تحقيقاتسقوط بشار الأسد، الرئيس الفار والمخلوع

القطاع الطبي في سوريا: بين توقّف الدعم الدولي والفساد الإداري/ مصعب الياسين

17.03.2025

بعد وصول الإدارة السورية الجديدة الى الحكم والإطاحة بنظام بشار الأسد، شهد القطاع الطبي في سوريا فصل آلاف الموظفين من المستشفيات والمستوصفات والمراكز الطبية التابعة للدولة، الأمر الذي علق عليه وزير الصحة ماهر الشرع قائلاً: “لدينا آلاف الموظفين الوهميين، بعضهم كان النظام السابق يعينهم على سبيل المجاملات”.

يمسك مأمون بيد جدته بحرارة في قسم غسيل الكلى في مستشفى باب الهوى المركزي شمال محافظة إدلب السورية والمهدد بالإغلاق بسبب توقف الدعم.

يقول مأمون الذي لا يزال يسكن في مخيمات النازحين، أثناء خضوع جدته لعملية غسيل الكلى: “لا أدري ما سيكون مصير جدتي إذا توقف قسم غسيل الكلى في مستشفى باب الهوى بعد سماعنا عن أنباء بتوقف الدعم عنه، ولا استطاعة لنا للذهاب إلى المستشفيات الخاصة، ويبدو أننا سنضطر لترك جدتي في الخيمة من دون علاج تواجه مصيرها المكتوب من الله”.

من جهتها، لم تستطع المريضة صباح إخفاء ألمها وخوفها من الأيام المقبلة إذا ما توقف قسم غسيل الكلى عن العمل، ومن المصير الذي ينتظرها، هي التي تقبع في المخيمات، ولا سند لها سوى شقيقها الذي يذهب بها الى جلسات غسيل الكلى كل يومين منذ 9 سنوات.

100 مريض\ـة حالتهم مشابهة لحالة جدة مأمون وصباح، وهم من كل الفئات العمرية، جميعهم مهددون بمصير مجهول في حال توقف قسم غسيل الكلى خلال الشهر المقبل في مستشفى باب الهوى، المدعوم سابقاً من منظمة سامز، التي توقف الدعم عنها بعد قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب إيقاف المنح الخارجية عبر وكالة التنمية الأميركية.

أكثر من 100 مركز طبي استنفد التمويل

يضم مستشفى باب الهوى الذي افتُتح عام 2012، أقساماً عدة توفر اختصاصات فريدة في سوريا، منها الجراحة العصبية المجهرية والعينية وزراعة الحلزون وغسيل الكلى والقلبية والأورام، إضافة الى أقسام عناية مختلفة بحسب المدير التنفيذي للمستشفى الطبيب ياسين علوش، إذ يقدم المستشفى خدمات طبية شهريا لـ 17000 مريض جلّهم من النازحين في المخيمات.

في حديثه لـ”درج”، يقول الطبيب علوش “إن مستشفى باب الهوى، بعد سقوط نظام الأسد، أصبح مقصداً لكل أبناء المحافظات السورية نظراً الى دمار القطاع الطبي أيام نظام الأسد المخلوع، واليوم توقف المستشفى عن العمل منذ بداية شهر شباط/ فبراير2025، باستثناء الطوارئ فقط، وبعد تأمين بعض الحاجيات والمساعدات المحلية عدنا الى العمل بالطاقة الكاملة، والتي يمكن أن تشغلنا لمدة شهر فقط، وبحال وجود أي داعم سنضطر للاقتصار على الإسعافات والطوارئ المهددة للحياة فقط”.

يعد مستشفى باب الهوى من أهم المستشفيات في شمال غربي سوريا بحسب الدكتور مازن كوارة، المدير الإقليمي لمنظمة سامز، إذ بدأت الأخيرة بدعم المستشفى منذ عام 2019، وفي أيلول/ سبتمبر 2024 توقفت المنحة الأميركية ما أثر على عمل المستشفى حينها، وأمام هذا التوقف استمرت سامز بدعم المستشفى حتى كانون الثاني/ يناير2025، لكن بعد قرار ترامب توقّف الدعم عن المستشفى الذي تصل تكلفة عمله إلى مليوني دولار سنوياً.

لم يقتصر تأثير قرار الرئيس الأميركي وقف المنح الخارجية عبر وكالة التنمية الأميركية على مستشفى باب الهوى، بل شمل الكثير من المراكز الصحية والمستشفيات في سوريا.

وبحسب مكتب الأمم المتحدة في غازي عينتاب التركية، فإن نقص التمويل اللازم للاستجابة الإنسانية في سوريا سيؤدي  إلى عواقب إنسانية خطيرة، إذ توقف الدعم عن 102 منشأة صحية وطبية في البلاد منذ بداية 2025.

وفي تقريرها الصادر بتاريخ 30 كانون الثاني/ يناير2025، ناشدت الأمم المتحدة الأطراف بتوفير مبلغ 1.2 مليار دولار لمساعدة 6.7 مليون شخص من الأكثر ضعفاً في سوريا حتى آذار/ مارس2025.

كانت الوكالة الأميركية للتنمية الدولية تقدم دعماً لمشاريع متعددة في سوريا، بما يشمل قطاعات المياه والصرف الصحي وتطوير محطات ضخ المياه، لا سيما في مخيمات النزوح في محافظة إدلب، إضافة إلى دعم القطاع الزراعي، ما ساهم في تعزيز الأمن الغذائي، فضلاً عن دعم قطاعات التعليم والصحة، وتحسين سبل العيش وتعزيز الاستقرار الاقتصادي من خلال توفير فرص عمل ودعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة، ناهيك بدعم برامج التعافي المبكر من خلال تعزيز القدرات الإنتاجية المحلية.

وفور تولّيه منصبه كرئيس للولايات المتحدة الأميركية، وقع ترامب مرسوماً يقضي بتعليق جميع المساعدات الأجنبية التي تمولها الوكالة الأميركية للتنمية الدولية لمدة 90 يوماً لتقييم مدى امتثال البرنامج للسياسة الخارجية الأميركية.

وفي 27 شباط/ فبراير2025 دعمت المحكمة العليا الأميركية، بشكل مؤقت، قرار إدارة الرئيس ترامب الخاص بتجميد المساعدات الخارجية.

وتعتبر الولايات المتحدة أكبر مموّل للمساعدات الإنسانية حول العالم؛ ولديها قواعد في أكثر من 60 دولة، كما تعمل في عشرات الدول الأخرى، ويتولى متعهدون القيام بمعظم تلك الأعمال.

ووفقاً لوكالة أسوشييتد برس، فإن إدارة ترامب ترغب في إنهاء أكثر من 90 في المئة من عقود المساعدات الخارجية التي تقدّمها الولايات المتحدة عبر الوكالة الأميركية للتنمية الدولية – و60 مليار دولار من المساعدات الأميركية الخارجية.

قطاع صحّي مدمّر

بعد وصول الإدارة السورية الجديدة الى الحكم والإطاحة بنظام بشار الأسد، شهد القطاع الطبي في سوريا فصل آلاف الموظفين من المستشفيات والمستوصفات والمراكز الطبية التابعة للدولة، الأمر الذي علق عليه وزير الصحة ماهر الشرع قائلاً: “لدينا آلاف الموظفين الوهميين، بعضهم كان النظام السابق يعينهم على سبيل المجاملات”.

وخلال مؤتمر صحافي، استشهد الوزير  ببيانات مديرية صحة في إحدى المحافظات الصغيرة، حيث بلغ عدد الموظفين 17 ألفاً، في حين أن عدد سكان المحافظة لا يتجاوز الـ 200 ألف. كما بيّن أن هناك آلاف العاملين في القطاع الصحي ممن لا يحملون أي شهادات طبية، مسلطاً الضوء على حجم الفساد الإداري الذي يشكل عائقاً كبيراً أمام إصلاح المنظومة الصحية.

وتواجه وزارة الصحة الانتقالية اليوم مهمة مصيرية لإعادة بناء نظام صحي مُدمر يعاني من توقف 80 في المئة من المراكز الصحية عن العمل، وشح حاد في الكوادر الطبية والمستلزمات الأساسية.

وأكد الوزير أن الحلول تتطلب إعادة هيكلة شاملة تعالج جذور الفساد الإداري لضمان كفاءة الأداء. فيما ستركز الوزارة على إعادة توزيع الأدوية والمعدات الطبية المخزنة بشكل عادل، وتوفير الدعم اللازم لإعادة تأهيل المستشفيات وبناء قدرات الكوادر الطبية.

 – صحافي سوري

درج

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى