عن التدخل الاسرائيلي السافر في سورية الجديدة، ملف تناول “شهية إسرائيلية لتفتيت سوريا” – تحديث 17 أذار

تحديث 17 أذار 2025
—————————-
لمتابعة مكونات الملف اتبع الرابط التالي
التدخل الاسرائيلي السافر في سورية الجديدة
———————–
السويداء السورية تتأرجح بين تيارات سياسية متباينة/ ضياء الصحناوي و محمد أمين
17 مارس 2025
تشهد الطائفة الدرزية في سورية حالة من الانقسام السياسي وتبايناً حيال التعاطي مع التغييرات العميقة التي تشهدها البلاد منذ الثامن من ديسمبر/ كانون الأول الماضي، والتي كما يبدو فجّرت مخاوف وهواجس لدى أبناء الطائفة، يحاول الاحتلال الإسرائيلي استثمارها لتحويل الجنوب السوري منطقة نفوذ له خالية من السلاح. حاولت الإدارة السورية الجديدة تبديد كل مخاوف الدروز في البلاد، إذ استقبل الرئيس أحمد الشرع عدة وفود من أبناء محافظة السويداء للتوصل إلى تفاهمات تتيح للدولة ممارسة مهامها في المحافظة. كما تسعى الإدارة إلى التوصل إلى اتفاق مع فصائل عسكرية في المحافظة لضبط السلاح المنفلت، ودمجها في قوام الجيش الجديد.
ولا تزال محافظة السويداء تشهد حراكاً مناهضاً ومعارضاً للتوجه العام للإدارة السورية الجديدة، إذ رفضت الإعلان الدستوري الناظم المرحلةَ الانتقالية، الخميس الماضي، معتبرة أنه “لا يؤسس لحكم وطني ديمقراطي، بل لاستبداد ديني” وفق لافتات رفعها متظاهرون، أمس الأحد، في ساحة الكرامة وسط مدينة السويداء، المكان الذي يشهد حراكاً مجتمعياً منذ منتصف عام 2023. وتتأرجح محافظة السويداء، التي تضم العدد الأكبر من دروز سورية وتشتهر بتنوعها المجتمعي، بين عدة تيارات رئيسية تعكس انقسامات في الرؤى حول مستقبل سورية، بين الولاء المطلق لدمشق والمعارضة المرتبطة بالقيادة الدينية والدعوات الإصلاحية والمطالبات بالحكم الذاتي.
ثلاثة تيارات رئيسية في السويداء
ويُعتبر التيار الموالي للسلطات الحالية في دمشق الأصغر بين التيارات المتباينة، وهو منحاز بالكامل لإدارة الرئيس أحمد الشرع وسياساتها، من دون إبداء أي تحفظ على أدائها. ويعتبر أنصار هذا التيار أن البلاد أحوج ما تكون إلى الاستقرار في الوقت الراهن لـ”مواجهة المؤامرات الخارجية”، ويرون في الولاء للسلطات الحالية في دمشق الضمانة الوحيدة لوحدة سورية. وبحسب أحد الداعين لهذا التيار (فضّل عدم ذكر اسمه)، فإن “سورية تمر في مرحلة مصيرية تتطلب التمسك بالقيادة”، مشيراً في حديث لـ”العربي الجديد” إلى أن “من ينتقد الحكومة ينسى أن الحرب أنهكت البلاد، والبديل سيكون الفوضى”. ويضيف أن “الشعب السوري قدم تضحيات جسيمة للوطن. لا نريد تجارب جديدة تكرر أخطاء المناطق الأخرى”.
ويبرز في المشهد السياسي في السويداء تيار آخر يفضّل إعطاء فرصة للإدارة الجديدة مع محاسبتها إن أخطأت. ويرفض هذا التيار فكرة القطيعة مع دمشق، لكن يدعو في الوقت نفسه إلى محاسبة المسؤولين عن الأخطاء والتمكين لإدارة جديدة تُظهر مرونة في التعامل مع الملفات الاقتصادية والأمنية. يقول الناشط الإعلامي هاني عزام، في حديث لـ”العربي الجديد”، إن “هذا التيار يدعم الإصلاح من الداخل، ويطالب بمحاسبة الفاسدين وفتح حوار وطني”. ووفق عزام، فإن “التجربة السورية أثبتت أن إطاحة الدولة تؤدي إلى كارثة، خصوصاً في وضع الاقتصاد المنهار، لكن هذا لا يعفي السلطة من مسؤولية إصلاح نفسها”.
أما التيار الثالث، فهو التيار المعارض للسلطة في دمشق والملتف حول القيادة الدينية في السويداء. يوصف هذا التيار بأنه الأكبر في المحافظة، إذ يتمحور حول الزعيم الروحي للطائفة الدرزية الشيخ حكمت الهجري، الذي يتبنى خطاباً معارضاً للإدارة في دمشق، ويرفض أي تعاون معها من دون تغيير جذري في السياسات. ويتميز هذا التيار بتركيبته الشعبية الواسعة التي تمنح الهجري شرعية دينية اجتماعية وسياسية. لكن معارضي هذا التيار من النخب ينتقدونه لعدم امتلاكه برنامجاً سياسياً واضحاً خارج إطار الخطاب الرافض، رغم التقائهم معه بالخط الوطني الصريح. يقول أحد الموالين للشيخ الهجري طالباً عدم ذكر اسمه، لـ”العربي الجديد”، إن “الشيخ الهجري صوتنا الذي لا يُخادع”، معتبراً أن “دمشق لم تقدم لنا حتى الآن كوننا محافظةً ومكوناً درزياً سوى التهميش والإهمال”. ويتابع: “لذلك نرفض أي تفاوض مع حكومة كانت قد ساهمت خلال الحرب بتدمير البلاد، وتساهم اليوم بتدميرها من خلال تهميش التعددية وتبني سياسة اللون الواحد”. وبرأيه، فإن “معارضة منظومة كهذه ليست خياراً سياسياً فحسب، بل مسؤولية أخلاقية”.
تيارات أخرى
إلى جانب هذه التيارات، هناك تيار يندرج فيه عدد ليس بقليل من أبناء المحافظة ويتبنى الدعوة إلى العلمانية وتفعيل دور النخب والمجتمع المدني. يعارض هذا التيار السلطة في دمشق والتيارات الأخرى في السويداء، وعلى رأسها التيار الذي منح السلطة الكاملة في الحديث باسم المحافظة للقيادة الدينية. ويدعو هذا التيار إلى “قطيعة مع منطق الولاءات المطلقة” عبر تفعيل دور النخب الفكرية وبناء مجتمع مدني ودولة علمانية. ويُعتبر أنصاره الأكثر انخراطاً في النقاشات الفكرية، لكنهم يواجهون تحديات في الوصول إلى الجمهور العريض الذي يفضل الخطابات البسيطة أو الدينية.
تكمن المشكلة، بحسب الباحث السياسي هادي الحسين، “في غياب مؤسسات حكومية مدنية وطنية فاعلة تضمن التداول السلمي للسلطة”، مضيفاً في حديث لـ”العربي الجديد” أن “العلمانية ليست عداءً للدين، بل حماية للتنوع”. ويوضح بالقول: “نحن ندعو للتعددية والتشاركية في صنع القرار بين كل المكونات الدينية والسياسية والثقافية في سورية”. في السياق، يشدد الناشط السياسي جهاد شهاب الدين، في حديث مع “العربي الجديد”، على أن أهالي محافظة السويداء متمسكون بـ”وحدة الجغرافيا السورية والشعب السوري ويرفضون أي تدخّل من خارج الحدود ويسعون جاهدين لإرساء نظام الدولة والخلاص من السلاح المنفلت”.
ينشط تيار سياسي آخر في السويداء يؤيد أنصاره فكرة إقامة نظام حكم فيدرالي في سورية، مع منح المحافظات صلاحيات إدارية واسعة. ورغم تأكيد أنصار هذا التيار أنهم “لا يسعون إلى الانفصال أو التبعية لإسرائيل”، إلا أنهم يتعرضون لهجوم من التيارات الأخرى، والمجتمع السوري عموماً الذي يتهمهم بـ”تمهيد الطريق للتقسيم”. بيد أن الناشط ربيع القنطار يوضح لـ”العربي الجديد” أن الفيدرالية “ليست تقسيماً، بل إدارة أفضل للموارد”، مضيفاً أن “الحكم الذاتي سيضمن حقوقنا من دون الحاجة إلى وصاية خارجية”.
فصائل عسكرية
وسط هذا التباين بين التيارات السياسية على ساحة السويداء، والتي تتفق على وحدة الوطن والشعب السوري وتضعها فوق كل اعتبار، تبرز عدة فصائل عسكرية تشكلت قبل سقوط نظام بشار الأسد وبعده، وهي حالة غير مسبوقة في تاريخ المحافظة الجنوبية التي كانت تعتمد على “الفزعة” لمواجهة أي خطر خارجي. واتفقت فصائل مع وزارة الدفاع والداخلية في الحكومة الانتقالية على الانضمام ضمن شروط متفق عليها. من أبرز هذه الفصائل المتحالفة: حركة رجال الكرامة ويقودها الشيخ يحيى الحجار، وفصيل مضافة الكرامة ويقوده الشيخ ليث البلعوس نجل مؤسس حركة رجال الكرامة الشيخ وحيد البلعوس، وتجمّع أحرار جبل العرب الذي يقوده الشيخ سليمان عبد الباقي، وفصيل لواء الجبل الذي يقوده الشيخ شكيب عزام. وهناك تنسيق مع تجمع عشائر الجنوب وبعض المجموعات الصغيرة، فيما بدأ هذا التحالف بالفعل في الاندماج وفتح باب الانتساب لوزارة الدفاع، واستلم معدات وتجهيزات لوجستية من هذه الوزارة.
في المقابل، هناك تجمّع عسكري يحمل “اسم أبناء الجبل” يضم تسعة فصائل مسلحة وضعت نفسها تحت تصرف الشيخ الهجري. وبرأي الأكاديمي المنحدر من محافظة السويداء يحيى العريضي، فهناك “تيار واحد وطني في السويداء”. ويوضح في حديث لـ”العربي الجديد أنه “عندما نقول وطنياً، تغيب عبارات مريضة خبيثة مثل انفصال وإسرائيلي وطائفية” مستنكراً محاولات البعض للتشكيك في وطنية أهالي السويداء. ويضيف العريضي أنه “معيب النظر إلى السويداء هكذا”، لافتاً إلى أن “أول اعتصام نقابي في تاريخ الثورة السورية كان في السويداء في عام 2011”. ويشير إلى أن “الاعتصام كان لنقابة المحامين وتعرض بعض المشاركين للاعتقال في حينه، ومن بقي منهم في الوطن شاركوا في تظاهرات السويداء المتقطعة خلال سنوات الثورة وكانوا عماد حراكها ضد عصابة الأسد من عام 2023 وحتى فراره في عام 2024”. ويشدد العريضي على أن السويداء “تقف دائماً ضد أي ديكتاتورية أو إقصاء أو ظلم أو فساد”، معتبراً أن “الهروب من الاستحقاقات الوطنية أو العبث بها إلى شيطنة السويداء وإلهاء الجماهير بذلك لا يعيد سورية إلى سكة الحياة”.
إلى ذلك، كان توجه نحو 100 من مشايخ الدروز في محافظة القنيطرة، جنوبي سورية، إلى إسرائيل، يوم الجمعة الماضي، مؤشراً واضحاً على أنه ليس هناك وفاق سياسي كامل بين قطاع من الطائفة الدرزية والإدارة الجديدة في دمشق. لكن الزيارة أثارت حفيظة فعاليات دينية ومجتمعية في الوسط الدرزي السوري، وهو ما أكده أحد أبرز شيوخ العقل في طائفة الموحدين الدروز الشيخ أبو أسامة يوسف جربوع الذي قال في تصريحات إذاعية: “حذرنا الوفد من استغلال الزيارة لأهداف سياسية”. وأوضح أنّ أطرافاً في السويداء “غير راضية عنها”، مشيراً إلى أن “هناك من يحاول فصلنا عن محيطنا العربي والإسلامي لأهداف سياسية”، نافياً وجود “خطر محدق”.
واعتبر جربوع أن تصريحات رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو عن استعداد كيانه لـ”حماية الدروز” في سورية محاولة لـ”إظهارنا بمظهر المطبعين مع إسرائيل”، مضيفاً: “نحن متمسكون بسوريتنا”. وأكد انفتاحه على الحكومة في دمشق، مشيراً إلى أنها “لاقت اعترافاً دولياً وتعاملت بشكل إيجابي مع مطالبنا”. وجاءت تصريحات الجربوع بعد وصف الهجري السلطة الجديدة في دمشق بـ”المتطرفة”، و”المطلوبة للعدالة الدولية”، وهو ما عمّق حالة عدم الثقة ما بين الجانبين، وأظهر حجم الخلاف في الشارع السياسي الدرزي حيال التغييرات العميقة في البلاد.
العربي الجديد
————————–
حدود ثابتة وجدران داخل الدول/ طوني فرنسيس
المشرق العربي يواجه تمزقاته الداخلية على يد مشاريع متناقضة لكن تقسيمات “سايكس بيكو” تبقى صامدة
الاثنين 17 مارس 2025
صمدت الحدود الدولية لكن حدوداً داخلية بين الطوائف والمذاهب و”المكونات”، بحسب التعبير الرائج بعد غزو العراق، بدأت ترتسم تحت ضغط تيارات “الإسلام السياسي” بشقيه الإخواني والإيراني من جهة، والاستغلال الإسرائيلي المباشر من جهة أخرى.
لم يتراجع الحديث عن تفتيت دول المشرق العربي إلى دويلات مذهبية وإثنية وعن تغيير للحدود الدولية القائمة طوال العقود الماضية، لكن تلك الحدود استمرت بصيغتها التاريخية فيما قامت الحواجز داخل كل بلد بين طوائف ومذاهب ومجموعات على حساب الدولة الوطنية.
كان حديث نسف الحدود وتعديلها يستند إلى وقائع تغذيها نظرية المؤامرة المتجذرة في عقول نخب كثيرة وجوهرها أن الغرب وإسرائيل يعملان على تنفيذ مخطط تقسيمي استعماري يلغي الدول الوطنية الناشئة بعد انهيار السلطنة العثمانية و”اتفاق سايكس بيكو” البريطاني- الفرنسي الذي بلور في “مؤتمر سان ريمو” عام 1920 الحدود الراهنة لدول المنطقة، ويقيم بدلاً منها مجموعة من الكيانات الضعيفة على أسس دينية خصوصاً، توفر في ضعفها وتفككها حماية طويلة الأمد للمشروع الإسرائيلي في امتداداته الاستعمارية.
مع الاعتراف بوجاهة هذه النظرية إلا أنها لا تغطي صورة المشهد بأكمله، فليست إسرائيل وحدها من تطمح إلى تغيير أوضاع قائمة، وتحت عنوان مواجهة ورفض تقسيمات “سايكس بيكو” نشطت قوى أخرى، قومية و”إسلامية” سعت وجهدت إلى إلغاء الحدود في المشرق العربي ودمج تلك الدول في مشاريع أوسع نطاقاً باسم القومية العربية والسورية تارة وباسم الإسلام طوراً، وعلى رغم الإمكانات الضخمة التي توافرت لكل تلك القوى، لم يتمكن أي طرف منها من تحقيق مشروعه كما يرغب وصمدت تقسيمات سان ريمو في شقها العراقي والسوري واللبناني متجاوزة ما يمكن تسميته بأقسى امتحانات قرن بكامله.
كان الامتحان الأحدث ولا يزال في سوريا، فما جرى ويجري في هذا البلد العربي قبل فرار الرئيس بشار الأسد وبعد لجوئه إلى روسيا، إذ بدت في ختام معركة الـ14 عاماً بين النظام ومعارضيه أقرب إلى دولة جاهزة للانقسام والتفكك، وترسخت عوامل الانقسام في ظل نظام الأسد وتفاقمت بعد رحيله واندلاع صدامات الساحل والجنوب والانفصال الواقعي للأكراد في الشرق، لكن في المحصلة الأولية تبين أن لا أحد يريد الانفصال وتشكيل دولته الخاصة، على رغم ارتفاع أصوات الاحتجاج والاستغاثة بالتدخلات الخارجية وسعي بعض الخارج، خصوصاً إسرائيل إلى استغلال الأوضاع.
لقد ظهر إلى جانب تمسك النخب السورية بوحدة بلادها، من الجزيرة إلى السويداء والساحل في ظل نظام يكفل المساواة والعدالة، أن القرار الدولي الذي يمسك بمصير الخرائط لا يزال أيضاً مؤمناً بخيارات رسمها مارك سايكس وجورج بيكو قبل 106 أعوام.
كانت تلك الخيارات وخرائطها تعرضت لامتحانات قاسية قبل الامتحانات السورية الأخيرة، فعام 2014 سيطر تنظيم “داعش” على أجزاء واسعة من سوريا والعراق، وتحت وطأة المفاجأة اعتبر كثيرون أن مرحلة جديدة خطرة بدأت. وقال كثيرون ومن بينهم الزعيم الكردي العراقي مسعود برزاني، “في الحقيقة أن سايكس- بيكو فشل وانتهى”، ولاقاه السياسي اللبناني وليد جنبلاط في الاستنتاج أن “سايكس بيكو انتهى، ذلك أمر مؤكد، لكن كل شيء الآن غامض، وسيكون هناك وقت طويل قبل أن تتضح النتائج” (من تصريحات إلى “بي بي سي” مايو (أيار) 2014)، ومع ذلك لم تتغير الحدود وهزم مشروع “الدولة الإسلامية” المزعوم.
كان البرزاني يعرف أكثر من غيره أن حدود الإقليم الكردستاني التي أقرها مجلس الأمن الدولي عام 1991 كمنطقة محمية للأكراد العراقيين لم تتحول إلى كيان مستقل بحدود خاصة على رغم الغزو الأميركي وإسقاطه نظام صدام حسين عام 2003، وبقيت الحدود العراقية الدولية معترفاً بها كما كانت منذ العهد الملكي.
وربما تكون تجربة لبنان في الحرب الأهلية فاتحة أحاديث الانقسام وتشكيل الدويلات في المشرق، وخلال أعوام السبعينيات من القرن الماضي توالت التحذيرات من “البلقنة”، نسبة إلى انقسامات البلقان بعد الحرب العالمية الأولى، ثم نشط الحديث عن “قبرصة” نسبة إلى تقسيم قبرص إثر الانقلاب على الرئيس مكاريوس والغزو التركي واحتلاله شمال الجزيرة (1974). وحروب لبنان التي استمرت لمدة نحو 15 عاماً رسخت المخاوف من مصائر مماثلة، وقد جرى خلالها التصريح مراراً عن رغبات تقسيمية على أساس ديني، لكن كل ذلك صار أوهاماً وانتهى مع إقرار “اتفاق الطائف” في السعودية وبرعايتها، وعاد اللبنانيون جميعاً، بمقتضى الاتفاق، للبنانهم “كوطن نهائي لجميع أبنائه” بحدوده المرسومة قبل أكثر من قرن على يد الفرنسيين والإنجليز.
وكانت النظريات القومية العربية سباقة إلى الرغبة في نسف الحدود “المصطنعة”، فحزب البعث العربي الاشتراكي الذي نشأ في نهاية أربعينيات القرن الماضي بشر بإلغائها وتوحيد “الأمة العربية”، ثم نادى الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر بأهداف مماثلة وانتهت تجربة الطرفين إلى فشل ذريع. وحكم “البعث” العراق وسوريا فأقفلت الحدود بين البلدين وترسخت منافذها، وأقام عبدالناصر محاولة وحدوية مع سوريا سرعان ما انتهت إلى انفصال وصدام.
صمدت الحدود الدولية لكن حدوداً داخلية بين الطوائف والمذاهب و”المكونات”، بحسب التعبير الرائج بعد غزو العراق، بدأت ترتسم تحت ضغط تيارات “الإسلام السياسي” بشقيه الإخواني والإيراني من جهة، والاستغلال الإسرائيلي المباشر من جهة أخرى.
فقد جعلت إيران مجتمعات عدد من الدول العربية أجساداً مريضة عبر التركيز على ربط الشيعة العرب بالمرشد الإيراني وحساباته “القومية الإيرانية”، وأدى التحريض الإيراني المستمر منذ أكثر من 40 عاماً، مترافقاً مع عمليات تنظيم وتمويل واسعة، إلى خلق دويلات ضمن الدولة في العراق ولبنان وسوريا واليمن، وفي المقابل كانت إسرائيل ومنذ زمن بعيد تسعى إلى تجذير انقسامات مذهبية ودينية مماثلة ضمن استراتيجية صريحة لإضعاف وتمزيق الدول المحيطة. لقد كانت مقالة الباحث الإسرائيلي عوديد ينون المنشورة في فبراير (شباط) عام 1982 بعنوان “استراتيجية لإسرائيل في الثمانينيات” ولا تزال مرجعاً تجري العودة له كلما تصاعد الحديث عن تفتيت دول المشرق. واليوم ومع التطورات الأخيرة في سوريا يصار إلى التذكير بهذه “الاستراتيجية” التي نادت في حينه بتقسيم لبنان وسوريا والعراق إلى دويلات مذهبية وإثنية، وهي خطط لا تزال تطل برأسها عبر السياسة الإسرائيلية تجاه سوريا والعراق وأماكن أخرى.
ويوفر مستوى التمزقات المجتمعية الداخلية في المشرق على يد الإسلام السياسي بفروعه الإيرانية والإخوانية وضعف الدولة الوطنية المركزية فرصاً ثمينة لمزيد من التدخلات الخارجية الإسرائيلية خصوصاً، ومزيداً من أوهام الخلاص خارج دولها لدى الأقليات الخائفة والمضطهدة.
ومع ذلك تقول التجربة حتى الآن إن الحدود المرسومة قبل قرن ستبقى قائمة، لكن مزيداً من جدران الانقسام الداخلي سترتفع بين الناس أطيافاً وشرائح إذا لم تُعتمد صيغ جديدة للحكم تأخذ الحساسيات المختلفة في الاعتبار. ولن تتغير الحدود لأن صانعيها الدوليين لا يريدون تغييرها وليس لأن رافضيها المحليين أقوياء بما فيه الكفاية.
ورداً على سؤال طرحه الباحث في “معهد بروكينغز” غريغوري غوس قبل 10 أعوام على نفسه في مناخ صعود “دولة داعش”، “هل سنشهد إعادة رسم لحدود الشرق الأوسط؟”، أجاب “باختصار، كلا! الحدود لن تتغير. وفي الحقيقة ستؤول هذه الحدود إلى ما يشير إليه خبير العلوم السياسية روبرت جاكسون بـ’شبه الدول‘، المشار إليها دولياً كصاحبة سيادة، على رغم أنه لا يمكن تنفيذ الشروط التشغيلية التي تطلبها السيادة قبل السيطرة على الحدود والأراضي”. والأرجح أن السلطة الحقيقية في المشرق ستصبح متاحة للجميع إذا ترسخت المسارات الراهنة ولم تتغير، إلا أن حدود الشريكين سايكس وبيكو ستكون آخر المتغيرات.
——————————-
دروز إدلب النازحون… مواقف متباينة إزاء العودة إلى بلداتهم/ عبد الله البشير
17 مارس 2025
شهدت محافظة إدلب، شمال غربي سورية، انفراجة في ما يخص أوضاع الطائفة الدرزية، إذ تمكنت عائلات من العودة إلى قراها وبلداتها بعد سنوات من النزوح، وبينما تسعى بعض العائلات إلى الاستقرار في ديارها، وجدت أخرى أن أماكن نزوحها باتت أكثر ملاءمة بعدما أسست فيها حياة جديدة، لكنها رغم ذلك، لا تزال تسعى لاستعادة ممتلكاتها.
ينحدر عبد المجيد شريف، من بلدة كفتين شمالي إدلب، وقد بقي مقيماً فيها، ويقول لـ”العربي الجديد”، إن “الأهالي شعروا بانفراجة حقيقية بعد سقوط نظام الأسد، إذ أتيحت الفرصة للغائبين لزيارة أهلهم وذويهم، والشهر الأول كان أشبه بحالة من الفرح العمومي. السكان يعتمدون على دخل الأرض وبعض المهن اليدوية في ظل غياب الموظفين الحكوميين، ما دفع معظم الشباب خلال الفترة الماضية إلى التوجه نحو جرمانا والسويداء، فدخل الأرض لا يكفيهم، والبعض قرروا الهجرة إلى أوروبا ودول الخليج، بينما كان عدد من عملوا في منظمات إنسانية قليلاً”.
من الناحية الأمنية، يشدد شريف على أن “أبناء الطائفة الدرزية في إدلب منسجمون مع بيئتهم ومجتمعهم، ولا يوجد بينهم مقاتلون مع النظام أو حتى مؤيدون له، والظروف التي عايشوها بعد تحرير إدلب من النظام مباشرة شملت تعرض بعضهم لعداء يعتمد على الهوية مارسه متطرفون، من دون أن يكون هناك أي عمل عدائي من جهتهم. حالياً، لا توجد مضايقات فعلية على أرض الواقع، لكنّ هناك أصواتاً متطرفة وغوغائية تحمّل الدروز مسؤولية الخلاف، وتحرض ضدهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، كما تُكتب على جدران قراهم عبارات مسيئة أو تحريضية، فضلاً عن قيام بعض خطباء المساجد بممارسة التحريض، لكن السلطة لم تشارك في ذلك، وتحاول طمأنتنا، ورغم ذلك لا يخلو الأمر من شعور بالقلق، ومن واجب السلطة تجريم الخطاب التحريضي والمعاقبة عليه، فليس بين أبناء الطائفة الدرزية فلول أو أعداء للثورة”.
وحول أوضاع العائدين، يؤكد أن “بعض العائلات عادت وتسلّمت بيوتها وأراضيها، لكن ليس جميعهم، إذ يوجد غائبون، ومتوفون، ما يجعل تنفيذ الإجراءات المطلوبة لاستعادة الأراضي صعبة، كما أن بعضهم مرتبط بعمل في الداخل أو الخارج، ما يجعل عودتهم معقدة، وقد طرحنا على السلطة في إدلب، قبل سقوط النظام، وعندما بدأت بإعادة بعض الممتلكات، أن تردّ جميع الممتلكات إلى من كان يتسلّمها قبل المصادرة بدون تعقيدات، بحيث تُحل الخلافات بين المواطنين أمام المحاكم في حال الاعتراض”.
في سياق متصل، يشير شريف إلى قضية الأملاك العامة التي صودرت من دون سبب، ومن بينها فرنا في قريته (كفتين)، والذي تسلّموه من إحدى المنظمات الإنسانية، لكنه تمت مصادرته مع جميع لوازمه ومؤونته من دون وجه حق، وما زال حتى الآن على هذه الحال، معرباً عن أمله في أن يتمكنوا من استعادته بدعم من الجهات المعنية لخدمة أهالي القرية.
بدوره، يوضح راضي سليمان لـ”العربي الجديد”، أنه وصل إلى محافظة السويداء نازحاً من منطقة جبل السماق في ريف إدلب، عقب المعارك العسكرية هناك في عام 2015، وحينها ارتُكبت انتهاكات بحق الدروز في المنطقة القريبة من الحدود التابعة لمنطقة حارم.
يضيف سليمان: “بالنسبة لي، لا أفكر في العودة إلى بلدتي في الوقت الحالي، ولا حتى في المستقبل القريب، فقد تزوجت هنا في السويداء، وكونت أسرة، كما حققت نوعاً من الاستقرار في العمل الذي أسسته خلال سنوات إقامتي هنا. في هذه المنطقة لا أشعر أبداً بالتمييز، فأنا بين أناس كونت معهم صداقات وعلاقات أخوة. قد أذهب لزيارة منطقتي، لكن أن أستقر هناك فهذا الأمر مستبعد”.
ويوضح أن “قسماً من الأهالي بقي في المنطقة، واستمروا في العمل بالزراعة ومتابعة أمور ممتلكاتهم، وعلمت مؤخراً من بعض أقاربي أن بعض العوائل بدأت بالعودة إلى منازلها”.
ويقول إبراهيم الدغيم، وهو نازح من بلدة جرجناز في ريف إدلب الجنوبي، لـ”العربي الجديد”، إنه يقيم في كفتين منذ حوالي ستة أشهر، مشيراً إلى أن من تركوا منازلهم وغادروا قبل نحو عامين، كان يقيم في منازلهم أناس آخرون، لكن منذ أكثر من عام، بدأ هؤلاء بدفع إيجار هذه المنازل، ومنذ سقوط النظام، عادت بعض العوائل، في حين أن بعضهم العائدين غادروا مجدداً.
ويوضح الدغيم أن “الوضع في كفتين ومعرة الإخوان شهد بعض الإساءات في وقت سابق، لكن الأمور أصبحت جيدة مؤخراً، والكثير من الأهالي مرتبطون بأعمال أو وظائف، ولم يستقروا بعد، وجاري الذي لا يزال منزله مغلقاً، زار المنزل قبل فترة لتفقده، وأخبرني أنه لا يمانع في تأجيره إذا رغب أحد في استئجاره. أحد أقاربي كان منزله مأهولاً بأحد الأشخاص، وبعد سقوط النظام، طلب منه إخلاءه، فاستجاب المستأجر لذلك من دون أي إشكال”.
أما رياض العبد الله، وهو تاجر أحذية مقيم في مدينة السويداء، فيقول لـ”العربي الجديد”، إنه نزح من محافظة إدلب في عام 2013، واستقر مع عائلته في السويداء، وامتهنوا تجارة الأحذية، وأنهم تركوا خلفهم أرزاقهم حتى تتضح الصورة، وكلفوا أقاربهم بالاهتمام بها، خاصة مشاريع الزيتون. ويضيف أنه تزوج قبل خمس سنوات، ولديه طفلان، ولا يفكر في العودة إلى إدلب، بل يخطط لزيارتها فقط لأغراض اجتماعية بعد أن استقر به الحال في السويداء.
وتبقى القرى الدرزية في ريف إدلب شاهدة على تاريخ عريق يمتد إلى قرون، حيث يلتقي التراث المعماري بالحياة اليومية للسكان، وأبرز هذه القرى بنابل، وقلب لوزة، وبشندلنتي، وكفر كيلا، وعبريتا، وجدعين، وبشندلايا، وكفر مارس، وتلتيتا، وحلي، وكوكو، والدوير، وعرشين، وكفربني، كما توجد قرى في السهل مثل كفتين وبيرة كفتين، إضافة إلى معارة الإخوان التي تعد من أبرز المناطق التاريخية في شمال إدلب.
العربي الجديد
—————————–
كيف تبدو تركيبة الجيش السوري الجديد بعد دمج الفصائل؟/ عبد الحليم سليمان
المشهد العسكري في جنوب البلاد معقد حيث لا تتبع القوى المسيطرة على هذه المنطقة وزارة الدفاع المشكلة حديثاً
الاثنين 17 مارس 2025
ملخص
محاولات دمج الفصائل مستمرة من قبل الإدارة الانتقالية في دمشق، فالمشهد يبدو معقداً على رغم إبداء معظم قادة هذه الفصائل استعدادهم للانضمام إلى وزارة الدفاع ليصبحوا جزءاً من جيش سوريا الجديد.
بعد مرور أكثر من ثلاثة أشهر على سقوط حكم بشار الأسد وانهيار جيشه، يمثل تشكيل جيش جديد تحت قيادة وإدارة وزارة الدفاع الجديدة أحد أكبر التحديدات التي تواجهها القيادة الحالية، فحال الفصائل لا تزال تهيمن على المشهد العسكري على رغم اجتماع عدد غير قليل من قادتها في ما عرف بـ “مؤتمر النصر” الذي منح الشرعية العسكرية والثورية للرئيس أحمد الشرع لتولي قيادة المرحلة الانتقالية، عبر إطلاق حوار وطني وإعلان دستوري وحكومة انتقالية تقود المرحلة.
ويبدو المشهد معقداً على رغم إبداء معظم قادة هذه الفصائل استعدادهم الانضمام إلى وزارة الدفاع ليصبحوا جزءاً من جيش البلاد، لكن معظم هذه الفصائل لا تزال تحتفظ بأسمائها وتبعيتها التنظيمية السابقة وكذلك سلاحها، سواء تلك المنضوية تحت الجيش الوطني السوري الموالي لتركيا أو الفصائل في الجنوب السوري أو في التنف، في حين أن “هيئة تحرير الشام” والفصائل التي تحالفت معها في إدارة العمليات المشتركة، ولا سيما تلك التي أسقطت نظام بشار الأسد أواخر ديسمبر (كانون الأول) الماضي، تدير المشهد العسكري الرسمي من خلال وزارة الدفاع التي تسلم مسؤوليتها القيادي العسكري في “هيئة تحرير الشام” مرهف أبو قصرة، وفي أواخر ديسمبر الماضي جرى ترقية نحو 49 من قادات وعناصر الفصائل المسلحة وتسميتهم ضباطاً رفيعين، ومنحهم رتب اللواء والعميد والعقيد في الجيش السوري المزمع تشكيله، وشملت الترقيات عناصر من “تحرير الشام” والفصال المتحالف معها وكذلك من الجيش الوطني الموالي لتركيا، في حين أشار المرصد السوري لحقوق الإنسان إلى أن من بين الأسماء الـ 49 الواردة في المرسوم “ستة متطرفين أجانب”، بينهم ألباني وأردني وطاجيكي وآخر من الإيغور ينتمي إلى “الحزب الإسلامي التركستاني”، وتركي كان “قائد لواء” في الهيئة.
المنطقة الجنوبية الرخوة
وفي الجنوب السوري يبدو الوضع العسكري الداخلي مقلقاً جداً لدمشق، ولا سيما بعد دخول غرفة عمليات الجنوب وفصيله الأبرز “اللواء الثامن” بقيادة أحمد العودة دمشق والسيطرة على العاصمة ومؤسساتها في الثامن من ديسمبر الماضي، على رغم وجود الشرع وعناصره في حمص وقتها.
وعلى رغم حضور نائب العودة “مؤتمر النصر” وعقد اجتماعات عدة بين الطرفين، أبرزها لقاء الشرع والعودة، لكن الفصيل لم يسلم سلاحه خصوصاً وأنه يملك ترسانة كبيرة من السلاح الثقيل، لأنه بحسب معلومات متداولة يطالب بضمانات تمنح فصيله امتيازات خاصة واستقلالية عسكرية ضمن وزارة الدفاع.
وكان الفصيل تشكل جراء مفاوضات المسلحين مع روسيا ونظام الأسد كجزء من “الفيلق الخامس” المدعوم روسياً، إذ لا يزال العودة يحظى بهذا الدعم إضافة إلى علاقات مع الأردن ودول إقليمية، وفق مصادر سورية.
وعلى حدود مناطق سيطرة فصيل العودة يوجد الدروز في محافظة السويداء جنوباً وتسيطر على مناطقهم فصائل مسلحة محلية عدة أبرزها “المجلس العسكري للسويداء” و”لواء الجبل” وغيرها من فصائل تشكلت خلال أعوام الحرب، ومع سقوط النظام وتشكيل وزارة الدفاع الجديدة لم تنضم هذه الفصائل إلى الجيش السوري على رغم لقاءات عدة عقدت بين الطرفين، ومحاولة دخول وزارة الداخلية وقوى الأمن العام للمحافظة، لكنها غير مقبولة من قبل الدروز ولا سيما أن تحفظات وخلافات سياسية تعلن تجاه دمشق بين فترة وأخرى من قبل زعامات دينية، وهي صاحبة القول الفصل في شؤون الطائفة وبخاصة الشيخ حكمت الهجري الذي رفض أخيراً “الإعلان الدستوري” مطالباً بدولة مدنية تحفظ حقوقهم، وكذلك سجلت مآخذ وانتقادات من قبلهم تجاه الحكم الجديد بخصوص مؤتمر الحوار، مما يزيد تعقيد انضمام الفصائل الدرزية إلى الجيش السوري.
ويتزامن ذلك مع حوادث متفرقة عدة، فقد نشبت اشتباكات بين القوات التابعة لدمشق ومسلحين دروز في ضاحية جرمانية الدرزية المتاخمة لدمشق وأدت إلى إصابات بين الطرفين، لكن الحادثة طوقت سريعاً مع تدخل مسلحين دروز مقربين من دمشق على خط الوساطة لتنتهي بتسلم قوى الأمن العام، في حين أن سلاح الفصيل المسلح لا يزال في يد عناصره، ويعتبر إحدى أسباب المناكفة بين الدروز وحكومة الشرع، إضافة إلى تصريحات إسرائيلية بضرورة حماية الدروز في سوريا والتحذير من الاعتداء عليهم.
“قسد” الملف الأثقل
ملف الفصائل العسكرية في سوريا من أكثر الملفات الشائكة حالياً وبخاصة ملف اندماج قوات سوريا الديمقراطية (قسد) الذي يعتبر من أعقد وأثقل القضايا، لما تحمله من خلافات بينها وبين قوات دمشق إضافة إلى صراعها المستمر مع الفصائل الموالية لتركيا، والتي انضمت جميعها إلى وزارة الدفاع في حكومة الشرع، في حين أنها لا تزال جزءاً من الجيش الوطني السوري الموالي لتركيا وتتلقى منها الدعم والرواتب، كما أن هذه الفصائل تقاتل منذ أواخر ديسمبر “قسد” في منطقة سد تشرين وجسر قره قوزاق في ريف كوباني الجنوبي، إضافة إلى مناوشات مستمرة بين الطرفين في مناطق نبع السلام أيضاً.
وبخلاف غيرها من الكيانات العسكرية في سوريا فإن مهمة “قسد” تتركز على مكافحة الإرهاب وحماية السجون التي تؤوي عناصر تنظيم “داعش” والبالغ عددهم نحو 10 آلاف، بينهم 2000 مقاتل أجنبي موزعين داخل 26 مركزاً للاحتجاز، وإضافة إلى مخيمي الهول وروج فإن التحدي الأكبر يكمن في الهجمات الجوية التي تتلقاها من تركيا، ومواجهة الفصائل التي تتزعم غالبيتها عناصر قيادات تركمانية، وأصبحت جزءاً من وزارة الدفاع التابعة لدمشق، وهي تقاتل “قسد” الذي يضع بند التزام الشرع بوقف إطلاق النار على المحك.
وعقب توقيع الاتفاق بين الشرع وقائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي الذي أنعش آمال الأكراد ومكونات أخرى ولاقى ترحيباً سورياً وعربياً ودولياً، إلا أن “الإعلان الدستوري” الذي صادق عليه الشرع بعد ثلاثة أيام من اتفاقه مع عبدي تجاهل إدراج حقوق الأكراد أو شكل الدولة اللامركزية كما يطمحون، إضافة إلى بنود أخرى أثارت حفيظة الأكراد الذين خرجوا بمواقف رافضة لـ “الإعلان الدستوري”، إضافة إلى السُريان الذين رفضوا الخطوة الحكومية للأسباب ذاتها، مما قد يلقي بظلاله على الاتفاق الذي ينص على دمج القوات العسكرية ويسهل الطريق أمام بقية المؤسسات.
ويقول الباحث من “مركز الفرات للدراسات” في القامشلي وليد جولي إن الكرد وباقي المكونات المنتشرة شمال شرقي سوريا سيكون لهم موقف حازم ضد هذه الفصائل التي ارتكبت انتهاكات ومجازر ضد السكان المدنيين في الساحل، يقضي بالإصرار على تسليمهم دمشق وإلقاء السلاح أو الدمج على شكل أفراد، “فما حصل في الساحل السوري كشف الأقنعة بصورة واضحة وأفقد الثقة في الإدارة الجديدة، ومن حق أي مكون سوري أو جماعة سياسية أن ترفض تسليم أمرها لهؤلاء”، على حد قول جولي.
أما بالنسبة إلى جيش “سوريا الحرة” المعدّ والمدرب أميركياً والذي يسيطر على قاعدة التنف وصولاً إلى تدمر، فقد شارك قائد الفصيل في “مؤتمر النصر” وأصبح جزءاً من وزارة الدفاع، لكن جميع تحركاته على الأرض تجري بالتنسيق مع التحالف الدولي والقوات الأميركية، إذ يعتبر الفصيل الوحيد في وزارة الدفاع والعامل مع الجيش الأميركي في إطار مكافحة الإرهاب رسمياً.
آمال بالانضمام للجيش الجديد
في بدايات يناير (كانون الثاني) الماضي قال وزير الدفاع مرهف أحمد أبو قصرة إنه من بين توجهات القيادة العامة إعادة هيكلة القوات المسلحة وتنظيم الجيش العربي السوري، مضيفاً “بدأنا جلسات مع الفصائل العسكرية من أجل وضع خطوات انضمامهم لوزارة الدفاع، إذ تهدف الجلسات إلى وضع خريطة طريق لتحقيق الاستقرار في البنية التنظيمية للقوات المسلحة”، ولا تزال تلك المشاورات والاجتماعات جارية على رغم مرور 100 يوم، لكن هيكلية الجيش السوري الحكومي لا تزال ضبابية جراء معوقات كبيرة تعترض سبيل نجاحها، في وقت لم تكتمل بعد شروط نجاح تشكيل الجيش وتزويده بما يلزم من عتاد وذخيرة ومال، ولا سيما وأن سلاح الجو الإسرائيلي قصف عشرات المطارات والمستودعات العسكرية التابعة للنظام السابق، ودمر نحو 80 في المئة من ترسانة السلاح، إضافة إلى عمليات خاصة ضد مخازن الأسلحة الكيماوية مما أدى إلى تعرية البلاد من السلاح، وغداة سقوط الأسد وعقب تنفيذ إسرائيل عدداً كبيراً من الهجمات على مواقع لتخزين الأسلحة التابعة لجيش الأسد، قال وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر إنه “جرى استهداف مواقع أسلحة كيماوية وصواريخ طويلة المدى في سوريا من أجل منع وقوعها في أيدي أطراف عدائية”.
—————————–
الصراع على سوريا الانتقالية: إلى أين؟/ عصام نعمان
تحديث 17 أذار 2025
اسمها الرسمي الجمهورية العربية السورية، لكن اسمها الواقعي أصبح جمهورية سوريا «الانتقالية». إلى أين ستنتقل سوريا، أو بالأحرى إلى أين تنوي أمريكا و»إسرائيل» وتركيا الانتقال بها؟ لا جواب جاهزاً في الوقت الحاضر، لأن أحداً لا يعرف إلى متى ستبقى مرحلة الانتقال، وكيف ستكون سوريا شكلاً ومضموناً في المستقبل المنظور أو البعيد. مع ذلك، بإمكان المراقب أن يلاحظ واقع سوريا في حاضرها المضطرب، ولعل أفضل مقاربة لفهم ما جرى ويجري فيها محاولةُ معرفة ما تعدّه لها كلٌ من واشنطن وتل أبيب وأنقرة.
للولايات المتحدة ثلاث قواعد عسكرية في سوريا منذ سنوات عدّة، بدعوى محاربة تنظيم «داعش» الإرهابي، الذي كان قد نجح لفترة في إقامة «دولة إسلامية» في الموصل في شمال العراق، ومحافظة الرقة في شمال شرق سوريا. القاعدة الأكبر في التنف على مثلث الحدود بين سوريا والعراق والأردن، وهي تتحكّم بالطريق الرئيسية بين بلدة البوكمال السورية وبلدة القائم العراقية. القاعدة الثانية في محافظة دير الزور حيث آبار النفط السورية. الثالثة في محافظة الحسكة في شمال شرق سوريا، حيث آبار النفط أيضاً والسكان الكرد السوريون.
مع تفاقم الاضطرابات السياسية والإثنية في عهد بشار الأسد، ساندت أمريكا المتمردين الكرد، الذين حملوا اسم «قسد» (قوات سوريا الديمقراطية) ومدّتهم بالسلاح والمال، الناتج من عائدات آبار النفط أيضاً. هذا في الماضي، أما في الحاضر فإن واشنطن تبحث عن صيغة تسمح للكرد السوريين بالمحافظة على «الحكم الذاتي» الذي يمارسونه بيسرٍ في شمال شرق سوريا، شريطة ألاّ يشكّل استفزازاً لتركيا، التي تعتبر «قسد» منظمة إرهابية متعاونة مع حزب العمال الكردستاني التركي المحظور. «إسرائيل» تحتل نحو 400 كيلومتر مربع من محافظتي درعا والقنيطرة في جنوب سوريا، وتسيطر على حوض نهر اليرموك، وعلى قمة جبل الشيخ المشرف على دمشق شرقاً، وعلى سهل البقاع اللبناني غرباً كما على بضع قرى غالبية سكانها من الموحدين الدروز السوريين، في سفوح الجبل وهضبة الجولان. اللافت والخطير أن «إسرائيل» بدأت بتنفيذ عمليتين متوازيتين: إقامة مواقع عسكرية في نقاط استراتيجية داخل المنطقة السورية المحتلة، وإقامة صلات وعلاقات مع سكان القرى الدرزية في الجنوب السوري، والإعلان بأنها حريصة على حمايتهم من جهة، والإيحاء من جهة أخرى بأنها تعمل لإقامة دولة درزية في جبل العرب (محافظة السويداء) مع إمكانية امتدادها لضم دروز لبنان أيضاً. تركيا يهمها بالدرجة الأولى منع الكرد من إقامة كيان انفصالي في جنوبيّ شرق أراضيها وشمال شرق سوريا. ويبدو أنها، من خلال حمايتها وربما وصايتها على نظام الحكم الانتقالي في دمشق، عازمة أيضاً على إقامة قواعد عسكرية لها في شمال البلاد. وسط تدخلات هذه الدول الثلاث القوية النافذة، يحاول الحكم الانتقالي في دمشق بقيادة أحمد الشرع، تثبيت قواعد سيطرته على مناطق البلاد المتشرذمة. وقد أربكته كثيراً حوادث المجازر الرهيبة التي استهدفت العلويين في محافظتي اللاذقية وطرطوس، وعمليات الحرق المتمادية للمزارع والأحراج في أريافها. وفي حمأة هذه الاضطرابات الدموية العنيفة توصّل الحكم الانتقالي في دمشق إلى توقيع اتفاق تهدئة وتعاون مع كلٍّ من تنظيم «قسد» الكردي، ومع مجموعة من وجهاء محافظة السويداء، ثم ما لبث أن أصدر بلسان أحمد الشرع « الإعلان الدستوري» للمرحلة الانتقالية الذي يؤسس لحكم مطلق يتحكّم بجميع السلطات، مع استمراره لمدة خمسة أعوام على الأقل. «الإعلان الدستوري» قوبل بردود فعل غاضبة ورافضة، أولها من «مجلس سوريا الديمقراطية»، الذراع السياسية لـِ»قسد»، الذي وصف أحمد الشرع بأنه «يكرر ما كان يفعله بشار الأسد»، مضيفاً أن الدستور السوري للمرحلة الانتقالية «غير شرعي ولا يتوافق مع الاتفاقية الموقعة بين أحمد الشرع وقائد «قسد» مظلوم عبدي»، وأن «إبراز الشريعة الإسلامية في إدارة الدولة يأخذ البلاد نحو الفوضى».
في الجنوب السوري، رفض أحد مشايخ العقل الثلاثة للموحدين الدروز الشيخ حكمت الهجري، التعاون مع الإدارة السورية الجديدة ووصف حكومتها بأنها «متطرفة ومطلوبة دولياً»، وقال: «نأسف على أبناء السويداء الذين يبيعون دماء وكرامة أهلنا في الساحل»، في إشارةٍ إلى الاتفاق الذي جرى بين وجهاء من السويداء والإدارة السورية الجديدة، بعد أيام من توقيعها اتفاقية مع «قسد» لدمجها بقوات الجيش الذي يعتزم الحكم الانتقالي في دمشق بناءه خلال الأشهر التسعة المقبلة. من مجمل هذه الواقعات والمعطيات والتطورات يمكن استخلاص النقاط السياسية الآتية:
*ما زال الاضطراب السياسي والطائفي هو السمة الغالبة في حاضر سوريا الانتقالية.
*عملية توحيد جغرافية سوريا، سياسياً وإدارياً، التي يقوم بها الحكم الانتقالي في دمشق ما زالت محدودة جداً.
*تبدو الولايات المتحدة الراعية الأولى للحكم الانتقالي في دمشق، والعاملة بجهد للتوفيق بينه وبين تركيا وأغراضها السياسية والعسكرية في سوريا.
*لم يستطع الحكم الانتقالي في دمشق حتى الآن من احتواء الكرد السوريين في شمال شرق البلاد ودمج تنظيماتهم في مؤسسات النظام في دمشق.
*ترتاب أنقرة بما تحاول واشنطن إرساءه سياسياً وعسكرياً في شمال شرق سوريا حيث الكرد و»قسد»، ولذلك تسعى إلى إقامة قواعد عسكرية في شمال البلاد.
*تبدو «إسرائيل» ناشطة في احتلال المزيد من الأراضي السورية من جهة، ومن جهة اخرى حريصة على تعزيز التباعد بين مختلف طوائف البلاد، وتنفيرها جميعاً من الحكم الانتقالي في دمشق.
*لا معارضة موحّدة أو ناشطة في سوريا بالوقت الحاضر، وإن ما يواجه الحكم الانتقالي من عمليات ميدانية في بعض المحافظات وأريافها هو مجرد ردود فعل محلية لا رابط سياسياً بينها.
*يبدو مستبعداً استعادة صيغة الحكم المركزي إلى سوريا في قابل الأيام، في حين تبدو اللامركزية الإدارية الموسّعة هي الصيغة الملائمة لإبعاد الصيغة الفدرالية عن البلاد.
*لا تدخلات مؤثّرة من جانب أيّ دولة عربية أو أوروبية في سوريا، بالوقت الحاضر، بل ثمة تسليم بالدور الأمريكي الناشط بلا ادنى منافسة.
*لعل أدق توصيف لحال سوريا في الوقت الحاضر هو، أنها كيان مضطرب سياسياً وأمنياً تحكمه ذاتياً قوى داخل ثلاث طوائف متنفذة في محافظات دمشق والسويداء والحسكة.
إلى أن تستيقظ وتتوحد القوى الوطنية النهضوية العابرة للطوائف والإثنيات والقبائل، يبقى المستقبل في سوريا مفتوحاً على شتى الاحتمالات.
كاتب لبناني
القدس العربي
——————————
الجولان: بين النبي شعيب و»تلّة الصراخ»/ صبحي حديدي
تحديث 17 أذار 2025
للسوريات والسوريين أبناء بلدات وقرى هضبة الجولان السورية المحتلة، في مجدل شمس وبقعاثا ومسعدة وعين قنية والغجر أساساً، الإعراب عن الرأي في الزيارة التي قام بها رجال دين سوريون، أتباع الطائفة الدرزية، إلى مقام النبي شعيب قرب طبريا. وليست هذه الإحالة بمثابة اتكاء بسيط على مبدأ قديم يؤكد أنّ أهل الجولان أدرى بشعابها، فحسب؛ بل كذلك لأنّ الجولانيين واقعون تحت الاحتلال الإسرائيلي منذ 1967، أي قبل ضمّ الهضبة أواخر 1981، وسطروا ويواصلون تسطير فصول ملحمية في مقاومة الأسْرَلة والتهويد والاستيطان، والتشديد على الانتماء إلى الهوية الوطنية السورية.
وهذه سطور تشرفت بزيارة الجولان المحتلّ مراراً، لأسباب شتى وطنية وإنسانية وعاطفية، تكفّل أحد الأخوة الجولانيين بمنحها صفة خاصة تماماً من حيث المشروعية والحقّ والواجب معاً: نحن، أبناء الجولان، أسرى الاحتلال الإسرائيلي، وزيارة الأسير فريضة حدّ أدنى على أهله! بالطبع، ومطلقاً أيضاً، ومن هنا لصاحب هذا التوصيف وأخواته وإخوته أبناء الهضبة المحتلة أن يقرأوا عبور رجال الدين السوريين الدروز إلى عمق فلسطيني، وليس إلى مساحة جولانية فقط؛ وما إذا كانت تتقصد الحجّ إلى مقام ديني، أم تتّسق مع مساعٍ أخرى خبيثة أعرب عنها ساسة الاحتلال بصدد بني معروف في جنوب سوريا، بعد سقوط نظام «الحركة التصحيحية».
وهذه السطور لا تُغفل حقيقة كبرى مركزية، مفادها أنّ زيارة رجال الدين السوريين الدروز هي الأولى منذ 50 عاماً على الأقلّ؛ أي، في تشخيص آخر موازٍ، على امتداد حكم الأسدَين حافظ وبشار. وليس الأمر أنّ النظام البائد حظر الزيارات هذه من واقع الغيرة الوطنية ورفض التطبيع، بل لأنّ المنع كان مظهراً واحداً من سلسلة مظاهر تقمع الحريات العامة؛ وبالتالي من الإنصاف القول إنّ زائري مقام النبي شعيب اليوم امتلكوا من هوامش الحرّية ما يكفي للقيام بالزيارة من دون احتساب عواقب التنكيل والاضطهاد والتجريم، هذه التي لا يلوح أنّ أياً منها سوف ينتظرهم عند العودة إلى سوريا.
وهذه السطور تستذكر، ثالثاً، كتاباً متميزاً عن هضبة الجولان صدر بالإنكليزية سنة 2023 ضمن منشورات I.B. Tauris في لندن، تحت عنوان «مرتفعات الجولان: حكاية لم تُسرد»؛ بتحرير مشترك من منى دجاني ومنير فخر الدين ومايكل ميسون. والكتاب احتوى على 16 مساهمة، ومقدمة وافية، وخاتمة خلاصات، وفّرت جميعها مادة غنية ومتعددة الجوانب كانت (وبعضها غير القليل يظلّ) خافياً أو مخفياً، غائباً أو مغيّباً، على نحو ما في العنوان من تلميح إلى وقائع ومعطيات وحقائق لم تتكشف كما يليق بها في سردية متكاملة، وبالتالي لم تجد ما تستحقّ من إظهار علني. ثمة جانب آخر خاصّ الدلالة في أنّ محرّري الكتاب يجمعون بين الجنسية الفلسطينية (دجاني)، والسورية (فخر الدين)، والبريطانية (ميسون)؛ وهذا التقاء غير شائع على مستوى المحتد أوّلاً، ثمّ مستويات الاختصاص التي تبدأ من المناخ والبيئة والمياه، وتمرّ بالفلسفة والدراسات الثقافية، وتنتهي عند العلوم السياسية والاقتصاد. وهذا التنوّع منح الكتاب قابلية تحريرٍ عالية المرونة، أتاحت تسخير مناهج بحثية متعددة، ونُظُماً دراسية متقاطعة، وثراء ملحوظاً في تناول موضوعات الأقسام الخمسة: استيطان/ استعمار الحياة اليومية، سياسة المحكوم، سياسة الفنّ الجولاني، سياسة الشباب الجولاني والتربية، إيكولوجيا سياسية جولانية.
ويقول الناشر على الغلاف الأخير إنّ الكتاب «يركّز على جماعة أقوام أصلية تُعرف باسم الجولانيين، وبصفة خاصة على تجربتهم مع الاحتلال في واقع الحياة اليومية وسياسة المقاومة في وجه الاستعمار الاستيطاني (…) وهنالك مساهمات حول إضراب 1982 الذي دام ستة أشهر، وتعبئة الشباب في الجولان المحتل، وحركات التضامن الفلسطينية، والفنّ والكتابة في الجولان، وترسيم الخرائط المضاد، ثمّ التاريخ السرّي لمنتجع التزلج الإسرائيلي».
خاتمة الكتاب تقتبس الشاعر الجولاني ياسر خنجر، ابن مجدل شمس والأسير السابق لدى الاحتلال، من قصيدة «فجر»: أقفلَ الباب بإحكام/ أسدلَ الستائر على النوافذ كلّها/ سدّ الثقوب بأقمشة قديمة/ إلى أن ساد العتم/ كان يكفي أن يطرق الباب زائرٌ/ أو تائهٌ ضلّ الطريق/ كي يعود الضوء إليّ/ كان يكفي أن تعبر في خيالي/ كي تتعربش الشمسُ على رموشي/ وينسكب الفجر».
غلاف الكتاب لوحة بعنوان «تلّة الصراخ»، للفنان الجولاني علاء عرمون، تلتقط مشهداً من ذلك اللقاء الفريد الذي ظلّ يتكرر على مبعدة 3 كم من مجدل شمس، ملاصقاً لخطّ الهدنة Alpha؛ حيث يتجمع الجولانيون على التلّة المقابلة من الأرض السورية، وسفح الوادي في طرف الاحتلال، ويجري «اللقاء» العجيب: عبر الصراخ أوّلاً، ثمّ مكبرات الصوت، والمناظير المقرّبة. وهذه سطور كان لها شرف حضور العديد من عجائب ذلك الطقس، خلال خدمة مع قوّات حفظ السلام الأممية (أندوف) مطلع ثمانينيات القرن المنصرم؛ ولعلّ الأعجب فيها لم يكن الاحتفال بمناسبات عائلية مختلفة، بل إحياء العيد الوطني السوري، أو «عيد الجلاء» كما نسمّيه، يوم 17 نيسان (أبريل) من كلّ عام.
وأياً كانت السياقات المختلفة بين مقام النبي شعيب وتلّة الصراخ، يبقى ثابتاً أنّ من المحال اقتلاع هوية سورية جامعة، تضرب بجذورها في العميق الخافق من وجدان الجولان.
القدس العربي
——————————
السويداء: دعوات لاحتواء التوترات ونبذ العنف في ظل انقسامات سياسية/ ضياء الصحناوي
17 مارس 2025
أكد قائد حركة رجال الكرامة الشيخ يحيى الحجار، خلال لقاء مع وجهاء محافظة السويداء السورية، وعلى رأسهم الشيخ يوسف جربوع، أحد مشايخ عقل طائفة الموحدين الدروز، أن “الاختلاف في الرأي لا يعني انقسام السويداء”، مشدداً على أن الداعين لبناء الدولة ورفض مشاريع التقسيم “ليسوا خونة”، وأن من يتعاون مع الشرفاء لتحقيق هذا الهدف لن يكونوا خارجين على القانون.
جاء ذلك في خطابٍ هدف لتهدئة التوترات المتصاعدة بين فصائل المحافظة، والتي وصلت إلى حدّ التعديات على المحتجين، وتهديدهم من قبل بعض أنصار الفصائل في ساحة الكرامة. وأوضح الحجار أن المرجعية الروحية للطائفة تمثل إطاراً جامعاً للسويداء، مؤكداً أن سلاح حركته لن يُوجَّه إلى الداخل، ولن يكون إلا في خدمة الجبل والذود عنه ضد أي معتدٍ، في إشارة إلى رفض تحويل الخلافات السياسية إلى مواجهات مسلحة. وجاءت تصريحاته هذه رداً على انقساماتٍ حادّة ظهرت أخيراً بين مؤيدين للخط الحكومي، ومعارضين له، ما أدى إلى تحشيدات وتصعيد أمني انعكس على الشارع العام.
قائد حركة رجال الكرامة الشيخ أبو حسن يحيى الحجار: “الجبل واحد.. واختلاف الرأي لا يعني الانقسام”.. pic.twitter.com/JkeLwGZVTL
— السويداء 24 (@suwayda24) March 16, 2025
وفي سياق متصل، قام ممثلون عن الحراك الشعبي بجولةٍ يوم أمس الأحد، شملت لقاءات مع المرجعيات الدينية الثلاث الهجري، والحناوي، وجربوع، طالبوا خلالها بالتدخل لوقف الانفلات الأمني، واستخدام السلاح ضد المتظاهرين، وإبعاد التحشيدات العسكرية عن الخلافات السياسية. وأكدوا أن “الاختلاف في الرأي سياسة صحية لبناء وطن ديمقراطي، بينما الإكراه بالسلاح يدمر البلد”.
السويداء ساحة الكرامة وسط السويداء، 25 فبراير 2025 (شادي الدبيسي/فرانس برس)
تقارير عربية
السويداء السورية تتأرجح بين تيارات سياسية متباينة
ومن جانبها، قالت الإعلامية والناشطة المدنية هند العرموني لـ”العربي الجديد”، إن اللقاءات ركّزت على أهمية نبذ العنف، ومنع انتشار السلاح في الشوارع، لما يشكله من خطر على المدنيين، مع التأكيد على ضرورة فصل العمل العسكري عن الخلافات السياسية، وضمان حق التعبير دون ضغوط أو استفزازات. وأضافت أن الممثلين طالبوا بإزالة الرايات والأعلام الدينية والفئوية من المؤسسات العامة، والاكتفاء برفع العلم الوطني، مؤكدين أن “دور العبادة هي المكان المناسب لها”.
وبدورهم، أبدى المشايخ الثلاثة تفهماً لمطالب المحتجين، معتبرين أن “أحرار وحرائر السويداء هم أصحاب القرار في الشأن السياسي”، وفقاً للعرموني، التي أشارت إلى وعود قدمتها المرجعيات بالعمل على “تخفيف الخلافات، وحصر التباينات في إطار الحوار المدني، وليس الصراع المسلح”.
ومن ناحيةٍ أخرى، رفض عدد من محامي السويداء، في بيانٍ مفتوح للتوقيع، الإعلان الدستوري الذي أصدرته السلطة الانتقالية في 13 مارس/ آذار الحالي، معتبرين أنه “لا يستجيب لتطلعات الشعب السوري في بناء دولة ديمقراطية، بل يعيد إنتاج الاستبداد بصيغة جديدة”. وأكد الموقعون على البيان أن وثيقة الإعلان الدستوري “تفتقر إلى مبادئ الحكم التشاركي، وتعزز المركزية، وتُخاطر بمسار العدالة والحرية.
وحذّر البيان من أن النص الدستوري المقترح “يُهمل العدالة الانتقالية الحقيقية”، معتمداً على “إجراءات شكلية لا تحقق محاسبةً حقيقيةً أو مصالحة وطنية”، مشدداً على ضرورة بناء قضاء مستقل بعيداً عن هيمنة السلطة التنفيذية. ودعا المحامون إلى عقد مؤتمر وطني شامل لوضع دستور عصري يعكس إرادة جميع السوريين، معربين عن رفضهم ما وصفوه بـ”إعادة إنتاج أنظمة قمعية” تحت أي مسمّى.
وتعكس هذه التطورات حالة الاستقطاب السياسي والأمني التي تعيشها السويداء، في ظل مخاوف من تحوّل الخلافات إلى مواجهات مفتوحة، لا سيما مع تصاعد الحديث عن مشاريع تقسيمية وتأثيرات التدخلات الإقليمية، بينما تُظهر المبادرات الشعبية والدينية سعياً حثيثاً لاحتواء الأزمة، عبر التأكيد على أولوية الحوار وحماية الحريات.
العربي الجديد
—————————-
المشرق: تجاهل السياسة ونشوة الاستقواء/ سام منسى
تحديث 17 أذار 2025
يبدو أن النزاعات في المشرق لم تقترب من نهايتها كما خُيل للكثيرين بعد حربي غزة ولبنان، وأطاحت آثارهما بحكم آل الأسد بسوريا بلمحة بصر بعد 54 عاماً من الاستبداد.
الأحداث في سوريا، من التمرد العسكري لفلول النظام، مروراً بزرع بذور الفتنة بين دروز سوريا والنظام الجديد إلى مسألة الأكراد، تبقى الأشد خطورة، لا سيما أنها واقعة تحت سطوة لاعبين كثر أبرزهم الإيراني والتركي والإسرائيلي ولو بنسب متفاوتة؛ ما يتيح لهؤلاء لعب أدوار تصب في مصالحهم.
إسرائيل موجودة في المشهد السوري منذ الساعات الأولى لسقوط بشار الأسد بمواقف وممارسات ملتبسة وخبيثة. وبعد تراجعها عن التمسك بالنظام البائد وسيده إثر السطوة الإيرانية عليه، عاد حنينها إليه بعد سقوطه، وتمادت في دورها المزعزع بقصف منشآت الجيش السوري وبناه التحتية وأسلحته، والتوغل في الأراضي السورية، وتحريض الطائفة الدرزية في الجنوب على السلطة الجديدة بحجة حمايتها وبقية الأقليات، في تكرار لسلوك كثيراً ما لجأت إليه بهدف تخريب الاستقرار وتفكيك الدول من حولها إلى كيانات طائفية.
أما طهران، فتحاول استعادة ما أمكن من نفوذها بسوريا ولو على حساب وحدتها، وقد تسعى لعودة الأسد إلى الساحل إذا نجح التمرد لتعود طريقها إلى لبنان سالكة لتزويد «حزب الله» بالمال والسلاح.
إن أهداف إسرائيل تتقاطع مع إيران في سوريا في محاولتهما تقطيع أوصالها والتخريب على السلطة الجديدة، فيما تحاربها في لبنان، وقد يؤدي هذا التخبط لاحقاً إلى عكس ما سعت وتسعى إليه من تقويض للوجود الإيراني على حدودها.
بدوره، يشهد لبنان خفوتاً لنشوة انتخاب رئيس الجمهورية جوزيف عون وتشكيل حكومة نواف سلام، بوصفهما سيفتحان صفحة جديدة تبدأ باستعادة الدولة من الدويلة، ومباشرة الإصلاح والنهوض. صحوة «حزب الله» بعد صدمة الهزيمة العسكرية في الحرب الأخيرة بددت هذه الصورة، بسبب تأكيده المتكرر على النصر واستمرار المقاومة المسلحة والاحتفاظ بالسلاح، متنصلاً من مضمون اتفاق وقف النار الأخير بشأن السلاح شمال الليطاني، ومتذرعاً بتفسير متقدم لما ورد باتفاق الطائف بشأن حل الميليشيات بأنه لا يشمله بوصفه مقاومة وليس ميليشيا. وجاءت حبة الكرز فيما أعلنه أمين عام الحزب نعيم قاسم أن «لا إنقاذ وإصلاح قبل إعادة الإعمار… وأن المقاومة مستمرة في الميدان»، وكلام لرئيس مجلس النواب نبيه بري حول استمرار المقاومة، والاتفاق لا يشمل السلاح شمال الليطاني في ملاقاة لكلام رئيس مجلس الشورى الإيراني علي لاريجاني بأن «المقاومة باقية لأن غالبية الشعب اللبناني تؤيدها». يضاف إلى ذلك ما يتردد عن عودة «حزب الله» للتدخل في سوريا بإرسال مقاتلين لدعم التمرد، وعودة احتلال إسرائيل لنقاط عدة في الجنوب، ومواصلة عملياتها العسكرية في لبنان على أنواعها مقدمة نفحة أكسجين للحزب.
لا يحتمل لبنان مثل هذه الصحوة؛ لأنها تعيده للمربع الأول، وتقطع طريق عودته للعرب، وعودتهم إليه بناسهم ومساعداتهم واستثماراتهم، وتؤدي لاستمرار التخبط للخروج من حالة الإحباط المزمنة جراء الأزمات المالية والاقتصادية والأمنية.
أما غزة فلا تزال ملعباً لمناورات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو السياسية الداخلية والخارجية، فاتحاً مصيرها على احتمالات عدة، أحلاهم مُر: من نجاح مشروع التهجير، إلى إمكانية تجدد الحرب دون أفق سياسي باستثناء دفع السكان للمغادرة أو البقاء تحت شبح المجاعة وويلات تجدُّد القتال. كل ذلك في ظل محادثات أميركية مباشرة مع «حماس» تبعث الريبة، لا بل الغضب عند نتنياهو وزمرته المتشددة.
عرقلة الحلول في سوريا ولبنان وغزة هي نتيجة انعدام السياسة بحكمتها وعقلانيتها وغلبة العسكرة بجموحها وجنونها، ليس في المنطقة فحسب، بل ربما في العالم أجمع. أكبر دليل على ذلك هو أن الجبروت العسكري الإسرائيلي لم يؤتِ ثماره: ما زالت النار في غزة تحت الرماد، «حزب الله» في لبنان يعلن النصر واستمرار المقاومة والتمسك بما بقي من سلاحه وبدوره في الحياة السياسية اللبنانية وقدراته على التعطيل، عمى إسرائيل قد يعيد إيران إلى سوريا بعد استماتتها لإخراجها منها. المحصلة، أن العمل العسكري الإسرائيلي في غزة ولبنان وسوريا من دون رؤية سياسية لم ولن يؤدي إلا لاستيلاد حروب جديدة.
علة العلل هي انعدام السياسة وخواؤها في أميركا نفسها التي تسمح لنتنياهو بالاستيلاء على كل فلسطين بالقوة، تحت غطاء تهجير إنمائي سياحي، وتغازل فلاديمير بوتين وتسامحه على ضم القرم وأجزاء من أوكرانيا، وتتبنى سرديته للحرب، كيف لا وهي نفسها حامية العالم الحر والديمقراطية والقيم تريد السطو على غرينلاند، وضم كندا، والسيطرة على بنما، وتعاقب المحكمة الجنائية الدولية، وتناصب العداء لحلفائها الأوروبيين التقليديين. مواقف تقدم رخصاً مجانية للعدوان والاستبداد، وتصمت مجدداً على ممارسات أنظمة على غرار نظام الأسد الذي سحق الأغلبية والأقلية في بلاده وجوارها لأكثر من 50 سنة.
الشرق الأوسط؟
——————————
سوريا والرؤية الثالثة/ مأمون فندي
تحديث 17 أذار 2025
تتقاسم سوريا الجديدة، الآن، رؤيتان خارجيتان؛ الأولى رؤية تركية تسعى إلى سوريا موحدة ومتماسكة كدولة جارة (مع بعض التحفظات)، والثانية رؤية إسرائيلية تريد سوريا مجزَّأة طائفياً، وربما مناطقياً، فهل هناك إمكانية لظهور رؤية ثالثة؛ إما وطنية سورية خالصة، أو عربية، أو خليط من رؤية عربية ومحلية سورية؟
أيُّ نظام جديد بعد ثورة أو بعد انهيار نظام، مهما كان تماسك المجتمع، يمر بمرحلة انتقالية بين نظامين. ويحدد مدى نجاح أو فشل هذه المرحلة أمران: سرعة التحول، وحجم أو عدد من ينخرطون فيه. فإلى أي رؤية يقترب مصير التحول السوري، اليوم؟ هل نحو الرؤية الإسرائيلية التي تسعى إلى سوريا مجزَّأة في حالة تناحر طائفي، كما كان لبنان في السبعينات وحتى نهاية الحرب الأهلية، أم نحو الرؤية التركية التي تسعى إلى نظام مركزي قوي لدولة متماسكة؟
قد يكون من التبسيط تحديد رؤية كل من تركيا وإسرائيل لسوريا بهذا الوضوح، بين رؤية التجزئة ورؤية التماسك، دون الالتفات إلى المساحة الرمادية بينهما. والمثال الأوضح على ذلك هو قضية المقاتلين الأجانب ضمن قوات النظام السوري الجديد، وكذلك مكافحة الإرهاب.
المقاتلون الأجانب بالنسبة للأتراك هم جماعات الأكراد المرتبطين بحزب العمال الكردستاني، الذين تَعدُّهم أنقرة إرهابيين. أما بالنسبة لإسرائيل، فالمتطرفون هم المتحالفون مع النظام الجديد، والذين جاؤوا مع الرئيس أحمد الشرع من إدلب إلى دمشق. وهنا تكمن المنطقة الرمادية التي تتعامل معها تركيا وإسرائيل بطرق مختلفة.
تركيا باركت اتفاق قوات سوريا الديمقراطية «قسد» مع حكومة الشرع؛ بهدف دمج هذه القوات داخل المؤسسة الدفاعية السورية، والهدف من ذلك فصلها عن حزب العمال الكردستاني، وكذلك منح الحكومة الجديدة السيطرة على حقول النفط الواقعة في مناطق نفوذ «قسد»، والتي كانت تحت الحماية الأميركية. بالطبع، في هذا التبسيط لم نتطرق بعدُ للأدوار الأخرى التي تلعبها أميركا وروسيا وإيران، وقد تعمدت ذلك نظراً لانشغال هذه القوى بقضايا تراها أهم من استقرار سوريا حالياً.
أما إسرائيل فهي تسعى إلى إضعاف النظام الجديد، الذي تَعدُّه متطرفاً، وربما في حالة كمون إلى أن يتمكن ثم يواجه إسرائيل لاحقاً، ليس عبر مواجهة جيوش نظامية، بل بنموذج استنزاف شبيه بـ«حزب الله» في لبنان. ولهذا، تحاول إسرائيل منع النظام الجديد من امتلاك أدوات القوة، عبر ضرب مقدَّرات الجيش السوري القديم، وتدمير بنيته التحتية العسكرية، مما يستلزم عشرات السنين لإعادة بنائها، وبذلك تكسب إسرائيل وقتاً إضافياً لترويض النظام الجديد.
إضافة إلى ذلك، تسعى إسرائيل إلى التواصل مع الطوائف المختلفة، وأبرزها الدروز في السويداء، حيث كان مشهد العشرات من شيوخهم الكبار لافتاً في زيارتهم للجولان، الأسبوع الماضي، فضلاً عن تصريحات وزير الدفاع الإسرائيلي التي أكد فيها التزام إسرائيل بحماية دروز سوريا. فإذا التزمت إسرائيل بطائفة، فلمن تلجأ الطوائف الأخرى للحماية؟
السؤال الأكبر: أيُّ الرؤيتين سترسم ملامح النظام السوري الجديد؟ هل هي الرؤية التركية أم الرؤية الإسرائيلية؟ التجزئة والتناحر الطائفي، أم الاستقرار؟ وإلى أي رؤية يجب أن تنحاز الدول العربية، خصوصاً دول الجوار، فيما يخص مستقبل سوريا؟ أو بصيغة أخرى، أيُّ الرؤيتين يمكن أن تنتصر في المستقبل القريب؟
الموقف من أحداث الساحل السوري، والاتهامات المتبادلة بين مطاردة فلول نظام الأسد المتمردة على النظام الجديد من وجهة نظر النظام وأتباعه، أو الشروع في القتل على الهوية للعلويين حسب رؤية أصوات من الطائفة العلوية، كلها تصب في سيناريو التمزق المجتمعي، وتجعل سوريا مسرحاً لعدم استقرار قد يستمر لعشر سنوات مقبلة على أقل تقدير.
الرؤية التركية، رغم بعض التحفظات، قد تؤدي إلى حالة من الاستقرار في سوريا، وربما تنتج نظاماً شبيهاً بتركيا، كدولة جارة فاعلة، بالطريقة نفسها التي أنتجت بها إيران النظام الجديد في العراق بعد حرب 2003.
ومن هنا، قد تخرج الرؤية الثالثة من خلال حوار عربي-تركي يدفع نحو إنتاج نظام شبه ديمقراطي، كما هي الحال في تركيا. وهذا يتطلب إحياء الجهود السابقة من محادثات جنيف وآستانة بين نظام الأسد والمعارضة. يمكن أن تكون هذه الأوراق نقطة انطلاق جيدة لحوار جاد حول بناء سوريا الجديدة، إذا أضيفت إليها جهود حوار وطني داخلي.
إذا لم يستطع العرب التنسيق مع الأتراك بشكل عاجل وجاد، فسينسق غيرهم، وسيكون ذلك على حساب وحدة الأراضي السورية وسلامتها. دون عمل عربي-تركي مشترك وعاجل، قد تنتصر الرؤية الإسرائيلية، على الأقل خلال السنوات المقبلة، وسنشهد سوريا كما شهدنا لبنان من بداية الحرب الأهلية حتى اتفاق الطائف.
وبين هذه التطورات، قد تظهر جماعات مختلفة في سوريا، يكون نموذجها الأمثل شيئاً شبيهاً بظهور «حزب الله» في لبنان وتطوره إلى القوة الأولى في الدولة، أو ظهور «الحشد الشعبي» وعشرات الجماعات المتطرفة في العراق.
في سوريا، الرؤية الثالثة هي الحل.
الشرق الأوسط
———————————
لمَ كل هذا الاستقطاب في الشارع السوري؟/ أحمد عسيلي
تحديث 17 أذار 2025
تابع السوريون جميعًا، بقلق وخوف، أحداث الأسبوع الماضي، خاصة ما جرى في الساحل، وجع الوطن وأكثر نقاطه ضعفًا منذ لحظة هروب بشار، وأصعب اختبار للنظام الحالي في قدرته على حل الأزمات الداخلية.
فما الموقف الشخصي؟ وكيف تقرأ هذه الأحداث؟ هل ما حدث يتحمل أسبابه ونتائجه النظام بشكل كامل، وما طبيعة هذه المسؤولية؟ تقصير أم مشاركة بالجريمة؟ وما سبب الجرائم التي ارتكبتها بعض قوى الأمن ضد العلويين؟ هل هي نتيجة البلبلة والهرج الذي حصل بين يومي 6 و10 من آذار؟ هل هي نتيجة مشاعر الظلم التي يكبتها هؤلاء الناس منذ مجازر البيضا والحولة والكيماوي؟ أم ناتجة عن العقلية الإجرامية لدى الجهاديين التي تود قتل وإذلال الأقليات؟ أم هي مزيج من هذين العاملين وربما عوامل أخرى؟
من البداية أخبركم أنني لن أجيب عن أي من هذه الأسئلة، فليس لدينا جواب صحيح علميًا هنا، لكني سأتناول الموضوع من زاوية مختلفة، وأطرح سؤالًا آخر: فمهما كان الجواب، حسب تصور كل شخص للموضوع، ما نسبة الاعتماد على الوقائع في هذا الجواب وما نسبة العاطفة؟ وهل اتخذ هذا الموقف بناء على تحليل سليم للحقائق؟ دعونا نبدأ رحلتنا للإجابة عن هذا السؤال:
منذ سنوات عديدة، انشغل علماء النفس بآلية التفكير في أوقات الأزمات، وكأطباء نتعامل بشكل يومي مع حالات الإنسان في تلك المواقف، راكمنا خبرة متعددة في رد فعل الإنسان، وطريقه تفكيره وتصرفه في لحظات الشدة، فإعلان التشخيص الطبي مثلًا في السرطان أو بعض الأمراض المتقدمة الأخرى، ستقابل بداية بالرفض، بل والاحتجاج على الطبيب، وأحيانًا التشكيك بمهاراته وقدراته العلمية، هذا يتعلق بكل الحقائق التي يصعب على الدماغ معالجتها، لدرجة الوصول لمرحلة الاضطراب النفسي أو العقلي أحيانًا، أتذكر هنا حالة مريضة حُولت إلى عيادتي، نتيجة رفضها الدائم أن ابنها المحكوم بعملية اعتداء مجرم، كانت تصر على أن هناك مؤامرة من الدولة الفرنسية تجاه ولدها، وقد أصيبت بحالة اكتئاب شديد يكاد يقترب من الاكتئاب الذهاني، لأنها متمسكة بموقفها أن ابنها مظلوم، رغم أن جريمة ابنها قد التقطت بعدة كاميرات وبناء عليه اعترف أمام القاضي وبحضور الأم، رغم ذلك بقيت رافضة وشككت بكل تلك الإجراءات، ربما كانت ستتقبل تلك الحقائق وبشكل سهل جدًا لو كانت لشاب آخر غير ابنها (وهذا ما فعلته أنا كطبيب)، لكن تفكيرها وعاطفتها كأم يرفضان كل هذا، فالأمر صعب جدًا، هل تتخيلون كم الجهد العقلي والنفسي كي يستوعب عقل الأم أن ابنها مجرم!
هذه الصعوبة في تقبل بعض الحقائق، لا تتعلق بالأفراد المقربين فقط، بل وبالسياسيين أيضًا، فمن أشهر تجارب علم النفس، التي دُعمت بالحقائق العلمية، تجربة أجريت عام 2004 في أمريكا، أعطيت فيها تصريحات متناقضة عن عمد لمؤيدي بعض السياسيين، وطلب من هؤلاء المؤيدين إبداء رأيهم بتلك التصريحات، فقال معظم المشاركين إنه لا تناقض فيها وحاولوا إعطاء تفسيرات منطقية لكل ذلك. نعلم منذ سنوات عديدة أن هذا الأسلوب في التفكير أمر مكرر، وهو ما أطلق عليه في علم النفس بالتنافر المعرفي، لكن الجديد في تلك التجربة أنها أجريت على أشخاص في أثناء تصوير الدماغ بالرنين المغناطيسي، فلوحظ نشاط كبير لمناطق الدماغ المسؤولة عن العاطفة في أثناء تبرير التناقضات تلك، وهي مناطق لم تكن بتلك المستوى من النشاط في أثناء الكلام عن تصريحات لسياسيين لا يؤيدهم هؤلاء الأشخاص. إذًا أصبحنا نعرف وبالدليل العلمي المجرد أن للعاطفة دورًا كبيرًا في تفسير كل الأحداث السياسية، بما فيها المتناقضة.
فما موقفك من الهجري؟ الشرع؟ الطائفة الدرزية أو العلوية أو السنية؟
موقفك لا يتعلق بالانتماء فقط، فيمكن أن ترى بعض الأشخاص الذين يحملون مشاعر سلبية تجاه السنة مثلًا، حتى من أبناء الطائفة (دواعش، كلهم إرهابيون) ومن يحمل تلك المشاعر تجاه جميع العلويين (شبيحة، قتلة)، لكن بشكل عام معظم الأشخاص يفضلون الانغلاق على مجتمعاتهم في فترة الأزمات، فالخائف يأخذ الوضعية الجنينية كي يشعر بالأمان، فرحم الأم هو المكان المثالي للضعيف، هذا الرحم سيتحول إلى المجتمع بصيغته الأولى (طائفة، عشيرة، عائلة).
من يعتقد أن القيادة الحالية هم مجموعة إرهابيين، لن يقبل حتى بتحميلهم المسؤولية القانونية والأخلاقية كدولة، بل سيعتبرهم سبب كل مصائب البلد، ومن يحمل تصورًا إيجابيًا عنهم، سيتفاوت موقفه بين التحميل المباشر إلى التبرير المباشر، لكنه بالتأكيد لن يعتبرهم مشاركين بما حصل.
آلية اتخاذ الموقف هنا ستعتمد على الوقائع بنسبة ما تختلف من شخص لآخر، لكن الحقيقة ستشكل دومًا جزءًا من الموقف، ولن نجد أبدًا موقفًا ناتجًا عن الوقائع فقط، فمن يعتقد أن العلويين مسؤولون مباشرة وجميعًا عن جرائم الأسد، دماغه لن يعالج المعلومات التي تصله كمن يعتقد أن السنة كلهم “دواعش”، لن يكون الكردي (أو غير الكردي) الذي ينتظر إضعاف هذه القيادة كي تحتفظ “روجافا” بنوع من الاستقلال، كمواطن من اللاذقية، يخاف أي إضعاف لها، لأنه يعتقد أن مجازر مثل الحولة ستتكرر بحقه حالما تنسحب تلك القوات، غير ذاك العلوي المقتنع أن القوة كانت بيد الطائفة، وأن تلك القوات سلبت الحكم منهم، بغض النظر عن صحة تلك القراءات أو خطئها، أو وجود قراءات أخرى، فأنا هنا لست لتأييدها أو دحضها، وإنما لتحليل الموقف الذي سينتج عنها.
الانتماء ليس العامل الوحيد المتحكم بالرأي طبعًا، لكنها عملية معقدة من مشاعر وآراء مسبقة وتحليل وقراءات وتوجه، لذلك الحوار سيكون صعبًا جدًا بين المختلفين، لأنه دومًا يركز على واقعة واحدة، متناسيًا الظروف النفسية والأبعاد الاجتماعية التي قادت إلى ذاك الموقف، ومن هنا تأتي أهمية الحوار المجتمعي الحقيقي، ليناقش جميع المخاوف والتصورات بكل صراحة وشفافية، عندها فقط يمكن أن نفهم سر التمترسات تلك، ويحاول كل طرف أن يتفهم الطرف الآخر.
فهل السلطة الحالية قادرة على إجراء كل ذلك؟ مهما كان جوابي فلن يقنع الجميع، بسبب كل ما ناقشناه هنا.
عنب بلدي
——————————
وليد جنبلاط لـ”بني معروف” في ذكرى المعلّم الشهيد: حافظوا على هويتكم العربية واحذروا استخدامكم إسفيناً لتقسيم سوريا
تأكيد على “أهمية تحرير الجنوب من الاحتلال الاسرائيلي ومتابعة ترسيم الحدود”
تحديث 17 أذار 2025
أطلق رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي الأسبق وليد جنبلاط سلسلة مواقف سياسية لبنانية وإقليمية، في الذكرى الـ48 لاغتيال المعلّم والزعيم كمال جنبلاط، بما تحمله من أهمية كبرى هذا العام بعد سقوط النظام السوري.
وفي مستهلّ كلمته أمام حشد من المناصرين وأبناء الطائفة الدرزية ورجال الدين، قال جنبلاط في ذكرى “المعلّم”: “طوال 48 عاماً كانت هذه المناسبة فرصة لاستمرار التحدي والمواجهة ومناسبة للتذكير والبقاء، ونستمد منها إرادة الصمود والحياة. كنّا نقف إجلالاً أمام أرواح الشهداء الأبرياء من ابناء المنطقة وخارجها الذين سقطوا ظلما وغدراً”.
View this post on Instagram
A post shared by Annahar (@annaharnews)
أضاف: “إذ أشرقت على سوريا بعد غياب طويل شمس الحرية، وإذ سقط نظام القهر والاستبداد بعد 54 عاماً وتحرَّر الشعب السوري، وحيث أنّ الحكم الجديد بقيادة احمد الشرع اعتقل المسؤول عن جريمة اغتيال كمال جنبلاط ذاك النهار الاسود المدعو إبراهيم حويجة، أعلن باسمي وباسم عائلتي وباسم الحزب التقديم الاشتراكي ختم هذا التقليد كون عدالة التاريخ أخذت مجراها ولو بعد حين”.
أضاف جنبلاط: “تتطلّع المختارة والحزب إلى مرحلة جديدة من النضال والتحدّي، كالتمثّل بالاشتراكية الأكثر إنسانية، ويُثبّت الحزب المبادئ على حساب القشور والشخصنة ممّا يتطلّب ورشة تنظيمية استثنائية”.
كما أكد جنبلاط على “يوم المصالحة التاريخي برعاية البطريرك صفير في 3 آب 2001، واعتبار هذا الحدث أساساً للعلاقات اللبنانية فوق الانقسامات السياسية”.
في الشأن السياسي اللبناني، شدّد جنبلاط على ضرورة “التمسّك بالهوية العربية للبنان، هوية شوّهتها أنظمة القمع والاستبداد والمخابرات”، مؤكداً على “أهمية تحرير الجنوب من الاحتلال الاسرائيلي ومتابعة ترسيم الحدود حفاظا للقرارات الدولية وحفاظاً على السيادة، إضافة إلى إعادة إعمار الجنوب من خلال وضع آلية موثوقة عربيّاً ودوليّاً”، داعياً أيضاً إلى “إعادة بناء العلاقات اللبنانية السورية على قواعد جديدة وترسيم الحدود برّاً وبحراً”.
إقليميّاً، دعا جنبلاط إلى “التمّسك بالحقوق الفلسطينية المشروعة وفي مقدّمها حل الدولتين والتأكيد على حق العودة والتمسك باتفاق الهدنة”.
وفي خطابه، توجّه جنبلاط إلى “بني معروف” قائلاً: “في مئوية سلطان الأطرش، حافظوا على هويتكم العربية وعلى تاريخكم النضالي المشترك مع الوطنيين العرب والسوريين في مواجهة الاستعمار والانتداب، وفي مواجهة احتلال الأرض في الجولان السوري”.
تابع قائلاً: “حافظوا على تراثكم الإسلامي واحذروا من الاختراق الصهيوني، واستخدامكم كإسفين لتقسيم سوريا، وحافظوا على إرثكم الفكري والنضالي والسياسي”، منتقداً الزيارة الأخيرة لدروز سوريا إلى إسرائيل، بالقول: “الزيارات الدينية وغير الدينية لا تُلغي الاحتلال الأرض في فلسطين والجولان”.
————————-
==========================