سوريا حرة إلى الأبد: مقالات وتحليلات 16 أذار 2025

حرية إلى الأبد: كل المقالات والتحليلات والحوارات التي تناولت انتصار الثورة السورية اعتبارا من 08 كانون الأول 2024، ملاحقة يومية دون توقف تجدها في الرابط التالي:
سقوط بشار الأسد، الرئيس الفار والمخلوع
———————————-
فسبكات سوريا: غضب النخب وتضليل الناس
الأحد 2025/03/16
فارس البحرة…
ربما أتفهم أن يغضب الأشخاص ذوو الخلفية العلمانية والميول اليسارية تاريخياً من النزوع الإسلامي بل حتى السني للنظام الجديد.
فكأن نخبوية العلمانيين واليساريين أورثت غالبيتهم بعداً عن الواقع، وجعلت من رؤيتهم الموسومة بالعلمية والواقعية عادة أقرب إلى رومانسية، تكتفي بلعن الواقع ومن يذكّر به، عوض قراءته والتفاعل معه لتجاوزه على مستوى الفعل لا الحلم والتفريغ والتقريع اللفظيين.
من غير المستغرب أن يدفع الدور الذي يحتله الدين في المنطقة ككل بأي توجه يطمح لأن ينهل من طاقة الجموع إلى الاستناد إلى المرجعية الدينية دون غيرها…
فالمشروع العنصري للكيان الغاصب يزداد يهودية يوماً بعد يوم، ويمعن في رؤية ذاته وآخره عبر منظار قراءة توراتية متطرفة، ومرجعيات القوى الرئيسية المقاومة له إسلامية سواء اتفقنا معها أم اختلفنا، والنظام السياسي العراقي يعتمد بدوره على معادلات وتجاذبات طائفية، واللبناني كذلك الأمر، ويشكل التيار السياسي الإسلامي في تركيا التيار الأكثر نجاحاً، وفي سوريا نفسها تشكل درزية جبل العرب هويته السياسية الأبرز، وبات واضحاً أن الكلام عن سوريا من دون “علوية سياسية” لا يعدو أن يكون تعامياً لا أكثر.
ولا أروم بهذا الطرح مديحاً للإسلام السياسي ولا توافقاً معه، إن هي إلا دعوة للتوقف عن التعامل الفوقي معه والتفكير به كما لو كان ضرباً من سوء الحظ، أو المؤامرة، أو نزوعاً عابراً يمكن تصويبه بمزيد من نشر الوعي والثقافة.
مشروع الشرع السياسي الذي يلقى دعماً من كثير من دول المنطقة والعالم هو التأسيس لكيان سني بشكل أساسي يواجه الطموح التوسعي الإيراني-الشيعي وامتداداته المتمظهرة خصوصاً بالتحالف مع العلويين. ولن يسمح هذا المشروع بأي تعددية سياسية أو ديمقراطية أو تداول سلطة لا تستند إلى توافق مضمر على تأسيس ونهوض هذا الكيان.
نقد هذا المشروع واجب بالتأكيد، لكن لا أعتقد أن نقداً مقتصراً على الدهشة وتكرار المفاجأة والخيبة المتكررة والعويل واللعنات يفي طبيعة القوى الفاعلة في المنطقة حقها ويعبّر عن وعي لمتغيرات المرحلة. كما أنه لا يأخذ بالحسبان أن بلد السوريين منهك مثلهم، وغير جاهز للدخول في مواجهات جذرية مع نظام جديد، بل إن أكثرية السوريين باعتقادي وعلى اختلاف انتماءاتهم يفضلون قبول الأمر الواقع والدخول بتسويات مع سلطته، ويشعرون أن النظام الجديد بفاعليته وشعبيته يبقى على علاته أقرب لهم من نخب غاضبة تتعالى عليه وعليهم.
جمال سليمان
لا أدري. هل هو مجرد غباء بريء، أم رغبة شريرة في إثارة الفتنة، أم التلذذ بالوضاعة والخسة، ام فقط الرغبة في الظهور والإدعاء؟
أنا كنت مدعواً في واشنطن أوائل شهر شباط لحضور الإفطار الوطني الكبير الذي يجري هناك كل سنة، وتحضره شخصيات سياسية وثقافية واجتماعية دولية، وكذلك الرئيس الأميركي.
لم أكن وحدي بل كنت ضمن مجموعة صغيرة من السوريين المحترمين. وبالفعل التقينا بأعضاء من الكونغرس، وطبعاً كان حديثنا عن سوريا ما بعد النظام، ولكننا جميعا ومن دون أن نتفق، كنا نبدأ حديثنا بضرورة رفع العقوبات لأنها أنهكت الشعب السوري. ثم تأتي إحدى السيدات لتتفضل على الشعب السوري بمعلومات خطيرة، وهي أن جمال سليمان بصحبة العلويبن طالب الكونغرس بعدم رفع العقوبات. طبعاً انفلتت الجوقة المعروفة من بعد السيدة المحترمة ملكة المعلومات.
يا حيف على هيك نماذج. بجهل أو لؤم أو ادعاء تضلل الناس وتؤجج الأحقاد.
الله يعينك يا بلد ويعين شعبك.
المدن
————————
الحكّام في الشام/ أسعد قطّان
الأحد 2025/03/16
لو كانت سوريا دولةً طبيعيّة، لاستقال السيّد أحمد الشرع فوراً وأحيل إلى المحاكمة بسبب تورّط بعض الفصائل التابعة له، نظريّاً على الأقلّ، في مذابح الساحل السوريّ، وفشله وفشل حكومته الموصوف في حماية شرائح واسعة من الشعب السوريّ. والمعروف أنّ حماية المواطنين هي أولى مسؤوليّات الدولة وأهمّها. لكنّ سوريا ليست بلداً طبيعيّاً، بل بلد منكوب ومنهك ومهشّم يحاول أن ينهض من رماده ويستعيد طاقة الحياة، ما يتيح للسيّد الشرع أن يبقى في قصر الشعب.
في الدول التي تحترم ذاتها، تعطى الحكومة الجديدة فترة سماح لا تتجاوز الأيّام المئة. في سوريا، انتهت الأيّام المئة بمذبحة تضاف إلى المذابح الأخرى التي شهدها التراب السوريّ منذ استيلاء الضبّاط البعثيّين على السلطة. مخطئ مَن يعتبر أنّ مذبحة الساحل لا علاقة لها بكلّ “الحماقات” التي ارتكبتها زمرة الحكّام الذين في الشام منذ تسلّمهم مقاليد السلطة: انتهاكات شبه يوميّة لأمن المواطنين وثّق المرصد السوريّ لحقوق الإنسان المئات منها، بينما سعت السلطة إلى التقليل من أهمّيّتها بحجّة أنّها أحداث فرديّة؛ تسريح عشرات آلاف الموظّفين من أمكنة عملهم بحجّة التأكّد من عدم تبعيّتهم للنظام الأسديّ البائد؛ فشل ذريع في إطلاق مسيرة العدالة الانتقاليّة بالاستناد إلى معايير واضحة وشفّافة؛ تسويات مشبوهة هنا وثمّة مع بعض مجرمي الأمس بغية اجتذاب الأموال؛ مؤتمر حوار وطنيّ أقلّ ما يقال فيه إنّه أتى مختزَلاً ومحكوماً بمقتضيات الضغط الدوليّ، لا باقتناع داخليّ لدى الساسة بضرورة الحوار، ما أفضى إلى إقصاء كثر من المعارضين ذوي الباع؛ استبعاد عدد لا يستهان به من الضبّاط المنشقّين بما يحملونه من خبرات، مع أنّ سوريا أحوج ما يكون إلى إعادة بناء جيشها الوطنيّ؛ مبايعة فولكلوريّة للسيّد أحمد الشرع أظهرت مقتلة الساحل المقزّزة مدى هشاشتها؛ وعود عرقوبيّة بتأليف حكومة حاضنة لم تبصر النور حتّى اليوم؛ وضع اقتصاديّ مترهّل أودى بملايين السوريّات والسوريّين إلى حافّة الجوع؛ ازدواجيّة صارخة بين خطاب يدّعي صون التعدّد ومحاولات مكشوفة لأسلمة المجتمع. هذه الأخطاء جميعها شكّلت وقود الحوادث الأخيرة سواء بسبب النقمة الجامحة على الطغمة الحاكمة أو من طريق التجييش المذهبيّ الأرعن ضد “النصيريّين” من منابر المساجد ومكبّرات الصوت. من الصعب أن يجد المرء أسباباً تخفيفيّةً لهذا كلّه، وذلك بصرف النظر عن أنّ حكّام الشام ذوو ماضٍ عنفيّ معروف، وبعضهم لا تزال أسماؤه على لوائح الإرهاب.
لكنّ الطامة الكبرى في مكان آخر، وهذا يجب أن يعيه كلّ مَن يتمنّى الخير لسوريا، ويريد استعادتها وعودتها إلى أهلها وجيرانها وإلى العرب أجمعين: الأوطان لا تبنى بالعقليّة الانتصاريّة، بل بذهنيّة الاحتضان والتسالم. يخيّل للحكّام الجدد في دمشق أنّ أمور الحكم يمكنها أن تستتبّ لهم وهم على ما هم عليه من ممارسة شريعة الغلبة بما تنطوي عليه من إقصاء للآخرين. لكنّ الأيّام، على قول طرفة بن العبد، ستبدي لهم كم كانوا جهلةً.
إنّ احتضان الآخرين واستدخالهم له شرط لا يمكن الالتفاف عليه: التخلّي عن الوهم الإسلامويّ الذي يحسب أنّ الغالبيّة يجب أن تحكم لكونها غالبيّة، وأنّ هذا الحكم يمكنه أن يستقيم بالارتكاز على الشريعة الإسلاميّة (الإعلان الدستوريّ، ويا للغرابة، يتحدّث عن “الفقه” الإسلاميّ). منطق الغالبيّة ممجوج لا لأنّه ينسخ المقاربة الاستشراقيّة فحسب، التي تأبى أن تنظر إلى شعوبنا من خارج كونها رهطاً من الأكثريّات والأقلّيّات، بل لأنّه يعدّ البشر جماعةً دينيّةً مرصوصة، لا مواطنات ومواطنين أفراداً يتساوون في الحقوق والواجبات. مَن قال إنّ العرب من أهل السنّة والجماعة في سوريا، لمجرّد أنّهم غالبيّة عدديّة، يقبلون أن يكونوا كتلةً متراصّةً في مواجهة الآخرين؟ لعمري أنّ “غالبيّتهم” أذكى من ذلك بما لا يقاس.
أمّا منطق سياسة الناس بالاستناد إلى الشريعة الإسلاميّة، فإشكاليّ لا لأنّه كثيراً ما يتعارض وحقوق الإنسان فقط، بل لأنّ معظم أحكامه المتعلّقة بنظام الحكم من مخلّفات عصور غابرة تحيل على ذهنيّة المسلم “المنتصر” على الكافر “المهزوم”، وتتوكّأ على منظومة قيميّة تخطّاها الزمن. يضاف إلى ذلك إعلان دستوريّ “انتقاليّ” مدّة انتقاله خمس سنوات، أي إنّه يكاد يشبه مقولة “قائدنا إلى الأبد..”. وهو يحصر كلّ شيء تقريباً في شخص رئيس جمهوريّة غير منتخب، ما ينذر بإمكان تحوّل سوريا إلى دكتاتوريّة مقنّعة إسلامويّة الطابع، وذلك على الرغم من تهافت المشاريع الإسلامويّة في مصر وتونس والمغرب كأوراق الشجر في الخريف.
هذا سيناريو متشائم طبعاً، وتفوح منه رائحة مذبحة الساحل. لكنّه يحمل دمغة الدرس السيكولوجيّ الذي يعلّمنا أنّه ليس من الصعب على الضحيّة أن تتحوّل إلى جلّاد، ولا سيّما إذا كانت ترفع النصّ الدينيّ على رؤوس الرماح؛ هذا إذا سلّمنا جدلاً بأنّ جهاديّي جبهة النصرة ضحايا فعلاً.
المدن
—————————————–
السوريون بين الحاضر والمستقبل/ فايز سارة
16 مارس 2025 م
وسط هالة من غموض والتباس يلفان المشهد السوري، يزداد طرح الأسئلة، والسؤال الأكثر شيوعاً عن سوريا وحولها، هو السؤال عن المستقبل، والقليل من لا يسأل إلى أين تتجه الأمور؟ وما الاحتمالات في تطور الأوضاع في سوريا؟ وقد تطرق الأسئلة أموراً تفصيلية، تتناول بعض الأحداث، مثل السؤال عن مستقبل الاتفاق الذي تم توقيعه بين قوات سوريا الديمقراطية «قسد» والإدارة السورية في دمشق؟ أو سؤال يتعلق ببعض محتويات الإعلان الدستوري الصادر مؤخراً، وبما يمكن أن تتمخض عنه عملية تشكيل اللجنة الخاصة بالتحقيق بما شهده الساحل السوري من أحداث عنف دموي مؤخراً بدأها فلول نظام الأسد.
وللحق فإن الأسئلة التي تطرح مهمة، وكذلك الإجابة عنها. ليس من أجل فهم مسارات واحتمالات المستقبل، إنما أيضاً من أجل تطمين السوريين، وتغذية الأمل في أن القادم من الأيام، يحمل مستقبلاً أفضل وأجمل، يتجاوز معاناة عاشها السوريون، تعرضوا في الأربعة عشر عاماً الأخيرة منها لحجم هائل من الخسائر البشرية والمادية من الصعب حصر الظاهر منها، والأصعب حصر ما هو خفي أو مخبأ، وسيمر كثير من الوقت لتكون هناك محصلة كاملة للخسائر.
وإذا كانت الأسئلة والأجوبة مهمة في إطار تقديرات مستقبل السوريين، فإن الأهم منها هي الأسئلة المتعلقة بالواقع الحالي، لأن المستقبل مرهون بمعرفة واقع السوريين اليوم، ورسم معالم التعامل معه والبناء عليه عبر الخطط والأدوات والأهداف والمراحل الزمنية، وأن تكون كلها قابلة للقياس والتعديل وفق أهداف وظروف الواقع في بنيته وحراكه وتفاعلاته وعلاقاته الداخلية والخارجية.
وتختصر الصورة العامة لحالة سوريا بالقول، إنها بلد مدمر. يواجه من الناحية السياسية تحديات وحدته في ظل اشتراطات ومساومات أطراف أبرزها قوى الأمر الواقع، تضغط على سلطة العهد الجديد، التي تشكل «هيئة تحرير الشام» نواتها الصلبة، في وقت تواجه حكومة دمشق حالة من انهيار وإعادة تأسيس إدارات ومؤسسات الدولة، إضافة إلى ظروف اقتصادية واجتماعية صعبة نتيجة ضعف البنى والأنشطة الاقتصادية الإنتاجية والخدمية، وعدم سيطرتها على موارد البلاد وخاصة النفط والحبوب والمياه، ونقص الأيدي العاملة الخبيرة والمدربة، وضعف السيطرة الحكومية على نقاط العبور مع الخارج.
ويقترب خراب أحوال السوريين مما هي عليه حالة البلاد. حيث يغرق السوريون في حالة عامة من التشوش والانقسام الآيديولوجي والسياسي، ويعجزون عن توليد المشتركات، وتقريب المسافات حتى بصدد توافقاتهم الكبرى في الخلاص من آثار المرحلة السابقة واستعادة حياتهم طبيعتها، ويضاف إلى ما سبق، واقع الانتشار السوري، وضبابية أرقامه بين الداخل والخارج، واتساع حجم معاناة غالبيته سواء في الداخل أو الخارج، رغم اختلاف طبيعة المعاناة، إذ يعاني سكان الداخل من صعوبات معاشية واجتماعية، تفاقمت مع انهيار مؤسسات الدولة وخروج العاملين فيها من الخدمة، بينما يعاني القسم الأكبر من الموجودين في دول الجوار ظروفاً معاشية وإدارية صعبة، وفي الحالتين، فإن قلة من السوريين لديهم ظروف أفضل من الغالبية، يمكن إذا توفرت لهم ظروف مناسبة، أن يلعبوا دوراً مهماً في مستقبل سوريا.
وتعاني النخبة السورية في الداخل والخارج من ضعف شديد في وحدتها ورؤيتها ودورها، نتيجة انقساماتها وصراعاتها، وبسبب ما لحقها من دمار مارسه نظام الأسد ضدها، إذ لم يوفر طريقة لإخضاعها وإذلالها وافتقارها إلا واتبعها، كما لعبت بعض دول الشتات السوري دورها في إضعاف النخبة السورية المقيمة فيها من الناحيتين السياسية والاقتصادية.
ومن البدهي القول إن حالة ضعف المجتمع وتردي أوضاع النخبة، يجدان صداه في واقع الأخيرة داخل السلطة، الأمر الذي يفسر واقع حال السلطات الحاكمة والنافذة في حكومة العهد الجديد في دمشق، كما في الإدارة الذاتية في شمال شرقي سوريا، وتمتد التأثيرات إلى قيادات الهياكل السياسية والمدنية، التي يسود فيها نهج الاستئثار بالسلطة والاعتماد على الشللية والضعف في التقاط الأهداف واللحظات السياسية، وتركيز جهودها في الصراعات البينية للفوز على الخصوم وعلى الجمهور أيضاً.
الهدف الذي ينبغي أن يعالج هو إخراج سوريا من الحفرة التي أوقع نظام الأسد السوريين فيها، والتركيز على هدفين أساسيين، الأول توفير الأمن الذي يضمن الحفاظ على الحياة بالحقوق الأساسية والعلاقات السلمية، والثاني تأمين احتياجات العيش الأولى، التي توفر سكناً وعملاً وطعاماً وشراباً وصحة، وتعليماً للأولاد، وبعد أن تتوفر تلك المتطلبات، يمكن أن يبدأ السير نحو مسار للدولة والشعب، يذهب في اتجاه تطبيع الحياة في سوريا.
الشرق الأوسط
——————————
مواطنون لا قضاة/ محمد برو
2025.03.16
في صبيحة الثامن من كانون الأول سقط نظام الإبادة وانقشعت غمامات الرعب، التي غطت سماءنا وأرواحنا لعقود سوداء من تاريخنا السوري. وبسرعة النابض المتشوق للتوثب استعاد السوريون رباطة جأشهم، وصدحت حناجرهم بأغاني الحرية وأحلام العودة إلى الحياة السوية، بعد أن كانوا في هوامش هوامشها وفي دركات أقبيتها أزمانا لا تقاس بالسنوات والأيام ولا بالساعات، فساعة المحموم دهر ودهر المترف ساعة.
في صبيحة الثامن من كانون الأول سقط نظام الإبادة وانقشعت غمامات الرعب، التي غطت سماءنا وأرواحنا لعقود سوداء من تاريخنا السوري. وبسرعة النابض المتشوق للتوثب استعاد السوريون رباطة جأشهم، وصدحت حناجرهم بأغاني الحرية وأحلام العودة إلى الحياة السوية، بعد أن كانوا في هوامش هوامشها وفي دركات أقبيتها أزمانا لا تقاس بالسنوات والأيام ولا بالساعات، فساعة المحموم دهر ودهر المترف ساعة.
تزامنا مع فيضان الفرح الطاغي، انتشرت مظاهر تعرية فلول النظام البائد ومن كان يمشي في ركبه، وصدحت حناجر كثيرة بإدانة فنان هنا ومذيع هناك، وأسهمت مواقع التواصل الاجتماعي في تحويلها لساحات حرب لا تنتهي، لعل معظمها يدور حول سقطات بعضهم ومواقفه وتصريحاته زمن الاستبداد وهيمنة الخوف، وبات الصخب الغاضب سمة تتميز بها صفحات مئات آلاف السوريين ومن يردح ضدهم في الضفة المقابلة، وهذا وضع مفهوم ومنسجم مع انهيار جبال القهر والرعب التي كانت تجثم على صدور السوريين عامة، ومع تكشف فظاعة الإجرام والعسف الذي طال معظم السوريين في ظل نظام الأسدين، والذي طالما أخفته غياهب الزنازين والمقابر الجماعية التي تذخر بعشرات الآلاف من الضحايا الأبرياء، والتي ما تزال معظمها في عتمة المجهول.
مع التفهم العالي لحجم الكبت والاحتقان الذي يثوي ويتخمر في النفوس منذ خمسة عقود أو تزيد، إلا أن هذه الحروب الإعلامية المعلنة عبر المنصات الإلكترونية لا تسهم إلا في تصعيد الغضب ونزعة الانتقام، واغتصاب الفرح الذي ينبغي أن يدوم طويلا ليغسل سواد سنوات القهر والذل. كما يمكن أن يسهم في تكريس ظواهر هامشية لا تقدم ولا تؤخر، فإقامة الدنيا وإقعادها على موقف فنان أو فنانة أو فارس فيسبوكي لا يقيم لتعليقاته وزنا، يمكن النظر إليها على أنها وضع الشيء في غير موضعه أصلا. ولو أعدنا النظر في مواقف وتصريحات جموع الفنانين سنجدها تصريحات غير مسؤولة ولا تصدر عن شخص ذي بال أو أهمية. باستثناء شريحة ضيقة منهم يمكن أن يؤخذ كلامه “خارج أدائه الوظيفي كفنان” على محمل الأهمية ومناقشة مواقفه وأفعاله بصفته مثقفا أو صاحب رؤية سياسية أو صاحب موقف يعول عليه، ناهيك عن كون كثيرين منهم محكوم بمعادلات الانتفاع والتكسب وإرضاء الحاكم بل والخوف الشديد من بطشه.
هذه المخاطبات العدوانية والاتهامية عبر مواقع التواصل يذكرنا بعضها بممارسات محاكم التفتيش في إسبانيا. هناك بون شاسع بين تتبع المجرمين المنغمسين بالجريمة والدماء السورية ونهب الأموال العامة والإثراء منها، والمساهمين في تدمير البلاد خلال عقود خلت، وبين أفراد مارسوا الخطيئة وكانوا أعواناً للدكتاتورية راغبين أو مكرهين، ونحن إن ذهبنا في تتبع صغار الكسبة من هؤلاء الصغار ستكون لدينا قائمة تتجاوز مليون سوري من جميع الأطياف، كانوا شركاء بمقادير مختلفة فيما وقع على الغالبية السورية من إجرام واستباحة مذلة، ولو ذهبنا كما تطيب نفوس بعضهم في محاسبة هذه الجموع والاقتصاص منها، سنصبح كطاغية بلاد الشام وأعوانه مدفوعين بغريزة الانتقام، وبدل أن نقضي على مكامن العلة والمرض سننال من أعضاء المريض، وسيصبح عصيا على التعافي.
وسيتوجب علينا الإجابة بوضوح واعتدال هل نحن مواطنون نطالب بحقوق لنا ليس فيها لبس، أم قضاة ومنتقمون؟ معظمنا كمتابعين ندرك بقليل من الجهد ما قد ينجم عن إرضاء النوازع الانتقامية لدى بعضهم، من إذكاء لنار الفتنة وإشعال لفتيل العنف الذي يمكن ضبط إطلاقه لكن من المحال ضبط منتهاه على نحو آمن. كما أن إشاعة مناخ التسامح يتيح للعدالة أن تأخذ مجراها بهدوء ومن دون تشويش، وهذا ما يسعى له معظم السوريين.
علاوة عن مفهوم التسامح. هناك ضرورة لنبذ كل ما يفضي لزعزعة السلم الأهلي ونبذ الكراهية. كل هذا بعيدا عن شأن تحقيق العدالة. الذي لا يمكن التغاضي عنه لأنه يهدد استقرار النظام العام والأمن الاجتماعي، ويسوغ الإيغال في الفساد والجريمة والاستمرار فيهما، لكن الحرص الأمين على مفهوم العدالة وعدالة تطبيقها ينبغي أن يسير في الأطر القانونية، وحصره بيد من يملك حق المحاسبة والقصاص “الدولة”، وإلا سنقع في ضحضاح احتراب أهلي لا تحمد عواقبه. والعدل ليس في إحقاق ما هو حق وحسب، بل في طريقة إنفاذه أيضا، فلا تعسف في استخدام الحق، ولا يمكن الوصول إليه وقد تلوث بنوازع الحقد والانتقام التي تحرف القاصد عن نقاء هدفه. ربما تبدو الدعوة لتغليب روح التسامح في مسعانا لتحقيق العدالة المطلوبة ضربا من التبسيط المخل أو النزعات الطهورية المبالغ فيها، الحقيقة غير ذلك، أنها أمر شديد الصعوبة ومن المشقة بمكان احتماله، لكنه ضرورة أساسية في مسيرة التعافي والمصالحة والوصول إلى عدالة غير ملطخة بدماء أبرياء تفسد على صاحب الحق طمأنينته.
انتشار عمليات الانتقام الفردية خارج إطار مؤسسات إنفاذ العدالة يخلق بلبالا شديد الخطورة، فهو لن يبرأ من إلحاق الضرر المفرط بأبرياء ستهدر حقوقهم وربما دماؤهم في هذه الفورات الغاضبة، ولن ينال المتهمون حقهم الأصيل بتبيان دوافعهم والتي يمكن أن تكشف عن مواضع اللبس في التهم المناطة بهم. الأمر الآخر الجدير بالحسبان أن من قدم تضحيات وشهداء في درب الحرية والدفاع عن الحقوق جدير بأخلاق التعالي عن أخلاق خصومه سيما أن الخصم في حالتنا السورية هو أحط ما أنتجه الطغيان في العصر الحديث وأن مضارعة أخلاقه وسلوكه يحط من قدر المنتقم ويشوه فضائل تضحياته. ختاما لا بد من التأكيد على مسؤولية ودور مؤسسة الحكم بكل تفريعاتها في ضبط هذه الكوارث، ومحاسبة مرتكبيها بصرامة رادعة لكل من تغريه نزعة الانتقام في إذكاء فتيل العنف. وألا تكون المحاسبة صورية على غرار قول مدير سجن تدمر للعريف الذي قتل صديقنا خلدون من دون رحمة: ” قسما بشرفي إذا أعدت هكذا بياخة سأحلق لك شعرك” .
تلفزيون سوريا
—————————
مزايدات ثورية أم ضبط بوصلة؟/ عمر عبد العال
15 مارس 2025
بعد سقوط النظام البائد وانتصار الثورة السورية، لم يكن السؤال: ماذا بعد الثورة؟ مجرّد رفاهية فكرية، بل تحوّل إلى معضلة حقيقية تهدّد جوهر الثورة نفسها.
هل انتهت الثورة بسقوط الطغيان، أم يجب أن تستمر بوصفها ضامنًا لتحقيق كامل أهداف الثورة، حتى ما بعد المرحلة الانتقالية؟
بين هذه الرؤى المُتباينة، تعالت أصوات متناقضة، بعضها يسعى للحفاظ على المبادئ والمكتسبات، وأخرى تحاول احتكار الثورة، أو تشويه صورتها، بل حتى تصفيتها لمصالح خاصة.
هناك من ضحى بكلّ ما يملك، وقدّم الغالي والنفيس من أجل الثورة، مؤمنًا بأنها لم تكن مجرّد انتفاضة، بل مشروع تغيير جذري لا يمكن السماح بالتلاعب به أو التراجع عنه.
ويرى هؤلاء أنّ حماية مكتسبات الثورة تستدعي المزيد من التضحيات، في وجه كلّ من يحاول تحريف المسار أو الالتفاف على الأهداف التي دفع الشعب لأجلها دماءً غالية.
في المقابل، ظهر من يحاول احتكار الثورة، رافعًا شعار (أنا الثورة والثورة أنا)، وكأنّ الثورة إرث شخصي، فيقرّر وحده من يستحق شرف الانتماء إليه ومن لا يستحق.
وبين هؤلاء وأولئك، تسلّل آخرون لم يكن لهم في الثورة إلا الكلمات والتنظير، متأخرين عن ركب التضحية ليصنعوا لأنفسهم أدوارًا بطولية زائفة، يعيدون رسم الماضي بما يناسبهم، غير آبهين بأرواح الشهداء ولا بجراح المكلومين.
الانتصار على النظام البائد كان لحظة مفصلية، لكنه لم يكن نهاية المطاف. وهنا نشأ الخلاف الكبير بين من يرى أنّ الثورة يجب أن تبقى مستمرة، وأنّ سقوط النظام ليس سوى الخطوة الأولى في رحلةٍ طويلة نحو ترسيخ الحرية وضمان العدالة وإعادة بناء المجتمع على أسس جديدة، وبين من يؤمن أنّ الثورة أنجزت مهمتها وحان الوقت للانتقال إلى مرحلة بناء الدولة.
ورغم مشروعية كلا الرأيين، فإنّ بينهما من استغل هذا الجدل لمكاسب شخصية، فهناك من يرفع راية استمرارية الثورة برؤية استغلالية، فقط لاستثمارها سياسيًا أو ماليًا أو مصالح أيديولوجية ضيّقة، وهناك من يسعى إلى إنهائها بسرعة لضمان بقائه في دائرة النفوذ أو حفظ المكاسب الشخصية، وكأنّ مكتسبات الثورة كعكة تُقسّم على من ثار فيها.
وكما هو الحال في كلّ حراك ثوري عبر التاريخ، لم تخلُ الثورة من المزايدين، أولئك الذين يرفعون الشعارات الثورية، لكنهم في الواقع كانوا من أكثر من أضرّ بها. يتعالون على أبناء الثورة باستكبار، وكأنهم وحدهم من يملكون الحق المطلق في تحديد من يستحق صفة (الثائر) ومن لا يستحق، ناسجين حول أنفسهم هالة من القدسية الوهمية.
ومن بين هؤلاء أيضًا، فئة تدّعي “النخبوية الثقافية”، تنظر إلى الثورة وأبنائها بنظرة استعلائية، معتبرة أنّ الحراك الثوري مجرّد انفعال عاطفي يفتقد إلى النضج والرؤية. لا يكتفون بذلك، بل يضيفون إلى خطابهم تعبيرات منفّرة وأحكامًا متعالية، يدّعون بها التحضّر والإنسانية، بينما لا تعدو كونها علمانية متشنّجة أو انتقادات سلبية لا تنتهي، تفتقر إلى أيّ رؤية بناءة.
خطر هؤلاء لا يقل عن خطر المزايدين، إذ إنهم بدل أن يكونوا عونًا للثورة، اختاروا فرض وصايتهم الفكرية عليها، مما عمّق الانقسامات وأسهم في تشويه صورة الثوار الأحرار، الذين حملوا الثورة بصدق وإخلاص، بعيدًا عن ادعاءات التفوق والاستعلاء.
لكن وسط هذه الفوضى، هناك ثوار لا يعلم بهم إلا الله. لم يبحثوا عن شهرة أو مناصب، ولم يطلبوا مجدًا شخصيًا. عملوا بصمت، وبذلوا بلا مقابل، وواصلوا الليل بالنهار لحماية حلم الثورة من التشويه والانحراف. هؤلاء هم الأمل الحقيقي، فهم الوقود الذي يحافظ على نقاء الثورة وصون مكتسباتها، بعيدًا عن مزايدات المتسلقين وصراعات المنتفعين.
في الختام، الدولة تحتاج إلى عقلية الثورة، والثورة تحتاج إلى عقلية الدولة، فالثورة ليست مجرّد لحظة إسقاط نظام وحسب، بل مسيرة طويلة تتطلب وضوح الرؤية ونكران الذات. فلا يمكن السماح لأحد باحتكارها، ولا يمكن اختزالها في شعارات من دون مسؤولية تحقيقها. فالمرحلة القادمة تتطلّب توازنًا حقيقيًا بين عقلية الدولة التي تضمن الاستقرار والبناء، وعقلية الثورة التي تبقى حصنًا منيعًا ضدّ أيّ استبداد جديد أو خطر خارجي يهدّد المكتسبات.
النجاح الحقيقي ليس في إعلان نهاية الثورة أو تخليدها، بل في تحقيق أهدافها وبناء وطن حر وعادل، يليق بتضحيات أبنائه الذين صدقوا الوعد، وقدّموا كلّ شيء من أجل مستقبل أفضل.
العربي الجديد
—————————–
من إدارة التوحّش إلى إدارة التنوّع/ سلام الكواكبي
16 مارس 2025
فشلت أغلب الدول العربية في إنجاح عملية إدارة التنوّع في مجتمعاتها، دينيّاً كان أم مذهبياً أم إثنياً. وبالتأكيد، الرابط الأساسي في عملية إنجاح الفشل المستدام هذه متعلقةٌ بفقدان هذه الدول نظاماً ديمقراطياً فعّالاً أو في حدوده الدنيا، فالديمقراطية شرطٌ لا رجعة فيه لإنجاح عملية إدارة التنوّع على مختلف المستويات. وعلى الرغم من أن بعض التعريفات العلمية المتردّدة تعتبر أن الديمقراطية ليست شرطاً ملزماً، ولكنها، في الوقت نفسه، تعترف بأن الديمقراطية توفر بيئة مثالية لتحقيق نجاح عملية إدارة التنوع. أضف إلى ذلك أن التجارب التاريخية قد أوضحت، وبشكلٍ لا يترك مجالاً للشك، وقوع الفشل الكامل أو النسبي لمسار إدارة التنوع بشكله المثالي في كل نظام انتقص من الديمقراطية بأي طريقة. وذلك لأن الديمقراطية ضامنٌ أساسيٌّ لحقوق الأفراد وتطبيقها يعطي الحقوق نفسها، من دون زيادة أو نقصان، لمنتسبي المجتمع الذي تسود فيه. ومن ثم، تسعى العملية الديمقراطية إلى تأمين آليات فعّالة لحل النزاعات على مختلف أنواعها. كما أنها تسهّل إمكانية المعنيين بمسارها بتقبل خلافاتهم والقيام بعملية إدارة عادلة لهذه الاختلافات. ومهما سعت الأنظمة غير الديمقراطية إلى محاولة تحسين أداء إدارة التنوع لديها، خصوصاً في ما يخصّ الإثنيات والأديان، وحاولت سنّ قوانين تحترم التنوع لديها، وتعزّز الاندماج بينها، لكنها لن تنجح في أن تكون فاعلةً، بحيث تضمن تحقيق العدالة الاجتماعية والمشاركة الفعّالة لجميع الفئات.
إدارة التنوع مسار معقّد من عمليات تنظيم (وتنسيق) الاختلافات والتباينات بين الأفراد والمجموعات داخل حيّز جغرافي مشترك. ومن الممكن أن يكون هذا الحيّز ضيقاً للغاية، لينحصر في المسكن أو مكان العمل أو موضع الدراسة، ويمكن أن يتّسع ليشمل مجتمعاً، أو قرية، أو مدينة، أو دولة. والهدف الرئيسي من حسن إدارة التنوّع والنجاح فيه هو تعزيز الانسجام والتعاون بين الأطراف المختلفة لما فيه من طريقة مثلى لاستثمار التنوع والاستفادة منه عاملاً إيجابياً بنّاء. ويتجاوز التنوع مسألة الدين أو المذهب أو الإثنية ليصل إلى حدود الخلفيات الاجتماعية والمستويات الاقتصادية.
حاول كل المستعمرين الإساءة إلى المفهوم الإيجابي في إدارة التنوّع ولعبوا على الاختلافات الدينية والإثنية والمذهبية، لإحكام سيطرتهم على الحيّز الجغرافي الذي استولوا عليه، ففي المجتمعات المستقطبة، يسهل تأليب جهةٍ على جهةٍ أخرى. ومن ثم، تسهل سيطرة الغازي او المحتل أو المنتدب أو “الحامي” على مختلف مكونات المجتمع المحلي من دون شديد عناء. في المقابل، أثبتت الدولة “الوطنية” التي تلت حقبة الاستعمار في المنطقة العربية، لما اتسمت به من صبغة استبدادية ولا مشروعية انتخابية، أنها أعظم نجاحاً في تطبيق سياسة “فرّق تسُد” من الاستعمار نفسه، فقد كانت عملية تعميق الشروخ الاجتماعية والدينية والمذهبية والإثنية هي القاعدة الأساسية في استراتيجيتها للإطباق المُحكم على مصائر مجتمعاتها.
في سورية، وعلى الرغم من أن محاولات الانتداب الفرنسي بين عامي 1920 و1945 لتعزيز الانقسامات البينية في المجتمع قد فشلت، إلا أنها أسّست لنوع من “الوعي” السلبي الذي اجتاح وارثي حقبة الانتداب محلياً وإقليمياً ودولياً، فبدأ ترسيخ الانقسامات بين عرب وكرد، وبين مسيحيين ومسلمين، وبين سنة وعلويين. أما الباقي من فرص تعزيز الانقسام، فلم يتم نسيانها وإهمالها، بل جرى العمل عليها، على هامش المحاور الرئيسية التي اعتمدت الانقسامات الكبرى. وقد رسّخ نظاما الأسد الأب والأسد الابن من هذه العملية الشيطانية بنجاح حيناً وبنصف نجاحٍ في أحيان. وساهم في تعزيز هذا النجاح المؤسف انجرار كتلٍ لا بأس في عديدها وراء وهمٍ مستدام أصرّ أصحابه ومروّجوه على أن السوريين يعيشون في مجتمع “فسيفسائي” متجانس، وبأن بعضهم يحب بعضاً. ولقد أجّج هذا الشعور الكاذب جزئياً دور رجال الدين من عملاء أو من صناعة السلطة القائمة من جميع الأطراف. ولم تبخل السلطة على أحد منهم، إن خرج عن الصراط المتعرّج الذي خطته له، بالعقاب متنوع الشدة.
ودخل المجتمع الفخ بجزئه أو بكله، ووقع في حفرة التشرذم. كيف لا، وأفراده رعايا وليسوا مواطنين بما تعنيه هذه العبارة من مفهوم ما زال بعيداً عن الشعور وعن التطبيق؟ بل ساهم عديدٌ من رموزه ومن قياداته في تعزيز الوهم والكذبة الكبرى التي تتحدث عن تجانس ووئام افتقدهما السوري ليس نتيجةً لبيئته ولثقافته، بل نتيجة لعمل ممنهج من قبل حكّامه لتعزيز الانقسامات وتمكين ذاتها من الهيمنة عليه والحد من طموحاته الإنسانية الطبيعية للعيش بسلام ووئام مبنيَّين على عقد مشترك يضع نصب أعينه الوطن قبل الدين والبلاد قبل العشيرة. هذه الأولويات لا تفضي البتة إلى الانتقاص من دور الدين أو العشيرة أو سواهما من عوامل التفرقة والتمييز، حاشى لله، بل هي تساعد في تعزيز مفاهيم الدين والعشيرة وسواهما في إطار وطني ومواطني يسعى لإعلاء المصلحة العامّة أمام المصالح الفردية المتحاربة. وجب الانتقال من إدارة التوحش التي نجح في وضع لبنات ثقافتها النظام السابق، إلى تعزيز فرص نجاح إدارة التنوّع. فهل من مستجيب؟
العربي الجديد
——————————-
الخطة الإيرانية الثلاثية تجاه سوريا الجديدة/ رمضان بورصة
16/3/2025
كان السقوط السريع، وغير المتوقّع لبشار الأسد في 8 ديسمبر/ كانون الأول 2024 تطورًا جيوسياسيًا خطيرًا فاجأ حتى أكثر الخبراء السوريين خبرة. وأدى هذا السقوط إلى إثارة نقاشات حول طبيعة العلاقة التي ستقيمها إيران مع سوريا في المستقبل.
تسبّب سقوط الأسد في أضرار جسيمة لعقيدة الدفاع المتقدم للسياسة الخارجية الإيرانية، والتي تسمّيها طهران “محور المقاومة”. وبعد سقوطه، أثارت التصريحات القادمة من إيران، لا سيما من قبل المرشد الأعلى للثورة الإسلامية آية الله علي خامنئي والقائد العام للحرس الثوري الجنرال حسين، انزعاجًا في دمشق بشأن المرحلة الجديدة.
حيث صرّح وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، مباشرة بعد 8 ديسمبر/ كانون الأول 2024، بأن التصريحات القادمة من إيران تهدف إلى “التدخل في الشؤون الداخلية السورية وتحريض الشعب السوري”.
وفي حين أدلى آية الله خامنئي وقادة الحرس الثوري بتصريحات تزعج القيادة الجديدة في دمشق، فقد بعث وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي ووزارة الخارجية الإيرانية برسائل أكثر دفئًا إلى الحكومة السورية الجديدة.
وأظهرت تلك التصريحات المتباينة أن طهران لم تتخذ بعد قرارًا واضحًا بشأن كيفية التعامل مع سوريا الجديدة، وأنها تمر بحالة من الارتباك الشديد وخيبة الأمل العميقة.
من جانبها، أقامت روسيا بسرعة اتصالات مع أحمد الشرع، الذي تولى قيادة سوريا بعد انهيار نظام البعث، وأرسلت وفدًا روسيًا رفيع المستوى إلى دمشق للقاء رئيس الجمهورية السورية.
ولكن، يبدو أن إقامة اتصالات بين إيران والنظام السوري الجديد لن تكون سهلة كما هو الحال بالنسبة لموسكو، التي كانت، إلى جانب طهران، الداعم الرئيسي لنظام بشار الأسد.
أول خطوة لإيران
أظهرت إيران رغبتها في إقامة علاقات مع الحكومة السورية الجديدة من خلال تعيين الدبلوماسي الإيراني المخضرم محمد رضا رؤوف شيباني ممثلًا خاصًا في سوريا، وذلك بعد شهر واحد من مغادرة بشار الأسد دمشق. ويُعد شيباني، أحد أكثر الدبلوماسيين الإيرانيين دراية بالمنطقة.
بدأ شيباني عمله سفيرًا لإيران في لبنان عام 2005، وكان يشغل هذا المنصب خلال حرب 2006 بين حزب الله وإسرائيل. ثم عُين سفيرًا في سوريا عام 2011، حيث خدم في دمشق خلال أكثر سنوات الحرب الأهلية السورية شراسة.
بالإضافة إلى ذلك، شغل منصب سفير إيران في كل من تونس، وليبيا، كما تولى منصب مساعد وزير الخارجية المسؤول عن شؤون الشرق الأوسط. وقبل تعيينه ممثلًا خاصًا لسوريا، كان يعمل ممثلًا خاصًا لعراقجي لشؤون غرب آسيا. هذه السيرة الذاتية المختصرة تقدم دليلًا واضحًا على اهتمام طهران بتطوير العلاقات مع الحكومة السورية الجديدة.
الخطة الإيرانية الثلاثية لسوريا
يمكن القول إن إيران لا تتعجل في اتخاذ خطوة رسمية لإقامة علاقات دبلوماسية مع دمشق. ففي المرحلة الانتقالية التي تمر بها سوريا، ستراقب إيران التطورات من كثب، وستتفاوض مع دول لها علاقات جيدة مع الحكومة السورية الجديدة، مثل تركيا، وقطر، لتحديد كيفية التعامل مع دمشق. وتشمل السياسة الإيرانية الثلاثية تجاه سوريا المراحل التالية:
المرحلة الأولى: المراقبة والمفاوضات
في هذه المرحلة، تتابع إيران التطورات في سوريا وتجري مشاورات مع الدول المؤثرة. وفي هذا السياق، التقى محمد رضا رؤوف شيباني، في موسكو، مع الممثل الخاص للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ونائب وزير الخارجية الروسي لمناقشة المستجدات في سوريا.
كذلك، سيبقى شيباني على اتصال وثيق مع وزارتَي الخارجية التركية، والقطرية لمناقشة التطورات السورية.
المرحلة الثانية: الاتصالات غير المباشرة
بعد انتهاء مرحلة المراقبة والمفاوضات، ستنتقل إيران إلى مرحلة الاتصالات غير المباشرة مع دمشق عبر وسطاء. هناك دولتان مرشحتان للعب دور الوسيط بين إيران، وسوريا، وهما قطر، وتركيا.
قد تختار إيران وسوريا إحدى هاتين الدولتين، أو ربما تستخدم كلتيهما في قضايا مختلفة لضمان التواصل غير المباشر بينهما.
نجاح هذه المرحلة سيكون مفتاحًا للانتقال إلى المرحلة الثالثة، حيث ستُبحث قضايا رئيسية مثل تحصيل إيران ديونَها على سوريا، ومراجعة الاتفاقيات الاقتصادية والثنائية التي وقعت خلال فترة حكم بشار الأسد لتحديد أيّ منها سيستمر وأيّ منها سيُلغى.
المرحلة الثالثة: اللقاءات الدبلوماسية المباشرة
في هذه المرحلة، سيُعقد اجتماع بين وزيرَي الخارجية الإيراني، والسوري في دولة ثالثة، مما سيمهّد الطريق لاستئناف العلاقات الدبلوماسية تدريجيًا، بدءًا من تعيين قائم بالأعمال كخطوة أولى.
ومع ذلك، فإن العوامل التي قد تؤدي إلى بطء هذا المسار، هي: الأحداث التي شهدتها سوريا بين عامي 2011 و2024، والمرحلة الانتقالية التي تعيشها سوريا، والصعوبات التي تواجهها الحكومة الجديدة، والتحديات التي تواجه إيران نفسها، سواء داخليًا أو خارجيًا.
كل هذه العوامل قد تؤدي إلى تقدم هذه العملية ببطء، لكن من الواضح أن إيران تسعى إلى استعادة نفوذها في سوريا وفقًا لخطة تدريجية ومدروسة.
الموقف السوري
لم يغلق الرئيس السوري أحمد الشرع، ووزير الخارجية أسعد الشيباني الباب أمام إيران فيما يتعلق بإعادة العلاقات بين البلدين. فقد قال وزير الخارجية: “نهدف إلى إعادة بناء العلاقات مع كل من روسيا وإيران، وقد تلقينا رسائل إيجابية بهذا الشأن”.
أما الرئيس السوري أحمد الشرع، فقد أدلى بأول تصريح بشأن إيران بعد ثلاثة أسابيع من سقوط نظام بشار الأسد، قائلًا: “نريد إقامة علاقات متوازنة مع الجميع. وعلى الرغم من الجراح التي تسببوا بها، فقد قمنا بواجبنا تجاه السفارة الإيرانية في سوريا. كنا نتوقع تصريحات إيجابية من إيران، وكان ينبغي عليها أن تقف إلى جانب الشعب السوري”.
وهكذا لم يستبعد الرجلان إعادة العلاقات مع إيران، إلا أنهما شددا بشكل خاص على أهمية “العلاقات المتوازنة”، وأخذ رغبات الشعب السوري بعين الاعتبار.
الغضب الشعبي تجاه إيران
خلال زيارتي إلى دمشق بعد أسبوعين من سقوط نظام الأسد، التقيت بشخصيات سورية مختلفة، من مسؤولين إلى مواطنين عاديين، وناقشنا مستقبل سوريا.
كشفت هذه اللقاءات، أن السوريين يحملون غضبًا أكبر تجاه إيران مقارنة بروسيا. وبالتالي، فإن تهدئة هذا الغضب الشعبي والحصول على قبول للعلاقات الدبلوماسية مع إيران قد يستغرق وقتًا طويلًا.
في هذا السياق، قال الصحفي السوري حمزة خضر إن الحكومة السورية الجديدة لديها تحفظات بشأن إقامة علاقات مع إيران، رادًا السبب إلى دعم إيران المطلق لبشار الأسد، وسعيها لنشر مشاريعها الخاصة داخل سوريا. وأشار إلى أن إيران كانت تسعى لتحويل سوريا إلى مدينة أو ولاية تابعة لها، مما يجعل دعمها للأسد مختلفًا عن الدعم الذي قدمته روسيا.
وأضاف أن هذا لا يعني انعدام أي علاقات بين سوريا وإيران، لكنه يعتقد أن العلاقات بين البلدين ستكون مماثلة لعلاقات إيران مع تركيا ودول الخليج، أي محدودة وغير إستراتيجية كما كانت في عهد الأسد.
مستقبل العلاقات بين البلدين
من جانبه، يرى رئيس مركز الدراسات الإيرانية الدكتور سرحان أفاجان أن إقامة علاقة بين إيران وسوريا ستكون أمرًا صعبًا، إذ تبدي الحكومة السورية الجديدة تحفظًا تجاه إيران.
وأشار إلى أن إيران لن تتعجل في بناء علاقات مع الحكومة الجديدة في دمشق، بل ستأخذ وقتها في متابعة التطورات قبل اتخاذ أي خطوات.
أما الصحفي السوري خالد عبده، فهو أيضًا يعتقد أن العلاقات بين إيران وسوريا لن تتشكل في المستقبل القريب. قائلًا إن “العداوة أو الصداقة بين الدول ليست دائمة، لكن في الوقت الحالي لا يمكن أن تعود العلاقات إلى طبيعتها كما كانت في عهد الأسد”. وأضاف أن العلاقات قد تبدأ بشكل محدود عبر الوسطاء أو الأجهزة الاستخباراتية، لكن لا مجال لعودة العلاقة الوثيقة التي كانت قائمة في السابق.
وأكد عبده أن “أي محاولة لإعادة العلاقات مع إيران بدون موافقة الشعب السوري ستكون مستحيلة”، مشيرًا إلى أن “الشعب السوري لا يزال يعاني من جراحه، وأن غضبه تجاه إيران لم يهدأ بعد، مما يجعل أي تقارب في المستقبل القريب غير مرجّح”.
وإجمالًا، يمكننا القول إن الحكومة السورية الجديدة لا تضع إعادة العلاقات مع إيران ضمن أولوياتها، حيث تركّز على إدارة المرحلة الانتقالية بشكل سلس، وإعادة إعمار البلاد، وضمان تحقيق الأمن بشكل كامل، ورفع العقوبات الدولية.
أما إيران، فواضح أنها اتخذت قرارًا بعدم التسرع، بل ستراقب التطورات في سوريا من كثب قبل أن تقرر كيفية التعامل مع الحكومة الجديدة.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
صحفي وباحث تركي متخصص في الشأن الإيراني
الجزيرة
——————————————-
ما هي الضمانات التي تحتاجها واشنطن من أجل رفع العقوبات عن سوريا؟/ جميل الشبيب
حماية الأقليات أم ملفات أخرى أكثر أهمية بالنسبة لترامب؟
16 مارس، 2025
منذ سقوط نظام الأسد، وجهت أغلب الحكومات الغربية دعواتها للإدارة السورية الجديدة بضرورة حماية الأقليات، وهو ما تكرر بشكل دوري على لسان العديد من المسؤولين الأوروبيين. وقد استغل بعض ممثلي الأقليات في سوريا هذه التصريحات للمطالبة بالانفصال أو بالحماية الدولية، رغم أن الدول الغربية لم تقدم أي وعود رسمية بمنح حماية دولية أو التدخل العسكري لصالح هذه الأقليات، بل اكتفت بالتصريحات والتوصيات.
في المقابل، كانت إسرائيل الدولة الأكثر وضوحاً في مواقفها، حيث رأت في تغذية النزعات الانفصالية وسيلة لضمان استمرار الصراع في سوريا، وهو ما ينعكس إيجابيًا على أمنها. وقد هددت إسرائيل مرارًا الإدارة السورية الجديدة من إعادة تموضع الجيش السوري في المناطق الجنوبية، متوعدة بالتدخل لحماية الطائفة الدرزية في المنطقة.
أما الولايات المتحدة، فموقفها يبدو أكثر تعقيدًا، خصوصًا في ظل إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، الذي تعامل مع السياسة الخارجية بعقلية رجل الأعمال، ساعيًا دائمًا لتحقيق صفقات رابحة، سواء كانت تلك الصفقات تتماشى مع سياسات بلاده التقليدية أم لا. وقد تجلى هذا النهج في دفعه لأوكرانيا نحو اتفاق سلام مع روسيا، لضمان سيطرة أمريكية غير محدودة على ثرواتها المعدنية.
أولويات أمريكا في سوريا
بالنسبة لسوريا، لم يرَ ترامب أهمية كبيرة لها خلال ولايته الأولى، إلا أن بعد سقوط الاسد عملت إدارته على دفع الأكراد باتجاه دمشق للتفاوض، ما مكّن واشنطن من تحقيق خطوة استراتيجية تهدف إلى كسر نفوذ الجماعات الجهادية داخل الجيش السوري” بعد اتفاق دمشق وقسد ع اندماج قسد ضمن مؤسسة الجيش السوري” وهو الملف الأكثر أهمية بالنسبة للولايات المتحدة. فالتنظيمات الجهادية مثل “الحزب التركستاني” و”حراس الدين” وغيرها، ممن يعتبرون حلفاء هيئة تحرير الشام سابقا، لا تزال تشكل قلقًا فعليًا لواشنطن، التي تستخدم ورقة العقوبات للضغط على دمشق من أجل احتواء هذه الجماعات وضمان عدم تهديدها للمصالح الأمريكية في المنطقة.
الملف الثاني في سلم أولويات الولايات المتحدة هو أمن إسرائيل، التي عبر مسؤولوها مرارًا عن مخاوفهم من وصول الفصائل الثورية، وخصوصًا “هيئة تحرير الشام”، إلى السلطة في سوريا، معتبرين ذلك تهديدًا مباشرًا لأمنهم القومي. ولهذا، تراقب واشنطن سلوك الإدارة السورية الجديدة تجاه إسرائيل، وهو ما يؤثر على موقفها من تخفيف أو تعليق العقوبات المفروضة على البلاد.
أما ثالث الأولويات الأمريكية، فهو اختبار قدرة الإدارة الجديدة على إدارة البلاد، ضبط الأمن، وإنهاء حالة الفوضى التي خلفتها الميليشيات والفصائل المسلحة. ويمكن اعتبار أحداث الساحل السوري أول تحدٍّ حقيقي واجه الحكومة الجديدة، حيث نجحت في إعادة فرض سيطرتها على المنطقة، لكنها فشلت في ضبط بعض الفصائل غير المنضبطة التي ارتكبت انتهاكات بحق المدنيين. ورغم ذلك، ترى واشنطن أن لدى الإدارة السورية الجديدة القدرة على ضبط الأمن، وهو ما يصب في مصلحة دول المنطقة، إلا أن مسألة الحد من تجاوزات الفصائل والانتهاكات لا تزال ضمن الملفات التي تنتظر واشنطن خطوات فعلية بشأنها قبل إعادة النظر في العقوبات.
وقد يرى البعض أن الولايات المتحدة تربط مسألة رفع العقوبات عن سوريا بتشكيل حكومة شاملة تضم جميع مكونات الشعب السوري، لكن من الصعب الجزم بأن هذا الملف يمثل أولوية فعلية لواشنطن في قراراتها بشأن العقوبات او تعاملها معها مع الملف. فتجارب الماضي تؤكد أن الولايات المتحدة لا تعتمد دائمًا على معايير الديمقراطية أو التعددية السياسية في تحديد سياساتها الخارجية. ولعل تصريح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عندما وصف نظيره المصري بـ”ديكتاتوره المفضل” مثال واضح على ذلك، حيث لم تمنع النزعة الاستبدادية للنظام المصري من استمرار الدعم الأمريكي له.
هل تهتم أمريكا بالأقليات؟
رغم أهمية الأقليات في الخطاب السياسي الأمريكي، إلا أن الواقع يشير إلى أن هذا الملف لا يأتي في مقدمة أولويات واشنطن مقارنة بالمصالح الاستراتيجية الأخرى. وتدرك الولايات المتحدة أن الإدارة السورية الجديدة نجحت في تجنيب البلاد حمام دم كان متوقعًا بعد سقوط الأسد، نتيجة الاحتقان الطائفي الذي غذاه النظام خلال سنوات الحرب.
وقد يكون للمسيحيين في سوريا أهمية خاصة لدى واشنطن، لكن بقية الأقليات – وحتى الأكثرية – لا تعني الكثير للإدارة الأمريكية ما دامت مصالحها مضمونة. ولنا في مواقفها من مختلف النزاعات حول العالم أمثلة لا حصر لها، بدءًا من الحرب الإسرائيلية على غزة وصولًا إلى اضطهاد المسلمين في الصين، حيث تظل المصالح الأمريكية فوق أي اعتبارات إنسانية أو حقوقية.
بناءً على ذلك، يمكن القول إن ملف العقوبات على سوريا مرتبط بعدة قضايا أكثر أهمية بالنسبة لواشنطن، وهي تنتظر من الإدارة السورية الجديدة تقديم ضمانات حقيقية لطمأنة الولايات المتحدة قبل اتخاذ أي خطوات لتخفيف الضغط الاقتصادي المفروض على البلاد.
العربي القديم
—————————
الديمقراطية في سورية الجديدة/ غسان المفلح
لن تستطيع السلطة أي سلطة بعد اليوم فرض ديكتاتورية قاهرة كالتي كانت
12 مارس، 2025
الديمقراطية ليست تعريفا نظريا فقط. ليست شعارا يرفع… وهي غير أنها ميزان قوى -وهذا الأهم برأيي- هي أيضا ممارسة.
الديمقراطية وسيلة وليست هدفا. وسيلة من وسائل الاجتماع الإنساني، تحت بند عقد اجتماعي. وسيلة فيها تصالح طبقي أو مصلحي بين المواطنين وأصحاب النفوذ، سواء كان اقتصاديا أو حزبياً أو سياسيا. أو لنقل هي توافق بين نضالات الشعوب من أجل الحرية وبين عدم تخلي أصحاب النفوذ عن امتيازاتهم. توليفة أنتجتها البشرية في سياق نضالها للانتقال من المجتمع الغريزي إلى المجتمع الإنساني أو المكتسب. هي إنتاج وإعادة إنتاج لنظام طبقي تتنازل فيه أصحاب مصالح متناقضة لبعضها.
هذه المقدمة البسيطة لا يمكن أن نعرض عليها مثالا إلا أوروبا الغربية كعالم متقدم ديمقراطيا. وكنت قد عالجت هذه القضية سابقا في مقالات عدة. وسورية مثالا من عالمنا الذي يدور في فلك نظام دولي يحتكر القوي فيه الثروة والسيادة.
أوروبا مرت بثورات كثيرة غالبها سلمي من أجل الوصول للديمقراطية الحالية. مرت بتغيرات تسمح ببناء نظام ديمقراطي، أهم هذه المتغيرات هو تراكم الثروة في هذه الدول إبان مرحلة الاستعمار القديم لبقية شعوب العالم. هنا يكمن في الحقيقة أس النظام الديمقراطي الأوروبي
الغربي هذه الصيرورة منذ الثورة الإنكليزية 1642- 1688 مرورا بالثورة الفرنسية 1789.
وصلنا إلى يومنا هذا نستطيع القول ببساطة أيضا خمسة عقود تقريبا احتاجت أوروبا للوصول لنموذج تاريخي للنظام الديمقراطي. نموذج نحاول الاقتداء به لأنه النموذج الذي يحكم الشعب فيه نفسه بنفسه! هذا التعريف بالطبع نسبي. لأنه النموذج الارقى بشريا. ببساطة هنالك مواطنين لهم نفس الحقوق والواجبات. لكنهم ليسوا بنفس الدرجة من الثروة. هذا ما يجعل لأصحاب الثروات الصوت الأعلى بطرق قانونية. المبنية على حق الملكية الخاصة.
قبل الديمقراطية كانت نخب السلطة والثروة تحكم بالقمع والنهب. هذه النخب ونتيجة لنضالات الحرية وصعود طبقة جديدة في التاريخ، أدى إلى نشوء هذه المساومة التاريخية بين الطبقات والشرائح الاجتماعية المختلفة. لأن الاقتصاد يحتاج لعبارة “دعه يعمل يدعه يمر”. المساواة أمام القانون بالحقوق والواجبات، الحريات العامة والفردية. في النظام الديكتاتوري هنالك مركز قوة وحيد هو الديكتاتور، بينما في النظام الديمقراطي الأوروبي هنالك تعدد في القوى الذي يحكم بينها هو صندوق الاقتراع. من يربح يحكم. بهذا لكل مواطن صوت. صوت يشعره أن يساهم في صناعة مستقبله. هذه الطبقة البرجوازية ومراكز قواها المتنوعة، والمسيطرة على المستوى العالمي أيضا، تحتاج لقاعدة دولية تحمي أموالها ومصالحها في الداخل وفي الخارج. لهذا تحتاج لدولها ان تكون مرتاحة وقوية لتقوم بهذه المهمة. تحتاج جيشا يدافع عنها. تحتاج سلاحا. هنا شكل آخر أيضا لنسميه الاتفاق الضمني بين أصحاب الثروة والشعب. تزداد ثروتهم وشعبهم يعيش مرتاحا. لنأتِ إلى سورية ببساطة أعيان حزب الشعب والكتلة الوطنية هم من كانوا خلف التجربة ديمقراطية التي عاشتها سورية، والتي استولى عليها العسكر لاحقا. نحن الآن نحتاج لمثل هذه الصيغة. لا أقصد أعيان بالطبع، بل إلى مراكز قوى متنافسة سلمياً. أحزاب ونقابات ومنظمات مجتمع مدني. اللوحة كما أتوقعها بعد سقوط الأسدية المجرمة، التي تركت البلد مدمراً مادياً، ورمزيا إلى حد ما، أن البرجوازية السورية ضعيفة والمستثمرون ضعاف وأقلية. ونحن أمام حكم جديد. بعيدا عن تفاصيل كثيرة لهذا الحدث الذي حدث في سورية بعد نهاية الحقبة الأسدية التي امتدت لعقود ستة تقريبا. هنالك تخوف من ديكتاتورية في سورية، بحكم خلفية القائمين على السلطة الآن.
وكي لا نبقى نتحدث بالعموميات يمكننا القول بوضوح:
الأقليات ونخبها مهما تحاول هذه السلطة من بث الاطمئنان لها، لكن منهم من لا يصدقها ومنهم من لا يريد أن يصدقها مهما فعلت. كما أن أسلوبها الأهلي والارتجالي لإرضاء الأقليات وخاصة الأقلية العلوية كان ذلك كله على حساب أمن البلد. إن أزمة محاولة الانقلاب الذي قامت به فلول الأسد أخرجت أسوأ ما في التركة الاسدية. وحدث ما حدث من جرائم ضد المدنيين على أساس طائفي، كانت السلطة تحاول الخروج من هذا النفق. لكن الانقلاب أفشلها نتيجة لأمرين:
الأول: أسلوبها في إدارة هذا الملف،
والثاني: تواطؤ الكثير من فاعلي الطائفة العلوية مع الانقلاب بما فيهم من أجروا تسويات أيضا مع مراكز التسويات. مما خلق خوفا هيستيريا عند الأكثرية وتم إعلان النفير العام وقامت فصائل منفلتة من جهة وشلل من المسلحين الذين يريدون الانتقام من جهة أخرى بالتوجه إلى الساحل.
الانقلاب أفشل سياسة السلطة الأهلية الارتجالية هذه، وأفشل التراخي مع ملف العدالة الانتقالية وملف الفلول. مع ذلك نجت سورية من محاولة الانقلاب لكنها تحتاج لوقت لتنجو من نتائجها. ما حدث من جرائم بحق المدنيين من أبناء الطائفة العلوية وعناصر الامن العام ومن الأكثرية السنية في الساحل. هذا الأمر تحاول السلطة تجاوزه بتشكيل لجنة تحقيق واعتذار الرئيس الشرع.
الآن بالعودة لموضوعنا. الديمقراطية ستكون مستقبل سورية للأسباب التالية:
أولا: أكثرية الشعب السوري التي عاشت الحرية وشعرت بالانتصار على الأسدية وتخاف عليه، لن تسمح حتى للسلطة الجديدة بالتفريط به ولا بالحرية. بغض النظر عما هو طاف على السطح الآن.
ثانيا: وجود قوى وازنة في المشهد أيضا كقسد والمكون الكردي مثلا وفاعلي الأقليات المسيحية والدرزية وغيرها. هذه القوى سيكون لها دورا مهما في المستقبل الديمقراطي للبلد. لا تستطيع السلطة تجاوزه حتى لو ارادت ديكتاتورية.
ثالثا: من الواضح ان شعبنا تعلم بسرعة بالخروج في تظاهرات ونشاطات من أجل حقوقه. وهذا يشير إلى انبثاق قوى سياسية ديمقراطية شبابية تكون ضامنا آخر للعملية الديمقراطية.
رابعا: هنالك قوى أهلية وازنة تريد تمثيلها وشاركت في الثورة ودفعت دما.
خامسا: البدء بدعم سياقات المصالحة الوطنية يعزز الميل الديمقراطي أيضا.
لهذا اعتقد لا خوف على سورية في حال رفعت العقوبات ستنجو بسرعة، ولن تستطيع السلطة أي سلطة بعد اليوم فرض ديكتاتورية قاهرة كالتي كانت. لهذا على السلطة أن تلاقي هذه العوامل بالبدء بإعلان دستوري ديمقراطي. بمجلس تشريعي تمثيلي حقيقي، وبحكومة انتقالية تمثيلية تكنوقراطية تعتمد الكفاءة، إضافة إلى نظام اداري لامركزي لعموم سورية.
هذا يتم بمعزل عن الشعارات الوطنية أو سواء كان هنالك صدق وطني ام تكاذب وطني لا يهم المهم دولة القانون والمساوة والنظام الديمقراطي.
سورية ستنجو.
العربي القديم
——————————
التحرير.. ميلاد ما بعد الثورة/ فراس السقال
16/3/2025
في الخامس عشر من مارس/ آذار عام 2011 وُلِدَ وطني الحبيب سوريا، كطائر الفينيق الذي ينهض من بين الرماد، نافضًا عن جناحيه غُبار الظلم والذلّ، مُحلّقًا عاليًا في كبرياء، يُعانق سماء الحرية رغم الرياح العاتية والأعاصير المدمّرة التي لطالما حاولت إعاقته.
وفي ذلك اليوم المبارك خرجت القلوب قبل الأبدان، والأرواح قبل الأجرام، تهتف للحرية والكرامة والعدالة، كما يهتف النهر للبحر، تفيض بالغضب تارة وبالأمل تارة أخرى، وبالفرحة مرة وبالدموع مرة ثانية، لكنّ صوتها ظلّ صادحًا مُزلزلًا كالرعد الهادر، لا يعرف الخفوت ولا التراجع. فتمثّل حال شعبنا العظيم كقول الشابي:
إذا ما طـــمحْتُ إلى غايـةٍ ركبتُ المنى ونسيتُ الحذرْ
ولم أتجنَّبْ وُعورَ الشعاب ولا كُبَّة اللهب الــمُـــــستعِرْ
لم تكن الثورة زوبعةً عابرةً في صحراء التيه، بل كانت شلالًا هادرًا جارفًا معه جدران الخوف التي بناها الطغيان البعثي لعقود طويلة. فأضحت كالشمس التي أشرقت على وطنٍ كان يغطّ في سبات القهر والفقر والحرمان، وأيقظت في النفوس ما كان مكنوزًا دفينًا، وأبدت عنادًا وإصرارًا في حبّ الوطن لا مثيل له، فجذوره ثابتة راسخة في أعماق الأرض، لم ولن تُقتلع رغم العواصف العاتية. ورحم الله الشاعر غازي الجمل القائل:
في عالم الصمت المهيمن حولَنا حتّى غدا مســــــــــتبكمًا مشلولا
نطقتْ فصـاحتُنا بلحــن كفاحِـنا أعــــلى البيـــانِ صــواعقًا وقتيلا
لقد واجه السوريون أقدارهم كما يواجه الفارسُ الأعداءَ بسيفه المكسور، فلم يرتجفوا أمام القمع والتنكيل، ولم تنكسر أصواتهم رغم سطوة الحديد والنار عليهم، فكان الطفل يهتف في الساحات كما يهتف العصفور للفجر، وكانت الأم تحرّض أبناءها على الحرية، فتلقي بهم في ميادين الشرف كما تلقي الوردة عطرها للريح، حتى صار الوجع دربًا من دروبنا، والصبر سلاحًا ماضيًا يدفع عنا المخاطر، والإيمان وقودًا مُلهبًا لعزائمنا لا ينطفئ ولا يخمد. وكأن هناك وحيًا ينفث في روع شبابنا قائلًا:
قِفْ شـــــــامخًا مثلَ المآذنِ طولا وابعَثْ رصاصَك وابلًا سجيلا
ســـــــــطِّرْ على هامِ الزمانِ بأنّنا أهلُ الــــكرامـةِ والأعـزُّ قبيلا
لكن الثورة السورية العظيمة لم تكن مجرد كلمات جوفاء، بل كانت أفعالًا تُسطَّر بالدم، وتصنع المجد من العدم.
واليوم بعد أعوامٍ من الجراح النازفة، وبعد ليالٍ طويلة كانت السماء فيها تبكي مع الأمهات الثكالى والأرامل، أشرقت شمس النصر المبين، كأنها تفتح نوافذ الفجر الباسم على وطنٍ غسلته التضحيات، وأدمته الآلام وأوجعته الجراح.
سوريا اليوم ليست تلك التي طوّقها الظلم وأسرها القهر وقيّدها الذلّ، بل هي زهرة فوّاحة خرجت من بين الصخور، فتمسّكت بالحياة رغم قسوتها، وها هي اليوم تفرد أوراقها بعطر الحرية، وإننا كما قال محمود درويش: “ونحن نحبُّ الحياة إذا ما استطعنا إليها سبيلًا، ونرقصُ بين شهيدين… نرفعُ مئذنةً للبنفسجِ بينهما أو نخيلًا”.
بعد خمسة عشر عامًا، باتت الثورة قصيدةً ترددها الأجيال، وحكايةً تسري في عروق الوطن كما يسري النبض في الجسد، تعلّم السوريون أنّ الكرامةَ لا تُهدى بل تُنتزع لأنّها حقّ أصيل، وأنّ الوطن لا يُباع بل يُحرَّر، وأن صرخة المظلوم وإن بدت ضعيفة، فإنّها تهزّ عروش الطغاة كما تهزّ العاصفة أغصان الأشجار اليابسة.
في كلّ عام يعود الخامس عشر من مارس/ آذار ليذكّر العالم بأسره أنّ سوريا ليست أرضًا تُسلب، بل روحًا عصيّةً على الانكسار، وأنّ الشعب الذي كسر قيوده مرةً، لن يضعها في معصميه مجددًا، وكما تغسل الأمطار وجه الأرض بعد أعوامٍ من القحط والجفاف، غسلت الثورة وجه الوطن من غُبار الذلّ والهوان، وها هي سوريا اليوم بعد تحريرها تعود أكثر نقاءً وأكثر صلابةً وأكثر إصرارًا على الحياة والعطاء والبناء.
ومن فرحة شعبنا بهذا الفتح العظيم والكرم الإلهي الجزيل تراه مدهوشًا بين مصدّق ومكذّب بعدما اشتدّ الخناق عليه؛ فاختلطت عليه جميع مشاعر الفرح والدهشة والتردد، ليظن وكأنّه ما يزال في حلم جميل لا يريد اليقظة بعده.
حلمٌ على جنباتِ الشامِ أم عيد لا الهمّ همّ ولا التسهيد تسهيد
أتكذب العينُ والراياتُ خافقة أم تكذبُ الأذنُ والدنيا أغاريد!
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
أستاذ جامعي في جامعة تركية، ماجستير في العلوم الإسلامية والعربية
الجزيرة
——————————–
============================
=======================
عن الأحداث التي جرت في الساحل السوري أسبابها، تداعياتها ومقالات وتحليلات تناولت الحدث تحديث 16 أذار 2025
—————————–
تحديث 16 أذار 2025
لمتابعة مكونات الملف اتبع الرابط التالي
الأحداث التي جرت في الساحل السوري
———————————
سورية وكمائن الفلول الكاشفة/ مالك ونوس
16 مارس 2025
في ذروة العمليات العسكرية التي قامت بها السلطة الجديدة في مدن الساحل السوري وبلداته وقراه، في 6 مارس/ آذار الجاري، والانتشار الواسع النطاق لأخبار ارتكاب مذابح بحقّ المدنيين في المنطقة على خلفية المعارك التي خاضها أفراد وزارة الدفاع السورية وفصائل موالية لها في مواجهة فلول النظام الساقط الذين قيل إنهم حاولوا الانقلاب على السلطة، في ذروة تلك العمليات، وقع الرئيس السوري للمرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، وقائد قوات سوريا الديمقراطية، مظلوم عبدي، اتفاقاً لانضواء هذه القوات في مؤسّسات الدولة العسكرية. وإذ غيّب إعلان هذا الاتفاق والاحتفاء الرسمي والفرح الشعبي اللذيْن رافقاه الخوض في أخبار المذابح داخلياً وخارجياً يوماً واحداً، إلا أن وقعها على أبناء البلاد، خصوصاً أهل الضحايا، وعلى الإعلام العالمي، ظلّ مستمرّاً بثقله، وربما قد تظهر له ذيول وتداعيات، تتمحور حول الخطأ الذي ارتكبته السلطة في طريقة التعاطي مع هذا الحادث، وتأثيره على جهودها في رفع العقوبات وإدارة البلاد كما تشتهي. وبالتالي، على مستقبل هذه البلاد.
لا شك في أن جرحاً قد فُتح في مناطق الساحل السوري، تبين أنه لم يُصب الأقليّة العلوية التي وقعت المذابح بحقّ أبنائها فحسب، بل أصاب أبناء المكوّنات المذهبية الأخرى، وهو ما يلاحظه المراقب من خلال صفحات وسائل التوصل الاجتماعي، ومن التواصل المباشر مع أصدقاء وجيران، أو تقارير وسائل الإعلام وناشطين، فخلال هذه العملية التي صُدم أبناء المنطقة بحجم العنف الذي رافقها، والذي أجبر الجميع على ملازمة منازلهم، أو الهيام على وجوههم في الوديان السحيقة المخيفة وانتظار المجهول الذي كان الموت أبرز وجوهه، خلالها تضرّر كل أبناء المنطقة، وقد سُجل سقوط ضحايا كثيرين من أبناء الطائفة السنية، ممن استُهدفوا مباشرة في منازلهم، أو في أثناء محاولاتهم نجدة جيرانهم العلويين وإيواءهم في منازلهم لتجنيبهم الموت المُحقّق.
لذلك، يُظهر هذا الجرح الذي فُتح، والذي لا يُعرف متى يمكن أن يندمل إذا ما تأخّرت عمليات جبر الضرر، أن السلطة الجديدة بمجملها وقعت في الكمائن الذي نصبها فلول الأسد لأفرادها نتيجة الإدارة الخاطئة لهذا الملف وملفات أخرى تتعلق بواقع البلاد. وقد كان من أهم سمات هذا الكمين أنه جاء كاشفاً للسلطة وسياساتها، ومبيّناً الخلل بين الصورة التي أرادت الظهور فيها والواقع والممارسات على الأرض.
أول هذه الكمائن قضية السلاح المتفلت، إذ تبيّن أن الكلام عن سحب السلاح من كل من هو خارج إطار السلطة غير دقيق، وأظهرت ذلك الفزعة التي جرى التداول بأخبارها قبل حدوث المجازر، فبينما كانت عمليات سحب الأسلحة من أيادي أبناء الساحل دقيقة، والتزم بها جميع من كان لديه سلاح ما عدا الفلول، ظهر السلاح في أيادي أناس مدنيين تجمّعوا في إطار التحشيد للتوجه إلى الساحل للمشاركة بالعمليات العسكرية، وهو ما لفت إليه كثيرون، وتأكد حين لم تتعرّض الفصائل لأي مقاومة بالسلاح من الأهالي، في عديدٍ من القرى التي كان سكانها قد سلّموا أسلحتم، وأجروا تسوياتٍ مع السلطة الجديدة. وهذا سيؤدي إلى حالة من عدم الثقة في المستقبل بين السطلة وسكان هذه المناطق. كذلك سيدفع مناطق أخرى، خصوصاً السويداء، إلى رفض تسليم أسلحتها بعد ما راقبت الانتهاكات في الساحل، وبالتالي، بقاء هذا الملف معلقاً ومعيقاً جهود توحيد البلاد.
إضافة إلى ملف السلاح المتفلت، هنالك الكمين الآخر، وهو ملف حل الفصائل الذي تبيّن أنه لم يتم على الشكل الذي جرى الكلام حوله، فمن خلال إلقاء اللوم على الذين لبّوا نداء الفزعة في ارتكاب المجازر، ألقيَ اللوم أيضاً على فصيلين آخرين، وهو ما يناقض الكلام عن حلّ الفصائل وانضوائها جميعاً في الجيش الجديد. قد يقود هذا الأمر، في مراحل متقدّمة، إلى إبقاء العقوبات على سورية، وإعادة العقوبات التي رُفعت، وربما تشديدها، إذا ما تفاعل ملف المجازر ووجد طريقَه إلى المنظمّات الدولية، وشاركت لجان دولية في التحقيق فيها. وهي ورطةٌ لم تحسِب السلطة حسابها، حين سمحت لمجموعاتٍ من خارج المؤسّسة العسكرية بالمشاركة في المعارك مع الفلول، وبالتالي، استغلال الفرصة لتنفيذ انتقامات، وهذا يصبّ في مصلحة الفلول ويخدم سرديتهم عن دوافعهم لمحاربة السلطة.
وهنالك أمر يتعلق بالدولة السورية، وبهيبتها وبقدرتها على فرض القرارات التي تتخذها، فمما نقل عن الحكومة السورية إصدارها قراراتٍ لا يمكنك التثبت منها، بسبب عدم وجود صحيفة رسمية تُنشر فيها القرارات، أو قناة تلفزيونية تتحدّث عنها. ومنها قرار نية الحكومة محاسبة كل من يستخدم عبارات طائفية أو يحرّض طائفياً، غير أن الواقع كان غير ذلك، إذ ضجّت مواقع التواصل الاجتماعي بمنشورات وفيديوهات تحرّض لقتل أبناء الطائفة العلوية، أطلقها أناسٌ بأسمائهم الصريحة ويقيمون داخل البلاد، وكان لها دور في التجييش وزيادة الأعمال الانتقامية، وحين أعلنت الحكومة محاسبة بعضهم، واصل كثيرون شن حملات التحريض.
ويبقى الأكثر خطراً، وربما يعد الكمين الأكبر، وهو التعامل مع تمرّد الفلول ومواجهته عن طريق مبدأ الفزعة، وهو أمر يضرب مبدأ الدولة التي يجب أن يكون من مسؤولياتها حماية أبنائها من خطر الفلول وغيرهم. كما أن مراقبة الفلول وتتبّعهم ومنعهم من تنفيذ مخطّطاتهم تندرج ضمن هذه المسؤولية، فكثيرون من هؤلاء أجروا تسويات، لكنهم لم يُقدَّموا للمحاكمة بتهمة الضلوع في ارتكاب انتهاكات خلال حكم الرئيس المخلوع. وربما هذا ما جعل السلطة الجديدة في ورطةٍ، حين فوجئت بالتمرّد، ولذلك جعلها تجرّب كل السبل لمواجهته، ومنها ترك مُواليها يدعون إلى نصرة السلطة بالفزعة. لكن، وعلى خلفية هذه الفزعة، ساهمت الدولة في إحداث شرخ مجتمعي في بلادٍ كانت تسير على طريق التعافي، بعد التخلص من نظام الأسد الذي انتهج تعزيز الطائفية ونشر الكراهية بين مكوّنات المجتمع الدينية والمذهبية والسياسية.
من الضروري للسلطة الجديدة عدم مراكمة الأخطاء، بل اعتماد مبدأ التشاركية للاستفادة من جهد الجميع لإدارة الملفات الصعبة التي تواجه سورية. لكن الإحباط كان هو السائد، بعدما وجد كثيرون أن الثورة التي ضحّوا من أجل انتصارها صمَّت آذانها عن سماع أصواتهم. أصوات كانت قد خرجت مبكّراً تنصح السلطة بفعل ما يمكنها لتغيير الواقع المعيشي، لا أن تساهم في انحداره، وتجعل الذين باتوا على حافّة المجاعة، نتيجة فصلهم من العمل أو تأخير رواتبهم شهوراً وزيادة أسعار الخبز وبقية الأساسيات، لقمةً سائغة لمن يريد العبث بالملفّات التي تتراكم وتزداد صعوبة حلها.
العربي الجديد
————————-
جريمة الساحل ومخاطر تفجير سورية/ صلاح الدين الجورشي
16 مارس 2025
موقف القوميين في تونس من الحدث السوري مفهوم جداً. لم يتوقّعوا أن تسقط سورية في أيدي الإسلاميين بهذه السهولة، فهم خسروا آخر نظام يدّعي أنه مدافعٌ عن شرف الأمة وحياضها. لهذا السبب، بقوا يتابعون الملفّ السوري من زاوية البحث عن أي ثغرة، وأي خطأ ترتكبه السلطة الجديدة للتشنيع بها، واتخاذه منطلقاً للتبشير بعودة حلفاء الأمس إلى مواقع السلطة. لهذا، رأى التيار القومي ما حصل في الساحل السوري دليلاً قاطعاً على ما سمّاها دموية النظام الجديد، ودعا في بياناتٍ له الشعب السوري إلى التمرّد والثورة على حكام دمشق. لكن الموقف الغريب الذي أعلنه بعض الناصريين التونسيين أدهشني إلى حد بعيد، فقد طالب هؤلاء بمحاسبة التونسيين المساندين للرئيس أحمد الشرع، واعتبارهم “خلايا نائمة لداعش ووجوب تتبّعهم” أمنياً وقضائياً. … وأتفهّم حالة الإحباط الشديد الذي عليه هؤلاء، لكن ذلك لا يبرّر هذا التشنّج الشديد الذي يجعل المرء يفقد قدرته على التمييز بين الألوان والأشياء.
ما حدث في الساحل السوري جريمة من الحجم الثقيل، وورطة لا يمكن الفكاك منها إلا بتحقيق جدّي وشامل، يتوّج بمحاسبة المسؤولين عنها بقطع النظر عن مواقعهم، فالقتل على الهوية ذنبٌ لا يُغتفر، خصوصاً أنه استهدف مئاتٍ من المدنيين، بمن فيهم نساء وأطفال. وقد تؤدّي لجنة التحقيق التي أُنشئت مهمّة التقصي والتحرّي، ويتحمّل المكلفون بها مسؤولياتهم كاملة تجاه قتل 813 مدنياً لقوا مصرعهم في هذه المجزرة. ومن المهم جداً السماح لوفد أممي بتقصي الحقائق الذي سيكون له رأي وموقف.
… لم يستسلم من يصفهم خطاب السلطة بفلول النظام البائد كلياً، فبعض المقرّبين من بشّار الأسد يحاولون منع نظام الشرع من التمتع بالهدوء والاستقرار. من بين قادة هؤلاء غياث دلة الذي أنشأ هيكلاً سمّاه “المجلس العسكري لتحرير سوريا”، وأطلق هذا الهيكل الشرارة الأولى لأحداث الساحل، حيث قتلت مجاميعه، حسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان، 172 عنصراً على الأقل من القوات الأمنية والعسكرية، إضافةً إلى ما لا يقل عن 211 مدنيّاً. في المقابل، أكدت الشبكة مقتل ما لا يقلّ عن 420 شخصاً من المدنيين والمسلحين منزوعي السلاح، بينهم 39 طفلاً و49 امرأة و27 على يد قوى مسلحة تابعة للنظام، منها تنظيماتٌ إسلامية أجنبية منضوية شكلياً تحت مظلة وزارة الدفاع، وفي ذلك توريط مباشر للسلطة القائمة في دمشق.
بناءً على ما تقدّم، هناك من بدأ المجزرة، وهم ضبّاط “الفرقة الرابعة” في النظام السابق، الذين اتهمهم ابن خالة بشار الأسد في تدوينة له بأنهم “تاجروا بدماء العلويين” وارتكبوا أعمالاً غبية، كادت تقضي على الطائفة العلوية حسب قوله. وبقطع النظر عن الصراعات التي تشقّ أنصار الأسد، المؤكّد أن هؤلاء ضالعون في الجريمة من دون تبرير ما ترتّب عن ذلك. وقد تبنّى هذا الموقف الاتحاد الأوروبي في بيان له.
ما جاء على لسان الرئيس التركي أردوغان صحيح، عندما أشار إلى وجود أطراف داخل سورية وخارجها تعمل على تأجيج الحرب الطائفية، منها إسرائيل، من خلال المحاولة المكشوفة لدفع السوريين الدروز نحو الحكم الذاتي. لهذا السبب، كان الاتفاق التاريخي الذي وقّعه الشرع مع الأكراد من جهة، ومع دروز في السويداء من جهة ثانية، سياسة حكيمة وخطوة استراتيجية على غاية كبرى من الأهمية. وهو ما يدلّ على أن محاولات تأليب السوريين على النظام الحالي غير منتجة، وتدل على قصر واضح في النظر.
مصلحة تونس في طيّ صفحة الماضي، ودفع السلطة نحو بناء علاقات واضحة وجدّية مع النظام القائم في دمشق. وفي المقابل، المطلوب من القوى السياسية في تونس تجنّب تحويل المسألة السورية إلى معركة داخلية متواصلة تزيد من إرهاق الطبقة السياسية، وتعمّق الانقسام الوطني، وتحرّض السلطة على المخالفين في الرأي.
العربي الجديد،
——————————–
انفجار الساحل السوري بين المسببات والمعالجة/ د. عبد المنعم حلبي
2025.03.16
في الوقت الذي لا يمكن فيه لأحدٍ أن يُنكرَ حجم وعمق التعقيدات والملفات والمطالب التي تواجهها الإدارة السورية الجديدة، يبقى سلوكها خاضعاً إلى مراقبة خارجية دقيقة، ولاسيما من قبل الأمم المتحدة والثالوث الأوروبي: فرنسا وألمانيا وبريطانيا، ومن ورائهم الولايات المتحدة الأميركية. ومع دخول شهر آذار الذي كان يُشار إليه بأنه شهر الحكومة الانتقالية ذات الطيف السياسي الواسع المُدعَّمة بالتكنوقراط، انفجرت أحداث متصاعدة في الساحل السوري بشكل هجمات متزامنة ومتناسقة على ما يبدو، قامت بها مجموعات إرهابية تحت مسمى درع الساحل بقيادة الفار المقداد فتيحة، وطالت مراكز الأمن العام والكلية البحرية، ثم سرعان ما انتقلت الاشتباكات إلى ريف طرطوس وبانياس، وصولاً لريف اللاذقية والقرداحة، سقط خلالها أعداد كبيرة من المدنيين، الأمر الذي استدعى إطلاق عملية عسكرية من قبل الإدارة السورية الجديدة، في أجواء غير مسبوقة من التجييش الطائفي المتبادل عبر وسائل التواصل الاجتماعي وفي إطار المجتمع الأهلي، الأمر الذي طرح أسئلة عدة عن أسباب هذا الانفجار المفاجئ للأوضاع في المنطقة الأكثر حساسية في سوريا، إضافة إلى بعض الملاحظات حول مجريات ظهرت إلى العلن خلال التطورات المؤلمة، وصولاً لمخاوف لما يمكن أن ينتج عنها من آثار وانعكاسات على الأمن والاستقرار في البلاد، وصورة الدولة الوليدة في الداخل والخارج، وماذا يمكن عمله لتجاوز الأزمة.
آراء الذين تحدثوا عن أسباب تلك المجريات المؤسفة، تمحورت حول تأخر الإدارة السورية الجديدة عن التصدي لقضية العدالة الانتقالية وتطبيق مبدأ المحاسبة بحق مجرمي النظام السابق، وما يسببه هذا التأخير من الاستبقاء على المنطقة الساحلية برمتها تحت سيف التجريم العام عن كل ما يتعلق بالحقبة السابقة. كما وفي الوقت الذي كانت تتعالى فيه صيحات من قبل بعض السكان والمراقبين حول انتهاكات تمارس ضد مواطنين خارج إطار القانون، أُرفِقت بتهديدات خطيرة من قبل الإرهابي فتيحة ومن لفَّ لفه بما سماه الرد على تلك الانتهاكات، لم يتم اتخاذ إجراءات ملموسة تتناسب مع جدية تلك الصيحات والتهديدات. ومن جهة أخرى كان واضحاً وجود إشارات لتدخلات خارجية، وصلت فيه هذه التدخلات -وفق رأي بعضهم -إلى حد تقديم دعم مباشر للقيام بانقلاب عسكري في الساحل، بقيادة ضباط عسكريين معروفين ممن باتوا يُسمون بفلول النظام. كما أكد بعضهم على تأثير ما قامت به حكومة تصريف الأعمال من عمليات فصل واسع النطاق بحق كثير من العاملين في معظم الوزارات والمؤسسات والشركات العامة في تأجيج احتجاجات.
ومع وصول صور وفيديوهات شهداء الأمن العام من عدة مواقع، وبدء الاندفاع باتجاه الساحل، لوحظ انطلاق فصائل مسلحة تحت مسمياتها السابقة، والتي كان يُعتقد أنها تلاشت ضمن مسمى الجيش العربي السوري في اجتماع يوم النصر. كما لوحظ وجود حالة من الفوضى في التحركات العسكرية التي ضمت جحافل من الحافلات والباصات والمركبات التي حملت مدنيين مسلحين، الأمر الذي سهّل إيقاع العديد منها في كمائن إرهابيي درع الساحل من جهة، مما زاد من الخسائر البشرية في صفوف القوات المؤازرة لقوات الجيش وقوات الأمن العام، وولَّد من جهة أخرى حالات احتقانٍ شديدة أدت إلى توليد ردود أفعال عنيفة وغير منضبطة أوقعت كثيراً من الضحايا المدنيين في عمليات قتل وسرقة وحرق منازل، مع التعدي على المتاجر والمؤسسات الخاصة، وسط اتهامات بها طالت تلك المسميات الفصائلية، إضافة إلى اتهامات لفلول النظام بالقيام بعمليات قتل واستهداف للمدنيين من جميع المكونات. وفي تلك الأثناء، ألقى الرئيس أحمد الشرع خطاباً كان ذا وجهين، الأول تهديد فلول النظام بالحسم، والثاني محاسبة كل من يتجاوز على المدنيين.
ردود الفعل الدولية بدأت من الخارجية الفرنسية التي أعربت عن قلقها من استهداف المدنيين، وطالبت بالتحقيق وإدانة مرتكبي الانتهاكات بحقهم، في حين حمَّل الاتحاد الأوروبي فلول النظام مسؤولية الأزمة. ومع تبني ألمانيا وبريطانيا موقفاً وسطياً بين موقفي الاتحاد الأوروبي والموقف الفرنسي، كان وزير الخارجية الأميركي أكثر حدة بالإشارة إلى وجود وضع يقوم فيه من سماهم بمتطرفين بقتل مدنيين أبرياء. ومع تزامن تلك التصريحات مع دعوة كلٍ من روسيا والولايات المتحدة الأميركية لعقد جلسة استماع في مجلس الأمن حول سوريا، عاد الرئيس الشرع ليلقي خطاباً ثانياً، اعترف فيه بوقوع تجاوزات، وقام على الفور بتشكيل لجنتين للتحقيق فيها وإرساء السلم الأهلي في الساحل السوري، في حين قامت قوات الأمن العام بإغلاق الطرق المؤدية إلى الساحل السوري، وتجميع المسروقات من قبل أهالي ومجموعات شاركت في الهجوم على الساحل، وتم إلقاء القبض على عدة أشخاص من مرتكبي الانتهاكات، وسط استمرار عمليات التمشيط، في مواجهة الاستهدافات المستمرة لقوات الأمن العام وقوات الجيش.
على وقع هذه الأحداث الدموية والتطورات المتلاحقة، تم توقيع الاتفاق الذي وصف بأنه تاريخي بين الرئيس الشرع ومظلوم عبدي قائد قسد، بدمج هذه الأخيرة ومؤسسات الإدارة الذاتية في الدولة السورية، الأمر الذي كان له أثر مهم في نقل الأضواء ليومٍ واحدٍ عن تصريحات وتحركات خارجية بدت مقلقة حول أحداث الساحل، خاصة بعد لجوء آلاف من العلويين إلى قاعدة حميميم، وبدء الحديث عن وجود مطالب بحماية روسية، إلى أن ظهرت تسريبات لاحقة حول تصريحات روسية حادة ضد الإدارة السورية الجديدة في مجلس الأمن، وإمكانية صدور بيان شديد اللهجة تجاه السلطات السورية.
وهكذا وفي غضون أيام قليلة، تكون سوريا قد عادت إلى فوهة بركان مقلق، في أيامٍ كان يُنتظر فيها السير قُدماً ومن دون منغصات في تطبيق المراحل التي أعلنها الرئيس الشرع في خطاب النصر. وعلى الرغم من أننا يمكن أن نتفاءل بأن تجاوز مجريات الساحل أمر ممكن مع الوقت، بالتوازي مع الإجراءات التي اتخذتها الإدارة السورية الجديدة، لتعويض ضعف حالة التشبيك واستعادة الثقة مع المجتمع الأهلي في الساحل، إلا أن استمرار حالة المد والجذر في وسائل التواصل الاجتماعي ما تزال مقلقة، في ظل حرب شائعات وتضليل متبادل مترافق مع استمرار غياب الإعلام الرسمي، الأمر الذي يستدعي تحركاً سياسياً وقانونياً يُجرِّم دعوات التحريض وإثارة النعرات تحت أي عنوان.
كما يتوجب العمل بصورة حثيثة على معالجة أجواء ضعف الثقة التي تحيط بالعلاقة بين الإدارة السورية والأطراف الداخلية المختلفة. ومع صدور بيان مجلس الأمن الصارم، أصبح واضحاً أن المشهد السوري الداخلي الساخن سينال أهمية أكبر من قِبل الأطراف الدولية والإقليمية في الأسابيع القادمة، وبما قد ينعكس بصورة مباشرة حول سياسات بدأ رسمها للتعاطي المستقبلي على المدى المنظور قبل البعيد مع الإدارة السورية الجديدة. ومن هنا تأتي أهمية الإفصاح عن الحكومة الانتقالية العتيدة، والتي كان يشار إلى احتوائها على مفاجآت مطمئنة، تلبي الاحتياجات الوطنية في هذه المرحلة المهمة من تاريخ البلاد، وتشكل إطاراً مقبولاً يمكن العمل من خلاله على الملفات الداخلية الأمنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، في ظل إعلان دستوري حدد المضامين الأساسية لتطبيق العدالة الانتقالية وإطلاق حالة دستورية تنظيمية مؤقتة بين سلطات الدولة في المرحلة القادمة، التي يجب أن نعود فيها إلى التفاعل الإيجابي مع مطالب تحقيق الأمن والاستقرار الذي يعتبر الركيزة الأساسية لإرساء بيئة قادرة على إعادة بناء الدولة واستمرار جلب وتحقيق المنافع الاقتصادية وإطلاق عملية إعادة إعمار شاملة.
تلفزيون سوريا
—————————–
المجزرة وتبِعاتها/ زياد ماجد
تحديث 16 أذار 2025
شهدت منطقة الساحل السوري بين السادس والعاشر من شهر آذار/مارس الجاري سلسلة أحداث وفظائع قُتِل فيها مئات الأشخاص. وظهّر ما جرى في أربعة أيام مقدار العنف الكامن في بعض البيئات في سوريا، ومقدار الكراهية وما يُبنى عليها من انقسامات أهلية. كما ظهّر استسهال إشهار مظلوميات، واستخدام الواحدة منها طرداً أو نبذاً للأُخرى، تبريراً للدم المُراق، أو تعمية على ازدواجيات معايير لم يستطع كثرٌ الخروج منها. ينطبق الأمر على حدّ سواء على من ارتبكوا في الكلام عن المقتلة الأخيرة وقلّلوا من شأنها، وعلى من تفجّعوا على ضحاياها حصراً بعد أن صمتوا أو تلعثموا لسنوات سابقة رغم عشرات ألوف جثث المدنيّين التي تناثرت في كامل الأراضي السورية.
العنف الثأري والعنف المقدّس
بدأت الأحداث، في مرحلتها الأولى، في السادس من آذار/مارس، إذ اندلعت اشتباكات هاجم خلالها مئات المسلّحين الموالين للنظام المخلوع مواقع ودوريات أمنية، وقتلوا واحتجزوا عشرات العسكريين المنتمين إلى قوات الحكم السوري الجديد، وأعدموا بعضهم لاحقاً، واحتلّوا حواجز ومقار وسيطروا على بلدات وعلى أحياء مدينية ذات أغلبية ديموغرافية علوية. والمتداول حتى الآن أن الهجوم هذا جاء نتيجة اتصالات أجراها ضبّاط من بقايا النظام الأسدي المخلوع (أحدهم من الفرقة الرابعة البائدة)، في أواخر شهر شباط/فبراير الماضي، بهدف تنظيم تمرّد مسلّح ضد السلطات. والأرجح أن للضباط المذكورين علاقات روسية وإيرانية شجّعتهم على التمرّد لإبقاء الأحوال مضطربة، تحضيراً لمرحلة تفاوض مقبلة تريد فيها موسكو الاحتفاظ بقاعدتيها العسكريّتين في حميميم وطرطوس، إلى جانب امتيازات أخرى.
وقد أدّى الأمر إلى إطلاق الحُكم في دمشق حملة عسكرية واسعة لاستعادة السيطرة على المنطقة الساحلية ومطاردة «المتمردّين». رافق ذلك إعلان فصائل إسلامية، كان يفترض أنها انضوت ضمن الجيش السوري الموحّد بعد الإعلان عنه من قبل الرئيس أحمد الشرع، «النفير العام» وإرسال التعزيزات من أنحاء محافظات الشمال نحو الساحل «لمواجهة الفلول الأسدية». ووّثقت الصور والتقارير أيضاً تحرّك مجموعات جهادية (أغلب عناصرها من الأجانب) سبق أن أعلنت حلّ نفسها أو باتت على هامش المشهد السوري الجديد بعد إقصائها من قبل «هيئة تحرير الشام»، من إدلب باتّجاه الساحل، مُشهرة خطابها التكفيري الداعي إلى قتال «النصيريين» وإنزال العقاب بهم.
هكذا اكتملت في السابع من آذار/مارس ملامح المرحلة الثانية من الأحداث بجانبَيها، أي باستعادة السيطرة على بلدات ومدن المنطقة الساحلية، وبما تخلّل الاستعادة تلك وتلاها من عمليات «ثأر» وهدر دماء وتعميم للعنف والقتل واستباحة الأملاك، والردّ على «التعفيش» بانتزاع «الغنائم».
المظلومية والدعاية والتبرير
تحوّلت المسألة في ساعات معدودة إذاً من تمرّد مسلّح ومواجهةٍ له، عسكرية مشروعة ولازمة، إلى مجزرة في العديد من البلدات والأحياء السكنية، ذهب ضحيّتها في أيام ثلاثة مئات المدنيين العلويّين (أو المولودين كعلويّين). واستُكملت المجزرة بنهبٍ وحرقٍ للأرزاق صوّر بعضه المرتكبون أنفسهم، متفاخرين بجرائهم وبدوسهم على الكرامات الإنسانية. استعادوا في ذلك مشهدية العنف الأسدي إياها، مستبدلين عبارات بسواها، فيما أفرغ بعضهم مخزوناً من الحقد المعطوف على التكفير وعلى دعوات الجهاد.
على أن السجال العام الذي رافق أيام القتل التالية ليوم «التمرّد العسكري»، إن في بعض وسائل الإعلام أو في مساحات التواصل الاجتماعي، أبرز الهوّة التي لا تفصل بين السوريين المصطفّين على جانبَي المواجهة والمقتلة التي اندلعت فحسب، بل تفصل أيضاً وخاصة بين من يرفضون القتل والانتقام الدموي ومحرّكاته المذهبية، وبين من يتّخذون مواقفهم من إسالة الدماء تبعاً لهوّيات المقتولين أو انتماءاتهم الدينية.
كما أظهر هذا السجال أن تحويل المظلومية السابقة (السنية) الناجمة عن أكثر من نصف قرن من الأسدية وممارساتها الطائفية وعنفها الهمجي ضد السوريين (بين العامين 1979 و1983 ثم بين العامين 2011 و2024 تحديداً) إلى منطلقٍ للثأر و«التأديب» لا يخلّف مظلومية جديدة أو متجدّدة (علوية) فحسب، بل ينذر أيضاً بالتمهيد لنشوء العديد من المظلوميات، الطائفية والمناطقية، أو القومية، مع ما تحمله من قدرة دائمة على تبرير ارتكابات الجماعة، أي جماعة، أو من يدّعون تمثيلها والتصرّف باسمها، على أساس ذرائع تاريخية أو مقارنات حول أسبقيات ومسؤوليات غير متساوية. وهذا في ذاته مشروع إباحة للعنف العشوائي المعمّم ضد المنتمين إلى معسكر «الظالمين» لمجرّد انتمائهم إلى طائفة أو منطقة مختلفة، لا نهاية له ولا حدود.
ويضاف إلى المآسي المباشرة التي لحقت بذوي الضحايا المدنيّين والأمنيّين وبمنطقة الساحل بأكملها أن ما جرى ميدانياً وما واكبه تعبئةً وتجييشاً يهدّد مسار الانتقال السياسي القائم في سوريا حالياً، إذ يمنع عنه الاستقرار والتفرّغ لتحسين الأحوال الاقتصادية والاجتماعية والتحاور حول إعادة البناء السياسي. ويمكن أن تتأخّر بسببه إجراءات رفع جزء من العقوبات الدولية (الأوروبية بخاصة)، بما يؤجّل الاستثمارات وورش إعادة الإعمار الحيوية التي لا استقرار وتحسّناً من دونها.
وهو يُتيح فوق ذلك لروسيا وإيران وإسرائيل، الراغبة في زعزعة أمن سوريا، التدخّل والسعي للمزيد من التوتير والابتزاز. علماً أنه من الواضح أن أوساطاً صحفية مقرّبة من الدول الثلاث تضخّ في بعض وسائل الإعلام الغربية وفي مواقع التواصل منذ ما قبل التطوّرات الأخيرة كمّاً من الإشاعات والأكاذيب يهدف إلى التخويف وإثارة الفتن وإبقاء سوريا في عزلة عن العالم.
ما العمل؟
لا يمكن التصرّف اليوم على أساس أن الدماء التي سالت في الساحل جفّت، وأن توقّف القتل يطوي صفحتها ويُعيد السوريين إلى ما سبق السادس من آذار/مارس 2025. كما لا يمكن اعتبار الاتفاقين المهمّين والاستراتيجيين اللذين وقعهما أحمد الشرع في الأيام الماضية مع قائد القوات الكردية مظلوم عبدي ومع وجهاء جبل العرب الدروز كافيين لمحو آثار المجزرة التي أصابت أهل الساحل العلويّين. فمن دون تحقيقات جدّية للجنة تقصّي الحقائق التي شكّلها الشرع، ومن دون إجراءات وتوقيفات ومحاكمات للمسؤولين عن قتل مئات المدنيّين وتخريب أملاكهم، ومن دون تحويل توحيد القوى العسكرية إلى واقع فعلي تنضبط في إطاره وتحت أمرته جميع الفصائل، ومن دون حلٍّ لمسألة تواجد جهاديّين أجانب ما زالوا طليقين في الشمال الغربي السوري، يصعب تخطّي ما جرى ويصعب عدم توقّع تكرار ما يشبهه مستقبلاً، خاصة في ظل وجود خطاب تحريض وتبرير وكراهية، وفي ظلّ سعي قوى خارجية للاستفادة منه ومفاقمته.
وهذا كلّه ليس في أي حال بالشأن المعزول عن سياق ملحّ الأهمية في سوريا، هو سياق «العدالة الانتقالية»، الذي لم توضع أسسه العلمية والعملية بعد، والذي لا يمكن تجاوزه أو تجاهل ضرورته القانونية والسياسية في بلد أدمت مجتمعه عقودٌ من الجرائم الأسدية والحروب، وما زالت أحواله عرضة للمخاطر والتجاذبات والانتكاسات…
*كاتب وأكاديمي لبناني
القدس العربي
————————–
نجا “الفلول” وقُتل الأبرياء/ حسن مدن
16 مارس 2025
لم يكن مفاجئاً ما جرى في مُدن الساحل السوري وبلداته أخيراً، والذي لا تزال تداعياته مستمرّة، بل ربما كان متوقعاً إثر سقوط نظام بشّار الأسد، بعد أن تصدّع من داخله، وبات متعذّراً على حلفائه حمايته من السقوط المحتوم، الذي بدا خاطفاً، ولم تُرَق لحظة سقوطه دماء كثيرة، ما حمل كثيرين على القول إنّ هذا “السقوط” جاء نتيجة توافقاتٍ إقليميةٍ ودولية، فرضتها المتغيرات. رغم ذلك، ما كان لهذا السقوط أن يمرّ من دون تبعات ومفاعيل، خصوصاً في ظلّ خطابٍ طائفي مشحون تفشّى أخيراً، وشمل، ضمن ما شمل، تقديم سورية دولة أمويّة سنيّة خالصة، في ميلٍ إلى تهميش مكوّناتها الأخرى تاريخياً. وانطوى هذا الخطاب على كراهية مضمرة وغير مضمرة للطائفة العلوية خصوصاً، لكون عائلة الرئيس المخلوع تنتمي إليها، فحُمِّلَت وزراً لا ناقة لها فيه ولا جمل، وهي الطائفة التي برز من بين أبنائها وبناتها مناضلون أشدّاء ضد النظام السابق، دفعوا ضريبة باهظة، قتلاً وسجناً ونفياً، جرّاء هذه المعارضة.
ولم يكن مفاجئاً استهداف عناصر مسلحة محسوبة على النظام السابق لقوى الأمن في بعض مناطق الساحل، الذي كان الشرارة التي أطلقت ما في النفوس من ضغائن، فهناك متضرّرون كُثر من سقوط النظام، بعضهم مرتبط بشبكة مصالح انهارت بهذا السقوط، وبعضهم دفعته مشاعر التهميش إلى الانخراط في مجموعاتٍ وضعت استهداف السلطة الجديدة هدفاً لها، وربما لا يخلو الأمر من أبعاد إقليمية. وقد لا تنتهي التطوّرات بما جرى، فلا ضمان من ألّا يحمل المستقبل تحدّيات مشابهة للسلطة الجديدة، سواء في الساحل أو في مناطق سورية أخرى، خصوصاً مع دخول إسرائيل على الخط، فهل ستتعامل مع تلك التحديات بالطريقة التي تعاملت بها مع ما جرى في الساحل حين دفع بأفراد تنظيمات مسلّحة، بعض مسلحيها ليسوا سوريين وغرباء عن نسيج المجتمع المحلي، للانتقام الجماعي من المدنيين العزل، حدّ اقتحام بيوتهم وقتل أفراد عوائل بكاملها، بمن فيهم النساء والأطفال قُدّرت أعدادهم بالمئات، وتوثيق تلك الفظائع بكاميرات الهواتف النقّالة، ونشرها مشفوعة بمفردات من الشتائم للضحايا تضجّ بالكراهية والطائفية البغيضة؟
الذريعة التي سُوِّقَت، جاءت لتبرير ما وُصف بأنه تصدٍّ لفلول النظام السابق. والفلول مصطلح دخل القاموس السياسي العربي غداة أحداث عام 2011، حين سقطت أنظمة في عدة دول عربية، مصر وتونس وليبيا واليمن، واستخدم في وصف بقايا الأنظمة المنهارة، لكنه مفردة ليست طارئة أو مستحدثة، حيث تفيدنا معاجم اللغة بأنّ كلمة “فلول”، ومفردها “فَلّ” بفتح الفاء وتشديد اللام، تطلق على المهزومين، ويقال (هم قومٌ “فَلٌّ”) أي مهزومون، ويمكن أن يوصف الرجل بأنه “مفلول” أي منكسر ومنهزم، وأنّ المفرد “فل” هو ذاته المصدر، وكذلك الفعل الماضي. ومثالاً قيل: “فلّ عنترة جيش الأعداء فلاً”، أي ألحق بهم هزيمة منكرة، لكن ما قامت به المليشيات الموصوفة بـ”الجهادية” في مدن الساحل السوري وبلداته لم يكن “فلاً” للأعداء، على طريقة عنترة، بل تحوّل حملة تصفية جسدية بشعة لمدنيين، لا لشيء، سوى أنّهم ينتمون إلى طائفةٍ أخرى غير طائفة أولئك المسلحين الذين جاؤوا مدن الساحل لـ “تطهيرها” من الفلول.
على السلطة الجديدة في دمشق، وهي تتصدّى للمخاطر التي تواجهها، خصوصاً حين تأخذ الطابع المسلح، أن تدرك أنّ مجرّد إعلان ضمّ التنظيمات المسلحة في جيش سوري موحد، إن صدقت النيات، وطابق الفعل ما هو معلن من القول، لا يعني، تلقائياً، تخلي قادتها وأفرادها عن الخطاب “الجهادي” المتطرّف الذي نشأت عليه، وعلى أساسه جرى تأسيسها ومدّها بأسباب العون، فيما يفترض أنّ سورية ولجت عهدأً جديداً يقتضي تأسيس خطابٍ وطني جامع، لا خطاب تصفية الثارات، بعيداً عن سلطة قضاء محايد وقانون قاطع.
أكبر المهام الماثلة في سورية اليوم هي التفريق بين المدنيين وأذرع النظام السابق المتورّطة في الفساد وفي قمع الشعب، والمدنيون، في غالبيتهم، غير مسيّسين، وبسبب القمع الشديد لم ينخرطوا في نشاط معارض للنظام السابق، رغم تذمرهم من سياساته، التي عانوا منها، فيجري وضعهم، تعسّفاً وظلماً، في خانة “الفلول”، المفردة الملتبسة حمّالة الأوجه، لنكتشف أنّ الفلول الحقيقيّين فرّوا بجلدهم وأموالهم إلى خارج سورية، فيما أصبح القتل البشع مصير أبرياء، عُزّل.
العربي الجديد
————————–
هل تئد سورية الطائفية أم تفجّرها عربياً؟/ لميس أندوني
16 مارس 2025
لا تعكس مجزرة الساحل السوري ضد السوريين العلويين أزمةً أخلاقيةً سياسيةً في بلدهم فقط، وإنما في كل العالم العربي.. وذلك فيما التعصّب المذهبي والإثني، وحتى الأيديولوجي، دينياً كان أو قومياً أو علمانياً، ليس صفة عربية أو تخصّ كلّ مواطني الدول العربية من خلفياتٍ مختلفة، بل هي ظاهرة عالمية عبر التاريخ، إذ إن سياسة “فرّق تسد” تستعملها السلطات والدكتاتوريات والنخب التي تُريد بسط سلطتها والإثراء، غير عابئة بالسلم الأهلي وتفكيك نسيج المجتمعات.
في الحالة العربية، لعب الاستعمار دوراً رئيساً في ترسيخ الإثنية الطائفية والعرقية ودسترتها، متستِّراً بحجّة حماية الأقليات أو طائفة معينة، وأضاف إلى دوره في استخدام الطائفية، المسيحية كما في لبنان، وفي تشجيع ظهور مجموعات الإسلام السياسي المتطرّفة، بمشاركة دول عربية، وتوظيفها ضد الشيوعية وحركات المد القومي العربية، وتسلّحها باسم الجهاد ضد الاحتلال السوفييتي في أفغانستان بتمويل وتسليح من وكالة الاستخبارات الأميركية، فجاءت النتيجة عكسيةً مع ظهور تنظيم القاعدة ومشتقاته. ولم ينته دور الغرب ودول عربية بعد سقوط الاتحاد السوفييتي وانسحاب الروس من أفغانستان، وحتى بعد تفجير مبنى مركز التجارة العالمية في “11 سبتمبر” (2001)، فانطلاق ما سُمّيت الحرب ضد الإرهاب، التي وظّفتها أميركا لتبرير القمع والتعذيب وتدمير أفغانستان وغزو العراق، استمرّت أجهزة مخابراتٍ شتّى في تمويل جهات متطرّفة سلفية جهادية مستغلة الفقر والغضب بين الشباب.
لا يفسّر هذا كل الحكاية، إذ لا تشرح مشتقّات الحركة الجهادية والسلفية المتطرّفة وحدها أسباب انتشار الفكر الطائفي، فالاستبداد سهّل وأسّس لتربة خصبة للتعصب الطائفي والإثني، وعمّق الفروق بين أبناء المجتمع الواحد. وفي حالة سورية، كان لنظام عائلة الأسد الذي حكم 54 عاماً دور رئيس في إذكاء الطائفية، فاعتماد النظام على نخبٍ من الطائفة العلوية في الدولة والجيش والمخابرات زرع بذور الحقد الطائفي عقوداً.
لا نعفي هنا الإخوان المسلمين ودعوتها إلى إنشاء نظام إسلامي تحت شعار “الإسلام هو الحل” من مسؤولية إحداث شروخ فكرية واجتماعية، فالدولة الإسلامية وتأييد فكرتها فرز اجتماعي وسياسي للمجتمع، لكن مجزرة حماة التي ارتكبها نظام الأسد الأب في فبراير/ شباط 1982، بحجّة القضاء على خطر الإخوان المسلمين، بالإضافة إلى أنها كانت جريمة شنيعة، حفرت غضباً تحوّل بعضُه إلى حقد طائفي، أو على الأقل وسّع هوة الثقة داخل المجتمع السوري، وكانت له ارتدادات وامتدادات خارج سورية واستمرّت.
لا يبرّر ما تقدّم مجزرةَ الساحل، لكنه يشرح، إلى حد ما، بعض جذور الغضب الطائفي وأسبابه عند السوريين السنّة، لكن ما وقع لا يمكن تسميتُه غضباً “سنّياً”. وهنا أستعمل وصف “السنّة” كونهم أغلبية المجتمع السوري الذي عانى من قمع وتعذيب وتنكيل ومذابح تحت نظام الأسد، تكشّف بعضه في مشاهد السجون وقصص العذاب والتعذيب بعد سقوط نظام بشار الأسد.
لقد أحدثت مشكلة التفسير الطائفي لما كان يحدث في سورية من ظلم وعياً مشوّهاً، فكل المذاهب والطوائف كانت هدفاً لتنكيل نظام أمني مخابراتي دموي، متغطّياً بشعارات مواجهة الاستعمار والصهيونية، ومدّعياً الحداثة والعلمانية.
ولا يقتصر الوعي المشوّه على سورية، فردود الفعل على منصات التواصل الاجتماعي كشفت أن بعض الناس، بل كثر، حاولوا تقديم مبرّرات للمجزرة بتوجيه تهم للعلويين، والشيعة، ما كشف عن فهم طائفي، وخاطئ، لسنوات الظلم في سورية، فالنظام لم يوفر سنّياً أو علوياً أو مسيحياً أو درزياً أو كردياً تجرّأ على نقد الظلم، ويجب ألا يُنسى هذا، ما لا دخل له بالمعتقدات العلوية. وكان بعض التعليقات ردّة فعل على حكم أحزاب شيعية طائفية في العراق، فانطلقت كلمات الكراهية ضد الشيعة، فيما دافع شيعة من العراق عن العلويين. ومع الإدانة المحقّة للمجزرة، رأينا اعتداءاتٍ على عمّال سوريين في بلاد الرافدين، ما يدلّ على انتشار الوعي المشوّه والمنطلقات الطائفية.
يضع ما حدث ويحدث القيادة السورية في دمشق أمام مسؤوليات كبيرة، ويُؤمل أن يكون التحقيق نزيهاً، ويفي الرئيس أحمد الشرع بما وعد؛ فهذا كله يؤثر على كل العالم العربي، وليس على سورية وحسب. ومسؤولية الشرع أكبر من عادية؛ ليس لأنه يمثل السلطة الأعلى في هذا البلد، وإنما أيضاً لأنه هو الذي أحضر معه فريقاً من هيئة تحرير الشام، التي كانت في جزء منها جبهة النصرة بعد أن انشقت هي الأخرى عن تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، فبذور الممارسة الطائفية جزء من خلفيتها، فهي جزءٌ من مشتقات الفكر السلفي الجهادي المتطرّف. والشرع مُطالبٌ بإجراءاتٍ تضفي مصداقية عملية على صدق تغيره الفكري، في ظرفٍ صعبٍ جداً. لكن الشعب السوري، كما يبدو، ما يزال يعطيه فرصة، وبخاصة بعد المصالحة المفاجئة مع الأكراد، التي جاءت، كما يبدو، تحت ضغوط غربية، وإنْ كانت ضرورية لوحدة الأراضي السورية وقطع الطريق على فتنة مذهبية أو إثنية تؤدّي إلى تقسيم سورية وتفتيتها.
وقد كان الخوف من عمليات انتقام من العلويين ماثلاً في ظل تشوه الوعي، ولكن ارتكاب قوات تتبع مؤسسة الأمن الحكومية مجزرة وتنفيذها إعدامات ضد العلوييين وفي بيوتهم يثير الذعر حيال مستقبل سورية. ولا يعني هذا أن الشرع أعطى أوامر بتنفيذ عمليات قتل ضد العلويين، وإنما أن أفراداً من قوات الأمن من مجموعات عُرفت بممارساتٍ إجراميةٍ طائفية ارتكبوا هذا، الأمر الذي يتجاوز عمليات انتقامية، فإذا كان هناك من دور لمثل هؤلاء، فلا يجب إرسالُهم في مهمّات أمنية، خاصة ضد أنصار النظام القديم.. فهل تجرى إعادة تشكيل قوات الأمن؟ وهل يستطيع الشرع مواجهة نواته الصلبة؟ هذه أسئلة ليست سورية بحتة، بل تخصّنا جميعاً.
بدأ المقال بالربط بين الاستبداد وظهور التنظيمات التكفيرية، التي يتجاوز تأثيرها حدود أعضائها، وذلك لتأثيرها على تفكير أوسع منها. وأحمد الشرع نفسه تأثر بسياسات الاستبداد وتلقّفته الجماعات المتطرّفة، وعليه أن يثبت أن ما وقع في الساحل السوري ليس مجرّد نتيجة تسلُّم فريق جذوره عنفية متعصبة الحكم، فلا نستطيع تكرار الحديث عن خطايا الأنظمة الاستبدادية ودورها، فالشرع على رأس الحكم لدولة عربية محورية، لم يخترع الطائفية، وإنْ كان قد مارسها، لكن لديه ولدى سورية فرصة تاريخية، بشرط مشاركة الجميع في بناء دولة تعدّدية تساهم في وأد الطائفية المفتعلة أصلاً، والمصنّعة لخدمة الاستبداد والاستعمار.
العربي الجديد
———————————
الحكّام في الشام/ أسعد قطّان
الأحد 2025/03/16
لو كانت سوريا دولةً طبيعيّة، لاستقال السيّد أحمد الشرع فوراً وأحيل إلى المحاكمة بسبب تورّط بعض الفصائل التابعة له، نظريّاً على الأقلّ، في مذابح الساحل السوريّ، وفشله وفشل حكومته الموصوف في حماية شرائح واسعة من الشعب السوريّ. والمعروف أنّ حماية المواطنين هي أولى مسؤوليّات الدولة وأهمّها. لكنّ سوريا ليست بلداً طبيعيّاً، بل بلد منكوب ومنهك ومهشّم يحاول أن ينهض من رماده ويستعيد طاقة الحياة، ما يتيح للسيّد الشرع أن يبقى في قصر الشعب.
في الدول التي تحترم ذاتها، تعطى الحكومة الجديدة فترة سماح لا تتجاوز الأيّام المئة. في سوريا، انتهت الأيّام المئة بمذبحة تضاف إلى المذابح الأخرى التي شهدها التراب السوريّ منذ استيلاء الضبّاط البعثيّين على السلطة. مخطئ مَن يعتبر أنّ مذبحة الساحل لا علاقة لها بكلّ “الحماقات” التي ارتكبتها زمرة الحكّام الذين في الشام منذ تسلّمهم مقاليد السلطة: انتهاكات شبه يوميّة لأمن المواطنين وثّق المرصد السوريّ لحقوق الإنسان المئات منها، بينما سعت السلطة إلى التقليل من أهمّيّتها بحجّة أنّها أحداث فرديّة؛ تسريح عشرات آلاف الموظّفين من أمكنة عملهم بحجّة التأكّد من عدم تبعيّتهم للنظام الأسديّ البائد؛ فشل ذريع في إطلاق مسيرة العدالة الانتقاليّة بالاستناد إلى معايير واضحة وشفّافة؛ تسويات مشبوهة هنا وثمّة مع بعض مجرمي الأمس بغية اجتذاب الأموال؛ مؤتمر حوار وطنيّ أقلّ ما يقال فيه إنّه أتى مختزَلاً ومحكوماً بمقتضيات الضغط الدوليّ، لا باقتناع داخليّ لدى الساسة بضرورة الحوار، ما أفضى إلى إقصاء كثر من المعارضين ذوي الباع؛ استبعاد عدد لا يستهان به من الضبّاط المنشقّين بما يحملونه من خبرات، مع أنّ سوريا أحوج ما يكون إلى إعادة بناء جيشها الوطنيّ؛ مبايعة فولكلوريّة للسيّد أحمد الشرع أظهرت مقتلة الساحل المقزّزة مدى هشاشتها؛ وعود عرقوبيّة بتأليف حكومة حاضنة لم تبصر النور حتّى اليوم؛ وضع اقتصاديّ مترهّل أودى بملايين السوريّات والسوريّين إلى حافّة الجوع؛ ازدواجيّة صارخة بين خطاب يدّعي صون التعدّد ومحاولات مكشوفة لأسلمة المجتمع. هذه الأخطاء جميعها شكّلت وقود الحوادث الأخيرة سواء بسبب النقمة الجامحة على الطغمة الحاكمة أو من طريق التجييش المذهبيّ الأرعن ضد “النصيريّين” من منابر المساجد ومكبّرات الصوت. من الصعب أن يجد المرء أسباباً تخفيفيّةً لهذا كلّه، وذلك بصرف النظر عن أنّ حكّام الشام ذوو ماضٍ عنفيّ معروف، وبعضهم لا تزال أسماؤه على لوائح الإرهاب.
لكنّ الطامة الكبرى في مكان آخر، وهذا يجب أن يعيه كلّ مَن يتمنّى الخير لسوريا، ويريد استعادتها وعودتها إلى أهلها وجيرانها وإلى العرب أجمعين: الأوطان لا تبنى بالعقليّة الانتصاريّة، بل بذهنيّة الاحتضان والتسالم. يخيّل للحكّام الجدد في دمشق أنّ أمور الحكم يمكنها أن تستتبّ لهم وهم على ما هم عليه من ممارسة شريعة الغلبة بما تنطوي عليه من إقصاء للآخرين. لكنّ الأيّام، على قول طرفة بن العبد، ستبدي لهم كم كانوا جهلةً.
إنّ احتضان الآخرين واستدخالهم له شرط لا يمكن الالتفاف عليه: التخلّي عن الوهم الإسلامويّ الذي يحسب أنّ الغالبيّة يجب أن تحكم لكونها غالبيّة، وأنّ هذا الحكم يمكنه أن يستقيم بالارتكاز على الشريعة الإسلاميّة (الإعلان الدستوريّ، ويا للغرابة، يتحدّث عن “الفقه” الإسلاميّ). منطق الغالبيّة ممجوج لا لأنّه ينسخ المقاربة الاستشراقيّة فحسب، التي تأبى أن تنظر إلى شعوبنا من خارج كونها رهطاً من الأكثريّات والأقلّيّات، بل لأنّه يعدّ البشر جماعةً دينيّةً مرصوصة، لا مواطنات ومواطنين أفراداً يتساوون في الحقوق والواجبات. مَن قال إنّ العرب من أهل السنّة والجماعة في سوريا، لمجرّد أنّهم غالبيّة عدديّة، يقبلون أن يكونوا كتلةً متراصّةً في مواجهة الآخرين؟ لعمري أنّ “غالبيّتهم” أذكى من ذلك بما لا يقاس.
أمّا منطق سياسة الناس بالاستناد إلى الشريعة الإسلاميّة، فإشكاليّ لا لأنّه كثيراً ما يتعارض وحقوق الإنسان فقط، بل لأنّ معظم أحكامه المتعلّقة بنظام الحكم من مخلّفات عصور غابرة تحيل على ذهنيّة المسلم “المنتصر” على الكافر “المهزوم”، وتتوكّأ على منظومة قيميّة تخطّاها الزمن. يضاف إلى ذلك إعلان دستوريّ “انتقاليّ” مدّة انتقاله خمس سنوات، أي إنّه يكاد يشبه مقولة “قائدنا إلى الأبد..”. وهو يحصر كلّ شيء تقريباً في شخص رئيس جمهوريّة غير منتخب، ما ينذر بإمكان تحوّل سوريا إلى دكتاتوريّة مقنّعة إسلامويّة الطابع، وذلك على الرغم من تهافت المشاريع الإسلامويّة في مصر وتونس والمغرب كأوراق الشجر في الخريف.
هذا سيناريو متشائم طبعاً، وتفوح منه رائحة مذبحة الساحل. لكنّه يحمل دمغة الدرس السيكولوجيّ الذي يعلّمنا أنّه ليس من الصعب على الضحيّة أن تتحوّل إلى جلّاد، ولا سيّما إذا كانت ترفع النصّ الدينيّ على رؤوس الرماح؛ هذا إذا سلّمنا جدلاً بأنّ جهاديّي جبهة النصرة ضحايا فعلاً.
المدن
——————————–
سوريا والجوار: إعادة تشكيل الخطاب/ أحمد جابر
السبت 2025/03/15
تسارعت الأحداث السورية بعد فرار منظومة السيطرة الأسدية، وتوالت التطورات، فكان لها وقع المفاجأة، مثلما كان لها “صدمة” اللامتوقع، في أوساط سياسية متابعة، وفي أوساط استعملت عدّتها الفكرية القديمة، فما أصابت، ولجأت إلى ما هو موروث من تحديد مُدُني شائع، أو حزبيّ متقادم ومعروف، فخابت وضلّت الطريق إلى التقاط مغزى المشهد الجديد الذي نقل سوريا من ضفّة إلى ضفّة، فانتقل معها المراقبون الذين لم يتوانوا عن تبديل المواقف والضفاف.
“الحبكة” السورية، لم تتضح كل خلفياتها، لكن محاولة الانقلاب الأخيرة على الوضع الجديد، ساهمت في إلقاء الضوء على ألوان من خيطانها. بعض الخيطان كان في مرمى التخمين، وبعضها كان في “مدى” الظن، وبعضها كان في دفاتر التوجّس والاحتمال… حصيلة كل ذلك، اجتمعت في عنوان واحد كانت له الغلبة، هو عنوان تأمين قاعدة ارتكاز داخلية، لتكون لاحقاً نقطة انطلاق صوب المدى السوري، لاستعادته من السلطة الجديدة، فإذا تعذّر الفوز بالكلّ السوري، يُكتفى بالجزء منه، على حساب الجغرافيا السورية، وعلى حساب الشعب السوري، ومن دون التفات إلى مصير الأخير الذي يمكن أن تُلقى فيه سوريا الكيانية.
في العادة، وعند كل حدث مفصلي، يطرح سؤال: من المستفيد؟ هذا السؤال يحضر الآن في الواقع السوري الجديد، والجواب عنه يكون قاصراً إذا قيل: إن المستفيد هو العدو الإسرائيلي. هذا تحصيل حاصل جرى اجتراره طويلاً، وهو مائل للعيان اليوم في الجولان وفي جنوب لبنان، لذلك يصير الاستطراد بالسؤال ضرورياً لكي يبلغ الجواب فسحة النور. إذن، واستطراداً، من المستفيد من اللعب في الميدان السوري اليوم؟ لقد قيل إن فلول النظام السابق هي التي قامت بالانقلاب، وإن تلك الفلول قد تلقّت دعماً خارجياً، وإن قيادتها باتت معلومة، ومعلوم أيضاً من حرّكها، ومن قاد تحركاتها الميدانية.
العلم بأدوات الجريمة، وبهوية المجرمين أمر مهم، ومهم أيضاً العلم بالمحرّض وبالداعم وبالمتدخل، لكن الأهم سيبقى الوقوف أمام نتائج التدخل، وأمام حصيلة الاشتباك الذي ذهب ضحيته المئات من المدنيين، في عملية تصفية وحشية. هذا على صعيد سوري أهلي خاص، والأهم سيبقى موضوع الموقف من الأطراف المتداخلة التي أشير إليها بالبنان وبالبيان.
الرد الرسمي السوري، كان واضحاً في الإدانة، وفي التمسك بمحاسبة القتلة الذين استهدفوا المدنيين، وكان الرّد واضحاً في اختيار إفشال أهداف الانقلاب في بعدها الانشقاقي الاقتتالي الأهلي، وفي بعدها التحالفي الخارجي، الرد السريع منع الاستثمار في الفتنة الطائفية والمذهبية، مثلما منع احتمال التدخل الخارجي، عندما كسر مرتكزاته الداخلية.
خطاب وخطاب
لقد فوجئ “الخطاب” الجاهز بالمرونة الرسمية التي أبداها أولئك القادمون من “الإسلام السياسي” واكتشف كثيرون بأن الحنكة المُدَنية ليست حِكْراً على أبناء الجمعيات، وأن السرعة في التقاط إشارات الحدث، ومن ثم التكيّف معها، ليست اختصاصاً حصريّاً لهذا الكاتب أو لذاك “المفكّر” الاستراتيجي. لعلّه يمكن القول إن مجموع البيانات والشروح التي تناولت الوضع السوري قبل المحاولة الانقلابية، ظهر تَخَلُّفها السياسي عن اللحاق بالآن السوري، بعد فشل تلك المحاولة. لقد طغى على مجموع المقاربات طابع “المطلبية”، وقليلة هي المقاربات التي تخلّت عن لغتها الوعظية الإرشادية، والأقل من هذه وتلك، النصوص التي صدرت من موقع المسؤولية عن سوريا، قبل نظامها، فسارت بمسؤولية أيضاً، على جادّة الموضوعية، وذهبت بناءً على ذلك، إلى معاينة المشهد السوري الجديد، بممكناته، وكما يقدم نفسه في الداخل وحيال الجوار، مع ما يرافق ذلك من مهمّات جِسام، ومع ما يحيق بالمحاولة الجديدة كلها، من مخاطر شديدة، وهي تدق على أبواب الواقع السوري بكل تعقيداته.
مدخل إلى الخطاب
طلب استقرار سوريا هو العنوان الأول البسيط الواضح الذي تحتاجه سوريا اليوم. الاستقرار مدخل إلى الانصراف الهادئ إلى إعادة ما هدمه النظام السابق خلال عقود طويلة.
عناصر الاستقلال، الداخلية والخارجية، هو العنوان الثاني، فالعلاقة بين الداخل والخارج وثيقة، والترابط قائم بين الوطني المحليّ، والسياسة الوطنية الخارجية. تتقدم في الداخل مهمة إعادة صياغة الوحدة الوطنية السورية، صياغة غير قسرية، وغير اختزالية، وفي هذا المجال خطا الحكم الجديد خطوات واقعية ملموسة، وتتقدم في الداخل عملية إعادة بناء “الهيكل” الدولتي العام، وإطلاق العجلة الاقتصادية. فهذه من شروط إعادة إنتاج وتوسيع القاعدة الاجتماعية للحكم الجديد. فحيث يكون يُسْرُ العيش، وحيث تكون الكفاية الاجتماعية، يتراجع الاحتقان الاجتماعي، وتتراجع إمكانات استغلال التوتر وتوظيفه في سياسات زعزعة مجتمعية.
على صعيد خارجي، لا يملك السوريون تَرَف الخصومة مع الجوار القريب، ولا يبدو أنهم يسعون إليه، لكنهم يملكون حق وموقف رفض تدخل الجوار القريب، أو المحيط البعيد، في شؤونهم الداخلية، ويملكون الحق، وعليهم واجب، مطالبة المتدخّل بالكفّ عن سياساته، والمطالبة أيضاً بمساعدتهم على الوقوف في وجه التدخلات الخارجية.
سياسة حسن الجوار، هي ما يرددها الحكم السوري حتى الآن، وسياسة التنبيه هي ما اختارها بديلاً من لغة الاتهام… لذلك من حقّ المسؤول السوري أن يدعو الآخر إلى الالتزام بعلاقة حسن الجوار وأن يعتمد ما يراه ضرورياً من سياسة تعامل مع “الجار” إذا ما أصرّ على إذكاء نار الخصام.
أبعد من سوريا
بات واضحاً حجم الاندفاعة الخارجية التي تقودها الولايات المتحدة الأميركية، من ضمن خطة شاملة تصل إلى حدّ إعادة النظر في الكيانات وفي المجتمعات. النموذج الفلسطيني دليل، فما يحتشد في الأفق هجوم اقتلاع للشعب، وهجوم احتلال لما تبقى من أرض فلسطين.
النموذج اللبناني دليل آخر، اتفاق لوقف الأعمال العدائية تخرقه الآلة الحربية الإسرائيلية كل يوم، من دون إدانة، وتعيد القوات المعادية احتلال أجزاء من الأرض، فيطالب السياسي الأميركي بإخلائها، ويقدم طلبات أحادية تستهدف الجانب اللبناني، فتكون عوناً للعدو في عدوانه.
النموذج السوري دليل إضافي، والشواهد تحتشد من الجولان والقنيطرة وحوض اليرموك، إلى تدمير البنية الحربية للجيش السوري، إلى تنصيب العدو نفسه حامياً للأقليات. وهنا أيضاً، لا صوت للسياسة الأميركية إلاّ ذاك المشكّك بقدرة السوريين على إعادة صياغة بنيانهم في إطار وحدة وطنية جديدة، اكتسبت دفعاً لها بعد انضمام العنصر الكردي إليها، وبعد ما تردد عن استعداد العنصر الدرزي للمشاركة في مسيرة البناء الجديدة.
النماذج المستهدفة، تطرح ضرورة الانصراف إلى التفكير بمآل المنطقة العربية كلها، فالخطر يطال مصر مثلما يطاول الخليج مجتمعاً، ومعه سائر البلاد العربية.
التفكير الجماعي العربي، يعيد الاعتبار إلى العامل القومي في حدّه الدفاعي، وفي صيغته التكاملية، بعيداً من أوهام سادت ثم بادت عن كل “الجملة القومية”.
التأسيس على العامل القومي قد يسمح للعرب مجتمعين باحتلال بقعة ولو ضيقة، على خريطة “التواجد” العالمي، كبلدان وكأوطان، هذا لأن طاقة الاندفاعة الأميركية قد تصل إلى حدود تفكيك البنى الموروثة، لإعادة تركيبها بما يلائم ضرورات “الأمركة” المتجددة، التي لم تسلم من ضغط قوتها أوروبا الحليفة، ولا الجيران فوق القارة الأميركية الواحدة. على وجوه شتّى، الشعوب العربية في حال الدفاع عن الوجود، الوجود الفاعل الذي يمنع عنها صفة الشعوب، أو الدول غير النافعة.
في الأثناء، على الخطابة الوطنية، والخطابة العربية، أن تنتبه إلى أن القاموس الحالي، لا يضم بين صفحاته أكداس أماني الخطباء، وعلى هؤلاء أن يدركوا، أنه من غير المعقول الطلب إلى المغنّي الغناء، وعنقه رازحة تحت حدّ السكين.
المدن
—————————-
سوريا الجديدة رهن التفاهمات والاختراقات/ إياد أبو شقرا
16 مارس 2025 م
كانت الصفحة الجديدة التي فُتحت في سوريا، بعد إنهاء 54 سنةً من نظام الأسد، بغنىً عن التطورات المؤلمة خلال الأيام العشرة الأخيرة.
وفي ظنّي أنَّ القيادة الجديدة في دمشق كانت على بيّنة من وجود فلول للنظام السابق، وفئات ارتزقت من تجاوزاته من دون أن تكون بالضرورة جزءاً منه.
في المقابل، أزعم أنَّ ثمة فئات سورية كانت تنظر بعين الشك إلى إمكانية التعايش مع عقيدة القيادة الجديدة، وتفسيرها للإسلام السياسي «عندما يحكم»، وبخاصة، أنَّ السنوات الـ14 الفائتة شهدت أحداثاً دينية ومذهبية وجرائم خطف وإخفاء – من مختلف الأطراف – يرقى بعضها إلى مستوى المجازر. ثم إنَّ القيادة المؤقتة الحالية، على الرغم من الشعبية الواسعة التي استحقتها، أتت في ظروف استثنائية، وتبعاً لميزان قوى ميداني لا ضمانة إطلاقاً أنَّه دائم.
أكثر من هذا، لئن كانت هذه القيادة تتمتَّع راهناً بتأييدين إقليمي ودولي فإنَّ أي مراقب عاقل يدرك جيداً أنَّها لا تحظى بتفويض مطلق، بل ثمة رصدٌ دوليٌّ لأدائها ورقابة لصيقة لتصرفاتها والتزاماتها. ولكن يظلّ لافتاً أنَّ بعض أركان القيادة يبدون مطمئنين إلى المستقبل… ربما أكثر من كثرة كاثرة من المواطنين السوريين.
من جهة ثانية، على الرغم من مؤشرات سابقة لصدام شبهِ حتمي، فإنَّ السرعة التي أُعلن فيها «التفاهم» بين سلطة دمشق الجديدة وأكراد «قسد» المسيطرين على شمال شرقي سوريا، تعطي انطباعاً قوياً بأنَّ واشنطن متعايشة تماماً مع السلطة في دمشق. وكون «قسد» جزءاً لا يتجزأ من ترتيب واشنطن للحالة السورية، فمضمون الرسالة أن وحدة الكيان السوري لن تتهدّد – بخلاف ما كان يُظن – عبر عصيان انفصالي كردي. وهكذا، يبدو أن كل ما أنجزته «قسد» خلال الفترة الماضية كان «تحسيناً لشروط» تفاهمها مع سلطة دمشق، وتشجيعاً للموحّدين الدروز في الجنوب السوري على النسج على منواله.
الموحّدون الدروز، بالذات في الجنوب السوري، يشكّلون قوة مؤثرة في المعادلة، إلا أنَّ الأمور تبدو اليوم أقل وضوحاً وربما أبطأ حسماً. ولكن المراقب الحصيف بات يشعر أنَّ «الهجمة» الإسرائيلية غير المسبوقة لـ«حماية» الدروز و«دعمهم» تربك المشهدَ في محافظة السويداء ذات الغالبية الدرزية. وهذا، مع أنَّ أي طلب درزي علني من هذا القبيل لم يقدَّم، بل يستبعد كثيرون أن تتبنّاه علانيةً أي قيادة درزية سياسية أساسية.
الدروز أدركوا «زخم» الهجمة الإسرائيلية الضاغطة عليهم عندما تكلَّم بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه يسرائيل كاتس عن مبلغ المليار دولار الذي رصدته إسرائيل لهذا الغرض. والمؤكد أنَّ تطوراً كهذا لا يمكن أن يكون «ابن ساعته». بل المرجّح أنَّ بذرته بُذِرت قبل فترة غير قصيرة داخل سوريا، وأيضاً في لبنان وبلدان الاغتراب، وفي مقدّمها الولايات المتحدة… حيث يتمتع «اللوبي الإسرائيلي» بهامش واسع للحركة والإغراء والضغط والاختراق الاستخباراتي.
وبالفعل، بينما عمل مناضلو السويداء – من مختلف التنظيمات والفصائل – للتوصّل إلى تفاهمات مع دمشق صوناً للوحدة الوطنية، وتأكيداً للعلاقات الأخوية بين المكوّنات السورية، كانت ثمة قوة تمارس «الفيتو» وترفع السقف وتشكّك في التفاهمات. وفي اعتقادي أنَّه، حتى إزاء المنطقة الجنوبية، أي محافظات السويداء ودرعا والقنيطرة، لا توجد خلافات أساسية تذكر بين أولويات واشنطن وحسابات نتنياهو في مقاربة مستقبل المنطقة.
ونصل إلى الساحل الجريح، حيث الكثافة السكانية العلوية في أرياف محافظتي اللاذقية وطرطوس وضواحي مدن الساحل الأربع؛ أي اللاذقية وطرطوس وجبلة وبانياس.
إنَّ تحرّك جماعات مسلحة محسوبة على النظام، أو بعض أجنحته، ما كان ليحدث لولا الدعم الإيراني. وفعلاً، لم تُخفِ التصريحات الإيرانية الرسمية، التي سبقت التحركات وتداعياتها الفظيعة، موقفَ إيران بأنَّ سلطات دمشق الجديدة غير مرغوب فيها، وأنَّ بقاءها مؤقت. ولكن قد يتساءل المرء هنا عمّا إذا كانت القيادة في طهران أخطأت قراءة المعطيات، وأساءت فهم علاقة سلطة دمشق الجديدة بالمجتمع الدولي، وبالذات، واشنطن.
المنطق يقول إنَّ الاستراتيجية الأميركية – الإسرائيلية ضد عودة النفوذ الإيراني. وهذا ما قد يفسّره وجود «سقف» لفظي لرد فعل التحرك الأميركي – الروسي في مجلس الأمن على المجازر التي ارتكبت في الساحل خلال الأسبوع الماضي، وقدّر عدد ضحاياها بنحو 1225 قتيلاً.
إذ ندّد مجلس الأمن بـ«المجازر» بحق المدنيين، وطالب سلطة دمشق بـ«حماية جميع السوريين من دون تمييز»، وأدان العنف في محافظتي الساحل، وبالأخص بحق المدنيين العلويين. ثم دعا السلطة إلى ملاحقة «كلّ المسؤولين» عن أعمال العنف أمام القضاء، واتّخاذ «تدابير كي لا تتكرّر هذه الأفعال، بما فيها أعمال العنف التي طالت أشخاصاً بسبب انتمائهم الإثني أو ديانتهم أو معتقداتهم».
ختاماً، أعلنت في دمشق «مسودة الإعلان الدستوري»، وجاء عدد من نقاطها مثيراً للجدل بالنسبة للبعض، ولا سيما لجهة الحصر الفعلي للسلطات في يد الرئيس، وجعل الفترة الانتقالية خمس سنوات، وحلّ المحكمة الدستورية، ومنح الرئيس – ولو مؤقتاً – حق تعيين محكمة دستورية جديدة.
بالنسبة للمنتقدين، كان من الأفضل تفادي التذكير بالماضي القريب. وبالتالي، توسيع دائرة التمثيل وطمأنة المكوّنات بدلاً من الإصرار على «تجربة المجرّب» وإعادة استنهاض الهواجس.
إنَّ التنوّع يثري سوريا ويحميها، ناهيك من أنها بحاجة في هذه المرحلة لجهود كل الكفاءات وإسهامات كل المخلصين من دون إقصاء أو تهميش.
الشرق الأوسط»
—————————-
سوريا… انطلاق العجلة/ عالية منصور
15 مارس 2025
تتسارع الأحداث في سوريا بسرعة كبيرة، وفي كل يوم ثمة شيء جديد. فتنة في الساحل ظنها البعض بداية مشروع تقسيم سوريا وتفتيتها، وبينما الجميع يراقب ويترقب ما يحصل في جبال الساحل السوري ومدنه، فإذا بالرئيس السوري أحمد الشرع يستقبل في قصر الشعب، القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) مظلوم عبدي ويوقعان اتفاقا وصف بالتاريخي.
اتفاق أنهى مشروع فتنة عربية-كردية، تم دون قتال، ووحد سوريا عمليا، وقضى على مشروع راهن عليه الكثيرون في الخارج والداخل لتقسيم سوريا وتفتيتها.
أهم ما في الاتفاق، والذي يحتاج تنفيذ بنوده إلى آخر العام الحالي، هو وحدة الدولة السورية وعاصمتها دمشق، وللدولة جيش واحد لا جيشان، واعتراف رئيس الجمهورية السورية بالمجتمع الكردي كجزء أصيل من سوريا.
إذن لا تقسيم ولا إقصاء، ولكن لم تنته القصة هنا. فبينما كان السوريون يحتفلون بتوقيع الاتفاق كانت الأنباء تتوالى عن قرب التوصل إلى تفاهم، مع محافظة السويداء ذات الغالبية الدرزية.
وصحيح أن تفاهمات مبدئية تمت مع عدة فصائل وجهات سياسية في المحافظة، إلا أن الوضع في السويداء ليس كالوضع في المناطق التي تسيطر عليها “قسد”. ففي السويداء هناك عدة جهات، وليست هناك “قيادة” موحدة، فإن تم التفاهم مع جهة اعترضت جهة أخرى، وبعض هذه الاعتراضات يرتبط بمن يرى نفسه “الأحق” بتمثيل المحافظة وتمثيل الموحدين الدروز في سوريا، فهناك طموح “الزعامة” ولا يستخف أحد بما قد يفعله مثل هذا الطموح في عقول البعض.
ذهب شيخ العقل حكمت الهجري بتهديداته للدولة السورية، لم يبد أي اكتراث حقيقي بـ”الدولة الوطنية” التي استخدمها ذريعة منذ اليوم الأول، لسقوط نظام بشار الأسد، واستلام أحمد الشرع زمام الأمور، فتحول خطابه إلى خطاب طائفي تقسيمي بامتياز، ولم تغب إسرائيل عن المشهد، فكانت زيارة بعض مشايخ العقل في القرى الحدودية إلى إسرائيل. ولكن من أجل كل ذلك، على الشرع والقيادة في دمشق الاستمرار في التواصل مع عقلاء الطائفة والوطنيين، ولا تسمح لفئة أن تهمش فئات في السويداء وغيرها.
بين هذا وذاك صدر الإعلان الدستوري، وهو إعلان تسبب في حالة اعتراض عند الكثيرين، فرأوا فيه مشروع قيام ديكتاتورية جديدة في سوريا، تنحصر معظم الصلاحيات فيها بيد رئيس الجمهورية. فيما رأى آخرون أن المرحلة الاستثنائية التي تمر بها سوريا، تحتاج إلى نظام رئاسي تتركز فيه الصلاحيات بيد رئيس الجمهورية، فلا تدخل البلاد في رحلة التعطيل خلال المرحلة الانتقالية، كما حصل في بعض الدول بعد تجارب الربيع العربي.
لقد عانى السوريون كثيرا طيلة سنوات حكم “البعث” والأسدين، ودفعوا أثمانا باهظة جدا ليتحرروا من الديكتاتورية، ومن الطبيعي أن يكون اليوم “عامل الثقة” هو الأضعف، وخصوصا إذا ما راقبنا اليوم الانقسام الحاصل، حيث لم يعد الانقسام بين ثورة ونظام، بل بين من يريد العدالة ومن يطالب بالتسامح، من يريد دولة المواطنة والمساواة ومن يريد دولة تحكمها الشريعة والأكثرية التي همشت طيلة 54 عاما، بين من يريد سوريا موحدة، ومن يلوح بالانفصال والتقسيم، لابتزاز السلطة في دمشق عند كل مفترق، بين من يريدها علمانية خالصة ومن طالب بالفقه مصدرا للتشريع ومن يطالب بالشريعة.
في سوريا الكثير من الألغام، ولكن هناك اليوم أيضا الكثير من الفرص، والفرصة الأهم هي بتحاور السوريين ليصلوا إلى أكبر حيز من المشتركات بين بعضهم البعض، وقد تكون فكرة مؤتمر الحوار الدائم، فكرة تقلص من حجم الانقسامات، بعد إعادة التأكيد على ما اتفق عليه، “سوريا دولة موحدة يتساوى فيها الجميع”.
الألغام ما زالت مزروعة بكثرة في سوريا، وتفكيكها قبل أن تبدأ بالانفجار مجددا يحتاج إلى جهود الجميع، واليوم سوريا بحاجة إلى انطلاق مسار إعادة الإعمار والنهوض الاقتصادي، بحاجة إلى رفع العقوبات، وهذا إن حصل سينزع فتيل الكثير من الألغام، وسيسحب من بين أيادي المخربين الخارجين ورقة يستخدمونها في الداخل.
ولنتذكر أنه وقبل أشهر من اليوم، كانت طائرات جيش نظام بشار الأسد، تلقي البراميل المتفجرة فوق رؤوس السوريين، وها هي مروحيات الجيش اليوم تلقي الورود على المحتفلين بعيد الثورة، وهذا ليس تفصيلا، هذا الإنجاز الذي تحقق بدماء وتضحيات الملايين، يجب أن نتمسك به جميعا للعبور إلى سوريا التي نريد.
المجلة
————————————
لجنة التحقيق بأحداث الساحل تواجه تحديات الوقت وحماية الأدلة/ علي درويش
خبراء: محاكمة المتورطين تعزز الثقة
تحديث 16 أذار 2025
هجمات كر وفر لفلول النظام السابق، آلاف المقاتلين توجهوا إلى مناطق الساحل السوري لصد هذه الهجمات، الخاسر الأبرز في هذه الأحداث كان القوات الأمنية الحكومية إلى جانب المدنيين.
الرئيس السوري للمرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، سارع إلى الظهور للتعليق على الأحداث التي بلغت أوجها بين 6 و8 من آذار الحالي، وشكل لجنتين، إحداهما للسلم الأهلي، والأخرى للتحقيق والتقصي.
قرار تشكيل اللجنة العليا للحفاظ على السلم الأهلي، صدر في 9 من آذار، وضمّت ثلاثة أعضاء، هم حسن صوفان، والدكتور أنس عيروط، والدكتور خالد الأحمد، وكُلفت بالتواصل المباشر مع الأهالي في الساحل السوري للاستماع إليهم، وتقديم الدعم اللازم لهم بما يضمن حماية أمنهم واستقرارهم.
كما ستعمل اللجنة على تعزيز الوحدة الوطنية في هذه المرحلة الحساسة، بحسب نص القرار.
أما لجنة التحقيق وتقصي الحقائق، فمهامها الكشف عن الفاعلين في عمليات قتل المدنيين خلال العمليات العسكرية، إلى جانب مهام أخرى، لكن هذه اللجنة من المتوقع أن تواجه عوائق في عملها.
خطوة أولى.. أهمية لازمة
الباحث في الشأن السوري عبد الرحمن الحاج، أوضح أن اللجنة هي الخطوة الأولى التي تسبق المحاكمات، فمهمتها الرئيسة التحقيق للكشف عن حقيقة ما حدث في الساحل، وتحديد الفاعلين والمتسببين بتلك الأحداث الدموية، والمشتبه بهم، والضحايا، وجمع الأدلة والشهود وحمايتهم وتقديم الجناة للعدالة.
وأضاف الحاج لعنب بلدي أن الشرع أصدر القرار بسبب الطبيعة السياسية والأمنية للأحداث، وبصفته رئيس السلطة التنفيذية، وكان يمكن إصدار مثل هذا القرار من وزير العدل، لكن أهمية اللجنة وحساسيتها دفعت على ما يبدو الشرع إلى تشكيلها، و”صدورها عن الشرع يكسبها الأهمية اللازمة”.
مدى حيادية اللجنة يرجع إلى سمعة القضاة وأعضاء اللجنة، وهم يتمتعون بالسمعة الطيبة والنزاهة اللازمة، وكان لهم موقف من “هيئة تحرير الشام” (موقف معارض لها)، ومعظمهم قضاة منشقون، “أي أنهم ليسوا جزءًا من السلطة وليسوا طرفًا، مما يضمن في الحد الأدنى النزاهة اللازمة”، وفق تعبير الحاج.
وتضم اللجنة القضاة هنادي أبو عرب وجمعة الدبيس العنزي وخالد عدوان الحلو وعلي النعسان وعلاء الدين يوسف لطيف، والعميد عوض أحمد العلي، والمحامي ياسر الفرحان.
ما مهام اللجنة؟
بحسب بيان رئاسة الجمهورية حول اللجنة الصادر في 9 من آذار، يناط باللجنة:
الكشف عن الأسباب والظروف والملابسات التي أدت إلى وقوع تلك الأحداث.
التحقيق في الانتهاكات التي تعرض لها المدنيون وتحديد المسؤولين عنها.
التحقيق في الاعتداءات على المؤسسات العامة ورجال الأمن والجيش وتحديد المسؤولين عنها.
من مهامها أيضًا إحالة من يثبت تورطهم بارتكاب الجرائم والانتهاكات إلى القضاء.
ويتعين على جميع الجهات الحكومية المعنية التعاون مع اللجنة بما يلزم لإنجاز مهامها، كما يحق للجنة الاستعانة بمن تراه مناسبًا لأداء مهامها، وترفع تقريرها إلى رئاسة الجمهورية في مدة أقصاها 30 يومًا من تاريخ صدور القرار.
وأوضح المتحدث باسم اللجنة، المحامي ياسر الفرحان، خلال مؤتمر صحفي عقد بدمشق، في 11 من آذار الحالي، أن اللجنة ستضع برنامجًا لمقابلة الشهود وكل من يمكنه المساعدة في التحقيق، وتحديد المواقع التي يجب زيارتها، ووضع آليات للتواصل مع اللجنة، والتي سيتم الإعلان عنها قريبًا.
وقال الفرحان، إن اللجنة ستكون موجودة على الأرض، وستستمع إلى شهود عيان، ولن تكتفي بما ينشر على وسائل التواصل من مقاطع مسجلة.
وستفصح اللجنة عن نتائج تحقيقاتها، وستلتزم بالحفاظ على خصوصية الشهود وستقدم هذه النتائج إلى القضاء والمحاكم المختصة، كما تعمل على تحضير لوائح بالشهود المحتملين مع توفير حماية لأي شاهد يطلب الإدلاء بإفادته تحت برنامج حماية الشهود.
الفرحان اعتبر أنه “لا أحد فوق القانون”، مؤكدًا أن اللجنة ستقدم ما تتوصل إليه من نتائج إلى رئاسة الجمهورية وإلى القضاء، الذي بدوره يجرّم أو يحكم بالبراءة.
لا أحد فوق القانون.. هل يعاقب الشرع قادته
أشار عبد الرحمن الحاج إلى العوائق الرئيسة التي ستواجه عمل اللجنة، وتكمن بالدرجة الأولى في طمس الأدلة والتلاعب بها، ومحاولة الأطراف المختلفة التأثير عليها، وخوف الشهود من الإدلاء بشهادتهم، وحماية الأدلة التي عثروا عليها.
يضاف إلى ذلك أن المدة الزمنية المحددة لعمل اللجنة قد لا تكفي للوصول إلى نتائج حاسمة، لذلك فهي تبذل جهودًا هائلة للتوصل إلى نتائج تحقيق حاسمة ويمكن الوثوق بها، وفق تعبير الحاج.
وإذا ثبت تورط قادة مقربين من الرئيس الشرع، فلن يكون بإمكان الرئيس سوى إخضاعهم للمحاكمة، والتزامه هذا يعزز ثقة الناس بالدولة ويرسخ حكم القانون، ومن مصلحته ومصلحة البلاد الالتزام بنتائج التحقيق ومحاسبة الجناة، وفق الحاج.
بكلمته في 9 من آذار الحالي، تعهد الشرع بمحاسبة أي شخص قتل مدنيين، بقوله، “لن يكون هناك أي شخص فوق القانون، وكل من تلوثت يداه بدماء السوريين سيواجه العدالة عاجلًا غير آجل”.
وقال إن الدولة السورية تجرّم أي دعوة أو نداء يسعى للتدخل في شؤون سوريا أو يدعو لبث الفتنة أو تقسيم سوريا، “فلا مكان بيننا لمثل تلك الدعوات، سوريا بكل مكوناتها ستظل موحدة بعزيمة شعبها وقوة جيشها، ولن نسمح لأي جهة كانت أن تعبث بوحدتها الوطنية، أو تفسد السلم الأهلي”.
وشدد الشرع على أن سوريا لن تجر إلى حرب أهلية، “سوريا ستظل صامدة ولن نسمح لأي قوى خارجية أو أطراف محلية أن تجرها إلى الفوضى أو الحرب الأهلية، ونحن على العهد ماضون مصممون على المضي قدمًا نحو المستقبل الذي يليق بشعبنا العظيم”.
هجوم الفلول
في 6 من آذار، هاجمت مجموعات من فلول النظام السابق نقاطًا وحواجز لـ”إدارة الأمن العام” وقطعًا عسكرية تتبع لوزارة الدفاع، ولم تسلم المستشفيات وحتى سيارات المدنيين من هذا الهجوم.
حوصر خلال الهجمات عناصر من وزارة الدفاع و”إدارة الأمن العام” وسقط العشرات منهم إلى جانب مقتل مدنيين، وقوبل ذلك بإرسال تعزيزات عسكرية إلى المنطقة لإيقاف الهجوم وفك الحصار، ورافق التعزيزات توجه مجموعات عسكرية إلى المنطقة دون تنسيق واضح مع وزارة الدفاع أو الأمن العام.
الاشتباكات احتدت بين الطرفين، واستطاعت أخيرًا القوات الحكومية السيطرة على الموقف، لكن أدت العمليات العسكرية إلى مقتل مدنيين.
الرئيس الشرع حمّل فلول النظام السابق من “الفرقة الرابعة” التي كان يقودها ماهر الأسد، ودولة أجنبية متحالفة معهم (لم يسمِّها)، مسؤولية سفك الدماء في الساحل السوري، لإثارة الاضطرابات وخلق فتنة طائفية، مع الإقرار بحدوث عمليات انتقام تلت ذلك.
“الشبكة السورية لحقوق الإنسان” وثقت مقتل 803 أشخاص في الفترة ما بين 6 و10 من آذار، في محافظات اللاذقية وطرطوس وحماة.
وسجلت الشبكة مقتل 172 عنصرًا على الأقل من القوات الأمنية والشرطية والعسكرية (قوات الأمن الداخلي ووزارة الدفاع)، و211 مدنيًا بينهم أحد العاملين في المجال الإنساني على يد المجموعات المسلحة الخارجة عن إطار الدولة المرتبطة بنظام الأسد، والتي هاجمت أيضًا ستة مستشفيات في طرطوس واللاذقية.
كما وثقت الشبكة مقتل ما لا يقل عن 420 شخصًا من المدنيين والمسلحين منزوعي السلاح “على يد القوى المسلحة المشاركة في العمليات العسكرية (الفصائل والتنظيمات غير المنضبطة التي تتبع شكليًا لوزارة الدفاع).
عنب بلدي
———————-
============================
=======================
دوافع وكواليس الاتفاق بين “قسد” وحكومة الجمهورية العربية السورية مقالات وتحليلات تتحدث يوميا تحديث 16 أذار 2025
تحديث 16 أذار 2025
—————————–
لمتابعة تفاصيل هذا الملف اتبع الرابط التالي
دوافع وكواليس الاتفاق بين “قسد” وأحمد الشرع
———————————-
تفاهم الشرع – عبدي.. أسباب “التفاؤل الحذر” في تركيا/ سمير صالحة
2025.03.16
أبرزت بعض وسائل الإعلام العربية والأجنبية تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بشأن الاتفاقية الموقعة بين الرئيس السوري أحمد الشرع وقائد “قوات سوريا الديمقراطية” مظلوم عبدي، وكأنها تعكس ترحيبه بها. في الواقع، من رحّب بالاتفاق هو وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، الذي قال: “تؤكد الولايات المتحدة مجددًا دعمها لانتقال سياسي يرسخ حكمًا غير طائفي وذا صدقيّة، باعتباره أفضل سبيل لتجنب مزيد من الصراعات”.
تشعر أنقرة بتفاؤل حذر تجاه الاتفاق، لأن ما تنتظره منه أبعد بكثير مما يتحدث عنه روبيو. أردوغان صرّح بأن “تنفيذ بنود الاتفاقية بحذافيرها سيسهم في أمن واستقرار سوريا، وسيعود بالنفع على جميع السوريين”.
ضمن أهداف زيارة الوفد التركي الرفيع، الذي ضم وزير الخارجية هاكان فيدان، ووزير الدفاع يشار غولار، ورئيس جهاز الاستخبارات إبراهيم قالن، إلى العاصمة السورية، مناقشة الجوانب التي تبدد قلق أنقرة في خريطة الطريق المتفق عليها.
هناك شبه إجماع سوري على أن اتفاقية العاشر من آذار بين الشرع وعبدي تحمل كثيرًا من التفاؤل والأمل بالنسبة لسوريا والسوريين. وهي اتفاقية، عند تنفيذ بنودها، ستتحول إلى مساحة من الفرص السياسية والأمنية والاجتماعية على طريق بناء الدولة السورية الجديدة، بدعم إقليمي ودولي واسع. لن تكون أنقرة هي من يعرقل مثل هذه الفرصة أو يقف بوجهها ويعارضها، لكنها، وعلى ضوء التجارب السابقة في حالات مشابهة، تفضل انتظار التنفيذ ومشاهدة نتائجه العملية على الأرض أولًا.
بين ما يدفع أنقرة إلى التحفظ والتريث، مثلًا، تصريحات مظلوم عبدي التي أشار فيها إلى أن هناك تفاصيل كثيرة لم يتم الاتفاق عليها بعد. فهل سيتحدث عبدي بعد الآن باسم “قسد”، أم باسم تركيبة كردية جديدة يقودها في شمال شرقي سوريا؟
البعد الإقليمي لدعم التنفيذ وتسهيل نجاحه مهم هنا. لا أحد في المنطقة يريد أن تذهب الأمور نحو التصعيد في سوريا اليوم سوى تل أبيب وطهران. تصريحات ومواقف بعض قيادات “قسد” بعد الإعلان عن الاتفاقية تسير في هذا الاتجاه أيضًا، وهي مغايرة لما تقوله دمشق في التفسير والتحليل.
ما يقلق أنقرة ليس شكل العلاقة المستقبلية بين دمشق والقامشلي، أو المظهر الجديد الذي ستتبناه “قوات سوريا الديمقراطية” لاحقًا، بل تحرك بعض الأطراف الخارجية لصناعة مشهد سياسي وأمني جديد في شرق الفرات يلتف على بنود الاتفاقية ومضمونها.
تعلم أنقرة أن مطلب “قسد”، الذي تستعد للإعلان عنه، هو الربط بين المرحلة الانتقالية خلال تنفيذ بنود التفاهم والمرحلة الانتقالية السياسية والأمنية والدستورية والاقتصادية التي تعيشها سوريا. فكيف سيتم ذلك؟ هل ستأخذ “قسد” مكانها في الحكومة الجديدة وتشارك في صناعة قرارات المرحلة الانتقالية في الأسابيع والأشهر المقبلة من دون إنجاز المرحلة الانتقالية الأخرى المرتبطة بتنفيذ بنود الاتفاقية الثنائية بين الشرع وعبدي؟
حديث أردوغان عن التريث في انتظار التنفيذ يعني بالنسبة لأنقرة أن الترحيب بالاتفاقية شيء، والترحيب بتنفيذ بنودها شيء آخر. لن توافق تركيا على دفع الأمور نحو واقع جديد يحاول البعض فرضه على دمشق وأنقرة. التزام “قسد” ببنود الاتفاقية لا بد أن يواكبه تخليها عن مشروعها السياسي في شرق الفرات، وعدم محاولة كسب الوقت والفرص لدفع الأمور في الاتجاه الذي تريد.
حل “حزب العمال الكردستاني” سيواكبه حتمًا حل “قوات سوريا الديمقراطية” وامتداداتها العسكرية والسياسية أيضًا، طالما أن النقاش مرتبط بالملف الكردي على الخطين التركي والسوري. لكن ما يقلق أنقرة هو ما سيحدث بعد ذلك. فهل ستكمل واشنطن، التي رحبت بما جرى، “معروفها” عبر الضغط على شركائها في “قسد” لتنفيذ البنود كما يراها الشعب السوري؟ أم ستدعم سيناريو تأجيل المواجهة إلى وقت آخر؟
الإرادة السياسية المعلنة باتجاه قبول تنفيذ بنود الاتفاقية بحد ذاتها خطوة إيجابية مهمة بالنسبة لسوريا والسوريين، على طريق التفاهم حول خريطة طريق مشتركة لبناء الدولة الجديدة، حتى لو تم التنفيذ ببطء، واستغرق بعض الوقت، وكان مرتبطًا بتطورات سياسية ودستورية أخرى.
لكن، بقدر ما يشكل مشهد جلوس الرئيس الشرع ومظلوم عبدي أمام طاولة واحدة يوقعان الاتفاقية ويتبادلان نسخها لتدخل حيز التنفيذ إنجازًا كبيرًا باتجاه إعادة شرق الفرات إلى حضن الدولة المركزية، فإنه يستدعي بالنسبة لأنقرة التريث والحذر لمتابعة المرحلة المقبلة ومسارها، من حيث التفاوض والتمثيل والإلزامية والمراقبة والضمانات في التنفيذ وطرق تسوية الخلافات.
تعلم أنقرة أن التوصيات والنصائح الإقليمية التي ستُقدَّم لعبدي ستذهب باتجاه سياسة جديدة مغايرة. لذلك، تريد أن ترى ما الذي يُعدّ له البعض في سوريا قبل أن تعلن سياستها الجديدة في شرق الفرات وتقرر سحب قواتها. هذا الاتفاق لا يعيد ترتيب شؤون البيت السوري فحسب، بل يعيد أيضًا رسم التوازنات الإقليمية في التعامل مع الملف السوري، وعلينا هنا أن نتفهم أسباب التحفظات التركية ورغبة أنقرة في التريث.
ما جرى في الساحل السوري كان اختبارًا صعبًا على سوريا والسوريين، الذين نجحوا في الوقوف خلف قيادتهم والتكاتف في مواجهة مخطط استهداف الوحدة الوطنية، بعد الجهود التي بذلتها قيادة الرئيس الشرع على طريق إخراج سوريا من أزماتها والانتقال بها إلى مكانتها العربية والإسلامية في الإقليم. لا أحد يريد أن يرى المشهد يتكرر في بقعة جغرافية سورية أخرى.
فرصة “قسد” الوحيدة هي الالتزام بتنفيذ بنود ما تم الاتفاق عليه، وليس البحث عن الغطاء الخارجي لمنحها ما تريد. وربما هذا أيضًا من بين الأسباب التي تدفع أنقرة إلى الانتظار حتى تتضح الصورة أكثر فأكثر والمساهمة في قطع الطريق على أي محاولة لإجهاض الاتفاق.
تحاول تل أبيب حماية مصالحها في سوريا عبر واشنطن مرة، وعبر التلويح بالتدخل العسكري المباشر في سوريا مرة أخرى، مع التذرع بلعب الورقة الإيرانية الهادفة إلى جرّ البلاد نحو الفوضى عند اللزوم.
تواجه أنقرة في سوريا سياسات متباينة ومتضاربة في كثير من الأحيان مع إيران وإسرائيل والولايات المتحدة الأميركية. دون التأكد من حسم مجريات الأمور في شرق الفرات وسحب هذه الورقة من يد بعض الأطراف التي تحركها بما يتعارض مع مصالحها، سيبقى خيار أنقرة التريث والترقب في انتظار التنفيذ، حتى لو كانت هي من أسهمَ في صناعة هذه الاتفاقية.
تلفزيون سوريا
———————————-
العمال الكردستاني يؤكد التزامه بدعوة أوجلان وقلق من استمرار الهجمات التركية/ صفاء الكبيسي
16 مارس 2025
جدد حزب العمال الكردستاني الذي يوجد في مناطق واسعة من شمالي العراق، التزامه بتنفيذ دعوة مؤسسه عبد الله أوجلان، بإلقاء السلاح وحل الحزب لنفسه، كما دعا الحزب إلى خطوات “عملية” في مسار السلام، منتقداً استمرار الهجمات التركية على مواقع الحزب. وفي وقت متأخر من ليل أمس الجمعة، صدر بيان عن اللجنة التنفيذية لحزب العمال، قال فيه إن “زعيم الحزب عبد الله أوجلان أطلق نداء تاريخياً عبر الوفد الذي زاره، وقد أعلنا وقف إطلاق النار بهدف تمهيد الطريق لاتخاذ خطوات عملية”.
وأكد البيان وفقاً لوسائل إعلام عراقية كردية نقلاً عن اللجنة التنفيذية للحزب إنها “ليست قلقة وتدرك جيداً الصعوبات التي تنطوي عليها أعمالها”، معربة عن سعادتها لـ”الاستقبال الإيجابي لدعوة أوجلان ووقف إطلاق النار في الداخل والخارج”، مشددة أنه “من أجل نجاح العملية، إلى جانب التفكير العميق والخطوات المشتركة، فإن الاستفادة الجيدة من الوقت أمر مهم أيضاً”.
وأضاف أن “العملية لم يشُبها أي أوجه قصور، وقد اتخذ الحزب الخطوات اللازمة”، داعياً إلى أن “الدعم الملموس والخطوات العملية يجب أن تحل محل الفرح والتمني”، مشيراً إلى أن “هناك من ينتقد وقف إطلاق النار الذي أعلناه قبل 15 يوماً، ويقولون إن هذه الخطوة غير كافية، في حين أنه إذا لم تصمت الأسلحة، فلن يكون هناك أي حوار صحي، ناهيك عن خطوات عملية”.
وتابع “بالتأكيد لا يمكن اعتبار وقف إطلاق النار من جانب واحد خطوة عملية، ولكي تتخذ خطوات عملية، من الضروري إسكات جميع الأسلحة”، مشيراً إلى “انخفاض في هجمات الجيش التركي على مقاتليه (مقاتلي الحزب) مقارنة بالمرحلة التي سبقت وقف إطلاق النار”، مستدركاً “لكن ذلك لا يزال غير كاف”.
وأوضح، أنه “في الأسبوعين الماضيين، حيث كان هناك وقف إطلاق نار من جانب واحد، كانت هناك 73 غارة جوية، و4175 هجوم مدفعي للمناطق، كما استخدمت أسلحة محظورة 8 مرات”، معتبرة أن “الجدية والحساسية والصبر في هذه المرحلة أمور مهمة، كما أن إطلاق سراح عبد الله أوجلان يعد ضرورياً”.
وكان وزير الدفاع التركي يشار غولر، قد دعا الجمعة الماضية، حزب العمال الكردستاني إلى حل نفسه، وتسليم أسلحته من دون قيد أو شرط وبأسرع وقت، ولن نسمح بتخريب مسار حل تنظيم العمال الكردستاني نفسه، أو استغلاله أو إطالته، وسيتم اتخاذ نهج حذر وعقلاني أساساً لهذا المسار.
في السياق ذاته، قال جميل بايك، أحد قادة حزب العمال الكردستاني لوسائل إعلام كردية، إن “عقد مؤتمر في هذه الظروف مستحيل وخطير”، في إشارة إلى عقد مؤتمر حل الحزب. وأضاف: “كل يوم، تحلق طائرات استطلاع (تركية)، كل يوم يقصفون، كل يوم يهاجمون، لكن هذا المؤتمر سيعقد إذا تم استيفاء الشروط”.
هدوء حذر في مناطق مسلحي حزب العمال الكردستاني
من جهته، أكد ضابط برتبة نقيب في قوات البيشمركة الكردية، في محافظة دهوك أقصى شمالي العراق، أن تحركات مسلحي العمال في مناطق وجودهم شمال أربيل وشرقي دهوك تراجع نشاطها كثيراً. وبيّن الضابط الذي اشترط عدم ذكر اسمه لـ”العربي الجديد”، أن “الطيران التركي لم يتوقف منذ دعوة أوجلان، وقد نُفذت عدة هجمات خلال الفترة المذكورة”. وأضاف “هناك مخاوف من قبل مسلحي الحزب الذي قيّد من تحركاته بشكل واضح”.
وكانت الدعوة التي أطلقها، أوجلان إلى حزب العمال بإلقاء السلاح والانتقال إلى العمل السياسي، قد قوبلت بردات فعل دولية مرحبة بالخطوة التي قد تنهي أربعة عقود من الصراع. وقال أوجلان في الإعلان الذي تلاه وفد من نواب “حزب المساواة وديمقراطية الشعوب” (ديم) المؤيد للأكراد، الذي زاره في سجنه في جزيرة إيمرالي، قبالة إسطنبول، إن “على جميع المجموعات المسلحة إلقاء السلاح وعلى حزب العمال الكردستاني حل نفسه”، وأكد أنه يتحمل “المسؤولية التاريخية عن هذه الدعوة”.
العربي الجديد
——————————–
سوريا الجديدة رهن التفاهمات والاختراقات/ إياد أبو شقرا
16 مارس 2025 م
كانت الصفحة الجديدة التي فُتحت في سوريا، بعد إنهاء 54 سنةً من نظام الأسد، بغنىً عن التطورات المؤلمة خلال الأيام العشرة الأخيرة.
وفي ظنّي أنَّ القيادة الجديدة في دمشق كانت على بيّنة من وجود فلول للنظام السابق، وفئات ارتزقت من تجاوزاته من دون أن تكون بالضرورة جزءاً منه.
في المقابل، أزعم أنَّ ثمة فئات سورية كانت تنظر بعين الشك إلى إمكانية التعايش مع عقيدة القيادة الجديدة، وتفسيرها للإسلام السياسي «عندما يحكم»، وبخاصة، أنَّ السنوات الـ14 الفائتة شهدت أحداثاً دينية ومذهبية وجرائم خطف وإخفاء – من مختلف الأطراف – يرقى بعضها إلى مستوى المجازر. ثم إنَّ القيادة المؤقتة الحالية، على الرغم من الشعبية الواسعة التي استحقتها، أتت في ظروف استثنائية، وتبعاً لميزان قوى ميداني لا ضمانة إطلاقاً أنَّه دائم.
أكثر من هذا، لئن كانت هذه القيادة تتمتَّع راهناً بتأييدين إقليمي ودولي فإنَّ أي مراقب عاقل يدرك جيداً أنَّها لا تحظى بتفويض مطلق، بل ثمة رصدٌ دوليٌّ لأدائها ورقابة لصيقة لتصرفاتها والتزاماتها. ولكن يظلّ لافتاً أنَّ بعض أركان القيادة يبدون مطمئنين إلى المستقبل… ربما أكثر من كثرة كاثرة من المواطنين السوريين.
من جهة ثانية، على الرغم من مؤشرات سابقة لصدام شبهِ حتمي، فإنَّ السرعة التي أُعلن فيها «التفاهم» بين سلطة دمشق الجديدة وأكراد «قسد» المسيطرين على شمال شرقي سوريا، تعطي انطباعاً قوياً بأنَّ واشنطن متعايشة تماماً مع السلطة في دمشق. وكون «قسد» جزءاً لا يتجزأ من ترتيب واشنطن للحالة السورية، فمضمون الرسالة أن وحدة الكيان السوري لن تتهدّد – بخلاف ما كان يُظن – عبر عصيان انفصالي كردي. وهكذا، يبدو أن كل ما أنجزته «قسد» خلال الفترة الماضية كان «تحسيناً لشروط» تفاهمها مع سلطة دمشق، وتشجيعاً للموحّدين الدروز في الجنوب السوري على النسج على منواله.
الموحّدون الدروز، بالذات في الجنوب السوري، يشكّلون قوة مؤثرة في المعادلة، إلا أنَّ الأمور تبدو اليوم أقل وضوحاً وربما أبطأ حسماً. ولكن المراقب الحصيف بات يشعر أنَّ «الهجمة» الإسرائيلية غير المسبوقة لـ«حماية» الدروز و«دعمهم» تربك المشهدَ في محافظة السويداء ذات الغالبية الدرزية. وهذا، مع أنَّ أي طلب درزي علني من هذا القبيل لم يقدَّم، بل يستبعد كثيرون أن تتبنّاه علانيةً أي قيادة درزية سياسية أساسية.
الدروز أدركوا «زخم» الهجمة الإسرائيلية الضاغطة عليهم عندما تكلَّم بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه يسرائيل كاتس عن مبلغ المليار دولار الذي رصدته إسرائيل لهذا الغرض. والمؤكد أنَّ تطوراً كهذا لا يمكن أن يكون «ابن ساعته». بل المرجّح أنَّ بذرته بُذِرت قبل فترة غير قصيرة داخل سوريا، وأيضاً في لبنان وبلدان الاغتراب، وفي مقدّمها الولايات المتحدة… حيث يتمتع «اللوبي الإسرائيلي» بهامش واسع للحركة والإغراء والضغط والاختراق الاستخباراتي.
وبالفعل، بينما عمل مناضلو السويداء – من مختلف التنظيمات والفصائل – للتوصّل إلى تفاهمات مع دمشق صوناً للوحدة الوطنية، وتأكيداً للعلاقات الأخوية بين المكوّنات السورية، كانت ثمة قوة تمارس «الفيتو» وترفع السقف وتشكّك في التفاهمات. وفي اعتقادي أنَّه، حتى إزاء المنطقة الجنوبية، أي محافظات السويداء ودرعا والقنيطرة، لا توجد خلافات أساسية تذكر بين أولويات واشنطن وحسابات نتنياهو في مقاربة مستقبل المنطقة.
ونصل إلى الساحل الجريح، حيث الكثافة السكانية العلوية في أرياف محافظتي اللاذقية وطرطوس وضواحي مدن الساحل الأربع؛ أي اللاذقية وطرطوس وجبلة وبانياس.
إنَّ تحرّك جماعات مسلحة محسوبة على النظام، أو بعض أجنحته، ما كان ليحدث لولا الدعم الإيراني. وفعلاً، لم تُخفِ التصريحات الإيرانية الرسمية، التي سبقت التحركات وتداعياتها الفظيعة، موقفَ إيران بأنَّ سلطات دمشق الجديدة غير مرغوب فيها، وأنَّ بقاءها مؤقت. ولكن قد يتساءل المرء هنا عمّا إذا كانت القيادة في طهران أخطأت قراءة المعطيات، وأساءت فهم علاقة سلطة دمشق الجديدة بالمجتمع الدولي، وبالذات، واشنطن.
المنطق يقول إنَّ الاستراتيجية الأميركية – الإسرائيلية ضد عودة النفوذ الإيراني. وهذا ما قد يفسّره وجود «سقف» لفظي لرد فعل التحرك الأميركي – الروسي في مجلس الأمن على المجازر التي ارتكبت في الساحل خلال الأسبوع الماضي، وقدّر عدد ضحاياها بنحو 1225 قتيلاً.
إذ ندّد مجلس الأمن بـ«المجازر» بحق المدنيين، وطالب سلطة دمشق بـ«حماية جميع السوريين من دون تمييز»، وأدان العنف في محافظتي الساحل، وبالأخص بحق المدنيين العلويين. ثم دعا السلطة إلى ملاحقة «كلّ المسؤولين» عن أعمال العنف أمام القضاء، واتّخاذ «تدابير كي لا تتكرّر هذه الأفعال، بما فيها أعمال العنف التي طالت أشخاصاً بسبب انتمائهم الإثني أو ديانتهم أو معتقداتهم».
ختاماً، أعلنت في دمشق «مسودة الإعلان الدستوري»، وجاء عدد من نقاطها مثيراً للجدل بالنسبة للبعض، ولا سيما لجهة الحصر الفعلي للسلطات في يد الرئيس، وجعل الفترة الانتقالية خمس سنوات، وحلّ المحكمة الدستورية، ومنح الرئيس – ولو مؤقتاً – حق تعيين محكمة دستورية جديدة.
بالنسبة للمنتقدين، كان من الأفضل تفادي التذكير بالماضي القريب. وبالتالي، توسيع دائرة التمثيل وطمأنة المكوّنات بدلاً من الإصرار على «تجربة المجرّب» وإعادة استنهاض الهواجس.
إنَّ التنوّع يثري سوريا ويحميها، ناهيك من أنها بحاجة في هذه المرحلة لجهود كل الكفاءات وإسهامات كل المخلصين من دون إقصاء أو تهميش.
الشرق الأوسط»
————————————–
سوريا… انطلاق العجلة/ عالية منصور
15 مارس 2025
تتسارع الأحداث في سوريا بسرعة كبيرة، وفي كل يوم ثمة شيء جديد. فتنة في الساحل ظنها البعض بداية مشروع تقسيم سوريا وتفتيتها، وبينما الجميع يراقب ويترقب ما يحصل في جبال الساحل السوري ومدنه، فإذا بالرئيس السوري أحمد الشرع يستقبل في قصر الشعب، القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) مظلوم عبدي ويوقعان اتفاقا وصف بالتاريخي.
اتفاق أنهى مشروع فتنة عربية-كردية، تم دون قتال، ووحد سوريا عمليا، وقضى على مشروع راهن عليه الكثيرون في الخارج والداخل لتقسيم سوريا وتفتيتها.
أهم ما في الاتفاق، والذي يحتاج تنفيذ بنوده إلى آخر العام الحالي، هو وحدة الدولة السورية وعاصمتها دمشق، وللدولة جيش واحد لا جيشان، واعتراف رئيس الجمهورية السورية بالمجتمع الكردي كجزء أصيل من سوريا.
إذن لا تقسيم ولا إقصاء، ولكن لم تنته القصة هنا. فبينما كان السوريون يحتفلون بتوقيع الاتفاق كانت الأنباء تتوالى عن قرب التوصل إلى تفاهم، مع محافظة السويداء ذات الغالبية الدرزية.
وصحيح أن تفاهمات مبدئية تمت مع عدة فصائل وجهات سياسية في المحافظة، إلا أن الوضع في السويداء ليس كالوضع في المناطق التي تسيطر عليها “قسد”. ففي السويداء هناك عدة جهات، وليست هناك “قيادة” موحدة، فإن تم التفاهم مع جهة اعترضت جهة أخرى، وبعض هذه الاعتراضات يرتبط بمن يرى نفسه “الأحق” بتمثيل المحافظة وتمثيل الموحدين الدروز في سوريا، فهناك طموح “الزعامة” ولا يستخف أحد بما قد يفعله مثل هذا الطموح في عقول البعض.
ذهب شيخ العقل حكمت الهجري بتهديداته للدولة السورية، لم يبد أي اكتراث حقيقي بـ”الدولة الوطنية” التي استخدمها ذريعة منذ اليوم الأول، لسقوط نظام بشار الأسد، واستلام أحمد الشرع زمام الأمور، فتحول خطابه إلى خطاب طائفي تقسيمي بامتياز، ولم تغب إسرائيل عن المشهد، فكانت زيارة بعض مشايخ العقل في القرى الحدودية إلى إسرائيل. ولكن من أجل كل ذلك، على الشرع والقيادة في دمشق الاستمرار في التواصل مع عقلاء الطائفة والوطنيين، ولا تسمح لفئة أن تهمش فئات في السويداء وغيرها.
بين هذا وذاك صدر الإعلان الدستوري، وهو إعلان تسبب في حالة اعتراض عند الكثيرين، فرأوا فيه مشروع قيام ديكتاتورية جديدة في سوريا، تنحصر معظم الصلاحيات فيها بيد رئيس الجمهورية. فيما رأى آخرون أن المرحلة الاستثنائية التي تمر بها سوريا، تحتاج إلى نظام رئاسي تتركز فيه الصلاحيات بيد رئيس الجمهورية، فلا تدخل البلاد في رحلة التعطيل خلال المرحلة الانتقالية، كما حصل في بعض الدول بعد تجارب الربيع العربي.
لقد عانى السوريون كثيرا طيلة سنوات حكم “البعث” والأسدين، ودفعوا أثمانا باهظة جدا ليتحرروا من الديكتاتورية، ومن الطبيعي أن يكون اليوم “عامل الثقة” هو الأضعف، وخصوصا إذا ما راقبنا اليوم الانقسام الحاصل، حيث لم يعد الانقسام بين ثورة ونظام، بل بين من يريد العدالة ومن يطالب بالتسامح، من يريد دولة المواطنة والمساواة ومن يريد دولة تحكمها الشريعة والأكثرية التي همشت طيلة 54 عاما، بين من يريد سوريا موحدة، ومن يلوح بالانفصال والتقسيم، لابتزاز السلطة في دمشق عند كل مفترق، بين من يريدها علمانية خالصة ومن طالب بالفقه مصدرا للتشريع ومن يطالب بالشريعة.
في سوريا الكثير من الألغام، ولكن هناك اليوم أيضا الكثير من الفرص، والفرصة الأهم هي بتحاور السوريين ليصلوا إلى أكبر حيز من المشتركات بين بعضهم البعض، وقد تكون فكرة مؤتمر الحوار الدائم، فكرة تقلص من حجم الانقسامات، بعد إعادة التأكيد على ما اتفق عليه، “سوريا دولة موحدة يتساوى فيها الجميع”.
الألغام ما زالت مزروعة بكثرة في سوريا، وتفكيكها قبل أن تبدأ بالانفجار مجددا يحتاج إلى جهود الجميع، واليوم سوريا بحاجة إلى انطلاق مسار إعادة الإعمار والنهوض الاقتصادي، بحاجة إلى رفع العقوبات، وهذا إن حصل سينزع فتيل الكثير من الألغام، وسيسحب من بين أيادي المخربين الخارجين ورقة يستخدمونها في الداخل.
ولنتذكر أنه وقبل أشهر من اليوم، كانت طائرات جيش نظام بشار الأسد، تلقي البراميل المتفجرة فوق رؤوس السوريين، وها هي مروحيات الجيش اليوم تلقي الورود على المحتفلين بعيد الثورة، وهذا ليس تفصيلا، هذا الإنجاز الذي تحقق بدماء وتضحيات الملايين، يجب أن نتمسك به جميعا للعبور إلى سوريا التي نريد.
المجلة
————————————
اتفاق “دمشق” و”قسد” يعد بتقليص العجز وجذب الاستثمارات/ جنى العيسى
تحديث 16 أذار 2025
الاتفاق الذي وصف بـ”التاريخي”، بين الرئيس السوري للمرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، وقائد “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، مظلوم عبدي، حول دمج الأخيرة بمؤسسات الدولة السورية، يبشر، إن اكتمل، بانعكاسات إيجابية على مختلف الصعد، ربما أبرزها القطاع الاقتصادي، لما تضمه الجزيرة السورية من ثروات ومحاصيل استراتيجية، قد تعزز مصادر خزينة الدولة وتخفف فاتورة تأمين هذه المواد.
لم تتضح حتى الآن تفاصيل الاتفاق في الشأن الاقتصادي، إلا أن أحد بنود الاتفاق تضمن دمج المؤسسات المدنية والعسكرية في شمال شرقي سوريا ضمن إدارة الدولة السورية، بما فيها المعابر الحدودية وحقول النفط والغاز.
تشكّل الجزيرة السورية مركز ثقل اقتصادي، وتعد المنطقة الأكبر التي تضم حقولًا وآبارًا نفطية، إذ تشير الإحصائيات الصادرة عن منظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول (أوابك)، إلى أن إنتاج سوريا من النفط بلغ عام 2011 نحو 385 ألف برميل يوميًا، كان يتم تكرير 238 ألف برميل منها محليًا، ويتم تصدير المتبقي منها بعائد سنوي قدره نحو 3 مليارات دولار تقريبًا، فيما تعاني سوريا حاليًا من أزمات في تأمين المواد النفطية وتستوردها بكميات لا تلبي الحاجة.
إلى جانب آبار النفط والغاز، تعد منطقة الجزيرة أرضًا زراعية خصبة لأهم المحاصيل الاستراتيجية، أبرزها القمح والشعير والقطن، وهي محاصيل تعرضت لخسارات كبيرة خلال السنوات الماضية، بعد أن كانت مصدرًا رئيسًا لملء خزينة الدولة.
نقلة مهمة
يمثل الاتفاق بين حكومة دمشق و”قسد”، في حال تطبيقه، نقلة مهمة ستنعكس على الاقتصاد السوري بما يتوفر في تلك المناطق من ثروات، وهذا سيدعم خزينة الدولة شبه الفارغة، أو على الأقل سد الاحتياج المحلي من المواد النفطية، وفق ما ذكره تقرير صادر عن مركز “حرمون للدراسات المعاصرة” نشر في 14 من آذار الحالي.
وأوضح التقرير أن فتح تلك المناطق على المناطق السورية الأخرى سيعزز الحركة التجارية ويخلق فرص عمل، ويسهم في تحسين الخدمات والمستوى المعيشي للسكان، وخاصة مشاريع الكهرباء والمياه، وكذلك سينعكس الأمر على إعادة الإعمار، فوحدة سوريا واستقرارها ستسهم في جذب رؤوس الأموال للاستثمارات، وستشجع الدول على البدء بمشاريع إعادة الإعمار، إذ يعتبر وجود حكومة مركزية عاملًا دافعًا للاستثمار والدعم.
إيرادات وخدمات وغذاء
تشير التقارير إلى أن مناطق شرق الفرات التي تسيطر عليها “قسد” تضم حوالي 90% من الثروة النفطية و45% من الغاز الطبيعي في سوريا، إذ تسيطر على 43 من أصل 78 حقلًا نفطيًا، كذلك فهي تسيطر على أهم حقول النفط في سوريا مثل “الرميلان” و”السويدية” و”العمر” و”التنك”.
عودة حقول النفط والغاز الطبيعي إلى الحكومة السورية تعني زيادة إنتاج النفط والغاز، وهذا ما سيؤدي إلى تخفيض فاتورة الاستيراد، بحسب ما أكده الأستاذ في كلية الاقتصاد بجامعة “حلب” الدكتور محمد الغريب لعنب بلدي.
وأضاف الغريب أن الإنتاج المحلي من النفط والغاز في هذه الحالة سيغطي نسبة كبيرة من الاحتياجات المحلية، وهذا سيؤدي إلى تقليص العجز بالميزان التجاري في سوريا، وتخفيض المدفوعات بالقطع الأجنبي، ما يسهم في تحسن قيمة الليرة بشكل حقيقي.
عودة حقول الغاز الطبيعي ستسهم بتحسن واقع الكهرباء في سوريا، وهو ما سيدعم القطاع الصناعي بشكل أساسي ويسهم في عودة عجلة الإنتاج، بالإضافة إلى تحسن الوضع المعيشي للمواطنين وتخفيض تكاليف الكهرباء التي يدفعها المواطن.
من ناحية أخرى، يتوقع الدكتور محمد الغريب أن ترفد إيرادات النفط والغاز خزينة الدولة بإيرادات كبيرة، وبذلك ستتمكن الحكومة من زيادة قيمة الموازنة العامة للدولة، بحيث يتم زيادة الإنفاق الحكومي على مشاريع البنية التحتية وإعادة الإعمار من جهة، والإنفاق على زيادة الرواتب من جهة أخرى، وهذا يعني تحسن الوضع المعيشي للمواطن السوري، وهو ما سينعكس بالضرورة على زيادة الإنفاق الاستهلاكي للمواطن وبالتالي تنشيط الأسواق والحركة التجارية.
حول الثروات الزراعية الموجودة شرقي البلاد، أشار محمد الغريب إلى أن منطقة الجزيرة تعتبر السلة الغذائية لسوريا، فهي تتضمن أهم المحاصيل الزراعية وعلى رأسها القمح والقطن، إذ تنتج منطقة الجزيرة أكثر من مليوني طن من القمح سنويًا، وهو ما يعادل 55% من إنتاج سوريا من القمح، وكذلك تنتج أكثر من 500 ألف طن من القطن، وهو ما يعادل 78% من إنتاج البلاد.
ستسهم سيطرة الدولة على هذا الإنتاج الزراعي الاستراتيجي في توفير نسبة كبيرة من الاحتياجات المحلية، ومستقبلًا يمكن تصدير الفائض من المحاصيل الزراعية، وهذا ما سيحقق وفرًا في القطع الأجنبي، ويساعد في تحسن قيمة الليرة السورية بشكل ملموس.
حول أولويات القطاعات الاقتصادية التي يجب العمل عليها شمال شرقي سوريا، يرى الدكتور محمد الغريب ضرورة دعم القطاع الزراعي من خلال إنشاء المشاريع الإنمائية الزراعية، ودعم المزارعين من خلال قروض التمويل الأصغر، وتوفير الاحتياجات الضرورية للمزارعين، وهذا بدوره سينعكس على تحسن الإنتاج الزراعي.
ويجب الالتفات إلى دعم مشاريع البنية التحتية في مناطق شمال شرقي سوريا، مثل الطرق والجسور والكهرباء وتوفير المياه لمختلف المناطق، وفي مرحلة لاحقة يجب أن يتم التوجه إلى دعم المشاريع الصناعية وقطاع الخدمات في المنطقة.
إمكانات تنتظر الاستغلال
في 2010، قدّرت دراسات دقيقة أجرتها المؤسسة العامة للنفط الاحتياطيات النفطية في سوريا بنحو27 مليار برميل من النفط و678 مليار متر مكعب من الغاز، دون حساب احتياطيات المناطق البحرية، ما يشير إلى إمكانات هائلة في هذا القطاع تنتظر الاستغلال، وفق ما يرى الخبير الجيولوجي المتخصص في اكتشاف النفط والغاز رياض النزال.
النزال أشار في مقال رأي نشر مطلع العام الحالي إلى حاجة ملحة لاستغلال كافة الموارد المتاحة لدعم جهود إعادة الإعمار وبناء الاقتصاد، مركزًا بشكل رئيس على ضرورة تعافي قطاع النفط، لأنه يمثل أهم ركائز الاقتصاد السوري وأبرز روافده المستقبلية.
وأوضح رياض النزال، أنه لاستثمار احتياطيات النفط، يتطلب الأمر إعادة هيكلة شاملة للقطاع النفطي في سوريا، إذ يجب أن تبدأ هذه الجهود بتأهيل الحقول العاملة وإعادتها للإنتاج بشكل تدريجي، وفق خطة متكاملة تعتمد على الكوادر الوطنية المؤهلة.
كما ينبغي تشجيع عودة الشركات الأجنبية للاستثمار في القطاع، مع ضرورة مراجعة شروط عقود الخدمة، بما يضمن تحقيق استثمار مستدام يعزز من إمكانيات القطاع ويضمن تنمية المجتمعات المحلية في المناطق التي تحتضن هذه المشاريع.
ينبغي إعطاء الأولوية لتشغيل حقول “السويدية” و”الرميلان” و”كرا تشوك” و”حمزة” و”اليوسفية” و”شرق خربت” في شمال شرقي سوريا، لجاهزيتها النسبية وإنتاجيتها العالية وارتباطها بمنشآت معالجة الغاز في محطة الغاز المرافق بـ”السويدية”، لتوليد الكهرباء والغاز المنزلي، و”محطة تل عدس” لمعالجة وضخ النفط.
بينما تحتاج حقول دير الزور الى جهد أكبر من إعادة تأهيل وتشغيل وربط الآبار المنتجة بمحطات التجميع من حقول “العمر” و”التيم” و”التنك” و”الورد” و”نيشان” و”أبو خشب”، وينطبق الأمر ذاته على حقول الغاز في المنطقة الوسطى، لارتباطها المباشر بمحطات توليد الكهرباء التي تغذي المدن والمناطق الصناعية.
في السياق نفسه، يجب إدخال حقول جديدة في الإنتاج عبر تفعيل الحملات الاستكشافية لتقييم التراكيب الواعدة في محافظات الحسكة ودير الزور وحمص، التي أثبتت الدراسات والمسوحات الزلزالية وجود شواهد نفطية فيها قبل عام 2011، كما يجب التوسع في الاستكشاف ضمن المياه الاقتصادية السورية في البحر المتوسط.
عنب بلدي
——————————–
اتفاق دمشق و”قسد”: هل يضع يد الحكومة على النفط السوري؟/ أحمد الكناني
16 مارس 2025
منذ إعلان دمشق عن اتفاق نهائي أجرته مع قائد قوات سوريا الديمقراطية “قسد”، توجهت الأنظار إلى الأبعاد الاقتصادية الجديدة التي يرسمها الاتفاق، حتى وإن كان عموميًا في بنوده، إلا أن بند الاندماج في المؤسسات بما فيها المعابر، المطار، حقول النفط، والغاز، يرسم شكلًا اقتصاديًا للمرحلة القادمة.
وتشكل العلاقة الاقتصادية بين دمشق و”قسد” أحد أبرز النقاط التي جرى التفاوض عليها، ولا سيما أن “قسد” تسيطر على معظم مناطق الثروات السورية نفطًا وزراعة، وعليه يتوقع البعض أن يتيح الاتفاق توزيعًا عادلًا للثروات على كامل الأراضي السورية، بإشراف الحكومة المركزية، إلا أن ذلك يستدعي خطوات متتالية بالتنسيق مع الإدارة الذاتية.
ضبط المعابر والحدود
تمتد المناطق التابعة للإدارة الذاتية على أجزاء كبيرة من المحافظات السورية، وهي دير الزور، الرقة، والحسكة، وتقع داخل هذه الجغرافيا معظم حقول النفط السورية والتي كانت تنتج قبل اندلاع الثورة السورية 400 ألف برميل نفط يوميًا، وما نسبته 60 إلى 70% من إنتاج الغاز الطبيعي، ما يشكل تحديًا جديدًا أمام الحكومة السورية في إدارة هذه المقدرات.
يشير الباحث والصحفي الاقتصادي سامر الأحمد، والذي أجرى العديد من الدراسات الخاصة بالثروات في منطقة الجزيرة، إلى أهمية ضبط المعابر والحدود والتي جاءت في الاتفاق الأخير، إذ يوجد العديد من المعابر الحدودية كاليعربية مع العراق، ومعبر نصيبين، ورأس العين، وتل أبيض مع تركيا، إضافةً إلى معابر أخرى مثل سيمالكا مع إقليم كردستان العراق، وهي على امتداد مساحات جغرافية شاسعة، ومنها تنتج الإدارة الذاتية معظم النفط السوري، عدا عن الثروة الزراعية وتشكل قرابة 60% من إنتاج سوريا للقمح، و90% من إنتاج القطن.
الباحث الاقتصادي أشار إلى أن مناطق الإدارة الذاتية شكلت سوقًا نفطيًا لمقدرات المنطقة، وعملت على كسب الأموال من خلال تصديرها النفطي للعراق، وبيعه لمناطق شمال غرب الفرات ومحافظة إدلب، عدا عن حصة وقدرها 40 ألف برميل شهريًا عبر وساطة “شركات القاطرجي”، وعليه يشكل الاتفاق الأخير ضبطًا كبيرًا لعمليات التهريب وبيع مقدرات البلاد، وإدخالها في الاقتصاد الوطني.
توزيع الذهب الأسود
على الرغم من عدم وجود تصريحات رسمية حول الإنتاج اليومي للنفط في مناطق الإدارة الذاتية، يعتقد الباحث في “مركز عمران للدراسات الاستراتيجية”، أسامة شيخ علي، وحسب دراسات أجراها أن الإدارة الذاتية تنتج كمية وسطية من النفط تتراوح بين 70 ــ 80 ألف برميل يوميًا، كان يباع لدمشق منها ما نسبته 70%.
الباحث في “مركز عمران” لفت إلى أن الاتفاق بين دمشق وقوات سوريا الديمقراطية أمني وعسكري بالدرجة الأولى، وستتبعه لاحقًا اتفاقيات سياسية واقتصادية أكثر تفصيلًا خاصة في مجال المعابر وحقول النفط والغاز، ولهذا السبب أعطي الاتفاق مهلة حتى نهاية العام الحالي، منوهًا إلى أن العوائد المادية بالنسبة لدمشق ستأخذ بعض الوقت.
دمج هيئة الطاقة
وحول ضبط الثروات النفطية وإنتاجها وآلية التوزيع يؤكد الباحث والخبير الاقتصادي يونس الكريم أن ما تسمى “هيئة الطاقة” التابعة لقوات سوريا الديمقراطية هي الجهة الرسمية والمسؤولة عن ثروات النفط والغاز والكهرباء.
وأشار الكريم إلى أن “هيئة الطاقة” مسؤولة عن إنتاج وتكرير النفط في الحقول الواقعة تحت سيطرتها والتي تمثل 80% من النفط السوري، وتقوم ببيعه وتصديره عبر مندوبين، ويتم ذلك بموجب عقود رسمية تخضع للرقابة والمحاسبة من قبل قوات سوريا الديمقراطية، وعليه تضمن عملية الاندماج مع دمشق إعادة الإدارة الاقتصادية لمقدرات وثروات البلاد.
انعكاسات داخلية
وحول المنافع الاقتصادية على الداخل السوري يؤكد الباحث الاقتصادي يونس الكريم أن وضع السلطة السورية يدها بشكل حقيقي على الثروات سيؤمن احتياجات البلاد من المحروقات، ويؤدي إلى تحسن ملحوظ في الواقع المعيشي من شأنه تخفيف الضغط الداخلي الناتج عن ارتفاع نسب البطالة.
ولفت إلى أن تنفيذ بنود الاتفاق سيحسن من كفاءة مؤسسات الدولة، وزيادة نوعية الخدمات المقدمة للمواطنين، وتسريع عجلة إعادة الإعمار، والأهم تحسين العلاقات مع المؤسسات التمويلية الدولية المانحة للمساعدات.
وتشير التسريبات الصادرة عن شخصيات مطلعة بأن المحافظات الشرقية ستأخذ نسبة من عائدات النفط لصالح التنمية فيها، وأن العائدات لن تُسلم لـ”قسد”، بل ستذهب إلى ميزانية المحافظة، علمًا أن المنظمات الدولية بدأت بإيقاف دعمها للإدارة الذاتية.
وتسعى اللجان التنفيذية إلى تطبيق الاتفاق بما لا يتجاوز نهاية العام الحالي، ويُعتقد أنه خلال هذه الفترة ستعمل السلطات السورية على الدخول لمناطق الإدارة الذاتية، ودمج المؤسسات بشكل كامل مع المركز دمشق، وعليه تبدأ الانعكاسات الإيجابية على الوضع الاقتصادي في سوريا.
الترا سوريا
———————
============================
=======================
عن التدخل الاسرائيلي السافر في سورية الجديدة، ملف تناول “شهية إسرائيلية لتفتيت سوريا” – تحديث 16 أذار 2025
تحديث 16 أذار 2025
—————————–
لمتابعة مكونات الملف اتبع الرابط التالي
التدخل الاسرائيلي السافر في سورية الجديدة
—————————-
الدروز بين الشرع وإسرائيل/ عبد الرحمن الراشد
16 مارس 2025 م
تاريخياً، إيرانُ الخميني تعاونت عسكرياً مع إسرائيلَ، وكذلك فعل عراق صدام. واستقبل شيعةُ لبنانَ قواتِ إسرائيل ونثروا عليهم الرُّز والوردَ، ولجأ مسيحيُّو لحد إليها.
إسرائيلُ خبيرةٌ في صراعات المنطقة، واليوم تعرض مساعدتَها على دروز سوريا تحثُّهم على التَّمرد. فهل يقبلُ الدروز؟ وهل يسكتُ الشرع؟
تستهدف إسرائيلُ دمشقَ مع أنَّ حكومة الشرع بادرت مبكراً للتصريح بأنَّها لا تريد معاداتها، وتشترك معها في العداء لطهرانَ و«حزب الله».
إسرائيل ربَّما مرتابة من حقيقة نيات النظام السوري الجديد تجاهها، وتبني شكوكَها على طبيعة النظام ذي الجذور الدينية السياسية المتطرفة.
لكن لإسرائيل سبب آخر، فهي تنتهج استراتيجيةً مختلفة في أعقاب هجمات أكتوبر (تشرين الأول) 2023، ففي السابق، كانت تكتفي بالتفوق العسكري الدائم، وتتعامل مع ما قد تتعرَّض له من هجمات وخسائرَ هامشية. وكانت كبرى الخسائر التي ألحقتها «حماس» بإسرائيل 73 قتيلاً في عام 2014 في مواجهات دامت خمسين يوماً.
في أكتوبر 2023، نفذت «حماس» في يوم واحد عملية ضخمة قتلت أكثرَ من ألف إسرائيلي. دفع الهجوم إسرائيلَ لتبني استراتيجية دفاعية جديدة، وقرَّرت ألا تكتفي بمفهوم الردع من خلال التفوق العسكري. قالت إسرائيل إنَّها لن تسمح بعد اليوم بوجود قوى تهددها في محيطها الجغرافي، ولهذا قضت أولاً على قيادات وقدرات «حماس» و«حزب الله»، وتسببت في إسقاط نظام الأسد. ثم عمدت إلى بناء ثلاث مناطق حدودية عازلة أوسع، في قطاع غزة، وجنوب لبنان، وكذلك في الجولان.
ويبدو أنَّها الآن تريد استغلال التوترات في سوريا، تحديداً في المناطق ذات الأغلبية الدرزية بالسويداء، والعلوية في الساحل، لنسج تحالفات دفاعية.
يخطئ من يلجأ إلى تبسيط التطورات الجديدة، باتهام الدروز أو العلويين. هذه مناطق قلقة من الأصوات المتطرفة الموالية لدمشق، كذلك تنشط فيها فلولُ نظام الأسد وإيران و«حزب الله» التي تثير الخوف من دمشق.
وعن خصوصية العلاقة الإثنية مع إسرائيل، ففي داخل إسرائيل، المسلمون الدروز هم مثل المسلمين السنة، جزء من الدولة العبرية، يحملون هويتَها ويشاركون مجتمعها.
التحليل الخاطئ الآخر هو الجزم بأنَّ إسرائيلَ تسعى لضمّ مناطق دروز سوريا، لأنَّ ضم سبعمائة ألف درزي سيهدد التوازنَ الديموغرافي الهش داخلَ الدولة اليهودية. الأرجح أنَّ إسرائيل ستعمل بجد لدعم فكرة إقليم درزي ذاتي الحكم عن دمشق، يعزّز حزامَها الأمني. وهذه تعوّضها جزئياً عن غياب الترتيبات الأمنية التي أبرمت مع الأسد الأب ثم الابن، وعاشت بفضلها الجبهةُ السورية الإسرائيلية سلاماً أكثر حتى من الأردنية والمصرية.
لأنَّ خصومَ الشرع يدركون صعوبةَ إسقاط نظامه، ويبقى البديلُ عندهم خلق مناخِ صدام مع الإسرائيليين.
هذا سيضطر دمشق إمَّا إلى التوصل إلى تفاهمات مع الدولة العبرية، كما فعل الأسدان من قبل، أو التصالح مع المناطق المضطربة بتقديم مزيد من التنازلات. لا يوجد خيار ثالث.
لإخماد الفتن والاضطراباتِ، سيحتاج نظامُ الشرع إلى ترجمة عملية لمفهوم «الدولة الوطنية». في رأيي الدستور الانتقالي مليء بالثقوب، لكن أي بديل له لن يفيَ بكل المطالب والتوقعات. الشرع ليس زائراً مؤقتاً في دمشق، بل يريد أن يضمنَ سلطته ووجودَه على رأسها، السؤال: هل بمقدوره تحقيق التوافق وتحقيق الدولة الوطنية التي وعد بها؟
الأسدان من قبله حاولا ما يفعله الشرع اليوم. صاغا دستوراً يحدّد إسلاميةَ الرئيس، والمرجعية الفقهية، ومنحا كثيراً من المواقع السّيادية للرفاق من السنة، خدام وطلاس والشرع. لكن هذا الديكور لم يَبنِ دولة حقيقية ولم يكسب ولاءات السوريين، حتى العلويون ثاروا ضد بشار. سيحتاج الشرع إلى أن يكمل ما بدأه ويبني الثقة مع الجميع.
وهناك المطالب الدولية، دولة مدنية تستوعب عموم السوريين، خالية من الميليشيات الأجنبية. هذا ما تتَّفق عليه جميع دول مجلس الأمن دائمة العضوية الخمس، التي من النادر أن تتفق.
الدولة الوطنية المنشودة في الحالة السورية ليست إمارة إدلب الصغيرة، ولا حكومة خاصة برفاق السلاح من «هيئة تحرير الشام»، ولا توجهها حسابات السوشيال من فرقاء الثورة السورية الذين يصرّون على الفرز والإقصاء ضد من يعدّونهم محسوبين على النظام السابق أو تعاملوا معه. هؤلاء ينظرون إلى سوريا المستقبل من الماضي، في حين أن دمشق مهددة بتحديات أخطر، وبعضها لم ينفجر بعد.
الشرق الأوسط»
—————————
سوريا والجوار: إعادة تشكيل الخطاب/ أحمد جابر
السبت 2025/03/15
تسارعت الأحداث السورية بعد فرار منظومة السيطرة الأسدية، وتوالت التطورات، فكان لها وقع المفاجأة، مثلما كان لها “صدمة” اللامتوقع، في أوساط سياسية متابعة، وفي أوساط استعملت عدّتها الفكرية القديمة، فما أصابت، ولجأت إلى ما هو موروث من تحديد مُدُني شائع، أو حزبيّ متقادم ومعروف، فخابت وضلّت الطريق إلى التقاط مغزى المشهد الجديد الذي نقل سوريا من ضفّة إلى ضفّة، فانتقل معها المراقبون الذين لم يتوانوا عن تبديل المواقف والضفاف.
“الحبكة” السورية، لم تتضح كل خلفياتها، لكن محاولة الانقلاب الأخيرة على الوضع الجديد، ساهمت في إلقاء الضوء على ألوان من خيطانها. بعض الخيطان كان في مرمى التخمين، وبعضها كان في “مدى” الظن، وبعضها كان في دفاتر التوجّس والاحتمال… حصيلة كل ذلك، اجتمعت في عنوان واحد كانت له الغلبة، هو عنوان تأمين قاعدة ارتكاز داخلية، لتكون لاحقاً نقطة انطلاق صوب المدى السوري، لاستعادته من السلطة الجديدة، فإذا تعذّر الفوز بالكلّ السوري، يُكتفى بالجزء منه، على حساب الجغرافيا السورية، وعلى حساب الشعب السوري، ومن دون التفات إلى مصير الأخير الذي يمكن أن تُلقى فيه سوريا الكيانية.
في العادة، وعند كل حدث مفصلي، يطرح سؤال: من المستفيد؟ هذا السؤال يحضر الآن في الواقع السوري الجديد، والجواب عنه يكون قاصراً إذا قيل: إن المستفيد هو العدو الإسرائيلي. هذا تحصيل حاصل جرى اجتراره طويلاً، وهو مائل للعيان اليوم في الجولان وفي جنوب لبنان، لذلك يصير الاستطراد بالسؤال ضرورياً لكي يبلغ الجواب فسحة النور. إذن، واستطراداً، من المستفيد من اللعب في الميدان السوري اليوم؟ لقد قيل إن فلول النظام السابق هي التي قامت بالانقلاب، وإن تلك الفلول قد تلقّت دعماً خارجياً، وإن قيادتها باتت معلومة، ومعلوم أيضاً من حرّكها، ومن قاد تحركاتها الميدانية.
العلم بأدوات الجريمة، وبهوية المجرمين أمر مهم، ومهم أيضاً العلم بالمحرّض وبالداعم وبالمتدخل، لكن الأهم سيبقى الوقوف أمام نتائج التدخل، وأمام حصيلة الاشتباك الذي ذهب ضحيته المئات من المدنيين، في عملية تصفية وحشية. هذا على صعيد سوري أهلي خاص، والأهم سيبقى موضوع الموقف من الأطراف المتداخلة التي أشير إليها بالبنان وبالبيان.
الرد الرسمي السوري، كان واضحاً في الإدانة، وفي التمسك بمحاسبة القتلة الذين استهدفوا المدنيين، وكان الرّد واضحاً في اختيار إفشال أهداف الانقلاب في بعدها الانشقاقي الاقتتالي الأهلي، وفي بعدها التحالفي الخارجي، الرد السريع منع الاستثمار في الفتنة الطائفية والمذهبية، مثلما منع احتمال التدخل الخارجي، عندما كسر مرتكزاته الداخلية.
خطاب وخطاب
لقد فوجئ “الخطاب” الجاهز بالمرونة الرسمية التي أبداها أولئك القادمون من “الإسلام السياسي” واكتشف كثيرون بأن الحنكة المُدَنية ليست حِكْراً على أبناء الجمعيات، وأن السرعة في التقاط إشارات الحدث، ومن ثم التكيّف معها، ليست اختصاصاً حصريّاً لهذا الكاتب أو لذاك “المفكّر” الاستراتيجي. لعلّه يمكن القول إن مجموع البيانات والشروح التي تناولت الوضع السوري قبل المحاولة الانقلابية، ظهر تَخَلُّفها السياسي عن اللحاق بالآن السوري، بعد فشل تلك المحاولة. لقد طغى على مجموع المقاربات طابع “المطلبية”، وقليلة هي المقاربات التي تخلّت عن لغتها الوعظية الإرشادية، والأقل من هذه وتلك، النصوص التي صدرت من موقع المسؤولية عن سوريا، قبل نظامها، فسارت بمسؤولية أيضاً، على جادّة الموضوعية، وذهبت بناءً على ذلك، إلى معاينة المشهد السوري الجديد، بممكناته، وكما يقدم نفسه في الداخل وحيال الجوار، مع ما يرافق ذلك من مهمّات جِسام، ومع ما يحيق بالمحاولة الجديدة كلها، من مخاطر شديدة، وهي تدق على أبواب الواقع السوري بكل تعقيداته.
مدخل إلى الخطاب
طلب استقرار سوريا هو العنوان الأول البسيط الواضح الذي تحتاجه سوريا اليوم. الاستقرار مدخل إلى الانصراف الهادئ إلى إعادة ما هدمه النظام السابق خلال عقود طويلة.
عناصر الاستقلال، الداخلية والخارجية، هو العنوان الثاني، فالعلاقة بين الداخل والخارج وثيقة، والترابط قائم بين الوطني المحليّ، والسياسة الوطنية الخارجية. تتقدم في الداخل مهمة إعادة صياغة الوحدة الوطنية السورية، صياغة غير قسرية، وغير اختزالية، وفي هذا المجال خطا الحكم الجديد خطوات واقعية ملموسة، وتتقدم في الداخل عملية إعادة بناء “الهيكل” الدولتي العام، وإطلاق العجلة الاقتصادية. فهذه من شروط إعادة إنتاج وتوسيع القاعدة الاجتماعية للحكم الجديد. فحيث يكون يُسْرُ العيش، وحيث تكون الكفاية الاجتماعية، يتراجع الاحتقان الاجتماعي، وتتراجع إمكانات استغلال التوتر وتوظيفه في سياسات زعزعة مجتمعية.
على صعيد خارجي، لا يملك السوريون تَرَف الخصومة مع الجوار القريب، ولا يبدو أنهم يسعون إليه، لكنهم يملكون حق وموقف رفض تدخل الجوار القريب، أو المحيط البعيد، في شؤونهم الداخلية، ويملكون الحق، وعليهم واجب، مطالبة المتدخّل بالكفّ عن سياساته، والمطالبة أيضاً بمساعدتهم على الوقوف في وجه التدخلات الخارجية.
سياسة حسن الجوار، هي ما يرددها الحكم السوري حتى الآن، وسياسة التنبيه هي ما اختارها بديلاً من لغة الاتهام… لذلك من حقّ المسؤول السوري أن يدعو الآخر إلى الالتزام بعلاقة حسن الجوار وأن يعتمد ما يراه ضرورياً من سياسة تعامل مع “الجار” إذا ما أصرّ على إذكاء نار الخصام.
أبعد من سوريا
بات واضحاً حجم الاندفاعة الخارجية التي تقودها الولايات المتحدة الأميركية، من ضمن خطة شاملة تصل إلى حدّ إعادة النظر في الكيانات وفي المجتمعات. النموذج الفلسطيني دليل، فما يحتشد في الأفق هجوم اقتلاع للشعب، وهجوم احتلال لما تبقى من أرض فلسطين.
النموذج اللبناني دليل آخر، اتفاق لوقف الأعمال العدائية تخرقه الآلة الحربية الإسرائيلية كل يوم، من دون إدانة، وتعيد القوات المعادية احتلال أجزاء من الأرض، فيطالب السياسي الأميركي بإخلائها، ويقدم طلبات أحادية تستهدف الجانب اللبناني، فتكون عوناً للعدو في عدوانه.
النموذج السوري دليل إضافي، والشواهد تحتشد من الجولان والقنيطرة وحوض اليرموك، إلى تدمير البنية الحربية للجيش السوري، إلى تنصيب العدو نفسه حامياً للأقليات. وهنا أيضاً، لا صوت للسياسة الأميركية إلاّ ذاك المشكّك بقدرة السوريين على إعادة صياغة بنيانهم في إطار وحدة وطنية جديدة، اكتسبت دفعاً لها بعد انضمام العنصر الكردي إليها، وبعد ما تردد عن استعداد العنصر الدرزي للمشاركة في مسيرة البناء الجديدة.
النماذج المستهدفة، تطرح ضرورة الانصراف إلى التفكير بمآل المنطقة العربية كلها، فالخطر يطال مصر مثلما يطاول الخليج مجتمعاً، ومعه سائر البلاد العربية.
التفكير الجماعي العربي، يعيد الاعتبار إلى العامل القومي في حدّه الدفاعي، وفي صيغته التكاملية، بعيداً من أوهام سادت ثم بادت عن كل “الجملة القومية”.
التأسيس على العامل القومي قد يسمح للعرب مجتمعين باحتلال بقعة ولو ضيقة، على خريطة “التواجد” العالمي، كبلدان وكأوطان، هذا لأن طاقة الاندفاعة الأميركية قد تصل إلى حدود تفكيك البنى الموروثة، لإعادة تركيبها بما يلائم ضرورات “الأمركة” المتجددة، التي لم تسلم من ضغط قوتها أوروبا الحليفة، ولا الجيران فوق القارة الأميركية الواحدة. على وجوه شتّى، الشعوب العربية في حال الدفاع عن الوجود، الوجود الفاعل الذي يمنع عنها صفة الشعوب، أو الدول غير النافعة.
في الأثناء، على الخطابة الوطنية، والخطابة العربية، أن تنتبه إلى أن القاموس الحالي، لا يضم بين صفحاته أكداس أماني الخطباء، وعلى هؤلاء أن يدركوا، أنه من غير المعقول الطلب إلى المغنّي الغناء، وعنقه رازحة تحت حدّ السكين.
المدن
—————————-
سوريا الجديدة رهن التفاهمات والاختراقات/ إياد أبو شقرا
16 مارس 2025 م
كانت الصفحة الجديدة التي فُتحت في سوريا، بعد إنهاء 54 سنةً من نظام الأسد، بغنىً عن التطورات المؤلمة خلال الأيام العشرة الأخيرة.
وفي ظنّي أنَّ القيادة الجديدة في دمشق كانت على بيّنة من وجود فلول للنظام السابق، وفئات ارتزقت من تجاوزاته من دون أن تكون بالضرورة جزءاً منه.
في المقابل، أزعم أنَّ ثمة فئات سورية كانت تنظر بعين الشك إلى إمكانية التعايش مع عقيدة القيادة الجديدة، وتفسيرها للإسلام السياسي «عندما يحكم»، وبخاصة، أنَّ السنوات الـ14 الفائتة شهدت أحداثاً دينية ومذهبية وجرائم خطف وإخفاء – من مختلف الأطراف – يرقى بعضها إلى مستوى المجازر. ثم إنَّ القيادة المؤقتة الحالية، على الرغم من الشعبية الواسعة التي استحقتها، أتت في ظروف استثنائية، وتبعاً لميزان قوى ميداني لا ضمانة إطلاقاً أنَّه دائم.
أكثر من هذا، لئن كانت هذه القيادة تتمتَّع راهناً بتأييدين إقليمي ودولي فإنَّ أي مراقب عاقل يدرك جيداً أنَّها لا تحظى بتفويض مطلق، بل ثمة رصدٌ دوليٌّ لأدائها ورقابة لصيقة لتصرفاتها والتزاماتها. ولكن يظلّ لافتاً أنَّ بعض أركان القيادة يبدون مطمئنين إلى المستقبل… ربما أكثر من كثرة كاثرة من المواطنين السوريين.
من جهة ثانية، على الرغم من مؤشرات سابقة لصدام شبهِ حتمي، فإنَّ السرعة التي أُعلن فيها «التفاهم» بين سلطة دمشق الجديدة وأكراد «قسد» المسيطرين على شمال شرقي سوريا، تعطي انطباعاً قوياً بأنَّ واشنطن متعايشة تماماً مع السلطة في دمشق. وكون «قسد» جزءاً لا يتجزأ من ترتيب واشنطن للحالة السورية، فمضمون الرسالة أن وحدة الكيان السوري لن تتهدّد – بخلاف ما كان يُظن – عبر عصيان انفصالي كردي. وهكذا، يبدو أن كل ما أنجزته «قسد» خلال الفترة الماضية كان «تحسيناً لشروط» تفاهمها مع سلطة دمشق، وتشجيعاً للموحّدين الدروز في الجنوب السوري على النسج على منواله.
الموحّدون الدروز، بالذات في الجنوب السوري، يشكّلون قوة مؤثرة في المعادلة، إلا أنَّ الأمور تبدو اليوم أقل وضوحاً وربما أبطأ حسماً. ولكن المراقب الحصيف بات يشعر أنَّ «الهجمة» الإسرائيلية غير المسبوقة لـ«حماية» الدروز و«دعمهم» تربك المشهدَ في محافظة السويداء ذات الغالبية الدرزية. وهذا، مع أنَّ أي طلب درزي علني من هذا القبيل لم يقدَّم، بل يستبعد كثيرون أن تتبنّاه علانيةً أي قيادة درزية سياسية أساسية.
الدروز أدركوا «زخم» الهجمة الإسرائيلية الضاغطة عليهم عندما تكلَّم بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه يسرائيل كاتس عن مبلغ المليار دولار الذي رصدته إسرائيل لهذا الغرض. والمؤكد أنَّ تطوراً كهذا لا يمكن أن يكون «ابن ساعته». بل المرجّح أنَّ بذرته بُذِرت قبل فترة غير قصيرة داخل سوريا، وأيضاً في لبنان وبلدان الاغتراب، وفي مقدّمها الولايات المتحدة… حيث يتمتع «اللوبي الإسرائيلي» بهامش واسع للحركة والإغراء والضغط والاختراق الاستخباراتي.
وبالفعل، بينما عمل مناضلو السويداء – من مختلف التنظيمات والفصائل – للتوصّل إلى تفاهمات مع دمشق صوناً للوحدة الوطنية، وتأكيداً للعلاقات الأخوية بين المكوّنات السورية، كانت ثمة قوة تمارس «الفيتو» وترفع السقف وتشكّك في التفاهمات. وفي اعتقادي أنَّه، حتى إزاء المنطقة الجنوبية، أي محافظات السويداء ودرعا والقنيطرة، لا توجد خلافات أساسية تذكر بين أولويات واشنطن وحسابات نتنياهو في مقاربة مستقبل المنطقة.
ونصل إلى الساحل الجريح، حيث الكثافة السكانية العلوية في أرياف محافظتي اللاذقية وطرطوس وضواحي مدن الساحل الأربع؛ أي اللاذقية وطرطوس وجبلة وبانياس.
إنَّ تحرّك جماعات مسلحة محسوبة على النظام، أو بعض أجنحته، ما كان ليحدث لولا الدعم الإيراني. وفعلاً، لم تُخفِ التصريحات الإيرانية الرسمية، التي سبقت التحركات وتداعياتها الفظيعة، موقفَ إيران بأنَّ سلطات دمشق الجديدة غير مرغوب فيها، وأنَّ بقاءها مؤقت. ولكن قد يتساءل المرء هنا عمّا إذا كانت القيادة في طهران أخطأت قراءة المعطيات، وأساءت فهم علاقة سلطة دمشق الجديدة بالمجتمع الدولي، وبالذات، واشنطن.
المنطق يقول إنَّ الاستراتيجية الأميركية – الإسرائيلية ضد عودة النفوذ الإيراني. وهذا ما قد يفسّره وجود «سقف» لفظي لرد فعل التحرك الأميركي – الروسي في مجلس الأمن على المجازر التي ارتكبت في الساحل خلال الأسبوع الماضي، وقدّر عدد ضحاياها بنحو 1225 قتيلاً.
إذ ندّد مجلس الأمن بـ«المجازر» بحق المدنيين، وطالب سلطة دمشق بـ«حماية جميع السوريين من دون تمييز»، وأدان العنف في محافظتي الساحل، وبالأخص بحق المدنيين العلويين. ثم دعا السلطة إلى ملاحقة «كلّ المسؤولين» عن أعمال العنف أمام القضاء، واتّخاذ «تدابير كي لا تتكرّر هذه الأفعال، بما فيها أعمال العنف التي طالت أشخاصاً بسبب انتمائهم الإثني أو ديانتهم أو معتقداتهم».
ختاماً، أعلنت في دمشق «مسودة الإعلان الدستوري»، وجاء عدد من نقاطها مثيراً للجدل بالنسبة للبعض، ولا سيما لجهة الحصر الفعلي للسلطات في يد الرئيس، وجعل الفترة الانتقالية خمس سنوات، وحلّ المحكمة الدستورية، ومنح الرئيس – ولو مؤقتاً – حق تعيين محكمة دستورية جديدة.
بالنسبة للمنتقدين، كان من الأفضل تفادي التذكير بالماضي القريب. وبالتالي، توسيع دائرة التمثيل وطمأنة المكوّنات بدلاً من الإصرار على «تجربة المجرّب» وإعادة استنهاض الهواجس.
إنَّ التنوّع يثري سوريا ويحميها، ناهيك من أنها بحاجة في هذه المرحلة لجهود كل الكفاءات وإسهامات كل المخلصين من دون إقصاء أو تهميش.
الشرق الأوسط»
—————————–
وليد جنبلاط: نحذر من استخدام بعض الدروز “إسفينا” لتقسيم سوريا
16/3/2025
حذّر الزعيم الدرزي اللبناني وليد جنبلاط، اليوم الأحد، من استخدام بعض الدروز “إسفينًا” لتقسيم الدولة السورية، من قبل الاحتلال الإسرائيلي.
وقال جنبلاط، في كلمة له خلال مهرجان للحزب بمناسبة الذكرى الـ48 لاغتيال الزعيم الدرزي كمال جنبلاط، “إن الزيارات ذات الطابع الديني لا تلغي حقيقة احتلال الأرض، ونعلن التمسّك بالهوية العربية للبنان، وأهمية تحرير الجنوب اللبناني من الاحتلال الإسرائيلي”.
وشدد جنبلاط على ضرورة إعادة إعمار الجنوب من خلال وضع آلية موثوقة عربيا ودوليا، وعلى ضرورة إعادة بناء العلاقات اللبنانية السورية على قواعد جديدة وترسيم الحدود، وعلى ضرورة حفاظ بني معروف على هويتهم العربية وتراثهم الإسلامي.
الزعيم الدرزي وليد جنبلاط
وأعلن جنبلاط انتهاء تقليد إحياء ذكرى كمال جنبلاط بعد أن اعتقل النظام الجديد في سوريا بقيادة الرئيس أحمد الشرع، المسؤول عن جريمة اغتيال كمال جنبلاط.
ويُعَد الدروز من الأقليات في سوريا، إذ تبلغ نسبتهم نحو 3% من مجموع السكان، ويتمركز دروز سوريا في محافظة السويداء جنوبي البلاد، إلى جانب مناطق من العاصمة دمشق وريفها، ومناطق في القنيطرة (جنوب) وريف إدلب (شمال).
المصدر : الجزيرة مباشر
———————————
جنبلاط يحذر من استخدام بعض الدروز إسفيناً لتقسيم سورية
16 مارس 2025
حذّر الرئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكي في لبنان وليد جنبلاط من “الاختراق الفكري الصهيوني” لأبناء الطائفة الدرزية، واستخدام بعضهم “إسفيناً” لتقسيم سورية، تحت شعار “تحالف الأقليات”، وأكد اليوم الأحد “التمسك بإعادة بناء العلاقات اللبنانية السورية على قواعد جديدة، بعيداً عن التجارب السابقة، وترسيم الحدود براً وبحراً”.
وجاء كلام جنبلاط أمام تجمع كبير من مناصريه الدروز، في بلدته المختارة بقضاء الشوف في محافظة جبل لبنان، بمناسبة ذكرى اغتيال النظام السوري البائد لوالده مؤسس الحزب كمال جنبلاط في 16 مارس/آذار 1977. وقال: “حافظوا على هويتكم العربية وتراثكم الإسلامي”، مضيفاً: “إلى بني معروف (الدروز)، حافظوا على إرثكم الفكري والنضالي والسياسي الذي أرساه كبارنا، وفي مقدمهم سلطان الأطرش وشكيب أرسلان وكمال جنبلاط (والده)”.
وأعلن جنبلاط عن إلغاء تنظيم التجمع السنوي بذكرى اغتيال والده بعدما حلّت “عدالة التاريخ واعتقلت السلطات السورية المسؤول عن الجريمة في زمن نظام البعث إبراهيم حويجة”، وكان الأمن العام السوري قد أعلن في 7 مارس/آذار الجاري القبض على حويجة الذي شغل منصب رئيس المخابرات العامة في عهد نظام الأسد الأب، ويُتهم حويجة بالإشراف على العديد من الاغتيالات خلال فترة خدمته، أبرزها اغتيال كمال جنبلاط.
وفي تعليقه على زيارة شخصيات درزية إلى إسرائيل، أول من أمس الجمعة، أكد جنبلاط أن “الزيارات ذات الطابع الديني أو غير الديني لا تلغي حقيقة احتلال الأرض”، وأضاف: “نحذر من الاختراق الفكري الصهيوني (…) واستخدام بعض الدروز إسفيناً لتقسيم سورية تحت شعار تحالف الأقليات”. وكان جنبلاط قد قال في مطلع الشهر الجاري إن “الصهيونية تستخدم الدروز جنوداً وضباطاً لقمع الشعب الفلسطيني في غزّة والضفة الغربية، واليوم يريدون الانقضاض على جبل العرب في سورية”، وأضاف: “يريدون جرّ بعض ضعفاء النفوس. إنّ أهل سورية يعلمون ماذا يفعلون، وسأذهب إلى دمشق للتأكيد على مرجعية الشام بالنسبة للدروز”.
من جهة ثانية، أكد جنبلاط “التمسك بالحقوق الفلسطينية المشروعة، وفي مقدمتها حل الدولتين، والتأكيد على حق العودة، واحترام القرارات الدولية، والتمسك باتفاق وقف النار بغزة”، مشدداً على “التمسك بهوية لبنان العربية، وضرورة تحرير الجنوب وإعماره، والمناطق الأخرى المتضررة من العدوان الإسرائيلي، وفق آلية موثوقة عربياً ودولياً”.
(الأناضول، العربي الجديد)
————————
… عن «المشرق العربي» و«العالم» وإسرائيل/ حازم صاغية
16 مارس 2025 م
«المشرق العربيّ والعالم» لم تكن علاقتهما، في الزمن الحديث، على ما يرام. بـ»العالم» كان يُقصد الغرب ودوله، أي عالم الأطلسيّ، وبـ «المشرق العربيّ» كانت تُقصد أساساً القضيّة الفلسطينيّة على النحو الذي رسمته الأنظمة العسكريّة والأمنيّة، ومعها لسنوات طويلة بدأت في أواخر الستينات، منظّمة التحرير الفلسطينيّة.
صحيح أنّ تلك الصيغة الثنائيّة انطوت على اختزالين كبيرين، إذ «العالم» ليس الغرب وحده، فيما «المشرق» أكثر وأكبر من القوى العربيّة المذكورة ومن همّها الأوحد المذكور. لكنّ الصحيح أيضاً أنّ «العالم»، بالنسبة إلى العالم العربيّ، كان الغرب المؤثّر في سياساته، كما في اقتصاده وتعليمه وتقنيّته، وهذا فضلاً عن الماضي الاستعماريّ، وعن النماذج الحياتيّة والصور الثقافيّة المرغوبة. أمّا الصراع مع إسرائيل فكان أكثر ما يحدّد التوجّهات المعلنة في جوانب ليست بالضرورة متّصلة بهذا الصراع. هكذا سادت لعقود، عربيّاً وليس مشرقيّاً فحسب، نظريّة «التعامل مع العالم تبعاً لموقفه من قضيّة فلسطين»، وكان أهمّ ترجمات النظريّة هذه المقاطَعة النفطيّة لداعمي الدولة العبريّة مع نشوب حرب أكتوبر/ تشرين الأوّل 1973. ذاك أنّ خليطاً من التعاطف مع ضحايا المأساة الفلسطينيّة، وما ترسّب من رطانة قوميّة جامعة، ثمّ الخضوع للابتزاز بالعنف والإرهاب كما مارسهما غير طرف مسلّح، أفضى إلى تلك القراءة الإجماعيّة. ودائماً بدا هذا التمركز حول القضيّة الفلسطينيّة، وهي خارجيّة بالنسبة إلى دول عربيّة كثيرة، وإلى قطاعات كثيرة في تلك البلدان، على شيء من الغرابة، أقلّه عند الذين رأوا أنّ سياسات الدول الناشئة لا بدّ أن تتمحور حول داخلها.
والعلاقة، التي لم تكن على ما يرام بين «العالم» و»المشرق»، ذكّرت كثيرين بانتفاض أبناء الكيانات على أبيهم الذي أنشأ تلك الكيانات. فبعد الحرب العالميّة الأولى نفر الأوّلون من فكرة الانتداب ومن «وعد بلفور» واتفاقيّة سايكس بيكو، واستنتجوا أنّ ما جاء في مراسلات ماكماهون والشريف حسين لم يكن سوى خديعة. وبعد الحرب العالميّة الثانية ساءهم ما نزل بالفلسطينيّين فرفضوا تقسيم فلسطين الذي التقت حوله الكتلتان الشرقيّة والغربيّة. ولئن رأى «العالم» في تمرّد العرب القوميّ حدثاً مستهجَناً، إلاّ أنّه أدرجه في خانة التمردّات المشابهة التي عرفتها أفريقيا وجنوب شرق آسيا وبعض أميركا اللاتينيّة، واستوعبها إطار الحرب الباردة. لكنْ بعد ذاك، ومع تفسّخ الناصريّة وانحطاطها إلى أسديّة وصدّاميّة وقذّافيّة، صعد نجم بن لادن وإخوانه الكثيرين، ولم يعد مفهوماً هذا التمرّد الجذريّ الذي قُدّم كما لو أنّه شيء يختصّ به المسلمون وحدهم. ومع الطور هذا، فقد صلاحَه وصف الآباء والأبناء العصاة، إذ ارتدّ المتمردّون الجدد إلى قَدامة الجَدّ الذي يقطع كلّيّاً مع عالم أنشأه الأب الغربيّ وتصدّى له أب مشرقيّ فاشل.
غير أنّه، وفي طوري التمرّد، ظلّت «أزمة الشرق الأوسط» من غير حلّ، كما لم تنجح اتّفاقيّة أوسلو، في 1993، في طيّ صفحة سوداء وفتح أخرى وُصفت بالبياض.
واليوم، على أيّة حال، تغيّر كلّ شيء تقريباً، وهذا فيما التغيّرات التي تتوالى تصيب معاني الأشياء الأصليّة والأوّليّة. فـ»العالم» انضافت إليه الصين، وإن كان حضورها لا يزال جزئيّاً ومحصوراً بقياس الحضور الغربيّ. أهمّ من ذلك، وخصوصاً في ظلّ رئاسة دونالد ترمب، أنّ الكون الأطلسيّ يتمزّق ما بين أميركا الشعبويّة والقوميّة وأوروبا التي تدافع بصعوبة عن ليبراليّتها، فيما تنشأ أعراف وطرق في النظر إلى الأمور، وإلى العلاقات الدوليّة، غريبة وغير معهودة.
و»المشرق العربيّ»، بدوره، يتمزّق على نحو قد لا يكون جديداً، لكنّه بالتأكيد من صنف غير مألوف. فقضيّة فلسطين لم تعد ما كانته من قبل، وأهمّ من ذلك أنّ المغرب والخليج والمشرق ومصر والسودان سلكت كلّ منها طريقها. وإذا كانت الطرق تتقاطع عند بعض المحطّات فإنّها مستقلّة بذاتها، تمضي واحدتها في توكيد تمايزها عن الأخرى.
بيد أنّ تنافر «العالم» و»المشرق لا يلغي اتّفاقاً حول تفوّق القرن التاسع عشر. فمنذ خطاب تنصيب ترمب رئيساً، ظهرت كتابات كثيرة تتناول تأثّره بالرئيس وليام ماكينلي الذي حكم الولايات المتّحدة بين 1897 و1901 حينما اغتيل. وماكينلي، المتحمّس للحمائيّة الضريبيّة، والذي وصفه ترمب بـ»العظيم»، عُرف، بين أمور أخرى، بخوضه الحرب الأميركيّة – الإسبانيّة واعتماده سياسة توسّع تأدّى عنها إلحاق الفيليبين وبورتو ريكّو وغوام وهاواي.
وفي المشرق، مع انفجار قضايا الأقلّيّات، وتشابُكها مع السياسات الإقليميّة والدوليّة، يزدهر التذكير بـ»المسألة الشرقيّة» التي فجّرها تفسّخ السلطنة العثمانيّة والتسابق على وراثتها، وهو ما افتتحته الانتفاضة اليونانيّة في عشرينات ذاك القرن، ليبلغ ذروته مع نزاع القرم (1853-6) وأزمة البلقان (1875-8) وصولاً إلى حروبه (1912-1913).
وإذا كانت أزمنة استلهام الماضي تثير الكآبة عموماً، فثمّة أمر واحد شديد الترجيح ومؤلم، هو أنّ إسرائيل ستكون الأكثر إفادة من تباعد «العالم» و»المشرق» ومن تقاربهما سواء بسواء.
الشرق الأوسط»
——————————
حكمت الهجري أحد زعماء الدروز في السويداء
16/3/2025
حكمت الهجري هو المرجعية الأولى لطائفة الدروز من الناحية الدينية والاجتماعية في الريف الشمالي والشمالي الشرقي والريف الغربي للسويداء، وتولى منصبه الديني بعد وفاة أخيه عام 2012، عرف بتأييده النظام السوري لكنه غيّر موقفه بعد تعرضه للإهانة من ضابط في الجيش، ومع سقوط نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد تباينت مواقفه من الإدارة الجديدة.
المولد والنشأة
ولد حكمت سلمان الهجري في التاسع من يونيو/حزيران 1965 بفنزويلا، إذ كان والده يعمل هناك، وعاد بعدها إلى سوريا لإكمال تعليمه الأساسي، من المرحلة الابتدائية حتى الثانوية.
نشأ الهجري في بيئة دينية محافظة، متمسكا بمبادئ وتعاليم المذهب الدرزي، وتلقى تعليمه في مدارس الطائفة، واكتسب معرفة واسعة في الفقه والمعتقدات الدرزية، وهذا جعله أحد أبرز المؤثرين في منطقته، فحظي باحترام كبير داخل المجتمع الدرزي، وأدى دورا بارزا في توجيهه.
عام 1993 عاد الهجري مرة أخرى إلى مسقط رأسه واستقر هناك بهدف العمل، ثم عاد إلى بلدته قنوات شمال شرقي محافظة السويداء السورية عام 1998.
الدراسة والتكوين
درس الهجري المرحلة الابتدائية والإعدادية والثانوية في سوريا، وأكمل فيها تعليمه الجامعي والتحق بجامعة دمشق لدراسة الحقوق عام 1985 وتخرج فيها عام 1990.
التجربة القيادية
عام 2012 خَلَف الهجري شقيقه أحمد في منصب الرئاسة الروحية لطائفة الدروز عقب وفاته في حادث سير، وهو منصب تتوارثه الأسرة منذ القرن الـ19، وتولاه أخوه عام 1989.
وبسبب خلاف حول تولي زعامة الجماعة وعلى تصدر المشهد في الجبل (جبل العرب) من مشايخ العقل الدروز في السويداء، وهم حمود الحناوي ويوسف جربوع، انقسمت الهيئة الروحية للطائفة إلى هيئتين، الأولى تزعمها الهجري في بلدة القنوات، والثانية تزعمها الحناوي وجربوع في منطقة عين الزمان.
ومنذ توليه المشيخة عرف الهجري بدعمه وتأييده نظام الأسد، مما أثر على شعبيته فتراجعت بشكل كبير، ومع اندلاع الثورة السورية واجه مطالبات شعبية لإعلان براءته من النظام السوري بسبب ممارساته ضد أبناء الطائفة وباقي الشعب السوري.
وجاء موقف الهجري مخالفا لموقف أخيه أحمد الذي عرف بتأييده انشقاق الدروز عن الجيش السوري عام 2011، وانضمام بعضهم إلى الجيش السوري الحر، وهذا جعل ناشطين دروزا يحمّلون النظام السوري مسؤولية حادث السير الذي قتل فيه، واعتبروه رسالة لهم في حال استمروا بالانخراط في الثورة.
وكانت تقارير تحدثت عن أن أجهزة مخابرات النظام السوري طلبت من أحمد الهجري إصدار فتاوى تؤكد الولاء للرئيس السوري آنذاك بشار الأسد بهدف إحداث انقسام داخل الطائفة، لكنه رفض وأعاد السيارة التي منحته إياها الدولة، وهذا أثار غضب الأجهزة الأمنية واتهمها كثيرون باغتياله، وهو ما نفته رواية النظام مؤكدة أنه توفي في حادث سير على طريق عام.
وواجه حكمت الهجري انتقادات من الناشطين بسبب صمته تجاه تطورات الأوضاع في سوريا، خاصة مع سقوط قتلى من المتظاهرين برصاص أجهزة النظام، في وقت كانت فيه الاحتجاجات ضد النظام في السويداء مشتعلة، وشهدت تحطيم تماثيل بشار ووالده حافظ الأسد.
ورغم الدعوات المتكررة لاتخاذ موقف واضح، تمسك الهجري بموقفه، قبل أن يُقدم مع مشايخ آخرين على خطوة أثارت غضب الشارع المناهض للأسد في السويداء، إذ كان من بين 3 مشايخ أصدروا قرارا من مشيخة عقل الطائفة الدرزية يقضي بمعاقبة الشيخ وحيد البلعوس (قائد حركة رجال الكرامة واغتيل عام 2015) وآخرين، متهمين إياهم بالخروج عن مسار الطائفة.
شهد موقف الهجري تجاه نظام الأسد تحولا جذريا في 25 يناير/كانون الثاني 2021، عندما تعرض للإهانة من رئيس فرع المخابرات العسكرية لؤي العلي، أثناء مكالمة هاتفية استفسر فيها عن مصير أحد معتقلي السويداء، بصفته الأقرب من مشايخ الطائفة إلى النظام السوري.
أثارت الواقعة غضبا واسعا، تجلى في احتجاجات وتمزيق صور بشار الأسد وكتابة شعارات مناهضة له، وعلى الرغم من مطالبة أنصاره بإقالة العلي، أصدرت رئاسة الطائفة الدرزية في الثاني من فبراير/شباط 2021 بيانا أعلنت فيه “طي صفحة الخلاف مع النظام”.
وفي العاشر من يونيو/حزيران 2022، دعا الهجري إلى إقالة رؤساء الأفرع الأمنية التابعة للنظام من مناصبهم في السويداء، متهما إياهم بزرع الفوضى والانقسامات داخل المجتمع.
وظلت السويداء تحت سيطرة النظام طوال فترة الثورة، وأفلتت إلى حد كبير من العنف الذي عمّ أماكن أخرى، غير أنها شهدت في أوقات متفرقة مظاهرات ضد ممارسات نظام الأسد مطالبة برحيله في بعضها، منها في أغسطس/آب 2023 بسبب رفع نظام الأسد الدعم عن الوقود، وهذا أدى إلى ارتفاع في الأسعار وزيادة الأعباء الاقتصادية والمعيشية.
وفي سبتمبر/أيلول 2023، التقى بـ3 أعضاء من الكونغرس الأميركي، وبحث معهم موقف واشنطن من الاحتجاجات المستمرة ضد النظام، وأكد أثناء اللقاء تمسكه بالحل السلمي، محذرا من العنف الذي قد يمارسه النظام والحركات المسلحة المدعومة من إيران ضد المتظاهرين.
وبعد انتفاضة الشارع الدرزي، صار الشيخ الهجري يستقبل الوفود السياسية من أبناء المحافظة، التي لا تتردد في نقل نزاعاتها إليه بغية تهدئتها، والتقريب بين وجهات نظر مكوناتها المختلفة.
ومنذ بداية انتفاضة السويداء في أغسطس/آب 2023، دأب رجال السياسة المحليون والنشطاء المعارضون بصورة متواصلة على زيارة مضافة الشيخ الهجري، للتباحث بشؤون السياسة ومستجدات الحراك، حتى إن معظم الأجسام السياسية التي تشكلت في انتفاضة السويداء جرى إشهارها من تلك المضافة، كان آخرها التيار السوري العلماني عقب سقوط نظام الأسد.
سقوط الأسد
ومع سقوط نظام الأسد في الثامن من ديسمبر/كانون الأول 2024 وتولي فصائل المعارضة السورية سدة الحكم، دعا الهجري إلى عقد مؤتمر وطني شامل يضم مختلف أطياف الشعب السوري، بهدف رسم مسار جديد للبلاد عبر وضع دستور جديد وإرساء نظام إداري لامركزي، وشدد على ضرورة فصل السلطات لضمان استقرار مؤسسات الحكم ومنع أي محاولات لتقسيم البلاد.
وفي 17 فبراير/شباط 2025 أكد الهجري في بيان مصور نشرته الصفحة الرسمية لـ”رئاسة الموحدين الدروز”، أن العلاقة مع الحكومة السورية المؤقتة “تقوم على الشراكة والتواصل”، وأن “الهدف المشترك هو تحقيق الخير العام والتعاون لما فيه مصلحة الوطن”.
مع ذلك لم تخل العلاقة بين الحكومة السورية والهجري من التوترات، إذ منع الأخير في يناير/كانون الثاني 2025 رتلا عسكريا تابعا لإدارة العمليات العسكرية من دخول المحافظة الواقعة جنوبي البلاد، وأكد عدم السماح بوجود أي مظهر عسكري من خارج السويداء، وبرر قراره بأن قدوم الفصائل من دمشق تم من دون تنسيق مسبق مع غرفة العمليات المشتركة في المحافظة.
وفي محاولة لاحتواء الموقف أعلن أكبر فصيلين عسكريين في المحافظة “رجال الكرامة” و”لواء الجبل” في بيان مشترك، استعدادهما للاندماج ضمن جسم عسكري يكون نواة لجيش وطني جديد، والانفتاح على الحوار مع كافة الأطراف السورية بعد الإطاحة بالأسد.
وفي مارس/آذار من العام نفسه أعلنت حركة “رجال الكرامة” عن اتفاق مع وزارة الداخلية السورية لتفعيل الأمن العام في السويداء، عبر تعيين قيادات وكوادر محلية من أبناء المحافظة، بهدف تعزيز الاستقرار ومكافحة الجريمة والمخدرات، بدعم لوجستي من الوزارة.
وصباح السادس من مارس/آذار 2025 توافد العشرات إلى ساحة الكرامة في مظاهرة ضد الحكومة الجديدة رافعين أعلام الطائفة الدرزية، وصور الهجري، مرددين هتافات تدعو لإسقاط الرئيس أحمد الشرع وحكومته.
وقالت تقارير إن معظم من شاركوا بالوقفة الاحتجاجية كانوا من حزب اللواء السوري والمجلس العسكري بالسويداء وتيار سوريا الفدرالي والتيار السوري العلماني، وجميعها تشكيلات سياسية تريد الانفصال أو الإدارة الذاتية، في حين امتنعت باقي القوى السياسية الوطنية في السويداء عن المشاركة بالوقفة الاحتجاجية.
والمجلس العسكري في السويداء تأسس في 24 فبراير/شباط 2025، وضم عسكريين وضباطا منشقين عن النظام السابق، وآخرين كانوا مسؤولين عن القوى الأمنية والعسكرية لنظام الأسد حتى سقوطه، ويرأسه العقيد طارق الشوفي المنشق في وقت سابق عن جيش النظام.
في المقابل كان الهجري الذي نادت المظاهرة بتأييده قد نفى أي علاقة له بالمجلس العسكري بعد تأسيسه، كما نفى العقيد الشوفي مجموعة واسعة من الاتهامات التي وجهت إلى المجلس، أبرزها ارتباطه بإسرائيل ومشاريعها الانفصالية، وتنسيقه مع قوات سوريا الديمقراطية “قسد”، والتخطيط معها لدعم اللامركزية في السويداء.
وهتف المتظاهرون حال وصولهم إلى مبنى المحافظة بضرورة إعفاء المحافظ مصطفى بكّور وإعادته إلى دمشق، وأنزل بعضهم العلم الرسمي للبلاد من فوق المبنى، ورفع علم الطائفة الدرزية عوضا عنه، ومع ساعات الظهيرة جرى رفع العلم الرسمي إلى جانب علم الطائفة الدرزية.
ومنتصف مارس/آذار من العام نفسه أعلن الهجري في مقطع فيديو مسجل، أنه “لا وفاق أو توافق” مع الحكومة السورية الحالية، واصفا إياها بالمتطرفة والمطلوبة للعدالة، كما شدد على أنه لا مجال للتساهل معها، سواء على المستوى الداخلي أو الدولي.
وأضاف الهجري: “نحن في مرحلة نكون أو لا نكون” وشدد على أهمية الحفاظ على الإرث الوطني الصحيح، مؤكدا التزامه بالعمل من أجل مصلحة الطائفة، كما أشار إلى أنه سيتخذ الخطوات التي يراها مناسبة لضمان حقوقها ودورها في المنطقة.
وأيد موقف الهجري تجاه الحكومة السورية الجديدة “المجلس العسكري في السويداء”، وربط تراجعه عن موقفه بتطبيق قرارات تضمن حقوق جميع المكونات السورية، وأكد على ضرورة تحقيق العدالة والمساواة بين مختلف أطياف المجتمع.
وأكد المجلس تبنيه الكامل لقرارات الهجري، وشدد على رفض أي تعاون مع الحكومة الجديدة في دمشق، التي وصفها بأنها تستند إلى دستور متشدد، كما أوضح أن أي تغيير في هذا الموقف مرهون بتطبيق قرارات تضمن حقوق جميع المكونات السورية وحماية حقوق كافة الطوائف في البلاد”.
“وثيقة تفاهم”
ومنتصف مارس/آذار 2025 جرى تداول محضر التفاهم الذي خرج من دارة قنوات، حيث مقرّ الرئاسة الروحية للموحدين الدروز على أنّه وثيقة تفاهم طوت نهائيا صفحة الخلاف بين السويداء من جهة، وحكومة دمشق من جهة أخرى.
وقال المحامي أسامة الهجري، المستشار القانوني للهجري للجزيرة نت: “إن مسوّدة الطلبات الموجهة من بعض المواطنين لا تُسمّى اتفاقا مع أحد، ومن وقّع على المحضر ليس منتخبا لتوقيع أي اتفاق، وكلٌّ منّا يمثل نفسه فقط”.
وأضاف أن توجيه طلبات إلى “من هم في جهة حكومية بغض النظر عن شرعية وجودهم أو صفتهم، لا يُعتبر وثيقة كما أُشيع، إنما الحديث هنا عن شكاوى وطلبات المواطنين وجّهت إلى من هو في موقع حكومي إداري، وهو يمثل الحكومة المؤقتة في موقع خدمي”.
ويعتبر الهجري بأن محافظ السويداء مصطفى بكّور قد أخطأ بنشره مسوّدة الاجتماع على أنه وثيقة واتفاق، وعلمت الجزيرة نت بأن أسامة الهجري سحب توقيعه من ذلك المحضر بسبب نشر المحافظ لتلك المسودة غير المكتملة.
من جهته، صرّح سمير شرف الدين أحد قيادات المجلس العسكري في السويداء بأن الوثيقة التي تم توقيعها تعد وثيقة مطالب، وليست وثيقة تفاهم، وأضاف للجزيرة نت “من هذا المنطلق أظهر سماحة الشيخ الهجري تخوّفه من الظروف الحالية التي تعيشها البلاد، لكن وعندما تُدار سوريا من قبل حكومة وطنية حقيقية نستطيع حينها التعامل مع تلك الحكومة”، على حد قوله.
ويقول عضو مؤتمر الحوار الوطني جمال درويش، للجزيرة نت إنه “جرى توقيع مذكرة تفاهم تتضمن بنودا عدة بين المحافظ ممثلا للحكومة، ولجنة مكلّفة من الهجري، وهذه المذكرة تمت كتابتها لكن ليس على أنها اتفاقية، لأن الاتفاقية تجري بين فريقين متخاصمين كالذي جرى بين شرقي الفرات والحكومة في دمشق، بينما السويداء ليست على خصام، ولا يوجد انفصال عن دمشق”.
المصدر : مواقع إلكترونية
——————————–
سوريا… انطلاق العجلة/ عالية منصور
15 مارس 2025
تتسارع الأحداث في سوريا بسرعة كبيرة، وفي كل يوم ثمة شيء جديد. فتنة في الساحل ظنها البعض بداية مشروع تقسيم سوريا وتفتيتها، وبينما الجميع يراقب ويترقب ما يحصل في جبال الساحل السوري ومدنه، فإذا بالرئيس السوري أحمد الشرع يستقبل في قصر الشعب، القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) مظلوم عبدي ويوقعان اتفاقا وصف بالتاريخي.
اتفاق أنهى مشروع فتنة عربية-كردية، تم دون قتال، ووحد سوريا عمليا، وقضى على مشروع راهن عليه الكثيرون في الخارج والداخل لتقسيم سوريا وتفتيتها.
أهم ما في الاتفاق، والذي يحتاج تنفيذ بنوده إلى آخر العام الحالي، هو وحدة الدولة السورية وعاصمتها دمشق، وللدولة جيش واحد لا جيشان، واعتراف رئيس الجمهورية السورية بالمجتمع الكردي كجزء أصيل من سوريا.
إذن لا تقسيم ولا إقصاء، ولكن لم تنته القصة هنا. فبينما كان السوريون يحتفلون بتوقيع الاتفاق كانت الأنباء تتوالى عن قرب التوصل إلى تفاهم، مع محافظة السويداء ذات الغالبية الدرزية.
وصحيح أن تفاهمات مبدئية تمت مع عدة فصائل وجهات سياسية في المحافظة، إلا أن الوضع في السويداء ليس كالوضع في المناطق التي تسيطر عليها “قسد”. ففي السويداء هناك عدة جهات، وليست هناك “قيادة” موحدة، فإن تم التفاهم مع جهة اعترضت جهة أخرى، وبعض هذه الاعتراضات يرتبط بمن يرى نفسه “الأحق” بتمثيل المحافظة وتمثيل الموحدين الدروز في سوريا، فهناك طموح “الزعامة” ولا يستخف أحد بما قد يفعله مثل هذا الطموح في عقول البعض.
ذهب شيخ العقل حكمت الهجري بتهديداته للدولة السورية، لم يبد أي اكتراث حقيقي بـ”الدولة الوطنية” التي استخدمها ذريعة منذ اليوم الأول، لسقوط نظام بشار الأسد، واستلام أحمد الشرع زمام الأمور، فتحول خطابه إلى خطاب طائفي تقسيمي بامتياز، ولم تغب إسرائيل عن المشهد، فكانت زيارة بعض مشايخ العقل في القرى الحدودية إلى إسرائيل. ولكن من أجل كل ذلك، على الشرع والقيادة في دمشق الاستمرار في التواصل مع عقلاء الطائفة والوطنيين، ولا تسمح لفئة أن تهمش فئات في السويداء وغيرها.
بين هذا وذاك صدر الإعلان الدستوري، وهو إعلان تسبب في حالة اعتراض عند الكثيرين، فرأوا فيه مشروع قيام ديكتاتورية جديدة في سوريا، تنحصر معظم الصلاحيات فيها بيد رئيس الجمهورية. فيما رأى آخرون أن المرحلة الاستثنائية التي تمر بها سوريا، تحتاج إلى نظام رئاسي تتركز فيه الصلاحيات بيد رئيس الجمهورية، فلا تدخل البلاد في رحلة التعطيل خلال المرحلة الانتقالية، كما حصل في بعض الدول بعد تجارب الربيع العربي.
لقد عانى السوريون كثيرا طيلة سنوات حكم “البعث” والأسدين، ودفعوا أثمانا باهظة جدا ليتحرروا من الديكتاتورية، ومن الطبيعي أن يكون اليوم “عامل الثقة” هو الأضعف، وخصوصا إذا ما راقبنا اليوم الانقسام الحاصل، حيث لم يعد الانقسام بين ثورة ونظام، بل بين من يريد العدالة ومن يطالب بالتسامح، من يريد دولة المواطنة والمساواة ومن يريد دولة تحكمها الشريعة والأكثرية التي همشت طيلة 54 عاما، بين من يريد سوريا موحدة، ومن يلوح بالانفصال والتقسيم، لابتزاز السلطة في دمشق عند كل مفترق، بين من يريدها علمانية خالصة ومن طالب بالفقه مصدرا للتشريع ومن يطالب بالشريعة.
في سوريا الكثير من الألغام، ولكن هناك اليوم أيضا الكثير من الفرص، والفرصة الأهم هي بتحاور السوريين ليصلوا إلى أكبر حيز من المشتركات بين بعضهم البعض، وقد تكون فكرة مؤتمر الحوار الدائم، فكرة تقلص من حجم الانقسامات، بعد إعادة التأكيد على ما اتفق عليه، “سوريا دولة موحدة يتساوى فيها الجميع”.
الألغام ما زالت مزروعة بكثرة في سوريا، وتفكيكها قبل أن تبدأ بالانفجار مجددا يحتاج إلى جهود الجميع، واليوم سوريا بحاجة إلى انطلاق مسار إعادة الإعمار والنهوض الاقتصادي، بحاجة إلى رفع العقوبات، وهذا إن حصل سينزع فتيل الكثير من الألغام، وسيسحب من بين أيادي المخربين الخارجين ورقة يستخدمونها في الداخل.
ولنتذكر أنه وقبل أشهر من اليوم، كانت طائرات جيش نظام بشار الأسد، تلقي البراميل المتفجرة فوق رؤوس السوريين، وها هي مروحيات الجيش اليوم تلقي الورود على المحتفلين بعيد الثورة، وهذا ليس تفصيلا، هذا الإنجاز الذي تحقق بدماء وتضحيات الملايين، يجب أن نتمسك به جميعا للعبور إلى سوريا التي نريد.
المجلة
————————————
16 آذار 2025: رسالة المختارة إلى السّويداء/ وليد شُقَير
2025-03-16
ينبئ التشابك بين مصالح الدول صاحبة النفوذ والأطماع بأنّ الصراع على سوريا يبلغ ذروة جديدة، مشحوناً بالانقسامات الداخلية. ومقابل تبلور حاضنة عربية إقليمية لدمشق، فإنّ…
تختلف الذكرى الـ48 لاغتيال كمال جنبلاط في 16 آذار هذا العام عن سابقاتها. في السنوات السابقة تحوّلت الذكرى مع الوقت إلى واحد من لائحة التواريخ التي تُسجّل الاغتيالات التي نُفِّذت في عهد الأسد الأب والابن.
المقصود من الحشد الشعبي المنتظر على الضريح يتعدّى هذه السنة ساحة لبنان إلى سوريا. الرسالة هي حضّ دروز بلاد الشام على رفض المحاولات الإسرائيلية للتطبيع مع رموز الطائفة في السويداء والقنيطرة. الهدف تشجيع التيّارات الرافضة لأشكال الإدارة الذاتية لمناطقهم، على الاندماج مع التحوّل السياسي الكبير منذ 8 كانون الأوّل الماضي، تحت مظلّة الإدارة الجديدة لسوريا بقيادة أحمد الشرع.
يلجأ الساعون إلى التدقيق بمدى تأثير الزعامة الجنبلاطية في جبل العرب السوري إلى رواية العضو القيادي في الحزب الاشتراكي الطرابلسي توفيق سلطان عن مرافقته جنبلاط خلال زيارته سوريا عام 1977، عقب إحياء أربعين والده. وهي الزيارة التي شملت سلطان باشا الأطرش في السويداء. تشير رواية توفيق سلطان إلى أنّه بُعيد وصول جنبلاط والوفد إلى دار المحافظة في بلدة القريّا، وأثناء اللقاء مع سلطان باشا الأطرش، سُمع رشق رصاص في الخارج، وتبيّن أنّ الرصاص أُطلق في الهواء احتجاجاً على جلوس محافظ السويداء على يمين سلطان باشا الأطرش وإجلاسه جنبلاط على كرسي بعيد. كانت للأمر رمزيّته بالنسبة إلى مناصري سلطان باشا. اقتضى الأمر لاحقاً أن يبلغ حافظ الأسد جنبلاط أنّه نقل المحافظ عقاباً.
يروي الاشتراكي المخضرم توفيق سلطان للدلالة على أنّ كلمة آل جنبلاط مسموعة في السويداء، أنّه أثناء التهيّؤ لالتقاط الصورة التذكارية مع سلطان باشا، لاحظ الأخير أنّ جنبلاط وقف خطوة إلى خلفه، فبادره بالقول: “لاه يا وليد. نحن متّفقون (العائلات الدرزية) مع بعضنا منذ مئات السنين أنّه لا أحد يتقدّم عليكم. أنت ابن عمود السماء”.
المظاهر التي أظهرت مكانة الزعامة الجنبلاطية تطلّبت من رئيس الأركان السوري العماد حكمت الشهابي أن يبلغ جنبلاط، لاحقاً، بأنّ زيارته السويداء كانت الأولى والأخيرة.
تختلف الذكرى الـ48 لاغتيال كمال جنبلاط في 16 آذار هذا العام عن سابقاتها
تحلّ ذكرى 16 آذار اليوم بعد أقلّ من 100 يوم على سقوط النظام الأسدي، وبعد 11 يوماً على توقيف الأمن العامّ السوري اللواء إبراهيم حويجة في جبلة. فالأخير هو من نظّم ورتّب اغتيال قائد “الحركة الوطنية اللبنانية” والزعيم الدرزي كمال جنبلاط عام 1977.
الظروف تبدّلت… لكنّ المخاطر كامنة
للحشد الجماهيري مفعول يتعدّى شعور مناصري الزعامة الجنبلاطية بالثأر، وفق الشعار الذي يرافق المناسبة: “صبرنا وصمدنا وانتصرنا”. وهو الترجمة السياسية للاستعارة التي دأب وليد جنبلاط على تكرارها في العقود الماضية: “… إجلِس على حافة النهر وانتظر، وذات يوم سيحمل التيّار جثّة عدوّك”. في إحدى زياراته لسوريا طلب جنبلاط لقاء حويجة للتعرّف إلى قاتل والده، فاجتمع به.
جنبلاط
بهذه الحكمة مارس جنبلاط غريزة البقاء والانحناء أمام العاصفة، بانتظار تبدّل الظروف. ها هي تبدّلت. لكنّها محفوفة بمخاطر تجدّد الحروب.
حسب بعض القياديين في الحزب التقدّمي الاشتراكي أنّ أكثر ما يخشاه جنبلاط هو مخطّط اليمين المتطرّف الإسرائيلي لتوسيع الشريط الأمنيّ العازل الذي تحتلّه إسرائيل على حدود سوريا وصولاً إلى جبل الشيخ مروراً بوادي التيم في حاصبيا وقرى الحافة الأمامية اللبنانية.
ادّعاء الحماية… والضّائقة الاقتصاديّة
إحدى وسائل بنيامين نتنياهو للتوسّع ادّعاء حماية دروز سوريا، لتبرير احتلال مناطق واسعة من محافظتَي السويداء والقنيطرة. يضاف إليها زعمه أنّه يستبق أيّ تهديد لأمن إسرائيل من حكّام دمشق الجدد للتمدّد إلى درعا.
للحشد الجماهيري مفعول يتعدّى شعور مناصري الزعامة الجنبلاطية بالثأر، وفق الشعار الذي يرافق المناسبة: “صبرنا وصمدنا وانتصرنا”
يرمي الحشد الشعبي في المختارة إلى تشكيل رافعة لرفض استخدام ادّعاء حماية الدروز وتخويفهم من تسلُّم “هيئة تحرير الشام” إدارة سوريا. فبعضهم ما زال يذكّر بالهجوم الذي شنّه مقاتلو “داعش” على قرى في السويداء عام 2015. ولدى هذا البعض هواجس من التطرّف السنّي تغذّيها الأجهزة الإسرائيلية لاستمالة جزء من دروز سوريا. تستغلّ الضائقة الاقتصادية فتسمح لدروز السويداء بالانتقال إلى العمل في الجولان السوري المحتلّ. وتغضّ النظر عن جمع دروز إسرائيل أموالاً لنقلها للمحتاجين من دروز سوريا (وبعض دروز لبنان). أكثريّة تيّارات وفصائل السويداء، التي شاركت في الثورة ضدّ بشار، رفضت تحالف الأقلّيات الإسرائيلي، وتفتيت المنطقة.
رافعة ضدّ مشروع نتنياهو؟
ينتظر أن تشكّل الذكرى الـ48 لاغتيال كمال جنبلاط حافزاً لمعاكسة سعي نتنياهو المتواصل إلى إغراء دروز سوريا بالحكم الذاتي. وهو ما تعارضه أكثريّتهم، خصوصاً أنّ وفوداً منهم التقت رئيس المرحلة الانتقالية أحمد الشرع، وخرجت مقتنعة بتوجّهاته لتكريس التعدّدية والتنوّع في الإعلان الدستوري. وأعقب ذلك تفاهمٌ أوّلي على تسيير إدارات الدولة في المحافظة، وعلى تشكيل جهاز الشرطة من أبنائها. وشكّل اتّفاق الشرع مع قائد “قوات سوريا الديمقراطية” مظلوم عبدي في الشمال على اندماج المكوّن الكردي في الدولة السورية ضربة للمشروع التفتيتيّ الإسرائيلي. أمّا مشايخ السويداء الثلاثة فحكمت الهجري بقي على رفضه لاتّفاق مع الحكم الجديد خلافاً للشيخين الآخرين اللذين تركا للقوى السياسية مسألة التفاهم مع السلطة الجديدة.
حسب بعض القياديين في الحزب التقدّمي الاشتراكي أنّ أكثر ما يخشاه جنبلاط هو مخطّط اليمين المتطرّف الإسرائيلي لتوسيع الشريط الأمنيّ العازل
يسأل كثيرون عمّا إذا كانت مصادفة دعوة الشيخ موفّق طريف في إسرائيل، المعروف بصلاته مع نتنياهو، مشايخ دروز في بلدة حضر السورية التي احتُلّت أخيراً إلى زيارة أحد المقامات الدينية في فلسطين المحتلّة في 14 آذار. وهو ما اضطرّ شيخ العقل في لبنان الدكتور سامي أبي المنى إلى تحذير دروز لبنان من “الانجراف العاطفي ومن تبعات المشاركة في المناسبة،… ورفع الغطاء بالكامل عن كلّ مخالف للتوجّهات”.
أعقب ذلك إعلان عائلات بلدة حضر استنكارها لزيارة بعض المشايخ لفلسطين المحتلّة بدعوة من “الجهات الموالية للاحتلال، وهؤلاء لا يمثّلون إلّا أنفسهم”. اعتبرت عائلات البلدة أنّ “إسرائيل تستغلّ الزيارة لزرع الانقسام، وتستخدم الطائفة الدرزية لتحقيق مصالح إسرائيل وأذرعها المختلفة، أي المرجعيّات”. ورأت أنّ الوفد المدعوّ إلى زيارة إسرائيل “استغلال سياسي رخيص لمحتلّ… وهو حلقة لدقّ إسفين بين مكوّنات الشعب السوري وبين الدروز”.
أساس ميديا
————————————
============================
=======================
الإعلان الدستوري لسوريا 2025-مقالات وتحليلات-
تحديث 16 أذار 2025
—————————–
لمتابعة هذا الملف اتبع الرابط التالي
——————————–
الإعلان الدستوري المؤقت وغياب أهداف الثورة/ عمار ديوب
16 مارس 2025
صدّق الرئيس السوري الانتقالي، أحمد الشرع، على إعلانٍ دستوري، لم يتضمّن كلمة مؤقت، وصار نافذاً. أشارت مقدمته إلى بيان النصر والبيان الختامي لمؤتمر الحوار الوطني والاستئناس بدساتير سابقة، ولكنها لم تشر إلى أهداف الثورة الشعبية في الانتقال نحو الديمقراطية، وقد خلا البيان من ذكرها، وأصبح الكلام عن الحرية والكرامة، وفقاً لمشيئة الإدارة الجديدة، وجاء الإعلان المؤقت بما يتناسب مع مصالح الإدارة ورئيسها. كذلك فإنه جاء بعد مشكلات أمنية ومجازر حدثت في مدن الساحل السوري، وكذلك بعد اتفاقٍ مع زعيم قوات سوريا الديمقراطية (قسد) الكردية، مظلوم عبدي، وبعد جدلٍ صاخب مع قوى وفصائل عسكرية في السويداء. وكان يُفترض بالإعلان ألّا يشير إلى البيان الختامي، ولا إلى بيان النصر، فهما لم يمثلا الشعب، بل مثلا مصالح الفصائل العسكرية والإدارة، وكان دور الشعب فيها شكليّاً، ولم يبدِ رأيه.
انفجار الساحل دليل على غياب الحوار الوطني، ورفض الإدارة الذاتية الكردية الإعلان الدستوري، حالما صدر، وكذلك صدور مواقف من السويداء تقترب من الرفض، وأيضاً هناك انعدام كبير في الثقة من أهل الساحل خصوصاً، ذلك كله يوضح أن الإعلان لم يعد الصلة بالشعب، بل زاد الفجوة مع الإدارة، حينما غُيّب دوره في كل نصوص الإعلان.
مواد كثيرة في الإعلان المؤقت تُمركز السلطات بيد أحمد الشرع، فهو من يعيّن ثلث المجلس التشريعي، وهو من يشكّل لجنة انتخابية لتنتخب بقية أعضائه، وهو من يعيّن الوزراء، ولم يرد في النص كلام عن رئاسة مجلس الوزراء، وهناك توقعات بأن يترأسه هو، وهو من يعيّن قضاة المحكمة الدستورية، ولم ترد كلمة الانتخابات في بنود الإعلان، وغاب دور الشعب في الاستفتاء على مسودة الدستور في نهاية المرحلة الانتقالية. ويأتي طول مدتها، خمس سنوات، دليلاً إضافيّاً على خطورة تحكّم الرئيس الانتقالي بالدولة وبكامل السلطات، وكان يمكن الاكتفاء بعامين أو ثلاثة على أقصى تقدير.
وأثارت المادّة الـ23 نقداً كثيراً، فهي تلغي تقريباً كل مواد الحريات والحقوق، باسم “الأمن الوطني وسلامة الأراضي والسلامة العامة وحماية النظام العام وحماية الصحة والآداب العامة” وهناك المادة الـ14، وتنصّ على تشكيل الأحزاب والمشاركة السياسية وفقاً لـ”أسس وطنية وفق قانون جديد”. وهنا، أيضاً، احتكار للمجال السياسي العام، فمن سيضع الأسس الوطنية هذه، وما هي؟ ومن سيضع القانون الجديد للأحزاب وللمشاركة السياسية مثلاً؟
في وقتٍ تؤكّد فيه نصوص الإعلان الحفاظ على الملكية الخاصة، تتجاهل الحديث عن ملكية الدولة، أو عن مجانية التعليم بكل مراحله، والطبابة المجانية لملايين العاطلين من العمل أو الفلاحين مثلاً. ويعني غياب النص الواضح لهذه القضايا أنّها ستكون عرضةً للشطب والبيع، ومن دون أن تُعرض على الشعب، بأن يقرّر هو مصير هذه الملكيات أو الحقوق في التعليم المجاني أو الطبابة، وهذا بمثابة إقصاء إضافي لدور الشعب. … وينطلق هذا النقد من السياسات التي أعلنتها الحكومة المؤقتة، وتؤكد هذا المنحى.
لم ترد في الإعلان أيّة مواد عن السيادة الشعبية، ففي دستور 1950، تقول مادة: “تقوم السيادة على حكم الشعب بالشعب وللشعب”. قامت الثورة الشعبية لاستعادة دور الشعب في تقرير مصير البلاد، ولكنه، بعد أن غاب عن مؤتمر النصر والحوار الوطني ها هو يُغيّب مجدّداً عن بنود الإعلان، وكذلك عن مجلس الشعب المؤقت، المقرّر تشكيله، ويَخشى الشعب السوري حالياً ألّا يتمثل ثقاته والشخصيات الوطنية الوازنة من الحكومة الانتقالية، المزمع تشكيلها، وفقاً لخطة الرئيس أحمد الشرع في المرحلة الانتقالية.
تكمن أهمية الإدارة وكل خطواتها للمرحلة الانتقالية في ضبط الأمن ومنع الحرب الأهلية، وكذلك في تعدّيات الدولة الصهيونية على سورية. وقد أنبأت أحداث الساحل والمجازر على الهوية الطائفية السوريين بأن خطوات الإدارة وتشكيلها الجيش والأمن العام لم تستطع مواجهة هذه الأخطار، وقد تندلع مجدّداً في الساحل أو في سواه. وإشراك الشعب، ومن كل السوريين، في المؤسسات التي تتشكّل، هو المصدر للثقة وللشرعية.
تفترض المرحلة الانتقالية كثيراً من التجريب، ولكن تهميش دور المعارضة ومختلف الفعاليات الاقتصادية والثقافية والسياسية والخبرات الوطنية أصبح سياسة الإدارة الجديدة، فكما احتكرت هي تعيين اللجنة المكلفة بالحوار الوطني، احتكرت هي تعيين اللجنة التي صاغت الإعلان الدستوري. وأخيراً، ستتشكل لجنة لاختيار أعضاء مجلس الشعب في المحافظات. وتمثل التسريبات عن رفض شخصيات اقتصادية تسلّم رئاسة الحكومة بسبب عدم لمسها عدم الاستقلالية في تحديد السياسات العامة لوزارتها سبباً إضافياً للتخوّف الشعبي الواسع، وليس فقط الأكراد أو الدروز، من خطوات الإدارة في المرحلة الانتقالية.
وقد رفضت الإدارة الاستعانة بالخبرات السورية في كل المجالات، فيما هناك دراساتٌ وأبحاثٌ قيّمة أنجزت في سنوات الثورة، منحازة لها، ولتشكيل دولة تحقق مصالح كل السوريين في الانتقال الديمقراطي والعدالة الاجتماعية والتحرّر الوطني. خطوات الإدارة في المرحلة الانتقالية، وتحديد مدّتها بخمس سنوات، وإقصاء الشعب والقوى السياسية عن المشاركة السياسة، وتجميدها لأسباب متعدّدة، ووفقاً لما أشير أعلاه، تدفع إلى القول إن الإدارة تتجه نحو احتكار كامل السلطات، وغياب أية استقلالية لها، وبالتالي، يُشكل هذا الإعلان بداية التأسيس لدكتاتورية جديدة باسم الانتصار على الديكتاتورية السابقة.
احتكار السلطات بيد الرئيس والجماعة المحيطة به في المرحلة الانتقالية، وتغييب دور الشعب والقوى السياسية، سيؤدّي إلى محاولة شرعنة الإدارة الجديدة من الخارج، أو عبر القوة العسكرية والأمنية، ودفع البلاد نحو الغلبة الطائفية السنية، وبالتالي ستنشأ مظلوميات جديدة، ذُكر بعض بداياتها أعلاه، وقد يؤدّي ذلك إلى مختلف أشكال التدخل الخارجي، وورود مواد في الإعلان تُجرم ذلك لا يمنع إمكانية حدوثها، طالما لا تشعر أغلبية السوريين بأن الخطوات الانتقالية لا تمثلها.
الآن، وبحثاً عن خياراتٍ أفضل للإدارة الجديدة، يقع عليها نشر قوانين جديدة، تتجاوز احتكار الإدارة ورئيسها كل السلطات، وبما يعيد للشعب دوره في السيادة على شرعية الدولة وفصل السلطات وشرعية الدستور المقبل، وضمناً أن يَنتخب هو مجلس الشعب المؤقت، لا اللجنة التي ستُكلف بذلك، وأن يساهم في تشكيل الحكومة الانتقالية الواسعة.
العربي الجديد
—————————-
إعلان دستوري يكفل الحريات/ فاطمة ياسين
16 مارس 2025
كان إنجاز الإعلان الدستوري في سورية سريعاً، إذا ما قيست المسافة الزمنية بين إعلان أعضاء اللجنة وتقديم النسخة المسودة إلى الرئيس أحمد الشرع، فلم يستغرق الأمر أكثر من أيام معدودة، وقد تشكّلت اللجنة من قانونيين وقضاة. ورغم أن هذا الاستحقاق كان من الممكن أن يأتي قبل هذا الموعد، ولا سيما أن الدستور هو الورقة الحقوقية الأساسية لهيكل الدولة ووجهها السياسي، وطريقة تعاطي أجهزتها السلطوية وتشكيلها، فقد كان يمكن تفهم الظروف التي رافقت دخول الفصائل إلى دمشق ودقة الوضع الأمني الذي ما زال غير مستقرّ، ما تسبب في تأخيرها، فقد انهمكت الأجهزة الجديدة في تجميع السلاح وإحلال الأمن وتحييد بعض الخلايا هنا وهناك، والبدء بتنظيم الجيش الجديد، بعد حلّ الفصائل. وكان عليها أن تخمد حركة كبيرة اندلعت في الساحل، قادها ضباط كبار وبشبهة تعاون خارجي، وجاء إعلان السيطرة على هذا التحرّك، وضبط الانفلات الأمني مؤشّراً على النية الجادّة في تنظيم القوات الجديدة على شكل مؤسسة حقيقية.
قُدم الإعلان إلى الرئيس الذي صدّق عليه، فأصبح ساري المفعول، وصار لسورية دستور جديد، أحد أهدافه محو آثار الستين عاماً الماضية من حكم “البعث” الذي حكم من دون دستور في البداية، ثم جاء بنصوص ممسوخة سمّيت دستوراً. وفيها تكرّس “البعث” ومنظّماته وشخصية القائد الفذ، وكل البروباغندا السياسية والاجتماعية التي أحاطت به، وكان شكل الدستور السابق ومضمونه سبباً أساسياً في ثورة السوريين التي جاء إلغاء المادّة الثامنة، التي تقول بقيادة حزب البعث للدولة والمجتمع، في أوائل مطالبها، إلى جانب إطلاق الحرّيات التي كانت مقيّدة دستورياً. استجاب حينها بشار الأسد شكلياً بعد مرور عام، وغيّر دستور 1973، مع جعل التغيير مجرّد حبر وورق، فأبعد اسم حزب البعث عن الدستور، ولكن الحزب حينها كان قد تحوّل من الناحية العملية إلى جثّة هامدة، يرتع كبار كرادلته في المقرّات الفسيحة، ويتقاضون تعويضات كبيرة من دون أي عمل حقيقي، فعائلة الأسد تجاوزت الحزب والطائفة، وتسيّدت الموقف من دون اعتبار للدستور الذي بقي وجوده مجرّد سد لذرائع الضغوط الدولية التي تعاظمت على بشار بعد الثورة.
بدا واضحاً من صيغة الإعلان الدستوري الجديد أن القانونيين الذين وضعوه حرصاء على تجاوز كل الماضي، وكتابة وثيقة قانونية قوية تمكّن الدولة السورية من استعادة نفسها، وبناء ذاتها السياسية خلال السنوات الخمس المقبلة، وهي الفترة الانتقالية المحدّدة، والاستعداد للانطلاق إلى المرحلة الثانية. قسّم الدستور السلطات إلى تشريع وتنفيذ وقضاء، ووضع حدوداً بينها. وللأسباب الأمنية ووضع الشارع اليوم، أنيط بالرئيس الشرع، ولجنة مختصة، تعيين المجلس التشريعي ومجلس القضاء، مع التشديد على استقلال كل سلطة وإحداث اللازم لها لممارسة عملها من دون ضغوط. وأورد الدستور احترام أفراد وملكياتهم وآرائهم، وأفسح المجال لهم للتعبير عنها في أي وقت، وبأي صورة ممكنة. وأفرد للمرأة فقرة واضحة، وشدّد على حقوقها في كل المجالات، ويمكن أن نجد فيه المواطن الفرد مصوناً يمارس ما يرغب ضمن القوانين المرعية من دون ضغط وإكراه.
حدّد الدستور نقطة مطلبية، فوضع فقرة إدانة ومعاقبة كل من يُنكر فترة الإبادة الأسدية، أو التهوين منها، وهذه الفقرة أتت على ما يبدو جزءاً مهماً في تحقيق العدالة، فلا يجوز إنكار سياسات الأسد القمعية والإبادة التي لحقت بالشعب السوري، وقد شهدنا بالفعل من يجرؤ على التقليل منها، حيث لجأت فلول النظام إلى هذه الطريقة لتقديم نفسها من جديد، وإذا قرنت هذه الفقرة بفقرة البدء بتشكيل لجنة لإقامة العدالة الانتقالية، يكون جزءٌ من الحقّ السوري المهدور قد أعيد ثانية، بعد سنين من الحرمان والتشرّد، وستتمكّن اللجنة من بناء القضايا وتجميع الشهود والتقاضي في المحاكم، بعد القبض على كل متورّطٍ أو متعاطفٍ مع فترة الأسد الإجرامية. … الوثيقة الوطنية الجديدة خطوة تسير في اتجاه تأكيد العدالة والحرية، بعد الالتزام بتنفيذ بنودها.
العربي الجديد
————————
الإعلان الدستوري والقطيعة مع “الأيديولوجيا الجهادية”/ محمد أبو رمان
16 مارس 2025
خطوتان مهمتان تسيران بسورية على الطريق الصحيح، تتمثل الأولى بالاتفاق مع قوات سوريا الديمقراطية، الذي يؤشّر إلى أنّ هنالك إمكانية كبيرة لتجاوز المرحلة الراهنة الخطيرة، إذا تمكّنت النخب السياسية الفاعلة، كما تفيد تجارب عديدة في الانتقال السياسي، من التوافق على القيم الوطنية الشمولية وقواعد اللعبة السياسية الجديدة. وتتمثل الثانية في الإعلان الدستوري، الذي أقرّته اللجنة المكلّفة وصادق عليه أحمد الشرع بصفته رئيس الجمهورية السورية.
يمثّل الإعلان الدستوري قطيعة واضحة مع الفكر السلفي الجهادي، لمن ما تزال لديه شكوك في أنّ هيئة تحرير الشام ما تزال تخبئ أجندة إسلامية- أصولية لحكم سورية، ولكن أهم ما في الإعلان القضايا الأربع الرئيسية المركزية؛ وحدة الأراضي السورية، والعدالة الانتقالية، وبناء دولة المواطنة والحرية والكرامة وسيادة القانون، وأخيراً الحكم الرشيد، وهي مفاهيم تبتعد بصورة كاملة عن الأيديولوجيا الإسلامية الجهادية، وحتى لدى عديد من الحركات الإسلامية التي انخرطت في اللعبة السياسية.
يتمثّل المعلم الثاني في الدستور السوري بإقرار مبدأ المواطنة بوصفها أساس العلاقة بين الدولة والفرد، ومبدأ فصل السلطات، وحماية حقوق الإنسان والحرّيات الفردية والعامة، بخاصة حرية المعتقد والدين والعبادة، بل يتجاوز الإعلان الدستوري كثيراً من الدساتير العربية، في معلمه الثالث، في تأكيده مفهوم الحقوق الثقافية من خلال تأكيد أنّ الدولة تحمي التعايش والاستقرار المجتمعي، وتحفظ السلم الأهلي، وتكفل التنوع والتعايش والحقوق الثقافية واللغوية للمجتمع السوري بمكوناته كافة. ومن الواضح أنّ في ذلك رسالة إلى الأقليات الكردية والعلوية والدرزية، وضمانة لهم دستورياً، في وقتٍ تحاول فيه إسرائيل شراء ولاء زعامات دينية وروحية درزية باستخدام بعض الدروز في الجولان المحتل.
إذا انتقلنا إلى المعلم الثالث فهو متعلّق بتأكيد أن المواطنين متساوون في الحقوق والواجبات من دون التمييز بينهم في العرق أو الدين أو الجنس أو النسب، وهو مبدأ مهم يتناقض تماماً مع تراث السلفية الجهادية وخطابها الأيديولوجي. ثم في المادة 12 من الإعلان نفسه إقرار بمبدأ حقوق الإنسان وبالمواثيق الدولية والمعاهدات المعنية بهذا الأمر، وكذلك الإقرار في الحق بتأسيس الأحزاب السياسية وبعمل النقابات والجمعيات وحرية التعبير والرأي والإعلام والنشر، وبحقوق المرأة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
لا يمكن القول إنّ مثل هذه القيم والمبادئ المهمّة قد بدّدت تماماً المخاوف لدى نخب سياسية وعلمانية والأقليات من المستقبل، لكنها بالضرورة قطعت الطريق على هواجس وأقاويل واتهامات كانت توجّه إلى الإدارة الجديدة من زاوية، وأنّها، من زاويةٍ ثانية، تفتح المجال لتفاهمات وطنية وللغة الحوار السياسي، على الأقل خلال مرحلة التعافي الحالية (قرّرها الإعلان الدستوري بخمسة أعوام) إلى حين إعادة بناء البنية التحتية أو تجديدها، وعودة العدد الكبير من المهجّرين والنازحين والتعامل مع تحدّيات خطيرة متعلقة بوحدة سورية وسيادتها والسلم الأهلي.
قد يرى بعضهم أنّ الإعلان الدستوري قد أعطى الشرع سلطات وصلاحيات واسعة في تعيين اللجنة التي ستختار أعضاء مجلس الشعب، أو حتى صلاحياته باختيار ثلث الأعضاء، لكن هذه الصلاحيات مؤقتة ومرتبطة بالمرحلة الانتقالية، وهي سيف ذو حدّين، فإذا قام الرئيس ولجنته باختيار متوازن للمجلس وأعضائه، بما يشمل التنوّع الثقافي والعرقي والديني والسياسي، فإنّه يبرهن أنّ “النيات سليمة”، وأنّه لا نية لنظام دكتاتوري وتسلّطي هناك، والعكس صحيح.
في هذا السياق، تخبرنا نظريات الانتقال السياسي أنّ المرحلة الانتقالية هي الأكثر خطورة، وربما خطوة واحدة غير محسوبة تؤدّي إلى نتائج وخيمة، وأنّ دور النخب السياسية المختلفة في هذه المرحلة مفتاح مهم من مفاتيح الاتفاق والنجاح، كما أنّ التوافق بين القوى القديمة- المحسوبة على النظام السابق والنخب الجديدة هو أيضاً مفتاحٌ مهم، وأنّ التدرج والتوافق الطريق الأفضل من الصراع والاحتراب. وفي الوقت نفسه، دراسة الحالة السورية مقارنة بتلك النظريات تجعل الاحتمال الأقرب إما نظاماً دكتاتورياً وإما فوضى داخلية، بينما الانتقال نحو الديمقراطية هو الأضعف، إلّا إذا قرّر السوريون والإدارة الجديدة والنخب السورية بوعيهم تقديم نموذج مختلف ومغاير، ما دام أنّ هنالك عاملاً إقليمياً داعماً لهذا الانتقال السلمي والديمقراطي، سواء تركيا أو الأردن أو قطر أو السعودية، وهي دول مهمّة في التأثير على اتجاهات الحكم الجديد في سورية.
العربي الجديد
———————–
لماذا أثار الإعلان الدستوري السوري جدلاً حول صلاحيات رئيس المرحلة الانتقالية؟/ رحاب إسماعيل
تحديث 16 أذار 2025
بينما كان فريق بي بي سي يتوجه لتغطية غارة إسرائيلية استهدفت أحد المنازل على مشارف دمشق يوم الخميس الماضي، كانت لجنة صياغة الإعلان الدستوري في سوريا تُسلِّم مسودة الإعلان إلى رئيس المرحلة الانتقالية أحمد الشرع، الذي وصف ذلك الإعلان بأنه “بداية تاريخ جديد للبلاد”، معرباً عن أمله في أن يمحو “الظلم” الذي تعرض له السوريون.
ويعكس هذا المشهد التحديات الأمنية والسياسية، التي تواجه الدولة السورية الجديدة على مختلف الأصعدة، بينما تسعى لتأسيس مرحلة جديدة، بعد ما يزيد عن أربعة عشر عاماً من اندلاع الثورة في البلاد.
ما أهمية إصدار الإعلان؟
حدد الإعلان الدستوري مدة المرحلة الانتقالية في سوريا بخمس سنوات، ونصّ على “الفصل المطلق” بين السلطات، وأكد على جملة من الحقوق والحريات الأساسية، بينها حرية الرأي والتعبير، وحق المرأة في المشاركة السياسية.
ويقول الدكتور إسماعيل خلفان، عضو لجنة صياغة الإعلان الدستوري في سوريا وعميد كلية الحقوق بجامعة حلب، لـ “بي بي سي” إن الإعلان يُشكل الأساس الذي ستُبنى عليه المرحلة الانتقالية، التي ستشهد تشكيل الحكومة ولجنة صياغة الدستور والبرلمان.
وأضاف خلفان أن الحياة في سوريا كانت متوقفة منذ سقوط النظام السابق وإلغاء العمل بدستور عام 2012، في انتظار هذا الإعلان الدستوري، خاصة مع التحديات الأمنية مثل وجود مناطق تشهد “إشكالات مع فلول النظام”، ومناطق لا تزال تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية (قسد).
من جهته، قال الدكتور أحمد قربي، عضو لجنة صياغة الإعلان نفسه ومدير وحدة التوافق والهوية المشتركة في مركز الحوار السوري، لـ “بي بي سي” إن هذا الإعلان سيعطي صلاحيات واضحة لمؤسسات الدولة للتعامل مع التحديات الأمنية والسياسية.
انتقادات رغم الاتفاقات
ولكن بمجرد التصديق على الإعلان الدستوري، أطلق مجلس سوريا الديمقراطية، الذي يمثل المظلة السياسية لقوات (قسد)، بياناً انتقد فيه الإعلان ورفضه، وذلك بعد أيام قليلة من توقيع اتفاق يقضي باندماجها ضمن مؤسسات الدولة السورية، مع التأكيد على وحدة أراضي سوريا ورفض تقسيمها.
وقال مجلس (قسد) في بيان الجمعة، إن هذا الإعلان “يكرّس لحكم مركزي ويمنح السلطة التنفيذية صلاحيات مطلقة”. كما طالب بإعادة صياغة الإعلان بما يضمن توزيع السلطة بشكل عادل، ويضمن حرية العمل السياسي، والاعتراف بحقوق جميع المكونات السورية، واعتماد نظام حكم لامركزي ديمقراطي، مع وضع آليات واضحة لتحقيق العدالة الانتقالية.
ورداً على هذا البيان، علق الدكتور خلفان بالقول إن سوريا دولة واحدة تعتمد على المركزية السياسية، ولا تقبل بالتقسيم أو الانفصالية على حد تعبيره. وأضاف أن اللامركزية الإدارية متاحة في المناطق المختلفة، مثل المناطق التي يسكنها الأكراد، وأنه حتى إذا لم يذكر الإعلان الدستوري ذلك صراحة، فإن الأمر مذكور في قانون الإدارة المحلية، وطالما أنه لم يُلغَ ولا يتعارض مع الإعلان الدستوري، فهو مستمر، بحسب قوله.
صلاحيات رئيس المرحلة الانتقالية
تعددت ردود الفعل حول عدة نقاط في الإعلان الدستوري، منها صلاحيات الرئيس أحمد الشرع، الذي سيحكم سوريا خلال الفترة الانتقالية الممتدة لخمس سنوات بحسب الإعلان.
فقد صرح أنور مجني، المشرف على البرامج في منظمة “اليوم التالي” الحقوقية السورية، لـ “بي بي سي” بأن الإعلان الدستوري يجمع كل السلطات التنفيذية للدولة خلال المرحلة الانتقالية بيد الرئيس، فهو من يختار أعضاء الحكومة وأعضاء مجلس الأمن القومي، وقضاة المحكمة الدستورية العليا. وأضاف مجني أن الرئيس يعين ثلث أعضاء مجلس الشعب، ويختار اللجنة التي ستعين الثلثين الآخرين. كما أشار إلى ما اعتبره غياباً للمحددات التي يمكنها ضمان تشكيل برلمان يكفل تمثيلاً حقيقياً للمجتمع السوري، بحسب قوله.
غير أن الدكتور أحمد قربي يرى أن صلاحيات الرئيس في المرحلة الانتقالية لا تمثل إشكالية، لأن الإعلان تبنى النظام الرئاسي، مما يعطي صلاحيات واسعة للرئيس. وأضاف أنه في السابق، كان الرئيس في سوريا، يتمتع بصلاحيات تنفيذية وتشريعية وقضائية، لكنه لم يعد لديه الآن سلطة التشريع، كما أنه لم يعد رئيساً لمجلس القضاء الأعلى.
وبخصوص تعيين الرئيس لأعضاء المحكمة الدستورية العليا، علل قربي ذلك بأنه تم اللجوء لهذا الأمر “اضطرارياً” في ظل الحاجة لتشكيل المحكمة، وعدم وجود مجلس شعب.
بدوره أكد الدكتور إسماعيل خلفان أن الصلاحية الاستثنائية الوحيدة التي أُعطيت للرئيس بموجب مسودة الإعلان الدستوري، هي إعلان حالة الطوارئ، وهو “أمر طبيعي في دولة مثل سوريا مرت بثورة استمرت 14 عاماً، وتشرد فيها ملايين السوريين”.
وأضاف عضو لجنة صياغة الإعلان الدستوري أنه حتى هذه الصلاحية تم تقييدها، إذ يحتاج الرئيس إلى موافقة مجلس الأمن القومي، واستشارة المحكمة الدستورية ومجلس الشعب، لإعلان حالة الطوارئ. كما حُددت مدتها بثلاثة أشهر بحد أقصى، ولتمديدها يحتاج إلى موافقة مجلس الشعب.
وأشار إلى أن صلاحية التشريع لرئيس الجمهورية، التي كانت موجودة في الدستور السابق من خلال منحه صلاحية إصدار المراسيم التشريعية التي كان يستخدمها لتعطيل السلطة التشريعية في مجلس الشعب على حد تعبير خلفان، اختفت في هذا الإعلان الدستوري، وأصبحت صلاحية التشريع حصراً في يد مجلس الشعب فقط.
من سيراقب السلطة التنفيذية؟
يرى نواف خليل، مدير المركز الكردي للدراسات، أن الإعلان الدستوري منح الرئيس صلاحيات واسعة دون تحديد آليات لرقابة أو محاسبة السلطة التنفيذية، معتبراً أن الإعلان “يصب في مصلحة الرئيس الحالي”.
كما يقول الناشط الحقوقي أنور مجني، أن لدى رئيس المرحلة الانتقالية القدرة على التأثير على السلطة التشريعية، إذ يمكنه رد أي تشريع إلى مجلس الشعب، ورفع نسبة التصويت المطلوبة عليه من النصف إلى الثلثين. وتساءل مجني عن سبب تحديد فترة البرلمان القادم بثلاثين شهراً بينما المرحلة الانتقالية هي خمس سنوات. وأضاف أن منح حق مد فترة البرلمان يزيد من صلاحيات الرئيس.
من جهته، قال الدكتور أحمد قربي: “نحن اعتمدنا مسألة الفصل الجامد، فالبرلمان لا يستطيع محاسبة الرئيس، والرئيس لا يمكنه حل البرلمان”. وأوضح قربي أنه بالرغم من عدم وجود آلية واضحة لمحاسبة الرئيس، فإن القواعد العامة تنص على أن الرئيس موظف في الدولة، وإذا خالف القانون أو الإعلان الدستوري، سيكون القانون السوري هو الفيصل.
هل قُيدت الحياة السياسية وحرية تشكيل الأحزاب؟
كفل الإعلان الدستوري الجديد، المشاركة السياسية الكاملة وحق الملكية مع مجموعة من الضوابط حتى لا تتحول الحريات إلى فوضى، بحسب رئيس لجنة صياغة هذا الإعلان الدكتور عبد الحميد العواك، خلال مؤتمر تسليم مسودته إلى رئيس المرحلة الانتقالية.
ولكن أنور مجني يقول إن المادة الوحيدة التي تحدثت عن تكوين الأحزاب، علقت عمل هذه الأحزاب على إصدار قانون جديد، دون تحديد مدة محددة لإصداره، مما قد يعطل الحياة السياسية. وأضاف أنه لا يجب انتظار صدور قانون لتشكيل الأحزاب، بل يجب تحديد مدة لإصداره على الأقل، لأن الإعلان الدستوري يفترض أن ينقل البلاد من الاستبداد، وحكم الفرد إلى التعددية وحكم الشعب على حد قوله.
من جهته، نفى خلفان أن يكون ما ورد في الإعلان الدستوري يقيد العمل السياسي، أو يجمد تكوين الأحزاب، موضحاً أنه أرجأ تشكيل الأحزاب فقط حتى يتم إصدار قانون جديد، لأن القانون الحالي لا يمنح الحرية الكافية لتشكيل الأحزاب، ويشترط موافقة أمنية من وزير الداخلية، وهو أمر غير مقبول. وقال: “سيتم إعداد قانون جديد للأحزاب، وبعد ذلك سيتم تشكيل الأحزاب وفقاً للقانون دون أي قيود”.
“العدالة الانتقالية وحسم الرواية التاريخية”
وفيما يخص العدالة الانتقالية، نص الإعلان الدستوري على إلغاء كل القوانين الاستثنائية والمحاكم الاستثنائية والقرارات الصادرة عنها إبان عهد النظام السابق.
وقال قربي إن من أهم مكاسب هذا الإعلان، أنه أسس للعدالة الانتقالية من خلال إجراءات واضحة، ومهد لتأسيس هيئة مستقلة خاصة بالعدالة الانتقالية، مبنية على جبر الضرر وإنصاف الضحايا، فضلاً عن “حسم الرواية التاريخية وتجريم كل من ينكر جرائم نظام الأسد أو يبررها”.
غير أن الناشطة السياسية والنسوية السورية ثريا حجازي، تقول إن العدالة الانتقالية يجب ألا تتضمن فقط انتهاكات النظام السابق، بل يجب أن تشمل أيضاً أي انتهاكات ثبت بعد التحقيق أنها وقعت من قبل أفراد تابعين للنظام الحالي، مشيرة إلى الأحداث الأخيرة في منطقة الساحل السوري.
هل يضمن الإعلان الدستوري تمثيلاً فعالاً للمجتمع؟
عبّر الصحفي والباحث السوري نورس عزيز، لـ “بي بي سي” عن تحفظاته إزاء ما نص عليه الإعلان الدستوري من اعتبار الفقه الإسلامي المصدر الأساسي للتشريع، قائلاً إن الفقه الإسلامي بالنسبة له هو مجموعة اجتهادات شخصية وغير موحدة، مما قد يؤثر على فكرة المدنية والديمقراطية في الدولة.
ورأى عزيز أن تأكيد الإعلان على وصف الدولة بـ”الجمهورية العربية السورية”، يُقصي القوميات غير العربية مثل الأكراد والتركمان والأقليات القومية، معتبراً أن الإعلان “يحظى بدعم النظام الجديد من الأغلبية السنية”.
وأضاف عزيز أن الإعلان حدد أن تكون ديانة رئيس الدولة هي الإسلام، ما يعتبره الصحفي والباحث السوري حصراً لهذا المنصب و”إقصاء لبقية الأديان والمذاهب، ومخالفة للمادة التي تقول بأن كل المواطنين السوريين متساوون في الحقوق والواجبات”.
“أطالب بالتمثيل الحقيقي لكل السوريين وإعطاء أصحاب الكفاءات دورهم في قيادة الدولة وعدم الاستئثار بالسلطة”، هكذا عبّر نورس عن أمله في مستقبل البلاد.
من جهتها، قالت ثريا حجازي، الناشطة السياسية والنسوية السورية، إن عدم تحديد جنسية رئيس الدولة مع وجود عدد كبير من الأجانب يثير مخاوفها، بالإضافة إلى عدم تأكيد الإعلان، على أهمية تداول السلطة والديمقراطية ومدنية الدولة.
وبحسب نواف خليل، مدير المركز الكردي للدراسات، لاقى الاتفاق بين الشرع و(قسد) ترحيباً واسعاً، لكن الإعلان الدستوري “ضرب به عرض الحائط”، إذ لا توجد أي مواد تشير إلى أي مكون قومي أو ديني، مثل الأكراد أو التركمان أو الآشوريين، رغم أن الاتفاق بين السلطات في دمشق و(قسد)، ينص على تمثيل كل مكونات السوريين.
ورداً على هذه الانتقادات، قال الدكتور إسماعيل خلفان، عضو لجنة صياغة الإعلان الدستوري، إن تحديد ديانة رئيس الدولة لا يعد إشكالية، خاصة أنه كان موجوداً في الدساتير السورية دائماً. وأضاف أن عدداً كبيراً من الدول، تحدد ديانة رئيس الدولة بحسب ديانة الأغلبية. وأوضح خلفان أن “الإعلان الدستوري لم يحدد طائفة معينة، بل حدد الديانة فقط”، معتبراً أن ذلك لن يؤثر على مشاركة السوريين في الحياة السياسية، لأن الحصر ينطبق فقط على منصب رئيس الجمهورية، بينما تسمح المناصب التشريعية والتنفيذية الأخرى للجميع بالمشاركة الفعالة.
صورة لمظاهرة رافضة لمسودة الإعلان الدستوري في مدينة القامشلي شمالي سوريا.
من جهته، استنكر الدكتور أحمد قربي، عضو لجنة صياغة الإعلان، التعليقات التي تقول إن الإعلان لم يشمل كل الأطياف السورية، ورد بأن الإعلان ينص على أن “المواطنين متساوون في الحقوق والواجبات، من دون تمييز بينهم في العرق أو الدين أو الجنس أو النسب”، بالإضافة إلى ضمان الحقوق الثقافية واللغوية لكل المكونات السورية، وضمان حرية الاعتقاد وحرية الممارسة الدينية، وصيانة الأحوال الشخصية، مما يضمن تمثيلاً عادلاً للجميع. وأضاف أن ذكر أي مكون بعينه سيشير إلى أن له معاملة تمييزية، “ولا يجب تمييز أي سوري عن الآخر”.
وبخصوص جنسية الرئيس، قال خلفان إنه لا داعي لذكرها في الإعلان الدستوري، لأن الدستور الدائم سيحدد ذلك لاحقاً، وسيؤكد أن رئيس الجمهورية يجب أن يكون سوري المولد، وليس بالتجنيس.
وفي الختام يقول الناشط الحقوقي أنور مجني إنه بالرغم من الانتقادات الكثيرة التي طالت الإعلان، فإنه يرى فيه أيضاً عدداً من المواد التي أحدثت نقلة نوعية، مثل اعتبار الاتفاقيات الدولية المُصادق عليها من الجمهورية السورية، جزءاً من الإعلان الدستوري. وأضاف أن سوريا مصادقة على أهم المواثيق الدولية، وبالتالي لا يجوز إصدار قانون يتعارض مع هذه الحقوق، ولا يجوز للسلطة التنفيذية اتخاذ إجراء يتعارض معها، مع ضرورة تحديد آليات الرقابة البرلمانية على السلطة التنفيذية.
وأعرب مجني عن أمله في أن يكون هذا الإعلان قادراً على نقل البلاد من حالة الاستبداد وحكم الفرد الواحد إلى حالة التعددية والديمقراطية.
بي بي سي
————————
الرفض الكردي للإعلان الدستوري يخيّم على اتفاق “قسد” ودمشق/ محمد أمين
16 مارس 2025
لم تتأخر القوى السياسية الكردية في سورية في إعلان الرفض الكردي للإعلان الدستوري الناظم للمرحلة الانتقالية في البلاد والذي صدر الخميس الماضي من دمشق، ما أوجد مخاوف من أن يهدّد الاتفاق “التاريخي” بين دمشق و”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) والتي تمثّل جانباً من الشارع الكردي. وما إن أعلنت اللجنة المكلفة الإعلان الدستوري، حتى سارعت القوى الكردية إلى إصدار بيانات رفض له لأنه “لم يضمن حقوق جميع القوميات والمكونات في البلاد”، وفق بيان للمجلس الوطني الكردي، أبرز القوى السياسية الكردية في سورية. وقال المجلس الذي يضم أحزاباً سورية كردية إن الإعلان المذكور “جاء مخيباً للآمال، بعيداً عن التطلعات نحو بناء دولة ديمقراطية تعكس التنوع الحقيقي للمجتمع السوري”. وأكد البيان أن المجلس يرى في الإعلان الدستوري “خطوة نحو ترسيخ الأحادية والاستئثار بالسلطة، متجاهلاً الطبيعة التعددية لسورية وهويتها، بصفتها دولة متعددة القوميات والأديان، حيث لم يضمن الحقوق القومية والدينية لمكوناتها، بل ثبّت هوية قومية واحدة في تسمية الدولة، في إقصاء واضح لغيرها من المكونات.
“قسد” ترفع السقف
ورفعت “الإدارة الذاتية”، وهي الذراع المدنية والإدارية لـ”قسد”، سقف الرفض الكردي للإعلان الدستوري إلى الحد الذي وصفت فيه الإعلان، بأنه “جاء مماثلاً لسياسات حزب البعث السابقة”. واعتبرت أن الإعلان “يفتقر إلى معايير التنوع الوطني السوري”، مضيفة أنه “يخلو من بصمة أبناء سورية من الأكراد والعرب والسريان والآشوريين وغيرهم من المكونات”.
وفي السياق ذاته، أبدى “مجلس سوريا الديمقراطي” (الذراع السياسية لقوات قسد)، تحفظاً على الإعلان، لجهة أنه “يعيد إنتاج الاستبداد بصيغة جديدة، ويكرّس الحكم المركزي ويمنح السلطة التنفيذية صلاحيات مطلقة، بينما يقيّد العمل السياسي ويجمّد تشكيل الأحزاب، ما يعطل مسار التحول الديمقراطي”.
عقبات مبكرة أمام اتفاق “قسد” ودمشق
وضمّ الإعلان الدستوري الذي وقّعه الرئيس السوري أحمد الشرع الخميس الماضي، 53 مادة، أثارت بعضها حفيظة قوى سياسية في البلاد، وأخرى تمثّل أقليات مذهبية، خصوصاً المادة التي حدّدت دين رئيس الدولة بـ”الإسلام”. ولكن أكثر ما أثار الرفض الكردي للإعلان الدستوري واستياء الشارع الكردي ودفعه للخروج في تظاهرات مندّدة بالإعلان، المادة التي أبقت على اسم الدولة في الدساتير السورية السابقة وهو “الجمهورية العربية السورية”. كما توقف الشارع الكردي في سورية مطولاً عند المادة الرابعة في الإعلان والتي نصّت على أن “اللغة العربية هي اللغة الرسمية للدولة”.
هواجس الرفض الكردي للإعلان الدستوري
ولم يسبق للقوى السياسية الكردية في سورية أن تلاقت عند موقف واحد إزاء العديد من القضايا في المشهد السياسي، إلا هذه المرة، ما يعكس حجم الرفض الكردي للإعلان الدستوري الصادر من دمشق، والذي يُخشى أن يهدد اتفاقاً وُصف بـ”التاريخي” بين الشرع ومظلوم عبدي، قائد قوات “قسد”، قبل أيام عدة في دمشق. واعترف الاتفاق للمرة الأولى في تاريخ الدولة بالمكون الكردي بوصفه “مجتمعاً أصيلاً في الدولة السورية”. ويشكل الأكراد نحو 5% من سكّان سورية، وفق تصريحات للمبعوث الأممي السابق إلى سورية ستيفان دي ميستورا في عام 2016. وينتشرون في عموم المناطق السورية بما فيها دمشق، إلا أنهم يتمركزون في أقصى الشمال الشرقي من البلاد وفي منطقتي عفرين وعين العرب (كوباني) في ريف حلب.
ولكن أحمد القربي، وهو عضو لجنة كتابة الإعلان الدستوري، رأى في حديث مع “العربي الجديد” أنه “لا يمكن القول إن هناك إجماعاً كردياً رافضاً”، معرباً عن اعتقاده بأن “هناك جزءاً من المكون الكردي لديه تحفظ وهواجس”. وتابع: “المخاوف التي تمّ الاستناد عليها لإظهار الرفض الكردي للإعلان الدستوري ناتجة عن مواقف سياسية لتحصيل مكاسب، أكثر ما تكون تقنية وقانونية”، مشيراً إلى أن “الإعلان أكد على المواطنة الكاملة وضمان الدولة للتنوع الثقافي واللغوي لمختلف المكونات”. كما لفت إلى الحديث عن أن الإعلان الدستوري لم يشر إلى القضية الكردية في البلاد، أو اللامركزية، معتبراً أن “هذه المطالب تبدو غير واقعية، إذ كيف يمكن اعتماد اللامركزية والمركز في الوقت الراهن ضعيف، فضلاً عن تهديدات خارجية وداخلية وتشرذم اجتماعي. علينا بناء مؤسسات الدولة أولاً، ومن ثم نتجه إلى اللامركزية”.
ويدفع الأكراد باتجاه تغيير اسم الدولة إلى “الجمهورية السورية”، واعتماد اللغة الكردية لغة رسمية إلى جانب العربية. وتسيطر “قسد” التي تشكل وحدات حماية الشعب الكردية عمادها الرئيسي خصوصا لجهتي القيادة والتوجيه، على الثلث الأغنى بالثروات من البلاد. وكان الاتفاق الذي أبرمته مع الرئاسة السورية رفع سقف التفاؤل في الشارع السوري لجهة تجنيب البلاد دورة عنف جديدة من أجل فرض سيطرة الدولة على كامل البلاد.
ولم يستبعد الباحث السياسي رضوان زيادة، في حديث مع “العربي الجديد”، أن يلقي الرفض الكردي للإعلان الدستوري بظلاله على الاتفاق “لا سيما أن الاتفاق لم يدخل حيّز التنفيذ بعد”، مشيراً إلى أن التحفظ الكردي على الإعلان “كان متوقعاً بالنظر إلى مواقفهم السابقة من الإدارة الجديدة في البلاد”. وشدّد على أن الإعلان الدستوري “لا يستطيع تغيير اسم الدولة. هذا أمر يعود إلى برلمان منتخب”.
من جهته، رأى رياض درار، وهو رئيس سابق لـ”مجلس سوريا الديمقراطي” (مسد) في حديث مع “العربي الجديد”، أن الرفض الكردي للإعلان الدستوري “تعبير سياسي لأن الإعلان خارج التوقعات ويؤسس لنظام استبدادي وسيطرة الفرد ولا يخدم شعارات المرحلة الانتقالية، خصوصاً مع طول مدة هذه المرحلة”. ولكن درار اعتبر أن هذا الموقف “لن يشكل قطيعة مع اتفاق دمشق وقوات قسد”، مؤكداً أن “قسد ما تزال عند الاتفاق”. وأعرب عن اعتقاده بأن “اللقاء المقبل مع الإدارة سيكون من وسائل الضغط لإعادة كتابة هذا الإعلان”.
وتشير المعطيات إلى أن “قسد” ليست بصدد إعادة النظر في الاتفاق الذي أبرمته مع الرئاسة السورية على ضوء الرفض الكردي للإعلان الدستوري الصادر عن دمشق، خصوصاً أن الاتفاق جاء بدفع ورضى الجانب الأميركي الذي كما يبدو يخطط لسحب قواته من الشمال الشرقي من سورية. والانسحاب المحتمل لن يكون لصالح “قسد” في حال تنصلها من الاتفاق مع دمشق، فالتخلي عن الاتفاق يفتح باب تصعيد عسكري لن يكون في صالح القوات الكردية التي ما تزال تواجه احتمالات تصعيد تركي ضدها في حال عدم تنفيذ الاتفاق المبرم. وبرأي المحلل السياسي المقرب من “الإدارة الذاتية”، إبراهيم مسلم، في حديث لـ”العربي الجديد”، فإن “مضمون الاتفاق الذي عقد بين الرئاسة السورية وقوات قسد يؤكد على التشاركية في إدارة البلاد، وتثبيت حق كل المكونات السورية في الدستور، لكن بعد يومين تمّ إصدار إعلان دستوري يتعارض مع مضامين الاتفاق”.
العربي الجديد
—————————-
دساتير سوريا المفقودة.. من الاستقلال الوطني إلى الانقلاب العسكري/ طالب الدغيم
2025.03.16
مع بداية مرحلة الاستقلال في سوريا عام 1946م، كانت الدساتير تُعدّ بمنزلة أداة لإعادة تشكيل هوية الدولة بعد فترة طويلة من الانتداب الفرنسي، حين أُعطيت القوانين الدستورية طابعاً مؤقتاً يعكس التحديات والظروف السياسية المحلية والدولية. كان الهدف من هذه الدساتير ليس فقط تنظيم العلاقات السياسية الداخلية، بل أيضاً التعبير عن تطلعات الشعب السوري نحو الحرية والسيادة الوطنية. ورغم ذلك، لم تخلُ هذه التجربة من التفاعلات المعقدة بين الفكر السياسي القومي أو الليبرالي الساعي للحرية والعدالة، والأفكار الإصلاحية التي تستهدف تغيير الواقع الاجتماعي والاقتصادي.
في هذه المقالة، نستعرض مسار التجربة الدستورية السورية بعد الاستقلال الوطني على مدار أربع سنوات، ونناقش العلاقة بين القيم السياسية الحديثة والمتغيرات المحلية التي كان لها دور كبير في صياغة الواقع الدستوري في سوريا، وتأثيراتها التي امتدت إلى العقود التالية.
التطورات الدُّستورية في سورية في مرحلة الاستقلال الانتقالية حتى تعديل 1947م:
عُرفت الفترة الممتدة بين عامي 1943و1947 بأنها فترة الحكم الدستوري، ووصفها عادل أرسلان بأنها مرحلةً كان فيها الدستور سلطاناً في سورية. وكما وصفت تلك المرحلة بأنها مرحلة انتقالية، إذ بدأت مع انتخاب رئيس للجمهورية، ومجلسٍ نيابي مستقل جديد في عام 1943، وألغى خلالها البرلمان مادة الانتداب الفرنسي (م 116) من الدستور القديم. إلا أن البداية الفعلية لتلك المرحلة، بدأت مع عملية جلاء القوات الفرنسية في 16-17 نيسان/أبريل 1946، وتمتع سورية باستقلالها السياسي. واستمرت حتى إجراء انتخابات الجمعية التأسيسية للدستور في أواخر عام 1949.
وقد ناقش المجلس النيابي السوري في تلك المرحلة، مجموعةً من القضايا الدستورية التي اعترضت الدولة الوطنية الناشئة، ومنها تسوية القضايا القديمة مع فرنسا، ولاسيما معاهدات الجيش واستقلال النقد، إذ كانت قضية الجيش قضيةً مصيريةً، فأَلحّ كثير من النواب في نقاشاتهم على ضرورة تصديق قانونٍ خاصٍ بإعادة هيكلة الجيش السوري وتدريبه وتسليحه، حتى لا يبق في حالةِ فوضى وسوء تنظيم دائمين.
كذلك نوقشت قوانين للإصلاح الزراعي، وأخرى لتنظيم العمل، والتي كانت تتعثر الخطى عند طرحها بسبب نفوذ البورجوازية السورية الكبير آنذاك. وطرحت مشاريع دستورية أخرى تتعلق بحرية النشر والرأي والتعبير. ولكن كان الحدث الدستوري الأكثر تأثيراً في تلك المرحلةً، هو تعديل الدستور بما يسمح للرئيس شكري القوتلي بتجديد رئاسته لولاية ثانية، والذي أثار ضجة داخل وخارج سورية. فالسؤال هنا: لماذا جرى تعديل الدستور السوري من قبل الحزب الوطني الحاكم؟ وما هي رهانات ذلك التعديل؟
1 ـ تعديل الدستور وتجديد رئاسة شكري القوتلي في عامي 1947 ـــ 1948
نتج عن ضغوط نواب البرلمان والنخب الحزبية المعارضة، إقرار تعديل قانون الانتخاب القديم “العثماني”، من نظام الانتخاب على مرحلتين إلى الانتخاب الشعبي المباشر عام1947 م، حيث كانت حكومة جميل مردم قانعةً بذلك التعديل، واعتبرته ضامناً لسلامة أيّ عملية انتخابية مستقبلية، ورأته ينسجم مع روح الحرية والديمقراطية لدى المواطن السوري.
وجرى تكليف الحقوقيين أسعد الكوراني وفؤاد شباط بوضع قانونِ الانتخابات الجديد. وبعد أن انتهيا منه، قدماه للمجلس النيابي في 14 نيسان/أبريل1947. فاختلف النواب حوله، ففي الوقت الذي وجد صبري العسلي (الحزب الوطني الحاكم) ضرورة التأني في إقراره لاختلاف الآراء حول المبادئ المتعلقة بانتخاب الدرجة الأولى، وفي تمثيل الطوائف الدينية، أَيَّده رشدي الكيخيا وأكرم الحوراني وناظم القدسي (الكتلة الدستورية المعارضة) بكل ثبات وإصرار. وفي نهاية المناقشات، أصدر البرلمان قانوناً انتخابياً مُعدلاً في 24 أيار/مايو 1947. ولكن على الفور، تكشفت مساوئ القانون الجديد، بسبب استثنائه العشائر العربية والكردية في منطقة الجزيرة السورية من شروط التسجيل في سجلات الدولة المدنية، لأن الدولة اعتمدت على الجداول الرسمية التي يحتفظ بها مخاتيرهم، وزعماء مناطقهم من دون أيّ تدقيق حكومي رسمي فيها.
تزايد السخط على الرئيس القوتلي وحزبه الوطني، بعد انتخابات النيابة في 7 و8 تموز/يوليو 1947، فقد أسفرت الانتخابات في الجولة الانتخابية الأولى عن فوزٍ ساحقٍ للمعارضة، فأحدث ذلك توتراً لدى زعماء الحزب الوطني، الذين كانوا موقنين بالفوز، مما دفعهم إلى تزوير الانتخابات. ورأى المفكر رايسنر، بأن الرئيس القوتلي هو أول من أمر بالتزوير العلني للانتخابات في دمشق، وكَلف بذلك محافظ دمشق بهجت الشهابي بالتعاون مع ضباط الأمن المشرفين على الصناديق، مما رجح كفة مرشحي الحزب الوطني في نتيجة الجولة الثانية. أما في حلب، فازت المعارضة بزعامة رشدي الكيخيا خلال الجولتين، في حين سقطت لائحة الحزب الوطني فيها. وفي حماة تعادل المتنافسون، ففازت كتلة أكرم الحوراني الشبابية، ومرشحو الحزب الوطني أيضاً.
وبعد الانتخابات، تأكدت الأحزاب المعارضة من تلاعب الحزب الوطني بالنتائج، بعد أن فاز بنحو أربعةٍ وعشرين مقعداً، في حين فازت المعارضة بثلاثة وثلاثين. فأدى ذلك إلى اندلاع موجةِ احتجاجاتٍ صاخبةٍ، قادها الإخوان المسلمون وجمعية علماء دمشق، احتشدت في ميدان البرلمان، وهاجمت مراكز الاقتراع، ومكاتب الحزب الوطني. الأمر الذي دفع الحكومة إلى إغلاق مسجد دمشق، وتوقيف عمل الصحافة، ولا سيما جريدة المنار التابعة للإخوان، والتي شنت هجومها على الحكومة بجرأةٍ وتحدٍ كبيرين.
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحدث الدستوري، ففي أول جلسة برلمانية بعد الانتخابات، طرح نحو سبعة وثمانون نائباً (من أنصار الحزب الوطني في البرلمان)، مشروع تعديل الدستور، ولا سيما المادة الثامنة والستين التي كانت تَمنع تجديد رئاسة رئيس الجمهورية لولاية رئاسيةٍ ثانية مباشرة (حسب دستور 1930). وبعد بدء نقاشات التعديل انقسم النواب في فريقين، وهما:
فريق أول، رأى التجديد إجراءاً ضرورياً لتأمين استقرار البلاد، وحتى لا يَحدثَ أيُّ صراعٍ حزبي على رئاسة سورية في المستقبل.
ـــ فريق ثاني، اعتبر التعديل إجراءاً خاطئاً، واعتداء صارخاً على حُرمة الدستور، واتهم هؤلاء الفريق الأول بالانتهازية، وعدم الاكتراث بمصير سورية. ونتج عن تلك الخلافات إحالة المشروع إلى لجنة دستورية نيابية من أجل إقراره أو إلغائه. فناقشت اللجنة التي ترأسها الحقوقي هاني السباعي مواد التعديل في أكثر من جلسة، انتهت بإقرار تعديل المادة. وأصبح من حق رئيس الجمهورية الترشح لدورتين، عبر اقتراع شعبي وسري ومباشر، وبعد موافقة أكثرية أعضاء البرلمان.
تباينت ردود فعل النُّخبةِ السورية على قرار تعديل الدستور. فقد اعتبر الرئيس الأسبق هاشم الأتاسي أن تعديل الحزب الوطني للدستور في 1947 ــ 1948، هو إدخال للرئيس في اللعبة الحزبية، وقد أفقد الدستور السوري قُدسيته ومكانته. وكذلك اعتبر أرسلان بأن التعديل هو “فاسدٌ ومفسدٌ للاستقرار في سورية”. وحسب رأي جوردن توري، فإن تعديلات القوتلي للدستور، لم تكن غايتها تحسين الواقع المواطني للشعب، بقدر ما كان الهدف هو إعادة تجديد حكم الرئيس ولاية ثانية لا أكثر.
ومع ذلك، فقد انهالت عشرات العرائض والرسائل من جميع مناطق سورية تؤيد تعديل الدستور، والتجديد للرئيس القوتلي. وقاربت ما يزيد عن مائتي عريضة من مختلف الفئات الاجتماعية والدينية والاقتصادية والسياسية، معتبرة يوم التعديل الدستوري يوماً تاريخياً في سورية. فكيف يمكن فهم رهانات تأييد الفئات الشعبية والنخب الحزبية للتعديل مع أنه شكل أولَ خرقٍ دستوري بعد نيل سورية الاستقلال؟
لقد شعرت الغالبية من السوريين، بأن سورية كانت بحاجةٍ إلى رجلٍ سياسي يتمكن من إدارة البلاد في تلك المرحلة المتأزمة، والتي أعقبت هزيمة الجيش السوري في فلسطين، وما رافقها من اضطرابات اجتماعية وسياسية واقتصادية داخلية. فكان لدى تلك الفئات الثقة، من قدرة الرئيس القوتلي في التوصل إلى توافق سياسي. وتنفيذ حركةِ إصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية واسعة، نظراً لعلاقاته القوية مع القوى السياسية والاقتصادية في سورية، هذا إضافة لقدرته على توسيع علاقات سورية مع الدول العربية والعالمية، بما يحمي استقرار سورية، ويقوي علاقاتها الخارجية المتأزمة.
يمكن اعتبار التعديل الدستوري في عهد الرئيس شكري القوتلي، بداية عهد للتعديلات الدستورية المؤقتة الكبرى في سورية، والتي استمرت من دون توقف حتى إقرار دستور سورية في عام 1973. فقد شكلت عملية تزوير الانتخابات، والتلاعب بأصوات الناخبين من قبل الحزب الوطني، ومن ثم تجديد رئاسة القوتلي خرقاً للتقاليد الدستورية الليبرالية التي عاشتها سورية، ولا سيما بعد انتخاب برلمان 1943. وربما كان الدافع الذي جعل الصحفي الأميركي باتريك سيل، بأن يعد تجديد رئاسة القوتلي تحت ستارٍ حزبي ونيابي وشعبي، قد خلق تهديدات سياسية وأمنية داخلية وخارجية، ومنع بدوره نمو حركة دستورية ليبرالية في سورية خلال عقد الخمسينيات من القرن العشرين.
تلفزيون سوريا
——————————–
الجنسية والقومية.. أكراد سوريا: “الإعلان الدستوري” مخيب للآمال
هيبار عثمان – شمالي سوريا
16 مارس 2025
وصفت أحزاب كردية في سوريا الإعلان الدستوري الذي أقرته القيادة السورية الجديدة بالمخيب للآمال، وعدّته استمرارا لسياسة الإقصاء والتهميش التي اتبعها نظام البعث ضد الكرد.
ويتهم الأكراد النظام السوري السابق بتجريدهم من حق المواطنة لأسباب سياسية واقتصادية، ويشيرون إلى وجود نحو نصف مليون كردي لا يملكون مستمسكات ووثائق تحمي حقوقهم الأساسية.
وتفيد المنظمات الحقوقية بأن قسما كبيرا من الأكراد في سوريا لا يزالون مجردين من الجنسية السورية، بسبب الإحصاء الاستثنائي الذي نفذه نظام حافظ الأسد في محافظة الحسكة شمالي البلاد لدوافع سياسة واقتصادية وسط مخاوف من استمرار تلك السياسات في ظل الحكومة الانتقالية الجديدة.
وقال محمد خليل، المدير التنفيذي لمنظمة (عدا) للحرة إن الإحصاء الاستثنائي عام 1962 جرد بحدود 150 ألف شخص من جنسيتهم، بينهم حوالي 50 الف شخص من “مكتومي القيد”.
وأضاف خليل “هذه الأعداد أصبحت بحدود نصف مليون في الوقت الحالي حسب توقعاتنا، النظام السابق أعاد الجنسية لبعض المجردين، ولكن ليس للجميع، في مسائل العدالة الانتقالية نحن بحاجة إلى إيجاد حل لهذا الموضوع
وإعادة الجنسية للمجردين”.
واثار الإعلان الدستوري حفيظةَ الاكراد شمالي البلاد، إذ يعتبرونه استمرارا لسياسات الإقصاء والتهميش التي اتبعها نظام “البعث” وبقية التيارات القومية ضدهم على مدى أكثر من 60 عاما.
ولا يعترف الإعلان بالوجود الكردي كثاني قومية في سوريا ويتم اعتبارهم عرباً سوريين حسب القوانين المحلية.
وقال عماد مجول، عضو اللجنة المركزية في الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا، للحرة “المحطات التي عقدت باسم الإدارة الجديدة في سوريا من مؤتمر النصر و مؤتمر الحوار الوطني و الإعلان الدستوري كانت مخيبة للآمال. كانت محطات إقصائية لم تشارك فيها مكونات الشعب السوري وخاصة الشعب الكردي ونرفض هذه المحطات بشكل قاطع”.
ويرى غالبية الأكراد في سوريا أن الإعلان الدستوري يخالف الاتفاق الذي وقعه الرئيس السوري للمرحلة الانتقالية أحمد الشرع معَ قائد قوات سوريا الديمقراطية (قسد) مظلوم عابدي.
اتفاق ينص على حق الكرد في المواطنة، وضمان حقوقهم الدستورية.
قصة سعد ووالدته
سعد علي، جرده نظام بشار الأسد وبقية أفراد عائلته من غالبية حقوقهم المدنية والأساسية، كونهم لا يملكون وثائق رسمية في السجلات المدنية. حرمان سعد من حق المواطنة، لم ينتهي حتى بعد سقوط نظام الأسد.
والدة سعد، من مدينة القامشلي شمالي سوريا، رغم أنها تحمل الجنسية السورية لكن القوانين المحلية لا تسمح لها بمنحِ هذه الجنسية لأبنائِها.
وقالت للحرة “أنا شخص من عائلة مكتومة القيد، ما عدنا هويات أو جوازات سفر، هاد البيت يلي ساكنين فيه ليس باسمنا لأنه لا يحق لنا التملك”.
وأضافت “الزواج لا نستطيع تثبيته في المحكمة فيما يتعلق بالدراسة نجحت في البكلوريا الأدبي لم أذهب للجامعة كون لا يعطونا وثيقة النجاح”.
وتطالب الأحزاب الكردية السلطات السورية الجديدة بإلغاء جميع المراسيم الاستثنائية التي طالت مئات الآلاف من الأكراد في شمالي سوريا خلال حكم نظام عائلة الأسد.
كما تدعو إلى صياغة دستور جديد يقر ببناء دولة تعددية لا مركزية، تضمن حقوق جميع المكونات والأقليات الدينية والعرقية.
وكانت الإدارة الذاتية الكردية انتقدت، الخميس، الإعلان الدستوري الذي وقعه الرئيس الانتقالي أحمد الشرع، معتبرة أنه “يتنافى” مع تنوع سوريا ويضم بنودا تتشابه مع حقبة حكم حزب البعث.
وصادق الشرع، على المسودة الخاصة بـ”الإعلان الدستوري” التي صاغتها لجنة كان كلفها بهذه المهمة.
وتقضي مسودة “الإعلان الدستوري” بأن يتولى مجلس الشعب العملية التشريعية كاملة والسلطة التنفيذية يتولاها رئيس الجمهورية.
وفي ما يتعلق بعمل السلطات، جاء في الإعلان الدستوري “لأن مبدأ الفصل ما بين السلطات كان غائبا عن النظم السياسية، تعمّدنا اللجوء إلى الفصل المطلق بين السلطات” بعدما عانى السوريون “سابقا من تغوّل رئيس الجمهورية على باقي السلطات”.
وبحسب الإعلان الدستوري، يعود للرئيس الانتقالي “تعيين ثلث” أعضاء مجلس الشعب الذي يتولّى “العملية التشريعية كاملة وبشكل منفرد”.
وحدد الإعلان الدستوري مدة المرحلة الانتقالية بخمس سنوات، ومنحت الرئيس أحمد الشرع حق إعلان حالة الطوارئ، جزئيا أو كليا، وبموافقة “مجلس الأمن القومي”.
هيبار عثمان – شمالي سوريا
الحرة
——————————
حكومة دمشق لن تستلم آبار النفط قريباً..ورقة “قسد” الأخيرة/ محمد كساح
الأحد 2025/03/16
أثار الاتفاق الذي جرى بين الحكومة السورية وقوات سوريا الديمقراطية، أجواءً من التفاؤل، لاسيما في الشق المتعلق بالثروات النفطية التي ستنشط العجلة الاقتصادية في البلاد وترفع الطاقة الإنتاجية للتيار الكهربائي، لكن مراقبين شككوا في حدوث تغير كبير في الوقت الراهن، نظراً لأن الاتفاق يخضع لتجاذبات سياسية قد تستغرق وقتاً طويلاً.
وشكلت حقول النفط والغاز بنداً أساسياً في الاتفاق الذي ينص على دمج كل المؤسسات المدنية والعسكرية في شمال شرق سوريا، ضمن إدارة الدولة السورية، بما فيها المعابر الحدودية والمطار وحقول النفط والغاز.
ويبلغ حجم إنتاج حقول النفط في سوريا لعام 2021، نحو 31.4 مليون برميل، بمتوسط إنتاج يومي 85.9 ألف برميل، يصل منها 16 ألف برميل إلى المصافي، وتقع أغلب آبار النفط في منطقة شرقي الفرات التي تديرها قسد، بحسب بيانات رسمية.
لا تغير قريب
ويبدو أن البلاد لن تشهد تغيراً في تبعية آبار النفط على أرض الواقع، على المدى المنظور، وفقاً لما يرجحه مدير البرنامج السوري في مرصد الشبكات السياسية والاقتصادية كرم شعار، الذي يضيف لـ”المدن”، أن الاتفاقية تخوّل الدولة السورية إدارة الثروات النفطية لكن ذلك لا يمنع أن تكون هذه الثروات ساحة للضغط من قبل قوات سوريا الديمقراطية لانتزاع أقصى تنازلات ممكنة من الحكومة السورية، كون الرافعة الأساسية لقسد هي الموارد الطبيعية إضافة إلى السيطرة على مقاتلي تنظيم داعش.
واستناداً إلى أن الثروات والسيطرة على داعش تعدان أبرز ورقتين بيد قوات سوريا الديمقراطية، يتوقع شعار أن قسد “ستحاول إغراق دمشق بالتفاصيل، وبالتالي فإن التفاصيل الإجرائية لتنفيذ هذا الاتفاق ستأخذ حيزا كبيرا من الوقت”.
وحول شكل وآليات تقاسم الثروة النفطية بين دمشق وقسد، يلفت شعار إلى أن “هناك معلومات تنافي التصريحات الصادرة عن دمشق بما يتعلق بطبيعة الاتفاقية من حيث تحكم الحكومة بآبار النفط وإدارتها”، مرجحاً أن يكون “شكل التقاسم استعادة لما كان عليه الوضع قبل العام 2011، والذي يعني اتفاقيات تقاسم إنتاج، أي أن تكون غالبية الشركات العاملة في الآبار أجنبية، وهي من تقوم بالاستثمار بالبنية التحتية واستخراج النفط، مقابل حصولها على حصة من الإنتاج تتغير بحسب مراحل العقد، بحيث تكون الحصة أعلى في المراحل الأولى ثم تنخفض لاحقاً”.
وفي سياق آخر، يستبعد شعار أن يمهد هذا الاتفاق لرفع العقوبات الغربية عن الإدارة السورية الجديدة، موضحاً أن “الموضوعين منفصلان تماماً”، لكن قد يساهم الاتفاق بشكل غير مباشر في تحسين فرص رفع العقوبات الأممية والأميركية عن هيئة تحرير الشام، كونها تظهر كفاعل سياسي متزن لا يسعى إلى العنف وقادر على المرونة والتأقلم، بخلاف النظام السابق.
إدارة تشاركية
وبما أن القرار ينص على دمج المؤسسات ومنها آبار النفط في الحكومة السورية، فهذا يعني أن الأخيرة ستكون مخولة بإدارة الثروة النفطية تحت إشراف وزارة النفط والثروة المعدنية التابعة لدمشق.
ويرى الكاتب والمحلل السياسي فراس علاوي، أن الاتفاق “لا ينص صراحة على من سيتحكم بإدارة آبار النفط، لكن في النهاية ستكون جميعها تحت إدارة الحكومة السورية طالما أن قسد ستمضي في الاتفاق وتندمج ضمن الحكومة”.
ويضيف علاوي لـ”المدن”، أن الحكومة السورية لن تتخلى عن الموظفين التابعين لقسد الذين يمتلكون خبرات كبيرة في استخراج النفط وإدارة هذا القطاع، وربما سيكون هذا البند ضمن عملية إشراك قسد في الحكومة، مرجحاً أن “تكون إدارة قطاع النفط تشاركية بين قسد ودمشق، خصوصاً في بدايات تنفيذ الاتفاق”.
ومن جانب آخر، لا يتفق علاوي مع حديث كرم شعار حول فصل ملفي العقوبات والاتفاق بين دمشق وقسد، مرجحاً أن “يمهد الاتفاق لرفع جزئي من العقوبات عن دمشق انطلاقاً من اعتباره تم برضا أميركي”، كما أن توقيع الاتفاق قد يشكل خطوة نحو بناء الثقة مع واشنطن، وبالتالي التمهيد لرفع العقوبات بشكل تدريجي مع استبعاد رفعها بشكل مباشر.
المدن
————————–
سوريا… انطلاق العجلة/ عالية منصور
15 مارس 2025
تتسارع الأحداث في سوريا بسرعة كبيرة، وفي كل يوم ثمة شيء جديد. فتنة في الساحل ظنها البعض بداية مشروع تقسيم سوريا وتفتيتها، وبينما الجميع يراقب ويترقب ما يحصل في جبال الساحل السوري ومدنه، فإذا بالرئيس السوري أحمد الشرع يستقبل في قصر الشعب، القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) مظلوم عبدي ويوقعان اتفاقا وصف بالتاريخي.
اتفاق أنهى مشروع فتنة عربية-كردية، تم دون قتال، ووحد سوريا عمليا، وقضى على مشروع راهن عليه الكثيرون في الخارج والداخل لتقسيم سوريا وتفتيتها.
أهم ما في الاتفاق، والذي يحتاج تنفيذ بنوده إلى آخر العام الحالي، هو وحدة الدولة السورية وعاصمتها دمشق، وللدولة جيش واحد لا جيشان، واعتراف رئيس الجمهورية السورية بالمجتمع الكردي كجزء أصيل من سوريا.
إذن لا تقسيم ولا إقصاء، ولكن لم تنته القصة هنا. فبينما كان السوريون يحتفلون بتوقيع الاتفاق كانت الأنباء تتوالى عن قرب التوصل إلى تفاهم، مع محافظة السويداء ذات الغالبية الدرزية.
وصحيح أن تفاهمات مبدئية تمت مع عدة فصائل وجهات سياسية في المحافظة، إلا أن الوضع في السويداء ليس كالوضع في المناطق التي تسيطر عليها “قسد”. ففي السويداء هناك عدة جهات، وليست هناك “قيادة” موحدة، فإن تم التفاهم مع جهة اعترضت جهة أخرى، وبعض هذه الاعتراضات يرتبط بمن يرى نفسه “الأحق” بتمثيل المحافظة وتمثيل الموحدين الدروز في سوريا، فهناك طموح “الزعامة” ولا يستخف أحد بما قد يفعله مثل هذا الطموح في عقول البعض.
ذهب شيخ العقل حكمت الهجري بتهديداته للدولة السورية، لم يبد أي اكتراث حقيقي بـ”الدولة الوطنية” التي استخدمها ذريعة منذ اليوم الأول، لسقوط نظام بشار الأسد، واستلام أحمد الشرع زمام الأمور، فتحول خطابه إلى خطاب طائفي تقسيمي بامتياز، ولم تغب إسرائيل عن المشهد، فكانت زيارة بعض مشايخ العقل في القرى الحدودية إلى إسرائيل. ولكن من أجل كل ذلك، على الشرع والقيادة في دمشق الاستمرار في التواصل مع عقلاء الطائفة والوطنيين، ولا تسمح لفئة أن تهمش فئات في السويداء وغيرها.
بين هذا وذاك صدر الإعلان الدستوري، وهو إعلان تسبب في حالة اعتراض عند الكثيرين، فرأوا فيه مشروع قيام ديكتاتورية جديدة في سوريا، تنحصر معظم الصلاحيات فيها بيد رئيس الجمهورية. فيما رأى آخرون أن المرحلة الاستثنائية التي تمر بها سوريا، تحتاج إلى نظام رئاسي تتركز فيه الصلاحيات بيد رئيس الجمهورية، فلا تدخل البلاد في رحلة التعطيل خلال المرحلة الانتقالية، كما حصل في بعض الدول بعد تجارب الربيع العربي.
لقد عانى السوريون كثيرا طيلة سنوات حكم “البعث” والأسدين، ودفعوا أثمانا باهظة جدا ليتحرروا من الديكتاتورية، ومن الطبيعي أن يكون اليوم “عامل الثقة” هو الأضعف، وخصوصا إذا ما راقبنا اليوم الانقسام الحاصل، حيث لم يعد الانقسام بين ثورة ونظام، بل بين من يريد العدالة ومن يطالب بالتسامح، من يريد دولة المواطنة والمساواة ومن يريد دولة تحكمها الشريعة والأكثرية التي همشت طيلة 54 عاما، بين من يريد سوريا موحدة، ومن يلوح بالانفصال والتقسيم، لابتزاز السلطة في دمشق عند كل مفترق، بين من يريدها علمانية خالصة ومن طالب بالفقه مصدرا للتشريع ومن يطالب بالشريعة.
في سوريا الكثير من الألغام، ولكن هناك اليوم أيضا الكثير من الفرص، والفرصة الأهم هي بتحاور السوريين ليصلوا إلى أكبر حيز من المشتركات بين بعضهم البعض، وقد تكون فكرة مؤتمر الحوار الدائم، فكرة تقلص من حجم الانقسامات، بعد إعادة التأكيد على ما اتفق عليه، “سوريا دولة موحدة يتساوى فيها الجميع”.
الألغام ما زالت مزروعة بكثرة في سوريا، وتفكيكها قبل أن تبدأ بالانفجار مجددا يحتاج إلى جهود الجميع، واليوم سوريا بحاجة إلى انطلاق مسار إعادة الإعمار والنهوض الاقتصادي، بحاجة إلى رفع العقوبات، وهذا إن حصل سينزع فتيل الكثير من الألغام، وسيسحب من بين أيادي المخربين الخارجين ورقة يستخدمونها في الداخل.
ولنتذكر أنه وقبل أشهر من اليوم، كانت طائرات جيش نظام بشار الأسد، تلقي البراميل المتفجرة فوق رؤوس السوريين، وها هي مروحيات الجيش اليوم تلقي الورود على المحتفلين بعيد الثورة، وهذا ليس تفصيلا، هذا الإنجاز الذي تحقق بدماء وتضحيات الملايين، يجب أن نتمسك به جميعا للعبور إلى سوريا التي نريد.
المجلة
————————————
الإعلان الدستوري لا شرعية بلا توافق وطني حقيقي
16 اذار 2025
مع التطورات المتسارعة التي تشهدها سوريا بعد الإعلان عن إسقاط النظام السابق، يتابع التحالف السوري الديمقراطي بقلق المسار السياسي الحالي، حيث يتم اتخاذ قرارات وإعلانات دون تحقيق توافق وطني واسع، مما يثير مخاوف من إعادة إنتاج أنماط غير ديمقراطية تحت مسمى المرحلة الانتقالية.
إننا نؤكد أن الشرعية لا تتحقق عبر فرض أمر واقع من خلال مؤتمرات ومخرجات تفتقر إلى تمثيل عادل لجميع السوريين. فـ”مؤتمر النصر” و”مؤتمر الحوار الوطني” ومسودة الإعلان الدستوري الحالية، رغم أهميتها، لم تنجح في تحقيق شمولية كافية، وهو ما يستدعي إعادة النظر في النهج المتبع لضمان إشراك القوى الديمقراطية والمجتمع السوري بكل مكوناته في رسم مستقبل البلاد.
إن التحالف السوري الديمقراطي يتبنى التذكير الذي صدر عن مجلس الأمن الدولي بتاريخ 14/3/2025 بضرورة تنفيذ روح القرار 2254، باعتباره الإطار الأساسي للوصول إلى حل سياسي شامل ومستدام في سوريا. كما يؤكد على أهمية البنود الأخرى التي أشار إليها البيان، بما في ذلك احترام حقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي، وضمان حماية جميع المدنيين دون تمييز، وإجراء تحقيقات شفافة ومستقلة في الانتهاكات، إضافة إلى دعم جهود العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية.
ورغم التحفظات، يلحظ التحالف بعض الجوانب الإيجابية التي يمكن البناء عليها، مثل عدم منح الرئيس الانتقالي سلطة إصدار المراسيم التشريعية أو العفو العام أو رئاسة مجلس القضاء الأعلى، ما قد يحدّ من تغوّل السلطة التنفيذية. كما نصّ الإعلان على جعل جميع الحقوق والحريات المنصوص عليها في المعاهدات والمواثيق والاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان التي صادقت عليها الجمهورية العربية السورية جزءًا لا يتجزأ من هذا الإعلان الدستوري. كذلك نصّ على حماية المرأة من العنف وعلى تجريم إنكار جرائم النظام السابق، وعدم تحصين القرارات والتصرفات الإدارية من رقابة القضاء، وتحديد مدة الطوارئ بثلاثة أشهر كحد أقصى. كذلك، أحدث هيئة للعدالة الانتقالية، وقد يكون ذلك إطارًا نظريًا لمساءلة عادلة، رغم الحاجة إلى ضمانات أوضح. وعلى المستوى الاقتصادي، أشار الإعلان إلى إنهاء الاقتصاد الاشتراكي الموجّه وأعطى توجهًا نحو الاقتصاد الحر التنافسي الذي يأخذ احتياجات المجتمع بعين الاعتبار ومن ضمنها رعاية الدولة للفئات الضعيفة، ويرى التحالف أنّ هذا أمر إيجابي، رغم الحاجة إلى نقاش أوسع حول مستقبل السياسات الاقتصادية.
لكن هذه الإيجابيات لا تلغي المخاوف الجوهرية التي قد تعرقل الانتقال الديمقراطي، لا سيما تركيز الصلاحيات بيد الرئيس الانتقالي، وغياب آليات رقابية فاعلة، وافتقار العملية الدستورية للتوافق الوطني الضروري. لذا، لا بد من إعادة النظر في هذه الجوانب لضمان أن تكون المرحلة الانتقالية خطوة حقيقية نحو الديمقراطية، لا مدخلًا لاستحواذ جديد على السلطة.
ورغم أنّ اللجنة التي وضعت مسوّدة الإعلان الدستوري كانت قد استندت في تبريرها له إلى نتائج مؤتمر إعلان النصر، التي سمّت الرئيس خلال المرحلة الانتقالية ومنحته سلطة إصدار الإعلان الدستوري وتعيين مجلس الشعب والحكومة خلال المرحلة الانتقالية، إلا أننا نرى أنّ هذا الأساس منقوصٌ في جوهره لما شابه من عيب عدم الشمولية في تمثيل فئات الشعب السوري الذي هو صاحب النصر وليس الفصائل العسكرية وحدها، ولهذا فإنّ التحالف السوري الديمقراطي يسجّل النقاط التالية على هذا الإعلان الدستوري:
تركيز الصلاحيات في يد الرئيس الانتقالي
• يمنح الإعلان الدستوري الرئيس صلاحيات واسعة تشمل تعيين ثلث أعضاء مجلس الشعب، مما يسمح له بالتحكم في السلطة التشريعية التي يُفترض أن تكون مستقلة.
• كما يتيح له تشكيل المحكمة الدستورية العليا، وهو ما يقوض استقلاليتها ويجعلها خاضعة لسلطة تنفيذية غير مقيدة بأي آليات رقابية حقيقية، وهي التي يجب أن تتولى من بين مهامها الأخرى الرقابة على أعمال رئيس البلاد.
غياب أي ضمانات رقابية حقيقية
• لا تتضمن المسودة أي آليات واضحة للمساءلة والمحاسبة، فتعيين المحكمة الدستورية من قبل الرئيس يجعلها غير قادرة على مراجعة قراراته أو الطعن فيها.
• ولا توجد أي هيئة مستقلة لضمان شفافية القرارات المتخذة، مما يفتح الباب أمام استخدام المرحلة الانتقالية لترسيخ سلطة غير ديمقراطية.
• يحتفظ الرئيس خلال المرحلة الانتقالية بسلطات تنفيذية مطلقة دون وجود أي توازن دستوري يحُد من تغوّل السلطة.
تحديد دين رئيس الجمهورية
• حدّد الإعلانُ الدستوري صراحةً دين رئيس البلاد وحصره بالمسلمين فقط، وهذا يتناقض مع ما ورد في المادة العاشرة من الإعلان نفسه التي تقول إنّ المواطنين متساوون أمام القانون في الحقوق والواجبات، من دون تمييزٍ بينهم في العرق أو الدين أو الجنس أو النسب.
• إنّ حصر الحق بشغل مهام رئيس الجمهورية بالمسلمين فقط لا يعدّ مناقضًا للإعلان الدستوري ذاته فحسب، بل هو أيضًا مناقض للمبادئ الأساسية المنصوص عليها في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهود الدولية التي باتت جزءًا من ضمير الإنسانية جمعاء.
تحديد اسم الدولة
• حدّد الإعلان الدستوري اسم الدولة بالجمهورية العربية السورية، وهذا يعني إقصاءً لبقية قوميات الشعب السوري التي لا تجد في العروبة هُويّة فرعية شاملة لها، ويحرمها من حق التمتّع بالهُويّة السورية الجامعة.
• لم ينهج الإعلان الدستوري نهج النظام البائد في تكريس اسم الجمهورية المختلف عليه فحسب، بل إنّه تجاهل النقاشات السورية الكبرى التي خاضها السوريون والسوريات بهذا الخصوص خلال السنوات المنقضية من عمر الثورة.
الفقه الإسلامي المصدر الرئيسي للتشريع
• رغم الحديث عن دولة مدنية، يُبقي الإعلان الدستوري على الفقه الإسلامي باعتباره المصدر الرئيسي للتشريع، مما يتعارض مع مبادئ المواطنة والمساواة بين جميع السوريين بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية والثقافية.
• إنّ من شأن ذلك خلق حالة نظرية قابلة للتطبيق العملي تحتجّ بالنص الدستوري لتعطيل أي تشريع وضعي بحدّة مخالفته لرأي ورد في الفقه الإسلامي.
استمرار بناء المسار الانتقالي على خطوات غير شرعية
• الإعلان الدستوري الحالي يستند إلى مؤتمر النصر ومؤتمر الحوار الوطني، وهما مؤتمران لم يعكسا تمثيلًا حقيقيًا لكل السوريين، بل جاءا كإجراءات غير توافقية فرضت نفسها كأمر واقع.
• مسار الإدارة خلال المرحلة الأولى منذ تسلمها الفعلي قيادة البلاد باعتبارها “سلطات مؤقتة” حسب تعبير البيان الرئاسي الأخير لمجلس الأمن، لا يبعث على الطمأنينة لناحية انتهاجها تعيينات اللون الواحد، مما يذكّر بنهج التمكين المعروف عند بعض جماعات الإسلام السياسي التي أتت قيادات الإدارة الجديدة وعناصرها منها أساسًا.
التوصيات والخطوات المطلوبة فورًا
التراجع خطوة إلى الوراء واستكمال المخرجات غير التوافقية
• لا يمكن الاستمرار في البناء على أسس غير شرعية.
• يجب اعتبار مخرجات مؤتمر النصر، ومؤتمر الحوار الوطني، والإعلان الدستوري، خطوات منقوصة الشرعية لأنها لم تأتِ عبر توافق وطني حقيقي، بل عبر مسار أحادي يفرض نفسه على الجميع، وينبغي استكمالها بتشكيل مؤتمر وطني تأسيسي حقيقي يمثل جميع القوى الديمقراطية، والمجتمع المدني، والمكونات السياسية والاجتماعية، ليكون نقطة انطلاقٍ شرعية لأي مرحلة انتقالية.
عقد مؤتمر وطني تأسيسي بمشاركة واسعة وشفافة
• إن سوريا بحاجة إلى مؤتمر وطني تأسيسي حقيقي يمثل جميع القوى الديمقراطية، والمجتمع المدني، والمكونات السياسية والاجتماعية، ليكون نقطة انطلاق شرعية لأي مرحلة انتقالية.
• يجب أن يكون المؤتمر قائمًا على معايير التمثيل العادل، وليس مجرد اجتماع لمباركة قرارات اتُّخذت مسبقًا.
إلغاء تركّز السلطة وإعادة توزيع الصلاحيات بشكل ديمقراطي
• يجب إلغاء صلاحيات الرئيس في تعيين أعضاء مجلس الشعب ومجلس القضاء، وضمان استقلالية هاتين السلطتين وفق معايير ديمقراطية واضحة.
• يجب إقرار آليات رقابية حقيقية لضبط صلاحيات السلطة التنفيذية ومنع أي شكل من أشكال التغوّل أو الاستئثار بالقرار.
إرساء أسس دولة مدنية تقوم على المواطنة
• يجب أن يكون التشريع مستندًا إلى المبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان، وليس إلى مرجعيات دينية أو أيديولوجية تفرض نفسها على المجتمع السوري المتعدد.
• يجب أن يأخذ التشريع مستنده من التعدد القومي والديني والطائفي والمذهبي في البلاد، ويجب ألا ينحاز إلى فئة من الشعب حتى ولو كانت هي الأكثرية العددية الكبرى.
لقد قدم السوريون والسوريات تضحيات كبيرة من أجل الحرية والعدالة، وهم يستحقون مرحلة انتقالية تقوم على أسس ديمقراطية واضحة، وليس على قرارات تُفرض دون مشاركة حقيقية. إن التمسك بمسار أحادي الجانب يهدد فرص بناء دولة ديمقراطية مستقرة، وقد يؤدي إلى تكرار تجارب فاشلة شهدها العالم في مراحل انتقالية سابقة.
يدعو التحالف السوري الديمقراطي جميع القوى الديمقراطية إلى السعي نحو عملية انتقالية قائمة على توافق وطني حقيقي، تضمن مشاركة واسعة، وتمنع إعادة إنتاج الاستبداد بأي صيغة جديدة. فالشرعية الحقيقية لا تُستمد من ترتيبات فوقية، بل من الإرادة الشعبية للسوريين.
التحالف السوري الديمقراطي
——————————-
============================