الناسسقوط بشار الأسد، الرئيس الفار والمخلوع

هل انتهت الثورة وبدأ دور العمل السياسي في سوريا؟/ رامي العاشق

18 مارس 2025

مرت ثلاثة شهور على هروب الأسد، وانقضت معه عقودٌ من الظلم والأسى والاعتقالات والتعذيب، ومع استيلاء أحمد الشرع على السلطة، ووضعه إعلانًا دستوريًا يمركز السلطة المطلقة في يده، ولكنه في الوقت ذاته لا يجرم العمل السياسي أو حرية التعبير صراحة، يصبح سؤال العمل السياسي سؤالًا أساسيًا في زمن حكمه. سيحكم الشرع سوريا في الفترة الانتقالية ومدتها خمس سنوات، وإلى الآن، ما من شيء يمنعه من الترشح بعدها للانتخابات. ما هو دور ناشطي الثورة السورية في سوريا اليوم؟ هل انتهت الحركة الناشطية بسقوط النظام وستتحول إلى حركات وأحزاب سياسية؟ أم أن حالة النشاط الثوري والسياسي لا يجب أن تختفي بوصفها فعل حشد ورفض ونضال؟

التقينا مجموعة من الناشطين والناشطات، والصحافيين والصحافيات الذين كانوا جزءًا من الثورة السورية، بعضهم اعتقل، وبعضهم هُجر من بيته ومدينته، وبعضهم لم يترك وطنه أو حتى مدينته. حاولنا قدر الإمكان الأخذ بعين الاعتبار تنوع خلفياتهم، والمناطق التي نشطوا فيها على امتداد الخارطة السورية.

هل انتهت الثورة السورية؟

منذ اللحظات الأولى لهروب بشار الأسد، بدأ أحمد الشرع بتكرار عبارة “الثورة السورية انتهت”، وبذكاء بدأ يكرس هذه الفكرة، فأضاف إليها “الانتقال من فكر الثورة إلى الدولة”، ثم بدأ بابتلاع كل ما كان فيها، فحل الفصائل، وحل الهيئات السياسية والثورية، وألغى المعارضة السياسية باعتبار انتهاء سبب وجودها، واشترط أن يكونوا فرادى. استطاع الشرع “إقناع” كثيرين بهذه الفكرة التي بناها تدريجيًا، بعضهم قال إنها انتهت بهروب الأسد والآن وقت البناء، وبعضهم قال لا تنتهي الثورة إلا بتحقيق أهدافها في بناء الدولة المدنية ودولة المواطنة لجميع مواطنيها.

يقول صانع الأفلام عروة الأحمد الذي شارك في الثورة السورية منذ بداياتها في حمص: “الثورة من حيث الفكرة لم تنتهِ بعد بالتأكيد، بل هي مستمرة، إن كنا نتحدث عن الثورة الفكرية والمجتمعية، ولكن أدوات الثورة هي التي يجب أن تتغير، والعمل السياسي اليوم هو أحد أهم هذه الأدوات لتحقيق أهداف الثورة التي خرج السوريون من أجلها”.

من جهته، يقول الصحافي محمد السلوم ابن مدينة كفرنبل الشهيرة باللافتات الاستثنائية خلال سنين الثورة: “انتهى النشاط الثوري الذي كان منصبًا على كشف جرائم النظام ومحاولة ملاحقته دوليًا وتجريمه وإدانته. الحالة الثورية حالة غير منظمة وهي حالة ناشطية أكثر من أن تكون عملًا سياسيًا. التنسيقيات، انتهى دورها بعد السنة الأولى أو الثانية من الثورة، وأصبح وجودها رمزيًا من باب الحنين والذكريات، وأصبح الوجود الفعلي لسلطات الأمر الواقع المسلحة”.

رودي عثمان أحد أوائل الناشطين الذين ثاروا في دمشق يقول: “النشاط السياسي الثوري لم ينتهِ تمامًا، لكنه فقد فاعليته نتيجة عوامل متعددة: إطالة الصراع والخسائر المتكررة واللجوء وصعوبة التأقلم في حياة جديدة والخذلان المتعمد من المجتمع الدولي. هذه العوامل دفعت العديد من الناشطين الثوريين إلى الانسحاب من الفعل السياسي والاكتفاء بالأنشطة الرمزية مثل المظاهرات وإصدار البيانات”.

ليس هذا الحال لدى وضاح عزام، الناشط الذي لم يغادر السويداء طوال 12 عامًا الماضية، فمن وجهة نظره: “في فترة ما، غاب الحراك الثوري تمامًا، ثم أعيد إحياؤه من جديد كموجة ثانية قبل سقوط الأسد، لذلك أستطيع القول إننا عدنا إلى بداية العمل الثوري من جديد”. من جهتها تعتبر الصحفية سوسن أبو رسلان ابنة جرمانا: “أن النشاط السياسي الثوري ضروري لتعديل المسار والتأكيد على مطالب الثورة بالتوازي مع تنظيمات سياسية وتحالفات جامعة تعلو على الانقسامات والشقاقات، وتكون داعمة للحراك الثوري”.

إعلان الدستوري إشكالي

إصدار الإعلان الدستوري خلق بلبلة بين السوريين المهتمين بالسياسة، منهم من رآه خطوة دستورية لا مفر منها، ومنهم من رآه يمنح صلاحياتٍ كبيرةً للرئيس، فاعتبرته الصحفية سوسن أبو رسلان “نكسة لتاريخ سوريا النضالي نحو الديمقراطية والمواطنة”، ورآه وضاح عزام “ذهابًا باتجاه الدكتاتورية” بينما قال عروة الأحمد: “فيه نقاط يبنى عليها وأخرى إشكالية، أبرز الإشكاليات هي تعيين ثلث مجلس الشعب من قبل الرئيس، وتعيين الثلثين من قبل لجنة يختارها الرئيس، وهذه بلا شك نقطة سلبية. كما أتمنى أن أكون في دولة اسمها الجمهورية السورية من دون ربطها بأي مكون عرقي أو طائفي أو مذهبي. الدولة كيان جامع لا يجوز أن يكنى بما هو فئوي”. أما رودي عثمان فلم يجد إيجابية فيه سوى أنه “حدد الفترة الانتقالية بخمس سنوات”.

من جهته، يبدو أوس المبارك، الناشط المهجر من الغوطة الشرقية، أكثر حدة: “هذا الإعلان سيسمح للسلطة بإحكام قبضتها على مفاصل الدولة والتغول في صلاحياتها، ما ينذر بدكتاتورية تبنى أمام أعيننا. سيؤدي هذا إلى تنافر من باقي القوى السياسية في سوريا، وزيادة التمزق والصدام، وإبعاد الحلول التوافقية الممكنة، خصوصًا مع طريقة تشكيل الجيش الذي ليس سوى هيئة تحرير الشام نفسها بعد تسليم كوادره لقيادتها. هذا المسار “الدستوري” يجعل كل الأمور أصعب وينذر بخطر قادم!”.

تشكيل الأحزاب السياسية، حق نظري معلق بانتظار قانون

“تصون الدولة حق المشاركة السياسية وتشكيل الأحزاب على أسس وطنية وفقًا لقانون جديد” كانت هذه المادة 14-1 من الإعلان الدستوري. “هذه نقطة إيجابية” يقول محمد السلوم: “ولكن هذا غير كافٍ لتشكيل أحزاب قبل إصدار قانون الأحزاب”. ويتفق معه عروة الأحمد: “لا يمكن الحكم على موضوع الأحزاب السياسية إلا بعد صدور قانون الأحزاب وبنوده، وبناءً عليه يمكننا أن نعرف كيف سيكون شكل الحراك والعمل السياسي في المرحلة القادمة. العديد من الأحزاب تنتظر يوم صدور قانون الأحزاب لتبدأ ممارسة العمل السياسي وافتتاح مكاتبها وتنظيم كوادرها. أما أوس المبارك فيقول: “إذن علينا انتظار إصدار القانون الذي لا نعرف متى يمكن أن يصدر، بعد شهور أم سنوات!”.

أولويات الحركة السياسية بين المعارضة والانخراط في العمل السياسي

يرى أوس المبارك أن “أولوية العمل السياسي الآن هي معارضة هذا المسار والدعوة إلى إيجاد مسار تشاركي توافقي لإدارة المرحلة الانتقالية”. ويقول وضاح عزام: “أولوياتنا مواجهة سلطات الأمر الواقع ومطالبتها بإعادة السلطات المدنية للناس. العمل السياسي في مواجهة سلطات أمرٍ واقعٍ مسلحةٍ يعتمد بشكل كبير على القوى التي تقف خلف سلطات الأمر الواقع هذه”.

من جانبه، يقول محمد السلوم: “جاء وقت العمل السياسي المنظم، نعم، لكن فعليًا لا يمكننا القول إنه بدأ، وذلك لأسباب عديدة منها أن الأرضية ليست مؤهلة، والشروط ليست متوفرة لبدء عمل سياسي حقيقي. هناك العديد من المحاولات لإعلان حركات سياسية، ولكنها حتى الآن غير واضحة، وأصحابها لا يمتلكون أجندة نظرية وأرضية سياسية واضحة يتميز فيها هذا الحزب عن ذاك. هناك نوع من الاستعجال لملء مساحة فارغة، وإمكانية ممارسة عمل سياسي. هل هي جادة؟ برأيي حتى الآن لا نستطيع قول ذلك”.

بدوره، يرى عروة الأحمد أن العمل السياسي ممكن ويجب “البدء بتأسيس الأحزاب، افتتاح المكاتب، ودعوة المواطنين للانضمام”، ويضيف: “لا يوجد قانون أحزاب بعد، هذا صحيح، ولكن لا يوجد قانون يمنع تأسيس أحزابٍ جديدة. لا يوجد ما يمنع السوريين من اجتماعهم وتنظيم أنفسهم بانتظار صدور قانون الأحزاب”.

يخالفه أوس المبارك: “لقد قامت السلطة الجديدة بمنع عدة أنشطة سياسية وحقوقية في الأسابيع الماضية، كمنع مؤتمر العدالة الانتقالية الذي كان مقررًا في دمشق بمشاركة عدد من المنظمات الحقوقية المحلية والدولية وجهات أخرى وناشطين. والأهم من ذلك، قرار وزارة الداخلية بوجوب أخذ موافقة قبل عمل أي نشاط عام. أي لا حرية في الاجتماع والعمل العام إلا برضا سلطة دمشق. يبدو أن السلطة الحالية تعمل على منع أي عملٍ سياسيٍ منظم في مناطق سيطرتها”.

هل ثمة آفاق؟

يقول وضاح عزام متشائمًا: “في الثلاثة شهور الأولى، كان ثمة بوادر حياة سياسية جديدة، ولكن الإعلان الدستوري قضى عليها. تحديدًا المادة 23 من الإعلان الدستوري”. تقول المادة المذكورة: “تصون الدولة الحقوق والحريات الواردة في هذا الباب، وتمارَس وفقًا للقانون، ويجوز إخضاع ممارستها للضوابط التي تشكل تدابير ضرورية للأمن الوطني أو سلامة الأراضي أو السلامة العامة أو حماية النظام العام ومنع الجريمة أو لحماية الصحة أو الآداب العامة”.

في المقابل، يبدو عروة الأحمد أكثر تفاؤلًا ويعتبر أن: “الشعب الذي خاض صراعًا مع أصعب دكتاتوريات المنطقة، لا يمكن أن يلجمه أي تسلط سياسي، المناخ اليوم أكثر تشابكًا وأكثر انفتاحًا في الوقت ذاته. لا يمكن لأي سلطة أن تضبط مناخ الحرية والتعبير. نحن أمام مستقبلٍ حافلٍ بالعمل السياسي والاصطفافات السياسية وهذا شيء إيجابي، فقد شبعنا اصطفافات طائفية ومذهبية وعرقية. من الأفضل أن نتجه إلى اصطفاف الأفكار ووجهات النظر والأهداف والرؤى السياسية لمستقبلنا في بلدنا عوضًا عن فرزنا بناء على أشياء لم نخترها ولا يد لنا فيها”.

من جهتها، ترى سوسن أبو رسلان: “توجد آفاق مفتوحة للحياة السياسية الآن بالرغم من تقييد الحريات الواضح في الإعلان الدستوري، لكن شعبنا اكتسب خبرات كثيرة في الأعوام الماضية، إضافة إلى النشاط الواضح في منظمات المجتمع المدني التي لها دور رئيسي في تشكيل الوعي الجمعي والهوية الوطنية. من وجهة نظري، يجب على القوى السياسية الوطنية أن تتحالف لتكوين بوصلة محقة للشعب السوري للحفاظ على توجهنا الوسطي المعتدل”.

أما محمد السلوم فيقول: “لأول مرة منذ نصف قرن، يشعر المواطن السوري أن بإمكانه العمل في السياسة وأن يعطي رأيًا، وأن يكون لرأيه قيمة”. ويضيف: “السلطة نفسها غير منظمة سياسيًا، غير منتمية لحزب أو تيار سياسي واضح. هناك أصوات متفرقة وغير منظمة، وهذا طبيعي. نحن أمام أقل من أربعة شهور بعد سقوط النظام، وهناك حالة استقطاب عالية في الشارع، وثمة دفاع قوي عن السلطة، وأية محاولة تتعرض للتسخيف، لكن إقرار قانون الأحزاب مهم ليؤسس وينظم هذا العمل من جهة، ولكي تعترف السلطة بدور هذه الأحزاب ككيانات سياسية من جهة أخرى. السلطة تتعامل حتى الآن مع أفراد، وهذا لا ينبئ بخير، فإن ذهبت السلطة بعد إقرار قانون الأحزاب للتعامل مع تيارات سياسية عوضًا عن الأفراد، وبدأنا نرى حياة سياسية، سيكون الأمر جيدًا. حتى الآن ثمة نوايا طيبة وطموحة، ولكن لا شيء ملموس يساعد على الانتقال من مرحلة النوايا الطيبة إلى الواقع، وأفترض أن قانون الأحزاب سيزيل هذا الضباب”.

يختتم رودي عثمان: “أتوقع ظهور العديد من الأحزاب، المنتديات، والمبادرات السياسية خلال الفترة القادمة، بشرط انعدام القمع الأمني والاغتيالات والتفجيرات بحق النشطاء السياسيين. ستشهد سوريا نشاطًا مدنيًا وسياسيًا مكثفًا لفترة، لكن هذا سيتبعه تراجع طبيعي قبل أن تستقر المجموعات السياسية على شكلها وطريقة عملها النهائية. أتمنى أن تبقى السلطة الحالية منفتحة على النشاط السياسي السلمي، وألا تجرم العمل السياسي أو تقمعه”.

الترا سوريا

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى