الإعلان الدستوري لسوريا 2025سقوط بشار الأسد، الرئيس الفار والمخلوعصفحات الحوار

محمد صبرا: أطالب بـ”كونغرس” سوري ينعقد في السنوات الثلاث للمرحلة الانتقالية

بشير البكر

18 مارس 2025

ينشغل السوريون، منذ الأسبوع الأول لسقوط نظام الأسد، بسؤال المرحلة الانتقالية التي يعبرون منها إلى نظام سياسي في دولة مستقرة ديمقراطية، تتمثل في بنى السلطة والحكم فيها تعددية المجتمع وتنوعه. وقد حاول مؤتمر الحوار الوطني أن يصوغ مبادئ عامة في هذا السياق. وللحاجة إلى الإنصات للخبرات القانونية والحقوقية السورية في تأطير هذا المسار، يحاور “سورية الجديدة” الخبير القانوني محمد صبرا، وصاحب الدراسات والأبحاث في تحديث التشريعات الإدارية والاقتصادية في سورية، وسبق أن شارك من المعارضة في محادثات جنيف، وتولى مهمّة كبير المفاوضين في 2017، وقدّم أخيراً رؤية متكاملة حول المرحلة الانتقالية في سورية.

– تعطي المرحلة الانتقالية أهمية كبيرة، وكتبتَ في دراسة لك أخيراً إنها فرصة يعادل التفريط بها ضياع مائة عام من المعاناة والإخفاقات والنجاحات والتضحيات التي قدّمها الشعب السوري منذ اندلاع الثورة عام 2011. ما هي مبرّرات ذلك، هل يعني أن السوريين حيال بناء بلد من جديد، أم تأسيس نظام سياسي فقط؟

تاريخ الكيانية السورية حديث نسبياً، فسورية كانت على الدوام جزءا من إمبراطوريات عابرة للحدود والقوميات، وقد أُتيحت للسوريين فرصة في عام 1918 في أعقاب انسحاب الجيش العثماني من البلاد نهائياً، تأسيس كيان سياسي مطابق للواقع، وتقدم الآباء المؤسسون في تلك الفترة لعقد المؤتمر السوري العام الذي أعلن سورية الطبيعية بأجزائها الأربعة (سورية الحالية، ولبنان وفلسطين وشرق الأردن)، مملكة متحدة، وعلى هذا الأساس تم إعلان استقلال سورية في الثامن من مارس/ آذار 1920، وقرأ بيان الاستقلال الأستاذ محمد عزت دروزة، ممثل مدينة نابلس في المؤتمر، لكن الاحتلال الفرنسي أجهض هذه التجربة وأطاحها والنظام الملكي الذي تم اعتماده، بعد تلك الفترة مرّت سورية بتجارب عاصفة، حيث قسم الاحتلال الفرنسي سورية لأربع دويلات ومن ثم استطاع السوريون تأسيس الجمهورية السورية الأولى عام 1930 بعد نضال مستمر وعدة مشاريع فاشلة، بعد ذلك جاءت الانقلابات العسكرية، وفترة الاضطرابات والمد القومي والوحدة مع مصر، ومن ثم حكم حزب البعث الذي لم يعترف بسورية كياناً نهائياً، بل اعتبرها مجرّد مرحلة عابرة لا بد من تجاوزها باتجاه الدولة العربية الواحدة، وترك هذا الأمر أثره البالغ في العقل السياسي السوري، وفي الذهنية السورية، حيث كان السوريون يعيشون في وطن مرذول، بمعنى أنهم يتعلمون في مناهج الدراسة أن وطنهم الذي يعيشون فيه ويحيّون علمه كل صباح هو ثمرة لمؤامرة استعمارية (مؤامرة سايكس بيكو)، وأن هدفهم الأساسي تدمير هذا الوطن للعمل على قيام الدولة العربية الواحدة من المحيط إلى الخليج، هذا التاريخ أدى لما يمكن تسميته بقلق الهوية، حيث كان السوري يتأرجح بين شعوره بهويته الوطنية، وبين الهوية القومية التي حرص نظام البعث على تعزيزها للهروب من القضايا الوطنية الملحة مثل التنمية والديمقراطية والحريات، حتى أن دساتير البعث المتعاقبة لم تكن تعترف بوجود شعب سوري، بل كانت تقول “الشعب العربي في سورية” وليس الشعب السوري، وأحكام المحاكم في سورية والتي يفترض أنها تعبّر عن السيادة الشعبية تصدر باسم “الشعب العربي في سورية”، الأمر الذي يعني تغييب أي مفهوم للشعب السوري سواء على المستوى الدستوري أو على مستوى الخطاب السياسي، لذلك أقول إن الفرصة المتاحة أمامنا اليوم بصفتنا سوريين هي الفرصة الثانية التي تتاح لنا خلال قرن كامل، والتي يمكن إذا أحسنّا استغلالها أن نؤسس لاجتماع سياسي سوري حقيقي يؤدي لخلق كيان سياسي مطابق للواقع ويعيد إنتاج الذات السورية والهوية السياسية السورية. ولذلك أعتبر المرحلة الانتقالية من أهم المراحل في تاريخ السوريين، فنحن لسنا أمام انتقال سياسي بالمعنى الذي شهدته بعض الدول، بل إننا قد نكون أمام بناء دولة وطنية نابعة من رغبة السوريين بامتلاك قرارهم وقدرتهم على إنشاء التعبير السياسي الحقيقي عن هويتهم الوطنية.

– قسمت في الدراسة مراحل العبور إلى الدولة إلى ثلاث مراحل، وحددت لها ثلاثة أعوام في حين أن قرار مجلس الأمن 2254 حصرها بعام ونصف العام، على أي أساس ضاعفت المدّة؟

قام قرار مجلس الأمن 2254 على فلسفة أن ما يحدُث في سورية صراع بين نظام حكم ومعارضة. ولذلك اعتبر أن الحل يمكن إنجازه في 18 شهراً، واعتبر أن هذه مدة كافية لإنشاء حكومة تشاركية شاملة للجميع، ومن ثم إعادة النظر في النظام الدستوري السوري، وصولاً إلى انتخابات تشريعية ورئاسية في نهاية هذه المدة، هذا الجدول الزمني قصير جداً ولا ينسجم مع حقيقة أن المعطيات في سورية تبدلت بشكل كامل عما كانت عليه الظروف في نهاية عام 2015 عندما صدر القرار 2254، لأن الهاجس الأساس للأمم المتحدة كان هو وقف الحرب، وهي تريد ضغط المدد من أجل الوصول إلى هذا الهدف، نحن الآن في ظروف أفضل، فالحرب الظالمة التي شنها نظام المجرم الهارب على السوريين قد انتهت بهروبه، وبالتالي لا بد من استثمار هذه الظروف والمعطيات لبناء دولة وطنية أكثر استقرارا وتلبي طموحات السوريين.

– تقترح أن يكون الإطار القانوني للمرحلة الانتقالية إعلاناً دستورياً مؤقتاً، يصدر في بداية مارس/ آذار الجاري، يتعلق بضوابط عمل السلطة الانتقالية وصلاحياتها وحدود ممارستها، وعن هذا تتفرع ثلاثة أسئلة: الأول، من الذي له صلاحية إصدار الإعلان الدستوري، وعلى أي أساس؟

اقترحتُ في الدراسة التي نشرتها أحد سبيلين لحل المعضلة الدستورية في المرحلة المؤقتة، إما أن تصدر الإدارة العسكرية الانتقالية إعلاناً دستورياً مؤقتاً، بشرط أن يكون دستوراً إجرائياً، بمعنى أن ينظم فقط صلاحياتها وحدود عملها، إضافة إلى تنظيم حدود السلطة التشريعية وبيان مؤسسات الحكم الانتقالي التي يفترض أنها نشأت في مطلع شهر مارس/ آذار الجاري، أو اعتماد السبيل الثاني، وهو دستور عام 2012 بعد إدخال تعديلات عليه، والذي أراه مناسباً وملائماً ضمن هذه الظروف الحالية، لأنه يساعد على استقرار المؤسّسات الإدارية، ويعفي الإدارة الانتقالية من الاضطرار لإصدار تعديلات قانونية كثيرة، في حال أصدرت إعلاناً دستورياً مؤقتاً.

تملك السلطة الانتقالية شرعية إصدار الإعلان الدستوري، لأنها تستند أصلاً للشرعية الثورية، وهذا معروف ومتفق عليه عند أغلب فقهاء القانون الدستوري، وقد مرّت دول كثيرة في ظروف مشابهة، حيث تُصدر السلطة التي تتولى الحكم بعد سقوط النظام السابق لائحة دستورية لتنظيم عملها وتحديد صلاحياتها.

– الثاني، تقترح أن تقوم “إدارة العمليات” بتشكيل السلطة الانتقالية، هل تقوم بذلك منفردة، أم بالتشاور، ومع من؟

السلطة بحد ذاتها وظيفة، وهي غائية بجوهرها، أي أنها تأتي لتحقيق أهداف معينة. وطبيعة المرحلة الانتقالية تتطلّب أن تكون السلطة التي سيجري تشكيلها قادرة على تأمين المطالب الثلاثة الملحّة في المرحلة الانتقالية. الأول، حفظ الأمن والاستقرار ومنع الانزلاق إلى الفوضى عبر نزع السلاح وحل الفصائل. الثاني، تأمين استمرار تقديم الخدمات العامة والبدء بإجراءات التعافي الاقتصادي المبكر. والثالث، تأمين البيئة الآمنة التي تتيح للسوريين التعبير عن آرائهم السياسية والمشاركة في الحياة العامة، وتشكيل إدارة العمليات العسكرية السلطة الانتقالية قد يسمح بتحقيق كفاءة أعلى لتحقيق هذه الأهداف، لكن عليها الاستعانة بخبراء وتكنوقراط، ولا سيما في الشق الاقتصادي، كما أنها ملزمةٌ بإجراء مشاوراتٍ مع الجهات الفاعلة في البلاد، مثل الأحزاب التقليدية والفعاليات الاقتصادية والنقابية، لتتمكّن من توسيع دائرة المشاركة في المرحلة الانتقالية، ضمن حدود تطبيق الأهداف الثلاثة التي تحدثت عنها.

– الثالث، ينعقد مؤتمر الحوار الوطني في السنة الأولى من المرحلة الانتقالية، ويكون بمثابة برلمان أو هيئة تشريعية مؤقتة، كيف سيتشكل، وهل هذا قانوني؟

مؤتمر الحوار الوطني كما أفهمه، وكما أطالب به، يتجاوز مفهوم المؤتمر العابر (الكونفرنس) الذي يعقد لفترة محدودة وينفض بعدها، بحيث أنني أطالب بأن يكون المؤتمر بمثابة “كونغرس”، أي أن ينعقد ثلاث سنوات متواصلة طوال المرحلة الانتقالية. ويعقد ثلاث دورات انعقاد في كل عام بواقع ثلاثة شهور لكل دورة يعقب كل منها شهر لعرض النتائج التي توصلت إليها دورة الانعقاد على الجمهور، لتلقي الملاحظات والاقتراحات والآراء، عبر آلية مُلزمة تتولاها إدارة مؤتمر الحوار الوطني. وسيناقش هذا المؤتمر قضايا طبيعة الدولة وشكل نظام الحكم وتحديد مؤسّسات السلطة، وطبيعة النظام الاقتصادي، فضلا عن الحريات والقضاء والضمانات اللازمة، إضافة إلى تحديد أسس العدالة التي يجب اتباعها لمحاكمة المجرمين الذين ارتكبوا جرائم بحق السوريين، وهل ستكون انتقالية أو ناجزة، إضافة إلى مناقشة قانون الانتخابات العامة وموضوع الهيئة التأسيسية ووضع دستور دائم للبلاد.

اقترحتُ أن يكون التمثيل في المؤتمر استناداً للوحدات الإدارية السورية، أي استناداً للجغرافيا، وليس لأي معايير أخرى. واقترحتُ أن يكون أساس التمثيل اعتماد الناحية وحدة إدارية، وكل ناحية في سورية من الـ227 ناحية تختار ممثلا عنها، أو اعتماد رقم 250 عضواً، وفق الدوائر الانتخابية في قانون الانتخابات السوري الذي كان يحدّد عدد أعضاء مجلس الشعب السابق بـ250 عضوا، ويمكن إضافة مائة شخص آخر من الفعاليات الأكاديمية والاقتصادية ومن النقابات، بحيث لا يزيد عدد أعضاء المؤتمر عن 350 عضواً. أو إذا أردنا التوسّع يمكن الوصول إلى عدد 500 شخص، لكن أن يكون العدد فوق ذلك فهذا حقيقة سيعيق عمل المؤتمر، وسيحوّله إلى مجرّد مهرجان خطابي كبير.

– يقول رأي بضرورة تحقيق وفاق داخلي يسبق المؤتمر الوطني عن طريق الحوار الداخلي، ما رأيك؟

قد يكون الحوار ضروريا في كل الحالات، لكن يفترض أن يكون مؤتمر الحوار الوطني بمثابة مؤتمر تأسيسي للدولة السورية ولنظامها السياسي. ويجب أن يتم الحوار ضمنه لتحقيق مثل هذا التوافق، وأخشى أن بعض الأطراف التي ما زالت تحمل السلاح تريد استثمار سلاحها لفرض مطالبها ورؤيتها في شكل الدولة السورية. ولذلك ظلت تطالب بالحوار قبل عقد المؤتمر، لأنها ترى موقفها الآن أقوى، وذلك قبل سحب السلاح منها. وحقيقة، يخفي هذا المطلب، في داخله، نوعا من الاستقواء بالسلاح، وهذا يتعارض أصلا مع مبدأ الحوار الوطني الذي يفترض أن يكون شفّافاً ومتوازناً، وعلى أساس حوار بين مواطنين سوريين يمثلون مجتمعاتهم المحلية، وليس بين جهات تحمل السلاح أو تستمد قوتها من عوامل وظروف خارجة عن الواقع السوري.

– هيئة الحكم الانتقالي هي التي ستمثل السلطة العليا للبلد، وفق التعريف الذي اتفقتم عليه في هيئة التفاوض مع الأمم المتحدة خلال مفاوضات جنيف عام 2017، هل اختلف الأمر بعد سقوط النظام، وما هي صلاحياتها وحدود سلطتها؟

كما يقول ابن خلدون: “إذا تبدّلت الأحوال جملةً فكأنما تبدّل العالم من أصله”. نحن الآن في ظروف ومعطيات مختلفة تماما عن الفترة الماضية. ولذلك، يجب أن تنسجم مقاربتنا للحلول مع المعطيات الحالية، وهيئة الحكم الانتقالي التي نصّ عليها بيان جنيف وقرارا مجلس الأمن 2118 لعام 2013 و2254، لم تعد صالحةً في الظروف الحالية، لأنها تقوم على مبدأ التشاركية بين النظام والمعارضة في تسمية أعضائها. وفي يوم الثامن من ديسمبر/ كانون الأول الماضي سقط النظام وأيضا المعارضة بالمفهوم التقليدي، لأن المعارضة باتت، أو يجب أن تكون، قوىً سياسية تعمل في دمشق كأحزاب وتيارات سياسية، وليس ككيان معارض. وللتاريخ، كان مقترح هيئة الحكم الانتقالي الذي قدّمه كوفي عنان ضمن بيان جنيف لعام 2012 صالحاً في تلك الفترة. وقد اقترح عنان هذه الهيئة استناداً إلى تجربته في حل القضية الكمبودية عندما كان وسيط السلام في توقيع اتفاقية باريس بين الأطراف الكمبودية عام 1991، وبموجب ذلك، جرى إنشاء المجلس الوطني الانتقالي في كمبوديا مناصفة بين الخمير الحمر والأمير سيهانوك في تلك الفترة. والجميع يعرفون تطورات ما حدث في كمبوديا بعد 1991، حيث نجح ذلك المجلس في وقف الحرب، لكنه فشل في إدارة الدولة، بسبب ثنائية السلطة، ثم دخلت كمبوديا في ما يعرف بالإدارة الدولية المؤقتة على كمبوديا عامين، وضع في أثنائهما قانون انتخابات وجرى انتخاب جمعية وطنية وضعت دستوراً للبلاد، وأعادت النظام الملكي إلى كمبوديا. ونحن لا نريد تكرار مثل هذه التجارب، والشعب السوري قادر على إدارة البلاد ضمن مرحلة انتقالية معقولة ثلاث سنوات. ولذلك أخشى من دعواتٍ إلى هيئة حكم انتقالي تتم وفق مبدأ محاصصة سياسية بين تيارات، لأنني أخشى حقيقة من الوقوع في فخّ التجربة الكمبودية، أو تجربة الإدارة الدولية المؤقتة على سورية، لأن الوضع في سورية أكثر خطورة مما حدث في كمبوديا. ولذلك لا أرتاح لدعوات تشكيل هيئة حكم انتقالي، ولا أجدها مبرّرة في الظروف السورية الراهنة.

    هيئة الحكم الانتقالي التي نصّ عليها بيان جنيف وقراري مجلس الأمن 2118 و2254، لم تعد صالحةً في الظروف الحالية

– تقترح اعتماد دستور عام 2012 الذي أصدره رئيس النظام السابق بشّار الأسد، لماذا هذا الدستور، وليس غيره، مثل دستور 1950، الذي يرى فيه خبراء سوريون مخرجاً مناسباً؟

رغم أهمية دستور عام 1950 في الإرث الدستوري السوري، ورغم مكانته في الذاكرة السورية، إلا أنه لا يصلح لهذه المرحلة، لأنه قام على أساس النظام البرلماني التقليدي، حيث تكون السلطات التنفيذية بكاملها لمجلس الوزراء الذي ينبثق من الأغلبية البرلمانية، وهذا يفترض وجود أحزاب سياسية ناضجة وكبيرة وذات تمثيل شعبي وازن. وهذا، للأسف، غير متوفر في الحالة السورية الحالية. كما أننا في الدول المستقرّة نجد بعض التعثر والأزمات السياسية الناتجة عن طبيعة النظام البرلماني التقليدي القائم على فكرة التفاوض والتوافق بين الأحزاب، عندما يعجز حزبٌ عن تحقيق الأغلبية البرلمانية. ولذلك يضطر لعقد تحالفات ضرورة، غالباً ما تنتهي بأزماتٍ سياسية كبيرة، كما كنا نشهد في دول، مثل إيطاليا وبلجيكا وغيرها من دولٍ تعتمد النظام البرلماني التقليدي. ونحن في مرحلة انتقاليةٍ قد لا تحتمل مثل هذه الأزمات التي مرّت فيها دول مستقرّة وذات إرث ديمقراطي كبير. كما أن كل مؤسّسات الدولة السورية الإدارية والاقتصادية بنيت على أساس قانوني مختلف، يقوم على النظام المختلط. ولهذا، قد يكون من الأنسب اعتماد دستور عام 2012 في المرحلة الانتقالية، بعد إدخال تعديلاتٍ عليه.

– حدّدتَ في حينه أربعة مجالس تتبع لهيئة الحكم الانتقالي: الحكومة الانتقالية، المجلس العسكري المؤقت، مجلس القضاء الأعلى المؤقت، مجلس المحاسبة والعدالة الانتقالية، هل هذا صالح اليوم أم ثمة تعديلات؟

لم تعُد هذه المؤسّسات مناسبة في الوقت الحالي، لأننا عندما اقترحناها كان الهدف منها منع النظام من الاستحواذ على سلطة القرار في المرحلة الانتقالية، ولضمان أن المرحلة الانتقالية ستُفضي لنظام سياسي ديمقراطي لا عودة عنه.

تغيّرت، في الوقت الحالي، الظروف والمعطيات بالكامل. ولذلك يجب أن يكون تركيزنا على فكرة بناء الدولة وإنتاج نظام سياسي يتوافق عليه السوريون في مؤتمر الحوار الوطني، ووضع دستور للبلاد يضمن الحريات والحقوق والعدالة للجميع، ويثبت أركان النظام الديمقراطي والتداول السلمي للسلطة.

    مسار العدالة لا يمكن أن نبدأ به قبل التحضير الجيّد له 

– ترحّل في الدراسة إلى العام الثاني من المرحلة الانتقالية عدة قضايا مهمة: توسيع المشاركة في الحكومة الانتقالية، العدالة الانتقالية، إعادة الإعمار، البدء بعملية بناء الجيش. هل يتحمّل الوضع الانتظار؟

لا يمكن المغامرة بالقيام بخطوة ناقصة في المرحلة الأولى من الفترة الانتقالية، وتحديد الأولويات هو الذي يمكّننا من النجاح. نحن الآن نواجه أهم تحدّ، وهو ضبط الأمن ونرع السلاح. وبالتالي، يجب أن تكون هذه الخطوة الشغل الشاغل للإدارة الانتقالية في العام الأول. وبالنسبة للعدالة الانتقالية، تحتاج قراراً يحدّد أي نموذجٍ للعدالة سنعتمده، هل سنذهب إلى العدالة الناجزة، أي محاكمة كل من تورّط بارتكاب جرائم ضد السوريين، وهذا يعني ربما محاكمة حوالي نصف مليون سوري، أو سنعتمد العدالة الانتقالية التي تركّز على محاكمة المجرمين الكبار، إضافة إلى إجراءاتٍ أخرى، تتعلق بالتعويض وتخليد الذكر والمصالحة والحقيقة. هذان الخياران للعدالة ليسا مجرّد نموذجيْن، بل تترتّب على كل منهما قضايا تتعلق بالاقتصاد والكلفة المالية، وهل يوجد لدينا الجهاز القضائي الكافي للتحقيق والمحاكمة، وهل لدينا القدرة على استيعاب هذا العدد من الموقوفين، وما هي الكلفة الاقتصادية لهذا الأمر. لذلك قلت إن مسار العدالة لا يمكن أن نبدأ به قبل التحضير الجيّد له، وقبل دراسة كل الخيارات والظروف، مع عدم التفريط بحقوق الضحايا التي يجب أن تبدأ لجان متخصّصة بجمع الأدلة، وكذلك يجب العمل على توقيف كبار المجرمين والتحفظ ومنع سفر المتورّطين بارتكاب جرائم، حتى يتم حسم النموذج الذي سنسير فيه في مسار العدالة الانتقالية.

بالنسبة لإعادة الإعمار، لا بد من أن يكون لدينا أيضا تصوّر واضح عن الجهة التي ستدير عملية إعادة الإعمار، فمعروفٌ في كل التجارب التاريخية أن من يملك المال يملك السلطة، وبالتالي، ستكون الجهة التي ستدير عملية إعادة الإعمار قادرة على فرض رؤيتها السياسية من خلال توجيهها عملية إعادة الإعمار. ولهذا طالبت بأن تبدأ العملية في العام الثاني من المرحلة الانتقالية، حيث يجري توسيع الحكومة الانتقالية، لنضمن أن تتم العملية وفق حدٍّ أدنى من الشفافية، وأن تكون تحت المساءلة والرقابة الشعبية، من خلال مؤتمر الحوار الوطني، ومن خلال الوسط السياسي السوري الذي يكون قد تبلوّر إلى حد ما في مطلع عام 2026.

العربي الجديد -ملحق سورية الجديدة-

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى