التدخل الاسرائيلي السافر في سورية الجديدةسقوط بشار الأسد، الرئيس الفار والمخلوعسياسة

عن التدخل الاسرائيلي السافر في سورية الجديدة، ملف تناول “شهية إسرائيلية لتفتيت سوريا” – تحديث 14-15 أذار 2025

تحديث 15 أذار 2025

————————

تحول حاد إزاء الإدارة الجديدة.. الشيخ حكمت الهجري البوصلة الدرزية المترددة محدث 14 مارس 2025/ زياد بركات

14 مارس 2025

ماذا يحدث في البيت الدرزي؟ وهل ثمة صراع يطفو على السطح بين المرجعيات الدرزية؟

تتجه الأنظار إلى السويداء التي تعتبر معقل الأقلية الدرزية السورية منذ سقوط نظام الرئيس السابق بشّار الأسد، فبعيد دخول قوات المعارضة السورية العاصمة دمشق في الثامن من ديسمبر/ كانون الأول الماضي، احتفل مئات المواطنين الدروز في ساحة الكرامة رافعين أعلام الثورة.

وما هي إلا أربعة أشهر أو أقل حتى قام مواطنون دروز غاضبون بإنزال العلم السوري من فوق مبنى محافظة السويداء، رافعين صور الشيخ حكمت الهجري الزعيم الروحي للدروز، وصورة الشيخ موفق طريف زعيم الدروز في إسرائيل، وهتفوا بسقوط الرئيس السوري الجديد أحمد الشرع.

في أثناء ذلك أصبح الهجري “بيضة القبّان” في ميزان المواقف التي قد تُتخذ بشأن مستقبل العلاقات بين الأقلية الدرزية في عمومها والسلطات السورية، من جهة وعلاقاتها مع إسرائيل من جهة أخرى.

ومن شأن أي موقف قد يتخذه بشأن إسرائيل في مقبل الأيام أن يؤثر على دروز العالم المنقسمين فعليًا إزاء إسرائيل ما بين مرجعية موفق طريف في إسرائيل، ومرجعية آل جنبلاط في لبنان.

سوريا موطن الأغلبية الدرزية

تقدّر أعداد الدروز في العالم ما بين 1،5 مليون – 1،8 مليون، يعيش ما بين (700 ألف – مليون) في سوريا، وما بين (350 – 400) ألف في لبنان، وحوالي 150 ألف في إسرائيل، ونحو 25 ألفًا في الأردن، و60 ألفًا في فنزويلا حيث تقيم أكبر جالية درزية في المهجر.

وتعتبر سوريا موطن ما بين 40 و50% من دروز العالم، يتوزعون على محافظة السويداء حيث يعيشون في نحو 120 قرية، كما يعيش عدد من الدروز في جبال حازم والمنحدرات الشرقية لجبل الشيخ، ومحافظة القنيطرة والجولان وريف دمشق وريف إدلب.

وتعتبر مدينة السويداء أكبر مدن جبل العرب (بعد 100 كم جنوب مدينة دمشق) ويعيش فيها نحو 375 ألف مواطن درزي في السويداء أو جبل الدروز.

وكما يتوزع هؤلاء على عدد من الدول فإنهم يتوزعون على مرجعيات دينية محلية، ويعتبر الشيخ حكمت الهجري زعيمًا روحيًا لهم في سوريا.

الشيخ حكمت الهجري

ولد الهجري عام 1965 في فنزويلا، حيث كان والده يعمل، ولم يطل به المقام هناك إذ عاد في طفولته إلى بلاده- الأم سوريا، ودرس فيها. وفي عام 1990 تخرج من كلية الحقوق في جامعة دمشق، وما هي إلا سنوات حتى عاد إلى فنزويلا للعمل عام 1993، ومكث فيها نحو خمس سنوات قبل أن يعود إلى السويداء ويتسلّم الرئاسة الروحية للطائفة عام 2012، خلفًا لشقيقه أحمد الذي قضى في حادث سير ما زال يكتنفه الغموض.

شهدت زعامة الهجري الروحية موقفًا متدرّجًا من النظام السوري خلال الثورة الشعبية التي انطلقت عام 2011 ضد النظام، فبعد التزام بالحياد والتوجّس من مسارات الثورة والقوى القائمة عليها، وخصوصًا جبهة النصرة، تحوّل الهجري إلى تأييد نظام بشّار الأسد على خلاف زعامات روحية درزية أخرى.

•    ففي مايو/ أيار عام 2014 أعلن الهجري تأييد الرئيس السابق بشّار الأسد في الانتخابات الرئاسية التي أجريت ذلك العام، وقال إنه يرى فيه “الخلاص لهذه الأمة”، وأن “علينا أن نكون أوفياء لمن سعى لبناء سوريا الحديثة، وبالأخص في العقود الأخيرة، لتصمد هذا الصمود، وليضعها في رتبة الدول ذات المصداقية وذات المكانة على المستوى الإقليمي والعالمي”.

•    وفي 2015 طالب السلطات السورية بتسليح السويداء “في مواجهة المسلحين”.

•    وفي 2018، دعا الهجري، شباب السويداء للالتحاق بالخدمة العسكرية في الجيش السوري.

•    لكن موقف الهجري في تأييد النظام خضع لامتحان عسير عام 2021، حين تبيّن له أن نظام الأسد لا يقيم اعتبارًا لأحد، وأنه كان يُوظّفه لصالح النظام من دون أن يمنحه مزايا الشريك.

حين أهانه نظام الأسد

في يناير/ كانون الثاني من ذلك العام سعى الشيخ حكمت الهجري للتوسط لدى رئيس فرع الأمن العسكري في السويداء العميد لؤي العلي، للإفراج عن فتى في المحافظة (17 عامًا) كان معتقلًا في أحد سجون المخابرات السورية، فما كان من الأخير إلا أن وجه له سيلًا من الإهانات التي تجاوزته إلى الطائفة الدرزية وأهالي السويداء.

حادثة الإهانة تلك أشعلت غضبًا واسعًا في السويداء، فبينما هاجمت “الرئاسة الروحية للمسلمين الموحدين” مسؤولي النظام، قام عدد من سكان المحافظة بتمزيق صور الرئيس السابق بشار الأسد وإحراقها، وطالبوا بإقالة العلي وهدّدوا باقتحام فرع الأمن العسكري في المحافظة، مطالبين باعتذار رأس النظام نفسه.

وبعد ذلك بنحو شهر (في فبراير/ شباط 2021) قالت وسائل إعلام محلية إن الأسد اتصل بالهجري وأشاد بمكانته، مشدّدًا على عدم قبوله الإساءة للرموز الدينية، لكن من دون أن يستجيب لمطالب إقالة مدير فرع الأمن العسكري، ما جعل من حادثة الإهانة تلك منعطفًا شهد تحوّلات حادة في مواقف الهجري من التأييد للنظام إلى معارضته.

ففي ديسمبر/ كانون الأول 2021، أعلن الهجري تأييده لحراك محافظة درعا آنذاك، وأصدر بيانًا هاجم فيه بحدة نظام الأسد، وحمّله مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع من فقر وجوع وفلتان أمني، قائلًا “إلنا 11 سنة عم نرقّع وحان الوقت نمشي ع ضو”.

وأكد الهجري في بيانه على ما قال إنه “التناغم ورسوخ الأصالة والتآخي الصادق بين أبناء السويداء، وبين الصادقين الأوفياء في سهل حوران”، مشدّدًا على وقوفه “إلى جانب الإرادة الشعبية الأهلية الاجتماعية الأصيلة لهم، ضد كل مظاهر وظواهر الفساد والقتل والأذى، فجراحنا واحدة وآلامنا واحدة”.

انتفاضة السويداء

وشهد أغسطس/ آب 2023 احتجاجات واسعة في محافظة السويداء، طالب فيها المحتجون بإسقاط النظام السوري، وتطبيق قرار مجلس الأمن رقم 2254، واعلن الهجري تأييده غير المشروط لتلك الاحتجاجات، ودعمه استمرارها “ليوم وأسبوع وشهر وعامين حتى الوصول إلى الهدف”، ما ساهم في زيادة شعبية الهجري التي أصيبت في مقتل في سنوات تأييد لنظام الأسد.

وكان تأييد الهجري للأسد قد تسبّب في تراجع شعبيته في صفوف الطائفة، على الرغم من إرث عائلته الروحي في محافظة السويداء، كما تسبّب في خروج خلافاته مع المرجعين الدينيين الآخرين في السويداء، الشيخ يوسف جربوع والشيخ حمود الحناوي، إلى العلن، وانقسام الهيئة الروحية للدروز إلى هيئتين: الأولى تتمثل فيما يعرف بـ”الرئاسة الروحية بالقنوات، ويقودها الشيخ حكمت الهجري”، والثانية، مشيخة العقل بعين الزمان في السويداء ويمثلها الشيخان جربوع والحناوي.

تحفظات على العهد الجديد

ولا تعرف بعد تداعيات مواقف الهجري الأخيرة التي تتراوح ما بين التأكيد على وحدة سوريا، وتحفظاته على إجراءات النظام الجديد، ومنها تصريحاته في مطلع يناير/ كانون الثاني الماضي التي رفض فيها “تسليم السلاح” والاندماج في جيش واحد يتبع وزارة الدفاع، إذ اعتبر ذلك “أمرًا مرفوضًا إلى حين تشكيل الدولة وكتابة الدستور لضمان حقوقنا”.

وقال الهجري في مقابلة صحافية في حينه: “لدينا هواجسنا من الوضع القائم”، داعيًا إلى “مراقبة دولية لتشكيل الدولة السورية تفاديًا لأي ثغرة في المستقبل تعيدنا إلى الوراء”، معتبرًا في مقابلة أخرى أن الهوية السورية “تجمعنا كلنا” تحت غطاء ما وصفه بالدستور المدني.

وكان الهجري استقبل قبل أكثر من أسبوع وفدًا من مدينة جرمانا التي شهدت فوضى أمنية على خلفية قتل مسلحين من سكانها الدروز عنصرًا في قوات الأمن السورية، في مطلع الشهر الجاري، وأعقبتها تهديدات أطلقها وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس تعهد فيها بالدفاع عن الدروز في سوريا، وحذّر النظام الجديد من إيذائهم.

وخلال لقائه وفد أهالي جرمانا، أكد الهجري على أن الأولوية هي لوحدة سوريا أرضًا وشعبًا، وأنه لا توجد مطالب بالانفصال أو الانشقاق، و”لكننا أمام مرحلة من الفراغ، ولا بد من توحيد الصف على مستوى الطائفة أو السوري العام”.

وبعد ذلك بأيام علّق الهجري على أحداث الساحل التي اندلعت في 6 مارس/ آذار الحالي بالقول إن “النيران التي تشتعل تحت شعارات طائفية ستحرق كل سوريا وأهلها”.

دعوات للفيدرالية وشيطنة النظام

وتزامنت تصريحات الهجري مع دعوات صدرت عما يسمى تيار سوريا الفيدرالي المقرب منه، وتطالب بدولة فيدرالية، وتعتبر النظام الجديد غاصبًا للسلطة، كما جاء في تصريحات لحافظ الخطيب أحد مؤسسي هذا التيار الذي اعتبر وجود ما سمّاها “سلطة سلفية جهادية” سيكون عاملًا هدّامًا ومانعًا لأي بناء او تطوّر”.

والثلاثاء الماضي وقّعت الحكومة السورية اتفاقًا مع أهالي ووجهاء محافظة السويداء، يهدف إلى دمج المحافظة في مؤسسات الدولة السورية، من دون مشاركة ممثلين للشيخ الهجري.

لكن الإدارة السورية الجديدة توصلت بعد ذلك بيوم (الأربعاء) مع أطراف من السويداء إلى تفاهم، تضمن عدة بنود إجرائية أبرزها تفعيل الضابطة العدلية، وإعادة هيكلة الملف الأمني والشرطي ضمن وزارة الداخلية، وتنظيم الضباط والأفراد المنشقين والفصائل المسلحة ضمن وزارة الدفاع، إضافة إلى صرف الرواتب المتأخرة وإعادة النظر في قرارات الفصل التعسفي.

وجاء هذا وسط أنباء عن زيارة مرتقبة لنحو 100 شخصية درزية إلى هضبة الجولان للقاء الشيخ موفق طريف، الزعيم الروحي للدروز في إسرائيل، وزيارة مواقع دينية هناك، وقالت مصادر للتلفزيون العربي إن رجال الدين الدروز السوريين الذين يعملون على تنسيق زيارة المناطق الدينية في إسرائيل هم من المناطق المحتلة حديثًا، وليسوا من السويداء كما تروّج إسرائيل.

وتابعت المصادر أن المرجعيات الوطنية والدينية في السويداء ولبنان تعمل على إحباط الزيارة أو التقليل من عدد المشاركين فيها بشكل كبير.

كذلك أصدرت المرجعيات الدينية في قرية حضر السورية تحريمًا دينيًا على كل من يشارك في الزيارة المقررة يوم الجمعة، وأكّدت وجود إجماع لدى القوى الوطنية في الجولان المحتل المؤيدة للإدارة الجديدة والمعارضة لها على رفض الزيارة.

الهجري: سنذهب باتجاه ما يناسب الطائفة

لم يصدر أي موقف صريح من الشيخ الهجري على هذه الأنباء، رغم أن مراجع درزية أخرى لم تتأخر عن إدانة أي تقارب أو توجه نحو إسرائيل في الآونة الأخيرة.

لكن موقف الهجري شهد (الخميس) تحوّلًا حادًا تجاه الإدارة السورية الجديدة، من شأنه تعقيد التعامل مع الملف الدرزي محليًا وربما في دول الجوار.

وقال الهجري خلال لقاء مع أنصاره في السويداء إنه “لا وفاق ولا توافق مع السلطات في دمشق”، واصفًا الحكومة السورية بأنها “حكومة دمشق” وأنها “متطرفة ومطلوبة للعدالة الدولية” وأن “أي تساهل مع هذا الأمر نحن لا نقبله كسوريين”، وشدّد الهجري على أنه “سيذهب باتجاه ما هو مناسب للطائفة”، من دون أن يوضّح الوجهة التي سينتهجها، وما إذا كانت تحظى بإجماع بقية المرجعيات الدرزية السورية.

———————————-

سوريا قد تصبح أكبر مكسب استراتيجي لإسرائيل في “الشرق الأوسط الجديد” لنتنياهو/  مصطفى سالم

نشر السبت، 15 مارس / آذار 2025

“عليهم بناء سوريا الآن وليس قتل بعضهم البعض”.. شاهد ما قالته محللة عن الشرع والعلويين والعنف الطائفي في البلاد

(CNN)–  بعد ساعات فقط من إطاحة المتمردين الإسلاميين بالديكتاتور السوري بشار الأسد في ديسمبر/ كانون الأول، وقف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على أطراف مرتفعات الجولان المحتلة، مُطلاً على سوريا، وقال في رسالة مصورة إن هذا السقوط التاريخي سيخلق “فرصاً بالغة الأهمية” لإسرائيل.

مع انزلاق سوريا إلى الفوضى بعد سقوط الأسد، حيث أن شعبها الذي مزقته الحرب يُصارع مستقبلاً غامضاً، وأقلياتها العرقية والدينية تُبدي حذرها من التاريخ “الجهادي” للقيادة الجديدة، رأت حكومة نتنياهو فرصةً سانحة للمضي قدما في مسعاه لإعادة تشكيل الشرق الأوسط، وهو مساعي تتوخى تقسيم سوريا إلى مناطق حكم ذاتي أصغر.

وقال وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر لقادة أوروبيين في اجتماع عُقد في بروكسل الشهر الماضي: “لا يمكن لسوريا المستقرة إلا أن تكون سوريا اتحادية تضمّ مناطق حكم ذاتي مختلفة وتحترم أساليب الحياة المختلفة”.

ومنذ هجوم حركة “حماس” في 7 أكتوبر/تشرين الأول وما تلاه من صراعات إقليمية، تباهى نتنياهو مرارًا وتكرارًا بـ”تغيير وجه الشرق الأوسط” لصالح إسرائيل، ويرى التطورات في سوريا نتيجة مباشرة لأفعال إسرائيل، وهو الآن ينتهز الفرصة لتوسيع سيطرته الإقليمية وإنشاء مناطق نفوذ من خلال السعي إلى تحالفات مع الأقليات في أطراف سوريا.

وفي الأيام التي تلت الإطاحة بالأسد، أمر نتنياهو بشن هجوم بري غير مسبوق في سوريا، مما دفع القوات الإسرائيلية إلى عمق أكبر في البلاد من أي وقت مضى، وأدى إلى قلب 50 عامًا من الوفاق الضمني بين إسرائيل وعائلة الأسد.

وسرعان ما أدى هذا التصعيد إلى التخلي عن تعهد نتنياهو الأولي بممارسة “حسن الجوار” تجاه سوريا الجديدة.

 واستهدفت مئات الغارات الجوية القدرات العسكرية لجيش الأسد لمنع وقوعها في أيدي الجماعات المسلحة، واستولت القوات الإسرائيلية على جبل الشيخ، أعلى قمة في سوريا، وموقع استراتيجي حيوي يطل على إسرائيل ولبنان وسوريا.

 واستهدفت إسرائيل يوم الاثنين مواقع رادار ومراكز قيادة عسكرية في جنوب سوريا، ويوم الخميس استهدفت حركة “الجهاد الإسلامي” الفلسطينية في العاصمة السورية دمشق.

وتعهدت إسرائيل بمواصلة عملياتها، حيث صرّح مسؤول إسرائيلي لشبكة CNN أن بلاده لن تسمح لقوات النظام السوري الجديد بالانتشار في الجنوب، معتبرة إياها تهديدًا للمواطنين الإسرائيليين.

تغيير الحدود

ظلت حدود إسرائيل مع سوريا دون تغيير إلى حد كبير منذ حرب عام 1967، عندما احتلت مرتفعات الجولان السورية وضمتها لاحقًا في خطوة رفضها معظم المجتمع الدولي، لكن أيدها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلال ولايته الأولى، ولكن الإجراءات الإسرائيلية الأخيرة في سوريا طمست خطوط تلك الحدود مع استيلائها على المزيد من الأراضي.

 ولم ترسم إسرائيل حدودها بالكامل مع جيرانها.

لمدة نصف قرن، حكم حافظ الأسد وابنه بشار سوريا بقسوة، وتحملا الحروب والثورات والانتفاضات، وأججا المخاوف الطائفية لردع دعوات التغيير.

 وتجنب الأسد الابن المواجهة المباشرة مع إسرائيل، لكنه وفّر لعدوها اللدود، إيران، طرق إمداد رئيسية للجماعات المسلحة التابعة لطهران، وأبرزها “حزب الله” في لبنان، الذي أطلق آلاف الصواريخ على إسرائيل خلال الحرب بين إسرائيل و”حماس”.

وأطاح الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية أحمد الشرع – المعروف سابقًا باسمه الحركي أبو محمد الجولاني، والذي كان مرتبطًا سابقًا بتنظيم القاعدة – بالأسد في هجوم خاطف بدعم تركي قبل توليه السلطة في ديسمبر، وتخلّى عن الزي العسكري التقليدي، وارتدى بدلة وربطة عنق، وصرّح مرارًا لوسائل الإعلام الأجنبية بأنه لا يرغب في مواجهة إسرائيل.

وقالت ناتاشا هول، الزميلة البارزة في برنامج الشرق الأوسط في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن: “كان يعتقد أنه يستطيع التودد إلى إسرائيل من خلال طمأنتها بأنه لن يكون هناك عنف على طول حدودها ولن يكون هناك قتال معها لكن إسرائيل تشجعت خلال العام والنصف الماضيين، وبدعم من إدارة ترامب، ولديها طموح أكبر”.

وطاالب نتنياهو بنزع السلاح الكامل من جنوب سوريا، كما قال إن القوات الإسرائيلية المنتشرة داخل المنطقة العازلة التي فرضتها الأمم المتحدة وخارجها في مرتفعات الجولان بعد سقوط نظام الأسد، ستبقى إلى أجل غير مسمى في الأراضي السورية المحتلة.

وكذلك يقول المسؤولون الإسرائيليون الآن إنه سيكون هناك وجود عسكري إسرائيلي في سوريا “لأجل غير مسمى”، ودعوا إلى حماية الدروز والأكراد السوريين، وهم أقليات مهمة تعيش في جنوب وشمال شرق سوريا على التوالي.

ويسكن الدروز ثلاث محافظات رئيسية قريبة من مرتفعات الجولان التي تحتلها إسرائيل في جنوب البلاد.

وقال وزير الدفاع الإسرائيلي إسرائيل كاتس الأسبوع الماضي، بعد أن قتلت القوات الموالية للشرع مئات من أفراد الأقلية العلوية ردًا على محاولة أنصار الأسد السيطرة على مدن قرب ساحل البحر الأبيض المتوسط ​​السوري: “خلع الجولاني (الشرع) جلبابه، وارتدى بدلة، وتظاهر بالاعتدال – والآن نزع القناع وكشف عن هويته الحقيقية: إرهابي جهادي من مدرسة القاعدة، يرتكب فظائع بحق السكان المدنيين”.

وأبرزت المذبحة، التي أودت بحياة أكثر من ٨٠٠ شخص من كلا الجانبين، الخطر الذي يتهدد نظام الشرع الهش، في ظل تكثيف الأطراف الإقليمية جهودها لعقد تحالفات مع مختلف الطوائف داخل سوريا.

وإذا نجحت إسرائيل في إنشاء منطقة منزوعة السلاح في سوريا بدعم من السكان الدروز المحليين، فسيُخضع ذلك أجزاءً كبيرة من جنوب البلاد للنفوذ الإسرائيلي، مما يُمثل أكبر سيطرة إقليمية لإسرائيل في سوريا منذ تأسيسها.

وقال تشارلز ليستر، الزميل البارز ورئيس مبادرة سوريا في معهد الشرق الأوسط بواشنطن العاصمة، لشبكة CNN: “هناك خطر حقيقي من أن يؤدي ذلك في النهاية إلى دوامة من التصعيد”، وأضاف: “لم تفعل الحكومة السورية المؤقتة شيئًا ردًا على كل هذه الإجراءات الإسرائيلية، وإذا تغير هذا الوضع، فقد تشتعل الأوضاع”.

وفي الأسابيع الأخيرة، اتخذ الشرع موقفًا أكثر صرامة تجاه تحركات إسرائيل، مُدينًا تقدمها باعتباره “توسعًا عدائيًا”، في حين يسعى إلى المصالحة مع الأقليات ذاتها التي تقربت منها إسرائيل.

وبعد يوم من العنف الدموي على الساحل خلال عطلة نهاية الأسبوع، وقّع الشرع اتفاقية تاريخية مع القوات التي يقودها الأكراد لدمجهم في مؤسسات الدولة، ويُقال إنه على وشك توقيع اتفاقية مماثلة مع الدروز في جنوب سوريا.

وذكرت كارميت فالنسي، الباحثة البارزة في معهد دراسات الأمن القومي في تل أبيب، بأن “تصرفات إسرائيل مدفوعة بقلقها من امتداد الاضطرابات وعدم الاستقرار في سوريا إلى أراضيها”.

وقالت فالنسي لـCNN: “ما يحفز إسرائيل هو الخوف من ظهور نظام إسلامي معادٍ لها بالقرب من حدودنا… لقد قرروا عدم الاعتماد على ما يجري الآن، بل التأكد من أنه في حال ظهور أي تهديد، فسيكون موجودًا للحد منه”.

 وتابعت: “التصور السائد في إسرائيل هو أنه لا ينبغي الاعتماد على البراغماتية التي يُظهرها الشرع حتى الآن، وأننا يجب أن نكون مستعدين للسيناريو السلبي.

مغازلة الأقليات السورية

في الوقت الذي يسعى فيه نتنياهو إلى توسيع نفوذ إسرائيل في سوريا، فقد خصَّ دروز سوريا بالحماية، ساعيًا إلى التحالف مع أقلية دينية قد تُحرم من حقوقها على يد الحكام الإسلاميين الجدد في سوريا.

وأوعز نتنياهو وكاتس للجيش الإسرائيلي في وقت سابق من هذا الشهر “بالاستعداد للدفاع” عن الدروز في سوريا، وقالا إن إسرائيل “لن تسمح للنظام الإسلامي المتطرف في سوريا بإيذاء” الدروز.

 وقد يُسمح أيضًا للدروز السوريين بالعمل في مرتفعات الجولان المحتلة.

وعلى الرغم من أن معظم دروز الجولان يُعرّفون أنفسهم بأنهم عرب سوريون ويرفضون دولة إسرائيل، إلا أن بعضهم قبل الجنسية الإسرائيلية.

 وفي إسرائيل، يُطلب من المواطنين الدروز الخدمة في الجيش – على عكس مواطنيهم العرب المسلمين والمسيحيين.

ورفض العديد من أفراد الطائفة الدرزية السورية عرض نتنياهو للدعم منذ سقوط الأسد، وخرجت الحشود إلى شوارع السويداء، وهي مدينة سورية ذات أغلبية درزية، احتجاجًا على دعوته لنزع السلاح من جنوب سوريا، واتهم زعماء إقليميون يمثلون الطائفة إسرائيل بأهداف توسعية.

وحذّر وليد جنبلاط، الزعيم الدرزي اللبناني الذي يحظى باحترام واسع بين الدروز خارج لبنان، من طموحات إسرائيل الأسبوع الماضي.

وقال في مؤتمر صحفي عُقد في بيروت، الأحد: “إسرائيل تريد استغلال القبائل والطوائف والأديان لمصلحتها الخاصة، إنها تريد تفتيت المنطقة”، وأضاف: “على الدروز توخي الحذر”.

ومع ذلك، رحب بعض أفراد المجتمع الدرزي، القلقين من أن يفرض الشرع حكمًا إسلاميًا صارمًا في سوريا، بعرض نتنياهو سرًا، معتبرين إياه ضمانًا للحماية في مستقبل غامض، وفقًا لما ذكره ناشط محلي وصحفي لـCNN.

وفي أعقاب تصريحات نتنياهو، شكّل بضعة آلاف من الدروز فصيلًا مسلحًا يُسمى “المجلس العسكري”، على حد قولهم.

وقال ليستر إن هذه المجموعة “بالكاد تحظى بأهمية تُذكر، هناك فصيل صغير جدًا في السويداء يبدو أنه يُلمح إلى فكرة انفتاحه على نوع من الحماية الخارجية”.

كما ترى إسرائيل أكراد سوريا حليفًا محتملًا، ودعت إلى حمايتهم من الحملة العسكرية التركية.

 وتُلقي تركيا باللوم على المسلحين الأكراد السوريين في ارتباطهم بحزب العمال الكردستاني، وهو جماعة انفصالية مسلحة في تركيا.

وقالت هول: “تكمن مشكلة إقامة تحالفات مع أقليات مسلمة غير سنية أو غير عربية في أن معظم السوريين يرغبون في الوحدة، لذا أعتقد أن إسرائيل ستواصل محاولاتها لخلق التوتر لأن طموحاتها كانت خارجية للغاية، مما أدى إلى نتائج عكسية وخلق لحظة من الوحدة بين السوريين”.

مناطق النفوذ

في حين أن تحركات إسرائيل في سوريا ربما كانت الأكثر وضوحًا، إلا أنها ليست اللاعب الإقليمي أو العالمي الوحيد الذي سعى إلى توسيع نفوذه هناك.

وتعتزم تركيا، التي عارضت نظام الأسد لفترة طويلة وسعت إلى الإطاحة به، توقيع اتفاقية دفاع مع الشرع قد تسمح بنشر طائرات مقاتلة في قاعدتين في وسط سوريا.

وقال ليستر: “لدى تركيا خطط، بإذن من دمشق، لاحتلال قاعدتين جويتين رئيسيتين على الأقل في وسط سوريا، ونشر طائرات مقاتلة في سوريا من أجل فرض بعض مظاهر السيادة السورية، وبالطبع هذا موجه إلى إسرائيل”.

وأرسلت المملكة العربية السعودية، حيث وُلد الشرع وقضى سنواته الأولى، طائرةً ملكيةً الشهر الماضي لنقله إلى الرياض لعقد اجتماعات مع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، في لفتة جريئة أكدت عزم المملكة على إعادة تأكيد هيمنتها في المنطقة، مع الإشارة إلى تراجع النفوذ الإيراني الهائل في سوريا.

وفي غضون ذلك، فقدت روسيا، التي كان لها دور محوري في إبقاء الأسد في السلطة مقابل وجود عسكري استراتيجي على البحر الأبيض المتوسط، موطئ قدمها في سوريا.

وأفادت وكالة “رويترز” للأنباء الشهر الماضي أنه في ظل عدم وضوح موقف ترامب بشأن سوريا والقلق من تنامي نفوذ تركيا، تضغط إسرائيل على الولايات المتحدة للسماح لروسيا بالاحتفاظ بقواعدها العسكرية هناك في محاولة لإبقاء البلاد ضعيفة ولامركزية.

ولم تتمكن CNN من تأكيد التقرير.

وقال نتنياهو في مؤتمر صحفي مع وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو الشهر الماضي: “إذا كانت أي قوة أخرى في سوريا اليوم تعتقد أن إسرائيل ستسمح لقوى معادية أخرى باستخدام سوريا كقاعدة عمليات ضدنا، فهي مخطئة تمامًا”، وأضاف: “ستعمل إسرائيل على منع أي تهديد قد ينشأ بالقرب من حدودنا في جنوب غرب سوريا”.

————————

بين الدين والسياسة.. ما دلالات زيارة دروز سوريا لإسرائيل؟

الحرة – واشنطن

15 مارس 2025

توجّه قرابة 100 رجل دين درزي صباح الجمعة من محافظة القنيطرة في جنوب سوريا، نحو اسرائيل، في زيارة وصفت بالتاريخية لأنها جاءت بعد نحو خمسة عقود.

وجاءت الزيارة تلبية لدعوة وجهها الزعيم الروحي لطائفة الموحدين الدروز في إسرائيل الشيخ موفق طريف الذي وصف الزيارة بأنها “يوم تاريخي” للطائفة بعد عقود من الانقطاع.

ومن المقرر أن يلتقي الوفد خلال زيارته بعدد من الشخصيات الدينية والاجتماعية الدرزية.

لكن هذه الزيارة أثارت بعض الانتقادات سيما أنها تأتي بعد تصريحات اسرائيلية تعهدت بحماية دروز سوريا، وسط تحذيرات من تبعات هذا التقارب، وترجيحات من أن تكون هذه الزيارة مؤشرا على رفض الدروز العلاقة مع سلطات دمشق؟

مالك أبو الخير، الأمين العام لحزب اللواء السوري في السويداء، صرح لقناة “الحرة” أن الزيارة تعتبر ذات أهمية كبيرة بعد انقطاع دام خمسة عقود.

وأوضح أن هناك “إزدواجية في التعامل مع هذا الموضوع من قبل البعض”، مشيرًا إلى أن هناك انتقادات وُجهت إلى الدروز بسبب هذه الزيارة، بينما لم توجه أي انتقادات للسلطات السورية الجديدة التي استقبلت وفدًا من الطائفة اليهودية.

وأضاف أن ما يحدث حاليًا هو “تمهيد للعلاقات بين سوريا وإسرائيل”، موضحًا أن هذه العملية ستتم بشكل تدريجي وتشمل جميع الطوائف، ولن تقتصر على الدروز فقط.

وتابع أبو الخير “لكن بسبب الخلاف بين الحكومة السورية ورجل الدين حكمت الهجري، يتم التركيز بشكل أكبر على زيارة الدروز إلى إسرائيل، في حين يتم إغفال زيارة الطائفة اليهودية إلى دمشق”.

وأشار الأمين العام لحزب اللواء السوري في السويداء، إلى أن ما قام به وفد الطائفة الدرزية إلى إسرائيل هو “مجرد زيارة دينية علنية، وهو حق طبيعي ومشروع لأبناء هذه الطائفة لزيارة مقام النبي شعيب، نظرًا لقدسيته الكبيرة”.

أما الأكاديمي والكاتب الصحفي مهيب صالحة من السويداء، فقد أكد أيضًا أن هذه الزيارة “تحمل طابعًا دينيًا بحتًا”، لكنه أشار إلى أن التوقيت كان غير مناسب نظرًا للأنظار التي تتركز حاليًا على محافظة السويداء وما تشهده من تطورات و”اللغط الكبير” الذي يدور في سوريا.

وأوضح أن الزيارة تأتي في وقت غير طبيعي تمر به سوريا، بسبب عملية الانتقال السياسي وحالة الفوضى وشد الأعصاب والمرحلة الصعبة التي يعيشها البلد.

وأشار إلى أن وفد الدروز إلى إسرائيل لا يمثل رجال الدين في محافظة السويداء أو منطقة جبل العرب “نظرًا لحساسية الموضوع والتوقيت غير المناسب”، بل اقتصر على أبناء منطقة جبل الشيخ.

وأضاف الأكاديمي والكاتب الصحفي أن السوريين لم يزوروا الأراضي الفلسطينية منذ خمسين عامًا بسبب “حالة العداء بين إسرائيل وسوريا”، مؤكدًا أن الزيارة تعقد المشهد بشكل أكبر في ظل “التصرفات الإسرائيلية الأخيرة في الأراضي السورية”.

وأعرب الزعيم الروحي لطائفة الموحدين الدروز في إسرائيل الشيخ موفق طريف عن أمله في أن يحل السلام قريبا، وأن تزال كل الحواجز والحدود لتجتمع كل الطوائف.

طريف وفي مقابلة مع الحرة، رحب بزيارة وفد من دروز سوريا إلى مقام النبي شعيب في إسرائيل ووصفه بأنه يوم عيد للطائفة.

وقال طريف إنه ليس ناطقا باسم إسرائيل ولا يتدخل في السياسة، وكل ما يهمه هو حماية أبناء طائفته، وألا يتعرضوا لما تعرض له سكان الساحل السوري.

وتتضمن الزيارة، التي تستمر يومين، جولات في مواقع دينية في شمال إسرائيل، أبرزها مقام النبي شعيب غربي طبريا في الجليل الأسفل بالإضافة لقرية البقيعة.

وكان وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس قال هذا الأسبوع إنه سيُسمح للعمال الدروز القادمين من سوريا بدخول إسرائيل، في خطوة من شأنها أن تفتح الحدود بشكل محدود لأول مرة منذ ما قبل الحرب الأهلية السورية.

ويعيش الدروز، وهم أقلية عربية تمارس شعائر دينية مشتقة في الأصل من الإسلام، في لبنان وسوريا وإسرائيل وهضبة الجولان، ولهم مكانة مميزة في مزيج الأديان والثقافات بالمنطقة.

وفي إسرائيل، يخدم الكثير من الدروز في الجيش والشرطة، بما في ذلك خلال حرب غزة، وتبوأ بعضهم مناصب رفيعة.

وبحسب مراقبين فإن زيارة الجمعة، هي أحدث مؤشر على دعم إسرائيل للدروز منذ وقف إطلاق النار في لبنان والإطاحة بالأسد أواخر العام الماضي.

ودعت إسرائيل مرارا إلى حماية حقوق الأقليات السورية، ومنها الدروز.

وأبدى وزراء إسرائيليون شكوكا عميقة إزاء الحكومة السورية الجديدة للرئيس الانتقالي، أحمد الشرع، واصفين حركته، هيئة تحرير الشام، بأنها جماعة جهادية.

الحرة – واشنطن

الحرة

—————————

دروز سوريا ذهبوا إلى إسرائيل لأول مرة منذ 50 عامًا/ جيرار ديب

15/3/2025

أفادت وكالة الصحافة الفرنسية أن وفدًا يضم نحو 60 رجل دين من الطائفة الدرزية السورية، عبروا خط الهدنة في مرتفعات الجولان المحتل إلى إسرائيل الجمعة 14 مارس/ آذار الجاري، في أوّل زيارة من نوعها منذ حوالي 50 عامًا.

وعبر الوفد في 3 حافلات رافقتها مركبات عسكرية إسرائيلية إلى بلدة مجدل شمس في الجولان السوري المحتل، وتوجه شمالًا لزيارة مقام النبي شعيب في بلدة جولس بالقرب من طبريا، وللقاء الزعيم الروحي لطائفة الموحدين الدروز في إسرائيل موفق طريف، وفق مصدر مقرب من الوفد.

في الشكل تحمل الزيارة طابعًا دينيًا لا سيما أنها أتت تحت عنوان زيارة أحد المقامات الدينية داخل فلسطين المحتلة. لكن مضمون الزيارة يحمل دلالات لا يمكن إلا التوقف عندها، لا سيما أنها تضمنت لقاء مع مرجعية درزية يرى فيها البعض أنها موالية للاحتلال في الداخل الفلسطيني. هذا ما يتخوف منه البعض، لا سيما من استغلال الإعلام الإسرائيلي تلك الزيارة، وإظهارها بأنها تأتي ضمن سياق “هرولة” الأقليات في سوريا إلى طلب الحماية من تل أبيب.

بين شكل الزيارة ومضمونها، يكمن واقع درزي بات يرتاح إليه الإسرائيلي، ويتمثل في حالة التشظّي التي أصابت الطائفة الدرزية، خصوصًا بعد سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، وما ترافق مع التطورات الأمنية التي حصلت مؤخرًا، تحديدًا في مناطق الساحل السوري.

دفعت الأحداث الأخيرة في سوريا الجيش السوري- عقب الكمائن التي نفذتها فلول النظام البائد في 7 مارس/ آذار الجاري، بحق القوى الأمنية السورية والتي ذهب ضحيتها العشرات- إلى تنفيذ حملة عسكرية هدفت إلى القضاء على تلك المجموعات المخلة بالأمن والتي تسعى لتقسيم سوريا بمباركة إسرائيلية.

لهذا، تحت شعار “حماية الأقليات”، استغلت إسرائيل الفوضى التي سببتها تلك المجموعات لتطرح نفسها بمثابة الحامية والمدافعة عن هذه الأقليات، حيث لم يتوانَ المسؤولون في إسرائيل على تقديم الحماية الأمنية لها.

تشهد الطائفة الدرزية حالة من الانقسام على الذات، بين مؤيد للدعوة الإسرائيلية التي صدرت عن وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس، الذي أكد من خلالها تقديم إسرائيل كل الدعم للطائفة الدرزية في سوريا لحمايتها من الإدارة الجديدة التي وصلت إلى السلطة في الثامن من ديسمبر/ كانون الأول الماضي.

وبين رافض لها، على اعتبار أن لإسرائيل تاريخًا أسودَ في ارتكاب المجازر بحق الطائفة منذ احتلالها الجولان في حرب النكسة عام 1967، إلى سيناريو الصاروخ الذي أصاب أطفال منطقة مجدل شمس في 27 يونيو/ تموز الماضي، وأدّى إلى قتل عدد منهم، وإلصاق التهمة بحزب الله، وتؤكد هذه الفئة على حالة “اللاثقة” بكافة الوعود الإسرائيلية التي جلّ ما تريده هو تحقيق غاياتها في سوريا كما في لبنان.

بالوقت الذي تجلت صورة احتلال إسرائيل للمواقع الخمسة في جنوب لبنان، حيث أكد كاتس الجمعة 14 مارس/ آذار، أن “جيشه سيبقى فيها إلى أجل غير مسمى، لحماية سكان الشمال”، بات، على ما يبدو، الوضع جليًا بالنسبة إلى الجنوب السوري أيضًا، حيث يفتّش الإسرائيلي على “حجة” للبقاء لأجل غير مسمى في المناطق التي وضعها تحت سيطرته بعد سقوط الأسد، لهذا قد يكون هذا الوفد، الذي سلك الطريق التي استحدثها المحتل في الجولان السوري، قد أعطاه الذريعة نفسها.

لم تكن موفقة تلك الزيارة التي التقى فيها الوفد “موفق”، لأنّها أتت في التوقيت الذي شهدت فيه العاصمة السورية لقاءً تاريخيًا بين الرئيس السوري أحمد الشرع، مع قائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي الاثنين 10 مارس/ آذار، حيث تمّ في الزيارة التوقيع على اتفاق “الدمج” للقوات الكردية في الجيش السوري.

إن الدعوات الإسرائيلية لتقديم الحماية لم تلقّ صدًى عند الطائفة الكردية في شمال شرقي سوريا، حيث عرف أكراد سوريا كيف يقطعون الطريق على المخطط الإسرائيلي الهادف إلى تقسيم البلاد من أجل تحويلها إلى دولة مستضعفة.

تسعى إسرائيل لتنفيذ مخطط جديد في سوريا بعدما سيطرت على مناطق واسعة، ونشرت قوات معززة من الجيش، وأقامت مواقع عسكرية.

يهدف المخطط إلى تشكيل واقع جديد في سوريا يمنحها إمكانية المراقبة والسيطرة على مناطق واسعة، بذريعة ضمان أمن الحدود، ومنع وصول مقاتلين وتنظيمات معادية لها إلى نقاط قريبة من حدودها ومن مُرتفعات الجولان.

كما عند الكردي كذلك سيكون الحال مع الدرزي، حيث لا مكان لإسرائيل في سوريا، وهذا ما تجلى عند الأغلبية من الطائفة الدرزية التي تجد في وليد جنبلاط زعيمها. فهو الذي قام بزيارة دمشق مع وفد كبير من الطائفة لتهنئة الرئيس أحمد الشرع بتوليه الرئاسة.

جاءت تلك الزيارة لتؤكد على عروبة الدروز، وعلى انتمائهم إلى هذا لبلد، وعلى انخراطهم في مسار بناء الدولة السورية الحديثة ليشكلوا جزءًا لا يتجزأ منها.

ليس جديدًا على دروز لبنان وسوريا رفضهم التطبيع، إذ لطالما أكدوا على ذلك في أكثر من مناسبة، وإن البعض قرأ في كلمة النائب في كتلة اللقاء الديمقراطي، وائل أبو فاعور، في أثناء جلسة إعطاء الثقة لحكومة القاضي نواف سلام، أنها تعدت حدود “نيل الثقة”، لتلامس حدود جبل الشيخ، لترفع لاءات جديدة في وجه إسرائيل وكل من يسعى للتعامل معها، “لا سلام ولا تطبيع ولا اعتراف بالعدو”.

بل أقصى ما يمكن التوصل إليه هو اتفاق الهدنة على مثال هدنة 1948 بين لبنان والعدو. وفي هذا الإطار أصدرت مشيخة العقل الدرزية في لبنان بيانًا يندد بالمشاركة بالزيارة للأماكن المقدسة في فلسطين.

أكثر من حاجة إسرائيلية لكسب ثقة دروز سوريا، هي التي اتخذت من الأحداث التي حصلت في الساحل السوري حجة لتبعث برسائل إلى سوريا وجهات دولية تؤكد فيها أنها لن تقبل بسيطرة تنظيمات معادية على مناطق قريبة لها.

لكن رغم أن إسرائيل لبست ثوب الحمل، فإنّ الطائفة الدرزية لن تنزلق إلى “معمعة” الخديعة الإسرائيلية التي تعمل على استغلال شعور القلق عند البعض؛ لتكريس حضورها وإقامة مناطق عازلة تحمي مستوطنيها على حساب أمن واستقرار المنطقة، فهل سيقع الوفد الدرزي في الفخّ الإسرائيلي؟

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

أستاذ الفكر السياسي في الجامعة اللبنانية

الجزيرة

—————————–

الطوائف السورية.. مزيج حساس واختبار صعب للقادة الإسلاميين الجدد

تحديث 15 أذار 2025

دمشق: قال الرئيس السوري أحمد الشرع، الذي قاد مقاتلوه هجوما أطاح بحكم عائلة الأسد في ديسمبر كانون الأول، إنه سيؤسس مجتمعا يشتمل كافة الطوائف في بلد يتميز بمزيج طائفي وديني حساس.

لكن هذا التعهد يواجه اختبارا صعبا بسبب حملة قتل تستهدف الطائفة العلوية في سوريا التي ينتمي إليها الرئيس المخلوع بشار الأسد والتي اندلعت بعد هجوم شنّه موالون للأسد على قوات الحكومة الجديدة.

ويبدي بعض السوريين والقوى الخارجية مخاوف من أن يفرض الشرع حكما إسلاميا صارما أو يستبعد بعض الطوائف من مواقع السلطة في بلد يضم أقليات عديدة، مثل الدروز والأكراد والمسيحيين والعلويين.

وجاء في إعلان دستوري صدر أمس الخميس أن الفقه الإسلامي سيظل المصدر الأساسي للتشريع.

وفيما يلي نظرة على الطوائف والأقليات في سوريا، التي دمرتها حرب أهلية دامت لسنوات في أعقاب انتفاضة عام 2011 التي قادها المسلمون السنة في سوريا ضد القادة العلويين.

العلويون

طائفة صغيرة تعتبر فرعا من الشيعة وتقدّس الإمام علي بن أبي طالب. وتتركز الطائفة العلوية في سوريا لكن لها وجودا في مناطق أخرى من الشرق الأوسط.

معظم العلويين في سوريا هم من المزارعين الفقراء الذين ينحدرون من المنطقة الجبلية الغربية على البحر المتوسط.

وأصبح الرئيس الراحل حافظ الأسد، والد بشار، أقوى شخصية علوية عندما استولى على السلطة في انقلاب عام 1970 بعد صعوده داخل حزب البعث.

واعتمدت عائلة الأسد خلال حكمها على العلويين وقلدتهم مناصب في الجيش والأمن والمخابرات، لكن كثيرين منهم ظلوا يعانون من الفقر والقمع كغيرهم من السوريين في أثناء حكم العائلة.

وتعرض العلويون عبر التاريخ للاضطهاد إذ عانوا من غزو الصليبيين والمماليك والعثمانيين، وخاضوا حروبا داخلية أيضا.

السنة

يُشكلون الأغلبية في أنحاء العالم الإسلامي، باستثناء عدد قليل من الدول. وتخضع كل الدول العربية تقريبا لحكم سنّي، وظلّ قادتها لفترة طويلة متوجسين من علاقة الأسد الوطيدة بإيران الشيعية غير العربية.

سحق حافظ الأسد مسلحين سنة وقتل ما لا يقل عن 10 آلاف في مدينة حماة عام 1982 في أكثر الحوادث دموية في التاريخ العربي الحديث.

ومع ذلك، عزز حافظ علاقاته مع التجار السنة في دمشق وحلب، المركز التجاري لسوريا، وعيّن السنة في مناصب حكومية. ويقول بعض السنة إن بشار الأسد تعمد إقصاء هؤلاء التجار بعد ذلك وفضل أن يحظى أقاربه العلويون بالمصالح التجارية.

في مارس آذار 2011، اجتاحت مظاهرات مناهضة لحكم الأسد أنحاء سوريا، مطالبة بمزيد من الحريات والقضاء على الفساد. وبعد أن شنت الحكومة حملة قمع، تحولت الانتفاضة إلى حرب أهلية وهو ما وضع المعارضة، ومعظمها من الأغلبية السنية، في مواجهة قوات الأسد المدعومة من فصائل شيعية من أنحاء الشرق الأوسط.

ويبدي بعض المتطرفين السنة عداء شديدا للأقليات إذ يعتبرونهم كفارا، كما يعادون إيران الشيعية التي دعمت الأسد.

وحمّلت حكومة الأسد حكام دول عربية سنية مسؤولية تأجيج الانتفاضة، وقالت إن بين المقاتلين الذين حاربوها متطرفين طائفيين.

المسيحيون

تمسك العديد من المسيحيين في سوريا بالأسد، لكنهم قالوا إنهم فعلوا ذلك خوفا من أن ينتهك الإسلاميون السنة حقوق الأقليات في حال وصولهم إلى السلطة.

انضمت شخصيات مسيحية بارزة أخرى إلى المعارضة السورية.

ينقسم المسيحيون إلى عدد من الطوائف، بعضها مجتمعات صغيرة ذات جذور عريقة في سوريا تعود إلى ما قبل الإسلام. ويشملون طوائف الروم الأرثوذكس والموارنة والسريان الأرثوذكس والكاثوليك والكلدان والآشوريين والأرمن الأرثوذكس والكاثوليك. كما يوجد بعض البروتستانت.

الدروز

هم أقلية عربية تمارس شعائر دينية مشتقة أصلا من الإسلام، ويعيشون في لبنان وسوريا وإسرائيل وهضبة الجولان المحتلة، ولهم مكانة مميزة وسط مزيج الأديان والثقافات بالمنطقة.

في سوريا، يتمركز معظمهم في محافظة السويداء الجنوبية، لكن هناك آخرين يعيشون حول دمشق وفي شمال سوريا.

للدروز هوية متماسكة وعقيدة تميزهم ظهرت في القرن الحادي عشر، وتضم عناصر من الإسلام وفلسفات أخرى مع التركيز على التوحيد والتناسخ والسعي وراء الحقيقة.

يحافظون على درجة من السرية حول ممارساتهم الدينية.

يوجد في إسرائيل عدد صغير من الدروز ويعيش البعض أيضا في هضبة الجولان، التي احتلتها إسرائيل من سوريا في حرب عام 1967.

وهددت إسرائيل بالتدخل عسكريا في سوريا إذا واجه الدروز هناك أي تهديدات.

(رويترز)

———————————–

سوريا: انتقادات لزيارة وفد من مشايخ الدروز لإسرائيل/ هبة محمد وعبد الحميد صيام

أثارت زيارة وفد يضم نحو 100 رجل دين من الدروز السوريين إلى إسرائيل انتقادات واسعة، في وقت أدان فيه مجلس الأمن الدولي بشدة أعمال العنف الواسعة النطاق المرتكبة في محافظتي اللاذقية وطرطوس في سوريا والتي شملت عملياتِ قتل جماعي لمدنيين، لا سيما في صفوف الطائفة العلوية.

وعبر الوفد الدرزي خط الهدنة في مرتفعات الجولان المحتل، في أول زيارة من نوعها منذ عام 1973، وذلك تلبية لدعوة الزعيم الروحي لطائفة الموحدين الدروز في إسرائيل، الشيخ موفق طريف، حيث قام الوفد بزيارة خاصة إلى قبر النبي شعيب في الجليل.

الناشط الميداني ياسر أبو شقرا من أهالي ريف القنيطرة، قال لـ “القدس العربي” إن 3 حافلات كبيرة دخلت من معبر عين التينة في الجولان باتجاه قرية حضر السورية، عند الشريط الفاصل مع الاحتلال، لنقل الوفد الذي يضم مشايخ الطائفة من صحنايا وجرمانا وحضر، وذلك برفقة سيارات عسكرية وحراسة إسرائيلية.

وأعرب أهالي وعائلات قرية حضر في ريف القنيطرة، عن استنكارهم الشديد للزيارة التي يجريها بعض المشايخ إلى فلسطين المحتلة، تلبية لدعوة من بعض الجهات الموالية للاحتلال في الداخل الفلسطيني.

وقال بيان للأهالي: إن إسرائيل التي لم تكن يوما حريصة على حقوق الأقليات، إذ تستغل هذه الزيارة الدينية كأداة لزرع الانقسام في الصف الوطني، وتسعى لاستخدام الطائفة الدرزية كخط دفاعي لتحقيق مصالحها التوسعية في الجنوب السوري. وأضاف أنهم لن ولم ينسوا الجرائم والانتهاكات التي ترتكبها دولة الاحتلال بحق أهل الجولان والضفة الغربية وقطاع غزة.

وأكد أن هؤلاء المشايخ لا يمثلون إلا أنفسهم، مشددا على أن انتماء أهالي وعائلات قرية حضر الوحيد هو الطائفة السورية.

وحذرت مشيخة العقل الدرزية في لبنان في بيانٍ لها أمس، من المشاركة في الزيارة “لما يترتب على ذلك من مسؤولية قانونية على كل من يدخل الأراضي المحتلة”، مؤكدةً رفع الغطاء بالكامل عن كل مخالف.

وفي الجولان، وصل الوفد إلى بلدة مجدل شمس في الجولان المحتل، وتوجه شمالا للقاء الشيخ طريف، ثم انتقل لزيارة مقام النبي شعيب في بلدة جولس بالقرب من طبريا.

في سياق آخر، أدان مجلس الأمن الدولي بشدة أعمال العنف الواسعة النطاق المرتكبة في محافظتي اللاذقية وطرطوس في سوريا منذ 6 آذار/مارس، والتي شملت عمليات قتل جماعي لمدنيين، لا سيما في صفوف الطائفة العلوية، مطالبا السلطات الانتقالية بحماية “جميع السوريين من دون تمييز”، مهما كان انتماؤهم الإثني أو الطائفي. كما استنكر الهجمات التي استهدفت بنى تحتية مدنية، بما فيها المستشفيات.

وأعرب عن قلقه البالغ إزاء تأثير هذا العنف على التوترات المتصاعدة بين الطوائف في سوريا. ودعا جميع الأطراف إلى الوقف الفوري لجميع أعمال العنف والأعمال التحريضية وضمان حماية جميع المدنيين والبنى التحتية المدنية والعمليات الإنسانية.

وكرّر مجلس الأمن تأكيدَ الالتزام باحترام حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني في كافة الظروف وحث كافة الأطراف والدول على ضمان إيصال المساعدات الإنسانية بشكل كامل وآمن وبلا عوائق إلى المتضررين، وعلى كفالة معاملة جميع الأشخاص معاملة إنسانية، بمن فيهم كلّ من استسلم أو ألقى سلاحه بطريقة أخرى.

—————————-

سوريا وإسرائيل بين «سهم باشان» وزيارة «النبي شعيب»!

تحديث 15 أذار 2025

لم تتأخر إسرائيل البتة عن إظهار موقفها المعادي للسلطات الجديدة في دمشق، حيث أعلنت إطلاق عملية «سهم باشان» في يوم سقوط نظام بشار الأسد (8 كانون أول/ ديسمبر 2024) والتي شملت أكثر من 400 غارة، محتلة أراضي سورية جديدة، ومتابعة التوغّل والاعتداءات على السكان والمواقع العسكرية، بما فيها غارة باثنتين وعشرين مقاتلة على موقع في محافظة السويداء مؤخرا، والتهديدات المبطّنة للمسؤولين السوريين وللرئيس أحمد الشرع نفسه، ومن الواضح أن الغارة الأخيرة التي نفذتها في دمشق، باستهداف المنزل السابق لزعيم حركة «الجهاد الإسلامي» الفلسطينية، هي إشارة التهديد الأقرب جغرافيا لقادة النظام الجديد.

باستخدامها لكلمة باشان (الأرض المستوية = الجولان وسهل حوران) الواردة في سفر التثنية في التوراة، كما يشير تقرير لقناة «الجزيرة» يستحضر الجيش الإسرائيلي معركة حصلت في جنوب سوريا ضد ملك الأموريين وقام فيها العبرانيون القدماء بقتل الرجال والنساء والأطفال ونهب الممتلكات، في إحالة تؤصّل الإبادة الجارية حاليا في غزة وضد الفلسطينيين مع أحداث التوراة!

ترافقت هذه العمليات العسكرية مع استخدام تل أبيب راية سياسية هي «حماية الأقليات» داخل سوريا، مع شغل مركز على طائفة الموحدين الدروز في سوريا، وصل إلى حد التهديد بالتدخّل العسكري لـ»حمايتهم» ليس فقط في جنوب البلاد، حيث تعيش أغلبيتهم في محافظة السويداء، بل كذلك في منطقة جرمانا، المتصلة بالعاصمة دمشق، وكذلك بالحديث عن تخصيص الجيش الإسرائيلي مليار دولار لـ»دعمهم» وعن فتح الحدود لاستقدام عمال دروز من سوريا، وعن توزيع «مساعدات غذائية» وأمس الجمعة، عبر فتح حدود الجولان المحتل لقدوم وفد من قرية حضر الدرزية في محافظة القنيطرة لـ»زيارة مقام النبي شعيب» أحد المقامات المقدسة للمسلمين عموما، وللدروز خصوصا.

اثارت الزيارة ردود فعل ضمن الهيئات الدينية والشعبية للموحدين الدروز في سوريا ولبنان وإسرائيل، ففيما حذرت مشيخة العقل في لبنان من المشاركة في الزيارة، واستنكر بعض أهالي القرية الأمر، اعتبر الرئيس الروحي للطائفة الدرزية في إسرائيل، الشيخ موفق طريف، الزيارة «يوما تاريخيا» للطائفة بعد عقود من الانقطاع.

جاءت ردود مناهضة للزيارة من بعض النخب الدرزية في إسرائيل والجولان المحتل، فقال أحد مثقفيها إنه «من الواضح أن إسرائيل الرسمية جاهزة بخطط مشاريع لاستغلال الأوضاع في سوريا. من التوسع والتفتيت ومنع قيام دولة معقولة إلى إنشاء «دويلة درزية» أسقطت في السابق إلى جيوب جاهزة للعمل وفق أوامر تل أبيب» وإن «التدمير الذي أحدثه نظام المجازر لآل الأسد، على مدار خمسة عقود، من تفكيك للمجتمع وتطييفه وتقسيم البلاد وتوزيع مواردها، هو أفضل مدخل لإسرائيل وغيرها كي تلعب لعبتها».

فيما أشار آخر، إلى سماح دولة الاحتلال لمشايخ دروز بزيارة الأماكن المقدسة الدرزية «فيما تدنس أماكن المسلمين المقدسة وتمنعهم من الصلاة في مساجدهم التي نجت مؤقتا من القصف والدمار، ثم تجند كل زعرانها للاعتداء على الحجاج المسيحيين في شوارع القدس القديمة».

تجيء الزيارة في ظل توترات أمنية وسياسية داخل سوريا، فبعد المعارك التي شنّها «فلول نظام الأسد» التي أدت لمقتل أكثر من 300 من عناصر الأمن، وعمليات الانتقام الطائفية التي تبعتها ضد العلويين وأدت إلى مجازر حصدت أرواح المئات، انفتح الباب لانفراج كبير مع توقيع الرئيس السوري الشرع اتفاقا مع الزعيم الكردي مظلوم عبدي، قائد «قوات سوريا الديمقراطية» تبعه إرسال الدروز، ممثلين بشيخ العقل حكمت الهجري، مطالب للسلطات، وتوقيع «الإعلان الدستوري» لتتوتّر الأجواء مجددا، وترتفع الاتهامات للنظام بالتطرّف والاستفراد بالسلطة وإقصاء الآخرين.

الواضح أن الأوضاع الصعبة جدا التي يعيشها السوريون عموما (يقارب مستوى الفقر 90٪) والقرارات التي قامت بها السلطات الجديدة، من حلّ للجيش، وتسريح لعشرات الآلاف من العاملين في الجيش والأمن والقطاع العام، وتداعيات معارك الساحل، وبعض الإجراءات الأخرى تراكبت كلها مع مشاعر الإقصاء عن القرار ومخاوف التسلط الأيديولوجي والديني، والواضح أن البعض وجد في نفوذ إسرائيل الهائل في الإقليم، بعد الحرب ضد «حزب الله» و«حماس» وإيران، وتوظيف تهديداتها، وسيلة للضغط السياسيّ على السلطات الحالية.

واضح أيضا أن السلطات الحالية، تتعلّم بسرعة من أخطائها، وتستجيب لضغوط الشارع ومطالبه، وأن بعضا من التصعيد الإسرائيلي ناتج من نجاح هذه السلطات في تفكيك ألغام كثيرة، وفي قدرتها على مفاجأة تل أبيب كل يوم، والمتوقع أن تستطيع، مع الأيام، ومن خلال المظلة العربية والدولية التي تتوسع لدعمها، أن ترد على «سهم باشان» وأن تستعيد ثقة شعبها، فتستعيد اللاجئين، وتعيد البنى التحتية، وتصالح المنكوبين، وتستعيد السيادة وتؤسس لعقد سياسيّ يضم الجميع.

القدس العربي

——————————

عربٌ سُنّة لكنهم ليسوا مسلمين/ عمر قدور

السبت 2025/03/15

استلمت هيئة تحرير الشام السلطة في سوريا بعد إسقاط الأسد وفراره في الثامن من كانون الأول/ديسمبر. وكما صار معلوماً، وفق سردية معممة، قدّمت الهيئة وجهاً معتدلاً جداً بالقياس إلى ما هو متوقّع من تنظيم إسلامي جهادي، نشأ زعيمه في أحضان الجهادية التي حاربت الأميركان في العراق، وتميّزت مع نظيرتها الشيعية بأعمال عنف طائفية شديدة القسوة. بدورهم، قدّم عناصر الهيئة في الأسابيع الأولى نموذجاً جيداً على الانضباط واحترام المدنيين، ونالوا الإشادة على ذلك في مناطق التنوع الطائفي، خصوصاً في مناطق يغلب عليها المنبت العلَوي.

سلوك عناصر الهيئة، وقياداتها من خلفهم، كان مهماً لسببين، الأول منهما صدوره عما فُهِم كابتعاد عن الأيديولوجيا الدينية للهيئة، والعلويون بموجبها مارقون دينياً عن الإسلام الصحيح “السُني”. أما الجانب الذي لا يقل تأثيراً فيختزله تعبير “النظام النصيري”، وهو تعبير كان معتمداً في “دولة إدلب” التي حكمتها الهيئة بقبضة من حديد على مختلف المستويات، بما فيها المستوى التعليمي الخاص بتنشئة الأجيال الجديدة، أي أن هناك بين مقاتلي الهيئة من تشرّب تعبير “النظام النصيري” بوصفه اختزالاً لطائفة مارقة دينية ومجرمة (على الأقل) سياسياً، لذا كان لسلوكهم الطيب مغزى إيجابياً مركّباً.

قائد هيئة تحرير الشام، الذي ظهر باسمه الحقيقي، راح بدوره يرسل الإشارات التي تتضمن طي صفحة “أبي محمد الجولاني”، وهو لقبه الذي كان معتمداً وشائعاً في إدلب. وتحدث مبكراً عن الانتقال من عقلية الثورة إلى عقلية الدولة، على نحو أراد من خلاله طمأنة قسم من السوريين، وتهدئة البعض الآخر المتعطّش إلى إجراءات راديكالية يريد من السلطة الجديدة اتخاذها.

تحولات السيد الشرع نالت اهتماماً واسعاً جداً بوصفها دليلاً إلى تحول أعمّ في فكر الهيئة وسلوكها، بل صار الاهتمام مفرطاً في الشكلانية من خلال متابعة دقيقة لما يلبسه ولطول لحيته ومغزى لون ربطة العنق التي يرتديها. وما بدأ على أنه اهتمام بدوافع سياسية انزلق بمعظمه إلى ما يمكن تشبيهه بتقديس الفرد، وأحياناً بلغة مشابهة للغة تقديس الفرد التي استخدمها موالو العهد البائد، حيث يهمِّش تقديس القائد (الفرد) مَن حوله في السلطة أولاً، فلا تؤخذ أقوالهم أو أفعالهم بجدية، ويُعامل كما يُعامل غلاة المعجبين نجمهم؛ بمحبة غير مشروطة بمطالب سياسية محددة أو ببرامج ونتائج ملموسة. لقد وصل الأمر بجريدة حكومية إلى نشر مقال عمّا يجتذب النساء في شخصية السيد الشرع!

الاهتمام بالقائد، متضمناً بوادر عبادة الفرد، لم يكن في الشهور الثلاثة الأخيرة صناعةً إسلامية. على العكس، يمكن الجزم بوجود نسبة كبيرة من المتدينات والمتدينين الذين لم يتورّطوا فيها، لأن إيمانهم العميق يردعهم عمّا في تقديس الأفراد من شبهة الشرك. هذه الصناعة مدفوعة بأمرين؛ واحد منهما هو النزوع إلى البحث عن بطل منقذ خارق، وقد تحقق هذا لأصحابه على نحو مشابه للأفلام التراجيدية ذات النهاية السعيدة غير المتوقعة. أصحاب هذا النزوع لا يريدون التمعّن في سياق الأحداث التي أدّت إلى التغيير الكبير في دمشق، بل يرفضون ذلك عمداً.

النزوع الثاني المتمم للأول هو الملمح الطائفي، فالبطل المنقذ هو ابن الطائفة المظلومة، وها هو قد انتصر لها أخيراً. وفق هذا التصور، ثمة مظلومية سنية، تعرّض أصحابها للإبادة والتهجير منذ عام 2011، وحانت أخيراً لحظة الانتصار. إلا أن لحظة الانتصار ليست تدشيناً لتراخي عصب المظلومية السُنّية، بل إن كثراً من المنضمين مؤخراً إلى العصبوية السُنية لم يكونوا يفصحون عنها من قبل، ونسبة منهم كانت تعلن عن عدائها لأيديولوجيا هيئة تحرير الشام وكل ما تمثّله الهيئة.

السُنّيّون الجدد، إذا جاز التعبير، هم سُنّيّو السلطة الجديدة، وقد حلّوا مكان الموالاة القديمة وبالمفردات اللغوية والبصرية ذاتها في معظم الأحيان. إنهم طائفة سلطة أكثر بكثير مما هم طائفيون في الأصل. ونستطيع القول أن السنيون الجدد ساروا بعكس التحولات المعلنة لهيئة تحرير الشام، فإذا كانت مقتضيات السلطة قد جعلت الهيئة أكثر اعتدالاً فإن استلام الهيئة السلطةَ جعلهم أشد تطرفاً، أو بالأحرى جعلهم يقطعون الطريق سريعاً من موقعهم غير الإسلامي إلى محاولة تصدّر الخطابات الطائفية على السوشيال ميديا.

يجوز القول إن الإسلاميين استثمروا في المسألة الطائفية للوصول إلى السلطة، أما السُنيون الجدد فهم متطوعون طائفيون، مدفوعون بما هو انتهازي رخيص أحياناً، إذ يعتقدون أنهم يرضون السلطة. وهذا بالتأكيد شيك على بياض قد يصعب رفضه من الأخيرة إن لم يكن استخدامه مغرياً فوراً. وهناك بينهم من لا يدفعه جشع انتهازي، بل يكفيه وهم امتلاك السلطة، وهو ما يذكّر بطائفيين علويين كان لديهم وهم مماثل أيام الأسد، ولا عجب في أن نظراءهم السُنّة لم يتعظوا من الدرس والمآل.

اليوم هناك نسبة، هي الأكبر على نحو صريح من السُنيين الجدد، والذين ليسوا مسلمين على ما توحي به هذه الكلمة من صورة نمطية في حقل السياسة. نتحدث عن فئات متنوعة، بينها المحافظ والمتحرر اجتماعياً، ومعظمها لا يُبدي مظاهر ملحوظة من التدين، بل يشهر البعض منها كونه لادينياً. هذه الفئات، على تنوعها، لم تتورع عن توزيع صكوك انتماء تحت يافطة: إنهم يشبهوننا. والحديث كان عن ملامح السيد الشرع وزوجته، وأتى أيضاً في سياق جدل حول النقاب، وحول تعيين مسؤولة عن شؤون المرأة. ولا يخفى ما يوجد في هذا التنميط من غزل للسلطة الجديدة، ومن إنكار ونفي لسوريين آخرين لا يشبهونها شكلاً وفق هذا الزعم، كما لا يخفى البعد الطائفي المستتر تحت هذا التنميط، وقد شهدنا مثيلاً له أيام الأسد: توّجه هو نفسه بالحديث عن مجتمع متجانس.

بعض الذين انفتحت شهيتهم مؤخراً على الحديث في المسألة الطائفية هم أيضاً من السنيين الجدد، وهم يحتسبون كل من لا يشاطرهم الرأي بحذافيره منكراً للطائفية ينبغي إقناعه، من دون أن يعبّروا عن أية حساسية تتعلق بالمرحلة الانتقالية الراهنة، على الأقل حتى تستتب الأوضاع في البلد، ويُشرع في العدالة الانتقالية، العدالة التي لا تقتصر على محاكمات المتهمين فقط، وإنما تتضمن محاكمة الإرث السابق كله بهدف عدم تكراره نفسه أو مقلوباً. والمستتر لدى البعض منهم على الأقل هو عزمهم على تكرار الماضي مقلوباً، وهذا فحوى استرجاع ذكريات دموية من الماضي القريب أو الأبعد لتبرير ما يقولون إنه مجرد تجاوزات للسلطة الجديدة.

إنهم عرب بدرجة أقل ربما مما هم سُنة، فالعروبة تُدفع إلى الصدارة فقط بعدّها من لوازم مواجهة الأكراد غير المنضوين حتى الآن تحت إمرة السلطة الجديدة. ومن المحتمل جداً أن الكثير من السنيين الجدد قد أضناهم وأدماهم موقع المهزوم الذي بدا حكراً عليهم لوقت طويل، أو على ما يمثّلون، ويحتاجون إلى اختبار النصر الذي حصلوا عليه، بما في ذلك اختباره بالقوة والبطش. وسيكون من الصعب عليهم القبول سريعاً بأن المظلومية والسلطة لا تجتمعان، وأنهم الآن أهل سلطة لا ينازعهم عليها أحد، والنزاع الوحيد على طبيعتها لا على مَن يكون على رأسها. أيضاً، من الصعب عليهم التخلّص سريعاً من فكرة المؤامرة الكونية على السُنّة، والنظر بواقعية إلى حدث التحرير كانقلاب في المواقف الدولية له أبعاده الإقليمية والدولية، ولا توجد قوة داخلية قادرة على تغييره.

حتى يحدث ذلك، سيبقى التناقض، وقد يشتد، بين ادّعاء تمثيل الوطن السوري وبين تمثّل عصب طائفي يبقى محدوداً رغم أكثريته، وسيبقى التناقض نفسه بين اشتداد العصب الطائفي والقول إن السُنة في سوريا هم الأمة، بمعنى أنهم قادرون على استيعاب المختلف وجاهزون لذلك. على هذا تأخذ المطالبة بالعدالة أهمية استثنائية، لأنها كفيلة بوقف التحريض الذي يتغذّى على غيابها أو يتذرّع به، ولأنها السبيل لفتح جراح السنوات الماضية بقصد المعالجة لا زيادة الاحتقان، ولأنها ترياق ضد المنهمكين في صنع وثن السلطة.

المدن

—————————

سوريا والجوار: إعادة تشكيل الخطاب/ أحمد جابر

السبت 2025/03/15

تسارعت الأحداث السورية بعد فرار منظومة السيطرة الأسدية، وتوالت التطورات، فكان لها وقع المفاجأة، مثلما كان لها “صدمة” اللامتوقع، في أوساط سياسية متابعة، وفي أوساط استعملت عدّتها الفكرية القديمة، فما أصابت، ولجأت إلى ما هو موروث من تحديد مُدُني شائع، أو حزبيّ متقادم ومعروف، فخابت وضلّت الطريق إلى التقاط مغزى المشهد الجديد الذي نقل سوريا من ضفّة إلى ضفّة، فانتقل معها المراقبون الذين لم يتوانوا عن تبديل المواقف والضفاف.

“الحبكة” السورية، لم تتضح كل خلفياتها، لكن محاولة الانقلاب الأخيرة على الوضع الجديد، ساهمت في إلقاء الضوء على ألوان من خيطانها. بعض الخيطان كان في مرمى التخمين، وبعضها كان في “مدى” الظن، وبعضها كان في دفاتر التوجّس والاحتمال… حصيلة كل ذلك، اجتمعت في عنوان واحد كانت له الغلبة، هو عنوان تأمين قاعدة ارتكاز داخلية، لتكون لاحقاً نقطة انطلاق صوب المدى السوري، لاستعادته من السلطة الجديدة، فإذا تعذّر الفوز بالكلّ السوري، يُكتفى بالجزء منه، على حساب الجغرافيا السورية، وعلى حساب الشعب السوري، ومن دون التفات إلى مصير الأخير الذي يمكن أن تُلقى فيه سوريا الكيانية.

في العادة، وعند كل حدث مفصلي، يطرح سؤال: من المستفيد؟ هذا السؤال يحضر الآن في الواقع السوري الجديد، والجواب عنه يكون قاصراً إذا قيل: إن المستفيد هو العدو الإسرائيلي. هذا تحصيل حاصل جرى اجتراره طويلاً، وهو مائل للعيان اليوم في الجولان وفي جنوب لبنان، لذلك يصير الاستطراد بالسؤال ضرورياً لكي يبلغ الجواب فسحة النور. إذن، واستطراداً، من المستفيد من اللعب في الميدان السوري اليوم؟ لقد قيل إن فلول النظام السابق هي التي قامت بالانقلاب، وإن تلك الفلول قد تلقّت دعماً خارجياً، وإن قيادتها باتت معلومة، ومعلوم أيضاً من حرّكها، ومن قاد تحركاتها الميدانية.

العلم بأدوات الجريمة، وبهوية المجرمين أمر مهم، ومهم أيضاً العلم بالمحرّض وبالداعم وبالمتدخل، لكن الأهم سيبقى الوقوف أمام نتائج التدخل، وأمام حصيلة الاشتباك الذي ذهب ضحيته المئات من المدنيين، في عملية تصفية وحشية. هذا على صعيد سوري أهلي خاص، والأهم سيبقى موضوع الموقف من الأطراف المتداخلة التي أشير إليها بالبنان وبالبيان.

الرد الرسمي السوري، كان واضحاً في الإدانة، وفي التمسك بمحاسبة القتلة الذين استهدفوا المدنيين، وكان الرّد واضحاً في اختيار إفشال أهداف الانقلاب في بعدها الانشقاقي الاقتتالي الأهلي، وفي بعدها التحالفي الخارجي، الرد السريع منع الاستثمار في الفتنة الطائفية والمذهبية، مثلما منع احتمال التدخل الخارجي، عندما كسر مرتكزاته الداخلية.

خطاب وخطاب

لقد فوجئ “الخطاب” الجاهز بالمرونة الرسمية التي أبداها أولئك القادمون من “الإسلام السياسي” واكتشف كثيرون بأن الحنكة المُدَنية ليست حِكْراً على أبناء الجمعيات، وأن السرعة في التقاط إشارات الحدث، ومن ثم التكيّف معها، ليست اختصاصاً حصريّاً لهذا الكاتب أو لذاك “المفكّر” الاستراتيجي. لعلّه يمكن القول إن مجموع البيانات والشروح التي تناولت الوضع السوري قبل المحاولة الانقلابية، ظهر تَخَلُّفها السياسي عن اللحاق بالآن السوري، بعد فشل تلك المحاولة. لقد طغى على مجموع المقاربات طابع “المطلبية”، وقليلة هي المقاربات التي تخلّت عن لغتها الوعظية الإرشادية، والأقل من هذه وتلك، النصوص التي صدرت من موقع المسؤولية عن سوريا، قبل نظامها، فسارت بمسؤولية أيضاً، على جادّة الموضوعية، وذهبت بناءً على ذلك، إلى معاينة المشهد السوري الجديد، بممكناته، وكما يقدم نفسه في الداخل وحيال الجوار، مع ما يرافق ذلك من مهمّات جِسام، ومع ما يحيق بالمحاولة الجديدة كلها، من مخاطر شديدة، وهي تدق على أبواب الواقع السوري بكل تعقيداته.

مدخل إلى الخطاب

طلب استقرار سوريا هو العنوان الأول البسيط الواضح الذي تحتاجه سوريا اليوم. الاستقرار مدخل إلى الانصراف الهادئ إلى إعادة ما هدمه النظام السابق خلال عقود طويلة.

عناصر الاستقلال، الداخلية والخارجية، هو العنوان الثاني، فالعلاقة بين الداخل والخارج وثيقة، والترابط قائم بين الوطني المحليّ، والسياسة الوطنية الخارجية. تتقدم في الداخل مهمة إعادة صياغة الوحدة الوطنية السورية، صياغة غير قسرية، وغير اختزالية، وفي هذا المجال خطا الحكم الجديد خطوات واقعية ملموسة، وتتقدم في الداخل عملية إعادة بناء “الهيكل” الدولتي العام، وإطلاق العجلة الاقتصادية. فهذه من شروط إعادة إنتاج وتوسيع القاعدة الاجتماعية للحكم الجديد. فحيث يكون يُسْرُ العيش، وحيث تكون الكفاية الاجتماعية، يتراجع الاحتقان الاجتماعي، وتتراجع إمكانات استغلال التوتر وتوظيفه في سياسات زعزعة مجتمعية.

على صعيد خارجي، لا يملك السوريون تَرَف الخصومة مع الجوار القريب، ولا يبدو أنهم يسعون إليه، لكنهم يملكون حق وموقف رفض تدخل الجوار القريب، أو المحيط البعيد، في شؤونهم الداخلية، ويملكون الحق، وعليهم واجب، مطالبة المتدخّل بالكفّ عن سياساته، والمطالبة أيضاً بمساعدتهم على الوقوف في وجه التدخلات الخارجية.

سياسة حسن الجوار، هي ما يرددها الحكم السوري حتى الآن، وسياسة التنبيه هي ما اختارها بديلاً من لغة الاتهام… لذلك من حقّ المسؤول السوري أن يدعو الآخر إلى الالتزام بعلاقة حسن الجوار وأن يعتمد ما يراه ضرورياً من سياسة تعامل مع “الجار” إذا ما أصرّ على إذكاء نار الخصام.

أبعد من سوريا

بات واضحاً حجم الاندفاعة الخارجية التي تقودها الولايات المتحدة الأميركية، من ضمن خطة شاملة تصل إلى حدّ إعادة النظر في الكيانات وفي المجتمعات. النموذج الفلسطيني دليل، فما يحتشد في الأفق هجوم اقتلاع للشعب، وهجوم احتلال لما تبقى من أرض فلسطين.

النموذج اللبناني دليل آخر، اتفاق لوقف الأعمال العدائية تخرقه الآلة الحربية الإسرائيلية كل يوم، من دون إدانة، وتعيد القوات المعادية احتلال أجزاء من الأرض، فيطالب السياسي الأميركي بإخلائها، ويقدم طلبات أحادية تستهدف الجانب اللبناني، فتكون عوناً للعدو في عدوانه.

النموذج السوري دليل إضافي، والشواهد تحتشد من الجولان والقنيطرة وحوض اليرموك، إلى تدمير البنية الحربية للجيش السوري، إلى تنصيب العدو نفسه حامياً للأقليات. وهنا أيضاً، لا صوت للسياسة الأميركية إلاّ ذاك المشكّك بقدرة السوريين على إعادة صياغة بنيانهم في إطار وحدة وطنية جديدة، اكتسبت دفعاً لها بعد انضمام العنصر الكردي إليها، وبعد ما تردد عن استعداد العنصر الدرزي للمشاركة في مسيرة البناء الجديدة.

النماذج المستهدفة، تطرح ضرورة الانصراف إلى التفكير بمآل المنطقة العربية كلها، فالخطر يطال مصر مثلما يطاول الخليج مجتمعاً، ومعه سائر البلاد العربية.

التفكير الجماعي العربي، يعيد الاعتبار إلى العامل القومي في حدّه الدفاعي، وفي صيغته التكاملية، بعيداً من أوهام سادت ثم بادت عن كل “الجملة القومية”.

التأسيس على العامل القومي قد يسمح للعرب مجتمعين باحتلال بقعة ولو ضيقة، على خريطة “التواجد” العالمي، كبلدان وكأوطان، هذا لأن طاقة الاندفاعة الأميركية قد تصل إلى حدود تفكيك البنى الموروثة، لإعادة تركيبها بما يلائم ضرورات “الأمركة” المتجددة، التي لم تسلم من ضغط قوتها أوروبا الحليفة، ولا الجيران فوق القارة الأميركية الواحدة. على وجوه شتّى، الشعوب العربية في حال الدفاع عن الوجود، الوجود الفاعل الذي يمنع عنها صفة الشعوب، أو الدول غير النافعة.

في الأثناء، على الخطابة الوطنية، والخطابة العربية، أن تنتبه إلى أن القاموس الحالي، لا يضم بين صفحاته أكداس أماني الخطباء، وعلى هؤلاء أن يدركوا، أنه من غير المعقول الطلب إلى المغنّي الغناء، وعنقه رازحة تحت حدّ السكين.

المدن

——————————————

كيف تنظر واشنطن إلى “مجازر” الساحل؟/ شربل أنطون -واشنطن

15 مارس 2025

هل انتهت المرحلة الانتقالية نحو الديمقراطية في سوريا بمجزرة؟ وهل وقع أحمد الشرع في فخ انتقام طائفي أم في “محاولة انقلاب” نصبها فلول نظام الأسد بدعم إيراني؟.

أسئلة عدة تطارد رئيس المرحلة الانتقالية في سوريا بعد أحداث الساحل، منها: هل عاد أحمد الشرع إلى ثوبه الجهادي وغطّى مجزرةً قام بها من كان يُقاتل في صفوفهم حتى الأمس القريب؟ ومن هي “العناصر غير المنضبطة” التي تحدث عنها أحمد الشرع؟ ولماذا أمر بإرسال نحو نصف مليون مقاتل إلى الساحل السوري على مرأى العالم ومسمعه؟

مهما يكن من أمر، فإن مسؤولية النظام الحاكم في سوريا كشف ومحاسبة المسؤولين عن المذابح الطائفية التي حدثت مؤخراً في الساحل السوري.

ولحماية الأقليات السورية، على الدول العربية والمجتمع الدولي مسؤولية الضغط لكشف ملابسات هذه المجازر ضماناً لعدم تكرارها.

شبكة حماية قانونية دولية للأقليات في سوريا؟

هل توفر إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب شبكة حماية قانونية دولية للأقليات في سوريا خلال هذه المرحلة الانتقالية، بعد أن أدان وزير الخارجية الأميركية ماركو روبيو المجازر وحدد منفذيها دون مواربة، ورفعت واشنطن الموضوع إلى مجلس الأمن الدولي؟

“تدين الولايات المتحدة الإرهابيين الإسلاميين المتطرفين، بما في ذلك الجهاديين الأجانب، الذين قَتلوا الناس مؤخراً في غرب سوريا. وتقف الولايات المتحدة إلى جانب الأقليات الدينية والعرقية في سوريا، بما في ذلك المجتمعات المسيحية والدرزية والعلوية والأكراد، وتقدم تعازيها للضحايا وأسرهم. ويتعين على السلطات المؤقتة في سوريا محاسبة مرتكبي هذه المجازر ضد الأقليات في سوريا”، على حد تعبير  روبيو.

وتطالب السناتور الديمقراطية جين شاهين السلطات السورية بـ”التحقيق في ما حدث، وتقديم المسؤولين عن قتل المدنيين إلى العدالة. لأن الشعب السوري لم يقم بإسقاط نظام الأسد الوحشي ليجد نفسه مجددا في ظل قمعٍ وعنفٍ أكبر”.

من جهتها، تشير صحيفة واشنطن بوست إلى أن المجزرة في الساحل السوري “تثير تساؤلات خطيرة بشأن ما إذا كان أحمد الشرع راغباً أو قادراً على كبح جماح مجموعة واسعة من الفصائل المسلحة التي لا تزال تعمل في جميع أنحاء البلاد”. فكيف يمكن للرئيس ترامب أن يُعالج هذه المسألة بشكل جذري لمنع تكرار المذابح ضد الأقليات في سوريا؟

أيُّ سياسة أميركية تجاه سوريا ما بعد الأسد؟

الممثل الأميركي الخاص السابق لشؤون سوريا، جيمس جيفري، قال لبرنامج عاصمة القرار على قناة الحرّة: “على الولايات المتحدة أن تتبنى سياسةً أكثر وضوحاً وفعالية تجاه سوريا. هناك العديد من المشاكل مع حكومة دمشق الجديدة برئاسة الرئيس الشرع. ومع ذلك، فقد اتخذ( الشرع) خطواتٍ إيجابيةً عديدة. والأهم من ذلك، أنه الشخص الوحيد القادر على حكم سوريا حالياً؛ والشرع عازمٌ تماماً على إبعاد إيران. وهذا هو الشاغل الأمني الأكبر لنا في دول جوار سوريا، بما فيها إسرائيل والأردن وتركيا وغيرها.”

وأضاف جيفري: “لذا، أرى أننا بحاجة إلى ربط خطواتنا المستقبلية، بما في ذلك الإعفاءات أو رفع العقوبات المحتمل وتوثيق العلاقات، بخطوات نحو مزيد من دمج الأقليات، بالإضافة إلى التحقيق في عمليات القتل حول اللاذقية. والأهم من ذلك، استبعاد أيٍّ من هؤلاء الأجانب ذوي الخلفيات الإرهابية من رعاية الحكومة السورية”.

ويقول جوشوا لانديس، مدير قسم الشرق الأوسط في جامعة أوكلاهوما: “تريد الولايات المتحدة الاستقرار في سوريا. كما تريد حماية شركائها الأكراد. وتريد واشنطن أيضاً ضمان عدم تمدد داعش في المنطقة. وألا يُطلق سراح سجناء داعش فيعودوا إلى التآمر ضد السوريين والمجتمع الدولي”.

لذا، يُضيف لانديس، فإن “الحفاظ على علاقات جيدة مع كل من النظام والأكراد، أمرٌ بالغ الأهمية للولايات المتحدة، التي ترغب في ذلك. كما ستحرص الولايات المتحدة على ألا تُرهِب الحكومة الجديدة الشعب السوري، وأنها ستفي بوعودها، بإشراك جميع أطياف الشعب السوري في صياغة دستورٍ يتضمن انتخاباتٍ حرةً خلال أربع سنوات”.

انتهاء “شهر العسل الانتقالي” في سوريا؟

يحذر الباحث في معهد واشنطن آرون زيلن من “انتهاء شهر العسل الانتقالي في سوريا بعد المجازر والتضليل الذي تمارسه السلطة الانتقالية حول المجازر ضد المواطنين العلويين”.

ويضيف: “إن سلوك لجنة تقصي الحقائق في سوريا سوف يؤدي إما إلى بناء شرعية الحكومة الجديدة أو تدميرها، وكذلك احتمالات انتقال مستقر للسلطة”.

وهذا ما يحتم على واشنطن بعض السياسات تجاه أحمد الشرع وفريقه: “ربما يكون من الضروري تأجيل رفع العقوبات الأميركية إلى حين التحقق بشكل ملموس من التقدم في تحقيق انتقال ديمقراطي سلمي في سوريا. وهذا يعني تعزيز الاستقرار والعدالة الانتقالية والحكم الشامل للسوريين جميعاً، مع خدمة المصلحة الأميركية العليا المتمثلة في مواجهة إيران ووكلائها. كما أن واشنطن تحتاج إلى إجراء مناقشات صعبة مع حلفائها في أنقرة والقدس، حول تضارب مصالحهما في سوريا، وحول ضرورة ضبط تدخلهما” في الشأن السوري.

بين أحمد الشرع و”الشيطان الذي نعرفه” !

إن “أحمد الشرع جهادي منذ فترة طويلة” يقول سيبستيان غوركا، مساعد الرئيس ترامب، لقناة الحرة.  “فهل أصلح نفسه؟ هل هو رجل أفضل الآن؟ هل هو شخص يؤمن بالحكومة التمثيلية؟ اسأل المسيحيين. اسأل العلويين في المنطقة واسأل أي أحد عانى على يديّ أحمد الشرع الجهادي. لم أجد أبدا قائدا جهاديا أصبح ديمقراطيا أو آمن بالحكومة” التمثيلية.

لكن “لا يمكن إغفال أن سوريا كانت حاضنة للإرهاب في ظل حكم نظام الأسد” برأي ديفيد شنكر، الذي يضيف : “مثلما يفرض تواجد الشرع وهيئة تحرير الشام في السلطة تحديات، فإنه يمثل كذلك فرصا للولايات المتحدة؛ فسوريا لم تعد تشكل تهديدا عسكريا لجيرانها. كما أن دمشق اختارت ألا تجدد استئجار روسيا للقاعدة البحرية في طرطوس، ما يحد من الانتشار الروسي في البحر المتوسط. كما أن سوريا الجديدة ليس لها مصلحة في إدامة العلاقة الاستراتيجية مع طهران ووكلائها الإقليميين. ولم يعد بإمكان إيران تسليح حزب الله عن طريق الأراضي السورية.”

وأضاف: “نهاية نظام الأسد كانت تطورا إيجابيا للولايات المتحدة وشركائها في المنطقة. الشيطان الذي نعرفه كان سيئا لمصالح الولايات المتحدة لدرجة أنه حتى الشرع يمكن أن يكون خيارا أفضل”. حسب تعبير ديفيد شنكر، مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى خلال ولاية ترامب الأولى.

بدايات نظام فدرالي في سوريا؟

من ناحية أخرى، كيف يرى خبراء “عاصمة القرار” التوافقات الأخيرة بين الحكومة السورية المؤقتة والأكراد والدروز ودور الجيش الأميركي في تسهيل الاتفاق بين الشرع وقسد؟.

“توفر هاتان الاتفاقيتان لهذه المناطق درجة من الحكم الذاتي لم نكن نعتقد أنها ستتمكن من الحصول عليها. لقد وافق الرئيس السوري الجديد على ما يبدو أنه بدايات نظام فيدرالي في الدستور الجديد. مما يعني وفقًا لكل من الأكراد والدروز درجة من الحكم الذاتي” كما يقول الباحث الأميركي جوشوا لانديس.

هذه الاتفاقات هي “خطوات في الاتجاه الصحيح” برأي السفير جيمس جيفري، الذي يطالب “المجتمع الدولي والدول العربية والأوروبية والأمم المتحدة ومنظمات، بالعمل مع حكومة دمشق على تعزيز استقرار الوضع في سوريا وبالتالي في المنطقة بأسرها واحتواء إيران”.

فرضت المجزرة ضد العلويين في سوريا تحديات جديدة على السلطة السورية المؤقتة وعلى داعميها لمنع انحراف المرحلة الانتقالية إلى فوضى وحرب طائفية قد تؤدي إلى تقسيم بلد منهك بالحروب. فهل ينجح التعاون الأميركي الروسي بشأن سوريا في حماية البلد وتنوعه العرقي والديني؟

شربل أنطون -واشنطن

الحرة

—————————–

====================

عن التدخل الاسرائيلي السافر في سورية الجديدة، ملف تناول “شهية إسرائيلية لتفتيت سوريا” – تحديث 14 أذار 2025

تحديث 14 أذار 2025

————————

جدلية الأمن والسياسة في سورية/ حسين عبد العزيز

14 مارس 2025

أن تشنّ عصاباتٌ من فلول النظام البائد هجوماً عسكرياً مباغتاً في الساحل السوري على قوات الأمن والجيش فهذا ليس مفاجئاً من مجموعة ما تزال ترتبط أيديولوجياً ونفسياً وطائفياً بنظام الأسد، ولها مصلحة مباشرة بإسقاط نظام الحكم الجديد. وأن تخرج في السويداء مظاهراتٌ مندّدة بسياسات الإدارة الجديدة، تنتهي بإنزال العلم السوري، ورفع الراية الدرزية في محلّه، لم يكن مفاجئاً، إذ تصرّفت بعض فئات اجتماعية، منذ بداية الثورة السورية عام 2011، على أساس هُويَّاتي ضيّق. غير أنه لم يقتصر على أقلّيات، بل برز ايضاً بين الأكثرية، والمقصود هنا رجالات الأمن والجيش الجديد من الطائفة السنّية، الذين ارتكبوا إعداماتٍ ميدانيةً في الشوارع لأشخاص عزّل مدنيين.

ليس مهمّاً من الناحية المعرفية التساؤل ما إذا كانت الأقلّيات ما تزال تفكّر وتعمل على أساس هُويَّاتي، خصوصاً في اللحظات التاريخية الفارقة، حين يكون الاجتماع السياسي مهدّداً، أو مضطرباً وغير واضح المعالم، بل إن التساؤل عن أسباب سلوك الأقلّيات مسلكاً هُويّاتياً يغدو عبثياً لا قيمة معرفية له، في ظلّ مجتمع ودولة قاما (عقوداً خلت) على أساس عمودي، لا مواطنة فيه. يكون السؤال معرفياً حين يُطرح على الشكل التالي: ما هي الأسباب التي دفعت علويين في الشمال الغربي من سورية إلى البدء بعمليات عسكرية، بعد ثلاثة أشهر من سقوط نظام الأسد، وتشكّل إدارة حكم جديد؟… وهو سؤال ينطبق أيضاً على مناطق درزية؟ وربّما لاحقاً على كردية؟… لا تكفي الإجابة عن هذا السؤال اعتماداً على تباين الهُويَّة الاجتماعية: طوائف منفتحة ومتحرّرة اجتماعياً في مقابل منظومة حكم إسلامية منغلقة اجتماعياً يمكن أن تفرض رؤيتها على الجميع. كما لا تكفي الإجابة اعتماداً على التنافر الهُويَّاتي والأيديولوجي أيضاً بين الطرفَين، فمن نافلة الفعل الطبيعي أن تُعبّر الأطراف عملياً عن رؤيتها، محمولة بحمولات سياسية أو اجتماعية أو طائفية.

السؤال المهم: ما الذي دفع فلول النظام إلى الانتقال من حالة القوة إلى حالة الفعل، وما الذي دفع دروزاً إلى رفع علمهم الخاصّ بدلاً من العلم السوري؟… هنا جوهر المسألة، فالنزعات الذاتية المحكومة بأيديولوجيات ورغبات نفسية ومشاعر طائفية موجودٌ دائماً ولا تختفي بسهولة، لكنّها، وإن كانت شرطاً للتحرّك والفعل، فإنها ليست سبباً مباشراً لذلك. لقد كان للسلوكات الفردية للعناصر الأمنية والعسكرية في الإدارة الجديدة، من جهة، وغياب آلية حوار سياسي مع قيادات المكوّنات الاجتماعية السورية، خصوصاً مع أبناء الطائفة العلوية، من جهة أخرى، دورٌ رئيسٌ في استمرار المخاوف لدى الأقلّيات.

كشفت الأشهر الثلاثة الماضية من حكم الإدارة الجديدة افتقادهم فهماً للعلاقة الجدلية بين الأمن والسياسة، خصوصاً في المراحل الخطيرة أو الانتقالية. تعامل الحكام الجدد في الملفّين الأمني والسياسي من منظار أحادي الجانب. صحيحٌ أن سيطرتهم على الحكم جاءت بأقلّ التكاليف الدموية، وصحيحٌ أنهم أعلنوا من اليوم الأول انفتاحهم على جميع المكوّنات السورية باعتبار أفرادها مواطنين سوريّين، وصحيحٌ أنهم أعلنوا أنهم لن يتعرّضوا إلا لمجرمي النظام السابق، إلا أن بناء الدول لا يقوم على التطمينات والخطابات السياسية العامّة.

في الملفّ الأمني، تعاملت السلطة الجديدة وفق حكمٍ شديد المركزية، فأعلنت أن جميع المليشيات يجب أن تحلّ نفسها وتنخرط في الجيش الجديد أفراداً لا مجموعاتٍ، وليس مقبولاً بقاؤها على هذا النحو. وعلى الرغم من صحّة الدعوة نظرياً (إذ هكذا تُبنى الجيوش الحديثة على أساسٍ فرديٍّ لا على أساس مكوّنات اجتماعية لها صبغة هُويَّاتية معيّنة)، لكن الواقع السوري المتمثّل بوجود قوىً عسكريةٍ ذات لون هُويَّاتي خاص، ولها وزنٌ وارتباطاتٌ إقليمية ودولية، كان يحتم قبول دخولها في الجيش فصيلاً قائماً بذاته في المرحلة الأولى من بناء الدولة، على أن يتم لاحقاً (وخلال سنوات) عملية انصهار تدريجية داخل الجيش، وهذا ما حدث في بعض التجارب التاريخية، فالأولوية الرئيسة في مراحل الانتقال المفصلية، هي عملية بناء الثقة والاندماج في مؤسّسةٍ عسكريةٍ واحدة، بغضّ النظر عن طريقة توزّع الأفراد والجماعات فيها، فلكلّ تجربة خصوصيتها التاريخية.

في الملفّ السياسي، تعاملت الإدارة الجديدة بمركزية شديدة أيضاً، فقامت بخطوات غير مدروسة عبر تشكيلها حكومة من لون واحد، ولجنة حوار وطني، ثمّ لجنة للإعلان الدستوري. والغريب أن سلوك السلطة السياسي في هذا المجال كان يتحرّك وفقاً لمعطيات الخارج، لا الداخل، بمعنى أن هذه الخطوات كانت موجّهة إلى المجتمع الدولي من أجل الحصول على دعمه السياسي والاقتصادي، ولم تكن مبنيةً تماماً على اهتمامات فرقاء الداخل السوري. يبدو من المعطيات القائمة، أن إدارة أحمد الشرع لم تدرك العلاقة الوثيقة بين الأمن والسياسية، فلا تتحقّق الأولى من دون الثانية، فالبداية يجب أن تكون سياسيةً، وما إن يتمّ التوافق السياسي بين فرقاء الوطن حتى تصبح المسائل الأمنية والعسكرية والاقتصادية تحصيل حاصل.

من هنا، الأولية الجوهرية لبناء سورية الجديدة، وللحيلولة دون انزلاق الأمور إلى فوضى تهدّد البلد بأكمله، وعلى الرئيس وإدارته العمل بجدّية على ضمان التوافق مع المكوّنات السورية كلّها، حتى لو اضطرّ، في هذه المرحلة، إلى تقديم تنازلات عسكرية وسياسية، فمن دون نشوء ثقة وطنية بين الجميع، تبدو سورية متجهةً إلى المجهول. إنجاز هذه الأولويات مهمة الدولة الجديدة بالدرجة الأولى، قبل أن تكون مهمة الآخرين، شركاء الوطن.

العربي الجديد

—————————

هذا ما سيفعله الرئيس الشرع لمواجهة إسرائيل/ محمود علوش

14/3/2025

خطا الرئيس السوري أحمد الشرع ثلاث خطوات مُهمة نحو إعادة توحيد سوريا، ومواجهة مشاريع تقسيمها. الأولى، إفشال التمرد المُسلّح الذي قادته خلايا النظام المخلوع في مناطق الساحل بهدف إسقاط الدولة الجديدة وإشعال حرب أهلية. والثانية، إبرام اتفاق مع قوات سوريا الديمقراطية (قسد) لدمجها في الدولة الجديدة، والثالثة، الاتفاق مع أهالي ووجهاء محافظة السويداء الجنوبية على دمجها الكامل في مؤسسات الدولة.

مع ذلك، تبقى مُعضلة الجنوب السوري إشكالية ضاغطة على سوريا؛ بسبب التحركات التي بدأتها إسرائيل منذ الإطاحة بنظام الأسد واحتلالها أجزاء جديدة من الأراضي السورية ومحاولتها تأليب دروز الجنوب على إدارة الرئيس الشرع.

على الرغم من أن إسرائيل سعت في البداية إلى تسويق تحرّكاتها العدوانية في سوريا في إطار مواجهة مخاطر أمنية مزعومة تُهددها، فإن النهج الإسرائيلي أصبح بعد ذلك أكثر وضوحًا، خصوصًا بعد إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في 23 فبراير/ شباط الماضي عن نوايا إسرائيل الإستراتيجية في سوريا. وتتضمن هذه النوايا تحقيق أربعة أهداف متوسطة وبعيدة المدى.

    أولًا، تكريس احتلال المنطقة العازلة في الجولان وقمة جبل الشيخ الإستراتيجية كأمر واقع من خلال ربط التواجد الإسرائيلي فيهما بالتهديدات المزعومة بعيدة المدى التي تواجه إسرائيل من سوريا، وليس القريبة المدى. وبالنظر إلى أن المناطق المُحتلة الجديدة ليست كبيرة من حيث الحجم، فإن إسرائيل قادرة على الاحتفاظ بها، إما بهدف ضمها لها بشكل نهائي، أو بهدف تعزيز موقفها في أي مفاوضات مستقبلية مُحتملة مع النظام الجديد في سوريا.

    ثانيًا، محاولة إحداث شرخ كبير بين الدروز في جنوب سوريا والإدارة الجديدة كبوابة لتأسيس كيان درزي كمنطقة عازلة بينها وبين سوريا. ولا تقتصر وسائل إسرائيل بهذا الخصوص على تشجيع النزعة الانفصالية بين الدروز، وتقديم نفسها كحامٍ لهم، بل تشمل كذلك طرح مطلب تحويل جنوب سوريا إلى منطقة منزوعة السلاح وعدم انتشار الجيش السوري الجديد فيها، فضلًا عن اعتزام السماح للدروز بالعمل داخل إسرائيل.

    ثالثًا، تدمير ما تبقى من الأصول العسكرية التي أصبحت ملكًا للدولة السورية بعد الإطاحة بنظام الأسد من أجل إضعاف القدرات العسكرية لهذه الدولة، وتقويض قدرتها على امتلاك عناصر القوة لبسط سيطرتها على كافة أراضيها وللتعامل مع التحديات الأمنية الداخلية التي تواجهها، خصوصًا مع الأطراف: (قسد، خلايا النظام في الساحل، والتشكيلات المسلحة في الجنوب). وتندرج هذه الإستراتيجية ضمن أهداف إسرائيل في تشجيع النزعات الانفصالية على الأطراف لإضعاف السلطة المركزية في دمشق.

    رابعًا، تقويض قدرة تركيا على الاستفادة من التحول السوري لتعزيز دورها في سوريا، وفي المنافسة الجيوسياسية مع إسرائيل في الشرق الأوسط. ولهذه الغاية، تعمل إسرائيل على مسارات مُتعددة، ليس فقط محاولة إيجاد موطئ قدم لها بين الدروز في الجنوب، بل أيضًا شيطنة الإدارة السورية الجديدة للتأثير على القبول الدولي بها، والضغط على إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لعدم الاعتراف بالرئيس الشرع، وإبقاء العقوبات على سوريا كسيف مُصلت عليها لتحقيق مصالح إسرائيل، والضغط كذلك على واشنطن لإقناعها بالحاجة إلى بقاء الوجود العسكري الروسي في سوريا كضرورة لمواجهة نفوذ تركيا.

حتى في الوقت الذي يبدو فيه تقسيم سوريا أو فَدْرلتها أو تحويل الجنوب إلى منطقة منزوعة السلاح (عدم وجود الجيش السوري فيها)، غير مُمكن وغير واقعي، فإنه من المرجح أن تحتفظ إسرائيل باحتلال المنطقة العازلة وقمة جبل الشيخ الإستراتيجية لفترة طويلة.

كما ستسعى لاستثمار الفترة الطويلة التي ستستغرقها عملية بناء الدولة الجديدة ومؤسساتها العسكرية والأمنية من أجل مواصلة شن ضربات على امتداد الأراضي السورية؛ بذريعة مواجهة تهديدات مُحتملة، أو خطر وقوع مثل هذه الأسلحة في أيدي جماعات تُشكل تهديدًا لإسرائيل.

إن هذا النهج الإسرائيلي المُحتمل ينطوي على مخاطر كبيرة على سوريا وإدارتها الجديدة، لأنه سيُقوض من قدرتها على تحقيق استقرار داخلي كامل وبناء مؤسسة عسكرية قوية. ولا تبدو احتمالية الدخول في حرب مع إسرائيل واردة على الإطلاق على جدول أعمال الرئيس الشرع، خصوصًا في هذه المرحلة التي تفرض عليه تركيز أولوياته على إنجاح المرحلة الانتقالية، وإعادة بناء الدولة، وبناء علاقات جيدة مع الغرب من أجل رفع العقوبات المفروضة على سوريا وإطلاق عملية إعادة الإعمار.

لقد شدد الشرع في القمة العربية الطارئة، التي عُقدت في القاهرة، على ضرورة العودة إلى اتفاقية فض الاشتباك بين سوريا وإسرائيل لعام 1974، بما في ذلك انسحاب إسرائيل من الأراضي الجديدة التي احتلتها بعد سقوط نظام الأسد. ويعمل الشرع على ثلاثة سياقات لمواجهة التحدي الإسرائيلي.

    التأكيد على التزامه باتفاقية فض الاشتباك لإظهار رغبته في تجنب أي صدام عسكري مع إسرائيل.

    تقويض قدرة إسرائيل على استثمار الانقسامات الطائفية والمجتمعية والعرقية في سوريا من خلال السعي لدمج الحالات على الأطراف: (الشمال الشرقي، الساحل، الجنوب) في الدولة الجديدة.

    تعزيز القبول الدولي به لإقناع القوى الفاعلة في المجتمعين: الإقليمي والدولي بالضغط على إسرائيل للحد من اندفاعتها في سوريا، والعودة إلى الوضع الذي كان قائمًا في الجنوب قبل سقوط نظام بشار الأسد.

علاوة على ذلك، يُحاول الشرع توسيع هامش المناورة لديه في مواجهة التحدي الإسرائيلي من خلال تعميق الشراكة الجديدة لسوريا مع تركيا.

على الرغم من وجود مشروع لاتفاقية دفاع مشترك بين تركيا وسوريا، فإن الشرع لا يزال متريثًا في الإقدام على هذه الخطوة لاعتبارات مُتعددة. لكنه في حال تصاعد خطر التحدي الإسرائيلي على استقرار سوريا ووحدتها، فإنه قد يلجأ إلى هذه الاتفاقية للحصول على دعم تركي في تسليح الجيش السوري الجديد، وتعزيز قدرته على مواجهة هذا التحدي.

والخلاصة أن التحدي الإسرائيلي يُوجد عقبات كبيرة أمام نجاح التحول في سوريا، لكنه يُوجد في المقابل فرصًا للشرع لبلورة إستراتيجية متكاملة للتعامل مع هذا التحدي، وتعزيز القبول الدولي به كضمان لمنع اندلاع حرب بين سوريا وإسرائيل في المستقبل.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

باحث في العلاقات الدولية

——————————–

تركيا منزعجة وإسرائيل ضائعة: اليد الأميركية ترعى الشرع/ منير الربيع

الجمعة 2025/03/14

خفايا كثيرة لم تتوضح حتّى الآن حول اشتباكات الساحل السوري وخلفياتها. فإلى جانب الروايات العديدة التي أصبحت معروفة، تبقى هناك روايات أخرى، من بينها ما يرد عن دخول إيران بشكل مباشر على خطّ هذا الصراع، لأن طهران كانت قد علمت بمفاوضات جدية تقودها الولايات المتحدة الأميركية لإرساء تفاهم بين دمشق والأكراد، فجاءت معركة الساحل لقطع الطريق على أي مصالحة بين أحمد الشرع والفصائل الكردية. لكن ما يتضح أكثر هو حجم الاهتمام الأميركي بسوريا، والحفاظ على وضعية الشرع مع إعطائه فرص سياسية كثيرة. وما يمكن قوله باختصار، إن واشنطن هي التي وفرت كل مقومات الصمود للشرع، خصوصاً بعد معركة الساحل، وفي ظل المساعي المستمرة لإصلاح العلاقة مع الدروز.

غرفة عمليات

بالتزامن مع المعارك التي كانت قائمة في الساحل، كانت غرفة عمليات أميركية مهمتها مواكبة الملف السوري، تضغط في سبيل معالجة الكثير من الملفات العالقة، أولها معالجة العلاقة بين دمشق والأكراد، وبين دمشق والسويداء. وقد تركز العمل على خفض التصعيد بشكل نهائي بين دمشق وشمال شرق سوريا، بالإضافة إلى العمل على تهدئة الوضع في الساحل مع إعطاء هامش للشرع كي يحسم. شدد الأميركيون على ضرورة تجميد أي نشاط لبعض القوى العسكرية الموالية لتركيا، وخصوصاً “فرقة سليمان شاه” بقياد محمد الجاسم المعروف بلقب “أبو عمشة”. لا سيما أن الكثير من المجازر التي ارتكبت في الساحل السوري تتحمل مسؤوليتها هذه الفصائل، وخصوصاً “العمشات” و”الحمزات”. وقد اعتبر الأميركيون أن هذا سيؤدي إلى تفجير كل الواقع السوري، بالإضافة إلى إصرار الفرقتين على خوض المعارك ضد الفصائل الكردية ورفض الاتفاق. يتواصل الضغط الأميركي لإخراج هاتين الفرقتين من الساحل السوري بشكل كامل، وصولاً إلى العمل على حلّ الفصيلين. بينما في المقابل، هناك إصرار لدى الحمزة وأبو عمشة على البقاء في الساحل وعلى مواصلة القتال ضد الأكراد. وهذا يشير إلى إمكانية بروز توتر أميركي- تركي بسبب الاختلاف في المقاربات.

غطاء أوروبي

في الموازاة أيضاً، كانت هناك مفاوضات روسية سورية، أصبحت معروفة الآن بعد تصريح الشرع لوكالة رويترز حول التفاوض مع الروس على مسألة بقائهم في القواعد العسكرية في اللاذقية وطرطوس. هنا تتداخل الحسابات الجيوستراتيجية للدول على الساحة السورية. إذ أن الأوروبيين لا يعتبرون أن مصلحتهم تقتضي باستمرار السيطرة الروسية على الموانئ السورية. لذا، كانت هناك مواقف أوروبية واضحة تدعو الى الحفاظ على وحدة سوريا، ورفض حصول أي اهتزاز أمني أو عسكري. بدا ذلك وكأنه غطاء للشرع كي يحسم المعركة ويعيد السيطرة على الساحل. على الرغم من المواقف الأوروبية الواضحة التي كانت تشير إلى ضرورة حماية الأقليات ووقف ممارسة العنف، لكن الهم الأكبر هو عدم ترك روسيا هي المتحكمة بمنطقة الساحل، وتوفير الدعم للشرع كي لا يكون مضطراً للاستسلام إلى موسكو. هنا لا بد من التذكير بأن فرنسا تأخرت في إعلان الاعتراف بأحمد الشرع والترحيب بوصوله، بانتظار أن تضمن تجديد عقد شركة cma cgm في مرفأ طرطوس. وللمفارقة أنه في اليوم الذي جرى تجديد العقد صدر الترحيب الفرنسي على لسان الرئيس إمانويل ماكرون.

المصلحة الأميركية

على الرغم من هذه المواقف الأوروبية، تبقى هناك نقطة غير محسومة بالنسبة إلى الأوروبيين، وهي تتصل بالعلاقة الروسية الأميركية. إذ لم يتمكن الأوروبيون من تكوين تصور واضح حول حقيقة الموقف الأميركي من الوجود الروسي في سوريا. في المقابل، عمل الأميركيون على ممارسة ضغوط على إسرائيل لتخفيف حدة الضغط العسكري والسياسي على سوريا. فعلى الرغم من الالتقاء الأميركي الإسرائيلي استراتيجياً، هناك خلاف أساسي على طريقة إدارة الملف. ويعتبر الأميركيون أن ما يقوم به الإسرائيليون يهدد بتفجير المنطقة ككل على أساس طائفي أو عرقي أو قومي، وهو لا يصب في المصلحة الأميركية، وسط تركيز على حماية الاستقرار. لذلك، عملت واشنطن على تقديم مقترحين لمعالجة علاقة دمشق مع الأكراد ومع الدروز، مع توفير ضمانات أميركية للأكراد والدروز بعدم التعرض لهم من قبل دمشق، وتوفير كل الضمانات الأمنية لهم.

إصرار الأميركيين على تحقيق مصالحة دمشق مع الأكراد، يُعد مشكلة بالنسبة إلى تركيا، أو يندرج في سياق تضارب المصالح. أما إصرار الأميركيين على دعم الشرع ليتمكن من الحفاظ على السلطة في دمشق، مع ما يقتضيه ذلك من الوصول إلى اتفاق مع الأكراد، قد يُعد مشكلة بالنسبة إلى إسرائيل أيضاً، التي تقول منذ اليوم الأول إنها تسعى إلى تقسيم سوريا إلى مناطق نفوذ. كذلك، هناك استنفار تركي إسرائيلي. ففي الوقت الذي تسربت فيه أخبار عن نية أنقرة بناء قواعد عسكرية في البادية السورية، كانت إسرائيل تسرب مشروعها للدخول من الجنوب السوري باتجاه السويداء ومنها إلى البادية وصولاً إلى شمال شرق سوريا، أي فتح خط مباشر مع الأكراد.

هنا تزايدت الضغوط الأميركية، من أجل عدم انفجار الوضع السوري بشكل كامل. وفي موازاة كل التضارب في الحسابات، يواصل الشرع نشاطه السياسي المتصل بتكوين السلطة، من إطلاق الإعلان الدستوري، إلى البحث في تشكيل حكومة على الأرجح ستكون من 22 وزيراً. وهو سيضم إليها وزيراً كردياً، وآخر مسيحياً، مع إمكانية انضمام وزير درزي. وذلك يتوقف على توقيع الاتفاق النهائي مع الدروز في السويداء، وهم ينقسمون بين من يؤيد ويتحمس لتوقيع الاتفاق ومن لا يزال يتريث، فيما تتواصل المساعي الأميركية لإنجاز هذا التفاهم، والذي سيكون عبارة عن اعتماد مبدأ اللامركزية الموسعة، بما تتضمنه من احتفاظ كل منطقة بفصائلها وبنوع من اللامركزية الضرائبية أو المالية، بما يرضي هذه المكونات.

ما تريده إسرائيل

إسرائيل حتى الآن لا تبدو أنها تتمتع بقناعة واضحة أو برنامج لما تريده في سوريا، هناك ما يشير إلى ضياع إسرائيلي في كيفية التعاطي مع الملف السوري، وما إذا كانت تريد لسوريا أن تكون مستقرة على سلطة أساسية في دمشق مع توسيع هامش اللامركزية بالنسبة إلى المناطق الأخرى، على أن يكون ذلك مقابل دخول الشرع في مفاوضات سياسية أو ديبلوماسية معها، قد يكون الهدف منها الوصول إلى اتفاق. أم أن مصلحتها تقتضي بقاء حالة انعدام الاستقرار والصراعات الداخلية في سوريا، كي تشغلها عن التأثير في الساحات الأخرى.. أم نسج تفاهمات مع دمشق مقابل ضمان عدم التسبب بأي اهتزاز للاستقرار على الحدود مع إسرائيل، وبضمان ضبط الحدود اللبنانية، ومنع أي شكل من أشكال تهريب الأسلحة أو الأموال لحزب الله. أم أن إسرائيل تريد تكريس أمر واقع سياسي بالاستناد إلى ما حققته عسكرياً، من خلال عملية القضم العسكري والجغرافي، والاحتفاظ بما سيطرت عليه، أم أنها تريد الوصول إلى اتفاق سلام مع دمشق مع تخلي الأخيرة كلياً عن الجولان. بالنسبة إلى سوريا، فما تريده هو العودة إلى اتفاقية فض الاشتباك في العام 1974، ولا يريد الشرع الدخول في اتفاق سلام، ولا يريد التنازل عن الجولان.

تركيا وإيران

أما تركيا، فهي تعتبر نفسها متضررة من الاتفاق بين دمشق والأكراد، فهي لم تكن شريكة بما جرى، ولا تزال أنقرة تشدد على ضرورة حلّ الفصائل العسكرية الكردية، ولا توافق على اندماج هذه القوات ضمن التشكيلات السورية الجديدة. هذه التطورات، دفعت بوزير الخارجية التركي هاكان فيدان لإجراء زيارة إلى دمشق، لمناقشة كل الملفات. لكن بوادر عدم الاتفاق تظهر من خلال تراجع لدى “العمشات” و”الحمزات” عن الاستعداد لحل نفسيهما عسكرياً والانضواء ضمن التشكيلات السورية، علماً أن هذين الفصيلين يصران على مواصلة القتال ضد المجموعات الكردية.

إيران في هذه المعادلة، تبدو الطرف الأضعف والأكثر غياباً. فهي ربما أرادت استغلال أي فوضى في سوريا، من أجل إعادة فرض نفوذها وفتح طرق الإمداد العائدة لها. وهو ما حاولت التقاطع عليه مع روسيا من خلال أحداث الساحل. تلك الأحداث التي تعتبر دمشق أنها أجهضتها وقد حصلت على دعم دولي وعربي لذلك. حسابات إيران، سورياً، ولبنانياً، لا بد لها أن تنعكس على حسابات إسرائيل. فإن كانت تل أبيب تريد استمرار الفوضى في سوريا لتمرير مشروعها وتحقيق أهدافها، لا بد لها أن تنظر بعين أخرى إلى أن طهران وحدها الجاهزة للاستثمار في هذه الفوضى وإعادة ترتيب مشروعها. في دمشق، ثمة من يقول إن الحسم في ذلك سيكون بيد الأميركيين وما يتوصلون إليه مع إيران، إما تصعيداً أو تفاهماً. ولكن على الرغم من كل التحديات والمخاطر، يبقى المسؤولون في دمشق يعبرون عن ارتياحهم لمسار الأمور، وللموقف الأميركي.

المدن

—————————

كيف تقرأ إسرائيل التطوّرات في سورية؟/ أحمد الجندي

14 مارس 2025

يمثل النظام السوري الجديد مصدر قلق كبير لإسرائيل، فلطالما خشيت من تحرّر الشعوب العربية، ومن ثمّ أكثر ما يقلقها ليس الأيديولوجيا الإسلامية للقيادة السورية الجديدة فحسب، بل أن تنجح هذه القيادة في توحيد الشعب السوري بأطيافه كافّة، وأن تتمكّن من استيعاب جميع مكوّناته في مؤسّسات الدولة، ومن ثمّ يصبح بإمكانها التفرّغ لبناء دولة قوية. وعلى الرغم من حديث كتّاب إسرائيليين كثيرين عن مصلحة إسرائيل في وجود دولة سورية موحّدة ومستقرّة، مثلما كتب نائب مستشار الأمن القومي السابق في إسرائيل تشاك فريليش، فهذا يجب فهمه في إطار معايير إسرائيلية محدّدة لا تشكّل فيها سورية “المعتدلة” أيّ تهديد لدولة الاحتلال، وأن تكون مناطق الجنوب في القنيطرة، ودرعا، والسويداء “منزوعة السلاح بشكل كامل”، حسب قول نتنياهو.

ما كتبه فريليش لا يعبر في الحقيقة عن التوجّهات الفعلية للسياسة الإسرائيلية، ولا عمّا تقدّمه مراكز الأبحاث من تصوّرات تتناقض حتى مع الفكرة التي طرحها عن “الدولة الموحدة المعتدلة”. وكان معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي قد قدّم دراسةً في يناير/ كانون الثاني الماضي (2025)، تقترح ترويج دولةٍ سوريةٍ مقسّمةٍ على أساس عرقي أو طائفي بين مناطق نفوذ أربع، بدعوى حماية الأقلّيات، فتكون مناطق نفوذ الولايات المتحدة في شمال شرقي سورية لحماية الأكراد، وتكون مناطق الساحل السوري تحت نفوذ روسيا لحماية العلويين، وتتولّى إسرائيل حماية الدروز في الجنوب. أمّا السُنّة فتبقى لهم مناطق الوسط وصولاً إلى الحدود مع تركيا، وهذه، وفق الدراسة، يمكن أن تكون مناطق نفوذ تركي. وهذا التصوّر النظري استبقته الحكومة الإسرائيلية بإجراءاتٍ فعليةٍ في الجنوب السوري، وبتصريحاتٍ أطلقها رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو ووزير حربه يسرائيل كاتس، تؤكّد عزم إسرائيل على الدفاع عن الدروز في سورية، بل ومنحهم امتيازاتٍ تسمح لهم بالعمل في الجولان المحتلّ، حسب تصريح وزير الحرب الإسرائيلي، أو تخصيص أكثر من مليار دولار لدعم الدروز في هضبة الجولان، لإغراء الدروز في سورية. وبالتالي، هي تسعى إلى عزل الدروز عن الدولة السورية بزعم حمايتهم، وبهذا تكون إسرائيل قد نفّذت الجزء العملي الخاصّ بها في هذا المخطط.

ولكنّ أحداث الأيّام الماضية، بدايةً من تمكّن الدولة من فرض سيطرتها على الساحل السوري، بعد محاولة تمرّد قامت بها فلول نظام الأسد كانت على الأغلب برعاية دول أجنبية، لا يُستبعد أن تكون إسرائيل واحدةً منها، مروراً بتوصل الإدارة السورية إلى اتفاق مع قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وصفته الصحافة العبرية بالدراماتيكي، يقضي بدمج المؤسّسات كافّة، المدنية والعسكرية، في شمال شرقي سورية ضمن إدارة الدولة السورية، بما فيها المعابر الحدودية والمطار وحقول النفط والغاز، وتطبيق الاتفاق في فترة لا تتجاوز نهاية العام الحالي، وصولاً إلى احتمال التوصّل إلى اتفاق آخر بين الدولة ورؤساء العشائر الدرزية في محافظة السويداء في الجنوب… هذا كلّه، يعني أن سورية تسير بخطىً ثابتةٍ نحو توحيد البلاد تحت إدارة واحدة، وهو ما يدلّ على أن سيناريو التقسيم، وإضعاف النظام السوري، الذي تريده إسرائيل، لا يسير على النحو المطلوب. وعلى الرغم من أن الاتفاق أخيراً بين الدولة السورية والأكراد قد يحقّق مصلحةً جزئيةً لإسرائيل، على اعتبار أن وجود جهة علمانية موالية للولايات المتحدة ضمن الدولة السورية يخدم مصلحتها، فضلاً عن أن استيعاب الأكراد قد يؤدّي إلى تقليص محدود للنفوذ التركي، فإن تقوية النظام السوري، من ناحية أخرى، واحتمال إضعاف تعاون إسرائيل مع الأكراد نتيجة إدماجهم في مؤسّسات الدولة، علاوة على ما يوفّره ذلك من فرصةٍ لتفرّغ النظام لتقوية الدولة، هي أمورٌ لا تخدم مصالح إسرائيل، التي ترغب في أن يظلّ النظام السوري محاطاً بالمشكلات التي تعوق بناء دولة قوية قدّ تهدّد إسرائيل مستقبلاً.

وهكذا، انعكست هذه التطورات، التي جاءت على غير هوى الإسرائيليين، في ارتفاع نبرة الشعور بالخطر ممّا يحدث في سورية، وباتت إسرائيل أكثر تعبيراً عن شعورها بالخطر من الإدارة السورية بسبب أيديولوجيتها الإسلامية، وهي تحاول ترويج صورة تربط الإدارة السورية الحالية بالإرهاب. في هذا السياق، يمكن فهم تصريحات المسؤولين الإسرائيليين، وخصوصاً بعد أحداث الساحل السوري في الأيّام الماضية، وما ارتكبته بعض القوات السورية من انتهاكات وعد الشرع بالتحقيق فيها، فقد صرّح وزير الأمن الإسرائيلي يسرائيل كاتس بأن “الجولاني خلع الجلباب، ولبس الحُلّة ليقدّم نفسه شخصيةً معتدلةً، لكنّه الآن خلع القناع وأظهر وجهه الحقيقي، إرهابي جهادي ينتمي إلى مدرسة القاعدة”. أمّا وزير الخارجية جدعون ساعر، فحذر قادة العالم من النظام السوري، وحثّهم على عدم الثقة فيه، وعدم منحه الشرعية المجّانية، لأنّ ما يصدر من هذا النظام “الجهادي” شرٌّ محض. وهي تصريحات يجب وضعها في سياق رسم صورة نمطية للنظام السوري، وتقديمها للغرب لتكون مبرّراً “أخلاقياً” للانتهاكات التي تقوم بها إسرائيل في سورية.

ويجب أن نضع بالاعتبار أن هذه الإنجازات التي حقّقها النظام السوري (وتُعدّ بدرجة أو بأخرى فشلاً لإسرائيل)، لا تعني بالطبع فشل التصوّر الإسرائيلي كلّه، فإسرائيل ما زالت تعزّز وجودها العسكري في الجنوب السوري، وتقصف أهدافاً في العمق السوري بين وقت وآخر، بل وتصرّح بأنها لن تغادر المناطق التي احتلّتها في الجنوب بعد سقوط نظام الأسد، بدعوى حماية أمنها القومي، كما أن التصريحات الرسمية لقادة الدولة الصهيونية، وفي مقدّمتهم نتنياهو ووزير حربه، تؤكّد أنها “لن تسمح” أن تشكّل سورية تهديداً لها. وبالتالي، فإن إسرائيل ما زالت لديها أوراق للتأثير في المشهد السوري، قد تصل إلى ما وراء استمرار احتلالها للمناطق الجديدة في جنوبي سورية. وهذا الأمر الأخير منوط بمسألتَين؛ أولاهما أن تحقّق سورية نجاحاتٍ كبيرةً سريعةً في بناء الدولة وتوحيدها، وبناء قوتها العسكرية، وهي نجاحات إن تحقّقت، فسوف تنظر إليها إسرائيل تهديداً يتطلّب التدخّل العاجل. أمّا المسألة الأخرى فترتبط بمدى قدرة تركيا على المسارعة بالمساعدة في بناء الجيش السوري وتحديثه، بحيث تجد إسرائيل نفسها مكتوفةَ الأيدي أمام حرّية التحرّك في سورية، من أجل تجنّب الصدام مع الأتراك.

وعلى هذا الأساس، لا تقتصر المعضلات الإسرائيلية في سورية على فشل التمرّد في الساحل السوري، أو توقيع الاتفاق مع الأكراد، وقادة العشائر الدرزية في السويداء، بل تمتدّ إلى تخوّفات من أيّ تزايد لتأثير تركي في سورية؛ عبر تعاون عسكري، أو مساهمة في بناء الجيش السوري، وإمداده بمعدّات عسكرية حديثة، وما يرتبط بذلك كلّه من وجود مستشارين عسكريين أتراك، يمثّل تحدّياً لإسرائيل، لأنه قد يحد من حرّية حركتها في سورية، وربّما احتمال وضع تركيا في موقف الخصم، وهو وضع تتحاشاه إسرائيل، حسب الباحثة في معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي كارميت فالنس. وفي هذا السياق، على إسرائيل أن تتجنّب الدعم العلني للمنظّمات التي تعتبرها تركيا تهديداً لها، حتى لا تقوم تركيا بالمثل في مرتفعات الجولان. لكنّ هذه المحاذير لا تمنع بالضرورة أن تشكّل تركيا تهديداً محتملاً لإسرائيل يتطلّب المراقبة والاستعداد، حسب مدير المعهد تامير هيمان، الذي يرى أيضاً ضرورة أن تعمل إسرائيل على تقليص فرص قيام نظام إسلامي “متطرّف” في سورية. وهو مفهوم يرتبط، حسب تعبيره، بأن يختار النظام السوري الانضمام إلى ما أطلق عليه “معسكر الإسلام السياسي”، الذي يضمّ الإخوان المسلمين وتركيا وقطر، وأن يتّخذ مواقفَ معاديةً معلنةً تجاه الغرب، ما قد يؤدّي إلى إضعاف بعض حلفاء إسرائيل في المنطقة.

وهكذا تزيد التطوّرات السورية أخيراً تعقيدات المشهد بالنسبة لإسرائيل؛ بعد فشل تصوّراتها (حتى اللحظة) حول التقسيم العرقي أو الطائفي في سورية، لكنّها مع ذلك تحتفظ بأوراق يمكنها زيادة المشهد تعقيداً على الآخرين، ما لم يسارع المعنيون بوجود دولة سورية قوية الخطى لإنجاح التجربة هناك.

العربي الجديد

————————–

هذه أساليب إسرائيل في محاولة استمالة دروز سورية/ ضياء الصحناوي و نايف زيداني

14 مارس 2025

تواصل دولة الاحتلال الإسرائيلي اللعب على وتر الأقليات الدينية والعرقية في سورية في محاولة استغلالها لخدمة مصالحها، والإبقاء على البلد الذي يحاول النهوض، هشاً ضعيفاً متفرقاً، عملاً بمبدأ فرق تسد، الذي انتهجته ولا تزال في المنطقة بأسرها، بطرق مختلفة، لكنه يكتسب زخماً خاصاً في الحالة السورية منذ سقوط نظام بشار الأسد في 8 ديسمبر/كانون الأول الماضي. وتستمر إسرائيل بإرسال إشارات إلى دروز سورية بأنها ستحميهم، وبكلمات أخرى، تريدهم إلى جانبها، على الرغم من تأكيد مشايخ دروز سورية رفض أي تدخّل إسرائيلي. كما تحاول إسرائيل بث الخوف في نفوس الدروز والأقليات السورية الأخرى، من قبيل العلويين والأكراد، عاملة على تصيّد أخطاء النظام الجديد أو جماعات موالية له.

وتبذل دولة الاحتلال هذا الجهد لاستمالة دروز سورية إلى جانب خطواتها العسكرية في الأراضي السورية، وكل ذلك بحجة حماية أمنها وعدم السماح لجهات “جهادية” بأن تكون على “حدودها” التي هي أصلاً أراضٍ سورية محتلة في جزء منها. ومن بين أدواتها البارزة استغلال الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية للسوريين والنقاش السياسي حول وجهة البلاد وشكل حكمها المستقبلي. وفي حالة دروز سورية تحديداً تحاول استمالتهم، تارة بالإعلان عن تصاريح لدخول سوريين للعمل في هضبة الجولان المحتل، وتارة بالإعلان عن إدخال طرود مساعدات غذائية لهم، عدا عن الخطوات غير المعلنة. ويساهم في الدفع بهذا الاتجاه، الزعيم الروحي للدروز في فلسطين المحتلة، الشيخ موفق طريف، المقرّب من السلطات الإسرائيلية، والذي يواصل التلويح بورقة أن دروز سورية في خطر.

ترسيخ الوجود في القنيطرة واستمالة دروز سورية

وتبرز في هذا السياق محاولة إسرائيل ترسيخ وجودها في محافظة القنيطرة السورية عبر استمالة أهالي المنطقة وخصوصاً دروز سورية من خلال حزمة إغراءات اقتصادية وخدمية، مستغلةً الأوضاع الإنسانية الصعبة في ظل غياب مؤسسات الدولة السورية الجديدة. ويقدّم الاحتلال عروضاً للسكان المحليين تتراوح بين فرص عمل داخل الأراضي المحتلة برواتب مرتفعة، وتقديم مساعدات غذائية وطبية، وبناء مدارس ومستشفيات، وتمديد شبكات كهرباء ومياه. وتصطدم هذه المحاولات بجدار رفض شعبي واسع، من أهالي القنيطرة عموماً ومن أبناء القرى الدرزية على وجه الخصوص. فبينما تحاول إسرائيل توظيف الانتماء المذهبي عبر دعوة وجهاء دروز لزيارة الجولان المحتل والالتقاء بالشيخ موفق طريف، يرفض المشايخ والوجهاء بمعظمهم هذه الدعوات، معتبرين أنها “استغلال لانتمائنا الديني لتلميع صورة الاحتلال”. كما تأتي هذه الخطوات بالتزامن مع توسع عسكري إسرائيلي غير مسبوق، حيث أقامت قوات الاحتلال 12 موقعاً عسكرياً جديداً في محافظة القنيطرة، مجهزة بمرافق سكنية وطرق معبدة، ما يُنذر بتحويل المنطقة إلى مستوطنات عسكرية ذات وجود طويل الأمد.

وكشفت مصادر خاصة بـ”العربي الجديد” عن مساعٍ إسرائيلية مكثفة لترتيب زيارة 100 شخصية درزية من قرى القنيطرة وريف دمشق الجنوبي الغربي كحضر وعرنة إلى الجولان المحتل، للقاء الشيخ موفق طريف، وذلك بالتنسيق مع جيش الاحتلال. كما أفادت وكالة فرانس برس أمس بأن وفداً يضم عشرات رجال الدين السوريين الدروز يستعد للتوجه نحو إسرائيل اليوم الجمعة في زيارة دينية. ويعتزم رجال الدين الدروز أن يعبروا برّاً من الأراضي السورية باتجاه إسرائيل من خلال بلدة حضر الحدودية التي تقع في ريف القنيطرة، وزيارة مقام النبي شعيب، ولقاء الشيخ طريف.

وقالت المصادر التي تحدثت لـ”العربي الجديد” إن إسرائيل تحاول إغراء الأهالي عبر وعود بـ”تحسين أوضاع الطائفة أمنياً وسياسياً”، لكن الرفض كان حاسماً من قبل معظم مشايخ ووجهاء الطائفة في هذه القرى، مؤكدين أن “الدم السوري أمانة لا تُباع بمساعدات وإغراءات مادية أو بتجييش مذهبي مفتعل”، كما قال أحد وجهاء حضر لـ”العربي الجديد”. وأضاف: “إن دعوتنا للجولان محاولة لضعضعة هويتنا السورية. نحن لسنا ورقةً في يد الاحتلال. دماء شهدائنا من الجولان والقنيطرة تربطنا بالأرض، وليس بأحد آخر، نحترم الشيخ طريف لمكانته الدينية في الطائفة، لكننا نعتبر أننا لنا انتماءنا الوطني وله انتماء آخر من حيث السياسة وهذا الأمر لا يعنينا”.

كما قال أحد مشايخ بلدة حضر، طالباً عدم ذكر اسمه، لـ”العربي الجديد”: “تربطنا بدروز الجولان وفلسطين المحتلة أواصر قرابة ودم، لكن هذا لا يعني أن أحداً منا تخلى عن انتمائه لأرضه ووطنه. كلٌ يرى الأمور من زاويته ووفق مصلحته سياسياً، ونحن لا نرى مصلحتنا إلا في سورية، فهنا أرضنا وهي انتماؤنا، ولسنا مستعدين للتخلي عن انتمائنا مقابل أي مغريات، والزيارة المطروحة جاءت بدعوة من الداخل الفلسطيني، ولسنا ملزمين بها”. ونفى الشيخ وجود أي ضغوط على وجهاء ومشايخ الطائفة في حضر من قبل الجانب الآخر، مردفاً: “عندما نريد أن نزور مقاماتنا الدينية في الجولان وفلسطين فسيكون ذلك بعد رحيل من احتلهما، نحن لا نساوم على كرامتنا وتاريخنا يشهد على ذلك”.

وأشار إلى أن “من يريدوا تلبية دعوة الزيارة فهم أحرار وهم قلائل، وليسوا من الوجهاء أصلاً، ولكن لن نسمح أن يكون ذلك وصمة عارٍ على الطائفة”. وأوضح أن “هناك آخرين من أبناء قرى القنيطرة من باقي الطوائف في سورية متحمسون للذهاب للعمل في الأراضي المحتلة، وأنا لا ألومهم رغم رفضي الشخصي القاطع لذلك كونه استغلالاً إسرائيلياً واضحاً لحاجات الناس الفقراء، إنما ألوم الحكومة في دمشق وتهميش المحافظة، وترك الأهالي فيها يلقون مصيرهم ويواجهون الاحتلال عزّلاً منفردين، وكأننا لسنا مواطنين من هذه البلاد”. وقال إنه لا يعرف أعداد الراغبين بتلبية دعوة الزيارة إلى الجولان، مرجحاً أنها ستكون قليلة إن حدثت.

وبخصوص المساعدات والعروض الإسرائيلية لأهالي البلدة والمحافظة، قال الشيخ لـ”العربي الجديد” إن “القسم الأكبر من البلدة ومن المحافظة رفض أي مساعدات أو عروض إسرائيلية، لكن هنالك العديد من العائلات المعدمة قبلت المساعدات سواء من حضر أو من القرى الأخرى التي يقطنها أخوتنا السنة وطوائف أخرى، وأنا لا أرى أن هؤلاء قد يستحقون أن يتم تخوينهم، فمن يرَ ظروف الناس يبتعد عن الملامة، هنالك أسر كثيرة في البلدة والمحافظة تعاني الفقر المدقع، وحتى الآن لم تتقدم الحكومة الانتقالية بشكل جدي لتفقد أحوال الناس، شأنها شأن النظام السابق تضع المحافظة في آخر أولوياتها”.

وفي قرية المعلقة بالقنيطرة، رفض الأهالي قبل نحو شهر استلام شحنة مساعدات إسرائيلية قدمتها قوة عسكرية مدرعة، فيما دخل مختار القرية خضر العقلة بسجال مع دورية الاحتلال، وقام بطرد الجنود بقوله: “اخرجوا من أرضنا. المساعدات لا تغسل عار الاحتلال”. وتكرر المشهد في قرى الدواية والسويسة وعرنة، حيث أحرق الأهالي هذه المساعدات ومنهم من لم يسمح للقوات الاسرائيلية بإدخالها لمنطقته أبداً. وقال محمد البكر من أبناء القنيطرة لـ”العربي الجديد” إن “دورية لقوات الاحتلال وقفت أمام منزلي وسألتني عن الواقع المعيشي والخدمي في القرية وعرضت عليّ العمل في مستوطنات الجولان براتب 100 دولار يومياً قبل أسابيع، لكنني رفضتُ وقلتُ لهم أن يبقى أطفالي جوعى أفضل من أن يأكلوا من مال يسرقه محتل من أخوتي في الجولان وفلسطين”.

مساعدات غذائية وتطمينات أمنية

وفي إطار الضغط الاقتصادي، يقوم جيش الاحتلال بعمليات إحصاء سكاني في قرى القنيطرة، منذ شهر ونصف، ويقدّم خلالها فرص عمل داخل إسرائيل، لكن الأهالي دائماً يجيبون بالرفض. وللتضييق على أهالي المحافظة، تلجأ قوات الاحتلال لاعتداءات تطاول أرزاق الأهالي، كإطلاق النار على قطعان الأغنام كما حدث في قرية الرفيد عدة مرات، مما أدى إلى نفوق 100 رأس، أو بتجريف الأراضي الزراعية الخاصة وقطع الأشجار لفتح الطرقات أمام آلياتها العسكرية. وهذا ما يراه الأهالي خطوة لحصارهم في أرزاقهم، لكنهم على الرغم من ذلك يحاولون الصمود ومواصلة مقاومة محاولات الإرضاخ القسري. وقالت مريم من بلدة أوفانيا بريف القنيطرة: “أطفالنا ينامون جوعى، لكننا نرفض أن نأكل من يدٍ حرقت بيوتنا، الاحتلال يريدنا عبيداً، ولن نكون”.

وضمن التنفيذ الفعلي للمخططات الإسرائيلية في سورية، تبرز تعليمات وزير الخارجية جدعون ساعر، لنقل طرود غذائية، مساعدات إنسانية لصالح دعم الدروز في سورية. وزعمت صحيفة معاريف العبرية، أنه في إطار عملية نُفذت خلال الأسابيع الأخيرة، أدخلت إسرائيل حتى اليوم 10 آلاف طرد، من المساعدات الإنسانية للدروز المقيمين في مناطق القتال داخل سورية، وأن هذه العملية نُفذت بالتنسيق والتعاون مع موفق طريف، وبالتعاون مع المجلس الديني الدرزي، والجيش الإسرائيلي، وجهات أخرى في المنطقة. وتحتوي الطرود على مواد أساسية مثل الزيت، والملح، والطحين، والسكر، والأرز وغيرها، ونُقل معظمها إلى جبل الدروز في السويداء، بينما تم إيصال بعضها إلى قرى درزية قريبة من الحدود. وزعم ساعر في وقت سابق أنه “لدينا تحالف شجاع مع إخواننا الدروز. من حقنا أن نقدّم لهم المساعدة. في منطقة سنبقى فيها دائماً أقلية، من الضروري والصحيح مساعدة الأقليات الأخرى”. تأتي تصريحات ساعر في وقت، تحتل فيه إسرائيل جزءاً من بلادهم وتنشئ منطقة عازلة بعمق 80 كيلومتراً داخل الأراضي السورية وتتمركز على سفوح جبل الشيخ، كما تواصل تهديد النظام الجديد وتحذّر من اقتراب القوات السورية من الحدود التي حددتها هي. وقبل ثلاثة أيام، نفّذ سلاح الجو الإسرائيلي 40 غارة في جنوب سورية، قال جيش الاحتلال إنه استهدف خلالها أنظمة رادار، ودبابات، وأسلحة مختلفة، ومخازن ذخيرة، ومواقع عسكرية.

ومن خلال إشاراتها للدروز تحاول دولة الاحتلال عملياً الترويج إلى أنها سندهم والظهر الذي يحميهم، وأنها تعتزم الحفاظ على علاقات حسن الجوار معهم، وكل ذلك ضمن مخططاتها لاستغلالهم وإثارة النعرات الطائفية والفئوية لدى السوريين، من أجل الدفع باتجاه تقسيم سورية. وعليه، أعاد وزير الأمن الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، يوم الأربعاء الماضي، تأكيد ما زعم أنه التزام إسرائيل بالعمل لمنع أي اعتداء من قبل النظام الجديد أو من قبل جهات “جهادية” على المدنيين السوريين المقيمين شرق جبل الشيخ وفي جبل الدروز في سورية. ويخطط جيش الاحتلال لإقامة طويلة الأمد على سفوح جبل الشيخ المحتل. وأكد كاتس، خلال جولة قام بها على الجبل برفقة مسؤولين عسكريين أن “إسرائيل أوضحت أن وجودها في جبل الشيخ السوري (في إشارة إلى الجزء الذي احتلته حديثاً) طويل الأمد وغير محدد بجدول زمني”.

وكشفت صور أقمار اصطناعية نشرتها صحيفة واشنطن بوست الأميركية أواخر الشهر الماضي عن بناء 7 قواعد عسكرية إسرائيلية جديدة في القنيطرة، تمتد من جبل الشيخ إلى حوض اليرموك، مع شبكة طرق تربطها بالجولان المحتل. وتضم القواعد مرافق سكنية ومستوصفات ومراكز قيادة، ما “يؤكد نيّة الاختلال بالبقاء الطويل” وفق نشطاء من المحافظة. وحول ذلك، قال أحد مزارعي قرية معرية من ريف درعا الغربي الجنوبي والواقعة على الحدود الإدارية مع محافظة القنيطرة في منطقة حوض اليرموك: “دمّروا أراضينا الزراعية لشق طرق عسكرية، منعونا من دخول 3000 دونم، ومواشينا تموت جوعاً. لكنّ الأرض أغلى من الخبز”. فيما أكد رامي من بلدة حضر في القنيطرة أن الاحتلال انتهى منذ أسابيع من تحصين المقرات التي احتلها في سفح جبل الشيخ وعلى التلال المحيطة، والإنشاءات التي بناها واضحة ومخدمة بشكل كامل يتضح للعيان، مشيراً إلى أن ذلك يشي بأن الاحتلال يؤكد نيّته بالبقاء. وخلال ثلاثة أشهر ونصف الشهر، خرج آلاف الأهالي في تظاهرات بمدينتي خان أرنبة وجباثا الخشب تنديداً بالاحتلال والتوغلات التي ينفذها داخل المحافظة، رفعوا فيها علم سورية ورددوا هتافات تؤكد هوية القنيطرة والجولان السورية، ورفضوا بقاء إسرائيل.

في غضون ذلك، تتواصل الاعتداءات العسكرية الإسرائيلية على سورية، وآخرها أمس الخميس عبر غارة استهدفت ما قال الجيش الإسرائيلي إنه مركز تابع لحركة الجهاد الإسلامي في دمشق “استُخدم للتخطيط وتوجيه الأنشطة للجهاد ضد إسرائيل”. وأكدت مصادر محلية لـ”العربي الجديد” أن الهجوم استهدف منزلاً سكنياً بالقرب من دوار حمشو في مشروع دمر، شمال غربي دمشق. لكن المتحدث باسم “الجهاد” محمد الحاج موسى قال إن العدوان استهدف منزلاً خالياً وليس مقراً قيادياً للحركة.

————————-

سورية… الجريمة وتداعياتها/ حسام كنفاني

14 مارس 2025

لا يمكن وصف ما شهده الساحل السوري في الأيام القليلة الماضية إلا بأنه جريمة مكتملة العناصر، طاولت مدنيين آمنين في حملة انتقامٍ طائفيةٍ لا يستطيع أحدٌ أن ينكرها، وفي المقدمة تأتي السلطة الجديدة برئاسة أحمد الشرع التي أقرّت بحصول “انتهاكاتٍ” من عناصر محسوبين على هيئة تحرير الشام، من المفترض أنهم باتوا أفراداً في الأجهزة الأمنية الجديدة، وشكّلت لجان تحقيق للتدقيق بما حدث ومحاسبة المتورّطين.

كثير من السرديات خرج لشرح  الجرائم (وتبريرها) باعتبارها وقعت من “أفرادٍ غير منضبطين”، وأن لا علاقة مباشرة لـ”الأمن العام”، وهو المسمّى الجديد للقوى الأمنية التابعة للهيئة. غير أن حجم الاعتداءات والإعدامات في عديد من مدن الساحل السوري وقراه يؤكّد أن الأمر أكبر من “أعمال فردية”، ويقترب من العمل الانتقامي المنظّم، خصوصاً إذا ما نظرنا إلى عدد القتلى الذين سقطوا، وسيتكشف مع الوقت. فرغم أن عدد الضحايا الموثقين لا يزيد عن الألف، تتحدّث تقديراتٌ عن أن العدد قد يتخطّى خمسة آلاف.

وحتى لو افترضنا أن كل ما حدث كان نتيجة انفلات عناصر لا تُدين بالولاء الكامل لهيئة تحرير الشام أو الأجهزة الأمنية الجديدة، فذلك لا يُعفي السلطات من المسؤولية، خصوصاً أن هذه العناصر عملياً تعمل تحت لواء السلطة، بعد قرار حلّ الفصائل وإدماجها ضمن الأجهزة الأمنية الجديدة، وهو ما أدركه النظام بإعلانه تشكيل لجنة التحقيق، والتي نأمل أن تكون جدّية في المحاسبة والعقاب.

ما جرى يحمل مخاطر وتداعياتٍ كثيرة على سورية الجديدة التي كنّا متفائلين بنهوضها بعد أكثر من 50 عاماً من حكم حزب البعث. بداية التداعيات داخلية، وتطاول، بالدرجة الأولى، الفئات التي تعتبر نفسها أقليةً في النسيج السوري، التي لم تعد تشعُر بالأمان في محيطها، وهو ما يفتح باباً للتدخّلات الخارجية في الوضع السوري. وفعلاً خرجت مطالباتٌ كثيرة بالوصاية الدولية لحماية “الأقليات” في سورية. ويضاف إلى ذلك المحاولات الإسرائيلية، السابقة لأحداث الساحل، لاختراق المجتمع الدرزي السوري من باب “الحماية”. مثل هذه المحاولات المتوقع أن تتضاعف، وقد تجد لها آذاناً أكثر إصغاء في هذه المرحلة.

واضحٌ أن السلطات الجديدة تدرك ذلك، وسارعت إلى محاولة احتواء الأمر وتطمين أطياف المجتمع. ولعل الاتفاق الذي وقّعه الشرع مع زعيم “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، مظلوم عبدي، خطوة كبيرة في هذا الاتجاه، غير أن العبرة في التطبيق، وخصوصاً أن العناوين في الاتفاق عامة جداً، ومن شأن عدم الاتفاق على تفاصيلها إفشال أي تفاهمات، سواء بالنسبة إلى كيفية دخول قوات “قسد” في الجيش، أو نسبة توزيع النفط بين المحافظات، وغيرها نقاط كثيرة ستدرسها اللجان على مدى عام.

لا تقلّ التداعيات الخارجية لأحداث الساحل أهمية، سيما أن السلطة الجديدة تعوّل بشكل أساسي على انفتاح الخارج عليها لمحاولة ترميم الواقع الاقتصادي المنهار في الداخل. لم تعفِ المواقف الغربية من جرائم الساحل السلطة من المسؤولية، ما من شأنه أن ينعكس على أي تقدّم محتمل في خطوات رفع العقوبات عن سورية، والسماح بتدفق الأموال إليها. ولا شك أن تقارير ستصدُر قريباً عن منظمّات حقوقية دولية تفند الوضع وتوثق الأحداث، ما قد يزيد تعقيد الموقف الدولي من النظام والانفتاح عليه والثقة به.

السلطة الجديدة اليوم في موقف حرج، فعدم رفع العقوبات والتخفيف من الفقر يعني مزيداً من التوترات الداخلية، لذا عليها اتخاذ خطوات أكثر جدّية في مكافحة آفة الطائفية في الداخل السوري قبل استفحالها، وإثبات أنها جديرة بالثقة في قيادة سورية إلى برّ الأمان، وليس إلى الهاوية، في هذه المرحلة الانتقالية.

العربي الجديد

————————

جدل بشأن وثيقة التفاهم الموقعة بين السويداء ودمشق/ أيمن الشوفي

14/3/2025

خلال يومين جرى تداول محضر التفاهم الذي خرج من دارة قنوات، حيث مقرّ الرئاسة الروحية للموحدين الدروز على أنّه وثيقة تفاهم طوت نهائيا صفحة الخلاف بين السويداء من جهة، وحكومة دمشق من جهة أخرى، واحتشد حول المحضر الكثير من اللغط بحيث اعتبره متابعون كوثيقة استعادت كفاءة العلاقة التشاركية بين السويداء ودمشق.

وتمخّض عن محضر التفاهم 12 بندا هي:

    تفعيل الضبطية العدلية فورا.

    تفعيل الملف الشُرَطي والأمني ضمن وزارة الداخلية.

    تنظيم الضباط والأفراد المنشقين وكافة الفصائل المسلحة في وزارة الدفاع.

    صرف كافة الرواتب المتأخرة للموظفين فورا.

    إعادة النظر بجميع المفصولين عن العمل قبل تاريخ الثامن من ديسمبر/كانون الأول 2024، وأولوية التوظيف لمن تم فصلهم تعسفيا قبل ذلك التاريخ.

    إصلاح المؤسسات التابعة للدولة ماليا وإداريا.

    الإسراع في تعيين أعضاء المكتب التنفيذي المؤقت لتسيير حاجات الموظفين.

    الحفاظ على السلم الأهلي ومنع التعدي على الأملاك العامة والخاصة.

    إزالة التعديات على أملاك الدولة والطرقات ضمن خطة مدروسة وإيجاد البديل.

    اتخاذ مبنى الحزب سابقا كمقر رئيسي للجامعة.

    اعتبار الموقعين على هذه البنود بمثابة لجنة متابعة لتنفيذها.

    على الجميع العمل على استمرار التشاور وإيجاد الحلول لأي مستجدات أو وقائع لم تغطَّ بما ذكر أعلاه، على أن تتعهد الدولة بتنفيذ تلك البنود وذلك بالتعاون مع أبناء محافظة السويداء.

شكاوى وطلبات

وقال المحامي أسامة الهجري، المستشار القانوني للرئيس الروحي لطائفة الموحدين الدروز حكمت الهجري للجزيرة نت: “إن مسوّدة الطلبات الموجهة من بعض المواطنين لا تُسمّى اتفاقا مع أحد، ومن وقّع على المحضر ليس منتخبا لتوقيع أي اتفاق، وكلٌّ منّا يمثل نفسه فقط”.

وأضاف أن توجيه طلبات إلى “من هم في جهة حكومية بغض النظر عن شرعية وجودهم أو صفتهم، لا يُعتبر وثيقة كما أُشيع، إنما الحديث هنا عن شكاوى وطلبات المواطنين وجّهت إلى من هو في موقع حكومي إداري، وهو يمثل الحكومة المؤقتة في موقع خدمي”.

ويعتبر الهجري بأن محافظ السويداء مصطفى بكّور قد أخطأ بنشره مسوّدة الاجتماع على أنه وثيقة واتفاق، وعلمت الجزيرة نت بأن أسامة الهجري سحب توقيعه من ذلك المحضر بسبب نشر المحافظ لتلك المسودة غير المكتملة.

لسنا على خصام

ويقول عضو مؤتمر الحوار الوطني جمال درويش، للجزيرة نت: “جرى توقيع مذكرة تفاهم تتضمن عدة بنود بين المحافظ ممثلا للحكومة، ولجنة مكلّفة من سماحة الشيخ حكمت الهجري، وهذه المذكرة تمت كتابتها لكن ليس على أنها اتفاقية، لأن الاتفاقية تجري بين فريقين متخاصمين كالذي جرى بين شرقي الفرات والحكومة في دمشق، بينما السويداء ليست على خصام، ولا يوجد انفصال عن دمشق”.

وأضاف درويش: “وقّعنا مذكرة تفاهم من أجل أن تتابع الدولة أداء وظيفتها الحكومية ضمن مطالب حددتها الوثيقة، وما تم التفاهم عليه هو تنظيم إدارة المحافظة من قبل المحافظ وتعيين أعضاء مكتب تنفيذي إضافة إلى لجنة تساعدهم في أعمالهم، وهذه اللجنة مكوّنة من الذين وقعوا مذكرة التفاهم”.

وبرأي درويش فإن مذكرة التفاهم تلك حققت حالة من الارتياح داخل الحاضنة الشعبية في السويداء لأن الجميع يبحث اليوم عن تنظيم الأمور الحياتية للناس، وتحسين الواقع الخدمي والاقتصادي والأمني، وذكر أيضا أن المحافظ صرح بأنه تم إرسال 300 مليون ليرة سورية من أجل إصلاح وتأهيل جميع آبار المياه لكي لا تقع السويداء بأزمة مياه في فصل الصيف القادم.

نهج تشاركي

من جهته يشترط شيخ عقل الدروز في السويداء الشيخ حمود الحناوي ضرورة اتباع نهج تشاركي شامل في أي مسعىً يتعلق بالشأن العام، وقال للجزيرة نت: “لا يُتخذ أي قرار إلا بعد التشاور مع جميع المرجعيات في السويداء من مشايخ عقل وقيادات سياسية وعسكرية وموافقة كامل الجبل وذلك بهدف ضمان التوافق والحصول على موافقة واسعة النطاق”.

ولا يزال تمثيل الإدارة السياسية الجديدة محدودا في السويداء، حتى إن المحافظ مصطفى بكور لا يقيم في المسكن المخصص للمحافظ حتى الآن، بل يحضر ويغادر ضمن ساعات الدوام الوظيفي المحددة له.

ويقول مدير المكتب السياسي لدى قطاع الجنوب في المجلس العسكري نجيب أبو فخر للجزيرة نت: “لا يوجد أي اتفاق موقّع بين دمشق والسويداء على وحدة المصير باعتبار أن السويداء ودمشق جزء لا يتجزأ من دولة واحدة، والاتفاقية الموقّعة هي عبارة عن تفاهمات سبقتها لقاءات عديدة استمرت لأكثر من 3 أشهر بدءا من سقوط النظام السابق”.

يضيف أبو فخر: “انطلقت مساعٍ لنسج التفاهمات بهدف تعزيز دور الدولة السورية، والمشاركة في بناء مؤسساتها، مع التركيز على المضامين الأمنية، وتتمحور هذه التفاهمات حول ضمان أن تكون القيادة العسكرية في دمشق سوريةً خالصة من دون عناصر جهادية أو أوزبكيّة، وأن يتولى عناصر وضباط من أبناء السويداء فقط إدارة أمن المحافظة، باستثناء بعض التخصصات الدقيقة كالمخابرات الجنائية، والتي قد يُستعان بخبرات من العاصمة دمشق”.

الموافقة على الطلبات

وبحسب أبو فخر فإن جميع المطالب المقدّمة من السويداء حظيت بموافقة دمشق، ويضيف أيضا: “تُصرّ السويداء على إقامة دولة وطنية تشاركية، تُعزز التعددية والتداول السلمي للسلطة، وقرارنا ألا نكون خنجرا في خاصرة الحلم السوري من أجل بناء دولة قوية، فهذه فرصة للانخراط وبناء الدولة السورية التي نريد”.

ووفقا لتطبيق مذكرة التفاهم، فقد تقدّم أمس الخميس قرابة 800 شخص من أبناء السويداء لأجل الانتساب إلى جهازي الأمن العام ووزارة الدفاع السورية، بعد افتتاح مركز للتجنيد في بلدة المزرعة يقوم عليه مندوبون من قبل وزارتي الداخلية والدفاع في حكومة دمشق.

ويعتبر محمود السكر عضو اللقاء التشاوري في السويداء، بأن الوثيقة كانت محط إجماع ما بين معظم القوى السياسة والعسكرية في السويداء، معتبرا أن كل مطالب السويداء وطنية وتنادي بالمواطنة المتساوية، والدولة العلمانية والديمقراطية، ودولة القانون، وفصل السلطات.

ويضيف السكر أن السويداء تتمتع بمناخ سياسي يسمح بتداول الآراء بحرية، لافتا إلى أن الوثيقة المذكورة تمثل اجتهادات من أبناء السويداء وأنها خطوة ولو بطيئة نحو بناء الدولة.

خطوة إيجابية

وينظر الأمين العام للتحالف الوطني السوري خالد جمول إلى مسوّدة المحضر الموقّعة في دارة قنوات بأنها خطوة إيجابية لما تضمنته من مطالب تركز على تفعيل دور الحكومة والمؤسسات والدوائر الرسمية، وخاصة الضبطية العدلية والشرطية.

واعتبر جمّول في حديث للجزيرة نت أن تنفيذ بنود الاتفاقية هو أقل ما يمكن أن تنجزه الحكومة في هذه المرحلة، وذلك بالنظر إلى العديد من المهام العاجلة الملقاة على عاتقها، سواء على صعيد السويداء، أو على صعيد باقي المحافظات.

من جهته، صرّح سمير شرف الدين أحد قيادات المجلس العسكري في السويداء بأن الوثيقة التي تم توقيعها تعد وثيقة مطالب، وليست وثيقة تفاهم، وأضاف للجزيرة نت: “من هذا المنطلق أظهر سماحة الشيخ الهجري تخوّفه من الظروف الحالية التي تعيشها البلاد، لكن وعندما تُدار سوريا من قبل حكومة وطنية حقيقية نستطيع حينها التعامل مع تلك الحكومة”، على حد قوله.

وأكد شرف الدين بأنهم كمجلس عسكري يتبنون فكرة سماحة الشيخ الهاجري، كون المجلس العسكري هو صمام أمان المحافظة، ولم يُبنَ على أساس طائفي أو فصائلي أو مليشياتيّ، وقال أيضا: “لقد تم وضع وثيقة فيها شروط للتعامل مع وزارة الدفاع، وتم فيها تبيان أن المجلس العسكري هو السلطة الوحيدة من أجل أن تتعامل دمشق مع محافظة السويداء، إلا أن طلبنا لم يلقَ القبول”.

وليلة أمس الخميس رفعت فصائل مسلحة راية الدروز في ساحة تشرين داخل المدينة، وترافق ذلك بإطلاق كثيف للنيران وسط صيحات تطلب من الدروز الذين يريدون الشرع بأن يغادروا إلى دمشق.

المصدر : الجزيرة

————————

قرارات الرئاسة السورية… محاولة لتعزيز الثقة/ محمد أمين

14 مارس 2025

أصدر الرئيس السوري أحمد الشرع، أول من أمس الأربعاء، قراراً يقضي بتشكيل مجلس الأمن القومي بـ”هدف تنسيق وإدارة السياسات الأمنية والسياسية في البلاد”. ووفق القرار، فإن المجلس سيكون برئاسة رئيس الجمهورية، وسيضم في عضويته وزراء الخارجية والدفاع والداخلية، إضافة الى مدير الاستخبارات العامة، ومستشارين يتم تعيينهما من قبل رئيس الجمهورية وفقاً للكفاءة والخبرة، وخبيراً تقنياً متخصصاً لمتابعة الشؤون التقنية والعلمية ذات الصلة بعمل المجلس. ويضاف هذا القرار إلى مجموعة قرارات صدرت عن الرئاسة السورية خلال فترة زمنية قصيرة، يبدو أن الهدف الرئيسي منها استعادة ثقة المواطن بالدولة، لا سيما بعد ما رافق العملية العسكرية ضد فلول الأسد في الساحل السوري من انتهاكات وجرائم بحق المدنيين، بما في ذلك تشكيل أكثر من لجنة للحفاظ على السلم الأهلي الذي تعرض بعد الثامن من ديسمبر/كانون الأول الماضي، بعد إسقاط الأسد، لأكثر من اختبار.

مساعي الرئاسة السورية

 كما سعت الرئاسة السورية الى إرسال تطمينات للأقليات الدينية والمذهبية، وأنها لن تتسامح مع أي شخص أو طرف يهدد السلم الأهلي، لذا شكّلت لجنة في هذا الإطار في الساحل، فضلاً عن لجنة لتقصي الحقائق عما حدث من تجاوزات بحق مدنيين في المنطقة. وواصلت الرئاسة السورية بذل الجهود من أجل التوصل مع الفعاليات الاجتماعية والدينية والعسكرية في محافظة السويداء، لتفاهمات تبدد مخاوف سكانها وتفعّل المؤسسات الحكومية، خصوصاً الأمنية والخدمية. كما توصلت الرئاسة السورية لاتفاق وُصف بـ”التاريخي” مع “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) قبل أيام.

وهددت التجاوزات التي حدثت أخيراً بحق مدنيين على أساس طائفي، الاستقرار والسلم الأهلي في البلاد، ما استدعى هذه القرارات والخطوات لرأب الصدع بين مكونات الشعب السوري. ومنذ سقوط نظام الأسد في الثامن من ديسمبر الماضي، وُضع السلم الأهلي أكثر من مرة على محك المخاوف والهواجس، التي تفجرت مدفوعة بتردي الحالة المعيشية وتراجع الاقتصاد وتردد أطراف دولية في رفع العقوبات المفروضة على سورية.

وتعليقاً على سلسلة القرارات والخطوات التي أقدمت عليها الرئاسة السورية خلال فترة زمنية قصيرة، رأى الباحث في مجال الهوية والحوكمة، زيدون الزعبي، في حديث لـ”العربي الجديد”، أن هذه الخطوات “مهمة بالتأكيد، ولكنها غير كافية”، مضيفاً أن البلاد بحاجة إلى إنشاء هيئة عدالة انتقالية في أسرع الآجال، وهيئة للوفاق والسلم الأهلي. اللجنة التي شُكّلت لهذا الغرض جيدة إلا أنها تشمل منطقة الساحل فقط. موضوع السلم الأهلي بحاجة إلى عمل وطني كبير.

في السياق، رأى الباحث السياسي عرابي عرابي في حديث مع “العربي الجديد” أن تشكيل مجلس للأمن القومي من قبل الرئاسة السورية: “سيكون مهماً لدعم البلاد في السياسة الخارجية والاقتصاد والأمن”، مضيفاً أن موضوع السلم والاستقرار من مهام هذا المجلس الذي سيصدر القرارات التي ستنفذها الوزارات المعنية. وأعتقد أن السلم الأهلي يتطلب إجراءات على مستويات متعددة، اقتصادية واجتماعية وتنموية، فضلاً عن العمل السياسي الدؤوب. وعُدّ تشكيل مجلس لـ”الأمن القومي” خطوة غير مسبوقة في تاريخ سورية، فرضتها تحديات داخلية تهدد السلم الأهلي والاستقرار، وخارجية تستهدف السيادة والجغرافية، وأبرز مثال عليها التدخل الإسرائيلي في جنوب سورية، المصحوب بتهديدات لفظية من كبار المسؤولين في تل أبيب حيال الإدارة الجديدة في سورية.

تشكيل مجلس الأمن القومي

حول ذلك، رأى الباحث السياسي عبد الرحمن الحاج في حديث مع “العربي الجديد”، أن “تشكيل مجلس الأمن القومي خطوة مهمة تساعد على الاستجابة السريعة للتهديدات واتخاذ القرار المناسب”. وأضاف أن مأسسة الاستجابة للتهديدات المتعلقة بالأمن القومي خطوة جديدة غير مسبوقة في تاريخ سورية، ولكنها مجرد إجراءات ينبغي اتخاذها لمواجهة التهديدات المحتملة لاستعادة الثقة بسيطرة الدولة وقدرتها على التحكم وبسط الأمن. وبرأيه من أبرز هذه الإجراءات التي على الإدارة القيام بها “استكمال بناء الجيش وإدماج القوات والفصائل فيه بصفتهم أفراداً ليكون ولاء الجيش للوطن وليس لقادة الفصائل”، مضيفاً أن استكمال بناء قوات الأمن وتدريبهم وتسليحهم بشكل مناسب أمر يجب أن يستمر. واعتبر الحاج أن “سورية بحاجة إلى أعداد كبيرة من المجندين في قوات الأمن العام”، مشدّداً على أن الشراكة السياسية في الحكومة الانتقالية من مكونات المجتمع السوري كافة، أمر في غاية الأهمية، لأن شعور الجميع أن هذه دولتهم يأتي من هذه الشراكة. كما رأى الحاج أن “رأب الصدوع الاجتماعية واستقرار المجتمع في سورية يجب أن يُتمم بتشكيل هيئة عدالة انتقالية”، التي قال إنها الوجه الآخر لضمان ألا يحدث تهدد للأمن القومي على المدى الطويل.

العربي الجديد

—————————

من سايكس وبيكو إلى برنار لويس/ عارف العبد

الجمعة 2025/03/14

استدعت التطورات في سوريا، وخصوصاً تلك التي شهدتها مدن وقرى الساحل السوري، وما استهدف أهل المنطقة، من السكان العلويين، بالاعتداء والمجازر وأعمال القتل، الاهتمام والإثارة. وبالتالي، المتابعة والتتبع، مع مزيد من الأسئلة المحمومة حول مستقبل التطورات في المشرق العربي، المترابط في الخصوصية والأوضاع السياسية والجغرافية والتركيبة الاجتماعية المتنوعة والحساسة.

وتكاد تكون التطورات والانتهاكات والمجازر، التي ارتكبت ضد السكان الآمنين والعزل، في الساحل السوري وجبل العلويين، بمثابة الصدمة الصاعقة، والتجربة المستجدة، المروعة والمهولة، التي تشهدها سوريا ما بعد انقلاع آل الأسد. وبالتالي، تشكل التجربة الأولى والمحك الفعلي لمصداقية السلطة الجديدة في سوريا، والتي يقف على رأسها الرئيس السوري للمرحلة الجديدة الانتقالية أحمد الشرع. وهي تشكل إثباتاً، إذا ما تخلى أبو محمد الجولاني عن شخصيته السابقة، وانتقل إلى أحمد الشرع، أو لا يزال متمسكاً في شخص الماضي، ومسيطراً عليه. لأن ما تعرض له السكان العلويون غير مسبوق وغير مقبول، ولا يمكن المرور عليه أو السماح بتكراره.

بل إن السؤال الأشد إلحاحاً وصعوبة هو، ماذا يعني ما جرى في الساحل السوري، وإلى أين تتجه سوريا والمنطقة من حولها بعد ذلك؟ خصوصاً وأن ما جرى يترافق مع تطورات خطيرة ومهمة أخرى، تتمثل بالخطوات المتصاعدة التي تنفذها إسرائيل، عبر توسيع وتدعيم احتلالها لمرتفعات الجولان وصولاً إلى أعلى قممه ومرتفعاته، وعلى وجه الخصوص قمة جبل الشيخ، إضافة إلى توغل في الجنوب السوري وفي محافظة السويداء تحديداً، ذات الغالبية والكثافة من الطائفة الدرزية.

الأخطر من ذلك هو إعلان إسرائيل وضعها السكان الدروز تحت حمايتها، مع تكثيف تحركاتها العسكرية وإطلاقها طائراتها، في مناورات في المنطقة، للدلالة على سيطرتها على الأجواء. وتحريض ومحاولة تشجيع ودفع السكان الدروز على الانفصال والابتعاد عن سلطة الحكومة السورية الجديدة. بما يعني ذلك من دفع نحو تجزئة سوريا، وتشجيع بقية القوى نحو التباعد والتفرق والابتعاد عن المركز الجامع في دمشق.. نحو مشاريع تقسيم وتجزئة سوريا إلى مناطق وكانتونات طائفية ومذهبية.

باختصار، السؤال الذي يطرح نفسه الأن، ما الذي جرى وإلى أين تتجه سوريا والمنطقة وما هي المشاريع المعدة، وما الذي يمكن أن يحدث وإلى أين تتجه الأمور؟

سايكس وبيكو

من المسلم به، أن القوى المسيطرة والمتفوقة عسكرياً، هي التي تتحكم بمسار الأمور والمناطق الخاضعة لسيطرتها في حاضرها ومستقبلها.

فبعد أن كان وُعد العرب بعد الحرب العالمية الأولى بدولة عربية مستقلة، من قبل القوى الغربية (بعد استفتاء لجنة كينغ كراين) قررت الدول المنتصرة في الحرب، وتحديداً فرنسا وبريطانيا، إعادة تشكيل المنطقة وتقسيمها وفقاً لرؤيتها ومصالحها وأطماعها، على أنقاض السلطنة العثمانية التي لقبت يومها بتركة الرجل المريض.

لهذه الأسباب اتفقت فرنسا وبريطانيا وروسيا القيصرية آنذاك، على اقتسام النفوذ والمساحات والدول، في المنطقة وفقاً لمصالحهما.

جرت المفاوضات الأولية التي أدت إلى الاتفاق بين 23تشرين الثاني/ نوفمبر 1915 و 3 كانون الثاني/ يناير 1916، وهو التاريخ الذي وقع فيه الدبلوماسي الفرنسي فرانسوا جورج بيكو والبريطاني مارك سايكس على وثائق مذكرات تفاهم بين وزارات خارجية فرنسا وبريطانيا وروسيا القيصرية. وصادقت حكومات تلك البلدان على الاتفاقية في 9 و 16 أيار/مايو 1916.

قسمت الاتفاقية فعلياً الولايات العربية العثمانية، خارج شبه الجزيرة العربية، إلى مناطق تسيطر عليها بريطانيا وفرنسا، أو تحت نفوذها. خصصت الاتفاقية لبريطانيا ما هو اليوم فلسطين والأردن وجنوب العراق ومنطقة صغيرة إضافية تشمل موانئ حيفا وعكا، للسماح بالوصول إلى البحر الأبيض المتوسط. أما فرنسا فقد سيطرت على جنوب شرق تركيا وشمال العراق وسوريا ولبنان.

باختصار دول المشرق القائمة الآن، وتحديداً العراق والأردن وسوريا ولبنان، ظهرت نتيجة هذه القسمة، واستمرت وتستمر شكلياً حتى اليوم.

برنار لويس

الجديد في كل ما جرى، خصوصاً بعد اندلاع حرب طوفان الأقصى وتداعياته، في فلسطين ولبنان وسوريا، أن إسرائيل بنيامين نتنياهو بدأت تتحدث عن الشرق الأوسط الجديد، الذي تدعي وتريد إعادة تشكيله، على أنقاض الشرق الأوسط القديم، الذي شُكل نتيجة مباحثات سايكس وبيكو بداية القرن الماضي.

الجديد والخطير في كل التطورات الراهنة، أن أساس المشروع الحالي الذي ينفذ على الأرض بدعم قوي من الولايات المتحدة الأميركية، أثير وطرح من قبل المنظر والفيلسوف والمستشرق البريطاني برنارد لويس، في لندن (1916- 2018 .(وهو مستشرق بريطاني الأصل، يهودي الديانة، صهيوني الانتماء، أميركي الجنسية. تخرج من جامعة لندن، وعمل فيها مدرساً في قسم التاريخ للدراسات الشرقية والإفريقية.

وفّر برنارد لويس الكثير من الذخيرة الأيديولوجية والفكرية للمحافظين الجدد، وإدارة بوش في قضايا الشرق الأوسط، والحرب على الإرهاب؛ حيث يعتبر بحق المنظر الأساسي والرئيسي لكل موجة التدخل والسيطرة على المنطقة في العقدين الاخيرين، والتي انطلقت من نظرية ثانية متفرعة هي نظرية “صراع الحضارات” لهانتغتون، ولسياسة التدخل والهيمنة الأميركية في المنطقة.

جوهر فكرة أو نظرية لويس تقول: “إن العرب والمسلمين قوم فاسدون مفسدون فوضويون لا يمكن تحضيرهم (تمدينهم). ولذلك فإن الحل السليم للتعامل معهم حسب رأيه هو إعادة احتلالهم واستعمارهم وتدمير ثقافتهم الدينية”.

والحل لذلك براي لويس، أنه من الضروري إعادة تقسيم الأقطار العربية والإسلامية إلى وحدات عشائرية وطائفية، وإعادة احتلال المنطقة، على أن تكون المهمة المعلنة، هي تدريب شعوبها على الحياة الديمقراطية، والعمل على استثمار التناقضات العرقية والعصبيات القبلية والطائفية.

 تردد في أكثر من موقع ودراسة، أنه في عام 1983 وافق الكونغرس الأميركي بالإجماع في جلسة سرية على مشروع برنارد لويس، وبذلك تم اعتماد هذا المشروع، وإدراجه في ملفات السياسة الأميركية الاستراتيجية لسنوات مقبلة. وقد ارفق المشروع بخرائط للدول التي يجب أن تقام على أساس طائفي أو مذهبي أو عرقي.

وتقوم رؤية أو مشروع لويس على ثلاثة عناصر:

1- تغيير التركيبة السياسية القائمة في معظم دول العالم الإسلامي، لتصبح مبنية على مزيج من آليات ديمقراطية وفيدراليات إثنية أو طائفية. وهذا هو جوهر المشروع.

2- التركيز على هوية شرق أوسطية كإطار جامع للفيدراليات المتعددة المنشودة، لهذا يدخل العامل الإسرائيلي كعنصر مهم في الشرق الأوسط الكبير المنشود، إذ بحضوره الفاعل تغيب الهويتان العربية والإسلامية عن أي تكتل إقليمي محدود أو شامل.

3- ضرورة إنهاء الصراع العربي الإسرائيلي من خلال إعطاء الأولوية لتطبيع العلاقات العربية مع إسرائيل، مما سيدفع الأطراف كلها إلى التسوية والقبول بحدود دنيا من المطالب والشروط.

المثير في مشروع لويس، أنه منذ الغزو الأميركي للعراق بدأ عملياً تطبيق هذه الرؤية، بدليل حالة دولة العراق الموزعة بين تجمعات طائفية وجهوية وعرقية. والدليل الثاني الأشد وضوحاً ما جرى ويجري في السودان، الذي توزع على أكثر من دولة ومنطقة نفوذ، إضافة إلى حال اليمن التي عادت يمنين، وليبيا المتفرقة، والآن سوريا غير المستقرة.

في تجارب التاريخ السياسية والعسكرية والاجتماعية، المتعددة، ثبت أن ما يجري في سوريا، ينعكس مباشرة على لبنان، والعكس صحيح.

لذلك يبقى السؤال الملح، على ماذا ستستقر سوريا، وكيف ستصبح الأوضاع في لبنان؟ هل ستبقى سوريا موحدة ومستقرة وينعم لبنان بمناخ مماثل، أم تنتقل المحنة من دمشق إلى بيروت؟

المدن

—————————-

إسرائيل تختار موعد التوقيع على «الإعلان الدستوري» لتقصف قلب دمشق

رسالة مكشوفة إلى الشرع بأن سوريا لن تحظى بالاستقرار من دون قبول مطالب تل أبيب

تل أبيب: نظير مجلي

13 مارس 2025 م

اختارت الحكومة الإسرائيلية الوقت الذي كان فيه الرئيس السوري أحمد الشرع، يوقع، الخميس، على الإعلان الدستوري السوري للمرحلة الانتقالية، كي ترسل طائراتها المقاتلة لتنفيذ غارة جديدة في قلب منطقة سكنية بدمشق، لتسجل ثاني اعتداء على الأراضي السورية خلال ساعات، بعد أن كانت نفّذت صباحاً عملية توغل عسكري في ريف القنيطرة، ووسعت نطاق احتلالها.

ومع أن الجيش الإسرائيلي ادعى أن الاجتياح في القنيطرة استهدف «منع التنظيمات المتطرفة التموضع في سوريا والعمل ضد إسرائيل»، وأن القصف الثاني استهدف «مركز قيادة لـ(الجهاد الإسلامي) كان يستخدمه التنظيم لتخطيط وإدارة عملياته»، فإن وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، اعترف بأن الهجوم الإسرائيلي يحمل في طياته «رسائل سياسية». وقال، في بيان مقتضب، أصدره بعد أن أجرى جولة في الأراضي السورية المحتلة: «لن يكون للإرهاب الإسلامي حصانة؛ لا في دمشق ولا في أي مكان آخر. في أي موقع يُخطَّط فيه لتنفيذ أنشطة ضد إسرائيل، سيجد الجولاني (في إشارة للرئيس السوري أحمد الشرع، الذي يصرون في تل أبيب على استخدام كنيته السابقة للتذكير بماضيه في «جبهة النصرة»)، طائرات سلاح الجو تحلق فوقه وتستهدف مواقع الإرهاب».

وكان كاتس قد وصل رفقة نائب رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، اللواء تمير يدعي، الذي راح يشرح له ماذا يفعل الجيش في سوريا خلال الأشهر الأخيرة عموماً وفي الأيام الأخيرة خصوصاً، بعدما تسلم هو ورئيس الأركان الجديد، إيال زامير، منصبيهما في قيادة الجيش، فقال إن قواته نفذت عمليات غير مسبوقة في الأراضي السورية خلال اليومين الأخيرين؛ إذ اجتاحت قواته مناطق جديدة في الطريق إلى العاصمة دمشق، وفي ريف القنيطرة، «حيث دخلت دبابات وآليات عبر الحدود، لتطهير المواقع العسكرية».

وأفادت مصادر عسكرية في تل أبيب بأن إسرائيل، بهذه العمليات، وما يترافق من غارات، «ترسخ وجودها العسكري في سوريا لفترة غير محددة»، مع فرض «مناطق أمنية» واسعة لمنع تموضع القوات السورية ونقل الأسلحة المتقدمة إليها. وأكدت أنها تنوي إحكام سيطرتها على «المنطقة الممتدة بطول 65 كيلومتراً من دمشق حتى الحدود الحالية مع إسرائيل ومع الأردن. نعم. مع التأكيد أن الإسرائيليين باحثون عن هذا التوسع، من منطق أنه (مؤقت). وها هم يتفاوضون مع لبنان على ترسيم الحدود. فالمعروف في تاريخ إسرائيل العسكري أن (المؤقت يصبح دائماً)، كما في وضع الجولان السوري الذي جرى ضمّه رسمياً عام 1982 بعد أن احتلته إسرائيل في حرب أكتوبر (تشرين الأول) 1973».

وتأتي هذه الأهداف ضمن تنفيذ العقيدة العسكرية الجديدة التي أقرها رئيس الأركان، زامير، وتقضي بإقامة «3 حلقات ردع على كل جبهة حربية إسرائيلية؛ أي في لبنان وغزة وسوريا… «الدائرة الأولى ستكون في إسرائيل نفسها حيث يعزز الجيش الإسرائيلي قواته والسياج الحدودي ليمنع أي هجوم على إسرائيل شبيه بهجوم (حماس) في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. والدائرة الثانية حزام أمنى داخل أراضي العدو، وفي حالة سوريا يكون الحزام في منطقة تمتد من 20 إلى 22 كيلومتراً على طول الحدود، بما في ذلك جميع قمم جبل الشيخ. والدائرة الثالثة منطقة منزوعة السلاح تماماً، تمتد في الحالة السورية من الجولان وحتى دمشق».

وتكرس إسرائيل جهداً خاصاً في تعزيز مواقعها بجبل الشيخ، بحيث «تسيطر استراتيجياً على مناطق في لبنان وسوريا بقطر 30 كيلومتراً، فيصبح مدى المدفعية الإسرائيلية على أطراف دمشق».

وقد ادعى الجنرال يدعي أن «الجيش الإسرائيلي يتحسب من خطوة النظام الجديد في سوريا إطلاق سراح ألوف السجناء والمعتقلين من التنظيمات الإرهابية»، وأنه لديه «معلومات تفيد بأن قسماً غير قليل من هؤلاء يعملون مع عناصر (الجهاد الإسلامي) و(حماس) الذين يوجدون في سوريا ويخططون معاً لتنفيذ عمليات ضد المستوطنات اليهودية في الجولان».

وادعى أن جيشه «يهتم بتوفير المساعدات للمواطنين السوريين الذين يعيشون في المناطق التي يحتلها في سوريا، والبالغ عددهم 40 ألف نسمة (25 ألفاً في الجولان الشرقي، و15 ألفاً على سفوح جبل الشيخ)، مع التركيز على المناطق التي يعيش فيها أبناء الطائفة (المعروفية)».

الشرق الأوسط،

—————————-

مطلوبة للعدالة الدولية”.. زعيم دروز سوريا يهاجم حكومة دمشق

الحرة – واشنطن

13 مارس 2025

اتهم الزعيم الروحي للطائفة الدرزية في سوريا حكمت الهَجري الحكومة السورية الحالية بـ”التطرف” مستبعدا في الوقت ذاته أي “توافق” أو “تفاهم” معها.

وقال الهجري في كلمة له إن “لا تفاهم ولا توافق مع الحكومة القائمة في الشام (دمشق)، حكومة متطرفة بكل معنى الكلمة ومطلوبة للعدالة الدولية”.

وأضاف الهجري “نحن في مرحلة كن أو لا تكون، نحن نعمل لمصلحتنا كطائفة، والطائفة غنية بكوادرها وشبابها بهذا الإرث الوطني الصحيح”.

وأكد الهجري أن “هدفنا هو العدالة والقانون على المستوى الداخلي والدولي، وهذا حق من حقوقنا، وبالتالي، ما نراه مناسبا كطائفة ويتوافق مع أولوياتنا، نسعى نحوه”.

وكان الهَجري توصل إلى “تفاهم من 10 بنود” مع الإدارة الانتقالية في دمشق، استهدفت غالبيتها “تسيير المؤسسات”، والقضايا التي يسعى أبناء المحافظة إلى معالجتها.

وجاء الكشف عن فحوى التفاهم، في أعقاب اجتماع جمع الهَجري مع مبعوث الإدارة السورية إلى السويداء، مصطفى البكور يوم الأربعاء.

وفي وقت سابق دعا الهجري إلى وضع حد فوري لأعمال العنف التي ترتكب تحت “شعارات طائفية”، وذلك تعقيبا على مقتل مئات المدنيين العلويين في الساحل السوري الخميس الماضي.

ويشكّل الدروز ومعقلهم الرئيسي في سوريا محافظة السويداء (جنوب)، حوالى ثلاثة في المئة من سكان سوريا.

الحرة – واشنطن

———————————

وفد من دروز سوريا يزور إسرائيل لأول مرة منذ 50 عاما وسط انتقادات

14/3/2025

أفادت وكالة الصحافة الفرنسية أن وفدا يضم نحو 60 رجل دين من الطائفة الدرزية السورية، عبر خط الهدنة في مرتفعات الجولان المحتل إلى إسرائيل الجمعة، في أول زيارة من نوعها منذ حوالي 50 عاما.

وعبر الوفد في 3 حافلات رافقتها مركبات عسكرية إسرائيلية إلى بلدة مجدل شمس في الجولان السوري المحتل، وتوجه شمالا لزيارة مقام النبي شعيب في بلدة جولس بالقرب من طبريا، ولقاء الزعيم الروحي لطائفة الموحدين الدروز في إسرائيل الشيخ موفق طريف، وفق مصدر مقرب من الوفد.

وأكدت هيئة البث الإسرائيلية من جهتها أن وفدا من رجال دين سوريين من الطائفة الدرزية دخلوا إلى إسرائيل هذا الصباح، وأن الوفد سيقوم بزيارة خاصة لقبر النبي شعيب في الجليل.

وأفاد مراسل الجزيرة نقلا عن مصادر محلية، أن 3 حافلات دخلت من الجولان السوري المحتل إلى بلدة حضر السورية عند الحدود لنقل مشايخ دروز.

وأوضح المراسل أن الحافلات سلكت طريقا عسكريا كان قد أقامه جيش الاحتلال بعد الثامن من ديسمبر/كانون الأول الماضي داخل الأراضي السورية.

ومن المتوقع أن يزور الشيوخ، ومعظمهم من مجموعة قرى درزية عند سفح جبل الشيخ في سوريا، أضرحة بينها ما يعتقد أنه مقام النبي شعيب غربي طبريا في الجليل الأسفل.

وقالت رويترز إن الزيارة هي “أحدث مؤشر على دعم إسرائيل للدروز منذ وقف إطلاق النار في لبنان، والإطاحة المفاجئة بالرئيس السوري السابق بشار الأسد”.

    “الحافلات سلكت طريقًا عسكريًا أنشأه جيش الاحتلال الإسرائيلي بعد 8 ديسمبر داخل #سوريا”.. دخول العشرات من رجال الدين الدروز السوريين إلى #الجولان المحتل لزيارة “قبر النبي شعيب”#فيديو pic.twitter.com/KmSuhZSh3h

    — الجزيرة سوريا (@AJA_Syria) March 14, 2025

استنكار للزيارة

هذا، وقد أعرب أهالي وعائلات قرية حضر، في الجولان السوري المحتل، عن استنكارهم الشديد للزيارة التي يقوم بها بعض المشايخ إلى فلسطين المحتلة، تلبيةً لدعوة من بعض الجهات الموالية للاحتلال في الداخل الفلسطيني.

وقال بيان للأهالي إن إسرائيل، التي لم تكن يوما حريصة على حقوق الأقليات، تستغل هذه الزيارة الدينية كأداة لزرع الانقسام في الصف الوطني، وتسعى لاستخدام الطائفة الدرزية كخط دفاعي لتحقيق مصالحها التوسعية في الجنوب السوري.

وأضاف بيان الأهالي أنهم لم ولن ينسوا الجرائم والانتهاكات التي ترتكبها دولة الاحتلال بحق أهلنا في الجولان والضفة الغربية وقطاع غزة.

وأكد بيان أهالي بلدة حضر في الجولان السوري المحتل على أنّ هؤلاء المشايخ لا يمثلون إلا أنفسهم، مشددا على أن انتماء أهالي وعائلات قرية حضر الوحيد لطائفة الشعب السوري.

وتحتل إسرائيل معظم هضبة الجولان السورية منذ 1967، ووسّعت سيطرتها لاحقا باحتلال المنطقة العازلة وتدمير معدات وذخائر للجيش السوري بعد الإطاحة بنظام بشار الأسد عبر مئات الغارات الجوية.

وفي الآونة الأخيرة، قال تقرير لصحيفة وول ستريت جورنال الأميركية إن إسرائيل تسعى إلى إقناع دروز سوريا برفض الحكومة الجديدة في دمشق والمطالبة بحكم ذاتي ضمن نظام فدرالي، وإنها تخطط لإنفاق أكثر من مليار دولار لتحقيق هذه الغاية.

المصدر : الجزيرة + وكالات

———————

إيكونوميست: الوقت ينفد من الشرع وعليه مشاركة السلطة قبل أن تتفكك سوريا/ إبراهيم درويش

تحديث 14 أذار 2025

قالت مجلة “إيكونوميست” في افتتاحيتها، إن الوقت ينفد من رئيس سوريا أحمد الشرع، ويجب عليه التشارك في السلطة من أجل الحفاظ على وحدة بلاده.

ورأت المجلة أن سوريا شهدت أسوأ عنف طائفي منذ سقوط نظام بشار الأسد قبل ثلاثة أشهر، وربما منذ الهجمات الكيماوية على الغوطة الشرقية في عام 2013. وقد صُدم البلد الذي يشعر بوقع الديكتاتورية والحرب الأهلية.

ويُعتقد أن 800 شخص قُتلوا من مناطق الساحل السوري التي تعتبر معقل الطائفة العلوية التي تنتمي إليها عائلة الأسد.

وترى المجلة أن العنف يكشف عن المعضلة التي تواجه سوريا، والتي تتمثل في حكم البلد، فهل سيظل الحكم فيها مركزيا تتجمع السلطات في يد الحكومة المركزية التي ستكون قادرة على إرساء النظام والقانون، مع أن الرئيس أحمد الشرع، هو جهادي سابق وبالتزام مشكوك فيه لشمل الآخرين بمشروع بناء البلد؟ أم هل يجب على الأقليات الحفاظ على الأمن في المناطق التي تعيش فيها، حتى لو كان هذا على حساب تفكك البلد؟

وتعلق المجلة أن أسباب الأحداث الأخيرة لا تزال غامضة، وأفضل تكهن هو أن مقاتلين من الأقلية العلوية قاموا بمهاجمة  قوات الحكومة والمستشفيات. وردا على ذلك، سارعت ميليشيات سنية في قوافل ودخلت القرى والبلدات وقتلت مدنيين وأحرقت بيوتا، بحسب المجلة. وقالت إن الفيديوهات كشفت عن إجبار السكان على النباح كالكلاب قبل إطلاق النار عليهم.

وتعتقد المجلة أن الميليشيات السنية هي على الأرجح المسؤولة عن معظم القتل. والتفسير الخبيث هو أن الشرع لم يكن مستعدا للحد من قوة المتطرفين بين أنصاره. ولكن التفسير الأكثر سخاء هو أنه كان بطيئا في الرد على الأحداث، وحكومته ليست مسيطرة على الوضع. وتقول إن العنف في مناطق العلويين هو علامة على تفكك سوريا.

ففي شمال سوريا، للجماعات الكردية جيوبها الخاصة. وفي الجنوب، لميليشيات أخرى، بما فيها ميليشيات يقودها الدروز، مجال نفوذ. وتتدخل القوى الخارجية إما بذريعة حماية حدودها من الفوضى، أو لاغتنامها الفرصة للسيطرة على مستقبل سوريا. وتدعم إسرائيل الدروز، وتركيا تدعم الجماعات العربية السنية، وأمريكا تساند الأكراد.

ورغم دورها كأقوى منقذ لنظام الأسد المكروه، فلا تزال روسيا متكاسلة في الرد على أمل الاحتفاظ ببعض النفوذ، وربما الوصول إلى قواعدها الجوية والبحرية.

وتعلق المجلة أن الشرع حتى الآن كان مخيّبا للآمال. فخبرته السابقة كانت إدارة نظام غير ليبرالي في مدينة إدلب من خلال جماعته، هيئة تحرير الشام. وحتى الآن، يدير سوريا كزعيم ميليشيا. فقد تخلف عن المواعيد النهائية لتشكيل حكومة شاملة وإصدار إعلان دستوري وتعيين هيئة تشريعية، ولم يعبّر عن التزام بالقوانين العلمانية، ولم يظهر إلا تسامحا ضعيفا. ومع ذلك، فإن عيوب حكومته تعكس أيضا ضعف الدولة السورية. فهي لا تملك سوى عدد قليل نسبيا من القوات الخاضعة لسيطرتها المباشرة. كما أن الميليشيات العرقية المختلفة تتفوق على الجيش والشرطة عددا وعتادا.

وتحتاج سوريا حكومة مركزية، قادرة على استخدام سلطاتها لتفويض السلطات إلى المحافظات. وعلى الغرب رفع العقوبات الاقتصادية التي فرضها لمعاقبة نظام الأسد البغيض، والتي تسبب حاليا ضائقة مالية خانقة.

لكن المسؤولية تقع على عاتق الشرع، وفق ما ترى المجلة. ففي هذا الأسبوع وبعد المجازر، اتخذ بعض الخطوات الإيجابية. فقد شكّل لجانا للتحقيق في العنف الطائفي، ووقّع اتفاقية لاندماج قوات سوريا الديمقراطية في قوات الأمن السورية. ولكنه بحاجة لعمل المزيد، ويجب تطهير جيشه من المتطرفين ودعوة المزيد من المعتدلين للانضمام إليه بحيث يكون لديه قوة الرد ولا يظهر على أنه أداة القوة السنية. كما يجب عليه تشكيل مؤسسات ووضع جدول زمني للانتخابات التي قد تطمئن السوريين بأن الحكومة القوية لن تكون تعبيرا عن القوة السنية. وعليه تفويض المزيد من السلطات إلى المناطق.

فإعادة بناء سوريا هي لعبة ثقة، فلو اعتقد المزيد من الناس بأن هناك مستقبلا متناغما، ستزداد فرص تحقيق ذلك. لكن مجزرة أخرى في عهد الشرع قد تنهي هذه اللعبة.

وقالت المجلة إن الأحداث التي جرت في 6 آذار/ مارس، حوّلت مناطق في الغرب السوري إلى “محور كارثة” حيث انتشرت الجثث في الشوارع، وفرّ الناس إلى الغابات أو إلى لبنان. وتقول إن الشرع يبدو أنه متردد بين ماضيه الجهادي وحاضره كرئيس، مشيرة إلى الفيديو الذي أصدره في أول يوم من الأحداث حيث حفل بالإشارات الدينية، وأجج فيه الصراعات وأشاد بـ”مقاتلينا الشرفاء”.

لكن مع تصاعد التوتر في البلاد، غيّر الشرع مساره بمهارة. ففي خطاب مصور ثان بعد يومين، تظاهر بأنه زعيم أمة، لا زعيم طائفة. ولأول مرة منذ توليه السلطة، عيّن علويين في مناصب قيادية وضمّهم إلى لجنتين: إحداهما للتحقيق في أعمال العنف، والأخرى لاستعادة “السلم الأهلي”.

وتبع ذلك في اليوم التالي، إعلان الاتفاق على دمج قوات سوريا الديمقراطية بقوات الأمن الحكومية. وهناك اتفاق محتمل مع الدروز الذين تحاول إسرائيل إغراءهم. ودعا الشرع في 11 آذار/ مارس الأئمة على حفل إفطار رمضاني ودعاهم للحديث عن المساواة بين كل الطوائف السورية في خطبهم ودروسهم الدينية. وكان من بين الحضور، صديق طفولته الشيخ أبو الخير شكري.

والتحدي أمام الشرع هو قدرته على الحفاظ على وحدة البلاد التي كانت قبل خمسة أيام على حافة الانهيار. فقد فتح العنف في الساحل السوري جراح الطائفية التي وعد الشرع بعلاجها.

وتشير المجلة إلى أن العلويين كانوا خائفين، حيث دعا مدير إذاعة دمشق الذي عيّنه الشرع لرميهم في البحر. وقد اعتبر قادة الشرع الساحلَ السوري منطقة عسكرية، وفرّ الكثير من العلويين وطلبوا حماية الخارج وحاولوا الدخول للقواعد الروسية هناك.

وفي دمشق ومدن أخرى، تخشى الأقليات أن يحول الجهاديون أنظارهم إليها. ويذكرهم سلوك الشرع الهادئ ببشار الأسد. ولا يزال الكثيرون يخشون أن يكون رئيسهم الجديد مجرد “إرهابي” يرتدي بدلة رسمية.

ولتسهيل توزيع الوظائف والمساكن على السنة، قام الشرع بحل القوات المسلحة القديمة وتطهير الخدمة المدنية وطرد المسؤولين السابقين من منازلهم الحكومية. وكما هو الحال مع اجتثاث البعث في العراق، فإن هذا يردع الأقليات عن تسليم أسلحتها ويؤجج دعم الثورة. وترى المجلة أن إرضاء السنة والأقليات هو تحد كبير وصعب.

فلو أراد الشرع السيطرة على المتطرفين، فإنه بحاجة لبدء العدالة الانتقالية التي تردد في القيام بها حتى الآن. وعليه التأكد من عودة العلويين الذين لم يشاركوا في فظائع النظام السابق إلى أعمالهم وحياتهم الطبيعية. وحتى ينجح في مهمته، فهو بحاجة للمال الذي لا يتوفر لديه الآن، بسبب العقوبات.

فعندما سيطر على الحكم، لم يكن لدى الدولة قوة عاملة، وبدون مال لدفع الرواتب سيظل يواجه مشكلة من المتشددين الذين سيتحدّون الجيش ويتعاملون مع الأقليات كغنيمة حرب. وفي النهاية، فهو بحاجة لتقاسم السلطة مع مكونات البلاد الأخرى. وبدون ذلك، سيفقد الشرع الثقة الوطنية، وسيفاقم تدهور الاقتصاد من مشاكله.

القدس العربي

—————————————-

سوريا… محاولات تاريخية لاستنهاض مشروع “الدولة الدرزية”/ سامي مبيض

تنازع مصائر “الجبل” بين الانفصال والوحدة

آخر تحديث 14 مارس 2025

في أحد التقارير المرسلة من السفارة الأميركية بدمشق إلى وزارة الخارجية في واشنطن بتاريخ 10 سبتمبر/أيلول 1946، يقول الدبلوماسي “ماتيسون” إنه اجتمع بوزير الداخلية صبري العسلي للوقوف على إشاعة سمعها، بأن أهالي جبل الدروز يريدون “الانفصال عن سوريا”. كان ذلك بعد خمسة أشهر من جلاء القوات الفرنسية عن سوريا، وبعد أربع سنوات من إعادة جبل الدروز- بشكل نهائي- إلى أراضي الجمهورية السورية.

قضية الجبل ليست جديدة إذن، وهي أقدم من عمر الدولة السورية الحديثة ذاتها، وها هي تعود اليوم إلى الصدارة بعد تصريحات إسرائيل الأخيرة، حول عزمها حماية الدروز، وبعد وصول الدروز إلى اتفاق مع الدولة السورية الجديدة، بمباركة من الرئيس الروحي للطائفة الشيخ حكمت الهجري. كانت مدينة السويداء هي آخر معقل للثورة السورية، بعد تدمير بقية المعاقل، وسحق أهاليها منذ سنة 2011، فقد أعادت الوحدة إلى السوريين، يوم انتفضت من جديد سنة 2023، في وقت كان الكثير منهم قد فقد الأمل بسقوط نظام بشار الأسد.

مؤخرا، مع رفض الدروز تسليم سلاحهم، ورفع علم الدولة الدرزية فوق أحد المباني، عاد الكلام عن إمكانية انفصال الدروز، أو خلق جيب لهم على غرار النموذج الكردي، ولكن كل ذلك ذهب أدراج الرياح مع اتفاقية 12 مارس/آذار 2025. ولكن لهذه المسألة جذورها الضاربة في التاريخ، لخّصها المؤرخ البريطاني ألبرت حوراني عند زيارته لجبل الدروز سنة 1946، وهو يحضر لكتابه المرجعي عن أقليات الشرق الأوسط. كتب يومها أن للدروز “خصوصيتهم” لأنهم لم يتفقوا يوما مع حاكم، لا مع إبراهيم باشا المصري، في ثلاثينات القرن التاسع عشر، ولا مع العثمانيين أو الفرنسيين. حتى في مرحلة الاستقلال، كانت لهم خلافات كبيرة مع الرؤساء شكري القوتلي وأديب الشيشكلي.

قضية الجبل في زمن الانتداب الفرنسي

كان جبل الدروز، مثله مثل جبل العلويين، قد نال استقلالا إداريا عن بقية الأراضي السورية منذ مطلع عهد الانتداب الفرنسي، وكانت له أنظمته الخاصة وقوانينه المستقلة، وعلمه المستقل أيضا. بقيت الدولة الدرزية قائمة من سنة 1921 حتى ضمها إلى الدولة السورية سنة 1937، ثم عادت وسُلخت عنها حتى جاء رئيس الجمهورية تاج الدين الحسني ليوحد الجبلين (العلوي والدرزي)، بقرار فرنسي سنة 1942. وفي عهده وصل أول درزي إلى منصب وزاري، وهو عبد الغفار باشا الأطرش، الذي سمي وزيرا للدفاع، وقد خلفه في هذا المنصب حاكم الجبل الأمير حسن الأطرش، زوج المطربة السورية الكبيرة أسمهان (آمال الأطرش). وكان الأطرش يومها قد سهل مهمة الجيش البريطاني في دخول سوريا من فلسطين، للإطاحة بنظام فيشي، الموالي لأدولف هتلر في الحرب العالمية الثانية. وقد تلى الأطرش شخصيات درزية عدة في مناصب وزارية، كان أبرزها الأمير عادل أرسلان الذي سمي وزيرا للخارجية سنة 1949.

وعند العلويين كانت هناك فئتان من الزعماء والمشايخ، الأولى انفصالية تطالب بالمحافظة على الاستقلالية، والثانية وحدوية تريد الاندماج مع بقية الأراضي السورية. وكذلك الأمر عند الدروز طبعا، علما بأن اليد العليا في الجبل، كانت دوما لأنصار الوحدة السورية، نظرا للمكانة الأشبه بالأسطورية، لزعيمهم سلطان باشا الأطرش، قائد الثورة السورية الكبرى ضد الفرنسيين في السنوات 1925-1927. عندما ذهب وفد من الكتلة الوطنية إلى باريس للتفاوض على مستقبل البلاد سنة 1936، أصر هاشم الأتاسي على “وحدة الأراضي السورية” فعارضه مجموعة كبيرة من العلويين، وقلّة صغيرة من الدروز، نظرا لموقف الأطرش الداعم له وللوحدة والاستقلال.

ضُم جبل الدروز وجبل العلويين إلى سوريا، وأنهي العمل باستقلالهما بعد انتخاب هاشم الأتاسي رئيسا للجمهورية في ديسمبر/كانون الأول 1936، وعاد سلطان الأطرش ليقود الدروز مجددا بعد منفى دام عشر سنوات ونيف. ولكن العهد الجديد ارتكب خطأ كبيرا في تعيين الوجيه الدمشقي (السني) نسيب البكري، محافظا في جبل الدروز، ظنّا من رئيس الحكومة جميل مردم بك أن ذلك سيرضي الدروز، لأن البكري كان قد حمل السلاح معهم في ثورة عام 1925. رفض مردم بك التراجع عن قراره، ووعد الدروز بأشياء عدة، مثل بناء المدارس، وشق الطرقات، واتخاذ سياسة عادلة في التوظيف، مع تعهد شفهي بصرف ضرائب أهل الجبال لتطوير الجبل. ولكن معارضة درزية بدأت تنشأ ضد الحكومة المركزية بدمشق، بزعامة الأمير حسن الأطرش، الذي طالب بأن تكون حاكمية الجبل له دونا عن سواه، وقد حصل عليها بالفعل بقرار حكومي في فبراير/شباط 1938.

صدام مع دمشق في عهد الاستقلال

لكن اندماج الجبلين مع بقية سوريا لم يستمر طويلا، وقد أعيدا إلى سابق عهدهما مع استقالة الرئيس هاشم الأتاسي، واندلاع الحرب العالمية الثانية سنة 1939. بعدها بسنتين، قررت فرنسا توحيد الأراضي السورية مجددا، وضم الجبلين مع إعلان استقلال سوريا في سبتمبر 1941، إرضاء للشعب السوري، لكي يقف معها ومع بريطانيا ضد ألمانيا النازية. عاد جبل الدروز إلى الوطن الأم ثانية في فبراير 1942، ولم تتم إعادة طرح المشروع الانفصالي إلا في خريف عام 1946، أي بعد جلاء الفرنسيين ببضعة أشهر. وكان السبب الرئيس وراء استنهاض هذا المشروع هو سوء العلاقات بين الدروز والحكومة المركزية بدمشق، بعد تأييدهم مشروع سوريا الكبرى الذي دعا إليه ملك الأردن عبد الله بن الحسين، وعارضه رئيس الجمهورية شكري القوتلي بشدة. كما عارض القوتلي كل من وقف مع هذا المشروع ونادى به، محذرا من أن فيه تهديدا لنظام سوريا الجمهوري.

وبعد عودته إلى رئاسة الحكومة نهاية عام 1946، بدأ جميل مردم بك في تمويل مجموعة درزية محسوبة على الحكومة، ومعارضة للقوائم الانتخابية المدعومة من آل الأطرش. وكلما زاد تدخل الحكومة في شؤون الجبل، علت الأصوات المهددة بالانفصال، والانضمام إلى الأردن. وفي سنة 1946، التقى حسن الأطرش بجميل مردم بك، وقدم له سلسلة من المطالب، كان من ضمنها أن تكون عائدات الجبل الزراعية للدروز حصرا، وأن تكون خدمة الدروز العسكرية في مناطقهم، ولكن الحكومة رفضت الاستجابة.

 في أحد التقارير الأميركية لسنة 1947، يقول دبلوماسي أميركي من دمشق أن “الطرشان” (آل الأطرش) يمكنهم “برفة عين، أن يشكلوا جيشا جرارا من 20 ألف مقاتل، ويحتلون به دمشق ويسقطون الحكم”. كان عدد الدروز يومها 100 ألف شخص، أو 3 في المئة من إجمالي سكان سوريا، وكان معظمهم يسكنون في جبل الدروز والمناطق القريبة منه.

في التقرير الأميركي، ذاته يقول الدبلوماسي الأميركي إن القوتلي لم يأخذ تهديدات الدروز الانفصالية على محمل الجد، لأنه كان مدركا أن الحكومة الأردنية “غير قادرة على استيعابهم لا جغرافيا ولا سياسيا ولا ماليا” حيث كانت تكلفة تشغيل منطقتهم إداريا في عهد الانتداب تصل إلى 4.5 مليون فرنك فرنسي سنويا، وكان ملك الأردن لا يملك حتى ربع هذا المبلغ لأجلهم. وبذلك، لم يتقدم المشروع الانفصالي في السنوات الأولى من عهد الاستقلال، وتوحد الدروز مع بعضهم البعض، ومع بقية المكونات السورية ومنها الحكومة المركزية ضد الإسرائيليين في أعقاب الحرب الفلسطينية سنة 1948.

 مرحلة أديب الشيشكلي

ثم جاءت المواجهة الدامية بينهم وبين الرئيس أديب الشيشكلي سنة 1953، بعد اكتشاف أسلحة في مناطقهم، وقالت الحكومة إنها مرسلة من الأردن، لزعزعة الوضع الأمني في سوريا. فمنذ وصوله إلى الحكم بشكل غير مباشر سنة 1951، كان الشيشكلي قد أهمل جبل الدروز بشكل ملحوظ، علما أن عهده كان قد شهد نهضة اقتصادية وصناعية في بقية المناطق السورية كافة. عارضه سلطان الأطرش بسبب الدولة البوليسية التي فرضها الشيشكلي، ولم يتمكن الأخير من اعتقاله بسبب مكانته السياسية والوطنية، فقام باعتقال نجله منصور، أحد المؤسسين في “حزب البعث”. رفض الدروز الانخراط في حركة التحرير العربي التي أسسها الشيشكلي سنة 1952، وفي الانتخابات النيابية سنة 1953، كانت نسبة مشاركتهم لا تتعدى 5 في المئة اعتراضا على حكمه. ورد الشيشكلي بتسريح الكثير من ضباطهم، ونقل المرموقين منهم، مثل أمين أبو عساف، إلى دير الزور، كما هاجم قرية مجدل شمس في الجولان، واعتقل 35 من أبنائها الدروز بتهمة التخابر من إسرائيل، ثم وجه إعلامه تجاه الطائفة الدرزية، وقال إنهم انفصاليون يريدون العودة إلى الدولة الدرزية المستقلة، التي كانت في زمن فرنسا.

    ظلت ذكريات الألم والموت ترافق أبناء الطائفة الدرزية سنوات طويلة، إلى أن جاء أحدهم للانتقام واغتال أديب الشيشكلي في منفاه البرازيلي سنة 1964

 وكان الشيشكلي قد قال: “أعدائي يشبهون الأفعى، رأسها في جبل الدروز ومعدتها في حمص، وذيلها في حلب. إذا قطعت الرأس ماتت الأفعى”. وقد سعى بالفعل إلى قطع رأس الأفعى، وقام بقصف جبل الدروز بالمدافع، قبل أن تتغلب عليه مجموعة من ضباط الجيش في 24 فبراير 1954. وكان الشيشكلي وخلال حملته العسكرية على الدروز، وأثناء اتهامهم بالانفصالية، قد عيّن اللواء الدرزي شوكت شقير رئيسا للأركان، لكي لا يُتهم بالطائفية أو بمعاداة الطائفة الدرزية ككل.

في زمن “البعث”

ظلت ذكريات الألم والموت ترافق أبناء الطائفة الدرزية سنوات طويلة، إلى أن جاء أحدهم للانتقام واغتال أديب الشيشكلي في منفاه البرازيلي سنة 1964، بعد عشر سنوات من خروجه من الحكم. أيد الدروز جمال عبد الناصر سنة 1958 واختلفوا مع عهد الانفصال، ثم عادوا إلى الصدارة في أعقاب انقلاب 8 مارس 1963 الذي جاء بـ”حزب البعث” إلى الحكم. ووصل الكثير منهم إلى مناصب مرموقة في الدولة، مثل منصور الأطرش، الذي أصبح رئيسا لمجلس قيادة الثورة، وحمد عبيد الذي بات وزيرا للدفاع، وسليم حاطوم الذي تسلم أمن الإذاعة والتلفزيون وقاد مجموعة عسكرية لاعتقال رئيس الدولة أمين الحافظ في أعقاب انقلاب 23 فبراير 1963. ولكنه أبعد عن مراكز صنع القرار من بعدها، وبدأ يخطط لانقلاب، فردت دولة “البعث” بملاحقة أنصاره واعتقال أكثر من 200 درزي. في سبتمبر 1966، حاصر سليم حاطوم مدينة السويداء بالدبابات، واقتحم مقر حزب “البعث” لاعتقال رئيس الدولة نور الدين الأتاسي أثناء زيارته، مع اللواء صلاح جديد، مهندس انقلاب 23 فبراير، والرجل الأقوى في سوريا يومها. ولكن انقلاب حاطوم لم يكن بهدف الانفصال أو إقامة دولة درزية مستقلة، بل للوصول إلى كرسي الحكم في دمشق، وقد أجهض من قبل وزير الدفاع في حينها حافظ الأسد، وهرب حاطوم إلى الأردن، ثم عاد في أعقاب هزيمة عام 1967 ليتم اعتقاله وتصفيته في 26 يونيو/حزيران من العام نفسه.

المجلة

——————————-

 زيارة مشايخ دروز سوريين إلى إسرائيل.. خطوة دينية أم ورقة في يد الاحتلال؟

2025.03.14

أثارت زيارة وفد من رجال الدين الدروز السوريين إلى إسرائيل جدلاً واسعاً في الأوساط السورية، حيث جاءت هذه الخطوة في توقيت حساس يشهد تصعيداً سياسياً وعسكرياً في المنطقة، ما دفع العديد من السوريين إلى إدانتها بشدة واعتبارها محاولة إسرائيلية لاستغلال البعد الديني لتحقيق مكاسب سياسية، فالزيارة، التي قيل إنها ذات طابع ديني، تتزامن مع تصاعد الاعتداءات الإسرائيلية داخل الأراضي السورية، مما يثير تساؤلات حول أهدافها الحقيقية ودلالاتها في ظل التوترات الراهنة.

“لا يمثلون إلا أنفسهم”

أعرب أهالي وعائلات بلدة حضر في جنوبي سوريا عن استنكارهم الشديد للزيارة التي قام بها بعض المشايخ إلى فلسطين المحتلة، تلبيةً لدعوة من جهات موالية للاحتلال الإسرائيلي في الداخل الفلسطيني.

وأكد البيان الصادر عن أهالي البلدة أن إسرائيل، التي لم تكن يوماً حريصة على حقوق الأقليات، تستغل هذه الزيارة الدينية كأداة لزرع الانقسام في الصف الوطني، مشيرين إلى أن سلطات الاحتلال تحاول استخدام الطائفة الدرزية كخط دفاعي لتحقيق مصالحها التوسعية في الجنوب السوري.

وجاء في البيان: “إن إسرائيل التي لم تكن يوماً حريصة على حقوق الأقليات، تستغل هذه الزيارة الدينية كأداة لزرع الانقسام في الصف الوطني، وتسعى لاستخدام الطائفة الدرزية كخط دفاعي لتحقيق مصالحها التوسعية في الجنوب السوري”.

وأضاف الأهالي: “لم ولن ننسى الجرائم والانتهاكات التي ترتكبها دولة الاحتلال بحق أهلنا في الجولان والضفة الغربية وقطاع غزة. وعليه، نؤكد أن هؤلاء المشايخ لا يمثلون إلا أنفسهم، ونشدد على أن انتماءنا الوحيد لطائفة الشعب السوري الأبي. وطننا سوريا، وعزتنا سوريا، وكرامتنا سوريا منذ الأزل”.

ما طبيعة الزيارة؟

وصل وفد من رجال الدين السوريين من طائفة الموحدين الدروز إلى إسرائيل، صباح اليوم الجمعة، في زيارة قيل إنها تهدف إلى زيارة قبر النبي شعيب في الجليل الأسفل داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة.

وتُعد هذه الزيارة الأولى من نوعها منذ خمسة عقود، وتأتي في ظل تصاعد الاعتداءات الإسرائيلية على سوريا بعد انهيار نظام بشار الأسد.

وتداول ناشطون مقاطع فيديو توثق لحظة استقبال الوفد، حيث ظهر الحاضرون وهم ينشدون أنشودة “طلع البدر علينا”، التي استقبل بها الأنصار النبي محمد صلى الله عليه وسلم عند هجرته إلى المدينة المنورة.

100 رجل دين

من جهتها، ذكرت شبكة “السويداء 24” المحلية، أن “الوفد يضم حوالي 100 رجل دين من قرى إقليم البلان، ومن المرتقب أن يشاركوا في الزيارة السنوية لمقام النبي شعيب المقررة اليوم الجمعة”، بترتيب من الشيخ موفق طريف.

وأشارت إلى أن “باصات دخلت من معبر عين التينة في الجولان باتجاه قرية حضر لنقل الوفود المشاركة، وسط ترتيبات أمنية من الجيش الإسرائيلي، ومن المقرر أن يعود الوفد إلى سوريا بعد انتهاء مراسم الزيارة يوم السبت”.

بدوره، قال الشيخ موفق طريف، الرئيس الروحي للطائفة الدرزية في إسرائيل، إن “الوفد لا يضم رجال دين من محافظة السويداء، ويقتصر على قرى الإقليم، أي المناطق الواقعة في القنيطرة وريف دمشق من جهة جبل الشيخ”.

واعتبر أن “من حق أبناء الطائفة زيارة الأماكن المقدسة وممارسة الشعائر الدينية، أسوة بباقي الطوائف الإسلامية والمسيحية التي تزور الأماكن المقدسة في القدس”، مضيفاً أن “الزيارة تحمل طابعاً دينياً”.

ردود فعل متباينة وإدانة واسعة

تباينت ردود فعل السوريين حول زيارة الوفد الديني إلى إسرائيل، إلا أن معظمهم دانوا هذه الخطوة واستنكروها بشدة، معتبرين أنها تأتي في توقيت حساس يتزامن مع تصاعد التوترات السياسية والعسكرية في المنطقة.

ورأى كثيرون أن هذه الزيارة لا تخدم إلا مصالح الاحتلال الإسرائيلي، الذي يسعى إلى التغلغل داخل النسيج الاجتماعي السوري من بوابة الطائفة الدرزية.

وجاءت هذه الزيارة في وقت تشهد فيه المنطقة تصعيداً سياسياً وعسكرياً ملحوظاً، لا سيما مع تزايد التصريحات الإسرائيلية المعادية للحكومة السورية، والتي تعكس استمرار نهج الاحتلال في التدخل بالشؤون الداخلية لسوريا.

ويعتقد مراقبون أن إسرائيل تحاول دس الفتنة بين الطوائف السورية، بهدف إضعاف التلاحم الوطني وتشتيت الجهود الداخلية لمواجهة التحديات السياسية والأمنية الراهنة.

إسرائيل تكثف انتهاكاتها في سوريا

في موازاة ذلك، كثفت إسرائيل من انتهاكاتها داخل الأراضي السورية، حيث شنّ سلاح الجو الإسرائيلي، أمس الخميس، غارات جوية على مواقع في العاصمة دمشق، زاعماً أنها تضم مركز قيادة تابعاً لحركة “الجهاد الإسلامي” الفلسطينية.

وتزامنت هذه الغارات مع تصعيد عسكري إسرائيلي آخر، ما يؤكد أن الاحتلال يسعى إلى توسيع رقعة نفوذه العسكري في سوريا، تحت ذرائع مختلفة.

بالتزامن مع الغارات الجوية، توغلت القوات الإسرائيلية في عدة مواقع داخل الأراضي السورية، في خطوة اعتبرها مراقبون تصعيداً خطيراً يهدف إلى فرض وقائع جديدة على الأرض.

وقد شددت إسرائيل مراراً على رفضها لأي وجود عسكري سوري في الجنوب، ما يعكس نيتها تعزيز سيطرتها على تلك المناطق واستغلال الأوضاع الأمنية لصالحها.

وفي تطور لافت، كررت تل أبيب تصريحاتها بشأن استعدادها للتدخل في الجنوب السوري، بحجة “حماية أبناء الطائفة الدرزية”، وهو ما اعتبره محللون محاولة مكشوفة لتبرير تدخلها في الشأن السوري الداخلي، واستغلال الورقة الطائفية كذريعة لتوسيع نفوذها.

 —————————

 الشيخ الحناوي لـ تلفزيون سوريا: لا نقبل التدخل الخارجي ومتمسكين بوحدتنا الوطنية

2025.03.14

أكد الشيخ حمود الحناوي، شيخ عقل طائفة المسلمين الموحدين الدروز في سوريا، أن الأوضاع الراهنة في البلاد تستدعي تكاتف جميع السوريين للحفاظ على الوحدة الوطنية، معرباً عن استغرابه من بعض الأحداث التي شهدتها البلاد مؤخراً، ومشدداً على أن الأمن والاستقرار هما الأساس لبناء سوريا جديدة.

وفي مقابلة أجراها مع “تلفزيون سوريا”، وصف الشيخ الحناوي المستجدات الأخيرة في الساحل السوري بأنها “أحداث مؤسفة لا تخدم أي طرف”، مشيراً إلى أنه كان من المتوقع أن تدخل سوريا في مرحلة ديمقراطية تعوّض السوريين عن سنوات الحرب والمآسي.

وقال: “ما وقع من أحداث لا يصب في مصلحة أحد، بل يسيء إلى الجميع، سواء الشعب السوري بأكمله أو الدولة التي من المفترض أن تكرس جهودها لبناء الإنسان وتحقيق تطلعات المواطنين”.

وأكد أن ما جرى أثار استغراباً كبيراً، لا سيما في محافظة السويداء، التي كانت تأمل أن تسير البلاد نحو الأمن والاستقرار. وأضاف: “كنا ننظر إلى المحافظات السورية الأخرى على أنها بدأت تتجاوز ويلات الحرب، لكننا فوجئنا بهذه التطورات المحيرة”.

رفض محاولات خلط الأوراق والتمسك بالهوية الوطنية

و أوضح الشيخ الحناوي أن أبناء المحافظة يرفضون أي محاولة لإقحامهم في صراعات لا تخدم المصلحة الوطنية، مشدداً على أن “السويداء جزء لا يتجزأ من سوريا، والانتماء للوطن شرف وكرامة ومبدأ لا يمكن المساومة عليه”. وتابع: “ننظر إلى جميع أبناء سوريا بمنظار واحد، وما يجمعنا هو الوطنية المشتركة”.

وأضاف أن ما حدث في الساحل “آلمنا كثيراً.. لدينا ثقة بأن القيادة في دمشق ستقوم بمحاسبة المخطئين، لأنها تسيء للجميع”. وأضاف: “نحن نهيب بأهلنا في الساحل، ونقول لهم إن ما جرى مؤلم ولا يمكن قبوله دينياً أو أخلاقياً أو وطنياً”.

مخاوف من تداعيات الأحداث الأخيرة

وأبدى شيخ عقل طائفة المسلمين الموحدين مخاوفه من أن تؤدي هذه التطورات إلى زعزعة الثقة بين السوريين وزيادة التوترات الداخلية، محذراً من خطورة هذه المرحلة على مستقبل البلاد.

وأوضح قائلاً: “إذا تكررت هذه الأعمال، فإنها ستسبب قلقاً كبيراً لمختلف المكونات السورية، إذ إن الأمن والاستقرار هما الضامن الأساسي للوحدة الوطنية، وأي إخلال بهما سيؤدي إلى الفوضى والبلبلة”.

ورأى أن هذه الأحداث تعد “استهدافاً للقضية السورية برمتها”، مطالباً الجميع بتحمل مسؤولياتهم في الحفاظ على النسيج الاجتماعي، والابتعاد عن أي تصرفات تؤدي إلى تفكيك وحدة البلاد. وأضاف: “كفانا دماراً ومآسي، فالظروف الراهنة تفرض علينا التكاتف لا التفرق”.

رفض أي تدخل خارجي والحفاظ على الاستقلالية

وفيما يتعلق بمحاولات بعض الجهات الخارجية استغلال اسم طائفة الموحدين الدروز، شدد الشيخ الحناوي على أن “الطائفة لا تقبل التدخلات الأجنبية، ولم تكن يوماً أداة في يد أي طرف خارجي”.

وأضاف: “لسنا مسؤولين عن كل التصريحات التي تصدر من داخل سوريا. نحن لم نقم في أي يوم من الأيام بأي عمل يسيء للوحدة الوطنية”.

وتابع : “نحن سوريون أولاً وأخيراً، ولا نقبل أن يزايد أحد على وطنيتنا. لم نقم بأي عمل يضر بالوحدة الوطنية، ولن نسمح بأن يُستخدم اسمنا كذريعة لأي تدخل خارجي”.

وأكد على أن “الدروز كانوا دائماً جزءاً من النسيج الوطني السوري، ولم يسبق لهم أن مدّوا أيديهم إلى أي جهات خارجية”، مشدداً على أن الطائفة “مسالمة وتحترم كل المكونات السورية، لكنها في الوقت نفسه لن تسمح بالمساس بكرامتها أو سيادتها”.

الاتفاق بين دمشق وقسد: ضرورة للوحدة

وتعليقاً على الاتفاق الذي جرى بين الحكومة السورية وقوات سوريا الديمقراطية (قسد) في شمال شرقي سوريا، قال الشيخ الحناوي إنه يدعم أي اتفاق يساهم في توحيد الصف السوري، قائلاً: “نحن مع أي مبادرة تعزز وحدة سوريا، سواء كانت مع إخواننا الأكراد أو مع الحكومة في دمشق، أو مع أي مكون آخر من أبناء الوطن”.

وأشار إلى أن “الوحدة السورية هي الخيار الوحيد القادر على إخراج البلاد من أزمتها”، معتبراً أن “اللون الواحد لا يجدي، والتنوع هو أساس الاستقرار”. ووجه رسالة إلى جميع السوريين قائلاً: “يجب أن نتعاون ونتحد، فالانقسام لا يخدم إلا أعداء الوطن”.

وأضاف: “وبصفتي شيخ عقل الطائفة الدرزية في سوريا، لا يمكن أن أفكر بأي شيء يسيء إلى سيادة سوريا أو الوطن، ولا سمح الله أن نقوم بمثل هذه الأمور. وإذا ما حدث ذلك، فهو على ذمة من يفعله”.

رسالة إلى السوريين

ووجه الشيخ الحناوي رسالة إلى الشعب السوري، دعا فيها إلى وقف النزاعات والعمل على بناء مستقبل مشترك لجميع السوريين: “رسالتي تحمل بين طياتها الألم والأمل. أيها السوريون، توحدوا، وحافظوا على وطنكم. كفانا قتالاً ودماراً وهدماً لما تبقى من البلاد. نحن بحاجة إلى بناء الوطن على أسس الديمقراطية والمحبة والإخاء”.

وأكد أن السوريين لم يكونوا يعرفون الطائفية في السابق، لكن السنوات الأخيرة أفرزت صراعات أضرت بالجميع. وأضاف: “الطائفية والفوضى دمرت الحجر والبشر، وعلى السوريين أن يراعوا الله في وطنهم ومستقبلهم. التفرقة لا تنفع، والتفكك يضر الجميع، والقتل والثارات لا تجلب سوى الأحقاد”.

واستشهد الشيخ الحناوي بموقف النبي محمد (ص) عند فتح مكة، حين أعلن العفو العام، قائلاً: “هذه هي رسالة الإسلام الحقيقية التي يجب أن نتمسك بها”.

تلفزيون سوريا

——————————

 شيخ عقل الدروز في سوريا حمود الحناوي لـ”النهار”: على الشرع ردّ الظلم ونرفض أي تفرّد بقرار السويداء

“النهار” حاورت شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز في سوريا الشيخ حمود الحناوي وحملت إليه أسئلة الساعة الملحّة، علماً بأن مشيخة العقل تتألف من ثلاثة شيوخ هم إلى الحناوي، الشيخ حكمت الهجري والشيخ أبو أسامة الجربوع.

ديانا سكيني

تحديث 14 أذار 2025

تتحكم أحداث الساحل السوري وتبعاتها بمعادلة علاقات الحكم في دمشق مع المحافظات والمجموعات المختلفة. وإن كان سرى في الأيام الماضية حديث عن اتفاق بين الحكومة السورية ووجهاء السويداء من شأنه أن يطوي صفحات التأويلات وسرديات الخوف من المجهول، فإن الوقائع المستقاة من السويداء تشير إلى أن الحوارات والنقاشات المفتوحة الجارية بين الطرفين ليست سوى ممهّد لأرضية التوافق، وأقرب إلى المطالب كما قيل.

“النهار” حاورت شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز في سوريا الشيخ حمود الحناوي وحملت إليه أسئلة الساعة الملحّة، علماً بأن مشيخة العقل تتألف من ثلاثة شيوخ هم إلى الحناوي، الشيخ حكمت الهجري والشيخ أبو أسامة الجربوع

    ماذا يقول شيخ عقل الموحدين في سوريا حمود الحناوي لـ”النهار” عن عرض الحماية الإسرائيلية للدروز؟ @Dianaskaini pic.twitter.com/Kj8oHLXstJ

    — Annahar Al Arabi (@AnnaharAr) March 14, 2025

لم يطّلع الحناوي على ما سمّيَ “الاتفاق المبدئي” الذي حُكي عنه ولم يسمع به، وفق قوله. وفي رأيه، “كل اتفاق يجب أن يكون صادراً عن كل الفئات التي تمثّل محافظة السويداء، وأن يشمل التمثيل كل المعنيين بالأمر، وبطبيعة الحال الجميع سيؤيّد أيّ اتفاق لصالح المحافظة”.

ويقول إن “مطالبنا العامة تشمل بناء الدولة بشكل مدني وحضاري وتأسيس دستور للبلاد وإجراء انتخابات عادلة تضم جميع فئات الشعب السوري. أما المطالب الخاصة فتتعلق بحاجات المواطنين من كل النواحي”.

* لكن هناك معلومات يجري تناقلها عن اتفاق بين الشيخ الهجري والرئيس أحمد الشرع، هل لديكم معطيات؟

يجيب شيخ العقل: “لم أسمع بالاتفاق بعد وإذا ما حصل يجب أن يخرج عن الرأي العام في محافظة السويداء، نقول بمصداقية إن الانفراد بالقرار يثير الانقسام. وأتوجّه الى الجميع سواء الشيخ الهجري أو غيره ممّن يتواصلون مع الحكومة بأن مطالبنا واحدة، وكل المطالب التي تقع في صالحنا نوافق عليها. وتاريخ الجبل يشهد أن الأمور كانت على الدوام شورى بين أهله”.

ويضيف: “ليس في السويداء مرجعية واحدة، هناك مشيخة عقل من ثلاثة شيوخ، ويوجد مثقفون كان لهم دور بارز في الحراك الوطني، وقادة تقليديون واختصاصيون يديرون دولاً ويجب أن نأخذ آراءهم”.

أحداث الساحل

يشعر الحناوي باستياء كبير نتيجة أحداث الساحل، فـ”ما جرى هو أعمال مؤسفة وليست في مصلحة السوريين ولا أهل الساحل ولا الدولة، وهي أثارت المخاوف لدى كل الشعب السوري”. ودعا الرئيس أحمد الشرع إلى “محاكمة المتورّطين وإيجاد حلّ قانوني بإشراف الدولة”.

* وما المطلوب من الشرع تحديداً؟

يجيب: “المطلوب منه أن يكون كالأب العادل ويعمل على تقصّي الحقائق وردّ الظلم عن الناس لأن أبناء الشعب السوري هم أسرة واحدة، ولا يجوز أن يكون هناك فرق بين طائفة وأخرى”.

* وكيف أثرت أحداث الساحل على المجموعة الدرزية في سوريا، وهل أثارت التخوّف؟

يجيب الشيخ الحناوي أن “الخوف واقع ولنا تجارب قديمة من جراء هذا الغلوّ الديني الخطر على الجميع، ليس علينا فحسب بل على جميع أطياف الشعب السوري”.

* وكيف يقارب دخول الإسرائيليين على الخطّ والتعهّد بحماية الدروز؟

“نستغرب الطرح الإسرائيلي، فنحن لا نستجدي الحماية من أحد. وعلى مر التاريخ لا نعتدي على أحد، وإذا اعتُدي علينا نموت جميعنا لحماية أنفسنا وحماية عرضنا وأرضنا، وإذا اعتُدي علينا فلنا حق الدفاع عن أنفسنا. نحن لنا تاريخ طويل ولم نُهزم في أيّ معركة على مرّ التاريخ”.

     View this post on Instagram

    A post shared by Annahar (@annaharnews)

* هناك أصوات درزية تحمل نزعة انفصالية لا تزال تتردّد؟

“حسب معرفتي بأبناء السويداء، نحن سوريون لا نساوم على القضية الوطنية. وقيادة الثورة السورية الكبرى كانت تحت راية سلطان باشا الأطرش وقدّمنا آلاف الشهداء من أجل الوطن السوري المقدّس، فلا يمكن أن ننادي بهذه الأفكار (الانفصالية) التي لا تمثّل إلا من ينادي بها”.

* وكيف تجد سياق الاتفاق بين الدولة السورية و”قسد”؟ “

النهار العربينرحّب بالاتفاق مع قسد من أجل الوحدة الوطنية، ونرى أن الحقوق الخاصة بهم يجب أن تراعيها الحكومة السورية”.

———————————

الرئيس الشرع في مواجهة الامتحان الأصعب/ عبد القادر المنلا

2025.03.14

لا يزال اللصوص والقتلة من بقايا فلول الأسد يحلمون باستعادة السلطة المافيوية التي أسست لها عصابة آل الأسد، وأتاحت لهم الفرصة ليعيشوا شهر عسل استمر لأكثر من خمسين عاماً، استطاعوا خلالها نهب سوريا والسوريين، وإفقارهم، وإذلالهم، والتكسب على حساب حقوقهم في العيش بكرامة، أو حتى بالحدود الدنيا من الكرامة.

لم يستوعب اللصوص أنهم لم يعودوا قادرين على النهب والقتل والتسلط، ولم يستوعبوا أن يتحولوا إلى مواطنين عاديين بعد أن عاشوا لعقود يعتقدون بأنهم سادة على غيرهم، وأن السوريين مجرد عبيد لهم وخدم عندهم.

وبعد سقوط النظام، هرب الكثير منهم إلى خارج القطر، وتوارى بعضهم في الداخل السوري متخفين بجناحي حمامة سلام ووداعة. وبعد أن ضمنوا سلامتهم، استفاقت شهوة السلطة لديهم من جديد، وبدؤوا بالاتفاق مع الهاربين خارج القطر، يخططون للعودة من بوابة بعض التجاوزات والأخطاء، التي لم تكن في البداية سوى بعض الإهانات اللفظية والملاسنات الكلامية التي وجهها أفراد غير منضبطين للمواطنين، وتحديداً من الطائفة العلوية، مما أثار تذمراً لدى هؤلاء المواطنين.

ولكن فلول العصابة استخدموا تلك الأخطاء ذريعة للتحريض ضد الإدارة الجديدة، ومن ثم إشعال ثورة مضادة بقيادة اللصوص والقتلة أنفسهم، إلى أن تطورت الأحداث على النحو الذي آلت إليه في الأيام السابقة.

زجّت الفلولُ سوريا في مأزق أدى إلى منعطف حاد وخطير للغاية، من شأنه أن يدمر أحلام السوريين بمستقبلهم، الذي كان وجود الأسد عائقاً أمام تحقيقه.

وبعد رحيل الأسد، تبين أن عملية إسقاط النظام لم تكن متكاملة وكافية لإزاحة ذلك العائق، وكان لا بد من اقتلاع النظام من جذوره قبل الإعلان عن ولادة الدولة الجديدة.

وقد بات واضحاً بعد سلسلة الأحداث الأخيرة في الساحل السوري والمشهد الميداني المعقد، أن الرئيس أحمد الشرع يقف في مواجهة أصعب امتحان قبل أن يكمل ثلاثة أشهر من توليه منصب رئيس الجمهورية. فإلى جانب ملف “قسد” وتهديدات إسرائيل ومحاولاتها زرع الفتنة بين السوريين، والوضع الاقتصادي الصعب، والعقوبات التي لا تزال مفروضة على سوريا رغم سقوط المجرم الذي تسبب بفرضها، تأتي قضية الفلول لتزيد المشهد تعقيداً، وتجرّ القيادة الجديدة إلى استخدام السلاح من جديد ضد تلك الفلول. ولكن استخدام السلاح سيضع الدولة باستمرار في موقع الدفاع عن قرارها، ولا سيما في ضوء التشكيك والإشاعات والاتهامات التي تنتشر كالنار في الهشيم، ويستغلها الفلول لبناء مظلومية عليها.

غير أن الامتحان الأصعب يأتي من بعض الفصائل أو بعض الأفراد المحسوبين عليها، والمنتمين إلى الإدارة الجديدة، الذين يرتكبون انتهاكات تم الاعتراف بها رسمياً من قبل الحكومة. والمشكلة الأخطر ليست في نشر فيديوهات عن تلك الانتهاكات فحسب، بل في تبنّيها والافتخار بها من قبل مرتكبيها، وتصديرها على أنها أعمال بطولية. صحيح أن ثمة الكثير من التلفيق والمبالغة والفبركة، ولكن لا يمكن نفي الأصل الذي تستند إليه الفلول في تضخيمه، مما يضع القيادة في حرج شديد، ويمتحن قدرتها على معالجة هذه القضية، بحيث تصل إلى تحقيق العدالة التي وُعد الشعب السوري بها بجميع أطيافه. وتلك مهمة شديدة الدقة والتعقيد، في ظل الاضطرابات السائدة وضياع جزء كبير من الحقيقة وسط أصوات الرصاص وصوت الشائعات التي لا تتوقف.

وإذا أردنا أن نضع الأمور في نصابها الصحيح، فلا بد من التأكيد على أن ما فعلته فلول النظام والمحرضون التابعون لهم، كان السبب الأساسي لتداعيات الأحداث التي وصلت إلى حالة التصعيد الأخيرة والنتائج الكارثية التي ترتبت عليها. فقد فسّرت تلك الفلول حالة التسامح التي أبدتها الحكومة الجديدة بالضعف، ووجدت فيها فرصة استثنائية لمحاولة استعادة السلطة التي فقدتها.

كانت المحاولة تهدف إلى الإطاحة بالدولة الجديدة في حال نجاحها، وفي حال فشلها، فهي ستنجح في إثارة الفوضى بالحد الأدنى، نكايةً بالسوريين وثورتهم ونصرهم. فالفلول هم ذاتهم أصحاب مقولة “الأسد أو نحرق البلد”، هؤلاء هم مشعلو الحرائق الذين لم يرتووا من حرائق الأعوام الأربعة عشر السابقة، ولا يزالون مصرين على حرق ما تبقى، وحرق مكتسبات الشعب، وحرق مستقبله.

في هذا السياق، لا بد من التذكير بأن تلك الانتهاكات لبعض الفصائل أو الأفراد المحسوبين على الدولة، ستقدم خدمة كبيرة لفلول النظام وروايتهم وأجندتهم، وستشارك في إرباك المشهد وتعقيد مهمة الدولة فيما يتعلق بقضية السلم الأهلي.

لقد بات الاستقطاب والتحريض عنوانين أساسيين للمرحلة الحالية، وبدأت الفجوة تتسع بين الدولة السورية والكثير من أبناء الطائفة العلوية. وقد ظهر الرئيس الشرع في خطابين، يعيد من خلالهما التأكيد على السلم الأهلي، ومحاسبة مرتكبي الانتهاكات، وتشكيل لجان عليا للمتابعة، وهذا هو بالضبط ما ينتظره السوريون. ولكن ترجمة تلك الأقوال إلى واقع وبأسرع وقت ممكن، هو ما سيقطع الطريق على الفلول ومناصريهم وداعميهم. وهنا، تبدو محاسبة مرتكبي الانتهاكات لا تقل أهمية عن ملاحقة الفلول، وأي تأخر في وقف الانتهاكات التي تتم ضد المدنيين الأبرياء من الطائفة العلوية وغيرها من المكونات السورية، سيلعب دوراً كبيراً في صب المزيد من النار على الزيت، وسيعرض مصداقية الرئيس للتشكيك، رغم كل ما أبداه من توازن وعدل وخطاب وطني واعٍ وحريص.

حين بدأ التحرك نحو حلب في العملية التي أطلق عليها “ردع العدوان”، لم يكن الكثيرون يعلمون من هم إدارة العمليات العسكرية. وسرعان ما تم الكشف عن أفراد تلك الإدارة وقيادتها، ليتضح أنها هيئة تحرير الشام ذاتها، التي لم يكن السوريون حينها يثقون بوطنيتها، ويعدونها مشروعاً إسلامياً بحتاً. الأمر الذي لم يجعلهم متحمسين لتلك العملية، بسبب خوفهم من فتح جبهة طاحنة مع قوات النظام وحلفائها من الإيرانيين والروس، وعودة الحرب التي لا يعرف أحد كم ستستغرق، ولا إلى متى قد تدوم، بكل ما تحمله من نتائج كارثية.

ومع نجاح إدارة العمليات بتحرير حلب دون دماء، ومن ثم تقدمها إلى حماة فحمص، إلى أن وصلت إلى دمشق، باتت الهيئة تحتل موقعاً مختلفاً تماماً في وجدان السوريين. ومع دخولها إلى الساحل السوري دون انتقام أو ثأر، ازدادت ثقة السوريين بالإدارة، وباتت ليست المخلص فحسب، بل أيضاً الجهة الضامنة للعدالة واللحمة الوطنية. وبدأ النظر إلى الشرع على أنه البطل المحرر، والقادر على منع أنهار الدم والمذابح بحق العلويين، التي كانت متوقعة في حال سقوط النظام. وقد اعتبر السوريون دخول الساحل بلا دماء معجزة لا تقل شأناً عن معجزة التحرير.

لم يتأخر الرئيس بالخروج بعد سلسلة الأحداث الدامية، وقام بخطوات هامة تمثل المنهج النظري للحل، ولكن الاختبار الهام يكمن في آلية تطبيق هذا المنهج. فالمطلوب اليوم هو سرعة محاسبة مرتكبي الانتهاكات، والتي يجب أن تكون متوازية مع محاربة الفلول، وربما يجب إعطاؤها الأولوية، لأن ما يفعله مرتكبو الانتهاكات يمثل الأرضية الخصبة للفلول في استقطاب وتعبئة الشارع العلوي، وتجييشه، وتحريضه ضد إدارة الشرع.

لقد خرج الأسد بعد اندلاع الثورة يبحث عن مبررات لقتل المتظاهرين والثوار، وتظاهر بأنه يفعل ما يمليه عليه واجبه الوطني. وربما كان طرحه النظري حينها مقبولاً دولياً ومحلياً، ولكن أفعاله كانت تناقض خطابه. لا يمكن للإدارة الجديدة بحال من الأحوال أن تتشابه من قريب أو بعيد مع الأسد في الطريقة والنتائج. واليوم، تتجه أنظار السوريين للرئيس الشرع، منتظرةً خطوات وإجراءات عاجلة وعادلة وصارمة بحق المخربين جميعاً، وعلى رأسهم مرتكبو الانتهاكات.

تلفزيون سوريا

——————————-

أجراس التطبيع مع إسرائيل..قبل الأوان/  ساطع نورالدين

تحديث 14 أذار 2025

الخوفُ واجبٌ من جرِّ (أو إنجرار) لبنان الى مفاوضات سلام مع العدو الإسرائيلي، لكنه سابق لأوانه بعض الشيء. الخطرٌ موجودٌ طبعاً، غير أن تحويله الى خطة عمل إسرائيلية-أميركية، وبالتالي الى عبوة ناسفة للاستقراراللبناني النسبي، ما زال يتطلب توفر الكثير من الشروط الصعبة، التي لم يستطع العدو فرضها في اعقاب غزوه للبنان في العام 1982، ولن يستطيع طرحها في ضوء الحرب المتواصلة منذ خريف العام 2023.

الفكرة واردة في واشنطن وتل ابيب، لكن، حتى الآن، كنظرية فقط، يجري تداولها وترويجها من قبل بعض أصحاب النوايا السيئة، والآراء المتطرفة، من الجانبين الأميركي والإسرائيلي، الذين لا يدركون عواقب هذا الطرح على الداخل اللبناني، وما يمكن ان يثيره من اضطرابات غير محمودة، ولا يتذكرون التجارب الأميركية والإسرائيلية المريرة مع لبنان وانقساماته العميقة التي لم تتبدل كثيرا، منذ نصف قرن مضى او أكثر.

ليس هناك طموح رسمي أميركي أو إسرائيلي في تجديد تلك التجارب، التي كانت وستظل تستدعي إنتشاراً عسكرياً للقوات الإسرائيلية والأميركية على معظم الأراضي اللبنانية. في واشنطن وتل ابيب، وربما بيروت، ثمة من يحاول ان يستكشف الفرص والآفاق البعيدة المدى، لمثل هذا الاحتمال، من دون إدراجه صراحة في مشاريع “التسوية” المطروحة على الفلسطينيين، ولا في مشاريع السلام المقترحة على السعودية وغيرها من دول الخليج. يمكن العثور، في عملية الاستكشاف هذه على سياق واحد يربط المسار اللبناني، بالمسار السوري وحده، من دون أي تفصيل او تأويل، سوى أنهما يشكلان الجبهة الشمالية المتوترة لدولة إسرائيل.

ولا حاجة الى أدلة للتأكد من أن الاختراق الإسرائيلي المتصاعد لسوريا، سواء عسكرياً او سياسياً او حتى إجتماعياً، بات بلا أدنى شك، أكبر وأخطر وأبعد مدى من الانتهاك الإسرائيلي المتواصل للمجال اللبناني، الذي لو بلغ الحد الذي يتعرض له الاشقاء السوريون، لوجب قرع أجراس الإنذار اللبنانية، والاستعداد لمرحلة أسوأ من الحرب الإسرائيلية الراهنة.. مع الاخذ بالاعتبار الرغبة الإسرائيلية الواضحة باختبار فرص التعامل مع الحكام الجدد في دمشق، وفق قواعد جديدة لاتفاق فصل القوات الذي ظل سائداً على جبهة الجولان منذ العام 1973 حتى اليوم.

بناء على تلك الخلفية، التي تميز جاءت فكرة تشكيل ثلاث مجموعات عمل لبنانية إسرائيلية تعمل في ظل اللجنة الخماسية الدولية في الناقورة، واحدة تعني بإكمال ترسيم الخط الأزرق الحدودي، وثانية تتابع قضية الاحتلال الإسرائيلي للمواقع الخمسة ( السبعة) داخل الأراضي اللبنانية، وثالثة تهتم بمصير الاسرى والمخطوفين اللبنانيين من قبل العدو.. وقد باشرت عملها بتلقي “بادرة حسن نية” مفاجئة، خص بها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الرئيس جوزف عون، المسؤول اللبناني المكلف بتنفيذ القرار 1701 بكامل بنوده وملحقاته.

لا تريد واشنطن ولا تل ابيب، “توريط” لبنان بمفاوضات سلام الآن. هما تكتفيان بمراقبة ردود الأفعال اللبنانية على عملية تنفيذ القرار 1701، التي يفصح بعضها عن الكثير من الانتهاكات لمناعة موقف المفاوض اللبناني، ويقفز الى ما هو أبعد مما هو مطلوب أميركياً واسرائيلياً، في هذه المرحلة بحجة أن شرط إعادة الاعمار هو “التطبيع” مع إسرائيل.. مع أن الجميع يدركون أن التمويل بات مستحيلاً، بعدما سقط لبنان من لائحة أولويات الدول المانحة المعنية بتمويل غزة وسوريا وأوكرانيا والكثير غيرها من الدول المحتاجة..وهو لن تخصص أي مبالغ مالية للجنوب اللبناني حتى ولو فُتحت سفارة إسرائيلية في وسط بيروت!

الخطر الأميركي الإسرائيلي ليس داهماً، لكنه لسوء الحظ يتحول الى محور رئيسي للنقاش الداخلي اللبناني، ما يمكن ان يقود اللبنانيين جميعاً الى هاوية تعيد الى الأذهان تجربة العام 1982 البائسة، ومعها شروط إعادة بناء الدولة وتشكيل السلطة وفرز المجتمع في لبنان.

بيروت في 14 / 3 /

—————————-

احتلال إسرائيل لجبل الشيخ.. استعمار حديث بغطاء أمني زائف

14 مارس 2025

يفتتح الكاتب وسام شرف مقاله المعنون بـ”كيف تطبّع وسائل الإعلام الإسرائيلية عمليات الاستيلاء الاستعماري على الأراضي في سوريا” المنشور في موقع “ميدل إيست آي” البريطاني بالقول منذ احتلال إسرائيل مرتفعات الجولان السورية عام 1967، اعتبرتها “قاعدة استراتيجية مهمة لأمنها وتنمية مواردها وإمداداتها المائية”، إضافة إلى كونها “ورقة تفاوضية في أي محادثات سلام مستقبلية مع سوريا”.

لكن، ورغم أن بعض رؤساء وزراء إسرائيل وافقوا على خطط انسحاب مقابل السلام، فإن الاحتلال لا يزال قائمًا، بل توسعت إسرائيل بعد سقوط نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد، كما يرى شرف.

بحسب شرف، كان “جبل الشيخ دائمًا من بين الجوائز الاستراتيجية الرئيسية”، وأضاف أنه في كانون الأول/ديسمبر، احتلت إسرائيل أعلى قمة في سوريا، بارتفاع يفوق 2800 متر فوق سطح البحر.

يشير شرف إلى أن هذه الخطوة أثارت نقاشًا في الإعلام الإسرائيلي حول المصطلحات المناسبة لوصف “الجائزة الجديدة”، حيث اقترحت أسماء مثل “تاج الشيخ”، مستندةً إلى قصيدة كتبها القائد الصهيوني زئيف جابوتنسكي قبل قرن من الزمن، أو حتى “صهيون”، في محاولة لفصل جبل الشيخ عن هويته السورية، وترسيخ السيطرة الصهيونية عليه.

لا يقتصر الأمر على الإعلام، يضيف شرف موضحًا، ثم يمضي قائلًا إن وكالات السياحة تروج لرحلات إلى “أعلى قمة في إسرائيل”، مع الإشارة إلى أنه “جبل الشيخ السوري سابقًا”.

ويرى  أن هذه الرحلات تعكس سياسة الاستعمار والتوسع التي تنتهجها الحكومة الإسرائيلية، حيث يتم الاحتفاء بأي أرض تحتلها قواتها دون مراعاة للدول والشعوب المجاورة أو العواقب المحتملة.

لم تقدم إسرائيل مبررات مقنعة لاحتلالها الجديد، إذ لم تواجه أي تهديدات من هذه المنطقة منذ عقود. ورغم مزاعم تل أبيب بأن الأمر “إجراء دفاعي استباقي”، فإن الواقع يشير إلى استفزاز صريح واستيلاء غير قانوني على أراضٍ سورية، وفقًا لتحليل شرف.

وأضاف أن هذا الاحتلال ليس نتيجة نزاع مسلح حديث، بل يعكس “توجهات توسعية لحكومة متطرفة”، معيدًا التذكير بإعلان أعلن رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، أن إسرائيل لن تسمح بأي نشاط للجيش السوري الجديد جنوب دمشق، متعهدًا ببقاء جيش الاحتلال هناك إلى أجل غير مسمى.

وبالمثل، صرح وزير الأمن في حكومة الاحتلال، إسرائيل كاتس، بأن الجيش الإسرائيلي سيظل في جبل الشيخ “لضمان الأمن”. ويرى شرف أن هذه التصريحات تعكس نية واضحة لاحتلال أجزاء من جنوب سوريا بشكل دائم وضمها لاحقًا.

ورغم عدم صدور رد رسمي من الحكومة السورية الانتقالية، دعا العديد من قادة الدول المجاورة إسرائيل إلى الانسحاب واحترام اتفاقية وقف إطلاق النار لعام 1974. غير أن إسرائيل تواصل فرض سيطرتها، غير مكترثة بالقانون الدولي، حيث يمثل هذا الاحتلال انتهاكًا واضحًا، يعكس عقلية استعمارية توسعية لحكومة متطرفة، بحسب شرف.

يؤكد شرف أن سوريا تواجه تحديات كبيرة في إعادة البناء بعد سقوط الأسد، ما يجعل ردّها على إسرائيل محدودًا. ومع ذلك، فإن استيلاء إسرائيل على أراضٍ جديدة يعد تكتيكًا غير قانوني يجب أن يُرفض دوليًا.

ويخلص شرف في نهاية مقاله التحليلي إلى أن استقرار المنطقة يعتمد على استقرار سوريا الجديدة، ويجب على المجتمع الدولي دعم جهود السلام ورفض أي شكل من أشكال التعدي الخارجي، لمنع استمرار السياسات التوسعية التي تهدد مستقبل المنطقة بأسرها.

—————————–

 لاءات الدروز، ماذا يريدون؟ وماذا يرفضون؟

الجمعة 14 مارس 2025

تراقب طائفة الموحّدين الدروز في سوريا اليوم، بكثير من التساؤلات والتخوفات، ما يحدث على الساحل السوري من أحداث عنف من جهة، ومع الأكراد من اتفاق دمجٍ وقّعته قوات سوريا الديمقراطية “قسد”، مع الإدارة السورية الجديدة من جهة أخرى، ليبقى سؤال مصيرهم أو “قرارهم” إن تملّكوه، معلّقاً إلى حين.

خصوصية المكوّن الدرزي السوري، لا تأتي فقط من كونهم أقليةً دينيةً، بل لامتدادهم الجغرافي والتاريخي المتداخل في أربعة بلدان، ولمجمل الحسابات السياسية المتعلقة بجغرافيتهم الحدودية الحسّاسة، وعلاقات الطائفة الممتدة عبر أنظمة متعادية. 

أبناء الطائفة الذين عانوا طويلاً من التقسيمات الحدودية التي مزّقت العائلات والطائفة، يتوقون إلى لمّ شملها، لكن هذا الهدف الواحد لا يعني أنّ الرؤى السياسية واحدة، ولا يعني أن الأثمان المتوقعة قد تكون سهلةً.

ماذا يريد الدروز؟

مطالب دروز سوريا واضحة منذ اليوم الأول، ولا تختلف عن مطالب معظم الأقلّيات، وتتمثّل في دولة علمانية لكل السوريين، بالإضافة إلى تحسين الخدمات في محافظة السويداء التي عانت من الحرب ومن قبله من التهميش، وتعاني من قلّة الموارد مقارنةً ببقية المحافظات الشمالية والوسطى والساحلية. ويخشى الدروز خصوصاً، من تهميش محافظتهم في أيّ تسوية مقبلة، أو من تقسيم البلاد دون أخذ مصالحهم في الحسبان. لذلك يطالبون بضمانات دستورية تكفل حقوقهم وتمثيلهم، مثل تضمين مبادئ اللامركزية الإدارية وتمثيل الأقليات في تعيينات الهيئات التشريعية والحكومية، إلى حين الوصول إلى صناديق الاقتراع، وهذا كله قبل إلقاء السلاح.

كما يتوجسون من فرض أيديولوجيا دينية متشددة، أو تهميش صوتهم في صياغة مستقبل البلاد، ولا سيّما أنّ ذاكرتهم الجماعية ما زالت مثقلةً بتجربة مريرة مع جبهة النصرة (سابقاً). فحين سيطر فرع القاعدة على منطقة جبل السمّاق في إدلب عام 2015، تعرّضت القرى الدرزية هناك لمجازر -كمجزرة قلب لوزة- ومصادرة أملاك، وحملة “أسلمة قسرية”، ما أدى إلى نزوح نحو نصف سكانها الدروز آنذاك.​

تلك الصدمة رسّخت لدى دروز السويداء، مخاوف من تكرار السيناريو على يد الإدارة السورية الجديدة، خاصةً أنّ أحداث العنف في “جرمانا”، والتي أعقبت سقوط النظام، أعطت مؤشراً على جهوزية للعداء الطائفي بين بعض رجال الأمن من الإدارة السورية الجديدة والدروز كما رأى بعضهم. وبرغم أنّ شيوخ الطائفة تبرؤوا من الفاعلين ورفعوا عنهم غطاء الحماية الاجتماعية، إلا أنّ هذا الحدث عزز المخاوف، بدلاً من أن يقلّلها.

ومن هنا جاءت مطالب الدروز واضحةً وحازمةً منذ الأيام الأولى لسقوط الأسد: فهم يريدون دولةً مدنيةً علمانيةً تكفل حقوق الأقليات ولا تُختزل بلون واحد​، فمنذ سقوط النظام رفع المتظاهرون في السويداء شعار “سوريا واحدة لا تقبل القسمة، بكل ألوانها”، داعين إلى فصل الدين عن الدولة​، بينما تؤكد قياداتهم الدينية مثل الشيخ حكمت الهجري، المرجع الروحي الأبرز للدروز، والشيخ حمود الحناوي، أحد شيوخ عقل الطائفة، على تبنّي خطاب وطني جامع: “الدين لله والوطن للجميع”، في إشارة إلى رفض أي نهج حكم طائفي​. 

رفض للإعلان الدستوري

لم يكن ردّ فعل الأقليات الدينية مرحّباً، بعدما صادق الرئيس السوري أحمد الشرع، على مسودة “الإعلان الدستوري”، يوم الخميس 14 آذار/ مارس 2025، وما جاء فيه من بنود جدلية، كتعيين الرئيس ثلث المجلس التشريعي، وتحديد الفترة الانتقالية بخمس سنوات، وحظر حمل السلاح في كل سوريا، وحصر دين رئيس الجمهورية في الإسلام، والنصّ على أنّ الفقه الإسلامي هو مصدر التشريع.

عدّ الأكراد، الإعلان الدستور انقلاباً على اتفاق الدمج الذي سلّموا سلاحهم بموجبه. أما الدروز، فجاء ردّ فعلهم على لسان الشيخ حكمت الهجري، الذي عبّر عن موقفهم الرافض للإعلان الدستوري، مؤكداً أنّ الحكومة الحالية لا تمثّل تطلعاتهم، ووصفها بأنّها “مطلوبة للعدالة الدولية”.

ووصف الهجري، زعيم طائفة الموحدين الدروز، حكومة دمشق بالـ “متطرفة”، معلناً رفض الطائفة لأي وفاق أو توافق مع السلطة الحالية في دمشق.

تصريحات أخرى خرجت من الطائفة تعقيباً على الإعلان الدستوري. فبالإضافة إلى تصريح الهجري، صرّح شيخ عقل الدروز في السويداء حمود الحناوي، في مقابلة تلفزيونية يوم الخميس 14 آذار/ مارس 2025، بأنّ “السلاح في السويداء هدفه الدفاع عن المحافظة، وأنّ أوان تسليم سلاح الدروز لم يأتِ بعد”. في إشارة واضحة إلى استعداد الطائفة للتخلّي عن الحماية الذاتية لصالح حماية الدولة لهم. وقال عن أحداث الساحل إنها خطيرة جداً، دون أن يخفي تخوفات طائفته من مصير مماثل لما حدث مع الطائفة العلوية، أو أن يتعرّضوا لـ”انقلاب” بعد تسليم سلاحهم كما وصف الأكراد الإعلان الدستوري.

العدالة الاجتماعية ضرورةٌ ملحّة

بينما يحسب المتطرّفون أنّهم يحملون لواء العدالة، لكنّهم في الواقع، يتحدّون جوهرها، وهو أنّ لكلّ امرئٍ الحق في الشعور بأنّ رأيه وكيانه ووجوده أشياء مُقدَّرة، ولو اختلف مع الآخر.

الوضع حالياً في الجنوب

يتركز الدروز في محافظة السويداء جنوبي سوريا، ويمثلون نحو 3% من السكان​. وقد تمتعت هذه المنطقة بهامش من الاستقلالية خلال الحرب بفضل تشكيل الدروز لجاناً محليةً للدفاع الذاتي منذ 2015​، ما أبقاها في منأى -نسبياً- عن سيطرة النظام الصارمة. ومع اندلاع الاحتجاجات الشعبية في السويداء على تردّي الأوضاع المعيشية في آب/ أغسطس 2023، تصاعدت مطالب الدروز لتصل إلى الدعوة الصريحة إلى رحيل الأسد.

وعليه، رحّب كثيرون منهم بسقوط النظام، لكن هذا لا يعني أنهم في الوقت ذاته لا يتوجسون من هيمنة التيارات الإسلامية السنّية على الحكم الجديد.عقب رحيل الأسد، ركّز قادة الحراك الدرزي على تأكيد أنّ ثورتهم لم تكن لأجل استبدال طاغية بآخر، بل لأجل تأسيس عقد اجتماعي جديد يصون كرامة الجميع.

إحدى أبرز أولويات الدروز أيضاً، هي الحفاظ على الأمن المحلي في ظلّ أي ترتيبات جديدة. فخلال الحرب، تولّت مجموعات محلية مثل حركة “رجال الكرامة”، مهمة الدفاع عن السويداء ضد داعش والفصائل المتطرفة، ما خلق واقعاً أمنياً خاصاً بالمحافظة. واليوم، يريد الدروز ضمانات بألّا يُملأ أي فراغ أمني بنفوذ ميليشيات خارجية أو فوضى سلاح.

وفي شكل من أشكال المهادنة، اقترح قائد الحركة الشيخ ليث البلعوس، الحفاظ على قوة أمنية ذات طابع محلي (ربما ضمن قوى الأمن الداخلي السورية)، تكون قادرةً على حماية المنطقة وتحظى بثقة الأهالي، وهو ما يُعدّ شكلاً من أشكال التعاون بين الطرفين، وليس دمجاً أو تسليماً للسلاح، على غرار الاتفاق الكردي.

المواقف الدولية والعربية

لا يبدو أنّ الأقليات في سوريا تحظى اليوم بحماية مباشرة من دول الطوق السوري. فعلى الرغم من التصريحات “الدولية” الداعية إلى حمايتهم والصادرة من دول كبرى مثل فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة، إلا أنّ معظم جيرانهم من الدولة المتاخمة مؤيدون لبسط سلطة الدولة السورية، وتفريغ الأقاليم من السلاح. 

تلعب القوى الخارجية دوراً حاسماً في تهدئة أو تأجيج مخاوف المجموعات الثلاث مع الإدارة الحاكمة اليوم. ولعلّ أبرز مشهد اليوم، هو اصطفاف إقليمي جديد: إذ تدعم كل من تركيا وقطر الحكومة السورية الجديدة ذات الأغلبية السنّية، وتعدّ سقوط الأسد نصراً لمشروعها الإقليمي​، وبطبيعة الحال، جاءت تصريحات الدوحة وأنقرة داعمةً تماماً لتحركات الإدارة السورية في ما أسماه الإعلام “حركات التمرّد” و”فلول النظام السابق”. 

أما السعودية، فقررت عدم ترك الساحة السورية بسهولة لأنقرة والدوحة، وتبعتها دول مجلس التعاون الخليجي، ومعظم الدول العربية، وقد بدا هذا الترحيب بالإدارة السورية الجديدة في الحضن العربي، واضحاً في قمة القاهرة التي عُقدت باسم “قمة فلسطين” في آذار/ مارس الحالي.

فأعلنت الرياض بوضوح دعمها إجراءات دمشق في بسط سيادتها على كامل التراب السوري ومواجهة أيّ تمرد انفصالي​، عقب الأحداث التي حصلت في الساحل، ومن قبلها في أحداث “جرمانا” في جنوب سوريا، حيث الأغلبية الدرزية. حين اشتبكت مجموعات محلية مسلحة مع دورية أمنية تعود إلى الإدارة السورية الجديدة.

كما أيّدت السعودية صراحةً حملة الجيش السوري ضد التمرد العلوي الأخير، وعدّتها معركةً للحفاظ على وحدة البلاد​، وصرّح أكثر من مسؤول سعودي، غير مرة خلال الفترة السابقة، بأنّ مجلس التعاون الخليجي لن يكرر خطأه مع العراق، ولن يعزل سوريا عن محيطها العربي، لتصبح ملعباً فارغاً لقوى إقليمية أخرى -في إشارة إلى أنقرة وطهران- الأمر الذي يترك الدروز في مواجهة مباشرة مع النظام الجديد، في حال أصرّوا على شرط علمانية الدولة الذي يتعارض بشكل صريح مع توجّه الشرع، ومع الإعلان الدستوري.

أما الأردن، فيهمّه بالدرجة الأولى منع الفوضى على حدوده الشمالية. وعليه، وبحسب “معهد كارنيغي” يُرجّح أنه ينسّق أمنياً مع قيادات السويداء ومع الجيش السوري الجديد لضبط الحدود وكبح أي تمدد لميليشيات موالية لإيران أو خلايا متطرفة في الجنوب​، ولا سيّما أنّ منطقة الأزرق عند حدوده الشمالية مأهولة بالكامل من طائفة الموحدين الدروز، الذين تربطهم علاقات قوية مع الدولة الأردنية.

وقد رحّبت عمان، علناً، بتعهدات دمشق باحترام خصوصية دروز جبل العرب، في حين تبدي قلقها من بطء اندماج تلك المنطقة في مؤسسات الدولة الجديدة، ولا سيّما أنّ الأردن معنيّ جداً باستقرار الجنوب منعاً لتدفق اللاجئين أو امتداد الفوضى عبر حدوده.

وهنا تظهر إسرائيل كمعطى مهم في المعادلة الدرزية.

نتنياهو: “نحن سنحمي دروز سوريا”

إسرائيل أعلنت بوضوح أنها لن تسمح بتموضع أيّ قوة معادية قرب حدودها​، وفي اليوم الأول من سقوط النظام، خرج رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، بتصريح مثير للجدل، حين قال إنّ قواته تتمركز في ما أسماها “المنطقة العازلة في سوريا”.

وبرغم أنّ تل أبيب تراقب بحذر نفوذ إيران وحزب الله في أيّ ترتيبات تخصّ العلويين، ولها قنواتها المباشرة مع الأكراد، إلا أنّ الدروز هم الأقلية التي تهمها أكثر من غيرها.

تشير تقارير أمريكية، إلى أنّ تل أبيب حاولت عبر قنوات خلفية أن تفتح حوارات مع زعامات محلية درزية لضمان طمأنتها وعدم ارتمائها في أحضان طهران​. وبحسب موقع “إستراتيجيك”، يسود اعتقاد بأنّ إسرائيل قدّمت دعماً لوجستياً محدوداً لمجلس السويداء العسكري الدرزي خلال مواجهاته مع داعش في السنوات السابقة، وهي مستعدّة لاستمرار ذلك الدعم إذا ظهرت تهديدات جديدة للأقلية الدرزية جنوبي سوريا.

كذلك دعت شخصيات درزية في إسرائيل (مثل أعضاء كنيست من الطائفة)، حكومة نتنياهو، إلى دعم استقرار السويداء إنسانياً وأمنياً لتجنيبها سيناريوهات الفوضى أو الإرهاب. وطالب عضو الكنيست السابق أكرم حسون، حكومة إسرائيل بالتدخل بشكل مباشر لحماية دروز سوريا من أيّ هجمات طائفية محتملة. 

ويُذكر أنّ لإسرائيل مصالح مباشرةً في الجنوب السوري، فهي تعدّ أي فراغ هناك تهديداً يمكن أن تستغلّه إيران أو التنظيمات الإرهابية. لذا، تحاول إسرائيل بحسب تقارير، تعزيز وجودها في محافظة القنيطرة عبر استمالة السكان، خصوصاً الدروز، مستغلةً الأوضاع الإنسانية المتدهورة وغياب مؤسسات الدولة السورية الجديدة، لتقدّم عروضاً اقتصاديةً تشمل فرص عمل برواتب مرتفعة داخل الأراضي المحتلة، بالإضافة إلى مساعدات غذائية وطبية، وبناء مدارس ومستشفيات، وتمديد شبكات الكهرباء والمياه.

غير أنّ هذه المحاولات تواجه رفضاً شعبياً، ولا سيّما من بعض القرى الدرزية، التي ترفض دعوات إسرائيلية للقاء الشيخ موفق طريف في الجولان المحتل، عادّةً ذلك “استغلالاً للانتماء الديني لتلميع الاحتلال”. يتزامن ذلك مع توسّع عسكري إسرائيلي، تمثّل في إنشاء 12 موقعاً عسكرياً جديداً في القنيطرة، مجهزةً بمرافق سكنية وبنية تحتية حديثة، ما يشير إلى نية في إقامة وجود عسكري طويل الأمد في المنطقة.

سيناريوهات دروز سوريا اليوم

يبدو خيار التقسيم الكامل باستحداث كيان درزي مستقلّ في جبل الدروز، ضعيف الاحتمال ومرفوضاً من كثير من الأهالي. كما أنّ الدويلة الدرزية في “جبل العرب” أو “جبل الدروز”، التي كانت مطروحةً إبان الانتداب الفرنسي (1921-1936)، ليست نموذجاً مرغوباً فيه اليوم، خاصةً أنها محدودة الموارد، وستعتمد في حال إنشائها على دعم خارجي.

ومع ذلك، هناك سيناريو آخر كالذي يطرحه الشيخ الهجري، وهو الحكم اللامركزي، أو الفيدرالي الذي يمنح الجنوب صلاحيات واسعةً لإدارة شؤونه. في حال تبنّي سوريا نظاماً فيدرالياً شاملاً، قد يصبح إقليم جبل الدروز وحدةً فيدراليةً تتمتع ببرلمان محلّي وحكومة محلية تدير شؤون التعليم والأمن الداخلي والتنمية المحلية، مع بقائها ضمن دولة موحدة.

هذا السيناريو يلقى قبولاً مبدئياً لدى الكثير من الدروز، لأنّه يضمن تلبية طموحهم في الحكم الذاتي النسبي دون تمزيق البلاد.

في المقابل، الكونفدرالية كصيغة تجمع الجنوب مع كيان أو كيانين آخرين برابط فضفاض ليست مطروحةً بجدية في ما يخصّ الدروز، نظراً إلى صغر حجمهم الجغرافي والبشري نسبياً، ولأنّ أيّ كونفدرالية تتطلب وجود دولتين أو أكثر قائمة بذاتها. الدروز يفضّلون إما وحدةً اندماجيةً أو نوعاً من الاتحاد الفيدرالي داخل سوريا، وليس وضعاً كونفدرالياً مع جهة أخرى منفصلة، لذا لم يتم طرح هذا السيناريو من أي طرف.

ويظل سيناريو الدولة المركزية الديمقراطية، هو السيناريو المثالي الذي يأمل فيه كثير من السوريين، ويعني قيام نظام حكم مدني ديمقراطي تعددي في إطار دولة موحدة بسيطة (غير اتحادية). بموجب هذا السيناريو، تنجح السلطة الانتقالية في بناء مؤسسات وطنية جامعة -كجيش وطني محترف يضم المكونات كافة، وهيئات قضائية مستقلة، وحكومة تمثّل الجميع- دون الحاجة إلى ترتيبات فئوية.

في هذه الحالة، سيتم اعتماد اللامركزية الإدارية فقط (وليس السياسية)، بحيث تُمنح المحافظات صلاحيات محليةً واسعةً لإدارة شؤونها اليومية ضمن قوانين موحدة. هذا السيناريو يتطلب مصالحةً وطنيةً عميقةً وثقةً عاليةً بين مكونات الشعب، بحيث يشعر الجميع بالأمان في ظلّ حكومة مركزية عادلة. عندها تنتفي رغبة الدرزي أو العلوي أو الكردي في كيان خاص، إذا ضمن حقوقه كاملةً في الدولة الواحدة.

بعبارة أخرى، يصبح التنوع السوري مصدر ثراء ضمن حكومة ديمقراطية، كما هو حال دول غربية عديدة متعددة الأعراق لكن موحدة سياسياً، ويستلزم ذلك بالطبع اقتلاع جذور الاستبداد وبناء عقد اجتماعي جديد يؤكد المواطنة المتساوية ويجرّم أي تمييز على أساس ديني أو قومي. من فوائد هذا السيناريو أنه الأبسط والأقلّ كلفةً إدارياً، فلا حاجة إلى إعادة ترسيم حدود أو إنشاء برلمانات محلية، بل يكفي إجراء انتخابات حرّة عامة لاختيار ممثلين عن الشعب كله. كما أنّه يضمن وحدة الجيش والقضاء والسياسة الخارجية، ما يعيد لسوريا ثقلها الإقليمي مجدداً.

وقد عبّر شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز حكمت الهجري، عن هذا الطموح بقوله: “نريد نموذج حكم مدني ديمقراطي، يقوم على مؤسسات قوية وجيش جامع”. لكن الإعلان الدستوري قد يقف حائلاً دون هذا الحلم، وقد يحيل الأقليات إلى فكرة اللامركزية، سواء الإدارية أو حتى السياسية، كحلّ وسط إلى حين استقرار سوريا، وتطوير البنية التشريعية بما يضمن تمثيل الجميع، وتحقيق مبدأ المواطنة العادلة، ولا سيّما في تداول السلطة دون أي اعتبار لفروقات عرقية أو دينية.

رصيف 22

————————–

مزن مرشد: السويداء على صفيح ساخن.. وعلى الهجري أن يترك السياسة لأهلها

كشفت الكاتبة والصحفية وابنة محافظة السويداء مزن مرشد عن وجود ثلاثة تيارات متصارعة في المحافظة حاليًا، تياران يسيران مع الدولة السورية لكن لديهما عدد من المطالب، وهذا أمر مشروع، وتيار ثالث وهو تيار شيخ العقل حكمت الهجري الذي يغرد خارج السرب، مبينة أن أتباع تيار الهجري قلة وهناك رفض واضح من قبل أبناء المحافظة والسوريين عمومًا لتصريحاته الأخيرة.

وأضافت مرشد في لقاء مع قناة العربية أن الشيخ حكمت الهجري عليه أن يطبق مبادئ الديمقراطية والمدنية والعلمانية والتشاركية على نفسه قبل أن يطالب الدولة السورية بتطبيقها، وعليه أن يلتزم بتسيير الشؤون الدينية فقط في المحافظة، وترك الأمور السياسية لأهل السياسة، لاسيما أن المحافظة غنية بالناشطين السياسيين والمدنيين، وأساتذة الجامعات والمتخصصين، وهم الأجدر بقيادة المرحلة السياسية. كما لا يحق لأحد أن يقرر بمفرده عن أبناء الطائفة الدرزية في المحافظة، ويجر الطائفة إلى صراعات لا فائدة منها.

وتابعت أن إسرائيل ليست بحاجة لمن يدعوها للتدخل في شؤون الدول، خاصة أنها تتقن الصيد في الماء العكر من خلال تدخلها في الصراعات الشائكة، مضيفة: “نحن اليوم لا نلوم إسرائيل على تصريحاتها، فهذا شأنها، لكننا نلوم التجاوب الذي يحدث من قبل عدد قليل من أبناء المحافظة مع التصريحات الإسرائيلية”.

وأردفت: “ليس من الذكاء أن تقف اليوم السويداء في وجه حكومة دمشق، لأن هذه المحافظة، وعلى مر التاريخ، لم تشهد أي صراعات مع محيطها من أبناء الطوائف الأخرى”. أما عن ما يبحث عنه الهجري من خلال مواقفه الحالية، قالت مرشد: “ربما يبحث عن موقع أو منصب، وربما طموحه أن يكون الشيخ الأوحد بين أبناء الطائفة، وهذا واضح من خلال مواقفه”.

————————–

===================

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى