو رغبة عميقة من الضحايا في حماية الحكاية، التي تعرّضت وما زالت تتعرّض للتشويه والتلاعب.

يبقى النقاش حول آلية كتابة التاريخ شرعياً، فهل نكتب تاريخنا بأن نحصره بيد الدولة؟ أم نسلّمه للمختصّين بكتابته؟ تضعنا هذه الأسئلة في مواجهة مع مبدأ الحقيقة الذي يصرّ كثيرون على أنها غير موجودة أصلاً اليوم، في ظلّ انتشار الأخبار الكاذبة ووسائل التواصل الاجتماعي، وأن المجتمعات تمتلك حقائق متعدّدة ووجهات نظر مرتبطة بتموضعها من هذه الحقيقة، بينما يصرّ الضحايا على أن حقيقة واحدة حصلت ولا بد من توثيقها والاعتراف بحدوثها.

من ناحيتي، أعلم أن عالم اليوم يخلط الحقائق ويتلاعب بها، بالمقابل يفاجئني أن تكون حوادث غير قابلة للنكران بحاجة إلى النقاش، على سبيل المثال، أعتقد أن اعتقال مئات آلاف السوريين والسوريات في مسالخ بشرية، لا يحتاج إلى إثبات يفوق فتح أبواب هذه السجون، وشهادات آلاف الناجين والناجيات، ووثائق عن موت آلاف في غياهب السجون الأسدية. لذا لم أتصوّر أن نحتاج يوماً إلى خوض حوار حول ضرورة استصدار قانون يجرّم الأسدية، لأنني بكل بساطة لم أتوقّع، بكل سذاجة، أن يُنكر جرائمها أحد بعد رحيل الأسد عن السلطة.

تستمرّ أزمة عشتها منذ اندلاع الثورة السورية، وهي عجزي عن فهم عقلية المدافعين الشرسين عن النظام الأسدي ونفسيتهم، عجزت عن فهمهم في حينها وما زالوا قادرين على إدهاشي، وأتذكّر دوماً نقاشاً خضته مع أحد موالي الأسدية بعد مجزرة الكيماوي، التي ارتكبها النظام الأسدي بحقّ مدنيي الغوطة، حين أصرّ أن النظام لم يرتكب المجزرة، وأن السيناريو السوريالي الذي أتحفتنا به بثينة شعبان هو الحقيقة، أي أن إرهابيين سرقوا السلاح الكيماوي من الجيش، وقاموا بنقل مدنيين من محافظة أخرى وقصفوهم بالكيماوي لاتّهام الدولة.

 وحينها كان جوابي أن السيناريو الذي تصفه يُدين هذا النظام أكثر، ويجب أن يدفعنا إلى المطالبة باستقالة كل من فيه إن صحّت هذه الرواية، فالروايات التي دافع بها النظام الأسدي عن نفسه، كانت تضعه أكثر في دائرة الاتّهام كنظام فاشل مسؤول عن مقتل المدنيين، بسبب عجزه عن ضبط البلاد. وعلى النسق نفسه، تُخبرنا ممثلة أنها لجأت إلى قائد الفرقة الرابعة وشقيق بشار الأسد لحل مشكلة فنية واجهتها، من دون أن تجد غضاضة في أن الدولة السورية كانت تسيّر بهذا الشكل المعيب، فهي لا تلجأ إلى نقابة الفنانين ولا إلى القضاء لتحصيل حقوقها، إنما تلجأ إلى العائلة الأسدية.

لم أتصوّر أننا سنخوض نقاشاً بخصوص إنكار المقتلة الأسدية عندما تتحرّر سوريا من حكم الأسد، ولدى الأمم المتحدة قوائم بنصف مليون شهيد موثّق من قتلهم، ولدى المؤسسات الدولية شهادات يشيب لها شعر الرأس عن المعتقلات، ويبحث مئات الآلاف عن أهلهم المفقودين في السجون، ويصبح متاحاً لنصف سكان البلد أن يعودوا يوماً ما إلى منازلهم.

لم يخطر لي حاجتنا للمطالبة بقانون كهذا، لأنني ببساطة لم أتخيّل أننا سنحتاج إلى ذلك، كما لم أكن أتصوّر في أبشع كوابيسي أن تكون مأساتنا اليوم، مرة أخرى، إنكار تعرّض المدنيين للانتهاك والقتل في الساحل!

 لم أتخيّل أن نُعيد كل ما عشناه، وأن يواجهنا من يخبرنا أن الفيديوهات القادمة من الساحل السوري غير موثوقة، وأن المدني المقتول قد لا يكون مدنياً، وأن يعود الاستقطاب، ويصل إلى حدّ إنكار حق أمّ في رثاء أبنائها، أو إنكار حقّ أبناء القرى في العيش فيها آمنين، والأعجب أن الإنكار استمرّ حتى مع اعتراف الدولة وتشكيلها لجنة للتحقيق.

جلّ ما أتمنّاه اليوم هو أن تنهار ممالك الإنكار، من دون الحاجة إلى قوانين، وأن يكفّ المدافعون عن الأسدية وغيرهم من المنكرين من أنفسهم عن الإنكار، خجلاً وأدباً وتواضعاً أمام الضحايا، من دون أن نحتاج إلى قوانين رادعة. لكن يبدو أنني حالمة. على كلِّ، أفضّل العيش في أحلامي على العيش في عالم بشع، ينظر في أعين الضحايا وينكر عليهم حقّهم البسيط في رواية حكاياتهم كما عاشوها. 

درج

—————————–

==========================

عن الأحداث التي جرت في الساحل السوري أسبابها، تداعياتها ومقالات وتحليلات تناولت الحدث تحديث 15أذار 2025

تحديث 15 أذار 2025

————————

العدالة الانتقالية أولاً/ بشير البكر

15 مارس 2025

تتطلّب الأحداث الطائفية في الساحل السوري من السلطة تحرّكاً عاجلاً، وقراراتٍ ومواقف شجاعة، من أجل الانتقال بحال البلد في خطوة مهمّة إلى الأمام، من حال الفوضى إلى استعادة الدولة. ويجب أن تشكّل التعدّيات والتجاوزات ضدّ المدنيين من أبناء المنطقة فرصةً لتراجع السلطة أساليب عملها، وطرق تفكيرها، قبل أن تفقد الرصيد الشعبي الذي حازته بفضل إسقاط بشّار الأسد، وتخليص البلد من نظام الجريمة. وأول خطوة مطلوبة منها أن تراجع نفسها، وتغيّر منهجها في بناء مؤسّسات الدولة، سياسياً وأمنياً وإعلامياً، والعمل فوراً على الخروج من الدائرة الضيّقة التي رسمتها حول نفسها، منذ وصولها إلى دمشق في الثامن من ديسمبر/ كانون الأول 2024.

رسالة الأحداث واضحة جدّاً، أن الوضع السوري يعاني من احتقان طائفي شديد، ولا يحتمل قيادة البلد انطلاقاً من ردّات الفعل، بل من خلال سياسات تقوم على الاعتراف بالواقع، ومواجهته بشجاعة ومن دون تردّد، وليس على أساس أنه انتقل من ملكية آل الأسد إلى جهات جديدة باتت تملك الحقّ في تصنيف باقي السوريين وفق معايير مذهبية ومناطقية، ومحاسبة بعضهم على جرائم ارتكبها النظام البائد على أسس طائفية.

على نحو عاجل، على السلطة معالجة آثار الأحداث على نحو جادّ ومحترف وشفّاف، ليس انطلاقاً من النتائج فحسب، بل من الأسباب أولاً، كيلا تتكرّر في هذه المنطقة، ومناطق أخرى مرشّحة للانفجار، ولا سبيل إلى ذلك سوى الانطلاق بتطبيق العدالة الانتقالية، بداية من محاكمة الذين ارتكبوا جرائمَ ضدّ المدنيين وقوات الأمن في الساحل السوري خلال الأيام الماضية على قدم المساواة، وهذا شرطٌ ضروريٌّ حتى يقتنع السوريون كلّهم بالعدالة حكماً فصلاً في كل قضايا المرحلة الماضية، التي تعود إلى عقود.

على السلطة الحالية أن تضع في صدارة الأولويات محاكمة المجرمين واللصوص، الذين ارتكبوا جرائم قتل وسرقة في الساحل، وكذلك الفلول الذين حاولوا إعادة نظام آل الأسد، علناً، ومن دون استنسابية، أي أن تشمل العسكريين والمدنيين، المحسوبين على الفصائل والفلول، الأفراد والقادة، حتى تحقّق الهدف المنشود، لأن إحقاق العدالة هو المقياس الأوّل لمصداقية السلطات الجديدة، وهذا يوجب التحلّي بالشفافية والحزم، حتى تكون الخطوات مقنعة، وألا يتم السكوت عن مرتكبي التجاوزات، كما حصل في أحداثٍ سابقة قبل انتصار الثورة، قام بها أفراد وقادة من ممّا كان يعرف بـ”الجيش الوطني”، ومنها ما جرى ضدّ الكرد في عفرين. وإذا لم تحاسب السلطة الجديدة مرتكبي الاعتداءات والتجاوزات، فإنها سوف تخسر أغلبية السوريين، وتقدّم لنفسها صورة سيئة للعالم. ولهذا سوف يشكّل إعلان نتائج التحقيق بتعدّيات الساحل نقطة فصل.

باتت السلطة أمام فرصة ثمينة كي تؤسّس مسار العدالة الانتقالية، انطلاقاً من محاكمة مرتكبي التجاوزات، وفلول العهد البائد، وتعزّز التفاف السوريين حول الدولة السورية، التي ينبغي بناؤها على أسس العدالة والتشاركية والديمقراطية، وقد سبق لسورية بطوائفها كلّها أن عبّرت عن ذلك في لحظة إسقاط المعتوه بشّار الأسد، وعائلته من المجرمين واللصوص. ويجب عدم التهاون بمسألة تنظيف البلد من وجود الذين يتلقّون الدعم من إيران وغيرها، وتفويت الفرصة على مشروع التقسيم الذي تتبنّاه إسرائيل، وتنادي به علانيةً، من خلال ادّعاء حماية مكوّنات سورية بعينها، ويشكّل الاتفاق بين الدولة السورية وقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، إنجازاً مهمّا يقطع الطريق على المخطّط الإسرائيلي، وقد جاء في لحظة سياسية حسّاسة بعد أحداث الساحل، ليوجّه رسالة إلى الخارج بأن سورية عصيّة على التدخّلات الخارجية، حينما تكون موحّدةً داخلياً.

العربي الجديد

————————————-

مسؤوليّتنا في أحداث الساحل السوريم راتب شعبو

15 مارس 2025

شهد الساحل السوري، منذ 6 مارس/ آذار الجاري، مجازر طائفية رهيبة، كنّا اعتقدنا (ساذجين ربّما)، أن سورية تجاوزتها، وبدأت تضع أقدامها في طريق جديد، بعد أن تخلّصت من نظام المجازر. كانت شرارةَ انطلاق المجازر في الساحل عمليةٌ عسكرية (كمين) لعناصر من النظام السابق ضدّ دورية للأمن العام، راح ضحيّتها أفراد الدورية كلّهم، ثمّ رافق عمليات الإبادة الطائفية التي انطلقت عقب هذا الكمين مجموعة كمائن غادرة ومنسّقة (الاستغاثة بدورية للأمن العام ثمّ استهداف الدورية المقبلة تلبيةً للنداء) من هذه العناصر المفلسة سياسياً وأخلاقياً، حتى في أوساط السوريين العلويين، تسبّبت في استشهاد بين مائة ومائة وخمسين من عناصر الأمن العام، بحسب التقارير.

لم يصدُر من المجتمع العلوي ما يؤيّد هذه العمليات ضدّ عناصر الأمن العام، الذين غالباً ما كانوا الجهة التي يستنجد بها (وليس ببقايا النظام) العلويون خوفاً من جماعات الإبادة، كما لم يذهب شباب الطائفة العلوية إلى الانضواء مع هذه العناصر المجرمة، التي تبحث عن زعزعة الأمن، كي تجد لها مخرجاً من المحاسبة. لم يذهب العلويون إلى الموت، لا سعياً وراء إعادة نظام كان قبل سقوطه أصلاً في عداد الأموات، ولا دفاعاً عن “فلولٍ” مفلسين، لكن الموت جاءهم وهم في بيوتهم، بعد أن سلّم منهم من كان يملك السلاح سلاحه إلى الدولة، وباتوا عزّلاً بالكامل. يشهد على ذلك أن أحداً من جماعات الإبادة لم يتعرّض لأيّ أذىً، بينما يقتلون العائلات واحدة واحدة، ويتفنّنون بإذلال الأهالي وتعذيبهم وقطف أرواحهم، ويطلقون تصريحات طائفية مقزّزة، وينتقلون من قرية إلى أخرى بطريقةٍ تذكّر كاتب هذه السطور بحالة المهاجع في سجن تدمر، حين يبدأ فريق التعذيب جولته، فنسمع الأصوات وهي تقترب من المهجع، وليس لنا إلا أن ننتظر الوحشية المقبلة.

رحّب عموم السوريين العلويين بالسلطة الجديدة، ولم نشهد أيّ حوادث ضدّ القوات التي بدأت تشغل فراغ الدولة. إحدى العائلات التي أبيدت كانت قد نشرت صوراً لأفراد العائلة، عقب سقوط النظام، وهم يحتفلون بـ”النصر” ويرقصون رافعين شاراته ويلفّون أنفسهم بالعلم الأخضر. وقد نشر كثيرون المنشورات الوطنية والثورية لأحد الشباب من ضحايا المجزرة، ولم يكن هذا الشاب سوى ابن المرأة الشجاعة التي شغلت صورتها وسائل التواصل، وهي تردّ تهمة الغدر التي يوجّهها إليها قتلة غارقون في الغدر. ولكنّ ترحيب العلويين بالسلطة الجديدة تضاءل، وبدأ أملهم يخبو، على وقع ما راحت تُسمّى “التجاوزات الفردية”، التي كانت طوال الفترة الماضية بمثابة تمهيد وجسّ نبض قبل إطلاق العنان للمجازر.

الواقع أن الأشهر الثلاثة السابقة للمجازر الطائفية لم تخلُ يوماً من اعتداءات وانتهاكات بحقّ السوريين العلويين، وصل بعضها (مجزرة فاحل في أواخر يناير/ كانون الثاني، ومجزرة أرزة في بداية فبراير/ شباط) إلى ما يشبه بروفات للمجازر التي نتكلّم عنها. طوال هذه الفترة، كان كثيرون يقلّلون من شأن تلك الانتهاكات، مطالبين بإعطاء السلطة الجديدة الوقت، مكرّرين عبارة “كنا نتوقّع مجازر فظيعة لكنّها لم تحصل”، سيراً على المنطق الذي يكرّس قبول الواقع بمقارنة السيئ بما هو أسوأ، وعلى اعتبار أنه لا حدود للسوء، فإن ما هو واقع، وفق هذا المنطق، ينبغي قبولُه دائماً، وأن النقد والاحتجاج ليس سوى تذمّر أو “نقّ”. وهذا لا يعني أن أصحاب هذا المنطق (الفاسد سياسياً) لا يمكن أن يرفضوا الواقع، إنهم يرفضونه، ولكن حسب مبدأ كيفيٍّ لا علاقة له بقيم أو بمبادئ عامة، ولذلك تراهم يقبلون اليوم ما كانوا يرفضونه بالأمس. فكما يعرض هؤلاء جلداً سميكاً حيال مجازر اليوم، فيما كانوا يستفظعون مجازر الأمس، يستفظع أمثالُهم مجازر اليوم، فيما كانوا يعرضون جلداً سميكاً حيال مجازر الأمس. هذا من العيوب الكبيرة في ثقافتنا السياسية، العيوب التي تجعلنا عاجزين عن الخروج من دائرة التسلّط والمجازر.

قناعتنا أن الموقف غير الأخلاقي، الذي عرضه التبريريون المتهاونون مع الانتهاكات بحقّ المدنيين العلويين الأبرياء، التي كانت توصَف خلال الأشهر الثلاثة الماضية “حوادث فردية”، وليست نهجاً للسلطة الجديدة، والذين سعوا إلى تكذيبها وكتمها لصالح “بناء الدولة”، كما كرّر من يعتقدون أنفسهم حكماء وبعيدي نظر، كان من جملة الأسباب التي جعلت المجازر اللاحقة ممكنةً، وكان من جملة الأسباب التي تقود اليوم إلى بناء دولة فئوية شبيهة بسابقتها، أي تقود، في النهاية، إلى تقويض معنى الدولة.

وعلى سيرة الدولة، كثير من “حكماء” الأمس كانوا يبرّرون ويتهاونون مع جرائم النظام السابق بحقّ الخارجين عليه، من منطلق الحفاظ على الدولة أيضاً، في الحالتَين تبرّر الجرائم حبّاً بالدولة، ولكن أيّ دولةٍ تلك التي تقتل أو تتهاون في قتل محكوميها وإذلالهم. هل يرى هؤلاء أن مجتمعنا محكومٌ بالاختيار بين دولة تسلّطية عدائية تجاه محكوميها ودمار الدولة والفوضى؟… الواقع أن هؤلاء يندبون أنفسهم كي يكونوا جنوداً أو خدماً لأصحاب النفوذ والسلطة، ولا يخرُجون على السلطة (حين يخرجون) إلا لخدمة متنفّذين تسلّطيين جدد.

لا يتراكم في بلداننا إلا الدمار والموت. تذهب الجهود الفكرية المنيرة والسياسية الخيّرة هباءً، ولا تتراكم، ولا يجد أصحابها سوى العجز أمام زحف الهمجية الفظيع. لا تجد سورية، بعد كلّ شيء، ما يقف في وجه الحثالة التي تظهر في السطح وتمارس أبشع أنواع جرائم الإبادة الطائفية. هكذا تشهد الشوارع النكوص من الهتاف للحرّية إلى الهتاف لـ”إبادة العلوية”، هذا في بلد شهد ثورةَ “كرامة وحرّية”، ودفع ثمناً غالياً لأنه تهاون فيما مضى مع بناء دولة تقوم على التمييز والاحتكار والعنف. حتى يتساءل المرء، كيف كان هؤلاء، الذين تفوح من أفواههم رائحة الجثث اليوم، أنصار ثورة في الأمس؟

لا شيء كريماً يتراكم في هذه البلاد، التي تتوالى فيها النكبات، وتصبح النكبة السابقة منطلقاً للتالية وأساساً لتبريرها. الناس أنفسهم الذين ضحوا من أجل قيم وأفكار وطنية وعادلة، يهجرون هذه الأفكار، ويتلكّؤون في إدانة الجريمة التي كانوا ضحيةَ ما يشبهها بالأمس. الناس أنفسهم الذين كانوا يجتهدون للردّ على أكاذيب وروايات الأسد، تراهم يردّدون أكاذيب وروايات لا تقلّ سخفاً.

العربي الجديد

————————

أنا يقتلني نصف الضمير أكثر/ بسام يوسف

2025.03.15

هل تتذكرون “علي مصطفى المحمد”، الطفل الذي لا يتجاوز العاشرة من عمره، الجالس على قارعة الطريق بجانب بيوت مهدمة، في قريته “كفرنبودة” في ريف حماة الشمالي، والذي رد على سؤال أحد ما قائلاً ببساطة طفل مقهور:

“نحنا بشار الأسد قتلنا، نهبنا، نحنا قاعدين هون أشو عملنالو لبشار الأسد، نحنا منعبي مي لنشرب، نحنا مالنا ذنب، دمر بيوتنا..الخ”.

لا أبالغ إن قلت أنني شاهدت هذا الفيديو عشرات المرات، وشاركته على صفحتي عدة مرات، ليس هذا ما أريد قوله، ما أريد قوله أنني في المرة الأولى لمشاهدتي له بكيت بصمت للحظات، ثم بكيت بحرقة، ولم أكمل الفيديو.

بعد ساعات قررت إكمال مشاهدة الفيديو، كنت أتحدى صمود روحي، لكنني فشلت وبكيت مرة أخرى، وحتى اليوم ورغم كل رهاناتي على عبور هذا الفيديو دون أن تدمع عيناي إلا أنني أفشل دائماً في هذا التحدي، ما إن تدمع عينا “علي” في الفيديو حتى تدمع عيناي.

شاهدت مئات الفيديوهات المؤلمة والصادمة خلال سنوات الثورة السورية، كان القهر يقبض على روحي مثل كماشة، وأغص وتدمع عيناي في مرات كثيرة، لكن فيديو “علي” ظل يحفر في روحي على نحو مختلف، يشعرني كما لو أنني أرى في عينيه الدامعتين وصوته الطفولي المبحوح حزن العالم كله.

منذ أيام وأنا أعيش الإحساس نفسه بعد رؤيتي للأم السورية “أم أيمن” وهي تجلس بجانب جثث ابنيها وحفيدها، صامتة بينما يضع مسلح قدمه على رأس جثة ابنها، لا تتوسل له كي ينزل قدمه، ولا تصرخ، ولا تبكي، كأنما سكب القهر قوة العالم في روحها، وهو – أي المسلح – وبلا أي اختلاجة ضمير، أو أي شعور بالإنسانية، أو أدنى احترام لأم مفجوعة على بعد أمتار منه، يلتقط لوحشيته، ولبشاعته ذكرى يتباهى بها.

وضعت صور وفيديو “أم أيمن” السوريين جميعاً أمام معضلة أخلاقية كبيرة، فانقسموا حولها، لكن الصادم في الأمر أن نسبة ساحقة منهم حاولت المداورة في الأمر، وأخرجته من جوهره بوصفه جريمة، أو فعلا صادما أخلاقياً، ودينياً وإنسانياً، وذهبت به إلى السياسة، فتعددت الروايات وتناقضت وكذب بعضها بعضاً، لكن في كل هذا الانقسام ثمة ما يشكل برأيي جوهر الفاجعة الأهم، والتي تتكثف بأننا غدونا بمعظمنا بلا أخلاق، مشوهين إلى حد التساؤل العميق عن مدى قدرتنا على أن نكون بشر أسوياء.

بالتأكيد لم يكن ما حدث استثناء في السنوات السابقة، فقد شاهد السوريون آلاف الصور والفيديوهات الأشد قسوة وألماً، لكن ما يختلف اليوم هو أن ما يحدث الآن يحدث بعد انتصار الثورة، وبعد سقوط النظام، أي أن ما ثار السوريون لإخراجه من حياتهم، ودفعوا ثمناً غالياً من أجل ذلك، يعود ليشكل جزءاً من حياتهمّ!!

برأيي أن الانقسام الأخطر الذي تجلى في الأيام الأخيرة لم يكن بالمعارضة أو التأييد للسلطة الحالية، ولم يكن بالطائفية، رغم خطورتها، بل كان في الأخلاق، فالجريمة مهما بلغت بشاعتها لم تعد جريمة، بل أصبحت رأياً سياسياً، ولها أنصارها، ومؤيديها، والمدافعين عنها، وباعتبارها أصبحت رأياً فلا بد أن يكون في مواجهتها رأي آخر، أي أصبح لكل رأي جرائمه المبررة، والمقدسة، والتي يختلف السوريون اليوم حولها ويفترقون على عداوات حقيقية.

المجزرة الأخلاقية الكبرى التي نعيشها اليوم ستفوق في تداعياتها ما فعلته سنوات الثورة كلها، ففي الاختلاف حول المصالح، والاختلاف في العقائد والهويات الفرعية ما يمكن الاشتغال عليه عبر توافقات ثقافية وقانونية ودستورية، وبالتالي يمكن إيجاد عقد اجتماعي ناظم لجموع التباينات والاختلافات، وهناك تجارب لا عد لها في عالمنا المعاصر، لكن كيف يمكننا إيجاد حل للاختلاف بين “جرائمنا” و”جرائمهم” وهل بالإمكان إيجاد عقد “جرائمي” على غرار العقد الاجتماعي؟!، وبيت الشعر الشهير الذي قرأناه صغاراً وحفظناه على مقاعد الدراسة ” للشاعر أحمد شوقي: “وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا”، هل يصبح حقيقة في علم اجتماعنا اليوم؟!

في الجريمة لا يمكنك أن تكون طائفياً، كما في سعر الصرف، وكما في السرطان والسل، وكما في كرة القدم، وكما .. وكما.. فالجريمة هي تعريف تتطابق العلوم الاجتماعية والقانونية والسياسية في عالمنا المعاصر عليه، لكن الموقف من الجريمة هو ما يميز عالمنا الراهن، وفي تباين المواقف بين الدول حول جريمة ما تلعب السياسة وكواليسها دوراً أساساً في هذا التباين، لكن ماذا بخصوص تباين الأفراد في موقفهم من الجريمة؟

قد يكون هناك عوامل عديدة تؤثر في موقف الأفراد من الجريمة، منها السياسة والمقدس ومصالح الأفراد، والثقافة وغير ذلك لكن العامل الحاسم في هذا هو الضمير، فالضمير هو صاحب القرار في تقييم مدى أخلاقية الفعل، ومدى اقترابه من الجريمة، وأخطر الضمائر ليس النائم، بل هو “نصف الضمير” الذي يجد في كل جريمة أو فعل إمكانية أن يجد لحامله ما يجعله يتنقل بين الحق والباطل كلاعب محترف.

في محنتنا الراهنة، في سوريتنا القادمة، لا يمكننا أن نكون بنصف ضمير، فهذه البلاد المثخنة بالعنف والحقد والدم والجرائم ثمة حاجة ماسة للضمير المترفع عن العصبيات والمصالح.

تلفزيون سوريا

———————-

 لجنة التحقيق الأممية في ذكرى الثورة: سوريا بحاجة إلى عدالة حقيقية لإنهاء الفوضى

2025.03.15

حذرت لجنة التحقيق المستقلة التابعة للأمم المتحدة بشأن سوريا من خطورة تصاعد العنف في البلاد، مشددة على أن سوريا بحاجة إلى عدالة حقيقية لإنهاء الفوضى، والمساءلة عن الانتهاكات بغض النظر عمن ارتكبها.

وفي في الذكرى الـ14 للثورة السورية، دعت اللجنة إلى “تجديد الالتزام بالسلام والعدالة وحقوق الإنسان”، معتبرة أن سوريا “تقف على مفترق طرق عشية الذكرى الرابعة عشرة للنزاع والأزمة التي تمر بها، وفق لجنة الأمم المتحدة بشأن سوريا.

وقال رئيس اللجنة، باولو بينهيرو إنه “بينما نتأمل في هذه الذكرى الأولى بعد انهيار الحكومة السابقة والابتهاج الذي أعقب ذلك، يذكرنا العنف المروع في الأسبوعين الماضيين بالتحديات الهائلة التي تنتظرنا”.

وأضاف أن السوريين “يحتاجون في هذه اللحظة إلى تجديد الالتزام بالسلام والعدالة وحماية حقوق الإنسان لكسر حلقة العنف وضمان المساءلة عن الانتهاكات، بغض النظر عمن ارتكبها”.

ودعت لجنة التحقيق الأممية إلى “تجديد الالتزام بالسلام والعدالة وحماية حقوق الإنسان”، مشيرة إلى أن “هذا هو السبيل الوحيد لكسر دوامة العنف وضمان المحاسبة عن الجرائم المرتكبة من جميع الأطراف”.

تحقيقات نزيهة تعرض نتائجها على الرأي العام

وأعربت اللجنة عن قلقها العميق إزاء موجة العنف الأخيرة في الساحل السوري، والتقارير التي أفادت بمقتل العديد من المدنيين، معظمهم من الرجال، ولكن أيضاً من النساء والأطفال، وهي أحداث قيد التحقيق حالياً.

وأشادت اللجنة بقرار الحكومة السورية فتح تحقيق مستقل في الأحداث الأخيرة، مشددة على “ضرورة أن يجري التحقيق دون تدخل، وأن يحافظ على استقلاليته ونزاهته، وأن يعرض نتائجه بشكل شامل أمام الرأي العام السوري، مع تحديد تفاصيل تسلسل الأحداث والجرائم والانتهاكات المزعومة التي ارتكبتها جميع الأطراف المعنية”.

تحذير من المعلومات المضللة وخطاب الكراهية

كما أعربت لجنة التحقيق الأممية عن قلقها من انتشار المعلومات المضللة على الإنترنت، خاصة مقاطع الفيديو التي تدّعي توثيق انتهاكات حديثة لكنها تعود إلى سنوات سابقة أو نزاعات أخرى، محذرة وحذرت أيضاً من تداول وتصاعد خطاب الكراهية التحريضي على مواقع التواصل الاجتماعي، والذي قد يؤدي إلى مزيد من العنف.

وشدد عضو اللجنة، هاني مجلي، على أن “موجة العنف الجديدة يجب ألا تجعل سوريا تنحرف عن مسارها الهش نحو مستقبل مستقر ومزدهر وعادل، وهو مسار كانت قد بدأت للتو في السير نحوه عندما اندلع العنف مرة أخرى”.

وقال المفوض الأممي إن الحكومة السورية “التزمت باحترام وحماية حقوق الإنسان للجميع في سوريا من دون استثناء”، مؤكداً أن جميع السوريين “متساوون في الحقوق”.

تحقيق العدالة وإنهاء العقوبات

وشددت لجنة التحقيق الأممية على ضرورة محاسبة المسؤولين عن الجرائم المرتكبة في سوريا منذ العام 2011، سواء في عهد النظام المخلوع أو من قبل الجماعات المسلحة.

ودعت إلى الحفاظ على الأدلة المتعلقة بهذه الجرائم، بما في ذلك الوثائق الرسمية ومواقع المقابر الجماعية، لدعم أي جهود مستقبلية لكشف الحقيقة وتحقيق العدالة.

وفي الوقت نفسه، حثت اللجنة المجتمع الدولي على رفع العقوبات القطاعية التي تعيق التعافي الاقتصادي وإعادة الإعمار، محذرة من أن تدهور الوضع الاقتصادي قد يؤدي إلى تجدد العنف.

ملف المفقودين وإعادة تأهيل المفرج عنهم

وسلطت لجنة التحقيق الأممية في بيانها الضوء على قضية آلاف المعتقلين الذين أُفرج عنهم من مراكز الاحتجاز التابعة للنظام المخلوع في كانون الأول الماضي، مؤكدة أنهم بحاجة إلى دعم لإعادة تأهيلهم جسدياً ونفسياً، بالإضافة إلى حل التبعات القانونية المرتبطة باعتقالهم ومصادرة ممتلكاتهم.

ودعت اللجنة الحكومة السورية إلى تكثيف الجهود لمعرفة مصير عشرات الآلاف من المفقودين منذ عام 2011، بالتعاون مع المجتمع المدني السوري والمنظمات الدولية، مثل اللجنة الدولية للصليب الأحمر.

وأكدت عضو لجنة التحقيق الأممية، لين ولشمان، أن الضحايا والناجين من النزاع في سوريا “يستحقون معرفة الحقيقة وتحقيق العدالة والتعويض عن الأضرار التي لحقت بهم”، مشيرة إلى أن السوريين “يواجهون صدمة وطنية وعابرة للأجيال، ويحتاجون إلى تضامن دولي حقيقي يساعدهم على بناء مستقبل قائم على الكرامة والسلام”.

تلفزيون سوريا

—————————

الإيكونوميست: هل يمكن لرئيس سوريا أن يوحدها بعد أن سفكت فيها الدماء؟

ربى خدام الجامع

2025.03.14

قالت مجلة “الإيكونوميست” في تقرير لها إن سوريا شهدت أعمال عنف دامية بعد سقوط رئيس النظام السوري بشار الأسد في كانون الأول 2024. وذكرت المجلة أن مجموعات مسلحة شنّت هجمات في منطقة الساحل السوري في السادس من آذار، ما أسفر عن مقتل مئات الأشخاص ونزوح الآلاف إلى التلال والغابات ولبنان، وسط تقديرات بوقوع أكثر من 800 قتيل، بينهم مدنيون.

موقف الرئيس

وأوضحت “الإيكونوميست” أن الرئيس السوري المؤقت، أحمد الشرع، واجه تحديًا كبيرًا في احتواء الأزمة. ففي الأيام الأولى، ألقى خطابًا استخدم فيه عبارات دينية أثارت الجدل، لكنه سرعان ما غيّر موقفه، وقدم نفسه كقائد وطني للجميع. واتخذ إجراءات لتهدئة الأوضاع، من بينها تعيين شخصيات من مختلف المكونات السورية في مناصب حكومية، وإنشاء لجنتين للتحقيق في أحداث العنف والعمل على المصالحة الوطنية.

وأشارت المجلة إلى أن الشرع فاجأ الأوساط السياسية بإعلان اتفاق مع “قوات سوريا الديمقراطية”، يقضي بدمجها ضمن مؤسسات الدولة، في خطوة نحو إعادة توحيد البلاد. كما تحدثت عن جهود مماثلة للتواصل مع الزعامات الدرزية، في إطار مساعيه لتعزيز الاستقرار.

توترات داخلية وتحديات المصالحة

وقالت “الإيكونوميست” إن أعمال العنف الأخيرة كشفت عن التحديات العميقة التي تواجه سوريا بعد سنوات الحرب. ولفتت إلى أن الانقسامات المجتمعية لا تزال تلقي بظلالها على الوضع السياسي، مشيرة إلى أن بعض المناطق شهدت ردود فعل متباينة إزاء الأحداث.

وأضافت المجلة أن تصاعد التوتر دفع العديد من العائلات إلى البحث عن ملاذات آمنة، بينما لجأ الآلاف إلى قاعدة حميميم الروسية. وفي دمشق ومدن أخرى، سادت مخاوف من توسع دائرة العنف، ما زاد من تعقيد المشهد الأمني.

صراع على الشرعية والموارد

وذكرت “الإيكونوميست” أن الشرع يواجه تحديات كبيرة في تحقيق التوازن بين الأطراف المختلفة، إذ لم يبدأ بعد أي عملية للعدالة الانتقالية، كما لم يحدد بوضوح خططه لإعادة دمج المسؤولين السابقين غير المتورطين في انتهاكات. ورأت المجلة أن العقوبات المفروضة على سوريا خلال حكم الأسد تسببت في أزمة اقتصادية حادة، ما جعل الحكومة الجديدة غير قادرة على دفع رواتب الموظفين، بينما تستمر بعض الجماعات المسلحة في فرض نفوذها على الأرض.

وقالت المجلة إن الشرع لم يُظهر بعد التزامًا واضحًا بمشاركة أوسع في الحكم، إذ لم ينفذ الوعود التي أطلقها بشأن تشكيل حكومة موسعة ووضع دستور جديد. وبدلًا من ذلك، استمر في إدارة البلاد عبر فريق مقرب منه، ما أثار تساؤلات حول توجهاته المستقبلية.

صفقة مع الأكراد وآفاق المستقبل

وأشارت “الإيكونوميست” إلى أن الاتفاق الذي أبرمه الشرع مع “قوات سوريا الديمقراطية” قد يعيد السلطة المركزية إلى شمال شرقي البلاد لأول مرة منذ سنوات. وأضافت أن هذه الخطوة قد تعزز موقفه العسكري وتوفر تمويلًا لحكومته عبر السيطرة على الموارد النفطية في المنطقة، كما أنها قد تشجع مجموعات أخرى على السعي لتفاهمات مماثلة.

لكن المجلة حذّرت من أن الاتفاق قد يواجه تحديات، مشيرة إلى أن وثيقته التنظيمية لم تحدد تفاصيل واضحة، وأرجأت عملية الاندماج حتى نهاية العام. ونقلت عن مسؤول كردي قوله إن “قسد ستبقى كتلة موحدة دون تغييرات كبيرة”، ما يثير تساؤلات حول مدى واقعية تنفيذ الاتفاق.

وختمت “الإيكونوميست” تقريرها بالإشارة إلى أن الشرع، رغم الصعوبات، تمكن من تحقيق خطوة سياسية قد تفتح الباب أمام استقرار تدريجي، لكنه لا يزال أمام تحديات كبيرة تتعلق بإعادة بناء الدولة ومعالجة آثار الحرب.

المصدر: The Economist

———————-

الساحل السوري: هل هي أزمة عابرة أم مرض مزمن؟/ محمد حميدة

لم تكد تمر ساعات قليلة على المعارك التي جرت في الساحل السوري ولم يكد يعلم أحد عمقها ولا أعداد من شاركوا فيها، ولم تتكشف بعد مدى عمق الأزمة إلا ونحن في الطريق من دمشق متجهين للساحل.

وبالرغم من الاتصالات لتأمين الفريق في رحلته إلى هناك إلا أن الطريق مازال يحمل خطورة.

وصلنا إلى حمص ومنها إلى طرطوس لم تظهر آثار المعارك جلية بعد، ربما بعض السيارات المحترقة وعدد معتبر من نقاط التفتيش.

وصلنا إلى طرطوس منتصف نهار الأحد بعد يومين على الشرارة الأولى لما حدث في الساحل يوم السادس من مارس آذار.

هدوء حذر يلف أرجاء المدينة، المتاجر مغلقة، الناس في الشارع قليلون، حالة من الترقب والاستغراب كلما مررنا بأحد ما، عمليات التمشيط كانت ما تزال جارية من قبل عناصر الأمن السوري.

ونحن أمام مبني المحافظة محاطين بعدد كبير من مسلحي وزارة الدفاع بأشكالها المختلفة ننتظر الإذن بالعمل، قال لنا أحدهم أن أبو علي وأشار إلى أحدهم يرتدي زي أسود جندي استطاع فك أسر 14 من عناصر الأمن السوري من قبضة “الفلول” بقدرته على المفاوضة.

ما إن اتجهت عينيا للكاميرا لأكون على الهواء مع التلفزيون إلا وبدأ ثلاثة منهم بتسجيل ما أقول على كاميرات المحمول الخاصة بهم.

عناصر الأمن السوري

انتهينا من البث المباشر على الهواء واستقبلنا رئيس الدائرة السياسية هناك استقبالا جيداً ورتب لنا لقاءً مع محافظ طرطوس مع السماح بجولة سريعة بالمدينة بصحبة الأمن.

قال لنا أحمد الشامي محافظ طرطوس إن الإدارة الجديدة من البداية حرصت على تهدئة الأمور وعدم إثارة النعرات لكن هجوم من أطلق عليهم اسم “الفلول” قلب الموازين.

ولأول مرة نعرف من المحافظ أن من سقطوا في أول ضربة من قبل مؤيدي النظام السابق كانوا بالعشرات.

الرجل كان منطلقاً في الكلام معنا سواء في التسجيل أو قبله مباشرة وحينما سألناه على الانتهاكات، رمى المسؤولية على عاتق فرق غير نظامية وليست منتمية لوزارة الدفاع جاءت مندفعة من إدلب وحلب وحمص وهم من قاموا بارتكاب انتهاكات!

طرطوس

خيوط النهار بدأت تذهب ورأينا أنه من الأفضل المبيت في طرطوس قبل الانطلاق إلى اللاذقية في اليوم التالي لكن الأمن رفض وجودنا في المدينة، وأصر على اصطحابنا إلى خارج طرطوس باتجاه حمص مرة أخرى.

في اليوم التالي صباح الاثنين 10 مارس آذار، كنا على الطريق من حمص إلى اللاذقية.

على مدى أكثر من ثمانين كيلو متراً -المسافة بين طرطوس واللاذقية- كانت سيارة فريق بي بي سي عربي هي الوحيدة تقريباً التي تسير في طريق كلما أوغلت فيه كلما زادت حدة مشاهد المعارك التي دارت قبل قدومنا بأقل من يوم.

على جانبي الطريق عدد هائل في مناطق كثيرة من فوارغ الطلقات.

عندما بدأ البحر يظهر على يسارنا هادئا منساباً وكأنه لم يكن شاهداً على عمليات القتل التي حدثت في الساحل بدأنا نعرف أننا مقبلون على بانياس.

وبدأت الإجراءات الأمنية تزداد شدة ونقاط الأمن يزداد عددها بعيد مدينة بانياس التي شهدت كراً وفراً بين عناصر الأمن و مسلحين مؤيدين للنظام السابق.

عناصر الأمن السوري

مشاهد صادمة

في الطريق شاهدنا عدداً كبيراً من السيارات المحترقة، منها على جانب الطريق، وأخرى في نهره وتم استهدافها بمن فيها.

كم السيارات يؤشر على أن ما حدث في الساحل السوري في السادس من مارس آذار، كان كبيراً.

على جانب الطريق قبل مدينة “جبله” شاهدنا سيارة بيضاء اللون تبدوا مدنية اخترقها عدة طلقات نارية.

وفجأة “صاح السائق يا ساتر، جثث جثث في الشارع” عدنا أدراجنا لنتفقد هذه الجثث لم نستطع أن نعرف إن كان بينهم نساء! فقط أربع جثث ملقاة على قارعة الطريق، وليسوا بعيداً عن سيارة تم استهدافها ربما منذ يومين على الأقل.

ربما هؤلاء كانوا ظاهرين للعيان على قارعة الطريق ومازال في الداخل بين الأحراش عدد غير معروف من القتلى من الجانبين.

كلما اقتربنا من جبله ومشارف القرداحة تزداد على الطريق المنازل والمحال والأبنية والأضرحة المحترقة على جانبي الطريق بشكل واضح رصدنا دخانا يخرج من منازل قيل لنا أنها في قرية حريصون.

دخلنا اللاذقية وقد انتصف النهار، بدت لنا المدينة هادئة لكن مع انتشار أمني مكثف من عناصر مختلفة من الأمن، ومن الشرطة العسكرية، ومن عناصر الأمن الجنائي، ووازرة الدفاع، نقاط تفتيش منتشرة على كافة الميادين في المدينة، لكن الحركة فيها كانت شبه عادية.

الناس كانوا في سياراتهم كانوا يلقون علينا التحية وبعضهم عرض علينا الاستضافة.

أثناء تحضيري للانضمام للبث الحي على الهواء لتلفزيون بي بي سي، في دوار الزراعة في قلب اللاذقية اقتربت فتاة في أواخر العشرينات من عمرها تستفسر عن اسم القناة، وبعد دردشة صغيره قالت الفتاة، إنها من سكان أحد الأحياء العلوية في اللاذقية، ولم يحدث أي قتال في الحي، “ولكن فقط بين الفينة والأخرى كنا نسمع أصوات إطلاق الرصاص فيصيبنا الخوف خاصة بعد القصص المروعة التي حكاها لنا أقاربنا في ريف اللاذقية” بحسب الفتاة.

بعد أن وقفنا قليلاً في دوار الزراعة التقينا شاباً قال إنه يعمل محامي وأضاف “أصابنا الخوف والرعب مما يحدث، لكن عناصر الدولة فرضوا حمايتهم علينا لقد تعودنا على أن نعيش مع بعضنا البعض ليس لدينا طائفيه مطلقا” قالها وابتسم مغادراً.

حي علوي وشهادات أقرب للصراخ

طلبنا من الأمن الدخول إلى حي الدعتور ذي الأغلبية العلوية في الشمال الشرقي للمدينة، والذي كان مسرحاً لاشتباكات بين ممن يطلق عليهم “فلول النظام” وبين عناصر الأمن السوري، لكن الأمن رفض دخولنا إلى الحي أو حتى الاقتراب منه.

أشار أحد المواطنين لنا أن هناك أحياء أخرى ذات أكثرية علوية من الممكن أن تزوروها، لم يحدث لهم شيء.

ذهبنا إلى أحد تلك الأحياء التي أشاروا لنا أنه حي يكسنه علويون.

الحي من الخارج يبدو منظماً وحين تدلف إليه تجد المباني طابق أو طابقين ويبدو عليه رقة الحال وبه أماكن غير منتظمة.

حينما دلفنا إلى مكان واسع نزلت من السيارة لأجد الأهالي كلهم مشدوهين خائفين وجلين من أي سيارة غريبة تدخل إلى حيهم.

سريعاً عرفت نفسي وفريقي لثلاثة من الجالسين أمام منزلهم وكانت أعمارهم تتراوح ما بين الخمسين والستين عاماً، بعد نظرات ترقب وسماع لهجتي المصرية، ومعي زميلي العراقي والسوري بدأ الاطمئنان يدخل إلى قلوبهم وبدأوا يتحدثون إلينا، مؤكدين أن حيهم لم يتعرض لقتال “لكننا في انتظار أن يحدث شيء” قال أحدهم بلكنة حادة هي أقرب للصراخ منها للشكوى.

صاح رجل آخر نزح من مناطق الريف، بعينين زائغتين حائرتين بين الكلام والسكوت رجوته أن نسجل معه على أن نخفي وجهه وصوته قال لا أرجوك “سوف يذبحوننا” فقلت متسائلاً لكن أنتم لم يحدث معكم شيء هنا في الحي قال “ومن يدرينا”.

صرخ أحدهم “أحنا أربع أيام بلا مياه أو كهرباء لدينا مولدات كهرباء لشحن المحمول” فسألت مستفسرا المحمول؟ قال محدثي وكان رجلا في الأربعين من عمره: “حتى نستطيع أن نسجل بالفيديو لو أن أحداً جاء ليذبحنا!”

وقال آخر موجهاً كلامه لي: لدي عائلة في الريف نصفهم قتل والنصف الاخر في الأحراش يبيتون ليلهم في برد الشتاء ولا يجرؤون على النزول إلى البيوت، فقلت له رغم دعوات الأمان من الأمن؟ قال: بالرغم من ذلك.

صاحت سيدة من وراء الناس الواقفين أمامنا “العلوية بالنسبة لهم كلهم فلول “نحنا ما استفدنا شي من النظام السابق كما ترى الحال وشربنا قتل من الحالي” بحسب قولها.

وحينما تعالت الأصوات وكبر حجم الناس حولنا انسحبنا من المكان بعد أن زاد صراخ الناس “مين ينقذنا؟ انتوا قادرين تحمونا؟” فضلنا ترك المكان قبل أن يتحول الأمر إلى تهديد لسلامة الفريق.

من فوق تله من تلال البحر تبدوا مدينة اللاذقية جميلة بمبانيها ذات اللون الأبيض الذي ينعكس من ضوء الشمس التي تغرب على مياه البحر المتوسط.

الناس تستعد للإفطار وأصوات الآذان تعلوا من هنا وهناك. هذه مدينة رائعة رائقة حيي بها أن تكون قبلة للسائحين وليس قبلة للمتقاتلين.

وأنا أتأمل جمال البلدة هاجمني السؤال التالي.

هل هي بذور حرب طائفية؟

صاح المسؤول عن الأمن في المشفى الوطني في اللاذقية تم الهجوم علينا مساء الجمعة والأحد من هذا المبنى، وأشار إلى مبنى تحت الإنشاء، لكننا تعاملنا معهم قبل أن يهربوا.

أشار الرجل الذي أتى لإجراء المقابلة إلى أن المنطقة التي يظن أن مؤيدي الرئيس السابق يأتون منها قائلاً “هذه المنطقة كلها يسكنها فلول النظام، قبل أن يتراجع ويقول من الطائفة العلوية”.

زلة اللسان الخاصة بالمسؤول عن الأمن بالمشفى قد تشير إلى العقلية التي تتحرك على الأرض من بعض العناصر والفصائل فهناك معادلة خاطئة أشار إليها أحمد الشامي محافظ طرطوس وهي ربط كل الطائفة العلوية بالنظام السابق واعتبارهم “فلول”.

وأضاف الشامي أن الإدارة الجديدة حاولت منذ البداية أن ترسخ بأن ما فات قد فات ولنبدأ من جديد لكن ما حدث من الفلول كان حالة من “الغدر” بحسب تعبيره.

“الغدر” هذا التعبير سمعناه كثيراً في مقاطع مصورة بثها مسلحون أثناء ارتكاب انتهاكات ضد العلويين في الساحل.

وبحسب شهود العيان في حي من أحياء اللاذقية فإن بعضاً من الانتهاكات كانت تجري ضد الطائف العلوية قبل قيام عناصر مواليه للرئيس السابق بالضربة الأولى في معركة الساحل والتي أودت إلى انتهاكات موثقة بالصور والمقاطع المصورة ضد الطائفة العلوية، وذلك حسب المرصد السوري لحقوق الإنسان.

الدولة قامت بعمل لجنة تحقيق حول الانتهاكات، ولكن هل تستطيع اللجنة نزع فتيل أزمة طائفية في سوريا

————————

سوريا قد تصبح أكبر مكسب استراتيجي لإسرائيل في “الشرق الأوسط الجديد” لنتنياهو/  مصطفى سالم

نشر السبت، 15 مارس / آذار 2025

“عليهم بناء سوريا الآن وليس قتل بعضهم البعض”.. شاهد ما قالته محللة عن الشرع والعلويين والعنف الطائفي في البلاد

(CNN)–  بعد ساعات فقط من إطاحة المتمردين الإسلاميين بالديكتاتور السوري بشار الأسد في ديسمبر/ كانون الأول، وقف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على أطراف مرتفعات الجولان المحتلة، مُطلاً على سوريا، وقال في رسالة مصورة إن هذا السقوط التاريخي سيخلق “فرصاً بالغة الأهمية” لإسرائيل.

مع انزلاق سوريا إلى الفوضى بعد سقوط الأسد، حيث أن شعبها الذي مزقته الحرب يُصارع مستقبلاً غامضاً، وأقلياتها العرقية والدينية تُبدي حذرها من التاريخ “الجهادي” للقيادة الجديدة، رأت حكومة نتنياهو فرصةً سانحة للمضي قدما في مسعاه لإعادة تشكيل الشرق الأوسط، وهو مساعي تتوخى تقسيم سوريا إلى مناطق حكم ذاتي أصغر.

وقال وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر لقادة أوروبيين في اجتماع عُقد في بروكسل الشهر الماضي: “لا يمكن لسوريا المستقرة إلا أن تكون سوريا اتحادية تضمّ مناطق حكم ذاتي مختلفة وتحترم أساليب الحياة المختلفة”.

ومنذ هجوم حركة “حماس” في 7 أكتوبر/تشرين الأول وما تلاه من صراعات إقليمية، تباهى نتنياهو مرارًا وتكرارًا بـ”تغيير وجه الشرق الأوسط” لصالح إسرائيل، ويرى التطورات في سوريا نتيجة مباشرة لأفعال إسرائيل، وهو الآن ينتهز الفرصة لتوسيع سيطرته الإقليمية وإنشاء مناطق نفوذ من خلال السعي إلى تحالفات مع الأقليات في أطراف سوريا.

وفي الأيام التي تلت الإطاحة بالأسد، أمر نتنياهو بشن هجوم بري غير مسبوق في سوريا، مما دفع القوات الإسرائيلية إلى عمق أكبر في البلاد من أي وقت مضى، وأدى إلى قلب 50 عامًا من الوفاق الضمني بين إسرائيل وعائلة الأسد.

وسرعان ما أدى هذا التصعيد إلى التخلي عن تعهد نتنياهو الأولي بممارسة “حسن الجوار” تجاه سوريا الجديدة.

 واستهدفت مئات الغارات الجوية القدرات العسكرية لجيش الأسد لمنع وقوعها في أيدي الجماعات المسلحة، واستولت القوات الإسرائيلية على جبل الشيخ، أعلى قمة في سوريا، وموقع استراتيجي حيوي يطل على إسرائيل ولبنان وسوريا.

 واستهدفت إسرائيل يوم الاثنين مواقع رادار ومراكز قيادة عسكرية في جنوب سوريا، ويوم الخميس استهدفت حركة “الجهاد الإسلامي” الفلسطينية في العاصمة السورية دمشق.

وتعهدت إسرائيل بمواصلة عملياتها، حيث صرّح مسؤول إسرائيلي لشبكة CNN أن بلاده لن تسمح لقوات النظام السوري الجديد بالانتشار في الجنوب، معتبرة إياها تهديدًا للمواطنين الإسرائيليين.

تغيير الحدود

ظلت حدود إسرائيل مع سوريا دون تغيير إلى حد كبير منذ حرب عام 1967، عندما احتلت مرتفعات الجولان السورية وضمتها لاحقًا في خطوة رفضها معظم المجتمع الدولي، لكن أيدها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلال ولايته الأولى، ولكن الإجراءات الإسرائيلية الأخيرة في سوريا طمست خطوط تلك الحدود مع استيلائها على المزيد من الأراضي.

 ولم ترسم إسرائيل حدودها بالكامل مع جيرانها.

لمدة نصف قرن، حكم حافظ الأسد وابنه بشار سوريا بقسوة، وتحملا الحروب والثورات والانتفاضات، وأججا المخاوف الطائفية لردع دعوات التغيير.

 وتجنب الأسد الابن المواجهة المباشرة مع إسرائيل، لكنه وفّر لعدوها اللدود، إيران، طرق إمداد رئيسية للجماعات المسلحة التابعة لطهران، وأبرزها “حزب الله” في لبنان، الذي أطلق آلاف الصواريخ على إسرائيل خلال الحرب بين إسرائيل و”حماس”.

وأطاح الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية أحمد الشرع – المعروف سابقًا باسمه الحركي أبو محمد الجولاني، والذي كان مرتبطًا سابقًا بتنظيم القاعدة – بالأسد في هجوم خاطف بدعم تركي قبل توليه السلطة في ديسمبر، وتخلّى عن الزي العسكري التقليدي، وارتدى بدلة وربطة عنق، وصرّح مرارًا لوسائل الإعلام الأجنبية بأنه لا يرغب في مواجهة إسرائيل.

وقالت ناتاشا هول، الزميلة البارزة في برنامج الشرق الأوسط في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن: “كان يعتقد أنه يستطيع التودد إلى إسرائيل من خلال طمأنتها بأنه لن يكون هناك عنف على طول حدودها ولن يكون هناك قتال معها لكن إسرائيل تشجعت خلال العام والنصف الماضيين، وبدعم من إدارة ترامب، ولديها طموح أكبر”.

وطاالب نتنياهو بنزع السلاح الكامل من جنوب سوريا، كما قال إن القوات الإسرائيلية المنتشرة داخل المنطقة العازلة التي فرضتها الأمم المتحدة وخارجها في مرتفعات الجولان بعد سقوط نظام الأسد، ستبقى إلى أجل غير مسمى في الأراضي السورية المحتلة.

وكذلك يقول المسؤولون الإسرائيليون الآن إنه سيكون هناك وجود عسكري إسرائيلي في سوريا “لأجل غير مسمى”، ودعوا إلى حماية الدروز والأكراد السوريين، وهم أقليات مهمة تعيش في جنوب وشمال شرق سوريا على التوالي.

ويسكن الدروز ثلاث محافظات رئيسية قريبة من مرتفعات الجولان التي تحتلها إسرائيل في جنوب البلاد.

وقال وزير الدفاع الإسرائيلي إسرائيل كاتس الأسبوع الماضي، بعد أن قتلت القوات الموالية للشرع مئات من أفراد الأقلية العلوية ردًا على محاولة أنصار الأسد السيطرة على مدن قرب ساحل البحر الأبيض المتوسط ​​السوري: “خلع الجولاني (الشرع) جلبابه، وارتدى بدلة، وتظاهر بالاعتدال – والآن نزع القناع وكشف عن هويته الحقيقية: إرهابي جهادي من مدرسة القاعدة، يرتكب فظائع بحق السكان المدنيين”.

وأبرزت المذبحة، التي أودت بحياة أكثر من ٨٠٠ شخص من كلا الجانبين، الخطر الذي يتهدد نظام الشرع الهش، في ظل تكثيف الأطراف الإقليمية جهودها لعقد تحالفات مع مختلف الطوائف داخل سوريا.

وإذا نجحت إسرائيل في إنشاء منطقة منزوعة السلاح في سوريا بدعم من السكان الدروز المحليين، فسيُخضع ذلك أجزاءً كبيرة من جنوب البلاد للنفوذ الإسرائيلي، مما يُمثل أكبر سيطرة إقليمية لإسرائيل في سوريا منذ تأسيسها.

وقال تشارلز ليستر، الزميل البارز ورئيس مبادرة سوريا في معهد الشرق الأوسط بواشنطن العاصمة، لشبكة CNN: “هناك خطر حقيقي من أن يؤدي ذلك في النهاية إلى دوامة من التصعيد”، وأضاف: “لم تفعل الحكومة السورية المؤقتة شيئًا ردًا على كل هذه الإجراءات الإسرائيلية، وإذا تغير هذا الوضع، فقد تشتعل الأوضاع”.

وفي الأسابيع الأخيرة، اتخذ الشرع موقفًا أكثر صرامة تجاه تحركات إسرائيل، مُدينًا تقدمها باعتباره “توسعًا عدائيًا”، في حين يسعى إلى المصالحة مع الأقليات ذاتها التي تقربت منها إسرائيل.

وبعد يوم من العنف الدموي على الساحل خلال عطلة نهاية الأسبوع، وقّع الشرع اتفاقية تاريخية مع القوات التي يقودها الأكراد لدمجهم في مؤسسات الدولة، ويُقال إنه على وشك توقيع اتفاقية مماثلة مع الدروز في جنوب سوريا.

وذكرت كارميت فالنسي، الباحثة البارزة في معهد دراسات الأمن القومي في تل أبيب، بأن “تصرفات إسرائيل مدفوعة بقلقها من امتداد الاضطرابات وعدم الاستقرار في سوريا إلى أراضيها”.

وقالت فالنسي لـCNN: “ما يحفز إسرائيل هو الخوف من ظهور نظام إسلامي معادٍ لها بالقرب من حدودنا… لقد قرروا عدم الاعتماد على ما يجري الآن، بل التأكد من أنه في حال ظهور أي تهديد، فسيكون موجودًا للحد منه”.

 وتابعت: “التصور السائد في إسرائيل هو أنه لا ينبغي الاعتماد على البراغماتية التي يُظهرها الشرع حتى الآن، وأننا يجب أن نكون مستعدين للسيناريو السلبي.

مغازلة الأقليات السورية

في الوقت الذي يسعى فيه نتنياهو إلى توسيع نفوذ إسرائيل في سوريا، فقد خصَّ دروز سوريا بالحماية، ساعيًا إلى التحالف مع أقلية دينية قد تُحرم من حقوقها على يد الحكام الإسلاميين الجدد في سوريا.

وأوعز نتنياهو وكاتس للجيش الإسرائيلي في وقت سابق من هذا الشهر “بالاستعداد للدفاع” عن الدروز في سوريا، وقالا إن إسرائيل “لن تسمح للنظام الإسلامي المتطرف في سوريا بإيذاء” الدروز.

 وقد يُسمح أيضًا للدروز السوريين بالعمل في مرتفعات الجولان المحتلة.

وعلى الرغم من أن معظم دروز الجولان يُعرّفون أنفسهم بأنهم عرب سوريون ويرفضون دولة إسرائيل، إلا أن بعضهم قبل الجنسية الإسرائيلية.

 وفي إسرائيل، يُطلب من المواطنين الدروز الخدمة في الجيش – على عكس مواطنيهم العرب المسلمين والمسيحيين.

ورفض العديد من أفراد الطائفة الدرزية السورية عرض نتنياهو للدعم منذ سقوط الأسد، وخرجت الحشود إلى شوارع السويداء، وهي مدينة سورية ذات أغلبية درزية، احتجاجًا على دعوته لنزع السلاح من جنوب سوريا، واتهم زعماء إقليميون يمثلون الطائفة إسرائيل بأهداف توسعية.

وحذّر وليد جنبلاط، الزعيم الدرزي اللبناني الذي يحظى باحترام واسع بين الدروز خارج لبنان، من طموحات إسرائيل الأسبوع الماضي.

وقال في مؤتمر صحفي عُقد في بيروت، الأحد: “إسرائيل تريد استغلال القبائل والطوائف والأديان لمصلحتها الخاصة، إنها تريد تفتيت المنطقة”، وأضاف: “على الدروز توخي الحذر”.

ومع ذلك، رحب بعض أفراد المجتمع الدرزي، القلقين من أن يفرض الشرع حكمًا إسلاميًا صارمًا في سوريا، بعرض نتنياهو سرًا، معتبرين إياه ضمانًا للحماية في مستقبل غامض، وفقًا لما ذكره ناشط محلي وصحفي لـCNN.

وفي أعقاب تصريحات نتنياهو، شكّل بضعة آلاف من الدروز فصيلًا مسلحًا يُسمى “المجلس العسكري”، على حد قولهم.

وقال ليستر إن هذه المجموعة “بالكاد تحظى بأهمية تُذكر، هناك فصيل صغير جدًا في السويداء يبدو أنه يُلمح إلى فكرة انفتاحه على نوع من الحماية الخارجية”.

كما ترى إسرائيل أكراد سوريا حليفًا محتملًا، ودعت إلى حمايتهم من الحملة العسكرية التركية.

 وتُلقي تركيا باللوم على المسلحين الأكراد السوريين في ارتباطهم بحزب العمال الكردستاني، وهو جماعة انفصالية مسلحة في تركيا.

وقالت هول: “تكمن مشكلة إقامة تحالفات مع أقليات مسلمة غير سنية أو غير عربية في أن معظم السوريين يرغبون في الوحدة، لذا أعتقد أن إسرائيل ستواصل محاولاتها لخلق التوتر لأن طموحاتها كانت خارجية للغاية، مما أدى إلى نتائج عكسية وخلق لحظة من الوحدة بين السوريين”.

مناطق النفوذ

في حين أن تحركات إسرائيل في سوريا ربما كانت الأكثر وضوحًا، إلا أنها ليست اللاعب الإقليمي أو العالمي الوحيد الذي سعى إلى توسيع نفوذه هناك.

وتعتزم تركيا، التي عارضت نظام الأسد لفترة طويلة وسعت إلى الإطاحة به، توقيع اتفاقية دفاع مع الشرع قد تسمح بنشر طائرات مقاتلة في قاعدتين في وسط سوريا.

وقال ليستر: “لدى تركيا خطط، بإذن من دمشق، لاحتلال قاعدتين جويتين رئيسيتين على الأقل في وسط سوريا، ونشر طائرات مقاتلة في سوريا من أجل فرض بعض مظاهر السيادة السورية، وبالطبع هذا موجه إلى إسرائيل”.

وأرسلت المملكة العربية السعودية، حيث وُلد الشرع وقضى سنواته الأولى، طائرةً ملكيةً الشهر الماضي لنقله إلى الرياض لعقد اجتماعات مع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، في لفتة جريئة أكدت عزم المملكة على إعادة تأكيد هيمنتها في المنطقة، مع الإشارة إلى تراجع النفوذ الإيراني الهائل في سوريا.

وفي غضون ذلك، فقدت روسيا، التي كان لها دور محوري في إبقاء الأسد في السلطة مقابل وجود عسكري استراتيجي على البحر الأبيض المتوسط، موطئ قدمها في سوريا.

وأفادت وكالة “رويترز” للأنباء الشهر الماضي أنه في ظل عدم وضوح موقف ترامب بشأن سوريا والقلق من تنامي نفوذ تركيا، تضغط إسرائيل على الولايات المتحدة للسماح لروسيا بالاحتفاظ بقواعدها العسكرية هناك في محاولة لإبقاء البلاد ضعيفة ولامركزية.

ولم تتمكن CNN من تأكيد التقرير.

وقال نتنياهو في مؤتمر صحفي مع وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو الشهر الماضي: “إذا كانت أي قوة أخرى في سوريا اليوم تعتقد أن إسرائيل ستسمح لقوى معادية أخرى باستخدام سوريا كقاعدة عمليات ضدنا، فهي مخطئة تمامًا”، وأضاف: “ستعمل إسرائيل على منع أي تهديد قد ينشأ بالقرب من حدودنا في جنوب غرب سوريا”.

————————

الطوائف السورية.. مزيج حساس واختبار صعب للقادة الإسلاميين الجدد

تحديث 15 أذار 2025

دمشق: قال الرئيس السوري أحمد الشرع، الذي قاد مقاتلوه هجوما أطاح بحكم عائلة الأسد في ديسمبر كانون الأول، إنه سيؤسس مجتمعا يشتمل كافة الطوائف في بلد يتميز بمزيج طائفي وديني حساس.

لكن هذا التعهد يواجه اختبارا صعبا بسبب حملة قتل تستهدف الطائفة العلوية في سوريا التي ينتمي إليها الرئيس المخلوع بشار الأسد والتي اندلعت بعد هجوم شنّه موالون للأسد على قوات الحكومة الجديدة.

ويبدي بعض السوريين والقوى الخارجية مخاوف من أن يفرض الشرع حكما إسلاميا صارما أو يستبعد بعض الطوائف من مواقع السلطة في بلد يضم أقليات عديدة، مثل الدروز والأكراد والمسيحيين والعلويين.

وجاء في إعلان دستوري صدر أمس الخميس أن الفقه الإسلامي سيظل المصدر الأساسي للتشريع.

وفيما يلي نظرة على الطوائف والأقليات في سوريا، التي دمرتها حرب أهلية دامت لسنوات في أعقاب انتفاضة عام 2011 التي قادها المسلمون السنة في سوريا ضد القادة العلويين.

العلويون

طائفة صغيرة تعتبر فرعا من الشيعة وتقدّس الإمام علي بن أبي طالب. وتتركز الطائفة العلوية في سوريا لكن لها وجودا في مناطق أخرى من الشرق الأوسط.

معظم العلويين في سوريا هم من المزارعين الفقراء الذين ينحدرون من المنطقة الجبلية الغربية على البحر المتوسط.

وأصبح الرئيس الراحل حافظ الأسد، والد بشار، أقوى شخصية علوية عندما استولى على السلطة في انقلاب عام 1970 بعد صعوده داخل حزب البعث.

واعتمدت عائلة الأسد خلال حكمها على العلويين وقلدتهم مناصب في الجيش والأمن والمخابرات، لكن كثيرين منهم ظلوا يعانون من الفقر والقمع كغيرهم من السوريين في أثناء حكم العائلة.

وتعرض العلويون عبر التاريخ للاضطهاد إذ عانوا من غزو الصليبيين والمماليك والعثمانيين، وخاضوا حروبا داخلية أيضا.

السنة

يُشكلون الأغلبية في أنحاء العالم الإسلامي، باستثناء عدد قليل من الدول. وتخضع كل الدول العربية تقريبا لحكم سنّي، وظلّ قادتها لفترة طويلة متوجسين من علاقة الأسد الوطيدة بإيران الشيعية غير العربية.

سحق حافظ الأسد مسلحين سنة وقتل ما لا يقل عن 10 آلاف في مدينة حماة عام 1982 في أكثر الحوادث دموية في التاريخ العربي الحديث.

ومع ذلك، عزز حافظ علاقاته مع التجار السنة في دمشق وحلب، المركز التجاري لسوريا، وعيّن السنة في مناصب حكومية. ويقول بعض السنة إن بشار الأسد تعمد إقصاء هؤلاء التجار بعد ذلك وفضل أن يحظى أقاربه العلويون بالمصالح التجارية.

في مارس آذار 2011، اجتاحت مظاهرات مناهضة لحكم الأسد أنحاء سوريا، مطالبة بمزيد من الحريات والقضاء على الفساد. وبعد أن شنت الحكومة حملة قمع، تحولت الانتفاضة إلى حرب أهلية وهو ما وضع المعارضة، ومعظمها من الأغلبية السنية، في مواجهة قوات الأسد المدعومة من فصائل شيعية من أنحاء الشرق الأوسط.

ويبدي بعض المتطرفين السنة عداء شديدا للأقليات إذ يعتبرونهم كفارا، كما يعادون إيران الشيعية التي دعمت الأسد.

وحمّلت حكومة الأسد حكام دول عربية سنية مسؤولية تأجيج الانتفاضة، وقالت إن بين المقاتلين الذين حاربوها متطرفين طائفيين.

المسيحيون

تمسك العديد من المسيحيين في سوريا بالأسد، لكنهم قالوا إنهم فعلوا ذلك خوفا من أن ينتهك الإسلاميون السنة حقوق الأقليات في حال وصولهم إلى السلطة.

انضمت شخصيات مسيحية بارزة أخرى إلى المعارضة السورية.

ينقسم المسيحيون إلى عدد من الطوائف، بعضها مجتمعات صغيرة ذات جذور عريقة في سوريا تعود إلى ما قبل الإسلام. ويشملون طوائف الروم الأرثوذكس والموارنة والسريان الأرثوذكس والكاثوليك والكلدان والآشوريين والأرمن الأرثوذكس والكاثوليك. كما يوجد بعض البروتستانت.

الدروز

هم أقلية عربية تمارس شعائر دينية مشتقة أصلا من الإسلام، ويعيشون في لبنان وسوريا وإسرائيل وهضبة الجولان المحتلة، ولهم مكانة مميزة وسط مزيج الأديان والثقافات بالمنطقة.

في سوريا، يتمركز معظمهم في محافظة السويداء الجنوبية، لكن هناك آخرين يعيشون حول دمشق وفي شمال سوريا.

للدروز هوية متماسكة وعقيدة تميزهم ظهرت في القرن الحادي عشر، وتضم عناصر من الإسلام وفلسفات أخرى مع التركيز على التوحيد والتناسخ والسعي وراء الحقيقة.

يحافظون على درجة من السرية حول ممارساتهم الدينية.

يوجد في إسرائيل عدد صغير من الدروز ويعيش البعض أيضا في هضبة الجولان، التي احتلتها إسرائيل من سوريا في حرب عام 1967.

وهددت إسرائيل بالتدخل عسكريا في سوريا إذا واجه الدروز هناك أي تهديدات.

(رويترز)

———————————–

ليس هناك من تطهير إثني «أعمى»/ وسام سعادة

تحديث 15 أذار 2025

بصعوبة بالغة، يمكن اعتماد «الثأرية» منظارا صالحاً وكافياً لتفسير تمادي العنف وصيرورته أعمال تطهير إثني نسقيّة.

ينطبق على نكبة منطقة الساحل السورية ما انطبق على سابقاتها: عدم كفاية تفسير الأمور بالثأرية.

في أحيان كثيرة يأتي تسجيل التطهير الإثني في حيز «الثأري» تهوينياً أو اختزالياً للحاصل، بشكل غالباً ما يركّز على العشوائية لنفي الطابع الممنهج لهذا العنف، في حين لا يحضر التطهير الإثني إلا بسمتيه هاتين: العشوائية، لكن الممنهجة.

هو النهج المستظل بعشوائيته. العشوائية المُصمّمة، المستبطنة لغاية، بصرف النظر عن درجة الوضوح من عدمه في مآل هذه الغاية. ليس هناك من عنف «أعمى». العنف الإثني عنف «قصديّ» أكثر من سواه.

الثأري موجود، إنما للثأري حدوده، يصعب الركون اليه كنموذج تفسيري شامل. هو عنصر من اللوحة، عنصر يمارس أيضاً دوراً تضليلياً، «إغماضياً» للوحة ككل.

أن تقول إن العنف يتخذ طابعاً ثأرياً فهذا غالباً ما يعني أنك تتطوع لقطع الطريق على فهم ما هو «غير ثأري» في هذا العنف. وما هو غير ثأري في العنف التطهيري – الإثني هو الأخطر. وأخطر ما فيه أنه لا يتحلل من تلقائه.

الثأري لا يفسّر نفسه بنفسه، كما لو كانت المجموعات البشرية طناجر ضغط يغلي في داخل كل واحد منها الحقد مطولاً، إلى أن يفيض على الأخرى.

تفسير العنف الإثني الواسع النطاق بالدافع الثأري فيه ردّ لكل المسائل إلى متلازمة «التعالي» على الثأر أو «الغوص فيه» وفي الحالتين لا يعود التطهير الإثني قابلاً للنظر إليه، والتحرك في مواجهته.

التطهير يحتاج لما يُجاوز الثأر: يحتاج إلى ما قد يستظل بالثأر كي يستدعي تبديلاً في العمق، في الأحجام مثلاً، في إعادة تشكيل خارطة انتشار الجماعات والأقوام. التطهير الإثني هو عمل سياسي من ألفه إلى يائه. سياسي قدر ما هو إثني. رده إلى الثأرية تبرئة له من السياسة، وتبرئة للسياسة منه. ليس صحيحاً أن العنف بعامة فيه تعليق للسياسة، وأن السياسة متابعة له مغايرة له في الأسلوب. للعنف سياساته. العنف الإثني هو سياسة تستهدف إعادة تكوين مجتمع ما على صورتها.

المجتمعات المتعددة إثنياً هي بالمطلق عالية المخاطر لجهة قابلية الأمور فيها للتدهور إلى نكبات من التطهير الإثني؛ ليس بسبب «الثأرية» وإنما بسبب أن الخرائط المتخيلة للجماعات ونطاق وسعة انتشارها هو مجال صراعي، وهذا الصراع قلما يكون متوازناً. هناك المتغلب، وهناك المغلوب، ثم تنقلب حال الغلبة.

في المجتمع المتعدد إثنيا، لا يندفع المتغلب نحو المغلوب بالتطهير الإثني فقط لطلب الثأرية، وإنما لطلب ما هو أخطر منها: جعله يتحلّل كمغلوب، أو يضمر، أو يتبنى «المنبوذية» كوعي لذاته من الآن فصاعداً. والإسهام من وراء ذلك في تشكيل هوية المتغلب الجمعية، بتصليب عودها في ضوء هذا المنعطف الدموي، وربط هذه الهوية الجمعية المعمّدة بالدم، بأيديولوجيا تعبوية ترى من وراء الجماعات والملل الدينية أصنافاً مختلفة من البشر، بل أصنافاً مشكك بأنها من نفس المنزلة من «البشرية». بشر أقل من سواهم، وبشر أكثر من سواهم. عليك أن تشعر بأنك أكثر بشرية من سواك، وأن تطعن الآخر في «بشريته» كي تفتك به في موجة تطهير إثني. لا يسعك ذلك بالنازع إلى الثأر فقط لا غير.

بالقدرة نفسها الذي لا يعود فيه ممكناً رد التطهير الإثني إلى الثأرية ودوامة الحقد المراكم يصير من الواجب التفتيش عن آليات التمهيد لهذا التطهير وتزخيمه وحمايته رمزياً واعتراض أي استنطاق محرج لصناعه ولقابلية تجدده.

التسويغ للتطهير الإثني له في الزمن الحديث عنوان واحد: الأدلجة. ما من تطهير إثني من دون أدلجة. تطهير إثني معقم أيديولوجياً؟ غير موجود. هناك تصور شائع كما لو أن الإبادة الراوندية كانت بلا أدلجة. وهذا قد يعود للجهل بالباع الطويل لأيديولوجية «قوة الهوتو» في رواندا وبوروندي، على حساب قوميتي التوتسي والتوا. تغذت هذه الأيديولوجيا من عناصر تصنيفية عرقية كولونيالية أوروبية ترد الهوتو إلى أصول «حامية» في مقابل التوتسي «الأشد زنوجة». تعامل المروجون لـ«قوة الهوتو» بهذه المباطنة للتصور الأوروبي: أي أنهم في واقعهم المحلي، هم «البيض» هم العرق النبيل، وأن الآخر، التوتسي، يحسدهم على ذلك، ولا يحلم إلا بإبادتهم. بالتالي ينبغي إبادته كي لا يبيد.

عندما لا يكون التطهير الإثني صادرا عن الرجل الأبيض في المستعمرات وأشباه المستعمرات فهو كثيراً ما يجيء من ضمن آليات استبطان هذه القسمة بين «العرق النبيل» المزعوم وبين «العرق النجس» هنا قوم يعتبر نفسه أنه يجسد «البياض» في نطاقه، وهنا قوم يناسبه اعتماد الموقع الآخر في هذه السردية، أي أنه المظلومية المطلقة، التي حين تظلم تعدل، لكنها لا تفعل ذلك فقط للثأر، وإنما.. للاقتلاع، لتدمير الوجود الإثني لقوم ما، على أرض ما، بحجة أنه ليس هناك من خيار ثالث: إما أن تبيد وإما أن تباد. دور الأدلجة والأسطرة، يكمن تحديداً هنا. في جعل من يرتكب فعل التطهير الإثني أو المتوسع في اتجاه الفعل الإبادي يقنع نفسه بأن التطهير الإثني «ضرورة حيوية» له، لا خيار لديه بأن لا يقدم عليها.

للمضي إلى التطهير الإثني تحتاج إذا، بالمحصلة لثلاثة أمور: العمل على إعادة تشكيل خارطة انتشار الجماعات. تأجيج الشعور بأنك إن كنت رحوماً، فلن يرحمك الآخر، وبالتالي ما أن يبادرك عنف المغلوب حتى تزيد عليه معدل الغلبة بدافع استئصالي. واقتناعك في الأول والآخر، أن مفهوم «البشر» ليس بالمشترك بينك وبين من تريد التخلص منهم. فإما أنك بشر من رتبة أعلى، وإما أنك تعتبرهم بشرا قد داخلتهم أرواح شريرة، أو سرت في عروقهم دماء مريبة.

كاتب من لبنان

القدس العربي

———————————–

الخوارزمية الطائفية/ سنان أنطون

تحديث 15 أذار 2025

أعادت مشاهد وتفاصيل المذابح الشنيعة التي اقترفتها فصائل منضوية تحت مظلة النظام الحاكم في دمشق، ضد المدنيين العلويين في الساحل السوري، إلى أذهان العراقيين وغيرهم، فصول العنف الطائفي الذي فتك بالعراق، بالذات بين 2006 و2008. لا يتطابق السياقان السوري والعراقي تماماً بالطبع، ولكلٍ مساراته وخصوصياته وتعقيداته. لكنهما يشتركان في مظاهر وتبعات وآثار خلفتها عقود من حكم الأنظمة الديكتاتورية والحروب، والتدخّلّات والاحتلالات، وما أنتجته كل هذه وتلك من تمزّق للنسيج الاجتماعي، وتحوّلات في الهويات وتطييفها، وتفكّك، أو تفكيك مؤسسات الدولة، بعد إسقاط نظام وترسيخ آخر بمساعدة ومباركة دول إقليمية وقوة عظمى.

من السذاجة أن يتوقّع المرء انتقالاً مرناً وسلساً بعد انهيار أي نظام، خصوصاً في بلاد أنهكتها حروب طويلة ومصاعب اقتصادية وزلازل اجتماعية. مع ذلك، هناك تجارب سابقة وقريبة، وعِبَر كان من الممكن الاستفادة منها، وهناك مطبّات وتحديّات متوقّعة، حذّر منها الكثيرون واقترحوا استراتيجيات للتعامل معها.

سألني أحد طلابي الأسبوع الماضي، حين ناقشنا عودة الفاشية والعنصرية بقوة في خطاب وممارسات الكثيرين في «الغرب»: هل يتعلّم الناس من التاريخ؟ وكان جوابي: كلّا، يبدو أن معظمهم لا يتعلّمون. لكن هناك من لا يريد أن يتعلّم من التاريخ، ولا رغبة لديه في ذلك أصلاً. ولا في انتقال البلاد إلى سلم أهلي، وإن ردد هذا المصطلح كثيراً، كما لا نية لديه لتحولها من ديكتاتورية إلى حكم يرسي دعائم العدالة الاجتماعية والاقتصادية، ويعمل من أجلها. حكم يبدأ بإعادة بناء وطن ومفهوم مواطنة تصوغهما، وتحدد أطرهما شرائح وقوى تمثل المجتمع بأطيافه (لن أستخدم لفظة «مكونات» المقيتة والمسمومة، التي سادت بعد الاحتلال الأمريكي للعراق وأصبحت متداولة). ولعل الحاكم الجديد يصبو إلى تكرار تاريخ آخر! قبل أشهر من غزو العراق وإسقاط النظام السابق (الذي كان كاتب هذه السطور ضده كما كان ضد الغزو لأسباب لا حاجة لشرحها بعد كل ما حدث) أكّد عراقي طالما استأنس برأيه الكثيرون في إدارة بوش وفي الحيز العام في الغرب، باعتباره مرجعاً وعارفاً متبحّراً بسياسة العراق وتاريخه ومجتمعه. وانبهر به الكثيرون من الليبراليين العراقيين، أكد صاحبنا أن العراق سيشهد تحولاً ديمقراطياً بعد الاحتلال، وسيكون مثالاً يحتذى في المنطقة! وتحدّث أيضاً عن نظريته في التعامل مع تركة النظام وحزب البعث، التي طبّقت لاحقاً وعرفت بالاجتثاث. أخطأ هذا الرجل، تقريباً في كل تصوراته وتحليلاته الساذجة، ووعوده بأن يستقبل العراقيون الأمريكيين بالورود والحلوى. لكنه أصاب في أن ما أحاق بالعراق سيكون مثالاً سلبياً وكارثياً لما يمكن أن تؤول إليه الأمور. في الثالث والعشرين من أيار/مايو 2003، أعلن الحاكم المدني للاحتلال الأمريكي، بول بريمر، عن حل الجيش العراقي والأجهزة الأمنية ومؤسسات أخرى وبذلك تم تسريح حوالي 400 ألف من الضباط والجنود والموظفين. تضاربت المبرّرات في ما بعد من قوله إنه لم يكن هناك جيش أصلاً، لأنه انهار بعد الاحتلال، إلى اعترافه بعد سنوات أن ذلك كان خطأ جسيماً. وأدى هذا القرار إلى تهميش وتعطيل مئات الآلاف من المواطنين، اقتصاديا واجتماعيا، وخلق فراغاً خطيراً. وهو يشبه القرار الذي اتخذه الشرع في سوريا.

إن حل مؤسسات دولة بأكملها، مهما كانت مهترئة ومستنزفة، من دون وجود رؤية جديّة وحقيقية للتغيير، وخطة مدروسة لاستيعاب العديد من كوادر هذه المؤسسات وخبراتها، لبناء مؤسسات جديدة، يؤدي إلى المزيد من الكوارث والفوضى. تتصاعد، بعد سقوط كل نظام ديكتاتوري دموي، أصوات تنادي بمطالب مشروعة وملحّة لمحاكمة المتورطين بالجرائم، التي اقترفتها رموز النظام بحق المواطنين ولتوثيقها، ولتعزيز السلم الأهلي، فعلاً وليس قولاً. وهناك تجارب في عدد من الدول نجحت في إرساء تقاليد وآليات وإنشاء هيئات تشرف على العدالة الانتقالية وتخفّف من الاحتقان وتحتويه. وغياب سياسات ومبادرات جدية كهذه يفاقم الوضع، ويؤدي إلى ما لا تحمد عقباه. يزداد الوضع خطورة في مناخ إقليمي مهيأ ومعبّأ للتحريض الطائفي والكراهية وتبرير قتل المدنيين، كما رأينا من تدوينات وتعليقات برّرت، بل ابتهجت واحتفت بقتل الآخر وتشفّت بذبحه. فالخوارزمية الطائفية تضع كل علوي في خانة «الفلول» وتبيح قتله، بما أن النظام كان «علوياً» وهي مقولة متهافتة، تماثل في تهافتها مقولة «النظام السنّي» في العراق. يمكن للمرء أن يورد الكثير من الحقائق التي تبين تهافت هذه التصنيفات التي تختزل وتسطّح الكثير، وتفترض تماهي الهوية مع الطبقة والأيديولوجيا، وتصور البشر وكأنهم كتل خارج التاريخ. وهي أسلحة فتاكة.

يفترض أن يكون المُنْطلق الأخلاقي الواعي للإنسان رفض قتل المدنيين، بلا استثناء ومن دون «ولكن». أما حين يصبح كل من يحمل السلاح قاضياً ومحكمة ومدعيّاً عاماً، وحين تجتمع هذه كلها في فرد دستوره وقوانينه، لا تتعدى مفردة واحدة على بطاقة هوية، تفصح عن الجماعة التي ولد فيها صدفة، أو لكنة تشي بذلك، أو حتى اسمه، فتلك بوابة تؤدي إلى جحيم جديد وأنهار من الدم ستغرق ما لم يغرق.

كاتب عراقي

القدس العربي

——————-

عربٌ سُنّة لكنهم ليسوا مسلمين/ عمر قدور

السبت 2025/03/15

استلمت هيئة تحرير الشام السلطة في سوريا بعد إسقاط الأسد وفراره في الثامن من كانون الأول/ديسمبر. وكما صار معلوماً، وفق سردية معممة، قدّمت الهيئة وجهاً معتدلاً جداً بالقياس إلى ما هو متوقّع من تنظيم إسلامي جهادي، نشأ زعيمه في أحضان الجهادية التي حاربت الأميركان في العراق، وتميّزت مع نظيرتها الشيعية بأعمال عنف طائفية شديدة القسوة. بدورهم، قدّم عناصر الهيئة في الأسابيع الأولى نموذجاً جيداً على الانضباط واحترام المدنيين، ونالوا الإشادة على ذلك في مناطق التنوع الطائفي، خصوصاً في مناطق يغلب عليها المنبت العلَوي.

سلوك عناصر الهيئة، وقياداتها من خلفهم، كان مهماً لسببين، الأول منهما صدوره عما فُهِم كابتعاد عن الأيديولوجيا الدينية للهيئة، والعلويون بموجبها مارقون دينياً عن الإسلام الصحيح “السُني”. أما الجانب الذي لا يقل تأثيراً فيختزله تعبير “النظام النصيري”، وهو تعبير كان معتمداً في “دولة إدلب” التي حكمتها الهيئة بقبضة من حديد على مختلف المستويات، بما فيها المستوى التعليمي الخاص بتنشئة الأجيال الجديدة، أي أن هناك بين مقاتلي الهيئة من تشرّب تعبير “النظام النصيري” بوصفه اختزالاً لطائفة مارقة دينية ومجرمة (على الأقل) سياسياً، لذا كان لسلوكهم الطيب مغزى إيجابياً مركّباً.

قائد هيئة تحرير الشام، الذي ظهر باسمه الحقيقي، راح بدوره يرسل الإشارات التي تتضمن طي صفحة “أبي محمد الجولاني”، وهو لقبه الذي كان معتمداً وشائعاً في إدلب. وتحدث مبكراً عن الانتقال من عقلية الثورة إلى عقلية الدولة، على نحو أراد من خلاله طمأنة قسم من السوريين، وتهدئة البعض الآخر المتعطّش إلى إجراءات راديكالية يريد من السلطة الجديدة اتخاذها.

تحولات السيد الشرع نالت اهتماماً واسعاً جداً بوصفها دليلاً إلى تحول أعمّ في فكر الهيئة وسلوكها، بل صار الاهتمام مفرطاً في الشكلانية من خلال متابعة دقيقة لما يلبسه ولطول لحيته ومغزى لون ربطة العنق التي يرتديها. وما بدأ على أنه اهتمام بدوافع سياسية انزلق بمعظمه إلى ما يمكن تشبيهه بتقديس الفرد، وأحياناً بلغة مشابهة للغة تقديس الفرد التي استخدمها موالو العهد البائد، حيث يهمِّش تقديس القائد (الفرد) مَن حوله في السلطة أولاً، فلا تؤخذ أقوالهم أو أفعالهم بجدية، ويُعامل كما يُعامل غلاة المعجبين نجمهم؛ بمحبة غير مشروطة بمطالب سياسية محددة أو ببرامج ونتائج ملموسة. لقد وصل الأمر بجريدة حكومية إلى نشر مقال عمّا يجتذب النساء في شخصية السيد الشرع!

الاهتمام بالقائد، متضمناً بوادر عبادة الفرد، لم يكن في الشهور الثلاثة الأخيرة صناعةً إسلامية. على العكس، يمكن الجزم بوجود نسبة كبيرة من المتدينات والمتدينين الذين لم يتورّطوا فيها، لأن إيمانهم العميق يردعهم عمّا في تقديس الأفراد من شبهة الشرك. هذه الصناعة مدفوعة بأمرين؛ واحد منهما هو النزوع إلى البحث عن بطل منقذ خارق، وقد تحقق هذا لأصحابه على نحو مشابه للأفلام التراجيدية ذات النهاية السعيدة غير المتوقعة. أصحاب هذا النزوع لا يريدون التمعّن في سياق الأحداث التي أدّت إلى التغيير الكبير في دمشق، بل يرفضون ذلك عمداً.

النزوع الثاني المتمم للأول هو الملمح الطائفي، فالبطل المنقذ هو ابن الطائفة المظلومة، وها هو قد انتصر لها أخيراً. وفق هذا التصور، ثمة مظلومية سنية، تعرّض أصحابها للإبادة والتهجير منذ عام 2011، وحانت أخيراً لحظة الانتصار. إلا أن لحظة الانتصار ليست تدشيناً لتراخي عصب المظلومية السُنّية، بل إن كثراً من المنضمين مؤخراً إلى العصبوية السُنية لم يكونوا يفصحون عنها من قبل، ونسبة منهم كانت تعلن عن عدائها لأيديولوجيا هيئة تحرير الشام وكل ما تمثّله الهيئة.

السُنّيّون الجدد، إذا جاز التعبير، هم سُنّيّو السلطة الجديدة، وقد حلّوا مكان الموالاة القديمة وبالمفردات اللغوية والبصرية ذاتها في معظم الأحيان. إنهم طائفة سلطة أكثر بكثير مما هم طائفيون في الأصل. ونستطيع القول أن السنيون الجدد ساروا بعكس التحولات المعلنة لهيئة تحرير الشام، فإذا كانت مقتضيات السلطة قد جعلت الهيئة أكثر اعتدالاً فإن استلام الهيئة السلطةَ جعلهم أشد تطرفاً، أو بالأحرى جعلهم يقطعون الطريق سريعاً من موقعهم غير الإسلامي إلى محاولة تصدّر الخطابات الطائفية على السوشيال ميديا.

يجوز القول إن الإسلاميين استثمروا في المسألة الطائفية للوصول إلى السلطة، أما السُنيون الجدد فهم متطوعون طائفيون، مدفوعون بما هو انتهازي رخيص أحياناً، إذ يعتقدون أنهم يرضون السلطة. وهذا بالتأكيد شيك على بياض قد يصعب رفضه من الأخيرة إن لم يكن استخدامه مغرياً فوراً. وهناك بينهم من لا يدفعه جشع انتهازي، بل يكفيه وهم امتلاك السلطة، وهو ما يذكّر بطائفيين علويين كان لديهم وهم مماثل أيام الأسد، ولا عجب في أن نظراءهم السُنّة لم يتعظوا من الدرس والمآل.

اليوم هناك نسبة، هي الأكبر على نحو صريح من السُنيين الجدد، والذين ليسوا مسلمين على ما توحي به هذه الكلمة من صورة نمطية في حقل السياسة. نتحدث عن فئات متنوعة، بينها المحافظ والمتحرر اجتماعياً، ومعظمها لا يُبدي مظاهر ملحوظة من التدين، بل يشهر البعض منها كونه لادينياً. هذه الفئات، على تنوعها، لم تتورع عن توزيع صكوك انتماء تحت يافطة: إنهم يشبهوننا. والحديث كان عن ملامح السيد الشرع وزوجته، وأتى أيضاً في سياق جدل حول النقاب، وحول تعيين مسؤولة عن شؤون المرأة. ولا يخفى ما يوجد في هذا التنميط من غزل للسلطة الجديدة، ومن إنكار ونفي لسوريين آخرين لا يشبهونها شكلاً وفق هذا الزعم، كما لا يخفى البعد الطائفي المستتر تحت هذا التنميط، وقد شهدنا مثيلاً له أيام الأسد: توّجه هو نفسه بالحديث عن مجتمع متجانس.

بعض الذين انفتحت شهيتهم مؤخراً على الحديث في المسألة الطائفية هم أيضاً من السنيين الجدد، وهم يحتسبون كل من لا يشاطرهم الرأي بحذافيره منكراً للطائفية ينبغي إقناعه، من دون أن يعبّروا عن أية حساسية تتعلق بالمرحلة الانتقالية الراهنة، على الأقل حتى تستتب الأوضاع في البلد، ويُشرع في العدالة الانتقالية، العدالة التي لا تقتصر على محاكمات المتهمين فقط، وإنما تتضمن محاكمة الإرث السابق كله بهدف عدم تكراره نفسه أو مقلوباً. والمستتر لدى البعض منهم على الأقل هو عزمهم على تكرار الماضي مقلوباً، وهذا فحوى استرجاع ذكريات دموية من الماضي القريب أو الأبعد لتبرير ما يقولون إنه مجرد تجاوزات للسلطة الجديدة.

إنهم عرب بدرجة أقل ربما مما هم سُنة، فالعروبة تُدفع إلى الصدارة فقط بعدّها من لوازم مواجهة الأكراد غير المنضوين حتى الآن تحت إمرة السلطة الجديدة. ومن المحتمل جداً أن الكثير من السنيين الجدد قد أضناهم وأدماهم موقع المهزوم الذي بدا حكراً عليهم لوقت طويل، أو على ما يمثّلون، ويحتاجون إلى اختبار النصر الذي حصلوا عليه، بما في ذلك اختباره بالقوة والبطش. وسيكون من الصعب عليهم القبول سريعاً بأن المظلومية والسلطة لا تجتمعان، وأنهم الآن أهل سلطة لا ينازعهم عليها أحد، والنزاع الوحيد على طبيعتها لا على مَن يكون على رأسها. أيضاً، من الصعب عليهم التخلّص سريعاً من فكرة المؤامرة الكونية على السُنّة، والنظر بواقعية إلى حدث التحرير كانقلاب في المواقف الدولية له أبعاده الإقليمية والدولية، ولا توجد قوة داخلية قادرة على تغييره.

حتى يحدث ذلك، سيبقى التناقض، وقد يشتد، بين ادّعاء تمثيل الوطن السوري وبين تمثّل عصب طائفي يبقى محدوداً رغم أكثريته، وسيبقى التناقض نفسه بين اشتداد العصب الطائفي والقول إن السُنة في سوريا هم الأمة، بمعنى أنهم قادرون على استيعاب المختلف وجاهزون لذلك. على هذا تأخذ المطالبة بالعدالة أهمية استثنائية، لأنها كفيلة بوقف التحريض الذي يتغذّى على غيابها أو يتذرّع به، ولأنها السبيل لفتح جراح السنوات الماضية بقصد المعالجة لا زيادة الاحتقان، ولأنها ترياق ضد المنهمكين في صنع وثن السلطة.

المدن

—————————–

سوريا والجوار: إعادة تشكيل الخطاب/ أحمد جابر

السبت 2025/03/15

تسارعت الأحداث السورية بعد فرار منظومة السيطرة الأسدية، وتوالت التطورات، فكان لها وقع المفاجأة، مثلما كان لها “صدمة” اللامتوقع، في أوساط سياسية متابعة، وفي أوساط استعملت عدّتها الفكرية القديمة، فما أصابت، ولجأت إلى ما هو موروث من تحديد مُدُني شائع، أو حزبيّ متقادم ومعروف، فخابت وضلّت الطريق إلى التقاط مغزى المشهد الجديد الذي نقل سوريا من ضفّة إلى ضفّة، فانتقل معها المراقبون الذين لم يتوانوا عن تبديل المواقف والضفاف.

“الحبكة” السورية، لم تتضح كل خلفياتها، لكن محاولة الانقلاب الأخيرة على الوضع الجديد، ساهمت في إلقاء الضوء على ألوان من خيطانها. بعض الخيطان كان في مرمى التخمين، وبعضها كان في “مدى” الظن، وبعضها كان في دفاتر التوجّس والاحتمال… حصيلة كل ذلك، اجتمعت في عنوان واحد كانت له الغلبة، هو عنوان تأمين قاعدة ارتكاز داخلية، لتكون لاحقاً نقطة انطلاق صوب المدى السوري، لاستعادته من السلطة الجديدة، فإذا تعذّر الفوز بالكلّ السوري، يُكتفى بالجزء منه، على حساب الجغرافيا السورية، وعلى حساب الشعب السوري، ومن دون التفات إلى مصير الأخير الذي يمكن أن تُلقى فيه سوريا الكيانية.

في العادة، وعند كل حدث مفصلي، يطرح سؤال: من المستفيد؟ هذا السؤال يحضر الآن في الواقع السوري الجديد، والجواب عنه يكون قاصراً إذا قيل: إن المستفيد هو العدو الإسرائيلي. هذا تحصيل حاصل جرى اجتراره طويلاً، وهو مائل للعيان اليوم في الجولان وفي جنوب لبنان، لذلك يصير الاستطراد بالسؤال ضرورياً لكي يبلغ الجواب فسحة النور. إذن، واستطراداً، من المستفيد من اللعب في الميدان السوري اليوم؟ لقد قيل إن فلول النظام السابق هي التي قامت بالانقلاب، وإن تلك الفلول قد تلقّت دعماً خارجياً، وإن قيادتها باتت معلومة، ومعلوم أيضاً من حرّكها، ومن قاد تحركاتها الميدانية.

العلم بأدوات الجريمة، وبهوية المجرمين أمر مهم، ومهم أيضاً العلم بالمحرّض وبالداعم وبالمتدخل، لكن الأهم سيبقى الوقوف أمام نتائج التدخل، وأمام حصيلة الاشتباك الذي ذهب ضحيته المئات من المدنيين، في عملية تصفية وحشية. هذا على صعيد سوري أهلي خاص، والأهم سيبقى موضوع الموقف من الأطراف المتداخلة التي أشير إليها بالبنان وبالبيان.

الرد الرسمي السوري، كان واضحاً في الإدانة، وفي التمسك بمحاسبة القتلة الذين استهدفوا المدنيين، وكان الرّد واضحاً في اختيار إفشال أهداف الانقلاب في بعدها الانشقاقي الاقتتالي الأهلي، وفي بعدها التحالفي الخارجي، الرد السريع منع الاستثمار في الفتنة الطائفية والمذهبية، مثلما منع احتمال التدخل الخارجي، عندما كسر مرتكزاته الداخلية.

خطاب وخطاب

لقد فوجئ “الخطاب” الجاهز بالمرونة الرسمية التي أبداها أولئك القادمون من “الإسلام السياسي” واكتشف كثيرون بأن الحنكة المُدَنية ليست حِكْراً على أبناء الجمعيات، وأن السرعة في التقاط إشارات الحدث، ومن ثم التكيّف معها، ليست اختصاصاً حصريّاً لهذا الكاتب أو لذاك “المفكّر” الاستراتيجي. لعلّه يمكن القول إن مجموع البيانات والشروح التي تناولت الوضع السوري قبل المحاولة الانقلابية، ظهر تَخَلُّفها السياسي عن اللحاق بالآن السوري، بعد فشل تلك المحاولة. لقد طغى على مجموع المقاربات طابع “المطلبية”، وقليلة هي المقاربات التي تخلّت عن لغتها الوعظية الإرشادية، والأقل من هذه وتلك، النصوص التي صدرت من موقع المسؤولية عن سوريا، قبل نظامها، فسارت بمسؤولية أيضاً، على جادّة الموضوعية، وذهبت بناءً على ذلك، إلى معاينة المشهد السوري الجديد، بممكناته، وكما يقدم نفسه في الداخل وحيال الجوار، مع ما يرافق ذلك من مهمّات جِسام، ومع ما يحيق بالمحاولة الجديدة كلها، من مخاطر شديدة، وهي تدق على أبواب الواقع السوري بكل تعقيداته.

مدخل إلى الخطاب

طلب استقرار سوريا هو العنوان الأول البسيط الواضح الذي تحتاجه سوريا اليوم. الاستقرار مدخل إلى الانصراف الهادئ إلى إعادة ما هدمه النظام السابق خلال عقود طويلة.

عناصر الاستقلال، الداخلية والخارجية، هو العنوان الثاني، فالعلاقة بين الداخل والخارج وثيقة، والترابط قائم بين الوطني المحليّ، والسياسة الوطنية الخارجية. تتقدم في الداخل مهمة إعادة صياغة الوحدة الوطنية السورية، صياغة غير قسرية، وغير اختزالية، وفي هذا المجال خطا الحكم الجديد خطوات واقعية ملموسة، وتتقدم في الداخل عملية إعادة بناء “الهيكل” الدولتي العام، وإطلاق العجلة الاقتصادية. فهذه من شروط إعادة إنتاج وتوسيع القاعدة الاجتماعية للحكم الجديد. فحيث يكون يُسْرُ العيش، وحيث تكون الكفاية الاجتماعية، يتراجع الاحتقان الاجتماعي، وتتراجع إمكانات استغلال التوتر وتوظيفه في سياسات زعزعة مجتمعية.

على صعيد خارجي، لا يملك السوريون تَرَف الخصومة مع الجوار القريب، ولا يبدو أنهم يسعون إليه، لكنهم يملكون حق وموقف رفض تدخل الجوار القريب، أو المحيط البعيد، في شؤونهم الداخلية، ويملكون الحق، وعليهم واجب، مطالبة المتدخّل بالكفّ عن سياساته، والمطالبة أيضاً بمساعدتهم على الوقوف في وجه التدخلات الخارجية.

سياسة حسن الجوار، هي ما يرددها الحكم السوري حتى الآن، وسياسة التنبيه هي ما اختارها بديلاً من لغة الاتهام… لذلك من حقّ المسؤول السوري أن يدعو الآخر إلى الالتزام بعلاقة حسن الجوار وأن يعتمد ما يراه ضرورياً من سياسة تعامل مع “الجار” إذا ما أصرّ على إذكاء نار الخصام.

أبعد من سوريا

بات واضحاً حجم الاندفاعة الخارجية التي تقودها الولايات المتحدة الأميركية، من ضمن خطة شاملة تصل إلى حدّ إعادة النظر في الكيانات وفي المجتمعات. النموذج الفلسطيني دليل، فما يحتشد في الأفق هجوم اقتلاع للشعب، وهجوم احتلال لما تبقى من أرض فلسطين.

النموذج اللبناني دليل آخر، اتفاق لوقف الأعمال العدائية تخرقه الآلة الحربية الإسرائيلية كل يوم، من دون إدانة، وتعيد القوات المعادية احتلال أجزاء من الأرض، فيطالب السياسي الأميركي بإخلائها، ويقدم طلبات أحادية تستهدف الجانب اللبناني، فتكون عوناً للعدو في عدوانه.

النموذج السوري دليل إضافي، والشواهد تحتشد من الجولان والقنيطرة وحوض اليرموك، إلى تدمير البنية الحربية للجيش السوري، إلى تنصيب العدو نفسه حامياً للأقليات. وهنا أيضاً، لا صوت للسياسة الأميركية إلاّ ذاك المشكّك بقدرة السوريين على إعادة صياغة بنيانهم في إطار وحدة وطنية جديدة، اكتسبت دفعاً لها بعد انضمام العنصر الكردي إليها، وبعد ما تردد عن استعداد العنصر الدرزي للمشاركة في مسيرة البناء الجديدة.

النماذج المستهدفة، تطرح ضرورة الانصراف إلى التفكير بمآل المنطقة العربية كلها، فالخطر يطال مصر مثلما يطاول الخليج مجتمعاً، ومعه سائر البلاد العربية.

التفكير الجماعي العربي، يعيد الاعتبار إلى العامل القومي في حدّه الدفاعي، وفي صيغته التكاملية، بعيداً من أوهام سادت ثم بادت عن كل “الجملة القومية”.

التأسيس على العامل القومي قد يسمح للعرب مجتمعين باحتلال بقعة ولو ضيقة، على خريطة “التواجد” العالمي، كبلدان وكأوطان، هذا لأن طاقة الاندفاعة الأميركية قد تصل إلى حدود تفكيك البنى الموروثة، لإعادة تركيبها بما يلائم ضرورات “الأمركة” المتجددة، التي لم تسلم من ضغط قوتها أوروبا الحليفة، ولا الجيران فوق القارة الأميركية الواحدة. على وجوه شتّى، الشعوب العربية في حال الدفاع عن الوجود، الوجود الفاعل الذي يمنع عنها صفة الشعوب، أو الدول غير النافعة.

في الأثناء، على الخطابة الوطنية، والخطابة العربية، أن تنتبه إلى أن القاموس الحالي، لا يضم بين صفحاته أكداس أماني الخطباء، وعلى هؤلاء أن يدركوا، أنه من غير المعقول الطلب إلى المغنّي الغناء، وعنقه رازحة تحت حدّ السكين.

المدن

——————————————

الصدع الطائفي في سورية/ نبيل سليمان

15 مارس 2025

إذا صحّ وسْم المجتمع السوري بالتقليدي منذ إعلان الكيان السوري بعد الحرب العالمية الأولى، إلى أن بدأ التحديث يغلب عليه، فقد كانت الطائفية الاجتماعية متحدة بالطائفية السياسية في الزمن الأول التقليدي، بينما بدأت الطائفيتان تتمايزان مع التحديث منذ خمسينيات القرن العشرين، وإن ظلتا تشتبكان من حين إلى حين، ومن موقع إلى موقع. وعلى أية حال فقد كانت الطائفية في سورية حتى العقد السابع من القرن العشرين، وبتشبيه عزمي بشارة في كتابه “الطائفة، الطائفية، الطوائف المتخيلة” ذلك الفيل الأبيض المنتصب في غرفة المجال العمومي الذي يتظاهر الجميع بأنه لا يراه. وبالتالي: كانت الطائفية سردية المجالس الخاصة، حيث يصخب ادعاء التعايش بأثر تراجعي في التاريخ، فيذهب القول إلى أن الشعب مسالم وبريء من أية طائفية، ويُمارَس التطهر من أية لوثة فردية أو جماعية طائفية.

أسرعَ الهمسُ بالطائفيةِ إلى الفضاء السوري منذ بداية زلزلته سنة 2011. وسرعانَ ما اصطخب بها هذا الفضاء، سياسيًا أولًا وثانيًا، وثقافيًا ثالثًا أو رابعًا. وكما في العراق من قبل، أخذت الأسئلةُ المتعلقةُ بذلك تتفجر: هل بدأ تشكيلُ هويةٍ سوريةٍ أو عراقيةٍ جديدة، يعود فيها المكبوتُ الطائفيُّ بطريقةٍ محرَّفة؟ هل نحن بإزاء تشكيلِ ما يصح وصفُهُ بالهوية الكبسوليةِ المنغلقةِ على ذاتها؟

ينبغي ألا نغفلَ عن أن الطائفيةَ، كهويةٍ فرعية، كانت حاضرةً في المرحلة العثمانية من تاريخنا. كما حاولتْ المرحلةُ الفرنسيةُ تسييسَ وتكريسَ هذه الهوية، بل وشرذمتَها من جهة، وقَوْمَنَتَها من جِهة أخرى. ولئن كانت السرديةُ الطائفيةُ قد تراجعت بعد الاستقلال، مقابلَ هيمنةِ وأولويةِ السرديةِ القوميةِ العربية، وثانويةِ السرديات الأخرى الشيوعيةِ والإسلاميةِ والقوميةِ السورية، فقد أخذت السرديةُ المهيمنةُ تتشقق، مقابلَ بروزِ السرديةِ الطائفية، منذ انفجارِ الصراعِ المسلحِ المرموزِ له بأحداثِ حماة 1982. لكنّ كلَّ ذلك لا يقاس بما جاء به زلزال 2011، حيث بدأت صدوعُ الهويةِ تطلعُ. وسرعانِ ما بدا أن العماءَ الطائفيَّ قد أصاب شطرًا من السياسة والإعلام، كما أصابَ الشطرَ الثقافيَّ التابعَ للسياسي، حيث أخذت تتطايرُ المِزَقُ والرُّقعُ الثقافيةُ السياسيةُ، بالاضطراد مع تواترِ وتصاعدِ الخطفِ والاغتيال والتهجير والكراهية وسائر أشكال العنف الطائفي.

ليست الطائفية إلا ظاهرة اجتماعية سياسية وإشكالية، لا علاقة لها بالضرورة بتعدد الديانات والمذاهب، وإن تكن قابلة للتفعيل في البيئات المتعددة دينيًا ومذهبيًا. لكن النسب الطائفي كالنسب الديني، يتحدد بما هو الأب عليه. بعبارة أخرى: أنت سنّي أو علوي أو درزي أو مسيحي أو إيزيدي إذا كنت من (ظهر – صُلْب) سنّي أو علوي أو درزي أو مسيحي أو إيزيدي، وما همّ أن تكون ملحدًا أو علمانيًا أو أن تسلخ جلدك الطائفي أو الديني، فالعلاقة الجنسية بين أبيك وأمك تحدد طائفتك.

وبالنظر إلى الطائفية كتحديد من الفرد لهويته، وذلك على أساس من التعصب الديني أو المذهبي، يمضي القول مع عزمي بشارة إلى أن الطائفية تعني تحويل الطائفة إلى متخيل يفكك العلاقات في الدولة الحديثة. وتتميز الطائفية في العصر الحيث ببروزها في صراع مع الهويات الأخرى للفرد ذي الانتماءات المتعددة (العشائرية – الجهوية – السياسية…) فيغلب الانتماء الطائفي على الهويات الأخرى للفرد، وهو ما يبرز في الوعي الاجتماعي القابل لرفع هوية واحدة فوق الهويات الأخرى.

أما الأهم في هذا السياق وفي هذا النظر، سواء بالنسبة للصدع الطائفي في سورية أم في سواها، فهو تحوّل الطائفية المتخيلة إلى بنية اجتماعية فكرية، حيث يجري تطييف الناس، وإن لم يكونوا جميعًا طائفيين، كما في لبنان منذ إعلان الكيان اللبناني عام 1920، وكما في العراق بعد زلزال 2003، حيث تحدد البنية الطائفية نواحي الحياة كلها، ويعلو الهتاف بالعيش المشترك والوحدة الوطنية والديمقراطية التوافقية!

للحديث عن الطائفية كمتخيل اجتماعي، يحسن الابتداء بما للمتخيل من دور في بناء الحقائق الاجتماعية والذوات التي تعيش تلك الحقائق. فالمتخيل الاجتماعي هو الطريقة التي يتخيل بها الناس محيطهم الاجتماعي، محمولًا في الصور والقصص والأساطير. ويتابع عزمي بشارة فيما يقول في المتخيل الاجتماعي، محللًا ومطورًا ما جاء به تشارلز تايلر في كتابه “المتخيلات الاجتماعية الحديثة”.

ففي الإجابة على السؤال “ما هو المتخيل الاجتماعي؟” يكون المتخيل هو الفهم المشترك الذي يجعل الممارسات الاجتماعية ممكنة، إضافة إلى الإحساس العام المشترك بالمشروعية. والمتخيل الاجتماعي بالتالي أمر معقد، يشتمل على حس بالتوقعات العادية التي تكون لدى كل منا تجاه الآخر، وعلى نوع من الفهم المشترك الذي يمكننا من القيام بالممارسات الجمعية التي تصنع حياتنا الاجتماعية. وهنا تتشكل الأسئلة اللاهبة: كيف يقف كل منا تجاه الآخر؟ كيف وصلنا إلى ما نحن فيه؟ كيف نرتبط بالجماعات الأخرى؟

وفي تقديم عزمي بشارة لترجمة كتاب بندكت أندرسن “الجماعات المتخيلة” نقرأ: “ليست الجماعة المتخيلة جماعة خيالية، بل حقيقية وواقعية، لا لأن فعلها وتأثيرها حقيقي وواقعي فحسب، بل لأن تخيلها يجري بأدوات واقعية، قائمة. والناس في هذه الحالة لا يتخيلون شيئًا من العدم وبواسطته. بل يحتاج تخيل هذه الجماعة إلى أدوات ناشئة تاريخيًا “. ويستتبع ذلك القول بأنه إذا ما عبرت الطائفة الدينية حدود القرية أو البلدة، وكان تصور الانتماء إليها ممكنًا كما لو أنه انتماء إلى جماعة، فهي جماعة متخيلة.

على هدي من كل ذلك يأتي الحديث عن الصدع الطائفي في سورية. وربما كان أوجع وأكبر ما في هذا الصدع هو ما يتعلق بالطائفة العلوية، كما سيتبين.

عندما أقامت فرنسا الاتحاد الفيدرالي بين دولة حلب ودولة دمشق، رفض ممثلو جبل الدروز الانضمام إلى الاتحاد، فأعلن المندوب السامي الفرنسي استقلال دولة جبل الدروز. وفي 7/5/1923 تلقت المفوضية الفرنسية السامية برقية من (الزعماء) العلويين والمسيحيين والتركمانيين والاسماعيليين والسنيين، وذكروا أنهم يمثلون خمسة أسداس سكان دولة العلويين التي كانت تشمل من سورية اليوم محافظتي اللاذقية وطرطوس وأجزاء من محافظتي حمص وحماة، وهي ما عرف بـ (الإقليم العلوي). وأكد أولاء الزعماء أنهم يرفضون الانضمام إلى دولة الاتحاد. ويلاحظ هنا التنوع الطائفي والإثني للزعماء. وسوف يتكرر الأمر عام 1936، عندما تدافرت برقيات الاستقلاليين (الانفصاليين) من شتى الطوائف، وبرقيات الوحدويين من الطوائف نفسها، إلى وزير الخارجية الفرنسي، في سياق المفاوضات السورية الفرنسية في باريس. ومما تعلّل به الانفصاليون العلويون أنه ليس ثمة ما يجمعهم بدولة الاتحاد والحكومة المركزية في دمشق. وها هو محمد هواش في كتابه “عن العلويين ودولتهم المستقلة” ينقل مما برّر به الانفصاليون دعواهم: “فطرق التربية في المنزل والمدرسة والعادات القومية والأهداف مختلفة بيننا وبين السنّة كل الاختلاف. ورغم أنه تجمعنا معًا حضارة القرن العشرين، إلا أن تناقضنا الديني والعقائدي متغلغل في كل مجالات الحياة الاجتماعية”.

ومن برقية الانفصاليين ينقل هواش أيضًا: “فما هو المنطق الذي يعطي السوريين الحق في حكمنا ويحرمنا من حق الحكم الذاتي؟” فالانفصاليون ينكرون الهوية السورية البتّة. وقد كان من الموقعين الشاعر الشهير بدوي الجبل الذي سيتراجع ويعتذر معترفًا بالخطأ. أما المفارقة فهي أن آخر الكلاسيكيين العرب هذا كتب منذ يفاعته إلى مماته غرر قصائده، وربما غرر الشعر الكلاسيكي، في التولّه بالشام وبالوحدة.

بالمقابل أبرق العلويون الوحدويون إلى وزير الخارجية الفرنسي – كما ينقل هواش – معلنين أنهم “مسملون كما أن الإغريق أرثوذكس والبروتستانت مسيحيون”، وبالتالي، فرغبات الأكثرية الساحقة من سكان بلاد العلويين، كما يكتبون، هي بالوحدة السورية. وبين الموقعين من العلويين طبيبان وأربعة محامين وسبعة وعشرون شيخًا، وهي أرقام هامة في ذلك الزمن. وكانت الجمعية (العلوية المسلمة) الممثلة للعلويين من المهاجرين إلى الأرجنتين، قد رفعت الصوت عاليًا منادية بالوحدة.

قبل ذلك بسنتين كان وفدٌ من الوحدويين العلويين قد زار دمشق مؤكدًا على الوحدة ورافضًا الانفصال. وقد استمرت الدولة العلوية المستقلة تحت الراية الفرنسية حتى كانون الثاني/ يناير 1942، حيث ضُمّت هي ودولة الدروز إلى (الأم) في دمشق. وكان الانفصاليون في جبل الدروز كما ينقل محمد هواش قد أبرقوا إلى وزير الخارجية الفرنسي، بالتوازي مع برقية الانفصاليين العلويين: “يطلب الشعب الدرزي بإصرار الاحتفاظ باستقلاله الذي تمتع به منذ فجر التاريخ”. وجاء في البرقية أيضًا: “يأبى كل أفراد الشعب الدرزي الانضمام إلى سورية، ويرفضون فكرة إلحاق جبل الدروز بالدولة السورية”. ومثل الانفصالية الطائفية العلوية والدرزية كانت الانفصالية المسيحية كما عبرت عن نفسها في الفترة نفسها في الحسكة، عاصمة الجزيرة السورية.

إنها المعمعة السياسية في اللبوس الطائفي. وللإسلامي منه – يقول محمد المختار الشنقيطي بحق: “فأغلب الهويات الطائفية في الثقافة الإسلامية، مثلًا، ترجع في جذورها إلى خلافات سياسية، تطورت مع الزمن إلى انشقاق عقائدي، وفكري”. وفي صلب هذه المعمعة كان التدخل الخارجي متمثلًا في سورية بالانتداب (الاستعمار) الفرنسي.

مع الاستقلال وجلاء الاستعمار الفرنسي تبدد الصوت الانفصالي، وخفت الصوت الطائفي، وبخاصة في سياق المدّ القومي العربي والوحدوي واليساري في الخمسينيات من القرن العشرين، بما في ذلك الحضور الشيوعي. وعلى الرغم من حضور الإخوان المسلمين في تلك الفترة أيضًا، إلا أن الصوت الطائفي ظل خافتًا. أما بعد مفصل 1963 واستيلاء البعث على السلطة والدولة، فقد أخذ الصوت الطائفي يعود، بينما أخذ الصوت القومي العربي واليساري يتراجع، وكل ذلك يستدعي الحديث عن تصديع الديكتاتورية للمجتمع. وفي هذا الحديث يتواصل التجاذب في سورية بين الهوية الوطنية وبين ما بعد الهوية، بين الدولة وما بعد الدولة، بين التباب والبدد، وبين النهوض كدولة ديمقراطية تتعدد فيها الانتماءات الهوياتية وإمكانيات الاختيار، مما سيخفف طغيان الهوية الواحدة. فالرهان هو على أن يتواصل وينضج هذا الذي يجري من إعادة بناء الهوية الوطنية على أساس عقد اجتماعي جديد.

لقد أخذ صوت الأسلمة والطائفية يعلو مبكرًا، بعيد الثورة/ الحراك/ الانتفاضة/ الزلزال عام 2011، مشتبكًا مع صوت المظاهرات السلمية ومع العسكرة بوجهيها الحاكم والمعارض. وفي هذا السياق زايدت أصوات بعض المثقفين ذوي المنبت العلوي على نظرائهم من ذوي المنبت السني، في تخوين الطائفة العلوية. ومن هذا الرعيل من لم يشفع عنده لآلاف الشباب والشابات من ذوي المنبت العلوي، أنهم ذاقوا ويلات سجون النظام ومعتقلاته طوال عقود، وكذلك بعد عام 2011. بل بلغ الأمر ببعضهم حد العنصرية، مثلهم مثل ما سيلي من عنصرية داعش، ليس بصدد العلويين فقط، بل بصدد المسيحيين أيضًا، بل وبصدد (كل من هو ليس منا) من بقية الفسيفساء السورية. وقد سميتُ هؤلاء ونظراءهم الإقصائيين الموالين (كتّاب وفناني التدخل السريع) تيمّنًا بقوات التدخل السريع السيئة الذكر. غير أن ذلك ليس (القصة كاملة)، إذ ثمة أصوات ثقافية أخرى، أرسلت خطابًا ثقافيًا مختلفًا، بل ونقيضًا لما تقدم، وأشبه ببالع السكين ذات الحدين، إذ يناله ما يناله من أذى الفريقين اللذين جرى الحديث عنهما أعلاه.

ضفة ثالثة

—————————–

هل تورطت روسيا في دعم فلول الأسد بالساحل السوري؟/ باسل المحمد

15/3/2025

شهد الساحل السوري خلال الأيام القليلة الماضية أحداثا وصفت بأنها من بين الأعنف منذ سقوط نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد في 8 ديسمبر/كانون الأول الماضي، واشتدت وتيرة الاشتباكات بين قوات الأمن العام وعناصر وزارة الدفاع التابعة للإدارة السورية الجديدة، وبين فلول النظام السوري السابق.

وقد أثارت هذه المواجهات التي اتسمت بالتزامن والتنسيق تساؤلات عن الأطراف الخفية التي تقف وراءها، خصوصا أنها استهدفت نقاطا وحواجز عسكرية تابعة للأمن العام في توقيت واحد، مما أضفى المزيد من الغموض على المشهد الأمني المتوتر في المنطقة.

وفي الوقت الذي اتهمت فيه الإدارة السورية في دمشق جهات خارجية بالوقوف خلف هذه الأحداث التي خلفت مئات الضحايا، بينهم مدنيون وأطفال، وظهور اتهامات لإيران بدعم التمرد العسكري على لسان مسؤولين سوريين، يبرز تساؤل مهم حول إمكانية أن يكون لروسيا ـالحليف التقليدي لنظام الأسدـ دور فيما جرى بالساحل السوري.

ويدعم هذا التساؤل أن المناطق التي شهدت الهجمات هي نفسها التي توجد فيها قاعدتان روسيتان: الأولى “حميميم الجوية” القريبة من جبلة بريف اللاذقية، والثانية ميناء طرطوس الإستراتيجية.

كان الموقف الروسي الرسمي ضبابيا وأقل وضوحا تجاه الاشتباكات التي شهدها الساحل السوري، على عكس المواقف الإقليمية والأوروبية التي بدت واضحة من حيث إدانة أعمال العنف والمطالبة بحماية المدنيين، ودعوة الأطراف الخارجية إلى احترام سيادة سوريا ووحدتها وسلامة أراضيها.

وقد بدا هذا الموقف واضحا من خلال تصريحات المسؤولين الروس، حيث رفض المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف التعليق على تفاصيل الوضع الميداني في الساحل السوري، وذلك في اليوم الثاني لأحداث السابع من مارس/آذار، واكتفى بالقول “الأمن اللازم لجنودنا متوفر على المستوى المطلوب” مضيفا “بشكل عام، لا أود التعليق على سير هذه العمليات، لأننا لا نعرف التفاصيل”.

من ناحيته، وصف وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الثلاثاء 11 مارس/آذار الجاري الأحداث الأمنية الذي شهدتها منطقة الساحل السوري بأنها “غير مقبولة”، مطالبا السلطات السورية بضمان مشاركة كافة مكونات المجتمع في العملية السياسية.

وأكد -خلال مؤتمر صحفي- أنه لا بد من ضمان مشاركة المجموعات كافة في العملية السياسية في سوريا والسلطات الجديدة تدرك ضرورة ذلك.

هامش للمناورة

يرى مراقبون أن هذا النهج كان مقصودا للحفاظ على هامش مناورة سياسي، إذ لا تريد روسيا أن تظهر وكأنها تتخلى عن حلفائها السابقين في المنطقة، لكنها في الوقت نفسه تتجنب دعمهم بشكل مباشر إذ إن كلفة ذلك ستكون مرتفعة، كما أن الغموض بالتصريحات يمنحها القدرة على تغيير موقفها لاحقا وفقا لمجريات الأحداث.

وبدا هذا التغيير واضحا، بحسب الباحث في الشأن السوري وائل علوان، بعد تمكن الإدارة الجديدة من إفشال مخططات الفلول بالسيطرة على مدن الساحل السوري من جهة، ووصول الحكومة السورية إلى اتفاق مع قوات سوريا الديمقراطية “قسد” من جهة أخرى.

ويتابع علوان -في حديثه للجزيرة نت- أن هذا الموقف السلبي وغير المتعاون مع الإدارة السورية تجاه أحداث الساحل، قد ينعكس سلبا على روسيا من خلال خسارة المزيد من أوراقها التفاوضية لتأمين مصالحها الإستراتيجية في سوريا.

من ناحية أخرى، يبرز تناقض الموقف الروسي من خلال تصريحات صحفية لبيسكوف نفسه، إذ أوضح في العاشر من مارس/آذار الجاري أن روسيا ترغب برؤية سوريا دولة موحدة ومزدهرة ومتطورة وصديقة، وأضاف أن بلاده تسعى من أجل استقرار سوريا والمنطقة بأسرها.

دعم الفلول

وسط هذه الضبابية في الموقف الروسي، إلى جانب انتشار تسجيلات صوتية نُسبت إلى فلول الأسد، يُزعم فيها وجود تنسيق مباشر مع القوات الروسية في قاعدة حميميم، بما في ذلك تزويدهم بالسلاح، زادت الشكوك حول وجود صلة لروسيا بدعم فلول النظام في محاولة منها لإثارة الفوضى، ثم فرض حلول تخدم أهدافها الإستراتيجية.

وفي هذا السياق، ينفي المستشار رامي الشاعر، المقرب من الخارجية الروسية، وجود أي علاقة لروسيا بالأحداث التي شهدتها مدن وقرى الساحل السوري.

ويوضح الشاعر -في حديثه للجزيرة نت- أن هدف هذه الاتهامات هو تشويه سمعة روسيا، التي سعت خلال السنوات الماضية إلى وقف الاقتتال السوري- السوري، وفرض “نظام التهدئة” من خلال التعاون مع تركيا وإيران عبر صيغة أستانا.

وتؤيد روسيا، بحسب الشاعر، الإدارة الجديدة في دمشق، وهي على تواصل معها في كثير من القضايا، وعلى ثقة بأن الإدارة ستسيطر على كل المناطق في الساحل السوري، وستحاسب كل من تورط بالانتهاكات ضد المدنيين.

من جانبه، ينقل الصحفي والخبير بالشأن الروسي، رائد جبر، في حديثه للجزيرة نت عن مصادر دبلوماسية روسية نفيها وجود أي معطيات أو إشارات تدل على تورط روسيا بهذا الموضوع.

وأكدت هذه المصادر، بحسب جبر، أن روسيا لن تسمح لأي أشخاص موجودين ضمن الأراضي الروسية أو خارجها بالتعامل مع فكرة زج روسيا في هذا الموضوع.

وبشأن الدعوة الروسية لعقد اجتماع في مجلس الأمن، يقول جبر إنها موجهة، وفقا للمصدر نفسه، للحفاظ على وحدة وسلامة الأراضي السورية، واتخاذ خطوات لمساعدة سوريا في وضعها الحالي اقتصاديا ومعيشيا كتخفيف العقوبات المفروضة عليها.

مجلس الأمن

وشهد مجلس الأمن توافقا روسيا-أميركيا للمرة الأولى منذ سنوات على الدعوة لعقد جلسة مشاورات مغلقة وعاجلة في مجلس الأمن الدولي، عنوانها بهدف إصدار بيان حول “أحداث الساحل السوري”.

وشهدت، بحسب وكالات، انتقادات روسية للحكام السوريين الجدد وألقت عليهم باللوم في الانتهاكات التي لحقت المدنيين، ومن المتوقع إصدار بيان رئاسي يدين أحداث العنف ويدعو الحكومة السورية لحماية المدنيين.

من ناحيته، يرى الباحث علوان أن من الصعب الجزم بصحة الأخبار والتسجيلات المتداولة حول تورط روسيا في دعم تمرد مسلح في الساحل السوري، وقد يكون من مصلحة قادة الفلول الذين نظموا الحراك أن يوهموا “الشارع العلوي” بوجود دعم روسي مباشر، بهدف إشراك أكبر عدد ممكن من الناس في تمردهم المسلح.

استغلال روسي

خلافا لما سبق، يرى كثير من المتابعين للشأن الروسي أن روسيا قد تستفيد من أحداث الساحل على المدى الطويل، من خلال استغلالها بما يخدم مصالحها الجيوسياسية في سوريا التي تعتبر حجر الزاوية بالنسبة لوجودها ومصالحها في الشرق الأوسط.

وعن الخسارة التي يمكن أن تلحق روسيا في حال ثبت تورطها بدعم التمرد العسكري في الساحل السوري، يرى الباحث السياسي، نادر الخليل، أن هذا الموضوع إن تم فهو يشير إلى خطأ إستراتيجي في تقدير الموقف من قبل المسؤولين الروس.

وقد يكون هذا الخطأ، بحسب حديث الخليل للجزيرة نت، نابعا من عاملين:

ويشار إلى أن المتابع لتغطية وسائل الإعلام الروسية لمجريات الأحداث في الساحل يلاحظ تبني سردية متماشية إلى حدٍ كبير مع رواية فلول النظام، ومن ذلك موقع “لينتا” الإلكتروني الروسي واسع الانتشار، الذي عنون نصه عن الأحداث في الثامن من مارس/آذار الجاري بالقول “المسيحيون والمسلمون الشيعة يثورون ضد السلطات السورية الجديدة. لقد جاؤوا إلى القاعدة العسكرية الروسية طلبا لحمايتهم من الإبادة الجماعية”. وأرفقه بعنوان ثانوي “السلطات السورية ترتكب مجازر بحق العلويين والمسيحيين في شرق وجنوب سوريا”.

ووكالة “نوفوستي” الرسمية عنونت نصها في السابع من الشهر الحالي بالقول “خبير يصف أحداث اللاذقية بأنها بداية صراع أكثر خطورة في سوريا”، إلى جانب تساؤل كبرى صحف الأعمال الروسية “فيدوموستي” في عنوان نص نشرته في العاشر من الشهر الجاري “هل تؤدي الانتفاضة السورية إلى مزيد من إراقة الدماء؟”.

وتعليقا على هذه التغطية، لا يعتقد الخبير الروسي رائد جبر أن ذلك يعكس موقفا حكوميا رسميا داعما للتمرد في الساحل السوري، ويضرب جبر مثالا على ذلك الموقف من القضية الفلسطينية، التي كانت تشهد تفاوتا بين اللهجة الدبلوماسية الروسية التي تتخذ مواقف مناصرة للفلسطينيين، بينما كانت الصحافة ميالة لإسرائيل.

حماية المدنيين

ومع إعلان الحكومة السورية عن وجود “دول وجهات خارجية” تدعم العمل المسلح ضد الدولة، تداول جمهور منصات التواصل الاجتماعي معلومات غير مؤكدة تدعي أن الروس قاموا بتشجيع أهالي الساحل، وخاصة من الطائفة العلوية، على اللجوء إلى قاعدة حميميم تحت ذريعة “الحماية”.

ووفقا لما تم تداوله، فقد طُلب منهم هناك التوقيع على بيان يطالب بتدخل دولي لحمايتهم. وقد رأى مدونون سوريون في هذا السيناريو محاولة روسية للتمهيد لتدخل مباشر تحت غطاء دولي وربما بمباركة من الأمم المتحدة.

وكانت قاعدة حميميم قد فتحت أبوابها لاستقبال عناصر من فلول النظام السابق وعوائلهم الهاربين من مطاردة الحكومة السورية، وقامت بتجهيز مخيمات بكل ما يلزم من مأوى وإمدادات غذائية وطبية.

ولم تقتصر الإجراءات الروسية في قاعدة حميميم على الجانب الإنساني فقط، بل شملت أيضا استعراضات جوية ومناورات دفاعية، من ذلك ما أفادت مواقع محلية أن مقاتلة روسية أقلعت من القاعدة في اليوم الأول للاشتباكات، وحلقت فوق المروحيات التابعة لوزارة الدفاع السورية، وحذرتها من مغبة استمرار القصف على مناطق ريف جبلة وأجبرتها على العودة إلى قواعدها.

وتعليقا على حركة الطيران النشطة التي شهدتها القاعدة، يذكر الخبير جبر أن هذه الحركة تأتي ضمن المهمات الخاصة للطيران في القاعدة، وأنه لا يمكن لروسيا التدخل بأي شأن سوري داخلي إلا بعد التنسيق مع الإدارة الجديدة في دمشق.

وبالنسبة لحماية المدنيين، يقول جبر إن روسيا ليست هي المبادرة لطرح هذه الفكرة، وإنما هناك بعض الفئات في الساحل السوري قدمت عرائض إلى الروس من أجل الحماية.

من ناحيته، يستبعد المستشار الشاعر أن تقدم روسيا، التي تتواصل مع العديد من الجهات الدولية لرفع العقوبات عن الشعب السوري، على خطوة من قبيل حماية المدنيين تحت وصاية دولية، لأنها ستكون خطوة سلبية في مفاوضاتها مع دمشق من أجل الإبقاء على القواعد الروسية وتعزيز الوجود الروسي، وربما فتح صفحة جديدة في العلاقات بين البلدين.

وكانت وفود من منطقة جبلة وإدارة الأمن العام قد وصلت إلى قاعدة حميميم الجوية بمحافظة اللاذقية يوم السبت الثامن من مارس/آذار، لطمأنة الأهالي الموجودين فيها وإعادتهم لقراهم، وذلك بحسب ما أفادت به وكالة الأنباء السورية (سانا)، إلا أن الأهالي لم يستجيبوا على الفور لنداءات المسؤولين بالعودة.

المصدر : الجزيرة

———————-

كيف تنظر واشنطن إلى “مجازر” الساحل؟/ شربل أنطون -واشنطن

15 مارس 2025

هل انتهت المرحلة الانتقالية نحو الديمقراطية في سوريا بمجزرة؟ وهل وقع أحمد الشرع في فخ انتقام طائفي أم في “محاولة انقلاب” نصبها فلول نظام الأسد بدعم إيراني؟.

أسئلة عدة تطارد رئيس المرحلة الانتقالية في سوريا بعد أحداث الساحل، منها: هل عاد أحمد الشرع إلى ثوبه الجهادي وغطّى مجزرةً قام بها من كان يُقاتل في صفوفهم حتى الأمس القريب؟ ومن هي “العناصر غير المنضبطة” التي تحدث عنها أحمد الشرع؟ ولماذا أمر بإرسال نحو نصف مليون مقاتل إلى الساحل السوري على مرأى العالم ومسمعه؟

مهما يكن من أمر، فإن مسؤولية النظام الحاكم في سوريا كشف ومحاسبة المسؤولين عن المذابح الطائفية التي حدثت مؤخراً في الساحل السوري.

ولحماية الأقليات السورية، على الدول العربية والمجتمع الدولي مسؤولية الضغط لكشف ملابسات هذه المجازر ضماناً لعدم تكرارها.

شبكة حماية قانونية دولية للأقليات في سوريا؟

هل توفر إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب شبكة حماية قانونية دولية للأقليات في سوريا خلال هذه المرحلة الانتقالية، بعد أن أدان وزير الخارجية الأميركية ماركو روبيو المجازر وحدد منفذيها دون مواربة، ورفعت واشنطن الموضوع إلى مجلس الأمن الدولي؟

“تدين الولايات المتحدة الإرهابيين الإسلاميين المتطرفين، بما في ذلك الجهاديين الأجانب، الذين قَتلوا الناس مؤخراً في غرب سوريا. وتقف الولايات المتحدة إلى جانب الأقليات الدينية والعرقية في سوريا، بما في ذلك المجتمعات المسيحية والدرزية والعلوية والأكراد، وتقدم تعازيها للضحايا وأسرهم. ويتعين على السلطات المؤقتة في سوريا محاسبة مرتكبي هذه المجازر ضد الأقليات في سوريا”، على حد تعبير  روبيو.

وتطالب السناتور الديمقراطية جين شاهين السلطات السورية بـ”التحقيق في ما حدث، وتقديم المسؤولين عن قتل المدنيين إلى العدالة. لأن الشعب السوري لم يقم بإسقاط نظام الأسد الوحشي ليجد نفسه مجددا في ظل قمعٍ وعنفٍ أكبر”.

من جهتها، تشير صحيفة واشنطن بوست إلى أن المجزرة في الساحل السوري “تثير تساؤلات خطيرة بشأن ما إذا كان أحمد الشرع راغباً أو قادراً على كبح جماح مجموعة واسعة من الفصائل المسلحة التي لا تزال تعمل في جميع أنحاء البلاد”. فكيف يمكن للرئيس ترامب أن يُعالج هذه المسألة بشكل جذري لمنع تكرار المذابح ضد الأقليات في سوريا؟

أيُّ سياسة أميركية تجاه سوريا ما بعد الأسد؟

الممثل الأميركي الخاص السابق لشؤون سوريا، جيمس جيفري، قال لبرنامج عاصمة القرار على قناة الحرّة: “على الولايات المتحدة أن تتبنى سياسةً أكثر وضوحاً وفعالية تجاه سوريا. هناك العديد من المشاكل مع حكومة دمشق الجديدة برئاسة الرئيس الشرع. ومع ذلك، فقد اتخذ( الشرع) خطواتٍ إيجابيةً عديدة. والأهم من ذلك، أنه الشخص الوحيد القادر على حكم سوريا حالياً؛ والشرع عازمٌ تماماً على إبعاد إيران. وهذا هو الشاغل الأمني الأكبر لنا في دول جوار سوريا، بما فيها إسرائيل والأردن وتركيا وغيرها.”

وأضاف جيفري: “لذا، أرى أننا بحاجة إلى ربط خطواتنا المستقبلية، بما في ذلك الإعفاءات أو رفع العقوبات المحتمل وتوثيق العلاقات، بخطوات نحو مزيد من دمج الأقليات، بالإضافة إلى التحقيق في عمليات القتل حول اللاذقية. والأهم من ذلك، استبعاد أيٍّ من هؤلاء الأجانب ذوي الخلفيات الإرهابية من رعاية الحكومة السورية”.

ويقول جوشوا لانديس، مدير قسم الشرق الأوسط في جامعة أوكلاهوما: “تريد الولايات المتحدة الاستقرار في سوريا. كما تريد حماية شركائها الأكراد. وتريد واشنطن أيضاً ضمان عدم تمدد داعش في المنطقة. وألا يُطلق سراح سجناء داعش فيعودوا إلى التآمر ضد السوريين والمجتمع الدولي”.

لذا، يُضيف لانديس، فإن “الحفاظ على علاقات جيدة مع كل من النظام والأكراد، أمرٌ بالغ الأهمية للولايات المتحدة، التي ترغب في ذلك. كما ستحرص الولايات المتحدة على ألا تُرهِب الحكومة الجديدة الشعب السوري، وأنها ستفي بوعودها، بإشراك جميع أطياف الشعب السوري في صياغة دستورٍ يتضمن انتخاباتٍ حرةً خلال أربع سنوات”.

انتهاء “شهر العسل الانتقالي” في سوريا؟

يحذر الباحث في معهد واشنطن آرون زيلن من “انتهاء شهر العسل الانتقالي في سوريا بعد المجازر والتضليل الذي تمارسه السلطة الانتقالية حول المجازر ضد المواطنين العلويين”.

ويضيف: “إن سلوك لجنة تقصي الحقائق في سوريا سوف يؤدي إما إلى بناء شرعية الحكومة الجديدة أو تدميرها، وكذلك احتمالات انتقال مستقر للسلطة”.

وهذا ما يحتم على واشنطن بعض السياسات تجاه أحمد الشرع وفريقه: “ربما يكون من الضروري تأجيل رفع العقوبات الأميركية إلى حين التحقق بشكل ملموس من التقدم في تحقيق انتقال ديمقراطي سلمي في سوريا. وهذا يعني تعزيز الاستقرار والعدالة الانتقالية والحكم الشامل للسوريين جميعاً، مع خدمة المصلحة الأميركية العليا المتمثلة في مواجهة إيران ووكلائها. كما أن واشنطن تحتاج إلى إجراء مناقشات صعبة مع حلفائها في أنقرة والقدس، حول تضارب مصالحهما في سوريا، وحول ضرورة ضبط تدخلهما” في الشأن السوري.

بين أحمد الشرع و”الشيطان الذي نعرفه” !

إن “أحمد الشرع جهادي منذ فترة طويلة” يقول سيبستيان غوركا، مساعد الرئيس ترامب، لقناة الحرة.  “فهل أصلح نفسه؟ هل هو رجل أفضل الآن؟ هل هو شخص يؤمن بالحكومة التمثيلية؟ اسأل المسيحيين. اسأل العلويين في المنطقة واسأل أي أحد عانى على يديّ أحمد الشرع الجهادي. لم أجد أبدا قائدا جهاديا أصبح ديمقراطيا أو آمن بالحكومة” التمثيلية.

لكن “لا يمكن إغفال أن سوريا كانت حاضنة للإرهاب في ظل حكم نظام الأسد” برأي ديفيد شنكر، الذي يضيف : “مثلما يفرض تواجد الشرع وهيئة تحرير الشام في السلطة تحديات، فإنه يمثل كذلك فرصا للولايات المتحدة؛ فسوريا لم تعد تشكل تهديدا عسكريا لجيرانها. كما أن دمشق اختارت ألا تجدد استئجار روسيا للقاعدة البحرية في طرطوس، ما يحد من الانتشار الروسي في البحر المتوسط. كما أن سوريا الجديدة ليس لها مصلحة في إدامة العلاقة الاستراتيجية مع طهران ووكلائها الإقليميين. ولم يعد بإمكان إيران تسليح حزب الله عن طريق الأراضي السورية.”

وأضاف: “نهاية نظام الأسد كانت تطورا إيجابيا للولايات المتحدة وشركائها في المنطقة. الشيطان الذي نعرفه كان سيئا لمصالح الولايات المتحدة لدرجة أنه حتى الشرع يمكن أن يكون خيارا أفضل”. حسب تعبير ديفيد شنكر، مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى خلال ولاية ترامب الأولى.

بدايات نظام فدرالي في سوريا؟

من ناحية أخرى، كيف يرى خبراء “عاصمة القرار” التوافقات الأخيرة بين الحكومة السورية المؤقتة والأكراد والدروز ودور الجيش الأميركي في تسهيل الاتفاق بين الشرع وقسد؟.

“توفر هاتان الاتفاقيتان لهذه المناطق درجة من الحكم الذاتي لم نكن نعتقد أنها ستتمكن من الحصول عليها. لقد وافق الرئيس السوري الجديد على ما يبدو أنه بدايات نظام فيدرالي في الدستور الجديد. مما يعني وفقًا لكل من الأكراد والدروز درجة من الحكم الذاتي” كما يقول الباحث الأميركي جوشوا لانديس.

هذه الاتفاقات هي “خطوات في الاتجاه الصحيح” برأي السفير جيمس جيفري، الذي يطالب “المجتمع الدولي والدول العربية والأوروبية والأمم المتحدة ومنظمات، بالعمل مع حكومة دمشق على تعزيز استقرار الوضع في سوريا وبالتالي في المنطقة بأسرها واحتواء إيران”.

فرضت المجزرة ضد العلويين في سوريا تحديات جديدة على السلطة السورية المؤقتة وعلى داعميها لمنع انحراف المرحلة الانتقالية إلى فوضى وحرب طائفية قد تؤدي إلى تقسيم بلد منهك بالحروب. فهل ينجح التعاون الأميركي الروسي بشأن سوريا في حماية البلد وتنوعه العرقي والديني؟

شربل أنطون -واشنطن

الحرة

—————————–

مقداد فتيحة… أطلق فتنة الساحل السوري وتوارى/ مصطفى رستم

تسبب بمصرع العشرات في قرى اللاذقية ووثق بنفسه أعمال التعذيب والتصفية والتمثيل بالجثث وحرق المعتقلين أحياء

السبت 15 مارس 2025

ملخص

 إزاء تكرار كمائنه التي تستهدف أفراد الأمن العام، وخطاباته المتمردة التي تفوح منها رائحة القتل والانتقام والطائفية، رجح متابعون تلقيه دعماً عسكرياً ومالياً للاستمرار بتمرده وعصيانه حتى أفضى الأمر إلى تأسيسه لما أطلق عليه “درع الساحل”، وهي ميليشيات تضم فلول النظام ممن رفضوا تسليم أسلحتهم وإجراء تسوية مع السلطات الجديدة.

بعضلات بارزة وزي عسكري يقف مصوباً سلاحه الرشاش على رأس أحد المعتقلين الجالسين أرضاً قبل تصفيته، صورة واحدة من مئات الصور التي توثق انتهاكات أحد أكثر مجرمي سوريا تعطشاً للدماء في جيش النظام البائد.

إنه مقداد فتيحة صاحب أول تمرد عسكري بعد سقوط بشار الأسد وهروبه إلى العاصمة الروسية، شخصية أثارت جدلاً بظهوره المتكرر متلذذاً بقتل الأبرياء المدنيين وتصفيتهم خلال سنوات الحرب الماضية، بينما رفض تسليم سلاحه وقاد مجموعة من فلول النظام ممن شابها كثير من التساؤلات حول ارتكابها مجازر بحق المدنيين خلال عقد الصراع الأهلي.

رجل الكمائن الدامية

لم يتردد اسم شخصية موالية منذ سقوط النظام السابق في ديسمبر (كانون الأول) كما تردد اسم فتيحة، ففي الوقت الذي انكفأت كل الشخصيات السياسية والحزبية والأمنية والعسكرية عن الظهور، وظلت حبيسة صدمة الخسارة المزرية التي لحقت بجيش كامل لم يصمد أكثر من عشرة أيام، خرج صاحب العضلات المفتولة يتوعد السلطات الجديدة بالثأر مرتدياً وشاحاً أخضر في إحدى هذه الإطلالات، واستمرت حلقات استعراض البطولة هذه حين ظهر ملثماً في الكهوف والحقول وأثناء قيادته المركبات.

 وإزاء تكرار كمائنه التي تستهدف أفراد الأمن العام، وخطاباته المتمردة التي تفوح منها رائحة القتل والانتقام والطائفية، رجح متابعون تلقيه دعماً عسكرياً ومالياً للاستمرار بتمرده وعصيانه حتى أفضى الأمر إلى تأسيسه لما أطلق عليه “درع الساحل”، وهي ميليشيات تضم فلول النظام ممن رفضوا تسليم أسلحتهم وإجراء تسوية مع السلطات الجديدة.

يغلب على “أبو جعفر” كما يطلق عليه شخصيته الانفعالية والارتجالية، وهو ما يظهر عبر خطاباته المصورة حتى قبل سقوط النظام في معارك تحرير سوريا، حيث عرف بإطلالات متلاحقة في المعارك التي دارت بين غرفة عمليات “ردع العدوان” والقوات النظامية أثناء تقدم المعارضة نحو مدينة حماة ومنها إلى دمشق.

ولم يكتف بلغة التحدي أثناء ظهوره برفقة مقاتلين مدججين بالسلاح حتى بعد الخسارة المدوية للنظام السابق، بل بدا كقائد مجموعة عسكرية يجر أذيال الخيبة، مستغرباً من سقوط الفرقة “25 مهام خاصة”، وهي الفرقة العسكرية الأكثر تدريباً وتتبع سهيل الحسن الملقب بـ”النمر”، أحد أشهر ضباط الجيش، حيث أدارت وحدته عمليات عسكرية على مدى سنوات طويلة في مواجهة قوات المعارضة والفصائل المتشددة منذ عام 2019 وحتى قبل سقوط النظام.

فلول في الجبال

يتهم ناشطون حقوقيون مقداد بارتكاب انتهاكات وتجاوزات واسعة، وبأن لديه سجلاً أسود أثناء تأدية خدمته كمتطوع في “الحرس الجمهوري”، وهي وحدة مقاتلة معروفة بولائها الشديد لنظام الأسد، كما نسبت إليه عمليات تجارة في المخدرات والبشر مع جرائم تصفية وتعذيب، ووثق هو بنفسه بالصوت والصورة وعبر وسائل التواصل الاجتماعي أعمال التعذيب والتصفية والتمثيل بالجثث وحرق المعتقلين أحياء، وتقدر التقارير الحقوقية أن مئات من الضحايا قضوا على يده.

استمرت هذه الانتهاكات حتى بعد سقوط النظام، حيث تسبب بمصرع عشرات من الأشخاص في قرى اللاذقية، بعضهم من أبناء طائفته الدينية ممن عارضوا أعماله وتصرفاته التي أثرت بشكل سلبي في السلم الأهلي، وتسببت جولاته الافتراضية على وسائل التواصل بتأجيج المشهد والاحتقان الطائفي وتعمد افتعال اشتباكات سريعة وخاطفة ومن ثم الهرب.

إلى ذلك، لاقت تصرفات فتيحة استياء بين القاطنين الآمنين والراغبين في العيش بسلام، لكن مع استمراره بارتكاب انتهاكات وضربات بحق قوى الأمن وأسرهم على مدار ثلاثة أشهر، بات من الضروي استقدام تعزيزات عسكرية واسعة لملاحقته مع فلول النظام البائد.

ويجزم محافظ اللاذقية محمد عثمان، في تصريحات لـ”اندبندنت عربية” بانتقال مجموعات الفلول إلى الجبال والوديان بعد العملية الأمنية الأخيرة. مؤكداً أن ملاحقتهم تحتاج إلى وقت، ومن المتوقع أن ينفذوا أعمالاً تخريبية ليثبتوا للرأي العام أنهم ما زالوا حاضرين.

وكشف تلفزيون سوريا القريب من الحكومة الجديدة عن تواجد مقداد فتيحة بين سوريا ولبنان عبر دراسة التضاريس وجغرافية الأمكنة التي تواجد بها، وتبين أنه يتنقل عبر منطقة حدودية اسمها “حكر الضاهري” يمكن للأشخاص العبور من خلالها عبر قطع نهر بشكل يسير، وهو ما يفسر الدعم الذي يتلقاه بسبب سهولة تنقله، وفي مقابل ذلك يطالب السوريون من كل الطوائف باعتقاله ومحاسبته.

ساحل الجحيم

ويثير مقطعه المصور بعد ظهوره مرتدياً لباساً يشبه لباس أفراد وزارة الدفاع، توجساً من تنفيذ أعمال إجرامية بحق مدنيين، وقد ظهر فتيحة حاملاً سلاحاً حديثاً ومتطوراً أثار انتباه المتابعين، وذكر أحد المتخصصين العسكريين أن “هذا السلاح لا يوجد له مثيل في الجيش السوري”، ما يعطي إشارة إلى دعم جديد يتلقاه.

وعلى رغم تأييد فريق يتبع النظام البائد، لا سيما من العسكريين المطلوبين للعدالة، لمقداد فإن الأوساط الشعبية من مختلف الطوائف في اللاذقية تنبذه لأنه كان سبباً مباشراً في تأجيج معارك جبال الساحل، وأفادت مصادر أهلية بأن المنطقة كانت تعيش حالاً من الأمان، لا سيما أبناء الطائفة العلوية، ولم تسجل أية انتهاكات، لغاية الكمين الغادر الذي نفذه واندلاع أحداث السادس من مارس (آذار)، بل إن النشطاء الحقوقيين يطالبون بالقبض عليه ومحاكمته، بينما يصف مدير “المرصد السوري لحقوق الإنسان” مقداد فتيحة بـ “رجل إرهابي أشعل الفتنة في الساحل بين أبناء الشعب”.

وفي تسجيل جديد لمقداد وجه رسالة إلى ما وصفها بـ”حكومة الأمر الواقع” حملت تهديداً بالانتقال إلى مرحلة جديدة من القتال، واعترف بقتل أكثر من 1000 عنصر من عناصر الأمن العام خلال ساعات بعد الهجوم على قرية الدالي، وأضاف في تسجيل مصور “لقد عجزتم عن مواجهتنا فاتجهتم نحو النساء والأطفال وحرقتم المنازل”.

وهدد قائد ميليشيات “درع الساحل” في آخر رسائله المثيرة للجدل، والتي تحمل على الدوام لغة التهديد بوجود عدد كبير من الأسرى لديه، السلطة الجديدة للبلاد في حال عدم انسحاب قواتها من الساحل بأنه سيتعامل بطريقة مختلفة مع الأسرى، مع إدخال مقاتليه بين مقاتلي الجيش والأمن بأسلحة صامتة، بحسب وصفه.

—————————

فَشَر / ربيع بركات

12/3/2025

“فَشَر” قد تكون ردًا على تهمة قِتالها، هي السيدة السبعينية ذات الجسد المنحني كعلامة سؤال، “أهل السنة” أجمعين. و”فَشَر” قد تكون ردًا على محاولة المسلحين الواقفَين أمامها اختزال “أهل السنة” بفعلتِهما وقولِهما.

رأيتُ في الفيديو بالأمس امرأة، بدَت في سنّ السبعين. وقفَت أمام حاملِ كاميرا لا نراه ورَجُلٍ آخر بصحبته، في مكان ما عند الساحل السوري حيث ارتُكبت مجازر.

من خلف الكاميرا كان الرجلان يتناوبان على الكلام، كل منهما بصوت يطفح بهرموناتِ من أَزهق أكثر من حياة ويقدر على إزهاق المزيد. لقد قتلا ولديها للتو وكانا يتوعّدان. لكنّ أداءهُما، شبه المسرحي، كان يوحي بذنبٍ مستتر.

“هيدول اولادك؟ الله لا يسامحك.

رح ندعس عليكم ان شالله قريبًا، لأنكم إنتو اللي بديتوا” (بدأتم).

قرب السيدة كانت جُثتا ولديها مرميّتين. وكانت طوال حفلة الوعيد ثابتة في مكانها. يداها على خصرها، كما لو أنهما تشدّان الخصر صعودًا. وجسدها المُنحني يأخذ شكل علامة سؤال دالّة، ويكاد يستحيل نصًا ناطقًا متهكمًا: من أنتما؟

لكنّ السيدة السبعينية، في حقيقة الأمر، لم ترُدّ. بل اكتفت بهز رأسها. “ان شالله”، قالت بين ساخرة ومحيلة الأمر إلى ربٍ يقاتل الرجلان باسمه.

“إنتو اللي بديتوا”.

كرّر المسلّح حامل الكاميرا تهمته ثلاث مرات، كما لو أنه يبرّر فعلته ويغتسل من إثم.

“إنتو غدارين”. كرّرها ثلاث مرات أيضًا، كما لو كان يتابع الاغتسال من دم مسفوك. ثم أردف صوت الرجل المرافق له: “عم يقاتلوا أهل السنّة”. وأضاف الأول: “اعطيناكم الأمان، بس غدرتوا فينا”.

عندها قرّرت السيدة أن ترُدّ: “فَشَرت”.

“يلا استلمي اولادك. استلميهم، استلميهم”.

كرّر دعوتَه ثلاث مرات مجددًا كمن يؤكّد قوّة حجّته أمام الوالدة والجُثتين المرميّتين. لكنّ كلمة “فَشَرت”، برغم الصوت الخافت الذي قيلت به، ظلّت تطنّ في الأذن. كما لو كانت ذات صدى مديد.

وفَشَر ــــ أي كلامُكَ مليءٌ بالزور والبطلان ــــ تصلح لأن تكون ردًا على تهمة قِتالها، هي السيدة السبعينية ذات الجسد المنحني كعلامة سؤال، “أهل السنة” أجمعين. و”فَشَر” قد تكون ردًا على محاولة الرجُلَين الواقفَين أمامها اختزال “أهل السنة” بفعلتِهما وقولِهما.

وفَشَر قد تنطوي على رفض نفي التهمة: نحن مُتنا وأنتم ومن مثلكم قاتِلونا. لن تسلُبوا منا الجُثث. لن تسلُبوا روايتنا. لن تدفنوا معنا مشهديّة المذبحة. ولن تمحوا كل باب منزل فُتح لمُسلحين وأُزهقت خلفه الأرواح.

قيل في البطلان “ألا كلّ شيء ما خلا الله باطل / وكلّ نعيم لا محالة زائلُ”. والبطلان هنا في البيت الشهير للشاعر الجاهلي، الصحابي لاحقًا، لَبيد بن ربيعة، ينطبق على كلّ ما دون الجوهر المطلق. 

نحن في حضرة هذا المشهد، وغيره مئات المشاهد، أمام بطلان روايات الجوهرانية المطلقة المتعلّقة بالطوائف، أي مقولات أن كلّ طائفة أو جماعة من البشر تنطوي على جوهر ثابت، ثمين تستحق معه الرفعة أو رخيص يُنزلها إلى أسفل درك.

فَشَر.

كلمة السيدة العجوز كانت تدحض سردية أُنفقت عليها أموال طائلة، ودُبّجَت في سبيلها آلاف الفتاوى. كانت كمن يقول إن الثورة هي لمن قام في سبيل انتزاع حرية من نظام متجبّر وتثبيت هذه الحرية كقيمة للسوريين دون تمييز. كمن يقول إن الحرب السورية بوصفها فعل انتقام، وما انطوَت عليه هذه الحرب من مآسٍ، لم تكن فعل بطولة قط.

“فَشَر” تصلح للجم اللسان السليط الردّاح. تصلح للردّ على كلام يلوكه مذيع على قناة تلفزيونية إذ يزعق “ألا يستحق العلويون الإبادة؟”، ثم يرفقه بعبارة “يقول أحدهم”، كمن يُبرّئ نفسه من إثمٍ تمامًا كحامل السلاح.

و”فَشَر” هي لمن ابتلع لسانه في حضرة الموت واحتفل بميلاد بلد جديد. “فَشَر” هي لمن حاول بألف طريقة طمس المعالم، لا بالقول “هم بدأوا” فحسب، ولا بالإحالة إلى عبارة “هم” و”نحن” الخادعة على الدوام فقط، بل بالقول هم لم يكونوا أصلًا. أو هم أصل البلاء. من مخيّمات اللاجئين في إدلب والشتات السوري إلى حوافّ سواحل الشام. “فَشَر” تفنيدٌ لمن يقول أو يوحي بأنّ أي جماعة ليست من هذه الأرض أو لا تستحق أن تكون.

“فَشَر”، بعدما أُطلقت في الهواء، باتت تحتمل ألف تأويل وتصلُح لأن تُلبَس ألفَ تفسير، كأي نص بليغ ينطوي على دلالات لا حصر لها. تمامًا كـ”معلِش”، حين قالها وائل الدحدوح أمام أفراد أسرته المُكفّنين، في الأيام الأولى لمذبحة المستعمِر الوحيد في منطقتنا، الدخيل الوحيد على هذه الأرض، بحق أهل غزة.

“فَشَر” باتت متحرّرة من فم السيدة السبعينية نفسها، التي ينحني جسدها كعلامة سؤال. رُميَت في الفضاء الرحب في وجهنا كصفعة كفٍّ مدوّ. رُميَت في وجه صمتنا، كعلامة تعجّب فارقة

أوان

————————–

====================

عن الأحداث التي جرت في الساحل السوري أسبابها، تداعياتها ومقالات وتحليلات تناولت الحدث تحديث 14 أذار 2025

————————

تركيا منزعجة وإسرائيل ضائعة: اليد الأميركية ترعى الشرع/ منير الربيع

الجمعة 2025/03/14

خفايا كثيرة لم تتوضح حتّى الآن حول اشتباكات الساحل السوري وخلفياتها. فإلى جانب الروايات العديدة التي أصبحت معروفة، تبقى هناك روايات أخرى، من بينها ما يرد عن دخول إيران بشكل مباشر على خطّ هذا الصراع، لأن طهران كانت قد علمت بمفاوضات جدية تقودها الولايات المتحدة الأميركية لإرساء تفاهم بين دمشق والأكراد، فجاءت معركة الساحل لقطع الطريق على أي مصالحة بين أحمد الشرع والفصائل الكردية. لكن ما يتضح أكثر هو حجم الاهتمام الأميركي بسوريا، والحفاظ على وضعية الشرع مع إعطائه فرص سياسية كثيرة. وما يمكن قوله باختصار، إن واشنطن هي التي وفرت كل مقومات الصمود للشرع، خصوصاً بعد معركة الساحل، وفي ظل المساعي المستمرة لإصلاح العلاقة مع الدروز.

غرفة عمليات

بالتزامن مع المعارك التي كانت قائمة في الساحل، كانت غرفة عمليات أميركية مهمتها مواكبة الملف السوري، تضغط في سبيل معالجة الكثير من الملفات العالقة، أولها معالجة العلاقة بين دمشق والأكراد، وبين دمشق والسويداء. وقد تركز العمل على خفض التصعيد بشكل نهائي بين دمشق وشمال شرق سوريا، بالإضافة إلى العمل على تهدئة الوضع في الساحل مع إعطاء هامش للشرع كي يحسم. شدد الأميركيون على ضرورة تجميد أي نشاط لبعض القوى العسكرية الموالية لتركيا، وخصوصاً “فرقة سليمان شاه” بقياد محمد الجاسم المعروف بلقب “أبو عمشة”. لا سيما أن الكثير من المجازر التي ارتكبت في الساحل السوري تتحمل مسؤوليتها هذه الفصائل، وخصوصاً “العمشات” و”الحمزات”. وقد اعتبر الأميركيون أن هذا سيؤدي إلى تفجير كل الواقع السوري، بالإضافة إلى إصرار الفرقتين على خوض المعارك ضد الفصائل الكردية ورفض الاتفاق. يتواصل الضغط الأميركي لإخراج هاتين الفرقتين من الساحل السوري بشكل كامل، وصولاً إلى العمل على حلّ الفصيلين. بينما في المقابل، هناك إصرار لدى الحمزة وأبو عمشة على البقاء في الساحل وعلى مواصلة القتال ضد الأكراد. وهذا يشير إلى إمكانية بروز توتر أميركي- تركي بسبب الاختلاف في المقاربات.

غطاء أوروبي

في الموازاة أيضاً، كانت هناك مفاوضات روسية سورية، أصبحت معروفة الآن بعد تصريح الشرع لوكالة رويترز حول التفاوض مع الروس على مسألة بقائهم في القواعد العسكرية في اللاذقية وطرطوس. هنا تتداخل الحسابات الجيوستراتيجية للدول على الساحة السورية. إذ أن الأوروبيين لا يعتبرون أن مصلحتهم تقتضي باستمرار السيطرة الروسية على الموانئ السورية. لذا، كانت هناك مواقف أوروبية واضحة تدعو الى الحفاظ على وحدة سوريا، ورفض حصول أي اهتزاز أمني أو عسكري. بدا ذلك وكأنه غطاء للشرع كي يحسم المعركة ويعيد السيطرة على الساحل. على الرغم من المواقف الأوروبية الواضحة التي كانت تشير إلى ضرورة حماية الأقليات ووقف ممارسة العنف، لكن الهم الأكبر هو عدم ترك روسيا هي المتحكمة بمنطقة الساحل، وتوفير الدعم للشرع كي لا يكون مضطراً للاستسلام إلى موسكو. هنا لا بد من التذكير بأن فرنسا تأخرت في إعلان الاعتراف بأحمد الشرع والترحيب بوصوله، بانتظار أن تضمن تجديد عقد شركة cma cgm في مرفأ طرطوس. وللمفارقة أنه في اليوم الذي جرى تجديد العقد صدر الترحيب الفرنسي على لسان الرئيس إمانويل ماكرون.

المصلحة الأميركية

على الرغم من هذه المواقف الأوروبية، تبقى هناك نقطة غير محسومة بالنسبة إلى الأوروبيين، وهي تتصل بالعلاقة الروسية الأميركية. إذ لم يتمكن الأوروبيون من تكوين تصور واضح حول حقيقة الموقف الأميركي من الوجود الروسي في سوريا. في المقابل، عمل الأميركيون على ممارسة ضغوط على إسرائيل لتخفيف حدة الضغط العسكري والسياسي على سوريا. فعلى الرغم من الالتقاء الأميركي الإسرائيلي استراتيجياً، هناك خلاف أساسي على طريقة إدارة الملف. ويعتبر الأميركيون أن ما يقوم به الإسرائيليون يهدد بتفجير المنطقة ككل على أساس طائفي أو عرقي أو قومي، وهو لا يصب في المصلحة الأميركية، وسط تركيز على حماية الاستقرار. لذلك، عملت واشنطن على تقديم مقترحين لمعالجة علاقة دمشق مع الأكراد ومع الدروز، مع توفير ضمانات أميركية للأكراد والدروز بعدم التعرض لهم من قبل دمشق، وتوفير كل الضمانات الأمنية لهم.

إصرار الأميركيين على تحقيق مصالحة دمشق مع الأكراد، يُعد مشكلة بالنسبة إلى تركيا، أو يندرج في سياق تضارب المصالح. أما إصرار الأميركيين على دعم الشرع ليتمكن من الحفاظ على السلطة في دمشق، مع ما يقتضيه ذلك من الوصول إلى اتفاق مع الأكراد، قد يُعد مشكلة بالنسبة إلى إسرائيل أيضاً، التي تقول منذ اليوم الأول إنها تسعى إلى تقسيم سوريا إلى مناطق نفوذ. كذلك، هناك استنفار تركي إسرائيلي. ففي الوقت الذي تسربت فيه أخبار عن نية أنقرة بناء قواعد عسكرية في البادية السورية، كانت إسرائيل تسرب مشروعها للدخول من الجنوب السوري باتجاه السويداء ومنها إلى البادية وصولاً إلى شمال شرق سوريا، أي فتح خط مباشر مع الأكراد.

هنا تزايدت الضغوط الأميركية، من أجل عدم انفجار الوضع السوري بشكل كامل. وفي موازاة كل التضارب في الحسابات، يواصل الشرع نشاطه السياسي المتصل بتكوين السلطة، من إطلاق الإعلان الدستوري، إلى البحث في تشكيل حكومة على الأرجح ستكون من 22 وزيراً. وهو سيضم إليها وزيراً كردياً، وآخر مسيحياً، مع إمكانية انضمام وزير درزي. وذلك يتوقف على توقيع الاتفاق النهائي مع الدروز في السويداء، وهم ينقسمون بين من يؤيد ويتحمس لتوقيع الاتفاق ومن لا يزال يتريث، فيما تتواصل المساعي الأميركية لإنجاز هذا التفاهم، والذي سيكون عبارة عن اعتماد مبدأ اللامركزية الموسعة، بما تتضمنه من احتفاظ كل منطقة بفصائلها وبنوع من اللامركزية الضرائبية أو المالية، بما يرضي هذه المكونات.

ما تريده إسرائيل

إسرائيل حتى الآن لا تبدو أنها تتمتع بقناعة واضحة أو برنامج لما تريده في سوريا، هناك ما يشير إلى ضياع إسرائيلي في كيفية التعاطي مع الملف السوري، وما إذا كانت تريد لسوريا أن تكون مستقرة على سلطة أساسية في دمشق مع توسيع هامش اللامركزية بالنسبة إلى المناطق الأخرى، على أن يكون ذلك مقابل دخول الشرع في مفاوضات سياسية أو ديبلوماسية معها، قد يكون الهدف منها الوصول إلى اتفاق. أم أن مصلحتها تقتضي بقاء حالة انعدام الاستقرار والصراعات الداخلية في سوريا، كي تشغلها عن التأثير في الساحات الأخرى.. أم نسج تفاهمات مع دمشق مقابل ضمان عدم التسبب بأي اهتزاز للاستقرار على الحدود مع إسرائيل، وبضمان ضبط الحدود اللبنانية، ومنع أي شكل من أشكال تهريب الأسلحة أو الأموال لحزب الله. أم أن إسرائيل تريد تكريس أمر واقع سياسي بالاستناد إلى ما حققته عسكرياً، من خلال عملية القضم العسكري والجغرافي، والاحتفاظ بما سيطرت عليه، أم أنها تريد الوصول إلى اتفاق سلام مع دمشق مع تخلي الأخيرة كلياً عن الجولان. بالنسبة إلى سوريا، فما تريده هو العودة إلى اتفاقية فض الاشتباك في العام 1974، ولا يريد الشرع الدخول في اتفاق سلام، ولا يريد التنازل عن الجولان.

تركيا وإيران

أما تركيا، فهي تعتبر نفسها متضررة من الاتفاق بين دمشق والأكراد، فهي لم تكن شريكة بما جرى، ولا تزال أنقرة تشدد على ضرورة حلّ الفصائل العسكرية الكردية، ولا توافق على اندماج هذه القوات ضمن التشكيلات السورية الجديدة. هذه التطورات، دفعت بوزير الخارجية التركي هاكان فيدان لإجراء زيارة إلى دمشق، لمناقشة كل الملفات. لكن بوادر عدم الاتفاق تظهر من خلال تراجع لدى “العمشات” و”الحمزات” عن الاستعداد لحل نفسيهما عسكرياً والانضواء ضمن التشكيلات السورية، علماً أن هذين الفصيلين يصران على مواصلة القتال ضد المجموعات الكردية.

إيران في هذه المعادلة، تبدو الطرف الأضعف والأكثر غياباً. فهي ربما أرادت استغلال أي فوضى في سوريا، من أجل إعادة فرض نفوذها وفتح طرق الإمداد العائدة لها. وهو ما حاولت التقاطع عليه مع روسيا من خلال أحداث الساحل. تلك الأحداث التي تعتبر دمشق أنها أجهضتها وقد حصلت على دعم دولي وعربي لذلك. حسابات إيران، سورياً، ولبنانياً، لا بد لها أن تنعكس على حسابات إسرائيل. فإن كانت تل أبيب تريد استمرار الفوضى في سوريا لتمرير مشروعها وتحقيق أهدافها، لا بد لها أن تنظر بعين أخرى إلى أن طهران وحدها الجاهزة للاستثمار في هذه الفوضى وإعادة ترتيب مشروعها. في دمشق، ثمة من يقول إن الحسم في ذلك سيكون بيد الأميركيين وما يتوصلون إليه مع إيران، إما تصعيداً أو تفاهماً. ولكن على الرغم من كل التحديات والمخاطر، يبقى المسؤولون في دمشق يعبرون عن ارتياحهم لمسار الأمور، وللموقف الأميركي.

المدن

—————————

جدلية الأمن والسياسة في سورية/ حسين عبد العزيز

14 مارس 2025

أن تشنّ عصاباتٌ من فلول النظام البائد هجوماً عسكرياً مباغتاً في الساحل السوري على قوات الأمن والجيش فهذا ليس مفاجئاً من مجموعة ما تزال ترتبط أيديولوجياً ونفسياً وطائفياً بنظام الأسد، ولها مصلحة مباشرة بإسقاط نظام الحكم الجديد. وأن تخرج في السويداء مظاهراتٌ مندّدة بسياسات الإدارة الجديدة، تنتهي بإنزال العلم السوري، ورفع الراية الدرزية في محلّه، لم يكن مفاجئاً، إذ تصرّفت بعض فئات اجتماعية، منذ بداية الثورة السورية عام 2011، على أساس هُويَّاتي ضيّق. غير أنه لم يقتصر على أقلّيات، بل برز ايضاً بين الأكثرية، والمقصود هنا رجالات الأمن والجيش الجديد من الطائفة السنّية، الذين ارتكبوا إعداماتٍ ميدانيةً في الشوارع لأشخاص عزّل مدنيين.

ليس مهمّاً من الناحية المعرفية التساؤل ما إذا كانت الأقلّيات ما تزال تفكّر وتعمل على أساس هُويَّاتي، خصوصاً في اللحظات التاريخية الفارقة، حين يكون الاجتماع السياسي مهدّداً، أو مضطرباً وغير واضح المعالم، بل إن التساؤل عن أسباب سلوك الأقلّيات مسلكاً هُويّاتياً يغدو عبثياً لا قيمة معرفية له، في ظلّ مجتمع ودولة قاما (عقوداً خلت) على أساس عمودي، لا مواطنة فيه. يكون السؤال معرفياً حين يُطرح على الشكل التالي: ما هي الأسباب التي دفعت علويين في الشمال الغربي من سورية إلى البدء بعمليات عسكرية، بعد ثلاثة أشهر من سقوط نظام الأسد، وتشكّل إدارة حكم جديد؟… وهو سؤال ينطبق أيضاً على مناطق درزية؟ وربّما لاحقاً على كردية؟… لا تكفي الإجابة عن هذا السؤال اعتماداً على تباين الهُويَّة الاجتماعية: طوائف منفتحة ومتحرّرة اجتماعياً في مقابل منظومة حكم إسلامية منغلقة اجتماعياً يمكن أن تفرض رؤيتها على الجميع. كما لا تكفي الإجابة اعتماداً على التنافر الهُويَّاتي والأيديولوجي أيضاً بين الطرفَين، فمن نافلة الفعل الطبيعي أن تُعبّر الأطراف عملياً عن رؤيتها، محمولة بحمولات سياسية أو اجتماعية أو طائفية.

السؤال المهم: ما الذي دفع فلول النظام إلى الانتقال من حالة القوة إلى حالة الفعل، وما الذي دفع دروزاً إلى رفع علمهم الخاصّ بدلاً من العلم السوري؟… هنا جوهر المسألة، فالنزعات الذاتية المحكومة بأيديولوجيات ورغبات نفسية ومشاعر طائفية موجودٌ دائماً ولا تختفي بسهولة، لكنّها، وإن كانت شرطاً للتحرّك والفعل، فإنها ليست سبباً مباشراً لذلك. لقد كان للسلوكات الفردية للعناصر الأمنية والعسكرية في الإدارة الجديدة، من جهة، وغياب آلية حوار سياسي مع قيادات المكوّنات الاجتماعية السورية، خصوصاً مع أبناء الطائفة العلوية، من جهة أخرى، دورٌ رئيسٌ في استمرار المخاوف لدى الأقلّيات.

كشفت الأشهر الثلاثة الماضية من حكم الإدارة الجديدة افتقادهم فهماً للعلاقة الجدلية بين الأمن والسياسة، خصوصاً في المراحل الخطيرة أو الانتقالية. تعامل الحكام الجدد في الملفّين الأمني والسياسي من منظار أحادي الجانب. صحيحٌ أن سيطرتهم على الحكم جاءت بأقلّ التكاليف الدموية، وصحيحٌ أنهم أعلنوا من اليوم الأول انفتاحهم على جميع المكوّنات السورية باعتبار أفرادها مواطنين سوريّين، وصحيحٌ أنهم أعلنوا أنهم لن يتعرّضوا إلا لمجرمي النظام السابق، إلا أن بناء الدول لا يقوم على التطمينات والخطابات السياسية العامّة.

في الملفّ الأمني، تعاملت السلطة الجديدة وفق حكمٍ شديد المركزية، فأعلنت أن جميع المليشيات يجب أن تحلّ نفسها وتنخرط في الجيش الجديد أفراداً لا مجموعاتٍ، وليس مقبولاً بقاؤها على هذا النحو. وعلى الرغم من صحّة الدعوة نظرياً (إذ هكذا تُبنى الجيوش الحديثة على أساسٍ فرديٍّ لا على أساس مكوّنات اجتماعية لها صبغة هُويَّاتية معيّنة)، لكن الواقع السوري المتمثّل بوجود قوىً عسكريةٍ ذات لون هُويَّاتي خاص، ولها وزنٌ وارتباطاتٌ إقليمية ودولية، كان يحتم قبول دخولها في الجيش فصيلاً قائماً بذاته في المرحلة الأولى من بناء الدولة، على أن يتم لاحقاً (وخلال سنوات) عملية انصهار تدريجية داخل الجيش، وهذا ما حدث في بعض التجارب التاريخية، فالأولوية الرئيسة في مراحل الانتقال المفصلية، هي عملية بناء الثقة والاندماج في مؤسّسةٍ عسكريةٍ واحدة، بغضّ النظر عن طريقة توزّع الأفراد والجماعات فيها، فلكلّ تجربة خصوصيتها التاريخية.

في الملفّ السياسي، تعاملت الإدارة الجديدة بمركزية شديدة أيضاً، فقامت بخطوات غير مدروسة عبر تشكيلها حكومة من لون واحد، ولجنة حوار وطني، ثمّ لجنة للإعلان الدستوري. والغريب أن سلوك السلطة السياسي في هذا المجال كان يتحرّك وفقاً لمعطيات الخارج، لا الداخل، بمعنى أن هذه الخطوات كانت موجّهة إلى المجتمع الدولي من أجل الحصول على دعمه السياسي والاقتصادي، ولم تكن مبنيةً تماماً على اهتمامات فرقاء الداخل السوري. يبدو من المعطيات القائمة، أن إدارة أحمد الشرع لم تدرك العلاقة الوثيقة بين الأمن والسياسية، فلا تتحقّق الأولى من دون الثانية، فالبداية يجب أن تكون سياسيةً، وما إن يتمّ التوافق السياسي بين فرقاء الوطن حتى تصبح المسائل الأمنية والعسكرية والاقتصادية تحصيل حاصل.

من هنا، الأولية الجوهرية لبناء سورية الجديدة، وللحيلولة دون انزلاق الأمور إلى فوضى تهدّد البلد بأكمله، وعلى الرئيس وإدارته العمل بجدّية على ضمان التوافق مع المكوّنات السورية كلّها، حتى لو اضطرّ، في هذه المرحلة، إلى تقديم تنازلات عسكرية وسياسية، فمن دون نشوء ثقة وطنية بين الجميع، تبدو سورية متجهةً إلى المجهول. إنجاز هذه الأولويات مهمة الدولة الجديدة بالدرجة الأولى، قبل أن تكون مهمة الآخرين، شركاء الوطن.

العربي الجديد

————————–

سورية… الجريمة وتداعياتها/ حسام كنفاني

14 مارس 2025

لا يمكن وصف ما شهده الساحل السوري في الأيام القليلة الماضية إلا بأنه جريمة مكتملة العناصر، طاولت مدنيين آمنين في حملة انتقامٍ طائفيةٍ لا يستطيع أحدٌ أن ينكرها، وفي المقدمة تأتي السلطة الجديدة برئاسة أحمد الشرع التي أقرّت بحصول “انتهاكاتٍ” من عناصر محسوبين على هيئة تحرير الشام، من المفترض أنهم باتوا أفراداً في الأجهزة الأمنية الجديدة، وشكّلت لجان تحقيق للتدقيق بما حدث ومحاسبة المتورّطين.

كثير من السرديات خرج لشرح  الجرائم (وتبريرها) باعتبارها وقعت من “أفرادٍ غير منضبطين”، وأن لا علاقة مباشرة لـ”الأمن العام”، وهو المسمّى الجديد للقوى الأمنية التابعة للهيئة. غير أن حجم الاعتداءات والإعدامات في عديد من مدن الساحل السوري وقراه يؤكّد أن الأمر أكبر من “أعمال فردية”، ويقترب من العمل الانتقامي المنظّم، خصوصاً إذا ما نظرنا إلى عدد القتلى الذين سقطوا، وسيتكشف مع الوقت. فرغم أن عدد الضحايا الموثقين لا يزيد عن الألف، تتحدّث تقديراتٌ عن أن العدد قد يتخطّى خمسة آلاف.

وحتى لو افترضنا أن كل ما حدث كان نتيجة انفلات عناصر لا تُدين بالولاء الكامل لهيئة تحرير الشام أو الأجهزة الأمنية الجديدة، فذلك لا يُعفي السلطات من المسؤولية، خصوصاً أن هذه العناصر عملياً تعمل تحت لواء السلطة، بعد قرار حلّ الفصائل وإدماجها ضمن الأجهزة الأمنية الجديدة، وهو ما أدركه النظام بإعلانه تشكيل لجنة التحقيق، والتي نأمل أن تكون جدّية في المحاسبة والعقاب.

ما جرى يحمل مخاطر وتداعياتٍ كثيرة على سورية الجديدة التي كنّا متفائلين بنهوضها بعد أكثر من 50 عاماً من حكم حزب البعث. بداية التداعيات داخلية، وتطاول، بالدرجة الأولى، الفئات التي تعتبر نفسها أقليةً في النسيج السوري، التي لم تعد تشعُر بالأمان في محيطها، وهو ما يفتح باباً للتدخّلات الخارجية في الوضع السوري. وفعلاً خرجت مطالباتٌ كثيرة بالوصاية الدولية لحماية “الأقليات” في سورية. ويضاف إلى ذلك المحاولات الإسرائيلية، السابقة لأحداث الساحل، لاختراق المجتمع الدرزي السوري من باب “الحماية”. مثل هذه المحاولات المتوقع أن تتضاعف، وقد تجد لها آذاناً أكثر إصغاء في هذه المرحلة.

واضحٌ أن السلطات الجديدة تدرك ذلك، وسارعت إلى محاولة احتواء الأمر وتطمين أطياف المجتمع. ولعل الاتفاق الذي وقّعه الشرع مع زعيم “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، مظلوم عبدي، خطوة كبيرة في هذا الاتجاه، غير أن العبرة في التطبيق، وخصوصاً أن العناوين في الاتفاق عامة جداً، ومن شأن عدم الاتفاق على تفاصيلها إفشال أي تفاهمات، سواء بالنسبة إلى كيفية دخول قوات “قسد” في الجيش، أو نسبة توزيع النفط بين المحافظات، وغيرها نقاط كثيرة ستدرسها اللجان على مدى عام.

لا تقلّ التداعيات الخارجية لأحداث الساحل أهمية، سيما أن السلطة الجديدة تعوّل بشكل أساسي على انفتاح الخارج عليها لمحاولة ترميم الواقع الاقتصادي المنهار في الداخل. لم تعفِ المواقف الغربية من جرائم الساحل السلطة من المسؤولية، ما من شأنه أن ينعكس على أي تقدّم محتمل في خطوات رفع العقوبات عن سورية، والسماح بتدفق الأموال إليها. ولا شك أن تقارير ستصدُر قريباً عن منظمّات حقوقية دولية تفند الوضع وتوثق الأحداث، ما قد يزيد تعقيد الموقف الدولي من النظام والانفتاح عليه والثقة به.

السلطة الجديدة اليوم في موقف حرج، فعدم رفع العقوبات والتخفيف من الفقر يعني مزيداً من التوترات الداخلية، لذا عليها اتخاذ خطوات أكثر جدّية في مكافحة آفة الطائفية في الداخل السوري قبل استفحالها، وإثبات أنها جديرة بالثقة في قيادة سورية إلى برّ الأمان، وليس إلى الهاوية، في هذه المرحلة الانتقالية.

العربي الجديد

————————

عن هامشيّتنا وحرّيتنا والخيارات الضيّقة جداً أمام “الجميع”/ شكري الريان

14.03.2025

لا معنى للأمل، من دون طريق واضح إليه. هذا ما تحاول السلطة الحالية في دمشق أن تمحوه. ليس الأمل، فهو مفيد لهم في هذه الظروف، ولو لشراء الوقت لتثبيت سلطتهم. ما تحاول محوه هو الطريق نفسه.

كانت الكاتبة اللبنانية دلال البزري، هي أول من طرح السؤال المتعلق بمدى ارتباط حريتنا كمثقفين بهامشيتنا. أظن هذا على حد معرفتي، وأعتقد أن الفترة التي نُشر فيها مقالها، أو مداخلتها المتعلقة بهذا الموضوع، في واحدة من كبريات الصحف العربية، كانت في نهاية التسعينات، أو بداية الألفية الجديدة. وغالباً تم النشر، ومن خلال ندوة ما عقدت حول هذا الموضوع، في واحدة من الصحيفتين الرئيسيتين اللتين كنت أتابعهما آنذاك: السفير أو الحياة.

لم أنس المقال، وموضوعته الرئيسية، طيلة تلك السنوات، لأنه كان يتعلق بخياراتي الشخصية، في ذلك الوقت، وكل وقت. وأظنه كذلك يتعلق بخيارات أي مثقف عربي، ابتُلي بالعيش في ظل نظام ديكتاتوري شديد التوحش، عندما يتعلق الأمر بتجاوز الخطوط الحمراء التي تبقي ذلك النظام جاثماً فوق أنفاس الجميع.

بالنسبة إلي، في ذلك الوقت، وكنت أنهي ثلاثينياتي، كان يفترض بسؤال كهذا أن يكون قد عفى عليه الزمن. إذ بات من المستحيل، على أي سوري، أن يعيد التفكير في خيارات، كانت محدودة جداً، طيلة سنوات القهر التي بدأت فعلياً، حتى قبل أن يستولي الأسد على السلطة. ولكني، وكأي مبتلى بتلك التي يسمونها في سوريا “السوسة”، وكانت “سوستي” هي الشأن العام الذي لم أعرف كيف ابتعد عنه، ولو من باب الفضول، ما كان أمامي من بد سوى الإمعان في التفكير حول تلك “الخيارات” التي كنت أعرف سلفاً أنني كنت مجرداً منها أصلاً، ومنذ مطلع شبابي، حيث كان طموحي الشخصي يدور في فلك ما يمكن للعملية الإبداعية، أياً كان شكلها، أن تمنحه من قيمة مضافة لحياة، هي أقرب إلى الموت منها إلى أي شيء آخر.

كان الأمر برمته مؤلماً جداً، لشاب يعرف سلفاً أنه لو أراد أن يجد لنفسه طريقاً، فعليه أن يجد “راعياً”، ويمتثل لشروط ذلك الراعي، بحيث يخرج بنتيجة هي أسوأ من تلك التي يعيشها فعلاً، وهو خارج “أسوار” أية مؤسسة، يمكن أن تحويه وأسئلته معه.

عن سبل النجاة بين الهامش والمتن

هامشيتي، طيلة السنوات التي سبقت طرح السؤال أعلاه، ولحقتها، لم تكن عسلاً من الحرية، بقدر ما كانت عذاباً مقيماً، لأبقي على الحد الأدنى من طموحي الشخصي، في مواجهة حياة، لم تكن أبداً تشبه الحياة، في ظل البؤس والخوف اللذين تقاسمهما جميع السوريين، وكل العرب، وإن بدرجات متفاوتة، في ظل ذلك الكابوس الذي مثله نظام الاستبداد، أياً كان البلد الذي يهيمن عليه.

كان الأمر أشبه بمن يحاول أن يسرق شيئاً، على حساب أشياء أخرى، أكثر ضرورة وإلحاحاً، فقط ليقنع نفسه بأنه ما زال يتنفس. في الوقت الذي شهدت فيه، كغيري كثر، بعض أقراننا وهم “يمضون” في طريق “نجاحهم”، محوّلين الأثمان التي دفعوها، ومن حريتهم بالذات، إلى امتيازات لا تقبل الجدل.

لا أقصد الجميع بالتأكيد، وبالذات أولئك الذين تمكنوا من تقديم إضافات فعلية، من أبناء الأجيال التي سبقتنا، ومن أبناء جيلي، من دون أي تنازل عن حريتهم. ولكن أكثر أبناء جيلي، السوريين بالذات، ممن دفعوا أثماناً حقيقية من أعمارهم، وفي السجون غالباً، لم ينجُ لنقول بأن الثمن جدير بأن يدفع. بعضهم أفلت من تلك الخاتمة السوداء، أي الغياب الكامل- الهامشية في أسوأ حالاتها وأكثرها ظلاماً، أفلتوا بفعل عناد ومثابرة مشهودين، مضافاً إليهما بعض الحظ الذي مكنهم من أن يصلوا في النهاية إلى ممارسة ما تيسر لهم من أي قدر من الحرية، وتمكنوا من تقديم إضافاتهم التي بقيت نادرة كندرة مسار كان يجب أن يكون هو المتن، فتحول إلى هامش بدوره، فقط لتضيق مساحة الأمل في وجوه بقيتنا.

بقي “المتن” تماماً كما كان دائماً، على رغم بعض اللمعات التي كانت تظهر فقط لتؤكد ندرتها أكثر من أي شيء آخر. وبقي السؤال معلقاً دائماً: كيف يمكنني كمثقف، أن أقدم ما عندي، في ظل حالة تفرض علي، إن أردت المضي في خياراتي إلى نهاياتها، أن أبقى دائماً في ذلك الهامش؟! الذي، وإن استثنينا السجون من ضمن مساحته، فلن يبق منه الشيء الذي يمكن أن يعول عليه ليحتويك ويحتوي أحلامك معك، إلا اللهم إن كنت من عشاق الكلام مع النفس، حتى ولو كان مدخلاً موثوقاً إلى الجنون.

الآن، وبعد كل هذه السنوات، يعود السؤال نفسه ليطرح نفسه عليّ، في مواجهة وضع غير مسبوق، وغير متوقع نهائياً، هو ذلك الذي نعيشه في سوريا حالياً.

بالنسبة الى السوريين، وبالاستناد إلى الوضع الذي خلقته ثورتهم ضد الطغيان، وأدى إلى فرار الطاغية، هناك نوعان من الهامشيين: أولئك الذي بقوا داخل البلاد، وأولئك الذين تمكنوا من الفرار منها. لو استثنينا حملة البنادق، المتمترسين دائماً في المتن، فهذا يعني أن الباقين في الهامش هم السوريون بسوادهم الأعظم.

كان المأمول، وبعد فرار الطاغية، أن يستعيد السوريون، الهامشيون، جزءاً من فعاليتهم، ويتقدموا باتجاه المتن، ليساهموا في تقرير مصير بلادهم، حسب الإجراءات المتبعة في أي مكان في العالم، بعد سقوط الديكتاتور. ولكن هذا لم يحدث.

ليست مجرد “مؤشرات” ما تقول هذا، إنها وقائع، وترتيبات، وقرارات، وبنى، وممارسات وصلت درجة الإبادة الممنهجة، كما حدث في اليومين الأخيرين في قرى الساحل السوري، هي نفسها ممارسات النظام البائد، لا تزال قائمة حتى يومنا هذا.

لا تزال “البنية الأمنية العسكرية” فاعلة، ومقررة، وتحتل المركز في بنية النظام الجديد، بل هي نفسها من نصبت الرئيس الجديد، من دون الحاجة إلى انتخابات، حتى ولو شكلية! تلك البنية التي انتقدها الراحل طيب تيزيني بشجاعة لافتة في… مؤتمر حوار وطني آخر! ولكنه عقد في ظل الطاغية، ومع ذلك لم يتوان التيزيني عن الإشارة إلى أس الخلل في البلاد كلها. الأمر الذي أكسبه نقمة النظام، ومحبة كل السوريين. هذه “البنية الأمنية العسكرية” لا تزال موجودة حتى الآن، وكل الذي تغير هو طائفة باروناتها فقط، وطائفة ضحاياها أيضاً!

في ظل بنية كهذه، عدنا جميعاً، أياً كان مكان سكنانا، إلى الهامش مرة أخرى. هذا ينطبق على سوريي سوريا، وسوريي المنافي، بمن فيهم سوريو الغرب.. مع فارق، أن الأخيرين هم الأكثر حظاً بين الجميع، أقله، يمكنهم ممارسة هامشيتهم من دون الخوف من الإكراهات التي عاشوا في ظلها طيلة أعمارهم في سوريا الأسد، بعيداً عن قبضة تلك “البنية الأمنية العسكرية”.

وكما يبدو واضحاً، خصوصاً خلال الأيام الأخيرة، فإن تلك الإكراهات لن تزول عن كاهل سوريي سوريا، بما فيها الخوف من بطش النظام الجديد، الذي أبدى شهية، ليس فقط للسطوة والسيطرة، بل إن شهيته وصلت درجة الإبادة؛ أو، كأضعف الإيمان، التغاضى عن تلك الإبادة محيلاً الارتكابات إلى “أخطاء وتجاوزات فردية”، كما ظهر لدرجة تقارب الفضيحة.

والنظام الحالي، فوق هذا كله، مزود بماكينة مدافعين عن كامل سياسته، كائنة ما كانت! ماكينة أكثر حماسة، وديناميكية، وسعة، وخبرة أيضاً، بكثير من ماكينة النظام السابق، بالاستناد إلى “شرعية” جديدة، يراها البعض “ثورية”؛ ويراها آخرون مستندة إلى “مظلومية سنية”، التي وبرغم أنه لا يمكن إنكار فظائعها، إلا أن طريقة استثمار النظام الجديد لها تصل إلى حدود الاستقطاب الشديد، في وضع يصبح فيه هذا الاستقطاب صبَّاً للزيت على النار، فقط لتأمين قاعدة شعبية حصرية له. كما لحظنا خلال الأيام الماضية، حيث خطاب الشحن والمظلومية، بلغ ذروة غير مسبوقة، فقط للتغطية على مذبحة أخرى، أو، في أحسن الأحوال، لتبرئة النظام القائم منها!

وهناك من يخلطوا الشرعيتين، “الثورية” و”المظلومية السنية”، ليخرجوا بـ “شرعية” بنكهة أقوى.

بلاد على قارعة الطريق

في هذا الهامش، أعود لمواجهة السؤال نفسه الذي لم ينفك يطرح نفسه عليّ، ولكن هذه المرة وأنا أعيش حالة لا تفرض أي تردد أو تراخٍ، أو استسلام لقدر أعمى، كذلك الذي كان طاغياً خلال سنوات الأسد السوداء. وما يزيد الأمر إلحاحاً، هو التطورات المتسارعة، في بلاد تعيش في حالة اضطراب لا يعرف أحد إلى أين يمكن أن تقود الجميع.

“يمكنك أن تقول كلمتك إلى النهاية، من دون أي خوف من أي شيء،” أقول لنفسي، ولكن لا ألبث أن أجد نفسي مواجهاً بسؤال آخر: “وماذا عن أولئك الذين علقوا داخل سوريا؟! أية قيمة، لأية كلمة يمكن أن تقال، صدقاً أو كذباً، إن لم يقتنع هؤلاء بالذات بها، بحيث تصبح، وعبرهم هم قبل أي أحد آخر، موضع إجماع لا يمكن إنكاره من أية جهة كانت، حتى ولو امتلكت أسلحة العالم كله”. للمناسبة، ليست السلطة الحالية في سوريا وحدها من يمتلك السلاح… هناك إسرائيل أيضاً، وهناك… وهناك… 

في نص موجع لأبعد درجة يمكن تخيلها، كتبت الروائية السورية سمر يزبك، انطباعاتها عن زياراتها الأولى لدمشق بعد سقوط الطاغية. يزبك كانت من أوائل الذين توجهوا إلى سوريا، بعد أيام فقط من فرار الأسد. وهناك، انفتحت أمامها الفاجعة على مصراعيها، وعبرها شاهدنا بعضاً من هول ما كان الطاغية قد أغلق عليه الباب بإحكام: الإذلال بكل معانيه، في بلد تركت، تقريباً بالكامل، على قارعة الطريق.

رجال ونساء وأطفال، لا يجدون مصدر رزق لهم سوى التسول! هذه واحدة من صور عدة، وإن كانت أشدها إيلاماً، للهول السوري وقد انفتح أمام العالم كله. أشدها إيلاماً، لأن البديل الأكثر هولاً، لهؤلاء، فيما لو طالبوا بأكثر من قارعة الطريق، هو سجن صيدنايا الرهيب، أو مذبحة مفتوحة في الهواء الطلق، ومتنقلة على كامل الجغرافيا السورية. هذه كانت حالنا… وللأسف، لا تزال.

البحث عن الأمل في غابة الوحوش!

“ولكن، وبعد السقوط، هناك فارق مهم، اسمه الأمل. طالما أشد طغاة العالم، قسوة وعتهاً، قد رحل، فلا بد أن يكون هناك مكان للأمل. من دونه لا يمكن لأولئك أن يغادروا قارعة الطريق، ولو حتى عبر خيالهم”، يقول لك زائر آخر لدمشق.

لا معنى للأمل، من دون طريق واضح إليه. هذا ما تحاول السلطة الحالية في دمشق أن تمحوه. ليس الأمل، فهو مفيد لهم في هذه الظروف، ولو لشراء الوقت لتثبيت سلطتهم. ما تحاول محوه هو الطريق نفسه.

والحال هكذا، لا بد من المضي في طريق الكلام الصريح إلى نهايته، وبحدود هامش يبدو أننا، أولئك المصرّين على الكلام الصريح، لا نجد بداً من توسيعه، حتى لا يقتصر على سجن، أو مستشفى مجانين. وهذا ما تحاول السلطة، أية سلطة، في أي زمان ومكان، أن تفرضه في هامش تريده تحت قبضتها، تماماً كالمتن الذي رسمته بحد الخوف.

ولكن الهامش مخيف أيضاً بدوره، لأولئك الذين يجهلونه. فمن يجهل شيئاً، يصبح هذا الشيء عدواً له. نحن، سكان الهامش الأزليين، نعرف هامشنا جيداً. نعرف كيف نتحرك، نختبئ، ونظهر، ونباغت، نقول كلمتنا، كما القنبلة، في مكان، لنعود ونهاجم من مكان آخر.

الطاغية لا يعرف الهامش، أبعده عن نظره، ولو إلى حين. ولكنه بقي يشعر بمكمن الخطر فيه. ولو أراد استتباعه، إن استطاع، لما عاد هامشاً أبداً، وصار جزءاً من السجن الكبير الذي أرخى بظلاله تماما على المتن. لذلك، يبقى الهامش، هامشياً، بمعنى فالتاً من قبضة الطاغية. ولذلك أيضاً، فهو المكان المتاح لنا، لنمارس حريتنا، بانتظار أن يسمعنا من لن يخسروا إلا بؤسهم، فيما لو قرروا أن يلحقوا بنا، بعيداً عن متن لم يترك لهم إلا قارعة الطريق، أو الموت في السجون، أو في المذابح. 

ولكن، هل محاولة كهذه جديرة بأن تخاض، وهي لا تمتلك أكثر من أثرها الصوتي… كقنبلة صوتية ليس أكثر؟! هنا المشكلة بالنسبة الى الطغاة، وهنا ميزتنا التي لا ننفك، من فرط ضعفنا، نصدق أننا نمتلكها. الكلمة ليست مجرد قنبلة صوتية. إنها بدء التكوين نفسه.

ولهذا، الهامش هو بيتنا، و”غابة الوحوش” التي يخشاها كل الطغاة، إلى أن نعود إلى مكاننا الطبيعي… المتن، الذي سنعيد تشكيله على قياس أحلامنا.

 – كاتب فلسطيني سوري

درج

———————–

حين يكون الحقّ طائفياً/ رشا عمران

14 مارس 2025

أن تكون ضدّ الظلم وضدّ سفك الدماء وضدّ الانتهاكات هذا موقف إنساني وأخلاقي، وواحدٌ من بديهياتٍ لا يجوز النقاش فيها أبداً. كان هذا موقفي منذ أوّل لحظة في الثورة السورية التي بدأت عام 2011، ويعتبر بعضُهم أنها انتهت مع فرار بشّار الأسد، وبدأ الآن بناء الدولة السورية. لم يكن ما يحدث وقتها يحتمل عندي أيّ شكّ في ضرورة الوقوف مع الثورة ومساندتها بكلّ ما يمكنني. ما كان يفعله النظام وقتها جريمة كاملة لا مواربة فيها، ولا تحتمل الشكّ. ولم أتردّد لحظةً في تصديق كل ما كنت أسمعه من الضحايا أينما كانوا، فقد رأيت بأمّ عيني نوعيةَ الجرائم التي كان نظام الأسد لا يتورّع عن ارتكابها. وفي الوقت نفسه، لم أصدّق حرفاً من أنواع التبريرات كلّها، التي كان النظام يتذرّع بها في حربه ضدّ السوريين، وتبنّاها أيضاً كثيرون من أقاربي وعائلتي.

لم أكن أملك لمؤازرة الضحايا سوى كلمتي. لهذا لم أتوقّف لحظةً عن فضح جرائم الأسد، وفضح ممارساته التي ترسّخ الطائفية في سورية وتعزّزها، وتؤسّس لخراب مقبل. لم أوفّر وسيلةً واحدةً لهذا. كتابة مقالات، كتابة منشورات في صفحتي في “فيسبوك”، ظهور إعلامي ومقابلات في الفضائيات العربية والعالمية. فعلت هذا وأنا في الداخل السوري قبل أن يطلب مني رسمياً مغادرة سورية في نهاية 2011، سورية التي لم أعد إليها، تاركةً خلفي عائلةً وأصدقاءَ ومشاريعَ وأحلاماً، بقيت وقتاً طويلاً مؤمنةً أنني سوف أعود إليها. لهذا، ربّما لم أسعَ للحصول على جنسية دولة أخرى، كنتُ سوريةً وقرّرت أن أبقى سوريةً إلى آخر لحظة في حياتي، حتى لو لم تتح لي فرصة العودة.

مقابلات وكلام جميل ومطمئن، يبشّر بسورية عادلةٍ رغم الصعوبات كلّها (قدّمتها السلطة الجديدة بعد التحرير)، استبشر بها خيراً السوريون كلّهم، بمن فيهم الخائفون من التغيير ممن زرع نظام الأسد في وجدانهم الجمعي أنهم سيتعرّضون للذبح في حال رحيله. كان كلام السلطة الجديدة عن سورية التي ستكون لجميع أبنائها كافياً لإزالة المخاوف، أو على الأقلّ تحييدها واستعادة الثقة بالمواطنة بين الخائفين والوطن.

ولكن يبدو أن تركة الأسد كانت أثقل بكثير ممّا توقّعنا. هكذا، فجأة صحا السوريون، بعد ثلاثة أشهر من التحرير، على مجازر تُرتكب في الساحل السوري، لا صفة لها سوى المجازر الطائفية، بعد إعلان نفير جهاديّ في الجوامع لمساندة الفصائل التي تقاتل الفلول في الساحل، لنكتشف صباح اليوم التالي أن مجازر جماعية ارتُكبت بحقّ مدنيين علويين في مدينتي بانياس وجبلة وريفهما، مجازر لا شبيه لها سوى مجازر الأسد، بالأسلوب نفسه وبالطائفية نفسها، وبالثقة نفسها في تصويرها ونشرها في وسائل التواصل، تفاخراً بهذا الانتصار العظيم. وكعادة منظومة الأسد، حُمّل الفلول والعناصر غير المنضبطة مسؤولية المجازر. حرفياً، قتلٌ على الهويّة، نهب الممتلكات وسرقتها بالكامل، حرق قرى بأكملها، إذلالٌ متطابقٌ مع طريقة النظام السابق، عشرات الآلاف مشرّدون في البراري والجبال محاصرون ممنوعون من العودة وممنوعون من الطعام والشراب والدواء حتى للأطفال. كانت المجازر تنتقل من قرية إلى أخرى، وكُثرٌ من مثقّفي الثورة السورية، ممن كانوا رفاق درب ذات يوم، يمرّون عليها مرور الكرام أو يتّهمون الفلول بها أو يتهموننا بالطائفية لأننا نكتب عنها.

لا وصف للخذلان الذي شعرتُ به من موقف بعض أصدقاء من المثقّفين السوريين الصامتين عن هذه المجازر التي تشبه الفضيحة. كنتُ أظن أن تنديدهم بها وتوجيه الاتهام إلى المجرم الحقيقي بديهية تشبه بديهية الوقوف ضدّ نظام الأسد وجرائمه. ولكن يبدو أن ما حدث خلال السنوات الماضية عمّق حالة الشرخ لدى مثقّفين سوريين كثيرين في فهمهم للحقّ، وفي مفهوم الهُويَّة أولاً، لم تختلف هُويَّتهم عن هُويَّة الغوغاء المنقادين خلف نفير جهادي، وهم يصيحون “بالذبح جيناكم”، سوى بقدرتهم على خلق أعذار لمواقفهم المخزية، التي يؤكّدون من خلالها أن ثورة أخرى في سورية يجب أن تحدث، بعد أن طوت الهُويَّة الطائفية صفحة الثورة الأولى إلى الأبد.

العربي الجديد

—————————

«أحداث» لا تنتهي: كيف تُطبّع ثقافتنا مع الإبادة؟/ محمد سامي الكيال

تحديث 14 أذار 2025

تُخلّف مآسي الإبادة الجماعية، القائمة على أساس عرقي أو إثني أو ديني، آثاراً اجتماعية وثقافية ونفسية عابرة للأجيال، فإلى جانب الجيل، الذي شهد أعمال القتل والتهجير بشكل مباشر، تنشأ أجيال تتعرّف على الإبادة من المرويات، الشفهية غالباً، المنقولة إليها من ذويها وأفراد مجتمعها، أو بقاياه، ما يخلّف رضّاً نفسياً، «تأسيساً» إن صح التعبير، لدى تلك الأجيال، يبني جانباً مهماً من فهمها لذاتها، وثقافتها، بل حتى لأصل وطبيعة وجودها في هذا العالم. وبالطبع، لا تتسم المرويات الشفهية بالدقّة، وتختلط فيها عيوب الذاكرة؛ مع الصدمات التي تعرّض لها الراوي؛ والانطباعات المتغيّرة عبر الزمن؛ وأشكال التهويل أو التهوين أو الأسطرة، التي ترافق انتقال الرواية من شخص إلى آخر. ولذلك، فإن كثيراً من الدول، التي شهد تاريخها جرائم إبادة جماعية، تعمل على نوع من «تثبيت الرواية»، عبر تدوين معياري، تقوم عليه مؤسسات معيّنة، وغالباً ما يدخل في أنظمة التعليم والإعلام والقانون، كي لا تؤدي سيولة المرويات الشفهية إلى تصاعد الحقد والنزعات الثأرية في المجتمع، أو خلق جماعات معزولة. كما تُعتبر تلك الرواية اعترافاً رسمياً بمعاناة الجماعة التي تعرّضت للإبادة، ما يساهم بإعادة إدماج أفرادها، وتصفية الذاكرة الجمعيّة.

يثير تدوين رواية الإبادة بدوره كثيراً من المشاكل، حول دقتها، وشمولها، والسلطة المؤسساتية وراءها، ومغزاها السياسي في الحاضر، إلا أن التدوين المعياري والاحترافي، مع فتح إمكانية نقده، يبقى، في معظم الأحوال، أفضل من ترك هذه المسائل الاجتماعية والتاريخية الحساسة بيد أفراد ومجموعات، قد تحوي كثيراً من المتطرفين، وأشباه الأميين، من الناشطين والمحرّضين العرقيين والإثنيين.

ربما يكون كل هذا «قضايا عالم أول»، بحسب العبارة الساخرة الشهيرة، فعلى الرغم من أن دولاً عالمثالثية كثيرة، اعتمدت التدوين الرسمي، وتثبيت الرواية، للتعاطي مع ماضيها الدموي، إلا أن الحال في المنطقة الناطقة بالعربية، خاصة في المشرق، بعيد جداً عن مثل تلك التجارب، والنزاعات حولها: يبدو غالباً أن هنالك نوعاً من التطبيع مع مجازر الإبادة الجماعية، ولا يقتصر التطبيع على رفض أغلبية أشباه الدول في المنطقة، أو إهمالها، لمسائل التدوين المعياري والاعتراف، بل في ممارسات خطابية، يشارك بها «نخب» وناشطون، ونعاصرها اليوم بكل وضوح، لأقلمة الإبادة. ونعني بـ»الأقلمة»، توطين الممارسات المروّعة، بما يرافقها من خطابات الكراهية، والصور، والمقولات الأيديولوجية، في قلب الثقافة السائدة، ما يجعلها جزءاً مقبولاً واعتيادياً من لغتنا، وثقافتنا السياسية، ونظامنا الرمزي، وتصوراتنا عن العالم. ليست عملية الأقلمة هذه وليدة اليوم، بل يمكن تتبّع أصولها عميقاً في تاريخ الدول القومية لما بعد الاستقلال، بل وقبل هذا بكثير، ولكنها الآن تجري بأسلوب يبدو أقلّ إتقاناً، وتماسكاً أيديولوجياً، ما يجعلها أقرب لاحتيال صريح.

قد تكون محاولة تتبع آليات هذا الاحتيال، وبعض جذوره، أجدى حالياً من التساؤل عن دوافعه، فهي قد تعين على تخفيف الدائرة المفرغة للهمجية، التي تمرّ بها مجتمعات كثيرة، وخاصة المجتمعات السورية. فليكن السؤال إذن: كيف تعوّدنا على أقلمة الإبادة، لدرجة أن ينطلي على كثير منّا احتيال خطابي، لا يمكن وصفه إلا بالرديء؟

جُمَل كاذبة

يمكن رصد ثلاث آليات واضحة للاحتيال الخطابي الحالي، أولها التواطؤ على قص واقتطاع وتشويه الجُمل الصحيحة، التي قد تعبّر عن الإبادة الجماعية، لدرجة الوصول إلى جُمل وعبارات، لا يمكن وصفها إلا بالكاذبة، وليس الخاوية من المعنى. وذلك التواطؤ جماعي، يدرك معظم ممارسيه ما يفعلون.

لعل المثال الأشهر، وربما التأسيسي في التاريخ السوري، هو عبارة «أحداث حماة»، التي درجت للتعبير عن مجزرة الإبادة الجماعية، التي شهدتها المدينة عام 1982. «أحداث» مفردة كاذبة في سياق المجزرة، لأنها واسعة الدلالة إلى أقصى حد، فقد تكون «الأحداث» اشتباكات، أو بعض الفوضى، أو مشاجرة جماعية، أو أي شيء آخر، فكل ما يقع في مدينة أو قرية ما، هو «أحداث» في نهاية المطاف. تواطأ أغلب السوريين، بمن فيهم أهل المدينة نفسها، على استخدام تلك العبارة الكاذبة، خوفاً من النتائج الوخيمة، لذكرهم مفردة «مجزرة» أو «إبادة». أما أنصار النظام السوري السابق، فكانوا مرتاحين جداً للعبارة، لأنهم فعلاً يعتبرون ما جرى «أحداثاً»، على طريقتهم في تنظيم الأحداث.

اليوم في سوريا، يتم الحديث عن «تجاوزات وبعض الفوضى»، بحسب تعبير رأس السلطة ، بخصوص مجازر الساحل السوري، التي ترقى لدرجة الإبادة الجماعية، والتطهير الإثني/الطائفي. بعض من يتخذون «مسافة من السلطة» قد يستخدمون مفردتي «انتهاكات» و»جرائم»، وكل تلك العبارات والمفردات كاذبة، إذا اعتمدنا على المعايير الدولية المعتمدة لتعريف الإبادة الجماعية.

تؤدّي الجُمَل الكاذبة وظيفة خطابية وسياسية أساسية، وهي تمرير الممارسات المروّعة بشكل اعتيادي، وغير لافت، في التداول اللغوي ضمن الحيّز العام، «الجرائم» و»الانتهاكات» و»التجاوزات» تجري كل يوم، وبالطبع كلها «أحداث»، وهكذا قد يتساوى قتل عائلات بأكملها على الهوية، مع جنحة سرقة بسيطة، أو جريمة سرقة موصوفة (أي مشدّدة العقوبة لظروفها الخطيرة على أمن المجتمع). في عُرف القانون، الأولى تُصنّف ضمن التجاوزات والانتهاكات؛ والثانية ضمن الجرائم. أما الإبادة الجماعية، فلا يمكن أن تُذكر بوصفها «جريمة» وكفى، بل تُقال وتُكتب بصيغتها الكاملة: «جريمة إبادة جماعية». وبالطبع هذه الصيغة لها تأثير شديد على انتباه المتلقي، يصل لحد التحفيز العصبي، وتؤدّي إلى تغيير كامل في طبيعة التعاطي مع المسألة التي نتكلّم عنها.

تعاني اللغة العربية المعاصرة كلها من مشكلة، يمكن تسميتها «العبارات التي لا تقول شيئاً»، أي المليئة بالتكرار الإنشائي، والمفاهيم غير المنضبطة، والمفردات غير واضحة الدلالة، ما يجعل تلك العبارات أقرب للهراء، إلا أن المشكلة في سياق التعبير عن الإبادة الجماعية ليست الهراء، بل الكذب الصريح. فالمُتكلّم بالهراء لا يهتم أصلاً بصدق أو كذب، فيما الكاذب يعرف حقيقة ما، ويتعمّد إخفائها أو تشويهها.

الابتزاز بـ«الفتنة»

غالباً ما يكون لكل كذبة مبرّر، من وجهة نظر الكاذب، وهذا يقودنا إلى الآلية الثانية للاحتيال الخطابي، وهي الابتزاز بالفتنة، إذ يرى ممارسو ذلك الاحتيال، أن وصف ما يحدث بعبارات صادقة، له نتائج وخيمة، منها تأجيج الأحقاد والصراعات، أي «الفتنة»، وهي مفردة ذات دلالة مترسّخة ووازنة في التراث العربي والإسلامي.

ما يجعل ذكر «الفتنة» ابتزازاً في سياقنا، هو عملية قلب غريبة للعالم، إذا تصبح جريمة الإبادة الاجتماعية نفسها، الأمر المقبول، الذي يجب أقلمته، والذي لا يُسبّب «الفتنة»؛ فيما التعبير الصادق عنها هو المشكلة والجريمة، التي يجب إنهاؤها، لأنها هي «الفتنة». فلتستمر المجازر إذن، ولنعش تحت تهديدها الدائم، الذي يستبطنه أي خطاب مؤيّد للسلطات، فالممنوع ليس القتل الجماعي، بل الحديث عنه. يصمت كثيرون خوفاً من ذلك الابتزاز، إذ قد يجدون أنفسهم في موضع الاتهام، وليس مرتكبو الجريمة، أو مؤيّدوها ومبرروها.

عملياً، يؤدّي الوصف الصادق إلى تخفيف «الفِتَن»، وليس العكس، فهو قد يُسكت المحرّضين على جرائم الإبادة الجماعية، ويعرّضهم لعواقب، في الدول التي تعرف سيادة القانون؛ كما يضع أي جهة تمارس الإبادة في موضع الاتهام، خاصة على مستوى القانون الدولي، ما قد يدفعها إلى تخفيف ممارساتها، ولو بشكل طفيف. وفي كل الأحوال، فإن جرائم الإبادة الجماعية، والتحريض المباشر عليها، والأيديولوجيات المؤدّية إليها، هي «الفتنة»، وليس توصيف ما جرى ويجري، بأكبر قدر ممكن من الدقّة والصدق.

الابتزاز اللغوي الشامل من مشاكل اللغة العربية المعاصرة أيضاً، ويجعل كثيراً من مستخدميها يميلون إلى تجنّب الصدق، أو التعبيرات المباشرة. وربما أمضينا جانباً كبيراً من حياتنا تحت ضغط الابتزاز.

تنزيه النظام

الآلية الثالثة للاحتيال الخطابي هي «تنزيه النظام»، ولا نعني بـ»النظام» هنا الأنظمة الحاكمة في هذا البلد أو ذاك، بل كامل نظام المجتمع، بما يشمله من أنظمة فرعية، مثل أنظمة السياسة والقانون والأخلاق والدين والإعلام والتعليم، وهي غالباً مرتبطة بالدولة، بمعناها الأعمق، أي مجموعة الأجهزة العنفيّة والأيديولوجية، والمؤسسات البيروقراطية، والسياسات الحيوية، ونمط السيادة، ورواياتها المؤسِّسة. يقوم الاحتيال الخطابي بربط جرائم الإبادة الجماعية بشخصية أو مجموعة شخصيات، ويُسقط عليها كل صفات الشر والفساد، فيبدو الخلاص منها نهاية الشرور، فيما النظام نفسه بريء، ويمكنه أن يستمر بعدها، ليُصلح ويتجاوز «الأخطاء».

تبدو هذه أقرب لحكاية أطفال رديئة، منها إلى فهم الأسباب الفعليّة، المؤدّية لوقوع مجازر إبادة جماعية في بلد ما. بالطبع، لكل جريمة إبادة مسؤول أول ومباشر، من الناحية السياسية والجنائية، هو غالباً رأس النظام، ولكن مجرّد الإطاحة به لا يعني أن النظام نفسه لن يُنتج مزيداً من المجازر.

في الدول، التي ترغب جديّاً بعدم تكرار مآسي الإبادة الجماعية، تسعى النخب الحقوقية والسياسية والثقافية والتعليميّة، إلى إعادة بناء نظام المجتمع بأكمله، بحساسية عالية، قد تصل أحياناً إلى تغيير ما اعتُبر «هوية» بلدانها، أو إعادة تأويلها، وذلك لأن الإبادة لا يمكن أن يرتكبها شخص، أو ميليشيا، أو حتى جيش فحسب، بل محصّلة «ثقافة» كاملة، لا بد من تحليل ما فيها من عوامل بنيوية مُنتجة للمأساة، وبدون ذلك قد يفقد أي تغيير سياسي معناه.

إلا أن المسألة تصير شديدة الإشكالية، مع انهيار أنظمة التحضّر نفسها، وبقاء مخزونها الأيديولوجي والخطابي، كما في حالة معظم دول المشرق. نحن هنا لا نتحدّث جديّاً عن «نظام» متسق، قابل للتفكيك، بل بالأحرى عن «لا نظام»، يمكنه استخدام ما يشاء من عناصر أيديولوجية، بدون أي تماسك منطقي أو سياسي. هكذا قد تجد أية مجموعة من اللصوص، مبرراً لارتكاب مجزرة إبادة جماعية، بناءً على شذرات من هذا الخطاب أو ذاك، مكدّسة فوق بعضها بطريقة مثيرة للعجب.

في نهاية المطاف، توجد جهة مسؤولة عن إدارة أزمة «اللا نظام» هذه، يمكن ويجب محاسبتها بالتأكيد، باعتبارها المسؤول الأول والمباشر عن جرائم الإبادة، ولكن مشكلة كسر دائرة الهمجية نفسها عميقة ومحيّرة فعلاً. كيف يمكن إعادة بناء نظام لمجتمعات دخلت، منذ سنوات طويلة، في أطوار نزع التحضّر، وما زالت تُنتج المآسي بدون توقّف؟

الموضوع أكبر من تقديم إجابات بسيطة، إلا أن أي إجابة أو حل يبدآن بوصف الحالة بعبارات صادقة، قابلة للتحليل والنقد. يجب الخلاص من «الأحداث» والالتفات إلى كارثة نزع التحضّر، التي تؤدي إلى نزع إمكانيات استمرار الحياة نفسها في المنطقة.

كاتب سوري

القدس العربي

——————————–

هل هي دولة القانون في سورية؟/ جعفر العلوني

14 مارس 2025

الآن، حقّاً، ينفتح الجرح السوري من جميع الجهات. بدأ هذا الانشقاق في نسيج جسمه عام 1970، مع الانقلاب العسكري لحافظ الأسد وجماعته، وحين استولوا على الحكم مؤسّسين سلطة الحزب الواحد، حزب البعث العربي الاشتراكي، الذي هيمن على الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية في البلاد وأماتها حتى عام 2024. راح ذلك التمزّق الأوّلي للجرح يزداد عُمقاً واتساعاً، ولم يتوقّف عن النزيف. حافظ عليه حافظ الأسد (القائد الوحيد والأوحد إلى الأبد) من دون أن يبرأ؛ احتكر وعائلته البلاد، وصادر الحياة البرلمانية والسياسية، ووضع البلاد كلّها في إناء واحد. قسّم المجتمع بين قسمين: القائد – السلطة، من جهة، والشعب من جهة ثانية، ليفرز بين منطقَين مُغلقَين: السلفية (تهمة تُوجّه إلى كلّ من يُعارض استبداده) والبعثية. كانت الأخيرة باسم عروبة عرجاء جوفاء مجدوعة الأنف، قمعت الحرّيات ووقفت ضدّ أبسط حقوق الإنسان، مرسّخةً الانشقاق والتفرّق باسم الوحدة، والجمود باسم التطوّر، والجهل باسم العِلم. هكذا أقام الأسد الأب سلطةً تبرع في الاحتكار والاستئثار والاتّجار، سلطة العذاب والمرارة، سلطة الانحدار، وصولاً إلى توريث بلاد كاملة (كأنّها مزرعة له) لابنه. ومع توريث الحُكم للأسد الابن، كان النسيج السوري قد تلف، وانبثّت جراثيم النظام البعثي الأمني في طبقات ذلك النسيج بشكل كامل: الفساد، الشعارات الفضفاضة، التخوين، السجون، الطائفية، العشائرية، القبلية، التبعية، القبضة الأمنية وما ارتبط بها من حياة ثقافية واجتماعية تبشيرية ودعائية. ومع هذا كلّه، ازدادت شهوة السلطة التسلّطية تكالباً عند الابن، واستفاقت شهوات جديدة أكثر تكالباً، شهوات المال والتجارة التي احتكرتها عائلته، مؤسّسةً بذلك دستوراً من الامتيازات والانتهاكات والاحتكارات، يرعاها الولاء، وإلا القتل أو السجن.

في عام 2011، حاول الشعب بشكل سلمي أن يعالج هذا الجرح، وخرج إلى الشوارع، محتلّاً الساحات ومطالباً بشيء واحد لا غير: الحرّية. لكنّ الديكتاتور الابن، شأنه كشأن أبيه، زاد هو نفسه من ورم الجرح، ودفع سورية عبر سياسته الأمنية والعسكرية والطائفية إلى حرب دامت 14 عاماً، انتهت أخيراً بفراره وسقوط نظامه. فرار وسقوط يستدعيان تأمّلاً عميقاً، لا في طريقة الهرب وحدها، بل في البنى التاريخية والسياسية والدينية والثقافية والاجتماعية التي أدّت إلى هذه الظاهرة الديكتاتورية واستمرارها، ثمّ سقوطها بهذا الشكل. لم تتأخر القوات التي أسقطت الأسد في دخول قصر الحكم. كان في رأسها أبو محمّد الجولاني، الذي صار يُعرف عربياً وعالمياً، في ليلة وضحاها، باسم أحمد الشرع، لتبدأ معه مرحلة جديدة من تاريخ سورية أكّد فيها، هو نفسه، “ضرورةَ المصالحة الوطنية، وصياغة دستور جامع، وملاحقة مرتكبي جرائم النظام لضمان العدالة، وحماية الأقلّيات، وتشكيل لجنتَين لاختيار مجلس تشريعي ومؤتمر للحوار الوطني، وإعلان دستوري يكون مرجعاً قانونياً، وتحقيق السلم الأهلي ومحاربة الفساد”.

وفي أول خطر يتعرّض له السلم الأهلي الهشّ، خصوصاً بعد محاولاته خياطة الجرح الذي ورثه عن نظام البعث الديكتاتوري، لم تتأخّر السلطة الحالية القائمة في سورية بتمزيق هذا السلم مجدّداً، لتشقّه في جميع الجهات، مُرتكبةً عبر فصائل تابعة لمؤسّسة الدولة الأمنية والدفاعية (التي يُفترض أن تدافع عن الأرض والمواطنين) ممارسات تُعيد البلاد إلى جحيم القرون الوسطى، وتطمس مفهوم المواطنة، بأبعادها السياسية والثقافية والاجتماعية، وترسّخ مفهوم الطائفية بأبشع أشكاله، عبر قتل أبناء طائفةٍ محدّدة وكأن لا قيمة لهم، لمجرّد الانتماء إلى طائفة.. مجرّد الانتماء لا غير. بدا واضحاً من هذه الممارسات، ومن المعجم اللغوي الذي رافقها وصدر عنها، أن السلطة القائمة تعتبر نفسها سلطةَ الجماعة “الأكثر” و”الأقوى” و”الأحقّ”، وعلى هذا الأساس تعاملت مع البقية، لا بوصفهم مواطنين يتساوون في المواطنة، بل بوصفهم “أقلّيات دينية” لا يخضعون لسلطة الجماعة، وبالتالي وجب عليها بوصفها “أكثرية دينية” قتالهم ومحاربتهم وذبحهم. اليوم، بعد تلك الأحداث في الساحل السوري، والانتهاكات والمجازر التي ارتُكبت بحقّ المواطنين العُزّل، أطفالاً ونساءً وشيوخاً ورجالاً، والتي تُذكّرنا بمجازر نظام الأسدين (الأب والابن)، سواء بمدينة حماة في ثمانينيّات القرن المنصرم، أو غيرها من المدن السورية طيلة العقد الماضي، يحقُّ لنا أن نسأل: إلى أين تمضي سورية؟ إلى دولة القانون التي تحترم المواطن بوصفه إنساناً، بغض النظر عن انتماءاته ومذهبه ودينه وطائفته أم إلى دولة “الشرع” التي لا تقيم وزناً لحرّية الفرد، ولتجربته الإنسانية، وترفض الآخر المختلف عنه تكفيراً أو قتلاً؟ وهل يقبل شرع الله تكفير الناس وقتل الأطفال والنساء والشيوخ في بيوتهم وحرقها بجثثهم؟ وهل قتل الأبرياء بدم بارد يمتُّ بصلة لشرع الله؟ أيّ دولة إذاً، هي تلك البلاد التي تُدعى سورية اليوم؟ أيّ دولة إن لم تكن دولة القانون والمواطنة والإنسان الحرّ، إن لم تكن دولة شرع الله؟… هل هي إذاً، “دولة” أبو محمّد الجولاني؟

العربي الجديد

—————————–

في وقائع الساحل السوري … أيضاً وأيضاً/ معن البياري

14 مارس 2025

كانت رايات العبّاسيين سوداً، عندما أقاموا دولتهم، وعندما أعملوا في أسلافهم الأمويين تذبيحاً وتقتيلاً، ليس فقط من أهل السلطة التي تمرّدوا عليها وأسقطوها، وإنما في كل ناس بني أميّة، فقد فتّشوا عنهم في منازلهم ومخابئهم. لمّا سقطت دمشق في أيديهم اقترفوا مجازر متتابعة فيهم، ولعل في تلقيب أول خلفائهم، والذي تسلّم الدولة في عمر السادسة والعشرين، بأنه أبو العبّاس السفّاح، شاهداً على مجرى الدم الغزير الذي افتَتحت به الدولة الجديدة قيامتها، وقد طاردت فلولَ الأمويين في الشام وفلسطين ومصر و”أمصار” أخرى، وكان الأمر أن لا يُترَك أُمويٌّ حيّاً ولو تعلّق بأستار الكعبة. وكانت معجزةً نجاة عبد الرحمن بن معاوية بن هشام (الداخل) وهربه إلى الأندلس، حيث أرسى هناك دولةً قويةً ممتدّة. وأختار لك، قارئ هذه السطور، أن تُطالع النصّ السردي لمسلسل “صقر قريش” (2002)، في رواية كاتبه السيناريست وليد سيف، بجزئيْها “الرايات السود” و”النار والعنقاء”، ولك أن تُعيد مشاهدة العمل الدرامي الجذّاب، ولكن جثثاً كثيرةً ستترامى قدّامك، وتُقلق نومَك وتُتعبك. … ولكن، مهلاً، ليس العبّاسيون وحدَهم من قارفوا ارتكاباتٍ قبليةً وطائفيةً مروّعةً في من عدّوهم خصوماً لهم، فقد فعلَ هذا وغيرَه مثلُهم في أطوارٍ أخرى في التاريخ الإسلامي الذي لو أبحرتَ في قراءته قد تخلُص إلى أن القتل الكثيفَ ظلّ مفتتح الانتقال من سلطةٍ إلى أخرى، بل طاول العنفُ جثث الموتى، ومن ذلك أن قبور قادةٍ وخلفاء أمويين نبشها العبّاسيون، ولمّا وجدوا واحدة منها سويّةً بعض الشيء، ضربوها بالسياط وأحرقوها.

ليس يُؤتى على ذلك المثال العبّاسي المريع، وليس يُشار إلى متوالية دمٍ كثيرٍ في حروب الفتك والنهب الأهلية في التاريخ الإسلامي، للقول إن ثمّة ما يُشابهها في تواريخ الأمم من كراهيّاتٍ أشعلت حروباً أهلية، كما في أوروبا التي قضى 12 مليوناً من أبنائها في حروب الكاثوليك والبروتستانت في 30 عاماً، وإنما يُؤتى على هذا كله، بإيجاز (وكل إيجازٍ مخلٌّ)، للعبور إلى أن المذبحة الطائفية، في الساحل السوري، أخيراً، ومعها حالة الخوف الثقيلة الباقية هناك، موصولةٌ بإرثٍ عربيٍّ مديدٍ في تاريخ المسلمين، وبغرائز الكراهيّات التي تتعمّد بشهوة الانتقام والثأر، العمياء بداهةً عندما يُقتّلُ ناسٌ مدنيون أبرياء، بينهم أطفالٌ ونساء، كما وقع في أرياف جبلة وبانياس وطرطوس، الكراهيّاتُ التي يرى المقيمون فيها أنفسَهم حُماة طائفة أو دين، وينظرون إلى الأغيار جماعاتٍ لها عنوانٌ مذهبيٌّ ولا شيء غيره. والحادثُ لدى “جهاديين”، سوريين ومستورَدين، أنهم “يتخيّلون” هذا، إذا ما استعنّا بما ذهب إليه عزمي بشارة في تشخيص “الطائفة”، عندما ترى جماعةٌ هويّتها في دينٍ أو مذهبٍ تنتمي إليه، من دون أن يكون التديّن شرطاً في هذا الاعتبار. وعندما يشرح بشارة في كتابه المخصوص “الطائفة… الطائفيّة… الطوائف المتخيّلة” (2018)، يلحّ على البحث في الظروف السياسية والاجتماعية التي تجعل هذه المجموعة أو تلك تعرّف نفسها، أولا، على أساس الاشتراك في العقيدة أو المذهب. ما يُجيز لنا القول، الصحيح على الأرجح، إن بحث السوريين الراهن عن “سلم أهلي” يعودُ إلى نقصانه بين ظهرانيهم، ليس لأنّ صفة هؤلاء أنهم سنّة أو صفة أولئك أنهم علويون، وإنما إلى أن ممارساتٍ فوقية (سلطوية) أنتجت ظروفا سياسية واجتماعية جعلت هذا التعيين مُشهراً، وتنبني عليه اعتباراتٌ وظلال، فصارت المظلوميّات إيّاها، وتفشّت التعميمات البائسة، والمتجذّرة ربما، عن السنّة أصبحوا حاكمين في سورية بعد أن كان العلويون أهل الحكم. ومع ضعف شعور السوريِّ بانتسابه إلى دولةٍ لكل مواطنيها ذاع هذا الخطاب، المجوّف في جوهره، والصحيح في بعض حوافّه، وأصبح أرضيةً لتفسير كل أداءٍ سياسيٍّ أو إجراءٍ أمني. وبقدر ما تصلُح هذه العين المجهرية لرؤية هذا الحال في سورية، فإنها كانت تصلُح لرؤية حالٍ غير مشابهٍ في العراق.

مؤدّى القول أن الحاجة شديدة الإلحاح والوجوب إلى أن يشفى العرب من أمراضٍ تسبّبت بها سلطاتٌ ظالمة، لم تُقم العدالة الاجتماعية ولا المواطنة الحقة … أما عن الكيفيّات التي تأخذهم إلى هذا الشفاء، فوحدها أدمغة أهل الفكر وأهل الحكم العاقل أدرى بها، وليس قارئ روايةٍ لوليد سيف بعد مشاهدتها مسلسلاً تلفزيونيّاً.

العربي الجديد

———————–

جرائم الساحل السوري والامتحان الأخلاقي للدولة!/ يحيى الكبيسي

تحديث 14 أذار 2025

ما جرى من جرائم وانتهاكات مروعة في الساحل السوري كان أمرا متوقعا، ففي مقالة كتبتها يوم 26 كانون الأول 2024، بعنوان «معضلتان لا بد من حلهما في سوريا» قلت: «لا يمكن أن تتجاهل الإدارة السورية الجديدة موضوع ضباط وأفراد الجيش السوري النظاميين، والمؤسسات الأمنية طويلا؛ فاستحقاقات الرواتب ستكون ضاغطة على الطرفين معا، ويجب أن تكون هناك حلول سريعة لها، بدلا من أن تفلت الأمور عن السيطرة. وحتى في حال اتخاذ قرار خاطئ بحلهما مثلا، لن تُحل هذه المشكلة بل ستتفاقم، ولا يمكن ترك هذه الآلاف من الجنود والضباط المسلحين والمدربين من الذين يمتلكون القدرة على التنظيم، دون إيجاد حلول حقيقية، خاصة في الحالة السورية حيث شكّل العلويون نواة صلبة لهذه المؤسسات على مدى السنوات الـ 54 الماضية. وإن كانوا أقلية ديمغرافية، فهم يملكون «حيزا جغرافيا» خاصا بهم في الساحل السوري، وشرقي حماة وحمص، وهذه العوامل الثلاثة تشكل قنبلة موقوتة قابلة للانفجار في أي لحظة، مع سياق إقليمي يسمح باستخدامهم ضد الوضع الجديد في سوريا.

في الوقت نفسه لا يمكن التعامل مع فكرة تشكيل جيش جديد، وقوات أمنية جديدة، اعتمادا على ميليشيات ذات بنى إيديولوجية وطائفية وجهوية، والقول بإمكانية فك ارتباطها بمرجعياتها الأصلية هو محض وهم!

وهذا ما حصل تماما، هجوم منظم شنته جماعات من هؤلاء الضباط والجنود السابقين من العلويين على قوات الأمن التابعة للحكومة المؤقتة، أسفر عن مقتل العشرات من العسكريين (الشبكة السورية لحقوق الإنسان تحدثت عن 172 فردا منهم، بينما أوصل المرصد السوري لحقوق الإنسان عددهم إلى 125 فردا). فضلا عن ارتكاب انتهاكات واسعة بحق المدنيين، والمنشآت المدنية، من بينها مهاجمة المستشفيات.

لتقابل هذه الهجمة بهجوم فوضوي شاركت فيه ميليشيات متنوعة، ذات مرجعيات مختلفة، وبعضها يؤمن بفكرة الانتقام المقدس، وقد سبق لها أن ارتكبت جرائم موثقة وانتهاكات واسعة، بينها الإعدامات الميدانية خارج إطار القانون. خاصة مع تداخل الرد العسكري على الهجوم، بدوافع الانتقام، فغالبية المقاتلين في هذه الميليشيات التي تشكل عماد القوات النظامية للحكومة السورية المؤقتة، هم نتاج 13 عاما من مسلسل المجازر والجرائم التي ارتكبها نظام بشار الأسد، والكثير منهم يماهي تماما بين نظام بشار الأسد وبين العلويين بشكل عام، فضلا على تعمد نظام الأسد تشكيل العديد من الميليشيات التي اعتمدت على العلويين خارج إطار المؤسسة العسكرية والأمنية الرسمية.

كل هذا يضع السلطة السورية المؤقتة أمام امتحان أخلاقي حقيقي، فمجرد تشكيل لجنة تقصي حقائق مستقلة لا يعني شيئا إذا لم تكن هناك نتائج حاسمة تحدد هوية من قاموا بتلك الجرائم والانتهاكات، أفرادا وميليشيات، وملاحقتهم ومحاسبتهم ووصف ما قاموا به بأنه جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب مكتملة الأركان، ثم القيام بإجراءات حقيقية تمنع تكرار مثل هذه الجرائم مرة أخرى عبر إعادة هيكلة القوات العسكرية والأمنية، بما يمنع تحولها إلى تجمعات لميليشيات موازية للجيش وقوات الأمن النظاميين وتكون دولة داخل الدولة، لكل منها عقيدته القتالية الخاصة، وإيديولوجيته الخاصة.

وما يؤخذ على السلطات السورية حتى اللحظة هو عدم نشرها أي أرقام عن أعداد الضحايا من العسكريين والمتمردين والمدنيين، فنشر هذه الأرقام لا علاقة له بلجنة التحقيق التي شكلت، بل هو مؤشر على الشفافية في التعاطي مع هذه الجرائم والانتهاكات، وعلى عدم التغطية عليها.

الأمر الأهم هنا يجب أن لا تقع السلطة السورية المؤقتة، أو اللجنة التحقيقية المستقلة، في التمييز بين الجرائم على قاعدة الفعل ورد الفعل. فالجرائم تصنف تبعا لطبيعتها، وليس تبعا لهوية مرتكبيها، أو تبعا لدوافعها. وأن لا يقع كلاهما في غواية التغطية على ما جرى توهما منهما أن هذا يسهم في تخفيف الاحتقان، على العكس تماما، فان أي محاولة للتغطية على ما جرى، سيكون دافعا للشعور بالمظلومية التي يمكن استخدامها لتكرار ما حدث!

إن أي تلاعب في التقارير والتحقيقات حول جرائم من هذا النوع في سياق صراع داخلي وغياب الاستقرار الأمني والسياسي، من شأنه أن يبقي هذا الصراع مفتوحا وقابلا للاستمرار. ونورد هنا مثالا ضمن عشرات الأمثلة على وضع مشابه في العراق؛ حيث شكل رئيس الوزراء العراقي الدكتور حيدر العبادي عام 2016 لجنة للتحقيق في عمليات إعدام خارج إطار القانون، وعمليات إخفاء قسري لمئات المدنيين، وقد انتهت اللجنة إلى إثبات إعدام 17 مدنيا خارج إطار القانون، واتهمت شخصا واحدا بالقيام بهذه الجريمة، دون تفسير كيف يمكن لشخص واحد (ينتمي لميليشيا ويأتمر بأمرها) أن يقتل هذا العدد ويدفنهم في مقبرة جماعية! وأثبتت اللجنة أيضا أن عدد «المفقودين» حسب البيانات التي أعدتها، بلغ 673 مفقودا! وأن حالات القتل والفقدان تمت «في قاطع مسؤولية الشرطة الاتحادية وقوات بدر اللواء الخامس حشد شعبي وكتائب حزب الله حشد شعبي».

وكان هذا الاستخدام لمفردة «المفقودين» متعمدا في الحقيقة، وهدفه عدم اتهام الدولة بالمسؤولية عن تلك الجرائم، لأن القانون العراقي يعرف المفقود بأنه «من غاب بحيث لا يعلم إن كان حياً ام ميتاً، يحكم بكونه مفقوداً بناء على طلب كل ذي شأن» وهذا لا ينطبق مطلقا على ما جرى من جرائم، بل ما ينطبق هنا هو مصطلح الاختفاء القسري وهو «الاعتقال أو الاحتجاز أو الاختطاف أو أي شكل من أشكال الحرمان من الحرية يتم على أيدي موظفي الدولة، أو أشخاص أو مجموعات من الأفراد يتصرفون بإذن أو دعم من الدولة أو بموافقتها، ويعقبه رفض الاعتراف بحرمان الشخص من حريته أو إخفاء مصير الشخص المختفي أو مكان وجوده، مما يحرمه من حماية القانون» (الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري 2006).

وقد تحدث تقرير اللجنة عن جرائم محددة، وتحدث عن قوات رسمية محددة، لكنه لم يتهم أحدا، ولم يطالب بملاحقة أو محاسبة أحد، باستثناء شخص وحيد، اختفى هو والقضية لاحقا ولا يُعرف عنه شيء الى اليوم!

إنَ على السلطة السورية الجديدة أن تتعلم من دروس الفشل العراقية، تحديدا الأخلاقية منها فيما يتعلق بالصراعات ذات الحمولة الطائفية، وأن أي خطأ ترتكبه، سيجرُ خلفه خطايا، أوضحها تحققا اليوم، هو إعطاء الدولة هوية طائفية محددة، بما يسهم في تعميق الهوة بين فئات اجتماعية محددة والدولة من جهة، مع ما يترتب على ذلك من انقسامات اجتماعية حادة؛ فغض الطرف عن الجرائم والانتهاكات التي جرت في الساحل السوري وعدم ملاحقة مرتكبيها ومحاسبتهم، وتسهيل إفلاتهم من العقاب، لن يكون سوى انحياز طائفي من الدولة ضد مواطنيها.

كاتب عراقي

القدس العربي

—————————

قرارات الرئاسة السورية… محاولة لتعزيز الثقة/ محمد أمين

14 مارس 2025

أصدر الرئيس السوري أحمد الشرع، أول من أمس الأربعاء، قراراً يقضي بتشكيل مجلس الأمن القومي بـ”هدف تنسيق وإدارة السياسات الأمنية والسياسية في البلاد”. ووفق القرار، فإن المجلس سيكون برئاسة رئيس الجمهورية، وسيضم في عضويته وزراء الخارجية والدفاع والداخلية، إضافة الى مدير الاستخبارات العامة، ومستشارين يتم تعيينهما من قبل رئيس الجمهورية وفقاً للكفاءة والخبرة، وخبيراً تقنياً متخصصاً لمتابعة الشؤون التقنية والعلمية ذات الصلة بعمل المجلس. ويضاف هذا القرار إلى مجموعة قرارات صدرت عن الرئاسة السورية خلال فترة زمنية قصيرة، يبدو أن الهدف الرئيسي منها استعادة ثقة المواطن بالدولة، لا سيما بعد ما رافق العملية العسكرية ضد فلول الأسد في الساحل السوري من انتهاكات وجرائم بحق المدنيين، بما في ذلك تشكيل أكثر من لجنة للحفاظ على السلم الأهلي الذي تعرض بعد الثامن من ديسمبر/كانون الأول الماضي، بعد إسقاط الأسد، لأكثر من اختبار.

مساعي الرئاسة السورية

 كما سعت الرئاسة السورية الى إرسال تطمينات للأقليات الدينية والمذهبية، وأنها لن تتسامح مع أي شخص أو طرف يهدد السلم الأهلي، لذا شكّلت لجنة في هذا الإطار في الساحل، فضلاً عن لجنة لتقصي الحقائق عما حدث من تجاوزات بحق مدنيين في المنطقة. وواصلت الرئاسة السورية بذل الجهود من أجل التوصل مع الفعاليات الاجتماعية والدينية والعسكرية في محافظة السويداء، لتفاهمات تبدد مخاوف سكانها وتفعّل المؤسسات الحكومية، خصوصاً الأمنية والخدمية. كما توصلت الرئاسة السورية لاتفاق وُصف بـ”التاريخي” مع “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) قبل أيام.

وهددت التجاوزات التي حدثت أخيراً بحق مدنيين على أساس طائفي، الاستقرار والسلم الأهلي في البلاد، ما استدعى هذه القرارات والخطوات لرأب الصدع بين مكونات الشعب السوري. ومنذ سقوط نظام الأسد في الثامن من ديسمبر الماضي، وُضع السلم الأهلي أكثر من مرة على محك المخاوف والهواجس، التي تفجرت مدفوعة بتردي الحالة المعيشية وتراجع الاقتصاد وتردد أطراف دولية في رفع العقوبات المفروضة على سورية.

وتعليقاً على سلسلة القرارات والخطوات التي أقدمت عليها الرئاسة السورية خلال فترة زمنية قصيرة، رأى الباحث في مجال الهوية والحوكمة، زيدون الزعبي، في حديث لـ”العربي الجديد”، أن هذه الخطوات “مهمة بالتأكيد، ولكنها غير كافية”، مضيفاً أن البلاد بحاجة إلى إنشاء هيئة عدالة انتقالية في أسرع الآجال، وهيئة للوفاق والسلم الأهلي. اللجنة التي شُكّلت لهذا الغرض جيدة إلا أنها تشمل منطقة الساحل فقط. موضوع السلم الأهلي بحاجة إلى عمل وطني كبير.

في السياق، رأى الباحث السياسي عرابي عرابي في حديث مع “العربي الجديد” أن تشكيل مجلس للأمن القومي من قبل الرئاسة السورية: “سيكون مهماً لدعم البلاد في السياسة الخارجية والاقتصاد والأمن”، مضيفاً أن موضوع السلم والاستقرار من مهام هذا المجلس الذي سيصدر القرارات التي ستنفذها الوزارات المعنية. وأعتقد أن السلم الأهلي يتطلب إجراءات على مستويات متعددة، اقتصادية واجتماعية وتنموية، فضلاً عن العمل السياسي الدؤوب. وعُدّ تشكيل مجلس لـ”الأمن القومي” خطوة غير مسبوقة في تاريخ سورية، فرضتها تحديات داخلية تهدد السلم الأهلي والاستقرار، وخارجية تستهدف السيادة والجغرافية، وأبرز مثال عليها التدخل الإسرائيلي في جنوب سورية، المصحوب بتهديدات لفظية من كبار المسؤولين في تل أبيب حيال الإدارة الجديدة في سورية.

تشكيل مجلس الأمن القومي

حول ذلك، رأى الباحث السياسي عبد الرحمن الحاج في حديث مع “العربي الجديد”، أن “تشكيل مجلس الأمن القومي خطوة مهمة تساعد على الاستجابة السريعة للتهديدات واتخاذ القرار المناسب”. وأضاف أن مأسسة الاستجابة للتهديدات المتعلقة بالأمن القومي خطوة جديدة غير مسبوقة في تاريخ سورية، ولكنها مجرد إجراءات ينبغي اتخاذها لمواجهة التهديدات المحتملة لاستعادة الثقة بسيطرة الدولة وقدرتها على التحكم وبسط الأمن. وبرأيه من أبرز هذه الإجراءات التي على الإدارة القيام بها “استكمال بناء الجيش وإدماج القوات والفصائل فيه بصفتهم أفراداً ليكون ولاء الجيش للوطن وليس لقادة الفصائل”، مضيفاً أن استكمال بناء قوات الأمن وتدريبهم وتسليحهم بشكل مناسب أمر يجب أن يستمر. واعتبر الحاج أن “سورية بحاجة إلى أعداد كبيرة من المجندين في قوات الأمن العام”، مشدّداً على أن الشراكة السياسية في الحكومة الانتقالية من مكونات المجتمع السوري كافة، أمر في غاية الأهمية، لأن شعور الجميع أن هذه دولتهم يأتي من هذه الشراكة. كما رأى الحاج أن “رأب الصدوع الاجتماعية واستقرار المجتمع في سورية يجب أن يُتمم بتشكيل هيئة عدالة انتقالية”، التي قال إنها الوجه الآخر لضمان ألا يحدث تهدد للأمن القومي على المدى الطويل.

العربي الجديد

—————————

من سايكس وبيكو إلى برنار لويس/ عارف العبد

الجمعة 2025/03/14

استدعت التطورات في سوريا، وخصوصاً تلك التي شهدتها مدن وقرى الساحل السوري، وما استهدف أهل المنطقة، من السكان العلويين، بالاعتداء والمجازر وأعمال القتل، الاهتمام والإثارة. وبالتالي، المتابعة والتتبع، مع مزيد من الأسئلة المحمومة حول مستقبل التطورات في المشرق العربي، المترابط في الخصوصية والأوضاع السياسية والجغرافية والتركيبة الاجتماعية المتنوعة والحساسة.

وتكاد تكون التطورات والانتهاكات والمجازر، التي ارتكبت ضد السكان الآمنين والعزل، في الساحل السوري وجبل العلويين، بمثابة الصدمة الصاعقة، والتجربة المستجدة، المروعة والمهولة، التي تشهدها سوريا ما بعد انقلاع آل الأسد. وبالتالي، تشكل التجربة الأولى والمحك الفعلي لمصداقية السلطة الجديدة في سوريا، والتي يقف على رأسها الرئيس السوري للمرحلة الجديدة الانتقالية أحمد الشرع. وهي تشكل إثباتاً، إذا ما تخلى أبو محمد الجولاني عن شخصيته السابقة، وانتقل إلى أحمد الشرع، أو لا يزال متمسكاً في شخص الماضي، ومسيطراً عليه. لأن ما تعرض له السكان العلويون غير مسبوق وغير مقبول، ولا يمكن المرور عليه أو السماح بتكراره.

بل إن السؤال الأشد إلحاحاً وصعوبة هو، ماذا يعني ما جرى في الساحل السوري، وإلى أين تتجه سوريا والمنطقة من حولها بعد ذلك؟ خصوصاً وأن ما جرى يترافق مع تطورات خطيرة ومهمة أخرى، تتمثل بالخطوات المتصاعدة التي تنفذها إسرائيل، عبر توسيع وتدعيم احتلالها لمرتفعات الجولان وصولاً إلى أعلى قممه ومرتفعاته، وعلى وجه الخصوص قمة جبل الشيخ، إضافة إلى توغل في الجنوب السوري وفي محافظة السويداء تحديداً، ذات الغالبية والكثافة من الطائفة الدرزية.

الأخطر من ذلك هو إعلان إسرائيل وضعها السكان الدروز تحت حمايتها، مع تكثيف تحركاتها العسكرية وإطلاقها طائراتها، في مناورات في المنطقة، للدلالة على سيطرتها على الأجواء. وتحريض ومحاولة تشجيع ودفع السكان الدروز على الانفصال والابتعاد عن سلطة الحكومة السورية الجديدة. بما يعني ذلك من دفع نحو تجزئة سوريا، وتشجيع بقية القوى نحو التباعد والتفرق والابتعاد عن المركز الجامع في دمشق.. نحو مشاريع تقسيم وتجزئة سوريا إلى مناطق وكانتونات طائفية ومذهبية.

باختصار، السؤال الذي يطرح نفسه الأن، ما الذي جرى وإلى أين تتجه سوريا والمنطقة وما هي المشاريع المعدة، وما الذي يمكن أن يحدث وإلى أين تتجه الأمور؟

سايكس وبيكو

من المسلم به، أن القوى المسيطرة والمتفوقة عسكرياً، هي التي تتحكم بمسار الأمور والمناطق الخاضعة لسيطرتها في حاضرها ومستقبلها.

فبعد أن كان وُعد العرب بعد الحرب العالمية الأولى بدولة عربية مستقلة، من قبل القوى الغربية (بعد استفتاء لجنة كينغ كراين) قررت الدول المنتصرة في الحرب، وتحديداً فرنسا وبريطانيا، إعادة تشكيل المنطقة وتقسيمها وفقاً لرؤيتها ومصالحها وأطماعها، على أنقاض السلطنة العثمانية التي لقبت يومها بتركة الرجل المريض.

لهذه الأسباب اتفقت فرنسا وبريطانيا وروسيا القيصرية آنذاك، على اقتسام النفوذ والمساحات والدول، في المنطقة وفقاً لمصالحهما.

جرت المفاوضات الأولية التي أدت إلى الاتفاق بين 23تشرين الثاني/ نوفمبر 1915 و 3 كانون الثاني/ يناير 1916، وهو التاريخ الذي وقع فيه الدبلوماسي الفرنسي فرانسوا جورج بيكو والبريطاني مارك سايكس على وثائق مذكرات تفاهم بين وزارات خارجية فرنسا وبريطانيا وروسيا القيصرية. وصادقت حكومات تلك البلدان على الاتفاقية في 9 و 16 أيار/مايو 1916.

قسمت الاتفاقية فعلياً الولايات العربية العثمانية، خارج شبه الجزيرة العربية، إلى مناطق تسيطر عليها بريطانيا وفرنسا، أو تحت نفوذها. خصصت الاتفاقية لبريطانيا ما هو اليوم فلسطين والأردن وجنوب العراق ومنطقة صغيرة إضافية تشمل موانئ حيفا وعكا، للسماح بالوصول إلى البحر الأبيض المتوسط. أما فرنسا فقد سيطرت على جنوب شرق تركيا وشمال العراق وسوريا ولبنان.

باختصار دول المشرق القائمة الآن، وتحديداً العراق والأردن وسوريا ولبنان، ظهرت نتيجة هذه القسمة، واستمرت وتستمر شكلياً حتى اليوم.

برنار لويس

الجديد في كل ما جرى، خصوصاً بعد اندلاع حرب طوفان الأقصى وتداعياته، في فلسطين ولبنان وسوريا، أن إسرائيل بنيامين نتنياهو بدأت تتحدث عن الشرق الأوسط الجديد، الذي تدعي وتريد إعادة تشكيله، على أنقاض الشرق الأوسط القديم، الذي شُكل نتيجة مباحثات سايكس وبيكو بداية القرن الماضي.

الجديد والخطير في كل التطورات الراهنة، أن أساس المشروع الحالي الذي ينفذ على الأرض بدعم قوي من الولايات المتحدة الأميركية، أثير وطرح من قبل المنظر والفيلسوف والمستشرق البريطاني برنارد لويس، في لندن (1916- 2018 .(وهو مستشرق بريطاني الأصل، يهودي الديانة، صهيوني الانتماء، أميركي الجنسية. تخرج من جامعة لندن، وعمل فيها مدرساً في قسم التاريخ للدراسات الشرقية والإفريقية.

وفّر برنارد لويس الكثير من الذخيرة الأيديولوجية والفكرية للمحافظين الجدد، وإدارة بوش في قضايا الشرق الأوسط، والحرب على الإرهاب؛ حيث يعتبر بحق المنظر الأساسي والرئيسي لكل موجة التدخل والسيطرة على المنطقة في العقدين الاخيرين، والتي انطلقت من نظرية ثانية متفرعة هي نظرية “صراع الحضارات” لهانتغتون، ولسياسة التدخل والهيمنة الأميركية في المنطقة.

جوهر فكرة أو نظرية لويس تقول: “إن العرب والمسلمين قوم فاسدون مفسدون فوضويون لا يمكن تحضيرهم (تمدينهم). ولذلك فإن الحل السليم للتعامل معهم حسب رأيه هو إعادة احتلالهم واستعمارهم وتدمير ثقافتهم الدينية”.

والحل لذلك براي لويس، أنه من الضروري إعادة تقسيم الأقطار العربية والإسلامية إلى وحدات عشائرية وطائفية، وإعادة احتلال المنطقة، على أن تكون المهمة المعلنة، هي تدريب شعوبها على الحياة الديمقراطية، والعمل على استثمار التناقضات العرقية والعصبيات القبلية والطائفية.

 تردد في أكثر من موقع ودراسة، أنه في عام 1983 وافق الكونغرس الأميركي بالإجماع في جلسة سرية على مشروع برنارد لويس، وبذلك تم اعتماد هذا المشروع، وإدراجه في ملفات السياسة الأميركية الاستراتيجية لسنوات مقبلة. وقد ارفق المشروع بخرائط للدول التي يجب أن تقام على أساس طائفي أو مذهبي أو عرقي.

وتقوم رؤية أو مشروع لويس على ثلاثة عناصر:

1- تغيير التركيبة السياسية القائمة في معظم دول العالم الإسلامي، لتصبح مبنية على مزيج من آليات ديمقراطية وفيدراليات إثنية أو طائفية. وهذا هو جوهر المشروع.

2- التركيز على هوية شرق أوسطية كإطار جامع للفيدراليات المتعددة المنشودة، لهذا يدخل العامل الإسرائيلي كعنصر مهم في الشرق الأوسط الكبير المنشود، إذ بحضوره الفاعل تغيب الهويتان العربية والإسلامية عن أي تكتل إقليمي محدود أو شامل.

3- ضرورة إنهاء الصراع العربي الإسرائيلي من خلال إعطاء الأولوية لتطبيع العلاقات العربية مع إسرائيل، مما سيدفع الأطراف كلها إلى التسوية والقبول بحدود دنيا من المطالب والشروط.

المثير في مشروع لويس، أنه منذ الغزو الأميركي للعراق بدأ عملياً تطبيق هذه الرؤية، بدليل حالة دولة العراق الموزعة بين تجمعات طائفية وجهوية وعرقية. والدليل الثاني الأشد وضوحاً ما جرى ويجري في السودان، الذي توزع على أكثر من دولة ومنطقة نفوذ، إضافة إلى حال اليمن التي عادت يمنين، وليبيا المتفرقة، والآن سوريا غير المستقرة.

في تجارب التاريخ السياسية والعسكرية والاجتماعية، المتعددة، ثبت أن ما يجري في سوريا، ينعكس مباشرة على لبنان، والعكس صحيح.

لذلك يبقى السؤال الملح، على ماذا ستستقر سوريا، وكيف ستصبح الأوضاع في لبنان؟ هل ستبقى سوريا موحدة ومستقرة وينعم لبنان بمناخ مماثل، أم تنتقل المحنة من دمشق إلى بيروت؟

المدن

—————————-

اختبأ في خزان مياه”.. ناجون من “مجازر” الساحل يروون للحرة ما حدث

محمد الصباغ – دبي

13 مارس 2025

منزل من طابق واحد في إحدى قرى ريف اللاذقية في الساحل السوري. مثل بقية المنازل يعلوه خزان مياه، اختبأ فيه (ع.أ) نحو 5 ساعات، أثناء عمليات “القتل والسرقة والفوضى،” يقول.

(ع.أ)، مدرس كيمياء، رب أسرة، من سكنة قرية المختارية التي تبعد نحو 15 كيلومترا عن مدينة اللاذقية. فضل عدم الكشف عن اسمه خوفا على سلامة عائلته.

مثل قرى ومدن أخرى في الساحل السوري، شهدت المختارية “مجازر” وفق تعبير المرصد السوري، على أيدي فصائل مسلحة تابعة للإدارة السورية الجديدة.

بدأ التوتر في السادس من مارس في قرية ذات غالبية علوية في ريف اللاذقية، على خلفية توقيف قوات الأمن أحد المطلوبين.

وسرعان ما تطوّر الوضع إلى اشتباكات بعد إطلاق مسلحين علويين، قالت السلطات إنهم من “فلول نظام بشار الأسد”، النار على عناصر قوات الأمن في أكثر من مكان، وفق المرصد.

ثم بدأت الاعتداءات و”إعدامات ميدانية” لسوريين مدنيين في مناطق العلويين غربي سوريا، حسب منظمات حقوقية.

وقتلت الفصائل المسلحة وقوات  الأمن السورية من المدنيين، وفقا لأحدث حصيلة للمرصد، 658 شخصا في اللاذقية، و384 في طرطوس و171 في حماة و12 في حمص.

وأعلنت الرئاسة الانتقالية السورية تشكيل لجنة تحقيق “للكشف عن الأسباب والملابسات التي أدّت إلى وقوع تلك الأحداث، والتحقيق في الانتهاكات بحق المدنيين وتحديد المسؤولين عنها”.

وقالت السلطات السورية إنها أوقفت 7 أشخاص على الأقل منذ الاثنين، ارتكبوا “انتهاكات” بحقّ مدنيين في الساحل السوري. وأشارت إلى إحالتهم إلى القضاء العسكري المختص.

تواصل موقع “الحرة” مع مواطنين من سكان الساحل السوري. قالوا إنهم هوجموا “لمجرد أنهم ينتمون للطائفة العلوية”.

يقول أيهم غانم، وهو صحفي سوري يعيش في اللاذقية، إن المأساة بدأت، في السادس من مارس، إثر تعرض دورية للأمن العام لكمين في ريف مدينة جبلة، نفذه مسلحون موالون للنظام السابق.

مساء ذلك اليوم، “امتدت التوترات لتصل مناطق أخرى في جبلة واللاذقية وبانياس وطرطوس، وسط أصوات إطلاق نار واشتباكات قوية جدا”.

على مدار تلك الليلة، بدأت تتعالى أصوات بالدعوة “للجهاد ضد العلويين،” وفق شهادات حصل عليها موقع “الحرة”.

وقال (ع.أ) إنه خلال عودته إلى قريته، ظهر الخميس، “سمع بوجود اشتباكات في جبلة، فاعتقد أنه أمر عادي، حتى بدأت أصوات الرصاص تقترب بشكل مرعب”.

“قضينا يوم الخميس في رعب شديد، خصوصا بعدما بدأنا نتابع على وسائل التواصل الاجتماعي دعوات الجهاد والنفير العام ضد العلويين”.

قتل المئات في الساحل السوري خلال الأيام الماضية – فرانس برس

مجازر الساحل في سوريا.. حصيلة جديدة للقتلى العلويين

ارتفع عدد قتلى المدنيين العلويين على يد قوات الأمن السورية ومجموعات رديفة لها إلى 830، وفق ما أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان، الأحد.

وتابع الرجل: “في حوالي الثامنة من صباح الجمعة. دخلت مجموعات مسلحة قريتنا، وكنا قد تلقينا تحذيرات من شباب هربوا من قرى مجاورة”.

“أنا متزوج، وزوجتي بالصدفة مثل كل خميس كانت تسافر لقضاء نهاية الأسبوع مع عائلتها في مدينة جبلة. كنت وحدي، واختبأت داخل خزان مياه على سطح البيت، بعدما أفرغته من المياه تماما”، يقول لموقع “الحرة”.

“بدأوا بإطلاق الرصاص نحو المنازل. ظلوا خمس ساعات في القرية”.

“الحلم بالهروب من سوريا”

“قضينا ليلة الخميس والأيام الثلاثة بعدها في المنزل، بعدما أغلقنا النوافذ وضعنا مقاعد خلف باب المنزل، وبقينا في رعب وسط ضجيج إطلاق النار”، يقول شاب آخر من مدينة جبلة لموقع “الحرة” عبر واتساب.

بيان أميركي جديد بشأن “العنف” في سوريا

قالت لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأميركي، الاثنين، إن على السلطات السورية التحقيق ومحاسبة المسؤولين عن مقتل المدنيين.

يواصل حديثه: “كنا 13 شخصا، كنا نقرأ القرآن وندعو ألا يقتحموا منزلنا. دار الحديث أنهم لو اقتحموا فسنمنحهم كل شيء نملكه مقابل ألا يقتلونا”.

تحدثنا عن “الهروب والسفر خارج سوريا، حينما ننجو، بعد دعوات الجهاد المرعبة التي تابعناها خلال تلك الأيام”.

لجنة تقصي الحقائق التي شكلتها السلطة الانتقالية في سوريا، أعلنت، الثلاثاء، عزمها على “ترسيخ العدالة ومنع الانتقام” خارج نطاق القانون.

وقال المتحدث باسم اللجنة، ياسر الفرحان، خلال مؤتمر صحفي في دمشق: “سوريا الجديدة عازمة على ترسيخ العدالة وسيادة القانون وحماية حقوق وحريات مواطنيها ومنع الانتقام خارج إطار القانون وضمان عدم الإفلات من العقاب”.

وتعتزم اللجنة “وضع آليات للتواصل” معها، على أن يتمّ الإعلان عنها في “القريب العاجل”، موضحا أن اختصاصات اللجنة “مفتوحة ومرتبطة بالحوادث التي وقعت يوم 6 و7 و8” مارس.

ابن قرية المختارية (ع.أ) الذي تحدث لـ”لحرة”، قال إن “فصائل مسلحة تابعة للسطات، اقتادت من قريته 15 رجلا، وطالب عناصرها الرجال بالعواء والنباح، قبل ضربهم وقتلهم في النهاية”.

وأضاف أنه بعد انسحابهم من القرية، كانت “رائحة الجثث في كل مكان، ولا ماء أو كهرباء وسط مخاوف بين السكان من الخروج من منازلهم”.

أشار أيضا إلى أن البعض “اختبأ بين الجرود والجبال والمزارع بعيدا عن المنازل”، وهو ما أكده الطبيب والكاتب السوري الذي قضي 16 عاما في سجون نظام الأسد، راتب شعبو.

يعيش شعبو في باريس، لكن عائلته تعيش في إحدى قرى ريف اللاذقية، وبدأ التواصل معهم منذ الخميس الماضي للاطمئنان على سلامتهم.

قال لموقع “الحرة”، إن أقاربه يعيشون في قرية كفرية، ولحسن الحظ لم تتعرض لهجوم، لكن السكان “تابعوا أرتال الفصائل المسلحة التابعة للسلطة تمر من أمام مدخل القرية نحو مناطق أخرى”.

وأضاف أنهم “عاشوا أياما صعبة، حيث كانوا يسمعون طلقات الرصاص باستمرار ويرون أعمدة الدخان المتصاعدة من البلدات المجاورة”.

سوريون علويون فروا باتجاه لبنان بعد عمليات القتل التي تعرضوا لها

أوضح شعبو أن أخيه يعاني من مشكلة في ساقه “وزوجته كبيرة في العمر ولديهما ابنة تعاني إعاقة، وقد اضطرت الأسرة لحمل أخي وترك المنزل والهروب إلى الجرود والأراضي الزراعية، ولم يعودوا لأيام خوفا من الهجمات”.

على الرغم من ذلك، “كانوا يخشون من أن يتم حرق الأحراش بعدما حدث ذلك في مناطق أخرى بواسطة القوى الأمنية، بحجة أن فلول نظام الأسد يختبئون في تلك المناطق”، وفق شعبو.

لا كهرباء.. لا مياه

قال غانم إنه حتى الثلاثاء، كانت الناس في بيوتها تخشى الخروج “وهذا طبيعي بعد الذي حدث”.

وأضاف: “الأعمال القتالية انتهت، والناس في انتظار خروج الفصائل بشكل عام وانتشار الأمن العام، لتنتشر الطمأنينة وتعود الحياة لطبيعتها”.

ابن جبلة (هـ.ن)، قال أيضًا إنهم لم يستطيعوا دخول أي قرية بسبب الحواجز، وانقطاع الكهرباء عن كامل محافظة اللاذقية. كان “التواصل منقطع عن معظم سكان ريف جبلة”.

ومع خروجه ورؤية تبعات الأحداث، قال: “الشوارع كانت مبكية، فوارغ الرصاص في كل مكان، والمحال منهوبة وحرق عدد منها، مع عشرات السيارات المدمرة”.

وتابع: “فقدت الكثير من أصدقائي في جبلة واللاذقية وبانياس”.

ة

موقف من الاتحاد الأوربي بشأن “الإعدامات الميدانية” في سوريا

أعرب الاتحاد الأوروبي، الثلاثاء، عن قلقه “العميق إزاء” موجة “العنف” الأخيرة التي شهدتها المنطقة الساحلية في سوريا، وأسفرت عن سقوط عدد كبير من الضحايا، بينهم مدنيون.

الكاتب شعبو، قال إن أسرته تواصلت معه وأبلغته بعودتها للمبيت في المنزل ليلا، ثم توجهت في الصباح إلى الأحراش مجددا.

وتابع: “الخبز لم يصل القرية لستة أيام، وكانوا يسلقون البرغل، حيث لا شيء آخر يأكلونه. وفقط الثلاثاء وزع رجال السلطة ربطة خبز واحدة على كل منزل”.

وأعلنت وكالة الأنباء السورية، الليلة الماضية، بدء عودة التيار الكهربائي في عدد من أحياء مدينة جبلة وبعض قرى ريفها، بعد انقطاع لأيام.

وأرجعت الانقطاع إلى “اعتداءات فلول النظام البائد”، في إشارة إلى نظام بشار الأسد المخلوع.

ونشرت الوكالة تقارير من شوارع اللاذقية وبانياس لأشخاص تحدثوا عن “عودة الهدوء”، وبدأ مسؤولون يزورون مناطق عانت خلال الأيام الماضية.

لكن أشخاصا من تلك المناطق قالوا لموقع “الحرة” إن مشاعر الرعب لا تزال موجودة، والمخاوف من موجة عنف أخرى قائمة.

محمد الصباغ

الحرة

————————

المرصد السوري: حملات تحريضية ضد أحياء علوية في دمشق

الحرة – دبي

14 مارس 2025

أكد المرصد السوري لحقوق الإنسان، الجمعة، أن أحياء فقيرة ذات غالبية من الطائفة العلوية في دمشق تشهد تصاعدا في حملات التحريض والكراهية ضدها عبر الإنترنت.

وأوضح المرصد أنه يتم تداول منشورات تحريضية تدعو إلى تهجير سكان هذه المناطق.

وأشار إلى أن تلك الحملة تجري وسط غياب إجراءات واضحة لمكافحة خطاب الكراهية منذ التغيرات السياسية التي شهدتها سوريا في ديسمبر الماضي.

ووفقا للمرصد، فإن هذه المنشورات، التي يتم تداولها بشكل واسع على منصات التواصل الاجتماعي، تحتوي على محتوى مُفبرك يسعى إلى خلق حالة من التضليل الإعلامي، مما يعطي انطباعًا خاطئًا بوجود مطالبات شعبية بتهجير هذه الفئة، في حين يرى المرصد أنها جزء من حملة منظمة تهدف إلى تأجيج التوترات.

وأضاف المرصد أن هذه الحملة الإعلامية تأتي بالتزامن مع أعمال عنف شهدها الساحل السوري، حيث وثق المرصد مقتل 1,476 مدنيًا من أبناء الطائفة العلوية في حوادث وصفها بالمروعة.

وفي سياق متصل، أعرب المرصد عن قلقه إزاء الطريقة التي تصور بها بعض المؤسسات الحقوقية الدولية هذه الأحداث، حيث وصفها بعضها بأنها “نزاع بين أطراف متصارعة”، وهو ما قد يؤدي، بحسب المرصد السوري، إلى “تشويه” الحقائق وإعاقة أي مساءلة قانونية للجهات المسؤولة عن الجرائم بحق المدنيين.

ودعا المرصد المجتمع الدولي إلى التعامل بجدية مع محاولات نشر خطاب الكراهية، مشددًا على ضرورة اتخاذ إجراءات حاسمة لحماية جميع الفئات المتضررة، ومنع تصاعد التوترات التي قد تؤدي إلى مزيد من العنف والانتهاكات في المستقبل.

الحرة – دبي

——————————

إيكونوميست: الوقت ينفد من الشرع وعليه مشاركة السلطة قبل أن تتفكك سوريا/ إبراهيم درويش

تحديث 14 أذار 2025

قالت مجلة “إيكونوميست” في افتتاحيتها، إن الوقت ينفد من رئيس سوريا أحمد الشرع، ويجب عليه التشارك في السلطة من أجل الحفاظ على وحدة بلاده.

ورأت المجلة أن سوريا شهدت أسوأ عنف طائفي منذ سقوط نظام بشار الأسد قبل ثلاثة أشهر، وربما منذ الهجمات الكيماوية على الغوطة الشرقية في عام 2013. وقد صُدم البلد الذي يشعر بوقع الديكتاتورية والحرب الأهلية.

ويُعتقد أن 800 شخص قُتلوا من مناطق الساحل السوري التي تعتبر معقل الطائفة العلوية التي تنتمي إليها عائلة الأسد.

وترى المجلة أن العنف يكشف عن المعضلة التي تواجه سوريا، والتي تتمثل في حكم البلد، فهل سيظل الحكم فيها مركزيا تتجمع السلطات في يد الحكومة المركزية التي ستكون قادرة على إرساء النظام والقانون، مع أن الرئيس أحمد الشرع، هو جهادي سابق وبالتزام مشكوك فيه لشمل الآخرين بمشروع بناء البلد؟ أم هل يجب على الأقليات الحفاظ على الأمن في المناطق التي تعيش فيها، حتى لو كان هذا على حساب تفكك البلد؟

وتعلق المجلة أن أسباب الأحداث الأخيرة لا تزال غامضة، وأفضل تكهن هو أن مقاتلين من الأقلية العلوية قاموا بمهاجمة  قوات الحكومة والمستشفيات. وردا على ذلك، سارعت ميليشيات سنية في قوافل ودخلت القرى والبلدات وقتلت مدنيين وأحرقت بيوتا، بحسب المجلة. وقالت إن الفيديوهات كشفت عن إجبار السكان على النباح كالكلاب قبل إطلاق النار عليهم.

وتعتقد المجلة أن الميليشيات السنية هي على الأرجح المسؤولة عن معظم القتل. والتفسير الخبيث هو أن الشرع لم يكن مستعدا للحد من قوة المتطرفين بين أنصاره. ولكن التفسير الأكثر سخاء هو أنه كان بطيئا في الرد على الأحداث، وحكومته ليست مسيطرة على الوضع. وتقول إن العنف في مناطق العلويين هو علامة على تفكك سوريا.

ففي شمال سوريا، للجماعات الكردية جيوبها الخاصة. وفي الجنوب، لميليشيات أخرى، بما فيها ميليشيات يقودها الدروز، مجال نفوذ. وتتدخل القوى الخارجية إما بذريعة حماية حدودها من الفوضى، أو لاغتنامها الفرصة للسيطرة على مستقبل سوريا. وتدعم إسرائيل الدروز، وتركيا تدعم الجماعات العربية السنية، وأمريكا تساند الأكراد.

ورغم دورها كأقوى منقذ لنظام الأسد المكروه، فلا تزال روسيا متكاسلة في الرد على أمل الاحتفاظ ببعض النفوذ، وربما الوصول إلى قواعدها الجوية والبحرية.

وتعلق المجلة أن الشرع حتى الآن كان مخيّبا للآمال. فخبرته السابقة كانت إدارة نظام غير ليبرالي في مدينة إدلب من خلال جماعته، هيئة تحرير الشام. وحتى الآن، يدير سوريا كزعيم ميليشيا. فقد تخلف عن المواعيد النهائية لتشكيل حكومة شاملة وإصدار إعلان دستوري وتعيين هيئة تشريعية، ولم يعبّر عن التزام بالقوانين العلمانية، ولم يظهر إلا تسامحا ضعيفا. ومع ذلك، فإن عيوب حكومته تعكس أيضا ضعف الدولة السورية. فهي لا تملك سوى عدد قليل نسبيا من القوات الخاضعة لسيطرتها المباشرة. كما أن الميليشيات العرقية المختلفة تتفوق على الجيش والشرطة عددا وعتادا.

وتحتاج سوريا حكومة مركزية، قادرة على استخدام سلطاتها لتفويض السلطات إلى المحافظات. وعلى الغرب رفع العقوبات الاقتصادية التي فرضها لمعاقبة نظام الأسد البغيض، والتي تسبب حاليا ضائقة مالية خانقة.

لكن المسؤولية تقع على عاتق الشرع، وفق ما ترى المجلة. ففي هذا الأسبوع وبعد المجازر، اتخذ بعض الخطوات الإيجابية. فقد شكّل لجانا للتحقيق في العنف الطائفي، ووقّع اتفاقية لاندماج قوات سوريا الديمقراطية في قوات الأمن السورية. ولكنه بحاجة لعمل المزيد، ويجب تطهير جيشه من المتطرفين ودعوة المزيد من المعتدلين للانضمام إليه بحيث يكون لديه قوة الرد ولا يظهر على أنه أداة القوة السنية. كما يجب عليه تشكيل مؤسسات ووضع جدول زمني للانتخابات التي قد تطمئن السوريين بأن الحكومة القوية لن تكون تعبيرا عن القوة السنية. وعليه تفويض المزيد من السلطات إلى المناطق.

فإعادة بناء سوريا هي لعبة ثقة، فلو اعتقد المزيد من الناس بأن هناك مستقبلا متناغما، ستزداد فرص تحقيق ذلك. لكن مجزرة أخرى في عهد الشرع قد تنهي هذه اللعبة.

وقالت المجلة إن الأحداث التي جرت في 6 آذار/ مارس، حوّلت مناطق في الغرب السوري إلى “محور كارثة” حيث انتشرت الجثث في الشوارع، وفرّ الناس إلى الغابات أو إلى لبنان. وتقول إن الشرع يبدو أنه متردد بين ماضيه الجهادي وحاضره كرئيس، مشيرة إلى الفيديو الذي أصدره في أول يوم من الأحداث حيث حفل بالإشارات الدينية، وأجج فيه الصراعات وأشاد بـ”مقاتلينا الشرفاء”.

لكن مع تصاعد التوتر في البلاد، غيّر الشرع مساره بمهارة. ففي خطاب مصور ثان بعد يومين، تظاهر بأنه زعيم أمة، لا زعيم طائفة. ولأول مرة منذ توليه السلطة، عيّن علويين في مناصب قيادية وضمّهم إلى لجنتين: إحداهما للتحقيق في أعمال العنف، والأخرى لاستعادة “السلم الأهلي”.

وتبع ذلك في اليوم التالي، إعلان الاتفاق على دمج قوات سوريا الديمقراطية بقوات الأمن الحكومية. وهناك اتفاق محتمل مع الدروز الذين تحاول إسرائيل إغراءهم. ودعا الشرع في 11 آذار/ مارس الأئمة على حفل إفطار رمضاني ودعاهم للحديث عن المساواة بين كل الطوائف السورية في خطبهم ودروسهم الدينية. وكان من بين الحضور، صديق طفولته الشيخ أبو الخير شكري.

والتحدي أمام الشرع هو قدرته على الحفاظ على وحدة البلاد التي كانت قبل خمسة أيام على حافة الانهيار. فقد فتح العنف في الساحل السوري جراح الطائفية التي وعد الشرع بعلاجها.

وتشير المجلة إلى أن العلويين كانوا خائفين، حيث دعا مدير إذاعة دمشق الذي عيّنه الشرع لرميهم في البحر. وقد اعتبر قادة الشرع الساحلَ السوري منطقة عسكرية، وفرّ الكثير من العلويين وطلبوا حماية الخارج وحاولوا الدخول للقواعد الروسية هناك.

وفي دمشق ومدن أخرى، تخشى الأقليات أن يحول الجهاديون أنظارهم إليها. ويذكرهم سلوك الشرع الهادئ ببشار الأسد. ولا يزال الكثيرون يخشون أن يكون رئيسهم الجديد مجرد “إرهابي” يرتدي بدلة رسمية.

ولتسهيل توزيع الوظائف والمساكن على السنة، قام الشرع بحل القوات المسلحة القديمة وتطهير الخدمة المدنية وطرد المسؤولين السابقين من منازلهم الحكومية. وكما هو الحال مع اجتثاث البعث في العراق، فإن هذا يردع الأقليات عن تسليم أسلحتها ويؤجج دعم الثورة. وترى المجلة أن إرضاء السنة والأقليات هو تحد كبير وصعب.

فلو أراد الشرع السيطرة على المتطرفين، فإنه بحاجة لبدء العدالة الانتقالية التي تردد في القيام بها حتى الآن. وعليه التأكد من عودة العلويين الذين لم يشاركوا في فظائع النظام السابق إلى أعمالهم وحياتهم الطبيعية. وحتى ينجح في مهمته، فهو بحاجة للمال الذي لا يتوفر لديه الآن، بسبب العقوبات.

فعندما سيطر على الحكم، لم يكن لدى الدولة قوة عاملة، وبدون مال لدفع الرواتب سيظل يواجه مشكلة من المتشددين الذين سيتحدّون الجيش ويتعاملون مع الأقليات كغنيمة حرب. وفي النهاية، فهو بحاجة لتقاسم السلطة مع مكونات البلاد الأخرى. وبدون ذلك، سيفقد الشرع الثقة الوطنية، وسيفاقم تدهور الاقتصاد من مشاكله.

القدس العربي

—————————————-

 فسبكات سوريا: أصول الطائفية ونكرانها

المدن – ثقافة

الخميس 2025/03/13

فاروق مردم بيك

لنعترف، ونحن ندفن قتلانا، بانّ الطائفيّة مُتجذّرةٌ في بلادنا، تغفو حيناً ثمّ تستيقظ كلّما سنحت لها الفرصة مُتعطّشةً للدماء. ظننّا في وقتٍ مضى أنّ شعاراتنا القوميّة العربيّة كافيةٌ لاجتثاثها، ونُراوغها اليوم بالكلام على الوطنيّة السوريّة كما لو أنّ وطننا السوري لم تُمزّقه الأحقاد الطائفيّة التي راكمها الاستبداد الاسديّ طوال أكثر من خمسين سنة، وزادها حدّة تغوّل الحركات الجهاديّة. لا بدّ من الاعتراف بواقعنا على حقيقته لا كما نتصوّره أو كما نأمل أن يكون، هذا إذا أردنا بناء الوطنيّة السوريّة على أسسٍ متينة، حجراً حجراً.

مروان أبي سمرا

في بداية الثمانينات، كان الباحث الفرنسي ميشيل سورا، مَؤلف كتاب الدولة المتوحشة، يشدد على أن الطائفية سمة مركزية من سمات النظام الأسدي، وركن أساسي من أركان الدولة الَبربرية التي عمل على بنائها على أنقاض المجتمع السوري. ولكن طائفية النظام الأسدي، كانت كلما ازدادت تجذراً وعنفاً، كلما ازدادت نكراناً وتنكراً خلف الأقنعة الخطابية واللغوية، لدرجة أصبح معها مجرد تسميتها من المحرمات. ووجه سورا نقداً لاذعا للعلمانيين واليساريين السوريين الذين كانوا في أغلبيتهم الساحقة يشاركون في نكران طائفية النظام الأسدي ودولته المتوحشة. وما كان يضمره ذلك النقد هو أن النكران ذلك، وبالتالي الهروب من مواجهة المشكلة الطائفية، يساهم في تعميقها وتعميق تبعاتها التدميرية على المجتمع السوري. والحق أن هذا النكران، أو كما يقول بعض اللبنانيين، التكاذب الطائفي، استمر على حاله في الأوساط الليبرالية والعلمانية واليسارية، حتى إلى ما بعد الثورة وانتقال الدولة المتوحشة إلى طور الإبادة الطائفية، وإلى الإيغال في السيطرة على الطائفة العلوية، تجييشها وإعادة تشكيلها وصناعتها صناعة توحيش أسدية، لجعلها درع النظام والخزان البشري لحربه الإبادية. وفي ظل هذا النكران كانت تنمو وتنتشر في الأوساط السورية من الطائفة السنية ما يمكن تسميتها بـ”طائفية مَضادة”، تقوم على المساواة والمطابقة بين النظام الأسدي الطائفي، َمن جهة، والطائفة العلوية التي يجري تحميلها بمجملها وبمجمل أفرادها مسؤولية الجرائم الطائفية التي يرتكبها النظام الأسدي، بما في ذلك جرائم الإبادة. وبطبيعة الحال عمل الإسلام السياسي والجهادي على الدفع في هذه الوجهة الطائفية، وساعده في ذلك غياب المسألة الطائفية والتصدي لها في الفكر السياسي المعارض للنظام.

وها نحن اليوم أمام الحصاد الدموي للطائفية ونكرانها.

تيسير خلف

حول العلويين وأصولهم

أحد الأخوة العلويين من محافظة طرطوس أرسل لي على البريد الخاص منشوراً لأحد معاتيه العصر يقول فيه إنه على الذين يقتلون العلويين اليوم أن يعلموا أن هؤلاء هم أحفاد الفينيقيين، وطلب مني إيضاحاً حول هذه القضية من خلال معرفتي التاريخية.

لفتني المنشور وأضحكني في الآن ذاته. هل إدانة القتل مرتبطة بتاريخ شعب ما؟ مثلاً لو كان العلويون سومريين أو حثيين ما الذي يختلف في الأمر؟ وهل يختلف الأمر إن كانوا عرباً أو تركاً أو كرداً؟

أجبت الأخ العلوي على سؤاله بتسجيل صوتي مطول، وتمنى علي أن أنشر مضمونه لتعم الفائدة في هذه الأيام التي تشهد شيطنة لهذه الطائفة الكريمة عبر الكثير من الشائعات التي تطال الأصل والفصل والغايات.

في قناعتي أن تعريف العنصرية لا يخرج عن إطلاق الأحكام على الجماعات بوصفها جماعات. وفيما يخص الأخوة العلويين مروا خلال السنوات الخمسة عشر الماضية بصراع هوياتي خطير نتيجة الخيارات الصفرية التي زجهم فيها النظام المخلوع. فبدأ البعض يعزف على نغمة البحث عن هوية قديمة معروفة بتاريخ الحضارة للترفع والتمايز عن الهوية العربية التي كانت تتعرض في تلك السنوات للتحطيم على أكثر من صعيد.

ولكن تاريخ العلويين معروف وموجود في طيات الكتب، وهم مكون عربي أصيل، من الصحيح أنهم ينحدرون من منابت مختلفة ولكن هويتهم العربية لا جدال حولها.

من خلال تتبعي للمصادر التاريخية العربية أستطيع أن أضع تصوراً قد يكون قريباً من الحقيقة لتكوُّن هذه الطائفة السورية الكريمة.

الدليل التاريخي الأول هو ما ورد عن سيف الدولة الحمداني حين أسكن جماعة النصيرية الحرانية في جبال الساحل السوري الشمالية، فيما نعرفه اليوم بجبال اللاذقية بسبب التهديدات السلجوقية. ويبقى موضوع تحول صابئة حران إلى المذهب النصيري مجالاً للبحث التاريخي، ولكن في عهد سيف الدولة في القرن الخامس الهجري كان صابئة حران قد أصبحوا جماعة شيعية على مذهب ابن نصير.

وجد الحرانيون في جبال اللاذقية مجموعات من بني كلب وبني غسان الذين سبق أن أقطعهم معاوية بن ابي سفيان هذه الجبال لتعميرها وحمايتها بعد أن بنى استراتيجيته العسكرية القائمة على تحصين السواحل بالعرب حين لاحظ أنها خاصرة رخوة يجخلها الروم البيزنطيون وقت يشاؤون. ومن المعروف أن الكلبيين والغساسنة كانوا يشكلون عماد دولة معاوية في الشام. ولكن بعد سقوط دولة الأمويين اعتنق هؤلاء التشيع شأنهم شأن غالبية عرب الشام في حقبة الصراع الفاطمي العباسي على هذه البلاد، وكانت آخر إماراتهم هي إمارة بني منقد الكلبيين في شيزر.

في فترات تاريخية لاحقة انضم نصيريو عانة في العراق إلى نصيريي الساحل بقيادة الأمير المنتجب العاني، تلاهم نصيريو سنجار بقيادة الأمير المكزون السنجاري لتتشكل هذه الطائفة من هذه المكونات الأربعة، ومع احتفاظ القبائل والعشائر بأسمائها القديمة رغم ظهور مسميات حديثة.

الدولتان السلجوقية والايوبية هما المسؤولتان عن دفع العلويين النصيرية للسكن في الجبال بعد ان كانوا يتوزعون بالإضافة إلى جبال الساحل في بعض مدن وحصون الداخل.. وأدت العزلة الطويلة طوال العصرين المملوكي والعثماني إلى تكون أوهام حول هذه الطائفة التي كونت الشعب السوري كما نعرفه اليوم بعد خروج العثمانيين من بلاد الشام عام 1918.

سألني الأخ العزيز عن حقيقة الادعاء المنتشر بأن حافظ الأسد كاكائي. ضحكت وتذكرت صديقي المرحوم عز الدين سطاس وهو من شراكسة الجولان، حين اخبرني قبل سنوات طويلة بأن جميل الأسد في اجتماع مع بعض وجهاء الشراكسة في سوريا قال إن أصل عائلتهم شركسي. ولكنهم عاشوا مع العلويين فترة طويلة.. نفس الكلام كان جميل الأسد يقوله للأكراد وربما للتركمان القزلباش، رغبة منه لكسب تأييد هذه المجموعات، ولكن حافظ الأسد وعائلته من ابناء هذه البلاد، وربما أصل العائلة القديم من منطقة السويدية في لواء اسكندرون ولكنهم علويون عرب. ومن قال إن العرب أمة مقدسة لا لصوص فيها ولا قتلة ولا مجرمين؟

روزا ياسين حسن

الكثير من السنّة من أهل البلد ببانياس هم من ساعد النازحين العلويين المرعوبين من القتل الطائفي في أحيائهم. تأكيدات متوالية من شهادات الناجين من المجزرة. تؤكدها الكثير من الدعوات والمناشدات وحملات الدعم والإغاثة والخطب في المساجد لتحريم دم العلويين ورفض الفتنة الطائفية.

بالمقابل هناك دوماً من يدعو إلى قتل المدنيين لأنهم ببساطة علويون.

المجرم ما له طائفة، لا السني إرهابي حاقد طائفي، ولا العلوي فلول حاقد طائفي، لكن ما علينا إلا اجتثاث الحاقدين طائفياً من الطرفين الذين يلعبون بنا وبدمنا وببلدنا.

في بالمختصر مجرمين وفي بشر بدهم يعيشوا بأمان بهالبلد وكل نقطة دم لمدني بريء عندهم حرام.

—————————-

ملخص للاسبوعين الماضيين في القدموس

Samer Hindi

بتاريخ الخميس 27-2-2025 تم الغدر بالشابين حسين العبدالله وعمار المير علي واعدامهم ميدانياً بإحدى القرى المجاورة لمدينة القدموس وتم معرفة المجرم الذي قام بهذه الجريمة مع اشخاص آخرين .

وفي اليوم التالي الجمعة 28-2-2025 توجهت دورية من الأمن العام لإحضار المطلوبين وتعرضت لكمين غادر من المجرمين واستشهد الشاب علاء المصري من الامن العام والذي ينحدر من بلدة اسقاط -ادلب (ولاصحة لما تم تداوله عبر وسائل التواصل من تنكيل بجثة الشهيد)وبعدها تم اعتقال شخص للاشتباه بتورطه بالجريمة و بدأت تتكشف الحقائق عن وجود مجموعات مسلحة في الريف لأمر ما تبين سببه لاحقاً.

الخميس 6-3-2025 وبعد الافطار بقليل بدأت تتوارد أخبار لتجمع مجموعات لفلول النظام البائد على مداخل القدموس وعند قيام الأمن العام بدورية على أحد المداخل تعرض لكمين غادر واستشهد على اثره عنصرين من الأمن العام وشاب من القدموس وتم منع اسعافهم أو سحب جثثهن حتى الصباح.

وهنا بدأت الاتصالات ترد لأهالي القدموس لتسليم عناصر الأمن العام وتحييد شباب القدموس وأهاليهم عن هذا الموضوع وتمّ رفض هذا الأمر بشكل قاطع من شباب اللجنة الأمنية المتعاونة مع الأمن العام والأهالي وبدأت المفاوضات بين الأمن العام وشباب القدموس من جهة وفلول النظام البائد من جهة أخرى حتى صباح يوم الجمعة 7-3-2025 والتي أفضت لإنسحاب الأمن العام باتجاه مصياف لتجنيب القدموس حماماً من الدم وللحفاظ على سلامة عناصر الأمن العام .ورغم ذلك تمّ الغدر ونقض الإتفاق والتعرض للأمن العام على طريق مصياف وتمّ إختطاف الشخص الموقوف للاشتباه بتورطه بجريمة القتل التي حصلت بتاريخ 27-2-2025 للشابين من القدموس وبعدها وصلت عناصر  الأمن العام بسلام الى مصياف.

الجمعة 7-3 والسبت 8-3 وحتى ظهيرة الاحد 9-3 كانت البلدة بحماية شباب اللجنة الامنية بالقدموس والأهالي لحين عودة الأمن العام وأصبحت القدموس بعهدته.

-الشكر للأمن العام لتجنيب البلدة دماء الأبرياء و الشكر لشباب اللجنة الأمنية و الأهالي لرفضهم تسليم عناصر الأمن العام لفلول النظام المجرمين .

– رأي شخصي:

 ..عدم دخول الفلول للقدموس بعد إنسحاب الأمن العام سببه على الأغلب فشل الإنقلاب في الساحل وليس لتعهدهم بعدم الدخول للبلدة اثناء المفاوضات معهم (الفلول لا عهد لهم)

..أغلب الفلول هم عناصر خضعوا للتسوية.

..ماحصل في الشهور الثلاثة الماضية كانت بمثابة عفو عن هؤلاء الفلول والذين لا يؤمن جانبهم ورأينا كمية الأسلحة الموجودة لديهم.

..الشهور الماضية أثبتت صدق الإدارة الجديدة لسوريا(بشكل قاطع) بمنعها لفصائل معينة من الذهاب إلى الساحل وهذا مالم تستطع منعه مع الأسف بعد محاولة الإنقلاب الفاشل والغدر بعناصر الأمن العام ورأينا نتيجة مجيئهن للساحل.

…تجنبت القدموس من خلال الحدث الأول والثاني فتنة طائفية لا يستطيع أحد التنبؤ بما كانت ستؤول اليه الأمور.

– الرحمة لشهداء الأمن العام والرحمة للشهداء الأبرياء من المدنيين .

الفيس بوك

—————–

قراءة سريعة عما حصل في الساحل:

Fadel Abdul Ghany

بعد أسابيع من الاضطرابات الأمنية المحدودة، في المناطق الساحلية في سوريا، وخصوصًا #اللاذقية #جبلة #طرطوس، بدأت اليوم هجمات منسقة تستهدف مواقع عسكرية وأمنية حساسة، مما يدل على وجود تخطيط وتنظيم يتجاوز العمليات الفردية أو العشوائية. الأسلوب المتبع في هذه الهجمات، من حيث التنسيق بين المحاور المختلفة والانسحاب إلى المناطق الجبلية بعد التنفيذ، يعكس تكتيكات حرب العصابات المدروسة. كما أن تعدد الكمائن والاشتباكات المتزامنة في أكثر من موقع يشير إلى أن العصابات يمتلكون معلومات استخباراتية مسبقة عن تحركات القوات الأمنية، وهو ما يؤكد وجود جهات داخلية أو خارجية تقدم لهم الدعم اللوجستي والمعلوماتي.

هناك مؤشرات عن دور مؤكد لغرفة عمليات في قاعدة حميميم التي تديرها روسيا، في تنسيق بعض هذه التحركات، كما لوحظ عودة نشاط لوسائل الإعلام الإيرانية والروسية في تغطية التطورات في #سوريا، ما يشير إلى احتمالية وجود أجندات سياسية خلف التصعيد.

استجابة الدولة السورية للأحداث تعكس إدراكًا لخطورة التصعيد، حيث تم إرسال تعزيزات عسكرية وأمنية كبيرة من مختلف المحافظات إلى المناطق التي شهدت اشتباكات. عمليات التمشيط الجارية في الجبال المحيطة بالساحل السوري تؤكد أن السلطات باتت ترى في هذه الهجمات تهديدًا استراتيجيًا لا يمكن التعامل معه بأساليب تقليدية، خصوصًا مع صعوبة التضاريس التي تمنح المجموعات المهاجمة قدرة أكبر على الاختباء والمناورة.

هذه المؤشرات مجتمعة تعني أن المواجهة الحالية قد تكون بداية لمرحلة أكثر تعقيدًا، حيث سيتعين على الدولة السورية التعامل مع التهديدات الأمنية المباشرة، وأيضًا وهو الأهم، مع التداعيات السياسية لهذا التصعيد.

الفيس بوك

——————————

لا استطيع الا ان اتهم الدولة

Ahmad Nazir Atassi

كنت لا اريد ان اكتب لانه لا يوجد موضوع اكتب عنه. لا اكتب مواقف ولا اسرد احداث ولا اروج لايديولوجيا ولا ادعم طرفا على طرف، ولا انشر سردية معينة. عندما يبدأ الناس بقتل بعضهم البعض فالافضل الانسحاب اذا كنت لا تملك اية ادوات تجعلك فاعلا حقيقيا. وهل تعرفون من يملك هذه الادوات؟ الدولة بالطبع. وسنعود لذلك. لكن قررت ان اكتب لان صديقة عزيزة “نكشتني” وكأنها تقول لي اين انت يا نظير اريد منك ولو كلمة حتى اعرف هل بقيت هناك انسانية؟ ماجدة “شامية” من نوع آخر، من نوع نادر لا يمكن ان تصادفه الا اذا سافرت وسافرت. انها مصرية من اصول لبنانية، يسمونهم الشوام في مصر. مسيحية ولا اعرف طائفتها ولم اسأل. متزوجة من استاذ امريكي وتدرّس اللغة العربية في امريكا. انها ام لكل من صادفها وصديقة لكل من احتاجها وعربية لكل من اظهر عنصريته ومسيحية ربما في اوقات الفراغ. والحمد الله لا تعرف من شرق المتوسط الا كل ما هو جميل. ربما هرب اجدادها الى مصر هربا من احدى “كريزات” القتل التي تنتاب شرق المتوسط بين الفينة والاخرى.

ماذا استطيع ان اقول يا ماجدة. لا مبرر للقتل رغم ان عقولنا لا تنتج الا تبريرات القتل. والانكى من ذلك اني اتفهم اسباب القتل. ليست المرة الاولى ولن تكون الاخيرة. القتل لا يأتي من الغضب فقط، بل من توفر الفرصة كأن يكون عدوك المتخيل ضعيفا ولا يقوى على الرد، واليوم تحول العلويون الى ضعفاء وقد كانوا بالامس اقوياء وعملوا اللي عليهم من الذنوب السورية المعروفة. عندما يقولون الان “المحرقة العلوية” لا اعرف ان كانوا يقصدون عندما قتل العلويون السنة ام عندما قتل السنة العلويين. وهل ستطال المسيحيين وغيرهم من الاقليات المتخيلة؟ ربما، الخير جاي لقدام. ويقولون الشعب السوري واحد، واحد في اي شيء، واحد في الكراهية ام واحد في القتل قاتلا، ام واحد في القتل مقتولا، ام واحد في تلفيق التبريرات، اكيد ليس واحدا في التعايش. اخي يجي واحد ويرمي يمين الطلاق، الاحوال لم تعد تحتمل طرفا من اهله وطرفا من اهلها. اكيد اللي كتب القرآن ما كان عايش بسوريا (او لبنان). وحتى الامهات يا ماجدة، بعضهن يبكين اولادهن والبعض الاخر يحرض على من بقي. وعلى الارض يستهدفون الشباب ربما ليحرقوا قلوب الامهات او ليشفوا غليل امهات اخريات. لم اعد اؤمن باختلاف المرأة. اثبتن انهن متساويات مع الرجال في التحريض على القتل. وحتى الام التي صوروها تحرس اجساد ابنيها لا بد انها تفكر اليوم كيف تربي الباقين لياخذوا بالثأر.

اليوم الكل يبحث عن سردية معقولة يؤمن بها، لكن لا احد يستطيع مسك اول الخيط، فلذاك الكل يؤلف ويختلق. نظريا هم يبحثون عن تريند عن نسق ليعمموه لكن لا يوجد نسق: الفلول ثاروا والامن قتلهم، الفلول قتلوا اهلهم، الفلول اسروا الامن وقتلوهم، الامن قتل الابرياء اعداما، لا الامن لا يفعل ذلك انهم اهلنا، الارتال غير المنضبطة تقتل، ابو دجانة هو السبب انهم مليء بالحقد، الشيشان الايغور (لا يجتمعان) يقتلون الناس لانهم غرباء، الحقد السني الاعمى، الحقد العلوي الاعمى، قتلوا الاطباء والمهندسين قتلوا خيرة شبابنا، ام علوية تبكي اولادها، اتركها فاولادها شبيحة وهي ربتهم، ام علوية تبكي اولادها الابرياء، اين كنتم عندما قصفونا، ام سنية تبكي اولادها … وعشرات غيرها من الروايات نصف الحقيقية او المتخيلة التي تحاول ان تعقلن الاحداث وان تعمم النسق وتبني السردية. لكن لا احد ينجح، كل يوم وكل حدث وكل صباح هناك شيء جديد ينسف انساق البارحة.

يخطر ببالي السنياريوهات والاسئلة التالية التي تبحث ايضا عن انساق: الارتال مجرد عفيشة، الارتال فصائل جيشها المشايخ، الارتال مجرد اشخاص على موتورسيلات يطلبون القتل ليشبعوا ثأرا، الارتال غير موجودة انها قوات الامن العام، لا يوجد امن عام انهم فصائل، الدولة ارسلت جنودها ليفتعلوا فتنة، ماذا لو اكتشفوا انهم يقتلون العلويين الغلط العلويين الذي لم يرموا البراميل او الذين لم يعذبوا في السجون، وماذا عن السنة و غيرهم في صفوف النظام، اين القتلة الحقيقيون الذبن نعرفهم بالاسم وتم توثيقهم على مدى عشر سنوات واكثر، من المستفيد، لماذا لا يزال القتل مستمرا، المحرضون اراهم على الفيسبوك من الطرفين لماذا هؤلاء لا يزالون على قيد الحياة، من الذي روج لسردية الطائفة المجرمة والطائفة المقتولة، من وظف طاقاته كلها لتوطيد هذه السرديات القاتلة، الى اية فئة اجتماعية ينتمي الضحايا والقتلة، هل الامر عشوائي، هل هناك انساق، هل سينجح المحاولون بايجاد سردية تشرح او تبرر ما حدث، وماذا عن الاحصائيات، وماذا عن نسب القتلى من السكان. ماذا لو لم يكن هناك اي نسق ماذا لو كانت مجرد سوق مفتوحة للقتل. وانظر الى اولئك المتباكين الذي وجدوها فرصة لتمرير مشاريع قديمة، كل المشاريع لها حقها اتركهم، ماذا عن المحتفلين بما يعتقدون انه اتفاق الاستقرار هل هذا وقت الاحتفال، ماذا عن التاريخ انه في منتصف موسم آذار  يبدو ان القتل ايضا ينتعش مع الربيع (هذا مثبت). ماذا لو بقينا دون استقرار على سردية، ماذا لو كنا نعوم في بحر من العشوائية القاتلة.

اعود الى الاشياء التي اعتبرها من خلال التجربة الطويلة ثوابت: هناك دائما انساق، هناك دائما مستفيدون، هناك دائما مشوشون وظيفتهم التشويش، هناك دائما سرديات يتم صنعها، هناك دائما صراع سرديات، هناك دائما عنصر عشوائي، الناس غير متساوين في التأثير، الدولة هي اكبر مؤثر. كنت اعارض كل من يقول بان دولة الاسد هي سبب كل ما يجري. كان غرضي هو اظهار العوامل الثقافية والفاعلين الاخرين، لكني كنت اعرف ان الدولة اكبر مؤثر. وعندما قال احدهم ان كل ما نعيشه هو من بقايا تأثير دولة الاسد، خطر لي خاطر. نعم ان دولة الاسد لم تمت والحرب لم تمت، ان لهما عطالة كبيرة ولا يزالان يفعلان فعلهما. لكن ماذا عن الدولة الجديدة، تلك الجماعة التي تريد ان تلعب كل ادوار الدولة وبسرعة هائلة. انها تريد كل احتكارات الدولة وكل قوة الدولة وكل شبكات الدولة وكل ريع الدولة وكل سلطة الدولة. هل نستطيع ان نحملها المسؤولية؟ هل لها تأثير الدولة ام انها تلعب لعبة اكبر منها؟

ان توزيع المسؤولية على الناس امر لا طائل منه اذا كنا نبحث عن المسؤول الحقيقي. لقد درّست مفهوم السببية وعملت على نسفه الى درجة اني اعرف ان المسؤولية هي مجرد لعبة نلعبها لتحقيق اغراض. كل طرف يلعب لعبة المسؤولية لتجريم الطرف المعادي. الدولة تلعب لعبة المسؤولية لتقضي على اعدائها. النخب تلعب لعبة المسؤولية لتكرس سلطتها وتتخلص من منافسيها. المجتمع يلعب لعبة المسؤولية ليبني المعايير الاخلاقية، وايضا ليحدد كيفية تطبيق هذه المعايير (الفئات الاجتماعية ليست متساوية اخلاقيا). واذا اخترت ان الوم طرفا فلانه عندي اجندة اريد تنفيذها. نعم اعترف واجندتي ليست ايجاد المجرمين ومعاقبتهم فكلنا يعرف ان هذا مستحيل. الانسان مخلوق يحتوي غريزة الحياة وغريزة القتل، وربما بنسب متساوية. وعندما ينفلت من الضوابط فانه يلجأ الى القتل كوسيلة مساوية في القيمة لاية وسيلة اخرى. المجتمع المستقر يفرض عقوبة على القتل لان القتل يهدد الحياة المشتركة. لكن متى ما رأت الجماعة انه لا حياة مشتركة مع جماعة اخرى فالقتل يصلح حلا مناسبا. ولا افضل لمعرفة هذا القانون الاجتماعي من النمط البدوي الصحراوي: عند البدو التعاون خيار والقتل خيال مواز ومتاح ايضا. في حال السلم يقومون بتفعيل اداة الثأر لوقف القتل وفي الحرب ينتهي دور الثأر لان القتل يصبح مباحا.

اجندتي هي الدولة، دولة المؤسسات، دولة الخدمة، دولة التعاقد (ثلاثة مبادئ اساسية)، وليس دولة الهيبة ودولة المركزية ودولة الاحتكارات ودولة الاغلبية ودولة الفرض. الدولة تستطيع ان تفرض قوتها اذا ارادت او ان تتفاوض ، والدولة تستطيع ان تفرض سرديتها او ان تسمح بصراع السرديات، والدولة تستطيع ان توقف القتل اذا ارادت او ان تفرض القتال والقتل، الدولة تستطيع ان تفرض القانون او ان تلغي القانون، الدولة تستطيع ان تفرض التعايش او ان تسمح بالاقتتال، الدولة تستطيع ان تقتصر على جنودها او ان تستدعي جنودا اخرين، الدولة تستطيع ان تفرض ايديولوجيا معينة او ان تسمح بحوار الايديولوجيات، الدولة تستطيع ان تفعّل المؤسسات او ان تقضي عليها، الدولة تستطيع ان تحتكر اي شيء او ان تسمح بالتنافس البنّاء. الدولة هي بنية المجتمع والصمغ اللاصق والقوة المحركة. انها البلاء الذي لا بد منه والجنة التي لا حياة دونها. التاريخ هو تاريخ الدولة، الاخبار تتحدث عن الدولة، القانون بيد الدولة، القتل المشروع الوحيد تقوم به الدولة. انها الرب الذي نعبده دون ان ندري. هناك حالات تغيب فيها الدولة (اخفاق او متعمد)، وهناك حالات تتغول فيها الدولة، وهناك حالات تتحول فيها الدولة الى خدمة. فماذا حصل في الايام الماضية؟ اي حال ينطبق على الاحداث؟

تحليلي ونظرتي هي اننا عشنا اياما من اخفاق الدولة قامت عناصر من نخبتها الجديدة بتحويله الى تغول لتفادي الاخفاق.

– الدولة فرضت على نفسها تجميع كل القطع الجغرافية والطائفية. كان بامكانها التفاوض بطرق متعددة (تفاوضت مع الدروز والاكراد).

– الدولة اختارت طريق المسامحة (التسوية العشوائية) وكان بامكانها اختيار طريق العدالة الانتقالية.

– الدولة تعامت عن السلم الاهلي وفضلت التدخل الامني.

– الدولة حلت الجيش وطردت الموظفين وكان بامكانها الدراسة المتأنية.

– الدولة اقتصرت على الايديولوجيا السلفية وكان بامكانها التركيز على الوطنية.

– الدولة طلبت الفزعة من الفصائل والمشايخ وكان بامكانها اللجوء الى المجتمع الدولي.

– الدولة طلبت دعم الفصائل لتشكيل جيشها وكان بامكانها طلب قوات تدخل عربية او دولية.

– الدولة عينت ارهابيا كرئيس جمهورية وكان بامكانها اختيار اي شخص اخر ليكون رئيسا او رئيس وزراء مع مجلس عسكري.

– الدولة روجت لسردية الغدر بعناصر الامن العام وكان بامكانها ترويج سردية تدعم الوحدة الوطنية.

– الدولة كرست سردية الطائفة المجرمة (وما يقابلها من تسامح) وكان بامكانها تكريس سردية الوحدة الوطنية.

وعشرات الاخطاء الاخرى. استنتاجي هو اما اننا نتعامل مع امارة سلفية طائفية من الطراز الاول لا تستطيع ان تكون دولة، او اننا نتعامل مع مراهقين لا يفقهون شيئا في السياسة والادارة وبالتالي لا يستطيعون ان يكونوا دولة.

الفيس بوك

————————–

ملاحظات/ حسام القطلبي

انكتب كتير بالأيام الماضية عن أنصار الثورة السورية يلي أظهروا خطاب متصالح مع المقتلة في الساحل ومبرر لها، وعن الأصدقاء الذين “صدمنا” بمواقف لهم تسيل منها دماء سوريين أبرياء. لا يكاد المرء يستطيع أن يضيف شيئاً أو قيئاً بهذا الصدد.

أود فقط أن أبدي دهشة مماثلة من مواقف أصدقاء اكتشفوا “علويتهم” فجأة، واكتشفنا معهم أنهم ربما صدموا هذه المرة أن الدماء قد تسيل من العلويين أيضاً! وأنهم ربما، بحكم التكرار المضني، اعتادوها سنيّة مثلاً فلم تك تثير تفجعهم البالغ أو إحساسهم بالمأساة وفداحة المجزرة كما هو حالهم اليوم، يكرر بعضهم مواقف صاخبة ودعوات للإدانة والسخط كان يسخر من مثلها بالأمس القريب في أحداث تخص حمص ودرعا وإدلب والغوطة، أو أقله أنه كان يمر عليها في الفيسبوك والإعلام دون كثير اكتراث وربما بتململ شديد (إنو خلصونا بقا ولو!)

هذه ليست إحدى الأعراض الجانبية لهذه المقتلة الفظيعة اليوم، بل عادة ما تكون مؤسسة ومبررة لمَقَاتِل أخرى مديدة قادمة. هو جزء من استمرار دائرة عنف لا تنتهي.

الثابت في الأمر أن صاحب الضمير الانتقائي بحسب هوية الضحية، لا يعول عليه. وهو ليس اليوم أو غداً في مكان جدير ومستحق ليقدم محاكمات أخلاقية وقيمية. هو بالأمس صمت عن قاتل واليوم يندب ضحية وغداً يهلل لقاتل وبعده يتفجع لضحية….

أصحاب هكذا ضمائر، وإن عن غير عمد ومن موقع استحقاق الضحية، لا يقدمون للمجتمع والبلاد سوى مزيد من الكراهية ويعدون، وإن عن غير إدراك، ببراميل دماء إضافية قادمة بعد حين.

————————

عودة الأسد إلى سوريا/ سعد بن طفلة العجمي

على الحكومة برئاسة أحمد الشرع أن تعمل بحزم لمحاسبة العناصر المجرمة حتى لو كانت من فصائل مقربة منه

الجمعة 14 مارس 2025 1:38

ملخص

لعل الاتفاق التاريخي بين الحكومة وقوات سوريا الديمقراطية يهدئ النفوس ويطمئن الناس ويبعث فيهم روح الأمل بمستقبل أفضل لسوريا الجديدة، لكن الأهم من كل التواقيع هو قطع الطريق على عودة الأسد عبر الضرب بحديد على الممارسات “الأسدية” الطائفية المقيتة بكل أنواعها.

كانت مشاهد مؤلمة تلك التي تسربت لمقتل عناصر من القوات السورية الحكومية، تلتها مشاهد أكثر بشاعة وإيلاماً لمذابح طائفية ضد العلويين في مناطق الساحل السوري، والأرقام تراوحت بين العشرات والمئات، وبعض المصادر تتحدث عن آلاف المدنيين العلويين، وآلاف أخرى نزحت للبنان المجاور.

يمكن تقديم شروحات لما جرى تتناول هشاشة النظام القائم بعد سقوط وهرب بشار الأسد، وتحاول فهم أو تبرير ما جرى على أنه وضع طبيعي مؤسف لمرحلة انتقالية لا تخلو من الفوضى والفراغ الأمني والسياسي والعسكري للدولة التي لا تزال تحبو بعد عقود من القهر والاضطهاد والقتل والتعذيب والتشريد والتهجير والدمار، وبأن فصائل غير منضبطة كانت وراء تلك البشائع المخزية، وبأن بعض تلك الجرائم ارتكبتها بقايا وفلول النظام نفسه في محاولة يائسة لإشعال حرب أهلية طائفية، وأن بعض الفيديوهات مفبركة من قبل فلول النظام أنفسهم، كما يمكن الإشارة بإصبع الاتهام لإيران التي تريد أن تهدم المعبد على من فيه بعدما تجرعت “كأس السم” بهرب حليفها بشار الأسد، وتحطم كل ما بنته ليس في سوريا وحسب، وإنما في لبنان الذي صرفت “دم قلب” شعبها على “حزب الله” فيه، ليصبح كل ذلك أثراً بعد عين.

كتبت مقالة في يناير (كانون الثاني) 2012 بعد عام من اندلاع الثورة بأن النظام سيعمل على “حرف مسار الأمور نحو طائفية يعمل على تأطيرها في كل مدن سوريا وقراها وبلداتها وضيعها، لتكون اللبننة هي السيناريو الأخير في محاولات البقاء اليائسة، كي يبقى النظام ضمن فوضى متناثرة تُسقط سوريا ولكنها تبقي على بقايا النظام”.

وأضفت في مقالة أخرى في فبراير (شباط) من العام نفسه أن نظام بشار يعمل على “تدبير الأمور ضمن سيناريو فوضى يراهن على أن يكون أكبر لاعبيه داخل سوريا، بتعبئة الأقليات من العلويين والمسيحيين والدروز وتخويفهم من بعبع السنّة القادمين لذبحهم”.

إن ما جرى في سوريا لا يمكن تبريره تحت أي مبرر، وعلى الحكومة السورية الانتقالية برئاسة أحمد الشرع أن تعمل بحزم وفق ما وعدت به، سوريا لكل السوريين ومحاسبة العناصر المجرمة حتى لو كانت من فصائل مقربة منه ومن “هيئة تحرير الشام”، وليبدأ السيد الشرع بتفكيك وطرد العناصر غير السورية مثل “أنصار الإسلام الكردية” و”أجناد القوقاز الشيشانية” و”الحزب الإسلامي التركستاني” القادم من جمهوريات وسط آسيا.

إن إعادة الظلم هو إعادة لنظام الأسد، فمعارضة نظام الأسد من قبل شعبه ومساندتهم من قوى الخير في كل مكان كان معارضة للظلم والقهر والقتل والطغيان والقتل الطائفي، واستنساخ ممارسات شبيحة الأسد بصيحات مختلفة لا يغير من بشاعتها ولا من “أسديتها” وإن اختلفت طوائف الشبيحة والقتلة هذه المرة.

وليست كل الأخبار الواردة من سوريا هذه الأيام دامية ومخزية، فقد جاء توقيع قوات سوريا الديمقراطية (قسد) الكردية بقيادة مظلوم عبدي مع الحكومة السورية في دمشق برئاسة أحمد الشرع لانضواء “قسد” تحت الدولة السورية مبشراً بأمل توحيد سوريا ثانية، ولملمة جراح التشرذم الذي عاشته طوال سنوات البطش والطغيان على مدى 14 عاماً، وتسليم المناطق الشرقية الشمالية التي تسيطر عليها “قسد” للدولة المركزية في دمشق، ولعل هذا الاتفاق التاريخي يهدئ النفوس ويطمئن الناس ويبعث فيهم روح الأمل بمستقبل أفضل لسوريا الجديدة، لكن الأهم من كل التواقيع هو قطع الطريق على عودة الأسد عبر الضرب بحديد على الممارسات “الأسدية” الطائفية المقيتة بكل أنواعها.

——————————

مجازر العلويين والخيارات الممكنة/ وليد فارس

في سوريا مجموعات أخرى تختلف عن بعضها بعضاً على الصعد اللغوية والدينية والطائفية والقومية

الجمعة 14 مارس 2025 1:39

المعادلة الآن، لا سيما بعد الاتفاق الذي تم بين “قسد” و”هيئة تحرير الشام” تمكين الدولة السورية الجديدة لكي تخرج من الحرب وتنطلق إلى النهوض الاقتصادي، إلا أن الجرح الذي فتح في اللاذقية وبانياس وطرطوس لا بد من أن يأتي أحد لتضميده.

خلال الأسبوع الماضي برزت عناوين صادمة في الصحافتين العربية والدولية حول تطور هائل في صوره ومحزن في وقائعه وصعب في حلوله، تمثل في مجموعة الأحداث الأمنية التي وقعت بمنطقة الساحل السوري وأهمها وأخطرها ما جرى تداوله عن قتل جماعي كبير من العائلات العلوية.

وأعلنت الأمم المتحدة أنها وثقت مقتل 1000 مواطن حتى الآن ورجح عدد من الهيئات غير الحكومية ارتفاع الأرقام المنتظرة إلى آلاف، إلا أن ذلك لن يحسم قبل مرور أشهر أو أكثر حتى صدور أي تقرير مفصل عن جهات دولية.

سلطات “هيئة تحرير الشام” في دمشق أوضحت أن هدف العملية الأمنية كان استئصال “فلول قوات الأسد” المتهمة بشن عمليات عسكرية ضد قوات الأمن والشرطة، وردت المعارضة العلوية أن لا علاقة بين أي شبكة من جنود سابقين في الجيش العربي السوري وأهالي الساحل العلويين، وتستمر الاتهامات والاتهامات المضادة حتى الآن. والأسئلة كثيرة ماذا حدث بالفعل؟ لماذا يحدث؟ وكيف يمكن إصلاح الأمور؟

على ضوء ما يجري في تلك المنطقة الواقعة على ساحل البحر الأبيض المتوسط سنستعرض الوقائع والاحتمالات والسيناريوهات، لذا سنتطرق في هذه المقالة وبسرعة إلى وضع الطائفة العلوية بعد سقوط نظام بشار الأسد نهاية العام الماضي وإلى أين هي ذاهبة.

أولاً في بعض الوقائع المبسطة ولكنها معروفة أن في وسط البلاد أكثرية من الطائفة العربية السنّية، الموجودة أيضاً في بادية الشام وتشكل الأكثرية في العاصمة دمشق والمدن السورية الكبرى من حلب إلى حمص إلى حماة. ويمتد الوجود العربي السنّي إلى كامل أنحاء البلاد، بما فيها المناطق التي تضم أقليات إثنية ودينية.

وفي سوريا أيضاً مجموعات أخرى تختلف عن بعضها بعضاً على الصعد اللغوية والدينية والطائفية والقومية، وباختصار هناك إجماع على أن ثمة منطقة في شمال شرقي البلاد ضمن المثلث الواقع بين تركيا والعراق وسوريا يعيش فيها مجتمع كردي يمتد من شرق البلاد حتى منطقة عفرين على الحدود التركية- السورية ولها لغتها الكردية الخاصة ولها هويتها وتاريخها.

وشاءت الظروف التاريخية أن تكون الطائفة الكردية موجودة في شمال البلاد وشمال شرقها، بينما يتوزع الأكراد على مناطق متاخمة في العراق وتركيا وإيران. أما في شمال غربي البلاد، لا سيما في الجبال المتاخمة للساحل ومدنه، فهناك الطائفة العلوية وهي عربية إثنياً ولكنها منبثقة في المعتقد والتاريخ من المذهب الشيعي والعلويون قطنوا في تلك المناطق منذ قرون عدة وشكلوا مجتمعاً خاصاً بهم. أما في جنوب البلاد ما بين دمشق والحدود الإسرائيلية واللبنانية، فهناك طائفة أخرى هي الدروز التي لها خصائصها أيضاً والتي عاشت في تلك النواحي منذ قرون. أما المسيحيون فهم ربما أقدم الطوائف السورية وينتشرون في مناطق عدة، فهناك الآشوريون والسريان في منطقة الحسكة والخابور وهناك سريان وادي النصارى جنوب منطقة العلويين وهناك كتلة مسيحية داخل مناطق الدروز بين دمشق والجولان وهناك بالطبع أحياء مسيحية كاملة في دمشق قد تكون الأكثر عدداً لدى مسيحيي سوريا.

عندما اندلعت الحرب الأهلية في سوريا عام 2011 تميزت منطقه الشمال الشرقي حيث وجود الأكراد الكثيف والمسيحيين وعرب سنّة بقيام إدارة ذاتية حتى انتهاء الحرب وتطورت الإدارة للتحول إلى منطقة واسعة جداً تحت سلطة “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) وحصلت على الحماية الأميركية بسبب الحملة ضد تنظيم “داعش”.

وعندما انفجر الصراع بين “داعش” والسلطة السورية لنظام الأسد في معظم مناطق البلاد من شمالها إلى وسطها إلى قرب العاصمة والجنوب، بقيت منطقة واحدة سالمة هي منطقة جبال العلويين والساحل في الشمال الغربي حيث عاشت هذه الطائفة ومواطنون من الطوائف الأخرى بمن فيهم السنة والمسيحيون بسلام نسبي في الحرب.

أما بعد أن سقط الجيش العربي السوري بسرعة في ديسمبر (كانون الأول) عام 2024 وهرب رئيس النظام بشار الأسد وسقطت المؤسسات بسرعة بين يدي “هيئة تحرير الشام”، فتغيرت الأمور وبدا وكأن الغيوم السوداء تتجمع فوق مناطق العلويين، ولكن ذلك لم يحدث بسرعة. فهل النظام الجديد أخذ وقته لكي يحصل على حد أدنى من الاعترافات الإقليمية والدولية التي مدت له جسوراً بهدف أن يكون عادلاً بين كل المجموعات السورية وأن يضع حداً للخروقات وألا يتخذ محولاً بين المحاور العربية.

المجموعة الجديدة الحاكمة في الشام فرضت ضغطاً على الأكراد من ناحية الشمال وضغطاً آخر على الدروز في الجنوب “لتسليم السلاح”، إلا أن المجموعتين لم تقبلا بمدّ السيطرة المركزية العسكرية للنظام على مناطقهما لأسباب تاريخية، لذا وبعد فشل “الهيئة” بدخول مناطق الأكراد والدروز قررت القوى الحاكمة في دمشق توجهها إلى منطقة ثالثة حيث هناك رفض شعبي للنظام الجديد لكن ليست هناك قوة عسكرية لتقاومه.

وكانت أهداف السلطة الأساسية واضحة وتتمثل في الآتي:

أولاً، إخضاع المنطقة لسلطة دمشق لتثبيت “السيادة الوطنية”، أي عملياً مد سيطرة “الهيئة” على مقاطعة الساحل لتكون عبرة للمناطق الممانعة لدخول “الدولة”.

ثانياً، تفكيك مجموعات عسكرية هاربة من الجيش السابق أطلق عليها اسم “فلول النظام” أو “الجيوب الأسدية”.

ثالثاً وهو الهدف الرئيس لتحرك “الهيئة” باتجاه الساحل السوري والجبال مع تأخر دام ثلاثة أشهر، السيطرة على الساحل وعلى المرافئ.

فعبر هذا الساحل سيتمكن النظام من أن يبرز قوته في البحر الأبيض المتوسط بمساعدة تركيا وأهم ما يصبو إليه نظام “الهيئة” أن يكون لاعباً كبيراً في مخزون الطاقة العالمي، فمن المعروف جيداً أن الساحل السوري يشرف على مساحة مائية واسعه جداً يحوي قاعها احتياطات هائلة من الغاز.

وكان النظام البائد وعد شركات عدة وحلفاء في المنطقة وعلى رأسهم النظام الإسلامي في إيران بأن يكونوا شركاء في التنقيب والاستفادة، وبعد سقوط النظام ووصول القوى الإخوانية إلى السلطة كان من الطبيعي أن تعمل السلطة الجديدة على السيطرة على الساحل لوضع اليد على هذه الثروة الهائلة.

وبات هناك محور مصالح اقتصادية ومالية يسعى إلى الوصول إلى الشاطئ والسيطرة على المياه الإقليمية والمناطق الاقتصادية السورية، مما قام بالدور الأكبر في عملية محاولة سيطرة “هيئة التحرير” وحلفائها على مناطق العلويين للوصول إلى الذهب الأسود.

لكن في النظر عن الأسباب الكثيرة والمتنقلة حول دخول بعض وحدات قوات “الهيئة” إلى أطراف بلدات علوية في الشمال الغربي مما أدى إلى وقوع ضحايا، كانت أوامر مركزية بالقضاء على ما سمي “الفلول”، ولكن السبب الأهم المحتمل هو إنهاء إمكان قيام “مقاومة علوية” تطلق في الساحل مجلساً عسكرياً ينتشر في المنطقة لمصلحة إدارة ذاتية كما في روجافا والجنوب.

ومع وقوع أول أحداث دامية على أطراف المناطق العلوية، رد شباب مسلح علوي قد يكون ضمن صفوفه عسكريون في جيش النظام السابق، مما أسفر عن قتلى بين القوى المتقدمة وأعضاء من ميليشيات “الهيئة”، فشنت أجهزة النظام عملية عسكرية واسعة للدخول إلى مناطق العلويين بهدف ضرب الشبكة التي أطلق عليها اسم “فلول النظام” وتوجهت وحدات عدة من دمشق والمدن الأخرى باتجاه الساحل السوري وحصل ما حصل.

وأعلنت الأمم المتحدة ومؤسسات غير حكومية عدة أنه وقعت مجازر واسعة قالت بعض المصادر إنها سجلت ألف قتيل وبعضها قال إنها أدت إلى نحو 6000 معظمهم من المدنيين ومن بينهم نساء وأطفال وإن هذه الأحداث لا تزال تحصل.

هنا بعض النقاط الأساسية:

أولاً، منطق الدولة إذ كان من المنتظر أن تقوم قوات “الهيئة” وميليشياتها باقتحام منطقة الساحل وبلداتها، لكن السؤال هو لماذا لم يتم ذلك عبر اتفاق بل عبر عملية عسكرية؟

ثانياً، بعد حدوث هذه المجازر الدموية كيف يمكن للسلطة المركزية أن تعيد بناء الثقة مع أهالي تلك المناطق. هل هذا ممكن؟ لماذا لم تقُم السلطة بعمليات مماثلة لإعادة الوحدة مع مناطق الشمال الشرقي؟ هل لأن تلك المناطق لها قوة عسكرية على الأرض وأية محاولة تقدم ستتحول إلى حرب طاحنة؟ والمنطق نفسه ينطبق على المناطق الجنوبية حيث لمحافظة السويداء قوة عسكرية ومن ورائها الجيش الإسرائيلي.

والنقطة المهمة الأخرى أن عدداً من الدول العربية اعترفت بالسلطة الجديدة وبصورة واضحة، ولكن الأحداث الدموية في مناطق العلويين تطرح سؤالاً حول هذه العلاقات. فهل تقوم الدول التي اعترفت بسلطة دمشق بالضغط عليها لكي تطلق تحقيقاً كبيراً حول ما حدث هناك أم إنها ستمتنع عن ذلك لعدم إحراج الدولة السورية العربية؟

وثمة نقطة مهمة، إذا نظم الأهالي في المناطق العلوية احتجاجات واسعة ضد ما جرى وطلبوا تدخل قوات دولية هل هناك حكومات بإمكانها أو لديها إرادة أن تتدخل عسكرياً لحمايه العلويين؟ حتى الآن لم نرَها، ولكن ذلك أيضاً سيخلق نوعاً من التردد الدولي في التعاطي مع الدولة السورية الجديدة.

أما في ما يتعلق بإسرائيل، فصدرت بعض الأصوات من المناطق العلوية مطالبة إياها بأن تحمي العلويين كما تحمي الدروز ولكن جغرافياً لن تساعد إسرائيل عبر وصولها إلى الشمال الغربي لبعده ولوجود دولة كاملة هي لبنان.

المعادلة الآن، لا سيما بعد الاتفاق الذي تم بين “قسد” و”هيئة تحرير الشام” هي تمكين الدولة السورية الجديدة لكي تخرج من الحرب وتنطلق إلى النهوض الاقتصادي، إلا أن الجرح الذي فتح في اللاذقية وبانياس وطرطوس لا بد من أن يأتي أحد لتضميده.

كنا اقترحنا في الماضي أن تقوم السعودية برصيدها السياسي والدبلوماسي الكبير بدعوة الأطراف إلى اللقاء على أراضي المملكة والانطلاق بتصور جديد للمستقبل في سوريا، إلا أن أعمال العنف الهائلة التي حصلت على الساحل السوري قد تكون محفزاً لانطلاق مبادرة كهذه من قبل الرياض. فهل هناك أمل في أن يحصل ذلك؟

في سوريا الآن ثلاث ديناميكيات، الأولى التي بعثت ببعض الأمل ولكنه محدود هي الاتفاق بين الأكراد و”الهيئة” ومحاولة تخفيف التشنج بين الجنوب السوري ومجموعاته الدرزية والسلطة في دمشق، إلا أن نتائج ما حصل في مناطق العلويين أثرت في الأوساط الدولية لتطالب بالتحقيق بما جرى في الساحل من ناحية ومبادرات دولية وعربية قد تخفف التوتر من ناحية أخرى.

وإذ نختم هذه المقالة وقعت “قسد” و”الهيئة” على اتفاق الدمج لقواتها العسكرية، فهل سيطالب المجتمع الدولي باتفاقات مماثلة مع العلويين والدروز؟ سنرى.

——————————–

تبدّلات في المقاربة الأوروبية تجاه سوريا بعد أحداث الساحل

دبلوماسيون أوروبيون: أحداث الساحل قد تضع الإدارة السورية الجديدة في عزلة دولية

13-03-2025

        يعقد الاتحاد الأوروبي في السابع عشر من آذار (مارس) المقبل مؤتمراً للمانحين بشأن سوريا في العاصمة البلجيكية بروكسل. هذا المؤتمر الذي كان يُبحث في تفاصيله اللوجستية منذ سقوط النظام السوري، سيُبني على مخرجات مؤتمر باريس الذي انعقد في الثالث عشر من شباط (فبراير) في العاصمة الفرنسية، وهو يمثل «فرصةً من أجل مواصلة تعبئة الجهود الدولية» من أجل تشكيل «طوق أمان» لحماية مرحلة ما بعد الأسد ومرافقة السوريين في المسار الانتقالي، بحسب وصف مصادر دبلوماسية أوروبية تحدّثت إلى الجمهورية.نت.

        خلال اليومين الماضيين، خرجت إشاراتٌ وأخبارٌ متناقضة من الاتحاد الأوروبي عقب العملية العسكرية التي أطلقتها السلطات السورية المؤقتة في منطقة الساحل السوري لـ«لمحاربة فلول النظام». في البداية، نقلت وكالتا رويترز والأناضول عن مسؤولين سوريين ومصادر دبلوماسية أوروبية قولهم: «إن المفوضية الأوروبية وجهت دعوة للرئيس السوري أحمد الشرع للمشاركة في المؤتمر»، قبل أن يخرج متحدثٌ باسم الاتحاد الأوروبي ليقول إنه «لم تُوجه أيُّ دعوةٍ إلى الرئيس السوري المؤقت أحمد الشرع لحضور قمةٍ دولية لمانحي سوريا في بروكسل يوم 17 آذار (مارس)»، مبرراً ذلك بأن «الاجتماع سيُعقد على المستوى الوزاري».

        لكنّ مصادر دبلوماسية أوروبية ذكرت للجمهورية.نت أن «الفظائع التي ارتُكبت بحق العلويين في الساحل السوري» دفعت الاتحاد الأوروبي إلى تغيير رأيه بشأن دعوة الشرع لحضور المؤتمر، معتبرةً أن الأحداث الأخيرة في الساحل «تُشكّلُ جرس إنذارٍ وتُعقّد مسار المرحلة الانتقالية وجهود المجتمع الدولي في دعمها، وستضع السلطات السورية الجديدة في عزلةٍ دولية».

        المصادر أكدت أن العملية التي أطلقتها الحكومة السورية المؤقتة في مدن وقرى الساحل السوري «كانت موجهةً ضد فلول النظام» بحسب توضيحاتٍ قدّمتها السلطات السورية للجانب الأوروبي، لكنّ «التقديرات الأمنية تشير إلى أن مجموعاتٍ داخل قوات الأمن السورية والجيش حادت عن الهدف المُعلن للعملية، وارتكبت جرائم بحق مدنيين على أساسٍ طائفي». وفي هذا السياق، قالت مصادر دبلوماسية الجمهورية: «يبدو أن أحمد الشرع لا يُسيطر على أجهزة الأمن السورية ووحداتٍ في الجيش الذي أعلن عن حصر السلاح بيده، وهذا يُرسل إشاراتٍ سيئة للمجتمع الدولي ويهدم الخطوات الإيجابية التي قامت بها السلطات الانتقالية في دمشق خلال الفترة السابقة، والتي قدّمت خطواتِ حسن نية، خصوصاً ما يتعلق باستقبال وفد من منظمة حظر السلاح الكيميائي قبل انطلاق مؤتمر باريس، حيث تعهّدت دمشق أمام رئيس المنظمة بأن تبدأ الفرق التابعة لها بالعمل على تفكيك الترسانة السورية من هذه الأسلحة أو ما تبقى منها».

        وعلّقت المصادر الدبلوماسية في حديثها مع الجمهورية.نت على الاتفاق الذي وقعه، قبل يومين، الرئيس السوري خلال المرحلة الانتقالية وقائد قوات سوريا الديموقراطية بأنه «كان جيداً، لكنه مجرد البداية»، وأشارت المصادر إلى أن السلطات المؤقتة «أقدمت عليه من دون تغيير في المطالب الكردية، وأن ذلك يمكن فهمه في سياق تنازلٍ أراد الشرع تقديمه لتطويق ما حدث في الساحل». وترى المصادر الدبلوماسية وجوب حدوث اتفاقٍ مشابه مع الدروز في جنوب سوريا. ويجد بالذكر أن ضغوطاً أميركية وأوروبية على الطرفين كانت مستمرةً قبل توقيع الاتفاق من أجل التوصّل إلى إلى اتفاقٍ يسمح بدمج المقاتلين الأكراد في الدولة الجديدة.

        وتعتبر المصادر أن مؤتمر المانحين الذي سينعقد في بروكسل تحت صيغة بروكسل 9 سيكون حاسماً في هذه المرحلة من أجل «التعافي الاقتصادي في سوريا»، لكنّ ذلك سيكون مشروطاً «بإحراز تقدّمٍ في قضايا العدالة الانتقالية ومكافحة الإرهاب وإشراك جميع مكونات المجتمع السوري، باختلاف طوائفهم وقومياتهم، في بناء مستقبل البلاد. هذه المسألة تعهّدَ بها وزير الخارجية أسعد الشيباني خلال مؤتمر باريس، لكن لم نرَ أيَّ خطواتٍ حقيقية تجاه هذه المسألة».

        تغيّرُ نبرة الأوروبيين في الحديث عن سوريا بدا واضحاً بعد ما حدث في الساحل، حيث أثيرت مسألة رفع العقوبات عن سوريا خلال اجتماعٍ للمجلس الوزاري الفرنسي عُقِدَ في قصر الإليزيه يوم أمس الأربعاء، وكذلك تمّ وضع سوريا في قائمة الجهات التي تشكل تهديداً إرهابياً في المنطقة «يمسُّ المصالح الفرنسية» بحسب مذكرةٍ للحكومة الفرنسية اطلعت عليها الجمهورية،نت. وجاء في المذكرة: «في الآونة الأخيرة، وبعد عدم تسجيل أيّ هجومٍ إرهابي خلال فترة 18 شهراً، ارتفع مستوى التهديد فجأةً منذ أكتوبر 2023 مع استئناف الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، ثم السقوط الأخير للنظام السوري، والذي عزّزَ حالة عدم الاستقرار الجيوسياسي الإقليمي». وأضافت المذكرة، وهي إحاطةٌ قدّمها وزير الداخلية الفرنسي بناءً على ما ترصده أجهزة الاستخبارات الفرنسية، إنّ حالة عدم الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط «ترفع من مستوى التهديد الداخلي في فرنسا. هناك أفرادٌ متعاطفون مع القضية الجهادية، وغالباً ما يكونون من الشبّان صغار السن. هؤلاء رغم أنهم بعيدون عن الحركة المتطرفة التقليدية (..) إلا أنه يتم تجنيدهم عبر الإنترنت».

        أما في ما يخص دعوة الشرع إلى زيارة فرنسا، تقول المصادر الدبلوماسية الجمهورية.نت: «إن الإليزيه لم يقترح تاريخاً مُحدّداً للزيارة بعد على الجانب السوري، لكنّ أحداث الساحل ستدفع باتجاه تأجيل هذه المسألة حتى تظهر نتائج التحقيقات التي تجريها اللجنة التي شكّلتها السلطات المؤقتة في دمشق». وفي هذا السياق، قال الوزير المنتدب للشؤون الفرانكوفونية خلال جلسةٍ في مجلس الشيوخ الفرنسي، أمس الأربعاء: «لقد صدمتنا الصور التي لا تُطاق في سوريا (..) ما حدث هو جرائم غير مقبولة نُدينها بكل حزم. كلُّ المتورطين يجب أن يُحاكموا. كل المتورطين يجب أن يُعاقبوا». وأضاف: «إذا ظلت الفظائع التي قتلت أكثر من ألف مدني في غرب ووسط البلاد في الأيام الأخيرة من دون عقاب، فلا شك أننا لن نكون قادرين على قبول رفع العقوبات مرة أخرى». حديث الوزير الفرنسي كان مناسبةً لفتح نقاشٍ داخل مجلس الشيوخ شارك به آخرون، حيث قالت ممثلة الحزب الجمهوري ڤاليري بويه: «لا تزال الأقليات في خطرٍ مميت. دعونا لا نكون شهوداً صامتين على  عمليات الإبادة الجماعية مرة أخرى».

موقع الجمهورية

————————-

الرئيس الشرع في مواجهة الامتحان الأصعب/ عبد القادر المنلا

2025.03.14

لا يزال اللصوص والقتلة من بقايا فلول الأسد يحلمون باستعادة السلطة المافيوية التي أسست لها عصابة آل الأسد، وأتاحت لهم الفرصة ليعيشوا شهر عسل استمر لأكثر من خمسين عاماً، استطاعوا خلالها نهب سوريا والسوريين، وإفقارهم، وإذلالهم، والتكسب على حساب حقوقهم في العيش بكرامة، أو حتى بالحدود الدنيا من الكرامة.

لم يستوعب اللصوص أنهم لم يعودوا قادرين على النهب والقتل والتسلط، ولم يستوعبوا أن يتحولوا إلى مواطنين عاديين بعد أن عاشوا لعقود يعتقدون بأنهم سادة على غيرهم، وأن السوريين مجرد عبيد لهم وخدم عندهم.

وبعد سقوط النظام، هرب الكثير منهم إلى خارج القطر، وتوارى بعضهم في الداخل السوري متخفين بجناحي حمامة سلام ووداعة. وبعد أن ضمنوا سلامتهم، استفاقت شهوة السلطة لديهم من جديد، وبدؤوا بالاتفاق مع الهاربين خارج القطر، يخططون للعودة من بوابة بعض التجاوزات والأخطاء، التي لم تكن في البداية سوى بعض الإهانات اللفظية والملاسنات الكلامية التي وجهها أفراد غير منضبطين للمواطنين، وتحديداً من الطائفة العلوية، مما أثار تذمراً لدى هؤلاء المواطنين.

ولكن فلول العصابة استخدموا تلك الأخطاء ذريعة للتحريض ضد الإدارة الجديدة، ومن ثم إشعال ثورة مضادة بقيادة اللصوص والقتلة أنفسهم، إلى أن تطورت الأحداث على النحو الذي آلت إليه في الأيام السابقة.

زجّت الفلولُ سوريا في مأزق أدى إلى منعطف حاد وخطير للغاية، من شأنه أن يدمر أحلام السوريين بمستقبلهم، الذي كان وجود الأسد عائقاً أمام تحقيقه.

وبعد رحيل الأسد، تبين أن عملية إسقاط النظام لم تكن متكاملة وكافية لإزاحة ذلك العائق، وكان لا بد من اقتلاع النظام من جذوره قبل الإعلان عن ولادة الدولة الجديدة.

وقد بات واضحاً بعد سلسلة الأحداث الأخيرة في الساحل السوري والمشهد الميداني المعقد، أن الرئيس أحمد الشرع يقف في مواجهة أصعب امتحان قبل أن يكمل ثلاثة أشهر من توليه منصب رئيس الجمهورية. فإلى جانب ملف “قسد” وتهديدات إسرائيل ومحاولاتها زرع الفتنة بين السوريين، والوضع الاقتصادي الصعب، والعقوبات التي لا تزال مفروضة على سوريا رغم سقوط المجرم الذي تسبب بفرضها، تأتي قضية الفلول لتزيد المشهد تعقيداً، وتجرّ القيادة الجديدة إلى استخدام السلاح من جديد ضد تلك الفلول. ولكن استخدام السلاح سيضع الدولة باستمرار في موقع الدفاع عن قرارها، ولا سيما في ضوء التشكيك والإشاعات والاتهامات التي تنتشر كالنار في الهشيم، ويستغلها الفلول لبناء مظلومية عليها.

غير أن الامتحان الأصعب يأتي من بعض الفصائل أو بعض الأفراد المحسوبين عليها، والمنتمين إلى الإدارة الجديدة، الذين يرتكبون انتهاكات تم الاعتراف بها رسمياً من قبل الحكومة. والمشكلة الأخطر ليست في نشر فيديوهات عن تلك الانتهاكات فحسب، بل في تبنّيها والافتخار بها من قبل مرتكبيها، وتصديرها على أنها أعمال بطولية. صحيح أن ثمة الكثير من التلفيق والمبالغة والفبركة، ولكن لا يمكن نفي الأصل الذي تستند إليه الفلول في تضخيمه، مما يضع القيادة في حرج شديد، ويمتحن قدرتها على معالجة هذه القضية، بحيث تصل إلى تحقيق العدالة التي وُعد الشعب السوري بها بجميع أطيافه. وتلك مهمة شديدة الدقة والتعقيد، في ظل الاضطرابات السائدة وضياع جزء كبير من الحقيقة وسط أصوات الرصاص وصوت الشائعات التي لا تتوقف.

وإذا أردنا أن نضع الأمور في نصابها الصحيح، فلا بد من التأكيد على أن ما فعلته فلول النظام والمحرضون التابعون لهم، كان السبب الأساسي لتداعيات الأحداث التي وصلت إلى حالة التصعيد الأخيرة والنتائج الكارثية التي ترتبت عليها. فقد فسّرت تلك الفلول حالة التسامح التي أبدتها الحكومة الجديدة بالضعف، ووجدت فيها فرصة استثنائية لمحاولة استعادة السلطة التي فقدتها.

كانت المحاولة تهدف إلى الإطاحة بالدولة الجديدة في حال نجاحها، وفي حال فشلها، فهي ستنجح في إثارة الفوضى بالحد الأدنى، نكايةً بالسوريين وثورتهم ونصرهم. فالفلول هم ذاتهم أصحاب مقولة “الأسد أو نحرق البلد”، هؤلاء هم مشعلو الحرائق الذين لم يرتووا من حرائق الأعوام الأربعة عشر السابقة، ولا يزالون مصرين على حرق ما تبقى، وحرق مكتسبات الشعب، وحرق مستقبله.

في هذا السياق، لا بد من التذكير بأن تلك الانتهاكات لبعض الفصائل أو الأفراد المحسوبين على الدولة، ستقدم خدمة كبيرة لفلول النظام وروايتهم وأجندتهم، وستشارك في إرباك المشهد وتعقيد مهمة الدولة فيما يتعلق بقضية السلم الأهلي.

لقد بات الاستقطاب والتحريض عنوانين أساسيين للمرحلة الحالية، وبدأت الفجوة تتسع بين الدولة السورية والكثير من أبناء الطائفة العلوية. وقد ظهر الرئيس الشرع في خطابين، يعيد من خلالهما التأكيد على السلم الأهلي، ومحاسبة مرتكبي الانتهاكات، وتشكيل لجان عليا للمتابعة، وهذا هو بالضبط ما ينتظره السوريون. ولكن ترجمة تلك الأقوال إلى واقع وبأسرع وقت ممكن، هو ما سيقطع الطريق على الفلول ومناصريهم وداعميهم. وهنا، تبدو محاسبة مرتكبي الانتهاكات لا تقل أهمية عن ملاحقة الفلول، وأي تأخر في وقف الانتهاكات التي تتم ضد المدنيين الأبرياء من الطائفة العلوية وغيرها من المكونات السورية، سيلعب دوراً كبيراً في صب المزيد من النار على الزيت، وسيعرض مصداقية الرئيس للتشكيك، رغم كل ما أبداه من توازن وعدل وخطاب وطني واعٍ وحريص.

حين بدأ التحرك نحو حلب في العملية التي أطلق عليها “ردع العدوان”، لم يكن الكثيرون يعلمون من هم إدارة العمليات العسكرية. وسرعان ما تم الكشف عن أفراد تلك الإدارة وقيادتها، ليتضح أنها هيئة تحرير الشام ذاتها، التي لم يكن السوريون حينها يثقون بوطنيتها، ويعدونها مشروعاً إسلامياً بحتاً. الأمر الذي لم يجعلهم متحمسين لتلك العملية، بسبب خوفهم من فتح جبهة طاحنة مع قوات النظام وحلفائها من الإيرانيين والروس، وعودة الحرب التي لا يعرف أحد كم ستستغرق، ولا إلى متى قد تدوم، بكل ما تحمله من نتائج كارثية.

ومع نجاح إدارة العمليات بتحرير حلب دون دماء، ومن ثم تقدمها إلى حماة فحمص، إلى أن وصلت إلى دمشق، باتت الهيئة تحتل موقعاً مختلفاً تماماً في وجدان السوريين. ومع دخولها إلى الساحل السوري دون انتقام أو ثأر، ازدادت ثقة السوريين بالإدارة، وباتت ليست المخلص فحسب، بل أيضاً الجهة الضامنة للعدالة واللحمة الوطنية. وبدأ النظر إلى الشرع على أنه البطل المحرر، والقادر على منع أنهار الدم والمذابح بحق العلويين، التي كانت متوقعة في حال سقوط النظام. وقد اعتبر السوريون دخول الساحل بلا دماء معجزة لا تقل شأناً عن معجزة التحرير.

لم يتأخر الرئيس بالخروج بعد سلسلة الأحداث الدامية، وقام بخطوات هامة تمثل المنهج النظري للحل، ولكن الاختبار الهام يكمن في آلية تطبيق هذا المنهج. فالمطلوب اليوم هو سرعة محاسبة مرتكبي الانتهاكات، والتي يجب أن تكون متوازية مع محاربة الفلول، وربما يجب إعطاؤها الأولوية، لأن ما يفعله مرتكبو الانتهاكات يمثل الأرضية الخصبة للفلول في استقطاب وتعبئة الشارع العلوي، وتجييشه، وتحريضه ضد إدارة الشرع.

لقد خرج الأسد بعد اندلاع الثورة يبحث عن مبررات لقتل المتظاهرين والثوار، وتظاهر بأنه يفعل ما يمليه عليه واجبه الوطني. وربما كان طرحه النظري حينها مقبولاً دولياً ومحلياً، ولكن أفعاله كانت تناقض خطابه. لا يمكن للإدارة الجديدة بحال من الأحوال أن تتشابه من قريب أو بعيد مع الأسد في الطريقة والنتائج. واليوم، تتجه أنظار السوريين للرئيس الشرع، منتظرةً خطوات وإجراءات عاجلة وعادلة وصارمة بحق المخربين جميعاً، وعلى رأسهم مرتكبو الانتهاكات.

تلفزيون سوريا

——————————-

أسبوع على الخميس الأسود.. دمار المنازل وانهيار مقومات الحياة في ريف الساحل/ وائل قيس

14 مارس 2025

مضى أسبوع كامل على ارتكاب مجازر قتل جماعية على أساس طائفي في الساحل السوري. أسبوع قاس على حملة تجييش طائفي متبادلة بين مجموعة مسلحة يقودها ضباط موالون لنظام الرئيس المخلوع بشار الأسد من طرف، ومؤيدي السلطات السورية من طرف آخر، مما أدى إلى انفجار أكبر موجة عنف في البلاد منذ الثامن من كانون الأول/ديسمبر الماضي، تحمّل وزرها المدنيون من أبناء الطائفة العلوية، وصار يُعرف بـ”الخميس الأسود” بين السوريين.

ورغم تأكيد الأمن العام، بالإضافة إلى وزارة الدفاع ومسؤولي الحكومة الانتقالية، على عودة الأمان إلى مدن اللاذقية وطرطوس وجبلة، وبالمثل، رغم تأكيد الرئيس السوري، أحمد الشرع، أنه ستتم جميع المتورطين بانتهاكات ضد المدنيين العزل في مدن وقرى الساحل السوري؛ إلا أن مقاطع الفيديو المنتشرة على منصات التواصل الاجتماعي، بالإضافة إلى شهادات السكان المحليين ونشطاء مدنيين تحدثوا لموقع “الترا سوريا”، تؤكد أن عمليات القتل ذات البعد الطائفي متواصلة، لكن بشكل أقل انخفاضًا في قرى ريف الساحل، فيما تغيب أدنى مقومات الحياة، وسط مخاوف من تكرار ما حصل في “الخميس الأسود”

تعفيش للمحال وسرقة للسيارات

تؤكد كاتبة من مدينة بانياس تحدثت لـ”الترا سوريا”، شريطة عدم الكشف عن هويتها خوفًا من الانتقام، أنه تم إحراق النسبة الأكبر من المحال التجارية، بعد تعفيش ما يمكن نهبه، وأضافت أنه عُثر على أربع جثث متفحمة بجوار سيارة أجرة أُضرمت فيها النيران.

وأضافت الكاتبة أن عمليات النهب كانت ممنهجة، حيث استُهدفت جميع المحال التجارية، خاصة تلك التي تبيع بالجملة. وتم سرقة جميع السيارات في المدينة، إذ كان يُجبر أصحابها على تسليم المفاتيح قبل أن تُؤخذ بالقوة، مشيرة إلى أن قوى الأمن العام لم تؤمن وسائل نقل لإجلاء المدنيين إلا بعد 36 ساعة، حيث نُقل بعضهم إلى المساكن المؤقتة وسط انقطاع الكهرباء والمياه في معظم المناطق.

ولفتت الكاتبة إلى عودة بعض الخدمات الأساسية في بعض الأحياء، لكن المساعدات الإنسانية التي وُزعت في المساكن لم تغطِ ربع المحتاجين، بينما اعتمد سكان القرى على مبادرات فردية من الأهالي لتأمين المساعدات الأساسية.

الحرائق تجتاح جبال الساحل

من جانبه، اعتبر الناشط السياسي، حسان غ. أحمد، في حديثه لـ”الترا سوريا” أن “السلطة في دمشق تواصل نهجها الانتقامي، بعيدًا عن أي توجه للعدالة الانتقالية”، لافتًا إلى أنه “على الرغم من إعلان وزارة الدفاع السورية في الثامن من آذار/مارس عن وقف العملية العسكرية في الساحل السوري، بالإضافة إلى إعلان انتهاء العمليات العسكرية في العاشر من الشهر ذاته، إلا أن العنف لم يتوقف، حيث استمرت حالات القتل والتصعيد حتى الـ11 من آذار/مارس، مع بقاء أعداد كبيرة من القوات العسكرية في المنطقة”.

وأوضح أحمد: “رغم أن الأمور أصبحت تميل نحو الاستقرار أكثر في المناطق الريفية السورية من ناحية تسجيل الوفيات، إلا أن العمليات الانتقامية تطورت من التصفية المباشرة إلى إشعال النيران في الجبال والأراضي الزراعية، التي تعد مصدر رزق أساسي لسكان الريف العلوي”، موضحًا أن “حالات القتل لم توقف تمامًا، لكن الكثافة قد انخفضت بشكل واضح، مع انخفاض إضافي في الفيديوهات التي توثق هذه العمليات الانتقامية”.

وبحسب أحمد، تم تسجيل انتشار واسع للحرائق في جبال القرداحة، وقرفيص، والحفة، وجبل المولى حسن في طرطوس، إضافة إلى حرائق جديدة في صلنفة وصافيتا منذ يوم 13 آذار/مارس الجاري. وأشار إلى “شهادات السكان تربط بشكل مباشر بين إطلاق نيران من مدافع 23 ملم واندلاع الحرائق، حيث تبدأ النيران بالاشتعال بعد سماع أصوات إطلاق النار بدقائق معدودة، مما يعزز فرضية تعمد إشعالها لإبادة الأراضي الزراعية”.

ووصف أحمد الوضع الإنساني بأنه “شديد السوء على طول الخط الساحلي في طرطوس واللاذقية، بالإضافة إلى حماة”، حيث “تعاني عشرات العائلات المهجّرة بعد تدمير منازلها حرقًا أو تفجيرًا. كما يفتقر المتضررون إلى المياه، الغذاء، والدواء، وسط غياب أي استجابة رسمية، مما دفع الأهالي إلى تنظيم قوافل مساعدات أهلية”.

وأوضح أن “المستشفيات في بانياس، والقدموس، وجبلة، والقرداحة تعاني من نقص حاد في الكوادر الطبية، نتيجة قرارات تسريح تعسفية، والتي لا تزال تصدر حتى الآن في مختلف المؤسسات الحكومية”.

ووفقًا لأحمد، فإن “التغطية الإعلامية قد تم التلاعب بها، حيث عمل بعض وسائل الإعلام على تحريف الحقائق ووصف الضحايا بأنهم: فلول النظام”، فضلًا عن منع الصحافة الدولية من دخول المنطقة، وأضاف أنه “لا يزال العديد من العائلات مختبئة في الجبال دون كهرباء أو تغطية شبكة الاتصالات، مما يعوق إمكانية توثيق الانتهاكات بشكل مباشر”، لافتًا إلى الجهد الذي يبذله النشطاء لكشف الانتهاكات من خلال التواصل مع الشبكات الإعلامية.

تصعيد مستمر وتعتيم إعلامي متعمد

وفي المقابل، أكد مصدر أهلي لـ”الترا سوريا” أن “حالات القتل الفردية لا تزال مستمرة في مناطق مختلفة من الريف السوري، حيث تم اغتيال مختار قرية الميدان في ريف القدموس، إلى جانب حالات اختفاء شبان على الحواجز”. كما أشار إلى أن “استمرار الاعتداءات اللفظية والجسدية، خاصة ضد الأشخاص الذين أجروا تسويات أمنية ويحملون بطاقات تسوية بدلًا من بطاقات مدنية”.

وأوضح المصدر الأهلي أن “الأوضاع الخدمية متردية للغاية، حيث لا تزال الجهود الإغاثية مقتصرة على مبادرات تطوعية من الأهالي، وسط غياب تام لأي دعم حكومي أو مساعدات رسمية”. كما لفت إلى أن السكان في المناطق المنكوبة ينقسمون إلى ثلاث فئات:

    فقدت منازلها بالكامل بعد نهبها وإحراقها، وهي الآن دون مأوى، إذ لم يتم إنشاء أي مراكز إيواء رسمية.

    تضررت مصادر رزقها بعد تدمير المحلات التجارية وحرق الأراضي الزراعية، مما جعلهم دون أي مصدر دخل.

    تعاني من انقطاع الخدمات الأساسية كالمياه والكهرباء، خاصة في قرى بارمايا والمزيرعة، مع صعوبة الوصول إلى الغذاء والدواء رغم الجهود المحلية.

ولفت المصدر الأهلي المصدر إلى أن “الحرائق التي اجتاحت المنطقة تمت السيطرة عليها بمساعدة عناصر الأمن العام، لكن شهادات السكان تؤكد أن معظمها مفتعل، حيث اندلع أحد الحرائق في القدموس بعد إطلاق نار من حاجز قرية السعداني”.

وانتقد التعاطي الإعلامي مع الانتهاكات التي يشهدها ريف الساحل السوري، معتبرًا أن “التغطية الإعلامية لا تزال تركز على المدن الكبرى، بينما يعاني الريف من تعتيم شبه كامل، باستثناء بعض الحالات التي برزت على وسائل التواصل الاجتماعي”، وأكد على أن “هناك محاولات لترويج صورة زائفة عن عودة الحياة إلى طبيعتها، حيث تم إجبار الموظفين على الدوام رغم قلة المواصلات”، مشددًا على أن “السماح بوصول صحافة مستقلة هو الحل الأمثل لنقل الصورة الحقيقية”.

“هل نحن أمام كتالوغ يُعاد استنساخه؟”

وقال ناشط مدني تحدث لـ”الترا سوريا”، شريطة عدم الكشف عن هويته، إن “الخدمات سيئة جدًا في مدن وأرياف الساحل، حيثُ تحاول منظمات الإغاثة إيصال المساعدات إلى العائلات التي حُرقت منازلها، بينما لم يستطع سكان اللاذقية الوصول إلى القرى نفسها لمساعدة العائلات المتضررة”، لافتًا إلى أن “آلاف الأشخاص يحتاجون إلى مساعدات إنسانية عاجلة، لعدم امتلاكهم المال اللازم لسد هذه الاحتياجات بعد أن فقدوا مصدر رزقهم الوحيد”.  

وأوضح الناشط المدني أن أبرز التطورات في الوقت الراهن هو “انسحاب الفصائل والمجموعات المدنية من الساحل السوري بعد ارتكاب مجازر بحق مئات العائلات لا دخل لهم بالأحداث التي جرت في السادس من آذار/مارس الجاري، وما بعده”، لافتًا إلى أن “حالة من الخوف تسود بين الأهالي من أن تتم إعادة هذه الأحداث بحجج أخرى”، متسائلًا: “إن كان ما حصل مرتبط بتحميل الطائفة العلوية الجرائم التي ارتكبها نظام بشار الأسد”.

وأشار إلى أن “الأهالي عادة إلى بيوتها، وذلك بعد اندلاع حرائق غرائبية في الأحراش”، وأكد أن الحرائق تراجعت حدتها في القرداحة بعد تدخل فرق الدفاع المدني. وأوضح أن “شهادات السكان المحليين، تؤكد أن المتهم الأول بارتكاب المجازر والانتهاكات، باستثناء قوى الأمن العام، هو الفصائل التي قدمت إلى الساحل السوري”، وحدد بالاسم فصيلي “الحمزات والعمشات”.

وختم الناشط المدني حديثه بالإشارة إلى أن لجنة تقصي الحقائق التي شُكلت للتحقيق بما حصل في السادس من الشهر الجاري “لم تضم في عضويتها أي أطراف محايدة”، متسائلًا: “هل نحن أمام كتالوغ يُعاد استنساخه؟”، منهيًا حديثه بالقول: “كأن هذه الثورة التي دفع ثمنها الشعب السوري 14 عامًا ذهبت هباءً”.

الترا سوريا

——————————

محنة الساحل السوري… كيف سقط الإعلام التقليدي في فخّ المزايدة والتحريض؟/ جعفر مشهدية

الجمعة 14 مارس 2025

شكّلت أحداث ما يُعرف إعلامياً بـ”فتنة الساحل”، أحداث العنف التي راح ضحيتها مئات المدنيين وغالبيتهم من أبناء الطائفة العلوية في مدن الساحل السوري وقراه، عقب هجمات متزامنة ومدبّرة من ضباط في جيش النظام السوري الساقط على نقاط ومراكز أمنية عدة هناك، ومقتل وإصابة عدد من منتسبي الأمن العام، اختباراً حقيقياً لـ”سوريا الجديدة” على أكثر من صعيد، بما فيها الإعلام الرسمي -الموالي للسلطة الحالية- والإعلام المستقلّ.

على ما يبدو، خذل الإعلام الرسمي السوريين من جديد، فيما لم ينجح الإعلام “المعارض” أو “المستقلّ” في نقل الأحداث بموضوعية ودقة إذ تأثّر بانحيازات القائمين عليه، وأحياناً بالمخاوف من التعرّض للهجوم من الموالين للسلطة الحالية والداعمين لسياساتها.

في هذا التقرير، نرصد كيف تعامل الإعلام السوري، والعربي، مع أحداث الساحل الأخيرة، وما هي دلالات ذلك على واقع الإعلام السوري ومستقبله؟ ومتى يمكن أن يصبح لدى السوريين إعلام رسمي يعبّر عنهم لا عمّا تريده السلطة فحسب؟

“خطاب كراهية في كل مكان”

كان لافتاً خلال تغطية أحداث الساحل الأخيرة، وقوع الإعلام الرسمي للإدارة الجديدة، أو ذاك الموالي لها من بين وسائل الإعلام الخاصة أو المستقلّة، في مأزق وجهة النظر الواحدة التي لطالما عكسها “الإعلام الأسدي”، وقد وقع عن قصد أو غير قصد في فخّ التحريض والتعتيم والانحياز للسلطة دون أي تناول لمخاوف الناس في مناطق الساحل بشكل حقيقي ومتوازن.

فعلى سبيل المثال، ركّزت تغطية وكالة الإعلام العربية السورية للأنباء “سانا”، للأحداث، في تقاريرها المرئية والمكتوبة، على ترسيخ مصطلح “فلول النظام”، في محاولة لتثبيت أنّ ما يجري في الساحل هو صراع محصور بين المؤسسة العسكرية الحالية للدولة في مواجهة عسكر تابعين للنظام السابق، مع تسليط الضوء على “استشهاد عناصر الأمن العام”، وإظهار أنّ القتلى الآخرين من “الفلول” حصراً، مُهملةً بذلك الجانب المتعلق بالانتهاكات الكبيرة التي نفّذتها فصائل موالية للسلطة بحقّ مدنيين عُزّل.

أما الإعلام السوري الخاص، الذي ارتبط بمعارضة النظام السابق وكان صوت السوريين/ ات في فترات سابقة، مثل “تلفزيون سوريا” الذي استمرّ في تبنّي السردية نفسها، مع التعمّق في إظهار أنّ هناك حرباً إعلاميةً رقميةً تديرها جهات خارجية تستهدف تضخيم أرقام الانتهاكات بحق المدنيين لإضعاف موقف السلطة الساعية إلى بسط الأمن ومحاربة “الفلول”.

موقف القنوات العربية الداعمة للإدارة الجديدة، وفي مقدمتها قناة “الجزيرة” القطرية، لم يختلف عن الإعلام المحلي الموالي لجهة السردية المتعلّقة بالحرب بين الجيش السوري و”الفلول”. لكنه كان أكثر ذكاءً في طرحه لجهة تخصيص المنصّات الموجهة إلى الداخل السوري بخطاب مختلف عن تلك المخصّصة للجمهور خارج سوريا.

من ذلك أن نشرت صفحة “الجزيرة سوريا”، لقطات جويةً من قاعدة “حميميم الروسية”، وعنونتها بأنها تُظهر تجمّعات لمؤيدي النظام المخلوع ضمن القاعدة، بينما نشرت الصفحة الرسمية للقناة اللقطات عينها مع توضيح مختلف يُظهر أنّ الموجودين في القاعدة هم سوريون فارّون من الاشتباكات في الساحل.

الفرق في منشورات الجزيرة عن سوريا

وعلى تنوّع وسائل الإعلام الداعمة لسردية الإدارة الجديدة، محلياً وإقليمياً، وقعت جميعها في إشكالية عدم نقل الصورة كاملةً للجمهور، وتعويم سرديات منقوصة، وبثّ خطاب كراهية بحق الآخر، الأمر الذي ضاعف -برفقة جنون السوشال ميديا- تجييش الرأي العام وتسعير التجاذب الطائفي، ما أدّى إلى زيادة حجم الدم السائل على الأرض.

إلى ذلك، حاول السوريون، في الداخل والخارج، إيجاد مصدر موثوق للمعلومة عمّا يجري في الساحل السوري في ظلّ حملات التجييش والتحريض الطائفي التي سيطرت على مواقع التواصل الاجتماعي من جهة، وغياب الاستقلالية عن وسائل الإعلام التي استندت في تقديمها المعلومات إلى انتماءاتها السياسية من جهة أُخرى، وسط غياب مؤسسات الإعلام الرسمي المرئية عن البثّ بعد إيقافها كاملةً عقب إسقاط النظام.

ووجد السوريون ضالّتهم في متابعة إنتاج “شهود العيان”، وما يُسمّى بـ”صحافة المواطن” التي شكّلت المصدر الأسرع والأكثر قُرباً من الحدث، برغم ما يشوبها من مشكلات، لكنها كانت أكثر فعاليةً من انتظار أخبار وسائل الإعلام التقليدية.

في هذا السياق، تقول الصحافية والناشطة المدنية زينة شهلا، إنه “منذ بداية الاحتجاجات في سوريا، وبسبب التضييق على وسائل الإعلام، سادت صحافة المواطن وشهود العيان، وما جرى خلال أحداث الساحل السوري الأخيرة رسّخ الفكرة ذاتها. فالمواطن لم يجد في بحثه عن الحقيقة وسيلةً إعلاميةً موثوقةً ومتوازنةً تزوّده بالمعلومة بعيداً عن خطاب الكراهية المنتشر بكثرة، وسط حضور أكبر لشهود العيان في أماكن الصراع، لذا لجأ الناس إلى سؤال أقاربهم ومعارفهم لفهم ما يجري”.

تتابع شهلا: “أنا شخصياً لم أجد وسيلة إعلام تقليديةً تجعلني أعتمد عليها في متابعة قضية الساحل، الأمر الذي وضعنا أمام العديد من المصادر لتقصّي المعلومة، وهو أمر مجهِد لنا نحن الاختصاصيين. فكيف يكون بالنسبة للبسطاء؟ وهذا ما يكشف أهمية وجود إعلام رسمي موثوق ومتوازن يرافق الحملات الأمنية لحماية الناس من الشائعات”.

وعن دور السوشال ميديا في التعامل مع أحداث الساحل، تبيّن شهلا، أنه “سيئ جداً، لما احتواه من تضخيم وأخبار مُزيّفة أوقعت الجميع في مكائدها، حتى أنّ البعض يتمنى متهكّماً، منع فيسبوك في سوريا برغم ما فيه من قمع للحريات، بسبب نشر الفبركات والتضخيم والزيف والتجييش وخطاب الكراهية الذي يؤثر سلباً على الأحداث”.

وحول إمكانية إيجاد إعلام موثوق يساعد المتلقّي في بحثه عن المعلومة، تشرح شهلا، أنّ “فكرة الإعلام الحيادي الرسمي أو الخاص، وهمٌ كبير، فالطيف الأوسع واضح في تحزّبه وتجييشه، وقسم صغير يحاول العمل بتوازن، مع العلم أنّ وسائل الإعلام المستقلّة أو البديلة تسعى إلى العمل بشكل توثيقي أكثر من غيرها، ربما لكونها غير مموّلة من حكومات أو أحزاب، ولكن حتى هذه الوسائل ترتكب الأخطاء، وبرغم هذه الصعوبات كلها يمكن إيجاد إعلام له أجندة ولا ينقل المعلومة بتجييش وخطاب كراهية”.

“الإعلام الرسمي فقد مصداقيته خلال سنوات الصراع في سوريا بين معظم الناس بمختلف توجهاتهم، بسبب التوجيهات والتضييق وضعف الإمكانيات، ما جعله محطّ سُخرية الآخرين، واكتسابه ثقة الجمهور اليوم بحاجة إلى جهد كبير، فالجميع متخوّف من استمرار عقلية الإقصاء في بناء الإعلام الرسمي الجديد”، تختم شهلا.

“الإعلام السلطوي”

يتفق مع شهلا، رئيس تحرير موقع “سيريا نيوز”، الصحافي نضال معلوف، الذي يوضح لرصيف22، أنّ “الوضع السوري عموماً غيّب وجود صحافة مستقلّة لصالح صحافة حزبية (منحازة لتيارات سياسية)، وبعد إسقاط النظام وانتصار الطرف الآخر سقطت هذه الوسائل عند الطرفين، فالوسائل التي كانت قائمةً على انتقاد النظام أصبحت منحازةً للسلطة الجديدة، ولعبت دوراً منحازاً لها لا دوراً عامّاً يراعي مصالح الجمهور، عدا عن كونها مموّلةً من جهات محسوبة على السلطة الحالية. في المحصّلة، لا يوجد ثقة بالإعلام الرسمي قبل إسقاط الأسد وبعده، فقد استُخدم في كلتا الحالتين لتدعيم مواقع السلطة الجديدة، وفق معلوف.

واعتاد السوريون زمن “نظام البعث” الذي امتدّ لخمسة عقود، على إعلام موجَّه تعبوي، وفق أدبيات السلطة و”الحزب القائد”، فكان يخال المتابع للإعلام حينها أنّ البلاد واقعة تحت سيل من المؤامرات الهادفة إلى ضرب بنيان النظام والحزب، واستمرّ ذلك عقب اندلاع الثورة السورية عام 2011، حيث وجّه النظام إمكانياته كافة نحو “شيطنة الثورة”، وإلصاق تهم الإرهاب بكل من ينتمي إليها من جهة، وتزييف الحقائق والتعتيم على الحراك الشعبي من جهة أُخرى. وتكاد تكون حالة “مذيعة قناة الإخبارية في نقل مظاهرات حي الميدان الدمشقي وربطها بسقوط المطر”، الحادثة الأكثر قدرةً على توصيف أسلوب النظام في نقل الواقع، أضف إلى ذلك استخدام خطاب كراهية عبر ريبورتاجات تُبيح دماء المدنيين الثائرين على النظام، بحسب ما يقول معلوف.

ولم يقتصر ذلك على الإعلام الرسمي البعثي، بل كان راسخاً في الإعلام الخاص الذي انحاز تماماً إلى سردية النظام، على غرار قناتَي “الدنيا” و”سما” اللتين سعتا إلى تضليل الجمهور واختلاق أكاذيب وإلصاقها بالحراك الثائر، أو من خلال صفحات السوشال ميديا التي كان لها دور أساسي في تعبئة جمهور النظام وتعتيم الحقائق له بقصد التجييش ضد أيّ معارض للسلطة.

يضيف معلوف، أنه “في علم الصحافة، شهود العيان ليسوا مصادر موثوقةً لكونهم يرتكبون أخطاء ويضخّمون الأمور أحياناً، لكن مع تحزّب وسائل الإعلام العاملة في الشأن السوري، أصبح المتلقّي يميل إلى السوشال ميديا، في ظلّ عامل وسائل الإعلام التقليدية القاصرة والمعيبة، بل هي في بعض التفاصيل مساهمة في الجرائم”.

ومن زاوية أُخرى، يرى معلوف، أنّ “الإعلام غير المتحزّب بحاجة إلى ترتيبات يصعب إيجادها اليوم؛ أهمّها: تمويل الجماهير، أو دولة حقيقية تعمل لخدمة الناس، فيكون إعلامها نوعاً ما في خدمة الناس. أما في الحالة السورية، فهناك صعوبة في إيجاد إعلام غير متحزّب، إلا إذا وُجد وعي مجتمعي بتمويل جهات قادرة على بناء إعلام مستقلّ”.

“الغلبة للمشاهدات”

بدوره، يرى الإعلامي غيلان غبرة، في حديثه إلى رصيف22، أنّ “في سوريا، ومع غياب الإعلام الرسمي بشكل شبه كامل، واقتصار إعلام الدولة على قنوات تلغرام التي لا تُلبّي الحاجة، من الطبيعي ظهور الشائعات والمعلومات المضللة، خاصةً في ظلّ حالة الانفلات الحاصلة اليوم، الجميع يحمل هواتف محمولةً ذات كاميرات، الجميع يصوّر، الجميع ينشر، لا إعلام إلا إعلام مقاطع الفيديو من هنا وهناك. فهذا ينشر مقاطع عن ‘مجازر بحق المدنيين’، وذاك ينشر عن ‘مجازر قام بها مدنيون’، والغلبة لصالح الفيديوهات الأكثر عدداً وانتشاراً”.

يضيف غبرة، أنّ “الدولة مطالبة بتفعيل إعلامها وإعلامييها من أصحاب الخبرة والكفاءة، وإعادة الكفاءات الحقيقة من الذين أبعدتهم تحت مُسمّى إجازات مدفوعة الأجر أو غيرها، فها هي الحكومة اختزلت إعلامها في أفراد معيّنين تحت ذريعة الولاء لها، والنتيجة هي ما رأيناه ونراه، إذ لم يُلبِِ هذا الإعلام حاجة الدولة ولا أرضى المواطن”.

ويستدرك غبرة، قائلاً إنّ حديثه لا يشكّل دعوةً إلى إعادة الإعلاميين الذين كانوا مقرّبين من نظام الأسد ويساهمون في “تلميعه”، مردفاً: “المقربون أيضاً من نظام المجرم بشار كانوا سابقاً يعطون دروساً في الإعلام والوطنية، وها نحن نرى النتيجة. الإعلام على مستوى كل الدول ليس بحاجة إلى يد الحكومة ولو كانت نظيفةً، بل بحاجة فقط إلى أن ترفع الحكومة -أي حكومة كانت- يدها عنه”.

عودٌ على بدء

بُعيد إسقاط نظام بشار الأسد، كان الجميع يترقّب شكل علاقة الحُكم الجديد والموالين له مع أبناء الطائفة العلوية التي ينتمي “آل الأسد” مذهبياً إليها، وعُدّ على نطاق واسع أنّ ميزان “نجاة” البلد يكمن في إنشاء علاقة جيدة بين الطرفين تضمن متانة السلم الأهلي وتحفظ دماء السوريين، خاصةً مع وجود جهات خارجية راغبة في عدم استقرار سوريا، وذلك بالتعاون مع بعض الخارجين عن القانون من ضباط النظام السابق الذين يحاولون التلاعب بالواقع لإيقاع فتنة بين السوريين.

على ما يبدو، وجدت هذه الجهات موطئ قدم لها في الساحل السوري، معتمدةً على بعض التصرّفات التي انتهجها العهد الجديد، والتي أغضبت أعداداً كبيرةً من المواطنين، على غرار: تسريح الموظفين وكثر منهم من العلويين، وغضّ الطرف عن انتهاكات بحق المدنيين، وتفشّي الفقر وعدم الأمان الاجتماعي والاقتصادي، وسط إجماع علوي على ضرورة تدخّل “الدولة” لحماية أبناء الطائفة، وإيجاد حلّ جذري لمشكلاتهم، مستندين إلى منطلق سوري لا طائفي، ومؤكدين أنّ نظام بشار الأسد ارتكب جرائم طالتهم كما طالت غيرهم، وأنّه لا يمثّل كل العلويين.

في النهاية، لم تعد كيفية تحصيل المعلومة تعني المواطن السوري الناجي مصادفةً من السعار الدائر في البلد المكلوم، فالموت يرافق يوميات الجميع من كل الأطراف، إلا أنّ ما يشغل باله حقيقةً هو كيف ستروى مشهدية مقتله. هل يُعدّ القتيل -من أي طرف كان- ضحيةً، أم يُصنَّف مجرماً يدفع جزاء جرائمه؟

رصيف 22

——————————

كيف تمضي سوريا في طريق الأمل الصعب؟/ يامن المغربي

الأربعاء 12 مارس 2025

“نجحت ثورتنا… نجحت ثورتنا”!

بهذه العبارة صدح صوت امرأة سورية بسيطة ظهرت في لقطة سريعة عبر إحدى الفضائيات، لتعبّر عن فرحها برحيل نظام استمرّ 54 عاماً. إذاً، “إنها سوريا بلا بشار الأسد”، والتاريخ هو الثامن من كانون الأول/ ديسمبر 2024.

جملة انتظرها مئات الآلاف من السوريين، ومثلهم حول العالم ممن عرفوا وسمعوا وتفاعلوا مع سوريا وقصصها وآلامها لسنوات طويلة؛ آلاف الشهداء والمعتقلين والمغيبين قسراً، بجانب من غرقوا في البحر وتعرّضوا لمئات المواقف الصعبة في بلاد اللجوء.

هل نجحت ثورتنا حقاً؟ سؤال يُطرَح في ظلّ ظروف صعبة للغاية تعيشها سوريا، اقتصادياً وسياسياً، وسط تهديدات إسرائيلية رافقتها تحركات فعلية على الأرض، وحديث متزايد عن التقسيم، ثم تُوّجت بالمعارك الأخيرة في الساحل السوري، التي قُتل فيها مدنيون وُزّعت اتهامات قتلهم على فصائل عسكرية وفلول النظام السوري، ضمن ما قيل إنه مخطط انقلابي بدعم إيراني ومن “حزب الله”، بالإضافة إلى من سقط من قوات الأمن العام، بما في ذلك الإعلان عن مقبرة جماعية ضمت رفاتهم في مدينة القرداحة، في قرى الساحل، وفق الوكالة السورية الرسمية للأنباء “سانا”.

يبدو الحديث عن الأمل بعد الأحداث الأخيرة، ضرباً من الخيال. المصاب كبير للغاية وتداعياته خطيرة جداً ليس على سوريا فحسب، بل ربما على المنطقة برمّتها، التي تعيش بدورها تهديدات تطال الفلسطينيين على أرضهم، والأردن ومصر كذلك.

سأعود إلى السؤال: “هل نجحت ثورتنا”؟

من المبكر جداً الحديث عن نجاحها من عدمه. من البديهي أنّ الأمر لا يرتبط فقط برحيل الأسد عن كرسي الحكم، ولا تفكيك نظامه فقط. يمكن اعتبار ما حصل خطوةً أولى نحو التغيير بعد أن انتظر السوريون 54 عاماً لإتمامها، منها 14 عاماً من الجحيم، ليصلوا إلى مرحلة يملكون فيها أوكسجين الإنسان الثاني، الأمل، لبناء دولة قوية وجميلة لكل أبنائها، وتجاوز مطبات الفساد والمحسوبية والرشوة والطائفية والإمعان في القهر والذلّ.

سقوط الأسد أخيراً، بعد 14 عاماً من حرب ضروس شنّها النظام السابق ضد السوريين، وتحوّل البلاد إلى ساحة صراع إقليمية ودولية، يعني الخطوة الأهم في اتجاه تحتاجه سوريا اليوم أكثر من أي وقت مضى، وفتح باب للأمل لأن تكون سوريا مختلفةً وأكثر تنميةً وحريةً وقوةً مما كانت عليه لعقود.

لا يمكن الحصول على الأمل من خلال الخطابات الرنانة، ولا الاحتفالات أو الشعارات أو منشورات وسائل التواصل الاجتماعي. هذا ليس كافياً، لا أقلّل منه ولا من تأثيره، لكنه ليس كافياً.

يأتي الأمل من خلال خطوات جدّية في طريق صعب وطويل، لتحويل سوريا من الديكتاتورية إلى الديمقراطية، وهذا الأمر لن يأتي بالتفرد في القرار والعمل وفق شعارات من قبيل “من يحرّر يقرّر”، بل من خلال مشاركة جميع السوريين في بناء سوريا وضمان العدالة الانتقالية وحوار وطني حقيقي بين الجميع، ودستور يكفل حرّية سوريا نفسها ومواطنيها والاعتراف بتنوعهم وضمان حقوقهم السياسية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية، ومنع قيام أي نظام ديكتاتوري جديد. وقد يؤدي عدم السير في هذا الطريق، إلى حوادث ربما أكثر قسوةً وعنفاً مما شهدناه مؤخراً، ما يُدخل البلاد في دوامة عنف لا يُعرف متى تنتهي.

يحتاج الوصول إلى هذا المكان إلى خطوات عملية على الأرض، تبدأ من نية خالصة لدى كل الفاعلين السوريين، على رأسهم السلطة الحالية، ومن يؤمن بها ومن يعارضها، ومن هو على الحياد، بأنّ هذه خطوة في طريق طويل وصعب لبناء سوريا.

في كتابه “من الديكتاتورية إلى الديمقراطية… إطار تصوّري للتحرر” (صدر في عام 1993)، يقول أستاذ العلوم السياسية والمتخصص في الكفاح السلمي، جين شارب (1918-2018)، إنّ إسقاط الأنظمة الديكتاتورية بفاعلية يحتاج إلى أربع مهام، هي تعزيز الشعوب المضطهدة في تصميمها وعزيمتها وثقتها بنفسها ومهارات المقاومة، وتعزيز جماعات ومؤسسات الشعوب المضطهدة الاجتماعية المستقلة، وخلق قوة مقاومة داخلية قوية، ووضع خطة تحرر إستراتيجية حكيمة وكبيرة وتنفيذها بمهارة.

ويضيف شارب: “تتمثل إحدى خصائص المجتمع الديمقراطي في وجود عدة مجموعات ومؤسسات حكومية مستقلة عن الدولة تشمل العائلات والمنظمات الدينية والمؤسسات الثقافية والأندية الرياضية والمؤسسات الاقتصادية والنقابات واتحادات الطلبة والأحزاب السياسية ومؤسسات حقوق الإنسان”، وهذه المؤسسات تُعدّ أجساماً توفر الأسس الجماعية والمؤسساتية، يمكن للناس من خلالها التأثير على توجه المجتمع ومقاومة الجماعات الأخرى أو الحكومة عندما تتعدى على مصالحها”.

في فصل آخر، يقول شارب، إنّ نمو هذه المؤسسات يزيد في فضاء الديمقراطية، ويتقلص في ظلّ سيطرة الأنظمة الديكتاتورية، كما أنّ على مخططي الإستراتيجية الرئيسية الإعداد مقدماً لطرائق اختتام النضال الناجح لضمان إنشاء تدريجي لنظام ديمقراطي قوي.

إلى هذا الكتاب، هناك عشرات الدراسات والأبحاث والأمثلة التاريخية من بلاد عانت من الديكتاتورية ودخلت في دوامات عنف وخرجت إلى النور في النهاية، لكن الوصول لم يكن سهلاً، واتخذت بالفعل خطوات جديةً لتعزيز السلم الأهلي والالتفات إلى التنمية وبناء البلاد بدلاً من إنتاج مشكلات جديدة. وكانت ظروف هذه الدول مشابهةً بدرجة كبيرة لسوريا، من ناحية الأزمات الاقتصادية وحكم الرجل الواحد الذي أدى بدوره إلى ديكتاتورية مجتمعية لا تقلّ قسوةً عن السياسية.

هذه الخطوات تحتاج كذلك إلى الاعتراف بالأخطاء والمجازر التي حصلت، وتقديم مرتكبيها إلى القضاء، ضمن مسار واضح وشفاف للعدالة الانتقالية، وأن يكون خيار السلطة الحالية قبل الناس، بناء سوريا فعلاً لا أن يكون الخطاب مجرّد تكرار لكلام اعتاد السوريون سماعه طوال 54 عاماً، وأن يترافق مع خطوات جدية على الأرض في هذا الاتجاه، وضمان حصر السلاح بيد الدولة لا بيد فصيل معيّن، وغيرها من التفاصيل الأخرى، وكذلك تنفيذ الوعود التي أطلقها الرئيس المؤقت، أحمد الشرع، بمحاسبة المتورطين في سفك الدم السوري.

جاءت أحداث العنف الأخيرة كرسالة واضحة بأننا على مفترق طرق، وخيارنا سيحدد مستقبلنا لعشرات السنين؛ فإما السير في طريق بناء الدولة وإما خسارة سوريا وربما إلى الأبد. ويقدّم لنا التاريخ أمثلةً واضحةً لكلا الطريقين، سواء رواندا أو لبنان والعراق، وربما خياراً ثالثاً لا يقلّ ألماً عن الأول، بتكرار نموذج إيران والانتقال من حكم ديكتاتوري إلى آخر لا يقلّ عنه توحشاً.

الظروف في سوريا اليوم، أكبر من أي سلطة مهما بلغت قوتها وإمكانياتها. البلاد مدمّرة ومتعبة وحزينة، والاقتصاد منهار والخدمات الأساسية غائبة، والبلاد بحاجة المجتمع الدولي الذي لن يقدّم خدماته مجاناً ولعيون السوريين الذي خذلهم طويلاً، والسلطة المؤقتة الحالية ستحتاج إلى السوريين كثيراً في هذا المجال.

بالعودة ثانيةً إلى السؤال الذي بدأت به المقال، حول نجاح الثورة، فالإجابة هي لا، ثورتنا لم تنجح بعد، وأعرف أنّ مئات السوريين على الأرض وفي المهجر، يؤمنون مثلي بأنّ البناء والأمل يمشيان بجانب بعضهما، خطوةً بخطوة، وأنّ الطريق طويل ويجب أن يكون صبرنا أطول منه.

والأمل لن يأتي من الشعارات، بل من العمل على الأرض، ومن الجميع ولأجل الجميع، لأجل من قُتل وشُرّد وعُذّب وهاجر وخاض البحار ليصل إلى برّ الأمان، عبر مسار واضح للعدالة الانتقالية والتشاركية وتعزيز السلم الأهلي وحوار وطني حقيقي يؤسس لعقد اجتماعي جديد بين السوريين على أساس المواطنة والمساواة والحقوق والواجبات، لا على أساس الإثنيات والطوائف، وإلا فإنّ ما شهدناه في مدن الساحل سيتكرر في كل مكان في سوريا وربما بأسرع مما هو متوقع.

رصيف

———————–

في إنكار البعد المذهبي وتحولاته في الصراع السوري/ عماد مفرح مصطفى

أعادت “معركة الساحل” في سورية، قبل أسابيع، الجدل بشأن البعد المذهبي في الصراع الذي لا يمكن قراءته، بحكم استمراريته واستقطابه الحاد وتدخلاته الاقليمية، إلا بعدة أوجه وجوانب متباينة، اقتصادية واجتماعية وسياسية ودينية، حيث ينطوي الجانب الأخير على تركيبة معقدة، تتضافر فيها تاريخية الصراع السياسي على الحكم مع هواجس الوعي الطائفي و”الأقلوي”، وعلاقتها بمنظومة الفساد والاستبداد التي حكمت سورية في نصف قرن.

وإذ يتقاطع موقف التنظيمات السورية المعارضة مع النظام، في الإنكار والترفع عن الاعتراف الواضح بهذا البعد في الصراع وتحولاته، واعتباره غريباً عن الثقافة والواقع السوريين، تزداد ضراوة العنف والعنف المضاد بتأثيراته المرعبة على الكيان والمستقبل السوري، على اعتبار أن البعد المذهبي يعدّ من أهم عوامل استمرارية الصراع وعبثيته، ويشكل أحد دعائم الحكم في تطرفه وأصوليته، النابعة من طبيعته المتناقضة في الاختزال والجمع بين جوهره الصلب المستغل للوعي الطائفي (لدى العلويين)، وظاهره المغلّف بمنظومات “عروبية” وقومية (تستوعب السنّة)، كأدوات وظيفية، داعمة للاستبداد وتسلّطه.

لذا، يمكن القول إن القتال الوحشي بين الأجساد الأيديولوجية الناتجة عن تأثيرات العنف الممهنج ضد المجتمع السوري، لم تكن وليدة اللحظة الثورية الراهنة، وما تبعها من استحضار النظام الأصوليين من كل حدب وصوب، بل تعود بتاريخيتها إلى مراحل متقدمة، أعقبت ولادة الدولة السورية وصراعها السياسي الداخلي، والذي شكل الجانب المذهبي و”الأقلوي” أحد ملامحه المميّزة، وإنْ بصيغ مواربة. حيث دفع البعد الطائفي والمذهبي في ذلك الصراع، باتجاه نشوء ذهنيةٍ سياسيةٍ مركّبة ومقلقة، تنساق وفق فرضية حكم الأقلية المذهبية العلوية على الأغلبية السنية في سورية، تلك الفرضية التي ادعى النظام محاربتها، على مستوى خطاب مؤسسات الدولة وتنظيماتها “العروبية”، بينما تم دعمها وتكريسها على مستوى الأجهزة الامنية الحاكمة، محتفظة بذلك على أعلى معدلات التوتر والتوجس وعدم الثقة بين المكونات الأهلية السورية، ومانعة تحول المجتمع السوري إلى مجتمع سياسي.

“القتال الوحشي بين الأجساد الأيديولوجية الناتجة عن تأثيرات العنف الممهنج ضد المجتمع السوري، لم تكن وليدة اللحظة الثورية الراهنة، وما تبعها من استحضار النظام الأصوليين من كل حدب وصوب، بل تعود بتاريخيتها إلى مراحل متقدمة، أعقبت ولادة الدولة السورية وصراعها السياسي الداخلي، والذي شكل الجانب المذهبي و”الأقلوي” أحد ملامحه المميّزة، وإنْ بصيغ مواربة”

تاريخياً، تفجّر الوعي السياسي الطائفي بشكله المسلح في أثناء أحداث الثمانينيات، عندما استطاع النظام إعادة تطويع الصراع المذهبي لصالحه مع إعادة توطين إدارة سلطة الخوف في النفوس، وتحويل الاسلام السياسي في سورية إلى إسلام اجتماعي (القبيسيات، جماعة كفتارو، جماعة البوطي)، أي الإسلام الخالي من المخالب الأيديولوجية، والمطالبات السياسية المتعلقة بالحكم وإداراته. ترافق ذلك مع تقديم الخطاب الممانع نفسه العناصر والفئات التي تضمر وعياً ذاتياً “بسنيتها”، على أنه الدرب الأمثل في توفير حالة الذوبان والتوهان في الأطر السياسية والأيديولوجية للسلطة، من “أحزاب الجبهة الوطنية” والنقابات والدوائر الحكومية، أملاً في حصول الاندماج بين “الشعب” و”الدولة” والنظام! لكن هذا الاندماج لم يحصل، فالتناقض الجوهري كان في بنية النظام نفسه بين المذهبي والقومي، وتكفلت قوة الاستبداد وعنفه بجمع هذا التناقض في بنية الدولة والمجتمع أيضاً، لينعكس على العوالم الداخلية والذهنية لدى السوريين جميعاً، عبر إدخالهم في لعبة الانفصام السياسي بين ما يضمرون وما يصرحون به. ولأن المشاعر الدينية وإخضاعها سياسياً والتلاعب بها، كانت حكراً على النظام وأجهزته القمعية، احتكم البعد المذهبي لعوامل الشد والجذب، سواء لدى العلويين، بتأسيس عصبوية طائفية ذات وعي سلطوي، تربط مصيرها بالسلطة، وتذوب فيها وفي أجهزتها القمعية، بعد فقدهم أي شكل كياني أهلي أو مدني، حتى أصبح بعض المتنفذين منهم لا يقيمون أي اعتبار للدولة وسلطتها، لأنه يعتبر نفسه هو الدولة، أو لدى الطرف “السني”، بنشوء عصبوية طائفية، تتداخل فيها الحالة الاقتصادية والاجتماعية، لتحديد شكلها ومضمونها. ففي حين تميّزت في المدن باعتدالها واكتسابها سمات العقلية التجارية والبورجوازية (الإخوان المسلمين)، كانت الأرياف تستمد قوة عصبويتها وتطرفها من العوز والفقر (السلفية الجهادية). لذا، لم يكن مستغرباً ظهور التسليح في الثورة السورية من مناطق الأرياف أولاً. مع انطلاقة الثورة السلمية، تأجج النزوع الطائفي لدى غالبية “العلويين”، انطلاقاً من تصور أن أي حراك سياسي، أو ثوري، يفضي إلى نظام ديموقراطي، سيكون مصدر خطر فعلي على مصالحهم ووظائفهم في الدولة، ما لبث أن تحول هذا التصور إلى خطر “وجودي” مع ظهور العسكرة والتسلح في الثورة ذات الغالبية “السنية” التي بدأ نزوعها الطائفي يزداد مع ازدياد مستوى العنف بحق المتظاهرين. لكن حلقة النزوع الطائفي لم تقتصر على إثارة الحساسيات والمشاعر، بل تجاوزتها إلى أفعال وممارسات، تدخل فيها النظام بشكل فعلي ومباشر، فهو كان على دراية، وبحسه الاستخباراتي، أن الرد الفعلي على عنفه العاري والممنهج سيكون عنفاً إسلامياً، تصدره الحاضنة الريفية والزراعية، ذات الأغلبية السنية، ما سيمكنه حينها من استدراج منطق الثورة إلى خانة العسكرة، ويتبعها بالقضاء عليها عسكرياً. هكذا، وخلال مرحلة التسليح وما تبعها، استطاع الخطاب الطائفي المتواري أن يستحوذ بكل انفعالاته على الشعور الديني والمكنون الإيماني لدى السوريين، وأن يأخذ الحيّز الأكبر في ذهنيتهم ووعيهم. فالثقافة الدينية وتناقضاتها المذهبية، كانت الأكثر تجذراً في نفوس الفقراء من العلويين والسنّة، وهي الثقافة الأكثر وضوحاً في إعطاء التقديس والمعاني السامية لفعل التضيحة والموت، في ظل عبثية العنف وزخمه في الحالة السورية.

” نظرة الإنكار لدى المعارضة حول البعد المذهبي في الصراع، تلتقي مع نظرة متعالية زرعها حزب البعث في نفوس السوريين، عن ثقافاتهم المتعددة وانتماءاتهم، وباعدت بين السوريين وجعلتهم يحتقرون أنفسهم ويخفون انتماءاتهم المتنوعة لصالح أبدية “البعث” البائسة التي حولت، بعنفها العبثي، البعد المذهبي في الصراع إلى سرطان أيديولوجي”

دعم إقليمي ودولي

يمكن القول إن البعد الطائفي الذي دعمته قوى إقليمية ودولية، وتحت ضغط آلة القتل والتعنيف، شكل الأرضية والبيئة المناسبة لانتشار ثقافة الميليشيات التي أخذت على عاتقها استنزاف ممكنات الحل السياسي ومحدداته، ورسم الحدود الدموية القاتلة بين المكونات الأهلية والاجتماعية.

دعمت الدول الإقليمية، وعلى رأسها إيران، البعد الطائفي في الصراع السوري، وجعلته أساس الصراع السياسي، لأنها رأت فيه العامل المشترك، والرابطة التي يمكن من خلالها بناء تحالفات مع الداخل السوري. في المقابل، كان الهدف من دعم الكتائب المعارضة الإسلامية المسلحة إحداث توازن عسكري مع قوة النظام على الأرض، وتقويض أهداف الثورة السورية في الحرية والكرامة وبناء نظام ديموقراطي، ودفعه باتجاه مشروع دولة “الخلافة” الذي لا يمكن إنجازه بأي حال من الأحوال. الواضح أن سياسة الاستثمار في الوعي الطائفي باتت جزءاً من استراتيجية الأطراف السورية المتصارعة، أملاً في تأمين كل طرف الدعم البشري والمادي لصالح مشروعه السياسي، المستند في أساسه إلى موروثٍ صراعي قديم، واجتهاداتٍ فقهيةٍ سبقت بناء الدولة السورية بقرون. لذا، لا يمكن تفسير كل العنف المذهبي وعبثيته، إلا من خلال الفهم البنيوي والذهني المتداخل في تكوين تلك العصبويات الدينية، فالتيارات “السنية” التي تتداخل فيها العوامل المتعلقة بتاريخية الدولة وتراثها البيروقراطي، لا تستطيع الفكاك من فرضية حقها التاريخي بالحكم والسلطة، بينما تتجه الأصولية العلوية إلى الاستثمار في “عقدة الضحية” و”المظلومية التاريخية”، وهي تجد في كل عنفها الطائفي مقاومة ودفاعاً عن النفس، حيث لا تستطيع التحرر من كينونتها المسكونة بهاجس الموت والزوال. تلك الكينونة التي يستغلها النظام، ولا يؤمن بها، إذ لا يمكن وصف عقيدة النظام السوري بأنها تعتمد على عقيدة طائفة بعينها، فحقيقة الأمر أن النظام لا يمتلك أي عقيدة، وهو يدين بالولاء فقط “لطائفة السلطة” “طائفة المال والنفوذ”، والتي تجمع في تكوينها عناصر ورجالاتٍ من كل الطوائف والمذاهب، فالنظام، يفضّل أساساً الاهتمام ببنيته، أكثر من اهتمامه بالعقائد والأفكار، ذلك أن البنى المتداخلة والمتشابكة توفر له الآلية المناسبة للمراقبة وتجسس الكل على الكل. صحيح أن تلك البنية تفضّل العناصر العلوية، لكن، ليس حباً بها، بل انطلاقاً من الوعي الريفي للسلطة، وتفضيله أبناء منطقته الريفية، بكونهم أكثر الناس يمكن الوثوق بهم، والاستفادة من شعورهم الطائفي الضامن للولاء. من الأهمية الاعتراف بالبعد المذهبي في الصراع، وإظهاره على حجمه وحقيقته، حتى تتمكن القوى الفاعلة والمؤمنة بالديموقراطية، من إيجاد استراتيجية مناسبة تبقي على ما تبقى من سورية، وتحييد البعد الطائفي، بالتفريق بين الطائفية كوعي، والطائفة كحالة ثقافية واجتماعية، تستوجب الدعم والإغناء. وقد بات الصراع يجذب المقاتلين من السنة والشيعة بكثافة، من كل أطراف العالم، على هدي نبوءات قديمة عن “ملاحم كبرى” وظهور “المهدي”، وعلائم أخر الزمان.

ملاحظة أخيرة، هي أن نظرة الإنكار لدى المعارضة حول البعد المذهبي في الصراع، تلتقي مع نظرة متعالية زرعها حزب البعث في نفوس السوريين، عن ثقافاتهم المتعددة وانتماءاتهم، وباعدت بين السوريين وجعلتهم يحتقرون أنفسهم ويخفون انتماءاتهم المتنوعة لصالح أبدية “البعث” البائسة التي حولت، بعنفها العبثي، البعد المذهبي في الصراع إلى سرطان أيديولوجي، لا يمكن التخلص منه بسهولة، وقد باتت لغة التشفي والانتقام جزءاً ممّا يضمره السوريون تجاه بعضهم. 

 العربي الجديد

 ——————————

دعوة للنخب العلوية لإيقاف التحريض الطائفي/ خلف علي الخلف

المثقف العلوي الطائفي؛ يسمي الثورة السورية أحداث؛ بمجازرها التي فاقت الآلاف،

بنصف مليون قتيل،

ومئة وثلاثين ألف قتيل تحت التعذيب،

بمقابرها الجماعية

بقراها ومدنها المدمرة كليا يسميها أحداث..

13 مليون مشرد ولاجىء ويسميها أحداث..

إبادة جماعية ممنهجة علنية مصرح بها لما أسماه “حواضن الإرهابيين” يسميها أحداث..

اغتصبت آلاف النساء أو عشرات الآلاف ويسميها أحداث..

 جرائم الحرب الموصوفة من منظمات دولية يسميها أحداث… الجرائم ضد الإنسانية يسميها أحداس..

مجزرة حماة في الثمانينات يسميها أحداس السمانينات

هذا المثقف العلوي الطائفي؛

 يشتم كل من يسمي ما حدث في الساحل انتهاكات أو جرائم.

 نعم إنها انتهاكات وجرائم قتل خارجة عن القانون وليست مجازر ممنهجة من طائفة أخرى كما تزعمون بين السطور وليست مجازر تقوم بها الدولة وجيشها وأمنها بل هي جرائم وانتهاكات قام بها مسلحون خارجون عن القانون وسيحاسبون.  وسنبقى نطالب بمحاسبتهم نحن الذين لا نفرق بين ضحية وأخرى.

لا أعرف ماذا تستفيدون من إشعال الكراهية الطائفية وأحياء جروح الناس التي ما زالت تنزف بعد أن رضخ أصحاب الحقوق لفكرة القانون والمحاسبة والعدالة..

تسامح كثير من الناس مع كل تلك الجرائم والإبادة والاغتصاب والتدمير التي قام بها رجال علويون وقالوا حسنا سننتظر العدالة لتفريق المجرم عن غير المجرم.

هؤلاء الذين قاموا بكل تلك المجازر والإبادة والاغتصاب معظمهم من ابنائكم وهؤلاء هم من بدأ هذه الجرائم غدرا وخسة وفتحوا مواجهة مسلحة يعرف حجمها مخابرات كل دول العالم إلا المثقف الطائفي العلوي…

ولك أخي أختي حلو عن طيزنا وطياز العلويين قرفتونا بتباكيكم الكاذب…

أخي أختي المثقف العلوي الطائفي ونصف الطائفي وربع الطائفي خذ مني هذه النصيحة:

سابقا كان عندك دولة مخابرات خاصة بك تجعلك تفرض ما تقول وما ترى على الجميع وإلا مصيرنا صيدنايا

 الآن دولتك بح طارت

قعود عاقل واعرف انك رجعت إنسان متساويا مع بقية خلق الله

الفيس بوك

————————

===================

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى