التحديات التي تواجه سوريا والحلول المطروحة/ حسن الشاغل

2025.03.22
تواجه الإدارة السورية الحالية بعد سقوط النظام البائد العديد من المخاطر، السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية. هذه المخاطر قد تشغل وتستهلك موارد الدولة، وتؤخر عملية الاستقرار والوصول إلى التنمية والرفاه، وتضعف مؤسسات الدولة.
وتتناول هذه المقالة صيغة تمكن الدولة السورية من استغلال مواردها بطريقة تنهض بالبلاد و تؤمنها تدريجياً، وتصل بها للاستقرار والتنمية الاقتصادية المستدامة.
في البداية لابد من استعراض أبرز التحديات التي تواجه الحكومة الحالية.
عدم الاستقرار الأمني الداخلي
بعد انهيار النظام البائد، انحلت جميع الأجهزة الأمنية والشرطية في البلاد، وتطلب من الإدارة الجديدة أن تعيد بناء المؤسسة الأمنية بشكل كامل. وهذه العملية تتطلب وقتا، حتى يتم تهيئة العناصر لتكون قادرة على التعامل مع أي حوادث أو ثغرات أمنية قد تعصف بالبلاد، لاسيما أن فلول النظام البائد مازالت تتواجد في العديد من مناطق البلاد. وتحاول هذه المجموعات بين فترة وأخرى ضرب القوات الأمنية الحكومية. ومن الممكن أن تشهد الدولة في الوقت الحالي نقص في القوات الأمنية التي يمكن أن تغطي البلاد بشكل كامل، مما قد يشجع بعض الأطراف لإثارة البلبلة داخل البلاد.
التهديد بالتقسيم الجغرافي أو الفدرالية
مازالت النزاعات بين الأطراف المتناحرة في سوريا موجودة، ولم تبسط بعد الحكومة في دمشق سيطرتها على كامل الأراضي السورية. فقسد مازالت تتحكم بمنطقة شرق الفرات التي تتواجد فيها غالبية احتياطيات النفط السوري، إضافة للمياه، ومناطق زراعية شاسعة، على الرغم من توقيع اتفاق بين الرئيس الشرع ومظلوم عبدي، لكن لم يتم حل المعضلة بشكل كامل، حيث لم يتم الاتفاق بين الطرفين على كيفية إدارة الموارد الاقتصادية، ومازالت الملفات الخلافية عالقة.
علاوة على قسد، لم تنضم القوات العسكرية الموجودة في محافظة السويداء لحكومة دمشق، ورفض زعيم الموحدين الدروز حكمت الهجري الإعلان الدستوري الذي صدق عليه رئيس الجمهورية.
أزمة اقتصادية
بعد سقوط نظام بشار الأسد، دخل الاقتصاد السوري في وضع حرج للغاية، حيث يواجه تحديات كبيرة تحتاج إلى حلول عاجلة لضمان استقرار البلاد ومنع الانهيار الاقتصادي. فالنظام النقدي للبلاد غير مستقر، والبنك المركزي مازال تأثيره محدود في سوق الصرف، وغير قادر على ضبط السوق. فضلاً عن ضعف الخدمات الأساسية (الكهرباء والمياه، والخدمات البلدية ).
ووفقًا لتقرير صادر عن فريق “منسقو الاستجابة” السوري في تاريخ يناير 2025، الذي أجرى إحصائية للدمار الحاصل في سوريا عبر أدوات استقصائية متنوعة. وخلص التقرير إلى تضرر 161 منشأة صحية، وتهدم 892 مدرسة، وتخريب 4626 كيلومترًا من الطرق، وتدمير 51 جسراً. و 511 فرناً، 66 برج اتصالات، و 72 محطة مياه. وأفاد التقرير بتضرر شبكات الصرف الصحي بطول 7393 كيلومترًا.
وبحسب تقرير نشرته منصة الطاقة المتخصصة، تضرر ما يزيد عن 50% من البنية التحتية للمنظومة الكهربائية، بما في ذلك 59 محطة تحويل. وقدرت كلفة الأضرار المباشرة لقطاع الكهرباء في سوريا 40 مليار دولار. وبحسب تقرير منشور على موقع الجزيرة نت تعرّض قطاع الطاقة في سوريا لأضرار جسيمة، وإلى انهيار شبه كامل للبنية التحتية للطاقة، وتراجع الإنتاج من 380 ألف برميل يوميا إلى 40 ألف برميل تقريبا.
كما تعرّضت الموانئ السورية، وخاصة ميناء اللاذقية، لأضرار مادية كبيرة نتيجة لهجمات إسرائيلية متكررة في شهر ديسمبر 2021، مما أدى إلى نشوب حرائق وأضرار مادية جسيمة. وتعد البنية التحتية التي تشمل قطاع الكهرباء والطاقة والمياه والطرق، والمنشآت الصحية، علاوة على القطاع الصناعي والذي يعول عليه لانتشال الاقتصاد السوري، القطاعات الأكثر إلحاحاً لإعادة الإعمار والبناء عبر أدوات متنوعة.
تحديات إعادة الإعمار
بلغت كلفة إعادة الإعمار في سوريا 400 مليار دولار أميركي، وفقاً لتقارير صادرة عن الأمم المتحدة. ويعيق تقدم ملف إعادة الإعمار في سوريا، استمرار العقوبات الدولية المفروضة على الدولة السورية، وارتباط التمويل بوجود شروط وطلبات معلنة قدمتها الولايات المتحدة الأميركية ودول الاتحاد الأوروبي للحكومة السورية الجديدة، وأهمها، تشكيل حكومة تشارك فيها جميع مكونات المجتمع السوري، وتمثيل ووضع المرأة في المجتمع والدولة، وتطبيق الحكومة لسلوك يضمن الاستقرار الأمني الداخلي والإقليمي.
وتؤخر البدء في عملية إعادة الإعمار له انعكاسات سلبية على الوضع الاقتصادي والمعيشي للبلاد، ويؤخر من عودة اللاجئين من دول اللجوء، ويصعب من الوصول إلى الاستقرار الداخلي.
ومن غير المعلوم متى ممكن أن تعلق العقوبات أو ترفع عن سوريا، وقد تبقى ورقة ضغط بيد الأميركيين على الدولة السورية لفترة قد تمتد لسنوات.
الحلول المطروحة
أمام الحكومة السورية تحديات أمنية واقتصادية في المقام الأول، وهذه التحديات نابعة من استمرار العقوبات الدولية على البلاد، وضبط الأمن.
إدراكاً من ذلك لابد من الدولة السورية أن تتجه للاعتماد على الموارد الداخلية في سبيل تحقيق التنمية ولو بحدها الأدنى على المدى القصير، وتحقيق نمو على المدى المتوسط والطويل.
يبدأ الحل في سوريا عبر العمل على مستويين متوازيين، أمني واقتصادي. حيث من الممكن أن تنطلق الحكومة الجديدة لتحقيق الاستقرار الداخلي من المناطق الأكثر استقراراً في البلاد. وتعد المناطق الشمالية الغربية من سوريا الأكثر استقراراً ( حلب، إدلب، حماة)، ولا تحتاج هذه المدن لجهود لوجستية كبيرة لضمان الأمن والاستقرار.
عند التحرير هربت كل فلول النظام من حلب وحماة إلى المدن الساحلية أو للعاصمة دمشق، ومن جهة أخرى موقع المدن الثلاث شمالي البلاد يجعلها نوعاً ما آمنة، لأن تأمين الحدود الشمالية للبلاد في الوقت الحالي يقع على عاتق تركيا _ وهي دولة حليفة_ بدرجة أكبر من الدولة السورية. فضلاً عن وجود وانتشار قوات تركية في مناطق مثل اعزاز والباب والراعي وحتى على أطراف مدينة إدلب.
وبذلك تعد المناطق الشمالية لسوريا (حلب، إدلب، حماة) مناطق أكثر استقراراً وأمناً مقارنة بباقي المناطق مثل الساحل، والمناطق الحدودية الرخوة مع لبنان والعراق والاحتلال الاسرائيلي.
وبعد تثبيت حالة أمنية مستقرة، تعمل الدولة على تهيئة وتجهيز البنية التحتية اللازمة، وبالقدر المقبول للمحافظات الثلاثة، بما يخدم انطلاق عملية اقتصادية نشطة تحقق إيرادات للدولة وتنشط الدورة الاقتصادية للبلاد.
وعند الوصول إلى المستوى المطلوب من التنمية للمنطقة الشمالية من أمن وتنمية اقتصادية، يتم العمل على نقل التجربة إلى المناطق الأخرى من سوريا.
وبالتوازي مع التعامل مع الملف الداخلي أمنياً واقتصادياً، من المهم أن يقترن ذلك بجهود دولية لإيجاد صيغ وتفاهمات مع الأطراف الدولية الفاعلة والمؤثرة على الملف السوري. ويكون عبر تأسيس تحالفات دولية عسكرية تؤمن مستوى متقدم من الأمن القومي للبلاد، والسعي لبناء تفاهمات واتفاقيات اقتصادية مما يحسن من العمل الصناعي والزراعي داخل البلاد.
تلفزيون سوريا