الأحداث التي جرت في الساحل السوريسقوط بشار الأسد، الرئيس الفار والمخلوعسياسة

عن الأحداث التي جرت في الساحل السوري أسبابها، تداعياتها ومقالات وتحليلات تناولت الحدث تحديث 18 أذار 2025

لمتابعة مكونات الملف اتبع الرابط التالي

الأحداث التي جرت في الساحل السوري

———————————————-

في ذكرى الثورة السوريّة: الاحتفال في زمن المجزرة!/ نور عويتي

18.03.2025

في أي دولة طبيعية، المجازر تعني إعلان الحداد، تعني فتح تحقيقات دولية، تعني محاسبة المسؤولين، لكن في سوريا الجديدة، المجازر مجرّد تفصيل، والأهم هو الاحتفال، وكأن كل شيء أصبح على ما يرام!

ما زال عدد قتلى الساحل السوري من العلويين غير محدّد، لا أرقام رسمية، وتخوين لمن يحاول توثيق المجازر التي ارتُكبت، إثر عملية عسكرية قامت بها قوات “النظام الجديد” في الساحل السوري، بدأت بالرد على كمين قام به مسلّحون موالون للأسد، ثم تحوّلت إلى حملة قتل استمرّت أياماً، سُفكت فيها دماء مئات المدنيين.

 انتشرت صور المقتلة في “العالم”، صور وفيديوهات القتل والتنكيل بالجثث، حرّكت الرأي العام العالمي، وتعاطف الناس حول العالم مع الضحايا والأمهات، اللواتي يقفن أمام جثث أبنائهن لحمايتها من الحرق أو التنكيل. وشهدت عواصم أوروبية وقفات حداد على أرواح القتلى المدنيين. لكن، هذه الـ”لكن” التي لا بدّ منها حين الحديث عن سوريا، تظهر في محاولة التغطية على المقتلة بالاحتفال بذكرى الثورة السورية الـ14.

 تتعامل الحكومة في سوريا الجديدة “الحرة” مع المجازر وكأنها مجرد تفصيل هامشي، لا يُعكّر صفو المشهد السياسي السوري بعد “الانتصار”، فالحكومة لديها أولويات أخرى أكثر إلحاحاً اليوم، على رأسها: كرنفالات الفرح الوطني لمناسبة ذكرى الثورة السورية المباركة! وكأن حلقات الدبكة هي العلاج السحري لكل شيء، بما في ذلك جرائم ترتقي إلى التطهير العرقي.

وبينما كانت تعلو نداءات أهالي الساحل السوري لضبط الأمن، وإيقاف عمليات القتل الممنهجة التي تُرافقها صيحات تُعلن نية الإبادة، تجهزّت حكومة أحمد الشرع للاحتفالات الكبرى يوم 15 آذار/ مارس في مختلف المدن السورية التي تتبع لسيطرته، واحتضنت دمشق الاحتفال الرئيسي في ساحة الأمويين.

ولأن الثورة تعني “تغييراً جذرياً” في كل شيء، فقد قرّر زعيم “هيئة تحرير الشام” أبو محمد الجولاني، أن يُظهر الوجه الجديد للسلطة، عبر لفتة لطيفة غير مسبوقة: إرسال مروحيات لإلقاء الورود على الجماهير المحتشدة في الساحة! فالمروحيات التي كانت تُلقي البراميل المتفجرة على المدنيين في عهد النظام البائد، باتت الآن تُمطرهم بالورود، ومنشورات احتفالية، خلت منها كلمة “ديموقراطية” التي يتفاداها الشرع و”شبابه” في أي حديث.

يتساءل البعض: أليست هذه المروحية ذاتها التي ألقت البراميل المتفجرة على قرى العلويين في الساحل السوري؟ ألم تكن هذه الطائرة التي تنثر الورود اليوم، هي نفسها التي رمت قنبلتين اثنتين فوق الساحل السوري، وثّقها من يرمي القنبلة نفسه؟ ربما علينا أن نؤمن أن الذاكرة الجمعية قصيرة، وأن الصورة الإعلامية المبتكرة قادرة على طمس الحقائق، فالمهم الآن ليس الماضي، بل الحاضر المشرق والمستقبل الذي تَعِد به الحكومة الجديدة!

تباينت الاحتفالات في المدن السورية، تبعاً لقدرة الأهالي على تشرّب مبادئ الدولة السورية الحديثة، التي ستأخذ وقتاً كافياً لخلق نموذج سياسي خاص تبتدعه بنفسها. ففي  إدلب، نظّمت السلطات  احتفاليةً شملت الفصل الجندري، فنشرت قبل الاحتفال رسوماً توضيحية تحدّد مواقع الرجال والنساء خلال الاحتفال؛ خطوة رائدة من شأنها أن تؤسّس لسوريا الجديدة التي نحلم بها، حيث أن أهمّ معايير التقدّم والتحرّر لا نحقّقها بالعدالة ولا الديمقراطية، بل التأكّد من أن الرجال والنساء لا يختلطون أثناء الاحتفالات، ولا ننسى أن نموذج الحكومة في إدلب نموذج ناجح، يسعى أحمد الشرع إلى تعميمه على الأراضي السورية كافة، في السنوات التالية، كما صرّح بكل فخر.

وفي حلب وحمص، كانت الاحتفالات أشبه بمهرجان موسيقي يتجاهل أن هناك جثثاً لسوريين في الساحل لم تُدفن بعد! لكن لا داعيَ للكآبة، فالحياة مستمرّة! المجازر لا تُفسد المتعة! ربما هذا ما اعتدناه خلال 14 عاماً،  وبما أن الحكومة الجديدة تؤمن بالتنوّع والانفتاح، فقد قرّرت السماح للمسيحيين بالمشاركة!

تأتي هذه الاحتفالات، بعدما تم تأكيد انفتاح الحكومة الجديدة على التنوّع، عندما خرج أحمد الشرع ليزفّ للعالم بشرى سارّة: توقيع اتفاقية مع “قوّات سوريا الديمقراطية/ قسد”، وكأن سوريا قد توحّدت جغرافياً وعادت إلى عصرها الذهبي! لا يهمّ أن المجازر مستمرة، ولا أن البلاد غارقة في الفوضى، المهم أن هناك ورقة موقّعة يمكن عرضها أمام الكاميرات، ليُقال إن الدولة استعادت سيادتها.

وكي تكتمل المسرحية، ينصّ الاتفاق على “ضمان حقوق جميع السوريين في التمثيل السياسي على أساس الكفاءة”، ما دفع أحمد الشرع بعد تفكير معمّق، إلى اكتشاف أن الكفاءة الوحيدة بين 25 مليون سوري تكمن في شخصيته! ليُحدّد في الإعلان الدستوري مهامه، التي تجمع بين مهام رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء والقائد العام للقوّات المسلحة، وخوّل نفسه تعيين أعضاء مجلس الشعب في إنجاز غير مسبوق في التاريخ السياسي.

أما إطلاق النار، فالاتفاقية نصّت رسمياً على إيقافه على الأراضي السورية كافة، ولكن ذلك لن يشمل الحالات الفردية، التي تستهدف العلويين، باعتبارهم “فلول النظام البائد”، أو التي تستهدف الذين يتمرّدون على القوانين الواضحة، بإفطارهم في شهر رمضان الفضيل؛ فهؤلاء يُعتبرون تهديداً للأمن القومي، ولا ضير من اتخاذ عناصر الجيش والأمن المنفلتين الإجراءات اللازمة بحقّهم.

انتقد “الجميع” غياب الإعلام الرسمي منذ التحرير، ولكن السيد الرئيس أحمد الشرع، عمل بشكل دؤوب على سد الفراغ، وبدلاً من الاستعانة بقنوات تلفزيونية رسمية مملّة، لجأ إلى نجوم العصر الحالي، ليلتقي بنفسه نجوم “التيك توك” و”اليوتيوب”، ويُقدّم لهم التوجيهات اللازمة التي تجعل صفحاتهم التي يتابعها الملايين، منبراً لنقل الرواية شبه الرسمية؛ لينقلوا لنا من أروقة القصر الرئاسي الصور التي تؤكّد إنسانية القائد أحمد الشرع وعصريته.

بيد أن بعض نجوم “التيك توك”، لم يكونوا على القدر الكافي من المسؤولية الملقاة على عاتقهم، ليقفوا بالصف ذاته مع “العناصر المنفلتة” التي ترتكب الجرائم، ويحرّضوا على القتل، بعض هؤلاء كان حظّهم سيئاً لأنهم يعيشون في بلاد لا تحترم حرية الرأي، ولا تستوعب إمكانية حدوث بعض الأخطاء الفردية، كالدول الأوروبية. ومن ضحايا هذه البلاد أسيل كاشف، التي دعت عبر “التيك توك” إلى إبادة العلويين، مُستخدمةً المقولة الرائجة: “ارموا جثثهم في البحر، كي لا يقولوا إن الأسماك جاعت في عهد بني أمية”، والتي قدّمت نصائح ذهبية لـ”المجاهدين”، توجّههم إلى عدم توثيق عمليات القتل التي يرتكبونها في الجزء الثاني من عملية “ردع العدوان”.

 جاء الرد على فيديوهات أسيل كاشف من نائب البرلمان الهولندي بيتر أومتزخت، إذ نشر أحد مقاطعها واتّهمها بالتطرّف؛ فما كان منها إلا أن اشتكت من المؤامرة الكونية، التي تتعرّض لها الأقليات المسلمة في البلاد الأوروبية العنصرية، بعدما عرضت أثاث منزلها للبيع “أون لاين”.

في المقابل، فإن بعض نجوم “اليوتيوب” و”التيك توك”، كانوا على القدر الكافي من المسؤولية، مثل جو حطاب، الذي تمكّن من الكشف عن الوجه الإنساني والرؤى الشبابية للقائد أحمد الشرع، ومثل ابن حتوتة، الذي سارع إلى نشر فيديو يُبرز جمال الساحل السوري، تعاون فيه مع وارف نجم قناة “ديالا ووارف”، الذي اشتهر بسلسلة فيديوهات هادفة على “اليوتيوب”، عنوانها “كيف الشعب السوري عايش”.

وعلى رغم أن الفيديو صُوِّر في وقت سابق، لكن ابن حتوتة اختار التوقيت المناسب لنشره، ليواجه الصور الدموية وخطابات التحريض الطائفي بفيديو سياحي لطيف، صُوِّر في حضور شباب “هيئة تحرير الشام”. ومن الجدير بالذكر أن ابن حتوتة وجو حطاب، لديهما خبرة كبيرة في تلميع صور الأنظمة الإسلامية الراديكالية، وكانا من أوائل نجوم “اليوتيوب” الذين استدعتهم “طالبان”، لإظهار الوجه السياحي والحضاري في أفغانستان. 

ولم تكتفِ حكومة أحمد الشرع بالاعتماد على نجوم “التيك توك” و”اليوتيوب” في قطاع الإعلام، بل اعتمدت أيضاً على شخصيات إعلامية مرموقة مثل موسى العمر وجميل الحسن، اللذين رسما ملامح الخطاب الإعلامي للدولة السورية الحديثة، ويوجّها دفّة التعاطي مع مجازر الساحل؛ ليؤكّد موسى العمر أن الإعلام يهوّل، وأن عدد الضحايا يتراوح بين 150 و200، ليس كما يُشاع بأنه تجاوز الألف، ويحمّل المسؤولية كاملةً لفلول النظام البائد.

وبدلاً من الحديث عن مئات الضحايا الذين قُتلوا خلال الأيام الماضية، بدأت الصفحات الإعلامية الموالية للجولاني، بإعادة نشر صور وتقارير عن مجازر الأسد القديمة، ولا سيما مجازر الكيماوي في الغوطة في عام 2013، ومجزرة دوما في عام 2015، في حملة ممنهجة لتذكير الجميع بأن النظام السابق كان أكثر إجراماً، وكأن ذلك يمنح المجرمين صكّ براءة.

أصابع الاتهام  في مقتلة الساحل اتّجهت إلى قائد الفرقة 25 في الجيش السوري أبو عمشة، لتحمّله مسؤولية مجازر التطهير العرقي في الساحل السوري، لكنه تمكّن من إثبات براءته من خلال نشر صور له، وهو داخل جهاز الطبقي المحوري في أحد المستشفيات، مرتدياً الزي العسكري؛ لتصل إلى العالم كله رسالته: “كنت مريضاً وقت المجازر، ولا دخل لي بكل ما حصل”، فهل أرسل تقريراً طبياً إلى لجنة التحقيق التي شكّلها القائد أحمد الشرع، ليحصل رسمياً على حجّة غياب، أم أن الصور كافية لتبرئته؟

هذا كله يأتي والحكومة الجديدة تحتفل بذكرى “انتصار الثورة”، وكأنها حقّقت الحرية والديمقراطية التي طالب بها السوريون، متجاهلةً أن الإعلان الدستوري الجديد لا يختلف بشيء عن أنظمة الحكم الشمولية، إذ جمع أحمد الشرع في يده السلطة التنفيذية والتشريعية والعسكرية، ليؤكّد ذلك أن البلاد انتقلت من استبداد إلى استبداد آخر.

في أي دولة طبيعية، المجازر تعني إعلان الحداد، تعني فتح تحقيقات دولية، تعني محاسبة المسؤولين، لكن في سوريا الجديدة، المجازر مجرّد تفصيل، والأهم هو الاحتفال، وكأن كل شيء أصبح على ما يرام! ربما يعتقد النظام الجديد أنه يستطيع كتابة التاريخ بطريقته الخاصة، أو أن الموسيقى والدبكة يمكنهما محو آثار الدم، لكن الحقيقة أن المجازر لا تُنسى، والرقص فوق الجثث لا يجعلها تختفي، بل يجعل المشهد أكثر قبحاً.

ولا ننسى بالنهاية أن السوريين منقسمون حول مسألة تاريخ الثورة، وأن الاحتفالات التي أُقيمت في 15 آذار/ مارس هي ليست الجولة الأولى، وأن السوريين سيتجمهرون في الساحات العامة يوم 18 منه أيضاً، آملين بأن تحلّق مروحيات الجولاني “الأليفة” فوق رؤوسهم، وأن تُمطر عليهم بالورود والحب.

– صحافية فلسطينيّة سوريّة

درج

—————————–

إيران تصعّد تحركاتها في سوريا.. دعم للفلول وتحريض طائفي بعد فشل مخطط الساحل/ ضياء قدور

2025.03.18

كانت إيران بلا شك الخاسر الرئيسي في المعادلات الحالية في سوريا، وهذا يبدو جلياً في تطورات الأوضاع الأخيرة التي لم تعد تصب في مصلحتها كما كانت الحال في السابق. فبعد سنوات من التدخل العسكري والوجود القوي في سوريا خلال عهد الأسد، أصبح من الطبيعي أن تسعى طهران إلى تأمين موطئ قدم لها في الساحة السورية بعد التغيرات الجذرية التي طرأت على الحكم في سوريا.

وفي هذا السياق، تسعى إيران إلى توسيع نفوذها في سوريا من خلال التواصل مع عناصر من النظام المخلوع، إضافة إلى دعم مجموعات الفلول وبعض الأطراف من الطائفة العلوية ومجموعات كردية معارضة، في محاولة لإضعاف جهود ترسيخ الحكومة الجديدة. وتعكس هذه التحركات الأجندة الإيرانية الهادفة إلى الحفاظ على نفوذها في المنطقة، خاصة بعد الانكسارات التي تعرضت لها مؤخراً.

تصريحات خامنئي التي دعا فيها الشعب السوري إلى مواجهة الحكومة الجديدة في لحظة إحباط غير مسبوقة، كانت محاولة لتوجيه رسالة سياسية ضمن سياق الأزمة، رغم أن العديد من السوريين كان على قناعة تامة بأن هذا النوع من التصريحات لن يمر بدون تداعيات عملية، وأن إيران ستستغل الوضع لصالحها عبر دعم أطراف معينة في الصراع السوري.

من جهة أخرى، تزايدت المؤشرات التي تدل على أن إيران قد تلعب دوراً محورياً في الأزمة السورية في ظل الضغوط الداخلية والدولية، خاصة من خلال تحالفاتها مع ميليشيات لبنانية وعراقية تدين بالولاء لطهران. كما أنها قد تستخدم ورقة تحريض بعض الأطراف العلوية والكردية لتحقيق أهدافها، مما يخلق حالة من الصراع المستمر التي من شأنها أن تعمق الأزمة في سوريا وتزيد من تعقيد الأوضاع الإقليمية والدولية.

إيران تواصل التحريض الطائفي في سوريا على أعلى المستويات

في خطاب ألقاه اللواء علي أكبر أحمديان، أمين مجلس الأمن الأعلى للنظام الإيراني، في 21 شباط الماضي، خلال مناورة عسكرية للحرس الثوري الإيراني في محافظة كرمان، أكد على أن سوريا ستشهد مقاومة جديدة ضد ما وصفه بـ “الاحتلال”. هذه التصريحات تأتي في وقت حساس يعكس تمسك إيران بموقفها في سوريا، على الرغم من التحولات السياسية في البلاد.

من جهة أخرى، تتجاهل هذه التصريحات الحقيقة الواضحة بأن التدخل الإيراني في سوريا ليس سوى محاولة لزيادة نفوذ طهران على حساب السيادة السورية واستقرار المنطقة.

في ذات السياق، وصف بعض أئمة الجمعة المقربين من مكتب خامنئي في إيران الاشتباكات في الساحل السوري، في 6 آذار 2025 الماضي، بأنها “انتفاضة الشعب السوري” ضد ما وصفوه بـ”حكومة الإرهاب”. وأشاروا إلى أن المرشد الإيراني كان قد تنبأ سابقاً بأن الشباب السوري سيتصدى لهذه الحكومة. وأضاف الملا حسيني همداني، إمام جمعة كرج، في خطبته قائلاً: “كان التوقع من حضرة آقا (خامنئي) لسوريا أن الشباب السوريين سيقومون بثورة لإنقاذ وطنهم”، مشيراً إلى أن هذا التنبؤ بدأ يتحقق مع إعلان الجهاد وتزايد الاشتباكات في بعض المناطق.

وفي 8 آذار 2025، نقلت وكالة “مهر” الإيرانية عن حسين علي الكراوي، رئيس اللجنة التنفيذية لأحد الحركات الشعبية في العراق، زعمه إن هناك خطة من قبل من وصفهم بـ”الإرهابيين الحاكمين في سوريا” لتنفيذ عملية تطهير عرقي ضد الشيعة في البلاد.

وادعى الكراوي أن عناصر ممن وصفهم ب “النظام الإرهابي لجبهة النصرة” يسعون لإثارة الفتنة الطائفية في سوريا، من خلال السيطرة على مقام السيدة زينب ومساجد شيعية أخرى في سوريا، بدعم من الولايات المتحدة وإسرائيل وتركيا وقطر.

وتابع الكراوي قائلاً: “إغلاق هذا المقام بذريعة محاولة تنفيذ عمليات إرهابية فيه ليس سوى تمهيد لتحقيق هذا الهدف”، زاعماً أن هناك خطة أميركية صهيونية لتكرار أحداث 2006 في العراق بتفجير “مرقدي الإمامين العسكريين” في سامراء، لكن هذه المرة في سوريا.

وتأتي هذه التصريحات ضمن سياق التحريض الطائفي المستمر الذي تسعى إيران من خلاله إلى تعزيز وجودها في سوريا، موجهة اتهامات ضد الأطراف المناهضة لها في محاولة لخلق تبريرات لتدخلاتها العسكرية.

ونقل موقع التلفزيون والإذاعة الإيرانية عن إمام الجمعة في بولدشت قوله: “التطورات المستقبلية ستظهر أن الشباب السوري الشجاع لم يصمت أمام الضعف الداخلي والعدوان الخارجي، وهو قادر على تغيير المعادلات على الأرض”.

ويعكس هذا التصريح النهج الإيراني الذي يسعى لإثارة الانقسامات داخل سوريا، حيث يشجع على تحدي الحكومة السورية الحالية ويعزز فكرة أن الشباب السوري يمكنه تغيير الوضع القائم في إطار الترويج للمقاومة ضد الحكومة السورية.

وكانت قوات الأمن السورية قد ضبطت في 11 آذار الجاري، كميات كبيرة من الذخيرة الإيرانية الصنع (خفيفة ومتوسطة) في قرية المزرعة بريف حمص الغربي، ما يعكس استمرار التدخل الإيراني في الشؤون السورية من خلال تزويد مجموعات موالية لها بالأسلحة، مما يزيد من تعقيد الوضع الأمني في البلاد.

    قوات الأمن تضبط كميات كبيرة من ذخيرة إيرانية الصنع (خفيفة ومتوسطة) في قرية المزرعة بريف حمص الغربي. pic.twitter.com/ODzHxVx1oO

— ضياء قدور dyaa kaddoor (@dyaakaddoor)

March 11, 2025

إيران تتبنى دعم فلول الأسد عسكرياً

وأقر موقع المراسلين الشباب الإيراني بأن فلول النظام البائد في سوريا مدعومون من طهران، حيث أشار إلى أن “هناك تكهنات بأن المقاومة الساحلية في سوريا كان ينبغي أن تمر بمرحلة أكثر تقدماً وتحمل السلاح بعد أن تم تعزيزها بشكل كامل، وكان لا بد من ضمان الدعم من القوات الأجنبية”.

وتكشف هذه التصريحات عن الدور المستمر لطهران في توجيه الأحداث في سوريا، حيث تسعى إيران لتوسيع نفوذها في المنطقة من خلال دعم جماعات محلية معينة وتقديم العون العسكري.

وفي محاولة لتكثيف الخطاب الطائفي في سوريا، قال الموقع: “يعلم العلويون أنه لن يكون لهم بالتأكيد مكان في حكومة سنية ذات جذور سلفية، والتي كانوا في صراع دموي معها لسنوات”.

وتوضح هذه العبارات الاستراتيجية الإيرانية في تأجيج الانقسامات الطائفية داخل سوريا، حيث تسعى طهران لتعميق الصراع الطائفي لضمان استمرار نفوذها في البلاد، معتبرة أن هذه الفجوات الطائفية ستخدم مصالحها السياسية في المنطقة.

وفي خضم ذلك، واصلت وكالة أنباء “فارس” الإيرانية نشر التحريض الطائفي في سوريا من خلال الترويج لفيديوهات قديمة وغير ذات صلة بالأحداث الحالية. حيث نشرت الوكالة فيديو لفتاة سورية

تعرضت للضرب على يد لبناني تابع لـ”حزب الله” في لبنان، وهو فيديو يعود لعدة أشهر مضت. وتأتي هذه المحاولات في سياق استمراري لتحريك مشاعر الطائفية والانتقام لدى بعض الفئات، مستخدمةً أحداثاً قديمة بهدف التأثير على الرأي العام، وبالتالي دفع الأمور نحو المزيد من التوترات الداخلية والإقليمية.

وفي مقطع فيديو حديث نشره مقداد فتيحة، أحد أبرز المجرمين من فلول نظام الأسد، يكشف عن اعتراف هام يسلط الضوء على تنسيق التمرد المسلح في الساحل السوري، بدعم مباشر مما يسمى “جبهة المقاومة الإسلامية – غرفة أولي البأس”. هذه الجبهة التي أعلنت إيران بشكل رسمي عن تشكيلها في سوريا قبل أسبوعين، هي جزء من محاولاتها المستمرة لزعزعة استقرار البلاد، من خلال استغلال الأوضاع الراهنة لتعميق الانقسام الطائفي والمذهبي.

    في هذا المقطع اعتراف هام أن هذا التمرد الدموي في الساحل يتم بتنسيق ودعم من مايسمى (جبهة المقاومة الإسلامية – غرفة أولي البأس) التي أعلنت إيران بصورة رسمية قبل أسبوعين عن تشكيلها في سوريا لزعزعة استقرارها. pic.twitter.com/6Um8jWNe4B

— ضياء قدور dyaa kaddoor (@dyaakaddoor)

March 9, 2025

إيران تتبنى فلول النظام إعلامياً

بعد تقديم الدعم العسكري واللوجستي من قبل إيران لفلول الأسد، باتت طهران تتبنى هذه الفلول إعلامياً، في خطوة تهدف إلى ترويج رواياتهم وأدائهم في الساحة السورية. هذه الخطوة تُظهر استماتة إيران لتعويض خسارتها المهينة في سوريا، حيث تسعى لإعادة توجيه الأحداث لصالحها ومحاولة استعادة نفوذها الذي تراجع بشكل كبير في ظل التحولات السياسية والإقليمية الأخيرة.

وفي خطوة غير مسبوقة، أجرت وكالة “مشرق نيوز” الإيرانية لأول مرة لقاءً مع من وصفتهم أحد المسؤولين المطلعين في “المقاومة الشعبية في سوريا”، وتبنت بشكل واضح روايته، إذ ادعى تأييده لما وصفوه بـ “التحركات المشروعة” ضد الحكومة السورية الجديدة.

وأكد المصدر الميداني أن عملية التمرد الأخيرة في الساحل السوري التي قادتها “المقاومة الشعبية ضد مقاتلي الحكومة السورية ستستمر حتى السيطرة على كامل سوريا ولن تقتصر على الساحل فحسب، وكشف تفاصيل عملية الأسبوع الماضي بين مدينتي اللاذقية وطرطوس، قائلاً إن العملية انطلقت في محور مدينة جبلة قرب الشريط الساحلي، حيث أدت الخطوة الأولى إلى مقتل 10 عناصر من الجيش السوري الجديد.

وبحسب “مشرق نيوز”، اعتبر المصدر الميداني في المقاومة الشعبية السورية الكمين الثاني في مدينة جبلة ضد قوات الأمن السورية بمثابة ضربة قاتلة أخرى، وأضاف: “قُتل خلال هذه العملية عدد من المقاتلين بينهم أبو أنس محمبل من قادة المجموعة العسكرية الـ 400، وفي الوقت نفسه تمكن أهالي مدينة القرداحة بريف اللاذقية الجنوبي الشرقي من طرد المقاتلين الحكوميين من هذه المدينة والسيطرة على أجزاء من هذه المنطقة”.

وزعم المصدر الميداني الذي تحدث بشكل حصري لـ”مشرق نيوز” أن قواته استطاعت توجبه ضربة قوية أخرى للقوات الرديفة التي استجلبتها الحكومة السورية من خلال نصب كمين لهم على طريق جسر الشغور.

وأضاف هذا المصدر الميداني: “سيطر الأهالي وقوات المقاومة على قاعدة اللواء 107 قرب مدينة جبلة، واستعادوا السيطرة على الكلية البحرية في مدينة اللاذقية، وعلى مطار اسطامو بريف اللاذقية الجنوبي الشرقي”.

وأشار المصدر الميداني إلى مزيد من تفاصيل هذه العملية التي وصفها بالناجحة، وقال: “إن الأهالي والمقاومة الشعبية سيطرت على أجزاء أخرى من مدينتي اللاذقية وطرطوس في عمليات منفصلة، مما أدى لانهيار البنية القتالية لقوات دمشق”، بحسب زعمه.

وبحسب هذا المصدر الميداني، فإن الشرع، رغم قلة القوات، أمر بإرسال الآلاف من عناصره من مناطق أخرى إلى الغرب على حساب إخلاء العديد من المحافظات السورية لاستعادة محافظتي اللاذقية وطرطوس.

وأكد هذا المسؤول المطلع أن عملياتهم ضد الحكومة السورية في الساحل لم تتوقف، وأن جزءا من القوات عاد إلى قواعده، ولا تزال مجموعة أخرى موجودة في مدن طرطوس واللاذقية وبانياس وجبلة والقرداحة ومصياف وصافيتا والحفة وسلمى وديريكيش ومشتى الحلو وغيرها.

وزعم المسؤول الميداني أن العملية ضد القوات الحكومية لم تنته فحسب، بل بدأت للتو، مشيراً إلى أنه في الساعات والأيام الماضية، قد قاموا بشكل مستمر بنصب كمائن دقيقة وإلحاق أضرار جسيمة بأرتالهم العسكرية، خاصة على طرق الاتصالات، وهذا أمر يراقبه حكام العاصمة بشكل دقيق.

وفي توضيح لخطر المخطط الذي تدير طهران بالتعاون مع فلول النظام البائد، بينت “مشرق نيوز” أنه إذا نجحت ما تسمى “المقاومة الشعبية” في سوريا في السيطرة على محافظتي طرطوس واللاذقية غربي سوريا، زاعمة أن اتصال الحكومة السورية بالبحر الأبيض المتوسط سينقطع بشكل كامل، كما سيفتح طريق اتصال من جنوب طرابلس إلى شمال لبنان ومن الشمال سيصل إلى جنوب تركيا، مما يوحي بجهود طهران الحثيثة لتشكيل كنتون طائفي يتواءم بشكل مثير للدهشة مع المخطط الإسرائيلي لسوريا.

ومن خلال دعم إيران لهذه الفلول وترويجها لرواياتهم، تزداد المخاوف من أن طهران تهدف إلى تنفيذ أجندات خارجية تؤثر سلباً على وحدة سوريا وتزيد من تعميق الأزمات الطائفية، مما يضر بمصالح الشعب السوري. هذا التحول في الإعلام الإيراني يعكس محاولة مفضوحة لتأجيج الأوضاع، في الوقت الذي يسعى فيه السوريون لبناء دولة مستقرّة بعيدة عن التدخلات الأجنبية والتطرف الطائفي.

—————————

الوحدة أم التقسيم: إلى أين تبدو سوريا أقرب اليوم؟/ طارق علي

الأكراد والدروز والعلويون يصطدمون بتفرد السلطات الجديدة في الإدارة

الاثنين 17 مارس 2025

انبثق عن وصول “تحرير الشام” إلى الحكم تعيين أحمد الشرع رئيساً للجمهورية وولادة سريعة لحكومة تسيير أعمال ارتكبت أخطاء كارثية (أ ب)

ملخص

بعد مرور 100 يوم على سقوط الأسد، برزت مطالبات بالفيدرالية والتقسيم والتدخل الدولي، في ظل ضغوط داخلية وخارجية تواجهها الإدارة السورية، فإلى أي جانب تميل؟ وكيف تعاملت سلطات دمشق مع الملفات الشائكة داخلياً؟

مرت 100 يوم على سقوط نظام الأسد بعد حكم استطال 54 عاماً لعائلته، قبل أن يبزغ فجر غرفة عمليات “ردع العدوان” التي تمثل هيئة “تحرير الشام” عصبها الرئيس، بزعامة أبو محمد الجولاني، الذي بات الرئيس السوري الحالي أحمد الشرع بعد الوصول إلى السلطة وسدّة الحكم بعد معارك الأيام العشرة التي تهاوى فيها جيش الأسد ومنظومته كأحجار الدومينو في واحدة من أسرع عمليات قلب حكم متجذر في التاريخ الحديث.

ما بعد السقوط

انبثق عن وصول “تحرير الشام” إلى الحكم تعيين أحمد الشرع رئيساً للجمهورية العربية السورية، وولادة سريعة دونما مخاض لحكومة تسيير أعمال ارتكبت هفوات وأخطاء ترقى إلى مرحلة الكوارث أكثر مما تمكنت من توفير ظروف إيجابية لبيئة الحكم المستجد، فالحكومة التي تجاوزت دورها القانوني والدستوري أقدمت على ممارسات تحتاج إلى حكومة دستورية توافقية حقيقية يحق لها التدخل في كل مفاصل البلد من أزمة المناهج وصولاً إلى صرف 400 ألف موظف حكومي بشكل تعسفي مروراً بعشرات القرارات التي تركت أثراً سلبياً ليس على رأسها استبعاد الخبرات والكفاءات والاستعانة بالولاءات من غير المتخصصين ولا قضية منح رتب عسكرية عليا لمتشددين أجانب، وصولاً إلى ما يراه مراقبون محاولة تعميم تجربة الحكم في إدلب بالقوة على كامل الجغرافيا السورية على مختلف مشارب وانتماءات سكانها وتنوعهم الإثني والديني والمذهبي.

حوار وطني وإعلان دستوري

كل ذلك كان قبل عقد مؤتمر حوار وطني “سُلِقَ” على عجل فجاءت مخرجاته وكأنه ما جرى، من ناحية الانتقائية في الدعوات والاستعجال في التحضير والبيان الختامي الجاهز مسبقاً، لتقود كل تلك الأمور نحو الوصول إلى الإعلان الدستوري الذي كرّس حالة الضياع الجمهوري للعهد الجديد.

الإعلان الذي طُبخ على عجالة أيضاً لاقى استهجاناً مرتبطاً بحال من الرفض لدى شريحة واسعة من السوريين الذين عبروا عن آرائهم في الملتقيات والمنتديات وحساباتهم الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي، إذ إن ذلك الإعلان حمل في تفاصيله وشكله ومضمونه التهيئة لإنتاج نظام حكم شمولي – ديكتاتوري جديد يفصل السلطات عن بعضها شكلاً ويجمعها مضموناً في يد الرئيس الذي سيتولى معظم المهمات الدستورية العليا، لا سيما تعيين ثلث أعضاء مجلس الشعب، ورئاسة مجلس القومي، ورئاسة الحكومة والدولة وغير ذلك من سلطات يمكن أن تُحصَر في يده.

التفاف على التفاهم الكردي

ساء حظاً للسوريين أن الإعلان الدستوري جاء بعد يومين على توقيع مذكرة تفاهم في دمشق بين الشرع وقائد “قوات سوريا الديمقراطية” الكردية (قسد)، مظلوم عبدي، التي حملت بريق أمل بدمج القوات الكردية في مؤسسات الدولة السورية إثر وثيقة تفاهم من بنود عدة ليأتي الإعلان الدستوري ضارباً بذلك التفاهم عرض الحائط.

“لدى ‘قسد’ قيادات علمانية راديكالية، وحين التعامل معها يجب توخي الحذر”، يقول الباحث الكردي هايل أحمد، موضحاً أن “الاتفاق الذي وقعه القائدان سقط مع الإعلان الدستوري الجديد الذي بدا أنه كمن يلتف على المبادئ الكردية ذات المطالب الواضحة في سياق تفعيل وضع التضامن والعيش المشترك تحت مظلة دولة لا دولتين، جيش لا جيشين، حقوق وواجبات مشتركة، تعايش سلمي تام الأركان والمقومات والمفاهيم، مع الحفاظ على الخصوصية الثقافية والمجتمعية واللغوية”.

تفاصيل الاتفاق

ويضيف الباحث “جاء في البيان الموقع، ضمان حقوق جميع السوريين في التمثيل والمشاركة في العملية السياسية وكل مؤسسات الدولة بناءً على الكفاءة بغض النظر عن خلفياتهم الدينية والعرقية، والتشديد على أن المجتمع الكردي مجتمع أصيل في الدولة السورية التي تضمن حقه في المواطنة وكل حقوقه الدستورية، ووقف إطلاق النار على كل الأراضي السورية”، وتابع “كما جرى الاتفاق على دمج كل المؤسسات المدنية والعسكرية في شمال شرقي سوريا ضمن إدارة الدولة السورية بما فيها المعابر الحدودية والمطار وحقول النفط والغاز، وضمان عودة كل المهجرين السوريين إلى بلداتهم وقراهم وتأمين حمايتهم من الدولة السورية، ودعم الدولة السورية في مكافحتها فلول الأسد وكل التهديدات التي تهدد أمنها ووحدتها”.

ولفت أحمد “لكن الإعلان الدستوري أصر على دين رئيس الجمهورية ومصدر التشريع وأن اللغة العربية وحدها الرسمية، وما تبقى من بنود معظمها لا يتماشى مع الاتفاق الموقع مسبقاً، وهو ما شكّل صدمة لدى قيادة ‘قسد’، والأمر ذاته استدعى خروج تظاهرات في شرق سوريا ترفض الدستور الجديد وتعتبره نقضاً لاتفاق الشرع – عبدي وخنجراً من شأنه استمرار النزيف، وهو ما عبرت عنه القوات الكردية في بيان العالي اللهجة”.

البيان الكردي

ورداً على الإعلان الدستوري أصدرت قيادة منطقة شمال وشرق سوريا الكردية بياناً اتهمت فيه الإعلان الدستوري بأنه “نمطي وتقليدي” يتشابه مع المعايير والمقاييس التي كانت متّبعة من قبل حكومة البعث، وأكد البيان أن “هذا الإجراء يتنافى مع طبيعة وحقيقة وحالة التنوع الموجود في سوريا، كما أنه تزوير فعلي لهوية سوريا الوطنية والمجتمعية، إذ يخلو الإعلان من بصمة وروح أبناء البلد، ومكوناتها المختلفة، من كرد وعرب وسريان وآشور وغيرهم من بقية المكونات”.

وأكدت الإدارة الذاتية الديمقراطية لإقليم شمال وشرق سوريا أن “سوريا اليوم تحتاج إلى تكاتف أبنائها ووحدتهم على تقرير مستقبلهم الديمقراطي والمشاركة الوطنية السورية التي تعزز الشراكة في الوطن”.

كذلك أشارت قيادة الإقليم إلى أن “هذا الإعلان يفتقر إلى مقاييس التنوع الوطني السوري، ويخلو من حالة المشاركة الفعلية لمكونات سوريا الوطنية، ومن ثم يعبر هذا الإعلان من جديد عن العقلية الفردية التي تعد امتداداً للحالة السابقة التي وجدت في سوريا وانتفض الشعب ضدها”، وأضاف البيان الكردي أن “هذا الإعلان لا يمثل تطلعات شعبنا ولا يدرك حقيقة هويته الأصيلة في سوريا وهو بمثابة شكل وإطار يقوض جهود تحقيق الديمقراطية الحقيقية في سوريا وبنوده البعيدة عن سوريا وآمال شعبها”.

وترى القيادة الكردية أن الدستور الحقيقي هو الذي تتشارك فيه كل المكونات وتتفق حوله كونه المسار الديمقراطي المستدام لمستقبل سوريا ومستقبل أجيالها القادمة، مضيفة “نأمل في ألا تعود بنا بعض الممارسات والأفكار الضيقة إلى مربع الصفر، لأن ذلك سيجعل الجرح السوري ينزف من جديد”.

مجازر العلويين

تزامناً كانت قرى وبلدات ومدن الساحل السوري تشهد مجازر جماعية أسفرت عن مقتل وجرح آلاف المدنيين العزل، إثر حملة أمنية – عسكرية ضخمة استهدفت “فلول النظام” الذين نصبوا مكامن لقوات الأمن العام في أكثر من منطقة ما بين السادس والعاشر من مارس (آذار) الجاري، وقُتل قرابة 1500 مدني في 56 مجزرة وثقها المرصد السوري لحقوق الإنسان، الذي يديره رامي عبدالرحمن من لندن، والذي وصف لجنة التحقيق التي شكلتها الرئاسة للنظر بما جرى في قرى الساحل بأنها “غير جدية”، إذ تجاهلت توصيف ما حدث بالمجازر والكارثة ومالت نحو توصيف ما حصل بـ”الحالات الفردية”.

أيام الرعب التي عاشها الساحل السوري أفضت أيضاً لآلاف المهجّرين، فمئات العائلات وجدت طريقها للعبور نحو لبنان من خلال النهر الشمالي باتجاه محافظة عكار، فيما لجأ على الأقل 9 آلاف شخص للاحتماء بقاعدة حميميم الجوية العسكرية الروسية في محيط قرية جبلة بمحافظة اللاذقية رافضين حتى الآن مغادرتها.

ولهول ما حدث، تعالت أصوات في الشارع السوري تطالب بالتقسيم أو الفيدرالية أو التدخل الدولي على أقل تقدير لحماية الأقليات بعدما كانوا تماهوا مع السلطات الجديدة وسلموا كل أسلحتهم إبان سقوط النظام.

أحد المحتمين في “حميميم” تحدث إلى “اندبندنت عربية” مفضلاً عدم كشف اسمه، عن محاولات السلطات الجديدة ممثلة بالقوى الأمنية ومحافظ اللاذقية إعادتهم إلى قراهم لكن قراراً شبه جماعي كان بالرفض، وقال “ما رأيناه وعشناه لن يُمحى من ذاكرتنا مهما حيينا، لا يزال ثمة آلاف العلويين مختبئين بالأحراش، كانت الأمور تسير بخير مع السلطة، لكن (الفزعات) الطائفية التي جاءت وقتلت نساءنا وأطفالنا وشيوخنا أوضحت أن ميثاق التعايش المشترك أصبح مستحيلاً، لذا نحن متمسكون بمطالبنا بالحماية الدولية لنا كأقلية، 1500 قتيل في 72 ساعة ليس رقماً عادياً، هذا رقم تنهار لأجله أمم، ولم يفكر مسؤول كبير أن يزورنا ليطيّب جراحنا، من يضمن ألا نُقتل بعد خروجنا من القاعدة”.

كمال عيسى أحد الناجين من مجزرة القصور في بانياس على الساحل السوري قال بدوره “كنا نعتقد أن طلب الحماية الدولية يندرج تحت بند الخيانة، وطلب التقسيم هو خيانة مضاعفة، الآن لا أحد يختفي وراء إصبعه، هذه سلطة عاجزة عن الوقوف في وجه متشدديها ومنعهم عنا، لم يتركوا لنا خياراً آخر، وها قد وقّعوا مع ’قسد‘ على ظهورنا ثم غدروا بهم، لننظر إلى حال الدروز، هل يتجرأ أحد من الاقتراب منهم، لماذا؟ لأن لديهم سنداً، أما نحن فبلا مرجعية أو قوة أو ظهر أو سند، ثم يقولون عنا فلول الأسد وإيران وروسيا وعملاء إسرائيل، هل الأطفال الذين قُتلوا في المجزرة وهم بعمر الأشهر فلول أيضاً؟”.

الموقف الدرزي

شكلت زيارة وفد من 100 شيخ درزي سوري لإسرائيل صدمة في الشارع السوري، حيث ما زالت مواقف الدروز متباينة من التصريحات الإسرائيلية في شأن حمايتهم ومنع أحد من الاقتراب منهم وفرض نزع السلاح في الجنوب السوري.

وفي الإطار برز أمس الأحد حديث مهم لشيخ عقل طائفة الموحدين الدروز ومرجعها الأكبر في سوريا، الشيخ حكمت الهجري، خلال لقاء مع أعيان من الجنوب في دارة الطائفة في بلدة قنوات بالسويداء وصف فيه حكومة دمشق بالمتطرفة وغير الشرعية والمطلوبة للعدالة الدولية وقال بأنه لا تعايش معها.

تلك التصريحات ربما تعكس المزاج العام، وهو المزاج ذاته الذي ينطلق من الخشية الدرزية – الكردية من إلقاء السلاح وملاقاة ذات مصير العلويين في الساحل، وعلى رغم خروج تظاهرات في السويداء ترفض التدخل الإسرائيلي فإن ذلك لا يعني الموافقة على سلوكيات سلطة دمشق، بحسب ما قاله بعض الدروز في حديثهم مع “اندبندنت عربية”.

طريف أبو جبل أحد سكان السويداء عبر عن موقفه بالقول “لن نضع يدنا في يد إسرائيل ولكن ذلك لا يعني قبولنا بسلطة الأمر الواقع القمعية في دمشق، ما حصل في الساحل السوري درس لكل أبناء الوطن عن ضرورة حمل السلاح وعدم تسليمه إلا في حال الركون لعقد اجتماعي توافقي مع سلطة تكتسب كل صفات الشرعية المحلية والخارجية”.

يوسف الهايل طبيب من السويداء قال “هي لعبة تدوير زوايا، بماذا تختلف ’جبهة النصرة‘ عن ’تحرير الشام‘ عن الحكم الحالي؟ مجرد أسماء تغيرت فقط، الحل الذي ننشده جميعنا هو الفيدرالية وتركنا لندير أمور محافظتنا بعيداً من الشحن الطائفي والحالة الفصائلية المتطرفة، ألم يتم حل ’هيئة تحرير الشام‘، لننظر في كل المجالس من الأمن القومي إلى الحوار الوطني إلى لجنة الدستور، جميعها تقوم على أفراد من الهيئة، وأهل الجنوب منفتحون وعلمانيون ولا يمكن لهم التعايش مع الملثمين ومجرمي الحرب، وما خرجنا لإسقاط بشار الأسد لنجيء بسلطة شمولية أكثر، الحل يقرره كبارنا وتشترك في إقراره الدول الخارجية، لسنا نشجع التقسيم، فلم نشهد ما شهده الساحل، لذلك حتى اللحظة نتمسك بالفيدرالية فقط”.

الوحدة أم التقسيم؟ خيارات قائمة

صار الآن من المشروع السؤال إلى أين تتجه سوريا، نحو الوحدة الجامعة أم التقسيم؟ وهو سؤال يحاول الإجابة عنه الدكتور في القانون أحمد الصفدي بالقول إنه “كانت هناك مطالب متنامية على الدوام بتطبيق الفيدرالية في سوريا بعد سقوط النظام، لكن بعدما حصل في الساحل السوري بدأت تطفو على السطح مطالب بالتقسيم، وإن كانت هذه المطالب لا تتسق بين العلويين أنفسهم، فعلويو اللاذقية وحمص وحماة مثلاً لا يزالون يرون في الفيدرالية حلاً، بخلاف بقية الساحل السوري، والقسم الكبير منه رزح تحت المجازر ورأى بأم عينه كيف يكون التطهير العرقي”، ويضيف “الآن توقفت الإبادة في الساحل، لكن حواجز كثيرة في مناطق مختلفة ما زالت تسأل المارة عن دينهم، وما زالت الحالات الفردية مستمرة، ففي اليومين الماضيين فقط ست حالات خطف وقتل على طريق صافيتا – طرطوس في الساحل، وكل ذلك سيُختزن بالوعي الجمعي لدى الناس ويدفعهم إلى طلب الحماية بأي طريقة، وهو الدرس الأكبر للدروز في السويداء جنوباً وجرمانا في ريف دمشق بعدم إلقاء السلاح خصوصاً بعد وصف زعيمهم الروحي الهجري الإعلان الدستوري بغير المنطقي، فضلاً عن الالتفاف من قبل دمشق على الأكراد الذين أكدوا بعيد بيان عبدالله أوجلان واتفاقهم مع الشرع أنهم لا يسعون إلى دويلة داخل دولة ولا تقسيم جديد ولا كردستان عراق أخرى، ولكن البيان الدستوري عاجلهم ليحطم أحلامهم، مما يعني العودة إلى نقطة الصفر”.

ويتابع “القيادة السورية في موضع مربك للغاية، أمامها ملفات متشابكة ومعقدة للغاية داخلياً وخارجياً، والأسابيع والأشهر المقبلة ستكون حاسمة لشكل البلد. الوقت ليس في صالحها في ظل الضغط الدولي، لكنها حتى الآن لم تعرف كيف تتعامل مع الملفات الكبرى بجدية مطلقة، من جهتي أرى كل الخيارات مطروحة على الطاولة، والذكي يكسب في النهاية، القرار الآن بيد القيادة الجديدة لتسير بالبلد نحو وحدة متكاملة أو تتركه فتاتاً مقسّماً، وهو ما يستدعي تحركات جد عاجلة لا تحتمل التأجيل لحظة واحدة، وإعادة النظر بأشهرها الثلاثة الأولى بالسرعة القصوى وتلافي مكامن الخلل وإرسال الرسائل في كل الاتجاهات ولكل المكونات بأن هذا البلد يتسع للجميع، وإلا فسنرى أنفسنا أمام سيناريو تقسيم مر على سوريا قبل زهو قرن من الزمن”.

———————————

في خطر تقسيم سورية/ غازي العريضي

18 مارس 2025

المعلومات الواردة من إسرائيل عن سورية أن وزير الأمن الإسرائيلي يسرائيل كاتس يقول: “هاجمنا أربعين هدفاً عسكرياً في جنوب سورية لتطبيق السياسة التي أعلنّا عنها لإحباط التهديدات ضدّ إسرائيل، وسندافع عن سلامة الدروز في المنطقة، وعندما يفتح (الجولاني) عينيه كلّ صباح سيرى الجيش الإسرائيلي يراقبه من جبل الشيخ، وسيتذكّر أننا هنا. سنحافظ على (المنطقة الآمنة) وعلى جبل الشيخ، وسنضمن أن تكون هذه المنطقة في جنوب سورية منزوعة السلاح، وسنوثّق العلاقة مع سكّان المنطقة، وسنبدأ يوم 16 آذار بالسماح للعمّال السوريين بالعمل في المناطق الجديدة التي سيطرنا عليها برواتب ومخصّصات خيالية” (هذا الكلام ردّ واضح على تحذير وليد جنبلاط من خطر المشروع الإسرائيلي التفتيتي، ودعوته إلى الحفاظ على وحدة سورية، رافضاً أن تسوّق إسرائيل نفسها حاميةً للدروز هناك، مع الإشارة إلى أن 16 مارس/ آذار هي ذكرى اغتيال القائد كمال جنبلاط).

وتقول القناة 12 الإسرائيلية: “هدف التقسيم المناطقي في سورية منع سيطرة النظام الجديد، وضمان القدرة على التحكّم في عدّة مستويات من الحدود حتى دمشق. المؤسّسة الأمنية ترى أن تحرّكها في سورية من الدروس المستفادة من هجوم السابع من أكتوبر (تشرين الأول 2023)، عبر التحرّك بشكل استباقي”. وتضيف: “40 ألف مدني سوري يوجدون الآن في المناطق التي سيطرت عليها إسرائيل في سورية. وتقديرات الأجهزة الأمنية تشير إلى أن خلايا أمنية كثيرة فيها. كلّ منزل سوري يحوي أسلحةً، والجيش مستعدّ لاحتمال وقوع عمليات أمنية مفاجئة، ونحن نمتلك سيطرةً ناريةً وقدرةً على المراقبة حتى العاصمة دمشق”.

أمّّا ما يقال في دوائر القرار الإسرائيلي، الأمنية والسياسية؛ “الشرع غير قادر على ضبط الوضع. نحن نتعاطف مع العلويين والمسيحيين، لكنّ للدروز وضعاً خاصّاً، وهم كوّنوا (لوبي) مؤثّراً ضاغطاً في مراكز صنع القرار. ولذلك قرّرنا تقديم دعم بقيمة مليار دولار لمناطقهم في الشمال (والشمال هنا بات يمتدّ من الجليل الأعلى إلى الجولان والأراضي السورية الجديدة المحتلّة، وتلك المحيطة بها؛ السويداء مروراً بلبنان)، وينبغي العمل على تفكيك النفوذ الإقليمي لوليد جنبلاط “؛ “ما جرى في الساحل السوري حماقة”؛ “لجنة التحقيق في الأحداث، والإعلان الدستوري، يدلان على الاستئثار”؛ “الاتفاق مع الأكراد ليس ثابتاً”؛ “لن نقبل التمدّد التركي في سورية ونحن نراقب بدقّة التحرّكات التركية هناك”؛ “نحن على تواصلٍ مع المسؤولين الأميركيين ومراكز الدراسات والأبحاث لشرح مخاطر ما جرى وما يجري في سورية، ولإطلاعهم على العمليات العسكرية التي نفّذناها وسننفّذها، وأهدافها وأبعادها”.

ماذا تعني هذه العناوين والتوجّهات السياسة الإسرائيلية في سورية؟ … بوضوح، لا تريد إسرائيل رؤية سورية موحّدةً أو مستقرّةً أمنياً وسياسياً، وتقول علناً وتنفّذ يومياً أقوالها، بضرب مقوّمات الدولة كلّها لمنع النظام من السيطرة، ولتنفيذ المشروع التقسيمي. بطبيعة الحال، ستتأثّر دول الجوار بهذه السياسات والأهداف. ولذلك هي معنية بمواجهتها. لن يقف تقسيم سورية عند حدودها. تسعير الصراعات المذهبية والطائفية ستكون له تداعيات على لبنان خاصّة، وعلى بقية الدول، بهدف إضعافها وتفكيكها، وهذا يستوجب، أولاً، إدراك السلطة الجديدة في سورية هذه المخاطر كلّها، والعمل المباشر لتفكيك ألغامها، بدءاً بحوار جدّي مفتوح مع المكوّنات كلّها، وتعزيز شراكة حقيقية على مستوى الحكم وإدارته، ومعالجة آثار ما جرى في الساحل لتبديد مخاوف المقيمين هناك، وغيرهم في مناطق أخرى، والتعامل بدراية وواقعية مع الحساسيات المذهبية والطائفية، فكيف إذا كان المشروع الإسرائيلي واضحاً، ويعلنه أركان دولة الاحتلال بوضوح؟

ثانياً، إدراك العرب، كلّ العرب، أنهم معنيون بمواجهة هذا الخطر، لا سيّما الذين أيّدوا الإدارة الجديدة في سورية، والمبادرة إلى تقديم الدعم السياسي والدبلوماسي والإعلامي والمالي والاقتصادي لها بسرعة، لتتمكّن من مواجهة التحدّيات المذكورة، والمحافظة فعلياً على وحدة الأرض والمؤسّسات. وثالثاً، استيعاب تركيا لضرورات الاتفاق مع الأكراد وتعزيز دور الإدارة الجديدة، والتأكيد على خصوصيات الأكراد وترسيخ انتمائهم إلى الدولة السورية على قاعدة الاتفاق الذي تمّ معهم.

ويجب (رابعاً) أن تبادر الدول الأوروبية وأميركا إلى إعطاء فرصة للإدارة الجديدة، رغم ملاحظاتٍ أبداها أعضاء في مجلس الأمن حول ما جرى في الساحل السوري، ولو كان من باب ردّة الفعل على ما فعلته أدوات النظام السابق في محاولة انقلابية واضحة. أمّا خامساً، فيجب إدراك أن ما جرى في جنوبي سورية، وتلاعب إسرائيل بمسألة الأقلّيات، وادّعاء حماية الدروز، واستهداف دور وليد جنبلاط الذي يواجه ذلك، لا تقع مسؤولية التصدي له على عاتق هذا الرجل وحده. فلا بدّ من احتضان عربي لموقفه، حمايةً لموقف الموحّدين الدروز في تلك المنطقة، الرافضين استخدام إسرائيل لهم، ولحماية وحدة سورية، ووحدة البلاد العربية كلّها، المستهدفة إسرائيلياً بمواقف معلنة وواضحة، يطلقها المسؤولون في حكومة نتنياهو.

العربي الجديد

————————————-

سقط الأسد، وماذا بعد؟/ حسن النيفي

2025.03.18

الخطاب الذي صدّرته السلطة الحاكمة إلى الرأي العام منذ انطلاقة معركة ردع العدوان (27 نوفمبر) كان خطاباً مطمئناً بما ينطوي عليه من استعداد كبير للتحلّل من قيود الأيديولوجيا وتجاوز جدرانها الصلبة، كما كان يحيل هذا الخطاب إلى استعداد بدرجة مقبولة من هيئة تحرير الشام للتحوّل من طور الفصائلية الجهادية إلى طور الوطنية العامة باعتبارها الحامل الحقيقي لمفهوم الدولة.

وقد جسّدت التصريحات المتعاقبة – آنذاك – لقيادة العمليات العسكرية المتمثلة بالسيد أحمد الشرع، ترجمة تركت أثراً طيباً لدى الرأي العام السوري وخاصة فيما يتعلق بعملية التحرير التي لم يدّع الرئيس الحالي للبلاد احتكارها لجهة محدّدة أو فصيل معيّن، وإنما أسداها لأصحابها الحقيقيين بإشارته إلى دور جميع السوريين ممّن قدموا التضحيات سواء أكانوا من المعتقلين أو النازحين وحتى شهداء البحار الذين قضوا بين أمواجها، وذلك عبر مسعى واضح لتفنيد مقولة ( من يحرر يقرر) التي بدأت تتعالى هنا وهناك، وبهذا استطاعت السلطة الحاكمة تَحاشي وتحييد كثير من الانتقادات والاعتراضات التي وُجِّهت لحكومة تصريف الأعمال من حيث انبثاقها من لون واحد، مُعلِّلةً ذلك بضرورة توفّر عنصر الانسجام في العمل بين الفريق الوزاري، باعتباره الفريق ذاته الذي تشكلت منه (حكومة الإنقاذ) في إدلب.

جاء الاستحقاق الثاني الذي انتظره السوريون، بل ربما عوّل عليه كثيرون بأنه سيكون منطلقاً تأسيسياً جديداً للدولة السورية، وسيكون ترجمة حقيقية لمفهوم المشاركة في رسم ملامح سوريا التي يتطلع إليها السوريون، ولكن انعقاد المؤتمر بطريقة مباغتة يومي (24 – 25 – شباط الماضي)، إضافة إلى طبيعة الدعوات ووقائع الحوار وفحوى مخرجاته، بل الأهم من ذلك اللجنة التحضيرية التي اتسمت باللون الواحد أيضاً ووسمتْ معايير الدعوات وفقاً لمزاجيتها، لعل هذا كله قد فتح الباب من جديد إلى تسلّل الشكوك والريبة إلى نفوس شطر كبير من السوريين وربما بدا يؤسس لقناعة توحي بأن المراد من براغماتية الخطاب لدى السلطة هو مجرّد الاحتواء للرأي المخالف والتفافٌ عليه أكثر ممّا هو نزوع فعلي نحو مفهوم المشاركة، كما بدا يشيع الاعتقاد لدى بعض الأوساط السورية بأن المَعني الحقيقي في خطاب السلطة هو الرأي العام الخارجي الذي تحرص القيادة الجديدة على كَسْبه واستثماره باعتباره الخطوة التي تمهّد السبيل لحيازة الشرعية الدولية ورفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على البلاد، ومع الإقرار بمشروعية هذا النهج – وفقاً لكثيرين – إلّا انه بالنتيجة سوف ينتهي إلى تكريس مبدأ الإقصاء والتهميش، بل ربما إلى التفرّد والاستبداد.

ثم جاء الاستحقاق الثالث التي طالما انتظره السوريون بمزيد من الترقّب، وأعني الإعلان الدستوري الذي لم يكن بالمستوى الذي يتطلع إليه الكثير من السوريين، وليس المعني بهذا الاستياء هم المكوّنات العرقية غير العربية أو الطوائف الإثنية فحسب، بل شطر كبير أيضاً ممّن يحرصون على نجاح السلطة في عبورها للمرحلة الراهنة نحو ضفة الأمان.

ثمة تحدّيات هائلة تواجه الحكومة الحالية ولا يمكن إنكارها أو تجاهلها، لعل في طليعتها التحدّيات الأمنية التي تتمظهر بأكثر من حالة، بدءً من مواجهة فلول النظام البائد التي أودت بأرواح مئات الضحايا سواء من قوات الأمن العام أو من المدنيين، ومروراً بالمناطق التي ما تزال القوى العسكرية فيها تتردّد بالاندماج بمؤسسات الدولة، وصولاً إلى التحديات الإقليمية التي لم تتوان عن النفخ في النار السورية بغية ازدياد لهيبها، وفي مقدمة تلك القوى إيران وإسرائيل، فضلاً عن

الشطر الآخر من التحدّيات ذات الصلة بالعقوبات الاقتصادية التي غالباً ما تخرج عن سياقاتها القانونية لتصبح سبيلاً للاستثمار والابتزاز السياسي من جانب الدول ذات المصالح في الشأن السوري.

لا شكّ ان هذا المشهد الساخن يُنذر بالانفجار ويرتفع فيه منسوب الخوف لدى غالب السوريين من أن تتحوّل هذه التحدّيات إلى معضلات حقيقية تفتح الأبواب لانفجارات داخل المجتمع السوري من جهة، وتمنح الذرائع للمزيد من التدخلات الخارجية من جهة أخرى.

وحيال هذا الواقع المخيف والمُقلق يقف الفاعلون السوريون عبر أنساق ثلاثة، يتصدّرهم الجمهور العام للثورة، بمن فيهم القوى المؤطرة سياسياً من أحزاب وتيارات وتجمعات وطنية، سواء من القوى الوطنية التقليدية التي سبق تاطيرها انطلاقة الثورة، أو ممّن تشكلت ما بعد 2011 ، ولعل السمة المشتركة لهذه القوى أنها بمجملها أقوى مدنية بعيدة عن التشكيلات العسكرية، ولكنها ناضلت عبر سنوات وجسّدت جانباً من النضال السلمي للسوريين في سبيل التغيير، وهي وإنْ لم تخفِ اختلافها الفكري والسياسي مع القوى الإسلامية التي وصلت إلى سدّة الحكم، إلّا أنها شديدة في حرصها على المنجز الذي تحقق في الثامن من شهر كانون الأول الماضي، وهذا ما جعلها تطوي جانباً جميع توجساتها السابقة، وتعمل على دعم التجربة التحررية السورية بعيداً عن أي اعتبارات فكرية أو عقدية، بل يمكن التأكيد على أنها باتت شديدة الاستعداد لتوظيف كل طاقاتها في دعم السلطة الجديدة ورفدها بالخبرات والكفاءات العلمية والمهنية، إلّا أنها – وخلال الأشهر الثلاثة الماضية – كانت تصطدم على الدوام بحائط صدّ من جانب السلطة الجديدة، وهذا الموقف ذاته تكرّر حيال مبادرة العديد من الشرائح المجتمعية الأخرى، كالضباط المنشقين عن النظام والقضاة والفئات المهنية الأخرى.

في حين تقف في الطرف المقابل فئة أخرى ممن لا تجد لها أي مصلحة في عملية التغيير الوطني، فهؤلاء وإن لاذوا بالصمت طوال الأشهر الماضية، إلّا أنهم اليوم وجدوا ما يتيح لأصواتهم أن ترتفع، وقد وجدوا في تعقيدات المشهد السوري فرصة جديدة لممارسة التربّص وتصيّد المواقف بغية الاصطياد بالماء العكر، ولعل الصورة المثلى التي تتجلّى فيها هذه الحالة هي التظاهرة التي خرجت في باريس يوم السادس عشر من آذار الجاري والتي تزعّمها الشاعر (أدونيس) وقد تحلّق حوله رهطٌ من مريديه ومعجبيه، وذلك استنكاراً لما جرى من تجاوزات بحق الطائفة العلوية في الساحل السوري، والمعروف لدى السوريين أن أدونيس ومن في فلكه قد باركوا للنظام الأسدي قتله للسوريين بكل صراحة ووضوح، ولم يكن لبراميل النظام ولا سلاحه الكيمياوي الذي حصد أرواح عشرات الآلاف من السوريين أي مدخل إلى ضمائرهم التي لا يوقظها من سباتها سوى السعار الطائفي.

وحيال هاتين الفئتين المتباينتين تمضي السلطة الحاكمة في تعاطيها الذي حدّدت مساره منذ اليوم الأول للتحرير، فهي ترفض أي تفاعل إيجابي مع الفئة الأولى بذريعة أنها لا تؤثر التعامل مع الأحزاب أو أي أطر سياسية أخرى، وكان العمل الحزبي رجس من عمل الشيطان. وحتى على مستوى الأفراد فهي ما تزال تؤْثر الاستمرار في الاعتماد على موالي النظام البائد ومؤيديه وخاصة في قطّاع السفارات والمفاصل الحسّاسة من مؤسسات الدولة، على العديد من الشخصيات المنتمية إلى جمهور الثورة من أصحاب الكفاءات والخبرات، علماً أن معظم الراغبين في العمل بالشأن العام يُجمعون على أحقية القيادة الجديدة في إدارة البلاد، ولا أحد يسعى للمنافسة على حيازة القيادة، فما الذي يجعل السلطة أكثر ارتياباً من نظرائها في الثورة؟

لا شك أن عملية (ردع العدوان) جسّدت نقطة تحوّل نوعي في مسيرة هيئة تحرير الشام، ولكي يكون هذا التحوّل شاملاً لسوريا جميعها فهو يحتاج إلى جهود كل السوريين.

تلفزيون سوريا

—————————

الأخطار التي تهدد سوريا داخليا وخارجيا/ رياض معسعس

تحديث 18 اذار 2025

«عليك يا سوريا السلام ونعم البلد هذا للعدو» قالها هرقل وهو يغادر سوريا بعد هزيمته النكراء أمام جيش المسلمين الذي انتصر على الروم في معركة اليرموك في العام 636 م.

وبقيت سوريا نعم البلد لكل الأعداء الذين حاولوا غزوها، لأنها كانت دائما الأرض التي تطلعت كل القوى بالسيطرة عليها لخيراتها، وموقعها الذي يضم مقدسات الأديان التوحيدية، ولكونها بلدا حضاريا وذا ثقافات متعددة، ومكونات اجتماعية مختلفة. فهي عرفت الفرس، والرومان، واليونانيين، والعرب، والبيزنطيين، والصليبيين، والمغول، والتتار، والمماليك، والعثمانيين، والفرنسيين، ولكن اليوم وبعد تقطيع أوصالها وسلخ فلسطين، ولبنان، والأردن منها تقع فريسة قوى متعددة تبحث جميعها السيطرة عليها، أو احتلال أراضيها، أو تجزئتها. والأخطار التي تتهدد سوريا اليوم تأتي من الداخل أيضا وربما كانت أشد خطرا من الخارج.

تتمثل الأخطار الداخلية بمجموعة عوامل تجعل الوضع الداخلي السوري على صفيح ساخن، خاصة وأن النظام المخلوع خلف وراءه مجموعة كبيرة من الألغام الاجتماعية، والطائفية، والعرقية القابلة للانفجار، وزج البلاد في أتون حرب أهلية. فهناك مجموعة كبيرة من فلول النظام لا تزال تمتلك الأسلحة وتقوم بهجمات ضد قوات الأمن للنظام الحالي، عدا عن مجموعات كانت تعمل لصالح النظام ويستخدمها في تنفيذ أعمال مختلفة من قتل، وتهريب أسلحة ومخدرات، وترهيب الناس، كميليشيا محسن الهيمد التي واجهت قوات حفظ الأمن في مدينة الصنمين في منطقة حوران. كما أن هناك اللواء الخامس بقيادة أحمد العودة في نفس المنطقة الذي دخل في مفاوضات مع الحكومة الحالية، وهناك بعض فلول النظام في منطقة الساحل التي تقوم بهجمات متكررة على قوات حفظ الأمن، وهناك من يطالب بالانفصال عن الدولة الأم، وفي منطقة دير الزور التي تضم أيضا بعض الجماعات المسلحة التي ترفض تسليم اسلحتها وتهاجم قوات الأمن. لكن الخطر الأكبر يكمن في منطقة جبل العرب في الجنوب، وفي منطقة شرق الفرات في الشمال، في الجنوب في منطقة جبل العرب تسعى إسرائيل لفصله عن سلطة دمشق عبر ضخ أموال ( وعدت بضخ مليار دولار لتحسين أوضاع المنطقة ككل) من ناحية، والسماح للسكان بالعمل في إسرائيل مقابل أن يقوم الدروز بالمطالبة بحكم فيدرالي وحكم ذاتي، وقد قام رئيس وزراء دولة الاحتلال بتهديد السلطة الحالية وحذرها من إرسال قوات إلى الجنوب، وقد قامت مجموعة من الضباط بتشكيل مجلس عسكري برئاسة طارق الشوفي لحماية جبل العرب، وقد شهدت مدينة جرمانا ذات الأكثرية الدرزية مواجهات مسلحة مع قوات الأمن أسفرت عن قتلى وجرحى.

لم تتقبل فلول النظام من عساكر وضباط المنتمين معظمهم للطائفة العلوية الهزيمة التي منيت بها في أقل من أسبوع بسقوط نظام استمر زهاء نصف قرن ونيف بني على الطائفية، ودولة المخابرات، والفساد، والمحسوبيات، والاغتيالات السياسية، والمجازر الجماعية، واضطهاد الأكثرية السنية واستخدام كل الأسلحة بما فيها الأسلحة الكيميائية لقتل أكبر عدد منها، وتهجير الملايين إلى خارج تراب الوطن، ونزوح ملايين آخرين هدمت بيوتهم بالبراميل المتفجرة ليسكنوا مخيمات لسنين طويلة. بعد السقوط المدوي للنظام لجأ معظم هؤلاء للعراق، ولبنان وقاموا بالتخطيط بقيادة ضباط الفرقة الرابعة التي كان يترأسها ماهر الأسد بالهجوم على قوات الأمن في مناطق متعددة من الساحل السوري معقل الطائفة العلوية ممولين ومسلحين من إيران، ومن ميليشيات عراقية، وبدعم من قوات سوريا الديمقراطية الكردية بهدف الانقلاب على الثورة، والنظام الجديد، وشق صف الشعب السوري، والانفصال عن الدولة المركزية، وحسب مصادر متعددة بأن هذه العملية تمت باتفاق مشترك بين أكثر من جهة إيرانية، وروسية وربما عربية من الخارج. ورغم فشل المحاولة ومقتل عدد كبير من عناصرها إلا أن الأخطار كامنة.

منذ بداية الثورة في العام 2011 قام حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني بقيادة صالح مسلم بالنأي بنفسه عن الثورة (المجلس الوطني الكردستاني الذي تأسس في العام 2011 التحق بالثورة وبالمجلس الوطني السوري في بداية الثورة) وقام بالتنسيق مع النظام بالاستيلاء على مساحات واسعة من شرق الفرات بعد أن انسحبت قوات النظام منها طوعيا، وتم تشكيل ما يسمى بقوات سوريا الديمقراطية «قسد» التي ومع الهجوم السريع «لداعش» واحتلال مساحات واسعة من سوريا تدخلت قوات أمريكية وبنت قواعد في المناطق المسيطر عليها من «قسد» ودعمتها لمحاربة «داعش» وتمكنت مع قوات التحالف من هزيمة «داعش» والسيطرة على ربع مساحة سوريا الواقعة شرق الفرات والتي تضم معظم آبار النفط والغاز، والأراضي الزراعية الخصبة، وأعلنت الاستقلال الذاتي.

الأخطار الخارجية تكمن أولا في دولة الاحتلال التي تسعى علانية لتغيير الشرق الأوسط حتى لو لزم ذلك بالحرب كما صرح المتحدث باسم الجيش أفيخاي أدرعي، وقد قام جيش الاحتلال بخرق اتفاقية فصل القوات الموقعة في العام 1974 واحتل عدة مناطق في منطقة القنيطرة، وقمة جبل الشيخ، وتتمركز في أكثر من نقطة على الأراضي السورية، كما قامت بتدمير المنشآت العسكرية البرية والبحرية في عدة مراكز على الأرض السورية دون وازع، وقامت الإدارة الحالية بتقديم شكوى إلى الأمم المتحدة بهذه الانتهاكات الصارخة على الرغم من تصريحات الإدارة السورية بأنها لا ترغب في الدخول بأي مواجهة عسكرية مع أحد. وتأتي كل هذه الانتهاكات في ظل حكم الإدارة الأمريكية الجديدة برئاسة دونالد ترامب التي لم تظهر أي اعتراض على الاعتداءات الإسرائيلية وكأنها توافق ضمنيا على هذه الانتهاكات، خاصة وأن ترامب كرر ضرورة توسيع الرقعة الجغرافية لدولة الاحتلال التي يرى بأنها صغيرة مقارنة بمساحة العالم العربي. في الدرجة الثانية تأتي أمريكا التي بنت قواعد عسكرية في سوريا وتدعم قوات سوريا الديمقراطية «قسد» التي تحتل حوالي ربع مساحة سوريا، كما تحتل في الجنوب السوري في منطقة التنف التي بنت فيها قاعدة عسكرية أخرى. ولا تزال القوات التركية التي تدعم الإدارة الحالية في سوريا تتواجد في أكثر من نقطة في شمال غرب سوريا.

وتبقى إيران الخاسر الأكبر من جراء سقوط النظام السوري الذي كان يؤمن خطوط الإمداد لحزب الله في لبنان، ولم تعترف حتى الآن بالوضع السوري الجديد، وتسعى بطرق مختلفة لقلب النظام في دمشق لعودة نفوذها إلى سوريا بدعم فلول النظام البائد.

كاتب سوري

القدس العربي

———————————-

إيران وإسرائيل في المشهد السوري: صراع نفوذ أم صدفة؟/ د. مثنى عبدالله

تحديث 18 اذار 2025

ألقت الأحداث الأخيرة التي شهدتها سوريا، حزمة ضوء كبيرة على التحديات الأمنية التي يواجهها النظام السياسي الجديد. وهي واحدة من الرهانات الكبيرة التي تقف بوجهه، وربما تحول دون بسط نفوذه على كامل التراب السوري. فالتصعيد الأمني الأخير هو الأعنف منذ الإطاحة بنظام الأسد في الثامن من شهر ديسمبر/ كانون الأول 2024. فقد حصلت اشتباكات بين قوات الأمن والفصائل المسلحة الموالية لها، وبعض ممن يوصفون بأنهم موالون للنظام السابق في المنطقة الساحلية في غرب البلاد. ويقينا أن ما حدث لا يمكن حصر أسبابه بأسباب داخلية فقط، بل يعود أيضا إلى ما يحدث في الإقليم بشكل عام.

بداية لا بد من القول إن الحدث لم يكن وليد اللحظة، أو رفسة أخيرة لمن ينازع الموت، بل كان تحركا عسكريا مُنظما يبدو أنه يُقاد من غرفة عمليات واحدة، أدارت المجموعات المسلحة التي استهدفت قوات الأمن العام، وحاصرت الكثير من مقراته.

على الجهة المقابلة كانت ردة الفعل كبيرة للغاية من قبل الفصائل المتحالفة مع هيئة تحرير الشام. ومن راقب طبيعة العمل العسكري لهذه الفصائل على مدى السنوات الماضية، فإنه كان يقوم على مسألة النفير العام عند وقوع حدث ما، والتوجه بشكل جماعي إلى منطقة الحدث، ثم التعامل مع الحالة، وفق اجتهاد كل فصيل على حدة. وهذه هي طبيعة العمل في كل الفصائل المسلحة، حيث من الصعب حصرها تحت توجيهات غرفة عمل موحدة. وقد انعكس هذا الأمر بشكل واضح في المواجهة الأخيرة، حيث حدثت انتهاكات من قبل الميليشيات المسلحة التي استهدفت قوات الأمن العام، وكذلك المواطنين المدنيين على الطرق العامة، وقابلتها انتهاكات من الطرف الآخر أيضا. فكانت ساعات عصيبة وقاسية جدا واجهها المدنيون السوريون، بحيث غاب الحدث الأساسي الأول وهو الحدث الأمني، وحظر في التفكير حصيلة المواجهة وهم مئات القتلى، ومنهم من الطائفة العلوية. إذن نحن أمام مشهد توقعه الكثير من التحليلات السابقة، التي قالت إن هناك تنسيقا كبيرا بين مجموعات مؤيدة للنظام المخلوع، تعد العُدة للقيام بعمليات أمنية ضد النظام الجديد. ويبدو أن ذلك لم يكن غائبا عن تفكير القيادة السورية الجديدة، فالرئيس أحمد الشرع قالها علنا إن (ما يحصل في البلد هو تحديات متوقعة، لكن يجب أن نحافظ على الوحدة الوطنية والسلم الأهلي قدر المُستطاع). والحقيقة أن هذه التحديات هي نتاج منظومة سابقة استمرت في سوريا ستة عقود، منها 54 عاما لمنظومة آل الأسد، مُورس فيها العديد من المجازر بشكل مُنظم، سواء مجازر حماه في عام 1982 وصولا إلى كل ما شهدته سوريا منذ عام 2011 حتى سقوط النظام. وهذا أنتج مجتمعا سوريا مُدمّرا، وشخصية وطنية تعرضت لكل أنواع الانقسام. وهنا لا بد من الإشارة إلى حقيقة أساسية وهي أنه كان من المنتظر أن تكون مقاومة النظام السابق في منطقة الساحل السوري، ومع الانهيار الكبير في الجيش السوري، وتساقط المدن بيد هيئة تحرير الشام، بالفعل انسحبت فلول النظام السابق الى هذه المنطقة، وبدأت تعيد تنظيم صفوفها. وبمرور الوقت بدا تأثير التحركات الإقليمية واضحا على ما يجري في غرب سوريا، حيث تم الحديث عن اجتماعات في محافظة النجف العراقية بين مستشارين إيرانيين وميليشيات عراقية وغير عراقية، نتج عنها تشكيل ما يسمى المقاومة الإسلامية في سوريا، حسبما أشارت إليه بعض الوكالات الإخبارية الإيرانية.

إن مشاريع إيران في المنطقة وفي سوريا على وجه التحديد بعد سقوط نظام الأسد واضحة جدا، وقد تحدث بها كبار المسؤولين الإيرانيين. كما أن هنالك علاقة تاريخية تجمع ما بين إيران وكبار الضباط في النظام السوري السابق، وهذا يعطيها ميزة التواصل المباشر معهم وتحريكهم. كذلك تتوفر إمكانية جيدة لإيصال السلاح لهم، لذلك كان التحرك الأول لقوات الأمن في النظام الجديد هو تمشيط الحدود العراقية السورية، لكن المشكلة أن هناك جزءا خارج سيطرة هذه القوات، وهي المنطقة التي تسيطر عليها قوات قسد، وهناك اتهامات بأن السلاح يأتي من إيران عبر هذه المنطقة. ولا شك أن إيران لديها مصلحة بحالة عدم الاستقرار التي يمكن أن تحدث في سوريا، وحالة نشوء ما يسمى مقاومة كالتي تم الحديث عنها آنفا، لأنها خسرت كثيرا مع سقوط النظام السابق. لذلك العبث الإيراني بات يتلاقى مع الأطماع الإسرائيلية وتعززها حالة سيولة الدولة التي تشهدها سوريا. وكل هذه الأمور هي وصفة سيئة للغاية. كما إن مشاريع إسرائيل موجودة أيضا فهي لحد الآن تضغط وبشكل كبير على النظام الجديد في سوريا، سواء عبر التوسع والسيطرة وقضم المزيد من الأراضي السورية، أو عبر إثارة حالة من الطائفية، كما جاء على لسان رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو، من أن إسرائيل تحمي الدروز. وهذا يشير الى أن هنالك أيادي إسرائيلية في الجنوب. كما أن هنالك تواصلا مباشرا جرى بين قادة قسد وإسرائيل.

إن حالة الفوضى التي ظهرت خلال أيام الأحداث الدامية تتطلب تحديدا واضحا للمسؤوليات، رغم أن هذا الأمر في غاية الصعوبة. نعم إن مهاجمة المراكز الأمنية وحصارها من قبل الفلول، أدت إلى حالة الفوضى التي رأيناها. لكن عملية النفير العام للفصائل ودخول الكثير من الأطراف غير المنضبطة، لفك الحصار أدت الى الانتهاكات التي حصلت. وعليه فالانتهاكات كانت من جميع الأطراف والسلطة الحالية تتحمل جزءا كبيرا من المسؤولية عما حدث، ولن يستطيع أحد أن يقول إن كل ممارسات الأجهزة الأمنية الجديدة كانت ممارسات سليمة. كما لا يستطيع أحد أن يقول ليست هنالك أياد خارجية تُحرّك، وليست هنالك عصابات في كل المناطق السورية كانت مستفيدة من الكبتاغون ومن تهريب الآثار، باتت عاطلة عن العمل فأظهرت نقمتها في الحادث الأخير. لكن التحرك بشكل سريع لتقديم كل المنتهكين إلى العدالة ضرورة مُلحة أمام العهد الجديد.

يقينا أن ما حصل مؤخرا، كان أمرا مؤسفا للغاية، خاصة أنه كان من أهم شعارات الثورة السورية هو تحريم الدم المدني السوري. لكن إرث 54 عاما يبدو أنه ظهر اليوم في الحادث الأخير. وأن عكس هذه الحالة يتطلب المزيد من الوقت والعمل، وليس بإمكان الرئيس أحمد الشرع أن يصنع المعجزات في زمن قصير. لكن عليه أن يكون صارما أكثر كي لا يؤثر هذا الأمر على شرعية الإدارة السورية الجديدة، وفي مقدمتها الرئيس نفسه، خاصة أن هذا كان شرطا من شروط المجتمع الدولي للاعتراف بالسلطة الجديدة.

كاتب عراقي

————————-

هذا الفيديو دليلك إلى الكارثة السورية/ راشد عيسى

تحديث 18 اذار 2025

إلى ما قبل السادس من آذار/مارس الماضي، كانت أهزوجتنا اليومية الأثيرة عبارة تقول إن الأكثر صعوبة بات وراءنا، وإن المجزرة الموعودة، التي ظل النظام الأسدي البائد يخوّف بها العلويين، ويهدد بها كل الأقليات، بل الكون برمته، قد توارت الآن.

كنا نسخر من تصديق الناس لأكذوبة النظام هذه، تماماً مثلما سخرنا، وغضبنا طوال أكثر من عقد ممن صدّقَ وروّجَ لهتاف مزعوم على أنه رُدّد في تظاهرات السوريين: «مسيحية ع بيروت، وعلوية عالتابوت» (ما زلنا نصرّ على أنه هتاف مزعوم)، فلم يكن هناك أوضح من رغبة السوريين العارمة في حمل الثوار، أو المتضامنين مع الثورة، المتحدّرين من منبت أقلوي على الأكتاف، وقد حدث بالفعل عندما رُفع عارف دليلة ومنتهى الأطرش وآخرون، وعلى أكفّ الراحة. ولم يكن بالإمكان تكذيب عيوننا ومعايشاتنا وتصديق أكاذيبهم.

استحالة الإنكار

لذلك كان التلكؤ في تصديق المجزرة مفهوماً، فلا أحد يريدها، خصوصاً الإدارة السورية الجديدة، التي ضربت المثل ببراغماتيتها في سبيل الحصول على اعتراف دولي، يفضي إلى الإفراج عن أموال ومساعدات تُوسِّع عيش السوريين. وما دام هنالك وعد بالعدالة الانتقالية فلماذا سينغص السوريون المؤمنون بدولتهم الجديدة على أنفسهم احتفالهم بارتكاب مجزرة!

كان التلكؤ مفهوماً أيضاً في ظل طوفان الأكاذيب والأخبار المزيفة. إلى أن جاءت الأخبار من أسماء نعرفها ونثق بمصداقيتها، التي راحت تتحدث عن قرى وأهل وأسماء، ومن بينها المعارضة والمعتقلة السابقة هنادي زحلوط، التي نعت إخوة ثلاثة لها أعدموا ميدانياً، كما جاء في منشور لها على فيسبوك. فهذا صوت موثوق، يحكي قصة شخصية غير منقولة.

وكما يحدث دائمًا في المآسي، ستأتي اللحظة التي يصبح فيها الإنكار مستحيلًا. هكذا تتالت الأخبار عن قتل طائفي استهدف عائلات في حيّ القصور في مدينة بانياس، وفي سلسلة بلدات وقرى واقعة شمالاً على طول الساحل، بما في ذلك المختارية، والشير، والشلفاطية، وبرابشبو، حيث تتركز الطائفة العلوية، حسب تحقيق لـ «رويترز» نُشر منذ يومين.

ومع الأخبار وصلت فيديوهات عديدة، من بينها واحد كان الأفظع، لأم سورية أمام ثلاث جثث (لابنين وحفيد لها) ملقاة أمام البيت، فيما يجادلها قاتِلوهم بحوارٍ مخزٍ: «هذول ولادك.. نحن عطيناكم الأمان، بس أنتم غدارين»، و»استلمي ولادك». حوار مهين، لا لأنه طائفي وحسب، بل لأنه لم يراع أقدس المشاعر وأكثرها نبلاً. هل هناك أكثر توحشاً من أن يُقتَل أبناءٌ أمام والدتهم، ويُتركون جثثاً مكشوفة في الطريق، ثم يُشرِع القَتَلة بـ «مكايدة» الأم! قد يسعفنا هنا شطرٌ من قصيدة لمحمود درويش، فيما يتحدث عن محمد الدرة، الولد الفلسطيني الذي قُتل على يد جنود إسرائيليين على مرأى العالم كله في مشهد للتاريخ، عندما وَصَفَ فهداً رآه على شاشة التلفزيون يحاصر ظبياً رضيعاً، قالَ: «حين دنا منه شم الحليبَ، فلم يفترسه، كأن الحليب يروّض وحش الفلاة». أما هؤلاء المسلحون الطائفيون، قَتَلَة أبنائها، فلم يردعهم حليبٌ، ولا حَوَمَان أمٍّ في الثمانين حول جثامين أبنائها، فلقد جاءت التفاصيل الأخرى، ما وراء الفيديو، أفظع، حيث حُرمت مع دفنهم لأيام، فيما أصرّوا على الإقامة لبعض الوقت في بيت يقع قبالة بيتها.

مع هذا الفيديو، لا ينفع أن تستحضر أسباب الدنيا كلها لتبرير القتل، والأسئلة كلّها مألوفة ومكررة لتسويغ القتل في الحرب: اُنظر من الذي بدأ، اُنظر من قَتَلَ أكثر.. اُنظر إلى 13 عاماً من القتل والمجازر والتهجير والتدمير والبراميل العشوائية المتفجرة، وكل هذا صحيح، لكن هذا الفيديو بالذات يستحق انتزاعه من أي سياق، فما جاء فيه كافٍ لقراءة الكارثة التي تحلّ بنا، في أي مستنقع بتنا، بعد أملٍ واحتفال وأعراس نصر مديدة!

أخلاق الحرب

لماذا قُتل شبان مدنيون على الفور حتى قبل أن يجيبوا عن سؤال إن كانوا علويين أم لا؟ وحتى قبل أن يُسألوا إن كانوا مع النظام أم ضده، إن كانوا عسكريين أو مدنيين.. فالقتلة يعرفون أنهم في قرية علوية تستحق الإبادة، وهم «غدارون» بالجملة، يستحقون القتل حتى من دون محاكمة، و»الدعس»، والتنكيل، وانتزاع حقهم بدفن كريم. ليس هؤلاء هم أنفسهم الثوار الحالمين بدولة عدالة ومساواة، فمن يريد العدل حقاً يعرف أن «العين بالعين»، خارج نطاق القضاء، ستجعل العالم كلّه أعمى.

صحيح أن فلول نظام الأسد وشبيحته اتخذوا من الساحل أوكاراً لجريمتهم، وصحيح أن مشروعهم سيتقاطع مع رغبات دولية للانقلاب على الإدارة السورية الجديدة (روسيا للتفاوض على قاعدتين عسكريتين في الساحل، إيران التي لا تريد أن تصدق أنها خسرت سوريا ولبنان وغداً اليمن، وربما أطراف أخرى متضررة)، لكن هذا لا يسوّغ التعامل مع 9-11 بالمئة من السوريين (النسبة المفترضة للعلويين من السوريين) على أنهم غدّارون يستحقون القتل بجريرة جرائم الفلول، ولنفترض أنهم عسكر في غالبتيهم فلا يمكننا إنكار وجود مدنيين، ونساء وأطفال، وكبار سن.. (وبالطبع لم يصل الأمر إلى حدّ إبادة طائفة برمتها، ولكن الدخول إلى حيّ ومحاولة قتل كل من فيه هو صورة مصغرة عن رغبة أشمل، قد يسهم في تسهيلها ثقافة تكفيرية عند بعض الفصائل).

وإذا أردنا ألّا نثقل على الفصائل المسلحة، التي هبّت يوم إعلان «النفير» في عموم البلاد، يوم انقلاب الفلول، بالحديث عن شرعة حقوق الإنسان، وحقوق الأسرى، وقوانين الحرب، فيمكننا التذكير على الأقل بوصايا الخليفة أبي بكر الصديق لجيشه: «لا تخونوا، ولا تغدروا، ولا تغلّوا، ولا تمثّلوا، ولا تقتلوا طفلاً صغيرًا، ولا شيخًا كبيرًا، ولا امرأة، ولا تقطعوا نخلاً ولا تحرقوه، ولا تقطعوا شجرة مثمرة، ولا تذبحوا شاةً ولا بعيرًا إلا لمأكلة، وسوف تمرّون بأقوامٍ قد فرّغوا أنفسهم في الصوامع، فدعوهم وما فرّغوا أنفسهم له».

أو وصايا عمر بن الخطاب: «إياكم والمُثلة ولو بالكلب العقور».

إنها الرأفة حتى بكلب ونخلة! فما بالك بقتل نساء وأطفال وانتهاك حرمات البيوت وسرقات!

يجري الحديث، كنوع من التبرير لقوات الأمن العام الحكومية، عن انتهاكات فردية وفصائل مسلحة ليست تماماً تحت السيطرة، ولكن هناك فيديوهات عديدة للأمن العام بوجوههم الصريحة يظهرون فيها وهم يعتقلون أفراداً ملاحقين ومشتبها بهم ليست سوى انتهاك للكرامة أيضاً، ولو أننا هنا سنسعد أنهم لم يقتلوهم ويرموهم على قارعة الطريق، لكن لا تنكر تلك الرغبة بمحاكاة النظام البائد بانتهاكات مماثلة، فقد ظهرت فيديوهات طبق الأصل، فمقابل فيديو شهير لجندي نظام الأسد يدخل حي بابا عمرو الحمصي مع عبارة يقول فيها: «بابا عمرو سابقاً»، سنجد مقاتلاً مسلحاً يصور نفسه في فيديو يقول: «كان في قديم الزمان مدينة اسمها جبلة، اِلْتَعَن سلّافها، صارت صحراء، حرقوها حرق».

لقد أصبحنا في مواجهة مناخ عام مسموم يَسمح بارتكابات، وبعد أن تغنّينا لأربعة أشهر بطقس احتفالي مضاد تماماً، بتنا لا نجرؤ اليوم على مجرد الإشارة لأصغر انتهاك، يقرّ رئيس البلاد بحدوثها، ويعد بمحاسبة مرتكبيها، أما رفاق الطريق، الذين طالما نادوا بالحرية والعدل لنا ولشركائنا في البلاد، بل ودفعوا أثماناً من أجل ذلك، فما زالوا يعاندون.

٭ كاتب من أسرة «القدس العربي»

القدس العربي

————————–

المعضلة السورية والخروج الآمن/ د. حسن أبو طالب

 18 مارس 2025 م

لا ينكر أي متابع لما يجري في سوريا، أكان عالماً بدهاليز السياسة أو شخصاً عادياً، أن سوريا تعيش الآن مرحلة مخاض مملوء بالاضطرابات والإشارات المتضاربة. فأبعاد المعضلة السورية تتكشف بين لحظة وأخرى، وما يوصف بأنه خطوة إيجابية مبشرة سرعان ما تتكشف تفاصيله، بأنه إما فاقد لآليات التطبيق، كما هي الحال في الاتفاق بين الرئيس أحمد الشرع والأكراد السوريين، ممثلين في زعيم «قسد» مظلوم عبدي، وإما يتجاوز طموحات قطاعات عريضة جداً من السوريين الآملين في العيش تحت سقف قانون عادل ومنصف، يرسخ المساواة بين كل السوريين، ومساحة من الحريات للجميع، أياً كانت طائفتهم أو دينهم أو منطقتهم الجغرافية.

فكثير من قرارات السلطة الجديدة وإن غُلِّفت بنيَّات حسنة، فإن أسلوب تطبيقها لا يوفر أساساً لمصالحة سورية عامة، ولا يعطي مؤشراً قوياً على أن المستقبل القريب يستند إلى آليات حكم غير التي كانت قبل اختفاء بشار الأسد وانهيار نظامه. والأمثلة كثيرة، فالمنهج الذي صيغت به الوثيقة الدستورية الموصوفة بأنها انتقالية، تشتمل على 53 بنداً، تماثل من حيث الشكل العام الدساتير الدائمة التي تصدرها الدول المستقرة، وفق إجراءات شفافة ومشاركة واسعة، وتخضع لحوار مجتمعي حقيقي؛ إذ لم يحدث شيء من هذا. فلجنة الدستور شُكِّلت بقرار رئاسي، ولم تتواصل مع مكونات الشعب السوري، وفي خلال أسبوع واحد وضعت وثيقة دستورية لخمس سنوات انتقالية مرة واحدة، تماثل من حيث الشكل أيضاً مدة رئاسية كاملة في كثير من الدول التي تعتمد أسلوب الانتخاب لاختيار الحاكم.

ولا أدري؛ لماذا لم تُشكل طاولة حوار مجتمعي موسعة تستمر شهراً أو شهرين، تشارك فيها رموز من مختلف المكونات السورية، وتُقر مبادئ لمرحلة انتقالية لفترة زمنية محدودة لا تزيد على عامين، وبعدها انتخابات حرة لبدء حياة سياسية مستقرة تعلن بها عن سوريا جديدة لكل مواطنيها؟

إن التسرع في إصدار وثيقة دستورية مفصَّلة توفر للرئيس سلطات واسعة -وإن قيل إن ظروف سوريا تتطلب يداً حازمة قادرة على التعامل الحازم مع التحديات- اتضح معه أن ردود الفعل من مكونات سورية كثيرة ترى الأمور عكس ما استُهدف، مما يضع أعباء على الرئيس وحكومته، في الداخل كما في الخارج. فهناك من يرى أن سوريا الجديدة لا تحمي كل مواطنيها، وبخاصة أصحاب العقائد ذات الخصوصية، ومن ثَم يبررون لأنفسهم تقديم مظلة حماية لهؤلاء المتضررين، ويستشهدون بما ورد في الوثيقة الدستورية وطريقة إصدارها.

داخلياً، «قوات سوريا الديمقراطية» الكردية (قسد)، رأت أن الدستور الانتقالي يتناقض مع المبادئ الواردة في الاتفاق الموقع مع الرئيس أحمد الشرع. ومواقف فئات علوية ودرزية -وإن اختلطت فيها التحفظات والرفض والصمت- تعد إشارات ذات دلالة، وفي الخلفية من ينذر باللجوء إلى السلاح؛ سواء مَن يوصَفون بالفلول، أو بالمتشككين في النظام الجديد، ومن ثم فالأمر يتطلب معالجة رشيدة، بدلاً من أن تتفاقم الأمور، على النحو الذي تنذر به زيارات بعض رجال الدين الدروز السوريين إلى داخل الجولان المحتل، مع مراعاة أن من بين الدروز السوريين من انتقد الزيارة؛ رغم محاولات صبغها دينياً، ونفي دلالاتها السياسية.

وثائق الدستور في المراحل الانتقالية ليست وثائق مقدسة، فإن فرضَت التجربة العملية التغيير في بنيتها كلياً أو جزئياً، فمن الحصافة والحكمة لمن يملك القرار أن يتجاوب مع تلك التحفظات، وأن يوسع مساحة المشاركة، وأن يثبت وعوده في احتواء الجميع من دون استثناء.

معضلة الدستور الانتقالي تمتد إلى كثير من القرارات التي لم تضع في اعتبارها أن انهيار النظم لا يعني بالضرورة التخلص من كل مؤسساتها بجرة قلم، وبالأخص: الجيش، والشرطة، والاستخبارات، والخارجية، والتعليم، والاقتصاد. ففي تلك المؤسسات فئتان: الأولى هي العليا التي تماهت مع النظام السابق، ويُفترض التخلص منها ومحاسبة المخطئين بالقانون على تجاوزاتهم في حق الناس، والثانية الغالبية من التقنيين والإداريين، ولا يعدُّون مسؤولين كالفئة الأولى، وتظل لديهم معرفة معقولة بإدارة كثير من الملفات، والتي يحتاج إليها أي نظام جديد، وبقليل من الترشيد يظل هؤلاء عنصراً مهماً في بناء النظام الجديد.

والثابت أن نتيجة التضحية بالفئتين معاً والبدء من الصفر -كما يحلو للبعض وهم في حالة نشوة ثورية زائفة- تكون بلداً بلا جيش ولا أمن، ولا فئة تكنوقراطية، ولا خبراء ولا علماء، وبالتالي يضع النظام الجديد نفسه في دوامة لا نهاية لها، فضلاً عن أطماع خارجية شرسة.

وقد يجد البعض من صانعي النظام الجديد غضاضة في احتواء قطاعات من العاملين في تلك المؤسسات كأساس تقني يُعتمَد عليه، خوفاً من عدم الولاء للنظام الجديد، وهو أمر تغيب عنه التداعيات الخطرة التي يتضمنها لفظ آلاف من الموظفين والعمال، وتركهم وأُسَرهم بلا عمل ولا مورد رزق، ما يدفع كثيرين منهم إلى الانزلاق إلى أعمال عدائية؛ سواء فردية أو جماعية.

وفي التجارب التي شهدت تحولات ثورية عميقة، واعتمدت مبادئ العدالة الانتقالية منهجاً لإعادة البناء، انتقلت البلاد من الفوضى إلى الارتقاء، وشهد لها الجميع بالرشادة السياسية، وهنا يبرز كل من تجربتَي: رواندا في عهد بول كاغامي بعد المذابح الأهلية 1994 بين الهوتو والتوتسو، والتحول إلى بلد مستقر يحقق تنمية مشهودة، بعد اعتماد سياسة المصالحة الوطنية، ونبذ العنف والتعددية السياسية، وتجربة جنوب أفريقيا الشهيرة بعد سقوط النظام العنصري فيها 1990. قد تأخذ بعض تلك الإجراءات وقتاً لتصبح منهجاً مجتمعياً متكاملاً، ولكنها تستحق التطبيق.

الشرق الأوسط

———————————-

سوريا بين مطالب الخارج وتحديات الداخل/ أحمد محمود عجاج

رحل بشار الأسد وترك سوريا خربة؛ باقتصاد منهار، ونازحين بالملايين، ووضع داخلي مشتعل، وعقوبات دولية. حكومة الرئيس أحمد الشرع تبدأ من الصفر، وفوق ذلك عليها مواجهة أطماع إسرائيل، ومؤامرات إيران، ومطالب دولية جارحة للسيادة. فالشرع في ورطة: لا هو قادر على الحسم العسكري، ولا مستعد لقبول إملاءات الخارج؛ وهذا يستلزم منه براعة وصبرًا لاستيعاب التناقضات الدولية والإقليمية، والنفاذ منها للحفاظ على الكيان السوري، وإلا فإن التَّفتت وارد جداً أمام مطالب الدروز، والعلويين، وانفصال الأكراد.

إن رفض بعض زعماء الدروز الانضمام لسلطة الحكومة المركزية نابع من الدعم الإسرائيلي الفاضح، وشعورهم بأن الفرصة مواتية للفيدرالية؛ فالفيدرالية تُضعف سلطة الحكومة المركزية، وتقوِّي الأقليات على حساب الأكثرية، وهذا يمنح إسرائيل وإيران وغيرهما أوراقاً في الداخل السوري. هذا الكسب الفيدرالي يمثل خسارة كبرى لتركيا والعرب؛ الأولى تجد في الفيدرالية خطراً على أمنها. والعرب على أمنهم القومي، ووحدة تراب سوريا؛ لذلك شاهدنا اندفاعة دبلوماسية سعودية لتسويق الاعتراف الدولي بالحكومة الجديدة، واحتضاناً تركياً لتوفير حماية أمنية لها. وتجلى ذلك بدعم الحكومة السعودية السريع للسلطة السورية في أثناء تمرد الساحل، وبتحرك تركيا عسكرياً؛ وهذا لقي قبولاً من الإدارة الأميركية.

هذا التناغم دفع الأكراد للمسارعة إلى مصالحة السلطة في دمشق، وتوقيع اتفاق مبدئي معها، يعزز السلطة المركزية؛ وهذا سببه خوف الأكراد من سحب ترمب قواته من مناطقهم، وغياب روسيا بوصفها قوة رديفة. وبالفعل أكدت صحيفة «وول ستريت جورنال» دور أميركا في هذا الاتفاق مع دمشق. وهذا حشر الدروز في زاوية صعبة، لكونهم يشكلون اثنين في المائة من سكان سوريا، وليس منطقياً أن يُمنحوا هذا الامتياز الفيدرالي. كذلك الرئيس ترمب قد لا يسمح لإسرائيل بأن توسع تدخلها في سوريا؛ لأن ذلك قد يضر برؤيته المتمثلة في الانسحاب من المنطقة، وتسليمها إلى حلفائه لحفظ مصالح أميركا، مثل محاربة «داعش»، ونقل مساجينها إلى رعاية الدولة السورية بضمانة تركية؛ فترمب -رغم دعمه لنتنياهو- تفاوض فوق رأسه مع «حماس»، وأجبره على قبول اتفاق وقف إطلاق النار، وسيرغمه على تجنب أي مواجهة محتملة مع الأتراك؛ لأن ذلك قد يدفع الحكومة السورية إلى الارتماء أكثر في حضن أنقرة، علاوة على أن ذلك يبعد فكرة السلام في المنطقة، والتي من خلالها يريد ترمب أن يكون صانع سلام تاريخياً.

ومن حسن حظ الحكومة السورية أن أوروبا وروسيا منشغلتان بالحرب الأوكرانية، ولا ترغبان في تعقيدات بالشرق الأوسط، وبالذات أوروبا التي تخشى موجات مهاجرين، والتي تتطلع لإعادة السوريين إلى بلادهم. كما أن مسارعة الحكومة السورية لمعالجة التجاوزات في الساحل السوري، وتشكيل لجنة تقصٍّ، وتعويض المتضررين، قابله ارتياح أوروبي تمثَّل بدعوة المفوضية الأوروبية للرئيس الشرع لحضور مؤتمر المانحين لسوريا المنعقد أمس في 17 مارس (آذار) في بروكسل. فالخوف من تصدُّع سوريا هاجس أميركي وأوروبي، ولذلك أقنع الأميركيون فصائل التنف بالانضمام للدولة، وسمحوا لقطر بإمداد سوريا بالغاز.

وتدرك روسيا بالمقابل وضعها المتأزم مع الشعب السوري، وكل همها الآن إبقاء قاعدتها البحرية في طرطوس؛ لأنها المنفذ الحيوي للقارة الأفريقية؛ هذه المصلحة الروسية تجعلها على تضاد مع أي زعزعة إيرانية لسوريا.

هذه المعطيات الدولية ليست ثابتة، وعلى حكومة الشرع فهم تحولاتها وتقلباتها، لبناء الدولة القوية؛ فاللحظة مناسبة لتقديم مصالح شعب سوريا على مطالب الخارج، وبالذات رفض مخاوف الخارج المزيفة على الأقليات؛ فالمطالبة بتمييع الأكثرية -كما يقول وزير خارجية الهند جايشانكار- أصبح «مع الأسف موضة سياسية تجبر الأكثرية على إخفاء دينها». فسوريا الجديدة لن يكون فيها خوف على أقليات، ما دامت حكومتها تلتزم بالدستور، وحكم القانون، وتكافؤ الفرص، واحترام حقوق الإنسان، وما دامت تحظى بتأييد شعبها، وما دامت تحرص على التوافق السعودي- التركي الذي تحتاجه لسنوات طويلة.

سوريا اليوم ليس كتلك التي تركها الأسد؛ بل دولة يحميها الشعب، ويحضنها إخوتها العرب، ونموذج واعد للتعايش.

الشرق الأوسط

—————————–

استثمار “الانفجار الطائفي” في سوريا/ خالد الجرعتلي  |حسن إبراهيم | علي درويش

خبراء يناقشون الدوافع الداخلية والخارجية

18 أذار 2025

شهدت سوريا خلال الأيام الماضية إحدى أسوأ موجات العنف منذ سقوط نظام بشار الأسد في 8 من كانون الأول 2024، بدأت شرارتها بكمين من مسلحين موالين للنظام المخلوع في الساحل السوري أو من تصفهم الحكومة السورية بـ”فلول النظام”، استهدف عناصر الأمن في حكومة دمشق المؤقتة.

تحولت الأحداث سريعًا إلى مواجهات عنيفة دامية، ارتُكبت خلالها انتهاكات طالت مدنيين من أبناء الساحل السوري، واتّسم معظمها بطابع انتقامي وطائفي، وتضمنت عمليات قتل خارج نطاق القانون، شملت إعدامات ميدانية وعمليات قتل جماعي ممنهجة بدوافع انتقامية وطائفية، وفق ما وثقته تقارير حقوقية.

التوترات التي أعقبت الأحداث، وما رافقها من شعارات وأبعاد طائفية، بدأت في 6 من آذار الحالي، وأدت إلى مقتل 803 أشخاص خارج نطاق القانون، قوبلت بتنديد شعبي ورسمي محلي ودولي واسع.

وتزامنًا مع موجة العنف التي ضربت المنطقة، علت الأصوات السورية لنبذ النزعات الطائفية، وضرورة مكافحتها، والحفاظ على السلم الأهلي وعلى سوريا واحدة بجميع مكوناتها، وعدم جر البلاد نحو السمّ الطائفي، ومحاسبة مرتكبي الانتهاكات.

تناقش عنب بلدي في هذا الملف تداعيات الأحداث التي شهدها الساحل السوري، وسبل الوصول إلى حلول تخفف من وطأة النزعة الطائفية بين فئات من السوريين، ودور الحكومة فيها.

مبادرات وأصوات رافضة للطائفية

بالتزامن مع عملية “ردع العدوان” التي أدت إلى سقوط نظام الأسد، وهروب بشار إلى روسيا، بدا التأكيد واضحًا على تجنب ومنع إثارة النعرات الطائفية في سوريا وتصاعد لاحقًا، وحملت المعركة رسائل منع الاستهداف على أساس عرقي أو مذهبي أو طائفي، وما تبعها من اجتماعات وخطابات وتشكيل لجان، فكان نبذ الطائفية والمحاصصة ومنع تطييف المجتمع ومراعاة التنوع حاضرًا على لسان المسؤولين، بدءًا من رأس الهرم، أحمد الشرع، رئيس سوريا للمرحلة الانتقالية، وصولًا لمسؤولين في الحكومة.

وبالتزامن مع توترات الساحل السوري، قال الشرع، إن بعض الأطراف التي خسرت من الواقع الجديد في سوريا، تحاول أن تعيد نفسها إلى الساحة السياسية عبر إثارة النعرات الطائفية في سوريا، وإن احتمالات اندلاع حرب أهلية كانت كبيرة وقريبة.

لجان لتدارك الموقف

أصدر الشرع قرارين بتشكيل لجنة عليا للحفاظ على السلم الأهلي في سوريا، مؤلفة من المكلف بتسيير أعمال محافظة اللاذقية حسن صوفان، والدكتور أنس عيروط، والدكتور خالد الأحمد، ولجنة تقصي حقائق مكونة من خمسة قضاة وضابط ومحامٍ، للتحقيق بعد الأحداث الدامية في مدن الساحل غربي سوريا.

عضو لجنة السلم الأهلي، الدكتور أنس عيروط، قال لعنب بلدي، إن الهدف الأساسي من عمل اللجنة هو تقديم الدعم المعنوي من خلال توطيد الأمن بين أفراد المجتمع بمختلف طوائفه وأديانه، وتقديم الدعم المادي من خلال الإغاثة لسد حاجة المحتاجين، وقد أشار إليهما باقتباس من القرآن الكريم: “الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف”.

وأضاف أن أدوات السلم الأهلي كثيرة، ومن أهمها بث قنوات ومنصات التواصل الاجتماعي بين مختلف شرائح المجتمع، وفتح باب الحوار من خلال عمل ندوات أو مجالس اجتماعية، وتكثيف اللقاءات، فهي بدورها كفيلة بقطع الألسن وتقريب وجهات النظر وإصلاح سوء التفاهم وإزالة الفجوة.

ومن أدوات السلم الأهلي، تشكيل مجلس إصلاحي من أهل العقل والرأي وتفعيله ليقوم بدوره في تحمل المسؤولية، ويكون صلة الوصل بين الأهالي والجهات الرسمية، وفق عيروط.

رجال دين ينظمون وقفة احتجاجية لمحاسبة مرتكبي الاعتداءات والتضامن مع الأمن العام والجيش السوري – 11 آذار 2025 (محافظة حلب/ تلجرام)

رجال دين ينظمون وقفة احتجاجية لمحاسبة مرتكبي الاعتداءات والتضامن مع الأمن العام والجيش السوري – 11 آذار 2025 (محافظة حلب/ تلجرام)

أبرز أعمال لجنة السلم الأهلي في الساحل السوري:

    الاجتماع بالأهالي وممثلي الطوائف من أجل الحوار وطرح الحلول للوصول إلى السلم الأهلي.

    تفعيل دور المخاتير واللجان الشعبية والتواصل معهم.

    الدعوة لمحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات والاعتداءات من أي جهة كانت.

    التوجيه لنبذ الخطاب الطائفي عن طريق الأئمة والخطباء.

    التنسيق مع جهاز الأمن من أجل وضع الحواجز على مداخل البلدات والأحياء السكنية حماية لها.

    دعم فكرة سحب السلاح من كل المدنيين وتسليمه لجهاز الأمن.

عيروط: نرفض الخطاب الطائفي

أكد عيروط أن العناصر العسكريين تلقوا توجيهات وتعليمات بعدم الاعتداء على المدنيين والأبرياء، وقد رأى العالم كيف دخلوا دمشق والساحل بـ”الأهازيج والأفراح” ودون قطرة دم واحدة، واستمروا على ذلك أكثر من ثلاثة أشهر، في منتهى التعايش والتلاحم، في سيطرة تامة على هذا الأمر من قبل الدولة وأهل الرأي والعقل، وجرت الحيلولة بينهم وبين الانتقام الذي كان متوقعًا في الغالب نتيجة المجازر التي ارتكبتها “العصابة الأسدية” باسم الطائفية.

وأضاف خلال حديثه لعنب بلدي أن ما حصل هو “تحريض الفلول أو عصابات الأسد البائدة”، والتجييش مع “الاعتداء السافر” على قوى الأمن والجيش ومحاصرة المستشفيات والمساجد، بالتنسيق مع بعض الميليشيات الإيرانية و”حزب الله” وغيرهم، فكان ما كان من الجرائم والتنكيل بعناصر قوى الأمن والشرطة والجيش والمدنيين من جميع الطوائف الأبرياء، التي “راح ضحيتها أكثر من 300 شهيد فضلًا عن الجرحى”، وهنا كان لزامًا على الدولة التدخل بقوة وحزم حفاظًا على أمن الدولة والسلم الأهلي.

عيروط ذكر أن أرتال القوات الحكومية فكت الحصار عن مستشفى اللاذقية، وعملت على تطهير البلد من عصابات الفلول، وكل ما حصل من تجاوزات كان عقب دخول الأرتال، حيث دخل بعض الأفراد هنا وهناك من خارج المنطقة، وربما من أهل من جُرح ونُكب على أيدي الفلول وغيرهم، فأصبحت هناك عمليات انتقام فردية غير منضبطة.

لجنة السلم الأهلي أسهمت بتهدئة الوضع وتأمين الأهالي في بيوتهم، وعملت على اللقاء بأهالي القرى، وزارت قرى الطائفة العلوية مرارًا من أجل دعم أهلها وتأمينهم وتهدئتهم في قراهم وبيوتهم والعمل على صيانة شبكات الكهرباء والماء لعودة الحياة، ورد بعض المسروقات إلى أصحابها.

وقال عيروط، إنه يرفض الخطاب الطائفي جملة وتفصيلًا، خاصة أنه ليس من الدين، مع تأكيده على أن غرفة العمليات ومن بعدها الحكومة دعت العناصر إلى الانضباط بضوابط الدين والقانون والأخلاق.

وذكر عضو لجنة السلم الأهلي أن اللجنة أسهمت بتهدئة الوضع وتأمين الأهالي في بيوتهم، وعملت على اللقاء بأهالي القرى، وزارت قرى الطائفة العلوية مرارًا من أجل دعم أهلها وتأمينهم وتهدئتهم في قراهم وبيوتهم والعمل على صيانة شبكات الكهرباء والماء لعودة الحياة، ورد بعض المسروقات إلى أصحابها.

لا لتفكيك النسيج الاجتماعي

خرجت أصوات وبيانات ومبادرات مجتمعية رافضة للطائفية، ونددت بالانتهاكات وأكدت على التمسك بالوحدة الوطنية، والعمل المشترك لإعادة بناء سوريا وفق أحلام ورؤى أبنائها، منها بيان صادر عن كافة مكونات مدينة سلمية وريفها التي يقطنها مزيج من مكونات تنتمي لطوائف مختلفة.

    بنود بيان صادر عن جميع مكونات مدينة سلمية وريفها:

        التمسك المطلق بالسلم الأهلي ورفض أي محاولات لزعزعة الاستقرار أو العبث بالأمن العام.

        الإدانة الشديدة للاعتداءات التي قامت بها فلول النظام السابق.

        الإدانة الشديدة للاعتداءات الإجرامية التي تعرض لها الأهالي في مدنهم وقراهم على يد الأطراف الخارجة على القانون، والدعوة للعمل بشكل حازم على وقف نزيف الدم السوري.

        الوقوف الكامل إلى جانب الدولة السورية ومؤسساتها الأمنية والمدنية في جهودها الرامية إلى حماية المواطنين وتعزيز الأمن والاستقرار.

        تثمين عالٍ لقيام الدولة بتشكيل لجنة تقصي حقائق مستقلة.

        حصر السلاح بيد الدولة.

        دعوة جميع القوى الوطنية والمجتمعية إلى التحلي بأعلى درجات المسؤولية والوعي، ونبذ كل أشكال التحريض والفتنة.

        دعم الدولة في مسيرتها نحو إعادة بناء دولة القانون والمواطنة وفق مبدأ التشاركية في صنع القرارات، والتأكيد على أهمية تطبيق العدالة الانتقالية.

        التأكيد على وحدة التراب السوري ورفض أي محاولة للتقسيم، ورفض التدخلات الخارجية.

        الترحيب بالاتفاق الذي جرى بين “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) والحكومة السورية.

جامعة “قرطبة” الخاصة بمدينة حلب، نظّمت من جانبها وقفة للطلاب والكادر التدريسي والإداري، حملوا فيها الورود والمشاعل، ودعوا إلى وحدة أراضي سوريا وشعبها ودعم الجهود الحكومية في هذا الخصوص، مع نبذ خطاب التحريض والكراهية والطائفية.

رئيسة جامعة “قرطبة” الخاصة في حلب، الدكتورة لارا قديد، قالت لعنب بلدي، إن الخطاب التحريضي القائم على أساس طائفي يحدث شرخًا عميقًا بين مكونات الشعب السوري، ويعزز الانقسامات ويؤجج مشاعر الكراهية والعداء.

واعتبرت قديد أن هذا النوع من الخطاب يسهم في تفكيك النسيج الاجتماعي، ويزيد من حدة التوترات بين الطوائف المختلفة، وهذا بدوره يؤدي إلى تفشي العنف والنزاع.

وتابعت أن استمرار هذا الخطاب يفاقم الصراعات الداخلية ويزيد في الانقسامات المجتمعية، ما يشكل عائقًا أمام تحقيق السلام والاستقرار في البلاد.

ولفتت قديد إلى أهمية المبادرات السِلمية، ومنها الوقفة التضامنية في جامعة “قرطبة”، معتبرة أنها “خطوة مهمة نحو تعزيز التسامح والتفاهم بين مختلف مكونات المجتمع السوري”، لأنها تسهم في بناء جسور التواصل وتعزيز الحوار بين الطوائف المختلفة، والتأكيد على الالتزام بالسلم الأهلي وضرورة التسلح بالوعي الكافي بما يساعد على تقليل التوترات الطائفية.

في مدينة الباب بريف حلب، أثار تسجيل مصور نشره فريق “عبق التطوعي” غضبًا واسعًا في مواقع التواصل الاجتماعي (حُذف لاحقًا)، لأنه أظهر توزيع التمر على الصائمين في رمضان مع عبارات تحريضية ذات صبغة طائفية.

بعد موجة الغضب، أصدر الفريق بيان اعتذارًا لجميع السوريين وخصوصًا أبناء الطائفة العلوية، أكد فيه تحمله المسؤولية عن هذا الخطأ، وشدد على أن نيته لم تكن إثارة الفتنة أو التحريض.

لقيت الحادثة تفاعلًا أهليًا، فصدرت عدة بيانات استنكرت الأمر، منها بيان من المجلس المحلي في مدينة الباب، الذي رفض هذه السلوكيات، وتوعد باتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة للتحقيق في ملابسات الحادثة، وإحالة المسؤولين عنها للمحاسبة وفق القوانين، لافتًا إلى أن الفريق غير مرخص لديه.

عضو اللجنة السياسية في السويداء المحامي صالح علم الدين، انتقد خطوات اتخذها أحمد الشرع وحكومة دمشق المؤقتة، معتبرًا أنها خلقت نوعًا من الارتباك الطائفي والتفرقة بين مكونات الشعب السوري.

ويرى علم الدين أن إجراءات الحكومة والشرع كانت مخالفة لبناء الدولة الجديدة، ومنحت شكل الدولة لونًا واحدًا (من حل الدستور بالكامل، وزج مقاتلين أجانب في بنية الجيش)، وهذا ما أثار نعرات طائفية، وما يجري من انتهاكات في الساحل السوري، يحمل بعدًا طائفيًا وخلافًا وجوديًا، ولا بد من تفادي هذه الحالة ومراجعة الإجراءات والخطوات.

لماذا تصطف مكونات خلف اعتقاداتها

ربما لم تُطرح مسألة الأقليات والأكثرية في أي حقبة من تاريخ سوريا كما يشار إليها خلال الفترة الماضية، في وقت تقف فيه فئات من المجتمع السوري متحصنة بانتمائها الطائفي أمام مجموعات أخرى تنتمي لطوائف أخرى، لكنها تتخذ الموقف نفسه.

قرأ أستاذ علم الاجتماع السياسي ومدير مركز “دراسات الشرق المعاصر” في جامعة “السوربون” الفرنسية، برهان غليون، مصطلح الأقليات في الظروف الحالية بأنه ذو معنى لا يتطابق مع شكله المعروف في كل مكان، وعلى مر العصور.

وفي كتابه “المسألة الطائفية ومشكلة الأقليات” قال غليون، إن معنى الأقلية يُستلهم دائمًا من الظرف التاريخي السياسي الذي يعطيه شحنة تخلية، وأبعادًا اجتماعية، يمكن أن تتراوح بين المطالبة بالمساواة والدعوة إلى الاستقلال وتكوين دولة منفصلة.

وأضاف أن الأمم جمعيها مكونة من أقليات، أي جماعات متعددة ومتميزة كل واحدة عن الأخرى، سواء كانت جماعات اجتماعية أو مهنية أو جغرافية أو قومية، ولا تكون هذه الجماعات دائمًا على المستوى نفسه من القوة أو النفوذ إلى السلطة.

مسألة ذات ارتباطات تاريخية

يحتل الموضوع الطائفي مساحة واسعة ضمن الأدوات التي استخدمت على مر السنوات في الحرب السورية، واستُغل هذا الواقع من قبل أطراف عديدة محلية ودولية، وفسّر الباحث علاء الدين الخطيب، في بحث نشره مركز “تواصل لمناهضة خطاب الكراهية“، خطورة هذا الخطاب بكون الإشكال الطائفي أزمة مستمرة تاريخيًا في العالم والمنطقة وفي سوريا، وهي جزء من حركة ارتداد أصولي عالمي وإقليمي نحو الهويات الضيقة، والأهم أن خطاب التحريض الطائفي يتيح للخطاب الشعبوي الكثير من الأدوات التي تخاطب العواطف الغاضبة أو المحبطة للجماهير.

الدكتور في علم الاجتماع صفوان قسام، قال لعنب بلدي، إن الإشكالية الطائفية في سوريا تعود جذورها لفترات زمنية أقدم مما يُنظر إليه اليوم، ويمكن ملاحظة ذلك من خلال النظر إلى أماكن إقامة الأقليات الدينية في سوريا بالمناطق الجبلية التي يسهل الدفاع عنها.

وأضاف أن حالات الاضطهاد التي عانت منها الأقليات في سوريا على مر التاريخ، خصوصًا مع التغيرات السياسية التي مرت بها البلاد، ومنها “فتاوى ابن تيمية بقتل الأقليات”، شكّلت عقلًا جمعيًا عند الأقليات الدينية يخوّفها من الأكثرية في سوريا، وهو ما استثمر فيه النظام السوري السابق، بحسب قسام.

قسام قال أيضًا إن الانتهاكات التي تُهدد بها الأقليات، وحصلت في مناطق متفرقة خلال السنوات، منها بلدة قلب لوزة في إدلب التي تقطنها غالبية درزية، أسهمت في تشكيل حالة من عدم الاندماج بالمجتمع المحيط للفئة التي تعرضت للانتهاك.

ولفت إلى أن التحريض الذي لم يتوقف على مدار الأسابيع الماضية، دون رادع، أدى إلى أحداث الساحل السوري، وأسفر عن سقوط ضحايا من أبناء الطائفتين السنية والعلوية.

 الإشكالية الطائفية في سوريا تعود جذورها لفترات زمنية أقدم مما يُنظر إليه اليوم، ويمكن ملاحظة ذلك من خلال النظر إلى أماكن إقامة الأقليات الدينية في سوريا بالمناطق الجبلية التي يسهل الدفاع عنها.

خلافات في النسق الطائفي استغلها الأسد

يستند الخطاب المبني على الكراهية بشكل عام أو على الكراهية في النسق الطائفي في سوريا، بالتمايز في الهويات الدينية والمذهبية المتجذرة بالمجتمعات المحلية السورية، إلى تصورات نمطية وإلى حد ما عدائية تجاه الآخر، بناء على الهوية الطائفية وفق ما يراه الباحث في مركز “حرمون للدراسات المعاصرة” طلال المصطفى.

المصطفى، وهو دكتور في علم الاجتماع، قال لعنب بلدي، إن الخطاب المبني على الكراهية يتغذى على مشاعر التهميش والخوف التي عادة يضخمها السياسيون، أي أن الفاعل السياسي هو الذي يضخم الحالة، إلى جانب الدور الذي تلعبه القيادات المذهبية أو الدينية في تضخيم هذا الخطاب أيضًا.

وأضاف أن الكراهية تؤدي بطبيعة الحال إلى المزيد من العنف الانتقامي، خصوصًا عند تحميل فئة أو جماعة مسؤولية تهديدات أو صعوبات تواجهها جماعة أخرى، بمعنى أن “نسق الطائفة هو بيئة خصبة لتصعيد العنف وتصعيد الكراهية”.

ولفت الباحث إلى أن النظام السوري عمل بعد اندلاع الثورة السورية عام 2011 على تأجيج خطاب الكراهية، ومع مرور الوقت صار حديث الشارع يركز على حرب غير معلنة طائفية ما بين السنة والعلويين، سواء عن وعي، أو دونه، وهو ما صب عليه نظام الأسد المخلوع جهده.

وأرجع الباحث جذور الخلاف الطائفي في سوريا إلى ما قبل عام 2011، لافتًا إلى أنها مرتبطة بالنسق السلطوي للنظام، وليست من مفرزات الثورة كما كان يحاول النظام المخلوع تصويره سابقًا.

من جانبه، قسّم الدكتور في علم الاجتماع صفوان قسام، نظرة الغالبية السنية للأحداث الطائفية في سوريا إلى تيارات متعددة، أبرزها التيار الذي عاش في شمال غربي سوريا الذي يفكر بعض أفراده من منطلق حالة انتقامية، نظرًا إلى أن أفراده هم من عاشوا في الخيام وتحت البراميل وعانوا من النزوح والقتل.

ولفت إلى أن الحالة المتناقضة جدًا في سوريا مفهومة حاليًا، على اعتبار أن العمليات الانتقامية تقاس كرد فعل من مجموعة لأخرى، الأولى كانت تتعرض لأقسى أنواع الاضطهاد، والثانية كانت تتشفى بجراحها.

وأشار إلى وجود تيار آخر في الغالبية السنية السورية، يؤمن بجوهر الإنسان، وجوهر المجتمع نفسه، وجوهر العلاقات الاجتماعية الطيبة بين الأفراد.

قسام قال أيضًا إن التيار الثالث هو التيار السياسي، وهو الذي يتصدر المشهد الإعلامي غالبًا، ويعتبر المحرك أيضًا للفئة الأولى، ويتيح له واقع الحال استخدام الخطاب الطائفي لتجييش الفئة الأولى بمعركته ضد الأقليات الدينية.

ولفت إلى أن استمرار هذا الخطاب لن يؤدي إلى استقرار، إنما سيعكس انتهاكات للحقوق على أساس طائفي ستعود للواجهة دائمًا.

الطائفية.. مخاطر وحلول

يعتبر التحزب والتخندق الطائفي أحد أسباب التدخلات الخارجية بالدول خاصة خلال القرنين الأخيرين، فالدول الغربية وتحت مسمى حماية الأقليات وجدت ذريعة للتدخل في شؤون العديد من دول المنطقة، ودعم مكونات دينية أو قومية على حساب أخرى، منذ زمن الدولة العثمانية.

في سوريا اليوم، تتعالى أصوات تحريض طائفي أو مطالبة بتدخل وحماية دولية، وهو ما يمكن أن يدفع سوريا إلى عواقب لا يحمد عقباها، وفق ما يراه مراقبون، فالأمثلة على ذلك متعددة.

مخاطر الوصاية الخارجية

دعا الرئيس السوري للمرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، خلال كلمة مصورة، في 9 من آذار الحالي، تعليقًا على أحداث الساحل السوري، دول الإقليم والعالم للوقوف إلى جانب سوريا وتأكيد احترامهم الكامل لوحدتها وسيادتها.

وشدد الشرع على أن “سوريا ستظل صامدة ولن نسمح لأي قوى خارجية أو أطراف محلية أن تجرها إلى الفوضى أو الحرب الأهلية، ونحن على العهد ماضون مصممون على المضي قدمًا نحو المستقبل الذي يليق بشعبنا العظيم”.

وقال وزير الدفاع في حكومة دمشق المؤقتة، مرهف أبو قصرة، إن “أكبر إنجاز بعد سقوط نظام بشار الأسد هو عدم اندلاع حرب أهلية”.

وذكر أبو قصرة خلال اجتماع في العاصمة دمشق حضرته عنب بلدي، في 22 من كانون الثاني الماضي، أنه “بوعي السوريين استطعنا تجاوز مرحلة الحرب الأهلية”.

بالمقابل، تظهر عدة أصوات في الساحل أو السويداء، أو حتى شمال شرقي سوريا، تطالب بتدخل دول خارجية، تزامنًا مع عملية إعادة بناء الدولة السورية بعد سقوط نظام الأسد.

وحول مخاطر الطائفية على وحدة سوريا، قال مدير قسم تحليل السياسات في مركز “حرمون للدراسات المعاصرة”، الدكتور سمير العبد الله، إن للطائفية العديد من المخاطر، فبالإضافة إلى حالة الانقسام التي يعيشها المجتمع، وأعمال العنف في حال تطور الأمر، فهي تعزز من تدخل الدول الخارجية بالشأن الداخلي للبلد.

وتعمد بعض الدول لدعم أطراف ضد غيرها، ما يطيل أمد الصراع أو الخلاف، ويعرقل الاقتصاد والمشاريع، ويستنزف موارد الدولة، ويُنتج نخبًا ممثلة لطوائفها، بدل أن تكون نخبًا وطنية تمثل مصالح كل الشعب، وفق العبد الله.

وأضاف العبد الله لعنب بلدي أنه بالنسبة لسوريا “تجاوزت هذه المرحلة”، خاصة أن هناك رغبة دولية بنجاح الحكومة الجديدة، ودعمها لضبط الأوضاع، لكن إيران ستستمر بتحريك الطائفية، وروسيا ستراقب المشهد دون التدخل بشكل مباشر.

أبرز أخطار الوصاية الخارجية هو أن تتحول المصالح الوطنية إلى رهينة مباشرة لمصالح القوى الخارجية، بحسب ما قاله الباحث المتخصص في الشأن السياسي نادر الخليل، ففي الظروف الطبيعية، تسعى السلطة الحاكمة في أي بلد، مثل سوريا، إلى تحقيق توازن بين مصالح الأطراف الخارجية من خلال المساومات ومبدأ المصالح المتبادلة.

وأوضح الخليل لعنب بلدي، أنه في حالة الخضوع لوصاية خارجية، تصبح السلطة المحلية مقيدة بشكل قسري ومباشر بمصالح القوى الخارجية، ما يحدّ من قدرتها على المناورة.

 تسعى أي سلطة حاكمة إلى تحقيق توازن بين مصالح الأطراف الخارجية من خلال المساومات ومبدأ المصالح المتبادلة، لكن في حالة الخضوع لوصاية خارجية، تصبح السلطة المحلية مقيدة بشكل قسري ومباشر بمصالح القوى الخارجية، ما يحدّ من قدرتها على المناورة.

ولفت إلى أن هذا الوضع غالبًا ما ينعكس سلبًا على مصالح المواطنين، إذ تُهمّش احتياجاتهم لمصلحة أجندات خارجية.

ومع ذلك، في بعض الحالات، قد تخدم الوصاية الخارجية مصالح المكونات المهمّشة أو المضطهدة، وهذا لا يحدث إلا في حالات تكون فيها السلطة المحلية منحازة بشكل كبير لمصلحة مكون معين على حساب باقي المكونات الأخرى، وفق الخليل.

واعتبر أن هذه الحالة المصلحية تؤدي إلى هشاشة الانتماء الوطني، وتجعل البلد المعني ضعيفًا وقابلًا للاختراق، وعُرضة للتدخلات المتكررة ويكون كيانه السياسي “هشًا للغاية”.

ما الحلول؟

صعّدت أحداث الساحل السوري من حدة الخطاب الطائفي في سوريا، نتيجة مقتل مدنيين على يد فلول النظام السابق، أو مدنيين من الطائفة العلوية من قبل فصائل عسكرية غير منضبطة.

ولم تقتصر حالة مخاطر المرحلة على الأحداث التي شهدتها المدن الساحلية في سوريا، إذ لا يزال الخطاب الطائفي يهيمن على وسائل التواصل الاجتماعي بين السوريين، في وقت تعمل فيه الحكومة للتخفيف من وطأة الأحداث.

الباحث نادر الخليل، يرى في تعزيز سيادة القانون وتجريم تمجيد “الأسدية” أحد مداخل الحل، عبر القوننة ومحاسبة المحرضين والمجرمين بحق الشعب السوري في عهد النظام الساقط، ومحاسبة المجموعات المنفلتة ومعاقبة المتورطين في الانتهاكات، والبدء بتطبيق العدالة الانتقالية، وتجريم التحريض على الكراهية.

وأضاف أن إصلاح النظام السياسي والتمثيل الشامل في الحكم، عبر تبني نظام سياسي يضمن التمثيل العادل لجميع الطوائف والمكونات، وتعزيز اللامركزية الإدارية لتقليل التوترات بين المناطق المختلفة، وتشكيل حكومة انتقالية تضم كفاءات من مختلف الانتماءات، بما يعكس تمثيلًا حقيقيًا لجميع السوريين، تعتبر خطوة ذات أهمية في هذا السياق.

ولفت الباحث إلى ضرورة إدخال مناهج تعليمية تركز على الهوية الوطنية الجامعة وتعزز قيم التعايش والتسامح واحترام الآخر، إلى جانب محاربة الخطاب الطائفي والتحريض، من خلال وسائل الإعلام ومنابر الخطاب العام، وتجريم الكراهية.

الخليل قال أيضًا إن تفعيل دور المجتمع المدني لدعم المبادرات التي تعزز الوحدة الوطنية ونبذ التعصب، ولعب رجال الدين دورًا في التوعية بخطورة الطائفية وتجريم الدعوات التحريضية ذات الطابع الطائفي، يمهد للوصول إلى حل للأزمة القائمة.

ونوّه الباحث إلى ضرورة إشراك المكونات والأطراف في الحوار الوطني، وإطلاق حوارات شاملة بين مختلف المكونات للوصول إلى عقد اجتماعي جديد يعزز الوحدة الوطنية، إلى جانب إعادة بناء الثقة، من خلال جلسات مصارحة وطنية، خاصة في المناطق المختلطة، لتعزيز التفاهم بين المكونات المختلفة.

واعتبر الباحث أن إقرار المسؤولية التاريخية وتشجيع قيادات الطائفة العلوية على الاعتراف بالجرائم المرتكبة في عهد النظام السابق، يعتبر خطوة مهمة وضرورية نحو المصالحة الوطنية.

من جانبه أوصى الدكتور في علم الاجتماع صفوان قسام بثلاث خطوات للوصول إلى حلول في تهدئة النزعة الطائفية على الساحة السورية، أولاها اتباع أسلوب تشاركي في إدارة الدولة، إلى جانب ضرورة أن يكون الإعلام السوري ذا أجندة واضحة وتوفير مصدر واحد للمعلومات، بعيدًا عن مجموعات المؤثرين في منصة “تيك توك” و”يوتيوب” وغيرهما.

ويرى قسام أن إقالة وزير العدل، شادي الويسي، تعتبر عاملًا ضروريًا في هذا الإطار، نظرًا للطريقة التي يُنظر إليه فيها، على اعتباره مسؤولًا عن انتهاكات موثقة سابقًا، واتباع خطوات عملية باتجاه الإصلاح القضائي والقانوني، لأن عدم تفعيل هذا الجسم كلّف السوريين الكثير من الانتهاكات، نظرًا إلى أنه عرقل المسار نحو العدالة الانتقالية.

ويرى الباحث في مركز “حرمون” طلال المصطفى، أن علاج الأزمة القائمة بحاجة لخطاب سياسي وطني شامل، وهذا من مهمة الدولة، والفاعلين السياسيين، الذين يجب أن يتبنوا خطابًا يطمئن الجميع، ويتجاوز التصنيفات الطائفية، وهو ما لم يظهر حتى الآن، نظرًا إلى أن إعلام الإدارة الجديدة لم يبرز بعد.

وأكد ضرورة مسألة إصلاح المؤسسات، خاصة القانونية منها، بهدف تحقيق عدالة شاملة، وتمثيل عادل لمكونات المجتمع بمؤسسات الدولة أيضًا.

ولفت إلى أن الإعلام يلعب دورًا كبيرًا في تضخيم الخطاب الطائفي، كما يمكن أن يكون له دور بتفكيك السرديات الطائفية، وتعزيز قيم التعايش عبر برامج إعلامية تعليمية.

المصطفى قال أيضًا، إن المبادرات المحلية تلعب دورًا جذريًا لبناء الثقة، مثل لجان مصالحة على مستوى البلدات أو الأحياء، وتنظيم حوار بين مكونات المجتمع، لافتًا إلى أن التوعية تحتاج إلى إرادة سياسية جديدة ورؤى سياسية بعيدة المدى تتجاوز هذه الموضوعات الضيقة ذات الطابع الطائفي.

 الإعلام يلعب دورًا كبيرًا في تضخيم الخطاب الطائفي، كما يمكن أن يكون له دور بتفكيك السرديات الطائفية، وتعزيز قيم التعايش عبر برامج إعلامية تعليمية.

رئيس سوريا للمرحلة الانتقالية أحمد الشرع خلال لقائه مع وفد من الطائفة المسيحية في مدينة دمشق – 31 كانون الأول 2024 (رئاسة الجمهورية)

رئيس سوريا للمرحلة الانتقالية أحمد الشرع خلال لقائه مع وفد من الطائفة المسيحية في مدينة دمشق – 31 كانون الأول 2024 (رئاسة الجمهورية)

الصراع السياسي والانفجار الطائفي

السبب في تحويل الانتماء الديني إلى ورقة سياسية هو استخدامه من قبل الدول الاستعمارية لتوسيع دائرة نفوذها أو التدخل مباشرة سياسيًا وعسكريًا في الدول الجديدة الناشئة.

وفي مرحلة ثانية، توظيفه من قبل الأطراف السياسية المتنازعة على السلطة في هذه الدول ذاتها بالصراع على السلطة، بمعنى آخر، ليس الاختلاف الديني هو الذي يفسر الانفجارات الطائفية وإنما الصراع السياسي.

ولا توجد حروب أو صراعات دينية كبرى إلا في سياق هذا الصراع الخارجي الاستعماري أو الداخلي.

وقد تدفع الدول الأجنبية إلى هذا الصراع بهدف التدخل في شؤون الدول الصغيرة، وفرض الوصاية هو أحد أشكال هذا التدخل أو غايته لجعله تدخلًا دائمًا وبنيويًا يضمن مصالح الدولة المتدخلة بعيدة المدى.

وأخطار الوصاية هي ببساطة تقويض الدول الجديدة، وانتزاع أكثر ما يمكن من المصالح فيها، وحرمانها من أن تتكون كدول مستقلة، تعمل لخدمة شعبها لا لخدمة المصالح الأجنبية.

وإذا أرادت الدول الأجنبية المهتمة بالفعل أن تفرض الوصاية، فأسهل طريق هو أن تشعل الصراع الطائفي، وربما تشارك في إشعاله مباشرة وتزويده بالإمكانيات كي يتحول إلى حرب أهلية.

وما نشهده في سوريا اليوم من انفجار هو ثمرة مزيج من التدخل للقوى الأجنبية التي فقدت مواقعها ونفوذها في البلاد بعد 8 من كانون الأول 2024، وكذلك من رد فعل قوى النظام السابق لخسارتها مواقعها السياسية والاقتصادية.

أما فرص نجاحها فهي محدودة جدًا، لأن هناك إرادة دولية وإقليمية واضحة لتحجيم دور طهران ومنعها من استعادة مواقعها في المشرق ولبنان وسوريا خاصة، وكذلك بسبب فقدان نظام الأسد والقوى المرتبطة به لأي تعاطف أو قبول من قبل الجميع (السوريين والأجانب) نتيجة ما ظهر من جرائمه المنقطعة النظير بعد سقوطه، والتي جعلت قادته ملاحقين من قبل العدالة المحلية والدولية.

أما الحلول لتجنب ذلك فهي تكمن في وسيلتين، الأولى بالبدء بتطبيق مبدأ العدالة الانتقالية الذي يضع حدًا لأوهام الانقلابيين الذين يريدون استعادة السلطة، كما يطمئن الناس من جميع الطوائف المتوجسة من بعضها البعض على احترام حقوقها الأساسية، وقصر العقاب على مرتكبي الجرائم الكبرى، وفتح الحوار والمصالحة بين الجمهور الواسع وإنهاء الخوف المتبادل لجميع الأطراف.

وفي سوريا يمكن لتشكيل حكومة اتحاد وطني شاملة أن يخفف أيضًا من الاحتقان والخوف على المستقبل.

وعلى المستوى الخارجي، من المفيد تنشيط العمل الدبلوماسي والسياسي لتهدئة غُلو (اندفاع وحماسة) الدول المتدخلة الخاسرة، وربما إيجاد حل دبلوماسي معها للتقليل من هذه الخسارة أو الشعور بها. وهذا ما يبدو لي أن الإدارة السورية تعمل عليه مع موسكو.

عنب بلدي

————————————-

==========================

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى