الإعلان الدستوري لسوريا 2025-مقالات وتحليلات- تحديث 16 أذار 2025

لمتابعة هذا الملف اتبع الرابط التالي
——————————–
الإعلان الدستوري المؤقت وغياب أهداف الثورة/ عمار ديوب
16 مارس 2025
صدّق الرئيس السوري الانتقالي، أحمد الشرع، على إعلانٍ دستوري، لم يتضمّن كلمة مؤقت، وصار نافذاً. أشارت مقدمته إلى بيان النصر والبيان الختامي لمؤتمر الحوار الوطني والاستئناس بدساتير سابقة، ولكنها لم تشر إلى أهداف الثورة الشعبية في الانتقال نحو الديمقراطية، وقد خلا البيان من ذكرها، وأصبح الكلام عن الحرية والكرامة، وفقاً لمشيئة الإدارة الجديدة، وجاء الإعلان المؤقت بما يتناسب مع مصالح الإدارة ورئيسها. كذلك فإنه جاء بعد مشكلات أمنية ومجازر حدثت في مدن الساحل السوري، وكذلك بعد اتفاقٍ مع زعيم قوات سوريا الديمقراطية (قسد) الكردية، مظلوم عبدي، وبعد جدلٍ صاخب مع قوى وفصائل عسكرية في السويداء. وكان يُفترض بالإعلان ألّا يشير إلى البيان الختامي، ولا إلى بيان النصر، فهما لم يمثلا الشعب، بل مثلا مصالح الفصائل العسكرية والإدارة، وكان دور الشعب فيها شكليّاً، ولم يبدِ رأيه.
انفجار الساحل دليل على غياب الحوار الوطني، ورفض الإدارة الذاتية الكردية الإعلان الدستوري، حالما صدر، وكذلك صدور مواقف من السويداء تقترب من الرفض، وأيضاً هناك انعدام كبير في الثقة من أهل الساحل خصوصاً، ذلك كله يوضح أن الإعلان لم يعد الصلة بالشعب، بل زاد الفجوة مع الإدارة، حينما غُيّب دوره في كل نصوص الإعلان.
مواد كثيرة في الإعلان المؤقت تُمركز السلطات بيد أحمد الشرع، فهو من يعيّن ثلث المجلس التشريعي، وهو من يشكّل لجنة انتخابية لتنتخب بقية أعضائه، وهو من يعيّن الوزراء، ولم يرد في النص كلام عن رئاسة مجلس الوزراء، وهناك توقعات بأن يترأسه هو، وهو من يعيّن قضاة المحكمة الدستورية، ولم ترد كلمة الانتخابات في بنود الإعلان، وغاب دور الشعب في الاستفتاء على مسودة الدستور في نهاية المرحلة الانتقالية. ويأتي طول مدتها، خمس سنوات، دليلاً إضافيّاً على خطورة تحكّم الرئيس الانتقالي بالدولة وبكامل السلطات، وكان يمكن الاكتفاء بعامين أو ثلاثة على أقصى تقدير.
وأثارت المادّة الـ23 نقداً كثيراً، فهي تلغي تقريباً كل مواد الحريات والحقوق، باسم “الأمن الوطني وسلامة الأراضي والسلامة العامة وحماية النظام العام وحماية الصحة والآداب العامة” وهناك المادة الـ14، وتنصّ على تشكيل الأحزاب والمشاركة السياسية وفقاً لـ”أسس وطنية وفق قانون جديد”. وهنا، أيضاً، احتكار للمجال السياسي العام، فمن سيضع الأسس الوطنية هذه، وما هي؟ ومن سيضع القانون الجديد للأحزاب وللمشاركة السياسية مثلاً؟
في وقتٍ تؤكّد فيه نصوص الإعلان الحفاظ على الملكية الخاصة، تتجاهل الحديث عن ملكية الدولة، أو عن مجانية التعليم بكل مراحله، والطبابة المجانية لملايين العاطلين من العمل أو الفلاحين مثلاً. ويعني غياب النص الواضح لهذه القضايا أنّها ستكون عرضةً للشطب والبيع، ومن دون أن تُعرض على الشعب، بأن يقرّر هو مصير هذه الملكيات أو الحقوق في التعليم المجاني أو الطبابة، وهذا بمثابة إقصاء إضافي لدور الشعب. … وينطلق هذا النقد من السياسات التي أعلنتها الحكومة المؤقتة، وتؤكد هذا المنحى.
لم ترد في الإعلان أيّة مواد عن السيادة الشعبية، ففي دستور 1950، تقول مادة: “تقوم السيادة على حكم الشعب بالشعب وللشعب”. قامت الثورة الشعبية لاستعادة دور الشعب في تقرير مصير البلاد، ولكنه، بعد أن غاب عن مؤتمر النصر والحوار الوطني ها هو يُغيّب مجدّداً عن بنود الإعلان، وكذلك عن مجلس الشعب المؤقت، المقرّر تشكيله، ويَخشى الشعب السوري حالياً ألّا يتمثل ثقاته والشخصيات الوطنية الوازنة من الحكومة الانتقالية، المزمع تشكيلها، وفقاً لخطة الرئيس أحمد الشرع في المرحلة الانتقالية.
تكمن أهمية الإدارة وكل خطواتها للمرحلة الانتقالية في ضبط الأمن ومنع الحرب الأهلية، وكذلك في تعدّيات الدولة الصهيونية على سورية. وقد أنبأت أحداث الساحل والمجازر على الهوية الطائفية السوريين بأن خطوات الإدارة وتشكيلها الجيش والأمن العام لم تستطع مواجهة هذه الأخطار، وقد تندلع مجدّداً في الساحل أو في سواه. وإشراك الشعب، ومن كل السوريين، في المؤسسات التي تتشكّل، هو المصدر للثقة وللشرعية.
تفترض المرحلة الانتقالية كثيراً من التجريب، ولكن تهميش دور المعارضة ومختلف الفعاليات الاقتصادية والثقافية والسياسية والخبرات الوطنية أصبح سياسة الإدارة الجديدة، فكما احتكرت هي تعيين اللجنة المكلفة بالحوار الوطني، احتكرت هي تعيين اللجنة التي صاغت الإعلان الدستوري. وأخيراً، ستتشكل لجنة لاختيار أعضاء مجلس الشعب في المحافظات. وتمثل التسريبات عن رفض شخصيات اقتصادية تسلّم رئاسة الحكومة بسبب عدم لمسها عدم الاستقلالية في تحديد السياسات العامة لوزارتها سبباً إضافياً للتخوّف الشعبي الواسع، وليس فقط الأكراد أو الدروز، من خطوات الإدارة في المرحلة الانتقالية.
وقد رفضت الإدارة الاستعانة بالخبرات السورية في كل المجالات، فيما هناك دراساتٌ وأبحاثٌ قيّمة أنجزت في سنوات الثورة، منحازة لها، ولتشكيل دولة تحقق مصالح كل السوريين في الانتقال الديمقراطي والعدالة الاجتماعية والتحرّر الوطني. خطوات الإدارة في المرحلة الانتقالية، وتحديد مدّتها بخمس سنوات، وإقصاء الشعب والقوى السياسية عن المشاركة السياسة، وتجميدها لأسباب متعدّدة، ووفقاً لما أشير أعلاه، تدفع إلى القول إن الإدارة تتجه نحو احتكار كامل السلطات، وغياب أية استقلالية لها، وبالتالي، يُشكل هذا الإعلان بداية التأسيس لدكتاتورية جديدة باسم الانتصار على الديكتاتورية السابقة.
احتكار السلطات بيد الرئيس والجماعة المحيطة به في المرحلة الانتقالية، وتغييب دور الشعب والقوى السياسية، سيؤدّي إلى محاولة شرعنة الإدارة الجديدة من الخارج، أو عبر القوة العسكرية والأمنية، ودفع البلاد نحو الغلبة الطائفية السنية، وبالتالي ستنشأ مظلوميات جديدة، ذُكر بعض بداياتها أعلاه، وقد يؤدّي ذلك إلى مختلف أشكال التدخل الخارجي، وورود مواد في الإعلان تُجرم ذلك لا يمنع إمكانية حدوثها، طالما لا تشعر أغلبية السوريين بأن الخطوات الانتقالية لا تمثلها.
الآن، وبحثاً عن خياراتٍ أفضل للإدارة الجديدة، يقع عليها نشر قوانين جديدة، تتجاوز احتكار الإدارة ورئيسها كل السلطات، وبما يعيد للشعب دوره في السيادة على شرعية الدولة وفصل السلطات وشرعية الدستور المقبل، وضمناً أن يَنتخب هو مجلس الشعب المؤقت، لا اللجنة التي ستُكلف بذلك، وأن يساهم في تشكيل الحكومة الانتقالية الواسعة.
العربي الجديد
—————————-
إعلان دستوري يكفل الحريات/ فاطمة ياسين
16 مارس 2025
كان إنجاز الإعلان الدستوري في سورية سريعاً، إذا ما قيست المسافة الزمنية بين إعلان أعضاء اللجنة وتقديم النسخة المسودة إلى الرئيس أحمد الشرع، فلم يستغرق الأمر أكثر من أيام معدودة، وقد تشكّلت اللجنة من قانونيين وقضاة. ورغم أن هذا الاستحقاق كان من الممكن أن يأتي قبل هذا الموعد، ولا سيما أن الدستور هو الورقة الحقوقية الأساسية لهيكل الدولة ووجهها السياسي، وطريقة تعاطي أجهزتها السلطوية وتشكيلها، فقد كان يمكن تفهم الظروف التي رافقت دخول الفصائل إلى دمشق ودقة الوضع الأمني الذي ما زال غير مستقرّ، ما تسبب في تأخيرها، فقد انهمكت الأجهزة الجديدة في تجميع السلاح وإحلال الأمن وتحييد بعض الخلايا هنا وهناك، والبدء بتنظيم الجيش الجديد، بعد حلّ الفصائل. وكان عليها أن تخمد حركة كبيرة اندلعت في الساحل، قادها ضباط كبار وبشبهة تعاون خارجي، وجاء إعلان السيطرة على هذا التحرّك، وضبط الانفلات الأمني مؤشّراً على النية الجادّة في تنظيم القوات الجديدة على شكل مؤسسة حقيقية.
قُدم الإعلان إلى الرئيس الذي صدّق عليه، فأصبح ساري المفعول، وصار لسورية دستور جديد، أحد أهدافه محو آثار الستين عاماً الماضية من حكم “البعث” الذي حكم من دون دستور في البداية، ثم جاء بنصوص ممسوخة سمّيت دستوراً. وفيها تكرّس “البعث” ومنظّماته وشخصية القائد الفذ، وكل البروباغندا السياسية والاجتماعية التي أحاطت به، وكان شكل الدستور السابق ومضمونه سبباً أساسياً في ثورة السوريين التي جاء إلغاء المادّة الثامنة، التي تقول بقيادة حزب البعث للدولة والمجتمع، في أوائل مطالبها، إلى جانب إطلاق الحرّيات التي كانت مقيّدة دستورياً. استجاب حينها بشار الأسد شكلياً بعد مرور عام، وغيّر دستور 1973، مع جعل التغيير مجرّد حبر وورق، فأبعد اسم حزب البعث عن الدستور، ولكن الحزب حينها كان قد تحوّل من الناحية العملية إلى جثّة هامدة، يرتع كبار كرادلته في المقرّات الفسيحة، ويتقاضون تعويضات كبيرة من دون أي عمل حقيقي، فعائلة الأسد تجاوزت الحزب والطائفة، وتسيّدت الموقف من دون اعتبار للدستور الذي بقي وجوده مجرّد سد لذرائع الضغوط الدولية التي تعاظمت على بشار بعد الثورة.
بدا واضحاً من صيغة الإعلان الدستوري الجديد أن القانونيين الذين وضعوه حرصاء على تجاوز كل الماضي، وكتابة وثيقة قانونية قوية تمكّن الدولة السورية من استعادة نفسها، وبناء ذاتها السياسية خلال السنوات الخمس المقبلة، وهي الفترة الانتقالية المحدّدة، والاستعداد للانطلاق إلى المرحلة الثانية. قسّم الدستور السلطات إلى تشريع وتنفيذ وقضاء، ووضع حدوداً بينها. وللأسباب الأمنية ووضع الشارع اليوم، أنيط بالرئيس الشرع، ولجنة مختصة، تعيين المجلس التشريعي ومجلس القضاء، مع التشديد على استقلال كل سلطة وإحداث اللازم لها لممارسة عملها من دون ضغوط. وأورد الدستور احترام أفراد وملكياتهم وآرائهم، وأفسح المجال لهم للتعبير عنها في أي وقت، وبأي صورة ممكنة. وأفرد للمرأة فقرة واضحة، وشدّد على حقوقها في كل المجالات، ويمكن أن نجد فيه المواطن الفرد مصوناً يمارس ما يرغب ضمن القوانين المرعية من دون ضغط وإكراه.
حدّد الدستور نقطة مطلبية، فوضع فقرة إدانة ومعاقبة كل من يُنكر فترة الإبادة الأسدية، أو التهوين منها، وهذه الفقرة أتت على ما يبدو جزءاً مهماً في تحقيق العدالة، فلا يجوز إنكار سياسات الأسد القمعية والإبادة التي لحقت بالشعب السوري، وقد شهدنا بالفعل من يجرؤ على التقليل منها، حيث لجأت فلول النظام إلى هذه الطريقة لتقديم نفسها من جديد، وإذا قرنت هذه الفقرة بفقرة البدء بتشكيل لجنة لإقامة العدالة الانتقالية، يكون جزءٌ من الحقّ السوري المهدور قد أعيد ثانية، بعد سنين من الحرمان والتشرّد، وستتمكّن اللجنة من بناء القضايا وتجميع الشهود والتقاضي في المحاكم، بعد القبض على كل متورّطٍ أو متعاطفٍ مع فترة الأسد الإجرامية. … الوثيقة الوطنية الجديدة خطوة تسير في اتجاه تأكيد العدالة والحرية، بعد الالتزام بتنفيذ بنودها.
العربي الجديد
————————
الإعلان الدستوري والقطيعة مع “الأيديولوجيا الجهادية”/ محمد أبو رمان
16 مارس 2025
خطوتان مهمتان تسيران بسورية على الطريق الصحيح، تتمثل الأولى بالاتفاق مع قوات سوريا الديمقراطية، الذي يؤشّر إلى أنّ هنالك إمكانية كبيرة لتجاوز المرحلة الراهنة الخطيرة، إذا تمكّنت النخب السياسية الفاعلة، كما تفيد تجارب عديدة في الانتقال السياسي، من التوافق على القيم الوطنية الشمولية وقواعد اللعبة السياسية الجديدة. وتتمثل الثانية في الإعلان الدستوري، الذي أقرّته اللجنة المكلّفة وصادق عليه أحمد الشرع بصفته رئيس الجمهورية السورية.
يمثّل الإعلان الدستوري قطيعة واضحة مع الفكر السلفي الجهادي، لمن ما تزال لديه شكوك في أنّ هيئة تحرير الشام ما تزال تخبئ أجندة إسلامية- أصولية لحكم سورية، ولكن أهم ما في الإعلان القضايا الأربع الرئيسية المركزية؛ وحدة الأراضي السورية، والعدالة الانتقالية، وبناء دولة المواطنة والحرية والكرامة وسيادة القانون، وأخيراً الحكم الرشيد، وهي مفاهيم تبتعد بصورة كاملة عن الأيديولوجيا الإسلامية الجهادية، وحتى لدى عديد من الحركات الإسلامية التي انخرطت في اللعبة السياسية.
يتمثّل المعلم الثاني في الدستور السوري بإقرار مبدأ المواطنة بوصفها أساس العلاقة بين الدولة والفرد، ومبدأ فصل السلطات، وحماية حقوق الإنسان والحرّيات الفردية والعامة، بخاصة حرية المعتقد والدين والعبادة، بل يتجاوز الإعلان الدستوري كثيراً من الدساتير العربية، في معلمه الثالث، في تأكيده مفهوم الحقوق الثقافية من خلال تأكيد أنّ الدولة تحمي التعايش والاستقرار المجتمعي، وتحفظ السلم الأهلي، وتكفل التنوع والتعايش والحقوق الثقافية واللغوية للمجتمع السوري بمكوناته كافة. ومن الواضح أنّ في ذلك رسالة إلى الأقليات الكردية والعلوية والدرزية، وضمانة لهم دستورياً، في وقتٍ تحاول فيه إسرائيل شراء ولاء زعامات دينية وروحية درزية باستخدام بعض الدروز في الجولان المحتل.
إذا انتقلنا إلى المعلم الثالث فهو متعلّق بتأكيد أن المواطنين متساوون في الحقوق والواجبات من دون التمييز بينهم في العرق أو الدين أو الجنس أو النسب، وهو مبدأ مهم يتناقض تماماً مع تراث السلفية الجهادية وخطابها الأيديولوجي. ثم في المادة 12 من الإعلان نفسه إقرار بمبدأ حقوق الإنسان وبالمواثيق الدولية والمعاهدات المعنية بهذا الأمر، وكذلك الإقرار في الحق بتأسيس الأحزاب السياسية وبعمل النقابات والجمعيات وحرية التعبير والرأي والإعلام والنشر، وبحقوق المرأة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
لا يمكن القول إنّ مثل هذه القيم والمبادئ المهمّة قد بدّدت تماماً المخاوف لدى نخب سياسية وعلمانية والأقليات من المستقبل، لكنها بالضرورة قطعت الطريق على هواجس وأقاويل واتهامات كانت توجّه إلى الإدارة الجديدة من زاوية، وأنّها، من زاويةٍ ثانية، تفتح المجال لتفاهمات وطنية وللغة الحوار السياسي، على الأقل خلال مرحلة التعافي الحالية (قرّرها الإعلان الدستوري بخمسة أعوام) إلى حين إعادة بناء البنية التحتية أو تجديدها، وعودة العدد الكبير من المهجّرين والنازحين والتعامل مع تحدّيات خطيرة متعلقة بوحدة سورية وسيادتها والسلم الأهلي.
قد يرى بعضهم أنّ الإعلان الدستوري قد أعطى الشرع سلطات وصلاحيات واسعة في تعيين اللجنة التي ستختار أعضاء مجلس الشعب، أو حتى صلاحياته باختيار ثلث الأعضاء، لكن هذه الصلاحيات مؤقتة ومرتبطة بالمرحلة الانتقالية، وهي سيف ذو حدّين، فإذا قام الرئيس ولجنته باختيار متوازن للمجلس وأعضائه، بما يشمل التنوّع الثقافي والعرقي والديني والسياسي، فإنّه يبرهن أنّ “النيات سليمة”، وأنّه لا نية لنظام دكتاتوري وتسلّطي هناك، والعكس صحيح.
في هذا السياق، تخبرنا نظريات الانتقال السياسي أنّ المرحلة الانتقالية هي الأكثر خطورة، وربما خطوة واحدة غير محسوبة تؤدّي إلى نتائج وخيمة، وأنّ دور النخب السياسية المختلفة في هذه المرحلة مفتاح مهم من مفاتيح الاتفاق والنجاح، كما أنّ التوافق بين القوى القديمة- المحسوبة على النظام السابق والنخب الجديدة هو أيضاً مفتاحٌ مهم، وأنّ التدرج والتوافق الطريق الأفضل من الصراع والاحتراب. وفي الوقت نفسه، دراسة الحالة السورية مقارنة بتلك النظريات تجعل الاحتمال الأقرب إما نظاماً دكتاتورياً وإما فوضى داخلية، بينما الانتقال نحو الديمقراطية هو الأضعف، إلّا إذا قرّر السوريون والإدارة الجديدة والنخب السورية بوعيهم تقديم نموذج مختلف ومغاير، ما دام أنّ هنالك عاملاً إقليمياً داعماً لهذا الانتقال السلمي والديمقراطي، سواء تركيا أو الأردن أو قطر أو السعودية، وهي دول مهمّة في التأثير على اتجاهات الحكم الجديد في سورية.
العربي الجديد
———————–
لماذا أثار الإعلان الدستوري السوري جدلاً حول صلاحيات رئيس المرحلة الانتقالية؟/ رحاب إسماعيل
تحديث 16 أذار 2025
بينما كان فريق بي بي سي يتوجه لتغطية غارة إسرائيلية استهدفت أحد المنازل على مشارف دمشق يوم الخميس الماضي، كانت لجنة صياغة الإعلان الدستوري في سوريا تُسلِّم مسودة الإعلان إلى رئيس المرحلة الانتقالية أحمد الشرع، الذي وصف ذلك الإعلان بأنه “بداية تاريخ جديد للبلاد”، معرباً عن أمله في أن يمحو “الظلم” الذي تعرض له السوريون.
ويعكس هذا المشهد التحديات الأمنية والسياسية، التي تواجه الدولة السورية الجديدة على مختلف الأصعدة، بينما تسعى لتأسيس مرحلة جديدة، بعد ما يزيد عن أربعة عشر عاماً من اندلاع الثورة في البلاد.
ما أهمية إصدار الإعلان؟
حدد الإعلان الدستوري مدة المرحلة الانتقالية في سوريا بخمس سنوات، ونصّ على “الفصل المطلق” بين السلطات، وأكد على جملة من الحقوق والحريات الأساسية، بينها حرية الرأي والتعبير، وحق المرأة في المشاركة السياسية.
ويقول الدكتور إسماعيل خلفان، عضو لجنة صياغة الإعلان الدستوري في سوريا وعميد كلية الحقوق بجامعة حلب، لـ “بي بي سي” إن الإعلان يُشكل الأساس الذي ستُبنى عليه المرحلة الانتقالية، التي ستشهد تشكيل الحكومة ولجنة صياغة الدستور والبرلمان.
وأضاف خلفان أن الحياة في سوريا كانت متوقفة منذ سقوط النظام السابق وإلغاء العمل بدستور عام 2012، في انتظار هذا الإعلان الدستوري، خاصة مع التحديات الأمنية مثل وجود مناطق تشهد “إشكالات مع فلول النظام”، ومناطق لا تزال تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية (قسد).
من جهته، قال الدكتور أحمد قربي، عضو لجنة صياغة الإعلان نفسه ومدير وحدة التوافق والهوية المشتركة في مركز الحوار السوري، لـ “بي بي سي” إن هذا الإعلان سيعطي صلاحيات واضحة لمؤسسات الدولة للتعامل مع التحديات الأمنية والسياسية.
انتقادات رغم الاتفاقات
ولكن بمجرد التصديق على الإعلان الدستوري، أطلق مجلس سوريا الديمقراطية، الذي يمثل المظلة السياسية لقوات (قسد)، بياناً انتقد فيه الإعلان ورفضه، وذلك بعد أيام قليلة من توقيع اتفاق يقضي باندماجها ضمن مؤسسات الدولة السورية، مع التأكيد على وحدة أراضي سوريا ورفض تقسيمها.
وقال مجلس (قسد) في بيان الجمعة، إن هذا الإعلان “يكرّس لحكم مركزي ويمنح السلطة التنفيذية صلاحيات مطلقة”. كما طالب بإعادة صياغة الإعلان بما يضمن توزيع السلطة بشكل عادل، ويضمن حرية العمل السياسي، والاعتراف بحقوق جميع المكونات السورية، واعتماد نظام حكم لامركزي ديمقراطي، مع وضع آليات واضحة لتحقيق العدالة الانتقالية.
ورداً على هذا البيان، علق الدكتور خلفان بالقول إن سوريا دولة واحدة تعتمد على المركزية السياسية، ولا تقبل بالتقسيم أو الانفصالية على حد تعبيره. وأضاف أن اللامركزية الإدارية متاحة في المناطق المختلفة، مثل المناطق التي يسكنها الأكراد، وأنه حتى إذا لم يذكر الإعلان الدستوري ذلك صراحة، فإن الأمر مذكور في قانون الإدارة المحلية، وطالما أنه لم يُلغَ ولا يتعارض مع الإعلان الدستوري، فهو مستمر، بحسب قوله.
صلاحيات رئيس المرحلة الانتقالية
تعددت ردود الفعل حول عدة نقاط في الإعلان الدستوري، منها صلاحيات الرئيس أحمد الشرع، الذي سيحكم سوريا خلال الفترة الانتقالية الممتدة لخمس سنوات بحسب الإعلان.
فقد صرح أنور مجني، المشرف على البرامج في منظمة “اليوم التالي” الحقوقية السورية، لـ “بي بي سي” بأن الإعلان الدستوري يجمع كل السلطات التنفيذية للدولة خلال المرحلة الانتقالية بيد الرئيس، فهو من يختار أعضاء الحكومة وأعضاء مجلس الأمن القومي، وقضاة المحكمة الدستورية العليا. وأضاف مجني أن الرئيس يعين ثلث أعضاء مجلس الشعب، ويختار اللجنة التي ستعين الثلثين الآخرين. كما أشار إلى ما اعتبره غياباً للمحددات التي يمكنها ضمان تشكيل برلمان يكفل تمثيلاً حقيقياً للمجتمع السوري، بحسب قوله.
غير أن الدكتور أحمد قربي يرى أن صلاحيات الرئيس في المرحلة الانتقالية لا تمثل إشكالية، لأن الإعلان تبنى النظام الرئاسي، مما يعطي صلاحيات واسعة للرئيس. وأضاف أنه في السابق، كان الرئيس في سوريا، يتمتع بصلاحيات تنفيذية وتشريعية وقضائية، لكنه لم يعد لديه الآن سلطة التشريع، كما أنه لم يعد رئيساً لمجلس القضاء الأعلى.
وبخصوص تعيين الرئيس لأعضاء المحكمة الدستورية العليا، علل قربي ذلك بأنه تم اللجوء لهذا الأمر “اضطرارياً” في ظل الحاجة لتشكيل المحكمة، وعدم وجود مجلس شعب.
بدوره أكد الدكتور إسماعيل خلفان أن الصلاحية الاستثنائية الوحيدة التي أُعطيت للرئيس بموجب مسودة الإعلان الدستوري، هي إعلان حالة الطوارئ، وهو “أمر طبيعي في دولة مثل سوريا مرت بثورة استمرت 14 عاماً، وتشرد فيها ملايين السوريين”.
وأضاف عضو لجنة صياغة الإعلان الدستوري أنه حتى هذه الصلاحية تم تقييدها، إذ يحتاج الرئيس إلى موافقة مجلس الأمن القومي، واستشارة المحكمة الدستورية ومجلس الشعب، لإعلان حالة الطوارئ. كما حُددت مدتها بثلاثة أشهر بحد أقصى، ولتمديدها يحتاج إلى موافقة مجلس الشعب.
وأشار إلى أن صلاحية التشريع لرئيس الجمهورية، التي كانت موجودة في الدستور السابق من خلال منحه صلاحية إصدار المراسيم التشريعية التي كان يستخدمها لتعطيل السلطة التشريعية في مجلس الشعب على حد تعبير خلفان، اختفت في هذا الإعلان الدستوري، وأصبحت صلاحية التشريع حصراً في يد مجلس الشعب فقط.
من سيراقب السلطة التنفيذية؟
يرى نواف خليل، مدير المركز الكردي للدراسات، أن الإعلان الدستوري منح الرئيس صلاحيات واسعة دون تحديد آليات لرقابة أو محاسبة السلطة التنفيذية، معتبراً أن الإعلان “يصب في مصلحة الرئيس الحالي”.
كما يقول الناشط الحقوقي أنور مجني، أن لدى رئيس المرحلة الانتقالية القدرة على التأثير على السلطة التشريعية، إذ يمكنه رد أي تشريع إلى مجلس الشعب، ورفع نسبة التصويت المطلوبة عليه من النصف إلى الثلثين. وتساءل مجني عن سبب تحديد فترة البرلمان القادم بثلاثين شهراً بينما المرحلة الانتقالية هي خمس سنوات. وأضاف أن منح حق مد فترة البرلمان يزيد من صلاحيات الرئيس.
من جهته، قال الدكتور أحمد قربي: “نحن اعتمدنا مسألة الفصل الجامد، فالبرلمان لا يستطيع محاسبة الرئيس، والرئيس لا يمكنه حل البرلمان”. وأوضح قربي أنه بالرغم من عدم وجود آلية واضحة لمحاسبة الرئيس، فإن القواعد العامة تنص على أن الرئيس موظف في الدولة، وإذا خالف القانون أو الإعلان الدستوري، سيكون القانون السوري هو الفيصل.
هل قُيدت الحياة السياسية وحرية تشكيل الأحزاب؟
كفل الإعلان الدستوري الجديد، المشاركة السياسية الكاملة وحق الملكية مع مجموعة من الضوابط حتى لا تتحول الحريات إلى فوضى، بحسب رئيس لجنة صياغة هذا الإعلان الدكتور عبد الحميد العواك، خلال مؤتمر تسليم مسودته إلى رئيس المرحلة الانتقالية.
ولكن أنور مجني يقول إن المادة الوحيدة التي تحدثت عن تكوين الأحزاب، علقت عمل هذه الأحزاب على إصدار قانون جديد، دون تحديد مدة محددة لإصداره، مما قد يعطل الحياة السياسية. وأضاف أنه لا يجب انتظار صدور قانون لتشكيل الأحزاب، بل يجب تحديد مدة لإصداره على الأقل، لأن الإعلان الدستوري يفترض أن ينقل البلاد من الاستبداد، وحكم الفرد إلى التعددية وحكم الشعب على حد قوله.
من جهته، نفى خلفان أن يكون ما ورد في الإعلان الدستوري يقيد العمل السياسي، أو يجمد تكوين الأحزاب، موضحاً أنه أرجأ تشكيل الأحزاب فقط حتى يتم إصدار قانون جديد، لأن القانون الحالي لا يمنح الحرية الكافية لتشكيل الأحزاب، ويشترط موافقة أمنية من وزير الداخلية، وهو أمر غير مقبول. وقال: “سيتم إعداد قانون جديد للأحزاب، وبعد ذلك سيتم تشكيل الأحزاب وفقاً للقانون دون أي قيود”.
“العدالة الانتقالية وحسم الرواية التاريخية”
وفيما يخص العدالة الانتقالية، نص الإعلان الدستوري على إلغاء كل القوانين الاستثنائية والمحاكم الاستثنائية والقرارات الصادرة عنها إبان عهد النظام السابق.
وقال قربي إن من أهم مكاسب هذا الإعلان، أنه أسس للعدالة الانتقالية من خلال إجراءات واضحة، ومهد لتأسيس هيئة مستقلة خاصة بالعدالة الانتقالية، مبنية على جبر الضرر وإنصاف الضحايا، فضلاً عن “حسم الرواية التاريخية وتجريم كل من ينكر جرائم نظام الأسد أو يبررها”.
غير أن الناشطة السياسية والنسوية السورية ثريا حجازي، تقول إن العدالة الانتقالية يجب ألا تتضمن فقط انتهاكات النظام السابق، بل يجب أن تشمل أيضاً أي انتهاكات ثبت بعد التحقيق أنها وقعت من قبل أفراد تابعين للنظام الحالي، مشيرة إلى الأحداث الأخيرة في منطقة الساحل السوري.
هل يضمن الإعلان الدستوري تمثيلاً فعالاً للمجتمع؟
عبّر الصحفي والباحث السوري نورس عزيز، لـ “بي بي سي” عن تحفظاته إزاء ما نص عليه الإعلان الدستوري من اعتبار الفقه الإسلامي المصدر الأساسي للتشريع، قائلاً إن الفقه الإسلامي بالنسبة له هو مجموعة اجتهادات شخصية وغير موحدة، مما قد يؤثر على فكرة المدنية والديمقراطية في الدولة.
ورأى عزيز أن تأكيد الإعلان على وصف الدولة بـ”الجمهورية العربية السورية”، يُقصي القوميات غير العربية مثل الأكراد والتركمان والأقليات القومية، معتبراً أن الإعلان “يحظى بدعم النظام الجديد من الأغلبية السنية”.
وأضاف عزيز أن الإعلان حدد أن تكون ديانة رئيس الدولة هي الإسلام، ما يعتبره الصحفي والباحث السوري حصراً لهذا المنصب و”إقصاء لبقية الأديان والمذاهب، ومخالفة للمادة التي تقول بأن كل المواطنين السوريين متساوون في الحقوق والواجبات”.
“أطالب بالتمثيل الحقيقي لكل السوريين وإعطاء أصحاب الكفاءات دورهم في قيادة الدولة وعدم الاستئثار بالسلطة”، هكذا عبّر نورس عن أمله في مستقبل البلاد.
من جهتها، قالت ثريا حجازي، الناشطة السياسية والنسوية السورية، إن عدم تحديد جنسية رئيس الدولة مع وجود عدد كبير من الأجانب يثير مخاوفها، بالإضافة إلى عدم تأكيد الإعلان، على أهمية تداول السلطة والديمقراطية ومدنية الدولة.
وبحسب نواف خليل، مدير المركز الكردي للدراسات، لاقى الاتفاق بين الشرع و(قسد) ترحيباً واسعاً، لكن الإعلان الدستوري “ضرب به عرض الحائط”، إذ لا توجد أي مواد تشير إلى أي مكون قومي أو ديني، مثل الأكراد أو التركمان أو الآشوريين، رغم أن الاتفاق بين السلطات في دمشق و(قسد)، ينص على تمثيل كل مكونات السوريين.
ورداً على هذه الانتقادات، قال الدكتور إسماعيل خلفان، عضو لجنة صياغة الإعلان الدستوري، إن تحديد ديانة رئيس الدولة لا يعد إشكالية، خاصة أنه كان موجوداً في الدساتير السورية دائماً. وأضاف أن عدداً كبيراً من الدول، تحدد ديانة رئيس الدولة بحسب ديانة الأغلبية. وأوضح خلفان أن “الإعلان الدستوري لم يحدد طائفة معينة، بل حدد الديانة فقط”، معتبراً أن ذلك لن يؤثر على مشاركة السوريين في الحياة السياسية، لأن الحصر ينطبق فقط على منصب رئيس الجمهورية، بينما تسمح المناصب التشريعية والتنفيذية الأخرى للجميع بالمشاركة الفعالة.
صورة لمظاهرة رافضة لمسودة الإعلان الدستوري في مدينة القامشلي شمالي سوريا.
من جهته، استنكر الدكتور أحمد قربي، عضو لجنة صياغة الإعلان، التعليقات التي تقول إن الإعلان لم يشمل كل الأطياف السورية، ورد بأن الإعلان ينص على أن “المواطنين متساوون في الحقوق والواجبات، من دون تمييز بينهم في العرق أو الدين أو الجنس أو النسب”، بالإضافة إلى ضمان الحقوق الثقافية واللغوية لكل المكونات السورية، وضمان حرية الاعتقاد وحرية الممارسة الدينية، وصيانة الأحوال الشخصية، مما يضمن تمثيلاً عادلاً للجميع. وأضاف أن ذكر أي مكون بعينه سيشير إلى أن له معاملة تمييزية، “ولا يجب تمييز أي سوري عن الآخر”.
وبخصوص جنسية الرئيس، قال خلفان إنه لا داعي لذكرها في الإعلان الدستوري، لأن الدستور الدائم سيحدد ذلك لاحقاً، وسيؤكد أن رئيس الجمهورية يجب أن يكون سوري المولد، وليس بالتجنيس.
وفي الختام يقول الناشط الحقوقي أنور مجني إنه بالرغم من الانتقادات الكثيرة التي طالت الإعلان، فإنه يرى فيه أيضاً عدداً من المواد التي أحدثت نقلة نوعية، مثل اعتبار الاتفاقيات الدولية المُصادق عليها من الجمهورية السورية، جزءاً من الإعلان الدستوري. وأضاف أن سوريا مصادقة على أهم المواثيق الدولية، وبالتالي لا يجوز إصدار قانون يتعارض مع هذه الحقوق، ولا يجوز للسلطة التنفيذية اتخاذ إجراء يتعارض معها، مع ضرورة تحديد آليات الرقابة البرلمانية على السلطة التنفيذية.
وأعرب مجني عن أمله في أن يكون هذا الإعلان قادراً على نقل البلاد من حالة الاستبداد وحكم الفرد الواحد إلى حالة التعددية والديمقراطية.
بي بي سي
————————
الرفض الكردي للإعلان الدستوري يخيّم على اتفاق “قسد” ودمشق/ محمد أمين
16 مارس 2025
لم تتأخر القوى السياسية الكردية في سورية في إعلان الرفض الكردي للإعلان الدستوري الناظم للمرحلة الانتقالية في البلاد والذي صدر الخميس الماضي من دمشق، ما أوجد مخاوف من أن يهدّد الاتفاق “التاريخي” بين دمشق و”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) والتي تمثّل جانباً من الشارع الكردي. وما إن أعلنت اللجنة المكلفة الإعلان الدستوري، حتى سارعت القوى الكردية إلى إصدار بيانات رفض له لأنه “لم يضمن حقوق جميع القوميات والمكونات في البلاد”، وفق بيان للمجلس الوطني الكردي، أبرز القوى السياسية الكردية في سورية. وقال المجلس الذي يضم أحزاباً سورية كردية إن الإعلان المذكور “جاء مخيباً للآمال، بعيداً عن التطلعات نحو بناء دولة ديمقراطية تعكس التنوع الحقيقي للمجتمع السوري”. وأكد البيان أن المجلس يرى في الإعلان الدستوري “خطوة نحو ترسيخ الأحادية والاستئثار بالسلطة، متجاهلاً الطبيعة التعددية لسورية وهويتها، بصفتها دولة متعددة القوميات والأديان، حيث لم يضمن الحقوق القومية والدينية لمكوناتها، بل ثبّت هوية قومية واحدة في تسمية الدولة، في إقصاء واضح لغيرها من المكونات.
“قسد” ترفع السقف
ورفعت “الإدارة الذاتية”، وهي الذراع المدنية والإدارية لـ”قسد”، سقف الرفض الكردي للإعلان الدستوري إلى الحد الذي وصفت فيه الإعلان، بأنه “جاء مماثلاً لسياسات حزب البعث السابقة”. واعتبرت أن الإعلان “يفتقر إلى معايير التنوع الوطني السوري”، مضيفة أنه “يخلو من بصمة أبناء سورية من الأكراد والعرب والسريان والآشوريين وغيرهم من المكونات”.
وفي السياق ذاته، أبدى “مجلس سوريا الديمقراطي” (الذراع السياسية لقوات قسد)، تحفظاً على الإعلان، لجهة أنه “يعيد إنتاج الاستبداد بصيغة جديدة، ويكرّس الحكم المركزي ويمنح السلطة التنفيذية صلاحيات مطلقة، بينما يقيّد العمل السياسي ويجمّد تشكيل الأحزاب، ما يعطل مسار التحول الديمقراطي”.
عقبات مبكرة أمام اتفاق “قسد” ودمشق
وضمّ الإعلان الدستوري الذي وقّعه الرئيس السوري أحمد الشرع الخميس الماضي، 53 مادة، أثارت بعضها حفيظة قوى سياسية في البلاد، وأخرى تمثّل أقليات مذهبية، خصوصاً المادة التي حدّدت دين رئيس الدولة بـ”الإسلام”. ولكن أكثر ما أثار الرفض الكردي للإعلان الدستوري واستياء الشارع الكردي ودفعه للخروج في تظاهرات مندّدة بالإعلان، المادة التي أبقت على اسم الدولة في الدساتير السورية السابقة وهو “الجمهورية العربية السورية”. كما توقف الشارع الكردي في سورية مطولاً عند المادة الرابعة في الإعلان والتي نصّت على أن “اللغة العربية هي اللغة الرسمية للدولة”.
هواجس الرفض الكردي للإعلان الدستوري
ولم يسبق للقوى السياسية الكردية في سورية أن تلاقت عند موقف واحد إزاء العديد من القضايا في المشهد السياسي، إلا هذه المرة، ما يعكس حجم الرفض الكردي للإعلان الدستوري الصادر من دمشق، والذي يُخشى أن يهدد اتفاقاً وُصف بـ”التاريخي” بين الشرع ومظلوم عبدي، قائد قوات “قسد”، قبل أيام عدة في دمشق. واعترف الاتفاق للمرة الأولى في تاريخ الدولة بالمكون الكردي بوصفه “مجتمعاً أصيلاً في الدولة السورية”. ويشكل الأكراد نحو 5% من سكّان سورية، وفق تصريحات للمبعوث الأممي السابق إلى سورية ستيفان دي ميستورا في عام 2016. وينتشرون في عموم المناطق السورية بما فيها دمشق، إلا أنهم يتمركزون في أقصى الشمال الشرقي من البلاد وفي منطقتي عفرين وعين العرب (كوباني) في ريف حلب.
ولكن أحمد القربي، وهو عضو لجنة كتابة الإعلان الدستوري، رأى في حديث مع “العربي الجديد” أنه “لا يمكن القول إن هناك إجماعاً كردياً رافضاً”، معرباً عن اعتقاده بأن “هناك جزءاً من المكون الكردي لديه تحفظ وهواجس”. وتابع: “المخاوف التي تمّ الاستناد عليها لإظهار الرفض الكردي للإعلان الدستوري ناتجة عن مواقف سياسية لتحصيل مكاسب، أكثر ما تكون تقنية وقانونية”، مشيراً إلى أن “الإعلان أكد على المواطنة الكاملة وضمان الدولة للتنوع الثقافي واللغوي لمختلف المكونات”. كما لفت إلى الحديث عن أن الإعلان الدستوري لم يشر إلى القضية الكردية في البلاد، أو اللامركزية، معتبراً أن “هذه المطالب تبدو غير واقعية، إذ كيف يمكن اعتماد اللامركزية والمركز في الوقت الراهن ضعيف، فضلاً عن تهديدات خارجية وداخلية وتشرذم اجتماعي. علينا بناء مؤسسات الدولة أولاً، ومن ثم نتجه إلى اللامركزية”.
ويدفع الأكراد باتجاه تغيير اسم الدولة إلى “الجمهورية السورية”، واعتماد اللغة الكردية لغة رسمية إلى جانب العربية. وتسيطر “قسد” التي تشكل وحدات حماية الشعب الكردية عمادها الرئيسي خصوصا لجهتي القيادة والتوجيه، على الثلث الأغنى بالثروات من البلاد. وكان الاتفاق الذي أبرمته مع الرئاسة السورية رفع سقف التفاؤل في الشارع السوري لجهة تجنيب البلاد دورة عنف جديدة من أجل فرض سيطرة الدولة على كامل البلاد.
ولم يستبعد الباحث السياسي رضوان زيادة، في حديث مع “العربي الجديد”، أن يلقي الرفض الكردي للإعلان الدستوري بظلاله على الاتفاق “لا سيما أن الاتفاق لم يدخل حيّز التنفيذ بعد”، مشيراً إلى أن التحفظ الكردي على الإعلان “كان متوقعاً بالنظر إلى مواقفهم السابقة من الإدارة الجديدة في البلاد”. وشدّد على أن الإعلان الدستوري “لا يستطيع تغيير اسم الدولة. هذا أمر يعود إلى برلمان منتخب”.
من جهته، رأى رياض درار، وهو رئيس سابق لـ”مجلس سوريا الديمقراطي” (مسد) في حديث مع “العربي الجديد”، أن الرفض الكردي للإعلان الدستوري “تعبير سياسي لأن الإعلان خارج التوقعات ويؤسس لنظام استبدادي وسيطرة الفرد ولا يخدم شعارات المرحلة الانتقالية، خصوصاً مع طول مدة هذه المرحلة”. ولكن درار اعتبر أن هذا الموقف “لن يشكل قطيعة مع اتفاق دمشق وقوات قسد”، مؤكداً أن “قسد ما تزال عند الاتفاق”. وأعرب عن اعتقاده بأن “اللقاء المقبل مع الإدارة سيكون من وسائل الضغط لإعادة كتابة هذا الإعلان”.
وتشير المعطيات إلى أن “قسد” ليست بصدد إعادة النظر في الاتفاق الذي أبرمته مع الرئاسة السورية على ضوء الرفض الكردي للإعلان الدستوري الصادر عن دمشق، خصوصاً أن الاتفاق جاء بدفع ورضى الجانب الأميركي الذي كما يبدو يخطط لسحب قواته من الشمال الشرقي من سورية. والانسحاب المحتمل لن يكون لصالح “قسد” في حال تنصلها من الاتفاق مع دمشق، فالتخلي عن الاتفاق يفتح باب تصعيد عسكري لن يكون في صالح القوات الكردية التي ما تزال تواجه احتمالات تصعيد تركي ضدها في حال عدم تنفيذ الاتفاق المبرم. وبرأي المحلل السياسي المقرب من “الإدارة الذاتية”، إبراهيم مسلم، في حديث لـ”العربي الجديد”، فإن “مضمون الاتفاق الذي عقد بين الرئاسة السورية وقوات قسد يؤكد على التشاركية في إدارة البلاد، وتثبيت حق كل المكونات السورية في الدستور، لكن بعد يومين تمّ إصدار إعلان دستوري يتعارض مع مضامين الاتفاق”.
العربي الجديد
—————————-
دساتير سوريا المفقودة.. من الاستقلال الوطني إلى الانقلاب العسكري/ طالب الدغيم
2025.03.16
مع بداية مرحلة الاستقلال في سوريا عام 1946م، كانت الدساتير تُعدّ بمنزلة أداة لإعادة تشكيل هوية الدولة بعد فترة طويلة من الانتداب الفرنسي، حين أُعطيت القوانين الدستورية طابعاً مؤقتاً يعكس التحديات والظروف السياسية المحلية والدولية. كان الهدف من هذه الدساتير ليس فقط تنظيم العلاقات السياسية الداخلية، بل أيضاً التعبير عن تطلعات الشعب السوري نحو الحرية والسيادة الوطنية. ورغم ذلك، لم تخلُ هذه التجربة من التفاعلات المعقدة بين الفكر السياسي القومي أو الليبرالي الساعي للحرية والعدالة، والأفكار الإصلاحية التي تستهدف تغيير الواقع الاجتماعي والاقتصادي.
في هذه المقالة، نستعرض مسار التجربة الدستورية السورية بعد الاستقلال الوطني على مدار أربع سنوات، ونناقش العلاقة بين القيم السياسية الحديثة والمتغيرات المحلية التي كان لها دور كبير في صياغة الواقع الدستوري في سوريا، وتأثيراتها التي امتدت إلى العقود التالية.
التطورات الدُّستورية في سورية في مرحلة الاستقلال الانتقالية حتى تعديل 1947م:
عُرفت الفترة الممتدة بين عامي 1943و1947 بأنها فترة الحكم الدستوري، ووصفها عادل أرسلان بأنها مرحلةً كان فيها الدستور سلطاناً في سورية. وكما وصفت تلك المرحلة بأنها مرحلة انتقالية، إذ بدأت مع انتخاب رئيس للجمهورية، ومجلسٍ نيابي مستقل جديد في عام 1943، وألغى خلالها البرلمان مادة الانتداب الفرنسي (م 116) من الدستور القديم. إلا أن البداية الفعلية لتلك المرحلة، بدأت مع عملية جلاء القوات الفرنسية في 16-17 نيسان/أبريل 1946، وتمتع سورية باستقلالها السياسي. واستمرت حتى إجراء انتخابات الجمعية التأسيسية للدستور في أواخر عام 1949.
وقد ناقش المجلس النيابي السوري في تلك المرحلة، مجموعةً من القضايا الدستورية التي اعترضت الدولة الوطنية الناشئة، ومنها تسوية القضايا القديمة مع فرنسا، ولاسيما معاهدات الجيش واستقلال النقد، إذ كانت قضية الجيش قضيةً مصيريةً، فأَلحّ كثير من النواب في نقاشاتهم على ضرورة تصديق قانونٍ خاصٍ بإعادة هيكلة الجيش السوري وتدريبه وتسليحه، حتى لا يبق في حالةِ فوضى وسوء تنظيم دائمين.
كذلك نوقشت قوانين للإصلاح الزراعي، وأخرى لتنظيم العمل، والتي كانت تتعثر الخطى عند طرحها بسبب نفوذ البورجوازية السورية الكبير آنذاك. وطرحت مشاريع دستورية أخرى تتعلق بحرية النشر والرأي والتعبير. ولكن كان الحدث الدستوري الأكثر تأثيراً في تلك المرحلةً، هو تعديل الدستور بما يسمح للرئيس شكري القوتلي بتجديد رئاسته لولاية ثانية، والذي أثار ضجة داخل وخارج سورية. فالسؤال هنا: لماذا جرى تعديل الدستور السوري من قبل الحزب الوطني الحاكم؟ وما هي رهانات ذلك التعديل؟
1 ـ تعديل الدستور وتجديد رئاسة شكري القوتلي في عامي 1947 ـــ 1948
نتج عن ضغوط نواب البرلمان والنخب الحزبية المعارضة، إقرار تعديل قانون الانتخاب القديم “العثماني”، من نظام الانتخاب على مرحلتين إلى الانتخاب الشعبي المباشر عام1947 م، حيث كانت حكومة جميل مردم قانعةً بذلك التعديل، واعتبرته ضامناً لسلامة أيّ عملية انتخابية مستقبلية، ورأته ينسجم مع روح الحرية والديمقراطية لدى المواطن السوري.
وجرى تكليف الحقوقيين أسعد الكوراني وفؤاد شباط بوضع قانونِ الانتخابات الجديد. وبعد أن انتهيا منه، قدماه للمجلس النيابي في 14 نيسان/أبريل1947. فاختلف النواب حوله، ففي الوقت الذي وجد صبري العسلي (الحزب الوطني الحاكم) ضرورة التأني في إقراره لاختلاف الآراء حول المبادئ المتعلقة بانتخاب الدرجة الأولى، وفي تمثيل الطوائف الدينية، أَيَّده رشدي الكيخيا وأكرم الحوراني وناظم القدسي (الكتلة الدستورية المعارضة) بكل ثبات وإصرار. وفي نهاية المناقشات، أصدر البرلمان قانوناً انتخابياً مُعدلاً في 24 أيار/مايو 1947. ولكن على الفور، تكشفت مساوئ القانون الجديد، بسبب استثنائه العشائر العربية والكردية في منطقة الجزيرة السورية من شروط التسجيل في سجلات الدولة المدنية، لأن الدولة اعتمدت على الجداول الرسمية التي يحتفظ بها مخاتيرهم، وزعماء مناطقهم من دون أيّ تدقيق حكومي رسمي فيها.
تزايد السخط على الرئيس القوتلي وحزبه الوطني، بعد انتخابات النيابة في 7 و8 تموز/يوليو 1947، فقد أسفرت الانتخابات في الجولة الانتخابية الأولى عن فوزٍ ساحقٍ للمعارضة، فأحدث ذلك توتراً لدى زعماء الحزب الوطني، الذين كانوا موقنين بالفوز، مما دفعهم إلى تزوير الانتخابات. ورأى المفكر رايسنر، بأن الرئيس القوتلي هو أول من أمر بالتزوير العلني للانتخابات في دمشق، وكَلف بذلك محافظ دمشق بهجت الشهابي بالتعاون مع ضباط الأمن المشرفين على الصناديق، مما رجح كفة مرشحي الحزب الوطني في نتيجة الجولة الثانية. أما في حلب، فازت المعارضة بزعامة رشدي الكيخيا خلال الجولتين، في حين سقطت لائحة الحزب الوطني فيها. وفي حماة تعادل المتنافسون، ففازت كتلة أكرم الحوراني الشبابية، ومرشحو الحزب الوطني أيضاً.
وبعد الانتخابات، تأكدت الأحزاب المعارضة من تلاعب الحزب الوطني بالنتائج، بعد أن فاز بنحو أربعةٍ وعشرين مقعداً، في حين فازت المعارضة بثلاثة وثلاثين. فأدى ذلك إلى اندلاع موجةِ احتجاجاتٍ صاخبةٍ، قادها الإخوان المسلمون وجمعية علماء دمشق، احتشدت في ميدان البرلمان، وهاجمت مراكز الاقتراع، ومكاتب الحزب الوطني. الأمر الذي دفع الحكومة إلى إغلاق مسجد دمشق، وتوقيف عمل الصحافة، ولا سيما جريدة المنار التابعة للإخوان، والتي شنت هجومها على الحكومة بجرأةٍ وتحدٍ كبيرين.
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحدث الدستوري، ففي أول جلسة برلمانية بعد الانتخابات، طرح نحو سبعة وثمانون نائباً (من أنصار الحزب الوطني في البرلمان)، مشروع تعديل الدستور، ولا سيما المادة الثامنة والستين التي كانت تَمنع تجديد رئاسة رئيس الجمهورية لولاية رئاسيةٍ ثانية مباشرة (حسب دستور 1930). وبعد بدء نقاشات التعديل انقسم النواب في فريقين، وهما:
فريق أول، رأى التجديد إجراءاً ضرورياً لتأمين استقرار البلاد، وحتى لا يَحدثَ أيُّ صراعٍ حزبي على رئاسة سورية في المستقبل.
ـــ فريق ثاني، اعتبر التعديل إجراءاً خاطئاً، واعتداء صارخاً على حُرمة الدستور، واتهم هؤلاء الفريق الأول بالانتهازية، وعدم الاكتراث بمصير سورية. ونتج عن تلك الخلافات إحالة المشروع إلى لجنة دستورية نيابية من أجل إقراره أو إلغائه. فناقشت اللجنة التي ترأسها الحقوقي هاني السباعي مواد التعديل في أكثر من جلسة، انتهت بإقرار تعديل المادة. وأصبح من حق رئيس الجمهورية الترشح لدورتين، عبر اقتراع شعبي وسري ومباشر، وبعد موافقة أكثرية أعضاء البرلمان.
تباينت ردود فعل النُّخبةِ السورية على قرار تعديل الدستور. فقد اعتبر الرئيس الأسبق هاشم الأتاسي أن تعديل الحزب الوطني للدستور في 1947 ــ 1948، هو إدخال للرئيس في اللعبة الحزبية، وقد أفقد الدستور السوري قُدسيته ومكانته. وكذلك اعتبر أرسلان بأن التعديل هو “فاسدٌ ومفسدٌ للاستقرار في سورية”. وحسب رأي جوردن توري، فإن تعديلات القوتلي للدستور، لم تكن غايتها تحسين الواقع المواطني للشعب، بقدر ما كان الهدف هو إعادة تجديد حكم الرئيس ولاية ثانية لا أكثر.
ومع ذلك، فقد انهالت عشرات العرائض والرسائل من جميع مناطق سورية تؤيد تعديل الدستور، والتجديد للرئيس القوتلي. وقاربت ما يزيد عن مائتي عريضة من مختلف الفئات الاجتماعية والدينية والاقتصادية والسياسية، معتبرة يوم التعديل الدستوري يوماً تاريخياً في سورية. فكيف يمكن فهم رهانات تأييد الفئات الشعبية والنخب الحزبية للتعديل مع أنه شكل أولَ خرقٍ دستوري بعد نيل سورية الاستقلال؟
لقد شعرت الغالبية من السوريين، بأن سورية كانت بحاجةٍ إلى رجلٍ سياسي يتمكن من إدارة البلاد في تلك المرحلة المتأزمة، والتي أعقبت هزيمة الجيش السوري في فلسطين، وما رافقها من اضطرابات اجتماعية وسياسية واقتصادية داخلية. فكان لدى تلك الفئات الثقة، من قدرة الرئيس القوتلي في التوصل إلى توافق سياسي. وتنفيذ حركةِ إصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية واسعة، نظراً لعلاقاته القوية مع القوى السياسية والاقتصادية في سورية، هذا إضافة لقدرته على توسيع علاقات سورية مع الدول العربية والعالمية، بما يحمي استقرار سورية، ويقوي علاقاتها الخارجية المتأزمة.
يمكن اعتبار التعديل الدستوري في عهد الرئيس شكري القوتلي، بداية عهد للتعديلات الدستورية المؤقتة الكبرى في سورية، والتي استمرت من دون توقف حتى إقرار دستور سورية في عام 1973. فقد شكلت عملية تزوير الانتخابات، والتلاعب بأصوات الناخبين من قبل الحزب الوطني، ومن ثم تجديد رئاسة القوتلي خرقاً للتقاليد الدستورية الليبرالية التي عاشتها سورية، ولا سيما بعد انتخاب برلمان 1943. وربما كان الدافع الذي جعل الصحفي الأميركي باتريك سيل، بأن يعد تجديد رئاسة القوتلي تحت ستارٍ حزبي ونيابي وشعبي، قد خلق تهديدات سياسية وأمنية داخلية وخارجية، ومنع بدوره نمو حركة دستورية ليبرالية في سورية خلال عقد الخمسينيات من القرن العشرين.
تلفزيون سوريا
——————————–
الجنسية والقومية.. أكراد سوريا: “الإعلان الدستوري” مخيب للآمال
هيبار عثمان – شمالي سوريا
16 مارس 2025
وصفت أحزاب كردية في سوريا الإعلان الدستوري الذي أقرته القيادة السورية الجديدة بالمخيب للآمال، وعدّته استمرارا لسياسة الإقصاء والتهميش التي اتبعها نظام البعث ضد الكرد.
ويتهم الأكراد النظام السوري السابق بتجريدهم من حق المواطنة لأسباب سياسية واقتصادية، ويشيرون إلى وجود نحو نصف مليون كردي لا يملكون مستمسكات ووثائق تحمي حقوقهم الأساسية.
وتفيد المنظمات الحقوقية بأن قسما كبيرا من الأكراد في سوريا لا يزالون مجردين من الجنسية السورية، بسبب الإحصاء الاستثنائي الذي نفذه نظام حافظ الأسد في محافظة الحسكة شمالي البلاد لدوافع سياسة واقتصادية وسط مخاوف من استمرار تلك السياسات في ظل الحكومة الانتقالية الجديدة.
وقال محمد خليل، المدير التنفيذي لمنظمة (عدا) للحرة إن الإحصاء الاستثنائي عام 1962 جرد بحدود 150 ألف شخص من جنسيتهم، بينهم حوالي 50 الف شخص من “مكتومي القيد”.
وأضاف خليل “هذه الأعداد أصبحت بحدود نصف مليون في الوقت الحالي حسب توقعاتنا، النظام السابق أعاد الجنسية لبعض المجردين، ولكن ليس للجميع، في مسائل العدالة الانتقالية نحن بحاجة إلى إيجاد حل لهذا الموضوع
وإعادة الجنسية للمجردين”.
واثار الإعلان الدستوري حفيظةَ الاكراد شمالي البلاد، إذ يعتبرونه استمرارا لسياسات الإقصاء والتهميش التي اتبعها نظام “البعث” وبقية التيارات القومية ضدهم على مدى أكثر من 60 عاما.
ولا يعترف الإعلان بالوجود الكردي كثاني قومية في سوريا ويتم اعتبارهم عرباً سوريين حسب القوانين المحلية.
وقال عماد مجول، عضو اللجنة المركزية في الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا، للحرة “المحطات التي عقدت باسم الإدارة الجديدة في سوريا من مؤتمر النصر و مؤتمر الحوار الوطني و الإعلان الدستوري كانت مخيبة للآمال. كانت محطات إقصائية لم تشارك فيها مكونات الشعب السوري وخاصة الشعب الكردي ونرفض هذه المحطات بشكل قاطع”.
ويرى غالبية الأكراد في سوريا أن الإعلان الدستوري يخالف الاتفاق الذي وقعه الرئيس السوري للمرحلة الانتقالية أحمد الشرع معَ قائد قوات سوريا الديمقراطية (قسد) مظلوم عابدي.
اتفاق ينص على حق الكرد في المواطنة، وضمان حقوقهم الدستورية.
قصة سعد ووالدته
سعد علي، جرده نظام بشار الأسد وبقية أفراد عائلته من غالبية حقوقهم المدنية والأساسية، كونهم لا يملكون وثائق رسمية في السجلات المدنية. حرمان سعد من حق المواطنة، لم ينتهي حتى بعد سقوط نظام الأسد.
والدة سعد، من مدينة القامشلي شمالي سوريا، رغم أنها تحمل الجنسية السورية لكن القوانين المحلية لا تسمح لها بمنحِ هذه الجنسية لأبنائِها.
وقالت للحرة “أنا شخص من عائلة مكتومة القيد، ما عدنا هويات أو جوازات سفر، هاد البيت يلي ساكنين فيه ليس باسمنا لأنه لا يحق لنا التملك”.
وأضافت “الزواج لا نستطيع تثبيته في المحكمة فيما يتعلق بالدراسة نجحت في البكلوريا الأدبي لم أذهب للجامعة كون لا يعطونا وثيقة النجاح”.
وتطالب الأحزاب الكردية السلطات السورية الجديدة بإلغاء جميع المراسيم الاستثنائية التي طالت مئات الآلاف من الأكراد في شمالي سوريا خلال حكم نظام عائلة الأسد.
كما تدعو إلى صياغة دستور جديد يقر ببناء دولة تعددية لا مركزية، تضمن حقوق جميع المكونات والأقليات الدينية والعرقية.
وكانت الإدارة الذاتية الكردية انتقدت، الخميس، الإعلان الدستوري الذي وقعه الرئيس الانتقالي أحمد الشرع، معتبرة أنه “يتنافى” مع تنوع سوريا ويضم بنودا تتشابه مع حقبة حكم حزب البعث.
وصادق الشرع، على المسودة الخاصة بـ”الإعلان الدستوري” التي صاغتها لجنة كان كلفها بهذه المهمة.
وتقضي مسودة “الإعلان الدستوري” بأن يتولى مجلس الشعب العملية التشريعية كاملة والسلطة التنفيذية يتولاها رئيس الجمهورية.
وفي ما يتعلق بعمل السلطات، جاء في الإعلان الدستوري “لأن مبدأ الفصل ما بين السلطات كان غائبا عن النظم السياسية، تعمّدنا اللجوء إلى الفصل المطلق بين السلطات” بعدما عانى السوريون “سابقا من تغوّل رئيس الجمهورية على باقي السلطات”.
وبحسب الإعلان الدستوري، يعود للرئيس الانتقالي “تعيين ثلث” أعضاء مجلس الشعب الذي يتولّى “العملية التشريعية كاملة وبشكل منفرد”.
وحدد الإعلان الدستوري مدة المرحلة الانتقالية بخمس سنوات، ومنحت الرئيس أحمد الشرع حق إعلان حالة الطوارئ، جزئيا أو كليا، وبموافقة “مجلس الأمن القومي”.
هيبار عثمان – شمالي سوريا
الحرة
——————————
حكومة دمشق لن تستلم آبار النفط قريباً..ورقة “قسد” الأخيرة/ محمد كساح
الأحد 2025/03/16
أثار الاتفاق الذي جرى بين الحكومة السورية وقوات سوريا الديمقراطية، أجواءً من التفاؤل، لاسيما في الشق المتعلق بالثروات النفطية التي ستنشط العجلة الاقتصادية في البلاد وترفع الطاقة الإنتاجية للتيار الكهربائي، لكن مراقبين شككوا في حدوث تغير كبير في الوقت الراهن، نظراً لأن الاتفاق يخضع لتجاذبات سياسية قد تستغرق وقتاً طويلاً.
وشكلت حقول النفط والغاز بنداً أساسياً في الاتفاق الذي ينص على دمج كل المؤسسات المدنية والعسكرية في شمال شرق سوريا، ضمن إدارة الدولة السورية، بما فيها المعابر الحدودية والمطار وحقول النفط والغاز.
ويبلغ حجم إنتاج حقول النفط في سوريا لعام 2021، نحو 31.4 مليون برميل، بمتوسط إنتاج يومي 85.9 ألف برميل، يصل منها 16 ألف برميل إلى المصافي، وتقع أغلب آبار النفط في منطقة شرقي الفرات التي تديرها قسد، بحسب بيانات رسمية.
لا تغير قريب
ويبدو أن البلاد لن تشهد تغيراً في تبعية آبار النفط على أرض الواقع، على المدى المنظور، وفقاً لما يرجحه مدير البرنامج السوري في مرصد الشبكات السياسية والاقتصادية كرم شعار، الذي يضيف لـ”المدن”، أن الاتفاقية تخوّل الدولة السورية إدارة الثروات النفطية لكن ذلك لا يمنع أن تكون هذه الثروات ساحة للضغط من قبل قوات سوريا الديمقراطية لانتزاع أقصى تنازلات ممكنة من الحكومة السورية، كون الرافعة الأساسية لقسد هي الموارد الطبيعية إضافة إلى السيطرة على مقاتلي تنظيم داعش.
واستناداً إلى أن الثروات والسيطرة على داعش تعدان أبرز ورقتين بيد قوات سوريا الديمقراطية، يتوقع شعار أن قسد “ستحاول إغراق دمشق بالتفاصيل، وبالتالي فإن التفاصيل الإجرائية لتنفيذ هذا الاتفاق ستأخذ حيزا كبيرا من الوقت”.
وحول شكل وآليات تقاسم الثروة النفطية بين دمشق وقسد، يلفت شعار إلى أن “هناك معلومات تنافي التصريحات الصادرة عن دمشق بما يتعلق بطبيعة الاتفاقية من حيث تحكم الحكومة بآبار النفط وإدارتها”، مرجحاً أن يكون “شكل التقاسم استعادة لما كان عليه الوضع قبل العام 2011، والذي يعني اتفاقيات تقاسم إنتاج، أي أن تكون غالبية الشركات العاملة في الآبار أجنبية، وهي من تقوم بالاستثمار بالبنية التحتية واستخراج النفط، مقابل حصولها على حصة من الإنتاج تتغير بحسب مراحل العقد، بحيث تكون الحصة أعلى في المراحل الأولى ثم تنخفض لاحقاً”.
وفي سياق آخر، يستبعد شعار أن يمهد هذا الاتفاق لرفع العقوبات الغربية عن الإدارة السورية الجديدة، موضحاً أن “الموضوعين منفصلان تماماً”، لكن قد يساهم الاتفاق بشكل غير مباشر في تحسين فرص رفع العقوبات الأممية والأميركية عن هيئة تحرير الشام، كونها تظهر كفاعل سياسي متزن لا يسعى إلى العنف وقادر على المرونة والتأقلم، بخلاف النظام السابق.
إدارة تشاركية
وبما أن القرار ينص على دمج المؤسسات ومنها آبار النفط في الحكومة السورية، فهذا يعني أن الأخيرة ستكون مخولة بإدارة الثروة النفطية تحت إشراف وزارة النفط والثروة المعدنية التابعة لدمشق.
ويرى الكاتب والمحلل السياسي فراس علاوي، أن الاتفاق “لا ينص صراحة على من سيتحكم بإدارة آبار النفط، لكن في النهاية ستكون جميعها تحت إدارة الحكومة السورية طالما أن قسد ستمضي في الاتفاق وتندمج ضمن الحكومة”.
ويضيف علاوي لـ”المدن”، أن الحكومة السورية لن تتخلى عن الموظفين التابعين لقسد الذين يمتلكون خبرات كبيرة في استخراج النفط وإدارة هذا القطاع، وربما سيكون هذا البند ضمن عملية إشراك قسد في الحكومة، مرجحاً أن “تكون إدارة قطاع النفط تشاركية بين قسد ودمشق، خصوصاً في بدايات تنفيذ الاتفاق”.
ومن جانب آخر، لا يتفق علاوي مع حديث كرم شعار حول فصل ملفي العقوبات والاتفاق بين دمشق وقسد، مرجحاً أن “يمهد الاتفاق لرفع جزئي من العقوبات عن دمشق انطلاقاً من اعتباره تم برضا أميركي”، كما أن توقيع الاتفاق قد يشكل خطوة نحو بناء الثقة مع واشنطن، وبالتالي التمهيد لرفع العقوبات بشكل تدريجي مع استبعاد رفعها بشكل مباشر.
المدن
————————–
سوريا… انطلاق العجلة/ عالية منصور
15 مارس 2025
تتسارع الأحداث في سوريا بسرعة كبيرة، وفي كل يوم ثمة شيء جديد. فتنة في الساحل ظنها البعض بداية مشروع تقسيم سوريا وتفتيتها، وبينما الجميع يراقب ويترقب ما يحصل في جبال الساحل السوري ومدنه، فإذا بالرئيس السوري أحمد الشرع يستقبل في قصر الشعب، القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) مظلوم عبدي ويوقعان اتفاقا وصف بالتاريخي.
اتفاق أنهى مشروع فتنة عربية-كردية، تم دون قتال، ووحد سوريا عمليا، وقضى على مشروع راهن عليه الكثيرون في الخارج والداخل لتقسيم سوريا وتفتيتها.
أهم ما في الاتفاق، والذي يحتاج تنفيذ بنوده إلى آخر العام الحالي، هو وحدة الدولة السورية وعاصمتها دمشق، وللدولة جيش واحد لا جيشان، واعتراف رئيس الجمهورية السورية بالمجتمع الكردي كجزء أصيل من سوريا.
إذن لا تقسيم ولا إقصاء، ولكن لم تنته القصة هنا. فبينما كان السوريون يحتفلون بتوقيع الاتفاق كانت الأنباء تتوالى عن قرب التوصل إلى تفاهم، مع محافظة السويداء ذات الغالبية الدرزية.
وصحيح أن تفاهمات مبدئية تمت مع عدة فصائل وجهات سياسية في المحافظة، إلا أن الوضع في السويداء ليس كالوضع في المناطق التي تسيطر عليها “قسد”. ففي السويداء هناك عدة جهات، وليست هناك “قيادة” موحدة، فإن تم التفاهم مع جهة اعترضت جهة أخرى، وبعض هذه الاعتراضات يرتبط بمن يرى نفسه “الأحق” بتمثيل المحافظة وتمثيل الموحدين الدروز في سوريا، فهناك طموح “الزعامة” ولا يستخف أحد بما قد يفعله مثل هذا الطموح في عقول البعض.
ذهب شيخ العقل حكمت الهجري بتهديداته للدولة السورية، لم يبد أي اكتراث حقيقي بـ”الدولة الوطنية” التي استخدمها ذريعة منذ اليوم الأول، لسقوط نظام بشار الأسد، واستلام أحمد الشرع زمام الأمور، فتحول خطابه إلى خطاب طائفي تقسيمي بامتياز، ولم تغب إسرائيل عن المشهد، فكانت زيارة بعض مشايخ العقل في القرى الحدودية إلى إسرائيل. ولكن من أجل كل ذلك، على الشرع والقيادة في دمشق الاستمرار في التواصل مع عقلاء الطائفة والوطنيين، ولا تسمح لفئة أن تهمش فئات في السويداء وغيرها.
بين هذا وذاك صدر الإعلان الدستوري، وهو إعلان تسبب في حالة اعتراض عند الكثيرين، فرأوا فيه مشروع قيام ديكتاتورية جديدة في سوريا، تنحصر معظم الصلاحيات فيها بيد رئيس الجمهورية. فيما رأى آخرون أن المرحلة الاستثنائية التي تمر بها سوريا، تحتاج إلى نظام رئاسي تتركز فيه الصلاحيات بيد رئيس الجمهورية، فلا تدخل البلاد في رحلة التعطيل خلال المرحلة الانتقالية، كما حصل في بعض الدول بعد تجارب الربيع العربي.
لقد عانى السوريون كثيرا طيلة سنوات حكم “البعث” والأسدين، ودفعوا أثمانا باهظة جدا ليتحرروا من الديكتاتورية، ومن الطبيعي أن يكون اليوم “عامل الثقة” هو الأضعف، وخصوصا إذا ما راقبنا اليوم الانقسام الحاصل، حيث لم يعد الانقسام بين ثورة ونظام، بل بين من يريد العدالة ومن يطالب بالتسامح، من يريد دولة المواطنة والمساواة ومن يريد دولة تحكمها الشريعة والأكثرية التي همشت طيلة 54 عاما، بين من يريد سوريا موحدة، ومن يلوح بالانفصال والتقسيم، لابتزاز السلطة في دمشق عند كل مفترق، بين من يريدها علمانية خالصة ومن طالب بالفقه مصدرا للتشريع ومن يطالب بالشريعة.
في سوريا الكثير من الألغام، ولكن هناك اليوم أيضا الكثير من الفرص، والفرصة الأهم هي بتحاور السوريين ليصلوا إلى أكبر حيز من المشتركات بين بعضهم البعض، وقد تكون فكرة مؤتمر الحوار الدائم، فكرة تقلص من حجم الانقسامات، بعد إعادة التأكيد على ما اتفق عليه، “سوريا دولة موحدة يتساوى فيها الجميع”.
الألغام ما زالت مزروعة بكثرة في سوريا، وتفكيكها قبل أن تبدأ بالانفجار مجددا يحتاج إلى جهود الجميع، واليوم سوريا بحاجة إلى انطلاق مسار إعادة الإعمار والنهوض الاقتصادي، بحاجة إلى رفع العقوبات، وهذا إن حصل سينزع فتيل الكثير من الألغام، وسيسحب من بين أيادي المخربين الخارجين ورقة يستخدمونها في الداخل.
ولنتذكر أنه وقبل أشهر من اليوم، كانت طائرات جيش نظام بشار الأسد، تلقي البراميل المتفجرة فوق رؤوس السوريين، وها هي مروحيات الجيش اليوم تلقي الورود على المحتفلين بعيد الثورة، وهذا ليس تفصيلا، هذا الإنجاز الذي تحقق بدماء وتضحيات الملايين، يجب أن نتمسك به جميعا للعبور إلى سوريا التي نريد.
المجلة
————————————
الإعلان الدستوري لا شرعية بلا توافق وطني حقيقي
16 اذار 2025
مع التطورات المتسارعة التي تشهدها سوريا بعد الإعلان عن إسقاط النظام السابق، يتابع التحالف السوري الديمقراطي بقلق المسار السياسي الحالي، حيث يتم اتخاذ قرارات وإعلانات دون تحقيق توافق وطني واسع، مما يثير مخاوف من إعادة إنتاج أنماط غير ديمقراطية تحت مسمى المرحلة الانتقالية.
إننا نؤكد أن الشرعية لا تتحقق عبر فرض أمر واقع من خلال مؤتمرات ومخرجات تفتقر إلى تمثيل عادل لجميع السوريين. فـ”مؤتمر النصر” و”مؤتمر الحوار الوطني” ومسودة الإعلان الدستوري الحالية، رغم أهميتها، لم تنجح في تحقيق شمولية كافية، وهو ما يستدعي إعادة النظر في النهج المتبع لضمان إشراك القوى الديمقراطية والمجتمع السوري بكل مكوناته في رسم مستقبل البلاد.
إن التحالف السوري الديمقراطي يتبنى التذكير الذي صدر عن مجلس الأمن الدولي بتاريخ 14/3/2025 بضرورة تنفيذ روح القرار 2254، باعتباره الإطار الأساسي للوصول إلى حل سياسي شامل ومستدام في سوريا. كما يؤكد على أهمية البنود الأخرى التي أشار إليها البيان، بما في ذلك احترام حقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي، وضمان حماية جميع المدنيين دون تمييز، وإجراء تحقيقات شفافة ومستقلة في الانتهاكات، إضافة إلى دعم جهود العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية.
ورغم التحفظات، يلحظ التحالف بعض الجوانب الإيجابية التي يمكن البناء عليها، مثل عدم منح الرئيس الانتقالي سلطة إصدار المراسيم التشريعية أو العفو العام أو رئاسة مجلس القضاء الأعلى، ما قد يحدّ من تغوّل السلطة التنفيذية. كما نصّ الإعلان على جعل جميع الحقوق والحريات المنصوص عليها في المعاهدات والمواثيق والاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان التي صادقت عليها الجمهورية العربية السورية جزءًا لا يتجزأ من هذا الإعلان الدستوري. كذلك نصّ على حماية المرأة من العنف وعلى تجريم إنكار جرائم النظام السابق، وعدم تحصين القرارات والتصرفات الإدارية من رقابة القضاء، وتحديد مدة الطوارئ بثلاثة أشهر كحد أقصى. كذلك، أحدث هيئة للعدالة الانتقالية، وقد يكون ذلك إطارًا نظريًا لمساءلة عادلة، رغم الحاجة إلى ضمانات أوضح. وعلى المستوى الاقتصادي، أشار الإعلان إلى إنهاء الاقتصاد الاشتراكي الموجّه وأعطى توجهًا نحو الاقتصاد الحر التنافسي الذي يأخذ احتياجات المجتمع بعين الاعتبار ومن ضمنها رعاية الدولة للفئات الضعيفة، ويرى التحالف أنّ هذا أمر إيجابي، رغم الحاجة إلى نقاش أوسع حول مستقبل السياسات الاقتصادية.
لكن هذه الإيجابيات لا تلغي المخاوف الجوهرية التي قد تعرقل الانتقال الديمقراطي، لا سيما تركيز الصلاحيات بيد الرئيس الانتقالي، وغياب آليات رقابية فاعلة، وافتقار العملية الدستورية للتوافق الوطني الضروري. لذا، لا بد من إعادة النظر في هذه الجوانب لضمان أن تكون المرحلة الانتقالية خطوة حقيقية نحو الديمقراطية، لا مدخلًا لاستحواذ جديد على السلطة.
ورغم أنّ اللجنة التي وضعت مسوّدة الإعلان الدستوري كانت قد استندت في تبريرها له إلى نتائج مؤتمر إعلان النصر، التي سمّت الرئيس خلال المرحلة الانتقالية ومنحته سلطة إصدار الإعلان الدستوري وتعيين مجلس الشعب والحكومة خلال المرحلة الانتقالية، إلا أننا نرى أنّ هذا الأساس منقوصٌ في جوهره لما شابه من عيب عدم الشمولية في تمثيل فئات الشعب السوري الذي هو صاحب النصر وليس الفصائل العسكرية وحدها، ولهذا فإنّ التحالف السوري الديمقراطي يسجّل النقاط التالية على هذا الإعلان الدستوري:
تركيز الصلاحيات في يد الرئيس الانتقالي
• يمنح الإعلان الدستوري الرئيس صلاحيات واسعة تشمل تعيين ثلث أعضاء مجلس الشعب، مما يسمح له بالتحكم في السلطة التشريعية التي يُفترض أن تكون مستقلة.
• كما يتيح له تشكيل المحكمة الدستورية العليا، وهو ما يقوض استقلاليتها ويجعلها خاضعة لسلطة تنفيذية غير مقيدة بأي آليات رقابية حقيقية، وهي التي يجب أن تتولى من بين مهامها الأخرى الرقابة على أعمال رئيس البلاد.
غياب أي ضمانات رقابية حقيقية
• لا تتضمن المسودة أي آليات واضحة للمساءلة والمحاسبة، فتعيين المحكمة الدستورية من قبل الرئيس يجعلها غير قادرة على مراجعة قراراته أو الطعن فيها.
• ولا توجد أي هيئة مستقلة لضمان شفافية القرارات المتخذة، مما يفتح الباب أمام استخدام المرحلة الانتقالية لترسيخ سلطة غير ديمقراطية.
• يحتفظ الرئيس خلال المرحلة الانتقالية بسلطات تنفيذية مطلقة دون وجود أي توازن دستوري يحُد من تغوّل السلطة.
تحديد دين رئيس الجمهورية
• حدّد الإعلانُ الدستوري صراحةً دين رئيس البلاد وحصره بالمسلمين فقط، وهذا يتناقض مع ما ورد في المادة العاشرة من الإعلان نفسه التي تقول إنّ المواطنين متساوون أمام القانون في الحقوق والواجبات، من دون تمييزٍ بينهم في العرق أو الدين أو الجنس أو النسب.
• إنّ حصر الحق بشغل مهام رئيس الجمهورية بالمسلمين فقط لا يعدّ مناقضًا للإعلان الدستوري ذاته فحسب، بل هو أيضًا مناقض للمبادئ الأساسية المنصوص عليها في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهود الدولية التي باتت جزءًا من ضمير الإنسانية جمعاء.
تحديد اسم الدولة
• حدّد الإعلان الدستوري اسم الدولة بالجمهورية العربية السورية، وهذا يعني إقصاءً لبقية قوميات الشعب السوري التي لا تجد في العروبة هُويّة فرعية شاملة لها، ويحرمها من حق التمتّع بالهُويّة السورية الجامعة.
• لم ينهج الإعلان الدستوري نهج النظام البائد في تكريس اسم الجمهورية المختلف عليه فحسب، بل إنّه تجاهل النقاشات السورية الكبرى التي خاضها السوريون والسوريات بهذا الخصوص خلال السنوات المنقضية من عمر الثورة.
الفقه الإسلامي المصدر الرئيسي للتشريع
• رغم الحديث عن دولة مدنية، يُبقي الإعلان الدستوري على الفقه الإسلامي باعتباره المصدر الرئيسي للتشريع، مما يتعارض مع مبادئ المواطنة والمساواة بين جميع السوريين بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية والثقافية.
• إنّ من شأن ذلك خلق حالة نظرية قابلة للتطبيق العملي تحتجّ بالنص الدستوري لتعطيل أي تشريع وضعي بحدّة مخالفته لرأي ورد في الفقه الإسلامي.
استمرار بناء المسار الانتقالي على خطوات غير شرعية
• الإعلان الدستوري الحالي يستند إلى مؤتمر النصر ومؤتمر الحوار الوطني، وهما مؤتمران لم يعكسا تمثيلًا حقيقيًا لكل السوريين، بل جاءا كإجراءات غير توافقية فرضت نفسها كأمر واقع.
• مسار الإدارة خلال المرحلة الأولى منذ تسلمها الفعلي قيادة البلاد باعتبارها “سلطات مؤقتة” حسب تعبير البيان الرئاسي الأخير لمجلس الأمن، لا يبعث على الطمأنينة لناحية انتهاجها تعيينات اللون الواحد، مما يذكّر بنهج التمكين المعروف عند بعض جماعات الإسلام السياسي التي أتت قيادات الإدارة الجديدة وعناصرها منها أساسًا.
التوصيات والخطوات المطلوبة فورًا
التراجع خطوة إلى الوراء واستكمال المخرجات غير التوافقية
• لا يمكن الاستمرار في البناء على أسس غير شرعية.
• يجب اعتبار مخرجات مؤتمر النصر، ومؤتمر الحوار الوطني، والإعلان الدستوري، خطوات منقوصة الشرعية لأنها لم تأتِ عبر توافق وطني حقيقي، بل عبر مسار أحادي يفرض نفسه على الجميع، وينبغي استكمالها بتشكيل مؤتمر وطني تأسيسي حقيقي يمثل جميع القوى الديمقراطية، والمجتمع المدني، والمكونات السياسية والاجتماعية، ليكون نقطة انطلاقٍ شرعية لأي مرحلة انتقالية.
عقد مؤتمر وطني تأسيسي بمشاركة واسعة وشفافة
• إن سوريا بحاجة إلى مؤتمر وطني تأسيسي حقيقي يمثل جميع القوى الديمقراطية، والمجتمع المدني، والمكونات السياسية والاجتماعية، ليكون نقطة انطلاق شرعية لأي مرحلة انتقالية.
• يجب أن يكون المؤتمر قائمًا على معايير التمثيل العادل، وليس مجرد اجتماع لمباركة قرارات اتُّخذت مسبقًا.
إلغاء تركّز السلطة وإعادة توزيع الصلاحيات بشكل ديمقراطي
• يجب إلغاء صلاحيات الرئيس في تعيين أعضاء مجلس الشعب ومجلس القضاء، وضمان استقلالية هاتين السلطتين وفق معايير ديمقراطية واضحة.
• يجب إقرار آليات رقابية حقيقية لضبط صلاحيات السلطة التنفيذية ومنع أي شكل من أشكال التغوّل أو الاستئثار بالقرار.
إرساء أسس دولة مدنية تقوم على المواطنة
• يجب أن يكون التشريع مستندًا إلى المبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان، وليس إلى مرجعيات دينية أو أيديولوجية تفرض نفسها على المجتمع السوري المتعدد.
• يجب أن يأخذ التشريع مستنده من التعدد القومي والديني والطائفي والمذهبي في البلاد، ويجب ألا ينحاز إلى فئة من الشعب حتى ولو كانت هي الأكثرية العددية الكبرى.
لقد قدم السوريون والسوريات تضحيات كبيرة من أجل الحرية والعدالة، وهم يستحقون مرحلة انتقالية تقوم على أسس ديمقراطية واضحة، وليس على قرارات تُفرض دون مشاركة حقيقية. إن التمسك بمسار أحادي الجانب يهدد فرص بناء دولة ديمقراطية مستقرة، وقد يؤدي إلى تكرار تجارب فاشلة شهدها العالم في مراحل انتقالية سابقة.
يدعو التحالف السوري الديمقراطي جميع القوى الديمقراطية إلى السعي نحو عملية انتقالية قائمة على توافق وطني حقيقي، تضمن مشاركة واسعة، وتمنع إعادة إنتاج الاستبداد بأي صيغة جديدة. فالشرعية الحقيقية لا تُستمد من ترتيبات فوقية، بل من الإرادة الشعبية للسوريين.
التحالف السوري الديمقراطي
——————————-
ملاحظات
ياسين السويحة
رغم الانتقادات لها، لم تكن فكرة المرحلة الانتقالية الطويلة بالسيئة، بل على العكس: في بلد محطم ومعقّد كسوريا، أنت بحاجة لوقت لبناء النظام السياسي الجديد بتأنٍ واعتناء بالتفاصيل، ووقت آخر للأخذ والرد وتحصيل أكبر قدر ممكن من القاعدة الشعبية لتمتين شرعية كل خطوة: للسياسة، باختصار.
لكن ما يحصل في سوريا ليس هذا: لدينا مرحلة انتقالية طويلة، خمس سنوات؛ وكل خطوة سياسية أُجريت حتى الآن كانت عبارة عن سلوَقة متعجلة وغير مكترثة بأي اعتناء بتفاصيلها، وفي كل مرة طولب الآخرون أن يلهثوا وراءها، مبررين أو معترضين. هذا حصل مع “مؤتمر النصر”، ثم مع اللجنة التحضيرية ل”مؤتمر الحوار”، ومؤتمر الغفلة نفسه، وصولاً للجنة الإعلان الدستوري، والإعلان نفسه.
الأهم، برأيي، ليس نقاش الإعلان الدستوري الصادر بالأمس (والذي تأخر نشر نصّه وظهر لأول مرة، ياللصدفة، على تلغرام!) من باب تفاصيله ومواده، بل في شكل إصداره، من صاغه وكيف تمت الموافقة عليه، بما في ذلك “حفل التوقيع”، الذي لهيبته والاعتناء فيه أهمية فائقة، بل وتاريخية، في لحظات تأسيسية.. نحن في لحظة تأسيسية، أليس كذلك؟
حسناً، يقول الإعلان الدستوري، وحفل التوقيع عليه، إننا أمام شيء يخص (نمطاً خاصّاً جداً من) العرب-السنّة وحدهم دون شريك رمزي أو فعلي. هؤلاء صاغوا، وهؤلاء وافقوا، وهؤلاء وحدهم حضرت “قياداتهم الروحية” حفل التوقيع. لديك طرف كردي يُسيطر على ثلث البلد، ويفترض أن توقيعك اتفاقاً معه قبل أيام كان أعظم خبر للسوريين في لحظة بالغة الصعوبة، قد استُبعد رمزياً وفعلياً من لحظة تأسيسية لبلدٍ عليه أن يقتنع بكعب البندقية أنه بلده أيضاً. وهذا عدا عن المشهد اليومي المؤسف للعلاقة مع السويداء، الذي ليته لا يحصل في بلد على حافة الهاوية كبلدنا كي نتمكن من قول أنها “كاريكاتيرية”. وعداك العلويين الذين تعرضوا لهجمة إبادية قبل أيام قليلة، وعداك طوائف وجماعات أخرى. نعم، أتحدث عن مكونات وطوائف لأنها العنوان الطاغي على البلد اليوم، مهما ساءنا، ولأن الخطاب العام، هوساً بها أو مكابرةً، يمر كله عبرها، وغالبه عندها يتوقف.
الفرقة الحاكمة ومن يواليها لديهم وَهم غَلبة وتمكّن ووسِع على كامل سوريا غير صحيح، وسيرتد عليهم إن أصرّوا على التمسّك به. سوريا أوسع وأعقد من هذا بكثير، ليس فقط بطوائفها وقومياتها.. بل بعربها السنّة قبل كل شيء.
ونعم، يجب أن نتحدث عن طوائف وضرورة حضورها في للحظات التأسيسية. ليتنا مواطنون أفراد وعلاقتنا التعاقدية مع دولتنا تمر عبر فردانيتنا الدستورية. ليس هذا الوضع، ولن يكون كذلك طالما من يحكم ومن يوالونه عرب-سنّة “هالكُثُر”، وبهذا النمط الخاص جداً من العروبة-السنّية؛ وليس لديهم تجاه من ليس مثلهم إلا ازدراءً لرغبتهم عن التمايز عن ذلك.
طريق هذا البلد ليس بخير. عشمي، إن كنت أتمسك بقشّة، هو أن يفعل التعب المعمّم فعله ويضمن لنا بعض الاستقرار والهدوء، حتى لو كان هدوء ضواحي مقبرة؛ وعشمي على عشمي الأول، أيضاً، أن هناك الكثير الكثير من العقلاء موجودون اليوم بصمت وسط حفلة الانتصار هذه، وربما مع بعض الاستقرار والهدوء يعلو صوتهم قليلاً.
الفيس بوك
——————————–
============================