عن التدخل الاسرائيلي السافر في سورية الجديدة، ملف تناول “شهية إسرائيلية لتفتيت سوريا” – تحديث 16 أذار 2025

لمتابعة مكونات الملف اتبع الرابط التالي
التدخل الاسرائيلي السافر في سورية الجديدة
—————————-
الدروز بين الشرع وإسرائيل/ عبد الرحمن الراشد
16 مارس 2025 م
تاريخياً، إيرانُ الخميني تعاونت عسكرياً مع إسرائيلَ، وكذلك فعل عراق صدام. واستقبل شيعةُ لبنانَ قواتِ إسرائيل ونثروا عليهم الرُّز والوردَ، ولجأ مسيحيُّو لحد إليها.
إسرائيلُ خبيرةٌ في صراعات المنطقة، واليوم تعرض مساعدتَها على دروز سوريا تحثُّهم على التَّمرد. فهل يقبلُ الدروز؟ وهل يسكتُ الشرع؟
تستهدف إسرائيلُ دمشقَ مع أنَّ حكومة الشرع بادرت مبكراً للتصريح بأنَّها لا تريد معاداتها، وتشترك معها في العداء لطهرانَ و«حزب الله».
إسرائيل ربَّما مرتابة من حقيقة نيات النظام السوري الجديد تجاهها، وتبني شكوكَها على طبيعة النظام ذي الجذور الدينية السياسية المتطرفة.
لكن لإسرائيل سبب آخر، فهي تنتهج استراتيجيةً مختلفة في أعقاب هجمات أكتوبر (تشرين الأول) 2023، ففي السابق، كانت تكتفي بالتفوق العسكري الدائم، وتتعامل مع ما قد تتعرَّض له من هجمات وخسائرَ هامشية. وكانت كبرى الخسائر التي ألحقتها «حماس» بإسرائيل 73 قتيلاً في عام 2014 في مواجهات دامت خمسين يوماً.
في أكتوبر 2023، نفذت «حماس» في يوم واحد عملية ضخمة قتلت أكثرَ من ألف إسرائيلي. دفع الهجوم إسرائيلَ لتبني استراتيجية دفاعية جديدة، وقرَّرت ألا تكتفي بمفهوم الردع من خلال التفوق العسكري. قالت إسرائيل إنَّها لن تسمح بعد اليوم بوجود قوى تهددها في محيطها الجغرافي، ولهذا قضت أولاً على قيادات وقدرات «حماس» و«حزب الله»، وتسببت في إسقاط نظام الأسد. ثم عمدت إلى بناء ثلاث مناطق حدودية عازلة أوسع، في قطاع غزة، وجنوب لبنان، وكذلك في الجولان.
ويبدو أنَّها الآن تريد استغلال التوترات في سوريا، تحديداً في المناطق ذات الأغلبية الدرزية بالسويداء، والعلوية في الساحل، لنسج تحالفات دفاعية.
يخطئ من يلجأ إلى تبسيط التطورات الجديدة، باتهام الدروز أو العلويين. هذه مناطق قلقة من الأصوات المتطرفة الموالية لدمشق، كذلك تنشط فيها فلولُ نظام الأسد وإيران و«حزب الله» التي تثير الخوف من دمشق.
وعن خصوصية العلاقة الإثنية مع إسرائيل، ففي داخل إسرائيل، المسلمون الدروز هم مثل المسلمين السنة، جزء من الدولة العبرية، يحملون هويتَها ويشاركون مجتمعها.
التحليل الخاطئ الآخر هو الجزم بأنَّ إسرائيلَ تسعى لضمّ مناطق دروز سوريا، لأنَّ ضم سبعمائة ألف درزي سيهدد التوازنَ الديموغرافي الهش داخلَ الدولة اليهودية. الأرجح أنَّ إسرائيل ستعمل بجد لدعم فكرة إقليم درزي ذاتي الحكم عن دمشق، يعزّز حزامَها الأمني. وهذه تعوّضها جزئياً عن غياب الترتيبات الأمنية التي أبرمت مع الأسد الأب ثم الابن، وعاشت بفضلها الجبهةُ السورية الإسرائيلية سلاماً أكثر حتى من الأردنية والمصرية.
لأنَّ خصومَ الشرع يدركون صعوبةَ إسقاط نظامه، ويبقى البديلُ عندهم خلق مناخِ صدام مع الإسرائيليين.
هذا سيضطر دمشق إمَّا إلى التوصل إلى تفاهمات مع الدولة العبرية، كما فعل الأسدان من قبل، أو التصالح مع المناطق المضطربة بتقديم مزيد من التنازلات. لا يوجد خيار ثالث.
لإخماد الفتن والاضطراباتِ، سيحتاج نظامُ الشرع إلى ترجمة عملية لمفهوم «الدولة الوطنية». في رأيي الدستور الانتقالي مليء بالثقوب، لكن أي بديل له لن يفيَ بكل المطالب والتوقعات. الشرع ليس زائراً مؤقتاً في دمشق، بل يريد أن يضمنَ سلطته ووجودَه على رأسها، السؤال: هل بمقدوره تحقيق التوافق وتحقيق الدولة الوطنية التي وعد بها؟
الأسدان من قبله حاولا ما يفعله الشرع اليوم. صاغا دستوراً يحدّد إسلاميةَ الرئيس، والمرجعية الفقهية، ومنحا كثيراً من المواقع السّيادية للرفاق من السنة، خدام وطلاس والشرع. لكن هذا الديكور لم يَبنِ دولة حقيقية ولم يكسب ولاءات السوريين، حتى العلويون ثاروا ضد بشار. سيحتاج الشرع إلى أن يكمل ما بدأه ويبني الثقة مع الجميع.
وهناك المطالب الدولية، دولة مدنية تستوعب عموم السوريين، خالية من الميليشيات الأجنبية. هذا ما تتَّفق عليه جميع دول مجلس الأمن دائمة العضوية الخمس، التي من النادر أن تتفق.
الدولة الوطنية المنشودة في الحالة السورية ليست إمارة إدلب الصغيرة، ولا حكومة خاصة برفاق السلاح من «هيئة تحرير الشام»، ولا توجهها حسابات السوشيال من فرقاء الثورة السورية الذين يصرّون على الفرز والإقصاء ضد من يعدّونهم محسوبين على النظام السابق أو تعاملوا معه. هؤلاء ينظرون إلى سوريا المستقبل من الماضي، في حين أن دمشق مهددة بتحديات أخطر، وبعضها لم ينفجر بعد.
الشرق الأوسط»
—————————
سوريا والجوار: إعادة تشكيل الخطاب/ أحمد جابر
السبت 2025/03/15
تسارعت الأحداث السورية بعد فرار منظومة السيطرة الأسدية، وتوالت التطورات، فكان لها وقع المفاجأة، مثلما كان لها “صدمة” اللامتوقع، في أوساط سياسية متابعة، وفي أوساط استعملت عدّتها الفكرية القديمة، فما أصابت، ولجأت إلى ما هو موروث من تحديد مُدُني شائع، أو حزبيّ متقادم ومعروف، فخابت وضلّت الطريق إلى التقاط مغزى المشهد الجديد الذي نقل سوريا من ضفّة إلى ضفّة، فانتقل معها المراقبون الذين لم يتوانوا عن تبديل المواقف والضفاف.
“الحبكة” السورية، لم تتضح كل خلفياتها، لكن محاولة الانقلاب الأخيرة على الوضع الجديد، ساهمت في إلقاء الضوء على ألوان من خيطانها. بعض الخيطان كان في مرمى التخمين، وبعضها كان في “مدى” الظن، وبعضها كان في دفاتر التوجّس والاحتمال… حصيلة كل ذلك، اجتمعت في عنوان واحد كانت له الغلبة، هو عنوان تأمين قاعدة ارتكاز داخلية، لتكون لاحقاً نقطة انطلاق صوب المدى السوري، لاستعادته من السلطة الجديدة، فإذا تعذّر الفوز بالكلّ السوري، يُكتفى بالجزء منه، على حساب الجغرافيا السورية، وعلى حساب الشعب السوري، ومن دون التفات إلى مصير الأخير الذي يمكن أن تُلقى فيه سوريا الكيانية.
في العادة، وعند كل حدث مفصلي، يطرح سؤال: من المستفيد؟ هذا السؤال يحضر الآن في الواقع السوري الجديد، والجواب عنه يكون قاصراً إذا قيل: إن المستفيد هو العدو الإسرائيلي. هذا تحصيل حاصل جرى اجتراره طويلاً، وهو مائل للعيان اليوم في الجولان وفي جنوب لبنان، لذلك يصير الاستطراد بالسؤال ضرورياً لكي يبلغ الجواب فسحة النور. إذن، واستطراداً، من المستفيد من اللعب في الميدان السوري اليوم؟ لقد قيل إن فلول النظام السابق هي التي قامت بالانقلاب، وإن تلك الفلول قد تلقّت دعماً خارجياً، وإن قيادتها باتت معلومة، ومعلوم أيضاً من حرّكها، ومن قاد تحركاتها الميدانية.
العلم بأدوات الجريمة، وبهوية المجرمين أمر مهم، ومهم أيضاً العلم بالمحرّض وبالداعم وبالمتدخل، لكن الأهم سيبقى الوقوف أمام نتائج التدخل، وأمام حصيلة الاشتباك الذي ذهب ضحيته المئات من المدنيين، في عملية تصفية وحشية. هذا على صعيد سوري أهلي خاص، والأهم سيبقى موضوع الموقف من الأطراف المتداخلة التي أشير إليها بالبنان وبالبيان.
الرد الرسمي السوري، كان واضحاً في الإدانة، وفي التمسك بمحاسبة القتلة الذين استهدفوا المدنيين، وكان الرّد واضحاً في اختيار إفشال أهداف الانقلاب في بعدها الانشقاقي الاقتتالي الأهلي، وفي بعدها التحالفي الخارجي، الرد السريع منع الاستثمار في الفتنة الطائفية والمذهبية، مثلما منع احتمال التدخل الخارجي، عندما كسر مرتكزاته الداخلية.
خطاب وخطاب
لقد فوجئ “الخطاب” الجاهز بالمرونة الرسمية التي أبداها أولئك القادمون من “الإسلام السياسي” واكتشف كثيرون بأن الحنكة المُدَنية ليست حِكْراً على أبناء الجمعيات، وأن السرعة في التقاط إشارات الحدث، ومن ثم التكيّف معها، ليست اختصاصاً حصريّاً لهذا الكاتب أو لذاك “المفكّر” الاستراتيجي. لعلّه يمكن القول إن مجموع البيانات والشروح التي تناولت الوضع السوري قبل المحاولة الانقلابية، ظهر تَخَلُّفها السياسي عن اللحاق بالآن السوري، بعد فشل تلك المحاولة. لقد طغى على مجموع المقاربات طابع “المطلبية”، وقليلة هي المقاربات التي تخلّت عن لغتها الوعظية الإرشادية، والأقل من هذه وتلك، النصوص التي صدرت من موقع المسؤولية عن سوريا، قبل نظامها، فسارت بمسؤولية أيضاً، على جادّة الموضوعية، وذهبت بناءً على ذلك، إلى معاينة المشهد السوري الجديد، بممكناته، وكما يقدم نفسه في الداخل وحيال الجوار، مع ما يرافق ذلك من مهمّات جِسام، ومع ما يحيق بالمحاولة الجديدة كلها، من مخاطر شديدة، وهي تدق على أبواب الواقع السوري بكل تعقيداته.
مدخل إلى الخطاب
طلب استقرار سوريا هو العنوان الأول البسيط الواضح الذي تحتاجه سوريا اليوم. الاستقرار مدخل إلى الانصراف الهادئ إلى إعادة ما هدمه النظام السابق خلال عقود طويلة.
عناصر الاستقلال، الداخلية والخارجية، هو العنوان الثاني، فالعلاقة بين الداخل والخارج وثيقة، والترابط قائم بين الوطني المحليّ، والسياسة الوطنية الخارجية. تتقدم في الداخل مهمة إعادة صياغة الوحدة الوطنية السورية، صياغة غير قسرية، وغير اختزالية، وفي هذا المجال خطا الحكم الجديد خطوات واقعية ملموسة، وتتقدم في الداخل عملية إعادة بناء “الهيكل” الدولتي العام، وإطلاق العجلة الاقتصادية. فهذه من شروط إعادة إنتاج وتوسيع القاعدة الاجتماعية للحكم الجديد. فحيث يكون يُسْرُ العيش، وحيث تكون الكفاية الاجتماعية، يتراجع الاحتقان الاجتماعي، وتتراجع إمكانات استغلال التوتر وتوظيفه في سياسات زعزعة مجتمعية.
على صعيد خارجي، لا يملك السوريون تَرَف الخصومة مع الجوار القريب، ولا يبدو أنهم يسعون إليه، لكنهم يملكون حق وموقف رفض تدخل الجوار القريب، أو المحيط البعيد، في شؤونهم الداخلية، ويملكون الحق، وعليهم واجب، مطالبة المتدخّل بالكفّ عن سياساته، والمطالبة أيضاً بمساعدتهم على الوقوف في وجه التدخلات الخارجية.
سياسة حسن الجوار، هي ما يرددها الحكم السوري حتى الآن، وسياسة التنبيه هي ما اختارها بديلاً من لغة الاتهام… لذلك من حقّ المسؤول السوري أن يدعو الآخر إلى الالتزام بعلاقة حسن الجوار وأن يعتمد ما يراه ضرورياً من سياسة تعامل مع “الجار” إذا ما أصرّ على إذكاء نار الخصام.
أبعد من سوريا
بات واضحاً حجم الاندفاعة الخارجية التي تقودها الولايات المتحدة الأميركية، من ضمن خطة شاملة تصل إلى حدّ إعادة النظر في الكيانات وفي المجتمعات. النموذج الفلسطيني دليل، فما يحتشد في الأفق هجوم اقتلاع للشعب، وهجوم احتلال لما تبقى من أرض فلسطين.
النموذج اللبناني دليل آخر، اتفاق لوقف الأعمال العدائية تخرقه الآلة الحربية الإسرائيلية كل يوم، من دون إدانة، وتعيد القوات المعادية احتلال أجزاء من الأرض، فيطالب السياسي الأميركي بإخلائها، ويقدم طلبات أحادية تستهدف الجانب اللبناني، فتكون عوناً للعدو في عدوانه.
النموذج السوري دليل إضافي، والشواهد تحتشد من الجولان والقنيطرة وحوض اليرموك، إلى تدمير البنية الحربية للجيش السوري، إلى تنصيب العدو نفسه حامياً للأقليات. وهنا أيضاً، لا صوت للسياسة الأميركية إلاّ ذاك المشكّك بقدرة السوريين على إعادة صياغة بنيانهم في إطار وحدة وطنية جديدة، اكتسبت دفعاً لها بعد انضمام العنصر الكردي إليها، وبعد ما تردد عن استعداد العنصر الدرزي للمشاركة في مسيرة البناء الجديدة.
النماذج المستهدفة، تطرح ضرورة الانصراف إلى التفكير بمآل المنطقة العربية كلها، فالخطر يطال مصر مثلما يطاول الخليج مجتمعاً، ومعه سائر البلاد العربية.
التفكير الجماعي العربي، يعيد الاعتبار إلى العامل القومي في حدّه الدفاعي، وفي صيغته التكاملية، بعيداً من أوهام سادت ثم بادت عن كل “الجملة القومية”.
التأسيس على العامل القومي قد يسمح للعرب مجتمعين باحتلال بقعة ولو ضيقة، على خريطة “التواجد” العالمي، كبلدان وكأوطان، هذا لأن طاقة الاندفاعة الأميركية قد تصل إلى حدود تفكيك البنى الموروثة، لإعادة تركيبها بما يلائم ضرورات “الأمركة” المتجددة، التي لم تسلم من ضغط قوتها أوروبا الحليفة، ولا الجيران فوق القارة الأميركية الواحدة. على وجوه شتّى، الشعوب العربية في حال الدفاع عن الوجود، الوجود الفاعل الذي يمنع عنها صفة الشعوب، أو الدول غير النافعة.
في الأثناء، على الخطابة الوطنية، والخطابة العربية، أن تنتبه إلى أن القاموس الحالي، لا يضم بين صفحاته أكداس أماني الخطباء، وعلى هؤلاء أن يدركوا، أنه من غير المعقول الطلب إلى المغنّي الغناء، وعنقه رازحة تحت حدّ السكين.
المدن
—————————-
سوريا الجديدة رهن التفاهمات والاختراقات/ إياد أبو شقرا
16 مارس 2025 م
كانت الصفحة الجديدة التي فُتحت في سوريا، بعد إنهاء 54 سنةً من نظام الأسد، بغنىً عن التطورات المؤلمة خلال الأيام العشرة الأخيرة.
وفي ظنّي أنَّ القيادة الجديدة في دمشق كانت على بيّنة من وجود فلول للنظام السابق، وفئات ارتزقت من تجاوزاته من دون أن تكون بالضرورة جزءاً منه.
في المقابل، أزعم أنَّ ثمة فئات سورية كانت تنظر بعين الشك إلى إمكانية التعايش مع عقيدة القيادة الجديدة، وتفسيرها للإسلام السياسي «عندما يحكم»، وبخاصة، أنَّ السنوات الـ14 الفائتة شهدت أحداثاً دينية ومذهبية وجرائم خطف وإخفاء – من مختلف الأطراف – يرقى بعضها إلى مستوى المجازر. ثم إنَّ القيادة المؤقتة الحالية، على الرغم من الشعبية الواسعة التي استحقتها، أتت في ظروف استثنائية، وتبعاً لميزان قوى ميداني لا ضمانة إطلاقاً أنَّه دائم.
أكثر من هذا، لئن كانت هذه القيادة تتمتَّع راهناً بتأييدين إقليمي ودولي فإنَّ أي مراقب عاقل يدرك جيداً أنَّها لا تحظى بتفويض مطلق، بل ثمة رصدٌ دوليٌّ لأدائها ورقابة لصيقة لتصرفاتها والتزاماتها. ولكن يظلّ لافتاً أنَّ بعض أركان القيادة يبدون مطمئنين إلى المستقبل… ربما أكثر من كثرة كاثرة من المواطنين السوريين.
من جهة ثانية، على الرغم من مؤشرات سابقة لصدام شبهِ حتمي، فإنَّ السرعة التي أُعلن فيها «التفاهم» بين سلطة دمشق الجديدة وأكراد «قسد» المسيطرين على شمال شرقي سوريا، تعطي انطباعاً قوياً بأنَّ واشنطن متعايشة تماماً مع السلطة في دمشق. وكون «قسد» جزءاً لا يتجزأ من ترتيب واشنطن للحالة السورية، فمضمون الرسالة أن وحدة الكيان السوري لن تتهدّد – بخلاف ما كان يُظن – عبر عصيان انفصالي كردي. وهكذا، يبدو أن كل ما أنجزته «قسد» خلال الفترة الماضية كان «تحسيناً لشروط» تفاهمها مع سلطة دمشق، وتشجيعاً للموحّدين الدروز في الجنوب السوري على النسج على منواله.
الموحّدون الدروز، بالذات في الجنوب السوري، يشكّلون قوة مؤثرة في المعادلة، إلا أنَّ الأمور تبدو اليوم أقل وضوحاً وربما أبطأ حسماً. ولكن المراقب الحصيف بات يشعر أنَّ «الهجمة» الإسرائيلية غير المسبوقة لـ«حماية» الدروز و«دعمهم» تربك المشهدَ في محافظة السويداء ذات الغالبية الدرزية. وهذا، مع أنَّ أي طلب درزي علني من هذا القبيل لم يقدَّم، بل يستبعد كثيرون أن تتبنّاه علانيةً أي قيادة درزية سياسية أساسية.
الدروز أدركوا «زخم» الهجمة الإسرائيلية الضاغطة عليهم عندما تكلَّم بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه يسرائيل كاتس عن مبلغ المليار دولار الذي رصدته إسرائيل لهذا الغرض. والمؤكد أنَّ تطوراً كهذا لا يمكن أن يكون «ابن ساعته». بل المرجّح أنَّ بذرته بُذِرت قبل فترة غير قصيرة داخل سوريا، وأيضاً في لبنان وبلدان الاغتراب، وفي مقدّمها الولايات المتحدة… حيث يتمتع «اللوبي الإسرائيلي» بهامش واسع للحركة والإغراء والضغط والاختراق الاستخباراتي.
وبالفعل، بينما عمل مناضلو السويداء – من مختلف التنظيمات والفصائل – للتوصّل إلى تفاهمات مع دمشق صوناً للوحدة الوطنية، وتأكيداً للعلاقات الأخوية بين المكوّنات السورية، كانت ثمة قوة تمارس «الفيتو» وترفع السقف وتشكّك في التفاهمات. وفي اعتقادي أنَّه، حتى إزاء المنطقة الجنوبية، أي محافظات السويداء ودرعا والقنيطرة، لا توجد خلافات أساسية تذكر بين أولويات واشنطن وحسابات نتنياهو في مقاربة مستقبل المنطقة.
ونصل إلى الساحل الجريح، حيث الكثافة السكانية العلوية في أرياف محافظتي اللاذقية وطرطوس وضواحي مدن الساحل الأربع؛ أي اللاذقية وطرطوس وجبلة وبانياس.
إنَّ تحرّك جماعات مسلحة محسوبة على النظام، أو بعض أجنحته، ما كان ليحدث لولا الدعم الإيراني. وفعلاً، لم تُخفِ التصريحات الإيرانية الرسمية، التي سبقت التحركات وتداعياتها الفظيعة، موقفَ إيران بأنَّ سلطات دمشق الجديدة غير مرغوب فيها، وأنَّ بقاءها مؤقت. ولكن قد يتساءل المرء هنا عمّا إذا كانت القيادة في طهران أخطأت قراءة المعطيات، وأساءت فهم علاقة سلطة دمشق الجديدة بالمجتمع الدولي، وبالذات، واشنطن.
المنطق يقول إنَّ الاستراتيجية الأميركية – الإسرائيلية ضد عودة النفوذ الإيراني. وهذا ما قد يفسّره وجود «سقف» لفظي لرد فعل التحرك الأميركي – الروسي في مجلس الأمن على المجازر التي ارتكبت في الساحل خلال الأسبوع الماضي، وقدّر عدد ضحاياها بنحو 1225 قتيلاً.
إذ ندّد مجلس الأمن بـ«المجازر» بحق المدنيين، وطالب سلطة دمشق بـ«حماية جميع السوريين من دون تمييز»، وأدان العنف في محافظتي الساحل، وبالأخص بحق المدنيين العلويين. ثم دعا السلطة إلى ملاحقة «كلّ المسؤولين» عن أعمال العنف أمام القضاء، واتّخاذ «تدابير كي لا تتكرّر هذه الأفعال، بما فيها أعمال العنف التي طالت أشخاصاً بسبب انتمائهم الإثني أو ديانتهم أو معتقداتهم».
ختاماً، أعلنت في دمشق «مسودة الإعلان الدستوري»، وجاء عدد من نقاطها مثيراً للجدل بالنسبة للبعض، ولا سيما لجهة الحصر الفعلي للسلطات في يد الرئيس، وجعل الفترة الانتقالية خمس سنوات، وحلّ المحكمة الدستورية، ومنح الرئيس – ولو مؤقتاً – حق تعيين محكمة دستورية جديدة.
بالنسبة للمنتقدين، كان من الأفضل تفادي التذكير بالماضي القريب. وبالتالي، توسيع دائرة التمثيل وطمأنة المكوّنات بدلاً من الإصرار على «تجربة المجرّب» وإعادة استنهاض الهواجس.
إنَّ التنوّع يثري سوريا ويحميها، ناهيك من أنها بحاجة في هذه المرحلة لجهود كل الكفاءات وإسهامات كل المخلصين من دون إقصاء أو تهميش.
الشرق الأوسط»
—————————–
وليد جنبلاط: نحذر من استخدام بعض الدروز “إسفينا” لتقسيم سوريا
16/3/2025
حذّر الزعيم الدرزي اللبناني وليد جنبلاط، اليوم الأحد، من استخدام بعض الدروز “إسفينًا” لتقسيم الدولة السورية، من قبل الاحتلال الإسرائيلي.
وقال جنبلاط، في كلمة له خلال مهرجان للحزب بمناسبة الذكرى الـ48 لاغتيال الزعيم الدرزي كمال جنبلاط، “إن الزيارات ذات الطابع الديني لا تلغي حقيقة احتلال الأرض، ونعلن التمسّك بالهوية العربية للبنان، وأهمية تحرير الجنوب اللبناني من الاحتلال الإسرائيلي”.
وشدد جنبلاط على ضرورة إعادة إعمار الجنوب من خلال وضع آلية موثوقة عربيا ودوليا، وعلى ضرورة إعادة بناء العلاقات اللبنانية السورية على قواعد جديدة وترسيم الحدود، وعلى ضرورة حفاظ بني معروف على هويتهم العربية وتراثهم الإسلامي.
الزعيم الدرزي وليد جنبلاط
وأعلن جنبلاط انتهاء تقليد إحياء ذكرى كمال جنبلاط بعد أن اعتقل النظام الجديد في سوريا بقيادة الرئيس أحمد الشرع، المسؤول عن جريمة اغتيال كمال جنبلاط.
ويُعَد الدروز من الأقليات في سوريا، إذ تبلغ نسبتهم نحو 3% من مجموع السكان، ويتمركز دروز سوريا في محافظة السويداء جنوبي البلاد، إلى جانب مناطق من العاصمة دمشق وريفها، ومناطق في القنيطرة (جنوب) وريف إدلب (شمال).
المصدر : الجزيرة مباشر
———————————
جنبلاط يحذر من استخدام بعض الدروز إسفيناً لتقسيم سورية
16 مارس 2025
حذّر الرئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكي في لبنان وليد جنبلاط من “الاختراق الفكري الصهيوني” لأبناء الطائفة الدرزية، واستخدام بعضهم “إسفيناً” لتقسيم سورية، تحت شعار “تحالف الأقليات”، وأكد اليوم الأحد “التمسك بإعادة بناء العلاقات اللبنانية السورية على قواعد جديدة، بعيداً عن التجارب السابقة، وترسيم الحدود براً وبحراً”.
وجاء كلام جنبلاط أمام تجمع كبير من مناصريه الدروز، في بلدته المختارة بقضاء الشوف في محافظة جبل لبنان، بمناسبة ذكرى اغتيال النظام السوري البائد لوالده مؤسس الحزب كمال جنبلاط في 16 مارس/آذار 1977. وقال: “حافظوا على هويتكم العربية وتراثكم الإسلامي”، مضيفاً: “إلى بني معروف (الدروز)، حافظوا على إرثكم الفكري والنضالي والسياسي الذي أرساه كبارنا، وفي مقدمهم سلطان الأطرش وشكيب أرسلان وكمال جنبلاط (والده)”.
وأعلن جنبلاط عن إلغاء تنظيم التجمع السنوي بذكرى اغتيال والده بعدما حلّت “عدالة التاريخ واعتقلت السلطات السورية المسؤول عن الجريمة في زمن نظام البعث إبراهيم حويجة”، وكان الأمن العام السوري قد أعلن في 7 مارس/آذار الجاري القبض على حويجة الذي شغل منصب رئيس المخابرات العامة في عهد نظام الأسد الأب، ويُتهم حويجة بالإشراف على العديد من الاغتيالات خلال فترة خدمته، أبرزها اغتيال كمال جنبلاط.
وفي تعليقه على زيارة شخصيات درزية إلى إسرائيل، أول من أمس الجمعة، أكد جنبلاط أن “الزيارات ذات الطابع الديني أو غير الديني لا تلغي حقيقة احتلال الأرض”، وأضاف: “نحذر من الاختراق الفكري الصهيوني (…) واستخدام بعض الدروز إسفيناً لتقسيم سورية تحت شعار تحالف الأقليات”. وكان جنبلاط قد قال في مطلع الشهر الجاري إن “الصهيونية تستخدم الدروز جنوداً وضباطاً لقمع الشعب الفلسطيني في غزّة والضفة الغربية، واليوم يريدون الانقضاض على جبل العرب في سورية”، وأضاف: “يريدون جرّ بعض ضعفاء النفوس. إنّ أهل سورية يعلمون ماذا يفعلون، وسأذهب إلى دمشق للتأكيد على مرجعية الشام بالنسبة للدروز”.
من جهة ثانية، أكد جنبلاط “التمسك بالحقوق الفلسطينية المشروعة، وفي مقدمتها حل الدولتين، والتأكيد على حق العودة، واحترام القرارات الدولية، والتمسك باتفاق وقف النار بغزة”، مشدداً على “التمسك بهوية لبنان العربية، وضرورة تحرير الجنوب وإعماره، والمناطق الأخرى المتضررة من العدوان الإسرائيلي، وفق آلية موثوقة عربياً ودولياً”.
(الأناضول، العربي الجديد)
————————
… عن «المشرق العربي» و«العالم» وإسرائيل/ حازم صاغية
16 مارس 2025 م
«المشرق العربيّ والعالم» لم تكن علاقتهما، في الزمن الحديث، على ما يرام. بـ»العالم» كان يُقصد الغرب ودوله، أي عالم الأطلسيّ، وبـ «المشرق العربيّ» كانت تُقصد أساساً القضيّة الفلسطينيّة على النحو الذي رسمته الأنظمة العسكريّة والأمنيّة، ومعها لسنوات طويلة بدأت في أواخر الستينات، منظّمة التحرير الفلسطينيّة.
صحيح أنّ تلك الصيغة الثنائيّة انطوت على اختزالين كبيرين، إذ «العالم» ليس الغرب وحده، فيما «المشرق» أكثر وأكبر من القوى العربيّة المذكورة ومن همّها الأوحد المذكور. لكنّ الصحيح أيضاً أنّ «العالم»، بالنسبة إلى العالم العربيّ، كان الغرب المؤثّر في سياساته، كما في اقتصاده وتعليمه وتقنيّته، وهذا فضلاً عن الماضي الاستعماريّ، وعن النماذج الحياتيّة والصور الثقافيّة المرغوبة. أمّا الصراع مع إسرائيل فكان أكثر ما يحدّد التوجّهات المعلنة في جوانب ليست بالضرورة متّصلة بهذا الصراع. هكذا سادت لعقود، عربيّاً وليس مشرقيّاً فحسب، نظريّة «التعامل مع العالم تبعاً لموقفه من قضيّة فلسطين»، وكان أهمّ ترجمات النظريّة هذه المقاطَعة النفطيّة لداعمي الدولة العبريّة مع نشوب حرب أكتوبر/ تشرين الأوّل 1973. ذاك أنّ خليطاً من التعاطف مع ضحايا المأساة الفلسطينيّة، وما ترسّب من رطانة قوميّة جامعة، ثمّ الخضوع للابتزاز بالعنف والإرهاب كما مارسهما غير طرف مسلّح، أفضى إلى تلك القراءة الإجماعيّة. ودائماً بدا هذا التمركز حول القضيّة الفلسطينيّة، وهي خارجيّة بالنسبة إلى دول عربيّة كثيرة، وإلى قطاعات كثيرة في تلك البلدان، على شيء من الغرابة، أقلّه عند الذين رأوا أنّ سياسات الدول الناشئة لا بدّ أن تتمحور حول داخلها.
والعلاقة، التي لم تكن على ما يرام بين «العالم» و»المشرق»، ذكّرت كثيرين بانتفاض أبناء الكيانات على أبيهم الذي أنشأ تلك الكيانات. فبعد الحرب العالميّة الأولى نفر الأوّلون من فكرة الانتداب ومن «وعد بلفور» واتفاقيّة سايكس بيكو، واستنتجوا أنّ ما جاء في مراسلات ماكماهون والشريف حسين لم يكن سوى خديعة. وبعد الحرب العالميّة الثانية ساءهم ما نزل بالفلسطينيّين فرفضوا تقسيم فلسطين الذي التقت حوله الكتلتان الشرقيّة والغربيّة. ولئن رأى «العالم» في تمرّد العرب القوميّ حدثاً مستهجَناً، إلاّ أنّه أدرجه في خانة التمردّات المشابهة التي عرفتها أفريقيا وجنوب شرق آسيا وبعض أميركا اللاتينيّة، واستوعبها إطار الحرب الباردة. لكنْ بعد ذاك، ومع تفسّخ الناصريّة وانحطاطها إلى أسديّة وصدّاميّة وقذّافيّة، صعد نجم بن لادن وإخوانه الكثيرين، ولم يعد مفهوماً هذا التمرّد الجذريّ الذي قُدّم كما لو أنّه شيء يختصّ به المسلمون وحدهم. ومع الطور هذا، فقد صلاحَه وصف الآباء والأبناء العصاة، إذ ارتدّ المتمردّون الجدد إلى قَدامة الجَدّ الذي يقطع كلّيّاً مع عالم أنشأه الأب الغربيّ وتصدّى له أب مشرقيّ فاشل.
غير أنّه، وفي طوري التمرّد، ظلّت «أزمة الشرق الأوسط» من غير حلّ، كما لم تنجح اتّفاقيّة أوسلو، في 1993، في طيّ صفحة سوداء وفتح أخرى وُصفت بالبياض.
واليوم، على أيّة حال، تغيّر كلّ شيء تقريباً، وهذا فيما التغيّرات التي تتوالى تصيب معاني الأشياء الأصليّة والأوّليّة. فـ»العالم» انضافت إليه الصين، وإن كان حضورها لا يزال جزئيّاً ومحصوراً بقياس الحضور الغربيّ. أهمّ من ذلك، وخصوصاً في ظلّ رئاسة دونالد ترمب، أنّ الكون الأطلسيّ يتمزّق ما بين أميركا الشعبويّة والقوميّة وأوروبا التي تدافع بصعوبة عن ليبراليّتها، فيما تنشأ أعراف وطرق في النظر إلى الأمور، وإلى العلاقات الدوليّة، غريبة وغير معهودة.
و»المشرق العربيّ»، بدوره، يتمزّق على نحو قد لا يكون جديداً، لكنّه بالتأكيد من صنف غير مألوف. فقضيّة فلسطين لم تعد ما كانته من قبل، وأهمّ من ذلك أنّ المغرب والخليج والمشرق ومصر والسودان سلكت كلّ منها طريقها. وإذا كانت الطرق تتقاطع عند بعض المحطّات فإنّها مستقلّة بذاتها، تمضي واحدتها في توكيد تمايزها عن الأخرى.
بيد أنّ تنافر «العالم» و»المشرق لا يلغي اتّفاقاً حول تفوّق القرن التاسع عشر. فمنذ خطاب تنصيب ترمب رئيساً، ظهرت كتابات كثيرة تتناول تأثّره بالرئيس وليام ماكينلي الذي حكم الولايات المتّحدة بين 1897 و1901 حينما اغتيل. وماكينلي، المتحمّس للحمائيّة الضريبيّة، والذي وصفه ترمب بـ»العظيم»، عُرف، بين أمور أخرى، بخوضه الحرب الأميركيّة – الإسبانيّة واعتماده سياسة توسّع تأدّى عنها إلحاق الفيليبين وبورتو ريكّو وغوام وهاواي.
وفي المشرق، مع انفجار قضايا الأقلّيّات، وتشابُكها مع السياسات الإقليميّة والدوليّة، يزدهر التذكير بـ»المسألة الشرقيّة» التي فجّرها تفسّخ السلطنة العثمانيّة والتسابق على وراثتها، وهو ما افتتحته الانتفاضة اليونانيّة في عشرينات ذاك القرن، ليبلغ ذروته مع نزاع القرم (1853-6) وأزمة البلقان (1875-8) وصولاً إلى حروبه (1912-1913).
وإذا كانت أزمنة استلهام الماضي تثير الكآبة عموماً، فثمّة أمر واحد شديد الترجيح ومؤلم، هو أنّ إسرائيل ستكون الأكثر إفادة من تباعد «العالم» و»المشرق» ومن تقاربهما سواء بسواء.
الشرق الأوسط»
——————————
حكمت الهجري أحد زعماء الدروز في السويداء
16/3/2025
حكمت الهجري هو المرجعية الأولى لطائفة الدروز من الناحية الدينية والاجتماعية في الريف الشمالي والشمالي الشرقي والريف الغربي للسويداء، وتولى منصبه الديني بعد وفاة أخيه عام 2012، عرف بتأييده النظام السوري لكنه غيّر موقفه بعد تعرضه للإهانة من ضابط في الجيش، ومع سقوط نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد تباينت مواقفه من الإدارة الجديدة.
المولد والنشأة
ولد حكمت سلمان الهجري في التاسع من يونيو/حزيران 1965 بفنزويلا، إذ كان والده يعمل هناك، وعاد بعدها إلى سوريا لإكمال تعليمه الأساسي، من المرحلة الابتدائية حتى الثانوية.
نشأ الهجري في بيئة دينية محافظة، متمسكا بمبادئ وتعاليم المذهب الدرزي، وتلقى تعليمه في مدارس الطائفة، واكتسب معرفة واسعة في الفقه والمعتقدات الدرزية، وهذا جعله أحد أبرز المؤثرين في منطقته، فحظي باحترام كبير داخل المجتمع الدرزي، وأدى دورا بارزا في توجيهه.
عام 1993 عاد الهجري مرة أخرى إلى مسقط رأسه واستقر هناك بهدف العمل، ثم عاد إلى بلدته قنوات شمال شرقي محافظة السويداء السورية عام 1998.
الدراسة والتكوين
درس الهجري المرحلة الابتدائية والإعدادية والثانوية في سوريا، وأكمل فيها تعليمه الجامعي والتحق بجامعة دمشق لدراسة الحقوق عام 1985 وتخرج فيها عام 1990.
التجربة القيادية
عام 2012 خَلَف الهجري شقيقه أحمد في منصب الرئاسة الروحية لطائفة الدروز عقب وفاته في حادث سير، وهو منصب تتوارثه الأسرة منذ القرن الـ19، وتولاه أخوه عام 1989.
وبسبب خلاف حول تولي زعامة الجماعة وعلى تصدر المشهد في الجبل (جبل العرب) من مشايخ العقل الدروز في السويداء، وهم حمود الحناوي ويوسف جربوع، انقسمت الهيئة الروحية للطائفة إلى هيئتين، الأولى تزعمها الهجري في بلدة القنوات، والثانية تزعمها الحناوي وجربوع في منطقة عين الزمان.
ومنذ توليه المشيخة عرف الهجري بدعمه وتأييده نظام الأسد، مما أثر على شعبيته فتراجعت بشكل كبير، ومع اندلاع الثورة السورية واجه مطالبات شعبية لإعلان براءته من النظام السوري بسبب ممارساته ضد أبناء الطائفة وباقي الشعب السوري.
وجاء موقف الهجري مخالفا لموقف أخيه أحمد الذي عرف بتأييده انشقاق الدروز عن الجيش السوري عام 2011، وانضمام بعضهم إلى الجيش السوري الحر، وهذا جعل ناشطين دروزا يحمّلون النظام السوري مسؤولية حادث السير الذي قتل فيه، واعتبروه رسالة لهم في حال استمروا بالانخراط في الثورة.
وكانت تقارير تحدثت عن أن أجهزة مخابرات النظام السوري طلبت من أحمد الهجري إصدار فتاوى تؤكد الولاء للرئيس السوري آنذاك بشار الأسد بهدف إحداث انقسام داخل الطائفة، لكنه رفض وأعاد السيارة التي منحته إياها الدولة، وهذا أثار غضب الأجهزة الأمنية واتهمها كثيرون باغتياله، وهو ما نفته رواية النظام مؤكدة أنه توفي في حادث سير على طريق عام.
وواجه حكمت الهجري انتقادات من الناشطين بسبب صمته تجاه تطورات الأوضاع في سوريا، خاصة مع سقوط قتلى من المتظاهرين برصاص أجهزة النظام، في وقت كانت فيه الاحتجاجات ضد النظام في السويداء مشتعلة، وشهدت تحطيم تماثيل بشار ووالده حافظ الأسد.
ورغم الدعوات المتكررة لاتخاذ موقف واضح، تمسك الهجري بموقفه، قبل أن يُقدم مع مشايخ آخرين على خطوة أثارت غضب الشارع المناهض للأسد في السويداء، إذ كان من بين 3 مشايخ أصدروا قرارا من مشيخة عقل الطائفة الدرزية يقضي بمعاقبة الشيخ وحيد البلعوس (قائد حركة رجال الكرامة واغتيل عام 2015) وآخرين، متهمين إياهم بالخروج عن مسار الطائفة.
شهد موقف الهجري تجاه نظام الأسد تحولا جذريا في 25 يناير/كانون الثاني 2021، عندما تعرض للإهانة من رئيس فرع المخابرات العسكرية لؤي العلي، أثناء مكالمة هاتفية استفسر فيها عن مصير أحد معتقلي السويداء، بصفته الأقرب من مشايخ الطائفة إلى النظام السوري.
أثارت الواقعة غضبا واسعا، تجلى في احتجاجات وتمزيق صور بشار الأسد وكتابة شعارات مناهضة له، وعلى الرغم من مطالبة أنصاره بإقالة العلي، أصدرت رئاسة الطائفة الدرزية في الثاني من فبراير/شباط 2021 بيانا أعلنت فيه “طي صفحة الخلاف مع النظام”.
وفي العاشر من يونيو/حزيران 2022، دعا الهجري إلى إقالة رؤساء الأفرع الأمنية التابعة للنظام من مناصبهم في السويداء، متهما إياهم بزرع الفوضى والانقسامات داخل المجتمع.
وظلت السويداء تحت سيطرة النظام طوال فترة الثورة، وأفلتت إلى حد كبير من العنف الذي عمّ أماكن أخرى، غير أنها شهدت في أوقات متفرقة مظاهرات ضد ممارسات نظام الأسد مطالبة برحيله في بعضها، منها في أغسطس/آب 2023 بسبب رفع نظام الأسد الدعم عن الوقود، وهذا أدى إلى ارتفاع في الأسعار وزيادة الأعباء الاقتصادية والمعيشية.
وفي سبتمبر/أيلول 2023، التقى بـ3 أعضاء من الكونغرس الأميركي، وبحث معهم موقف واشنطن من الاحتجاجات المستمرة ضد النظام، وأكد أثناء اللقاء تمسكه بالحل السلمي، محذرا من العنف الذي قد يمارسه النظام والحركات المسلحة المدعومة من إيران ضد المتظاهرين.
وبعد انتفاضة الشارع الدرزي، صار الشيخ الهجري يستقبل الوفود السياسية من أبناء المحافظة، التي لا تتردد في نقل نزاعاتها إليه بغية تهدئتها، والتقريب بين وجهات نظر مكوناتها المختلفة.
ومنذ بداية انتفاضة السويداء في أغسطس/آب 2023، دأب رجال السياسة المحليون والنشطاء المعارضون بصورة متواصلة على زيارة مضافة الشيخ الهجري، للتباحث بشؤون السياسة ومستجدات الحراك، حتى إن معظم الأجسام السياسية التي تشكلت في انتفاضة السويداء جرى إشهارها من تلك المضافة، كان آخرها التيار السوري العلماني عقب سقوط نظام الأسد.
سقوط الأسد
ومع سقوط نظام الأسد في الثامن من ديسمبر/كانون الأول 2024 وتولي فصائل المعارضة السورية سدة الحكم، دعا الهجري إلى عقد مؤتمر وطني شامل يضم مختلف أطياف الشعب السوري، بهدف رسم مسار جديد للبلاد عبر وضع دستور جديد وإرساء نظام إداري لامركزي، وشدد على ضرورة فصل السلطات لضمان استقرار مؤسسات الحكم ومنع أي محاولات لتقسيم البلاد.
وفي 17 فبراير/شباط 2025 أكد الهجري في بيان مصور نشرته الصفحة الرسمية لـ”رئاسة الموحدين الدروز”، أن العلاقة مع الحكومة السورية المؤقتة “تقوم على الشراكة والتواصل”، وأن “الهدف المشترك هو تحقيق الخير العام والتعاون لما فيه مصلحة الوطن”.
مع ذلك لم تخل العلاقة بين الحكومة السورية والهجري من التوترات، إذ منع الأخير في يناير/كانون الثاني 2025 رتلا عسكريا تابعا لإدارة العمليات العسكرية من دخول المحافظة الواقعة جنوبي البلاد، وأكد عدم السماح بوجود أي مظهر عسكري من خارج السويداء، وبرر قراره بأن قدوم الفصائل من دمشق تم من دون تنسيق مسبق مع غرفة العمليات المشتركة في المحافظة.
وفي محاولة لاحتواء الموقف أعلن أكبر فصيلين عسكريين في المحافظة “رجال الكرامة” و”لواء الجبل” في بيان مشترك، استعدادهما للاندماج ضمن جسم عسكري يكون نواة لجيش وطني جديد، والانفتاح على الحوار مع كافة الأطراف السورية بعد الإطاحة بالأسد.
وفي مارس/آذار من العام نفسه أعلنت حركة “رجال الكرامة” عن اتفاق مع وزارة الداخلية السورية لتفعيل الأمن العام في السويداء، عبر تعيين قيادات وكوادر محلية من أبناء المحافظة، بهدف تعزيز الاستقرار ومكافحة الجريمة والمخدرات، بدعم لوجستي من الوزارة.
وصباح السادس من مارس/آذار 2025 توافد العشرات إلى ساحة الكرامة في مظاهرة ضد الحكومة الجديدة رافعين أعلام الطائفة الدرزية، وصور الهجري، مرددين هتافات تدعو لإسقاط الرئيس أحمد الشرع وحكومته.
وقالت تقارير إن معظم من شاركوا بالوقفة الاحتجاجية كانوا من حزب اللواء السوري والمجلس العسكري بالسويداء وتيار سوريا الفدرالي والتيار السوري العلماني، وجميعها تشكيلات سياسية تريد الانفصال أو الإدارة الذاتية، في حين امتنعت باقي القوى السياسية الوطنية في السويداء عن المشاركة بالوقفة الاحتجاجية.
والمجلس العسكري في السويداء تأسس في 24 فبراير/شباط 2025، وضم عسكريين وضباطا منشقين عن النظام السابق، وآخرين كانوا مسؤولين عن القوى الأمنية والعسكرية لنظام الأسد حتى سقوطه، ويرأسه العقيد طارق الشوفي المنشق في وقت سابق عن جيش النظام.
في المقابل كان الهجري الذي نادت المظاهرة بتأييده قد نفى أي علاقة له بالمجلس العسكري بعد تأسيسه، كما نفى العقيد الشوفي مجموعة واسعة من الاتهامات التي وجهت إلى المجلس، أبرزها ارتباطه بإسرائيل ومشاريعها الانفصالية، وتنسيقه مع قوات سوريا الديمقراطية “قسد”، والتخطيط معها لدعم اللامركزية في السويداء.
وهتف المتظاهرون حال وصولهم إلى مبنى المحافظة بضرورة إعفاء المحافظ مصطفى بكّور وإعادته إلى دمشق، وأنزل بعضهم العلم الرسمي للبلاد من فوق المبنى، ورفع علم الطائفة الدرزية عوضا عنه، ومع ساعات الظهيرة جرى رفع العلم الرسمي إلى جانب علم الطائفة الدرزية.
ومنتصف مارس/آذار من العام نفسه أعلن الهجري في مقطع فيديو مسجل، أنه “لا وفاق أو توافق” مع الحكومة السورية الحالية، واصفا إياها بالمتطرفة والمطلوبة للعدالة، كما شدد على أنه لا مجال للتساهل معها، سواء على المستوى الداخلي أو الدولي.
وأضاف الهجري: “نحن في مرحلة نكون أو لا نكون” وشدد على أهمية الحفاظ على الإرث الوطني الصحيح، مؤكدا التزامه بالعمل من أجل مصلحة الطائفة، كما أشار إلى أنه سيتخذ الخطوات التي يراها مناسبة لضمان حقوقها ودورها في المنطقة.
وأيد موقف الهجري تجاه الحكومة السورية الجديدة “المجلس العسكري في السويداء”، وربط تراجعه عن موقفه بتطبيق قرارات تضمن حقوق جميع المكونات السورية، وأكد على ضرورة تحقيق العدالة والمساواة بين مختلف أطياف المجتمع.
وأكد المجلس تبنيه الكامل لقرارات الهجري، وشدد على رفض أي تعاون مع الحكومة الجديدة في دمشق، التي وصفها بأنها تستند إلى دستور متشدد، كما أوضح أن أي تغيير في هذا الموقف مرهون بتطبيق قرارات تضمن حقوق جميع المكونات السورية وحماية حقوق كافة الطوائف في البلاد”.
“وثيقة تفاهم”
ومنتصف مارس/آذار 2025 جرى تداول محضر التفاهم الذي خرج من دارة قنوات، حيث مقرّ الرئاسة الروحية للموحدين الدروز على أنّه وثيقة تفاهم طوت نهائيا صفحة الخلاف بين السويداء من جهة، وحكومة دمشق من جهة أخرى.
وقال المحامي أسامة الهجري، المستشار القانوني للهجري للجزيرة نت: “إن مسوّدة الطلبات الموجهة من بعض المواطنين لا تُسمّى اتفاقا مع أحد، ومن وقّع على المحضر ليس منتخبا لتوقيع أي اتفاق، وكلٌّ منّا يمثل نفسه فقط”.
وأضاف أن توجيه طلبات إلى “من هم في جهة حكومية بغض النظر عن شرعية وجودهم أو صفتهم، لا يُعتبر وثيقة كما أُشيع، إنما الحديث هنا عن شكاوى وطلبات المواطنين وجّهت إلى من هو في موقع حكومي إداري، وهو يمثل الحكومة المؤقتة في موقع خدمي”.
ويعتبر الهجري بأن محافظ السويداء مصطفى بكّور قد أخطأ بنشره مسوّدة الاجتماع على أنه وثيقة واتفاق، وعلمت الجزيرة نت بأن أسامة الهجري سحب توقيعه من ذلك المحضر بسبب نشر المحافظ لتلك المسودة غير المكتملة.
من جهته، صرّح سمير شرف الدين أحد قيادات المجلس العسكري في السويداء بأن الوثيقة التي تم توقيعها تعد وثيقة مطالب، وليست وثيقة تفاهم، وأضاف للجزيرة نت “من هذا المنطلق أظهر سماحة الشيخ الهجري تخوّفه من الظروف الحالية التي تعيشها البلاد، لكن وعندما تُدار سوريا من قبل حكومة وطنية حقيقية نستطيع حينها التعامل مع تلك الحكومة”، على حد قوله.
ويقول عضو مؤتمر الحوار الوطني جمال درويش، للجزيرة نت إنه “جرى توقيع مذكرة تفاهم تتضمن بنودا عدة بين المحافظ ممثلا للحكومة، ولجنة مكلّفة من الهجري، وهذه المذكرة تمت كتابتها لكن ليس على أنها اتفاقية، لأن الاتفاقية تجري بين فريقين متخاصمين كالذي جرى بين شرقي الفرات والحكومة في دمشق، بينما السويداء ليست على خصام، ولا يوجد انفصال عن دمشق”.
المصدر : مواقع إلكترونية
——————————–
سوريا… انطلاق العجلة/ عالية منصور
15 مارس 2025
تتسارع الأحداث في سوريا بسرعة كبيرة، وفي كل يوم ثمة شيء جديد. فتنة في الساحل ظنها البعض بداية مشروع تقسيم سوريا وتفتيتها، وبينما الجميع يراقب ويترقب ما يحصل في جبال الساحل السوري ومدنه، فإذا بالرئيس السوري أحمد الشرع يستقبل في قصر الشعب، القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) مظلوم عبدي ويوقعان اتفاقا وصف بالتاريخي.
اتفاق أنهى مشروع فتنة عربية-كردية، تم دون قتال، ووحد سوريا عمليا، وقضى على مشروع راهن عليه الكثيرون في الخارج والداخل لتقسيم سوريا وتفتيتها.
أهم ما في الاتفاق، والذي يحتاج تنفيذ بنوده إلى آخر العام الحالي، هو وحدة الدولة السورية وعاصمتها دمشق، وللدولة جيش واحد لا جيشان، واعتراف رئيس الجمهورية السورية بالمجتمع الكردي كجزء أصيل من سوريا.
إذن لا تقسيم ولا إقصاء، ولكن لم تنته القصة هنا. فبينما كان السوريون يحتفلون بتوقيع الاتفاق كانت الأنباء تتوالى عن قرب التوصل إلى تفاهم، مع محافظة السويداء ذات الغالبية الدرزية.
وصحيح أن تفاهمات مبدئية تمت مع عدة فصائل وجهات سياسية في المحافظة، إلا أن الوضع في السويداء ليس كالوضع في المناطق التي تسيطر عليها “قسد”. ففي السويداء هناك عدة جهات، وليست هناك “قيادة” موحدة، فإن تم التفاهم مع جهة اعترضت جهة أخرى، وبعض هذه الاعتراضات يرتبط بمن يرى نفسه “الأحق” بتمثيل المحافظة وتمثيل الموحدين الدروز في سوريا، فهناك طموح “الزعامة” ولا يستخف أحد بما قد يفعله مثل هذا الطموح في عقول البعض.
ذهب شيخ العقل حكمت الهجري بتهديداته للدولة السورية، لم يبد أي اكتراث حقيقي بـ”الدولة الوطنية” التي استخدمها ذريعة منذ اليوم الأول، لسقوط نظام بشار الأسد، واستلام أحمد الشرع زمام الأمور، فتحول خطابه إلى خطاب طائفي تقسيمي بامتياز، ولم تغب إسرائيل عن المشهد، فكانت زيارة بعض مشايخ العقل في القرى الحدودية إلى إسرائيل. ولكن من أجل كل ذلك، على الشرع والقيادة في دمشق الاستمرار في التواصل مع عقلاء الطائفة والوطنيين، ولا تسمح لفئة أن تهمش فئات في السويداء وغيرها.
بين هذا وذاك صدر الإعلان الدستوري، وهو إعلان تسبب في حالة اعتراض عند الكثيرين، فرأوا فيه مشروع قيام ديكتاتورية جديدة في سوريا، تنحصر معظم الصلاحيات فيها بيد رئيس الجمهورية. فيما رأى آخرون أن المرحلة الاستثنائية التي تمر بها سوريا، تحتاج إلى نظام رئاسي تتركز فيه الصلاحيات بيد رئيس الجمهورية، فلا تدخل البلاد في رحلة التعطيل خلال المرحلة الانتقالية، كما حصل في بعض الدول بعد تجارب الربيع العربي.
لقد عانى السوريون كثيرا طيلة سنوات حكم “البعث” والأسدين، ودفعوا أثمانا باهظة جدا ليتحرروا من الديكتاتورية، ومن الطبيعي أن يكون اليوم “عامل الثقة” هو الأضعف، وخصوصا إذا ما راقبنا اليوم الانقسام الحاصل، حيث لم يعد الانقسام بين ثورة ونظام، بل بين من يريد العدالة ومن يطالب بالتسامح، من يريد دولة المواطنة والمساواة ومن يريد دولة تحكمها الشريعة والأكثرية التي همشت طيلة 54 عاما، بين من يريد سوريا موحدة، ومن يلوح بالانفصال والتقسيم، لابتزاز السلطة في دمشق عند كل مفترق، بين من يريدها علمانية خالصة ومن طالب بالفقه مصدرا للتشريع ومن يطالب بالشريعة.
في سوريا الكثير من الألغام، ولكن هناك اليوم أيضا الكثير من الفرص، والفرصة الأهم هي بتحاور السوريين ليصلوا إلى أكبر حيز من المشتركات بين بعضهم البعض، وقد تكون فكرة مؤتمر الحوار الدائم، فكرة تقلص من حجم الانقسامات، بعد إعادة التأكيد على ما اتفق عليه، “سوريا دولة موحدة يتساوى فيها الجميع”.
الألغام ما زالت مزروعة بكثرة في سوريا، وتفكيكها قبل أن تبدأ بالانفجار مجددا يحتاج إلى جهود الجميع، واليوم سوريا بحاجة إلى انطلاق مسار إعادة الإعمار والنهوض الاقتصادي، بحاجة إلى رفع العقوبات، وهذا إن حصل سينزع فتيل الكثير من الألغام، وسيسحب من بين أيادي المخربين الخارجين ورقة يستخدمونها في الداخل.
ولنتذكر أنه وقبل أشهر من اليوم، كانت طائرات جيش نظام بشار الأسد، تلقي البراميل المتفجرة فوق رؤوس السوريين، وها هي مروحيات الجيش اليوم تلقي الورود على المحتفلين بعيد الثورة، وهذا ليس تفصيلا، هذا الإنجاز الذي تحقق بدماء وتضحيات الملايين، يجب أن نتمسك به جميعا للعبور إلى سوريا التي نريد.
المجلة
————————————
16 آذار 2025: رسالة المختارة إلى السّويداء/ وليد شُقَير
2025-03-16
ينبئ التشابك بين مصالح الدول صاحبة النفوذ والأطماع بأنّ الصراع على سوريا يبلغ ذروة جديدة، مشحوناً بالانقسامات الداخلية. ومقابل تبلور حاضنة عربية إقليمية لدمشق، فإنّ…
تختلف الذكرى الـ48 لاغتيال كمال جنبلاط في 16 آذار هذا العام عن سابقاتها. في السنوات السابقة تحوّلت الذكرى مع الوقت إلى واحد من لائحة التواريخ التي تُسجّل الاغتيالات التي نُفِّذت في عهد الأسد الأب والابن.
المقصود من الحشد الشعبي المنتظر على الضريح يتعدّى هذه السنة ساحة لبنان إلى سوريا. الرسالة هي حضّ دروز بلاد الشام على رفض المحاولات الإسرائيلية للتطبيع مع رموز الطائفة في السويداء والقنيطرة. الهدف تشجيع التيّارات الرافضة لأشكال الإدارة الذاتية لمناطقهم، على الاندماج مع التحوّل السياسي الكبير منذ 8 كانون الأوّل الماضي، تحت مظلّة الإدارة الجديدة لسوريا بقيادة أحمد الشرع.
يلجأ الساعون إلى التدقيق بمدى تأثير الزعامة الجنبلاطية في جبل العرب السوري إلى رواية العضو القيادي في الحزب الاشتراكي الطرابلسي توفيق سلطان عن مرافقته جنبلاط خلال زيارته سوريا عام 1977، عقب إحياء أربعين والده. وهي الزيارة التي شملت سلطان باشا الأطرش في السويداء. تشير رواية توفيق سلطان إلى أنّه بُعيد وصول جنبلاط والوفد إلى دار المحافظة في بلدة القريّا، وأثناء اللقاء مع سلطان باشا الأطرش، سُمع رشق رصاص في الخارج، وتبيّن أنّ الرصاص أُطلق في الهواء احتجاجاً على جلوس محافظ السويداء على يمين سلطان باشا الأطرش وإجلاسه جنبلاط على كرسي بعيد. كانت للأمر رمزيّته بالنسبة إلى مناصري سلطان باشا. اقتضى الأمر لاحقاً أن يبلغ حافظ الأسد جنبلاط أنّه نقل المحافظ عقاباً.
يروي الاشتراكي المخضرم توفيق سلطان للدلالة على أنّ كلمة آل جنبلاط مسموعة في السويداء، أنّه أثناء التهيّؤ لالتقاط الصورة التذكارية مع سلطان باشا، لاحظ الأخير أنّ جنبلاط وقف خطوة إلى خلفه، فبادره بالقول: “لاه يا وليد. نحن متّفقون (العائلات الدرزية) مع بعضنا منذ مئات السنين أنّه لا أحد يتقدّم عليكم. أنت ابن عمود السماء”.
المظاهر التي أظهرت مكانة الزعامة الجنبلاطية تطلّبت من رئيس الأركان السوري العماد حكمت الشهابي أن يبلغ جنبلاط، لاحقاً، بأنّ زيارته السويداء كانت الأولى والأخيرة.
تختلف الذكرى الـ48 لاغتيال كمال جنبلاط في 16 آذار هذا العام عن سابقاتها
تحلّ ذكرى 16 آذار اليوم بعد أقلّ من 100 يوم على سقوط النظام الأسدي، وبعد 11 يوماً على توقيف الأمن العامّ السوري اللواء إبراهيم حويجة في جبلة. فالأخير هو من نظّم ورتّب اغتيال قائد “الحركة الوطنية اللبنانية” والزعيم الدرزي كمال جنبلاط عام 1977.
الظروف تبدّلت… لكنّ المخاطر كامنة
للحشد الجماهيري مفعول يتعدّى شعور مناصري الزعامة الجنبلاطية بالثأر، وفق الشعار الذي يرافق المناسبة: “صبرنا وصمدنا وانتصرنا”. وهو الترجمة السياسية للاستعارة التي دأب وليد جنبلاط على تكرارها في العقود الماضية: “… إجلِس على حافة النهر وانتظر، وذات يوم سيحمل التيّار جثّة عدوّك”. في إحدى زياراته لسوريا طلب جنبلاط لقاء حويجة للتعرّف إلى قاتل والده، فاجتمع به.
جنبلاط
بهذه الحكمة مارس جنبلاط غريزة البقاء والانحناء أمام العاصفة، بانتظار تبدّل الظروف. ها هي تبدّلت. لكنّها محفوفة بمخاطر تجدّد الحروب.
حسب بعض القياديين في الحزب التقدّمي الاشتراكي أنّ أكثر ما يخشاه جنبلاط هو مخطّط اليمين المتطرّف الإسرائيلي لتوسيع الشريط الأمنيّ العازل الذي تحتلّه إسرائيل على حدود سوريا وصولاً إلى جبل الشيخ مروراً بوادي التيم في حاصبيا وقرى الحافة الأمامية اللبنانية.
ادّعاء الحماية… والضّائقة الاقتصاديّة
إحدى وسائل بنيامين نتنياهو للتوسّع ادّعاء حماية دروز سوريا، لتبرير احتلال مناطق واسعة من محافظتَي السويداء والقنيطرة. يضاف إليها زعمه أنّه يستبق أيّ تهديد لأمن إسرائيل من حكّام دمشق الجدد للتمدّد إلى درعا.
للحشد الجماهيري مفعول يتعدّى شعور مناصري الزعامة الجنبلاطية بالثأر، وفق الشعار الذي يرافق المناسبة: “صبرنا وصمدنا وانتصرنا”
يرمي الحشد الشعبي في المختارة إلى تشكيل رافعة لرفض استخدام ادّعاء حماية الدروز وتخويفهم من تسلُّم “هيئة تحرير الشام” إدارة سوريا. فبعضهم ما زال يذكّر بالهجوم الذي شنّه مقاتلو “داعش” على قرى في السويداء عام 2015. ولدى هذا البعض هواجس من التطرّف السنّي تغذّيها الأجهزة الإسرائيلية لاستمالة جزء من دروز سوريا. تستغلّ الضائقة الاقتصادية فتسمح لدروز السويداء بالانتقال إلى العمل في الجولان السوري المحتلّ. وتغضّ النظر عن جمع دروز إسرائيل أموالاً لنقلها للمحتاجين من دروز سوريا (وبعض دروز لبنان). أكثريّة تيّارات وفصائل السويداء، التي شاركت في الثورة ضدّ بشار، رفضت تحالف الأقلّيات الإسرائيلي، وتفتيت المنطقة.
رافعة ضدّ مشروع نتنياهو؟
ينتظر أن تشكّل الذكرى الـ48 لاغتيال كمال جنبلاط حافزاً لمعاكسة سعي نتنياهو المتواصل إلى إغراء دروز سوريا بالحكم الذاتي. وهو ما تعارضه أكثريّتهم، خصوصاً أنّ وفوداً منهم التقت رئيس المرحلة الانتقالية أحمد الشرع، وخرجت مقتنعة بتوجّهاته لتكريس التعدّدية والتنوّع في الإعلان الدستوري. وأعقب ذلك تفاهمٌ أوّلي على تسيير إدارات الدولة في المحافظة، وعلى تشكيل جهاز الشرطة من أبنائها. وشكّل اتّفاق الشرع مع قائد “قوات سوريا الديمقراطية” مظلوم عبدي في الشمال على اندماج المكوّن الكردي في الدولة السورية ضربة للمشروع التفتيتيّ الإسرائيلي. أمّا مشايخ السويداء الثلاثة فحكمت الهجري بقي على رفضه لاتّفاق مع الحكم الجديد خلافاً للشيخين الآخرين اللذين تركا للقوى السياسية مسألة التفاهم مع السلطة الجديدة.
حسب بعض القياديين في الحزب التقدّمي الاشتراكي أنّ أكثر ما يخشاه جنبلاط هو مخطّط اليمين المتطرّف الإسرائيلي لتوسيع الشريط الأمنيّ العازل
يسأل كثيرون عمّا إذا كانت مصادفة دعوة الشيخ موفّق طريف في إسرائيل، المعروف بصلاته مع نتنياهو، مشايخ دروز في بلدة حضر السورية التي احتُلّت أخيراً إلى زيارة أحد المقامات الدينية في فلسطين المحتلّة في 14 آذار. وهو ما اضطرّ شيخ العقل في لبنان الدكتور سامي أبي المنى إلى تحذير دروز لبنان من “الانجراف العاطفي ومن تبعات المشاركة في المناسبة،… ورفع الغطاء بالكامل عن كلّ مخالف للتوجّهات”.
أعقب ذلك إعلان عائلات بلدة حضر استنكارها لزيارة بعض المشايخ لفلسطين المحتلّة بدعوة من “الجهات الموالية للاحتلال، وهؤلاء لا يمثّلون إلّا أنفسهم”. اعتبرت عائلات البلدة أنّ “إسرائيل تستغلّ الزيارة لزرع الانقسام، وتستخدم الطائفة الدرزية لتحقيق مصالح إسرائيل وأذرعها المختلفة، أي المرجعيّات”. ورأت أنّ الوفد المدعوّ إلى زيارة إسرائيل “استغلال سياسي رخيص لمحتلّ… وهو حلقة لدقّ إسفين بين مكوّنات الشعب السوري وبين الدروز”.
أساس ميديا
————————————
ملاحظات/ محمود محمود
قد لا نبالغ إذا قلنا أن محاولات اسرائيل الحثيثة والمتكررة لانتزاع الدروز من نسيجهم الاجتماعي التاريخي العام ومن انتمائهم للدولة السورية هي أخطر بمرّات من احتلالها المباشر للأرض. فدولة الاحتلال تعمل على زجّ الدروز في مواجهة مباشرة مع عموم السوريين، مسوِّقةً نفسها على أنها خلاصهم وملاذهم البديل.
يحترف الساسة الاسرائيليون اللعب على العصب المذهبي والطائفي لدى الجماعات المختلفة، وقد مارسوا ذلك بشكل صارخ خلال حروب لبنان، وكانت الورقة الدينية أو الطائفية بمثابة الجوكر الذي تحكَّم في مفاصل كثيرة من مفاصل الحرب الأهلية.
حاولت إسرائيل تاريخياً مغازلة الدروز واستمالتهم بهدف الهيمنة الناعمة عليهم. وقد نجحت إلى حدٍ ما في ذلك. فعملت منذ قيامها على تعزيز فكرة أن الدروز مجموعة قومية دينية قائمة بحد ذاتها، لا تنتمي بشيء لا لفلسطين التاريخية ولا للوطن العربي لا قومياً ولا دينياً، وإن حمايتهم كطائفة من الغول السني ومن أي خطر محدق هي مسؤولية الدولة العبرية. الأمر الذي يتَّسق مع فكرة قيامها كدولة دينية مبنية على تُرَّهَات الاصطفاء العرقي – الديني وعلى المظلومية التاريخية المعشَّقة بالأساطير التوّراتية.
فاليهود والدروز أولاد عمومة وفق الخرافات الدينية. الخرافات التي يتفنن العقل الصهيوني في ترويجها وتسويقها بهدف إضفاء مشروعية قيميَّة وأخلاقية مفترضة، ليبني عليها في السياسية.
لم تقف سياسات سلخ الدروز عن جذورهم التاريخية عند حد، فكانت مادة “التراث الدرزي” في المنهاج التعليمي للمدارس الدرزية مثلاً، بديلاً لمادة التراث العربي او الإسلامي. وقد شكلت إحدى ركائز إغراق الأجيال المتعاقبة في وهم نهائية الانتماء المذهبي، ونقطة أساسية في محاولة اعادة تشكيل الهوية الفردية والجمعية لهم.
أيضاً، وبالتوازي مع سياسات التجهيل والتدجين الممنهجة، كانت الخطيئة التاريخية في خمسينيات القرن الماضي وتوريط دروز الجليل والكرمل من خلال قيادتهم التقليدية في الانخراط في أجهزة دولة الاحتلال. وبشكل خاص في الجيش والشرطة وفي مصلحة السجون، ورُبطت حقوق المواطنة الأساسية فيما سميَّ بالخدمة العسكرية الإلزامية. فلا حقوق مدنية من دون المرور عبر مؤسسات العسكرة الإسرائيلية. تم منهجياً زج الشباب الدروز في خطوط المواجهة الأمامية ضد “الأعداء”، من فلسطينين ولبنانيين، ووضعهم على خطوط التماس، ودفعوا للقتال تحت الراية الإسرائيلية حيثما اقتضت الحاجة. الأمر الذي شكَّل مدماك الأساس في بناء جدار فصلٍ شاهق بين الدروز وبين سائر فلسطينيي الضفة الغربية وغزّة ومحيطهم الفلسطيني، ووصمهم بالعمالة لدى كثير من مواطني الدول العربية.
إن توريط عموم الناس من خلال استغلال حاجاتهم الحياتية وفقر حالهم أو من خلال اللعب على انتماءاتهم المذهبية والطائفية، ليس أمراً جديداً ولا استثناءً، بل قد يكون هو القاعدة. يتم التواطؤ عادةً بين القيادات التقليدية التي تحظى بالدعم المطلق من قبل السلطة (أي سلطة) وبين المتنفذين والمؤثرين وأشباه المثقفين من أبناء المجتمع ذاته. كلٌ يؤدي دوره من حيث يعلم أو من حيث لا يعلم.
تأتي زيارة بعض رجال الدين الدروز إلى دولة الإحتلال في هذا السياق المعقد. وما الحديث عن حياد الزيارة السياسي ومحاولة التقليل من وقعها ومن مفاعيلها، إلّا كذباً مفضوحاً وخداعاً خبيثاً للرأي العام. من يدَّعي أن قيمة هذا الحدث بسيطة ولا تستوجب الشجب والاستنكار، يكون إما ساذج وجاهل وعديم النظر أو صاحب قرار وموقف انهزامي يرضى تبرير أي فعل تقوم به السلطة المحتلة ويكون بالتالي متصالحاً مع واقعه تماماً، ولا تعنيه إطلاقاً مفاهيم عليا كالحرية والظلم والعدالة وحقوق الشعوب .. وحتى لو ادعى عكس ذلك. فمعكوس كل هذه القيَّم هو الاحتلال. ذات الاحتلال الذي أعلن التصالح معه من خلال المشاركة بمشهد عبور الحدود برعاية جيش الاحتلال أو من خلال تبريره. ذات الحدود التي قتل عليها خيرة من شبابنا من قبل ذات الجيش.
الفيس بوك
——————————–
============================