دوافع وكواليس الاتفاق بين “قسد” وحكومة الجمهورية العربية السورية مقالات وتحليلات تتحدث يوميا تحديث 16 أذار 2025

لمتابعة تفاصيل هذا الملف اتبع الرابط التالي
دوافع وكواليس الاتفاق بين “قسد” وأحمد الشرع
———————————-
تفاهم الشرع – عبدي.. أسباب “التفاؤل الحذر” في تركيا/ سمير صالحة
2025.03.16
أبرزت بعض وسائل الإعلام العربية والأجنبية تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بشأن الاتفاقية الموقعة بين الرئيس السوري أحمد الشرع وقائد “قوات سوريا الديمقراطية” مظلوم عبدي، وكأنها تعكس ترحيبه بها. في الواقع، من رحّب بالاتفاق هو وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، الذي قال: “تؤكد الولايات المتحدة مجددًا دعمها لانتقال سياسي يرسخ حكمًا غير طائفي وذا صدقيّة، باعتباره أفضل سبيل لتجنب مزيد من الصراعات”.
تشعر أنقرة بتفاؤل حذر تجاه الاتفاق، لأن ما تنتظره منه أبعد بكثير مما يتحدث عنه روبيو. أردوغان صرّح بأن “تنفيذ بنود الاتفاقية بحذافيرها سيسهم في أمن واستقرار سوريا، وسيعود بالنفع على جميع السوريين”.
ضمن أهداف زيارة الوفد التركي الرفيع، الذي ضم وزير الخارجية هاكان فيدان، ووزير الدفاع يشار غولار، ورئيس جهاز الاستخبارات إبراهيم قالن، إلى العاصمة السورية، مناقشة الجوانب التي تبدد قلق أنقرة في خريطة الطريق المتفق عليها.
هناك شبه إجماع سوري على أن اتفاقية العاشر من آذار بين الشرع وعبدي تحمل كثيرًا من التفاؤل والأمل بالنسبة لسوريا والسوريين. وهي اتفاقية، عند تنفيذ بنودها، ستتحول إلى مساحة من الفرص السياسية والأمنية والاجتماعية على طريق بناء الدولة السورية الجديدة، بدعم إقليمي ودولي واسع. لن تكون أنقرة هي من يعرقل مثل هذه الفرصة أو يقف بوجهها ويعارضها، لكنها، وعلى ضوء التجارب السابقة في حالات مشابهة، تفضل انتظار التنفيذ ومشاهدة نتائجه العملية على الأرض أولًا.
بين ما يدفع أنقرة إلى التحفظ والتريث، مثلًا، تصريحات مظلوم عبدي التي أشار فيها إلى أن هناك تفاصيل كثيرة لم يتم الاتفاق عليها بعد. فهل سيتحدث عبدي بعد الآن باسم “قسد”، أم باسم تركيبة كردية جديدة يقودها في شمال شرقي سوريا؟
البعد الإقليمي لدعم التنفيذ وتسهيل نجاحه مهم هنا. لا أحد في المنطقة يريد أن تذهب الأمور نحو التصعيد في سوريا اليوم سوى تل أبيب وطهران. تصريحات ومواقف بعض قيادات “قسد” بعد الإعلان عن الاتفاقية تسير في هذا الاتجاه أيضًا، وهي مغايرة لما تقوله دمشق في التفسير والتحليل.
ما يقلق أنقرة ليس شكل العلاقة المستقبلية بين دمشق والقامشلي، أو المظهر الجديد الذي ستتبناه “قوات سوريا الديمقراطية” لاحقًا، بل تحرك بعض الأطراف الخارجية لصناعة مشهد سياسي وأمني جديد في شرق الفرات يلتف على بنود الاتفاقية ومضمونها.
تعلم أنقرة أن مطلب “قسد”، الذي تستعد للإعلان عنه، هو الربط بين المرحلة الانتقالية خلال تنفيذ بنود التفاهم والمرحلة الانتقالية السياسية والأمنية والدستورية والاقتصادية التي تعيشها سوريا. فكيف سيتم ذلك؟ هل ستأخذ “قسد” مكانها في الحكومة الجديدة وتشارك في صناعة قرارات المرحلة الانتقالية في الأسابيع والأشهر المقبلة من دون إنجاز المرحلة الانتقالية الأخرى المرتبطة بتنفيذ بنود الاتفاقية الثنائية بين الشرع وعبدي؟
حديث أردوغان عن التريث في انتظار التنفيذ يعني بالنسبة لأنقرة أن الترحيب بالاتفاقية شيء، والترحيب بتنفيذ بنودها شيء آخر. لن توافق تركيا على دفع الأمور نحو واقع جديد يحاول البعض فرضه على دمشق وأنقرة. التزام “قسد” ببنود الاتفاقية لا بد أن يواكبه تخليها عن مشروعها السياسي في شرق الفرات، وعدم محاولة كسب الوقت والفرص لدفع الأمور في الاتجاه الذي تريد.
حل “حزب العمال الكردستاني” سيواكبه حتمًا حل “قوات سوريا الديمقراطية” وامتداداتها العسكرية والسياسية أيضًا، طالما أن النقاش مرتبط بالملف الكردي على الخطين التركي والسوري. لكن ما يقلق أنقرة هو ما سيحدث بعد ذلك. فهل ستكمل واشنطن، التي رحبت بما جرى، “معروفها” عبر الضغط على شركائها في “قسد” لتنفيذ البنود كما يراها الشعب السوري؟ أم ستدعم سيناريو تأجيل المواجهة إلى وقت آخر؟
الإرادة السياسية المعلنة باتجاه قبول تنفيذ بنود الاتفاقية بحد ذاتها خطوة إيجابية مهمة بالنسبة لسوريا والسوريين، على طريق التفاهم حول خريطة طريق مشتركة لبناء الدولة الجديدة، حتى لو تم التنفيذ ببطء، واستغرق بعض الوقت، وكان مرتبطًا بتطورات سياسية ودستورية أخرى.
لكن، بقدر ما يشكل مشهد جلوس الرئيس الشرع ومظلوم عبدي أمام طاولة واحدة يوقعان الاتفاقية ويتبادلان نسخها لتدخل حيز التنفيذ إنجازًا كبيرًا باتجاه إعادة شرق الفرات إلى حضن الدولة المركزية، فإنه يستدعي بالنسبة لأنقرة التريث والحذر لمتابعة المرحلة المقبلة ومسارها، من حيث التفاوض والتمثيل والإلزامية والمراقبة والضمانات في التنفيذ وطرق تسوية الخلافات.
تعلم أنقرة أن التوصيات والنصائح الإقليمية التي ستُقدَّم لعبدي ستذهب باتجاه سياسة جديدة مغايرة. لذلك، تريد أن ترى ما الذي يُعدّ له البعض في سوريا قبل أن تعلن سياستها الجديدة في شرق الفرات وتقرر سحب قواتها. هذا الاتفاق لا يعيد ترتيب شؤون البيت السوري فحسب، بل يعيد أيضًا رسم التوازنات الإقليمية في التعامل مع الملف السوري، وعلينا هنا أن نتفهم أسباب التحفظات التركية ورغبة أنقرة في التريث.
ما جرى في الساحل السوري كان اختبارًا صعبًا على سوريا والسوريين، الذين نجحوا في الوقوف خلف قيادتهم والتكاتف في مواجهة مخطط استهداف الوحدة الوطنية، بعد الجهود التي بذلتها قيادة الرئيس الشرع على طريق إخراج سوريا من أزماتها والانتقال بها إلى مكانتها العربية والإسلامية في الإقليم. لا أحد يريد أن يرى المشهد يتكرر في بقعة جغرافية سورية أخرى.
فرصة “قسد” الوحيدة هي الالتزام بتنفيذ بنود ما تم الاتفاق عليه، وليس البحث عن الغطاء الخارجي لمنحها ما تريد. وربما هذا أيضًا من بين الأسباب التي تدفع أنقرة إلى الانتظار حتى تتضح الصورة أكثر فأكثر والمساهمة في قطع الطريق على أي محاولة لإجهاض الاتفاق.
تحاول تل أبيب حماية مصالحها في سوريا عبر واشنطن مرة، وعبر التلويح بالتدخل العسكري المباشر في سوريا مرة أخرى، مع التذرع بلعب الورقة الإيرانية الهادفة إلى جرّ البلاد نحو الفوضى عند اللزوم.
تواجه أنقرة في سوريا سياسات متباينة ومتضاربة في كثير من الأحيان مع إيران وإسرائيل والولايات المتحدة الأميركية. دون التأكد من حسم مجريات الأمور في شرق الفرات وسحب هذه الورقة من يد بعض الأطراف التي تحركها بما يتعارض مع مصالحها، سيبقى خيار أنقرة التريث والترقب في انتظار التنفيذ، حتى لو كانت هي من أسهمَ في صناعة هذه الاتفاقية.
تلفزيون سوريا
———————————-
العمال الكردستاني يؤكد التزامه بدعوة أوجلان وقلق من استمرار الهجمات التركية/ صفاء الكبيسي
16 مارس 2025
جدد حزب العمال الكردستاني الذي يوجد في مناطق واسعة من شمالي العراق، التزامه بتنفيذ دعوة مؤسسه عبد الله أوجلان، بإلقاء السلاح وحل الحزب لنفسه، كما دعا الحزب إلى خطوات “عملية” في مسار السلام، منتقداً استمرار الهجمات التركية على مواقع الحزب. وفي وقت متأخر من ليل أمس الجمعة، صدر بيان عن اللجنة التنفيذية لحزب العمال، قال فيه إن “زعيم الحزب عبد الله أوجلان أطلق نداء تاريخياً عبر الوفد الذي زاره، وقد أعلنا وقف إطلاق النار بهدف تمهيد الطريق لاتخاذ خطوات عملية”.
وأكد البيان وفقاً لوسائل إعلام عراقية كردية نقلاً عن اللجنة التنفيذية للحزب إنها “ليست قلقة وتدرك جيداً الصعوبات التي تنطوي عليها أعمالها”، معربة عن سعادتها لـ”الاستقبال الإيجابي لدعوة أوجلان ووقف إطلاق النار في الداخل والخارج”، مشددة أنه “من أجل نجاح العملية، إلى جانب التفكير العميق والخطوات المشتركة، فإن الاستفادة الجيدة من الوقت أمر مهم أيضاً”.
وأضاف أن “العملية لم يشُبها أي أوجه قصور، وقد اتخذ الحزب الخطوات اللازمة”، داعياً إلى أن “الدعم الملموس والخطوات العملية يجب أن تحل محل الفرح والتمني”، مشيراً إلى أن “هناك من ينتقد وقف إطلاق النار الذي أعلناه قبل 15 يوماً، ويقولون إن هذه الخطوة غير كافية، في حين أنه إذا لم تصمت الأسلحة، فلن يكون هناك أي حوار صحي، ناهيك عن خطوات عملية”.
وتابع “بالتأكيد لا يمكن اعتبار وقف إطلاق النار من جانب واحد خطوة عملية، ولكي تتخذ خطوات عملية، من الضروري إسكات جميع الأسلحة”، مشيراً إلى “انخفاض في هجمات الجيش التركي على مقاتليه (مقاتلي الحزب) مقارنة بالمرحلة التي سبقت وقف إطلاق النار”، مستدركاً “لكن ذلك لا يزال غير كاف”.
وأوضح، أنه “في الأسبوعين الماضيين، حيث كان هناك وقف إطلاق نار من جانب واحد، كانت هناك 73 غارة جوية، و4175 هجوم مدفعي للمناطق، كما استخدمت أسلحة محظورة 8 مرات”، معتبرة أن “الجدية والحساسية والصبر في هذه المرحلة أمور مهمة، كما أن إطلاق سراح عبد الله أوجلان يعد ضرورياً”.
وكان وزير الدفاع التركي يشار غولر، قد دعا الجمعة الماضية، حزب العمال الكردستاني إلى حل نفسه، وتسليم أسلحته من دون قيد أو شرط وبأسرع وقت، ولن نسمح بتخريب مسار حل تنظيم العمال الكردستاني نفسه، أو استغلاله أو إطالته، وسيتم اتخاذ نهج حذر وعقلاني أساساً لهذا المسار.
في السياق ذاته، قال جميل بايك، أحد قادة حزب العمال الكردستاني لوسائل إعلام كردية، إن “عقد مؤتمر في هذه الظروف مستحيل وخطير”، في إشارة إلى عقد مؤتمر حل الحزب. وأضاف: “كل يوم، تحلق طائرات استطلاع (تركية)، كل يوم يقصفون، كل يوم يهاجمون، لكن هذا المؤتمر سيعقد إذا تم استيفاء الشروط”.
هدوء حذر في مناطق مسلحي حزب العمال الكردستاني
من جهته، أكد ضابط برتبة نقيب في قوات البيشمركة الكردية، في محافظة دهوك أقصى شمالي العراق، أن تحركات مسلحي العمال في مناطق وجودهم شمال أربيل وشرقي دهوك تراجع نشاطها كثيراً. وبيّن الضابط الذي اشترط عدم ذكر اسمه لـ”العربي الجديد”، أن “الطيران التركي لم يتوقف منذ دعوة أوجلان، وقد نُفذت عدة هجمات خلال الفترة المذكورة”. وأضاف “هناك مخاوف من قبل مسلحي الحزب الذي قيّد من تحركاته بشكل واضح”.
وكانت الدعوة التي أطلقها، أوجلان إلى حزب العمال بإلقاء السلاح والانتقال إلى العمل السياسي، قد قوبلت بردات فعل دولية مرحبة بالخطوة التي قد تنهي أربعة عقود من الصراع. وقال أوجلان في الإعلان الذي تلاه وفد من نواب “حزب المساواة وديمقراطية الشعوب” (ديم) المؤيد للأكراد، الذي زاره في سجنه في جزيرة إيمرالي، قبالة إسطنبول، إن “على جميع المجموعات المسلحة إلقاء السلاح وعلى حزب العمال الكردستاني حل نفسه”، وأكد أنه يتحمل “المسؤولية التاريخية عن هذه الدعوة”.
العربي الجديد
——————————–
سوريا الجديدة رهن التفاهمات والاختراقات/ إياد أبو شقرا
16 مارس 2025 م
كانت الصفحة الجديدة التي فُتحت في سوريا، بعد إنهاء 54 سنةً من نظام الأسد، بغنىً عن التطورات المؤلمة خلال الأيام العشرة الأخيرة.
وفي ظنّي أنَّ القيادة الجديدة في دمشق كانت على بيّنة من وجود فلول للنظام السابق، وفئات ارتزقت من تجاوزاته من دون أن تكون بالضرورة جزءاً منه.
في المقابل، أزعم أنَّ ثمة فئات سورية كانت تنظر بعين الشك إلى إمكانية التعايش مع عقيدة القيادة الجديدة، وتفسيرها للإسلام السياسي «عندما يحكم»، وبخاصة، أنَّ السنوات الـ14 الفائتة شهدت أحداثاً دينية ومذهبية وجرائم خطف وإخفاء – من مختلف الأطراف – يرقى بعضها إلى مستوى المجازر. ثم إنَّ القيادة المؤقتة الحالية، على الرغم من الشعبية الواسعة التي استحقتها، أتت في ظروف استثنائية، وتبعاً لميزان قوى ميداني لا ضمانة إطلاقاً أنَّه دائم.
أكثر من هذا، لئن كانت هذه القيادة تتمتَّع راهناً بتأييدين إقليمي ودولي فإنَّ أي مراقب عاقل يدرك جيداً أنَّها لا تحظى بتفويض مطلق، بل ثمة رصدٌ دوليٌّ لأدائها ورقابة لصيقة لتصرفاتها والتزاماتها. ولكن يظلّ لافتاً أنَّ بعض أركان القيادة يبدون مطمئنين إلى المستقبل… ربما أكثر من كثرة كاثرة من المواطنين السوريين.
من جهة ثانية، على الرغم من مؤشرات سابقة لصدام شبهِ حتمي، فإنَّ السرعة التي أُعلن فيها «التفاهم» بين سلطة دمشق الجديدة وأكراد «قسد» المسيطرين على شمال شرقي سوريا، تعطي انطباعاً قوياً بأنَّ واشنطن متعايشة تماماً مع السلطة في دمشق. وكون «قسد» جزءاً لا يتجزأ من ترتيب واشنطن للحالة السورية، فمضمون الرسالة أن وحدة الكيان السوري لن تتهدّد – بخلاف ما كان يُظن – عبر عصيان انفصالي كردي. وهكذا، يبدو أن كل ما أنجزته «قسد» خلال الفترة الماضية كان «تحسيناً لشروط» تفاهمها مع سلطة دمشق، وتشجيعاً للموحّدين الدروز في الجنوب السوري على النسج على منواله.
الموحّدون الدروز، بالذات في الجنوب السوري، يشكّلون قوة مؤثرة في المعادلة، إلا أنَّ الأمور تبدو اليوم أقل وضوحاً وربما أبطأ حسماً. ولكن المراقب الحصيف بات يشعر أنَّ «الهجمة» الإسرائيلية غير المسبوقة لـ«حماية» الدروز و«دعمهم» تربك المشهدَ في محافظة السويداء ذات الغالبية الدرزية. وهذا، مع أنَّ أي طلب درزي علني من هذا القبيل لم يقدَّم، بل يستبعد كثيرون أن تتبنّاه علانيةً أي قيادة درزية سياسية أساسية.
الدروز أدركوا «زخم» الهجمة الإسرائيلية الضاغطة عليهم عندما تكلَّم بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه يسرائيل كاتس عن مبلغ المليار دولار الذي رصدته إسرائيل لهذا الغرض. والمؤكد أنَّ تطوراً كهذا لا يمكن أن يكون «ابن ساعته». بل المرجّح أنَّ بذرته بُذِرت قبل فترة غير قصيرة داخل سوريا، وأيضاً في لبنان وبلدان الاغتراب، وفي مقدّمها الولايات المتحدة… حيث يتمتع «اللوبي الإسرائيلي» بهامش واسع للحركة والإغراء والضغط والاختراق الاستخباراتي.
وبالفعل، بينما عمل مناضلو السويداء – من مختلف التنظيمات والفصائل – للتوصّل إلى تفاهمات مع دمشق صوناً للوحدة الوطنية، وتأكيداً للعلاقات الأخوية بين المكوّنات السورية، كانت ثمة قوة تمارس «الفيتو» وترفع السقف وتشكّك في التفاهمات. وفي اعتقادي أنَّه، حتى إزاء المنطقة الجنوبية، أي محافظات السويداء ودرعا والقنيطرة، لا توجد خلافات أساسية تذكر بين أولويات واشنطن وحسابات نتنياهو في مقاربة مستقبل المنطقة.
ونصل إلى الساحل الجريح، حيث الكثافة السكانية العلوية في أرياف محافظتي اللاذقية وطرطوس وضواحي مدن الساحل الأربع؛ أي اللاذقية وطرطوس وجبلة وبانياس.
إنَّ تحرّك جماعات مسلحة محسوبة على النظام، أو بعض أجنحته، ما كان ليحدث لولا الدعم الإيراني. وفعلاً، لم تُخفِ التصريحات الإيرانية الرسمية، التي سبقت التحركات وتداعياتها الفظيعة، موقفَ إيران بأنَّ سلطات دمشق الجديدة غير مرغوب فيها، وأنَّ بقاءها مؤقت. ولكن قد يتساءل المرء هنا عمّا إذا كانت القيادة في طهران أخطأت قراءة المعطيات، وأساءت فهم علاقة سلطة دمشق الجديدة بالمجتمع الدولي، وبالذات، واشنطن.
المنطق يقول إنَّ الاستراتيجية الأميركية – الإسرائيلية ضد عودة النفوذ الإيراني. وهذا ما قد يفسّره وجود «سقف» لفظي لرد فعل التحرك الأميركي – الروسي في مجلس الأمن على المجازر التي ارتكبت في الساحل خلال الأسبوع الماضي، وقدّر عدد ضحاياها بنحو 1225 قتيلاً.
إذ ندّد مجلس الأمن بـ«المجازر» بحق المدنيين، وطالب سلطة دمشق بـ«حماية جميع السوريين من دون تمييز»، وأدان العنف في محافظتي الساحل، وبالأخص بحق المدنيين العلويين. ثم دعا السلطة إلى ملاحقة «كلّ المسؤولين» عن أعمال العنف أمام القضاء، واتّخاذ «تدابير كي لا تتكرّر هذه الأفعال، بما فيها أعمال العنف التي طالت أشخاصاً بسبب انتمائهم الإثني أو ديانتهم أو معتقداتهم».
ختاماً، أعلنت في دمشق «مسودة الإعلان الدستوري»، وجاء عدد من نقاطها مثيراً للجدل بالنسبة للبعض، ولا سيما لجهة الحصر الفعلي للسلطات في يد الرئيس، وجعل الفترة الانتقالية خمس سنوات، وحلّ المحكمة الدستورية، ومنح الرئيس – ولو مؤقتاً – حق تعيين محكمة دستورية جديدة.
بالنسبة للمنتقدين، كان من الأفضل تفادي التذكير بالماضي القريب. وبالتالي، توسيع دائرة التمثيل وطمأنة المكوّنات بدلاً من الإصرار على «تجربة المجرّب» وإعادة استنهاض الهواجس.
إنَّ التنوّع يثري سوريا ويحميها، ناهيك من أنها بحاجة في هذه المرحلة لجهود كل الكفاءات وإسهامات كل المخلصين من دون إقصاء أو تهميش.
الشرق الأوسط»
————————————–
سوريا… انطلاق العجلة/ عالية منصور
15 مارس 2025
تتسارع الأحداث في سوريا بسرعة كبيرة، وفي كل يوم ثمة شيء جديد. فتنة في الساحل ظنها البعض بداية مشروع تقسيم سوريا وتفتيتها، وبينما الجميع يراقب ويترقب ما يحصل في جبال الساحل السوري ومدنه، فإذا بالرئيس السوري أحمد الشرع يستقبل في قصر الشعب، القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) مظلوم عبدي ويوقعان اتفاقا وصف بالتاريخي.
اتفاق أنهى مشروع فتنة عربية-كردية، تم دون قتال، ووحد سوريا عمليا، وقضى على مشروع راهن عليه الكثيرون في الخارج والداخل لتقسيم سوريا وتفتيتها.
أهم ما في الاتفاق، والذي يحتاج تنفيذ بنوده إلى آخر العام الحالي، هو وحدة الدولة السورية وعاصمتها دمشق، وللدولة جيش واحد لا جيشان، واعتراف رئيس الجمهورية السورية بالمجتمع الكردي كجزء أصيل من سوريا.
إذن لا تقسيم ولا إقصاء، ولكن لم تنته القصة هنا. فبينما كان السوريون يحتفلون بتوقيع الاتفاق كانت الأنباء تتوالى عن قرب التوصل إلى تفاهم، مع محافظة السويداء ذات الغالبية الدرزية.
وصحيح أن تفاهمات مبدئية تمت مع عدة فصائل وجهات سياسية في المحافظة، إلا أن الوضع في السويداء ليس كالوضع في المناطق التي تسيطر عليها “قسد”. ففي السويداء هناك عدة جهات، وليست هناك “قيادة” موحدة، فإن تم التفاهم مع جهة اعترضت جهة أخرى، وبعض هذه الاعتراضات يرتبط بمن يرى نفسه “الأحق” بتمثيل المحافظة وتمثيل الموحدين الدروز في سوريا، فهناك طموح “الزعامة” ولا يستخف أحد بما قد يفعله مثل هذا الطموح في عقول البعض.
ذهب شيخ العقل حكمت الهجري بتهديداته للدولة السورية، لم يبد أي اكتراث حقيقي بـ”الدولة الوطنية” التي استخدمها ذريعة منذ اليوم الأول، لسقوط نظام بشار الأسد، واستلام أحمد الشرع زمام الأمور، فتحول خطابه إلى خطاب طائفي تقسيمي بامتياز، ولم تغب إسرائيل عن المشهد، فكانت زيارة بعض مشايخ العقل في القرى الحدودية إلى إسرائيل. ولكن من أجل كل ذلك، على الشرع والقيادة في دمشق الاستمرار في التواصل مع عقلاء الطائفة والوطنيين، ولا تسمح لفئة أن تهمش فئات في السويداء وغيرها.
بين هذا وذاك صدر الإعلان الدستوري، وهو إعلان تسبب في حالة اعتراض عند الكثيرين، فرأوا فيه مشروع قيام ديكتاتورية جديدة في سوريا، تنحصر معظم الصلاحيات فيها بيد رئيس الجمهورية. فيما رأى آخرون أن المرحلة الاستثنائية التي تمر بها سوريا، تحتاج إلى نظام رئاسي تتركز فيه الصلاحيات بيد رئيس الجمهورية، فلا تدخل البلاد في رحلة التعطيل خلال المرحلة الانتقالية، كما حصل في بعض الدول بعد تجارب الربيع العربي.
لقد عانى السوريون كثيرا طيلة سنوات حكم “البعث” والأسدين، ودفعوا أثمانا باهظة جدا ليتحرروا من الديكتاتورية، ومن الطبيعي أن يكون اليوم “عامل الثقة” هو الأضعف، وخصوصا إذا ما راقبنا اليوم الانقسام الحاصل، حيث لم يعد الانقسام بين ثورة ونظام، بل بين من يريد العدالة ومن يطالب بالتسامح، من يريد دولة المواطنة والمساواة ومن يريد دولة تحكمها الشريعة والأكثرية التي همشت طيلة 54 عاما، بين من يريد سوريا موحدة، ومن يلوح بالانفصال والتقسيم، لابتزاز السلطة في دمشق عند كل مفترق، بين من يريدها علمانية خالصة ومن طالب بالفقه مصدرا للتشريع ومن يطالب بالشريعة.
في سوريا الكثير من الألغام، ولكن هناك اليوم أيضا الكثير من الفرص، والفرصة الأهم هي بتحاور السوريين ليصلوا إلى أكبر حيز من المشتركات بين بعضهم البعض، وقد تكون فكرة مؤتمر الحوار الدائم، فكرة تقلص من حجم الانقسامات، بعد إعادة التأكيد على ما اتفق عليه، “سوريا دولة موحدة يتساوى فيها الجميع”.
الألغام ما زالت مزروعة بكثرة في سوريا، وتفكيكها قبل أن تبدأ بالانفجار مجددا يحتاج إلى جهود الجميع، واليوم سوريا بحاجة إلى انطلاق مسار إعادة الإعمار والنهوض الاقتصادي، بحاجة إلى رفع العقوبات، وهذا إن حصل سينزع فتيل الكثير من الألغام، وسيسحب من بين أيادي المخربين الخارجين ورقة يستخدمونها في الداخل.
ولنتذكر أنه وقبل أشهر من اليوم، كانت طائرات جيش نظام بشار الأسد، تلقي البراميل المتفجرة فوق رؤوس السوريين، وها هي مروحيات الجيش اليوم تلقي الورود على المحتفلين بعيد الثورة، وهذا ليس تفصيلا، هذا الإنجاز الذي تحقق بدماء وتضحيات الملايين، يجب أن نتمسك به جميعا للعبور إلى سوريا التي نريد.
المجلة
————————————
اتفاق “دمشق” و”قسد” يعد بتقليص العجز وجذب الاستثمارات/ جنى العيسى
تحديث 16 أذار 2025
الاتفاق الذي وصف بـ”التاريخي”، بين الرئيس السوري للمرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، وقائد “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، مظلوم عبدي، حول دمج الأخيرة بمؤسسات الدولة السورية، يبشر، إن اكتمل، بانعكاسات إيجابية على مختلف الصعد، ربما أبرزها القطاع الاقتصادي، لما تضمه الجزيرة السورية من ثروات ومحاصيل استراتيجية، قد تعزز مصادر خزينة الدولة وتخفف فاتورة تأمين هذه المواد.
لم تتضح حتى الآن تفاصيل الاتفاق في الشأن الاقتصادي، إلا أن أحد بنود الاتفاق تضمن دمج المؤسسات المدنية والعسكرية في شمال شرقي سوريا ضمن إدارة الدولة السورية، بما فيها المعابر الحدودية وحقول النفط والغاز.
تشكّل الجزيرة السورية مركز ثقل اقتصادي، وتعد المنطقة الأكبر التي تضم حقولًا وآبارًا نفطية، إذ تشير الإحصائيات الصادرة عن منظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول (أوابك)، إلى أن إنتاج سوريا من النفط بلغ عام 2011 نحو 385 ألف برميل يوميًا، كان يتم تكرير 238 ألف برميل منها محليًا، ويتم تصدير المتبقي منها بعائد سنوي قدره نحو 3 مليارات دولار تقريبًا، فيما تعاني سوريا حاليًا من أزمات في تأمين المواد النفطية وتستوردها بكميات لا تلبي الحاجة.
إلى جانب آبار النفط والغاز، تعد منطقة الجزيرة أرضًا زراعية خصبة لأهم المحاصيل الاستراتيجية، أبرزها القمح والشعير والقطن، وهي محاصيل تعرضت لخسارات كبيرة خلال السنوات الماضية، بعد أن كانت مصدرًا رئيسًا لملء خزينة الدولة.
نقلة مهمة
يمثل الاتفاق بين حكومة دمشق و”قسد”، في حال تطبيقه، نقلة مهمة ستنعكس على الاقتصاد السوري بما يتوفر في تلك المناطق من ثروات، وهذا سيدعم خزينة الدولة شبه الفارغة، أو على الأقل سد الاحتياج المحلي من المواد النفطية، وفق ما ذكره تقرير صادر عن مركز “حرمون للدراسات المعاصرة” نشر في 14 من آذار الحالي.
وأوضح التقرير أن فتح تلك المناطق على المناطق السورية الأخرى سيعزز الحركة التجارية ويخلق فرص عمل، ويسهم في تحسين الخدمات والمستوى المعيشي للسكان، وخاصة مشاريع الكهرباء والمياه، وكذلك سينعكس الأمر على إعادة الإعمار، فوحدة سوريا واستقرارها ستسهم في جذب رؤوس الأموال للاستثمارات، وستشجع الدول على البدء بمشاريع إعادة الإعمار، إذ يعتبر وجود حكومة مركزية عاملًا دافعًا للاستثمار والدعم.
إيرادات وخدمات وغذاء
تشير التقارير إلى أن مناطق شرق الفرات التي تسيطر عليها “قسد” تضم حوالي 90% من الثروة النفطية و45% من الغاز الطبيعي في سوريا، إذ تسيطر على 43 من أصل 78 حقلًا نفطيًا، كذلك فهي تسيطر على أهم حقول النفط في سوريا مثل “الرميلان” و”السويدية” و”العمر” و”التنك”.
عودة حقول النفط والغاز الطبيعي إلى الحكومة السورية تعني زيادة إنتاج النفط والغاز، وهذا ما سيؤدي إلى تخفيض فاتورة الاستيراد، بحسب ما أكده الأستاذ في كلية الاقتصاد بجامعة “حلب” الدكتور محمد الغريب لعنب بلدي.
وأضاف الغريب أن الإنتاج المحلي من النفط والغاز في هذه الحالة سيغطي نسبة كبيرة من الاحتياجات المحلية، وهذا سيؤدي إلى تقليص العجز بالميزان التجاري في سوريا، وتخفيض المدفوعات بالقطع الأجنبي، ما يسهم في تحسن قيمة الليرة بشكل حقيقي.
عودة حقول الغاز الطبيعي ستسهم بتحسن واقع الكهرباء في سوريا، وهو ما سيدعم القطاع الصناعي بشكل أساسي ويسهم في عودة عجلة الإنتاج، بالإضافة إلى تحسن الوضع المعيشي للمواطنين وتخفيض تكاليف الكهرباء التي يدفعها المواطن.
من ناحية أخرى، يتوقع الدكتور محمد الغريب أن ترفد إيرادات النفط والغاز خزينة الدولة بإيرادات كبيرة، وبذلك ستتمكن الحكومة من زيادة قيمة الموازنة العامة للدولة، بحيث يتم زيادة الإنفاق الحكومي على مشاريع البنية التحتية وإعادة الإعمار من جهة، والإنفاق على زيادة الرواتب من جهة أخرى، وهذا يعني تحسن الوضع المعيشي للمواطن السوري، وهو ما سينعكس بالضرورة على زيادة الإنفاق الاستهلاكي للمواطن وبالتالي تنشيط الأسواق والحركة التجارية.
حول الثروات الزراعية الموجودة شرقي البلاد، أشار محمد الغريب إلى أن منطقة الجزيرة تعتبر السلة الغذائية لسوريا، فهي تتضمن أهم المحاصيل الزراعية وعلى رأسها القمح والقطن، إذ تنتج منطقة الجزيرة أكثر من مليوني طن من القمح سنويًا، وهو ما يعادل 55% من إنتاج سوريا من القمح، وكذلك تنتج أكثر من 500 ألف طن من القطن، وهو ما يعادل 78% من إنتاج البلاد.
ستسهم سيطرة الدولة على هذا الإنتاج الزراعي الاستراتيجي في توفير نسبة كبيرة من الاحتياجات المحلية، ومستقبلًا يمكن تصدير الفائض من المحاصيل الزراعية، وهذا ما سيحقق وفرًا في القطع الأجنبي، ويساعد في تحسن قيمة الليرة السورية بشكل ملموس.
حول أولويات القطاعات الاقتصادية التي يجب العمل عليها شمال شرقي سوريا، يرى الدكتور محمد الغريب ضرورة دعم القطاع الزراعي من خلال إنشاء المشاريع الإنمائية الزراعية، ودعم المزارعين من خلال قروض التمويل الأصغر، وتوفير الاحتياجات الضرورية للمزارعين، وهذا بدوره سينعكس على تحسن الإنتاج الزراعي.
ويجب الالتفات إلى دعم مشاريع البنية التحتية في مناطق شمال شرقي سوريا، مثل الطرق والجسور والكهرباء وتوفير المياه لمختلف المناطق، وفي مرحلة لاحقة يجب أن يتم التوجه إلى دعم المشاريع الصناعية وقطاع الخدمات في المنطقة.
إمكانات تنتظر الاستغلال
في 2010، قدّرت دراسات دقيقة أجرتها المؤسسة العامة للنفط الاحتياطيات النفطية في سوريا بنحو27 مليار برميل من النفط و678 مليار متر مكعب من الغاز، دون حساب احتياطيات المناطق البحرية، ما يشير إلى إمكانات هائلة في هذا القطاع تنتظر الاستغلال، وفق ما يرى الخبير الجيولوجي المتخصص في اكتشاف النفط والغاز رياض النزال.
النزال أشار في مقال رأي نشر مطلع العام الحالي إلى حاجة ملحة لاستغلال كافة الموارد المتاحة لدعم جهود إعادة الإعمار وبناء الاقتصاد، مركزًا بشكل رئيس على ضرورة تعافي قطاع النفط، لأنه يمثل أهم ركائز الاقتصاد السوري وأبرز روافده المستقبلية.
وأوضح رياض النزال، أنه لاستثمار احتياطيات النفط، يتطلب الأمر إعادة هيكلة شاملة للقطاع النفطي في سوريا، إذ يجب أن تبدأ هذه الجهود بتأهيل الحقول العاملة وإعادتها للإنتاج بشكل تدريجي، وفق خطة متكاملة تعتمد على الكوادر الوطنية المؤهلة.
كما ينبغي تشجيع عودة الشركات الأجنبية للاستثمار في القطاع، مع ضرورة مراجعة شروط عقود الخدمة، بما يضمن تحقيق استثمار مستدام يعزز من إمكانيات القطاع ويضمن تنمية المجتمعات المحلية في المناطق التي تحتضن هذه المشاريع.
ينبغي إعطاء الأولوية لتشغيل حقول “السويدية” و”الرميلان” و”كرا تشوك” و”حمزة” و”اليوسفية” و”شرق خربت” في شمال شرقي سوريا، لجاهزيتها النسبية وإنتاجيتها العالية وارتباطها بمنشآت معالجة الغاز في محطة الغاز المرافق بـ”السويدية”، لتوليد الكهرباء والغاز المنزلي، و”محطة تل عدس” لمعالجة وضخ النفط.
بينما تحتاج حقول دير الزور الى جهد أكبر من إعادة تأهيل وتشغيل وربط الآبار المنتجة بمحطات التجميع من حقول “العمر” و”التيم” و”التنك” و”الورد” و”نيشان” و”أبو خشب”، وينطبق الأمر ذاته على حقول الغاز في المنطقة الوسطى، لارتباطها المباشر بمحطات توليد الكهرباء التي تغذي المدن والمناطق الصناعية.
في السياق نفسه، يجب إدخال حقول جديدة في الإنتاج عبر تفعيل الحملات الاستكشافية لتقييم التراكيب الواعدة في محافظات الحسكة ودير الزور وحمص، التي أثبتت الدراسات والمسوحات الزلزالية وجود شواهد نفطية فيها قبل عام 2011، كما يجب التوسع في الاستكشاف ضمن المياه الاقتصادية السورية في البحر المتوسط.
عنب بلدي
——————————–
اتفاق دمشق و”قسد”: هل يضع يد الحكومة على النفط السوري؟/ أحمد الكناني
16 مارس 2025
منذ إعلان دمشق عن اتفاق نهائي أجرته مع قائد قوات سوريا الديمقراطية “قسد”، توجهت الأنظار إلى الأبعاد الاقتصادية الجديدة التي يرسمها الاتفاق، حتى وإن كان عموميًا في بنوده، إلا أن بند الاندماج في المؤسسات بما فيها المعابر، المطار، حقول النفط، والغاز، يرسم شكلًا اقتصاديًا للمرحلة القادمة.
وتشكل العلاقة الاقتصادية بين دمشق و”قسد” أحد أبرز النقاط التي جرى التفاوض عليها، ولا سيما أن “قسد” تسيطر على معظم مناطق الثروات السورية نفطًا وزراعة، وعليه يتوقع البعض أن يتيح الاتفاق توزيعًا عادلًا للثروات على كامل الأراضي السورية، بإشراف الحكومة المركزية، إلا أن ذلك يستدعي خطوات متتالية بالتنسيق مع الإدارة الذاتية.
ضبط المعابر والحدود
تمتد المناطق التابعة للإدارة الذاتية على أجزاء كبيرة من المحافظات السورية، وهي دير الزور، الرقة، والحسكة، وتقع داخل هذه الجغرافيا معظم حقول النفط السورية والتي كانت تنتج قبل اندلاع الثورة السورية 400 ألف برميل نفط يوميًا، وما نسبته 60 إلى 70% من إنتاج الغاز الطبيعي، ما يشكل تحديًا جديدًا أمام الحكومة السورية في إدارة هذه المقدرات.
يشير الباحث والصحفي الاقتصادي سامر الأحمد، والذي أجرى العديد من الدراسات الخاصة بالثروات في منطقة الجزيرة، إلى أهمية ضبط المعابر والحدود والتي جاءت في الاتفاق الأخير، إذ يوجد العديد من المعابر الحدودية كاليعربية مع العراق، ومعبر نصيبين، ورأس العين، وتل أبيض مع تركيا، إضافةً إلى معابر أخرى مثل سيمالكا مع إقليم كردستان العراق، وهي على امتداد مساحات جغرافية شاسعة، ومنها تنتج الإدارة الذاتية معظم النفط السوري، عدا عن الثروة الزراعية وتشكل قرابة 60% من إنتاج سوريا للقمح، و90% من إنتاج القطن.
الباحث الاقتصادي أشار إلى أن مناطق الإدارة الذاتية شكلت سوقًا نفطيًا لمقدرات المنطقة، وعملت على كسب الأموال من خلال تصديرها النفطي للعراق، وبيعه لمناطق شمال غرب الفرات ومحافظة إدلب، عدا عن حصة وقدرها 40 ألف برميل شهريًا عبر وساطة “شركات القاطرجي”، وعليه يشكل الاتفاق الأخير ضبطًا كبيرًا لعمليات التهريب وبيع مقدرات البلاد، وإدخالها في الاقتصاد الوطني.
توزيع الذهب الأسود
على الرغم من عدم وجود تصريحات رسمية حول الإنتاج اليومي للنفط في مناطق الإدارة الذاتية، يعتقد الباحث في “مركز عمران للدراسات الاستراتيجية”، أسامة شيخ علي، وحسب دراسات أجراها أن الإدارة الذاتية تنتج كمية وسطية من النفط تتراوح بين 70 ــ 80 ألف برميل يوميًا، كان يباع لدمشق منها ما نسبته 70%.
الباحث في “مركز عمران” لفت إلى أن الاتفاق بين دمشق وقوات سوريا الديمقراطية أمني وعسكري بالدرجة الأولى، وستتبعه لاحقًا اتفاقيات سياسية واقتصادية أكثر تفصيلًا خاصة في مجال المعابر وحقول النفط والغاز، ولهذا السبب أعطي الاتفاق مهلة حتى نهاية العام الحالي، منوهًا إلى أن العوائد المادية بالنسبة لدمشق ستأخذ بعض الوقت.
دمج هيئة الطاقة
وحول ضبط الثروات النفطية وإنتاجها وآلية التوزيع يؤكد الباحث والخبير الاقتصادي يونس الكريم أن ما تسمى “هيئة الطاقة” التابعة لقوات سوريا الديمقراطية هي الجهة الرسمية والمسؤولة عن ثروات النفط والغاز والكهرباء.
وأشار الكريم إلى أن “هيئة الطاقة” مسؤولة عن إنتاج وتكرير النفط في الحقول الواقعة تحت سيطرتها والتي تمثل 80% من النفط السوري، وتقوم ببيعه وتصديره عبر مندوبين، ويتم ذلك بموجب عقود رسمية تخضع للرقابة والمحاسبة من قبل قوات سوريا الديمقراطية، وعليه تضمن عملية الاندماج مع دمشق إعادة الإدارة الاقتصادية لمقدرات وثروات البلاد.
انعكاسات داخلية
وحول المنافع الاقتصادية على الداخل السوري يؤكد الباحث الاقتصادي يونس الكريم أن وضع السلطة السورية يدها بشكل حقيقي على الثروات سيؤمن احتياجات البلاد من المحروقات، ويؤدي إلى تحسن ملحوظ في الواقع المعيشي من شأنه تخفيف الضغط الداخلي الناتج عن ارتفاع نسب البطالة.
ولفت إلى أن تنفيذ بنود الاتفاق سيحسن من كفاءة مؤسسات الدولة، وزيادة نوعية الخدمات المقدمة للمواطنين، وتسريع عجلة إعادة الإعمار، والأهم تحسين العلاقات مع المؤسسات التمويلية الدولية المانحة للمساعدات.
وتشير التسريبات الصادرة عن شخصيات مطلعة بأن المحافظات الشرقية ستأخذ نسبة من عائدات النفط لصالح التنمية فيها، وأن العائدات لن تُسلم لـ”قسد”، بل ستذهب إلى ميزانية المحافظة، علمًا أن المنظمات الدولية بدأت بإيقاف دعمها للإدارة الذاتية.
وتسعى اللجان التنفيذية إلى تطبيق الاتفاق بما لا يتجاوز نهاية العام الحالي، ويُعتقد أنه خلال هذه الفترة ستعمل السلطات السورية على الدخول لمناطق الإدارة الذاتية، ودمج المؤسسات بشكل كامل مع المركز دمشق، وعليه تبدأ الانعكاسات الإيجابية على الوضع الاقتصادي في سوريا.
الترا سوريا
———————
============================