الناسسقوط بشار الأسد، الرئيس الفار والمخلوع

الاحتجاجات في سورية… اختبار لقدرة الحكومة على إدارة الوضع/ جلنار العلي

22 مارس 2025

في سنوات القمع التي عاشها السوريون في مناطق سيطرة نظام بشار الأسد قبل سقوطه في الثامن من ديسمبر/كانون الأول الماضي، التي قيّدت فيها السلطات حرية التعبير بكافة أشكالها، لم تجد الاحتجاجات في سورية آذاناً صاغية، ولم تلقَ أي اهتمام من المعنيين، بل كانت تدور في حلقات فارغة وضيّقة لتعود إلى أصحابها كما خرجت، أي بلا تنفيذ، حيث مُنِعَ التظاهر بكافة أشكاله، لذلك اعتاد المواطنون الصمت والانتظار. وشكّل سقوط النظام نقطة تحوّل حقيقية في هذا السياق، إذ خرج السوريون عن صمتهم، وانتشرت الاحتجاجات في سورية فضلاً عن وقفات وهتافات للمطالبة بإيقاف قرار ما أو للتعبير عن مظلمة معيّنة. مثلاً عندما أصدرت وزارة التربية قراراً بإجراء بعض التعديلات على المناهج مطلع العام الحالي، قوبل هذا القرار بوقفة احتجاجية أمام مبنى الوزارة، وعندما صدرت قرارات بإلزام موظفين حكوميين بإجازات لمدة ثلاثة أشهر، احتج الكثير من الموظفين ونظموا وقفات احتجاجية إما أمام وزاراتهم أو أمام اتحادات العمال في المحافظات. كما خرجت تظاهرة في مدينة اللاذقية مطلع الشهر الحالي عبّر فيها الأهالي عن رفضهم للتحريض الطائفي، وغير ذلك الكثير من الوقفات التي يريد منها المحتجون التعبير عن رفضهم لحدث ما. البعض ينظر إلى هذه الحالة على أنها إيجابية لكونها تعطي هامشاً من الحريات للسوريين، أما البعض الآخر فيعتبر أن هذه الاحتجاجات الدائمة تدل على قصور وخلل في الأداء الحكومي. ولأن الاحتجاجات في سورية حالة جديدة على الشارع، رصدت “العربي الجديد” آراء مواطنين خرجوا إلى بعض التظاهرات لمساندة المعنيين فيها، على الرغم من أنهم ليسوا متضررين مباشرة.

الاحتجاجات في سورية كورقة ضغط

في السياق، قال صلاح السعدي، الذي خرج في عدة احتجاجات عمالية، إنه لا يعرف مدى استجابة الحكومة لتلك الاحتجاجات في سورية ولكن بعد خروج مواطنين كثر لم يلمس أي تغيير، وإنما استمرت السلطات بأعمال التسريح والفصل ومنح الإجازات القسرية. وبرأي السعدي، إن الاحتجاجات في سورية تبقى ورقة ضغط على الحكومة أمام الدول الأخرى التي تراقب أداءها، لذلك يجب عدم اليأس منها أو تعويد السلطات على عدم وجودها. أما منى إبراهيم (اسم مستعار)، الموظفة في وزارة الصحة، فاعتبرت أنه على الرغم من عدم وجود بوادر استجابة للاحتجاجات العمالية، إلا أنها تثمّن عدم تعرض المتظاهرين للعنف من قبل عناصر الأمن، ولكن سيفقد هذا الأمر بريقه بعد فترة من الزمن في حال لم تلق المطالب آذاناً صاغية. وبعد مضي شهرين على الوقفة الاحتجاجية أمام وزارة التربية اعتراضاً على تعديل المناهج بشكل غير مدروس، سخر منير الصالح، وهو أحد أولياء الطلاب الذي كان موجوداً فيها، بقوله: “حضرنا ولم يحضر واجبنا حقاً”، معتبراً أنه لا جدوى من تلك الاحتجاجات في سورية طالما أن الحكومة لا تستمع ولا تستجيب.

الصحافي المتابع لقضية الاحتجاجات، عمار ديوب، قال لـ”العربي الجديد” إن عدد الاحتجاجات في سورية منذ سقوط نظام الأسد في الثامن من ديسمبر/كانون الأول الماضي، فاق المائة احتجاج، وذلك في كافة المحافظات السورية. ولفت إلى أن أغلب تلك الاحتجاجات في سورية عمالية لا تحمل في طياتها أي قضايا سياسية، فأصحابها لم يرفعوا شعارات تطالب بالديمقراطية أو فصل السلطات على سبيل المثال، وإنما تطالب بإيقاف التسريح التعسفي، علماً أن هذه التظاهرات محقة بالكامل، لا سيما أن هؤلاء الموظفين متعاقدون مع الدولة بشكل دائم، بينما الحكومة مؤقتة، كما أنها تمثل مواطنين يعيشون على أجورهم بشكل كامل، وبينهم موظفون لديهم خدمة تزيد على 20 عاماً، يعانون بالأساس من ويلات الفقر. ويعتبر ديوب أن استمرار النهج الحكومي الحالي سيؤدي إلى انفجار أزمة اجتماعية مستقبلية، لأن عدد العمال الذين جرى تسريحهم وصل بالبداية إلى 300 ألف عامل، تحت مسمى فائض أو عمال “أشباح”، إضافة إلى 100 ألف عامل أُلزِموا بإجازات قسرية، فضلاً عن عاملين في أجهزة تمّ حلها وكانوا يعملون بها كعناصر الجيش السابق والشرطة وآخرين، مضيفاً: من الممكن أنه تم إخراج مليون مواطن من وظائفهم، وإذا تم احتساب أعداد عائلاتهم بشكل وسطي، فإن الحديث هنا يكون عن حوالي أربعة ملايين إنسان، وتضاف هذه الأعداد إلى عائلات ضحايا الثورة والمهجرين من منازلهم، ليشكل هذا الأمر كارثة حقيقية.

الاحتجاجات حالة إيجابية

من جهته، اعتبر الباحث السياسي مؤيد غزلان قبلاوي، في تصريح لـ”العربي الجديد”، أن الاحتجاجات في سورية لا تدل على قصور حكومي، بل هي حالة إيجابية ودليل رقابة شعبية على منهج السياسات الجديد، وتعبير عن أولويات الحاجات الشعبية، وهو ما يسمى بالاستفتاء المستمر للمسار السياسي ومدعاة لتغيير القوانين والمنهجية السياسية في كثير من الدول، لكن ضمن ضوابط وقوانين خاصة بالتظاهر والاحتجاج. وأضاف أن التظاهر هو حالة تعبّر عن تقبّل الحكومات للإصغاء للرأي الجمعي للشعب، وهو أداة قياس مباشرة وفقاً لطبيعة المتظاهرين، فلا يوجد حكم سياسي خالٍ من الأخطاء والعثرات في مراحل المأسسة في كل دول العالم، أما المهم فهو أن تخضع تلك الاحتجاجات لقانون ينظّم انعقادها ومحتوى رسائلها، فهناك الكثير من التظاهرات لا تعطى تراخيص في أوروبا أو الدول المتقدمة في العالم، مثال تظاهر اليمين المتطرف ذي المرجعية النازية في ألمانيا أو إسبانيا وغيرها، وأي محتوى ينادي بالانقسام عن وحدة البلاد.

ورأى قبلاوي أن الحالة السورية ما زالت لم تبلغ ولا تقارن بغيرها من الدول، فلكل دولة خصوصياتها، وما ينطبق على دولة ليس بالضرورة مفيداً في دولة أخرى، وهذا الأمر يعود إلى التوافقات السياسية والمجتمعية بين الدولة والحكومة، لافتاً إلى أن الإعلان الدستوري المؤقت والدستور الدائم يضم عادة مادة تنظم الحريات الشخصية والعامة، من حقوق التظاهر والتعبير، وهذا أيضاً يعود في كيفيته وحدوده لطبيعة كل شعب ودولة. وكي لا يتم تجاهل تلك الاحتجاجات، اقترح قبلاوي أن ترسل الحكومة السورية ممثلين من الوزارة التي يجري الاحتجاج أمامها للاستماع إلى هذه الاحتجاجات، ونقلها بشكل مكتوب، واستقبال وفد يمثل المحتجين للحوار معهم، وبذلك يتم تشكيل حوار سياسي مستمر بين الحكومة التنفيذية والمجتمع، وإرساء مبادئ حوارية تفاوضية مع المحتجين، وذلك في الحالة العادية التي يكون فيها التظاهر مدنياً وسلمياً ويعبّر عن حاجة معيّنة. وأكد قبلاوي أنه في حال قام المجلس التشريعي بواجبه الكامل على اعتبار أنه نافذة ويمثل مطالب الشعب بشكل مباشر، فإن الاحتجاجات ستقل حتماً، أما في حالات الانسداد السياسي وتعطّل المجلس التشريعي، فستزداد التظاهرات بشكل أكبر، وسيتوجب دراسة المسارات الموجودة في الحكومة التنفيذية المؤدية إلى التظاهر، علماً أن سورية لا تعيش تلك الحالة من الانسداد السياسي وإنما هي تمرّ بحالة استكشافية بين الشعب والحكومة الجديدة، التي ستبدأ بالعمل عند استقرارها وفقاً للمحددات والمجلس التشريعي الجديد، لتشكل حالة لاستقطاب كل مطالب المجتمع. وأوضح أنه يمكن أن يكون هناك ديوان رقابي أو ديوان للمظالم، تتقدم فيه الجموع خطيّاً بكل الأمور التي تعتقد أنها تشكّل مظلمة ما، وهذا الأمر يعفي من التظاهر غير المنظم أو العشوائي.

ظاهرة الاحتجاج

أما الباحث في الدراسات السياسية سامر ضاحي، فذكر في حديث لـ”العربي الجديد” أن فكرة الاحتجاج هي ظاهرة طبيعية تحصل خلال المراحل الانتقالية التي تمر بها البلدان المختلفة، للتأكيد على المطالب، وفي الحالة السورية تعكس محاولات إعادة تشكيل العلاقة بين السلطة والمجتمع بعد عقود من القمع السياسي. ولفت إلى أن الاحتجاجات بصورتها الحالية في المحافظات السورية أقرب إلى ردود أفعال نتيجة مشكلات أوجدتها الإدارة الجديدة من خلال قرارات اتخذتها، لأن هذه الاحتجاجات لا تعبّر عن مطالب سابقة بقدر ما تعبّر عن رفض بعض الإجراءات التي قامت بها الإدارة الجديدة. كما أنها تعبّر أيضاً عن التحديات التي تواجه هذه الإدارة في تنفيذ تعهدات ووعود بسيطة قطعتها حين وصلت إلى دمشق عكست عدم وعيها لمشكلة “الدولة” في سورية، مضيفاً: يبدو أن قدرتها على تحقيق الوعود لا تزال موضع شك متزايد لدى المجتمع وهي بحاجة لإجراءات ملموسة وليس التصريحات الرنانة فقط، مثل الأوضاع الأمنية والاقتصادية والخدمية.

في المقابل، لا يمكن إنكار وجود هامش من الحرية بدأ السوريون في استكشافه بعد سقوط نظام الأسد، برأي ضاحي، سواء كان سببه اقتناع الإدارة الجديدة أو حاجتها لشرعنة نفسها أو حتى وقوعها تحت ضغط خارجي. لكنه أوضح أن بعض الأسئلة بدأت تعلو أخيراً من دوائر مقربة من الإدارة حول ترخيص الاحتجاجات، مشيراً إلى هوامش في طريقها إلى الضيق بدل الاتساع. أما على المستوى السياسي، فرأى ضاحي: “أعتبر هذه الاحتجاجات نوعاً من الاختبارات لقدرة الإدارة الجديدة على إدارة المرحلة، ومدى تفاعلها أو استجابتها لمطالب الشارع بطرق ديمقراطية، فإذا احتوت التحركات عبر الحوار والسياسات الفعالة، سيكون ذلك مؤشراً واضحاً على انتقال صحي نحو مرحلة أكثر استقراراً، أما عدم الاستجابة أو التعامل معها بأسلوب من اللامبالاة فقد يزيد من تعقيد المشهد السياسي”. وشدّد على أن المماطلة والتسويف ورمي المسؤولية على أطراف أخرى دوماً، ستدفع الشارع السوري إلى مراجعة حماسه تجاه الإدارة الجديدة، مستنداً إلى انتقال سياسي بعيد عن الديمقراطية، وخطاب عام يتجه إلى الفردية.

العربي الجديد

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى