دوافع وكواليس الاتفاق بين "قسد" وأحمد الشرعسقوط بشار الأسد، الرئيس الفار والمخلوعسياسة

واقع وكواليس الاتفاق بين “قسد” وحكومة الجمهورية العربية السورية مقالات وتحليلات تتحدث يوميا  تحديث 21 أذار 2025

لمتابعة تفاصيل هذا الملف اتبع الرابط التالي

دوافع وكواليس الاتفاق بين “قسد” وأحمد الشرع

—————————–

سوريا… احتدام التنافس بين أجندات الخارج والداخل/ إبراهيم حميدي

ترمب يتوقع التقسيم وإسرائيل تريد “فيدرالية” وإيران تدفع إلى “التشظي”… والدول العربية تريد الاستقرار

19 مارس 2025

الرئيس دونالد ترمب قال في جلسة مغلقة، إن سوريا “ماضية إلى التقسيم لثلاث مناطق”. رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تحدث علنا عن “حماية الدروز”، وروج آخرون في حكومته لسيناريو “الفيدرالية”. الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يريد دعم “وحدة سوريا” و”محاربة الإرهاب” ومنع قيام كيان كردي.

إيران، من جهتها، لم تقبل الهزيمة الاستراتيجية في سوريا. امتصت الصدمة وقررت التحرك فيها عبر “ثلاث جبهات”، فيما قبلت روسيا بتقليل خسائرها والبحث مع دمشق عن علاقات جديدة تتضمن استمرار وجودها العسكري ونفوذها في البلاد والإقليم.

أما الدول العربية والأوروبية، فقررت الانخراط مع الإدارة السورية الجديدة، لأن “دعمها أقل كلفة من أي بديل آخر”، وهي تريد الاستثمار في المكاسب الجيوسياسية، المتعلقة بخسارة إيران وروسيا، لأن أمن سوريا يتعلق بأمنها واستقرار الإقليم.

هذه خلاصة تقديرات ومعلومات من مسؤولين غربيين تحدثوا إلى “المجلة” خلال الأيام الماضية.

أميركا: التقسيم

في الأيام الأخيرة لإدارة جو بايدن، فتحت بابا للحوار مع الإدارة السورية الجديدة بعد سقوط الأسد في 8 ديسمبر/كانون الأول الماضي، والتقت المسؤولة في الخارجية باربرا ليف، رئيس الإدارة أحمد الشرع في دمشق، وواصلت اتصالات غير معلنة قام بها دبلوماسيون أميركيون مع وزير الخارجية أسعد الشيباني، كما خففت بعض العقوبات عن قطاعات سورية لمدة ستة أشهر.

منذ مجي إدارة دونالد ترمب، تشير المعلومات إلى وجود اتجاهين:

الأول، يرفض الانخراط مطلقا مع دمشق ويستند في موقفه إلى بُعد أيديولوجي يتعلق بـ”القاعدة”، أو تجارب شخصية تخص حرب العراق وهجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001 أو بسبب علاقة شخصية مع نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد مثل مديرة المخابرات الوطنية تولسي غابارد. كما يرفض أصحاب هذا الرأي العمل مع الجيش السوري الجديد لمحاربة “داعش” ضمن التحالف الدولي وقيادة عملية “العزم الصلب”.

الثاني، مستعد لـ”انخراط مشروط” وفق مقاربة “خطوة مقابل خطوة”، عبر إقدام دمشق على سلسلة من خطوات تشمل: تشكيل حكومة جامعة، تشكيل جيش مهني حرفي، إبعاد المقاتلين الأجانب، تدمير برنامج السلاح الكيماوي والتدمير الشامل، محاربة “داعش”، التمسك بإبعاد إيران خارج سوريا، قطع طريق الإمداد إلى “حزب الله”، عدم الموافقة على استمرار وجود القاعدتين العسكريتين الروسيتين.

في المقابل، تعرض واشنطن استعدادها لخطوات تشمل تخفيف العقوبات على قطاعات محددة في شكل تصاعدي وصولا إلى رفع كامل للعقوبات و”قانون قيصر” في نهاية المطاف بعد حوالي أربع سنوات، علما أن قائمة العقوبات الأميركية تشمل “قانون قيصر” و”قانون محاسبة سوريا” و”دعم الإرهاب”، ويعود بعضها إلى عام 1979، إضافة إلى عقوبات فردية ضد مسؤولين في النظام السابق وشخصيات حالية أخرى.

سوريا ليست أولوية على أجندة ترمب. وتجري حاليا مراجعة داخل المؤسسات الأميركية وصولا إلى سياسة موحدة إزاء سوريا. ونُقل عن ترمب قوله في اجتماع خاص إن سوريا ستقسم إلى ثلاث مناطق تابعة لقوى خارجية مثل إسرائيل وتركيا وغيرهما، وإنه لا بد من محاربة “الإرهاب”، مع تلميح إلى إمكانية الانسحاب من شمال شرقي سوريا، الأمر الذي دفع وزارة الدفاع (البنتاغون) إلى إعداد خطط للانسحاب في ستة أشهر، ودعمها بقوة لقائد “قوات سوريا الديمقراطية” مظلوم عبدي للوصول إلى حل تفاوضي مع الرئيس أحمد الشرع خلال ذلك.

إسرائيل: فيدرالية

يراهن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على التأثير على ترمب وفريقه، بحيث تكون حسابات تل أبيب ذات أولوية في البيت الأبيض الذي لا يدرج سوريا ضمن أولوياته في الشرق الأوسط. بالفعل، جرت مناقشات بين أجهزة إسرائيلية وأخرى أميركية حول هذا الملف، مع ترجيح رأي تل أبيب في شؤون جارتها.

نتنياهو يعتبر سوريا أولوية له هي والأمن القومي وإبعاد ايران. فالجيش الإسرائيلي قام بمجرد سقوط الأسد بتدمير جميع الأصول العسكرية الاستراتيجية السورية، البرية والجوية والبحرية والبرامج العلمية والصاروخية. كما احتل المنطقة العازلة في الجولان بموجب اتفاق “فك الاشتباك” لعام 1974. وسيطر على قمة جبل الشيخ ومنابع المياه في المنطقة. وشن سلسلة غارات في جنوب سوريا ووسطها لمنع بناء أصول استراتيجية دفاعية سورية.

إضافة إلى ذلك، تتخذ إسرائيل موقفا عدائيا ضد الحكم السوري الجديد، وهي تدفع باتجاه إقامة “فيدرالية” أو “لامركزية واسعة” في سوريا، تشمل إقليما جنوبيا يتضمن السويداء ودرعا، وشرقيا يشمل “قوات سوريا الديمقراطية”، وغربيا يتضمن إقليما علويا، بحيث يبقى الإقليم العربي-السني الأكبر معزولا عن جواره وفضاءات المياه الدافئة.

جرت اتصالات سرية حول هذه الأمور في واشنطن وعواصم إقليمية. ويدفع نتنياهو بقوة لإقناع ترمب وفريقه بهذا التصور، الذي هو موضع قلق عربي وتركي ومواكبة إيرانية غير مباشرة ومتابعة روسية، كما هو محل مواكبة أوروبية مع ترجيح للمقاربة البريطانية.

روسيا: تقليل الخسائر

عندما أدرك الرئيس فلاديمير بوتين قرب نهاية بشار الأسد الذي تمرد مرات عدة على طلباته- وكان آخرها رفضه لقاء الرئيس رجب طيب أردوغان بناء على مبادرة الكرملين- رتب مع نظيره التركي الانخراط في الأيام الأخيرة من نظام الأسد لتقليل الخسائر الروسية الاستراتيجية وتجنيب دمشق والموالين للنظام الخراب والانتقام.

بالفعل جرى الانتقال بأقل كلفة للمدن والبشر والموالين للنظام، ولم تتعرض القاعدتان الروسيتان، في حميميم وطرطوس، لأي هجمات من النظام السوري الجديد. كما صدرت تصريحات من المسؤولين السوريين الجدد تتحدث عن العلاقة القديمة مع روسيا واحترام مصالحها باعتبارها دولة كبرى.

زار ميخائيل بوغدانوف مبعوث الرئيس الروسي دمشق والتقى الرئيس الشرع الذي تلقى اتصالا معلنا من بوتين وآخر غير معلن. تتناول المحادثات السورية–الروسية نقاطا عدة: التزود بالسلاح الروسي، تسلم بشار الأسد وكبار المسؤولين المتهمين بجرائم حرب، مستقبل القاعدتين الروسيتين، المساهمة في إعمار سوريا، تقديم المساعدات والأموال السورية المطبوعة تعويضا عن مساهمة روسيا في قمع الشعب السوري، الديون الروسية لسوريا.

بوتين أبلغ دمشق رسالة واضحة بأنه لن يسلم الأسد إلى دمشق، لأنه “قال كلمته وقدم له لجوءا إنسانيا”، كما أنه لم يقبل فكرة أن “ينتحر الأسد على الطريقة الروسية”، لكن موسكو أبدت انفتاحا لتقديم السلاح والمساهمة في الإعمار وسحب قواتها “فورا إذا أرادت دمشق”. كما أبدت دمشق انفتاحا لبحث وجود عسكري روسي في سوريا. والمفاوضات جارية وتتناول هذه البنود والمقايضات.

في هذا السياق، حصل تطوران: الأول، أن تل أبيب سعت لدى واشنطن لتأييد استمرار الوجود الروسي لـ”موازنة النفوذ التركي” في سوريا. والثاني، تمرد فلول النظام السوري في الساحل، حيث اتخذت موسكو موقفا يسمح لها باستخدام هذا التمرد ورقة ضغط على دمشق وورقة تسمح لها بترك الخيارات مفتوحة في حال أقيم إقليم علوي.

إيران: التشظي

لم تقبل طهران الواقع الجديد بفقدان سوريا بعد لبنان، فهي خسرت طريق الإمداد إلى “حزب الله”، والحديقة الخلفية للعراق، وأداة الضغط على إسرائيل عبر جبهتي لبنان وسوريا. كل المؤشرات تشير إلى تفضيل إيران خيار “التشظي السوري” والرهان على الوقت، لاستعادة موطئ قدم في سوريا. عليه، بدأت في الفترة الأخيرة بعد اجتماعات سرية عدة تحريك أوراقها لفتح ثلاث جبهات:

الأولى، استعادة علاقات مع مسؤولين في النظام السوري السابق كان بينهم العميد غياث دالا، الذي كان يقود “قوات الغيث” في “الفرقة الرابعة” بقيادة اللواء ماهر، شقيق بشار الأسد، وكان ضابط الارتباط مع “الحرس” الإيراني و”حزب الله”. ماهر الأسد نفسه هرب مع قادة ميليشيات تابعة لإيران في 8 ديسمبر/كانون الأول إلى العراق، وقيل إنه انتقل إلى السليمانية في كردستان العراق. ومن غير المؤكد مكان وجوده الحالي. كانت أيادي إيران واضحة في تمرد الساحل الأخير، بالدعاية والتدريب والمعلومات.

الثانية، الضغط على “الحشد الشعبي” العراقي للتحرك نحو الحدود السورية. وإيران تريد تعزيز وجودها في العراق بعد خسارات “الهلال” في بلاد الشام، وتريد استخدامه في الملعب السوري. أيضا، يجري تداول سيناريو عودة “داعش” للنشاط في الأنبار وغربي العراق والتوغل نحو البادية السورية.

الثالثة، الضغط على “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) وتحريك عشائر عربية شرق الفرات، للتنسيق والعمل العسكري ضد الإدارة السورية الجديدة. قائد “قسد” نفى ذلك في حديثه إلى “المجلة”. وقال: “لن يكون هناك مستقبل لعلاقات مع إيران. ونحن حاليا نركز على أن نكون جزءا من الإدارة الجديدة وجزءا من المحادثات السياسية لا أن نكون معارضة كما يتهمنا البعض”. كما وقع اتفاق مبادئ مع الرئيس الشرع في دمشق يوم 10 مارس/آذار بعد جهود أميركية وفرنسية مكثفة.

تركيا: مع الوحدة ضد كيان كردي

لم يكن أردوغان مرتاحا كثيرا لاتفاق الشرع-عبدي. الاتفاق كان موجودا على طاولتيهما منذ لقائهما في 29 ديسمبر، لكن تمرد الساحل والانتهاكات فيه من جهة، وحديث الأميركيين السري عن احتمال الانسحاب بعد ستة أشهر من جهة ثانية، وتفاهم زعيم “حزب العمال الكردستاني” عبدالله أوجلان مع أنقرة من جهة ثالثة، دفعت الشرع وعبدي لتلبية جهود أميركية-فرنسية، وتوقيع اتفاق يحتاج تنفيذه إلى الكثير من التفاوض وخريطة طريق، هي في قبضة مساعديهما. مظلوم حق نجاحا بأنه “فتح باباً رئاسياً لمناقشة حقوق الأكراد لأول مرة في التاريخ”. والشرع، فتح باباً سورياً لحياكة الخريطة السورية بعد أكثر من عقد من التآكل.

تركيا تدفع إلى تنفيذ مبادئ الشرع-عبدي، وهي: منع وجود “الإدارة الذاتية” وأي كيان كردي، وانضواء شمال شرقي سوريا ضمن سوريا الموحدة، وتفكيك البنية العسكرية الثقيلة لـ”وحدات حماية الشعب” الكردية، وطرد قادة “حزب العمال الكردستاني” الموجودين في قيادة “الوحدات”.

وتسعى تركيا للإفادة من علاقتها مع “هيئة تحرير الشام” والشرع للدفع باتجاه تعزيز نفوذها في سوريا والإقليم في النواحي التجارية والعسكرية والسياسية والجيوسياسية. فسوريا تاريخيا بوابة تركيا إلى العالم العربي. لكن هذا النفوذ هو مصدر قلق لدول أخرى بينها دول عربية فاعلة.

الدول العربية: استقرار سوريا ووحدتها

منذ سقوط الأسد، بادرت دول عربية كبرى لدعم النظام الجديد وفتح صفحة جديدة معه، لأسباب عدة، بينها: البناء على الخسارة الاستراتيجية الأكبر لإيران منذ 1979. تخفيف اعتماد النظام السوري الجديد على تركيا. الحوار والانخراط والدعم لسوريا الجديدة وإعطائها الفرصة، لأن البديل سيئ جدا، والفوضى في سوريا مضرة والتقسيم خطير على الدول المجاورة والأمن الإقليمي العربي.

اكتشفت دول عربية حدود التحرك والدعم. لا يزال سيف العقوبات مسلطا. أميركا وافقت على تسهيل إمداد سوريا بالغاز لصالح توفير الكهرباء وسمحت بصفقة تتضمن مقايضة إعفاءات مقابل الوصول إلى السلاح الكيماوي السوري، لكنها لا تزال ترفض السماح بتحويلات مالية كبرى والانفتاح على النظام المصرفي السوري. هناك إصرار على ترك هامش الوقت لدمشق وتقديم النصيحة وليس الضغط والتحاور مع واشنطن ودول أوروبية لاعتماد أفضل الخيارات الواقعية حاليا في سوريا.

الأجندة السورية وجرس الإنذار

ما حصل في الساحل السوري بين 6 و10 مارس/آذار، سواء التمرد أو الانتهاكات الكبيرة، كان بمثابة جرس إنذار. فقد أظهر أهمية المفاجأة التي حصلت في 8 ديسمبر، إذ سقط نظام الأسد بعد 54 سنة من دون كلف دموية كبيرة بفضل التزام العناصر في “هيئة تحرير الشام” والفصائل الأخرى بتعليمات القيادة العليا.

لكنه أظهر في الوقت نفسه، أسئلة حول سلسلة القيادة من فوق إلى أدنى، ومدى التزام المقاتلين أو الفصائل بالتعليمات، وطرح أسئلة في عواصم أوروبية عن “حماية الأقليات”، ودفع باريس إلى تأجيل توجيه دعوة لزيارات رفيعة لمسؤولين سوريين وعواصم أخرى لتجميد إعادة فتح سفاراتها لأسباب أمنية. إضافة إلى ذلك، كان بمثابة ناقوس خطر لما يمكن أن يحصل في حال عمت الفوضى. فتشظي سوريا يعني تطاير الشظايا والجهاديين في الإقليم وما وراءه.

برزت مشكلة تسريح عناصر الجيش والأمن والشرطة وموظفي القطاع العام، وتوفير الخدمات والكهرباء. فأصبح الملف الاقتصادي الاجتماعي أولوية للحكم الجديد. فالعقوبات لم ترفع والمساعدات الدولية تراجعت والتوقعات الشعبية زادت. قد يكون أحد الحلول طبع أموال جديدة، وتنفيذ هذا في موسكو. قد يكون الرمق في مساعدات عاجلة، لكنها قليلة طالما أنها عينية مرتبطة بالنظام المصرفي الغربي. ولا تزال الجالية السورية وحلفاء دمشق العرب والإقليميون، يعملون لدى واشنطن لرفع العقوبات وتخفيف معاناة الناس، لأنه دون ذلك، فإن تأثير رفع العقوبات الأوروبية والبريطانية والكندية سيكون محدودا جدا.

وأظهر المؤتمر الدولي التاسع لدعم سوريا في بروكسل يوم 17 مارس/آذار، الدعم الأوروبي المستمر للسوريين، حيث أعلن عن تعهدات مالية بقيمة ستة مليارات دولار أميركي. فمنذ عام 2011، حشد الاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء أكثر من 37 مليار يورو من المساعدات داخل البلاد وفي المنطقة.

لكن الأهم أن المؤتمر أظهر، أن دعم الحكم السوري الجديد سيكون أقل كلفة من أي خيار آخر، بما في ذلك خيار عزله. وواصلت فرنسا جهودها لحشد المجتمع الدولي، تماشيا مع مؤتمر باريس في 13 فبراير/شباط، لإيجاد حلول دائمة وتوفير الاحتياجات الأساسية. كما جددت رسالتها إلى السلطات السورية بضرورة محاكمة ومعاقبة المسؤولين عن العنف ضد الضحايا المدنيين في الأسابيع الأخيرة.

مقابل الأجندات الخارجية، هناك أجندة سوريا وخيوط سورية. وباعتبار ما حدث في الساحل كان جرس إنذار واختبارا كبيرا، فإن الشرع رد عليه بسلسلة خطوات برغماتية انفتاحية تمثلت في تشكيل لجنة تحقيق ولجنة للسلم الأهلي وإعلان دستوري. هناك انقسام حول هذه الخطوات. البعض قابله بالترحيب، فيما شكك آخرون فيها وطرحوا أسئلة عن ضرورة أن تكون الخطوات جامعة وأن تكون الخطوط مفتوحة في الاتجاهين بين المركز والأطراف.

أجندة دمشق هي رفض التقسيم ورفض الفيدرالية والعمل على بناء جيش وطني وحكومة ومؤسسات دولة وتعميم السلم الأهلي. واتفاق الشرع–عبدي، كان يعني في أحد جوانبه، إعطاء أولوية للأجندة الوطنية. هناك خطوات منتظرة ومتبادلة بين المركز وجهات الجنوب والشمال والغرب، لقطع الطريق على الأجندات الخارجية المتنافسة. وهناك أجندات خارجية متنافسة على مستقبل سوريا. عمليا، يحتدم الصراع بين أجندات الخارج وأجندة الداخل، ولكل أدواته وتحالفاته وإمكاناته ومواقيته.

المجلة

——————————-

سورية: مساعٍ لتأسيس مرجعية واحدة للأكراد لمفاوضة الإدارة الجديدة/ محمد أمين

20 مارس 2025

عُقدت، أمس الأربعاء، الجولة الأولى من اجتماعات بين ممثلين عن الحكومة السورية في دمشق وقائد قوات سوريا الديمقراطية (قسد) مظلوم عبدي، ومسؤولين أميركيين في الحسكة السورية، في محاولة للدفع نحو تسريع تطبيق الاتفاق الموقع بين الرئيس السوري أحمد الشرع وعبدي في 10 مارس/آذار الماضي. وذكر بيان لـ”قسد” أمس أن عبدي “اجتمع أمس مع اللجنة التي شكّلها الشرع لاستكمال الاتفاق بين الإدارة السورية وقوات سوريا الديمقراطية”، وأنه “جرى تداول للآراء خلال الاجتماع، وتمت مناقشة آلية عمل اللجان والتي من المقرر أن تبدأ العمل بشكل مشترك مع بداية شهر إبريل/ نيسان المقبل”. ولفت البيان إلى أن “الاجتماع تطرق للإعلان الدستوري والحاجة لعدم إقصاء أي مكون سوري من لعب دوره والمشاركة في رسم مستقبل سورية وكتابة دستور”، و”توقف الاجتماع مطولاً على ضرورة وقف إطلاق النار على كامل الأراضي السورية”. وبحسب البيان، شارك في الاجتماع عضو القيادة العامة لوحدات حماية المرأة روهلات عفرين، إلى جانب رئيس اللجنة من جانب الإدارة السورية حسين سلامة، إضافة إلى أعضاء آخرين من الجانبين.

محاولة لتوحيد رؤية الأكراد في سورية

في موازاة ذلك، يحاول أكبر تشكيلين سياسيين في المشهد السياسي الكردي في سورية وهما المجلس الوطني الكردي، وحزب الاتحاد الديمقراطي، ردم هوة الخلاف بينهما للتوصل إلى رؤية سياسية واحدة تفضي إلى تشكيل وفد واحد يحمل مطالب الشارع الكردي إلى دمشق للتفاوض مع الإدارة الجديدة. وعقد الطرفان أمس الأول الثلاثاء اجتماعاً في الحسكة أقصى الشمال الشرقي من سورية تحت إشراف مظلوم عبدي، وبرعاية أميركية تجسدت بحضور المبعوث الأميركي الخاص لمنطقة شمال وشرق سورية سكوت بولز. وتشي التصريحات الرسمية التي أعقبت الاجتماع أن الطرفين بصدد ردم هوّة خلاف اتسعت خلال سنوات الأزمة السورية، من أجل توحيد الرؤى والتوصل إلى تفاهمات حقيقية تؤسس مرجعية سياسية واحدة للأكراد السوريين تمثّلهم في الاستحقاقات المهمة في مرحلة ما بعد بشار الأسد المخلوع.

ويبدو أن الاتفاق الذي أبرمه عبدي أخيراً مع الرئاسة السورية لدمج هذه القوات في المنظومة العسكرية للبلاد، وحسم مصير المناطق التي تقع تحت سيطرتها، دفع القوى السياسية الكردية إلى الجلوس على طاولة حوار يرقى إلى مستوى التفاوض من أجل تشكيل وفد واحد يمثل الأكراد السوريين. ويحمل اتفاق عبدي مع دمشق طابعاً عسكرياً أكثر من كونه اتفاقاً سياسياً، وهو يخص قوات “قسد” ذات الطابع الكردي، وتضم مكونات أخرى من عرب وأشوريين وسريان، لذا لا يُعتبر اتفاقاً سياسياً بين دمشق والقوى السياسية الكردية، على الرغم من أن “الاتحاد الديمقراطي” هو المسيطر على هذه القوات عن طريق ذراعه العسكرية (وحدات حماية الشعب الكردية). ومن المتوقع إعلان تشكيلة الوفد المشترك بين المجلس الوطني و”الاتحاد الديمقراطي” مطلع الأسبوع المقبل بعد الاحتفال بعيد النوروز، وهو عيد سنوي للأكراد في كل أنحاء العالم.

أكراد يتظاهرون في القامشلي رفضا للإعلان الدستوري، 18 مارس 2025 (العربي الجديد)

ولكن أحزاباً كردية استُبعدت من الحوار الجاري أبدت تحفظها على أي وفد يجري تشكيله ويكون مقتصراً على المجلس وحزب “الاتحاد”، ومنها الحزب اليساري الكردي في سورية، الذي أكد سكرتيره محمد موسى، في حديث مع “العربي الجديد”، أن حزبه ليس مسؤولاً “عما يتوصل إليه الطرفان من نتائج في اجتماعهما”. ويبدو أن المجلس الوطني اعتبر أحزاب “الإدارة الذاتية” تتبع حزب الاتحاد الديمقراطي الذي يرأس هذه الإدارة، وهو ما دفع موسى إلى وصف ما يجري بأنه “مؤامرة” و”لعبة سيئة” من طرف المجلس.

ولطالما حالت الخلافات الجوهرية بين المجلس الوطني الكردي، الذي يضم العديد من الأحزاب، وبين الاتحاد الديمقراطي، دون توحيد الصف السياسي الكردي في سورية، على الرغم من كل المحاولات التي بُذلت على هذا الصعيد. ويتلقى المجلس دعماً سياسياً من قيادة إقليم كردستان العراق، بينما يُنظر إلى “الاتحاد الديمقراطي” على أنه نسخة سورية من حزب العمال الكردستاني التركي والمصنف في خانة التنظيمات الإرهابية لدى العديد من دول العالم. عملياً، يعد “الاتحاد الديمقراطي” الطرف الأقوى في المعادلة الكردية في سورية كونه يملك جناحاً عسكرياً يسيطر على الجانب الأغنى بالثروات في سورية وهو ما بات يُعرف اصطلاحاً بـ”شرقي الفرات”. ولكن هذا الحزب يقع تحت وطأة التهديد خصوصاً من الجانب التركي والذي يتعامل مع المجلس على أنه الممثل الأكثر ثقة للأكراد السوريين.

اعتراضات على اتفاق الشرع وعبدي

ولم يرض الشارع الكردي الاتفاق الذي وقّعه الرئيس السوري أحمد الشرع مع مظلوم عبدي في مارس الحالي والذي اعترف بـ”المجتمع الكردي كجزء أصيل من الدولة السورية”، وأكد “ضمان حقوقه في المواطنة والحقوق الدستورية”، فهو لم يرق إلى مستوى تطلعات الأكراد في سورية. فالقوى السياسية الكردية على اختلاف مشاربها الفكرية، تكاد تجمع على مطالب بعينها تدفع من أجل تحقيقها خلال الفترة الانتقالية التي تمر بها سورية، فهي تريد اعترافاً دستورياً بالشعب الكردي ولغته، وترى أن الأكراد هم القومية الثانية في البلاد، لذا تطالب بـ”اللامركزية” في الحكم ما يتيح للأكراد حكم أنفسهم في مناطق يشكلون غالبية سكانها.

وفي هذا الصدد، أوضح القيادي في المجلس الوطني الكردي شلال كدو، في حديث مع “العربي الجديد”، أن الاتفاق “لم يحصل بعد بين المجلس والاتحاد الديمقراطي على تشكيل وفد سياسي واحد يحمل مطالب الشارع الكردي إلى دمشق”، مضيفاً: “لم نُوقّع أي اتفاقات بعد مع حزب الاتحاد الديمقراطي، ولكن الرؤية الكردية لسورية المستقبل ربما ستقوم على أن تكون سورية دولة ديمقراطية لا مركزية برلمانية، تعددية”. وعن أبرز مطالب الأكراد السوريين، أوضح أن الأكراد “باعتقادي سوف يطالبون بالاعتراف بهم كثاني قومية في البلاد في الدستور، مع ضمانات فوق دستورية لتحصين الحقوق الكردية واعتماد النظام اللامركزي في الحكم”، مضيفاً: “هناك ثوابت يجب التعاقد عليها كيلا يتم التلاعب بها مستقبلاً”. كما أوضح أنه من المتوقع أن تطالب القوى السياسية الكردية بـ”تغيير اسم الدولة كي يكون معبّراً عن كل المكونات السورية، ويعبّر عن التنوع في البلاد، فضلاً عن الاعتراف باللغة الكردية ثانيَ لغةٍ في البلاد، ولغة أولى في المناطق التي يشكل الأكراد غالبية سكانها”. وأشار كدو إلى أن الإعلان الدستوري الناظم للمرحلة الانتقالية والذي صدر الأسبوع الماضي “لا يعبّر عن الواقع السوري وتطلعات المواطنين”، مضيفاً: “معظم السوريين لم يرحبوا بهذا الإعلان، ولا شك أن الأكراد سوف يطالبون بإجراء تغييرات جوهرية على الإعلان. نريد أن نكون شركاء حقيقيين في البلاد فهي بلد للجميع ومن ثم ستكون لدينا لائحة مطالب ذات شقين: وطني، وكردي”.

العربي الجديد

—————————-

سوريا وتجاوز ثنائيّة الأكثريّة والأقليّة!/ حسن المصطفى

سوريا اليوم في حاجة لأن تتجاوز فكرة ثنائية: العربي والكردي، المسلم والمسيحي، السني والشيعي، وألّا تنظر إلى الدروز والعلويين كأقليات، بل على الدولة الوطنية أن تكون حاضنة للجميع.

17-03-2025

لا يزالُ مفهوم “المواطنة” ملتبساً في كثير من المجتمعات العربية والإسلامية، كون هذه المجتمعات لا تزال في حالة هجينة، لم تنتقل فيها تماماً إلى الدولة الوطنية الحديثة الناجزة، رغم أن عدداً منها مرت عليه عقود طويلة على الاستقلال، وجزء رئيس من هذا الخلل يعود إلى المنظومة المعرفية الهشة التي شُيدت عليها الأنظمة أو السياسات.

ثمة مفاهيم فلسفية أساسية تدخل في حقل “الفلسفة السياسية”، وهي بمثابة القاعدة الصلبة التي تشيد عليها مؤسسات الدولة، وتوزع وتفصل من خلالها السلطات، وتنتظم العلاقة بين الحكومة والمواطنين، وأيضاً تُشكل الإطار المفاهيمي للدستور.

“المواطنة الشاملة” هي واحدة من أهم تلك المفاهيم، وهي إذ تحضرُ اليوم في الفضاء العربي – الإسلامي، فهي لا تُطل بوصفها قيمة ترفية، بل ركن ركين من دونه لا يمكن لمدماك الدولة الوطنية أن يستقر.

من تابع الأحداث الدموية والمواجهات العسكرية وعمليات التمرد والقتل والانتقام التي جرت في الساحل السوري، أخيراً، وراح ضحيتها أبرياء ومدنيون كثر – من دون الدخول في الجدل السياسي والغرق في وحول الإشاعات والمعلومات المضللة التي تنتشر في شبكات التواصل الاجتماعي – سيجد أن ما جرى يشير إلى قصور في فهم معنى “المواطنة” وإدراك كنهِها لدى شريحة واسعة من السياسيين والجمهور العام!

“المواطنة الشاملة” تعني في أبسط صورها أن الأفراد والجماعات في أي دولة، هم مواطنون متساوون في الحقوق والواجبات، وأنه لا يجوز التمييز بينهم لأسباب عرقية أو دينية أو مناطقية، وهم بذلك لهم الحق في الحصول على فرصٍ متساوية، سواء في التعليم أم في العمل أم في الطبابة وسواها، وأيضاً يستطيعون التعبير عن ذواتهم الخاصة أو الجمعية، بشكل حرٍ ومن دون إكراهات.

هذا يقودنا بالتالي إلى أمرٍ يتجاوز المفهوم السائد لـ”الحقوق”، والقائم على تصورٍ منقوصٍ لـ”الديموقراطية” التي يتصور البعض أنها تعني حكم الأكثرية، وبالتالي يحق لهذه الأكثرية أن تضع ما تشاء من قوانين طالما كان ذلك وفق الإجراءات المنصوص عليها، وبقوة تصويت الأغلبية وتأييدها!

هذه النزعة فيها شيء من الاستعلاء وأيضاً يشوب ممارستها خللٌ كبير، لأنها سوف تنتهك مفهوم “المواطنة الشاملة” الذي يتجاوز التقسيمات القديمة: أكثرية وأقلية.

هذا التقسيم، يخلق تقابلاً يدفع نحو الصراع، وهو يتجاوز المنافسة السياسية إلى المناكفة وفرض ثقافة أعلى على أخرى أدنى!

وعليه، من الممكن أن يقود تقابلُ “الأكثرية” و”الأقلية” إلى تعميق القلق الاجتماعي وزرع بذور الريبة والشك المتبادل.

إن المجتمعات الحديثة في أوروبا على سبيل المثال، بنيت على مفهوم “المواطنة الشاملة”، وبالتالي تم تجاوز الثنائيات المتصارعة، لأن الجميع مواطنون، لهم هوياتهم الفرعية الخاصة، ولهم الحق في إبراز ثقافاتهم ومعتقداتهم، إنما ليس هنالك حق لأكثرية أن تضطهد أكثرية، ولا يمكن للأقلية أيضاً أن تتمرد على الأغلبية، لأن “المواطنة” تجعل المكونات المتجاورة محكومة بـ”القانون العادل” وتحت سقف الدولة المدنية.

سوريا اليوم بحاجة لأن تتجاوز فكرة ثنائية: العربي والكردي، المسلم والمسيحي، السني والشيعي، وأن لا تنظر إلى الدروز والعلويين كأقليات، بل على الدولة الوطنية أن تكون حاضنة للجميع، قادرة على تقديم خطاب وطني ترى فيه كل هذه المكونات ذاتها من دون انتقاص أو تضخم، ويفتح الطريق أمام بناء الدولة الحديثة وتنميتها.

هنالك واقعٌ صعب ومعقد في مجتمع عانى من حكم استبدادي طوال عقود خلت، وهو لا يزال لم يتداو من جراح الأحداث الدامية ما بعد عام 2011 وما جرته من مجازر وحروب أهلية؛ إلا أن هذا الإرث الثقيل من الوجع والعذابات يجب أن يكون حافزاً لبناء “مواطنة حقيقية” لا صورية، وأن يدرك الجميع أن الدم والثأر والكراهية والانتقام، كل هذه هي وصفات جاهزة للخراب الذي سيكون الجميع فيه خاسرون.

هذا الوعي المفاهيمي لا يمكن أن يحصل بين عشية وضحاها، بل لا بد من أن تبادر الدولة السورية والمجتمع المدني والقيادات الروحية والسياسية والمثقفين إلى بثِ روح وطنية واعية، تتسامى على الجراح، وتتجاوز الثنائيات المتجادلة والمتصادمة، وتذهب إلى مشاركة حقيقية في بناء الدولة وفق مشاريع عملية طموحة؛ و”المواطنة الشاملة” هي مفتاح رئيس لهذا التحول الذي ينشده السوريون وتتمناه لهم الدول والشعوب الصديقة. 

النهار العربي

——————————-

هل تندلع الحرب بين أنقرة وتل أبيب على الساحة السورية؟!/ صالحة علام

20/3/2025

في تصعيد جديد ضد حكومة نتنياهو، صرّح الرئيس أردوغان بأن: “هناك قوى -لم يسمها- تحاول زعزعة الأمن والاستقرار داخل سوريا انطلاقا من إثارة النعرات الدينية والعرقية”، مؤكدا أن بلاده “لن تسمح بتقسيم المنطقة أو إعادة رسم حدوها بأطماع توسعية كما فعلوا قبل قرن من الزمان”، وأنهم سيجدون تركيا في مواجهتهم هذه المرة.

تصريحات أردوغان الجديدة جاءت ردا على الغارات الإسرائيلية التي استهدفت محيط مدينة درعا، ومنطقة خان أرنبة في الجنوب السوري بالتزامن مع عودة العمليات العسكرية لجيش الاحتلال ضد المدنيين في قطاع غزة.

الموقف التركي من التحركات الإسرائيلية في المنطقة، التي تتم بدعم مطلق من الإدارة الأمريكية يبرز بقوة حجم المخاوف التركية من الأطماع التوسعية لدولة الاحتلال الصهيوني، والرغبة الجامحة لرئيس وزراء الكيان الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في تحقيق حلم نبوءة إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات.

إذ سبق وأن حذر أردوغان من رغبة حكومة نتنياهو التي تقودها عقلية دينية متعصبة في التوسع جغرافيا على حساب الخريطة التاريخية لبلاده، والاستيلاء على مناطق الأناضول، تحقيقا لوهم الأرض الموعودة، والعمل على إقامة كيانات تابعة لها في كل من شمال العراق وسوريا عبر استغلال علاقاتها بالتنظيمات الانفصالية، في إشارة لعدد من الأقليات السورية الطامحة في الحكم الذاتي، ولقوات سوريا الديمقراطية (قسد) التي لديها علاقات ممتدة بتل أبيب.

وكانت العديد من التقارير المتداولة إعلاميا قد أفادت أن توقيع قادة قوات سوريا الديمقراطية على اتفاق الاندماج داخل الإدارة الجديدة مع دمشق لم يقف حائلا دون استمرارهم في السعي لتأمين دعم إسرائيلي لهم في هذه المرحلة الحساسة بالنسبة لهم، التي يحتاجون فيها -وفق رؤيتهم للتطورات بالمنطقة- لتوفير حلفاء وضامنين جدد لديهم القدرة على حمايتهم والوقوف إلى جوارهم.

وهو ما وافق هوى إسرائيل التي لا تنظر بارتياح لهذا الاتفاق، وترى أن تراجع الأكراد للخلف سيفسح المجال أمام عودة (داعش)، مما يضعها في موقف دفاعي صعب، إلى جانب شكوكها القوية وعدم ثقتها في الرئيس السوري المؤقت أحمد الشرع، الذي تمتد جذور انتماءاته إلى تنظيم القاعدة والجماعات الإسلامية الجهادية، مما قد يعرض أمنها للخطر، ويهدد وجودها.

ترى إسرائيل أيضا أن الجيش السوري الجديد الذي أُعيد بناء عناصره وتدريبهم بإشراف كامل من قيادات القوات المسلحة التركية، وتم تزويده بترسانة من الأسلحة المحلية المنتجة داخل هيئة الصناعات الدفاعية التركية أصبح يمثل خطرا من نوع آخر عليها، في ظل اتساع حجم النفوذ التركي داخل سوريا.

الذي يأتي متزامنا مع زيادة حدة التوترات وتفاقم خلافاتها مع أنقرة، على خلفية حربها ضد كل من قطاع غزة ولبنان، واختلاف أجندة كل منهما فيما يخص مستقبل الدولة السورية، إذ تعتقد إسرائيل أن تقسيم سوريا، وخلق كيانات متعددة بها من شأنه أن يضمن لها أمنها، ويمنحها الفرصة كاملة لتحقيق رغبتها في توسيع مساحتها.

ومن هذا المنطلق تدعم مطالب الحكم الذاتي لكل من الأكراد، والدروز، والعلويين، وتبذل جهودا مضاعفة حاليا من أجل دعم الطائفة الدرزية، حيث تم مؤخرا إرسال 10 آلاف طرد من المساعدات الإنسانية لأفرادها، وصرح جدعون ساعر وزير خارجية الكيان الإسرائيلي أن علاقاتهم بالدروز تاريخية، وأن عليهم الوقوف إلى جانبهم، لأنه “في منطقة نكون فيها أقلية، فمن الصواب دعم الأقليات الأخرى”.

أما وزير الدفاع يسرائيل كاتس فصرّح أن حكومته قررت السماح للدروز من الجانب الآخر من الخط الفاصل بدخول هضبة الجولان والعمل بها، معربا عن استعدادهم للدفاع عنهم والوقوف إلى جوارهم دائما، بينما أعلن مسؤولون إسرائيليون أنهم لن يقبلوا وجود أي عسكري سوري في المناطق الجنوبية للعاصمة دمشق، وأنهم على أتم استعداد لغزو ضواحيها دفاعا عن الأقلية الدرزية المنقسمة بين إسرائيل وسوريا.

إلى جانب التصدي لمحاولات تركيا وأردوغان الرامية إلى إعادة عجلة التاريخ إلى الوراء، واستعادة سيطرة بلاده على خريطة المنطقة كما كان عليه الحال في عهد الدولة العثمانية، وفي تقديم نفسها الوجود كقوة إقليمية فاعلة ذات نفوذ، لديها القدرة على التحكم في مستقبل المنطقة وفرض سيطرتها على مقدرات شعوبها، وهو ما يطلق عليه نتنياهو اسم “الشرق الأوسط الجديد”.

التحركات الإسرائيلية الداعمة للمطالب الانفصالية للأقليات السورية، والعمليات العسكرية التي يشنها الجيش الإسرائيلي ضد الأراضي السورية تنظر إليها أنقرة بريبة وشك، وتضعها في موقف الاستعداد لمواجهة تطورات الأمر بالسبل الممكنة كافة، حتى وإن تطلب ذلك استخدام القوة العسكرية المباشرة.

لما تمثله هذه التحركات من تهديد مباشر لأمنها القومي، ومحاولة من جانب الكيان المحتل لتقويض مكانتها الإقليمية، وزعزعة استقرارها، والنيل من وحدة أراضيها عبر تشجيع الدعوات الانفصالية، ومساندة ودعم العناصر المسلحة التي تنتمي للتنظيمات الإرهابية لتخريب السلم الاجتماعي بالمنطقة.

وخلافا للرؤية الإسرائيلية التي تشجع على تقسيم سوريا وتعمل عليها، ترى تركيا أن وحدة الأراضي السورية، وإقامة دولة مركزية قوية ومستقرة بها من شأنه ضمان إخراج التنظيمات الانفصالية المسلحة، وإبعادهم تماما عن مناطق تمركزهم، والتخلص من تهديداتهم، بما يفسح المجال أمام الحفاظ على استقرار المنطقة، وإشاعة السلام بين شعوبها وتحقيق أمن دولها القومي.

ولتحقيق هذه الأهداف مجتمعة سعت أنقرة إلى زيادة حجم تعاونها العسكري مع دمشق عبر الاستعداد للتوقيع على اتفاقية دفاع مشترك بين البلدين، كما تم تعيين ملحق عسكري في السفارة التركية بدمشق، بينما قام مؤخرا وفد يضم كلًا من وزيري الخارجية والدفاع، ورئيس الاستخبارات بلقاء المسؤولين السوريين في دمشق، حيث تم تأكيد تمسك أنقرة بتسليم العناصر المسلحة لأسلحتها، وإخراج المقاتلين الأجانب من الأراضي السورية، إلى جانب التباحث حول العديد من القضايا الأمنية والعسكرية والاستخباراتية، التي من بينها بحث إقامة قاعدتين عسكريتين لتركيا في كل من دمشق وحمص، واستمرار عمليات تدريب الجيش السوري وتسليحه.

وهي التحركات العسكرية التي تراها إسرائيل تمثل تهديدا لها سواء على صعيد الجيش السوري الذي قد يصبح وكيلا لتركيا في حرب مباشرة ضدها، أو على صعيد تركيا نفسها التي يتزايد وجودها العسكري على الأراضي السورية، ودعمها المطلق لحكومة الشرع المؤقتة، وتزايد تهديداتها والتصعيد المستمر في خطابها العدائي ضد إسرائيل سواء من الرئيس أردوغان أو كل من وزيري خارجيته ودفاعه.

ما يبدو أنه شجع الشرع على التخلي عن أسلوبه الذي اتسم باللين تجاه إسرائيل منذ وصوله إلى دمشق، ليستخدم أسلوبا أشد حدة في الخطاب الذي ألقاه مؤخرا في الاجتماع الطارئ للجامعة العربية بالقاهرة، حينما قال: “إن توسع العدوان الإسرائيلي ليس انتهاكا للسيادة السورية فحسب، بل هو تهديد مباشر للأمن والسلام في المنطقة بأسرها”.

تعزيز تركيا لقدراتها العسكرية وتطوير دفاعاتها الهجومية وصواريخها الباليستية، وتعاونها المطلق مع سوريا في المجال العسكري تحديدا، وتصعيد تصريحات مسؤوليها ضد تل أبيب ينبئ بأن هناك استعدادات تجري انتظارا لما ستسفر عنه المرحلة المقبلة التي قد تشهد اشتباكا مسلحا بينها وبين إسرائيل، سواء بطريقة مباشرة أو عن طريق غير مباشر.

المصدر : الجزبرة مباشر

كاتبة وصحفية مصرية مقيمة في تركيا

حاصلة على الماجستير في الاقتصاد.عملت مراسلة للعديد من الصحف والإذاعات والفضائيات العربية من تركيا

———————————

سورية… فيدرالية الأمر الواقع!/ أحمد مولود الطيار

20 مارس 2025

يرى كثيرٌ من السوريين أنّ أحمد الشرع، المعروف سابقًا بـ”الجولاني”، هو “رجل المرحلة” والضمانة الوحيدة لعدم انزلاق سورية نحو المجهول، حتى إنّ بعضهم بات يردّد مقولةً مستعارة من النظام السابق مفادُها أنّه لا يوجد بديلٌ قادرٌ على إنقاذ البلاد.

غير أنّ هذا الطرح يواجه انتقاداتٍ جوهرية؛ إذ إنّ استمرار الشرع في السلطة قد يؤدّي إلى تفتيت سورية إلى دويلاتٍ وكياناتٍ طائفيةٍ وعرقيةٍ متجاورة، ممّا يجعلها عُرضةً لصراعاتٍ أهليةٍ متكرّرة قد تهدأ لفترةٍ ثم تشتعل مجدّدًا طالما بقي في موقع الحكم. يُضاف إلى ذلك أنّ الشرع نفسه، والجماعة التي كان يقودها (هيئة تحرير الشام)، يقفان حجر عثرةٍ أمام رفع العقوبات الأميركية المنصوص عليها في “قانون قيصر”.

منذ سقوط النظام السابق في ديسمبر/ كانون الأوّل 2024، وتولّي أحمد الشرع رئاسة سورية، تمرّ البلاد بتحوّلات عميقة تعيد رسم خريطة النفوذ والسيطرة. ويبدو أنّ البلاد أصبحت مقسّمة فعليًّا بين قوى مختلفة، لكلٍّ منها تحالفاتها وحساباتها الخاصة، ممّا يثير تساؤلاتٍ حول ما إذا كان الشرع قد وافق ضمنيًّا على تقسيم سورية أم أنّه وجد نفسه مضطرًّا للتعامل مع واقع جديد مفروض عليه. ففي الجنوب، تبدو السويداء وكأنّها منطقة مستقلة بحكم الأمر الواقع، حيث لا يملك “الجيش العربي السوري” القدرة على دخولها أو فرض سيطرته عليها. يعود ذلك إلى عدّة عوامل، أبرزها التهديدات الإسرائيلية المباشرة، إذ أكّدت حكومة نتنياهو مرارًا أنّها لن تسمح بوجود أيّ قوةٍ عسكريةٍ تهدّد الدروز هناك. كما أنّ بعض القيادات الدرزية ومشايخ العقل لا يخفون وجود قنوات تواصل مع إسرائيل التي باتت تُعتبر بالنسبة لهم ضمانة لحماية مصالحهم وسط اضطرابات المشهد السوري. هذا التفاهم غير المعلن جعل السويداء عمليًّا خارج سيطرة دمشق، أشبه بمنطقةٍ ذات حكمٍ ذاتيٍّ غير رسمي.

في الشرق، وحيث تمتدّ منطقة الجزيرة السورية التي تشكّل 41% من مساحة سورية، فالوضع لا يقلّ تعقيدًا. فهذه المنطقة الغنيّة بالنفط والموارد الطبيعية بقيت خاضعةً لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد) المدعومة من الولايات المتحدة، رغم تغيّر القيادة في دمشق. وتشير المعطيات إلى أنّ الاتفاق بين الشرع و”قسد” أرسى نوعًا من التفاهم الهش، بحيث تحافظ الإدارة الذاتية الكردية على استقلاليتها مقابل تفاهماتٍ شكليةٍ تتعلّق بالسيادة مع الحكومة الجديدة. ولم تعد العلاقة بين واشنطن و”قسد” مجرّد تحالفٍ تكتيكي، حيث تستخدم الولايات المتحدة قوات سوريا الديمقراطية “عند الحاجة” كما يردّد البعض، بل تحوّلت إلى شراكةٍ استراتيجية، إذ ترى الولايات المتحدة في “قسد” شريكًا مهمًّا لضمان الاستقرار في المنطقة، بينما تعتمد القوات الكردية على الدعم الأميركي لتأمين استقلالية قرارها بعيدًا عن دمشق. في ظلّ هذا الوضع، لا يملك الشرع خيارًا سوى القبول بهذا الترتيب، ممّا يعني أنّ الجزيرة السورية أصبحت فعليًّا خارج السيطرة المركزية.

أمّا الساحل السوري، وإن بدا حاليًا ضمن النفوذ المركزي لدمشق، إلا أنّ مستقبله غير محسوم، خصوصًا بعد التطوّرات الأخيرة. فقد تآكلت شرعية النظام بين العلويين ولم تعد مضمونة، وهذا على افتراض أنّها كانت موجودة سابقًا، ما يفتح الباب أمام سيناريوهاتٍ مختلفة، من بينها تعزيز الحكم الذاتي أو البحث عن تحالفاتٍ جديدةٍ تضمن استقراره. وفي ظلّ هذا المشهد، يرى بعض المراقبين أنّ المناطق المتبقية تحت سيطرة الشرع باتت تشكّل ما يشبه “كانتونًا سنّيًّا”، حيث يسعى إلى موازنة علاقاته مع القوى الدولية والإقليمية لضمان بقائه. وهو يدرك أنّ الاعتراف الدولي بحكمه لن يتحقّق إلا إذا التزم بحدودٍ واضحة مع إسرائيل جنوبًا، وتجنّب أيّ مواجهة مع “قسد” شرقًا، وضمان مصالح تركيا شمالًا. وبهذا، تبدو حدود مناطق نفوذه مرسومةً بوضوح، من دون أن يكون قادرًا على توسيعها من دون الدخول في صدام مع القوى الفاعلة في الملف السوري.

وعلى الرغم من أنّ الشرع لا يصرّح علنًا بموافقته على تقسيم البلاد، فإنّ تحرّكاته وتفاهماته مع القوى الإقليمية والدولية تعكس قبوله ببقاء مناطق النفوذ الحالية طالما أنّها لا تهدّد سلطته في دمشق. فالسويداء تبقى خطًا أحمر بالنسبة لإسرائيل، والجزيرة محميّة أميركية بحكم الواقع، والشمال يخضع للتأثير التركي المباشر، بينما تحتفظ دمشق ومحيطها بسيطرة الشرع، مع تقديمه بعض التسهيلات الاقتصادية والسياسية لضمان اعترافٍ دولي ولو كان مشروطًا. وبذلك، يبدو أنّ أحمد الشرع قد اختار التعايش مع هذا الواقع بدلًا من خوض مواجهةٍ عسكرية مع القوى الكبرى والإقليمية التي ترسم حدود النفوذ في سورية. فالتقسيم غير المعلن بات أمرًا واقعًا، حيث تتقاسم البلاد قوى متعدّدة، فيما يحرص الشرع على تثبيت موقعه ضمن هذه الخريطة الجديدة، ولو كان ذلك على حساب وحدة سورية الكاملة.

وبعيدًا عن التدخّلات الدولية وصراع المصالح الإقليمية، يبقى الخطر الأكبر على وحدة سورية هو سياسات أحمد الشرع نفسه. فمنذ وصوله إلى السلطة، لم يقدّم مشروعًا وطنيًّا حقيقيًّا يهدف إلى إعادة توحيد البلاد، بل اعتمد على سياسة إدارة الأزمات عوضًا عن حلّها. وقد أدّى هذا الاستئثار بالحكم إلى عددٍ من المخاطر، أبرزها تعميق الانقسامات الطائفية والمناطقيّة، حيث بات لكلّ منطقة إدارتها الخاصة وعلاقاتها الخارجية المستقلة، ممّا يعزّز احتمالات التفتّت على المدى البعيد. بالإضافة إلى إقصاء القوى السياسية الأخرى، حيث لم يبادر الشرع إلى إشراك القوى الفاعلة في حوارٍ وطنيٍّ حقيقي، بل اكتفى بعقد تفاهماتٍ مع جهاتٍ خارجيةٍ للحفاظ على سلطته، ممّا أضعف إمكانية بناء دولةٍ مركزيةٍ متماسكة. كما استمرّ في ترسيخ حكم الفرد بدلًا من بناء مؤسساتٍ قويّة، ما يجعل البلاد أكثر هشاشةً أمام أيّ أزمةٍ سياسيةٍ أو اقتصاديةٍ مستقبلية.

في الوقت الحالي، يبدو أنّ السلطة في دمشق تعمل وفق معادلة “التكيّف مع الأمر الواقع” بدلًا من السعي إلى مشروعٍ وطنيٍّ يوحّد السوريين. ولكن يمكن للشرع تبنّي نهجٍ جديدٍ قائمٍ على حوارٍ وطنيٍّ شاملٍ وحقيقي يشمل جميع المكوّنات السورية، من الأكراد إلى الدروز إلى العرب السنّة والعلويين، إضافةً إلى إصلاحاتٍ سياسيةٍ واقتصاديةٍ حقيقيةٍ تعيد ثقة المواطنين بالدولة عوضًا من الرهانات على الدعم الخارجي. وذلك كفيلٌ بإطلاق إعادة إعمارٍ متوازنةٍ تشجّع اللاجئين والنازحين على العودة إلى مناطقهم، ممّا يعيد توزيع النفوذ الداخلي. ولكن نجاح هذا الحلّ يتطلّب إرادةً سياسيةً قوية، وهو ما لم يظهر حتى الآن لدى الأطراف المتحكّمة بالمشهد.

السيناريوهات القادمة التي تنتظر سورية كثيرةٌ ومفتوحةٌ على احتمالاتٍ شتّى، وأحد تلك السيناريوهات أن يبقى الوضع الحالي كما هو عليه من دون إعلانٍ رسميٍّ للتقسيم؛ حيث تحافظ دمشق على سيطرتها على بعض المناطق، بينما تستمرّ الإدارة الذاتية الكردية في شمال شرق البلاد، ويبقى الشمال السوري خاضعًا للنفوذ التركي، والجنوب تحت تأثير إسرائيل بشكلٍ غير مباشر. وقد تحدث تحوّلاتٌ تدريجيةٌ، مثل توقيع اتفاقياتٍ اقتصاديةٍ وأمنيةٍ بين مختلف الأطراف، ممّا يؤدّي إلى نوعٍ من “الكونفيدرالية غير الرسمية”. وفي ظلّ الوضع الحالي، قد يبدو هذا السيناريو الأكثر واقعيةً على المدى القريب؛ إذ لا تزال الأطراف المتصارعة غير قادرةٍ على فرض حلٍّ نهائي. أمّا على المدى البعيد، فقد تتّجه سورية نحو أحد السيناريوهين: الفيدرالية الموسّعة أو إعادة توحيد الدولة، وذلك بناءً على مدى قدرة القوى الداخلية على تجاوز الانقسامات، ومدى استعداد الدول الكبرى لدعم حلٍّ شامل. أمّا السيناريو الأسوأ فهو التفكّك الكامل، لكنّه يظلّ أقلّ احتمالًا حاليًّا، لأنّ معظم الأطراف الإقليمية والدولية ترفض تقسيم سورية رسميًّا.

العربي الجديد

————————

 الدفاع التركية: أبلغنا دمشق بتحفظاتنا حول اتفاقها مع “قسد

2025.03.20

أفادت مصادر في وزارة الدفاع التركية أن أنقرة أبلغت الجانب السوري بتوقعاتها وتحفظاتها بشأن ما يجب القيام به ميدانياً فيما يتعلق بالاتفاق الذي توصلت إليه الحكومة السورية مع قوات سوريا الديمقراطية (قسد).

وأكدت المصادر أن “تركيا تتابع عن كثب المستجدات في سوريا، وتواصل اتصالاتها مع الجانب السوري لتعزيز التعاون في مختلف المجالات، بما في ذلك التعاون العسكري والاقتصادي والسياسي والإنساني والصناعي، في إطار الجهود الرامية إلى تطوير القدرات الدفاعية لسوريا وإعادة إعمارها وتنميتها”.

وأشارت إلى أن “تحديد الاحتياجات العاجلة لسوريا وإيجاد الحلول المناسبة لها يمثل أولوية، وفي هذا السياق، يمكن تعيين مستشارين عسكريين أو أفراد ارتباط في وزارات الدفاع لدى الجانبين”.

إعادة تموضع القوات التركية في سوريا

وأضافت المصادر أن “تركيا مستعدة لتقديم كل أشكال الدعم من أجل رفاه الشعب السوري واستقراره وأمنه، وتواصل العمل على تحقيق ذلك”، مشيرةً إلى أن “عناصرنا المنتشرة في سوريا قد تشهد تعديلات في مواقعها وفقاً للتطورات الجديدة، والأنشطة الميدانية في هذا الإطار مستمرة”.

وفيما يخص الاتفاق الأخير بين الحكومة السورية وقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، أكدت المصادر أن “أنقرة أبلغت نظراءها بتوقعاتها وتحفظاتها بشأن ما يجب القيام به ميدانياً في هذا الشأن”.

كما لفتت إلى أن وزير الدفاع التركي، إلى جانب وزير الخارجية ورئيس جهاز الاستخبارات الوطنية (MİT)، زاروا سوريا الأسبوع الماضي، مؤكدةً أن “الزيارة تمحورت بالكامل حول بحث الدعم الذي يمكن لأنقرة تقديمه لإرساء الأمن والاستقرار في جميع أنحاء سوريا، وتم خلالها مناقشة آخر التطورات المتعلقة بالأمن الإقليمي”.

——————————————-

 فيدان: يجب أن ينال الكُرد السوريون حقوقهم وحكومة دمشق مهتمة بذلك

2025.03.20

أكد وزير الخارجية التركي هاكان فيدان على ضرورة أن ينال الكُرد في سوريا الحقوق التي لم يحصلوا عليها في عهد نظام الأسد المخلوع، مشيراً إلى أن الحكومة السورية الحالية لديها اهتمام كبير بتنفيذ هذا الأمر.

وقال فيدان في تصريحات للصحفيين خلال مأدبة إفطار جماعي، اليوم الخميس: “يجب أن يعامل الجميع في سوريا باعتبارهم مواطنين متساوين”، مؤكداً أن حكومة دمشق تهتم كثيراً لتحقيق ذلك، وفق وكالة الأناضول.

وأوضح أن مسألة وجود تنظيم “بي كي كي/ واي بي جي” في سوريا، شكلت محور محادثاته مع الرئيس السوري أحمد الشرع، الأسبوع الفائت في دمشق.

وأشار فيدان إلى أن جميع القضايا والمخاوف التي تُشكل أولوية بالنسبة لتركيا طُرحت خلال الاجتماع مع الشرع. وأضاف: “في إطار الاتفاق الذي أبرمته الإدارة السورية الجديدة مع قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، عبّرنا بوضوح عن وجهة نظرنا بشأن قضايا مثل نوايا التنظيم وقدراته وسيطرته على موارد الطاقة”.

وقال فيدان: “سلّطنا الضوء على القضايا التي قد تُثير القلق في إطار خبرتنا الطويلة في مكافحة الإرهاب. ورأينا أن الإدارة السورية تُشاركنا النوايا نفسها والمنظور نفسه”. ولفت إلى أنه ناقش مع الشرع، الخطوات التي ستتخذها “قسد” والجدول الزمني لتنفيذ الاتفاق المبرم مع الإدارة السورية.

وأردف: “هناك قضية أخرى مهمة أيضاً، وهي العناصر الذين انضموا إلى قسد من خارج سوريا، لا يمكن لهؤلاء العناصر الوجود في سوريا، يجب عليهم أن يلقوا أسلحتهم، ويُلغوا أنفسهم، وتخضع كامل الأراضي السورية لسيطرة الحكومة المركزية، هذا أمرٌ لا مفر منه. يجب أن تكون الحكومة المركزية قادرة على تولي زمام الأمور”.

ولفت فيدان إلى أن تركيا “عبّرت في جميع المحافل الدولية والإقليمية عن دعمها المطلق لوحدة سوريا وسلامة أراضيها”.

مصير القوات الأميركية في سوريا

وبشأن الوجود الأميركي في سوريا، قال فيدان إن استمرار وجود القوات الأميركية في سوريا ليس من أولويات رئيس الولايات المتحدة دونالد ترمب، مؤكداً أن دول المنطقة ستتعاون فيما بينها من أجل إنهاء تهديد تنظيم الدولة (داعش).

وأوضح أن “وجود الجيش الأميركي في سوريا له ثمن. وقد أصبح استمرار وجوده موضع تساؤل لدى الرأي العام الأميركي. في السابق كانت هناك عوامل مثل الوجود الإيراني والروسي ونظام الأسد في سوريا. لكن الوضع تغير الآن”.

وأشار فيدان إلى ضرورة إقناع ترمب بعدم جدوى استمرار وجود الجنود الأميركيين في سوريا، قائلاً: “إذا سحبت أميركا جيشها، فسيكون ذلك أقل كلفة عليهم”. مضيفاً أن دول المنطقة ستعمل معاً من أجل القضاء على التهديدات الصادرة عن تنظيم “داعش”.

————————–

أن تستعيد سوريا كُردها: عن الأسئلة السياسية أمام سوريا بخصوص القضية الكردية/ بشير أمين

21-03-2025

        شهدت سنوات الثورة السورية انفتاحاً ثقافياً ملحوظاً على الكرد السوريين، خاصة ضمن التيارات الديمقراطية وبين أوساط الليبراليين السوريين، الذين أدركوا حجم التهميش والاضطهاد الذي تعرض له الكرد. برزت رغبة واضحة لفهم قضاياهم، إلى جانب اهتمام ثقافي بتعلم لغتهم وموسيقاهم. في أول نوروز بعد سقوط النظام الأسدي، شهدت ساحة الكرامة في السويداء ومناطق سورية أخرى احتفالات عشية العيد، وغنى الفنان السوري سميح شقير أغانيه الثورية لأول مرة في نوروز القامشلي، من بينها «لي صديق من كردستان»، إلى جانب أغنيات أخرى، في مشهد مبشر بانفتاح جديد لسوريا على الكرد السوريين.

        ولكن، ما الذي ينقص هذا التفاعل الإيجابي كي تكتمل الفرحة؟ وهل يمكن القول إن سوريا قد «استعادت» كُردها بالفعل، كما أراد البعض أن يصف اتفاق السلطة الجديدة مع قوات سوريا الديمقراطية؟

        زوال نظام الأسد يشكل بالفعل زوال العائق الأكبر أمام المسألة الكردية، إلا أن هناك قضايا أخرى ما زالت عالقة وتحول دون قدرة سوريا من استيعاب كُردها. بعض هذه العوائق بعمر الدولة السورية نفسها، وتسبق ظهور نظام البعث وفترة حكم الأسدين. يُطلب من سوريا، أولاً، إعادة بناء الثقة ومد الجسور لإصلاح ما أفسدته سنوات الحرب السورية. وثانياً، وربما الأهم، تعزيز هذه الخطوات من خلال إجراءات سياسية ملموسة تثبت بدء عهد جديد، بالتوازي مع انفتاح اجتماعي وثقافي حقيقي على الكرد السوريين، وفهم أعمق لواقعهم وتطلعاتهم.

        لا يمكن اختصار المسألة الكردية في سوريا تحت عنوان واحد مثل «القضية الكردية»، لأن ذلك يؤدي إلى اختزال المسألة في حقوق قومية أو ثقافية فقط، وأحياناً في حقوق المواطنة وحسب. معالجة المسألة الكردية تستدعي فهم وجود مجموعة من التقاطعات التي تشكل «قضايا كردية» متعددة تتطلب الحل والانتباه.

        في الجانب القومي، تتجاوز المسألة الكردية مجرد ضمان حقوق الأفراد في دولة مواطنة، إنما يكمن جوهر هذه القضية حول حقوق الكرد كجماعة تعرّف نفسها بوصفها جماعة سياسية. فإلى جانب حرمان السوريين عامة من ممارسة الحق السياسي في ظل الأسديّة، تعرض الكرد لإلغاء هويتهم الثقافية وكينونتهم القومية. وعليه، تفرض ضرورات المرحلة الانتقالية وبناء سوريا الجديدة الاعتراف بما تعرض له الكرد من إقصاء واستهداف وجودي كجماعة بشرية. فقد خلت الدساتير السورية المتعاقبة من أي اعتراف بوجود الشعب الكردي على الأرض السورية، فضلاً عن إقصائهم من المشاركة في بناء الدولة وهويتها. ويستلزم هذا الاعتراف سعياً جاداً لإيجاد آليات تعويض تعيد ما سُلب من حقوقهم المادية والمعنوية.

        ما يعقّد المسألة القومية بالنسبة للكرد هو وجود اتصال جغرافي، اجتماعي، وسياسي بين الكرد في سوريا وأقرانهم في الأجزاء الأخرى من كردستان. ورغم عدم واقعية هذا الحلم، فإن فكرة إقامة دولة كردستان تظل رغبة شعبية ومحركاً أساسياً للعمل السياسي الكردي. وبالتالي، فإن الانتماء لسوريا كدولة حديثة، «دولة-أمة»، يفتقر إلى عامل توفير هوية جامعة للكرد، أي عامل «الأمة». فقد حافظ المجتمع الكردي على مقومات «الأمة»، ولكن خارج إطار الجسم السوري. بمعنى آخر، ينظر الكرد إلى التوجه نحو دمشق على أنه تنازل عن حق قومي تمتع به جيرانهم في الدول القومية الأخرى. وغياب هذا العامل الجامع انعكس سلباً على حقهم في الهوية السياسية قبل الثقافية، وسلب الانتماء «للأمة».

        دفع هذا الإقصاء بالكرد إلى التقوقع ضمن هويتهم القومية، وفي بعض الأحيان شكّل عامل تخبّط لدى الحركة السياسية الكردية، وتطور أحياناً إلى اختلاف وشرخ بين القوى السياسية والقوى المجتمعية والمدنية. كما نشهد الآن توجه التيار اليساري المتمثل بالإدارة الذاتية نحو فكرة «المجتمعات الديمقراطية» و«أخوة الشعوب» والتخلي عن الخطاب القومي التقليدي، في حين يرفضه المزاج الشعبي العام لغياب العامل القانوني الذي يحفظ لهم الهوية الثقافية. وهذا يحتوي أيضاً على غياب للثقة بأي سلطة جديدة.

        إعادة الثقة بين هذه المجتمعات لا تكفيها الفعاليات الثقافية والمشاركة في الاحتفالات أو التحدث ببعض اللغات، كما يحدث مع المجتمعات الأصلية والشعوب الأولى في أمريكا الشمالية. لأن في الشرق الأوسط، جميع الشعوب الموجودة هي شعوب أصلية، وعامل الاستعمار هنا لا يشبه الاستعمار الأوروبي لكندا والولايات المتحدة. وبالتالي، فإن اعتبار الكرد «مجتمعاً» دون اعتبارهم جزءاً مؤسساً ومشاركاً فاعلاً في صناعة هوية الدولة، لن يعيد الثقة.

        العامل الرئيس في بناء الثقة هو عامل مادي. يتطلب استرجاع الأراضي المسلوبة خلال سنوات الحرب السورية، إعادة المهجرين إلى بيوتهم، والبدء فوراً بمسار العدالة الانتقالية الذي يتضمن الانتهاكات التي ارتكبت بحق الكرد واليزيديين من قبل فصائل ثورية. ربما ينتظر الكرد تعويضاً عما سلبهم إياه نظام الأسد، وهذا حق لابد من العمل من أجله. لكن ما هو أكثر إلحاحاً، ومن شأنه تخفيف الاحتقان الإثني، هو محاسبة الجرائم التي ارتكبتها الفصائل الثورية، لأن استمرار هذه الجرائم قد يعني انتصاراً لجانب على آخر. بالمقابل، يترتب على ذلك إحالة جميع الانتهاكات التي ارتكبتها قوات سوريا الديمقراطية إلى ملف العدالة الانتقالية بالميزان ذاته.

        كل من هذه الجوانب يتضمن أيضاً جوانب فرعية. على سبيل المثال، الجانب الثقافي لا يقتصر على إبراز الهوية، بل يعاني المجتمع الكردي من مسألة تهميش المركز للأطراف (ويشترك الكرد في ذلك مع دير الزور والرقة). لذلك، يُطلب من النخب المدينية السورية أيضاً فهماً أوسع لعمق هوية الريف والمجتمع العشائري والعزلة التي عانت منها هذه المجتمعات. فحين يشعر الفرد الكردي أو الجزراوي بقبول المجتمع المديني له في مثل دمشق وحلب، سيشعر حينها بالانتماء للنسيج المجتمعي السوري، ولن يبقى باحثاً عن هويات فرعية.

        الانفتاح الشعبي على الثقافة الكردية قد يلامس مشاعر الكرد بشكل آني، لكنه لا يظهر كافياً لإعادة بناء الثقة أو ما يكفل انتماء الأكراد للهوية السورية. يبقى هذا الانفتاح في كثير من الأحيان محصوراً في دوائر ضيقة ونطاقات نخبوية الطابع، لا تستطيع مجاراة خطاب شعبوي مسموم يخوض حروباً على الوجود الكردي ويحاول بشتى الوسائل منع تشكيل كينونة سياسية. ويُدفع بذلك نحو إبقاء المسألة الكردية مجرد مسألة ثقافية، أو مسألة أفراد ومواطنين كرد، لا جماعة سياسية.

موقع الجمهورية

—————————-

قواعد وضباط”.. ما المطروح على طاولة أنقرة ودمشق العسكرية؟

ضياء عودة – إسطنبول

20 مارس 2025

الخطوات التي اتخذتها تركيا في سوريا بعد سقوط نظام الأسد تشي بأنها تنوي وتسعى لترسيخ شيء ما وجديد على الصعيد العسكري، وكان هذا الأمر انعكس مؤخرا بسلسلة زيارات وعدة قرارات وتصريحات عبّرت من خلالها أنقرة عن استعدادها لتقديم الدعم، في وقت ألمحت إلى حقبة جديدة أبعد من شراكة وأقرب إلى تحالف تام.

تعتبر تركيا أبرز الداعمين للإدارة السورية الجديدة على عدة مستويات، وكان هذا البلد تابع عملية إسقاط نظام الأسد بـ”هدوء”، وهو ما أكدته التعليقات التي أدلى بها الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، بعد سيطرة فصائل “إدارة العمليات العسكرية” على مدينة حلب.

ويقول خبراء ومراقبون الآن إنها تسعى إلى تثبيت واقع عسكري جديد يتناسب مع التغير الكبير الذي طرأ على مشهد سوريا السياسي والأمني ككل.

وقد يكون هدفها من وراء تثبيت هذا الواقع الجديد دعم إدارة أحمد الشرع من جهة، ولضمان أمنها مع جارة لطالما خيمت على الحدود الرابطة معها الكثير من الهواجس والتهديدات.

ولا يعني ما سبق أن أي خطوة عسكرية جديدة لتركيا لن تقابلها أية “مخاطر”، وهو ما يشير إليه الباحث في مؤسسة “سنتشوري إنترناشونال”، آرون لوند.

وعلى مدى الأيام الماضية لم تنقطع التقارير التي تفيد بنية تركيا إقامة قواعد عسكرية في سوريا. وجاء ذلك عبر وسائل إعلام تركية ومن خلال وكالة عالمية مثل “رويترز” التي نقلت عن مصادر قبل شهرين أن القواعد التي تنوي أنقرة تأسيسها ستكون في وسط سوريا.

وبينما ظلّت المعلومات التي نشرتها “رويترز” في إطار التحليلات صدرت عدة تصريحات تركية، خلال الأيام الماضية، وأشار عبرها المسؤولون إلى نيتهم دعم الإدارة السورية الجديدة، وتقديم كل ما يلزم لها على الصعيد العسكري “في حال طلبت ذلك”.

وبدأ المسار العسكري الجديد والرابط بين تركيا وسوريا بعد ذلك يتضح شيئا فشيئا، ليصل إلى مرحلة تعيين وزارة الدفاع التركية ملحق عسكري لها في دمشق، والحديث عن نيتها تعيين ضباط أتراك لتقديم الاستشارات العسكرية، وفق وسائل إعلام.

كما ذكرت صحيفة “حرييت” المقربة من الحكومة، قبل أيام، أن أنقرة بصدد “تدريب الجيش السوري الجديد”، وأنها مستعدة لإعادة هيكليته، بناء على الواقع الجديد الذي باتت عليه البلاد.

“لتركيا فرصة”

ويعود النفوذ العسكري التركي في سوريا إلى عدة سنوات للوراء.

وكان الجيش التركي قد ثبت عدة قواعد في شمال سوريا ونشر الآلاف من قواته هناك، في خطوات نفذها بالتالي، وقال إنها تهدف لحماية أمن تركيا القومي.

ضَمن التواجد التركي في شمال سوريا لعدة سنوات عدم تقدم قوات نظام الأسد باتجاه المناطق التي كانت خاضعة لسيطرة فصائل المعارضة.

ولعب دورا رئيسيا أيضا في العمليات العسكرية التي كانت تشنها تركيا ضد “وحدات حماية الشعب” في شرق سوريا، بالإضافة إلى دور آخر على صعيد الدوريات وعمليات المراقبة، التي كانت تجري مع الجانب الروسي.

وبعد سقوط نظام الأسد كان لابد من تغيير شكل المهام العسكرية التركية في سوريا، وخاصة أن من كان يعارض التواصل والتنسيق في دمشق بات مخلوعا في موسكو، في إشارة من لوند إلى نظام الأسد.

والآن يقول الباحث لموقع “الحرة” إن الحكومة السورية الجديدة بحاجة ماسة إلى الدعم الخارجي لبناء قواتها المسلحة، لاكتساب القوة والتطور، ولتجاوز الوضع الراهن للفصائل والجماعات.

ويضيف أن “تركيا في وضع جيد لتقديم هذا الدعم، وقد تدعمها قطر في ذلك”.

ولدى تركيا فرصة لترسيخ مكانتها كراعٍ رئيسي للحكومة السورية الجديدة، وفقا للباحث الذي يوضح أنها قد تأمل في تحويل سوريا إلى منصة لبسط نفوذها الخارجي، ولجعلها بوابة لدخول دبلوماسيتها رفيعة المستوى في الصراع العربي الإسرائيلي.

لكن الأهم من ذلك كله، هو أن تركيا سترغب في التدخل في سوريا “لحماية مصالحها القائمة وحماية حدودها”، كما يردف الباحث في “سنتشوري إنترناشونال”.

ويشرح بالقول: “أنقرة تخشى الفوضى على حدودها الجنوبية، وتريد حكومة موالية وموثوقة في دمشق تساعد في مواجهة حزب العمال الكردستاني والتهديدات الأخرى”.

كما تريد أنقرة، بحسب لوند أن تكون سوريا مستقرة وأن تتعافى اقتصاديا، حتى يتسنى إعادة اللاجئين.

ولتحقيق كل هذه الأمور، وللحماية من الفوضى والنمو المستقبلي المحتمل للمصالح العدائية جنوب حدودها، سيتعين على تركيا التدخل، بأي شكل من الأشكال العسكرية، وفقا للباحث.

“مزود أمني”

وتدرك تركيا أن سوريا لا تملك القدرات اللازمة لحماية سيادتها في الوقت الحالي، أو حتى الدفاع عن نفسها.

وعلى أساس ذلك يرى الباحث السياسي والأمني التركي، عمر أوزكيزيلجيك أنها تعبر عن استعدادها لسد هذه الفجوة “كمزود أمني”.

لكن أوزكيزيلجيك يقول في المقابل إن تركيا لا تريد التسرع، بل تسعى إلى إنشاء قواعدها بشكل تدريجي وعلى مدى فترة من الزمن، كما أنها تفضّل انتظار الجانب السوري، حتى ينتهي من تشكيل حكومة انتقالية.

وفي هذا السياق، ترغب تركيا أيضا في دعم وتدريب “الجيش السوري الجديد”، حيث تمتلك خبرة واسعة في هذا المجال، مستندةً إلى تجاربها في كوسوفو، وليبيا، والصومال، وأفغانستان، وقطر، وغيرها، وفق الباحث الأمني.

ما المطروح على الطاولة؟

وتذهب بعض الترجيحات الآن إلى أن أنقرة قد توقع اتفاقية دفاع مشترك مع دمشق، في خطوة قد يتغير على إثرها الكثير، خاصة على صعيد بقية الدول اللاعبة على الأرض وفي الجو. كإسرائيل.

وتذهب ترجيحات أخرى باتجاه أن الجيش التركي قد ينشئ قواعد عسكرية جديدة، دون أن تعرف حدودها وما إذا كانت ستتموضع في شمال سوريا أو تصل إلى مناطق لم يكن من المتخيل أن تصل إليها تركيا.

ويوضح الباحث في العلاقات الدولية، محمود علوش أن تركيا تولي أهمية كبيرة لنجاح الدولة السورية الجديدة وإعادة بناء مؤسساتها، ولاسيما العسكرية.

ويقول لموقع “الحرة” إن تلك الأهمية ترتبط بفكرة أنه “بدون مؤسسة عسكرية قوية لا يمكن لسوريا أن تتعامل مع التحديات الكبيرة الداخلية والخارجية، خصوصا على مستوى الأمن”.

“أنقرة لن تدخر أي جهد يمكن أن تقدمه في سبيل مساعدة سوريا لتحقيق هذا الهدف”، يضيف الباحث.

ويشير إلى أن تركيا يمكن أن تقدم المساعدة لسوريا على أكثر من مستوى، سواء على مستوى تقديم الاستشارات أو إعادة بناء مؤسسة عسكرية محترفة، وصولا إلى حد تسليح الجيش السوري الجديد.

ولا يستبعد توقيع اتفاقيات دفاع مشترك، قائلا إنها مطروحة على الطاولة، وإن الإعلان عنها سيكون عندما تكون الظروف مناسبة.

و”الجيش السوري الجديد” المراد تشكيله في سوريا يضم عدة فصائل عسكرية كانت مدعومة عسكريا ولوجستيا من تركيا.

ولدى الجانب التركي أيضا تواصل فعال مع “هيئة تحرير الشام” وأحمد الشرع الذي كان يقودها قبل تنصيبه رئيسا انتقاليا لسوريا.

“مخاطر”

ورغم أن أنقرة قادرة وتنوي بالفعل الشروع بعدة خطوات عسكرية على صعيد الاتفاقيات أو تقديم الدعم وإعادة هيكلة الفصائل المسلحة، إلا أن هذه الخطوات تكمن في قبالتها الكثير من “المخاطر”، بحسب الباحث آرون لوند.

فمن خلال الاستثمار العسكري في سوريا، ستُثقل تركيا كاهلها بمسؤولية أكبر تجاه حكومة لا تزال ضعيفة للغاية وقد تتطلب دعما مكلفا لتؤدي مهامها.

كما أن دورا تركيا أكبر في سوريا قد يضع القوات التركية في مواجهة مع إسرائيل، مما يرفع درجة التنافس بينهما إلى مستويات قد لا تكون أنقرة مرتاحة لها، بحسب الباحث.

ويشير أيضا إلى أن تقديم الدعم المباشر لقطاع الأمن في سوريا بقيادة أحمد الشرع قد يؤدي إلى فرض عقوبات أميركية.

وسوريا ليست فقط تحت العقوبات، بل لا تزال “هيئة تحرير الشام” جماعة مصنفة إرهابية في نظر الولايات المتحدة وأوروبا، بل والأمم المتحدة.

و”حتى لو تسامحت الإدارة الأمريكية مع مثل هذا الدعم الآن”، فلا يوجد ما يضمن أن دونالد ترامب لن يغير رأيه لاحقا، بحسب الباحث في “سنتشوري انترناشونال”.

ويعتقد الباحث علوش أن أي حديث عن نية تركيا إنشاء قواعد جديدة في سوريا هو “جزء من الشراكة الاستراتيجية الجديدة بين أنقرة ودمشق”.

ويقول الباحث إن “أي حضور تركي عسكري في سوريا ستحدده حاجة البلدين بطبيعة الحال لأن هذا القرار سيادي يتعلق بهما”.

“أنقرة حريصة بدرجة أساسية إلى تعظيم قدرة سوريا في النهوض في هذه المرحلة ومواجهة التحديات التي تهدد استقرارها وأمنها، لأن نجاح سوريا والتجربة السورية هي حاجة أمن قومي لتركيا”، يضيف علوش.

ويؤكد أنه “لا يمكن لتركيا تحمل فشل التحول في سوريا وفشل الدولة في بناء مؤسساتها ولاسيما العسكرية. هناك حدود طويلة ولا يمكن أن تكون آمنة دون وجود مؤسسة عسكرية قادرة على ضبط الأمن”.

ورغم أن تركيا هي الفاعل الأكثر نفوذا في سوريا بلا شك إلا أنها لا تريد أن تتحول البلاد إلى دولة تابعة لها، بحسب الباحث التركي أوزكيزيلجيك، موضحا أنها تسعى إلى “تبني نهج مشترك ومنسق مع الدول الإقليمية، لا سيما الدول العربية، وكذلك مع الدول الأوروبية”.

ضياء عودة

الحرة

——————————

من الانتقال السياسي إلى إعادة الإعمار.. معهد ألماني يقيّم سيناريوهات سوريا

ربى خدام الجامع

2025.03.19

قدم معهد الشؤون الدولية والأمنية الألماني* (Stiftung Wissenschaft und Politik)، تحليلاً معمقاً للوضع في سوريا بعد مرور أكثر من ستين عاماً على الديكتاتورية وأكثر من 13 عاماً على بدء الحرب، مع التركيز على التحديات الكبيرة التي تواجه الحكام الجدد للبلاد.

ويشير التقرير إلى أن سوريا تقف على مفترق طرق حاسم يتطلب معالجة قضايا معقدة تشمل الانتقال السياسي، والمصالحة الاجتماعية، وإعادة الإعمار الشاملة، والتحول الاقتصادي، وعودة اللاجئين والنازحين، بالإضافة إلى حل قضايا أمنية شائكة مثل نزع سلاح الفصائل ودمجها ومحاربة تنظيم الدولة والجماعات المسلحة الأخرى.

تحديات الحكم والسيطرة الإقليمية:

يُسلط التقرير الضوء على أن الحكومة المؤقتة برئاسة أحمد الشرع لا تسيطر على كامل الأراضي السورية، حيث لا تزال قوات سوريا الديمقراطية (قسد) ذات الغالبية الكردية تسيطر على شمال شرقي سوريا، بينما تواصل تركيا سيطرتها على مناطق عدة في الشمال. وفي الجنوب الغربي، تحتل إسرائيل المنطقة العازلة وهضبة الجولان وجبل الشيخ، وتقيم نقاط تفتيش في المناطق المحيطة. ويستمر التقرير في بيان أن الاشتباكات المسلحة ما تزال دائرة في الشمال والشمال الشرقي بين الجيش الوطني السوري المدعوم تركياً وقسد المتحالفة مع واشنطن.

يذكر المعهد أن الحكومة المؤقتة اتخذت خطوات لتسريح معظم جيش النظام المخلوع ومحاولة حل الفصائل ودمجهم في الجيش السوري الجديد، بما في ذلك قسد وفاصائل درزية. ومع ذلك، شهدت سوريا أعمال عنف طائفية عقب تمرد فلول للأسد، مما أسفر عن مقتل المئات وأكد على وجود ما سماه “عقيدة طائفية” وعدم انضباط في القوى الأمنية الجديدة، وهو ما يهدد عملية المصالحة.

التقدم السياسي المتعثر:

يشير التقرير إلى أن الإدارة الجديدة مضت قدماً في عملية الانتقال السياسي بتنصيب أحمد الشرع رئيساً انتقالياً وتأكيده على ضرورة أن تكون سوريا الجديدة وطناً للجميع. وقد تم تشكيل لجنة تحضيرية لمؤتمر الحوار الوطني الذي جمع نحو 900 سوري لوضع إطار للعملية الدستورية. وفي بداية آذار، شُكلت لجنة لصياغة دستور مؤقت، وفي 13 آذار، وقع الشرع على إعلان دستوري يمتد لخمس سنوات، يحدد الشريعة الإسلامية مصدراً أساسياً للتشريع ويطرح مبادئ فصل السلطات واستقلال القضاء والمساواة وحرية التعبير. ومع ذلك، أثار الإعلان الدستوري انتقادات من مختلف الطوائف بسبب عدم تعبيره عن التنوع العرقي والديني لسوريا والإبقاء على تسمية “الجمهورية العربية السورية” وجعل اللغة العربية اللغة الرسمية الوحيدة واشتراط أن يكون الرئيس مسلماً. ويؤكد التقرير على أن تحقيق توازن بين توقعات التنوع ومواقف الجهات الفاعلة المختلفة يمثل تحدياً كبيراً.

يُوضح التقرير أن القيادة السورية الجديدة تسعى لإعادة تموضع سوريا على المستويين الإقليمي والعالمي بهدف كسر العزلة وإقامة علاقات ودية مع دول الجوار والحصول على دعم لإعادة الإعمار. وقد تواصل الشرع مع دول الخليج والدول الغربية، وهنأ ترامب على عودته إلى البيت الأبيض، معبراً عن أمله في إحلال السلام واقترح مناقشات مبكرة مع واشنطن. وفي حين حافظ على مسافة بعيدة عن إيران، أكد على أهمية العلاقات الطيبة مع روسيا وطالب إسرائيل بالانسحاب من الأراضي المحتلة، مؤكداً على التزام دمشق باتفاقيات وقف إطلاق النار وعزمها على حل النزاعات سلمياً، مع توقع علاقات ودية مع تركيا بشكل خاص.

مصالح الجهات الفاعلة الإقليمية والدولية:

يُفصل التقرير مصالح وأولويات وممارسات الجهات الفاعلة الإقليمية والدولية وتأثيرها على عملية الانتقال في سوريا.

    تركيا: تسعى إلى محاربة سوريا لإرهاب (حزب العمال الكردستاني وتنظيم الدولة)، والحفاظ على تنوعها العرقي والديني وإشراك جميع الأطراف في الحكم، وترغب في لعب دور فاعل في بناء سوريا قوية وموحدة بما يخدم مصالحها. تركز على مصالحها الأمنية وعرضت دعم إصلاح القطاع الأمني، وتسعى للتعاون مع سوريا والأردن والعراق لمحاربة تنظيم الدولة. كما دعت تركيا مقاتلي الفصائل السورية المتحالفة معها في الشمال للانضمام إلى الجيش السوري الجديد بهدف نزع سلاح قسد أو دمج عناصرها في الجيش السوري. وقد خلق إعلان عبد الله أوجلان عن حل تنظيمه أفقاً لتسوية بين تركيا وقسد، وتسعى تركيا لتعزيز التقارب بين قسد والمجلس الوطني الكردي. كما ترغب تركيا في لعب دور بارز في إعادة إعمار سوريا.

    دول الخليج (قطر والسعودية والإمارات): يُشير التقرير إلى أن قطر قد تلعب دوراً مهماً في السياسة السورية وكانت أول دولة تزور دمشق بعد سقوط الأسد وتعهدت بدعم إعادة الإعمار. أما السعودية، فيبدو أنها منفتحة على تحقيق انفراجة وترغب في منع سوريا من الاعتماد بشكل كبير على قطر وتركيا. بينما من المحتمل أن تبقى الإمارات على هامش التطورات بسبب معارضتها لهيئة تحرير الشام، لكنها قد تجدد علاقاتها مع دمشق إذا تبين عدم وجود أساس لمخاوفها.

    روسيا: غيرت سياستها من دعم نظام الأسد إلى محاولة السيطرة على الأضرار واستعادة نفوذها لتأمين مصالحها، وعرضت التعاون مع القيادة الجديدة. وقد صنفت هيئة تحرير الشام سابقاً كتنظيم إرهابي ثم وصفتها بـ”المعارضة السورية المسلحة” ثم “السلطات الجديدة”. ومع ذلك، قد تواجه روسيا صعوبة في تطبيع العلاقات بسبب مطالب دمشق بتسليم الأسد وجبر الضرر. وقد تراجعت قدرة روسيا على رسم شكل عملية الانتقال، لكنها ما تزال تحتفظ ببعض النفوذ السياسي وتأمل في أن يعوض وجودها العسكري والسياسي المتضائل تعاظم النفوذ التركي. وقد دعت روسيا إلى اجتماع طارئ لمجلس الأمن وحذرت من صعود الحركة الجهادية وشبهت قتل العلويين والمسيحيين بالإبادة في رواندا، مما يدل على استعدادها لاستغلال أي توتر لمصلحتها.

    إسرائيل: يهمها أمنها القومي أكثر من العملية الانتقالية أو النظام السياسي الجديد، وتشعر بالقلق إزاء الخلفية المتطرفة للحكام الجدد وتعزز النفوذ التركي. وتضغط على الولايات المتحدة لضمان سلامة القواعد الروسية وتفضل بقاء سوريا دولة لامركزية ضعيفة. كما أعلنت عزمها على الاحتفاظ بوجودها العسكري في سوريا وسعت لتمتين علاقاتها مع الطائفة الدرزية والأكراد وهددت بالتدخل العسكري دعماً للدروز.

    الولايات المتحدة: لم تتضح بعد سياسة إدارة ترامب الثانية تجاه سوريا، لكنها تركز على مصالحها الأمنية والجيوسياسية وضمان عدم تحول سوريا إلى “مصدر للإرهاب الدولي” وأمن إسرائيل. وقد أثر قرار تعليق المساعدات الخارجية الأميركية مؤقتاً على المخيمات ومبادرات المجتمع المدني.

    إيران: خسرت نفوذها المباشر وتسعى للتواصل مع الحكومة المؤقتة، لكن دمشق لم تبد اهتماماً كبيراً بإعادة العلاقات. ومن السيناريوهات المطروحة لاحتفاظ إيران بنفوذها استغلال التوترات الطائفية أو تمتين علاقاتها مع قسد أو إعادة تعريف دورها عبر “المقاومة” المناهضة لإسرائيل وظهور جماعة “جبهة المقاومة الإسلامية في سوريا”.

نتائج وخيارات سياسية مقترحة من المعهد الألماني:

يُشدد التقرير على أن لألمانيا وشركائها في الاتحاد الأوروبي مصلحة كبيرة في استقرار سوريا ويجب عليهم اقتناص الفرصة والمساهمة في ذلك بتنسيق نهجهم ضمن إطار متعدد الأطراف والتعاون مع الولايات المتحدة وتركيا ودول الخليج. ويدعو إلى مراقبة ودعم تطبيق إعلان حل حزب العمال الكردستاني والاتفاق بين الحكومة المؤقتة وقسد. كما يرى ضرورة العمل على تجديد التزام إسرائيل والحكومة السورية الجديدة باتفاقية وقف إطلاق النار لعام 1974 وتسهيل التواصل بينهما.

ويؤكد التقرير على أهمية تمهيد السبيل لزيادة المساعدات الإنسانية وإعادة إعمار سوريا، مشيراً إلى أن تخفيف العقوبات الأوروبية خطوة أولى ضرورية لكنها غير كافية، ويجب على ألمانيا والاتحاد الأوروبي الضغط على واشنطن لرفع العقوبات الأميركية أو إيجاد آليات بديلة لدعم التعافي. ويشدد على ضرورة بقاء العقوبات على كبار الشخصيات التابعة للنظام السابق وهيئة تحرير الشام حتى تلتزم بشروط واضحة مثل الابتعاد عن الحركة الجهادية ومنع العنف الطائفي والتحقيق في المجازر واحترام حقوق الإنسان.

كما يحذر التقرير من الدفع نحو إعادة سريعة للاجئين السوريين ويدعو إلى تمكينهم من المساهمة في إعادة الإعمار من الخارج. ويؤكد على مسؤولية الجيش السوري الجديد في محاربة تنظيم الدولة وضرورة معالجة مشكلة السجون والمخيمات، مع تشجيع الولايات المتحدة على مواصلة دعم جهود مكافحة التنظيم.

أخيراً، يدعو التقرير ألمانيا والاتحاد الأوروبي إلى دعم تشكيل حكومة جامعة وصياغة دستور دائم يعكس تنوع سوريا العرقي والديني لمنع إيران من استغلال التوترات الطائفية وتحقيق مصالحة اجتماعية وسياسية في البلاد.

في الآتي ترجمة تلفزيون سوريا الكاملة للتقرير:

بعد مرور أكثر من ستين عاماً على الديكتاتورية في سوريا وأكثر من 13 عاماً على بدء الحرب التي تدخلت فيها أطراف دولية، أصبح حكام سوريا الجدد في مواجهة تحديات كبيرة، تتمثل بالانتقال السياسي والمصالحة الاجتماعية وإعادة الإعمار الشاملة، والتحول الاقتصادي، وإعادة اللاجئين والنازحين، إلى جانب حل قضايا أمنية شائكة تشمل نزع سلاح الفصائل ومن ثم إدماجها ضمن الهيكلية المعدلة للجيش ومحاربة تنظيم الدولة في حال عودته إلى جانب محاربة المسلحين من الموالين للأسد. وهنالك قضية أخرى تتمثل بأسلوب التعامل مع كل من مقاتلي تنظيم الدولة (وأهاليهم) المحتجزين في مخيمات ومراكز احتجاز تديرها قسد، والمقاتلين الأجانب المنضوين تحت صفوف هيئة تحرير الشام ومن والاها من الفصائل.

والأصعب من ذلك هو أن الحكومة المؤقتة التي يترأسها أحمد الشرع لا تسيطر على كامل التراب السوري، لأن قسد ذات الغالبية الكردية ماتزال تمارس سيطرتها على شمال شرقي سوريا، في حين تواصل تركيا سيطرتها على مناطق عدة في الشمال السوري. وفي جنوب غربي البلد، احتلت إسرائيل المنطقة العازلة التي أقيمت في عام 1974 وكانت في السابق تخضع لسيطرة أممية، إلى جانب احتلالها لجبل الشيخ منذ كانون الأول لعام 2024، كما أنها أقامت نقاط تفتيش لها في المناطق المحيطة بتلك الأراضي. وفي تلك الأثناء، ماتزال الاشتباكات المسلحة دائرة في الشمال وشمال شرقي سوريا ما بين الجيش الوطني السوري المدعوم تركياً وقسد المتحالفة مع واشنطن في حربها ضد تنظيم الدولة.

الخطوات الأولى للعملية الانتقالية

قامت الحكومة المؤقتة بإجراءات لتسريح معظم عناصر جيش النظام البائد وحل الفصائل ثم دمجهم في الجيش السوري الجديد، وتضم تلك الفصائل قسد والفصائل الدرزية التابعة لغرفة عمليات الجنوب التي وقعت دمشق معها اتفاقيات خلال الأسبوع الثاني من شهر آذار عقب حدوث أعنف أحداث طائفية في سوريا منذ سقوط النظام. إذ بعد ظهور تمرد موال للأسد ضد قوات الأمن الجديدة، قتل أكثر من ثمانمئة سوري معظمهم من الطائفة العلوية، بعضهم في اشتباكات وبعضهم الآخر في عمليات القتل الانتقامية التي أعقبتها والتي نفذت بحق من قُبض عليهم من العساكر والمدنيين، وهذه التطورات أكدت وجود عقيدة طائفية سائدة، إلى جانب عدم الالتزام بالانضباط وعدم وجود هياكل قيادة واضحة ضمن القوى الأمنية الجديدة، ما يشكل خطراً حقيقياً يهدد عملية المصالحة بين الطوائف العرقية والدينية في سوريا. وحتى قبل موجة العنف الأخيرة، ظهرت تقارير حول انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان نفذتها قوات الأمن الجديدة بحق أفراد من نظام الأسد المخلوع، ومعظم تلك الانتهاكات نفذت كأعمال انتقامية بحق العلويين.

مضت الإدارة الجديدة بعملية الانتقال السياسي نحو الأمام، إذ في أواخر شهر كانون الثاني من عام 2025، وبعد أن تم تنصيب أحمد الشرع رئيساً انتقالياً على يد من انتصروا من الثوار، شدد هذا الرجل على ضرورة أن تصبح سوريا الجديدة وطناً لكل مواطنيها تختفي فيه كل أعمال الانتقام، وأكد على أهمية تشكيل حكومة جامعة تكفل تمثيل الجميع في مطلع شهر آذار. وفي أواسط شهر شباط، شكل الشرع لجنة تحضيرية لمؤتمر الحوار الوطني بينهم ممثلون عن “حكومة الإنقاذ” السابقة في إدلب وعضوان من المجتمع المدني، ثم انعقد هذا المؤتمر الذي لم تسبقه فترة إشعار مناسبة، خلال الفترة ما بين 24-25 من شباط في دمشق، وجمع نحو 900 سوري من أجل وضع إطار العمل الميداني تمهيداً للمضي قدماً بالعملية الدستورية. وفي بداية شهر آذار، شكلت لجنة لصياغة دستور مؤقت، لكن الأمور لم تخضع لمداولة كبيرة، إذ بحلول الثالث عشر من آذار، وقع الشرع على إعلان دستوري يمتد لفترة انتقالية مدتها خمس سنوات، وحددت تلك الوثيقة بأن الشريعة الإسلامية هي المصدر الأساسي للتشريع، وطرحت مبدأ فصل السلطات، واستقلال القضاء، والمساواة أمام القانون وحرية التعبير. بيد أن مسؤولية التشريع خلال الفترة الانتقالية، ستكون بيد البرلمان الذي سيجري تعيين أعضائه (على أن يعين الرئيس وبشكل مباشر ثلث أعضائه)، أما الرئيس فيتمتع بسلطات تنفيذية وبيده أمر الإعلان عن حالة الطوارئ. كما سيجري تشكيل لجنة من أجل العدالة الانتقالية، إلى جانب لجنة لصياغة دستور دائم للبلد، وسيجري تأجيل الانتخابات حتى عام 2030. وسرعان ما أثار الإعلان الدستوري انتقادات من الطوائف في سوريا، إذ على الرغم من طرحه لمبدأ حرية الدين والمعتقد، لم يعبر عن التنوع العرقي والديني لسوريا التي احتفظت باسمها السابق (الجمهورية العربية السورية)، إلى جانب تسمية العربية وحدها كلغة رسمية للبلد، والتأكيد على وجوب أن يكون الرئيس مسلماً، ولكن لا شك بأن خلق حالة توازن بين توقعات التعبير عن التنوع بين الأغلبية والأقليات، وناشطي المجتمع المدني والعديد من الجهات الأجنبية الداعمة والفصائل المتطرفة الموجودة ضمن قاعدة القيادة الانتقالية نفسها يعتبر أمراً محفوفاً بالمخاطر والتحديات إلى أبعد الحدود.

وفي الوقت ذاته، تحرص القيادة السورية الجديدة على إعادة تموضع سوريا بعد سقوط الأسد على المستويين الإقليمي والعالمي، والهدف من ذلك كسر العزلة التي فرضت على البلد لفترة طويلة، وإقامة علاقات ودية مع دول الجوار، إذ تريد سوريا الجديدة أن تتجنب تلك النظرة التي تعتبرها تهديداً على المستوى الإقليمي أو الدولي، والأولوية الأساسية في هذا السياق الحصول على الدعم من أجل إعادة إعمار البلد، ولتحقيق هذه الغاية، لم يمد الشرع يده لدول الخليج العربية فحسب، وعلى رأسها السعودية، بل للدول الغربية أيضاً، إذ هنأ دونالد ترامب على عودته الأخيرة إلى البيت الأبيض، وأعرب عن أمله بأن يعمل الرئيس الأميركي على إحلال السلام، واقترح قيام مناقشات مبكرة مع الإدارة الجديدة بواشنطن. وفي الوقت الذي احتفظ الشرع بمسافة بعيداً عن إيران، أكد مصلحته في المحافظة على علاقات طيبة مع روسيا، كما طالب إسرائيل بالانسحاب من الأراضي السورية التي احتلتها، وأكد على التزام دمشق باتفاقيات وقف إطلاق النار الموقعة في عام 1974 وعلى عزمها على حل النزاعات مع دول الجوار بطريقة سلمية، والجميع يتوقع قيام علاقات ودية وتقارب مع تركيا على وجه الخصوص.

مصالح الجهات الفاعلة على المستوى الإقليمي والدولي في سوريا

إن مصالح الجهات الفاعلة إقليمياً ودولياً وأولوياتها وممارساتها هي التي ستهيئ الساحة أمام حكام سوريا الجدد في تعاملهم مع التحديات التي تكتنف العملية الانتقالية بسوريا، إذ عقب سقوط نظام الأسد، عمدت بعض تلك الجهات الفاعلة الخارجية إلى تغيير موقفها، في حين أوضحت أطراف أخرى، مثل الولايات المتحدة، موقفها تماماً. بيد أن هنالك شيئاً واضحاً يهمهم جميعاً بالمقام الأول، ألا وهو المصالح القومية إلى جانب مراعاة الاعتبارات السياسية والاقتصادية الداخلية، وهذا ما يؤكد احتمال ظهور تضارب قد يعيق الجهود الساعية لتحقيق الاستقرار في سوريا.

تركيا

تشير التصريحات الرسمية الصادرة عن تركيا إلى وجود ثلاثة أهداف لديها في سوريا، أولها ضرورة عدم دعم سوريا للإرهاب (والمقصود هنا حزب العمال الكردستاني وتنظيم الدولة) وعدم تشكيلها لأي خطر يهدد جيرانها، إلى جانب احتفاظها بتنوعها العرقي والديني وضرورة تمثيل وإشراك كل تلك الأطراف في الحكم. أي أن أنقرة تعتبر عملية نشر الاستقرار التي تقوم بها الحكومة المؤقتة الموجودة في دمشق ضرورة، وترغب في لعب دور فاعل في بناء سوريا القوية والموحدة، وبما ينسجم مع المصالح التركية الأساسية، ولهذا تسعى تركيا للانخراط في مجالين مهمين على المدى القصير والمتوسط.

أولاً: تركز تركيا على مصالحها الأمنية، ولهذا عرضت فكرة دعم عملية إصلاح القطاع الأمني في سوريا، وبحسب ما ذكره وزير الدفاع التركي يشار غولار، فإن أنقرة على استعداد لمساعدة الحكومة الانتقالية في التدريب العسكري إن لزم الأمر. وفي مطلع شهر شباط، التقى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالرئيس الشرع في أنقرة لمناقشة التعاون الوثيق في مجالات عدة، أبرزها احتمال توقيع معاهدة دفاع بينهما. كما تسعى كل من تركيا وسوريا والأردن والعراق لمحاربة تنظيم الدولة معاً، إذ عقد أول اجتماع للتباحث في هذا الشأن بالأردن في التاسع من آذار، من دون أن يعلن عن أي خريطة ملموسة للطريق في هذا الاتجاه.

في تلك الأثناء، دعا وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، جميع مقاتلي الفصائل السورية الموجودة في شمالي سوريا والمتحالفة مع تركيا، والتي تضم أكثر من 80 ألف مقاتل إلى الانضمام إلى الجيش السوري الجديد. وهذه الدعوة تتماشى مع الاستراتيجية الأوسع لأنقرة الساعية إلى نزع سلاح قسد الذي تترأسه وحدات حماية الشعب الكردية، أو العمل على إدماج العساكر الأفراد ضمن جيش البلد الذي يخضع لقيادة دمشق بشكل كامل. كما تهدف دعوته أيضاً إلى طرد أي عناصر تركية (وغير سورية) موجودة ضمن حزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب من سوريا، ولتحقيق هذا الهدف، اتخذت تركيا خطوات عسكرية من خلال الجيش الوطني السوري، كما استعانت بدعمها الجوي لقطع خطوط الإمداد عن قسد والموجودة في محيط عين العرب  كوباني بالشمال السوري، فأضعفت بذلك القدرات القتالية لدى تلك المجموعة.

وفي الوقت ذاته، تمارس تركيا ضغطاً دبلوماسياً على قسد وحزب العمال، إذ في أواخر شباط الماضي، أعلن عبد الله أوجلان، مؤسس حزب العمال المسجون في تركيا، عن حل تنظيمه ونزع سلاحه بكل ثقة، ما دفع بحزب العمال إلى الإعلان عن وقف إطلاق النار والتصديق على ما أعلنه أوجلان والمطالبة بإطلاق سراحه. وهذا ما جعل الجهات الفاعلة الكردية في العراق، وعلى رأسها الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، ترحب بمبادرة أوجلان، ومن جانبه، أوضح القائد الأعلى لقسد، مظلوم عبدي، بأن حل الحزب ورمي سلاحه لا يمكن تطبيقه على قسد، لكنه أعرب عن انفتاحه على أي حل سلمي في سوريا.

خلق إعلان أوجلان أفقاً لتحقيق تسوية ما بين تركيا وقسد، وإزاء ذلك ظهر بين ثنايا إصرار أنقرة على ضرورة أن تكون سوريا شاملة وجامعة لكل الطوائف العرقية والدينية احتمال تأويل ذلك كبادرة على التفاوض من أجل تشكيل هيئة تمثيلية جديدة للكرد، إذ بالفعل، سعت تركيا منذ أمد بعيد لتعزيز التقارب بين قسد والمجلس الوطني الكردي الذي دعمه الحزب الديمقراطي الكردستاني في العراق، وفي مكالمة هاتفية مع عبدي، أعلن مسعود برزاني زعيم هذا الحزب عن دعمه للاتفاق الحاصل مؤخراً بين دمشق وقسد، وأكد على أهمية وحدة الكرد، كما رحب المسؤولون الأتراك بهذه الاتفاقية بحذر، وأكدوا على ضرورة تطبيقها بشكل كامل، وفي هذه الأثناء تواصلت الغارات الجوية التركية على العراق وسوريا.

أما المجال المهم الثاني الذي ترغب القيادة التركية في لعب دور بارز من خلاله فهو إعادة إعمار سوريا، إذ بعيداً عن الفرص الاقتصادية التي يرجح لشركات البناء التركية أن تقتنصها، يمكن لذلك أن يعزز شعبية أردوغان وسط حالة الضيق الاقتصادية التي تعيشها تركيا، كما أن أنقرة تعتبر إعادة إعمار سوريا شرطاً مهماً لتسهيل عودة اللاجئين السوريين.

دول الخليج

إذا نجحت هيئة تحرير الشام وحلفاؤها في تعزيز موقفها، فإن قطر ستلعب دوراً مهماً في السياسة السورية هي أيضاً، إذ ليست مصادفة تلك التي جعلت من الأمير تميم بن حمد أول قائد دولة يزور دمشق بعد سقوط الأسد. ومنذ ذلك الحين، توالت زيارات المسؤولين والوفود القطرية على سوريا وذلك خلال شهري كانون الأول من عام 2024 وكانون الثاني عام 2025. وفي أواسط كانون الأول، كانت السفارة القطرية ثاني سفارة تعيد فتح أبوابها، بعد السفارة التركية، عقب تعليق العلاقات الدبلوماسية الذي نفذته دول كثيرة بين عامي 2011-2012 رداً على قمع النظام البائد للمعارضة. وتعهد رئيس وزراء قطر بدعم عملية إعادة إعمار سوريا وطالب بإنهاء العقوبات المفروضة عليها، إذ من الواضح تماماً بأن الدوحة قد وضعت نفسها في موضع أحد الوسطاء المهمين بين سوريا وأي دولة ثالثة، وستتعاظم أهمية هذا الدور في حال بقيت تلك الدول مترددة في التعامل مع الحكام الجدد لدمشق.

ثمة دولة أخرى بوسعها لعب دور مهم في المشهد الدبلوماسي السوري وهذه الدولة هي السعودية، إذ يبدو بأن هنالك مصلحة كبيرة لهيئة تحرير الشام في تعزيز علاقات طيبة مع أقوى دولة عربية، وقد ألمحت المملكة إلى انفتاحها على تحقيق انفراجة وذلك عندما أرسلت وزير خارجيتها الذي دعا على الفور إلى رفع العقوبات وقدم الدعم للحكومة الجديدة. ويبدو أن الرياض مستعدة للاعتراف بالواقع الجديد في دمشق مع التشجيع على الحوار والتعاون لإدارة النتائج المترتبة على سيطرة هيئة تحرير الشام على المنطقة. وثمة شيء مهم لا بد أن تأخذه السعودية بالحسبان وهو منع سوريا من الاعتماد بشكل كبير على قطر وتركيا، غير أن قيام الشرع في مطلع شباط 2025 بأول زيارة خارجية له عقب سقوط الأسد إلى الرياض بدلاً من أنقرة يوحي باحتمال الابتعاد عن هذا الشكل من الاعتماد الكبير.

يحتمل للإمارات أن تبقى على هامش كل تلك التطورات نظراً لوقوفها ضد هيئة تحرير الشام ومعارضتها لها بشكل مبدئي وهذا ما يمنعها من التعامل معها مباشرة، لهذا يرجح لأبوظبي أن تراقب من كثب احتمال إثارة انتصار الإسلاميين في سوريا لمزيد من الاضطرابات في المنطقة، ولهذا لن تألو جهداً في منع وصول آثار ذلك إلى بلادها. ولكن إن تبين لها عدم وجود أصل أو أساس لمخاوفها، فإن الإمارات ستكون من بين تلك الدول التي ستحرص على تجديد علاقاتها مع دمشق.

روسيا

بما أنها كانت من أهم داعمي نظام الأسد في السابق، فقد غير الكرملين سياسته وانتقل إلى سياسة السيطرة على الأضرار مع سعيه في الوقت ذاته لاستعادة نفوذه السياسي من أجل تأمين مصالحه الأساسية في سوريا، وخاصة فيما يتصل بالاستعانة بالقواعد العسكرية الموجودة فيها، ولهذا عرضت روسيا التعاون مع القيادة الجديدة في دمشق لأنها ترغب أن تقدم نفسها كعنصر فاعل براغماتي على استعداد للتكيف مع ديناميات السلطة الجديدة. إذ حتى كانون الأول من عام 2024، بقيت موسكو تصنف هيئة تحرير الشام على أنها تنظيم إرهابي، ولكن في الثامن من كانون الأول 2024، أي في يوم سقوط الأسد، صارت تصف الهيئة بأنها “المعارضة السورية المسلحة” ثم أصبحت تصفها بـ”السلطات الجديدة”. وفي محاولة للتعامل مع الهيئة، أعلن فاسيلي نيبينزيا مندوب روسيا لدى الأمم المتحدة بأن التحالف الروسي مع سوريا “لا يرتبط بأي نظام”.

غير أن موسكو قد تكتشف صعوبة “تطبيع” العلاقات مع الحكومة التي تترأسها هيئة تحرير الشام، وهذا ما اتضح عندما زار نائب وزير الخارجية الروسي، ميخائيل بوغدانوف، سوريا في أواخر شهر كانون الثاني من عام 2025، إذ خلال تلك الزيارة، أوضح الشرع بأن على روسيا الاعتراف بما وصفه “أخطاءها السابقة” من أجل “إعادة بناء الثقة”، بيد أن هنالك مطلبين تقدمت بهما دمشق من المرجح أن يمثلا تهديداً حقيقياً لموسكو، خاصة في ظل ظروف الحرب المستمرة في أوكرانيا، وهذان المطلبان هما: تسليم الأسد وجبر الضرر، إذ لا أحد يتوقع أن تسلم روسيا الأسد على الإطلاق، بما أن تسليمه لا بد أن يقوض مصداقية روسيا بوصفها حامياً موثوقاً لحلفائها من المستبدين، أما فيما يتصل بالمطلب الثاني، فإن موسكو قد تعفي سوريا من قسم من ديونها الكبيرة المستحقة لروسيا، أو قد تعفيها منها كلها، أو قد تمدها بالحبوب أو النفط من دون أن تعترف رسمياً بما يُلزمها بتقديم تعويضات بهدف جبر الضرر. وفي تلك الأثناء، وفي محاولة منها لتحسين صورتها، قدمت روسيا اللجوء للسوريين الهاربين من العنف الطائفي الذي اندلع في آذار، وعرضت الاستعانة بقواعدها العسكرية كمراكز لوجستية لتوزيع المساعدات الإنسانية، ومن جانبها، ستبقى القوات المسلحة السورية معتمدة على روسيا في عمليات الصيانة وتأمين قطع التبديل في المستقبل المنظور.

لا شك أن قدرة روسيا على رسم شكل عملية الانتقال في سوريا قد تراجعت بشكل كبير، إذ لم يعد لدى روسيا حلفاء سياسيون أقوياء في سوريا، كما تراجعت إمكاناتها العسكرية على حماية هؤلاء الحلفاء، والأهم من كل ذلك أن عملية أستانا التي نسقت من خلالها روسيا وتركيا وإيران مواقعها تجاه مستقبل سوريا، لم يعد لديها أي نفوذ أو أهمية، ومع ذلك ما تزال موسكو تحتفظ ببعض النفوذ السياسي في سوريا، إذ يأمل الكرملين أن يتحول استمرار الوجود العسكري والسياسي على الرغم من تقلصه في سوريا نفسها وفي المنطقة كلها إلى مصلحة استراتيجية للحكومة الانتقالية، بما أن هذا الوجود سيقف ضد تعاظم الوجود والنفوذ التركي في سوريا. وبما أن روسيا تعتبر دولة قوية تتمتع بحق النقض في مجلس الأمن وبما أنها عنصر فاعل مهم في المنتديات الدولية مثل دول البريكس+ والتجمعات الإقليمية مثل مجلس شنغهاي للتعاون، فإنه بوسع روسيا إما أن تسهم أو أن تعقد عملية تحقيق الاعتراف الدولي بالقيادة السورية الجديدة.

ونظراً لاحتمال التقارب بين روسيا والولايات المتحدة في ظل إدارة ترامب، ومطالبة إسرائيل بإبقاء القواعد الروسية في سوريا، والمجازر التي قامت ضد العلويين والمسيحيين في سوريا في آذار 2025، بات من الواضح أن الكرملين تعجبه الشروط التي تساعده على تعزيز موقفه ومكانة بلده، إذ إلى جانب الولايات المتحدة، دعت روسيا إلى اجتماع طارئ لمجلس الأمن في منتصف شهر آذار حذر خلاله المندوب الروسي من صعود الحركة الجهادية في سوريا، وشبه قتل العلويين والمسيحيين بالإبادة التي حصلت في رواندا. ثم إن انعقاد الاجتماع خلف أبواب موصدة دليل على أن روسيا لا تريد أن تخاطر بعلاقتها التي ما تزال هشة مع القيادة الجديدة في سوريا، وفي الوقت عينه، يظهر ذلك استعداد روسيا الدائم لاستغلال أي توتر في سوريا لمصلحتها حتى تمارس الضغط عبر التلاعب ضمنياً بفكرة تأييد قيام حكم ذاتي في المنطقة الغربية من سوريا، بيد أن تصريح الشرع بأنه يرغب في الاحتفاظ بـ”علاقات استراتيجية عميقة” مع روسيا، وضرورة عدم وجود أي “شقاق بين سوريا وروسيا” يعتبر مؤشراً على نجاح سياسة الحد من الأضرار التي تنتهجها موسكو.

إسرائيل

في الوقت الذي تدعم المؤسسة السياسية الإسرائيلية عموماً “حق استقلال” الأقليات العرقية والدينية عن سوريا، ما يزال أشد ما يقلقها من جارتها هو أمنها القومي لا العملية الانتقالية ولا النظام السياسي الجديد فيها. إلا أن خلفية حكام دمشق الجدد تعتبر مصدراً للقلق بالنسبة للحكومة الإسرائيلية، وكذلك الأمر بالنسبة لتعاظم النفوذ التركي بما أن إسرائيل تعتبر تركيا عدوة، وبحسب تقارير ظهرت عبر الإعلام، فإن إسرائيل تضغط بشكل فاعل على الولايات المتحدة لضمان سلامة القواعد العسكرية الروسية الموجودة في سوريا، لأنها تفضل بقاء روسيا في وجه تركيا، كما تتمنى لسوريا أن تظل دولة لامركزية ضعيفة.

هذا ولم تكتف إسرائيل بالإعلان عن عزمها على الاحتفاظ بوجودها العسكري في سوريا في المستقبل المنظور، بل سعت أيضاً إلى تمتين علاقاتها مع الطائفة المقيمة في المنطقة الحدودية ومع الكرد أيضاً، إذ بنهاية شهر شباط عام 2025، طالب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بنزع كامل للمظاهر العسكرية من ثلاث محافظات سورية تقع في الجنوب، وهي القنيطرة ودرعا والسويداء، وأعلن أن إسرائيل لن تتسامح مع أي وجود للجيش السوري في تلك المناطق، وفي بداية شهر آذار، وفي ظل الاشتباكات المسلحة التي وقعت بين قوات الأمن التابعين للحكام الجدد والفصائل الدرزية الموجودة في ضاحية جرمانا القريبة من دمشق، هددت إسرائيل بتدخل عسكري دعماً للطائفة الدرزية، وفي أواسط شهر شباط، سمحت لوفد مؤلف من شخصيات دينية درزية بزيارة مواقع دينية وزيارة الطائفة الدرزية المقيمة ضمن الأراضي التي تخضع لسيطرة إسرائيل وذلك لأول مرة منذ حرب عام 1973. كما عرضت إسرائيل على الدروز منحهم مساعدات وفتح فرص العمل أمامهم.

الولايات المتحدة

لم تتضح بعد ملامح المسار الذي ستسير عليه الولاية الثانية لترامب مستقبلاً فيما يخص سوريا، كما أن واشنطن لم تعتبر قيام مناقشات بشأن سوريا أولوية بالنسبة لها، ولكن السياسة الأميركية قد تتغير فجأة، وقد يؤثر ذلك بشكل خاص على الوجود العسكري الأميركي في سوريا وعلى التعاون الأميركي مع قسد، إذ تشير أولى الإرهاصات إلى أن إدارة ترامب لا تركز على “الانتقال الجامع” لأن ما يهمها هو مصالحها الأمنية والجيوسياسية، كما أن أهم أهدافها تتمثل بضمان عدم تحول سوريا إلى “مصدر للإرهاب الدولي” إلى جانب ضمان أمن إسرائيل.

وفي الوقت ذاته، ظهرت تعقيدات عقب القرار الذي أصدرته إدارة ترامب بخصوص تعليق كامل المساعدات الخارجية الأميركية بصورة مؤقتة، والتي تشمل تلك المساعدات التي تقدم للمرافق مثل مراكز الاحتجاز أو المخيمات وعلى رأسها مخيما الهول والروج حيث يحتجز مقاتلو تنظيم الدولة مع عوائلهم. وفي الوقت الذي تم التوصل فيه إلى حل مؤقت لتعويض العناصر الأمنية التي تحرس تلك المقرات، بما أن رواتبهم كانت في السابق تصلهم عبر التمويل المخصص للوكالة الأميركية للتنمية الدولية، فإن اضطرابات حادة قد تعقب ذلك في حال قطع الحوالات إلى أجل غير مسمى. ولقد أضر تعليق المساعدات الخارجية الأميركية بعمليات المفوضية العليا للاجئين بشكل كبير في سوريا كما أضر بعدد من المبادرات الخاصة بالمجتمع المدني السوري.

إيران

مع سقوط نظام الأسد، خسرت إيران نفوذها المباشر في سوريا، وصارت تحرص اليوم على التواصل مباشرة مع الحكومة المؤقتة في دمشق، إذ أعلن وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، بأن نهج إيران: “يقوم على سلوك الطرف الآخر”، ملمحاً إلى استعداد طهران لإحياء علاقاتها التي قطعها سقوط الأسد في حال سنحت لها الفرصة. بل حتى المرشد الأعلى، علي خامنئي، غير موقفه العدائي الذي أبداه في البداية تجاه الحكام الجدد لسوريا، فصار يركز الآن على المطالبة بـ”تحرير البلد من الاحتلال الأجنبي”، بيد أن دمشق لم تبد كبير اهتمام بإعادة العلاقات مع طهران، إذ حتى لو جرى إحياء تلك العلاقات، سيظل النفوذ الإيراني أضعف بكثير مما كان عليه من قبل، ونظراً لافتقار الجمهورية الإسلامية الإيرانية إلى الموارد الاقتصادية التي بوسعها تقديمها كحوافز مهمة، يرجح لدورها أن يبقى محدوداً في سوريا، أما جهود إعادة الإعمار فستقودها جهات فاعلة تتمتع بموارد مالية أكبر تحت تصرفها.

من السيناريوهات المنطقية المطروحة بالنسبة لاحتفاظ إيران بنفوذها ذلك السيناريو الذي يرى بأن ذلك يمكن أن يتم عبر استغلال أي توتر طائفي، إذ يرجح لطهران أن تزيد من تواصلها مع الطائفة العلوية في غربي سوريا، كما يمكن للتقارير التي تتحدث عن اعتقالات وإعدامات طالت العلويين على يد فصائل تابعة لهيئة تحرير الشام أن تغذي أنشطة خلايا المقاومة التي يمكن لإيران أن تدعمها بالسر كوسيلة لممارسة الضغط، بيد أن نجاح هذه الاستراتيجية يعتمد وبشكل كبير على طريقة تعامل الحكام الجدد مع العدالة الانتقالية والديناميات الطائفية في سوريا.

وثمة نهج آخر مطروح وهو سعي إيران لتمتين علاقاتها مع قسد، إذ يمكن لتوقع الانسحاب الأميركي من سوريا أن يدفع قسد للبحث عن شراكات أخرى، وبحسب تقارير، فإن إسماعيل قاآني، قائد فيلق القدس من الحرس الثوري الإيراني، أجرى محادثات مع قائد قسد، مظلوم عبدي، في مدينة السليمانية العراقية في مطلع كانون الثاني لعام 2025، وقد قيل إن بافل طالباني زعيم حزب الاتحاد الوطني الكردستاني هو من سهّل عقد ذلك الاجتماع. بيد أن عقد شراكة مع كرد سوريا لن يسمح لإيران بالاحتفاظ بنفوذها على الديناميات الداخلية لسوريا فحسب، بل بوسعه أيضاً الوقوف ضد النفوذ الإقليمي التركي مع كبح جماح العلاقات المتنامية بين إسرائيل والفصائل الكردية. غير أن الاتفاقية التي وقعت مؤخراً بين الحكومة التي تتزعمها هيئة تحرير الشام وقسد قد يتحول إلى مفتاح للعمل في هذا المضمار، إذ نظراً للشكوك المحيطة بتنفيذ الاتفاقية واحتمال تجدد التوتر بين القوات الكردية السورية من جهة ودمشق وأنقرة من جهة أخرى، يرجح لطهران أن تحافظ على فتح قنوات تواصل مع الكرد.

وأخيراً، قد تسعى طهران لإعادة تعريف دورها في سوريا عبر “المقاومة” المناهضة لإسرائيل، إذ بعد فترة قصيرة من الخطاب الذي ألقاه خامنئي في الثاني والعشرين من كانون الأول عام 2024، ظهرت جماعة لم تكن معروفة سابقاً، لكنها أطلقت على نفسها اليوم اسم: “جبهة المقاومة الإسلامية في سوريا”، وأعلنت أن هدفها هو طرد القوات الإسرائيلية من البلد، وهذا التطور قد يمد إيران بسبل جديدة للاحتفاظ بنفوذها في سوريا، إذ مثلاً، قد تعمد طهران إلى الاعتماد على قوات وكيلة جديدة أو إلى التحجج بـ”مقارعة الاحتلال” لتبرير تعاونها مع الحكومة السورية الجديدة.

نتائج وخيارات سياسية

لدى ألمانيا وشركائها في الاتحاد الأوروبي مصلحة كبيرة في تأمين عملية نشر الاستقرار في سوريا وضمان عدم تشكيل هذا البلد لأي خطر على جيرانه وعلى أوروبا، لأن سقوط نظام الأسد قدم فرصة فريدة لتحقيق تلك الأهداف، إلا أن احتمال الخطأ ما يزال كبيراً، لأن النزاعات المسلحة قد تشتعل مرة أخرى في سوريا، وبدورها سوف تشجع العناصر الفاعلة الإقليمية والدولية على التدخل عسكرياً من جديد، وفي حال حدوث هذا السيناريو، فإن ذلك سيطيل أمد اقتصاد الحرب والاتجار بالمخدرات، وهذا ما سيدفع لظهور موجات نزوح جديدة، وفي الوقت ذاته، ستظل سوريا ملاذاً آمناً ومقراً لتجنيد العناصر ضمن تنظيم الدولة وغيره من الجماعات الجهادية.

ولهذا ينبغي على ألمانيا والاتحاد الأوروبي اقتناص هذه الفرصة التي ظهرت اليوم للمساهمة في نشر الاستقرار بسوريا، إلى جانب تنسيق نهجها بشكل وثيق ضمن عمل إطاري متعدد الأطراف، ويعتبر التعاون ضرورياً بشكل كبير مع الولايات المتحدة وتركيا ودول الخليج وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، ويجب أن ينصب الهدف على وقف تصعيد الخصوم الجيوسياسيين بدلاً من العمل على تأجيج هذا التصعيد، مع دعم وحدة الأراضي السورية وسيادتها على اعتبار ذلك أحد المبادئ الإرشادية ضمن هذا المضمار.

إن الإعلان عن حل حزب العمال الكردستاني من جهة، والاتفاق بين الحكومة السورية المؤقتة وقسد من جهة أخرى، يعتبر فرصة لحل التوتر في الشمال السوري، ولهذا لا بد من مراقبة تطبيق هذين الأمرين من كثب مع دعم العمليتين، وذلك لأن فشل أي منهما يمكن أن ينعكس بالسلب على الأخرى. وفي هذا السياق، من الضروري أن نأخذ بعين الاعتبار مصالح الأطراف المشاركة فيهما، وعلى رأسها رغبة الكرد في الحصول على تمثيل يناسبهم في أي حكومة سورية مستقبلاً وكذلك رغبتهم في الحصول على حكم ذاتي بصلاحيات واسعة، إلى جانب مراعاة المخاوف الأمنية التركية ومصلحة دمشق في حل الفصائل وإنهاء السيطرة التركية على أجزاء من سوريا.

كما يجب على ألمانيا وشركائها في الاتحاد الأوروبي العمل على ضمان تجديد التزام كل من إسرائيل والحكومة السورية الجديدة باتفاقية وقف إطلاق النار المبرمة عام 1974، وهذا من شأنه أن يجبر إسرائيل على سحب قواتها من المنطقة العازلة ومن جبل الشيخ وإعادة المنطقة لسيطرة قوات مراقبة فض الاشتباك الأممية. كما بوسع برلين وغيرها من شركائها الأوروبيين وبالتشاور مع الولايات المتحدة، تسهيل التواصل بين القيادة السورية وإسرائيل للحد من خطر المواجهات العسكرية، بما أن التواصل أضحى ضرورة نظراً لانتهاء العمل بآلية التنسيق الروسية الإسرائيلية لتجنب الصراع في سوريا.

ويجب على ألمانيا والاتحاد الأوروبي تمهيد السبيل أمام زيادة المساعدات الإنسانية وإعادة إعمار سوريا التي دمرتها الحرب بعد سنين طويلة، وإن تحقيق تحسن سريع في الوضع الاقتصادي السوري يعتبر أمراً مهماً لنشر الاستقرار في البلد، إذ في أواخر شهر كانون الثاني، اتخذ مجلس الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي خطوة في الاتجاه الصحيح عندما صدّق على خريطة طريق من أجل تخفيف العقوبات بشكل تدريجي على القطاعات والمؤسسات في سوريا. وبنهاية شهر شباط، جرى تعليق بعض العقوبات الأوروبية المفروضة على قطاع الطاقة والنقل والقطاع المالي، على الرغم من أنها لم تُرفع بشكل كامل، إذ تعتبر تلك الإجراءات الأولية ضرورية لكنها ليست كافية، لأن العقوبات الأميركية ما تزال تمثل عائقاً رئيسياً أمام إعادة إعمار سوريا وتعافيها على المستوى الاقتصادي، ولذلك يجب على ألمانيا والاتحاد الأوروبي أن يضغطا على واشنطن حتى ترفع تلك العقوبات، وفي حال بقيت تراوح مكانها، عندئذ يجب على ألمانيا والاتحاد الأوروبي الخروج بآليات قابلة للتطبيق وذلك لدعم المساعدات الإنسانية ولتمهيد الطرق أمام التعافي الأولي للبلد، كما تجب إعادة توجيه الأصول المجمدة لنظام الأسد البائد نحو جهود إعادة الإعمار.

وفي الوقت ذاته، يجب أن تبقى العقوبات المفروضة على كبار الشخصيات التابعة لنظام الأسد وهيئة تحرير الشام، وقبل إخراج الهيئة من لوائح الإرهاب في ألمانيا والاتحاد الأوروبي ورفع العقوبات عمن يمثلوها، لا بد لهم من تحقيق شروط واضحة، إذ يجب على حكام دمشق الجدد أن يظهروا ابتعادهم بشكل حقيقي عن الحركة الجهادية، وذلك عبر تعزيز العلاقات الخارجية بشكل سلمي مثلاً، أو عبر منع قيام عنف على أساس طائفي، وفتح تحقيق في المجازر التي ارتكبت في آذار 2025 ومحاكمة مرتكبيها، والالتزام بإقامة عدالة انتقالية شفافة، واحترام لحقوق الإنسان.

ومن جانبهما، يجب على ألمانيا والاتحاد الأوروبي أن يحجما عن الدفع نحو إعادة سريعة للاجئين السوريين المقيمين في أوروبا حالياً، إذ لا يكفي الالتزام بمبدأ العودة الطوعية الآمنة والكريمة، بل أيضاً يجب أن يحل في سوريا ما يكفي من الاستقرار حتى تصبح جاهزة لعودة مواطنيها. ويجب على السياسة الأوروبية أن تولي الأولوية لتمكين اللاجئين على الإسهام بطريقة بناءة ودائمة في إعادة أعمار سوريا، بما أن هذه المساهمة يمكن أن تتم من الخارج. وفي الوقت عينه، ينبغي على ألمانيا دعم مفوضية اللاجئين في تسهيل عمليات العودة الطوعية، وهنا تظهر الحاجة لظهور حل وسط ما بين مصلحة ألمانيا في نشر الاستقرار بسوريا ومصلحتها في قدرتها على ترحيل الإرهابيين والمجرمين على وجه الخصوص، إلى جانب قدرتها على ترحيل السوريين الذين لا يندرجون ضمن هاتين الفئتين.

هذا ويجب على جيش سوريا الجديدة أن يتولى مسؤولية محاربة تنظيم الدولة، بما أنه التزم بذلك من خلال الاتفاق الذي تم التوصل إليه مع تركيا والعراق والأردن في مطلع شباط الماضي. أما مستقبلاً، فلا بد من مراعاة دور سوريا ضمن التحالف الدولي لمحاربة تنظيم الدولة، وفي تلك الأثناء، سيتعين على دمشق معالجة مشكلة السجون والمخيمات التي احتجز فيها مقاتلو التنظيم مع عوائلهم. ويجب على ألمانيا والاتحاد الأوروبي تشجيع الولايات المتحدة على مواصلة دعمها لمحاربة تنظيم الدولة وتمويل مقار الاحتجاز، وفي الوقت ذاته، يجب على الدول الأوروبية أن تحرص على إجلاء مقاتلي تنظيم الدولة الذين يحملون جنسيات أوروبية حتى تجري محاكمتهم في أوطانهم.

وأخيراً، يجب على ألمانيا والاتحاد الأوروبي دعم تشكيل حكومة جامعة قائمة على المشاركة بشكل فاعل وصياغة دستور دائم لسوريا يعكس تنوعها العرقي والديني، لأن ذلك لا يعتبر ضرورياً فحسب من أجل نجاح العملية مستقبلاً، بل أيضاً لمنع إيران من استغلال أي توتر طائفي أو عرقي لمد نفوذها في سوريا، ولهذا السبب وغيره، يجب أن تكون الأولوية المركزية لأوروبا منصبة على الإسهام بإقامة مصالحة اجتماعية وسياسية في سوريا.

* Stiftung Wissenschaft und Politik (SWP) هو المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية، وهو مركز أبحاث مستقل مقره في برلين، ألمانيا. يُعتبر من أبرز مراكز الأبحاث والاستشارات السياسية في أوروبا، ويُقدّم تحليلات ودراسات للحكومة الألمانية والبرلمان (البوندستاغ) حول القضايا الدولية والأمنية.

المصدر: Stiftung Wissenschaft und Politik

 تلفزيون سوريا

 ——————————–

سوريا إلى أين؟/ بكر صدقي

تحديث 21 أذار 2025

من واكب التطورات السياسية في سوريا ما بعد نظام الأسد لا يخفى عليه تخبط المجموعة الحاكمة الجديدة أمام التحديات الهائلة التي خلّفها النظام المخلوع. بات وراءنا الآن أكثر من ثلاثة أشهر لم تسجل خلالها الإدارة الجديدة أي تقدم في أهم الملفات كالأمن والعدالة الانتقالية والسلم الأهلي وتفكيك الفصائل المسلحة وتوحيد الجغرافيا السورية والمجتمع السوري.

لقد انبهرت هذه السلطة بسرعة توليها السلطة في اثني عشر يوماً، وبالقبول العربي والإقليمي والدولي الواسع والسريع بها، كما بقبول غالبية اجتماعية قام قبولها على الالتفاف حول الإنجاز الكبير المتمثل في إسقاط النظام. وفي حين تدين السلطة لسرعة إسقاط النظام بظرف إقليمي استثنائي هو ارتدادات عملية «طوفان الأقصى» وتداعياتها الكارثية، قام القبول العربي ـ الإقليمي ـ الدولي على رغبة الدول المعنية باستعادة الاستقرار الذي طال غيابه 14 عاماً وتسبب بتداعيات خطيرة وصلت آثارها إليها، كمشكلات الإرهاب وتدفق اللاجئين والمخدرات والأعباء الاقتصادية المرتبطة بها. أما القبول السوري العام فكان أساسه الفرح العارم بسقوط النظام وما عناه ذلك من انفتاح الأفق أمام تأسيس جديد يقطع مع الماضي الكارثي، إضافة إلى الأداء المقبول لهيئة تحرير الشام وحلفائها أثناء عملية «ردع العدوان» وبخاصة في مناطق حساسة كحلب ودمشق وجبال الساحل، حيث لم تشهد المعركة عمليات انتقامية واسعة النطاق أو أعمال عنف على أساس طائفي أو تضييقاً واسع النطاق على الحريات العامة والخاصة.

غير أن كل ذلك راح ينقلب إلى تراجع في شعبية الفريق الحاكم بمرور الأيام، بدءاً بمسرحية «مؤتمر الحوار الوطني» الهزلية وصولاً إلى المجازر الطائفية في الساحل مع الأسبوع الأول من شهر آذار الجاري، وأخيراً إصدار الإعلان الدستوري الذي لاقى انتقادات واسعة، فطغى على المشهد السياسي غياب الثقة بين قطاعات واسعة من المجتمع لا تقتصر على العلويين أو الأقليات، مقابل ارتفاع منسوب العدوانية اللفظية لدى مؤيدي السلطة الجديدة في مواجهة أي نقد لمسالكها حتى فيما اعترفت بها هي نفسها وشكلت «لجنة تقصي حقائق» بشأنها. مجمل القول هو أن الرصيد الكبير (المشروط) الذي حصلت عليه السلطة الجديدة في الداخل والخارج آخذ في التآكل كل يوم مع تراجع الآمال التي عقدت على التحول الكبير الذي تمت المراهنة عليه.

لن أدخل في تفاصيل نقد الإعلان الدستوري الذي قام به كثر وشمل مختلف مفرداته، ولكن من الطريف الإشارة إلى بند يتعلق برئاسة الجمهورية حيث ورد فيه شرط يتعلق بدين رئيس الجمهورية من غير أي إشارة إلى جنسيته، ربما لأن اللجنة الدستورية التي عينها الشرع لم تخطر ببالها هذه الثغرة الخطيرة حتى لو تعلقت باحتمال قريب من الصفر. فوفقاً لهذا الشرط يمكن لأي مسلم أن يشغل منصب رئاسة الجمهورية حتى لو كان غير سوري الجنسية، مع العلم أن هيئة تحرير الشام وفصائل جهادية أخرى فيها أعضاء أجانب من جنسيات مختلفة، وبينهم من تم تجنيسهم على عجل وبصورة غير معلنة!

لعل غموض أجندة الفريق الحاكم، وبخاصة قائده أحمد الشرع، في مسائل أساسية كشكل الدولة ونظام الحكم وغيرها، هو ما شجع كثيرين على المراهنة على تغيير لا بد أن يطال برنامجهما الأيديولوجي المعروف القائم على الفكر السلفي والنزعة الطائفية السنية. لكن هذا الغموض لم ينجلِ في الفترة المنصرمة إلا عن أسوأ الكوابيس التي استبعدها السوريون، فتفجر العنف الطائفي واتضحت الميول السلطوية والإقصائية من غير أن يظهر ضوء في نهاية النفق حتى لو كان طويلاً بحكم حجم المشكلات الهائل وضعف وسائل معالجتها.

وعلى رغم هذه المؤشرات المقلقة، يبقى أن السلطة ما زالت ضعيفة وهشة (وهذا بدوره مقلق) وخاضعة لاشتراطات كثيرة أغلبها للأسف خارجي، ستكون مرغمة على التعاطي الإيجابي معها لاستكمال شرعيتها المنقوصة، ولحل مشكلة العقوبات المفروضة على سوريا التي لا تسمح بإطلاق عجلة الاقتصاد، ولا يمكن للسلطة أن تحافظ على ما تبقى لها من شعبية قبل ذلك.

تطفو على السطح، في الحراك الاجتماعي السوري، مشكلة «المكوّنات» التي فشلت السلطة في إدماجها لأنها لم تر في السوريين إلا مكوّنات طائفية وعرقية وثقافية وسعت إلى التحايل عليها بدلاً من معالجتها بروح وطنية. بدا الاتفاق الذي وقعته السلطة مع قسد وكأنه «تاريخي» في أعقاب مأساة أهل الساحل، لكن الإعلان الدستوري بالصورة التي صدر بها قد أضعف من تاريخيته المحتملة، فلا رضيت عنه قسد ولا تيار وازن من دروز السويداء بقيادة الشيخ حكمت الهجري.

لا يمكن للمغمغة بشأن ديمقراطية الدولة وعلمانيتها، وهما شرطان لازمان لقيام دولة في سوريا تمثل جميع مواطنيها، أن تؤسس لهذه الدولة المأمولة، حتى لو تجنب أركان السلطة الكلمتين بذاتهما بحكم الإيديولوجيا التي تحكم تفكيرهم. ما لم تمض السلطة في هذا الاتجاه، ولو بخطوات بطيئة، نخشى سيناريوهات كارثية كتقسيم البلاد أو الحكم بالعنف المعمم مع شعبوية قاتلة. ويحتاج الفريق الحاكم إلى تحالف عريض مع فئات اجتماعية واسعة ليتمكن من تأسيس شرعيته. في حين أن الاستفراد بالسلطة والعجز عن تفكيك الجماعات المسلحة وتوحيد مناطق البلاد هو السائد إلى الآن. سوريا ليست بخير.

كاتب سوري

القدس العربي

——————————-

تداول آراء” في أولى جولات التفاوض بين دمشق و”قسد”/ محمد أمين

21 مارس 2025

بدأت جولات تفاوض بين الحكومة السورية من جهة، و”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) من جهة ثانية، من أجل تنفيذ مضامين اتفاق وُقّع أخيراً بين الطرفين في دمشق، بهدف دمج هذه القوات في المنظومة العسكرية للبلاد، واستعادة الدولة السيطرة على الشمال الشرقي من سورية. فقد عُقدت أولى جولات التفاوض، أمس الأول الأربعاء، بحضور قائد “قسد” مظلوم عبدي، ومسؤولين أميركيين، في القاعدة العسكرية بمدينة الشدادي بريف الحسكة. وبحسب مصادر مطلعة، عقدت ثلاث جلسات خلال الجولة الأولى من مفاوضات دمشق و”قسد” منها جلسة بين الوفد الحكومي وفريق أميركي، من دون مشاركة ممثلين عن “قسد”. وأشارت المصادر نفسها إلى أن الفريق الأميركي ذكر لوفد الحكومة السورية أنهم متعاونون (الجانب الأميركي) بأعلى المستويات لإحلال السلام على الأراضي السورية، وطالب الوفد “قسد” بتعزيز العلاقات مع الحكومة السورية.

من جهته أوضح رئيس اللجنة الحكومية المكلّفة بالتفاوض، حسين السلامة، في تصريحات لـ”تلفزيون سوريا”، مساء أمس الأول، أن “النقاش جرى من منطلق المسؤولية الوطنية، وبإرادة مشتركة تهدف إلى وحدة الأراضي السورية وتشمل جميع المكونات من دون إقصاء أحد”. وأضاف: “اتفقنا خلال الاجتماع الأولى على تشكيل لجان عمل متناظرة تخصصية، ستبدأ عملها بداية شهر إبريل/نيسان المقبل”، موضحاً أن عملها سينحصر على “تقريب وجهات النظر وإعداد خريطة طريق لتوحيد الأراضي السورية”.

في السياق، ذكرت “قسد” في بيان، أمس الأول، أنه “جرى تداول للآراء خلال الاجتماع”، مشيرة إلى أنه تم التطرق خلال الاجتماع للإعلان الدستوري (وقّعه الرئيس السوري أحمد الشرع يوم 13 مارس/ آذار الحالي) والحاجة لعدم إقصاء أي مكون سوري من لعب دوره والمشاركة في رسم مستقبل سورية وكتابة دستور”. وكان الرئيس السوري أحمد الشرع، قد وقّع في دمشق يوم 10 مارس/ آذار الحالي، اتفاقاً مع قائد “قسد”، مظلوم عبدي، نصّ على وحدة الأراضي السورية ورفض التقسيم، وعلى وقف إطلاق النار في كافة الأراضي السورية. كما أكد الاتفاق أن “المجتمع الكردي أصيل في الدولة وحقه مضمون في المواطنة والدستور”. ونص على دمج المؤسسات المدنية والعسكرية شمال شرقي سورية التابعة لـ”قسد”، ضمن إدارة الدولة السورية.

الرفض الكردي للإعلان الدستوري يخيّم على اتفاق “قسد” ودمشق

نزع هذا الاتفاق مع “قسد” فتيل توتر على الساحة السورية منذ سقوط نظام بشار الأسد في الثامن من ديسمبر/ كانون الأول الماضي، وقطع الطريق أمام صدام عسكري كان يخشى منه السوريون لحسم مصير الشمال الشرقي من سورية، الغني بالثروتين الزراعية والنفطية. تعاطت الإدارة الجديدة في سورية مع ملف الشمال الشرقي بالكثير من “الهدوء” لتجنيب البلاد دورة عنف جديدة يمكن أن تجر البلاد إلى صدام واسع النطاق على أساس عرقي. واتفق الطرفان، أي الرئاسة السورية وقوات قسد، على الخطوط العريضة، والمبادئ العامة للاتفاق، إلا أن هناك الكثير من التفاصيل التي ربما ستتطلب جولات كثيرة من التفاوض لحسمها، خصوصاً لجهة الوضع النهائي لقوات قسد التي تطالب بدخول الجيش السوري كتلةً واحدة وبقائها الجهة المسيطرة على الشمال الشرقي من سورية.

ملف المقاتلين الأجانب

في المقابل، تصر الإدارة السورية على دخول إفرادي لعناصر هذه القوات التي تسيطر عليها “وحدات حماية الشعب” الكردية، والتي يُنظر إليها على أنها الذراع السورية لحزب العمال الكردستاني، والذي ما تزال كوادره تتحكم بالكثير من مفاصل القرار في شمال شرقي سورية. وربما سيكون ملف المقاتلين الأجانب في صفوف “قسد” والمنتمين إلى “العمال الكردستاني”، معضلة أمام إنجاز اتفاق نهائي بين دمشق و”قسد”. فقد أكد قياديون في تلك القوات، بمن فيهم مظلوم عبدي، أن هؤلاء المقاتلين سيغادرون سورية في حال إتمام الاتفاق مع دمشق. ولا معلومات وإحصائيات يمكن الركون إليها عن عدد المسلحين الأجانب في صفوف “قسد”، إلا أن تقارير إعلامية تتحدث عن ثلاثة آلاف عنصر من أكراد العراق وتركيا وإيران، دخلوا سورية على مراحل. وتصر الإدارة السورية على خروج هؤلاء المسلحين من الأراضي السورية لتفادي تهديدات تركية بالتدخل العسكري في الشمال السوري لإجبار “قسد” على تسليم السلاح.

وقد زوّد التحالف الدولي ضد الإرهاب بقيادة الولايات المتحدة “قسد” بأسلحة نوعية خلال الحرب التي خاضتها هذه القوات ضد تنظيم داعش منذ تأسيسها في عام 2015، وصولاً إلى مطلع عام 2019، حين أُعلن عن هزيمة التنظيم في منطقة شرقي نهر الفرات. ومن المرجّح أن يكون مصير هذا السلاح، خصوصاً الثقيل منه من المسائل التي ستطيل عمر المفاوضات، لا سيما أن “قسد” تريد الاحتفاظ بسلاحها. وكان الاتفاق الذي أبرم بين الرئاسة السورية و”قسد” قد نصّ أيضاً على “دعم الدولة السورية في مكافحتها فلول الأسد، وكافة التهديدات التي تهدد أمنها ووحدتها”، لذا من المتوقع أن تُسند إلى “قسد” مهام من وزارة الدفاع السورية خارج الشمال الشرقي من سورية، في حال التوصل لآليات تنفيذ الاتفاق. ورغم أن الاتفاق بين دمشق و”قسد” ذو طابع عسكري، إلا أنه من المتوقع أن تحاول هذه القوات ربط تنفيذ الاتفاق بالحصول على مكاسب سياسية للأكراد السوريين، في الدستور الدائم الذي من المفترض إنجازه في منتصف المرحلة الانتقالية والمقدرة بنحو خمس سنوات.

عراقيل أمام اتفاق دمشق و”قسد”

رأى المحلل السياسي المقرب من الإدارة الذاتية (شمال شرقي سورية)، إبراهيم مسلم، في حديث مع “العربي الجديد”، أن هناك عراقيل أمام تنفيذ الاتفاق الذي وُقّع بين الشرع وعبدي “منها القصف المتكرر من قبل الجانب التركي على الشمال السوري وعدم اتخاذ الإدارة الجديدة موقفاً رافضاً لهذا القصف الذي يفضي إلى مقتل مدنيين”. وبرأيه “هناك خطاب كراهية تجاه الأكراد في سورية، أعتقد أنه سيكون إحدى العراقيل أمام الاتفاق”، مضيفاً أن “قسد قدمت تنازلات من أجل الاتفاق، ولكن تنفيذه يحتاج إلى وقت، فالأمر مرتبط بالظروف الإقليمية والدولية المحيطة بالملف السوري”.

عناصر من “قسد” بدير الزور،4 سبتمبر 2023(دليل سليمان/فرانس برس)

وفي السياق، رأى المحلل السياسي بسام السليمان، في حديث مع “العربي الجديد”، أن “أصعب القضايا كما يبدو لي هي دمج قوات قسد في الجيش السوري الجديد”. وباعتقاده فإن “ملف الإدارة الذاتية التي شكلتها قسد سيكون من القضايا الصعبة، خصوصاً أن لدى هذه الإدارة نحو 150 ألف موظف يجب دمجهم في مؤسسات الدولة”. كما اعتبر أن ملف “داعش” ومواجهته، فضلاً عن إدارة السجون التي تضم أسرى التنظيم سيكون حاضراً بقوة على طاولة التفاوض بين دمشق و”قسد”. وبرأيه فإن “الحضور الأميركي في هذا الملف سيظل موجوداً ريثما ينتهي ملف التنظيم بشكل كامل، سواء أنجز اتفاق بين دمشق وقسد أو لم ينجز”. وتوقع السليمان أن يكون مسار التفاوض طويلاً بين الطرفين، موضحاً أن “اتفاق دمشق كان اتفاقاً على المبادئ”، والأمر “يحتاج إلى الكثير من الحوار وخطوات بناء الثقة المتبادلة”.

العربي الجديد

——————————

مخاوف كردية بعد الإعلان الدستوري ومجازر الساحل السوري/ شفان ابراهيم

20.03.2025

مجازر الساحل التي تعتبر الانتكاسة الأكبر للوضع السوري الحالي، تركت مختلف المكوّنات السورية، خصوصاً الكردية المتمركزة في الشمال، في حال من القلق من احتمالات حدوث مواجهات مماثلة.

أعادت مجازر الساحل السوري الأخيرة التي استمرّت أياماً، وأدّت إلى مقتل المئات وفرار الآلاف من العلويين، إحياء هواجس تتعلّق بالهوية والانتماء.

 تقول شيرين عبد الله، وهي طالبة طب في جامعة اللاذقية، وناجية من المجازر: “لا يُمكن أن تكون المشاهد المروعة طبيعية”، وتضيف: “صوت الرصاص لا يزال يطنّ في أذنيّ، وأصوات الأمهات النائحات، وما زلت أرى الجثث المتناثرة والدماء في كل مكان، لن أنسى هذا أبداً”.

تتحدّث شيرين عن أعمال قتل بخلفية طائفية، حصلت في مناطق الساحل التي يتمركز فيها العلويون، ارتكبتها مجموعات متشدّدة محسوبة على القيادة الجديدة في دمشق، رداً على كمين نفّذه مسلّحون محسوبون على نظام الأسد المخلوع، قتلوا فيه نحو مئتي مقاتل من قوات الأمن السوري، ما أشعل حملة انتقام شعواء تحوّلت إلى مجزرة.

يقول الناشط أمين أمين متحدّثاً عبر الهاتف من اللاذقية: “قتلوهم على الهويّة، فقط لأنهم علويون، القصاص العادل لفلول النظام أمر مهمّ وعادل، لكنه تحوّل إلى شمّاعة، لا يجوز تحميل العلويين جريرة أعمال النظام البائد”.

انتهاء العملية العسكرية لا يعني انتهاء الخوف

لا تزال مناطق الساحل السوري وسوريا عموماً، تعيش تحت وطأة المجزرة، التي يُقدّر عدد ضحاياها بنحو ألف، ورغم مرور أكثر من عشرة أيام عليها، وإعلان القيادة السورية استتباب الأمن في الساحل، وتشكيل لجنة تحقيق، لا تزال المنطقة في حالة صدمة، في حين تفرض السلطات تشديدات أمنية على قاصدي مناطق الساحل، مما أدّى إلى غياب التغطية الإعلامية، إلا من الإعلام المحسوب على القيادة السورية.

مجازر الساحل التي تعتبر الانتكاسة الأكبر للوضع السوري الحالي، تركت مختلف المكوّنات السورية، خصوصاً الكردية المتمركزة في الشمال، في حال من القلق من احتمالات حدوث مواجهات مماثلة.

كان لافتاً توقيع اتفاق بين الرئيس السوري أحمد الشرع وقائد “قوّات سوريا الديمقراطية” مظلوم عبدي، بعدها مباشرة، في خطوة اعتُبرت مهمّة في سبيل توحيد البلاد، لكن هذا لم يمنع عدداً من التنظيمات الكردية من الإعراب عن مخاوفها، من احتمال تمدّد العنف تحت ذريعة مواجهة فلول الأسد.

من ناحيته، حمّل “المجلس الكردي” في سوريا النظام السابق مسؤولية ما يجري، داعياً إلى “تحقيق العدالة والمساواة وحماية المدنيين والأمن العام”.

فلطالما جرّد النظام السوري السابق الكرد من حقّ المواطنة لأسباب سياسية واقتصادية، والإحصاء الاستثنائي الذي أجراه نظام حافظ الأسد في محافظة الحسكة شمال البلاد، شاهد على ذلك، وهناك مخاوف من تطبيق سياسات مشابهة في ظل الحكومة الانتقالية الجديدة.

إضافة إلى ذلك، فقد شكّل الإعلان الدستوري، خيبة أمل لعدد من القوى الكردية الأخرى، حيث اعتبرته استمراراً لسياسة الإقصاء والتهميش، التي اتّبعها نظام البعث المخلوع ضد الكرد.

إعلان دستوري لا يحترم حق المواطنة

أثار مضمون الإعلان الدستوري الكثير من الهواجس والانتقادات من قبل مكوّنات سورية، خاصة لجهة تحديد دين رئيس الجمهورية، وحصر هويّة الدولة السورية بالعربية، والاقتصار على اللغة العربية كلغة رسمية وحيدة في البلاد.

المدير التنفيذي لـ “المرصد الآشوري لحقوق الإنسان” جميل دياربكرلي، اعتبر في تصريح لـ”درج” أن الإعلان الدستوري “يمثّل انتهاكاً صارخاً لأحد أقدس المبادئ الإنسانية، ألا وهو مبدأ المواطنة المتساوية. هذا الإعلان لا يُقسّم السوريين إلى درجات فحسب، بل ينسف أسس الدولة المدنية الحديثة، التي يجب أن تقوم على المساواة التامّة بين جميع مواطنيها”، ورأى أن “حرمان غير المسلمين من حقّ الترشّح لرئاسة الجمهورية هو تمييز سافر، ينفي عنهم صفة المواطنة الكاملة، ويجعلهم رعايا من الدرجة الثانية، لا بل العاشرة، وكذلك الأمر بالنسبة إلى المكوّنات القومية غير العربية، التي يُنتقص من حقوقها ويُحصر وجودها في إطار ثقافي ضيّق، وكأن أبناءها ليسوا جزءاً أصيلاً من النسيج السوري”.

يصف دياربكرلي الإعلان الدستوري أيضاً بأنه “وثيقة قانونية، بل صكّ تفرقة عنصرية، يُعيد سوريا إلى عصور الظلام، حيث تسود قوانين التمييز والإقصاء، والأخطر من ذلك، أنه يكشف عن نزعة استئثارية لدى القيادة الجديدة، تسعى إلى احتكار السلطة، وتطبيق نموذجها المتطرّف في عموم سوريا، تماماً كما فعلت جبهة النصرة في مناطق سيطرتها”.

الرأي القانوني لكرد سوريا

بحسب حقوقيين وقانونيين كرد، فإن الإعلان الدستوري يُسيء لمفهوم الدولة الوطنية والمواطنة الكاملة، كونه “لم يعترف بالكرد كثاني قومية في البلاد، ولم يتمّ ذكر أن سوريا بلد متعدّد القوميات والأديان… كما أنه حصر كامل السلطة بيد رئيس الدولة، ومنحه صلاحيات تُشبه إلى حد بعيد صلاحيات الحاكم العرفي، إضافة إلى أنه أسقط مبدأ فصل السلطات، الذي يُعتبَر ضمانة لحُسن سير العملية السياسية، علاوة على أن التوجّه العروبي البعثي واضح في اسم الدولة، ويُوحي بوجود حكم شديد المركزية، ولا يعترف دستورياً بأي مكوّن آخر…”.

عضو الأمانة العامة لـ “المجلس الكردي” أكرم حسين، أبدى تخوّفه على مصير البلاد ومستقبلها، معتبراً أن “الإعلان الدستوري يتجاهل التعدّدية القومية بشكل واضح، حيث يصف سوريا بأنها جمهورية عربية، من دون الاعتراف بالكرد أو القوميات الأخرى”، وأشار إلى أن “تعيين أعضاء مجلس الشعب من قِبل الرئيس، بدل انتخابهم في المؤتمر الوطني السوري الذي كان ينبغي عقده، يُفقد المجلس شرعيته الشعبية، ويُكرّس المركزية، مما يُعيد إنتاج النظام القديم”، كما انتقد حسين النصوص المتعلّقة بالحقوق والحريات، واصفاً إيّاها بأنها “جاءت فضفاضة وغير محدّدة بآليات تطبيق واضحة، مما يترك مجالاً لتقييدها مستقبلاً، في حين أن تضمين العدالة الانتقالية في الإعلان، هو خطوة إيجابية، لكنها بحاجة إلى آليات ملموسة لضمان المحاسبة وإنصاف الضحايا”.

يُثني حسين على الجوانب الإيجابية التي أتت في الإعلان الدستوري مثل “استقلال القضاء وحلّ محاكم الإرهاب”، لكنه يرى أن الإعلان بشكله الحالي “لم يقدّم حلاً شاملاً للأزمة السورية، ولم يقدّم ضمانات حقيقية للشراكة الوطنية للمكوّنات غير العربية، بخاصة الكرد، حيث حصر دين رئيس الدولة بالإسلام، وجعل الفقه الإسلامي مصدراً رئيسياً للتشريع، مما يُخلّ بمبدأ المواطنة المتساوية، ويؤدّي إلى إقصاء الأقليات الدينية الأخرى وتهميشها، لأن الدولة يجب أن تكون حيادية تجاه الأديان، وهناك تركيز للسلطة التنفيذية بيد الرئيس، من دون أي ذكر للا مركزية السياسية أو الإدارية”.

الموقف الرسمي من الإعلان الدستوري

وتتشابه مواقف “المنظّمة الثورية الديمقراطية” و”المجلس الوطني الكردي” من الإعلان الدستوري، حيث أكدت أربعة مصادر من الطرفين، رفض الإعلان الدستوري بصيغته النهائية على اعتباره “لا يُلبّي تطلّعات الشعب السوري في بناء دولة المواطنة والديمقراطية، بل يعكس استمراراً لنهج الإقصاء والتهميش بحقّ المكوّنات القومية والدينية السورية، ويكرّس مبدأ عدم المساواة بين المواطنين”، كما سجّلت اعتراضها على “اسم الدولة وتجاهُل التعدّدية القومية، واشتراط الإسلام ديناً لرئيس الجمهورية، واعتبار الفقه الإسلامي المصدر الرئيسي للتشريع، وتجاهُل المكوّنات القومية والدينية غير العربية وغير المسلمة، وإغفال الدور السياسي للمرأة، ومنح صلاحيات واسعة جداً لرئيس الجمهورية”.

درج

———————————

قسد” ودمشق .. مصالحة شاملة أم اتفاقات مؤقتة؟

الحرة – واشنطن

21 مارس 2025

تباينت ردود فعل السوريين حول أهمية الاتفاق الأخير بين قوات سوريا الديمقراطية “قسد” ووفد من دمشق حول ضرورة وقف النار وتأثير ذلك على الوضع في البلاد.

فبينما يرى البعض أن هذا الاتفاق خطوة هامة نحو توحيد الصفوف وتعزيز الموقف السوري في مواجهة التحديات الإقليمية، يعتبر آخرون أنه لا يزال يواجه تحديات كبيرة بسبب استمرار الدعم التركي لفصائل مسلحة من جهة، ومن جهة أخرى، وعدم مشاركة مكونات أخرى في العملية السياسية.

ومع تعهدات بوقف الصراع، تبقى الأسئلة حول مدى جدية التنفيذ والتزام جميع الأطراف مطروحة.

وحدة الصف .. تعزيز لموقف دمشق

فراس الخالدي، منسق منصة القاهرة وأمين عام شباب الحراك الثوري، من دمشق، قال في حديثه لقناة “الحرة” إن رئيس الإدارة السورية الجديدة، أحمد الشرع، كان حريصًا منذ البداية على التأكيد على أهمية الحفاظ على سوريا “كيانًا واحدًا لا يتجزأ، أرضًا وشعبًا”.

وأوضح الخالدي أن الأزمة في شمال شرق سوريا جاءت نتيجة تعاطي الأكراد مع نظام قمعي على مدار 50 عامًا، حاول من خلاله تهميشهم وانتهاك حقوقهم.

وأضاف أن السلطات السورية الجديدة تتبنى منطقًا مختلفًا، يعتمد على المساواة، وأن سوريا هي لجميع أبنائها دون تمييز بين مكونات الشعب.

وأشار الخالدي إلى أن توحيد الصفوف بين قسد ودمشق سيعزز موقف الحكومة السورية الجديدة، ويجعلها أكثر قدرة على الضغط على أنقرة لوقف الهجمات التي تستهدف المناطق في شمال شرق سوريا.

وبيّن أن الإدارة السورية الجديدة جادة في تعهداتها بوقف الصراع ومنع أي جهة، “مهما كانت”، من الاستمرار في الاقتتال.

كما ذكر أن الشرع كرر مرارًا أن “الدم السوري حرام”، وأن حل المشاكل السورية مرتبط بوحدة الصف ودعم المكونات المختلفة للحكومة الجديدة.

وأضاف الخالدي أن عدم مشاركة جميع الأطراف السورية في العملية السياسية لا يعني إقصاءً لها، بل إن المرحلة الحالية تتطلب آلية مختلفة للتعامل مع العقلية السياسية، موضحًا أن “نحن في مرحلة بناء دولة، حكم، توفير الأمن، وتعزيز الاقتصاد، ومن ثم تأتي مرحلة الحقوق وتشريع القوانين”.

وأكد أن التحديات الحالية أهم من المطالب المتعلقة بالمحاصصة والمشاركة في العملية السياسية.

الاقصاء .. مشكلة تعقد الأزمة

فوزة يوسف، عضو الهيئة الرئاسية لحزب الاتحاد الديمقراطي من القامشلي، قالت بدورها لقناة “الحرة” إن قسد والإدارة السورية الجديدة في دمشق لديهما رؤى موحدة بشأن أهمية وقف القتال ومنع حدوث صدامات عسكرية في عموم سوريا.

وأوضحت أن الاتفاقية الأخيرة قد رسخت هذه الرؤى بشكل أكبر، لكنها أضافت أن هناك مشكلة كبيرة تتمثل في وجود فصائل مسلحة موالية لتركيا، ما زالت تهاجم مناطق في شمال شرق سوريا، مثل سد تشرين.

وأعربت يوسف عن أسفها لاستمرار القتال رغم الجهود المبذولة لوقفه، مشيرة إلى أن هذا التصعيد يمس سيادة سوريا، ولفتت إلى أن توسع النفوذ التركي بعد سقوط نظام الأسد سيكون له تأثير كبير على موقف دمشق.

وأوضحت أنه على الرغم من وعود السلطات السورية الجديدة بالتدخل، وطلبها من الجانب التركي وقف هذه الهجمات، إلا أن الواقع على الأرض لم يتغير، “والأزمة ما زالت مستمرة بدون حل”.

وأضافت يوسف أن وحدة الصف التي تدعو إليها دمشق لا يمكن أن تتحقق من طرف واحد، بدليل عدم مشاركة المكونات السورية الأخرى في الحكومة الانتقالية واللجنة الدستورية.

وأكدت أن سياسة الإقصاء والتهميش التي تنتهجها دمشق ستجعل موقف هذه الحكومة ضعيفًا.

وفي الختام، أوضحت يوسف أن توقيع الاتفاقية الأخيرة لا يعني “نهاية المشاكل، بل هو بداية حسنة وتأكيد على موقف قسد المبدئي”.

وأعلنت “قوات سوريا الديمقراطية” الأربعاء أنها اتفقت مع وفد دمشق على ضرورة وقف النار في كامل سوريا، وذلك خلال لقاء جمع القائد العام لقواتها مظلوم عبدي ولجنة من الإدارة السورية.

وجرى خلال الاجتماع مناقشة آلية عمل اللجان والتي من المقرر أن تبدأ العمل بشكل مشترك مع بداية شهر إبريل.

كما تطرق الاجتماع للإعلان الدستوري والحاجة لعدم إقصاء أي مكون سوري من لعب دوره والمشاركة في رسم مستقبل سوريا وكتابة دستور، وتوقف الاجتماع مطولاً على ضرورة وقف إطلاق النار على كامل الأراضي السورية.

    القائد العام لقواتنا يستقبل لجنة من الإدارة السورية

    اجتمع القائد العام لقواتنا “مظلوم عبدي”، اليوم، الأربعاء، مع اللجنة التي شكّلها الرئيس السوري “أحمد الشرع” لاستكمال الاتفاق بين الإدارة السورية وقوات سوريا الديمقراطية.

    شارك في الاجتماع عضو القيادة العامة لوحدات حماية المرأة…

    — Syrian Democratic Forces (@SDF_Syria) March 19, 2025

تأتي هذه التطورات بعد أيام من إعلان الرئاسة السورية أن “قسد” التي تسيطر على جزء كبير من شمال شرق البلاد وقعت اتفاقا للانضمام مع مؤسسات الدولة الجديدة.

ويقضي الاتفاق بدمج المؤسسات المدنية والعسكرية التي تسيطر عليها قسد بمشال شرق البلاد مع الدولة، مع وضع المعابر الحدودية والمطار وحقول النفط والغاز تحت سيطرة دمشق.

وعبر سوريون بعد هذا الاتفاق عن أملهم بتحسن الواقع الخدمي والمعيشي المتردي في البلاد بعد 14 عاما من حرب طاحنة.

الحرة – واشنطن

————————————–

مقاومة النقص: عن الصدع بين قامشلي وقامشلو/ دارا عبدالله

21-03-2025

        في شتاء عام 1995، دخل والدي، نواف عبدالله، والسياسي الكردي الراحل إسماعيل عمر إلى بيتنا مُحمّلين بمجموعة من صناديق الكرتون. في غرفة الضيوف، رُكِّب الكمبيوتر الذي يجب أن يبقى خبر وجوده في البيت سراً. مع الكمبيوتر، توجد طابعة ليزريّة، تُغطَّى بقطعة قماش، والطابعة سرّ أخطر من سر الكمبيوتر، وهي آخرُ ما يُفشَى. حتّى عام 2005، كان بيتنا في القامشلي، حوشاً عربياً كبيراً فيه شجرة برتقال ثمارها تصلح للعصير فقط، ودالية ضخمة، وينتهي هذا الحوش بـ4 غرف طينية. إثر الحتّ والتآكل والذوبان المستمر الذي تسببه الأمطار، تحتاج البيوت الطينية إلى طيانة سنوية، لأنّ ترقُّق السقف يزيد احتمالات الرشح من الأعلى. لم يكن نادراً أن ترى في إحدى غرف البيت طاسة مياه تستوعب القطرات الهاطلة من موضعٍ هَزُل فيه السقف، والمسافة الزمنية بين القطرات تكون أحياناً 30 ثانية، وتضيق اضطراداً مع تعمّق النخر. يوم الطيانة جنّة كل طفل، إذ تختفي القوانين وتغيب معايير النظافة، ويزول الفرق بين الداخل والخارج، ونتلذذ بلدغات القشّ على القدمين عند الدعس على الطين. في يوم الطيانة، كان من الضروري التفكير بالكمبيوتر، وذلك بأنّ يكون السقف فوقه في غرفة الضيوف مدعوماً بالطين أكثر كي تقلّ احتمالات الرشح.

        مع دخول الكمبيوتر، توضَّح أكثر الدور القيادي لوالدي في حزب الوحدة الديمقراطي الكردي (يكيتي) في سوريا، وصار الوجود الصميمي، والذي لا توجد له أيّ بداية في ذاكرتي، لإسماعيل عمر، أبو شيار، في بيتنا مفهوماً. لحزب الوحدة منشورات سياسيّة وثقافيّة باللغتَيْن الكرديّة والعربيّة؛ باللغة العربية نشرة حزبيّة شهريّة اعتياديّة (فيها افتتاحية يكتبها أبو شيار، وأحياناً والدي) ومجلّة «الحوار» الثقافية الفصلية، وهي المعادل الموضوعي لموقع «الجمهورية» في الصحافة الكردية في التسعينيات وحتى منتصف الألفية، إذ كانت المجلّة تنشر أبحاثاً معمقة ومقالات طويلة. وباللغة الكردية، يُصدر حزب الوحدة مجلتي Newroz وPires (وتعني سؤال بالكردي). الطابعة لا تطبع هذا فقط، بل كل البيانات العاجلة والمنشورات الاستثنائيّة والمواقف المشتركة مع الأحزاب الأخرى، سواء الأحزاب الكردية أو أحزاب المعارضة السورية العربية.

        لمدة، كانت تستمرُّ أحياناً ليلتَيْن، كان بيتا يتحوّل إلى ورشة عمل صحفية: أبو شيار يكتب بيده ويختار ويصحح ويدقق، وأبي ينسّق على «الوورد» ويناقش ويدقق ويمازح. في النهاية، كانت تتشكّل كومة زائدة من الأوراق لنصوص عُدّلت أو لنسخٍ مكررة. تُرسَل النسخ النظيفة إلى المطبعة السرية، ولكن الكمبيوتر في غرفة الضيوف كان دوماً مصدر النسخة الأولى، وتوضَع واحدة احتياط على القرص المرن (موقعه التطوّري يشبه قِدَم موقع «المنجل» في عالم التكنولوجيا الزراعية). في الليل، كان والدي يجمع الأوراق في الحَوْش، لأنّ اكتشافها في أي مداهمة يعني غياباً عنّا لسنوات، والحريق في الحوش يشير إلى أنّ نهاية الشهر قد حلّت، ورؤية الرماد، تعني أنّ النسخ الأولى قد خرجت.

        على إيقاع عبارة سيمون دي بوفوار: «لا تولد كردياً… بل تصبح كردياً». يزولُ الضباب من إشكالية أنّك كرديّ بالتوازي مع نموّك السياسي: الصراع داخل الكلمة بين قامشلي وقامشلو، والأمكنة التي فُصِلَت عن أسمائها، إذْ تمّ تحوير اسم بلدة «تربي سبي» لتصبح «القحطانية»، وعين العرب عمياء، لأنّ نسبة العرب لم تتجاوز 10 بالمئة داخلها، وهي في عين 90 بالمئة من سكانها كوباني؛ الُمقاطعون اجتماعياً مَنْ لا يدعسُ أحد عتبة بابهم، وأعراسهم صغيرة وخيم عزائهم فارغة، لأنّهم بعثيون؛ القتلى الدائمون في عيد النيروز، واللغة الكردية التي يجب تُوشْوَش في المؤسسات، إذْ ربما يُقال لك أن تصمت، وألا تُشغّل هذا «اللسان الأعوج» مجدّداً. تصبح كردياً لمّا تفهم أنّ أولاد عمتك لا يكملون التعليم العالي لأنهم مكتومو القيد، ممن شملهم الإحصاء الإبادي الذي جرى عام 1962، واستهدف بشكل مخصوص الأكراد السوريين. رغم أنّ عمتك كانت «مواطنة»، إلا أنّ زواجها من كردي طارئِ مكتومٍ ثبَّط «مواطنتها»، ونقلت عبر مشيمتها «كتم» زوجها إلى أولادها. أحدهما، إمّا الأب أو الأم، كافٍ لنقل صفتَي «الكتم» أو «الأجنبية» إلى الذريّة.

        قسَّمَ قانون إحصاء الحسكة الأكراد السوريين إلى ثلاث فئاتٍ تتمتّع بثلاث درجات متفاوتة من الحقوق. تم اختيار عام 1945 كمعيار. وفي عام 1962، مَن استطاع إثباتَ إقامته في البلاد قبل عام 1945 حصل على الجنسية السورية، ومن ذهب إلى الدوائر البيروقراطية للدولة البعثية وسجّل نفسه في القوائم ونجح في إثبات «سوريته»، ولكنه فشل في إثبات عمقه الزمني قبل عام 1945، صار «أجنبياً»، ومن لم يُدرَج في أي قائمة أو فشل في إثبات «سوريته»، صار «مكتوم القيد». هنا نقطة توقُّف على حقيقة تاريخيّة: حصلت سلسلةٌ من الهجرات الكردية من تركيا إلى سوريا بعد ثلاثة أحداث سياسية وانتفاضات شعبية في المناطق الكردية داخل تركيا. لدينا ثلاث هجرات أساسية: هجرات ثورة الشيخ سعيد بين عامي 1925 و1927، وهجرات ثورة آرارات عام 1930، وهجرات انتفاضة ديرسم بين عامي 1937 و1938. أزعمُ بأنّه، حتّى الآن، لا توجد أرقام دقيقة للهجرات الثلاث مجتمعة، ولكن الأعداد تُقدَّر بعشرات الآلاف. أخوالُ والدي، أكراد يقيمون في تركيا. الهجرات لم تكن إلى القامشلي وعفرين وكوباني فقط، بل كانت حقنة في كلّ الجسد السوري، وأدت إلى تطوير أنماط مختلفة من الهوية الكرديّة. من استقروا في دمشق، طوّروا هوية كردية صارَت أصلاً اجتماعياً وفترة في النسب، غير مُحفّزة سياسياً ومُنحّاة لصالح هوية شامية محافظة، ومن استقروا في الجزيرة تديّنوا بشكل أقلّ، وتوزّعوا بين الأحزاب الشيوعية والأحزاب القومية.

        مكتومو القيد، الجريمة طويلة الأمد، هم الوجه الإبادي الدائم للبعثية الإقصائية، إذْ يُعبَّر عنهم رسمياً بورقة من مختار الحي فقط. يولد مكتومو القيد ميّتين، وهم جماعة وجدوا فقط كي يذكَّروا بشكل دائم بأنهم غير موجودين. مجموعة قُتِلَ تمثيلها مع إبقائها معتقلة وحبيسة وضعية الصامت، إذْ أنّها ممنوعة من إصدار أي جواز سفر، ومطمورة في مكانها للأبد. تبتلعُ التربة موتاها دون أوراق ثبوتية، ويُذكَر أفرادها فقط في قصص أبنائهم. الفرق بين الأجانب ومكتومي القيد هو فرقٌ بالحقوق الناقصة. غير مُعتَرِفٌ بالمكتوم مطلقاً، في حين ثمّة التفاتةٌ بطرف العين إلى الأجنبي. المكتومون مُجمّدون مكانياً، لا يحقّ لهم التحرّك، وممنوعون من التعليم والعمل في القطاعين العام والخاص. الأجانب مُبعدون فقط من القطاع العام، ويحقّ لهم التعليم المشروط والحركة داخل القطر العربي السوري، ولكنهم، مثل مكتومي القيد، ممنوعون من جواز السفر وتسجيل الملكية. مكتومو القيد ممنوعون حتّى من تسجيل أطفالهم، ليتضخّم الورم السرطاني متفشياً في كل الجسد السوري.

        من أحد ملامح قسوة سوريا أنّ كلمة «البويجية»، المهنة التي كانت مصيراً لمكتومين كُثر، صارت نعتاً قومياً عنصرياً. عدد الأجانب والمكتومين قُدِّر بـ600 ألف إنسان عام 2011.  تقسيم الأكراد السوريين إلى ثلاث فئات متفاوتة في نقصها، خلَق ما يمكن أن يسمّى بـ«وعي مشوه للنقص» في الشخصيّة السياسيّة الكرديّة السوريّة؛ لمّا يتمعّن الأجنبي في وضع المكتوم يرى الجانب الملآن من الكاسة ويعضّ على جرحه، ولما يرى المُجنَّس وضع الاثنين يتحوّل نقصه إلى كمال. المجنّس يتفرّج كيف أنّ المكتوم غريق، وكيف يتمّ إيهام الأجنبي بالغرق. السياسة الكردية السوريّة هي مقاومة هذا الوعي المشوّه بالنقص، عبر تحويل قضية الأجانب ومكتومي القيد الأكراد في سوريا إلى قضية نضالية، سورية وطنية وقومية كردية، عاجلة وملحة. السياسة في سوريا، يجب أن تكون مُقاوِمَة لعملية خلق الوعي المشوّه بالنقص التي يحاول النظام فرضها على الصعيد الوطني، وذلك بالسعي إلى سوريا لا أحد ناقص فيها.

        مسار أن تصبح كردياً ليس مسار تعلُّم ما يجب أن تقوله، بل مسار امتلاك مهارة الادعاء الدائم، وتعلّم ما لا يجب أن تقوله. هنا ثمّة فرق؛ ما يجب أن تقوله هو الهراء الممنهج والإنكار الذاتي، في حين ما لا يجب أن تقوله، هو بالضبط ما يشكّلك. درجة الصمت المطلوبة من الكردي السوري أعمق وأشمل وأكثر جذريّة، إذْ أنَّ السوريّ غير الكرديّ ينكرُ نفسه أمام النظام فقط، في حين أنّ الكردي السوري ينكر نفسه أمام الجميع. الكردي السوري هو مكتوم الروح، الشبح الصامت خلف النافذة البعثية المفيّمة، حيث لا يكتملُ إلا في صمته.

        الحدث السياسيّ المؤسّس لأبناء جيلي، أي مَنْ هم في منتصف الثلاثينيات الآن، من الأكراد السوريين، هي انتفاضة آذار (مارس) 2004. في 11 آذار، أي قبل يومٍ من المظاهرة الكبرى، كنّا في زيارة عائليّة دوريّة إلى بلدة اليعربية – تل كوجر حيث بيت جدّي من طرف أمي. على الأقل 15 بالمئة من طفولتي كانت في اليعربية، وهي آخر بلدة حدوديّة على الحدود السورية العراقية، وتقابلها في الجهة العراقيّة بلدة ربيعة. على الخط الحدودي توجد شاخصة صورية، على وجهها السوري صورة لحافظ الأسد، وعلى وجهها العراقي صورة لصدام حسين. تبدو صورة حافظ إدراجاً متعمداً ونشازاً سياسياً لأنّ شعبية أبو عديّ أمامه وخلفه. تلقّى والدي اتصالاً بضرورة العودة إلى قامشلو لأنّ الوضع على شفا الانفجار والمدينة تغلي.

        لم ندرك طبيعة الأمر، خصوصاً أنّ أحداث الشغب بين جمهوري نادي الفتوة ونادي الجهاد هي أمر اعتيادي. مشجّعو كرة القدم هم الوجه الفاشي للجماعات، إذْ كأنّ ذوبان الفرد واختفاءه في حشد المشجعين يقلل من الرقابة الذاتيّة ويخرُج مكبوت الجماعة المسكوت عنه. الفتوة هو فريق دير الزور، وبالتالي تعبيرٌ عن النرجسية الجريحة بسقوط الصداميّة، والجهاد هو نادي العصب الكردي، وبالتالي تعبير عن التنهيدة الكردية بزوال الصدامية وتحقق البارزانية. عدنا إلى قامشلو التي تبعد 100 كيلومتر عن اليعربية لنجد الناس مجتمعين في المشافي يبحثون عن قتلاهم، والأمّهات يندبن أطفالهنّ والنيران تخرج من بعض السيارات… هنالك قتلى بالعشرات.

        في اليوم التالي، خرجت أكبرُ مظاهرة سياسية في تاريخ الأكراد السوريين على الإطلاق. حشود الناس تكدّست من جامع قاسمو حتّى دوّار العنترية، أي من شرق المدينة إلى غربها، ولم يكن المشي ممكناً لأنّ كلّ المسافة التي من المفترض أن يمشيها المتظاهرون امتلأت بالناس فعلاً. فتح النظام النار وقتل في يومين عشرات الشباب، وزجّ بالآلاف في السجون، اختفى الكثيرون منهم تحت التعذيب لاحقاً، و«انتحر» أكثر من 25 مجند كردي سوري في الجيش، وفُصل المئات من وظائفهم، ومشّطت اتحادات الطلبة في الجامعات بحثاً عن الطلاب الأكراد. يوم واحدٌ في تاريخ جماعة غيّر مستقبلها السياسي للأبد، كيف لا وقد أسقطوا ثلاثة تماثيل: حافظ وهو يرفرف بيده، وبشار بالبدلة العسكرية والنظارات الشمسية، وباسل على الحصان.

        فيديوهات هدم التماثيل مع العبارات باللغة الكردية المعبرة عن اللعنة الأبدية وشفاء الغليل هي ذروة النشوة السياسية لانتفاضة آذار. لم يحرّك المشهد باقي السوريين سياسياً، لأنّ الأبد أسُقِط باللغة الكردية. الارتياب من اليد الكرديّة في الإسقاط، تغلّب على أي تفكير باحتمال مدّ اليد للمشاركة في الإسقاط. أمّا الخطيئة الأصليّة المُرتكَبة، فهي إظهار فيروس «الحس المتوجه للخارج» و«العين يلي طالعة لبرّا» المغروس في جوهر الأكراد السوريين بحسب خطاب البعث، إذْ رفعَ البعضُ الأعلام الأميركيّة، ليهرَع المسؤولون الحزبيون إلى المطالبة بتنزيلها لأنّ هذا «آخر ما نحتاجه الآن». في الرابعة عشرة من عمري، ناديتُ شخصياً بالاسم المُكرَّد للرئيس الأميركي، جورج بوش الابن، وهو: «بافي أزاد»، وتعني «أبو الحرية» بالكردية.

        كان لإسماعيل عمر دوراً محورياً في أحداث آذار. وُلِد أبو شيار في قرية قرى قوي التابعة لبلدة الدرباسيّة عام 1947 ورحل عن عالمنا عام 2010. التحق بجامعة دمشق في شبابه ودرس الجغرافيا وتخرّج عام 1969، وشارك، للمفارقة، في حرب تشرين ضد الاحتلال الإسرائيلي كقائد سرية برتبة ملازم. عمل مدرّساً لمادة الجغرافيا في ثانويات النساء بمدارس القامشلي حتّى استقال منها وتفرّغ تماماً للعمل السياسي الحزبي في نهاية الثمانينيات. طالباته كُنّ يخجلْنَ منه ويختفيْنَ بحضوره حتّى وهنّ في أربعينياتهنّ. لأبو شيار بُعدان: الأوّل سياسي – تنظيمي يسعى لخلق أغلبية كرديّة سوريّة تتجاوز الاستقطاب الأوجلاني – البارزاني التقليدي، وشكّل مع السياسي الكردي المخضرم الراحل عبد الحميد حاج درويش، عرّاب الحزب الديمقراطي التقدّمي الكردي، ما يمكن أن يُسمَّى بالقطب الديمقراطي الوطني الكردي في سوريا.

        البعد الثاني لأبو شيار هو حُضوري – اجتماعي. يتواجد في كلّ مكان، وتقبّله حتّى المحجبّات في عيد النيروز، نادر التواجد في الأفراح وأكيد الحضور في الأتراح، ويُسمَع ولا يُقاطَع لأنّه يَسمع الجميع ولا يقاطِع أحداً. آمن أبو شيار بضرورة تجنّب الدولة قدر الإمكان في مسائل تحقيق العدالة. الأكراد غير متساوين أمام القانون، ومطرودون من عملية الصناعة خلف القانون، ويجب أن يكون لديهم القدرة على تجنّب طلب العدالة من دولة غير عادلة جذرياً إزاءهم. الشكوى للدولة هي آخر حل، إذْ كان يحقن الدماء ويوصل الأرحام ويبطل الثأر ويهدّئ النفوس.

        لا بداية لوجود أبو شيار في ذاكرتي، إذْ اختبأ في بيتنا بشكل متقطَّع بعد الحملة الأمنية الدموية التي شنّتها مخابرات حافظ الأسد ضد قيادات الحزب عام 1992. نظّم حزب الوحدة حملة ملصقات ومنشورات تُعرِّف بقضية أجانب ومكتومي محافظة الحسكة، تعرَّضت على إثرها قيادات الحزب لملاحقات أمنية، ومَن اعتُقل حوكم لسنوات بعد محاكم شكليّة من أمن الدولة. وضع لرفاقه خطّة بسيطة لتجنّب انهيار الحزب وتقليل الأضرار، وهي الإجابة على سؤال «من أعطاك الملصقات» عند التحقيق بـ«أبو شيار». رجل شاهق بظلّ عال وذهن حاد، أقدم ما أتذكره منه، كيف كان ينوسُ مشياً بين يمين الغرفة ويسارها. الخمول الجسدي نتيجة الاختباء المديد يُكسِلن الذهن، والطريقة الوحيدة لإشعال التفكير هي الحركة المنتظمة العمياء.

        على اليمين والدي نوّاف عبدالله، وعلى اليسار السياسي الكردي الراحل إسماعيل عمر أبو شيار/ صورة شخصية من أرشيف العائلة

        الفلسفة السياسية لعبد الحميد حاج درويش وإسماعيل عمر واضحة: تشكيل تيار وطني كردي سوري يؤمن أنّ حلّ المسألة الكرديّة في سوريا لا يتمّ سوى بتحوُّل ديمقراطي جذري في كلّ سوريا. نقص الأكراد لا يُعالَج إلا بمعالجة نقصّ كل السوريين، ونقص كل السوريين لا يُعالج سوى بمعالجة نقص الأكراد. المنطلق دمشق، لا أربيل ولا قنديل، وفي اللقاءات الصحافية كان أبو شيار يعترض على حصر الأسئلة بالشأن الكرديّ لأنّه: «حتّى يحكي السوريون بشؤوننا، يجب أن نحكي بشؤونهم أيضًا». لإسماعيل مشروعان توحيديّان، توحيد المعارضة السوريّة، إذْ كان من مؤسسي «إعلان دمشق»؛ وتوحيد الحركة السياسية الكردية بتشكيل مرجعية كردية عليا تسعى لعقد مؤتمر كردي عام. من خلال جلسات «إعلان دمشق» تعرّف على الحقوقية والكاتبة السورية رزان زيتونة، والتي زارت بيتنا في القامشلي كي توثّق حجم الكارثة اجتماعياً وحقوقياً بعد عام 2004.

        في انتفاضة آذار، فهم السياسيان الكرديان، إسماعيل عمر وعبد الحميد حاج درويش، خطورة اللحظة. لا مباركة لفكرة «مدينة خارج الدولة»، وكلّ انسحاب كامل مرفوض، لأن ما سيعقبه هو اقتحام كاسح، وكابوسهما كان لجوء النظام إلى اللعبة الأسدية المفضّلة، شارع ضد شارع، وذلك بتسليح قامشلي ضدّ قامشلو. لو سلّح النظام البعثي العشائر العربية وتحوّلت الانتفاضة الكرديّة إلى نزاع عرقي مسلح، ستحترق كلّ طبخة المشروع الكردي الديمقراطي السلمي. السلمية واللاعنف من مبادئه الأولى. كالطيور التي تهلع قبل الزلازل، خرج أبو شيار من بيتنا لحضور اللقاء الأمني الوحيد الذي شارك به مع وفدٍ من دمشق، إذْ دعا إلى شيء واحد فقط: التهدئة والحمائيّة وعدم التصعيد، وذلك في وقتٍ كان التستوستيرون القومي الكرديّ المُفرَز برزانياً في أعلى تراكيزه.

        إسقاط الأبد بالكرديّة لم يحرك مشاعر أحد، ولم يقرأ الآخرون المشهد بأنّه تحرّر وطني سوري جماعي، بل فُهِمَ كاقتطاع صهيو-أميركي مدسوس. النظام خبيث، في مواجهة الضغط من غير الأكراد يفعّل العصب الطائفي، وفي ومواجهة الضغط من الأكراد يفعّل العصب القومي. القوّة الأمنية في منطقة الجزيرة السورية هي الأكثر تنوّعاً طائفياً، بسبب الغياب الكامل لأيّ تأثير كرديّ في أي بنية عسكرية – أمنية بسوريا. في الجزيرة السورية ليس بالضرورة أنّ تكون القوة الأمنية مهيكلة بغلبة لون طائفي معيّن، بل يكفي أن تكون عربية. نحن أمام فكّي كماشة: نظام عنفه يتّسم باللامعقول، وقادر على الإبطال الجوهري لفكرة النضال السلمي، وسوريون غير أكراد يروننا خنجراً يجب أن يبقى في الغمد. فَتحُ حرب ضد الأكراد سيقلل التناقض بين النظام والسوريين غير الأكراد، وسيصبح للنظام قضيّة بدلاً أن يكون للأكراد قضيّة.

        أحداث آذار كانت صرخةً ارتدت إلى حنجرتها، تشطيباً للجسد كتنفيسٍ عن احتقانٍ للروح. ما حصل كان قفزة إلى الفراغ، وما رآه أبو شيار هو الوقوع بأفضل طريقة ممكنة، وهذه الحمائيّة السياسية شكّلت ملمحاً أساسياً من ملامح السياسية الكردية السوريّة، خصوصاً بعد انطلاقة الثورة السورية عام 2011.

        وقعت الثورة السورية، وما حصل هو أنّ النظام عام 2012، سلّم المنطقة إلى حزب الاتحاد الديمقراطي PYD، الصدى السياسي والعسكري لحزب العمال الكردستاني PKK، وتأسست على إثرها وحدات حماية الشعب ووحدات حماية المرأة. بعدها، جاءت سلسلة من الأحداث التي أثّرت جذرياً في تطوّر المشهد السياسي والعسكري في منطقة الجزيرة السورية. الصدام الأوّل حصل في محاولات جبهة النصرة اقتحام مدينة رأس العين- سري كانيي في 8 تشرين الثاني (نوفمبر) عام 2012، و«انهيار الإطار الوطني للصراع السوري»، وارتفاع مستوى التأثير التركي. الحدثان المؤسّسان لقسد هما: مجزرة كوباني لمّا تعرّضت إلى اقتحام من قبل داعش في 13 أيلول (سبتمبر) عام 2014، وإبادة الإيزيديين القروسطيّة في جبل شنكال في 3 آب (أغسطس) 2014.

        قسد لم تكن فقط إملاءً أميركياً، بل صدى للرعب من كوباني والإيزيديين. الكسرة الرمزية مع سردية التحرر السوري المهيمنة هو أنّ يوم الثورة السورية، أي 18 آذار عام 2011، هو نفسه يوم احتلال مدينة عفرين في 18 آذار عام 2018. لا تهدف الإشارة للمفارقة إلى جوهرتها في أحاسيس منفصلة، بل هي ضرورة لإعادة تشكيل الحكاية بما يتضمّن أحاسيس الجميع. وهذا ربّما يتطلّب مستوى من التجريد وتجاوز النفس: 18 آذار هو يوم لا تنتهَك فيه كرامة أي أحد على الأراضي السورية ولا يُقتَل… من أي طرف كان.

        لم يضيع أبو شيار الكثير من الجهد حول فكرة كردستان الكبرى، ولكن ثمّة تصوّر واضح عن السلوك السياسي البافلوفي الكردي السوري، الآلية التي تحرّك كلّ الطيف. الديناميكية هي أنَّ ضمور البعد الديمقراطيّ واللامركزي، وهيمنة السلطوية المركزية بمذاقاتها الإسلامية والقومية، ستفعِّل الوضعية الحمائيّة الكرديّة بالعودة إلى وضعية الصمت. ولكن الصمت هنا ثقيل يا أبو شيار. لم يعد الترقب مثلما كان عام 2004، بل هو في حالة قسد صمتٌ ذو نبرة عالية. لدينا الآن جنرال، بمعايير إدارته، يتحرّك بطائرة أميركيّة. في الحالتين، في الصمت الأعزل والصمت المدجج أميركياً، لا تزال حدود السياسة الكردية السورية تتحرّك بين نفيَيْن: لا نية مضمرة أو مخططة بالانفصال السياسي أو بالاستقلال الذاتي عن سوريا (للمرة المليون، لا يوجد أي حزب سياسي كردي يطالب بالانفصال)، ولا حماس في الانضمام إلى سلطوية مركزية بالنكهتَيْن المعروفتَيْن. هذا تحدّ.

        مثلما يميل المهاجر في الغرب إلى الكونية الاندماجيّة لدرء خطر اليمين القومي، تميلُ السياسة الكرديّة السورية لكفة الوطنية الديمقراطية، الكونيّة المحليّة الممكنة سورياً، خوفاً من هيمنة المركزيّة السلطوية. الاتفاق مع قسد هو شعاع الضوء الذي أضاء حجم المشكلة. وحلها يكمن في تحويل قسد ليس إلى ضمانة لـ«محاربة الإرهاب» كما تسوّقها الدول الغربية، بل طاقة موازية تفرض ترجمة للنفس وإعادة تشكّل للمقيمين في قصر الشعب، للدفع باتجاه سوريا ديمقراطية تعددية. سوريا يديرها جيش خطابه وشعاراته ورموزه تحفّز الجميع، لأن الحد الأدنى ارتفع، والكل لا يريد العودة إلى وضع توضع فيه قماشة على طابعة أو تحرق المنشورات خوفاً من اكتشافها.

        النضال الآن هو لسوريا لا أحد يشعر بالنقص فيها.

موقع الجمهورية

——————————————-

صفقةٌ في دمشق ما الدوافع الكامنة خلف الاتفاق المُبرم بين أكراد سورية وإدارة أحمد الشرع الجديدة؟

فلاديمير فان ويلغنبرغ

تحديث 21 أذار 2025

يوم العاشر من آذار/مارس، وقّع الرئيس السوري للمرحلة الانتقالية أحمد الشرع، والقائد العام لقوات سورية الديمقراطية مظلوم عبدي اتفاقًا من ثمانية بنود، يقضي بدمج هذه القوات في الإدارة السورية الجديدة.

تفاجأ كثرٌ بتوقيت الاتفاق المُبرم مع قوات سورية الديمقراطية (قسد) التي يطغى عليها الأكراد، الأمر الذي يدفع المرء إلى التساؤل حول السبب الذي دفع الأكراد إلى توقيع هذا الاتفاق بعد فترة وجيزة جدًّا من اندلاع التمرّد المحلي الذي قاده فلول نظام الأسد السابق في مناطق الساحل السوري وريفها. وأسفر ذلك عن حملة قمع شرسة ضدّ أبناء الطائفة العلوية، ومقتل حوالى 800 شخص خارج نطاق القانون. لا بدّ من التساؤل: هل وقّع الأكراد الاتفاق بسبب احتمال انسحاب القوات الأميركية قريبًا من سورية، ما من شأنه أن يتركهم تحت رحمة القوات التركية؟ أم على العكس، هل اضطرّت دمشق إلى اتّخاذ هذه الخطوة سعيًا إلى التخفيف من الضرر الذي لحق بسمعتها بعد المجزرة التي ارتُكبت بحقّ العلويين؟ أم هل ثمّة أسبابٌ أخرى وراء توقيع هذا الاتفاق؟

تساءل وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر، في مقابلة مع شبكة ABC News، حول سبب عدم نجاح النظام السوري في التوصّل إلى اتفاق مع الأكراد إلّا بعد الأحداث المأساوية التي شهدتها مناطق الساحل السوري. أبدى بعض المحلّلين السوريين خشيتهم من أن تدفع مجزرة العلويين الولايات المتحدة إلى الامتناع عن رفع العقوبات عن سورية، وبالتالي إلحاق الضرر بالتعافي الاقتصادي في البلاد. في المقابل، تبنّى البعض الآخر نظرة إيجابية أكثر. فقد أبلغني وائل الزيات، وهو خبيرٌ سابقٌ في سياسات الشرق الأوسط لدى وزارة الخارجية الأميركية، أن “هذا [الاتفاق] شكّل خبرًا سارًّا كان الجميع في أمسّ الحاجة إلى سماعه بعد أعمال العنف التي شهدناها في الساحل السوري”. وأضاف أن “السوريين يتنفّسون الصعداء في كلٍّ من المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة والمناطق التي تسيطر عليها قوات سورية الديمقراطية على السواء”.

ولفت بدر ملّا رشيد، مدير مركز رامان للبحوث والاستشارات المُتَّخذ من اسطنبول مقرًّا له، إلى ورود توقّعاتٍ في وقتٍ سابق بشأن احتمال إبرام اتفاق، في 2 أو 3 آذار/مارس، لكن “بعد ذلك، تصاعدت وتائر الاشتباكات فجأةً في مناطق الساحل السوري”. وأضاف قائلًا: “أعتقد أن الطرفَين، إلى جانب الولايات المتحدة وبعض دول المنطقة، مارست جميعها ضغوطًا على قوات سورية الديمقراطية ودمشق لتسريع عملية توقيع الاتفاق”.

لغاية الآن، تُبدي إدارة ترامب عدم ثقة بحكومة الشرع إلى حدٍّ كبير، مثلها مثل إسرائيل. فالعقوبات الأميركية المفروضة على سورية تسبّبت بتعطيل الدعم المادي الذي كانت ستقدّمه قطر إلى البلاد، على الرغم من أن القطريين أعلنوا في 13 آذار/مارس أنهم سيتمكّنون من تزويد سورية بالغاز الطبيعي عبر الأردن، لتوليد الطاقة الكهربائية. وقد أدان وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو قيام “إرهابيين إسلاميين متطرّفين” بقتل أشخاص من الأقليات الإثنية في [المناطق الساحلية في] غرب سورية. في هذا السياق، يمكن لإبرام صفقة مع قوات سورية الديمقراطية، حليفة الولايات المتحدة، أن تضمن لحكومة الشرع ربما الحصول على موافقة الغرب، ما يحسّن بالتالي صورة القيادة السورية الجديدة. وبالفعل، أشاد روبيو في 12 آذار/مارس بالاتفاق، على الرغم من إعرابه مجدّدًا عن قلقه إزاء “أعمال العنف الفتّاكة التي استهدفت الأقلّيات مؤخرًا”.

بدا أن آرون لوند، وهو زميل في مركز القرن الدولي، يتّفق مع هذا التفسير. فقد أخبرني أن “الحكومة السورية الجديدة تَعتبر من المهم عدم الدخول في مواجهةٍ مباشرةٍ مع قوات سورية الديمقراطية، إن كان بمقدورها تجنّب ذلك. فهي بحاجة إلى نسج علاقاتٍ بنّاءةٍ مع الولايات المتحدة لضمان رفع العقوبات، ناهيك عن حاجتها إلى الحصول على موافقةٍ أميركيةٍ لشطب هيئة تحرير الشام من قائمة المنظمات الإرهابية”.

ثمة عاملٌ آخر أسهم ربما في التوصّل إلى اتفاق، وهو احتمال انسحاب إدارة ترامب من سورية. فقد ذكر حسن حسن، مؤسّس مجلة نيو لاينز، خلال مشاركته في جلسةٍ نقاشية نظّمها معهد الشرق الأوسط يوم 11 آذار/مارس، أن الأميركيين بدأوا بالفعل يدرسون سيناريوهات انسحاب قواتهم في أيلول/سبتمبر المقبل. ويُشار إلى أن وسيطًا أميركيًا كان حاضرًا خلال الاجتماع الأول بين الشرع وعبدي في 30 كانون الأول/ديسمبر الماضي. وقال حسن إن “الأميركيين كانوا إذًا منخرطين في مساعي التوصّل إلى اتفاق، إذ توسّطوا في هذه العملية خلال عهد بايدن، واستمرّوا [في ذلك] في ظل إدارة ترامب”.

وخلال الجلسة النقاشية نفسها، أشار تشارلز ليستر، زميلٌ أول في معهد الشرق الأوسط، إلى أن “الاتفاق كان في الأساس مطروحًا على الطاولة منذ أسابيع، وجرى الاتفاق على بنود شكّلت بنيته الأساسية”. ولفت أيضًا إلى أن “القوات الأميركية كانت منخرطة منذ اليوم الأول، والنتيجة التي وصلنا إليها كانت بفضل دفع قوي من الجيش الأميركي”. وذكر أن قائد القيادة المركزية الأميركية، الجنرال مايكل كوريلا، تواجد مؤخرًا في شمال شرق سورية، وسط تقارير أفادت بأنه ساعد على حثّ قوات سورية الديمقراطية على المضيّ قدمًا بالاتفاق، حتى لو أن المفاوضات كانت تجري على قدم وساق من دونه.

وأبلغني آرون ستاين، رئيس معهد أبحاث السياسة الخارجية، أن “الولايات المتحدة كانت تضغط على مظلوم لتوقيع اتفاقٍ منذ فترة، لكنه كان يماطل. وأعتقد أن احتمال انسحاب الولايات المتحدة دفع مظلوم إلى حسم أن الوقت قد حان لاتّخاذ هذه الخطوة الأولى، وتمديد المفاوضات مع دمشق حول مستقبل سورية”.

كذلك، برزت مؤشرات على أن قوات سورية الديمقراطية سعت إلى إبرام اتفاقٍ من تلقاء نفسها. فيوم 18 شباط/فبراير، أعلن المسؤول في “قسد” أبو عمر الإدلبي أنه خلال اجتماع عُقد بينها وبين مؤسسات محلية، تقرّر دمج قوات سورية الديمقراطية ضمن هيكل الجيش السوري، وتشكيل لجانٍ لمعالجة القضايا الشائكة، بما فيها تسهيل عودة النازحين داخليًا إلى مدنهم وقراهم، وهذه نقاط أساسية تضمّنها الاتفاق الجديد مع دمشق. وفي 26 شباط/فبراير، ألمح عبدي إلى احتمال التوصّل إلى اتفاق خلال الأسبوعَين المقبلَين.

مع ذلك، نفى مصدرٌ من قوات سورية الديمقراطية أن يكون الاتفاق مرتبطًا بانسحابٍ أميركي محتمل. ولفت إلى أن “الولايات المتحدة لم تتّخذ قرارًا بشأن سياستها في سورية. ما من تغيير يطرأ. والمحادثات كانت مستمرة منذ فترة طويلة”. أما بالنسبة إلى الاشتباكات التي اندلعت في مناطق الساحل السوري، فقال المصدر عينه إن تزامُنَ الاتفاق مع هذه الأحداث “كان محض صدفةٍ”.

وفي 26 شباط/فبراير الماضي، دعا زعيم حزب العمّال الكردستاني المسجون عبدالله أوجلان عناصر حزبه إلى إلقاء السلاح في إطار تحقيق عملية السلام بين الحزب والحكومة التركية ووضع حدّ لصراعهما الدائر منذ أربعة عقود. وقد تسهم هذه العملية أيضًا في تحسين العلاقات بين تركيا وقوات سورية الديمقراطية، التي يتّهمها الأتراك بالارتباط بحزب العمّال الكردستاني. وقد دفع هذا التطوّر البارز بالمصدر المذكور (وهو من “قسد”) إلى القول إن “رسالة أوجلان شجّعت قوات سورية الديمقراطية والإدارة الذاتية الكردية لشمال وشرق سورية على تسريع عملية [الاتفاق مع دمشق]. وكانت الولايات المتحدة تمارس ضغوطًا في الاتجاه نفسه، لذا لم ييعد ثمّة سببٌ يدعو إلى الانتظار “.

علاوةً على ذلك، صرّح صالح مسلم، المسؤول البارز في حزب الاتحاد الديمقراطي، لصحيفة Türkiye بأن الحزب كان يُجري مفاوضات مع دمشق منذ فترة طويلة. والجدير بالذكر أن حزب الاتحاد الديمقراطي ساعد على تأسيس وحدات حماية الشعب، وهي الفصيل الرئيس في قوات سورية الديمقراطية. وأضاف قائلًا: “لم نجلس على الطاولة بتوجيهاتٍ أو بطلبٍ من الولايات المتحدة أو أي دولة أخرى. وقد نتّخذ قرارًا بانسحابنا من شمال شرق سورية، فنحن لا نبني خططنا على أساس الوجود الأميركي أو التحالف الدولي”.

ولفتت الباحثة سامنتا تيل من مركز معلومات شمال وشرق سورية، إلى أن “قسد” لا تتوقّع انسحاب القوات الأميركية في وقتٍ قريب. وأضافت أن “[الأكراد] يعلمون بالطبع أنها لن تبقى هناك إلى الأبد، وأن قوات سورية الديمقراطية جادّة برغبتها في إرساء السلام في سورية. هي فعلًا ترغب في تحقيق ذلك، لكي تُنتفى الحاجة إلى وجود قوات خارجية داخل البلاد”.

وفي ما يتعلق بدوافع الحكومة السورية، لفت تشارلز ليستر على ما يبدو إلى أنها مهتمّةٌ أيضًا بإبرام اتفاق. وأضاف أن وزير الدفاع السوري أشار إلى أن اللجوء إلى حلٍّ عسكري في وجه قوات سورية الديمقراطية كان ليتطلّب نشر جميع القوات العسكرية السورية في شمال شرق البلاد، وهو أمرٌ لم يكن ليحدث إطلاقًا. لذا، كان لدى دمشق سببٌ لتفضيل تطبيق حلٍّ تفاوضي، ولا سيما أن ما من اشتباكٍ سُجِّل بين قوات القيادة السورية الجديدة و”قسد” منذ كانون الأول/ديسمبر.

ويبدو أن وائل الزيات يشاطره هذا الرأي، إذ قال: “أعتقد أن قوات سورية الديمقراطية كانت ترزح تحت وطأة الضغوط، نظرًا إلى إمكانية انسحاب القوات الأميركية، و[كذلك] كانت الحكومة السورية التي لم تُرِد خوض صراع على جبهات متعدّدة”.

أما آرون لوند فألمح إلى احتمال وجود بعض المسائل الشائكة على الرغم من إبرام الاتفاق. فقد قال: “يبدو لي الاتفاق مُبهمًا للغاية، وأعتقد أن الشرع وعبدي أقدما على هذه الخطوة لأن إحراز بعض التقدّم على هذا المسار ملائمٌ سياسيًا. ولا يظهر أنهما تمكّنا من تسوية النقاط الشائكة الرئيسة، أو على الأقل ما من مؤشرات على ذلك في الاتفاق المُعلَن”.

في الواقع، لا يوضح الاتفاق ما إذا كانت منطقة شمال شرق سورية ستشكّل جزءًا من هيكل سوري يستند على اللامركزية بشكل أكبر، أم أنها ستتمتّع حتى بحكم ذاتي، فيما يُعرف عن السلطات في دمشق ميلها إلى المركزية. ومن بين الأسئلة التي بقيت عالقةً أيضًا: هل سيتم تكريس حقوق الأكراد في الدستور السوري؟ وهل سيتم حلّ قوات سورية الديمقراطية أم سيجري دمجها كوحداتٍ منفصلة في منظومة الدفاع الجديدة؟ وهل ستتماشى السياسات الكردية التي تضمن المساواة بين الجنسَين مع النظام القانوني السوري، المتأثّر بالشريعة الإسلامية؟ تُضاف إلى ذلك أيضًا مسألة من سيسيطر على حقول النفط والغاز في سورية. كلّ هذه الثغرات تشير إلى الحاجة إلى إجراء مفاوضات مطوّلة، حتى لو أن الاتفاق قد نصّ على مهلة تطبيقٍ للبنود تنتهي في موعدٍ أقصاه نهاية العام الجاري.

سورية

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.

مركز مالكوم كير– كارنيغي للشرق الأوسط

——————————-

التفاوض بين دمشق و”قسد”: خطوات جديدة ومسارات معقدة/ ماهر الحمدان

2025/03/20

في تطور جديد على صعيد العلاقة بين الحكومة السورية و”قوات سوريا الديموقراطية” (قسد)، عقد قائد الأخيرة مظلوم عبدي، اجتماعاً مع اللجنة التفاوضية التي شكّلها الرئيس السوري أحمد الشرع، في إطار استكمال الاتفاق بين الطرفين. ووفقاً لما نشرته “قسد” عبر منصاتها الرسمية، تناول الاجتماع عدة ملفات محورية، من أبرزها الاعلان الدستوري، ضرورة عدم إقصاء أي مكون سوري من مستقبل البلاد، وأهمية وقف إطلاق النار في كامل الأراضي السورية. كما تطرقت المناقشات إلى آلية عمل اللجان التخصصية، التي من المقرر أن تباشر مهامها في الأول من نيسان، تمهيداً لتنفيذ الاتفاقات المبرمة.

وفي هذا السياق، صرّح حسين السلامة، رئيس اللجنة التفاوضية المكلفة من الرئيس السوري، بأن اللجنة، التي تضم خمسة أعضاء، تم تشكيلها عقب التوصل إلى اتفاق مع “قسد”، وتوجه أعضاؤها إلى الحسكة للقاء قائدها. وأوضح أن الاجتماع الأول سادته أجواء إيجابية، بحيث أبدى الطرفان جدية واضحة في المباحثات، وتم الاتفاق على تحديد موعد جديد في بداية الشهر المقبل لتشكيل لجان تخصصية تتولى تسلم الملفات المختلفة، تمهيداً للاندماج التدريجي لـ”قسد” ضمن مؤسسات الدولة السورية.

تحذيرات ومخاوف من المماطلة في تنفيذ الاتفاق

وأشار السلامة الى أن اللجنة باشرت أعمالها بزيارة أحد مقار “قسد” في الشدادي، حيث التقت قائدها مظلوم عبدي، في اجتماع اتسم بالمسؤولية الوطنية، وبإرادة مشتركة تهدف إلى الحفاظ على وحدة الأراضي السورية، مع إشراك جميع المكونات من دون إقصاء أحد. وأضاف أن النقاشات أفضت إلى اتفاق على تشكيل لجان عمل تخصصية متناظرة ستباشر مهامها مع بداية نيسان المقبل، مؤكداً تقدير الحكومة السورية للدول الصديقة الداعمة لوحدة سوريا واستقرارها. كما شدد على أن الوضع في دير الزور والرقة والحسكة هو شأن داخلي سوري، وأن أي نقاش حول هذه المناطق يندرج ضمن المسار الوطني البحت، نافياً صحة الأنباء المتداولة بشأن اجتماعات جانبية مع أطراف أخرى. وأكد أن جهود اللجنة تتركز على تقريب وجهات النظر وصياغة خريطة طريق لتوحيد الأراضي السورية ضمن إطار المصلحة الوطنية.

وفي هذا الاطار، قال الدكتور فاروق الابراهيم، رئيس حركة الإصلاح والتغيير في دير الزور، لموقع “لبنان الكبير”: “ننتظر تنفيذ بنود الاتفاق الواضحة، فمن الضروري أن تعود دير الزور والرقة إلى أبنائها العرب، ولا ينبغي تأخير تنفيذ هذه البنود. هناك أعداد كبيرة من المهجرين من أبناء المنطقة، سواء داخل سوريا أو خارجها، يتطلعون إلى العودة. نحن ندعم جهود اللجنة بصورة كاملة، لكننا نحذر من أي محاولات للمماطلة أو تمييع عمل اللجنة، فهناك مراحل واضحة يجب الالتزام بها من دون أي تهاون.”

وأشار مصدر لموقع “لبنان الكبير” إلى أن التكهنات حول مخرجات الاجتماع وآلية انضمام “قسد” ليست دقيقة، موضحاً أنه لن يتم الاعلان عن أي قرارات ملموسة قبل انتهاء عمل اللجان، التي ستباشر مهامها رسمياً في بداية نيسان. كما أكد أن العملية تتطلب وقتاً، بحيث يجري العمل وفق آلية تدريجية قد تؤدي إلى دمج “قسد” ككتلة واحدة أو كأفراد ضمن مؤسسات الدولة. ولفت المصدر إلى أن هناك ملفات متعددة ذات أهمية، أبرزها عودة المهجرين إلى مناطقهم، تحديد آليات الادارة المدنية، تعزيز قوى الأمن الداخلي، وتنظيم ملف الثروات النفطية، وهي جميعها قضايا يجب التعامل معها بحذر.

حوار كردي-كردي برعاية أميركية وفرنسية

بالتوازي مع هذه التطورات، عقد “المجلس الوطني الكردي” في سوريا اجتماعاً مع حزب “الاتحاد الديموقراطي”، الثلاثاء، في قاعدة استراحة الوزير بريف الحسكة، بهدف توحيد الصف الكردي وصياغة رؤية سياسية مشتركة. وحضر اللقاء، الذي يُعد الأول بين الطرفين منذ العام 2020، المبعوث الأميركي الخاص لمناطق شمال وشرق سوريا، سكوت بولز، إلى جانب قائد “قسد”.

وركز الاجتماع على مناقشة الرؤية السياسية المشتركة بين الجانبين وآلية تشكيل وفد مشترك للتفاوض مع الحكومة السورية الجديدة في دمشق. وأشار المصدر إلى أن الأجواء كانت إيجابية، بحيث أبدى الطرفان رغبة متبادلة في إنجاح الحوار، خصوصاً في ظل استمرار الضغوط الأميركية والغربية لدفع الجانبين نحو اتفاق مشترك. ومن المتوقع أن يتم الاعلان عن تشكيل الوفد خلال الشهر الجاري، اذ سيجتمع مع الحكومة السورية في دمشق برعاية ودعم من وزارتي الخارجية الأميركية والفرنسية، بهدف صياغة رؤية موحدة للتفاوض مع دمشق. كما أكد المصدر أن أكثر من 90% من بنود الرؤية السياسية تم التوافق عليها، مع استمرار النقاشات حول بعض البنود الثانوية المتبقية.

ضغوط دولية ودعم أميركي وفرنسي للمفاوضات

يحظى الحوار بين الأطراف الكردية بدعم واسع من الخارجية الأميركية، التي تؤكد أن واشنطن، إلى جانب دولة أخرى، تمثل موقف “التحالف الدولي” الداعم لتوحيد صف الأكراد السوريين تمهيداً للحوار مع دمشق. وفي شباط الماضي، تم الاتفاق بين “المجلس الوطني الكردي” وقائد “قسد” على تشكيل وفد كردي مشترك للتفاوض مع الحكومة السورية، بعد سلسلة لقاءات تمت برعاية وزارتي الخارجية الأميركية والفرنسية.

كما سبق أن عُقد اجتماع بين الهيئة الرئاسية للمجلس وقائد “قسد”، بحضور ممثل وزارة الخارجية الفرنسية، ريمي داروين، والمبعوث الأميركي بولز، في قاعدة استراحة الوزير شمال غربي الحسكة. ووافق “المجلس الوطني الكردي” على لقاء حزب “الاتحاد الديموقراطي” بهدف تشكيل وفد مشترك للتفاوض مع مسؤولي الادارة السورية الجديدة وبحث المطالب الكردية.

ويأتي هذا الاجتماع المرتقب بين المجلس الوطني الكردي وحزب “الاتحاد الديموقراطي” بعد قطيعة دامت أكثر من أربع سنوات، تخللها تصعيد إعلامي وتوترات بين الطرفين، وسط اتهامات لحزب الاتحاد بارتكاب انتهاكات ضد المجلس وأعضائه.

موقع لبنان الكبير

———————————

=====================

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى