دوافع وكواليس الاتفاق بين "قسد" وأحمد الشرعسقوط بشار الأسد، الرئيس الفار والمخلوعسياسة

واقع وكواليس الاتفاق بين “قسد” وحكومة الجمهورية العربية السورية مقالات وتحليلات تتحدث يوميا  تحديث 18 أذار 2025

لمتابعة تفاصيل هذا الملف اتبع الرابط التالي

دوافع وكواليس الاتفاق بين “قسد” وأحمد الشرع

———————————————-

الوحدة أم التقسيم: إلى أين تبدو سوريا أقرب اليوم؟/ طارق علي

الأكراد والدروز والعلويون يصطدمون بتفرد السلطات الجديدة في الإدارة

الاثنين 17 مارس 2025

انبثق عن وصول “تحرير الشام” إلى الحكم تعيين أحمد الشرع رئيساً للجمهورية وولادة سريعة لحكومة تسيير أعمال ارتكبت أخطاء كارثية (أ ب)

ملخص

بعد مرور 100 يوم على سقوط الأسد، برزت مطالبات بالفيدرالية والتقسيم والتدخل الدولي، في ظل ضغوط داخلية وخارجية تواجهها الإدارة السورية، فإلى أي جانب تميل؟ وكيف تعاملت سلطات دمشق مع الملفات الشائكة داخلياً؟

مرت 100 يوم على سقوط نظام الأسد بعد حكم استطال 54 عاماً لعائلته، قبل أن يبزغ فجر غرفة عمليات “ردع العدوان” التي تمثل هيئة “تحرير الشام” عصبها الرئيس، بزعامة أبو محمد الجولاني، الذي بات الرئيس السوري الحالي أحمد الشرع بعد الوصول إلى السلطة وسدّة الحكم بعد معارك الأيام العشرة التي تهاوى فيها جيش الأسد ومنظومته كأحجار الدومينو في واحدة من أسرع عمليات قلب حكم متجذر في التاريخ الحديث.

ما بعد السقوط

انبثق عن وصول “تحرير الشام” إلى الحكم تعيين أحمد الشرع رئيساً للجمهورية العربية السورية، وولادة سريعة دونما مخاض لحكومة تسيير أعمال ارتكبت هفوات وأخطاء ترقى إلى مرحلة الكوارث أكثر مما تمكنت من توفير ظروف إيجابية لبيئة الحكم المستجد، فالحكومة التي تجاوزت دورها القانوني والدستوري أقدمت على ممارسات تحتاج إلى حكومة دستورية توافقية حقيقية يحق لها التدخل في كل مفاصل البلد من أزمة المناهج وصولاً إلى صرف 400 ألف موظف حكومي بشكل تعسفي مروراً بعشرات القرارات التي تركت أثراً سلبياً ليس على رأسها استبعاد الخبرات والكفاءات والاستعانة بالولاءات من غير المتخصصين ولا قضية منح رتب عسكرية عليا لمتشددين أجانب، وصولاً إلى ما يراه مراقبون محاولة تعميم تجربة الحكم في إدلب بالقوة على كامل الجغرافيا السورية على مختلف مشارب وانتماءات سكانها وتنوعهم الإثني والديني والمذهبي.

حوار وطني وإعلان دستوري

كل ذلك كان قبل عقد مؤتمر حوار وطني “سُلِقَ” على عجل فجاءت مخرجاته وكأنه ما جرى، من ناحية الانتقائية في الدعوات والاستعجال في التحضير والبيان الختامي الجاهز مسبقاً، لتقود كل تلك الأمور نحو الوصول إلى الإعلان الدستوري الذي كرّس حالة الضياع الجمهوري للعهد الجديد.

الإعلان الذي طُبخ على عجالة أيضاً لاقى استهجاناً مرتبطاً بحال من الرفض لدى شريحة واسعة من السوريين الذين عبروا عن آرائهم في الملتقيات والمنتديات وحساباتهم الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي، إذ إن ذلك الإعلان حمل في تفاصيله وشكله ومضمونه التهيئة لإنتاج نظام حكم شمولي – ديكتاتوري جديد يفصل السلطات عن بعضها شكلاً ويجمعها مضموناً في يد الرئيس الذي سيتولى معظم المهمات الدستورية العليا، لا سيما تعيين ثلث أعضاء مجلس الشعب، ورئاسة مجلس القومي، ورئاسة الحكومة والدولة وغير ذلك من سلطات يمكن أن تُحصَر في يده.

التفاف على التفاهم الكردي

ساء حظاً للسوريين أن الإعلان الدستوري جاء بعد يومين على توقيع مذكرة تفاهم في دمشق بين الشرع وقائد “قوات سوريا الديمقراطية” الكردية (قسد)، مظلوم عبدي، التي حملت بريق أمل بدمج القوات الكردية في مؤسسات الدولة السورية إثر وثيقة تفاهم من بنود عدة ليأتي الإعلان الدستوري ضارباً بذلك التفاهم عرض الحائط.

“لدى ‘قسد’ قيادات علمانية راديكالية، وحين التعامل معها يجب توخي الحذر”، يقول الباحث الكردي هايل أحمد، موضحاً أن “الاتفاق الذي وقعه القائدان سقط مع الإعلان الدستوري الجديد الذي بدا أنه كمن يلتف على المبادئ الكردية ذات المطالب الواضحة في سياق تفعيل وضع التضامن والعيش المشترك تحت مظلة دولة لا دولتين، جيش لا جيشين، حقوق وواجبات مشتركة، تعايش سلمي تام الأركان والمقومات والمفاهيم، مع الحفاظ على الخصوصية الثقافية والمجتمعية واللغوية”.

تفاصيل الاتفاق

ويضيف الباحث “جاء في البيان الموقع، ضمان حقوق جميع السوريين في التمثيل والمشاركة في العملية السياسية وكل مؤسسات الدولة بناءً على الكفاءة بغض النظر عن خلفياتهم الدينية والعرقية، والتشديد على أن المجتمع الكردي مجتمع أصيل في الدولة السورية التي تضمن حقه في المواطنة وكل حقوقه الدستورية، ووقف إطلاق النار على كل الأراضي السورية”، وتابع “كما جرى الاتفاق على دمج كل المؤسسات المدنية والعسكرية في شمال شرقي سوريا ضمن إدارة الدولة السورية بما فيها المعابر الحدودية والمطار وحقول النفط والغاز، وضمان عودة كل المهجرين السوريين إلى بلداتهم وقراهم وتأمين حمايتهم من الدولة السورية، ودعم الدولة السورية في مكافحتها فلول الأسد وكل التهديدات التي تهدد أمنها ووحدتها”.

ولفت أحمد “لكن الإعلان الدستوري أصر على دين رئيس الجمهورية ومصدر التشريع وأن اللغة العربية وحدها الرسمية، وما تبقى من بنود معظمها لا يتماشى مع الاتفاق الموقع مسبقاً، وهو ما شكّل صدمة لدى قيادة ‘قسد’، والأمر ذاته استدعى خروج تظاهرات في شرق سوريا ترفض الدستور الجديد وتعتبره نقضاً لاتفاق الشرع – عبدي وخنجراً من شأنه استمرار النزيف، وهو ما عبرت عنه القوات الكردية في بيان العالي اللهجة”.

البيان الكردي

ورداً على الإعلان الدستوري أصدرت قيادة منطقة شمال وشرق سوريا الكردية بياناً اتهمت فيه الإعلان الدستوري بأنه “نمطي وتقليدي” يتشابه مع المعايير والمقاييس التي كانت متّبعة من قبل حكومة البعث، وأكد البيان أن “هذا الإجراء يتنافى مع طبيعة وحقيقة وحالة التنوع الموجود في سوريا، كما أنه تزوير فعلي لهوية سوريا الوطنية والمجتمعية، إذ يخلو الإعلان من بصمة وروح أبناء البلد، ومكوناتها المختلفة، من كرد وعرب وسريان وآشور وغيرهم من بقية المكونات”.

وأكدت الإدارة الذاتية الديمقراطية لإقليم شمال وشرق سوريا أن “سوريا اليوم تحتاج إلى تكاتف أبنائها ووحدتهم على تقرير مستقبلهم الديمقراطي والمشاركة الوطنية السورية التي تعزز الشراكة في الوطن”.

كذلك أشارت قيادة الإقليم إلى أن “هذا الإعلان يفتقر إلى مقاييس التنوع الوطني السوري، ويخلو من حالة المشاركة الفعلية لمكونات سوريا الوطنية، ومن ثم يعبر هذا الإعلان من جديد عن العقلية الفردية التي تعد امتداداً للحالة السابقة التي وجدت في سوريا وانتفض الشعب ضدها”، وأضاف البيان الكردي أن “هذا الإعلان لا يمثل تطلعات شعبنا ولا يدرك حقيقة هويته الأصيلة في سوريا وهو بمثابة شكل وإطار يقوض جهود تحقيق الديمقراطية الحقيقية في سوريا وبنوده البعيدة عن سوريا وآمال شعبها”.

وترى القيادة الكردية أن الدستور الحقيقي هو الذي تتشارك فيه كل المكونات وتتفق حوله كونه المسار الديمقراطي المستدام لمستقبل سوريا ومستقبل أجيالها القادمة، مضيفة “نأمل في ألا تعود بنا بعض الممارسات والأفكار الضيقة إلى مربع الصفر، لأن ذلك سيجعل الجرح السوري ينزف من جديد”.

مجازر العلويين

تزامناً كانت قرى وبلدات ومدن الساحل السوري تشهد مجازر جماعية أسفرت عن مقتل وجرح آلاف المدنيين العزل، إثر حملة أمنية – عسكرية ضخمة استهدفت “فلول النظام” الذين نصبوا مكامن لقوات الأمن العام في أكثر من منطقة ما بين السادس والعاشر من مارس (آذار) الجاري، وقُتل قرابة 1500 مدني في 56 مجزرة وثقها المرصد السوري لحقوق الإنسان، الذي يديره رامي عبدالرحمن من لندن، والذي وصف لجنة التحقيق التي شكلتها الرئاسة للنظر بما جرى في قرى الساحل بأنها “غير جدية”، إذ تجاهلت توصيف ما حدث بالمجازر والكارثة ومالت نحو توصيف ما حصل بـ”الحالات الفردية”.

أيام الرعب التي عاشها الساحل السوري أفضت أيضاً لآلاف المهجّرين، فمئات العائلات وجدت طريقها للعبور نحو لبنان من خلال النهر الشمالي باتجاه محافظة عكار، فيما لجأ على الأقل 9 آلاف شخص للاحتماء بقاعدة حميميم الجوية العسكرية الروسية في محيط قرية جبلة بمحافظة اللاذقية رافضين حتى الآن مغادرتها.

ولهول ما حدث، تعالت أصوات في الشارع السوري تطالب بالتقسيم أو الفيدرالية أو التدخل الدولي على أقل تقدير لحماية الأقليات بعدما كانوا تماهوا مع السلطات الجديدة وسلموا كل أسلحتهم إبان سقوط النظام.

أحد المحتمين في “حميميم” تحدث إلى “اندبندنت عربية” مفضلاً عدم كشف اسمه، عن محاولات السلطات الجديدة ممثلة بالقوى الأمنية ومحافظ اللاذقية إعادتهم إلى قراهم لكن قراراً شبه جماعي كان بالرفض، وقال “ما رأيناه وعشناه لن يُمحى من ذاكرتنا مهما حيينا، لا يزال ثمة آلاف العلويين مختبئين بالأحراش، كانت الأمور تسير بخير مع السلطة، لكن (الفزعات) الطائفية التي جاءت وقتلت نساءنا وأطفالنا وشيوخنا أوضحت أن ميثاق التعايش المشترك أصبح مستحيلاً، لذا نحن متمسكون بمطالبنا بالحماية الدولية لنا كأقلية، 1500 قتيل في 72 ساعة ليس رقماً عادياً، هذا رقم تنهار لأجله أمم، ولم يفكر مسؤول كبير أن يزورنا ليطيّب جراحنا، من يضمن ألا نُقتل بعد خروجنا من القاعدة”.

كمال عيسى أحد الناجين من مجزرة القصور في بانياس على الساحل السوري قال بدوره “كنا نعتقد أن طلب الحماية الدولية يندرج تحت بند الخيانة، وطلب التقسيم هو خيانة مضاعفة، الآن لا أحد يختفي وراء إصبعه، هذه سلطة عاجزة عن الوقوف في وجه متشدديها ومنعهم عنا، لم يتركوا لنا خياراً آخر، وها قد وقّعوا مع ’قسد‘ على ظهورنا ثم غدروا بهم، لننظر إلى حال الدروز، هل يتجرأ أحد من الاقتراب منهم، لماذا؟ لأن لديهم سنداً، أما نحن فبلا مرجعية أو قوة أو ظهر أو سند، ثم يقولون عنا فلول الأسد وإيران وروسيا وعملاء إسرائيل، هل الأطفال الذين قُتلوا في المجزرة وهم بعمر الأشهر فلول أيضاً؟”.

الموقف الدرزي

شكلت زيارة وفد من 100 شيخ درزي سوري لإسرائيل صدمة في الشارع السوري، حيث ما زالت مواقف الدروز متباينة من التصريحات الإسرائيلية في شأن حمايتهم ومنع أحد من الاقتراب منهم وفرض نزع السلاح في الجنوب السوري.

وفي الإطار برز أمس الأحد حديث مهم لشيخ عقل طائفة الموحدين الدروز ومرجعها الأكبر في سوريا، الشيخ حكمت الهجري، خلال لقاء مع أعيان من الجنوب في دارة الطائفة في بلدة قنوات بالسويداء وصف فيه حكومة دمشق بالمتطرفة وغير الشرعية والمطلوبة للعدالة الدولية وقال بأنه لا تعايش معها.

تلك التصريحات ربما تعكس المزاج العام، وهو المزاج ذاته الذي ينطلق من الخشية الدرزية – الكردية من إلقاء السلاح وملاقاة ذات مصير العلويين في الساحل، وعلى رغم خروج تظاهرات في السويداء ترفض التدخل الإسرائيلي فإن ذلك لا يعني الموافقة على سلوكيات سلطة دمشق، بحسب ما قاله بعض الدروز في حديثهم مع “اندبندنت عربية”.

طريف أبو جبل أحد سكان السويداء عبر عن موقفه بالقول “لن نضع يدنا في يد إسرائيل ولكن ذلك لا يعني قبولنا بسلطة الأمر الواقع القمعية في دمشق، ما حصل في الساحل السوري درس لكل أبناء الوطن عن ضرورة حمل السلاح وعدم تسليمه إلا في حال الركون لعقد اجتماعي توافقي مع سلطة تكتسب كل صفات الشرعية المحلية والخارجية”.

يوسف الهايل طبيب من السويداء قال “هي لعبة تدوير زوايا، بماذا تختلف ’جبهة النصرة‘ عن ’تحرير الشام‘ عن الحكم الحالي؟ مجرد أسماء تغيرت فقط، الحل الذي ننشده جميعنا هو الفيدرالية وتركنا لندير أمور محافظتنا بعيداً من الشحن الطائفي والحالة الفصائلية المتطرفة، ألم يتم حل ’هيئة تحرير الشام‘، لننظر في كل المجالس من الأمن القومي إلى الحوار الوطني إلى لجنة الدستور، جميعها تقوم على أفراد من الهيئة، وأهل الجنوب منفتحون وعلمانيون ولا يمكن لهم التعايش مع الملثمين ومجرمي الحرب، وما خرجنا لإسقاط بشار الأسد لنجيء بسلطة شمولية أكثر، الحل يقرره كبارنا وتشترك في إقراره الدول الخارجية، لسنا نشجع التقسيم، فلم نشهد ما شهده الساحل، لذلك حتى اللحظة نتمسك بالفيدرالية فقط”.

الوحدة أم التقسيم؟ خيارات قائمة

صار الآن من المشروع السؤال إلى أين تتجه سوريا، نحو الوحدة الجامعة أم التقسيم؟ وهو سؤال يحاول الإجابة عنه الدكتور في القانون أحمد الصفدي بالقول إنه “كانت هناك مطالب متنامية على الدوام بتطبيق الفيدرالية في سوريا بعد سقوط النظام، لكن بعدما حصل في الساحل السوري بدأت تطفو على السطح مطالب بالتقسيم، وإن كانت هذه المطالب لا تتسق بين العلويين أنفسهم، فعلويو اللاذقية وحمص وحماة مثلاً لا يزالون يرون في الفيدرالية حلاً، بخلاف بقية الساحل السوري، والقسم الكبير منه رزح تحت المجازر ورأى بأم عينه كيف يكون التطهير العرقي”، ويضيف “الآن توقفت الإبادة في الساحل، لكن حواجز كثيرة في مناطق مختلفة ما زالت تسأل المارة عن دينهم، وما زالت الحالات الفردية مستمرة، ففي اليومين الماضيين فقط ست حالات خطف وقتل على طريق صافيتا – طرطوس في الساحل، وكل ذلك سيُختزن بالوعي الجمعي لدى الناس ويدفعهم إلى طلب الحماية بأي طريقة، وهو الدرس الأكبر للدروز في السويداء جنوباً وجرمانا في ريف دمشق بعدم إلقاء السلاح خصوصاً بعد وصف زعيمهم الروحي الهجري الإعلان الدستوري بغير المنطقي، فضلاً عن الالتفاف من قبل دمشق على الأكراد الذين أكدوا بعيد بيان عبدالله أوجلان واتفاقهم مع الشرع أنهم لا يسعون إلى دويلة داخل دولة ولا تقسيم جديد ولا كردستان عراق أخرى، ولكن البيان الدستوري عاجلهم ليحطم أحلامهم، مما يعني العودة إلى نقطة الصفر”.

ويتابع “القيادة السورية في موضع مربك للغاية، أمامها ملفات متشابكة ومعقدة للغاية داخلياً وخارجياً، والأسابيع والأشهر المقبلة ستكون حاسمة لشكل البلد. الوقت ليس في صالحها في ظل الضغط الدولي، لكنها حتى الآن لم تعرف كيف تتعامل مع الملفات الكبرى بجدية مطلقة، من جهتي أرى كل الخيارات مطروحة على الطاولة، والذكي يكسب في النهاية، القرار الآن بيد القيادة الجديدة لتسير بالبلد نحو وحدة متكاملة أو تتركه فتاتاً مقسّماً، وهو ما يستدعي تحركات جد عاجلة لا تحتمل التأجيل لحظة واحدة، وإعادة النظر بأشهرها الثلاثة الأولى بالسرعة القصوى وتلافي مكامن الخلل وإرسال الرسائل في كل الاتجاهات ولكل المكونات بأن هذا البلد يتسع للجميع، وإلا فسنرى أنفسنا أمام سيناريو تقسيم مر على سوريا قبل زهو قرن من الزمن”.

————————————-

في خطر تقسيم سورية/ غازي العريضي

18 مارس 2025

المعلومات الواردة من إسرائيل عن سورية أن وزير الأمن الإسرائيلي يسرائيل كاتس يقول: “هاجمنا أربعين هدفاً عسكرياً في جنوب سورية لتطبيق السياسة التي أعلنّا عنها لإحباط التهديدات ضدّ إسرائيل، وسندافع عن سلامة الدروز في المنطقة، وعندما يفتح (الجولاني) عينيه كلّ صباح سيرى الجيش الإسرائيلي يراقبه من جبل الشيخ، وسيتذكّر أننا هنا. سنحافظ على (المنطقة الآمنة) وعلى جبل الشيخ، وسنضمن أن تكون هذه المنطقة في جنوب سورية منزوعة السلاح، وسنوثّق العلاقة مع سكّان المنطقة، وسنبدأ يوم 16 آذار بالسماح للعمّال السوريين بالعمل في المناطق الجديدة التي سيطرنا عليها برواتب ومخصّصات خيالية” (هذا الكلام ردّ واضح على تحذير وليد جنبلاط من خطر المشروع الإسرائيلي التفتيتي، ودعوته إلى الحفاظ على وحدة سورية، رافضاً أن تسوّق إسرائيل نفسها حاميةً للدروز هناك، مع الإشارة إلى أن 16 مارس/ آذار هي ذكرى اغتيال القائد كمال جنبلاط).

وتقول القناة 12 الإسرائيلية: “هدف التقسيم المناطقي في سورية منع سيطرة النظام الجديد، وضمان القدرة على التحكّم في عدّة مستويات من الحدود حتى دمشق. المؤسّسة الأمنية ترى أن تحرّكها في سورية من الدروس المستفادة من هجوم السابع من أكتوبر (تشرين الأول 2023)، عبر التحرّك بشكل استباقي”. وتضيف: “40 ألف مدني سوري يوجدون الآن في المناطق التي سيطرت عليها إسرائيل في سورية. وتقديرات الأجهزة الأمنية تشير إلى أن خلايا أمنية كثيرة فيها. كلّ منزل سوري يحوي أسلحةً، والجيش مستعدّ لاحتمال وقوع عمليات أمنية مفاجئة، ونحن نمتلك سيطرةً ناريةً وقدرةً على المراقبة حتى العاصمة دمشق”.

أمّّا ما يقال في دوائر القرار الإسرائيلي، الأمنية والسياسية؛ “الشرع غير قادر على ضبط الوضع. نحن نتعاطف مع العلويين والمسيحيين، لكنّ للدروز وضعاً خاصّاً، وهم كوّنوا (لوبي) مؤثّراً ضاغطاً في مراكز صنع القرار. ولذلك قرّرنا تقديم دعم بقيمة مليار دولار لمناطقهم في الشمال (والشمال هنا بات يمتدّ من الجليل الأعلى إلى الجولان والأراضي السورية الجديدة المحتلّة، وتلك المحيطة بها؛ السويداء مروراً بلبنان)، وينبغي العمل على تفكيك النفوذ الإقليمي لوليد جنبلاط “؛ “ما جرى في الساحل السوري حماقة”؛ “لجنة التحقيق في الأحداث، والإعلان الدستوري، يدلان على الاستئثار”؛ “الاتفاق مع الأكراد ليس ثابتاً”؛ “لن نقبل التمدّد التركي في سورية ونحن نراقب بدقّة التحرّكات التركية هناك”؛ “نحن على تواصلٍ مع المسؤولين الأميركيين ومراكز الدراسات والأبحاث لشرح مخاطر ما جرى وما يجري في سورية، ولإطلاعهم على العمليات العسكرية التي نفّذناها وسننفّذها، وأهدافها وأبعادها”.

ماذا تعني هذه العناوين والتوجّهات السياسة الإسرائيلية في سورية؟ … بوضوح، لا تريد إسرائيل رؤية سورية موحّدةً أو مستقرّةً أمنياً وسياسياً، وتقول علناً وتنفّذ يومياً أقوالها، بضرب مقوّمات الدولة كلّها لمنع النظام من السيطرة، ولتنفيذ المشروع التقسيمي. بطبيعة الحال، ستتأثّر دول الجوار بهذه السياسات والأهداف. ولذلك هي معنية بمواجهتها. لن يقف تقسيم سورية عند حدودها. تسعير الصراعات المذهبية والطائفية ستكون له تداعيات على لبنان خاصّة، وعلى بقية الدول، بهدف إضعافها وتفكيكها، وهذا يستوجب، أولاً، إدراك السلطة الجديدة في سورية هذه المخاطر كلّها، والعمل المباشر لتفكيك ألغامها، بدءاً بحوار جدّي مفتوح مع المكوّنات كلّها، وتعزيز شراكة حقيقية على مستوى الحكم وإدارته، ومعالجة آثار ما جرى في الساحل لتبديد مخاوف المقيمين هناك، وغيرهم في مناطق أخرى، والتعامل بدراية وواقعية مع الحساسيات المذهبية والطائفية، فكيف إذا كان المشروع الإسرائيلي واضحاً، ويعلنه أركان دولة الاحتلال بوضوح؟

ثانياً، إدراك العرب، كلّ العرب، أنهم معنيون بمواجهة هذا الخطر، لا سيّما الذين أيّدوا الإدارة الجديدة في سورية، والمبادرة إلى تقديم الدعم السياسي والدبلوماسي والإعلامي والمالي والاقتصادي لها بسرعة، لتتمكّن من مواجهة التحدّيات المذكورة، والمحافظة فعلياً على وحدة الأرض والمؤسّسات. وثالثاً، استيعاب تركيا لضرورات الاتفاق مع الأكراد وتعزيز دور الإدارة الجديدة، والتأكيد على خصوصيات الأكراد وترسيخ انتمائهم إلى الدولة السورية على قاعدة الاتفاق الذي تمّ معهم.

ويجب (رابعاً) أن تبادر الدول الأوروبية وأميركا إلى إعطاء فرصة للإدارة الجديدة، رغم ملاحظاتٍ أبداها أعضاء في مجلس الأمن حول ما جرى في الساحل السوري، ولو كان من باب ردّة الفعل على ما فعلته أدوات النظام السابق في محاولة انقلابية واضحة. أمّا خامساً، فيجب إدراك أن ما جرى في جنوبي سورية، وتلاعب إسرائيل بمسألة الأقلّيات، وادّعاء حماية الدروز، واستهداف دور وليد جنبلاط الذي يواجه ذلك، لا تقع مسؤولية التصدي له على عاتق هذا الرجل وحده. فلا بدّ من احتضان عربي لموقفه، حمايةً لموقف الموحّدين الدروز في تلك المنطقة، الرافضين استخدام إسرائيل لهم، ولحماية وحدة سورية، ووحدة البلاد العربية كلّها، المستهدفة إسرائيلياً بمواقف معلنة وواضحة، يطلقها المسؤولون في حكومة نتنياهو.

العربي الجديد

———————————

الأخطار التي تهدد سوريا داخليا وخارجيا/ رياض معسعس

تحديث 18 اذار 2025

«عليك يا سوريا السلام ونعم البلد هذا للعدو» قالها هرقل وهو يغادر سوريا بعد هزيمته النكراء أمام جيش المسلمين الذي انتصر على الروم في معركة اليرموك في العام 636 م.

وبقيت سوريا نعم البلد لكل الأعداء الذين حاولوا غزوها، لأنها كانت دائما الأرض التي تطلعت كل القوى بالسيطرة عليها لخيراتها، وموقعها الذي يضم مقدسات الأديان التوحيدية، ولكونها بلدا حضاريا وذا ثقافات متعددة، ومكونات اجتماعية مختلفة. فهي عرفت الفرس، والرومان، واليونانيين، والعرب، والبيزنطيين، والصليبيين، والمغول، والتتار، والمماليك، والعثمانيين، والفرنسيين، ولكن اليوم وبعد تقطيع أوصالها وسلخ فلسطين، ولبنان، والأردن منها تقع فريسة قوى متعددة تبحث جميعها السيطرة عليها، أو احتلال أراضيها، أو تجزئتها. والأخطار التي تتهدد سوريا اليوم تأتي من الداخل أيضا وربما كانت أشد خطرا من الخارج.

تتمثل الأخطار الداخلية بمجموعة عوامل تجعل الوضع الداخلي السوري على صفيح ساخن، خاصة وأن النظام المخلوع خلف وراءه مجموعة كبيرة من الألغام الاجتماعية، والطائفية، والعرقية القابلة للانفجار، وزج البلاد في أتون حرب أهلية. فهناك مجموعة كبيرة من فلول النظام لا تزال تمتلك الأسلحة وتقوم بهجمات ضد قوات الأمن للنظام الحالي، عدا عن مجموعات كانت تعمل لصالح النظام ويستخدمها في تنفيذ أعمال مختلفة من قتل، وتهريب أسلحة ومخدرات، وترهيب الناس، كميليشيا محسن الهيمد التي واجهت قوات حفظ الأمن في مدينة الصنمين في منطقة حوران. كما أن هناك اللواء الخامس بقيادة أحمد العودة في نفس المنطقة الذي دخل في مفاوضات مع الحكومة الحالية، وهناك بعض فلول النظام في منطقة الساحل التي تقوم بهجمات متكررة على قوات حفظ الأمن، وهناك من يطالب بالانفصال عن الدولة الأم، وفي منطقة دير الزور التي تضم أيضا بعض الجماعات المسلحة التي ترفض تسليم اسلحتها وتهاجم قوات الأمن. لكن الخطر الأكبر يكمن في منطقة جبل العرب في الجنوب، وفي منطقة شرق الفرات في الشمال، في الجنوب في منطقة جبل العرب تسعى إسرائيل لفصله عن سلطة دمشق عبر ضخ أموال ( وعدت بضخ مليار دولار لتحسين أوضاع المنطقة ككل) من ناحية، والسماح للسكان بالعمل في إسرائيل مقابل أن يقوم الدروز بالمطالبة بحكم فيدرالي وحكم ذاتي، وقد قام رئيس وزراء دولة الاحتلال بتهديد السلطة الحالية وحذرها من إرسال قوات إلى الجنوب، وقد قامت مجموعة من الضباط بتشكيل مجلس عسكري برئاسة طارق الشوفي لحماية جبل العرب، وقد شهدت مدينة جرمانا ذات الأكثرية الدرزية مواجهات مسلحة مع قوات الأمن أسفرت عن قتلى وجرحى.

لم تتقبل فلول النظام من عساكر وضباط المنتمين معظمهم للطائفة العلوية الهزيمة التي منيت بها في أقل من أسبوع بسقوط نظام استمر زهاء نصف قرن ونيف بني على الطائفية، ودولة المخابرات، والفساد، والمحسوبيات، والاغتيالات السياسية، والمجازر الجماعية، واضطهاد الأكثرية السنية واستخدام كل الأسلحة بما فيها الأسلحة الكيميائية لقتل أكبر عدد منها، وتهجير الملايين إلى خارج تراب الوطن، ونزوح ملايين آخرين هدمت بيوتهم بالبراميل المتفجرة ليسكنوا مخيمات لسنين طويلة. بعد السقوط المدوي للنظام لجأ معظم هؤلاء للعراق، ولبنان وقاموا بالتخطيط بقيادة ضباط الفرقة الرابعة التي كان يترأسها ماهر الأسد بالهجوم على قوات الأمن في مناطق متعددة من الساحل السوري معقل الطائفة العلوية ممولين ومسلحين من إيران، ومن ميليشيات عراقية، وبدعم من قوات سوريا الديمقراطية الكردية بهدف الانقلاب على الثورة، والنظام الجديد، وشق صف الشعب السوري، والانفصال عن الدولة المركزية، وحسب مصادر متعددة بأن هذه العملية تمت باتفاق مشترك بين أكثر من جهة إيرانية، وروسية وربما عربية من الخارج. ورغم فشل المحاولة ومقتل عدد كبير من عناصرها إلا أن الأخطار كامنة.

منذ بداية الثورة في العام 2011 قام حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني بقيادة صالح مسلم بالنأي بنفسه عن الثورة (المجلس الوطني الكردستاني الذي تأسس في العام 2011 التحق بالثورة وبالمجلس الوطني السوري في بداية الثورة) وقام بالتنسيق مع النظام بالاستيلاء على مساحات واسعة من شرق الفرات بعد أن انسحبت قوات النظام منها طوعيا، وتم تشكيل ما يسمى بقوات سوريا الديمقراطية «قسد» التي ومع الهجوم السريع «لداعش» واحتلال مساحات واسعة من سوريا تدخلت قوات أمريكية وبنت قواعد في المناطق المسيطر عليها من «قسد» ودعمتها لمحاربة «داعش» وتمكنت مع قوات التحالف من هزيمة «داعش» والسيطرة على ربع مساحة سوريا الواقعة شرق الفرات والتي تضم معظم آبار النفط والغاز، والأراضي الزراعية الخصبة، وأعلنت الاستقلال الذاتي.

الأخطار الخارجية تكمن أولا في دولة الاحتلال التي تسعى علانية لتغيير الشرق الأوسط حتى لو لزم ذلك بالحرب كما صرح المتحدث باسم الجيش أفيخاي أدرعي، وقد قام جيش الاحتلال بخرق اتفاقية فصل القوات الموقعة في العام 1974 واحتل عدة مناطق في منطقة القنيطرة، وقمة جبل الشيخ، وتتمركز في أكثر من نقطة على الأراضي السورية، كما قامت بتدمير المنشآت العسكرية البرية والبحرية في عدة مراكز على الأرض السورية دون وازع، وقامت الإدارة الحالية بتقديم شكوى إلى الأمم المتحدة بهذه الانتهاكات الصارخة على الرغم من تصريحات الإدارة السورية بأنها لا ترغب في الدخول بأي مواجهة عسكرية مع أحد. وتأتي كل هذه الانتهاكات في ظل حكم الإدارة الأمريكية الجديدة برئاسة دونالد ترامب التي لم تظهر أي اعتراض على الاعتداءات الإسرائيلية وكأنها توافق ضمنيا على هذه الانتهاكات، خاصة وأن ترامب كرر ضرورة توسيع الرقعة الجغرافية لدولة الاحتلال التي يرى بأنها صغيرة مقارنة بمساحة العالم العربي. في الدرجة الثانية تأتي أمريكا التي بنت قواعد عسكرية في سوريا وتدعم قوات سوريا الديمقراطية «قسد» التي تحتل حوالي ربع مساحة سوريا، كما تحتل في الجنوب السوري في منطقة التنف التي بنت فيها قاعدة عسكرية أخرى. ولا تزال القوات التركية التي تدعم الإدارة الحالية في سوريا تتواجد في أكثر من نقطة في شمال غرب سوريا.

وتبقى إيران الخاسر الأكبر من جراء سقوط النظام السوري الذي كان يؤمن خطوط الإمداد لحزب الله في لبنان، ولم تعترف حتى الآن بالوضع السوري الجديد، وتسعى بطرق مختلفة لقلب النظام في دمشق لعودة نفوذها إلى سوريا بدعم فلول النظام البائد.

كاتب سوري

القدس العربي

———————————-

المعضلة السورية والخروج الآمن/ د. حسن أبو طالب

 18 مارس 2025 م

لا ينكر أي متابع لما يجري في سوريا، أكان عالماً بدهاليز السياسة أو شخصاً عادياً، أن سوريا تعيش الآن مرحلة مخاض مملوء بالاضطرابات والإشارات المتضاربة. فأبعاد المعضلة السورية تتكشف بين لحظة وأخرى، وما يوصف بأنه خطوة إيجابية مبشرة سرعان ما تتكشف تفاصيله، بأنه إما فاقد لآليات التطبيق، كما هي الحال في الاتفاق بين الرئيس أحمد الشرع والأكراد السوريين، ممثلين في زعيم «قسد» مظلوم عبدي، وإما يتجاوز طموحات قطاعات عريضة جداً من السوريين الآملين في العيش تحت سقف قانون عادل ومنصف، يرسخ المساواة بين كل السوريين، ومساحة من الحريات للجميع، أياً كانت طائفتهم أو دينهم أو منطقتهم الجغرافية.

فكثير من قرارات السلطة الجديدة وإن غُلِّفت بنيَّات حسنة، فإن أسلوب تطبيقها لا يوفر أساساً لمصالحة سورية عامة، ولا يعطي مؤشراً قوياً على أن المستقبل القريب يستند إلى آليات حكم غير التي كانت قبل اختفاء بشار الأسد وانهيار نظامه. والأمثلة كثيرة، فالمنهج الذي صيغت به الوثيقة الدستورية الموصوفة بأنها انتقالية، تشتمل على 53 بنداً، تماثل من حيث الشكل العام الدساتير الدائمة التي تصدرها الدول المستقرة، وفق إجراءات شفافة ومشاركة واسعة، وتخضع لحوار مجتمعي حقيقي؛ إذ لم يحدث شيء من هذا. فلجنة الدستور شُكِّلت بقرار رئاسي، ولم تتواصل مع مكونات الشعب السوري، وفي خلال أسبوع واحد وضعت وثيقة دستورية لخمس سنوات انتقالية مرة واحدة، تماثل من حيث الشكل أيضاً مدة رئاسية كاملة في كثير من الدول التي تعتمد أسلوب الانتخاب لاختيار الحاكم.

ولا أدري؛ لماذا لم تُشكل طاولة حوار مجتمعي موسعة تستمر شهراً أو شهرين، تشارك فيها رموز من مختلف المكونات السورية، وتُقر مبادئ لمرحلة انتقالية لفترة زمنية محدودة لا تزيد على عامين، وبعدها انتخابات حرة لبدء حياة سياسية مستقرة تعلن بها عن سوريا جديدة لكل مواطنيها؟

إن التسرع في إصدار وثيقة دستورية مفصَّلة توفر للرئيس سلطات واسعة -وإن قيل إن ظروف سوريا تتطلب يداً حازمة قادرة على التعامل الحازم مع التحديات- اتضح معه أن ردود الفعل من مكونات سورية كثيرة ترى الأمور عكس ما استُهدف، مما يضع أعباء على الرئيس وحكومته، في الداخل كما في الخارج. فهناك من يرى أن سوريا الجديدة لا تحمي كل مواطنيها، وبخاصة أصحاب العقائد ذات الخصوصية، ومن ثَم يبررون لأنفسهم تقديم مظلة حماية لهؤلاء المتضررين، ويستشهدون بما ورد في الوثيقة الدستورية وطريقة إصدارها.

داخلياً، «قوات سوريا الديمقراطية» الكردية (قسد)، رأت أن الدستور الانتقالي يتناقض مع المبادئ الواردة في الاتفاق الموقع مع الرئيس أحمد الشرع. ومواقف فئات علوية ودرزية -وإن اختلطت فيها التحفظات والرفض والصمت- تعد إشارات ذات دلالة، وفي الخلفية من ينذر باللجوء إلى السلاح؛ سواء مَن يوصَفون بالفلول، أو بالمتشككين في النظام الجديد، ومن ثم فالأمر يتطلب معالجة رشيدة، بدلاً من أن تتفاقم الأمور، على النحو الذي تنذر به زيارات بعض رجال الدين الدروز السوريين إلى داخل الجولان المحتل، مع مراعاة أن من بين الدروز السوريين من انتقد الزيارة؛ رغم محاولات صبغها دينياً، ونفي دلالاتها السياسية.

وثائق الدستور في المراحل الانتقالية ليست وثائق مقدسة، فإن فرضَت التجربة العملية التغيير في بنيتها كلياً أو جزئياً، فمن الحصافة والحكمة لمن يملك القرار أن يتجاوب مع تلك التحفظات، وأن يوسع مساحة المشاركة، وأن يثبت وعوده في احتواء الجميع من دون استثناء.

معضلة الدستور الانتقالي تمتد إلى كثير من القرارات التي لم تضع في اعتبارها أن انهيار النظم لا يعني بالضرورة التخلص من كل مؤسساتها بجرة قلم، وبالأخص: الجيش، والشرطة، والاستخبارات، والخارجية، والتعليم، والاقتصاد. ففي تلك المؤسسات فئتان: الأولى هي العليا التي تماهت مع النظام السابق، ويُفترض التخلص منها ومحاسبة المخطئين بالقانون على تجاوزاتهم في حق الناس، والثانية الغالبية من التقنيين والإداريين، ولا يعدُّون مسؤولين كالفئة الأولى، وتظل لديهم معرفة معقولة بإدارة كثير من الملفات، والتي يحتاج إليها أي نظام جديد، وبقليل من الترشيد يظل هؤلاء عنصراً مهماً في بناء النظام الجديد.

والثابت أن نتيجة التضحية بالفئتين معاً والبدء من الصفر -كما يحلو للبعض وهم في حالة نشوة ثورية زائفة- تكون بلداً بلا جيش ولا أمن، ولا فئة تكنوقراطية، ولا خبراء ولا علماء، وبالتالي يضع النظام الجديد نفسه في دوامة لا نهاية لها، فضلاً عن أطماع خارجية شرسة.

وقد يجد البعض من صانعي النظام الجديد غضاضة في احتواء قطاعات من العاملين في تلك المؤسسات كأساس تقني يُعتمَد عليه، خوفاً من عدم الولاء للنظام الجديد، وهو أمر تغيب عنه التداعيات الخطرة التي يتضمنها لفظ آلاف من الموظفين والعمال، وتركهم وأُسَرهم بلا عمل ولا مورد رزق، ما يدفع كثيرين منهم إلى الانزلاق إلى أعمال عدائية؛ سواء فردية أو جماعية.

وفي التجارب التي شهدت تحولات ثورية عميقة، واعتمدت مبادئ العدالة الانتقالية منهجاً لإعادة البناء، انتقلت البلاد من الفوضى إلى الارتقاء، وشهد لها الجميع بالرشادة السياسية، وهنا يبرز كل من تجربتَي: رواندا في عهد بول كاغامي بعد المذابح الأهلية 1994 بين الهوتو والتوتسو، والتحول إلى بلد مستقر يحقق تنمية مشهودة، بعد اعتماد سياسة المصالحة الوطنية، ونبذ العنف والتعددية السياسية، وتجربة جنوب أفريقيا الشهيرة بعد سقوط النظام العنصري فيها 1990. قد تأخذ بعض تلك الإجراءات وقتاً لتصبح منهجاً مجتمعياً متكاملاً، ولكنها تستحق التطبيق.

الشرق الأوسط

———————————-

سوريا بين مطالب الخارج وتحديات الداخل/ أحمد محمود عجاج

رحل بشار الأسد وترك سوريا خربة؛ باقتصاد منهار، ونازحين بالملايين، ووضع داخلي مشتعل، وعقوبات دولية. حكومة الرئيس أحمد الشرع تبدأ من الصفر، وفوق ذلك عليها مواجهة أطماع إسرائيل، ومؤامرات إيران، ومطالب دولية جارحة للسيادة. فالشرع في ورطة: لا هو قادر على الحسم العسكري، ولا مستعد لقبول إملاءات الخارج؛ وهذا يستلزم منه براعة وصبرًا لاستيعاب التناقضات الدولية والإقليمية، والنفاذ منها للحفاظ على الكيان السوري، وإلا فإن التَّفتت وارد جداً أمام مطالب الدروز، والعلويين، وانفصال الأكراد.

إن رفض بعض زعماء الدروز الانضمام لسلطة الحكومة المركزية نابع من الدعم الإسرائيلي الفاضح، وشعورهم بأن الفرصة مواتية للفيدرالية؛ فالفيدرالية تُضعف سلطة الحكومة المركزية، وتقوِّي الأقليات على حساب الأكثرية، وهذا يمنح إسرائيل وإيران وغيرهما أوراقاً في الداخل السوري. هذا الكسب الفيدرالي يمثل خسارة كبرى لتركيا والعرب؛ الأولى تجد في الفيدرالية خطراً على أمنها. والعرب على أمنهم القومي، ووحدة تراب سوريا؛ لذلك شاهدنا اندفاعة دبلوماسية سعودية لتسويق الاعتراف الدولي بالحكومة الجديدة، واحتضاناً تركياً لتوفير حماية أمنية لها. وتجلى ذلك بدعم الحكومة السعودية السريع للسلطة السورية في أثناء تمرد الساحل، وبتحرك تركيا عسكرياً؛ وهذا لقي قبولاً من الإدارة الأميركية.

هذا التناغم دفع الأكراد للمسارعة إلى مصالحة السلطة في دمشق، وتوقيع اتفاق مبدئي معها، يعزز السلطة المركزية؛ وهذا سببه خوف الأكراد من سحب ترمب قواته من مناطقهم، وغياب روسيا بوصفها قوة رديفة. وبالفعل أكدت صحيفة «وول ستريت جورنال» دور أميركا في هذا الاتفاق مع دمشق. وهذا حشر الدروز في زاوية صعبة، لكونهم يشكلون اثنين في المائة من سكان سوريا، وليس منطقياً أن يُمنحوا هذا الامتياز الفيدرالي. كذلك الرئيس ترمب قد لا يسمح لإسرائيل بأن توسع تدخلها في سوريا؛ لأن ذلك قد يضر برؤيته المتمثلة في الانسحاب من المنطقة، وتسليمها إلى حلفائه لحفظ مصالح أميركا، مثل محاربة «داعش»، ونقل مساجينها إلى رعاية الدولة السورية بضمانة تركية؛ فترمب -رغم دعمه لنتنياهو- تفاوض فوق رأسه مع «حماس»، وأجبره على قبول اتفاق وقف إطلاق النار، وسيرغمه على تجنب أي مواجهة محتملة مع الأتراك؛ لأن ذلك قد يدفع الحكومة السورية إلى الارتماء أكثر في حضن أنقرة، علاوة على أن ذلك يبعد فكرة السلام في المنطقة، والتي من خلالها يريد ترمب أن يكون صانع سلام تاريخياً.

ومن حسن حظ الحكومة السورية أن أوروبا وروسيا منشغلتان بالحرب الأوكرانية، ولا ترغبان في تعقيدات بالشرق الأوسط، وبالذات أوروبا التي تخشى موجات مهاجرين، والتي تتطلع لإعادة السوريين إلى بلادهم. كما أن مسارعة الحكومة السورية لمعالجة التجاوزات في الساحل السوري، وتشكيل لجنة تقصٍّ، وتعويض المتضررين، قابله ارتياح أوروبي تمثَّل بدعوة المفوضية الأوروبية للرئيس الشرع لحضور مؤتمر المانحين لسوريا المنعقد أمس في 17 مارس (آذار) في بروكسل. فالخوف من تصدُّع سوريا هاجس أميركي وأوروبي، ولذلك أقنع الأميركيون فصائل التنف بالانضمام للدولة، وسمحوا لقطر بإمداد سوريا بالغاز.

وتدرك روسيا بالمقابل وضعها المتأزم مع الشعب السوري، وكل همها الآن إبقاء قاعدتها البحرية في طرطوس؛ لأنها المنفذ الحيوي للقارة الأفريقية؛ هذه المصلحة الروسية تجعلها على تضاد مع أي زعزعة إيرانية لسوريا.

هذه المعطيات الدولية ليست ثابتة، وعلى حكومة الشرع فهم تحولاتها وتقلباتها، لبناء الدولة القوية؛ فاللحظة مناسبة لتقديم مصالح شعب سوريا على مطالب الخارج، وبالذات رفض مخاوف الخارج المزيفة على الأقليات؛ فالمطالبة بتمييع الأكثرية -كما يقول وزير خارجية الهند جايشانكار- أصبح «مع الأسف موضة سياسية تجبر الأكثرية على إخفاء دينها». فسوريا الجديدة لن يكون فيها خوف على أقليات، ما دامت حكومتها تلتزم بالدستور، وحكم القانون، وتكافؤ الفرص، واحترام حقوق الإنسان، وما دامت تحظى بتأييد شعبها، وما دامت تحرص على التوافق السعودي- التركي الذي تحتاجه لسنوات طويلة.

سوريا اليوم ليس كتلك التي تركها الأسد؛ بل دولة يحميها الشعب، ويحضنها إخوتها العرب، ونموذج واعد للتعايش.

الشرق الأوسط

—————————–

سياسة ترامب تجاه سوريا: التحول نحو الاحتواء الاستراتيجي/ لين خطيب

18 مارس 2025

يتبنى الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في ولايته الثانية، نهجًا مختلفًا تجاه سوريا يقوم على “التقليل الاستراتيجي”، حيث يتم تقليل التدخل المباشر للولايات المتحدة مع الحفاظ على وجود يخدم المصالح الإقليمية الأميركية. أربعة عناوين تلخص سياسة ترامب تجاه سوريا بعد انهيار نظام الأسد: فك الارتباط العسكري، والتحالف مع تركيا، واحتواء إيران، وخدمة المصالح الإسرائيلية.

الانسحاب العسكري مع الاحتفاظ بالنفوذ الاستراتيجي

أحد أهم التطورات في ظل قيادة ترامب المتجددة هو نيته الواضحة في تقليص وجود القوات الأميركية في سوريا. وقد أدى ذلك إلى محاولة مساعدة قوات سوريا الديمقراطية “قسد” والحكومة السورية الجديدة على التوصل إلى اتفاق يهدف إلى دمج “قسد”، التي يقودها الأكراد، ضمن الحكومة السورية المؤقتة بقيادة أحمد الشرع. وإذا تحقق هذا الاتفاق بالكامل، فسيشكل خطوة نحو استقرار شمال سوريا، مع السماح بانسحاب أميركي يتم بطريقة تمنع حدوث فراغ أمني.

ومع ذلك، فإن الانسحاب الأميركي ليس خاليًا من التعقيدات. فقد استخدمت الولايات المتحدة تاريخيًا وجودها العسكري في شمال شرق سوريا لمواجهة تنظيم “داعش”، ودعم حلفائها من الأكراد، وموازنة النفوذ الإيراني. وقد يؤدي الانسحاب المتسرع إلى ترك فراغ يمكن للاعبين إقليميين استغلاله.

ومن منظور سوري، يُنظر إلى خروج القوات الأميركية على أنه خطوة ضرورية لاستعادة السيادة الكاملة، رغم المخاوف من القوة التي قد تملأ هذا الفراغ. وفي الوقت الراهن، يبدو أن استراتيجية ترامب لن تكون انسحابًا كليًا بل إعادة تموضع تُقلل من البصمة الأميركية مع الحفاظ على النفوذ من خلال تحالفات مع إسرائيل وتركيا.

دور تركيا والمساومات الجيوسياسية

بالفعل، تُعد كل من تركيا وإسرائيل من اللاعبين الرئيسيين في تشكيل سياسة ترامب تجاه سوريا. فيما يتعلق بتركيا، فقد سلطت تصريحات ترامب، التي جاءت فور الإطاحة بنظام الأسد في الثامن من كانون الأول/ ديسمبر 2024، الضوء على الدور المحدود للولايات المتحدة في سوريا، مع الإقرار بالدور الكبير لتركيا في البلاد، وأشارت التصريحات إلى أن تركيا خرجت كالمُنتصر الوحيد في سوريا وتتمتع بجميع المزايا الاستراتيجية فيها.

ومن منظور سوري، يُنظر إلى النفوذ التركي على أنه معقد؛ فبالرغم من معارضة كثير من السوريين لأي تدخل أجنبي، إلا أن الدور التركي يُعتبر في كثير من الأحيان أفضل من التدخل الإسرائيلي أو الأميركي، نظرًا للعلاقات التاريخية لأنقرة مع المنطقة ومعارضتها لنظام الأسد.

وتكمن المصلحة الأساسية لأنقرة في منع إقامة كيان كردي مستقل على حدودها، والذي تعتبره تهديدًا للأمن القومي. وإذا انسحبت القوات الأميركية، فمن المرجح أن تسعى تركيا إلى زيادة نفوذها في شمال سوريا، خاصةً في المناطق التي كانت تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية. وستكون مهمة ترامب هي تحقيق توازن بين هذا الطلب التركي والحفاظ على مصداقيته لدى القوات الكردية، التي كانت حليف الولايات المتحدة الرئيس في مكافحة داعش وتأمين حقول النفط والغاز. كما تتوقع إسرائيل من ترامب أن يضمن تحقيق تحول جيوسياسي أوسع يقوي موقعها الإقليمي على حساب تركيا، ما يثير قلق الأتراك والسوريين على حد سواء.

ويعتبر موقف تركيا من اتفاقيات أبراهام أمرًا حاسمًا معقدًا للأمور، إذ تجادل أنقرة بأن هذه الاتفاقيات تقوض القضية والحقوق الفلسطينية ولا تعالج سياسات الاحتلال الإسرائيلي في المنطقة بأسرها، وترى أنها جزء من الاستراتيجية الأميركية – الإسرائيلية لتعزيز موقع إسرائيل الإقليمي مع تهميش اللاعبين الرئيسيين الآخرين، بما في ذلك تركيا نفسها.

احتواء إيران وسياسة العقوبات

ليست تركيا اللاعب الوحيد الذي تهتم به سياسة ترامب في سوريا. ففي الواقع، ترتبط استراتيجية ترامب في سوريا ارتباطًا وثيقًا بسياساته الأوسع في الشرق الأوسط، لا سيما فيما يتعلق بإيران. يُعد من أهداف ترامب الرئيسية الحد من النفوذ الإيراني في المنطقة، ولا سيما في سوريا والعراق واليمن.

وعلى عكس جو بايدن الذي انتهج نهجًا غير واضح تجاه إيران، من المتوقع أن يواصل ترامب سياسته المتشددة، وربما يكثف التدخلات الأميركية ضد طهران. ففي اليوم الذي تولى فيه ترامب منصبه، أعاد تصنيف المتمردين الحوثيين في اليمن، المتحالفين مع إيران، كمنظمة إرهابية أجنبية. وكان فريقه قد بدأ بالتعامل مع الملف العراقي حتى قبل توليه رسميًا سدة الرئاسة، حيث وجه عدة رسائل إلى الحكومة العراقية طالبًا دمج قوات الحشد الشعبي (PMF) في الجيش الوطني لكبح حرية تحرك إيران في العراق.

ومع ذلك، تُعتبر هذه الجهود الأميركية للحد من النفوذ الإيراني في سوريا كخدمة للمصالح الإسرائيلية بدلًا من أن تخدم استقرار سوريا.

العامل الإسرائيلي وإعادة الترتيبات الإقليمية

يمكن القول إن سياسة ترامب تجاه سوريا مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بإعطاء الأولوية لأمن إسرائيل. ومن ثم، فإن أحد العناصر الرئيسية في سياسة ترامب هو تقاطعها مع المصالح الإسرائيلية. ففي إدارته السابقة، اتخذ ترامب إجراءات كانت في مصلحة إسرائيل وعلى حساب حقوق السوريين، مثل الاعتراف بسيادة إسرائيل على هضبة الجولان المحتلة. وفي ولايته الثانية، يُتوقع أن يحافظ على مسار مماثل من خلال ضمان ألا تتحول سوريا إلى منصة لنشاط عسكري معاد لإسرائيل.

ومن منظور وطني سوري، فإن أي سياسة تعزز موقع إسرائيل على حساب سيادة سوريا غير مقبولة. لا يزال السوريون متمسكين بمعارضتهم لاحتلال إسرائيل لهضبة الجولان، ويعتبرون السياسات الأميركية التي تضع أمن إسرائيل فوق استقرار سوريا وأمن شعبها بمثابة إجراء غير مقبول. وستلعب إعادة ترتيب التحالفات الجيوسياسية في الشرق الأوسط، بما في ذلك الاتفاقيات المحتملة لتطبيع العلاقات بين إسرائيل والدول العربية، دورًا في تشكيل موقف ترامب تجاه سوريا.

التحديات والتوقعات المستقبلية

على الرغم من ميل ترامب إلى تقليل التدخل العسكري، فإن عدة عوامل قد تعقد استراتيجيته في سوريا، مثل احتمال عودة نشاط داعش، والتوترات بين تركيا والقوات الكردية، والمناورات الروسية. علاوة على ذلك، ورغم تفضيل ترامب لتقليل التدخل المباشر، فإن إدارته ستظل مضطرة للتعامل مع تعقيدات السياسة الإقليمية. وفيما يتعلق بتعامل إدارة ترامب مع الحكام الجدد في دمشق، فمن المحتمل أن تستجيب الإدارة للمبادرات الإقليمية التي تقودها تركيا وقطر والسعودية لاستقرار سوريا.

ومن منظور سوري، فإن السيناريو المثالي هو انسحاب أميركي لا يترك سوريا عرضة لمزيد من التدخلات الأجنبية. قد يكون أحد السيناريوهات المحتملة هو التحول نحو نوع من المشاركة غير المباشرة، حيث تعتمد الولايات المتحدة على شركاء إقليميين مثل تركيا وقطر بدلًا من التدخل المباشر. وهذا يتماشى مع نهج ترامب “أميركا أولًا” الذي يركز على الأدوات الدبلوماسية والاقتصادية بدلًا من الالتزامات العسكرية المطولة.

الترا سوريا

——————————-

==========================

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى