الناسسقوط بشار الأسد، الرئيس الفار والمخلوع

اقتصاد وسياسة ومبادئ.. أي دور يلعبه الأوروبيون في إعادة إعمار سوريا؟/ لين خطيب

22 مارس 2025

يلعب الاتحاد الأوروبي دورًا مهمًا في تشكيل الانتقال السياسي في سوريا بعد سقوط نظام الأسد، وذلك من خلال المساعدات المالية والمشاركة الدبلوماسية والسياسات المختلفة. ويُظهر الاتحاد التزامًا بتحقيق الاستقرار والتعافي الاجتماعي والاقتصادي. لكن ما طبيعة الدعم الأوروبي، وما مدى فعاليته، وما التحديات والعوائق التي تعترضه؟

التزامات مالية

في المؤتمر التاسع في بروكسل حول سوريا، آذار/ مارس 2025، زاد الاتحاد الأوروبي تعهده الذي قطعه في مؤتمر بروكسل الثامن، إذ تعهد الآن بتقديم ما يقرب من 2.5 مليار يورو كمساعدات لعامي 2025 و2026، موزعة كالتالي:

720.5 مليون يورو في عام 2025 لدعم السكان داخل سوريا واللاجئين في لبنان والأردن والعراق.

600 مليون يورو في عام 2026 لمواصلة المساعدات الإنسانية.

1.1 مليار يورو للفترة 2025-2026 لدعم اللاجئين السوريين والمجتمعات المضيفة في تركيا.

وقالت أورسولا فون ديرلاين، رئيسة المفوضية الأوروبية: “بالطبع، لا يزال طريق المصالحة والتعافي طويلًا، ولكن لأول مرة منذ عقود، يمكن لأمل سوريا أن يصبح حقيقة. يمكن لسوريا أن تصبح بلدًا يستطيع فيه الجميع التعبير عن آرائهم، بحقوق متساوية وتمثيل للجميع، رجالًا ونساءً على حد سواء، بغض النظر عن الدين أو العرق أو الأيديولوجيا”.

وسط أمل متجدد

كان تشريع الاتحاد الأوروبي، بخصوص العقوبات المفروضة على سوريا، يشتمل على استثناء نطاق للمساعدات الإنسانية لضمان استمرار تقديم المساعدات في جميع أنحاء البلاد. في 23 شباط / فبراير 2023، أضاف المجلس استثناء إضافيًا إلى العقوبات لتسهيل سرعة تسليم المساعدات الإنسانية بعد الزلزال المدمر الذي ضرب تركيا وسوريا.

في 24 شباط/ فبراير 2025، قرر المجلس تمديد هذا الإعفاء إلى أجل غير مسمى، مما يعكس التزام الاتحاد الأوروبي بموازنة العقوبات مع الاحتياجات الإنسانية العاجلة.

وفي اليوم نفسه، علق الاتحاد الأوروبي عددًا من التدابير التقييدية المفروضة على القطاعات الاقتصادية الرئيسية في سوريا، بما في ذلك الطاقة والنقل والتمويل لدعم التعافي الاقتصادي. وذكر القرار على وجه الخصوص:

– تعليق التدابير القطاعية في قطاعي الطاقة (بما في ذلك النفط والغاز والكهرباء) والنقل.

– إزالة خمس كيانات (المصرف الصناعي، ومصرف التسليف الشعبي، ومصرف التوفير، والمصرف الزراعي التعاوني، والخطوط الجوية العربية السورية) من قائمة الجهات الخاضعة لتجميد الأموال والموارد الاقتصادية، والسماح بتوفير الأموال والموارد الاقتصادية للبنك المركزي السوري.

– إدخال بعض الاستثناءات على حظر إقامة علاقات مصرفية مع البنوك والمؤسسات المالية السورية داخل أراضي الدول الأعضاء، للسماح بالمعاملات المرتبطة بقطاعي الطاقة والنقل، بالإضافة إلى المعاملات اللازمة للأغراض الإنسانية وإعادة الإعمار.

– تمديد تطبيق الاستثناء الإنساني الحالي لأجل غير مسمى.

وبالإضافة إلى تقديم المساعدات الإنسانية الفورية، يربط الاتحاد الأوروبي دعمه المالي بإحراز تقدم في الانتقال السياسي في البلاد، تماشيًا مع قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، الذي يدعو إلى تسوية سياسية شاملة.

لكن الاتحاد أبقى على العقوبات ضد الأفراد والكيانات المرتبطة بالنظام السابق، والإنتاج غير المشروع للأسلحة الكيميائية، والاتجار بالمخدرات، فضلًا عن عدد من التدابير القطاعية، مثل تجارة الأسلحة، والسلع ذات الاستخدام المزدوج، ومعدات القمع الداخلي، وبرامج التنصت والمراقبة، واستيراد/تصدير السلع التراثية الثقافية السورية. ولا تزال قائمة العقوبات المحدثة في تشرين الثاني/نوفمبر 2024 تشمل 318 فردًا و86 كيانًا مرتبطًا بنظام الأسد يخضعون لتجميد الأصول وحظر السفر.

شرط الانتقال السياسي

مع تصاعد العنف في المنطقة الساحلية في آذار/مارس الفائت، أصدر الاتحاد الأوروبي بيانًا أعرب فيه عن قلقه العميق إزاء الأحداث في سوريا، مستنكرًا الهجمات التي شنتها الميليشيات الموالية للأسد ضد قوات الأمن العام، والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان من قبل الأمن العام وجهات مرتبطة به. كما دعا الاتحاد السلطات الانتقالية إلى ضمان المساءلة من خلال تحقيقات شفافة، وطالب بوجود رقابة دولية لمنع المزيد من العنف.

موقف الاتحاد الأوروبي واضح: لن يتم تقديم مساعدات إعادة الإعمار الكاملة وإزالة جميع العقوبات والتدابير التقييدية حتى تمر سوريا بانتقال سياسي حقيقي. شدد القادة الأوروبيون على أن أي دعم يجب أن يكون مرتبطًا بإصلاحات ديمقراطية ملموسة وتحسينات في حقوق الإنسان وعملية لانتقال سياسي واضح وشامل.

ولكن هذا ليس بالسهولة التي قد يبدو عليها. تواجه الحكومة الجديدة تحديات ضخمة في إعادة بناء الاقتصاد والبنية التحتية، وضمان الأمن وتوحيد البلاد. إن التوترات الأخيرة بين تركيا وإسرائيل حول مستقبل سوريا ومحاولات بلاد مثل روسيا وإيران وإسرائيل زعزعة استقرار سوريا وحكومتها المؤقتة من خلال ضخ المعلومات المضللة بشكل مستمر والتحريض على العنف في مناطق معينة؛ تضفي مزيدًا من عدم اليقين على الاستقرار الإقليمي وعلى محاولات الانتقال السياسي. توحيد الأراضي وضمان الأمن من أهم القضايا التي تواجهها الحكومة السورية هذه الأيام، وتجعل الانتقال الديمقراطي الذي هو في حد ذاته مهمة شاقة، مسعى أكثر صعوبة.

والحقيقة المرة أنه على الرغم من تركيز الاتحاد الأوروبي على خلق بيئة ديمقراطية يستطيع فيها الجميع التعبير عن آرائهم، فإن السوريين يواجهون تحديات اقتصادية وحياتية تجعل القضايا الديمقراطية ثانوية للكثير منهم. لا يزال 90% من السوريين يعيشون في الفقر مع بنية تحتية منهارة، علمًا أن أحد أهم مؤشرات نجاح الانتقال الديمقراطي هو وجود طبقة وسطى قوية. الاستقرار الاقتصادي والراحة النفسية شرطان أساسيان لضمان الانتقال لحكم ديمقراطي طويل الأمد.

إنجازات.. ولكن

شهد الاقتصاد السوري تحسنًا ملحوظًا خلال الأشهر الثلاثة الماضية. في كانون الثاني/يناير الفائت، انخفض معدل التضخم السنوي ويرجع ذلك إلى استقرار سعر الصرف وزيادة العرض في السوق المحلية. كما تحسنت معدلات التضخم الشهرية، وانخفضت أسعار الغذاء بنسبة 12.5% في شباط/فبراير. وانخفض سعر اسطوانات الغاز المنزلية بشكل واضح وتم توفرها. ولمعالجة نقص الكهرباء، زوّدت دولة قطر، عبر الأردن،سوريا بـ2 مليون متر مكعب من الغاز الطبيعي يوميًا، مما يوفر 400 ميجاوات إضافية من الكهرباء يوميًا.

وقد تم القبض على الكثير من مجرمي نظام الأسد وإطلاق حرية الإعلام والعمل السياسي، ووقف إنتاج المخدرات، وحل الأجهزة الأمنية والمخابراتية.

وإذا نظر الاتحاد في دقائق الأمور وركز على العمل التدريجي التراكمي ومكن هذه الإنجازات الحياتية المهمة بدلًا من التركيز على ما لا يزال مفقودًا، فإن احتمالات النجاحات السياسية ستكون أفضل. وسوف تتاح للسوريين الفرصة للمساهمة في التحول السياسي في بلدهم بدلًا من الشعور بالتهميش والوصاية.

إنها في الواقع فرصة للاتحاد الأوروبي ليظهر دعمه الكامل ويساعد السوريين على النهوض، ولتجسيد شعاراته المرفوعة في مجال حقوق المواطن والمواطنة. في هذا السياق فإن إعادة فتح السفارة الألمانية في دمشق تمثل بادرة دبلوماسية مشجعة على تجدد التواصل البناء بين السوريين وأوروبا.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى